المُهَذَّبُ
في الآدابِ الإسلاميَّةِ
جمعه وأعده
الباحث في القرآن والسنَّةِ
علي بن نايف الشحود
الطبعة الأولى
1430 هـ - 2009 م
ماليزيا
(( بهانج -دار المعمور ))
(( حقوق الطبع لكل مسلم ))(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين،وعلى آله وصحبه أجمعين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن الإسلام دين يهتم بشؤون الإنسان الخاصة،كما يهتم بشؤونه العامة. ويتتبع الإرشاد والتقويم تفاصيل حياته الصغيرة،كما يوجهه في كبيرها. ويتدخل في دقائق أموره الشخصية تهذيبا وتجميلا،كما يهتم بأمور الإنسانية عموما وشمولا.. سواء بسواء.. ويقينه في ذلك أن المجتمع الفاضل أساسه الفرد الفاضل. والأمة الراقية أفرادها ـ لا شك ـ هم الذين أقاموها على الرقي والحضارة والازدهار.
وقد اشتمل هذا الدين على العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والآداب .
وباب الآداب يشمل جميع جزئيات الدين،وهي إما أوامر أو نواهي،وقد وردت في القرآن الكريم في أمكنة كثيرة،وكذلك في السنة النبوية المطهرة،وقد أولاها العلماء قديما وحديثا بالبحث والتفصيل،ففي جل كتب الحديث المرتبة على الأبواب نجد باباً أو كتاباً للأدب،بل أفرده بعض العلماء بكتب مستقلة أشهرها كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري رحمه الله،وكذلك الآداب للإمام البيهقي رحمه الله.
ومن الكتب المعاصرة التي اهتمت بهذا الجانب كتاب (( الآداب الإسلامية للناشئة )) تأليف الشيخ محمد خير فاطمة،وهو مطبوع ومتداول وموجود على النت (1)
وهذا الكتاب شامل ونافع،فقد حوى خمسة وثلاثين أدباً من أهم آداب الإسلام،ولكن النسخة التي على النت كثيرة الأخطاء المطبعية،كما أن المؤلف - عفا الله عنه- لم يقم بتخريج حديث واحد من مصدره الأساسي،فكثرت فيها الأخطاء والأوهام،ولم يذكر الحكم على الأحاديث التي ليست بالصحيحين،ولذا فقد اشتمل كتابه على الصحيح والحسن والضعيف والواهي،بل والموضوع أحياناً،وذكر كثيراً من الحكايات والقصص ولم يذكر مصدرها،ولم يقم بشرح غريب الآيات ولا الأحاديث أيضاً،كما أنه لم يذكر جميع الآداب ففاتته آداب أخرى،ومع هذا فكتابه قيم في بابه،وقد أفدت منه كثيراً .
وذكر بعضها الشيخ أبو بكر الجزائري - حفظه الله- في كتابه القيم (( منهاج المسلم )) . والتي ذكرها منها شرحها بشكل جيد مع أدلتها .
__________
(1) - انظره في مكتبة صيد الفوائد :http://saaid.net/book/open.php?cat=82&book=4943(1/1)
وكذلك ذكر بعضها الشيخ محمد إبراهيم التويجري عفا الله عنه في كتابيه القيِّمين مختصر الفقه الإسلامي وموسوعة الفقه الإسلامي وفي الثاني أوسع بكثير .. لكنه لم يذكرها جميعا،وأحاديثه جلها مدققة وصحيحة ومعزوة لمصادرها .. ولكنه لم يقم بالشرح فاقتصر على العناوين والنصوص فقط.
وقد ذكرت معظمها في كتابي (( موسوعة الأسرة المسلمة )) في باب خاص بها،ولكنها غير محررة
ونجدها منثورة في مواقع كثيرة على النت ..
وقد رأيت أن أجمع وأدقق جل ما ورد في هذه الآداب، التي بلغت خمسا وخمسين أدبا رئيساً وفيها فروع.
وفي كل أدب ذكرت الآيات القرآنية التي تدل عليه مع القيام بشرها في الأغلب بشكل مختصر،وذكرت الأحاديث النبوية المفصلة لها،من مصادرها الأساسية،وقمت بتخريجها والحكم عليها بما يناسبها،ومعظمها تدور بين الصحيح والحسن بشقيه،وذكرت غريبها،وشرحت بعضها،ونقلت كثيرا من أقوال العلماء المتعلقة بذلك ومن مصادرها الرئيسة.وقد فصلت القول ببعض المسائل التي تحتاج لذلك حسب مقتضى الحال .
وجاء كتابي هذا على الشكل التالي:
مقدمة عن الأدب وأهميته في الإسلام
-1- آداب النية
-2- الأدب مع الله سبحانه وتعالى
-3- الأدب مع رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -
-4- الأدب مع النفس
-5-آدابُ الاستيقاظ
-6-آدابُ قضاء الحاجة
-7-آداب الوضوء
-8-آداب الصلاة
-8-آداب الصلاة
-9-آداب الطعام
-10-آداب الشرب
-11-آداب اللباس
-12-آداب الكلام
-13-آداب بيتية
-14- آداب الابن مع الوالدين(1/2)
-15- آداب الأخ مع إخوته
-16- الأدب مع الأولاد
- 17-آداب الطريق
-18-آداب الدراسة والمدرسة
-19-آداب شخصية
-20-آداب النوم
-21-آداب الغسل ودخول الحمام
-22-آداب المسجد
-23-آداب صلاة الجماعة
-24-آداب العالِم
-25-آداب المتعلم
-26-آداب تلاوة القرآن الكريم
-27-آداب ذكر الله تعالى
-28-آداب الدعاء
-29-آداب الجمعة
-30-آداب العيدين
-31-آداب الصيام
-32-آداب الزكاة والصدقات
-33-آداب الحج والزيارة
-34-آداب العمل والمعاش والبيع والشعار
-35-آداب الصلة
ا-آداب صلة الرحم
ب -آداب الجار
جـ -آداب عيادة المريض
د-آداب الصلة بالميت "التعزية"
هـ- الأدب مع الكافر
-36-آداب الصحبة
-37-آداب السلام
-38-آداب الاستئذان(1/3)
-39-آداب المجلس
-40-آداب النزهات
-41- آداب اللقاء
-42- آداب الزيارة
-43- آداب الضيافة
-44- آداب المعاشرات
-45- آداب الرؤيا
-46- آداب عشرة النساء ...
-47- آداب الكلام
-48- آداب الدعاء
-49- آداب الشورى
-50- آداب النصيحة
-51- آداب الدعوة
-52- آداب العمل
-53- آداب الحزن في الإسلام
-54- آداب معاملة الحيوان
-55- أدب الحوار
ويمكن أن يضاف لها بعض الآداب الأخرى،فالباب مفتوح لمن شاء.
هذا وأسال الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم،وأن ينفع به جامعه وقارئه وناشره والدال عليه في الدارين .
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) سورة الحجرات.
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 17 شعبان 1430 هـ الموافق ل 8/8/2009 م
- - - - - - - - - - - - -(1/4)
مقدمة عن الأدب وأهميته في الإسلام
إنّ من نعمة الله علينا أن أكمل لنا الدين وأتم لنا النعمة،وأرسل إلينا رسولاً رحيماً بأمّته،فما من خير إلا ودلنا عليه،وما من شرٍ إلا وحذرنا منه - صلى الله عليه وسلم - ،ولقد كان من جملة الخير الذي دلنا عليه آداب شملت كثيراً من أمور الدين والدنيا،فالعبادات لها آداب ومخالطة الناس لها آداب والتعامل مع النفس له آداب،والأدب هو الدِّينُ كله .
*والآداب منها ما هو مستحب أو مكروه،ومنها ما هو واجبٌ أو محرَّم،ومنها ما هو مُباح.ولذلك اعتنى الإسلام بهذا الجانب وصنّف أهل العلم كثيراً من الكتب والمصنفات،وفي كتب السنة والحديث كتب وأبواب للأدب بل وقد أفرد البخاري رحمه الله كتاباً في الأدب سماه ( الأدب المفرد ) جمع فيه الأحاديث والآثار المتعلقة بالأدب .
*ولا شك أن الأدب في الإسلام مهم جداً وينبغي للمسلم أن يعتني بالآداب الشرعية في جميع الأمور.ونظراً لجهل كثير من المسلمين منزلة الأدب ومراتبه وأنواعه وطرق اكتسابه وغير ذلك من الأمور،ولأن الآداب الشرعية تشمل العالم والمتعلم والرجل والمرأة والكبير والصغير والغني والفقير وغيرهم،وحثاً وترغيباً لنا في اتباع هدي وآداب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله وصفاته وأخلاقه،نتكلم عن هذا الموضوع المهم.
*فما هو تعريف الأدب؟
وما هي منزلته وفضله ؟
وما هي حاجتنا إلى الأدب ؟
وما هي مراتبه وأنواعه ؟
وكيف نكتسب الأدب الشرعي؟وفي هذا البحث الموجز نُجيب على هذه الأسئلة وغيرها إن شاء الله تعالى
1- تعريف الأدب :
الأَدَبُ مُحَرَّكَةً:الذي يَتَأَدَّبُ به الأَديبُ من الناس سُمّيَ به لأَنه يَأْدِبُ الناسَ إلى المَحَامدِ وَيَنْهَاهُم عن المَقَابِحِ (1) . وقال ابن القيم في مدارج السالكين ( الأدب:اجتماع خصال الخير في العبد ومنه المأدبة وهي الطعام الذي يجتمع عليه الناس ) (2) وقال أيضاً: ( وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ) ثم قال ( قال بعض العلماء:الأدب هو استعمال ما يجمل من الأقوال والأعمال والأحوال ) وقال بعضهم ( الأدب هو أن تكون على تعاليم الكتاب والسنة ظاهراً وباطناً ) وقال ابن القيم رحمه الله ( الأدب هو الدين
__________
(1) - تاج العروس - (1 / 276) ولسان العرب - (1 / 206)
(2) - مدارج السالكين - (2 / 375)(1/5)
كله فإنّ سِتر العورة من الأدب،والوضوء وغسل الجنابةِ من الأدب،والتطهر من الخبث من الأدب ... ). (1)
*والخلاصة أن الأدب هو اجتماع خِصال الخير في العبد وفق الكتاب والسنة ظاهراً وباطناً .فإذا أراد المسلم أن يكون مؤدباً فعليه أن يلتزم بالكتاب والسنة في عقيدته ومنهجه وعبادته وأخلاقه وأفعاله وأقواله وصفاته ظاهراً وباطناً .
2- منزلة الأدب وفضله :
قال ابن القيم رحمه الله: ( الأدب هو الدين كله ) فمنزلة الأدب هي منزلة الدين عند العبد،وقال رحمه الله: ( أدب المرء عنوان سعادته وفلاحه،وقلة أدبه عنوان شقاوته وبواره،فما استُجلب خيرُ الدنيا والآخرة بمثل الأدب،ولا استجلب حرمانها بمثل قلة الأدب،فتأمل أحوال كل شقيٍّ ومُدبِرٍ كيف تجد قلة الأدب هي التي ساقته إلى الحرمان ) (2) .
*فمنزلة الأدب عظيمة،فعن الْحَسَنَ بْنِ عَرَفَةَ،قال:سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ،يَقُولُ:" مَنْ تَهَاوَنَ بالْأَدَبِ عُوقِبَ بِحِرْمانِ السُّنَنِ،وَمَنْ تَهَاوَنَ بِالسُّنَنِ عُوقِبَ بِحِرْمانِ الْفَرَائِضِ،وَمَنْ تَهَاوَنَ بِالْفَرَائِضِ عُوقِبَ بِحِرْمانِ الْمَعْرِفَةِ " (3) .
3- حاجتنا إلى الأدب:
المجتمع المسلم بحاجة ماسةٍ إلى سلوك الأدب وتحقيقه بين الأفراد للأسباب التالية :
أ - إذا اتصف الناس بمراعاة الأدب بينهم،حصل الاطمئنان والأمن بينهم .فحقوقهم مكفولة وسمعتهم محترمة ومكانتهم محفوظة،فيطمئنون على أنفسهم .
ب - الأدب ينزع الأحقاد من صدور الناس:فإذا التزم الناس بالآداب الشرعية صَفت النفوس فسادت الأخوّة والمحبة والألفة المجتمع .
ج- الأدب طريقُ العلم النافع:فطالب العلم لن ينال العلم وبركته بدون أدب .وقد حذّر السلف كثيراً من طلب العلم بدون أدب.قَالَ أَبُو النَّضْرِ الفَقِيْهُ: سَمِعْتُ البُوْشَنْجِيّ يَقُوْلُ: مَنْ أَرَادَ العِلْم وَالفِقْه بِغَيْر أَدبٍ،فَقَدْ اقتحمَ أَن يكذب عَلَى اللهِ وَرَسُوْله.. (4)
قال بكر أبو زيد رحمه الله :( لقد تواردت موجبات الشرع على أن التحلّي بمحاسن الأدب ومكارم الأخلاق سِمةُ أهل الإسلام وأن العلم لا يصل إليه إلا المُتحلي بآدابه المتخلي عن آفاته ) (5)
__________
(1) - مدارج السالكين - (2 / 384)
(2) - مدارج السالكين - (2 / 391)
(3) - شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (3139 )
(4) - سير أعلام النبلاء - (13 / 586)
(5) - حلية طالب العلم صـ6(1/6)
* فالأدب مهم جداً للفرد وللمجتمع وخاصةً طالب العلم .
4- مراتب الأدب :
تتفاوت مراتب الأدب بحسب المتأدَّب معه،فليس الأدب مع الله كالأدب مع أنبيائه،وليس الأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالأدب مع سائر الناس،وليس للتعامل مع الناس أدب واحد بل للوالدين أدب خاص وللعلماء والكبار أدبٌ خاص،وهكذا. وكذلك للتعامل مع النفس أداب،فمراتب الأدب أربعة هي :
أ) الأدب مع الله
ب) الأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ج) الأدب مع الناس
د) الأدب مع النفس
×أ) الأدب مع الله عز وجل :
فهو رأس الأمر وعموده وأهم ما يقدمه العبد في دنياه.قال ابن القيم رحمه الله ( الأدب مع الله ثلاثة أنواع:أحدها صيانةُ معاملته أن يشوبها بنقيصةٍ،الثاني:صيانة قلبه أن يلتفت إلى غيره،الثالث:صيانة إرادته أن تتعلق بما يمقتك عليه ) ثم قال ( ومن الأدب مع الله عدم رفع البصر إلى السماء في الصلاة للنهي عن ذلك،ومن الأدب مع الله:أن لا يستقبل بيته ولا يستدبره عند قضاء الحاجة في الفضاء والبنيان،ومن الأدب مع الله:السكون في الصلاة وعدم الالتفات فيها والاستماع للقراءة في الصلاة،والمقصود أن الأدب مع الله تبارك وتعالى هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهراً وباطناً،ولا يستقيم لأحدٍ قط الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء:معرفته بأسمائه وصفاته،ومعرفته بدينه وشرعه وما يُحب وما يكره،ونفسٌ مستعدة قابلة متهيئة لقبول الحق علماً وعملاً ) (1) .
قلت:ما الذي يُرجى في الآخرة من رجلٍ أساء أدبه مع الله تبارك وتعالى وهل يُرجى من مسيء الأدب مع الله أن يُحسن أدبه مع خلقه؟
×ب) الأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
قال ابن القيم رحمه الله :( وأما الأدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فالقرآن مملوء به،فرأس الأدب معه كمال التسليم له،والانقياد لأمره،وتلقي خبرَه بالقبول والتصديق دون معارضته بالعقل أو الشك أو يقدم عليه آراء الرجال،فيوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان كما وحَّد اللهَ تعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل،ومن الأدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي ولا إذن ولا تصرف،حتى يأمر هو،وينهى ويأذن كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) سورة الحجرات ( ومن الأدب معه أن لا تُرفع
__________
(1) - مدارج السالكين - (2 / 376)(1/7)
الأصوات فوق صوته فما الظن برفع الآراء على سُنَّته !! ومن الأدب أن لا يُعارض نصه بقياس،ولا يُحرف كلامه عن حقيقته،ولا يوقَفُ قَبول ما جاء به على موافقة أحد (1) ،فكل هذا من قلة الأدب معه - صلى الله عليه وسلم - وهو عين الجرأة ... ) (2)
×ج) الأدب مع الخلق :
فلابد من أن يعامل كل واحد بما يليق به،ومن خلقِ الله الملائكةُ،وعلى المسلم أن يتأدب معهم،ومن الأدب مع الملائكة محبتهم وموالاتهم،ومن الأدب مع الملائكة:البعد عن الذنوب والمعاصي والروائح الكريهة لأنها تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم،ومن الأدب معهم الامتناع عن كل ما يمنع قرب الملائكة أو دخولهم بيوتنا أو حضورهم مجالسنا مثل الصورة والتمثال والكلب والجرس وكذلك لا تقرب الملائكة سكرانا أو جنبا إلا أن يتوضأ،ومتشبها بالنساء وغيرهم.
* كذلك لابد أن يعامَل الناس كل واحد بما يليق به،فهناك آداب التعامل مع الوالدين وآداب مع الأرحام وآداب مع الجار المسلم وآداب مع العلماء وآداب مع ولاة الأمر وآداب مع الضيف وآداب مع الأولاد وآداب بين الزوجين وآداب مع عامة المسلمين وآداب مع المخالفين من أهل البدع والفاسقين وكذلك وآداب مع غير المسلمين.قال ابن القيِّم رحمه الله ( أما الأدب مع الخلق فهو معاملتهم بما يليق بهم على اختلاف مراتبهم،فلكل مرتبة أدب،والمراتب فيها آداب خاصة،فمع الوالدين أدب خاص،وللأب منهما أدب هو أخص به،ومع العالم أدب آخر ومع السلطان أدب يليق به ومع الضيف أدب غير أدبه مع أهله،ولكل حالٍ أدب:فللأكل آداب .. .. ) ثم قال ( وأدب المرء عنوان سعادته وفلاحه،وقلة أدبه عنوان شقاوته وبَواره ... ) ثم قال ( ومن حقوق الخلق أن لا يفرِّط في القيام بحقوقهم،ولا يستغرق فيها بحيث يشتغل بها عن حقوق الله أو عن تكميلها،أو عن مصلحة دينه وقلبه ... ) (3) .
×د) الأدب مع النفس :
وأدب الإنسان مع نفسه متنوع متفاوت كذلك،فمن الأدب مع النفس السعي إلى تزكيتها وإصلاحها ومحاسبتها وتدريبها على الطاعات والأخلاق،ومن الأدب مع النفس حثها على التوبة والإنابة والخشية وغيرها،وكذلك من الأدب مع النفس تدريبها وإلزامها على الآداب الشرعية.قال ابن القيم رحمه الله:
__________
(1) - قلت : ما لم يكن منسوخاً ، فلا بد أن يكون قد أخذ بالحديث أحد الفقهاء المعتبرين حتى نأخذ به وإلا كان منسوخاً أو غير صحيح
(2) - مدارج السالكين - (2 / 387)
(3) - مدارج السالكين - (2 / 390)(1/8)
( فللأكل آداب وللشرب آداب وللركوب آداب والدخول والسفر والإقامة والنوم آداب ولقضاء الحاجة آداب وللسكوت والاستماع آداب ... ) (1)
والخلاصة أن الأدب مع النفس إلزامها والسير بها على هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع سيرته وأقواله وأفعاله وهديه ظاهرا وباطنا .
*إذا عُلم هذا فينبغي للمسلم أن يضع هذه المراتب والأنواع الأربعة للأدب نَصب عينه دوما:الأدب مع الله عز وجل،والأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،والأدب مع الخلق والناس،والأدب مع النفس،ومن ثم يحرص على بلوغ الدرجة العليا في كل هذه المراتب ليسعد في الدنيا والآخرة .
5- طريق اكتساب الأدب :
بعد أن علمنا حاجتنا إلى الأدب وأهميته وفضله وأنواعه،فكيف السبيل إلى اكتسابه والتخلق به في مجتمعات المسلمين وفي أفرادهم ؟
1- تربية الأولاد على الأدب منذ الصغر :
وهذا واجب الوالدين والأساتذة في البيت والمدرسة،وقال عبد الملك بن مروان لمؤدب ولده - وكان رجلاً من بني زهرة -:علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن،واحملهم على الأخلاق الجميلة،وروِّهم الشعر يشجعوا وينجدوا،وجالس بهم أشراف الناس وأهل العلم منهم،فإنهم أحسن الناس رعةً وأحسنهم أدباً،وجنبهم السَّفلة والخدم،فإنهم أسوأ الناس رعة وأسوؤهم أدباً ومرهم فليستاكوا عرضاً،وليمصوا الماء مصًّا ولا يعبوه عبّا،ووقرهم في العلانية،وذللهم في السر،واضربهم على الكذب،إن الكذب يدعو الى الفجور،والفجور يدعو الى النار،وجنبهم شتم أعراض الرجال،فان الحر لا يجد من عرضه عوضاً،وإذا ولوا أمراً فامنعهم من ضرب الأبشار فإنه عار باقٍ ووتر مطلوب،واحملهم على صلة الأرحام،واعلم أن الأدب أولى بالغلام من النسب. (2)
قد ينفعُ الأدبُ الأحداثَ في صغرٍ وليس ينفع عند الشيبةِ الأدبُ
إن الغصونَ إذا قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قومته الخشب
قال مالك رحمه الله ( كانت أمي تعّممني وتقول لي:اذهب إلى ربيعة فتعلم منه آدابه قبل علمه ) (3) . قال أبو حامد الغزالي رحمه الله:( الصبي أمانة عند والديه،فإن عُوِّد بالخير وعُلمه نشأ عليه وسَعِد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب،فعلى الأب أن يصون ولده بأن يؤدبه
__________
(1) - مدارج السالكين - (2 / 390)
(2) - لباب الآداب لأسامة بن منقذ - (1 / 68) وموسوعة خطب المنبر - (1 / 3680)
(3) - ترتيب المدارك للقاضي عياض رحمه الله(1/9)
ويعلمه محاسن الأخلاق،ويحفظه من قرناء السوء ولا يعوده على التنعم والزينة والرفاهية فيضيع عمره في طلبها،ثم ذكر طرقا في تأديب الصبيان ينبغي لكل والد ومرب الرجوع إليها) (1)
2- ومن طرق اكتساب الأدب،النظر في قصص القرآن وكتب الحديث والسيرة لمعرفة هدي وآداب رسول الله صلى اله عليه وسلم،والالتزام بمجالس ودروس أهل الحديث لأنهم أعلم الناس بآداب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،كذلك النظر في ميراث أسلافنا من الصحابة والتابعين والأئمة المشهورين بالأدب والورع والدين ومن أهم الكتب في سيرهم كتاب ( سير أعلام النبلاء ) للإمام الذهبي رحمه الله (25 مجلدا ).
3- تعليم الناس وتذكيرهم دوما بأهمية الأدب في حياتهم وخطورة تركه وإهماله :-ويتحقق ذلك بإقامة الدروس والمحاضرات والخطب في ذكر الآداب الشرعية بالأدلة الصحيحة .
4- قراءة الكتب والمصفات التي أفردت لأبواب الأدب لمعرفة الآداب الإسلامية والعمل بها ونشرها بين الناس،ولاسيما كتابنا هذا .
5- مصاحبة المربِّين والعلماء وطلبة العلم الملتزمين بالأدب .
6- ومن طرق اكتساب الأدب:توقي الآداب المرذولة في الأفراد والمجتمعات .
7- مجاهدة النفس وتربيتها على الآداب الشرعية:فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ،وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ،مَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ،وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ " (2) قال أبو حامد الغزالي رحمه الله:( فمن أراد مثلا أن يُحصِّل لنفسه خُلُق الجود فطريقه أن يتكلف تعاطي فعل الجود وهو بذل المال،فلا يزال يطالب نفسه به،ويواظب عليه تكلفا مجاهدا نفسه حتى يصير ذلك طبعا ويتيسر عليه فيصير به جوادا .. وجميع الأخلاق المحمودة شرعا تحصل بهذا الطريق ) (3)
فإذا سلك المؤمن طرق اكتساب الأدب مع الإخلاص وفقه الله تعالى .
6- الكتب والمصنفات في الأدب الشرعي :
- أما الكتب التي ذكرت الآداب فهي على أنواع منها ما صُنف كاملا في الأدب مثل :
لباب الآداب لأسامة بن منقذ رحمه الله توفي سنة (584)
الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي توفي سنة (763 هـ) في ثلاثة مجلدات .
الأدب المفرد للإمام البخاري رحمه الله.
الآداب للإمام البيهقي وهو من أوفاها .
__________
(1) - إحياء علوم الدين - (2 / 272) والمدخل لابن الحاج - (5 / 30)
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (20 / 258)(1763) وحلية 5/174 وفتح 1/161 والإتحاف 1/91 و8/27 وخط 5/201 و9/127 والصحيحة ( 342) وصحيح الجامع ( 2328) حسن لغيره
(3) - إحياء علوم الدين - (2 / 258) وميزان العمل - (1 / 22)(1/10)
غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب للسفاريني توفي (1188هـ) في مجلدين .
أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - وآدابه للحافظ بن حيان الأصبهاني( توفي 369هـ) محقق في أربعة مجلدات
زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم (توفي 751هـ) في خمسة مجلدات .
ومن الكتب ما أفرد أبوابا وكتبا ضمن الكتاب مثل كتب الأدب في كتب الحديث المشهورة.ومن المصنفات في آدابٍ معينة مثل آداب طلب العلم وهي كثيرة. (1)
- - - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - انظر :http://www.d-alsonah.com/vb/showthread.php?t=1704(1/11)
-1- آداب النية
المسلم يؤمن بخطر شأن النية،وأهميتها لسائر أعماله الدينية والدنيوية،إذ جميع الأعمال تتكيف بها،وتكون بحسبها فتقوى وتضعف،وتصح وتفسد تبعاً لها،وإيمان المسلم هذا بضرورة النية لكل الأعمال ووجوب إصلاحها،مستمدّ أولاً من قول الله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة.
وَقَدْ تَفَرَّقَ هَؤُلاَءِ وَاخْتَلَفُوا بَغْياً وَعُدْوَاناً،وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالتَّفَرُقِ وَالاخْتِلاَفِ،وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِمَا يُصْلِحُ دِينَهُمْ وَدُنْيَاهُمْ،وَبِمَا يُحَقِّقُ لَهُمُ السَّعَادَةَ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ:مِنْ إِخْلاَصٍ للهِ فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ،وَتَطْهِيرِ أَعْمَالِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ بِهِ،وَاتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ الحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَاءِ المُنْحَرِفَةِ عَنِ الشَّرْكِ،وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَأَدَائِهَا حَقَّ الأَدَاءِ،وَدَفْعِ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ...وَهَذَا هُوَ الدِّينُ الحَقُّ الذِي جَاءَ فِي الكُتُبِ القَيِّمَةِ المُسْتَقِيمَةِ التِي لا عِوَجَ فِيهَا . (1)
وقوله سبحانه:{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} (11) سورة الزمر.
وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ:إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي بِأَنْ أَعْبُدَهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَأَنْ أُخْلِصَ لَهُ العِبَادَةَ . (2)
وقال تعالى :{ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)} [الزمر:2،3]
إِنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الذِي أَنْزَلَ إِلَيْكَ القُرْآنَ ( الكِتَابَ ) آمِراً بِالحَقِّ وَالعَدْلِ الوَاجِبِ اتِّبَاعُهُمَا،والعَمَلُ بِهِمَا،فَاعْبُدْهُ يَا مُحَمَّدُ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ والعِبَادَةَ،وَادْعُ الخَلْقَ إِلَى ذَلِكَ.أَلاَ للهِ وَحْدَهُ العِبَادَةُ والطَّاعَةُ،وَلاَ شَرِكَةَ لأَحَدٍ مَعَهُ فِيهِمَا،لأَنَّ كُلَّ مَا دُونَهُ هُوَ مُلْكٌ لَهُ،وَعَلَى المَمْلُوكِ طَاعَةُ مَالِكِهِ،وَعَلَى العَبْدِ أَنْ يُخْلِصَ العِبَادَةَ للهِ،والذِينَ يَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ مِنَ المُشرِكِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الذِي يَحْمِلُهُمْ عَلَى عِبَادَتِهَا هُوَ أَنَّهُمْ مَثَّلُوا بِهَذِهِ الأَصْنَامِ المَلاَئِكَةَ،فَعَبَدُوا تِلْكَ الصُّورَ تُنْزِيلاً لَهَا مَنْزِلَةَ المَلاَئِكَةِ،لِيَشْفُعُوا لَهُمْ عِنْدَ اللهِ فِي حَاجَاتِهِمْ .وَكَانَ المُشْرِكُونَ يُبَرِّرُونَ عِبَادَتَهُمْ لِمَنْ هُمْ دُونَ اللهِ بِأَنَّ الإِلَهَ الأَعْظَمَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَعْبُدَهُ البَشَرُ مُبَاشَرَةً،فَهُمْ يَعْبُدُونَ هَذِهِ الآلِهَةَ،وَهِيَ تَعْبُدُ الإِلَهَ الأَعْظَمَ.واللهُ تَعَالَى يَحْكُمُ يَوْمَ القِيَامَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خُصُومِهِمْ،مُتَّبِعِي الحَقِّ وَسُبُلِ الهُدَى،فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ،وَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ بِعَمَلِهِ .وَاللهُ تَعَالَى لاَ يُرْشِدُ إِلَى الحَقِّ مَنْ هُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ عَلَيْهِ،فَيْزْعُمُ أَنَّ لَهُ وَلَداً أَوْ صَاحِبَةً.تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً . (3)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 6012)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3948)
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3939)(1/12)
وثانياً من قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى،فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ،وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا،أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا،فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ " (1) .
ولحديث أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ،وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ. (2) .
فالنظر إلى القلوب نظر إلى النيات،إذ النية هي الباعث على العمل والدافع إليه،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،عَنِ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ،قَالَ:مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا،كَتَبْتُ لَهُ حَسَنَةً،فَإِنْ عَمِلَهَا،كَتَبْتُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةٍ وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا،لَمْ أَكْتُبْ عَلَيْهِ،فَإِنْ عَمِلَهَا،كَتَبْتُهَا عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً (3) ..
وعَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ الأَسَدِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : النَّاسُ أَرْبَعَةٌ،وَالأَعْمَالُ سِتَّةٌ:مُوجِبَتَانِ وَمِثْلٌ بِمِثْلٍ،وَحَسَنَةٌ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا،وَحَسَنَةٌ بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ،وَالنَّاسُ مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ،وَمُوَسَّعٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا،مَقْتُورٌ عَلَيْهِ فِي الآخِرَةِ،وَمَقْتُورٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ فِي الآخِرَةِ،وَمَقْتُورٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ،وَشَقِيٌّ فِي الدُّنْيَا،وَشَقِيٌّ فِي الآخِرَةِ،وَالْمُوجِبَتَانِ مَنْ قَالَ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،أَوْ قَالَ:مُؤْمِنًا بِاللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ،وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ دَخَلَ النَّارَ،وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشَرَةُ أَمْثَالِهَا،وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ،وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ،وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ غَيْرُ مُضَعَّفَةٍ،وَمَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فَاضِلَةً فِي سَبِيلِ اللهِ فَبِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ. (4)
فبمجرد الهم الصالح كان العمل صالحاً يثبت به الأجر وتحصل به المثوبة وذلك لفضيلة النية الصالحة،وعَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ،قَالَ:ضَرَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَثَلُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَمَالا،فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي مَالِهِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالا،فَيَقُولُ: لَوْ آتَانِي اللَّهُ مِثْلَ مَا آتَى هَذَا لَعَمِلْتُ فِيهِ كَمَا يَعْمَلُ فَهُمَا فِي الأَجْرِ سَوَاءٌ،وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي غَيْرِ الْحَقِّ لا يَتَّقِي فِيهِ رَبًّا وَلا يَصِلُ فِيهِ رَحِمًا،وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ آتَانِي اللَّهُ مِثْلَ مَا آتَى هَذَا لَعَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ " (5) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1 )
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6708) وصحيح ابن حبان - (2 / 120)(394)
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (354 ) وصحيح ابن حبان - (2 / 108)(384)
(4) - صحيح ابن حبان - (14 / 45) (6171) صحيح
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (16 / 201)(18303 ) صحيح(1/13)
فأثيب ذو النية الصالحة بثواب العمل الصالح،ووزر صاحب النية الفاسدة بوزر صاحب العمل الفاسد،وكان مردّ هذا إلى النية وحدها .
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ،وَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ،قَالَ:إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ،وَلاَ قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ،إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ؟ قَالَ:نَعَمْ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ." (1)
فحسن النية إذا هو الذي جعل غير الغازي في الأجر كالغازي،وجعل غير المجاهد يحصل على أجر كأجر المجاهد .
وعَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ ذَهَبْتُ لأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ،فَلَقِيَنِى أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قُلْتُ أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ.قَالَ ارْجِعْ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِى النَّارِ ».فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ « إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ » (2) .
فسوَّت النية الفاسدة والإرادة السيئة بين قاتل مستحق للنار وبين مقتول لولا نيته الفاسدة لكان من أهل الجنة .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى صَدَاقٍ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لا يُؤَدِّيَهُ إِلَيْهَا فَهُوَ زَانٍ،وَمَنِ ادَّانَ دَيْنًا وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لا يُؤَدِّيَهُ إِلَى صَاحِبِهِ،أَحْسِبُهُ قَالَ:فَهُوَ سَارِقٌ " (3) .
فبالنية السيئة انقلب المباح حراماً،والجائز ممنوعاً،وما كان خالياً من الحرج أصبح ذا حرج .
كل هذا يؤكد ما يعتقده المسلم في خطر النية،وعظم شأنها،وكبير أهميتها فلذا هو يبني سائر أعماله على صالح النيات،كما يبذل جهده في أن لا يعمل عملاً بدون نية،أو نية غير صالحة،إذ النية روح العمل وقوامه،صحته من صحتها وفساده من فسادها،والعمل بدون نية صاحبه مراء متكلف ممقوت
وكما يعتقد المسلم أن النية ركن الأعمال وشرطها،فإنه يرى أن النية ليست مجرد لفظ باللسان (اللهم نويت كذا ) ولا هي حديث نفس فحسب،بل هي انبعاث القلب نحو العمل الموافق لغرض صحيح من جلب نفع،أو دفع ضر حالا،أو مآلا،كما هي الإرادة المتوجهة تجاه الفعل لابتغاء رضا الله،أو امتثال أمره .
والمسلم إذ يعتقد أن العمل المباح ينقلب بحسن النية طاعة ذات أجر ومثوبة وأن الطاعة إذا خلت من نية صالحة تنقلب معصية ذات وزر وعقوبة،لا يرى أن المعاصي تؤثر فيها النية الحسنة فتنقلب طاعة،فالذي يغتاب شخصاً لتطييب خاطر شخص آخر هو عاص لله تعالى آثم لا تنفعه نيته الحسنة في
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (4423) وصحيح ابن حبان - (11 / 33) (4731)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (31 ) وصحيح مسلم- المكنز -(7435 )
(3) - كشف الأستار - (2 / 163)(1430) حسن لغيره(1/14)
نظره،والذي يبني مسجداً بمال حرام لا يثاب عليه،والذي يحضر حفلات الرقص والمجون،أو يشتري أوراق اليانصيب بنية تشجيع المشاريع الخيرية،أو لفائدة جهاد ونحوه،هو عاص لله تعالى آثم مأزور غير مأجور،والذي يبني القباب على قبور الصالحين،بنية محبة الصالحين هو عاص لله تعالى آثم على عمله،ولو كانت نيته صالحة كما يراها،إذ لا ينقلب بالنية الصالحة طاعة إلاّ ما كان مباحاً مأذوناً في فعله فقط،أما المحرم فلا ينقلب طاعة بحال من الأحوال . (1)
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - انظر منهاج المسلم ص 60(1/15)
-2- الأدب مع الله سبحانه وتعالى
المسلم إذا نظر إلى ما لله تعالى عليه من منن لا تحصى ونعم لا تعد اكتنفته من ساعة علوقه نطفة في رحم أمه وتسايره إلى أن يلقى ربه سبحانه وتعالى فيشكر الله تعالى عليها بلسانه بالثناء عليه بما هو أهله وبجوارحه بتسخيرها في طاعته فيكون هذا أدبا منه مع الله سبحانه وتعالى،إذ ليس من الأدب في شيء كفران النعم وجحود فضل المعم والتنكر له ولإحسانه وإنعامه والله سبحانه يقول: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (53) سورة النحل،ويقول سبحانه {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (18) سورة النحل،ويقول الحق سبحانه {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} (152) سورة البقرة.
وينظر المسلم إلى علمه تعالى به واطلاعه على جميع إحواله فيمتلئ قلبه منه مهابة ونفسه له وقارا وتعظيما فيخجلُ من معصيته ويستحيى من مخالفته والخروج عن طاعته فيكون هذا أدبا مع الله سبحانه وتعالى،إذ ليس من الأدب فى شيء أن يجاهر العبد سيده بالمعاصي أو يقابله بالقبائح والرذائل وهو يشهده وينظر إليه قال تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)} [نوح:13،14]،وقال تعالى:{وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} (19) سورة النحل
وقال تعالى:{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (61) سورة يونس.
يُخْبِرُ اللهَ تَعَالَى بِأَنَّهُ عَالِمٌ بَجِمِيعِ أَحْوَالِ رَسُولِهِ وَأُمُورِهِ،سَوَاءٌ مِنْهَا مَا هُوَ خَاصٌ بِهِ،أَوْ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِشُؤُونِ الدَّعْوَةِ،وَأَنَّهُ لاَ يَتْلُو مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مِنْ قُرْآنٍ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ اللهُ تَعَبُّداً وَتَهَجُّداً بِهِ،أَوْ تَبْلِيغاً لَهُ لِلنَّاسِ،وَلاَ يَقُومُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ،مِنَ المُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِمْ،بِعَمَلٍ صَالِحٍ أَوْ غَيْرِ صَالِحٍ،كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ،إِلاَّ كَانَ اللهُ تَعَالَى رَقِيباً عَلَيْهِمْ فَيَحْفَظُهُ لَهُمْ،وَيَجْزِيهِمْ بِهِ،وَأَنَّهُ تَعَالَىلاَ يَغِيبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيءٌ صَغُرَ أَوْ كَبُرَ حَتَّى وَلَوْ كَانَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ،أَوْ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ،فَكُلُّ شَيءٍ مُحْصًى عِنْدَهُ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ . (1)
وينظر المسلم إليه تعالى وقد قدر عليه وأخذ بناصيته وأنه لا مفرَّ له ولا مهرب ولا منجا ولا ملجأ منه إلا إليه فيفر إليه تعالى ويطرح بين يديه ويفوض أمره إليه ويتوكل عليه فيكون هذا أدباً منه مع ربه وخالقه إذ ليس من الأدب في شسء الفرار مما لا مفر منه ولا مهرب ولا الاعتماد على مَن لا قدره له ولا الاتكال على مَن لا حول ولا قوة له،قال تعالى: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } (56) سورة هود
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1426)(1/16)
إِنِّي وَكَّلْتُ أُمُورِي إلى اللهِ،وَهُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمُ الحَقُّ،خَلَقَ المَخْلُوقَاتِ كُلَّها،وَجَعَلَهَا تَحْتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ،وَهُوَ الحَاكِمُ العَادِلُ الذِي لاَ يَجُوزُ فِي حُكْمِهِ.وَأَفْعَالُهُ تَعَالى،تَجْرِي عَلَى طَريقِ الحَقِّ وَالعَدْلِ فِي مُلْكِهِ .
أَمَّا الأَصْنَامُ وَالأَوْثَانُ فَهِيَ حِجَارَةٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ وَلاَ تَمْلِكُ لِنَفْسِهَا ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً . (1)
وقال: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} (50) سورة الذاريات
فَالجَؤوا إلى اللهِ يَا أَيُّها النَّاسُ،وَأسْرِعُوا إلى طَاعَتِهِ،وَاعتَمِدُوا عَلَيه في جَميعِ أُمُورِكُمْ،فَإني لَكُم مِنْهُ نَذيرٌ،أنذِرُكُم عِقَابَه،وَأخَوِّفُكُمْ مِنْ عَذابِه الذِي أنزَلَهُ بالأمَمِ الخَاليةِ التي كَذَّبَتْ رُسُلَها،وَكَفَرتْ بِرَبِّها،وَإِني مُبَيِّنٌ لَكُم مَا يَجِبُ عَلَيكُمْ أنْ تَحْذُروه . (2)
وقال تعالى:{قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (23) سورة المائدة.
وينظر المسلم إلى الطاف الله تعالى به في جميع الأمور وإلى رحمته له ولسائر خلقه فيطمع في المزيد من ذلك فيتضرع له بخالص الضراعة والدعاء ويتوسل إليه بطيب القول وصالح العمل فيكون هذا أدبا مع الله مولاه،إذ ليس من الأدب في شيء اليأس من رحمة التي وسعت كل شيء ولا القنوط من إحسانه الذي قد عم البرايا .
قال تعالى: { وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (156) سورة الأعراف .
وَأَثْبِتْ لَنَا،بِرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ { واكتب لَنَا } حَيَاةً طَيِّبَةً فِي هذِهِ الدُّنيا،مِنْ عَافِيةٍ وَبَسْطَةٍ في الرِّزْقِ،وَتَوْفِيقٍ لِطَاعَةِ،وَمَثُوبَةٍ حَسَنَةٍ فِي الآخِرَةِ بِدُخُولِ الجَنَّةِ،وَنَيْلِ رِضْوَانِكَ،إِنَّنَا تُبْنَا إِلَيْكَ { هُدْنَآ إِلَيْكَ } مِمَّا فَرَطَ مِنْ سُفَهَائِنَا مِنْ عِبَادَةِ العِجْلِ،وَمِنْ تَقْصِيرِ العُقَلاءِ مِنّا فِي نَهْيِهِمْ وَالإِنْكَارِ عَلَيهِمْ.وَرَدَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى دُعَاءِ مُوسَى قَائِلاً:لَقَدْ أَوْجَبْتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابِي خَاصّاً أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ مِنَ الكُفَّارِ وَالعُصَاةِ،الذِينَ لَمْ يَتُوبُوا،أَمَّا رَحْمَتِي فَقَدْ وَسِعْتَ كُلَّ شَيءٍ،وَسَأُثْبِتُ رَحْمَتِي بِمَشِيئَتِي لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الكُفْرَ وَالمَعَاصِيَ،وَيُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ،وَيُؤْتُونَ الصَّدَقَاتِ التِي تَتَزَكَّى بِهَا نُفُوسُهُمْ،وَلِلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَيُصَدِّقُونَ بِجَمِيعِ آيَاتِي الدَّالَّةِ عَلَى الوحْدَانِيَّةِ،وَيُصَدِّقُونَ رُسُلِي،وَمَا جَاؤُوهُمْ بِهِ . (3)
وقال تعالى:{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ } (19) سورة الشورى.
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1530)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4604)
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1111)(1/17)
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ لُطْفِهِ بِعِبَادِهِ سَوَاءٌ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ البَرُّ والفَاجِرُ،فَهُوَ يُوسِّعُ الرِّزْقَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ،وَيَدْفَعُ عَمَّنْ يُرِيدُ البَلاَءَ،وَهُوَ القَوِيُّ الذِي لاَ يُغَالَب،العَزِيزُ الذِي لاَ يُقْهَرُ . (1)
وقال تعالى على لسان النبي يعقوب عليه السلام:{يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } (87) سورة يوسف.
وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر
قل -أيها الرسول- لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي،وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب: لا تَيْئسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم،إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت،إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده،الرحيم بهم. (2)
وينظر المسلم إلى شدة بطش ربه وإلى قوة انتقامه وإلى سرعة حسابه فيتقيه بطاعته ويتوقاه بعدم معصيته فيكون هذا أدبا منه مع الله تعالى.إذ ليس من الأدب عند ذوي الألباب أن يتعرض بالمعصية والظلم العبدُ الضعيفُ العاجز للرب العزيز القادر والقوي القاهر وهو يقول:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} (11) سورة الرعد .
لله تعالى ملائكة يتعاقبون على الإنسان من بين يديه ومن خلفه،يحفظونه بأمر الله ويحصون ما يصدر عنه من خير أو شر. إن الله سبحانه وتعالى لا يغيِّر نعمة أنعمها على قوم إلا إذا غيَّروا ما أمرهم به فعصوه. وإذا أراد الله بجماعةٍ بلاءً فلا مفرَّ منه،وليس لهم مِن دون الله مِن وال يتولى أمورهم،فيجلب لهم المحبوب،ويدفع عنهم المكروه. (3)
ويقول:{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} (12) سورة البروج،ويقول: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} (4) سورة آل عمران.
وينظر المسلم إلى الله تعالى عند معصيته والخروج عن طاعته وكأن وعيده قد تناوله وعذابه قد نزل به وعقابه قد حلَّ بساحته كما ينظر إليه تعالى عند طاعته واتباع شرعه وكأن وعده قد صدقه له وكأن حلة رضاه قد خلعها عليه فيكون هذا من المسلم حسن الظن بالله،إذ ليس من الأدب أن يسيء المرء الظن بالله فيعصيه ويخرج عن طاعته ويظن أنه غير مطلع عليه ولامؤاخذه على ذنبه وهو يقول:{ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4170)
(2) - التفسير الميسر - (8 / 271)
(3) - التفسير الميسر - (4 / 223)(1/18)
مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) } [فصلت:22 - 24]
كما أنه ليس من الأدب مع الله أن يتقيه المرء ويطيعه ويظن أنه غير مجازيه بحسن عمله ولا هو قابل منه عبادته وطاعته وهو الحق يقول: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } (52) سورة النور،ويقول تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} (160) سورة الأنعام،ويقول سبحانه:{مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (84) سورة القصص،ويقول سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (97) سورة النحل.
وخلاصة القول إنَّ شكر المسلم ربه على نعمه وحياءه منه تعالى عن الميل إلى معصيته وصدق الأنابة اليه والتوكل عليه ورجاء رحمته والخوف من نقمته وحسن الظن به في إنجاز وعده وإنفاذ وعيده فيمن شاء من عباده هو أدبه مع الله وبقدر تمسكه به ومحافظته عليه تعلو درجته ويرتفع مقامه وتسمو مكانته وتعظم كرامته فيصبح من أهل ولاية الله تعالى ورعايته ومحط رحمته ومنزل نعمته،وهذا أقصى ما يطلبه المسلم ويتمناه طوال حياته.
فالأدب مع الله هو سلوك الأنبياء والصالحين وإذا كان التأدب مع أصحاب الفضل واجباً فإن من أوجب الواجبات التأدب مع الله سبحانه وتعالى ومن صور التأدب مع الله ما يلي :
الإخلاص :
الإخلاص له سبحانه في العمل قال الله تعالى:{ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (110) سورة الكهف
عَنِ الْحَسَنِ،قَالَ:لاَ يَزَالُ الْعَبْدُ بِخَيْرٍ إذَا قَالَ لِلَّهِ وَإِذَا عَمِلَ لِلَّهِ. (1)
وقال أَبُو الأَشْهَبِ:سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ:يَا ابْنَ آدَمَ،إنَّ لَك سِرًّا،وَإِنَّ لَك عَلاَنِيَةً،فَسِرُّك أَمْلَكُ بِكَ مِنْ عَلاَنِيَتِكَ،وَإِنَّ لَك عَمَلاً وَإِنَّ لَكَ قَوْلاً فَعَمَلُك أَمْلَكُ بِكَ مِنْ قَوْلِك. " (2)
الشرك :
الحذر من الوقوع في الشرك صغيرة وكبيره فهذا مما لا يحبه الله ولا يرضاه قال الله تعالى: ( وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) الأنعام 88
الشكر:
شكر نعمته عليك والاعتراف بها قال الله تعالى:( وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ) النحل 88
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 523) (36436) صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 523) (36437) صحيح(1/19)
وقوله تعالى :( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) إبراهيم 7
التعظيم :
تعظيمه وتوقيره وتعظيم شعائره قال الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) الزمر 67،وقال تعالى: ( مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ) نوح 103،وقال أيضاً :( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحج 32
التقوُّل على الله:
عدم القول على الله بغير علم لقوله تعالى: ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ) النحل116
المراقبة :
استشعار مراقبة الله لك في السر والعلانية وأنه مطلع عليك وأنت في ملكه وقبضته قال تعالى:( وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) التغابن 4
الخشية والإنابة :
الخشية والخوف منه ورجاؤه قال الله تعالى :( فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ) البقرة 105،وقال سبحانه وتعالى :( فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) آل عمران 175،وقال :( وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ) الإسراء 75
التوبة :
التوبة والإنابة إليه وطلب المغفرة منه قال الله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ) النساء 64
الدعاء:
دعاؤه والتضرع إليه والانكسار بين يديه قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة 186.
وقوله عز وجل: ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّع َ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ) النمل 62
- - - - - - - - - - - - - -(1/20)
-3- الأدب مع رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - -
إنَّ المسلمَ يشعر في قرارةِ نفسه بوجوبِ الأدب الكامل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أكرمنا الله ببعثته وجعلنا من أتباعه لعدةِ أسباب منها:
1- أن الله تعالى قد أوجب له الأدب عليه الصلاة والسلام على كل مؤمن ومؤمنة؛ وذلك بصريح كلامه عز وجل إذ قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الحجرات: 1).
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} (الحجرات: 2)
وقال: {إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وأَجْرٌ عَظِيمٌ} (الحجرات: 3).
وقال: {إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن ورَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ولَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا} (الحجرات: 4-5).
وقال: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا} (النور:63)
وقال:{إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وإذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} (النور: 62).
2- أن الله تعالى قد فرض على المؤمنين طاعته وأوجب محبته فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (محمد: 33).
وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور: 63).
وقال: {ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ومَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (الحشر: 7)
وقال: {قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (آل عمران:31 )
فمَن وجبت طاعته وحرمت مخالفته لزم التأدب معه في جميع الأحوال.
3- أن الله عز وجل قد حكَّمه فجعله إمامًا وحاكمًا قال تعالى: {إنَّا أنزَلْنَا إلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (الأنبياء: 105).
وقال: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (48) سورة المائدة(1/21)
وقال: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء
أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة أن هؤلاء لا يؤمنون حقيقة حتى يجعلوك حكمًا فيما وقع بينهم من نزاع في حياتك،ويتحاكموا إلى سنتك بعد مماتك،ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا مما انتهى إليه حكمك،وينقادوا مع ذلك انقيادًا تاماً،فالحكم بما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب والسنة في كل شأن من شؤون الحياة من صميم الإيمان مع الرضا والتسليم. (1)
وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) سورة الأحزاب
4 - أن الله تعالى قد فرض محبته على لسانه فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ » (2) .ومن وجبت محبته وجب الأدب إزاءه ولزم التأدب معه .
5 - ما اخنصه به ربه تعالى من جمال الخلق والخلُق وما حباه به من كمال النفس والذات فهو أجمل مخلوق وأكمله على الاطلاق ومَن كان هذا حاله كيف لا يجب التأدب معه .
6- كذلك فإنه بعد الآية الكريمة الأولى التي تحدّثت عن الأصل العام الذي يضبط حياة المسلم (في التلقي عن الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ).. جاءت الآيات الكريمة التالية تتحدّث عن: الآداب الواجبة على الأمة تجاه نبيّها - صلى الله عليه وسلم - ،الذي يتلّقون منه منهجهم ودينهم:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (الحجرات 2).. أي:- يا أيها الذين آمنوا:إذا كلّمتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالتزموا الأدب الكامل،واخفضوا أصواتكم ولا ترفعوها فوق صوته،وحين مخاطبته لا تجهروا بالقول كما يجهر بعضكم لبعض،ولا تخاطبوه باسمه وكنيته،بل خاطبوه بما هو أهل له،وبما يميّز مقامه عن مقامكم.. لأنكم إن فعلتم،أي إن خاطبتموه باسمه وكنيته ورفعتم أصواتكم فوق صوته.. فقد يسوقكم ذلك إلى الاستخفاف بمن يبلّغكم رسالة الله عز وجل،وبالتالي إلى الاستخفاف بالرسالة ذاتها،وهذا قد يؤدي إلى بطلان ثواب أعمالكم وضياعها دون أن تدروا أو تشعروا بهذا المنزلق الخطير،الذي قد يوصلكم إلى الكفر المحبِط للعمل.. إنه تحذيرٌ وتخويفٌ للمؤمنين من اتباع ذلك السلوك.
(إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (الحجرات 3).
__________
(1) - التفسير الميسر - (2 / 65)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (14 ) وصحيح مسلم- المكنز - (178 )(1/22)
- أما الذين يغضّون أصواتهم ويخفضونها في حضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فقد هيأ الله قلوبهم لتلقي الهبة العظيمة والجائزة الكبيرة منه عز وجل،وهي هبة التقوى،التي ستؤدي في النتيجة إلى الخوف منه سبحانه،وإلى الإنابة إليه،ثم إلى استحقاق مغفرته جل وعلا واستحقاق أجره العظيم الذي يؤدي إلى الجنة.. إنه ترغيبٌ عميقٌ بعد تحذيرٌ مخيف!..
(إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الحجرات 3).
- ثم أشارت الآيات الكريمة إلى حادثٍ وقع مع وفد بني تميم (في عام الوفود)،حين قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وكانوا أعراباً جُفاةً،فنادوا من وراء حجرات النبيّ عليه الصلاة والسلام،المطلّة على المسجد النبويّ الشريف: يا محمد!.. اخرج إلينا!.. فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الجفوة وهذا الإزعاج: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ).. لأنهم لم يبلغوا في صفاتهم العقلية ما يدلّهم على كيفية التعامل مع الذي يبلّغ رسالة الله عز وجل،ولم يتّبعوا أدب العاقلين الناضجين في التعامل مع الناس.
لقد كان الأجدر بهم أن ينتظروا ويصبروا حتى تخرجَ إليهم،فذلك أفضل لهم عند الله وعند الناس،لما فيه من مراعاةٍ للأدب في مقام النبوّة.. ولكن الله عز وجل يقول بعد ذلك: (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)،وهو ترغيب بالتوبة والإنابة (الرجوع) إليه،والعودة إلى الأصول في التعامل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،ثم الترغيب في الرحمة والمغفرة،إذ اقتصر قول الله عز وجل على تحذيرهم وتقريعهم،ولم ينزل العقاب عليهم.. مراعاةً لطبيعتهم القاسية التي تتمتع بالجفاء.
كيف امتثل المؤمنون من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذه الآيات؟!..
- منهم مَن أقسم ألا يكلّمه إلا سرّاً (أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه).. ومنهم من حرص على خفض صوته حتى يستفهمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. ومنهم مَن بقي خائفاً وَجِلاً من أن يَحبَطَ عملُهُ لأن صوته جهورياً حاداً (ثابت بن قيس).. ومنهم.. ومنهم.
- في صلح الحديبية،يقول مفاوض قريش (عروة بن مسعود الثقفي): (والله ما تنخّم رسول الله نخامةً إلا وقعت في كفِّ رجلٍ منهم (يقصد الصحابة).. ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه.. وإذا أمرهم ابتدروا أمره،وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه (أي الماء الناتج عن الوضوء).. وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده..).. (والله لقد وفدتُ على قيصر في مُلكه.. وعلى كسرى في مُلكه.. وعلى النجاشيّ في مُلكه.. والله ما رأيت مَلِكاً قطّ،يُعظّمه أصحابه مثل ما يعظِّم أصحابُ محمدٍ محمداً)!..
فلنتأمّل،ولنتدبّر،وليكن الصحابة رضوان الله عليهم قدوتنا!..
لنتدبّر في الدروس والعظات المستوحاة من الآيات الكريمة(1/23)
1- وجوب الأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،في حياته وحضرته.. وبعد مماته،وذلك مع سنّته وأحاديثه وسيرته.
2- الصغائر قد تجرّ إلى الكبائر،والإساءة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكبائر التي قد تؤدي إلى الكفر المحبِط للعمل.
3- إنّ مما يُرتَكَب من الذنوب.. ما يذهب بثواب الأعمال،من غير أن يدري المخطئ أحياناً أبعاد عمله المسيء الذي يرتكبه!..
لذلك علينا مراقبة أعمالنا وأقوالنا جيداً،كي لا نقع بالخطأ والذنب الذي يودي بصالحات أعمالنا (وتحسبونَه هيّناً وهو عندَ اللهِ عظيم)!..
4- إنّ الأدب يدلُّ على التمتع بالعقل،فمن كان مؤدّباً فهو عاقل،ومن جُرِحَ أدبه فهو ناقص العقل.
5- الأدب والتأدّب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. يقتضي التأدّب مع العلماء المؤمنين المخلصين،الذين يعملون لإقامة شرع الله،وللدفاع عن حُرُماتِه.. فإنهم ورثة الأنبياء.. وكذلك التأدّب مع كل ذي شأنٍ من أصحاب العلم والفكر،الذين يرومون رفعة هذه الأمة الإسلامية،ويعملون على الدفاع عنها وعن دينهم،ويجتهدون في دفع الخبث والشبهات عنها،وفي تعرية أعدائها والدخلاء عليها وعلى منهجها الإسلاميّ القويم. (1)
هذه هى بعض موجبات الأدب معه - - صلى الله عليه وسلم - - وغيرها كثير ولكن كيف يكون الأدب ؟ وبماذا يكون ؟ وهذا ما ينبغي أن يعلم !
يكون الأدب معه - - صلى الله عليه وسلم - :
1 - بطاعته واقتفاء أثره وترسم خطاه فى جميع مسالك الدنيا والدين .قال تعالى:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (80) سورة النساء
2 - ان لا يقدم على حبه وتوقيره وتعظيمه حب مخلوق او توقيره او تعظيمه كائنا من كان.عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ:أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا،وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ،وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُوقَدَ لَهُ نَارٌ فَيُقْذَفَ فِيهَا. (2)
3 - موالاة من كان يوالى ومعاداة من كان يعادى والرضا بما كان يرضى به والغضب لما كان يغضب اليه.قال تعالى:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (55) سورة المائدة
__________
(1) - http://www.odabasham.net/show.php?sid=15006
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (16 ) وصحيح مسلم- المكنز - (174) وصحيح ابن حبان - (1 / 474)(238)(1/24)
4- إجلال اسمه وتوقيره عند ذكره والصلاة والسلام عليه واستعظامه وتقدير شمائله وفضائله.قال تعالى :{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) }[الفتح:8،9]
5 - تصديقه في كل ما أخبر به من أمر الدنيا والدِّين وشأن الغيب في الحياة الدنيا وفي الآخره.قال تعالى:{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر
6 - إحياء سنته وإظهار شريعته وإبلاغ دعوته وإنفاذ وصاياه.عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً،وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ،وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. (1)
7 - خفض الصوت عند قبره وفي مسجده لمن أكرمه الله بزيارته وشرفه بالوقوف على قبره - صلى الله عليه وسلم - ،قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} (3) سورة الحجرات
8 - حب الصالحين وموالاتهم بحبه وبغض الفاسقين ومعاداتهم ببغضه .
هذه هى مظاهر الآداب معه - - صلى الله عليه وسلم - - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ،فَقَالَ:السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ،وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ،وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،أَلَسْنَا إِخْوَانَكَ،قَالَ:بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي،وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ،وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ ؟ قَالَ:أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ ؟ قَالُوا:بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ،قَالَ:فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ،وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ،فَلَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ،أُنَادِيهِمْ أَلاَ هَلُمَّ أَلاَ هَلُمَّ،فَيُقَالُ:إِنَّهُمْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ،فَأَقُولُ:فَسُحْقًا فَسُحْقًا فَسُحْقًا. (2)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي،قَالَ:فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ ؟ قَالَ:أَنْتُمْ أَصْحَابِي،وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي." (3)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3461) وصحيح ابن حبان - (14 / 149) (6256)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ : بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً أَمْرٌ قَصَدَ بِهِ الصَّحَابَةَ ، وَيَدْخُلُ فِي جُمْلَةِ هَذَا الْخَطَّابِ مَنْ كَانَ بِوَصْفِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي تَبْلِيغِ مَنْ بَعْدَهُمْ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا قَامَ الْبَعْضُ بِتَبْلِيغِهِ سَقَطَ عَنِ الآخَرِينَ فَرْضُهُ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ فَرْضِيَّتَهُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِ ، وَأَنَّهُ مَتَى امْتَنَعَ عَنْ بَثِّهِ ، خَانَ الْمُسْلِمِينَ ، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ فَرْضُهُ.
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (607 ) وصحيح ابن حبان - (16 / 224) (7240)
بهم : جمع بهيم وهو الأسود وقيل الذى لايخالط لونه لون سواه -الدهم : جمع أدهم وهو الأسود
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 399) (12579) 12607- حسن لغيره(1/25)
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ:فَقَدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً أَصْحَابُهُ،وَكَانُوا إِذَا نَزَلُوا أَنْزَلُوهُ وَسَطَهُمْ فَفَزِعُوا،وَظَنُّوا أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لَهُ أَصْحَابًا غَيْرَهُمْ،فَإِذَا هُمْ بِخَيَالِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَكَبَّرُوا حِينَ رَأَوْهُ وَقَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ أَشْفَقْنَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ اخْتَارَ لَكَ أَصْحَابًا غَيْرَنَا.فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ بَلْ.أَنْتُمْ أَصْحَابِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِنَّ اللَّهَ أَيْقَظَنِي فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيًّا وَلاَ رَسُولاً إِلاَّ وَقَدْ سَأَلَنِي مَسْأَلَةً أَعْطَيْتُهَا إِيَّاهُ،فَسَلْ:يَا مُحَمَّدُ تُعْطَ.فَقُلْتُ:مَسْأَلَتِي شَفَاعَةٌ لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:يَا رَسُولَ اللهِ،وَمَا الشَّفَاعَةُ ؟ قَالَ:أَقُولُ يَا رَبِّ شَفَاعَتِي الَّتِي اخْتَبَأْتُ عِنْدَكَ،فَيَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:نَعَمْ.فَيُخْرِجُ رَبِّي بَقِيَّةَ أُمَّتِي مِنَ النَّارِ فَيَنْبِذُهُمْ فِي الْجَنَّةِ." (1)
فالمسلمُ يجتهد دائما في أدائها كاملة والمحافظة عليها تامة،إذ كماله موقوف عليها وسعادته منوطة بها والمسؤول الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للتأدب مع نبينا - صلى الله عليه وسلم - وأن يجعلنا من أتباعه وأنصاره وشيعته وأن يرزقنا طاعته وأن لا يحرمنا شفاعته .. اللهم آمين ...! (2)
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 565)(22771) 23152- حسن
(2) - انظر كتابي (( الخلاصة في حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - ))(1/26)
-4- الأدب مع النفس
الأدب مع النفس وهو عبارة عن التوبة والمراقبة والمجاهدة والمحاسبة
نعلم جيدا أن المسلم يؤمن بأن سعادته في كلتا حياتيه الأولى والثانية موقوفة على مدى تأديب نفسه وتطييبها وتزكيتها وتطهيرها كما أن شقاؤها منوط بفسادها وتدسيتها وخبثها وذلك للأدلة الآتية:قوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) } [الشمس:9 - 10]
وقوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)} [الأعراف:40 - 42]
وقوله جل وعلا :{ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} العصر
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ،إِلاَّ مَنْ أَبَى ».قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ « مَنْ أَطَاعَنِى دَخَلَ الْجَنَّةَ،وَمَنْ عَصَانِى فَقَدْ أَبَى » (1) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،لَتَدْخُلُنَّ الْجَنَّةَ كُلُّكُمْ إِلاَّ مَنْ أَبَى وَشَرَدَ عَلَى اللهِ كَشِرَادِ الْبَعِيرِ،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،وَمَنْ يَأْبَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ:مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ،وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى. (2)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ،أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ شَطْرُ الإِيمَانِ،وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ،وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ،وَالصَّلاَةُ نُورٌ،وَالزَّكَاةُ بُرْهَانٌ،وَالصَّدَقَةُ ضِيَاءٌ،وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ،كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو،فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا،أَوْ مُوبِقُهَا. (3)
كما يؤمن المسلم بأن ما تطهر عليه النفس وتزكو هو حسنة الإيمان والعمل الصالح وأن ما تتدسى به وتخبث وتفسد هو سيئة الكفر والمعاصى .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (7280 )
(2) - صحيح ابن حبان - (1 / 197) (17) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : طَاعَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هِيَ الاِنْقِيَادُ لِسُنَّتِهِ بِتَرْكِ الْكَيْفِيَّةِ وَالْكَمِّيَّةِ فِيهَا ، مَعَ رَفْضِ قَوْلِ كُلِّ مَنْ قَالَ شَيْئًا فِي دِينِ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ بِخِلاَفِ سُنَّتِهِ دُونَ الاِحْتِيَالِ فِي دَفْعِ السُّنَنِ بِالتَّأْوِيلاَتِ الْمُضْمَحِلَّةِ ، وَالْمُخْتَرَعَاتِ الدَّاحِضَةِ.
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (556) وصحيح ابن حبان - (3 / 124) (844) -الموبق : المُهْلَك(1/27)
قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } (114) سورة هود
وقال تعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (14) سورة المطففين
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ،فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صَقُلَ مِنْهَا قَلْبُهُ،وَإِنَّ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يُغَلَّفَ بِهَا قَلْبُهُ،فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [المطففين: 14] " (1)
وعَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ،قَالَ: لَمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ،قَالَ مُعَاذٌ: فَإِذَا رَكْبُ ابْنِ صَفْوَانَ نَحْوَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ،مَا أَرَى هَؤُلَاءِ إِلَّا سَائِلُوكَ عَنِّي،فَأَوْصِنِي وَاجْمَعْ،فَقَالَ: " اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ،وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا،وَخَالَطِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " (2)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَوْصِنِي.قَالَ:اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ،وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا،وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ. (3)
من أجل هذا يعيش المسلم عاملاً على تأديب نفسه وتزكيتها وتطهيرها إذ هي أولى مَن يؤدب فيأخذها بالآداب المزكية لها والمطهرة لأدرانها كما يجنبها كل ما يدسيها ويفسدها من سيء المعتقدات وفاسد الأقوال والأفعال يجاهدها ليل نهار،ويحاسبها في كل ساعة ويحملها على فعل الخيرات ويدفعها إلى الطاعة دفعا كما يصرفها عن الشر والفساد صرفا،ويردها عنهما ردا ويتبع في إصلاحها وتأديبها لتطهر وتزكو الخطوات التالية :
1 - التوبة :
والمراد منها التخلي عن سائر الذنوب والمعاصى والندم على كل ذنب سالف والعزم على عدم العود على الذنب في مقبل العمر وذلك لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (8) سورة التحريم
وقوله تعالى:{.. وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النور
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ النَّاسَ،فَقَالَ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ،تُوبُوا إِلَى اللهِ،فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ فِي الْيَوْمِ مِئَةَ مَرَّةٍ. (4)
__________
(1) - شعب الإيمان - (9 / 373)(6808 ) حسن
(2) - شعب الإيمان - (10 / 381) (7662 ) صحيح لغيره
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 177)(21403) 21732- صحيح
(4) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (6 / 268)(10192) صحيح(1/28)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ. (1)
وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ،وَبِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ،حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ (2)
وعَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ أَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثَيْنِ حَدِيثًا عَنْ نَفْسِهِ وَحَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِى أَرْضٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ ثُمَّ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِى الَّذِى كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ. فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ ». (3)
2 - المراقبة :
وهي أن يأخذ المسلم نفسه بمراقبة الله تبارك وتعالى ويلزمها إياها في كل لحظة من لحظات الحياة حتى يتم لها اليقين بأن الله مطلع عليها عالمٌ بأسرارها رقيب على أعمالها قائمٌ عليها وعلى كل نفس بما كسبت،وبذلك تصبح مستغرقة بجمال الله وكماله شاعرة بالاأنس في ذكره واجدة الراحة في طاعته راغبة في جواره مقبلة عليه معرضة عما سواه .
وهذا معنى إسلام الوجه في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (125) سورة النساء
وَمَنْ أَحْسَنَ دِيناً مِمَّنْ جَعَلَ قَلْبَهُ خَالِصاً للهِ وَحْدَهُ،وَأَخْلَصَ العَمَلَ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ،فَعَمِلَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً،وَكَانَ فِي عَمَلِهِ مُحْسِناً،وَمُتَّبِعاً مَا شَرَعَهُ اللهُ لَهُ،وَمَا أَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ مِنَ الهُدَى وَدِينِ الحَقِّ.وَهَذَانِ شَرْطَانِ لاَ يَصِحُّ بِدُونِهِمَا عَمَلٌ صَالِحٌ:
- أنْ يَكُونَ العَمَلُ خَالِصاً للهِ .
- أنْ يَكُونَ صَوَاباً مُوافِقاً لِلْشَرْعِ الذِي شَرَعَهُ اللهُ .
وَعَلى العَامِلِ المُخْلِصِ فِي عَمَلِهِ للهِ أنْ يَكُونَ قَدِ اتَّبَعَ،مَعَ مُحَمَّدٍ وَالمُسْلِمِينَ،مِلَّةَ إِبْراهِيمَ مُخْلِصاً،مُنْحَرِفاً عَنِ الشِّرْكِ ( حَنِيفاً )،وَتَارِكاً لِلْشِّرْكِ عَنْ بَصيرةِ،وَمقْبِلاً عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى بِكُلِّيَّتِهِ.ثُمَّ أَرَادَ اللهُ تَعَالَى تَرْغِيبِ المُؤْمِنِينَ بِاتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ،الذِي بَلَغَ غَايَةَ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ العِبَادُ إلى اللهِ،فَقَالَ تَعَالَى:إنَّ إِبْرَاهِيمَ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7036 ) وصحيح ابن حبان - (2 / 396) (629)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7165 ) وشعب الإيمان - (9 / 290) (6673 )
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (7131 ) -الدوية : الصحراء التى لا نبات بها(1/29)
انْتَهَى إلى مَنْزِلَةِ الخَلِيلِ لَدَى خَالِقِهِ،وَهِيَ أَرْفَعُ مَقَامَاتِ المَحَبَّةِ،وَمَنْ كَانَتْ لَهُ هَذِهِ المَنْزِلَةُ كَانَ جَدِيراً بِأَنْ يُتَّبَعَ فِي مِلَّتِهِ . (1)
وقوله سبحانه:{وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (22) سورة لقمان
وَمَنْ يُخلْصِ العَمَلَ للهِ،وَيَخْضَعْ لأَمْرِهِ،وَيَتّبِعْ شَرْعَهُ،وَهُوَ مُحْسِنٌ في عَمَلِهِ باتِّبَاعِ مَا أَمَرَ اللهُ بهِ،وَتَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ،فَقَدْ تَعَلَّقَ بأَوْثَقِ الأَسْبَابِ التي تُوصِلُ إٍِلى رِضْوَانِ اللهِ،وَحُسْن جَزَائِهِ،والنَّاسُ راجِعُونَ جَميعاً إٍِلى اللهِ،وأَعْمَالُهُم وأُمُورُهُمْ صَائِرَةٌ إليهِ فيُجَازِي كُلَّ وَاحٍدٍ بِعَمَلِهِ . (2)
وهو عين ما دعا إليه الله تعالى في قوله:{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (235) سورة البقرة
وَلا جُنَاحَ عَلَيكُمْ أيُّها الرِّجَالُ وَلا حَرَجَ وَلا إثْمَ فِي أنْ تُعَرِّضُوا بِخِطْبَةِ النِّسَاءِ وَهُنَّ في العِدَّةِ،مِنْ غَيرِ تَصْرِيحٍ،كَأنْ يَقُولَ أحَدُكُمْ أريدُ الزَّوَاجَ...وَلا جُنَاحَ عَليكُمْ فِيما أضْمَرْتُمُوهُ فِي أنفُسِكُمْ مِنْ خِطْبَتِهِنَّ.وَاللهُ يَعْلَمُ أنَّكُمْ سَتَذْكُرونَهُنَّ في أنْفُسِكُمْ سِرّاً،فَرَفَعَ عَنْكُمْ هذا الحَرَجَ،وَلَكِنْ لا تُعْطُوهُنَّ وَعْداً بالزَّواجِ،إلا أنْ يَكُونَ ذَلِكَ إشَارَةً لا نُكْرَ فيها وَلا فُحْشَ وَلاَ تَقُولُوا لَهُنَّ إنَّكُمْ عَاشِقون مَثَلاً،وَلا تَطْلُبُوا مِنْهُنَّ الوَعْدَ بِعَدَمِ الزَّوَاجِ مِنْ غَيْرِكُمْ.. إلخ فَذلِكَ مِمَّا نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُ
وَلاَ تَعْقدُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى تَنْقَضِيَ العِدَّةَ ( يَبْلُغَ الكِتَابُ أجَلَهُ ) وَإذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ مِن امْرأَةٍ وَهِيَ في العِدَّةِ،فَقَدْ أجْمَعَ الفُقَهَاءُ عَلَى أنَّ هذا الزَّوَاجَ بَاطِلٌ.وَلكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا حَوْلَ حُرْمَةِ المَرْأةِ عَلَى الرَّجُلِ أبَداً.فَقَالَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ:إنَّها تَحْرُمُ عَلَيهِ أبَداً،وَقَالَ آخُرونَ إنَّها لاَ تَحْرُمُ عَلَيهِ أبَدَاً،وَلَهُ أنْ يَتَقَدَّمَ إلى خِطْبَتِها إذا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا،وَيَعْقِدَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ .
ويُذَكِّر اللهُ المُؤْمِنينَ بِأنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي نُفُوسِهِمْ،وَلِذَلِكَ فَإنَّهُ يُرِيدُهُمْ ألاَّ يُضْمِرُوا فِي أنْفُسِهِمْ إلاَّ الخَيْرَ.وَالذي تَخْطُرُ عَلَى بَالِهِ خَوَاطِرُ شِرِّيرَةٌ جَعَلَ اللهُ لَهُ بَاباً لِلتَّوبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ مِمَّا خَطَرَ لَهُ،فَاللهُ كَثيرُ الحِلْمِ لاَ يُعَجِّلُ بِالعُقُوبَةِ لِمَنْ قَارَفَ المُحَرَّمَاتِ،لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ وَيَرْجِعُ إليهِ (3) .
وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) سورة النساء .
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 618)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3372)
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 242)(1/30)
وقوله سبحانه:{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (61) سورة يونس
يُخْبِرُ اللهَ تَعَالَى بِأَنَّهُ عَالِمٌ بَجِمِيعِ أَحْوَالِ رَسُولِهِ وَأُمُورِهِ،سَوَاءٌ مِنْهَا مَا هُوَ خَاصٌ بِهِ،أَوْ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِشُؤُونِ الدَّعْوَةِ،وَأَنَّهُ لاَ يَتْلُو مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مِنْ قُرْآنٍ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ اللهُ تَعَبُّداً وَتَهَجُّداً بِهِ،أَوْ تَبْلِيغاً لَهُ لِلنَّاسِ،وَلاَ يَقُومُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ،مِنَ المُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِمْ،بِعَمَلٍ صَالِحٍ أَوْ غَيْرِ صَالِحٍ،كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ،إِلاَّ كَانَ اللهُ تَعَالَى رَقِيباً عَلَيْهِمْ فَيَحْفَظُهُ لَهُمْ،وَيَجْزِيهِمْ بِهِ،وَأَنَّهُ تَعَالَىلاَ يَغِيبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيءٌ صَغُرَ أَوْ كَبُرَ حَتَّى وَلَوْ كَانَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ،أَوْ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ،فَكُلُّ شَيءٍ مُحْصًى عِنْدَهُ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ . (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ،إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَمْشِي،فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ،مَا الإِيمَانُ ؟ قَالَ:أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ،وَمَلاَئِكَتِهِ،وَرُسُلِهِ،وَلِقَائِهِ،وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِرِ،قَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،فَمَا الإِسْلاَمُ ؟ قَالَ:لاَ تُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا،وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ،وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ،وَتَصُومُ رَمَضَانَ،قَالَ:يَا مُحَمَّدُ،مَا الإِحْسَانُ ؟ قَالَ:أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ،فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ .." (2)
وهو نفس ما درج عليه السابقون الأولون من سلف هذه الأمة الصالح إذ أخذوا به أنفسهم حتى تم لهم اليقين وبلغوا درجة المقربين وها هي ذى آثارهم تشهد لهم :
1 - وقَالَ الْجُنَيْدَُ:سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثَ بْنَ أَسَدٍ،يَقُولُ وَسُئِلَ عَنِ الْمُرَاقَبَةِ لِلَّهِ وَعَنِ الْمُرَاقِبِ،لِرَبِّهِ فَقَالَ:" إِنَّ الْمُرَاقَبَةَ تَكُونُ عَلَى ثَلَاثِ خِلَالٍ عَلَى قَدْرِ عَقْلِ الْعَاقِلِينَ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِرَبِّهِمْ يَفْتَرِقُونَ فِي ذَلِكَ فَإِحْدَى الثَّلَاثِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ،وَالْخَلَّةُ الثَّانِيَةُ الْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ وَالْخَلَّةُ الثَّالِثَةُ الْحُبُّ لِلَّهِ فَأَمَّا الْخَائِفُ فَمُرَاقِبٌ بِشِدَّةِ حَذَرٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَغَلَبَةِ فَزَعٍ،وَأَمَّا الْمُسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ فَمُرَاقِبٌ بِشِدَّةِ انِكْسَارٍ وَغَلَبَةِ إِخْبَاتٍ،وَأَمَّا الْمُحِبُّ فَمُرَاقِبٌ بِشِدَّةِ سُرُورٍ وَغَلَبَةِ نَشَاطٍ وَسَخَاءِ نَفْسٍ مَعَ إِشْفَاقٍ لَا يُفَارِقُهُ وَلَنْ تَكَادَ أَنْ تَخْلُوَ قُلُوبُ الْمُرَاقِبِينَ مِنْ ذِكْرِ اطِّلَاعِ الرَّقِيبِ بِشِدَّةِ حَذَرٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ أَنْ يَرَاهُمْ غَافِلِينَ عَنْ مُرَاقَبَتِهِ،وَالْمُرَاقَبَةُ ثَلَاثُ خِلَالٍ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ أَوَّلُهَا التَّثْبِيتُ بِالْحَذَرِقَبْلَ الْعَمَلِ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ،وَالتَّرْكُ لِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مَخَافَةَ الْخَطَأِ فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ وَالتَّرْكِ لِمَا نَهَى اللَّهُ مَخَافَةَ التَّفْرِيطِ فَإِذَا دَخَلَ فِي الْعَمَلِ فَالتَّكْمِيلُ لِلْعَمَلِ مَخَافَةَ التَّقْصِيرِ فَمَنْ لَمْ يَثْبُتْ قَبْلَ الْعَمَلِ مَخَافَةَ الْخَطَأِ فَغَيْرُ مُرَاقِبٍ لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ إِذْ كَانَ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى غَيْرِ مَا أَحَبَّ وَأَمَرَ بِهِ،وَمَنْ لَمْ يبَادَرْ وَيُسَارِعْ إِلَى عَمَلِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ فَمَا رَاقَبَ إِذَا بَطَّأَ عَنِ الْعَمَلِ،لِمَحَبَّةِ مَنْ يُرَاقِبُهُ إِذْ يَرَاهُ مُتَثَبِّطًا عَنِ الْقِيَامِ بِمَا أَمَرَ بِهِ،وَمَنْ لَمْ يَجْتَهِدْ فِي تَكْمِيلِ عَمَلِهِ فَضَعِيفٌ مُقَصِّرٌ فِي مُرَاقَبَةِ مَنْ يُرَاقِبُهُ إِذَا قَصَّرَ عَنْ إِحْكَامِ الْعَمَلِ لِمَنْ يَعْمَلُ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُحِبُّ
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1426)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (50) وصحيح مسلم- المكنز - (102) و صحيح ابن حبان - (1 / 375) (159)(1/31)
تَكْمِيلَهُ وَإِحْكَامَهُ،وَقَالَ:سَبْعُ خِلَالٍ يَكْمُلُ لَهَا عَمَلُ الْمُرِيدِ وَحِكْمَتُهُ:حُضُورُ الْعَقْلِ وَنَفَاذُ الْفِطْنَةِ وَسَعَةُ الْعَمَلِ بِغَيْرِ غَلَطٍ وَقَهْرُ الْعَقْلِ لِلْهَوَى وَعِظَمُ الْهَمِّ كَيْفَ يُرْضِي الرَّبَّ تَعَالَى وَالتَّثَبُّتُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ،وَشِدَّةُ الْحَذَرِ لِلْآفَاتِ الَّتِي تَشُوبُ الطَّاعَاتِ،وَأَقَلُّ الْمُرِيدِينَ غَفْلَةً أَدْوَمُهُمْ مُرَاقَبَةً مَعَ تَعْظِيمِ الرَّقِيبِ،وَالدَّلِيلُ عَلَى صِدْقِ الْمُرَاقَبَةِ بِإِجْلَالِ الرَّقِيبِ شِدَّةُ الْعِنَايَةِ بِالْفِطْنَةِ لِدَوَاعِي الْعَقْلِ مِنْ دَوَاعِي الْهَوَى وَالتَّثْبِيتُ بِالنَّظَرِ بِنُورِ الْعِلْمِ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الطَّاعَةِ وَمَا شَابَهَهَا مِنَ الْآفَاتِ وَقُوَّةِ الْعَزْمِ عَلَى تَكْمِيلِ الْمُرَاقَبَةِ فِي الْحُظْوَةِ فِي عَيْنِ الْمَلِيكِ الْمُطَّلِعِ،وَشِدَّةُ الْفَزَعِ مِمَّا يَكْرَهُ خَوْفَ الْمَقْتِ،وَالدَّلِيلُ عَلَى قُوَّةِ الْخَوْفِ شِدَّةُ الْإِشْفَاقِ مِمَّا مَضَى مِنَ السَّيِّئَاتِ أَنْ لَا تُغْفَرَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِحْسَانِ أَنْ لَا يُقْبَلَ،وَدَوَامُ الْحَذَرِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ أَنْ لَا يَسْلَمَ،وَعِظَمُ الْهَمِّ مِنْ عَظِيمِ الرَّغْبَةِ،وَعَظِيمُ الرَّغْبَةِ مِنْ كِبَرِ الْمَعْرِفَةِ بِعَظِيمِ قَدْرِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَإِلَيْهِ،وَسُمَوُّ الْهِمَّةِ يُخَفِّفُ التَّعَبَ وَالنَّصَبَ وَيُهَوِّنُ الشَّدَائِدَ فِي طَلَبِ الرِّضْوَانِ،وَيُسْتَقَلُّ مَعَهُ بَذْلُ الْمَجْهُودِ بِعَظِيمِ مَا ارْتَفَعَ إِلَيْهِ الْهَمُّ،وَالنَّشَاطُ بِالدُّءُوبِ دَائِمٌ،وَالسُّرُورُ بِالْمُنَاجَاةِ هَائِجٌ،وَالصَّبْرُ زِمَامُ النَّفْسِ عَنِ الْمَهَالِكِ وَإِمْسَاكٌ،لَهَا عَلَى النَّجَاةِ فَالْيَقِينُ رَاحَةٌ لِلْقُلُوبِ مِنْ هُمُومِ الدُّنْيَا وَكَاسِبٌ لِمَنَافِعِ الدِّينِ كُلِّهَا وَحُسْنُ الْأَدَبِ زَيْنٌ لِلْعَالِمِ وَسَتْرٌ لِلْجَاهِلِ،مَنْ قَصُرَ أَمَلُهُ حَذَرَ الْمَوْتَ وَمَنْ حَذَرَ الْمَوْتَ خَافَ الْفَوْتَ وَمَنْ خَافَ الْفَوْتَ قَطَعَ الشَّوْقَ وَمَنْ قَطَعَ الشَّوْقَ بَادَرَ قَبْلَ زَوَالِ إِمْكَانِ الظَّفَرِ فَاجْعَلِ التَّيَقُّظَ وَاعِظَكَ وَالتَّثَبُّتَ وَكِيلَكَ وَالْحَذَرَ مُنَبِّهَكَ وَالْمَعْرِفَةَ دَلِيلَكَ وَالْعِلْمَ قَائِدَكَ وَالصَّبْرَ زِمَامَكَ وَالْفَزَعَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَوْنَكَ وَمَنْ لَمْ تُوسَعْهُ الدُّنْيَا غِنًى وَلَا رِفْعَةَ أَهْلِهَا شَرَفًا وَلَا الْفَقْرُ فِيهَا صِفَةً فَقَدِ ارْتَفَعَتْ هِمَّتُهُ وَعَزَفَتْ عَنِ الدُّنْيَا نَفْسُهُ،مَنْ كَانَتْ نِعْمَتُهُ السَّلَامَةَ مِنَ الْآثَامِ وَرَغِبَ إِلَى اللَّهِ فِي حَوَادِثِ فَوَائِدَ لَمُرِيدٌ نُقِلَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ،وَمَنِ اشْتَدَّ تَفَقُّدُهُ مَا يَضُرَّهُ فِي دِينِهِ وَيَنْفَعُهُ فِي آخِرَتِهِ وَذَكَرَ اطِّلَاعَ اللَّهِ إِلَيْهِ،وَمَثُلَ عَظِيمَ هَوْلِ الْمَطْلَعِ وَأَشْفَقَ مِمَّا يَأْتِي بِهِ الْخَيْرُ فَقَدْ صَدَقَ اللَّهَ فِي مُعَامَلَتِهِ وَحَقَّقَ اسْتِعْمَالَ مَا عَرَّفَهُ رَبُّهُ،وَمَنْ قَدَّمَ الْعَزْمَ لِلَّهِ عَلَى الْعَمَلِ بِمَحَبَّتِهِ وَوَفَّى لِلَّهِ بَعَزْمِهِ وَجَانَبَ مَا يَعْتَرِضُ بِقَلْبِهِ مِنْ خَطَرَاتِ السُّوءِ وَنَوَازِعِ الْفِتَنِ فَقَدْ حَقَّقَ مَا عَلِمَ وَرَاقَبَ اللَّهَ فِي أَحْوَالِهِ،كَهْفُ الْمُرِيدِ وَحِرْزُهُ التَّقْوَى وَالِاسْتِعْدَادُ عَوْنُهُ وَجَنَّتُهُ الَّتِي يَدْفَعَ بِهَا آفَاتِ الْعَوَارِضِ وَصُوَرِ النَّوَازِلِ،وَالْحَذَرُ يوَرِّثُهُ النَّجَاةَ وَالسَّلَامَةَ،وَالصَّبْرُ يوَرِّثُهُ الرَّغْبَةَ وَالرَّهْبَةَ،وَذِكْرُ كَثْرَةِ سَوَالِفِ الذُّنُوبِ يوَرِّثُهُ شِدَّةَ الْغَمِّ وَطُولَ الْحُزْنِ،وَعِظَمُ مَعْرِفَتِهِ بِكَثْرَةِ آفَاتِ الْعَوَارِضِ فِي الطَّاعَاتِ تُوَرِّثُهُ شِدَّةَ الْإِشْفَاقِ مِنْ رَدِّ الْإِحْسَانِ " (1)
2 - وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ،قَالَ:كَانَ رَجُلٌ كَثِيرَ الْبُكَاءِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ:أَبْكَانِي تَذَكُّرِي مَا جَنَيْتُ عَلَى نَفْسِي حِينَ لَمْ أَسْتَحيِ مِمَّنْ شَاهَدَنِي وَهُوَ يَمْلِكُ عُقُوبَتِي،فَأَخَّرَنِي إِلَى يَوْمِ
__________
(1) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ ( 15014 )(1/32)
الْعُقُوبَةِ الدَّائِمَةِ،وَأَجَّلَنِي إِلَى يَوْمِ الْحَسْرَةِ الْبَاقِيَةِ،وَاللَّهِ لَوْ خُيِّرْتُ أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تُحَاسَبَ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِكَ إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ يُقَالُ لَكَ كُنْ تُرَابًا،لَاخْتَرْتُ أَنْ أَكُونَ تُرَابًا " (1) .
3 - عن أَبي عُثْمَانَ الْحناطِ قال:سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ:" ثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْمَالِ الْمُرَاقَبَةِ:إِيثَارُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ،وَتَعْظِيمُ مَا عَظَّمَ اللَّهُ،وَتَصْغِيرُ مَا صَغَّرَ اللَّهُ ".قَالَ:" وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْلَامِ الِاعْتِزَازِ بِاللَّهِ:التَّكَاثُرُ بِالْحِكْمَةِ وَلَيْسَ بِالْعَشِيرَةِ،وَالِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ وَلَيْسَ بِالْمَخْلُوقِينَ،وَالتَّذَلُّلِ لِأَهْلِ الدِّينِ فِي اللَّهِ وَلَيْسَ لِأَبْنَاءِ الدُّنْيَا " (2) .
4 - وعَنْ نَافِعٍ،قَالَ: خَرَجَ ابْنُ عُمَرَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَصْحَابُ لَهُ،وَوَضَعُوا سَفْرَةً لَهُ،فَمَرَّ بِهِمْ رَاعِي غَنَمٍ،قَالَ: فَسَلَّمَ،فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " هَلُمَّ يَا رَاعِي،هَلُمَّ "،فَأَصِبْ مِنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ،فَقَالَ لَهُ: إِنِّي صَائِمٌ،فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " أَتَصُومُ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الْحَارِّ شَدِيدٍ سُمُومُهُ وَأَنْتَ فِي هَذِهِ الْجِبَالِ تَرْعَى هَذَا الْغَنَمَ ؟ " فَقَالَ لَهُ: أَيْ وَاللهِ أُبَادِرُ أَيَّامِي الْخَالِيَةَ،فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ يُرِيدُ يَخْتَبِرُ وَرَعَهُ:" فَهَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ هَذِهِ فَنُعْطِيكَ ثَمَنَهَا وَنُعْطِيكَ مِنْ لَحْمِهَا فَتُفْطِرَ عَلَيْهِ ؟ " فَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي بِغَنَمٍ،إِنَّهَا غَنَمُ سَيِّدِي،فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: " فَمَا عَسَى سَيِّدُكَ فَاعِلًا إِذَا فَقْدَهَا،فَقُلْتَ: أَكْلَهَا الذِّئْبُ " فَوَلَّى الرَّاعِي عَنْهُ وَهُوَ رَافِعٌ أُصْبُعَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يَقُولُ: أَيْنَ اللهُ،قَالَ: فَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ يُرَدِّدُ قَوْلَ الرَّاعِي وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ الرَّاعِي: فَأَيْنَ اللهُ ؟ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعَثَ إِلَى مَوْلَاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ الْغَنَمَ وَالرَّاعِي فَأَعْتَقَ الرَّاعِيَ،وَوَهَبَ لَهُ الْغَنَمَ " (3)
وعن زَيْدَ بْنِ أَسْلَمَ،قَالَ: مَرَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بِرَاعٍ،فَقَالَ: " يَا رَاعِيَ الْغَنَمِ،هَلْ مِنْ جِوَرَّةٍ ؟ " قَالَ الرَّاعِي: لَيْسَ ههُنَا رَبُّهَا،فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: " تَقُولُ لَهُ: إِنَّهُ أَكْلَهَا الذِّئْبُ "،قَالَ فَرَفَعَ الرَّاعِي رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ،ثُمَّ قَالَ: فَأَيْنَ اللهُ ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " فَأَنَا وَاللهِ أَحَقُّ أَنْ أَقُولَ: أَيْنَ اللهُ،فَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ الرَّاعِي،وَاشْتَرَى الْغَنَمَ فَأَعْتَقَهُ وَأَعْطَاهُ الْغَنَمَ " (4)
5 - قال بعض السلف: مررت برجل منفرد فقلت له أنت وحدك فقال: معي ربي وملكاي فقلت: أين الطريق؟ فأشار نحو السماء،ثم مضى وهو يقول: أكثر خلقك شاغل عنك (5) .
6 - قال الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ،رَحِمَهُ اللهُ يُنْشِدُ:" (6)
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا ... فَلَا تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً ........ وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ
__________
(1) - كِتَابُ الْأَوْلِياءِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (109 )
(2) - شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (1596 )
(3) - شعب الإيمان - (7 / 223) (4908 ) حسن
(4) - شعب الإيمان - (11 / 103) (8250 ) حسن
(5) - التبصرة ـ لابن الجوزى - (2 / 236)
(6) - شعب الإيمان - (9 / 417) (6909 )(1/33)
غَفَلْنَا الْعُمُرَ وَاللهِ حَتَّى تَدَارَكَتْ ..... عَلَيْنَا ذُنُوبٌ بَعْدَهُنَّ ذُنُوبُ
فَيَا لَيْتَ أَنَّ اللهَ يَغْفِرُ مَا مَضَى ......... وَيَأْذَنُ فِي تَوْبَاتِنَا فَنَتُوبُ
3 - المحاسبة :
وهي أنه لما كان المسلم عاملا في هذه الحياة ليل نهار على ما يسعده في الدار الآخرة،ويؤهله لكرامتها،ورضوان الله فيها وكانت الدنيا هي موسم عمله كان عليه اأن ينظر إلى الفرائض الواجبة عليه كنظر التاجر إلى رأس ماله،وينظر إلى النوافل نظر التاجر إلى الأرباح الزائدة على رأس المال وينظر إلى المعاصي والذنوب كالخسارة في التجارة،ثم يخلو بنفسه ساعة من آخر كل يوم يحاسب نفسه فيها على عمل يومه،فإن رأى نقصا في الفرائض لامها ووبخها وقام إلى جبره في الحال،فإن كان مما يقضى قضاه وإن كان مما لا يقضى جبره بالإكثار من النوافل،وإن رأى نقصا في النوافل عوض الناقص وجبره وإن رأى خسارة بارتكاب المنهي استغفر وندم وأناب وعمل من الخير ما يراه مصلحا لما أفسد .
هذا هو المراد بالمحاسبة للنفس وهي إحدى طرق إصلاحها وتأديبها وتزكيتها وتطهيرها وأدلتها ما يأتى :
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (18) سورة الحشر
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِتَقْوَاهُ،وَذَلِكَ بِأَنْ يَفْعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ،وَأَنْ يَتْرُكُوا مَا نَهَاهُم عَنْهُ،وَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحدٍ مِنْهُمْ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَل صَالِحٍ يَنْفَعُهُ فِي آخِرَتِهِ يَوْمَ الحِسَابِ،ثُمَّ يُؤْكِّدُ تَعَالى الأَمْرَ بِتَقْوَاهُ،مُبَيِّناً أَنَّهُ عَلِيمٌ بِأْحْوالِ العِبَادِ،جَمِيعِهَا،وَسَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيْهَا . (1)
فقوله تعالى (( ولتنظر نفس )) هو أمر بالمحاسبة للنفس على ما قدمت لغدها المنتظر .
وقال تعالى: {.. وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النور
وعَنْ أَبِى بُرْدَةَ قَالَ سَمِعْتُ الأَغَرَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّى أَتُوبُ فِى الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ». (2)
وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ،عَنْ رَجُلٍ،مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ،فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ،وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ فَقُلْتُ لَهُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ،اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ:اثْنَتَانِ أَمْ وَاحِدَةٌ ؟ فَقَالَ:هُوَ ذَاكَ،أَوْ نَحْوَ هَذَا. (3)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5022)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7034 )
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 254)(18293) 18482- صحيح(1/34)
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ:حاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْل أَنْ تُوزَنُوا،وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ،يَوْمَ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ." (1)
وكان أبو بكر رجلاً أسيفاً،إذا صلى بالناس لا تُكاد تسمع قراءته من كثرة بكائه وخوفه من ربه جل وعلا.
وكان في وجه عمر خطان أسودان من كثرة البكاء،وكان يُسمع بكاؤه من آخر الصفوف،وسمع قارئاً يقرأ قوله تعالى: إن عذاب ربك لواقع [الطور:7]. فسقط مغشياً عليه،وبقي أياماً مريضاً يزوره الناس،وكان إذا أظلم عليه الليل يضرب قدميه بالدرة،ويقول لنفسه: ماذا عملت اليوم يا عمر؟ وكان ينعس وهو قاعد،فقيل له: ألا تنام يا أمير المؤمنين؟ قال: ((إذا نمت الليل ضيعت حظي من الله،وإذا نمت النهار ضيعت رعيتي)) وحين حضرته الوفاة يقول لابنه: ((ضع خدي على التراب عل الله أن يرى حالي فيرحمني)).
بكى عمر الفاروق خوفاً وخشية ... ... وقد كان في الأرض الإمام المثاليا
وقال بصوت الحزن يا ليت أنني ... ... نجوت كفافاً لا عليّ ولا ليا
وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه أرضاه - يصوم النهار ويقوم الليل، وكَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا الْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ " (2) وقد روي عنه أنه ما اغتسل مرة واحدة واقفاً بل كان يغتسل جالساً حياء من الله جل وعلا،وقد روي عنه أنه كان يختم القرآن في ركعة ثم يوتر بها.
أما علي بن أبي طالب فقد كان صواماً قوماً فارساً بالنهار،راهباً بالليل. صلى صلاة الفجر في يوم من الأيام فجلس حزيناً مطرقا،فلما طلعت الشمس قبض على لحيته،وبدأ يبكي ويبكي ثم قال: لقد رأيت أصحاب النبي فما رأيت شيئاً يشبههم،كانوا يصبحون شعثاً غبراً سفراً بين أعينهم كأمثال ركب المعزى من كثرة السجود،قد باتوا لله سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وأقدامهم،فإذا طلع الفجر ذكروا الله فمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهطلت أعينهم بالدموع والله لكأنّ القوم باتوا غافلين.
وكان يستأنس بالليل وظلمته،فإذا أرخى الليل سدوله،وغارت نجومه،يميل في محرابه قابضاً على لحيته،ويتململ تململ الملدوغ،ويبكي بكاء الحزين،وينادي: يا ربنا.. يا ربنا.. يا ربنا.
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 270) (35600) والزهد لأحمد بن حنبل - (639 ) والزهد والرقائق لابن المبارك - (307) حسن لغيره
(2) - سنن الترمذي - (2230) وهو حسن(1/35)
وعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ : " إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادًا كَمَنْ رَأَى أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ مُخَلَّدِينَ وَكَمَنْ رَأَى أَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ مُخَلَّدِينَ قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ حَوَائِجُهُمْ خَفِيفَةٌ وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ صَبَرُوا أَيَّامًا قِصَارًا تُعْقَبَ رَاحَةً طَوِيلَةً، أَمَّا اللَّيْلُ فَمُصَافَّةٌ أَقْدَامُهُمْ تَسِيلُ دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ يَجْأَرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ رَبَّنَا رَبَّنَا، وَأَمَّا النَّهَارُ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ بَرَرَةٌ أَتْقِيَاءُ كَأَنَّهُمُ الْقِدَاحُ، يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسِبُهُمْ مَرْضَى وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرِضٍ، أَوْ خُولِطُوا وَلَقَدْ خَالَطَ الْقَوْمَ مِنْ ذِكْرِ الْآخِرَةِ أَمَرٌ عَظِيمٌ " (1)
أما عبد الرحمن بن عوف فقد كان صائماً ثم أتي بطعام فقال: قتل مصعب بن عمير،وهو خير مني،فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة إن غطي بها رأسه بدت رجلاه،وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه،ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط. قد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.
وأُتي له بعشائه في يوم من الأيام،وكان صائماً،فقرأ قول الله تعالى: إن لدينا أنكالاً وجحيماً وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليماً [المزمل:13]. فلم يزل يبكي حتى رفع طعامه وما تعشى.
ولما حضرت أبا هريرة الوفاة بكى،فقيل له: ما يبكيك،فقال: والله ما أبكي على دنياكم،ولكن أبكي لبعد المفازة،وقلة الزاد،وعقبة كؤود،وأنني أصبحت في صعود, المهبط منه إما إلى جنة وإما إلى نار. (2)
وهكذا الصالحون من هذه الأمة يحاسبون أنفسهم عن تقريطها،ويلومونها على تقصيرها،ويلزمونها التقوى،ونهونها عن الهوى عملاً بقول الله تعالى:{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} [النازعات:40 - 41]
وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَقُومُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ،وَأَنَّهُ سَيُسْأَلُ عَنْ أَعْمَالِهِ،فَحَاذَرَ ذَلِكَ اليَوْمَ،وَحَسَبَ حِسَابَهُ،وَجَنَّبَ نَفْسَهُ الوُقُوعَ فِي المَحَارِمِ،وَالانْسِيَاقِ وَرَاءَ الهَوَى وَالشَّهَوَاتِ،فَتَكُونُ الجَنَّةُ جَزَاءَهُ،وَفِيهَا مَأْوَاهُ وَمَصِيرُهُ . (3)
4- المجاهدة :
لا بد أن يعلم المسلم أن أعدى أعدائه إليه هو نفسه التي بين جنبيه،وأنها بطبعها ميالة إلى الشر،فَرَّارَة من الخير،أمَّارة بالسوء:قال تعالى:( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) سورة يوسف. تحب الدعة،والخلود إلى الراحة،وترغب في البطالة،وتنجرف مع الهوى،تستهويها الشهوات العاجلة وإن كان فيها حتفها وشقاءها .
__________
(1) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (1862 )
(2) - موسوعة خطب المنبر - (1 / 1180) -من أحوال الخاشعين - ونحن نذكر ذلك للاستئناس فقط
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5629)(1/36)
فإذا عرف المسلم هذا عبأ نفسه لمجاهدة نفسه،فأعلن عليها الحرب،وشهر ضدها السلاح،وصمم على مكافحة رعوناتها،ومناجزة شهواتها،فإذا أحبت الراحة أتعبها،وإذا رغبت في الشهوة حرمها،وإذا قصرت في طاعة أو خير عاقبها ولامها،ثم ألزمها بفعل ما قصرت فيه،وبقضاء ما فوتته أو تركته .
يأخذها بهذا التأديب حتى تطمئن،وتطهر،وتطيب،وتلك غاية المجاهدة للنفس.قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (69) سورة العنكبوت
والمؤمنون الذين جاهدوا أعداء الله،والنفس،والشيطان،وصبروا على الفتن والأذى في سبيل الله،سيهديهم الله سبل الخير،ويثبتهم على الصراط المستقيم،ومَن هذه صفته فهو محسن إلى نفسه وإلى غيره. وإن الله سبحانه وتعالى لمع مَن أحسن مِن خَلْقِه بالنصرة والتأييد والحفظ والهداية. (1)
والمسلم إذ يجاهد نفسه في ذات الله لتطيب،وتطهر،وتزكو،وتطمئن،وتصبح أهلاً لكرامة الله تعالى ورضاه يعلم أن هذا هو درب الصالحين،وسبيل المؤمنين الصادقين،فيسلكه مقتدياً بهم،ويسير معه مقتفياً آثارهم .
فعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ « أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا ».فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ،فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ (2) . .
أي مجاهدة أكبر من هذه المجاهدة وايم الله ؟!! .
وعَنْ عَلِيٍّ قَالَ:" لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَوَلَدُكَ وَلَكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ وَأَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ وَأَنْ تُبَاهِيَ النَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ،فَإِنْ أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ اللَّهَ وَإِنْ أَسَأْتَ اسْتَغْفَرْتَ اللَّهَ وَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ:رَجُلٌ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَهُوَ يُدَارِكُ ذَلِكَ الذَّنْبَ بِتَوْبَةٍ أَوْ رَجُلٌ يَسَارِعُ فِي الْخَيْرَاتِ،وَلَا يَقِلُّ عَمَلٌ فِي تَقْوًى وَكَيْفَ يَقِلُّ عَمَلٌ يُتَقَبَّلُ ؟ كَانُوا بِالصَّحَابَةِ مُقْتَدِينَ وَلِسَبِيلِهِمْ مُتَّبِعِينَ يُصْبِحُونَ شُعْثًا غُبْرًا صُفْرًا بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ مِثْلُ رَكْبِ الْمَعِزَى بَاتُوا يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ يَمِيدُونَ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ كَمَا تَمِيدُ الشَّجَرَةُ فِي يَوْمِ رِيحٍ كَانُوا مَصَابِيحَ الْهُدَى،لَمْ يَكُونُوا بِالْجُفَاةِ الْمُرَائِينَ خَلَقُ الثِّيَابِ جُدُدُ الْقُلُوبِ،فِي الدُّنْيَا زَاهِدِينَ وَفِي الْآخِرَةِ رَاغِبِينَ،وَعَنِ اللَّهِ،فَهِمِينَ وَفِي قِرَاءَةِ كَلَامِهِ مُتَدَبِّرِينَ وَبِمَوَاعِظِهِ مُتَّعِظِينَ وَبِصَنَائِعِهِ مُعْتَبِرِينَ،اتَّخَذُوا الْأَرْضَ بِسَاطًا وَرِمَالَهَا فِرَاشًا وَالْقُرْآنَ وَالدُّعَاءَ دِثَارًا وَشِعَارًا عَبْدُوهُ فِي بُيوتٍ بِالْقُلُوبِ الطَّاهِرَةِ وَالْأَبْصَارِ الِخَاشِعَةِ،هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فَقَامُوا لِلَّهِ بِحُجَّتِهِ وَتِبْيَانِهِ فَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ،صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا
__________
(1) - التفسير الميسر - (7 / 189)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (4837 ) و صفة الصفوة - (1 / 55)(1/37)
مُعَلَّقَةٌ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى،فَهَذِهِ نُعُوتُ الْأَصْفِيَاءِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالنُّجَبَاءِ مِنَ الْأَتْقِيَاءِ،مَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ مُقْتَدِيًا بِأَفْعَالِهِمْ مُرَاعِيًا لِأَحْوَالِهِمُ الْمُنْتَفِعُ بِرؤْيَتِهِ وَالْمَغْبُوطُ بِمَحَبَّتِهِ وَصُحْبَتِهِ " (1)
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ،قَالَ:قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكثر مَالُك وَوَلَدُك،وَلَكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَعْظُمَ حِلْمُك،وَأَنْ يَكْثُرَ عَمَلُك،وَأَنْ تُبَارِيَ النَّاسَ فِي عِبَادَةِ اللهِ،فَإِنْ أَحْسَنْت حَمِدْت اللَّهَ،وَإِنْ أَسَأْت اسْتَغْفَرْت اللَّهَ. (2)
وعَنْ سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ،أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ:" لَوْلَا ثَلَاثٌ مَا أَحْبَبْتُ أَنْ أَعِيشَ يَوْمًا وَاحِدًا:الظَّمَأُ لِلهِ بِالْهَوَاجِرِ،وَالسُّجُودُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ،وَمُجَالَسَةُ قَوْمٍ يَنْتَقُونَ مِنْ خِيَارِ الْكَلَامِ،كَمَا يُنْتَقَى أَطَائِبُ التَّمْرِ " (3)
وعَنْ مِعْضَدٍ قَالَ:" لَوْلَا ظَمَأُ الْهَوَاجِرِ،وَطُولُ لَيْلِ الشِّتَاءِ،وَلَذَاذَةُ التَّهَجُّدِ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،مَا بَالَيْتُ أَنْ أَكُونَ يَعْسُوبَا " (4)
وعَنْ أَبِي رَافِعٍ،قَالَ:وَجَّهَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَيْشًا إِلَى الرُّومِ،وَفِيهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَأَسَرَهُ الرُّومُ فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ،فَقَالُوا:إِنَّ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ،فَقَالَ لَهُ الطَّاغِيَةُ:هَلْ لَكَ أَنْ تَتَنَصَّرَ وَأُشِرِكُكَ فِي مُلْكِي وَسُلْطَانِي ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ:" لَوْ أَعْطَيْتَنِي جَمِيعَ مَا تَمْلِكُ،وَجَمِيعَ مَا مَلَكَتْهُ الْعَرَبُ - وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ:وَجَمِيعَ مَمْلَكَةِ الْعَرَبِ - عَلَى أَنْ أرْجِعَ عَنْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - طَرْفَةَ عَيْنٍ،مَا فَعَلْتُ "،قَالَ:إِذًا أَقَتُلُكَ،قَالَ:" أَنْتَ وَذَاكَ "،قَالَ:فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ،وَقَالَ لِلرُّمَاةِ:ارْمُوهُ قَرِيبًا مِنْ يَدَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رِجْلَيْهِ وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ،وَهُوَ يَأْبَى،ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُنْزِلَ،ثُمَّ دَعَا بِقِدْرٍ وَصَبَّ فِيهَا مَاءً حَتَّى احْتَرَقَتْ،ثُمَّ دَعَا بِأَسِيرَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ،فَأَمَرَ بِأَحَدِهِمَا فَأُلْقِيَ فِيهَا وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ وَهُوَ يَأْبَى،ثُمَّ أَمَرَ بِهِ أَنْ يُلْقَى فِيهَا،فَلَمَّا ذُهِبَ بِهِ بَكَى،فَقِيلَ لَهُ:إِنَّهُ بَكَى فَظَنَّ أَنَّهُ رَجَعَ،فَقَالَ:رُدُّوهُ فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ فَأَبَى،قَالَ:فَمَا أَبْكَاكَ ؟ قَالَ:" أَبْكَانِي أَنِّي قُلْتُ هي نَفْسٌ وَاحِدَةٌ تُلْقَى هَذِهِ السَّاعَةَ فِي هَذَا الْقِدْرِ فَتَذْهَبُ،فَكُنْتُ أشْتَهِي أَنْ يَكُونَ بِعَدَدِ كُلِّ شَعَرَةٍ فِي جَسَدِي نَفْسٌ تَلْقَى هَذَا فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "،قَالَ لَهُ الطَّاغِيَةُ:هَلْ لَكَ أَنْ تُقَبِّلَ رَأْسِي وَأُخَلِّيَ عَنْكَ ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:" وَعَنْ جَمِيعِ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ ؟ " قَالَ:وَعَنْ جَمِيعِ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ،قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:" فَقُلْتُ فِي نَفْسِي عَدُوٌّ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ أُقَبِّلُ رَأْسَهُ ويُخَلِّي عَنِّي وَعَنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ لَا أُبَالِي قال فَدَنَا
__________
(1) - حلية الأولياء - (1 / 39) و(4 / 440) وصفة الصفوة - (1 / 55)
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 307) (35727) فيه انقطاع
(3) - الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ (278 ) حسن -الهواجر : مفردها الهاجِرة وهي اشتدادُ الحَرِّ نصفَ النهار
(4) - الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ (279 ) حسن(1/38)
مِنْهُ وَقَبَّلَ رَأْسَهُ "،فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْأُسَارَى،فَقَدِمَ بِهِمْ عَلَى عُمَرَ فَأُخْبِرَ عُمَرُ بِخَبَرِهِ،فَقَالَ:حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ،وَأَنَا أَبْدَأُ فَقَامَ عُمَرُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ " (1)
وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " رَحِمَ اللَّهُ قَوْمًا يَحْسَبُهُمُ النَّاسُ مَرْضَى،وَمَا هُمْ بِمَرْضَى ".قَالَ الْحَسَنُ:" جَهَدَتْهُمُ الْعِبَادَةُ " (2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيَّانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلَانِهِ،فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللهِ،أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ ؟ قَالَ: " مَنْ طَالَ عُمْرُهُ،وَحَسُنَ عَمَلُهُ ".وَقَالَ الْآخَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ،فَمُرْنِي بِأَمْرٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ قَالَ: " لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " (3)
وعَنْ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ،قَالَ:" كَانَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ إِذَا أَمْسَى يَقُولُ:هَذِهِ لَيْلَةُ الرُّكُوعِ فَيَرْكَعُ حَتَّى يُصْبِحَ،وَكَانَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَى:هَذِهِ لَيْلَةُ السُّجُودِ فَيَسْجُدُ حَتَّى يُصْبِحَ،وَكَانَ إِذَا أَمْسَى تَصَدَّقَ بِمَا فِي بَيْتِهِ مِنَ الْفَضْلِ مِنَ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ ثُمَّ يَقُولُ:اللَّهُمَّ مَنْ مَاتَ جُوعًا فَلَا تُؤَاخِذْنِي بِهِ وَمَنْ مَاتَ عُرْيَانًا فَلَا تُؤَاخِذْنِي بِهِ " (4)
وعَنْ قَمِيرٍ،امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ،قَالَتْ:" مَا كَانَ مَسْرُوقٌ يُوجَدُ إِلَّا وَسَاقَاهُ قَدِ انْتَفَخَتَا مِنْ طُولِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ،قَالَتْ:وَاللَّهِ،إِنْ كُنْتُ لِأَجْلِسُ خَلْفَهُ،فَأَبْكِي رَحْمَةً لَهُ " (5)
وعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ،قَالَ:انْتَهَى الزُّهْدُ إِلَى ثَمَانِيَةِ مِنَ التَّابِعِينَ،مِنْهُمْ:عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،وَأُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ،وَهَرِمُ بْنُ حَيَّانَ،وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ،وَأَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ،وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ،وَمَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ،وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ،رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.فَأَمَّا عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،إِنْ كَانَ لِيُصَلِّي،فَيَتَمَثَّلُ لَهُ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ الْحَيَّةِ،فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَمِيصِهِ حَتَّى يَخْرُجُ مِنْ جَيْبِهِ فَمَا يَمَسُّهُ،فَقُلْتُ لَهُ:أَلَا تُنَحِّي الْحَيَّةَ عَنْكَ ؟ قَالَ:أَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَخَافَ سِوَاهُ،فَقِيلَ لَهُ:إِنَّ الْجَنَّةَ تُدْرَكُ بِدُونِ مَا تَصْنَعُ،وَتُتَّقَى النَّارُ بِدُونِ مَا تَصْنَعُ،فَقَالَ:وَاللَّهِ لَأَجْهَدَنَّ،فَإِنْ نَجَوْتُ فَبِرَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَإِنْ دَخَلْتُ النَّارَ فَلِبُعْدِ جُهْدِي،فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَى،فَقِيلَ لَهُ:أَتَجْزَعُ مِنَ الْمَوْتِ،وَتَبْكِي،قَالَ:مَالِي لَا أَبْكِي،وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي،وَاللَّهِ مَا أَبْكِي جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ وَلَا حِرْصًا عَلَى دُنْيَاكُمْ رَغْبَةً فِيهَا،وَلَكِنِّي أَبْكِى عَلَى ظَمَأِ الْهَوَاجِرِ وَقِيَامِ لَيْلِ الشِّتَاءِ،وَكَانَ يَقُولُ:ألهى فِي الدُّنْيَا الْهُمُومُ وَالْأَحْزَانُ،وَفِي الْآخِرَةِ الْحِسَابُ وَالْعَذَابُ،فَأَيْنَ الرَّوْحُ وَالْفَرَجُ.وَأَمَّا الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ،فَقِيلَ لَهُ حِينَ أَصَابَهُ الْفَالِجُ:لَوْ تَدَاوَيْتَ،قَالَ:قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الدَّوَاءَ حَقٌّ،وَلَكِنِّي ذَكَرْتُ:وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ
__________
(1) - شعب الإيمان - (3 / 179)(1522) ومَعْرِفَةُ الصِّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (3608 ) حسن لغيره
(2) - الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ (93 ) حسن مرسل
(3) - شعب الإيمان - (2 / 56)(512 ) صحيح
(4) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (1614 )
(5) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي (10551 ) صحيح(1/39)
كَثِيرًا،وَكَانَتْ فِيهِمُ الْأَوْجَاعُ وَكَانَتْ فِيهِمُ الْأَطِبَّاءُ،فَمَا بَقِيَ الْمُدَاوِي وَالْمُدَاوَى،وَقَالَ غَيْرُهُ:لَا النَّاعِتُ وَلَا الْمَنْعُوتُ لَهُ،وَقِيلَ لَهُ:أَلَا تُذَكِّرُ النَّاسَ،قَالَ:مَا أَنَا عَنْ نَفْسِي بِرَاضٍ،فَأَتَفَرَّغَ مِنْ ذَمِّهَا إِلَى ذَمِّ النَّاسِ،إِنَّ النَّاسَ خَافُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ،فِي ذُنُوبِ النَّاسِ وَأَصَرُّوا عَلَى ذُنُوبِهِمْ،قَالَ:فَقِيلَ لَهُ:كَيْفَ أَصْبَحْتَ ؟ قَالَ:أَصْبَحْنَا ضُعَفَاءَ مُذْنِبِينَ،نَأْكُلُ أَرْزَاقَنَا وَنَنْتَظِرُ آجَالَنَا قَالَ:وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا رَآهُ قَالَ:وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ.أَمَا لَوْ رَآكَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - لَأَحَبَّكَ،وَكَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ يَقُولُ:أَمَّا بَعْدُ:فَأَعِدَّ زَادَكَ،وَخُذْ فِي جِهَازِكَ،وَكُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ.وَأَمَّا أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ،فَلَمْ يُجَالِسْ أَحَدًا قَطُّ فَتَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا،إِلَّا تَحَوَّلَ عَنْهُ،فَدَخَلَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ،فَنَظَرَ إِلَى قَوْمٍ قَدِ اجْتَمَعُوا،فَرْجَى أَنْ يَكُونُوا عَلَى ذِكْرٍ وَخَيْرٍ،فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ،فَإِذَا بَعْضُهُمْ يَقُولُ:قَدِمَ غُلَامٌ لِي فَأَصَابَ كَذَا وَكَذَا،وَقَالَ الْآخَرُ:جَهَّزْتُ غُلَامِي،فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ:سُبْحَانَ اللَّهِ أَتَدْرُونَ مَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ،كَرَجُلٍ أَصَابَهُ مَطَرٌ غَزِيرٌ وَابِلٌ،فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِمِصْرَاعَيْنِ عَظِيمَيْنِ فَقَالَ:لَوْ دَخَلْتُ هَذَا حَتَّى يَذْهَبَ عَنِّي هَذَا الْمَطَرُ،فَدَخَلَ فَإِذَا الْبَيْتُ لَا سَقْفَ لَهُ،جَلَسْتُ إِلَيْكُمْ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا عَلَى خَيْرٍ،فَإِذَا أَنْتُمْ أَصْحَابُ دُنْيَا.قَالَ لَهُ قَائِلٌ حِينَ كَبُرَ وَرَقَّ:لَوْ قَصَرْتَ عَنْ بَعْضِ مَا تَصْنَعُ،فَقَالَ:أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَرْسَلْتُمُ الْخَيْلَ فِي الْحَلْبَةِ،أَلَسْتُمْ تَقُولُونَ لِفَارِسِهَا:وَدِّعْهَا وَأَرْفَقْ بِهَا حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ الْ غَايَةَ،فَلَا تَسْتَبْقِ مِنْهُ شَيْئًا،قَالُوا:بَلَى،قَالَ:فَإِنِّي قَدْ أَبْصَرْتُ الْغَايَةَ،وَإِنَّ لِكُلِّ سَاعٍ غَايَةً،وَغَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ الْمَوْتُ،فَسَابِقٌ وَمَسْبُوقٌ.وَأَمَّا الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ،فَكَانَ مُجَاهِدًا فِي الْعِبَادَةِ،وَيَصُومُ حَتَّى يَصْفَرَّ جَسَدُهُ،وَيَخْضَرَّ،فَكَانَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ يَقُولُ لَهُ:لِمَ تُعَذِّبُ هَذَا الْجَسَدَ هَذَا الْعَذَابَ،فَيَقُولُ:إِنَّ الْأَمْرَ جِدٌّ،كَرَامَةُ هَذَا الْجَسَدِ أُرِيدُ،فَلَمَّا احْتُضِرَ،بَكَى،فَقِيلَ لَهُ:مَا هَذَا الْجَزَعُ قَالَ:مَالِي لَا أَجْزَعَ،وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي،وَاللَّهِ لَوْ أَتَيْتُ بِالْمَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ،لَهَمَّنِي الْحَيَاءُ مِنْهُ مِمَّا صَنَعْتُ،إِنَّ الرَّجُلَ لِيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ الذَّنْبُ الصَّغِيرُ،فَيَعْفُو عَنْهُ فَلَا يَزَالُ مُسْتَحِيًا مِنْهُ حَتَّى يَمُوتَ،وَلَقَدْ حَجَّ ثَمَانِينَ حَجَّةً.وَأَمَّا مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ،فَإِنَّ امْرَأَتَهُ قَالَتْ:مَا كَانَ يُوجَدُ إِلَّا وَسَاقَيْهِ قَدِ انْتَفَخَتَا مِنْ طُولِ الصَّلَاةِ،قَالَتْ:وَإِنْ كُنْتُ وَاللَّهِ لِأَجْلِسَ خَلْفَهُ فَأَبْكِي رَحْمَةً لَهُ،فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَى،فَقِيلَ لَهُ:مَا هَذَا الْجَزَعُ ؟ فَقَالَ:وَمَالِي لَا أَجْزَعَ وَإِنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ،ثُمَّ لَا أَدْرِي أَيْنَ يُسْلَكُ بِي.وَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ،فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ كَانَ أَطْوَلَ حُزْنًا مِنْهُ،مَا كُنَّا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِمُصِيبَةٍ،ثُمَّ قَالَ:نَضْحَكُ وَلَا نَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِنَا فَقَالَ:لَا أَقْبَلُ مِنْكُمْ شَيْئًا،وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ،هَلْ لَكَ بِمُحَارَبِةِ اللَّهِ مِنْ طَاقَةٍ،إِنَّهُ مَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى،فَقَدْ حَارَبَهُ،وَاللَّهِ لَقَدْ أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ بَدْرِيًّا أَكْثَرُ لِبَاسِهِمُ الصُّوفُ،وَلَوْ رَأَيْتُمُوهُمْ،لَقُلْتُمْ:مَجَانِينُ،وَلَوْ رَأَوْا خِيَارَكُمْ،لَقَالُوا:مَا لِهَؤُلَاءِ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خَلَاقٍ،وَلَوْ رَأَوْا شِرَارَكُمْ لَقَالُوا:مَا يُؤْمِنُ هَؤُلَاءِ بِيَوْمِ الْحِسَابِ،وَلَقَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانًا كَانَتِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَى أَحَدِهِمْ مِنَ التُّرَابِ تَحْتَ قَدَمِهِ،وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَامًا عَسَى أَنْ لَا يَجِدَ أَحَدُهُمْ عِشَاءً وَلَا قُوتًا،فَيَقُولُ:وَاللَّهِ،لَا أَجْعَلُ هَذَا كُلَّهُ فِي بَطْنِي،لَأَجْعَلَنَّ بَعْضَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،فَيُتَصَدَّقُ بِبَعْضِهِ،وَإِنْ كَانَ هُوَ أَحْوَجَ مِمَّنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ.قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ:فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ(1/40)
الْعِرَاقَ،أَرْسَلَ إِلَى الْحَسَنِ وَإِلَى الشَّعْبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،فَأَمَرَ لَهُمَا بِبَيْتٍ كَانَا فِيهِ شَهْرًا،أَوْ نَحْوَهُ،ثُمَّ إِنَّ الْخَصِيَّ غَدَا عَلَيْهِمَا فَقَالَ:إِنَّ الْأَمِيرَ دَاخِلٌ عَلَيْكُمَا،فَجَاءَ عُمَرُ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا لَهُ،فَسَلَّمَ،ثُمَّ جَلَسَ تَعْظِيمًا لَهُمَا فَقَالَ:إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،يَكْتُبُ إِلَى كُتُبًا،أَعْرِفُ أَنَّ فِيَ إِنْفَاذِهَا الْهَلَكَةَ،فَإِنْ أَطَعْتُهُ عَصَيْتُ اللَّهَ،وَإِنَّ عَصَيْتُهُ أَطَعْتُ اللَّهَ تَعَالَى،فَهَلْ تَرَيَانِ لِي فِي مُتَابَعَتِي إِيَّاهُ فَرَجًا ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ:يَا أَبَا عَمْرٍو،أَجِبِ الْأَمِيرَ،فَتَكَلَّمَ الشَّعْبِيُّ،فَانْحَطَّ فِي شَأْنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ فَقَالَ:مَا تَقُولُ أَنْتَ يَا أَبَا سَعِيدٍ ؟ قَالَ:فَقَالَ:أَيُّهَا الْأَمِيرُ،قَدْ قَالَ الشَّعْبِيُّ مَا قَدْ سَمِعْتَ،قَالَ:مَا تَقُولُ أَنْتَ ؟ قَالَ:أَقُولُ:يَا عُمَرُ بْنَ هُبَيْرَةَ،يُوشِكُ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ مَلَكٌ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،فَظًا غَلِيظًا لَا يَعْصِي اللَّهَ مَا أَمَرَهُ،فَيُخْرِجُكَ مِنْ سَعَةِ قَصْرِكَ،فَصِرْتَ فِي ضِيقِ قَبْرِكَ،يَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،إِنْ تَتَّقِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَعْصِمُكَ مِنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،وَلَنْ يَعْصِمَكَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنَ اللَّهِ،يَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،لَا تَأْمَنْ أَنْ يَنْظُرَ اللَّهُ إِلَى قُبْحِ مَا تَعْمَلُ فِي طَاعَةِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،نَظْرَةَ مَقْتٍ،فَيُغْلِقَ بِهَا بَابَ الْمَغْفِرَةِ دُونَكَ،يَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،لَقَدْ أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَانُوا - وَاللَّهِ - عَلَى الدُّنْيَا وَهِيَ مُقْبِلَةٌ أَشَدَّ إِدْبَارًا مِنْ إِقْبَالِكُمْ عَلَيْهَا وَهِيَ مُدْبِرَةٌ،يَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،إِنِّي أُخَوِّفُكَ مَقَامًا خَوَّفَكَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقَالَ:ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ،يَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،إِنَّ تَكُ مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى طَاعَتِهِ،كَفَاكَ اللَّهُ - وَاللَّهِ - يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،وَإِنَّ تَكُ مَعَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى مَعَاصِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ،وَكَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ،فَبَكَى عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،وَقَامَ بِعَبْرَتِهِ،فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَرْسَلَ إِلَيْهِمَا بِإِذْنِهِمَا،وَجَوَائِزِهِمَا،فَكَثَّرَ فِيهَا لِلْحَسَنِ،وَكَانَ فِي جَائِزَةِ الشَّعْبِيِّ بَعْضُ الْإِقْتَارِ،فَخَرَجَ الشَّعْبِيُّ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ:يَا مَعْشَرَ النَّاسِ مِنَ اسْتَطَاعَ أَنْ يُؤْثِرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْقِهِ فَلْيَفْعَلْ،فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،مَا عَلِمَ الْحَسَنُ مِنْهُ شَيْئًا فَجَهِلْتُهُ،وَلَكِنِّي أَرَدْتُ وَجْهَ ابْنَ هُبَيْرَةَ،فَأَقْصَانِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ،وَكَانَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،مَعَ اللَّهِ فِي طَاعَتِهِ،فَحَيَّاهُ وَأَدْنَاهُ.قَالَ:فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ مُخَادِشٍ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ:كَيْفَ نَصْنَعُ بِمُجَالَسَةِ قَوْمٍ يُخَوِّفُونَا حَتَّى تَكَادَ قُلُوبُنَا تَطِيرُ ؟،فَقَالَ الْحَسَنُ:وَاللَّهِ لِأَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُخَوِّفُونَكَ،حَتَّى تُدْرِكَ أَمَّنَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُؤَمِّنُونَكَ حَتَّى تَلْحَقَكَ الْمَخَاوِفَ،فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ:أَخْبِرْنَا بِصِفَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَبَكَى،ثُمَّ قَالَ:ظَهَرَتْ مِنْهُمْ عَلَامَاتُ الْخَيْرِ فِي السِّرِّ وَالسَّمْتِ وَالصِّدْقِ،وَحَسُنَتْ عَلَانِيَتُهُمْ بِالِاقْتِصَادِ،وَمَمْشَاهُمْ بِالتَّوَاضُعِ وَمَطْلَعُهُمْ بِالْفَصْلِ،وَطِيبُ مَطْعَمِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ بِالطَّيِّبِ مِنَ الرِّزْقِ،وَبَصَرُهَمْ بِالطَّاعَةِ،وَاسْتِعْدَادُهُمْ لِلْحَقِّ فِيمَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا،وَإِعْطَاؤُهُمُ الْحَقَّ مِنْ أَنْفُسِهِمْ لِلْعَدُوِّ وَالصَّدِيقِ،وَبِحِفْظِهِمْ فِي الْمِنْطَقِ مَخَافَةَ الْوِزْرِ،وَمُسَارَعَتِهِمْ فِي الْخَيْرِ رَجَاءَ الْأَجْرِ،وَالِاجْتِهَادِ لِلَّهِ تَعَالَى،وَمُزَاحَاتِهِمْ،وَكَانُوا أَوْصِيَاءَ أَنْفُسِهِمْ،ظَمِئَتْ هَوَاجِرُهُمْ،وَكَلَّتْ أَجْسَامُهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَاسْتَحَبُّوا سَخَطَ الْمَخْلُوقِينَ بِرِضَا خَالِقِهِمْ،لَمْ يُفَرِّطُوا فِي غَضِبٍ وَلَمْ يَخُوضُوا فِي جَوْرٍ،وَلَمْ يُجَاوِزُوا حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ،فَشَغَلُوا الْأَلْسُنَ بِالذِّكْرِ،بَذَلُوا لِلَّهِ تَعَالَى دِمَاءَهُمْ حِينَ اشْتَرَاهُمْ،وَبَذَلُوا لِلَّهِ أَمْوَالَهُمْ حِينَ(1/41)
اسْتَقْرَضَهُمْ،لَمْ يَكُنْ خَوْفُهُمْ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ،حَسُنَتْ أَخْلَاقُهُمْ وَهَانَتْ مَؤُنَتُهُمْ،كَفَاهُمُ الْيَسِيرُ مِنْ دُنْيَاهُمْ إِلَى آخِرَتِهِمْ.وَأَمَّا أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ،وَهَرِمُ بْنُ حَيَّانَ،فَإِنَّ أَهْلَهُ ظَنُّوا أَنَّهُ مَجْنُونٌ،فَبَنَوْا لَهُ بَيْتًا عِنْدَ بَابَ دَارِهِمْ،فَكَانَتْ تَأْتِي عَلَيْهِ السَّنَةُ وَالْسَنَتَانِ لَا يَرَوْنَ لَهُ وَجْهًا،فَكَانَ طَعَامُهُ مَا يَلْتَقِطُ مِنَ النَّوَى،فَإِذَا أَمْسَى بَاعَهُ لِإِفْطَارِهِ،وَإِذَا أَصَابَ حَشَفَةً حَبَسَهَا لِإِفْطَارِهِ،فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:أَيُّهَا النَّاسُ،قُومُوا بِالْمَوْسِمِ،فَقَامُوا فَقَالَ:أَلَا اجْلِسُوا إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ،فَجَلَسُوا فَقَالَ:أَلَا اجْلِسُوا إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ،فَجَلَسُوا فَقَالَ:أَلَا اجْلِسُوا إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ مُرَادٍ،فَجَلَسُوا فَقَالَ:أَلَا اجْلِسُوا إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ قَرَنٍ،فَجَلَسُوا إِلَّا رَجُلٌ،وَكَانَ ابْنُ عَمِّ أُوَيْسِ بْنِ أَنَسٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:أَقَرَنِيٌّ أَنْتَ ؟ قَالَ:نَعَمْ،فَقَالَ:تَعْرِفُ أُوَيْسًا ؟ فَقَالَ:وَمَا تَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ،يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،فَوَاللَّهِ،مَا فِينَا أَحْمَقُ مِنْهُ،وَلَا أَجَنُّ مِنْهُ،وَلَا أَحْوَجُ مِنْهُ،فَبَكَى عُمَرُ،ثُمَّ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلُ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ ".قَالَ هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ:فَلَمَّا بَلَغَنِي ذَلِكَ قَدِمْتُ الْكُوفَةَ،فَلَمْ يَكُنْ لِي هَمٌّ إِلَّا طَلَبَهُ،حَتَّى سَقَطْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ نِصْفَ النَّهَارِ يَتَوَضَّأُ،فَعَرَفْتُهُ بِالنَّعْتِ الَّذِي نُعِتَ لِي،فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ لَحِيمٌ آدَمُ شَدِيدُ الْأَدَمَةِ أَشْعُرُ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ،مَهِيبٌ الْمَنْظَرِ،وَزَادَ غَيْرُهُ قَالَ:كَانَ رَجُلًا أَشْهَلَ أَصْهَبَ عَرِيضَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَفِي عُنُقِهِ الْيُسْرَى وَضَحٌ،وَضَارِبٌ بِلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ،نَاصِبٌ بَصَرَهُ،فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،فَرَدَّ عَلَيَّ،فَنَظَرَ إِلَيَّ وَمَدَدْتُ يَدِي لِأُصَافِحَهُ فَأَبَى أَنْ يُصَافِحَنِي،فَقُلْتُ:يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا أُوَيْسُ وَغَفَرَ لَكَ،رَحِمَكَ اللَّهُ،كَيْفَ أَنْتَ،رَحِمَكَ اللَّهُ،ثُمَّ خَنَقَتْنِي الْعَبْرَةُ مِنْ حُبِّي إِيَّاهُ،وَرِقَّتِي عَلَيْهِ،لِمَا رَأَيْتُ مِنَ حَالَتِهِ،حَتَّى بَكَيْتُ وَبَكَى قَالَ:وَأَنْتَ حَيَّاكَ اللَّهُ يَا هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ،كَيْفَ أَنْتَ يَا أَخِي مَنْ دَلَّكَ عَلَيَّ ؟ فَقُلْتُ:اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ،فَقَالَ:لَا إِلَهُ إِلَّا اللَّهُ،سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا،فَقُلْتُ لَهُ:مِنْ أَيْنَ عَرَفْتَ اسْمِي وَاسْمَ أَبِي،وَمَا رَأَيْتُكَ قَبْلَ الْيَوْمِ قَالَ:أَنْبَأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ،عَرَفَتْ رُوحِي رُوحَكَ حِينَ كَلَّمَتْ نَفْسِي نَفْسَكَ،إِنَّ الْأَرْوَاحَ لَهَا أَنْفَاسٌ كَأَنْفَاسِ الْأَجْسَادِ،وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا،وَيَتَحَابُونَ بِرُوحِ اللَّهِ تَعَالَى،وَلَوْ لَمْ يَلْتَقُوا وَيَتَعَارَفُوا،وَإِنْ نَأَتْ بِهِمُ الدَّارُ،وَتَفَرَّقَتْ بِهِمُ الْمَنَازِلُ،فَقُلْتُ:حَدَّثَنِي،يَرْحَمُكُ اللَّهُ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:إِنِّي لَمْ أَرْ رَسُولَ اللَّهِ،وَلَمْ يَكُنْ لِي مَعَهُ صُحْبَةٌ،بِأَبِي وَأُمِّي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَلَكِنْ قَدْ رَأَيْتُ رِجَالًا قَدْ أَدْرَكُوهُ،وَلَسْتُ أُحِبُّ أَنْ أَفْتَحَ هَذَا الْبَابَ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَكُونَ مُحَدِّثًا،أَوْ قَاصًّا،أَوْ مُفْتِيًا،فِي نَفْسِي شُغْلٌ عَنِ النَّاسِ،فَقُلْتُ:أَيْ أَخِي،اقْرَأْ عَلَيَّ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،أَسْمَعْهَا مِنْكَ،أَوْ أَوْصِنِي بِوَصِيَّةٍ أَحْفَظْهَا عَنْكَ،فَإِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،قَالَ:فَأَخَذَ بِيَدِي،ثُمَّ قَالَ:أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ رَبِّي وَأَحَقُّ الْقَوْلِ،قَوْلُ رَبِّي،وَأَصْدَقُ الْحَدِيثِ حَدِيثُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ،ثُمَّ قَرَأَ:وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ،مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ إِلَى قَوْلِهِ:الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ،فَشَهِقَ شَهْقَةً،فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَأَنَا أَحْسَبُهُ قَدْ غُشِيَ عَلَيْهِ قَالَ:يَا ابْنَ حَيَّانَ،مَاتَ أَبُوكَ،يَا ابْنَ حَيَّانَ،وَيُوشِكُ أَنْ تَمُوتَ فَإِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ،وَإِمَّا إِلَى النَّارِ،وَمَاتَ أَبُوكَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ،وَمَاتَتْ أُمُّكَ حَوَّاءُ،يَا ابْنَ(1/42)
حَيَّانَ،وَمَاتَ نُوحُ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَمَاتَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ،مَاتَ مُوسَى نَجِيُّ الرَّحْمَنِ،وَمَاتَ دَاوُدُ خَلِيفَةُ الرَّحْمَنِ،وَمَاتَ مُحَمَّدٌ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ،وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَمَاتَ أَخِي وَصَدِيقِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،فَقُلْتُ:يَرْحَمُكَ اللَّهُ،إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَمُتْ،قَالَ:بَلَى،قَدْ نَعَاهُ رَبِّي إِلَى نَفْسِي،وَأَنَا وَأَنْتَ فِي الْمَوْتَى،ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَدَعَا بِدَعَوَاتٍ خِفَافٍ،ثُمَّ قَالَ:هَذِهِ وَصِيَّتِي إِيَّاكَ،كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَنَعْي الْمُرْسَلِينَ،وَنَعْي صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ،فَعَلَيْكَ بِذِكْرِ الْمَوْتِ،فَلَا يُفَارِقُ قَلْبَكَ طَرَفَةَ عَيْنٍ مَا بَقِيتَ،وَأَنْذِرْ قَوْمَكَ إِذَا رَجَعْتَ إِلَيْهِمْ،وَانْصَحَ الْأُمَّةَ جَمِيعًا،وَإِيَّاكَ أَنْ تُفَارِقَ الْجَمَاعَةَ،فَتُفَارِقَ دِينَكَ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ،فَتَدْخُلَ النَّارَ،وَادْعُ لِي فِي نَفْسِكِ،ثُمَّ قَالَ:اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي فِيكَ،وَزَارَنِي فِيكَ،فَعَرِّفْنِي وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ،وَأَدْخِلْهُ عَلَيَّ فِي دَارِكَ،دَارِ السَّلَامِ،وَاحْفَظْهُ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا حَيًّا،وَأَرْضِهِ مِنَ الدُّنْيَا بِالْيَسِيرِ،وَاجْعَلْهُ لِمَا أَعْطَيْتَهُ مِنْ نِعَمِكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ،وَاجْزِهِ عَنِّي خَيْرًا،ثُمَّ قَالَ:السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ،لَا أَرَاكُ بَعْدَ الْيَوْمِ،رَحِمَكَ اللَّهُ،فَإِنِّي أَكْرَهُ الشُّهْرَةَ،وَالْوِحْدَةُ أَعْجَبُ إِلَيَّ لِأَنِّي كَثِيرُ الْغَمِّ مَا دُمْتُ مَعَ هَؤُلَاءِ النَّاسِ حَيًّا،فَلَا تَطْلُبْنِي،وَلَا تَسْأَلْ عَنِّي،وَاعْلَمْ أَنَّكَ مِنِّي عَلَى بَالٍ،وَإِنْ لَمْ أَرَكَ وَتَرَانِي،فَاذْكُرْنِي وَادْعُو لِي،فَإِنِّي سَأَدْعُو لَكَ،وَأَذْكُرُكَ،إِنْ شَاءَ اللَّهُ،انْطَلِقْ أَنْتَ هَاهُنَا حَتَّى آخُذَ أَنَا هَاهُنَا،فَحَرَجْتُ عَلَيْهِ أَنْ أَمْشِيَ مَعَهُ سَاعَةً،فَأَبَى عَلَيَّ،فَفَارَقْتُهُ أَبْكِي وَيَبْكِي،فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي قَفَاهُ حَتَّى دَخَلَ فِي بَعْضِ السِّكَكِ،ثُمَّ سَأَلْتُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ،وَطَلَبْتُهُ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ،رَحْمَهُ اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ،وَمَا أَتَتْ عَلَيَّ جُمُعَةٌ إِلَّا وَأَنَا أَرَاهُ فِي مَنَامِي مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ " (1)
- - - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ (598 ) فيه لين(1/43)
-5-آدابُ الاستيقاظ
الاستيقاظ بعد النوم آية من آيات الله الباهرة الدالة على قدرة الله تعالى،وهي تشبه آيات البعث بعد الموت،وقد سمى الله تعالى النوم وفاة والاستيقاظ من بعده بعثا ونشورا قال تعالى:{ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)} الزمر.
وقال سبحانه:{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً (47)} الفرقان.
والاستيقاظ بعد النوم استئناف للحياة بعد تعطيلها. وفتح صفحة بيضاء جديدة يسطرها المرء خلال نهاره،يبدؤها باستيقاظه ويختمها بمنامه،ويودعها كتاب أعماله لتعرض عليه يوم الحساب قال تعالى:{ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (60)} الأنعام.
وهو سبحانه الذي يقبض أرواحكم بالليل بما يشبه قبضها عند الموت،ويعلم ما اكتسبتم في النهار من الأعمال،ثم يعيد أرواحكم إلى أجسامكم باليقظة من النوم نهارًا بما يشبه الأحياء بعد الموت; لتُقضى آجالكم المحددة في الدنيا،ثم إلى الله تعالى معادكم بعد بعثكم من قبوركم أحياءً،ثم يخبركم بما كنتم تعملون في حياتكم الدنيا،ثم يجازيكم بذلك. (1)
وعَنْ قَتَادَةَ،قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: " ابْنَ آدَمَ طَأِ الْأَرْضَ بِقَدَمِكَ،فَإِنَّهَا عَنْ قَلِيلٍ تَكُونُ قَبْرَكَ،ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ فَكُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ،ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَرَمِ عُمُرِكَ مُنْذُ يَوْمَ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ " (2)
وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ:" ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ وَكُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ " (3)
وعن الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ،قَالَ:سَمِعْتُ الْحَسَنَ،يَقُولُ:" ابْنَ آدَمَ طأِ الْأَرْضَ بِقَدَمِكَ فَإِنَّهَا عَنْ قَلِيلٍ،قَبْرُكَ،إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَدْمِ عُمُرِكَ مُنْذُ سَقَطْتَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ " (4)
وإذا كان الاستيقاظ ابتداء للحياة اليومية الرتيبة فينبغي على المسلم أن يجعل افتتاح يومه،وابتداء عمله،صلة بخالقه،وذكرا لرازقه،وشكرا لولي نعمته الذي تولى حفظه ورعايته خلال نومه،قال تعالى:{قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ} (42) سورة الأنبياء.
__________
(1) - التفسير الميسر - (2 / 355)
(2) - شعب الإيمان - (13 / 198) (10180 ) فيه انقطاع
(3) - الزُهْدُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (1604 ) حسن لغيره
(4) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (1884 ) حسن(1/44)
وخلال هذه الساعات الأولى من نهاره،والتي يكون فيها ذهنه صافيا،وعقله متوقدا وجسمه نشيطا،يخطط لنهاره وما ينبغي أن يعمله من عمل صالح يرضي الله تعالى،ويعود بالخير والصلاح عليه،وعلى الناس أجمعين.
وهذه جملة من الآداب الإسلامية المتعلقة بهذا الموضوع:
الاجتهاد في أن يكون الاستيقاظ باكرا قبل طلوع الفجر،وذلك لتحصيل الفوائد الروحية،واكتساب العادات الصحية،واعتنام أوقات الصفاء والنقاء للعبادة أو الدراسة.
قال الله تعالى في وصف عباده المتقين:{ كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} الذاريات.
عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : بَاكِرُوا طَلَبَ الرِّزْقِ،فَإِنَّ الْغُدُوَّ بَرَكَةٌ وَنَجَاحٌ. ". رواه الطبراني (1) .
أن يكون أول ما يجري على القلب والفكر واللسان ذكر الله تعالى وتوحيده،والدعاء بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .قال تعالى:{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25)} الإنسان.
وعَنْ عَائِشَةَ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:" مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ حِينَ رَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ رُوحَهُ:لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ". رواه ابن السني (2) .
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - : " كَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ،وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ،وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ،وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " (3) .
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ قَالَ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِىَ لَهُ وَلاَ مُئْوِىَ ». (4)
وعَنِ الْبَرَاءِ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ وَقَالَ:اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ،أَوْ تَجْمَعُ عِبَادَكَ. (5)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ،وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ،وَقَالَ:اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ. (6)
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني - (7458 ) وكشف الأستار - (2 / 79)(1247) ضعيف -الغدو : الذهاب أول النهار
(2) - عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِابْنِ السُّنِّيِّ (10 ) والْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (3445 ) ضعيف
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5017 )
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (7069)
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 356)(18672) 18875- صحيح
(6) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 162)(4225) صحيح لغيره(1/45)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ قَالَ:اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبَّ الأَرَضِينَ،وَرَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ،فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى،مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ،أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ،أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ،وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ،وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ،وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ،اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ. (1)
وعَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ اضْطَجَعَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى،ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،وَكَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِأَكْلِهِ،وَشُرْبِهِ،وَوُضُوئِهِ،وَثِيَابِهِ،وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِسِوَى ذَلِكَ،وَكَانَ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ،الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ،وَالِاثْنَيْنِ مِنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى " (2)
وعَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ،قَالَ: " اللهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصرِي وَعَقْلِي وَاجْعَلْهَا الْوَارِثَ مِنِّي،وَانْصرْنِي عَلَى عَدُوِّي،وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي.اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ،وَمَنَ الْجُوعِ،فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ ".قَالَت: ثُمَّ يَضْطَجِعُ." (3)
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ قَالَ « بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا ».وَإِذَا قَامَ قَالَ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ».رواه البخاري (4) .
المبادرة بعد الاستيقاظ إلى الطهارة والوضوء والصلاة،وجعل هذه الأعمال فاتحة النهار بعد الذكر والدعاء،وتجنّب الانشغال عنها بأي عمل آخر.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ،يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ،فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ،فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ،فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ،وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ ».متفق عليه (5) .
تجنّب المكوث في الفراش والتقلب فيه بعد الاستيقاظ،استجلابا للأفكار والأحلام،واستغراقا في الخيال والأوهام.
تجنب التكاسل عن القيام إلى الصلاة لبرد أو تعب أو نعاس،لأن ذلك كله شعور كاذب تسوِّله النفس الأمارة بالسوء،ويزول بمخالفتها.
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 807)(10924) 10937- صحيح
(2) - شعب الإيمان - (4 / 286)(2532 ) صحيح
(3) - شعب الإيمان - (6 / 382)(4377 ) حسن لغيره
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (6312 )
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (1142)وصحيح مسلم- المكنز - (1855 )(1/46)
تجنب العودة إلى النوم بعد طلوع الفجر،أو التسويف في أداء الصلاة لوجود متسع من الوقت،لأن ذلك من وحي الشيطان ليضيع على المسلم صلاة الفجر.
قال تعالى في وصف عباده المؤمنين:{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16)} السجدة.
غسل الفم وتنظيف الأسنان بالطريقة الصحيحة المفيدة بعد الاستيقاظ من النوم،وتكون إما بالسواك وهو الأفضل،أو بالفرشاة والمعجون،وهي عادة تطيب الفم،وتحافظ على الأسنان.
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ.متفق عليه (1) .
التزام الهدوء والسكينة أثناء الحركة بعد القيام،وتجنب إزعاج أحد من الأهل أو الجيران.
الحذر من الخروج المفاجئ من المكان الدافئ إلى المكان البارد،وخاصة بعد الاستيقاظ مباشرة،إلا بعد الاحتياط في اللباس.
التزام الرقة واللطف وخفض الصوت أثناء إيقاظ الآخرين،وذلك بالتذكير بتوحيد الله وأن الصلاة خير من النوم،فإن أبى أحد القيام تركه وأعاد عليه بعد قليل.
فتح الأبواب والنوافذ المغلقة في غرفة النوم بعد الاستيقاظ،لتجديد الهواء وجريانه فيه.
إعادة ترتيب السرير،وطيّ الفراش بعد تهويته وذكر اسم الله عليه،وتجنب ترك السرير ولوازم النوم مبعثرة بشكل غير لائق،إذ ليس من الأدب والمروءة اعتماد المسلم على غيره وخاصة في إنجاز أعماله اليومية،وأموره الشخصية.
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (245 ) وصحيح مسلم- المكنز - (616)
يشوص : يدلك أسنانه وينقيها(1/47)
-6-آدابُ قضاء الحاجة
التخلِّي هو طرد فضلات الجسم الضارة المؤذية عن طريق التبول أو التبرز وهو نعمة من الله تعالى ليبقى الجسم خاليا من الأمراض والأسقام،ولذلك كان حريّا بالمرء أن يشكر الله على هذه النعمة كما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها،حَدَّثَتْهَا،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ: " إِنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَقُمْ عَنْ خَلَاءٍ قَطُّ إِلَّا،قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ،وَأَبْقَى مْنَفَعَتَهُ فِي جَسَدِي،وَأَخْرَجَ عَنِّي أَذَاهُ " (1) .
الاستغفار بعد الخروج اعتراف بالقصور عن بلوغ حق شكر نعمة الطعام والاستفادة من منافع الغذاء وتسهيل خروج الأذى لسلامة البدن من الآلام..
وفي كل شيء للمسلم عبرة وذكرى تورثه خشية من الله وحياء منه،ومحبه له وشكرا..
عن عمرو أن أبا بكر قال:« استحيوا من الله ؛ فإني لأدخل الكنف فأغطي رأسي حياء من الله » (2) .
وبذلك يكون دخول المسلم لقضاء حاجته تفكرا وعبرة،وإماطة الأذى عنه فضلا ورحمة..
هذا ولدخول الخلاء آداب كثيرة فصلتها كتب الفقه،وهي تقسم إلى قسمين: قسم فيما لو كان في البنيان وقسم فيما لو كان في الصحراء.
ونكتفي أن نتناول بعض ما أتى من الآداب الخاصة بالتخلي في البنيان:
الاستئذان قبل الدخول إلى بيت الخلاء،وعدم الدخول إلا بعد التأكد من خلوه،وذلك بقرع الباب والانتظار لبعض الوقت،وخاصة في دورات المياه العامة.
تقديم الرجل اليسرى في الدخول،وتقديم اليمنى في الخروج،والدعاء بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ قَالَ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ »متفق عليه (3) .
وقال يُوسُفُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ:سَمِعْتُ أبِي يَقُولُ:دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها،فَسَمِعْتُهَا تَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا خَرَجَ مِنَ الْغَائِطِ قَالَ:غُفْرَانَك (4) .
وعَنْ أَبِي عَلِيٍّ ؛ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَقُولُ إذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الأَذَى،وَعَافَانِي (5) .
__________
(1) - شعب الإيمان - (6 / 268) (4154 ) حسن
(2) - الزهد لهناد بن السري - (1349 ) فيه انقطاع - الكنف : جمع كنيف ، وهو المرحاض والحمام
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6322 ) وصحيح مسلم- المكنز - (857 )
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (1 / 2)( 7) صحيح
(5) - مصنف ابن أبي شيبة - (1 / 2)( 10) صحيح لغيره(1/48)
وعَنْ طَاوُوسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إذَا خَرَجَ أَحَدُكُمْ مِنَ الْخَلاَءِ فَلْيَقُلِ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي مَا يُؤْذِينِي،وَأَمْسَكَ عَلَيَّ مَا يَنْفَعُنِي. (1)
وعَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ قَالَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاطَ عَنِّي الأَذَى،وَعَافَنِي (2) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ قَالَ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنِّى الأَذَى وَعَافَانِى ». رواه ابن ماجه (3) .
التخفف من الثياب قبل الدخول إلى الخلاء،والانتباه إلى طهارة ما يلبسه أثناء التخلي والتحرز من إصابتها بالنجاسة.
تجنّب استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة تعظيما لها.
فعَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلاَ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلاَ يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ،شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا » البخاري (4) .
تجنّب استصحاب شيء عليه اسم الله تعالى أو القرآن الكريم أو آيات منه.
التأكد من إغلاق باب بيت الخلاء،وعدم تركه مفتوحا،والإشارة لمن أراد الدخول بقرع الباب من الداخل لينتظر.
تجنّب كشف الثياب قبل الانتهاء إلى موضع قضاء الحاجة وإغلاق الباب.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ:أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً لاَ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ. ". رواه أبو داود (5) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتْرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ يَجْمَعُهُ ثُمَّ يَسْتَدْبِرُهُ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ يَلْعَبُونَ بِمَقَاعِدِ بَنِى آدَمَ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ » (6) .
وعَنْ أَبِي سَعْدِ الْخَيْرِ،وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عُمَرَ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ،وَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ،وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ،وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ،وَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ،وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ،وَمَنْ أَكَلَ فَمَا تَخَلَّلَ فَلْيَلْفِظْ،وَمَنْ لاَكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ،مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ،وَمَنْ لاَ فَلاَ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (1 / 3)( 12) حسن لغيره
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (1 / 3)( 13) فيه انقطاع
(3) - سنن ابن ماجه- المكنز - (320 ) حسن لغيره
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (144 )
(5) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (1 / 96) (467) وسنن أبي داود - المكنز - (14) صحيح لغيره
(6) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (1 / 94) (458) حسن لغيره(1/49)
حَرَجَ،وَمَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ،فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا فَلْيَسْتَدْبِرْهُ،فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ،مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ،وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ. (1)
غض البصر وتجنب النظر إلى العورة،فإن الله تعالى أحق أن يستحيا منه.
تجنب الكلام أثناء التخلي أو السلام أو رده أو الذكر الجهري.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ. (2) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلا مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَبُولُ أَوْ يَتَوَضَّأُ،فَسَلَّمَ عَلَيْهِ،فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى فَرَغَ. (3)
وعَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ،أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَبُولُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى فَرَغَ. (4)
وعَنْ هِلاَلِ بْنِ عِيَاضٍ،قَالَ:حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:لاَ يَخْرُجِ الرَّجُلاَنِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَانِ عَوْرَتَهُمَا يَتَحَدَّثَانِ،فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ. رواه أحمد (5) .
تجنب البول لئلا يصيبه رشاش البول.
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَالَ قَائِمًا فَلاَ تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إِلاَّ جَالِسًا. (6) .
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَالَ قَائِمًا بَعْدَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْفُرْقَانُ فَلاَ تُصَدِّقْهُ،مَا بَالَ قَائِمًا مُنْذُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْفُرْقَانُ. (7)
وهناك رخصة في البول قائما لضرورة أو عذر أو مرض.
فعَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ،أَنَّ جَرِيرًا،بَالَ قَائِمًا،ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ،وَصَلَّى،فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ،فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. (8)
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ رَأَيْتُنِى أَنَا وَالنَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - نَتَمَاشَى،فَأَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ،فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ،فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ،فَأَشَارَ إلى فَجِئْتُهُ،فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ . (9) .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 375)(8838) 8825- حسن لغيره
(2) - سنن النسائي- المكنز - (37 ) صحيح
(3) - مسند أبي عوانة (438 ) صحيح
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 435)(26249) صحيح لغيره
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 93)(11310) 11330- صحيح لغيره
(6) - سنن النسائي- المكنز - (29 ) صحيح، ولكنه لا يمنع أن غيرها رآه يبول واقفاً ، وإن كان بقلةٍ
(7) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 414)(25787) 26306- صحيح
(8) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 518)(19237) 19450-و صحيح البخارى- المكنز - (387 ) وصحيح مسلم- المكنز - (645)
(9) - صحيح البخارى- المكنز - (225 ) -السباطة : موضع الكناسة -انتبذت : تنحيت(1/50)
وعَنْ أَبِي وَائِلٍ،قَالَ:كَانَ أَبُو مُوسَى يُشَدِّدُ فِي الْبَوْلِ،وَيَقُولُ:إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ جِلْدَ أَحَدِهِمْ بَوْلٌ قَرَضَهُ بِالْمِقْرَاضِ،فَقَالَ حُذَيْفَةُ:لَوَدِدْتُ أَنَّ صَاحِبَكُمْ لاَ يُشَدِّدُ هَذَا التَّشْدِيدَ،لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنَا وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَتَمَاشَى،فَأَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ،فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ،فَبَالَ،قَالَ:فَاسْتَتَرْتُ مِنْهُ،فَأَشَارَ إِلَيَّ،فَجِئْتُ،فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ. (1)
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: " رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَالَ وَهُوَ قَائِمٌ،عَلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ،ثُمَّ أُتِيَ بِوَضُوءٍ،فَتَوَضَّأَ،وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ " (2)
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ الْبَوْلِ قَائِمًا،وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلَهُ عَنْ عَائِشَةَ ; لِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ إِنَّمَا فِيهِ مَنْ حَدَّثَكَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ،بَالَ قَائِمًا بَعْدَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ،فَلَا تُصَدِّقْهُ.أَيْ: أَنَّ الْقُرْآنَ،لَمَّا نُزِلَ عَلَيْهِ أُمِرَ فِيهِ بِالطَّهَارَةِ،وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ،وَالتَّحَرُّزِ مِنْهَا.فَلَمَّا رَأَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ،وَعَلِمَتْ تَعْظِيمَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ; لِأَمْرِ اللهِ،وَكَانَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهَا،أَنَّ مَنْ بَالَ قَائِمًا،لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْ إِصَابَةِ الْبَوْلِ ثِيَابَهُ وَبَدَنَهُ،قَالَتْ ذَلِكَ،وَلَيْسَ فِيهِ حِكَايَةٌ مِنْهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُوَافِقُ ذَلِكَ.ثُمَّ جَاءَ حُذَيْفَةُ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ،بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ،يَبُولُ قَائِمًا.فَثَبَتَ بِذَلِكَ إِبَاحَةُ الْبَوْلِ قَائِمًا،إِذَا كَانَ الْبَائِلُ فِي ذَلِكَ يَأْمَنُ مِنَ النَّجَاسَةِ عَلَى بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ . (3)
غسل اليد قبل البدء بالاستنجاء بها لئلا يتشرب مسام الجلد الماء النجس.
القيام بالاستنجاء والطهارة باستعمال اليد اليسرى.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ وَلاَ يَتَمَسَّحْ مِنَ الْخَلاَءِ بِيَمِينِهِ وَلاَ يَتَنَفَّسْ فِى الإِنَاءِ ». (4)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ،أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ أَخْبَرَهُ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِِنَاءِ،وَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلاَءَ فَلاَ يَسْتَنْجِيَنَّ بِيَمِينِهِ وقَالَ أَبُو عَامِرٍ:وَلاَ يَمَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ. (5)
الاطمئنان إلى زوال النجاسة،واستكمال الطهارة الشرعية.قال تعالى:{ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} البقرة.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ » (6) .
تنظيف مكان الخلاء بعد قضاء الحاجة حتى لا يبقى أثر ولا رائحة.
غسل اليدين بالماء والصابون بعد الخروج مباشرة.
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (4 / 277) (1429) وصحيح مسلم- المكنز - (648)
(2) - شرح معاني الآثار - (4 / 267)(6807 ) صحيح
(3) - شرح معاني الآثار - (4 / 267)
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (636 )
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 531)(22647) 23024- صحيح
(6) - سنن الدارقطنى- المكنز - (474 ) صحيح لغيره(1/51)
-7-آداب الوضوء
الوضوء شرط لصحة الصلاة قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (6) سورة المائدة.
وهو تطهير للأعضاء الظاهرة بالماء تمهيدا للدخول في الصلاة،واستعدادا لمناجاة الله تعالى،وعلامة على تطهير الجوارح من الخطايا والذنوب،وتنظيف القلب مما يشغل عن الله تعالى من الغفلات والمحرمات،ويحجب عن تلقفي أنواره وفيوضاته وعلومه اللدنية وحكمته الالهية..
قال أحد العلماء: اعلم أنك إذا توضأت فإنك ستزور ربك عز وجل فعليك أن تتوب إليه،لأنه جعل الغسل بالماء مقدمة للغسل من الذنوب. فإذا تمضمضت فطهر لسانك من الكذب والغيبة والنميمة،فإنما خلق لسانك لذكر الله تعالى وتلاوة القرآن،ولترشد به خلقه وتظهر به ما في نفسك من حاجات دينك ودنياك،فإذا استعملته في غير ما خلق له فقد كفرتَ نعمة الله فيه،فإن جوارحك نعمة،والاستعانة بالنعم على المعاصي غاية الكفران،فإذا استنشقت فطهر أنفك من أن تشم محرما،فإذا ظهرت وجهك فطهر نظرك من ثلاث: أن تنظر إلى محرم،أو إلى مسلم بعين الاحتقار،أو إلى عيب أحد فإنما خُلقت العينان لتهتدي بهما في الظلمات،وتستعين بهما في الحاجات،وتنظر بهما إلى عجائب ملكوت الأرض والسموات،فتعتبر بهما بما تراه من الآيات..
وإذا طهرت يديك بالماء فطهرهما من أن تؤذي بهما مسلما،أو تتناول مالا محرما،أو تكتب بهما ما لا يجوز النطق به،فإن القلم أحد اللسانين فاحفظه عما يجب حفظ اللسان عنه،وإذا مسحت رأسك فاعلم أن مسحه امتثال لأمر الله،والخضوع لجلاله،والتذلل بين يديه،وإظهار الافتقار إليه،وإذا طهرت بين رجليك فطهرهما من المشي إلى حرام،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَخْطُو خُطْوَةً إِلَّا سُئِلَ عَنْهَا مَا لَذَاذَتُهَا ". رواه أبو نعيم في الحلية (1) .
هذا هو الوضوء الصالح (2) ،فعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ ». رواه مسلم (3)
__________
(1) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (12202 ) فيه ضعف
(2) - http://www.kettaneh.net/islam/islam/adaab3.htm
http://alboraq.info/archive/index.php/t-42768.html
http://www.asdaff.com/t21816.html
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (601 )(1/52)
وهذه طائفة من الآداب الإسلامية في الوضوء.
ابتداء الوضوء بتسمية الله تعالى .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ وَلاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تعالى عَلَيْهِ ». رواه أبو داود (1) .
الهدوء وحضور القلب أثناء الوضوء،لأن السكينة والخشوع في الوضوء مقدمة للخشوع في الصلاة.
استعمال السواك عند كل وضوء،لأنه مطهرة للفم،مرضاة للرب.
عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ مَعَ الْوُضُوءِ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ. (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ الْوُضُوءِ،وَلَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ شَطْرِ اللَّيْلِ. (3)
تجنب الكلام والضحك واللعب بالماء أثناء الوضوء.
تجنب لطم الوجه والرأس بالماء لطما.
تجنب نفض اليدين بعد الوضوء ورش الماء.
الحرص على إسباغ الوضوء زيادة على الفرائض،إلى العضدين وأنصاف السوق،وخاصة في أوقات البرد،لأنه نور المؤمن وحليته يوم القيامة.
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إلى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ». رواه مسلم (4) .
وعَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ رَقِيتُ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ،فَتَوَضَّأَ فَقَالَ إِنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ أُمَّتِى يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ،فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ » (5) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : تَرِدُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ سِيمَا أُمَّتِي لَيْسَ لأَحَدٍ غَيْرِهَا. (6)
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (101 ) حسن
(2) - صحيح ابن حبان - (3 / 351) (1069) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (4 / 398) (1531) صحيح
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (610 )
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (136 ) وصحيح مسلم- المكنز - (603 )
(6) - صحيح ابن حبان - (3 / 324) (1048) صحيح(1/53)
وعَنْ أَبِى حَازِمٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ أَبِى هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ فَكَانَ يَمُدُّ يَدَهُ حَتَّى تَبْلُغَ إِبْطَهُ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا الْوُضُوءُ فَقَالَ يَا بَنِى فَرُّوخَ أَنْتُمْ هَا هُنَا لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ هَا هُنَا مَا تَوَضَّأْتُ هَذَا الْوُضُوءَ سَمِعْتُ خَلِيلِى - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ ». رواه مسلم (1) .
الانتباه إلى تبليغ الوضوء،وإيصال الماء إلى ثنايا الجلد والأعقاب وبين الأصابع.
فعَنْ جَابِرٍ أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ ». فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى. (2)
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ قَتَادَةَ بْنَ دِعَامَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إلى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ عَلَى قَدَمَيْهِ مِثْلَ مَوْضِعِ الظُّفْرِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ ». رواه أبو داود (3)
قال الإمام النووي رحمه الله (4) : " وأما الدعاء على أعضاء الوضوء،فلم يجئ فيه شئ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الفقهاء:يستحب فيه دعوات جاءت عن السلف،وزادوا ونقصوا فيها..
الدعاء بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خُدَّامَ أَنْفُسِنَا نَتَنَاوَبُ الرِّعْيَةَ رِعْيَةَ إِبِلِنَا فَكُنْتُ عَلَى رِعْيَةِ الإِبِلِ،فَرُحْتُهَا بِعَشِيٍّ،فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ،فَسَمِعْتُهُ،يَقُولُ:مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ،ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ،يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ،فَقَدْ أَوْجَبَ ,قَالَ:فَقُلْتُ:مَا أَجْوَدَ هَذِهِ،فَقَالَ رَجُلٌ:الَّذِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ،فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،قُلْتُ:مَا هُوَ يَا أَبَا حَفْصٍ ؟ قَالَ:إِنَّهُ،قَالَ آنِفًا،قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ:مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ وَضُوئِهِ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،إِلاَّ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ لَهُ،يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ " . (5)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ،فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ. (6)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (609 )
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (599 )
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (173 ) صحيح لغيره
(4) - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (4 / 10) والأذكار للنووي - (1 / 29)
(5) - صحيح ابن حبان - (3 / 326) (1050) صحيح
(6) - مصنف ابن أبي شيبة - (10 / 451) (30515) صحيح لغيره(1/54)
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِى مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ». رواه الترمذي (1) .
وعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ،قَالَ:كَانَ عَلِيٌّ إذَا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ،قَالَ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،رَبِّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ،وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ. (2)
يستحب صلاة ركعتين بعد كل وضوء إن لم يكن وقت صلاة راتبة.
فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ». رواه أبو داود (3) .
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ،ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ،مُقْبِلٌ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ.(قَالَ:فَقُلْتُ:مَاَ أَجْوَدُ هَذِهِ)،فَقَالَ عُمَرُ:مَا قَبْلَهَا أَكْثَرُ مِنْهَا،كَأَنَّك جِئْتَ آنِفًا ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ،يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ. (4)
الاعتدال في استخدام الماء،وتجنب صب الماء من غير حاجة،أو الزيادة في الغسل على ثلاث مرات. فهو إشراف.عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ،فَقَالَ:مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ:أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ ؟ قَالَ:نَعَمْ،وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ. (5)
المحافظة على الوضوء بعد كل حدث،لأن الوضوء هو السلاح الروحي للمؤمن،فهو يستديم عليه ليدفع عن نفسه الشرور والغفلات،والآثام والمحرمات،وليكون مستعدا للصلاة وتلاوة القرآن.
عن كَثِيرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَبي هَاشِمٍ النَاجِيِّ،قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا،يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا بُنَيَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ أَبَدًا عَلَى وُضُوءٍ فَافْعَلْ،فَإِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ إِذَا قَبَضَ رُوحَ الْعَبْدِ وَهُوَ عَلَى وَضُوءٍ كَتَبَ لَهُ شَهَادَةً " (6) ،وعَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الْبَجَلِىِّ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْوُضُوءِ فَقَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ وَكُنَّا نُصَلِّى الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ. (7)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (55 ) صحيح لغيره
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (1 / 3) (20) صحيح
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (906 ) صحيح
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (1 / 3) (21) صحيح
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 718)(7065) حسن
(6) - شعب الإيمان - (4 / 285) (2529 ) ضعيف
(7) - سنن أبي داود - المكنز - (171 ) صحيح(1/55)
-8-آداب الصلاة
الصلاة عماد الدين،من أقامها فقد أقام الدين،ومن تركها فقد هدم الدين،وهي العبادة اليومية لكل مسلم يدخل بها على ربه كل يوم خمس مرات في صلة وثيقة،وارتباط عميق،وولاء كامل،مناجيا خالقه مقبلا عليه إقبال العبد الفقير على سيده الغني الكبير،مستمدا منه المعون والرحمة والهداية والعطاء،قائما وراكعا وساجدا بين يديه في لحن سماوي خالد. تتجاوب مع أصدائه جنبات الكون كله ليصبح للمسلم معبدا ومصلى يرجّع معه ذكر الله عز وجل {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (44) سورة الإسراء. {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (41) سورة النور 41.
هذه هي الصلاة التي أرادها الله عز وجل ووصفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى:إِنَّمَا تُقْبَلُ الصَّلاةُ مِمَّنْ تَوَاضَعَ بِهَا لِعَظَمَتِي،وَلَمْ يَسْتَطِلْ عَلَى خَلْقِي،وَلَمْ يَبِتْ مُصِرًّا عَلَى مَعْصِيَتِي،وَقَطَعَ نَهَارَهُ فِي ذِكْرِي،وَرَحِمَ الْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالأَرْمَلَةَ،وَرَحِمَ الْمُصَابَ،ذَاكَ نُورُهُ كَنُورِ الشَّمْسِ،أَكْلؤُهُ بِعِزَّتِي،وَأَسْتَحْفِظُهُ مَلائِكَتِي،أَجْعَلُ لَهُ فِي الظُّلْمَةِ نُورًا،وَفِي الْجَهَالَةِ حِلْمًا،وَمَثَلُهُ فِي خَلْقِي كَمَثَلِ الْفِرْدَوْسِ فِي الْجَنَّةِ ". رواه البزار (1) .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" الصَّلَاةُ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ:الطَّهُورُ ثُلُثٌ،وَالرُّكُوعُ ثُلُثٌ،وَالسُّجُودُ ثُلُثٌ،فَمَنْ أَدَّاهَا بِحَقِّهَا قُبِلَتْ مِنْهُ وَقُبِلَ مِنْهُ سَائِرُ عَمَلِهِ وَمَنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ رُدَّ عَلَيْهَا سَائِرُ عَمَلِهِ ".رَوَاهُ الْبَزَّارُ (2)
وهي أول ما يحاسب عليه العبد فقد قال - صلى الله عليه وسلم - :
فعَنْ حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِى جَلِيسًا صَالِحًا. قَالَ فَجَلَسْتُ إلى أَبِى هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ إِنِّى سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِى جَلِيسًا صَالِحًا فَحَدِّثْنِى بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِى بِهِ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَىْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِى مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ » (3) .
__________
(1) - كشف الأستار - (1 / 176) (348) والإتحاف 3/21 و8/352 ضعيف
(2) - كشف الأستار - (1 / 177) (349) حسن
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (415 ) حسن(1/56)
وَعَنْ أَنَسٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:" أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ،فَإِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ،وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (1) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُحَاسَبُ بِصَلاَتِهِ،فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ،وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ. (2)
وهي آخر وصية وصّى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته وهو يفارق هذه الدنيا لاحقا بالرفيق الأعلى،فعَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ:الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُغَرْغِرُ بِهَا صَدْرُهُ،وَمَا يَكَادُ يُفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ (3) .
وهي أول صفات المتقين:{ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} البقرة 2-3.
وهي الحد الفاصل بين الإيمان والكفر،فعَنْ أَبِى سُفْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ ».رواه مسلم (4) .
وعن جَابِرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ " (5) .
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ جُحُودًا وَاسْتِخْفَافًا كَافِرٌ مُرْتَدٌّ،يُحْبَسُ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ يُقْتَل.وَقَدْ ذَكَرُوا:أَنَّ تَرْكَ الصَّلاَةِ يَحْصُل بِتَرْكِ صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ يَخْرُجُ وَقْتُهَا دُونَ أَدَائِهَا مَعَ الإِْصْرَارِ عَلَى ذَلِكَ (6)
وَمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ كَسَلاً وَتَهَاوُنًا مَعَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهَا يُدْعَى إِلَيْهَا،فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى تَرْكِهَا فَفِي عُقُوبَتِهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ :
الْقَوْل الأَْوَّل:يُحْبَسُ تَارِكُ الصَّلاَةِ كَسَلاً ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ قُتِل حَدًّا لاَ كُفْرًا،وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَوَكِيعٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ .
الْقَوْل الثَّانِي:يُحْبَسُ تَارِكُ الصَّلاَةِ كَسَلاً ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ قُتِل كُفْرًا وَرِدَّةً،حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ مَنْ جَحَدَهَا وَأَنْكَرَهَا لِعُمُومِ حَدِيثِ:بَيْنَ الرَّجُل وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ وَهَذَا قَوْل عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ .
الْقَوْل الثَّالِثُ:يُحْبَسُ تَارِكُ الصَّلاَةِ كَسَلاً وَلاَ يُقْتَل بَل يُضْرَبُ فِي حَبْسِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ،وَهُوَ الْمَنْقُول عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ . (7)
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني - (1929) حسن لغيره
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (14 / 146) (37200) حسن
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 302) (12169) 12193- صحيح
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (256 )
(5) - شرح مشكل الآثار - (8 / 203) (3177 ) حسن
(6) - المغني 2 / 442 ، والمجموع للنووي 3 / 16 - 17 .
(7) - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (16 / 302)(1/57)
وهي دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} (40) سورة إبراهيم 40.
ووصية الأنبياء والمرسلين: {.. وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} (31) سورة مريم.
وعَنْ وَهْبٍ ؛ قَالَ:أَوْحَى اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى إلى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ:هَبْ لِي مِنْ قَلْبِكَ الْخُشُوعَ،وَمِنْ بَدَنِكَ الْخُضُوعَ،وَمِنْ عَيْنَيْكَ الدُّمُوعَ،وَادْعُنِي ؛ فَإِنِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ " (1)
هذا وللصلاة آداب نجمل بعضها فيما يلي:
الإقبال على الصلاة برغبة ومحبة،وبهمة ونشاط،وبشوق لمناجاة الله عز وجل. قال تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} (152) سورة البقرة
تحسين الهيئة قبل الدخول في الصلاة،باختيار الملابس النظيفة والتعطر والتسوك.
قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف.
قضاء الحوائج الهامة والأعمال الضرورية قبل الصلاة،لتفريغ القلب مما سوى الله عز وجل.
عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ،وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ،حَدَّثَاهُ،أَنَّ عَائِشَةَ،حَدَّثَتْهُمَا قَالَتْ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:لاَ يَقُومُ أَحَدُكُمْ إلى الصَّلاَةِ وَهُوَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلاَ هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ. (2)
وعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ،قَالَ:كَانَ بَيْنَ عَائِشَةَ وَبَيْنَ بَعْضِ بَنِي أَخِيهَا شَيْءٌ،فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَلَمَّا جَلَسَ جِيءَ بِالطَّعَامِ،فَقَامَ إلى الْمَسْجِدِ فَقَالَتْ لَهُ:اجْلِسْ غُدَرُ،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ،وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ. (3)
وعَنِ ابْنِ أَبِى عَتِيقٍ قَالَ تَحَدَّثْتُ أَنَا وَالْقَاسِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - حَدِيثًا وَكَانَ الْقَاسِمُ رَجُلاً لَحَّانَةً وَكَانَ لأُمِّ وَلَدٍ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ مَا لَكَ لاَ تَحَدَّثُ كَمَا يَتَحَدَّثُ ابْنُ أَخِى هَذَا أَمَا إِنِّى قَدْ عَلِمْتُ مِنْ أَيْنَ أُتِيتَ. هَذَا أَدَّبَتْهُ أُمُّهُ وَأَنْتَ أَدَّبَتْكَ أُمُّكَ - قَالَ - فَغَضِبَ الْقَاسِمُ وَأَضَبَّ عَلَيْهَا فَلَمَّا رَأَى مَائِدَةَ عَائِشَةَ قَدْ أُتِىَ بِهَا قَامَ. قَالَتْ أَيْنَ قَالَ أُصَلِّى. قَالَتِ اجْلِسْ. قَالَ إِنِّى أُصَلِّى. قَالَتِ اجْلِسْ غُدَرُ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ ». رواه مسلم (4) .
__________
(1) - المجالسة وجواهر العلم - (171 ) والمدخل - (3 / 274) وسنده واه
(2) - صحيح ابن حبان - (5 / 429) (2073) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (5 / 430) (2074) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : الْمَرْءُ مَزْجُورٌ عَنِ الصَّلاَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ، وَالْعِلَّةُ الْمُضْمَرَةُ فِي هَذَا الزَّجْرِ هِيَ أَنْ يَسْتَعْجِلَهُ أَحَدُهُمَا حَتَّى لاَ يَتَهَيَّأَ لَهُ أَدَاءُ الصَّلاَةِ عَلَى حَسْبِ مَا يَجِبُ مِنْ أَجْلِهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا تَصْرِيحُ الْخِطَابِ وَلاَ هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ وَلَمْ يَقُلْ وَلاَ هُوَ يَجِدُ الأَخْبَثَيْنِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الأَخْبَثَيْنِ قُصِدَ بِهِ وُجُودُهُمَا مَعًا وَانْفِرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لاَ اجْتِمَاعُهُمَا دُونَ الاِنْفِرَادِ.
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (1274 )
أتى : ابتلى -الأخبثان : البول والغائط -أضب : غضب وحقد -الغدر : الغادر ويستعمل فى الشتم -اللحانة : كثير اللحن والخطإ فى الكلام(1/58)
لزوم السكينة والوقار،والهدوء والأناة عند الاقبال لأداء الصلاة.فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا ثُوِّبَ لِلصَّلاَةِ فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إلى الصَّلاَةِ فَهُوَ فِى صَلاَةٍ ». (1) .
وعن أبي هُرَيْرَةَ،قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ،فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَائْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ،فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا،فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إلى الصَّلاَةِ. (2)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة] وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ فَالسَّعْيُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ بِهِ هُوَ الْمَشْيُ إلى الصَّلاَةِ عَلَى هَيْنَةِ الإِنْسَانِ،وَالسَّعْيُ الَّذِي نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ هُوَ الاِسْتِعْجَالُ فِي الْمَشْيِ ؛ لأَنَّ الْمَرْءَ تُكْتَبُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إلى الصَّلاَةِ حَسَنَةٌ فَذَلِكَ مَا وَصَفْتُ،يَعْنِي فِي تَرْجَمَةِ نَوْعِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ تُوقِعَ فِي لُغَتِهَا الاِسْمَ الْوَاحِدَ عَلَى الشَّيْئَيْنِ الْمُخْتَلِفِي الْمَعْنَى فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا مَأْمُورًا بِهِ وَالآخَرُ مَزْجُورًا عَنْهُ . (3)
الدخول في الصلاة بتوجه القلب إلى الله عز وجل،وسكون الأطراف والجوارح،ولزوم التواضع والخشوع بين يدي الله تعالى،والتذلل والهيبة والخضوع لعظمة الله عز وجل،قال تعالى:{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} المؤمنون.
تجنّب الالتفات والشرود،والضحك والعبث بالثوب أو باليدين أثناء الصلاة.
عَنْ عَطَاءٍ قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:" إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَلْتَفِتْ،إِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ،إِنَّ رَبَّهُ أَمَامَهُ،وَإِنَّهُ يُنَاجِيهِ " قَالَ:" وَبَلَغَنَا أَنَّ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتعالى يَقُولُ:يَا ابْنَ آدَمَ،إلى مَنْ تَلْتَفِتُ ؟ أَنَا خَيْرٌ لَكَ مِمَّنْ تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ " (4)
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ،فَقَالَ:إِنَّمَا هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ الْعَبْدِ. رواه البخاري (5) .
النظر إلى موضع السجود مطرقا مفكرا،وتجنب رفع البصر إلى السماء.
عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ،فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ:لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ،أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ. رواه البخاري (6) .
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1390 )
(2) - صحيح ابن حبان - (5 / 522) (2148) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (5 / 523)
(4) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيّ(3162 ) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (6 / 64) (2287) وصحيح البخارى- المكنز - (751 )
(6) - صحيح ابن حبان - (6 / 61) (2284) وصحيح البخارى- المكنز - (750 )(1/59)
التعقل والتفكر والتدبر لمعاني الآيات والأذكار،وتجنب الغفلة والسهو في الصلاة.
قال تعالى:{ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} الماعون.
فَالوَيْلُ والعَذَابُ لِمَنْ يُؤَخِّرُونَ أَدَاءَ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا،وَالوَيْلُ لِلَّذِينَ يُؤَدُّونَ الصَّلاَةَ بأَجْسَامِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ،وَقُلُوبُهُمْ غَائِبَةٌ بَعِيدَةٌ عَنِ الخُشُوعِ،وَعَنْ تَدَبُّرِ مَعَانِي مَا يَقْرَؤُونَ.فَيُؤَخِّرُونَ أَدَاءَ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ يُصَلُّونَ وَقُلُوبُهُم بَعِيدَةٌ عَنِ الخُشُوعِ فَلاَ يَكُونَ لِلصَّلاَةِ أَثَرٌ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ . (1)
عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلاَّ عُشْرُ صَلاَتِهِ تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا ». رواه أبو داود (2) .
الإطمئنان في أداء الصلاة،وتجنب العجلة في أركانها وحركاتها.
عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ فَدَعَا بِطَهُورٍ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاَةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ ». رواه مسلم (3) .
مدافعة السعال والتثاؤب والعطاس والجشاء،أثناء الصلاة ما استطاع وخفض الصوت بها إن صدرت.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:إِنَّ التَّثَاؤُبَ فِي الصَّلاَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ،فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَكْظِمْ. (4) .
الإسراع في أداء الصلاة أول الوقت،وعدم تأخيرها إلى آخر الوقت تكاسلا بلا عذر.
قال تعالى في وصف المنافقين: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَإلى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} (54) سورة التوبة
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَىُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ « الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا،وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ،ثُمَّ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » (5) ..
الجلوس في المصلى عقب كل صلاة للاستغفار والذكر والدعاء.
عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ قَالَ « جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرُ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ ». رواه الترمذي (6) .
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 6078)
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (796) حسن
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (565 )
(4) - صحيح ابن حبان - (6 / 123) (2359) صحيح
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (7534 )
(6) - سنن الترمذى- المكنز - (3838 ) صحيح لغيره(1/60)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ». رواه مسلم (1) .
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ بِيَدِهِ يَوْمًا،ثُمَّ قَالَ:يَا مُعَاذُ إِنِّي لأُحِبُّكَ.فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ:بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ وَأَنَا أُحِبُّكَ.قَالَ:أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ أَنْ تَقُولَ:اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. (2) .
يستحب انتظار الصلاة بعد الصلاة،كانتظار صلاة العشاء بعد أداء صلاة المغرب واعتنام هذا الوقت بالذكر أو قراءة القرآن وحفظه أو طلب العلم وحضور مجالسه.
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّى عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِى مُصَلاَّهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ،اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ.لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِى صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ،لاَ يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إلى أَهْلِهِ إِلاَّ الصَّلاَةُ » متفق عليه (3) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِى صَلاَةٍ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا وَلاَ تَزَالُ الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّى عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِى الْمَسْجِدِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَمَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. (4)
المحافظة على أداء السنن التابعة للفرائض،وعدم التهاون بها والترخيص في تركها،لأنها زيادة في التقرب إلى الله تعالى،وجبران لما نقص من الفرائض.
وعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّى لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ أَوْ إِلاَّ بُنِىَ لَهُ بَيْتٌ فِى الْجَنَّةِ ». قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. وَقَالَ عَمْرٌو مَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. وَقَالَ النُّعْمَانُ مِثْلَ ذَلِكَ. رواه مسلم (5) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ عَبْدُ اللهِ:قَالَ أَبِي وَلَمْ يَرْفَعْهُ:قَالَ:مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي فِي يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا،إِلاَّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ. (6)
المحافظة على أداء الصلوات مع الجماعة وفي أقرب مسجد.
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1380)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 380)(22119) 22470- صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (659 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1542 )
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (331 ) قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِى هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (1729 )
(6) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 709)(10462) 10467- صحيح(1/61)
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا » (1) . .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً » (2) .
تحصيل ثمرات الصلاة من ذكر الله على الدوام،ومراقبته وخشيته في جميع الأحوال،والانتهاء عن الفحش في القول،والمنكر في العمل،قال تعالى:{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (14) سورة طه.
إِنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ لِلْمُكَلَّفِ هُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ تعالى وَاحِدٌ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ،لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَهُوَ رَبُّ المَخْلُوقَاتِ وَخَالِقُهَا،وَالمُتَصَرِّفُ فِيهَا،فَقُمْ يَا مُوسَى بِعِبَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ شَرِيكٍ،وَأَدِّ الصَّلاَةَ عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ الَّذِي أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ،بِكَامِلِ شُرُوطِهَا لِتَذْكُرَ بِهَا رَبَّكَ.وَتَدْعُوهُ دُعاءً خَالِصاً لاَ يَشُوبُهُ إِشْرَاكٌ . (3)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ نَسِىَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا ». (4)
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ نَسِىَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا،لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ ».( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى ) قَالَ مُوسَى قَالَ هَمَّامٌ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى ) (5)
وقال عز وجل: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (45) سورة العنكبوت.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن يَزِيدَ،قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"مَنْ لَمْ تَأْمُرْهُ صَلاتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلا بُعْدًا". رواه الطبراني (6) .
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1504 )
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (1509 )
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2362)
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (1600 )
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (597 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1598)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : فِي قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلاَةَ لَوْ أَدَّاهَا عَنْهُ غَيْرُهُ لَمْ تُجْزِ عَنْهُ ، إِذِ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ ، يُرِيدُ إِلاَّ أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَوَاتٌ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَائِهَا فِي عِلَّتِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطَى الْفُقَرَاءَ عَنْ تِلْكَ الصَّلَوَاتِ الْحِنْطَةَ ، وَلاَ غَيْرَهَا مِنْ سَائِرِ الأَطْعِمَةِ وَالأَشْيَاءِ.صحيح ابن حبان - (6 / 374)
(6) - المعجم الكبير للطبراني - (8 / 1) (8465 ) صحيح موقوف(1/62)
-9-آداب الطعام
الطعام نعمة إلهية كبرى. لفت الله سبحانه نظر الإنسان إليها في كثير من الآيات القرآنية لينظر فيها ويعتبر،ويعرف قدرها ويشكر الرازق الكريم:{ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إلى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدَائِقَ غُلْباً (30) وَفَاكِهَةً وَأَبّاً (31) مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)} عبس.
فليتدبر الإنسان: كيف خلق الله طعامه الذي هو قوام حياته؟ أنَّا صببنا الماء على الأرض صَبًّا،ثم شققناها بما أخرجنا منها من نبات شتى،فأنبتنا فيها حبًا،وعنبًا وعلفًا للدواب،وزيتونًا ونخلا وحدائق عظيمة الأشجار،وثمارًا وكلأ تَنْعَمون بها أنتم وأنعامكم. (1)
وقال تعالى :{وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)} يس.
وَمِنَ الدَّلاَئِل عَلَى وُجُودِ اللهِ تعالى،وَقُدْرَتِهِ التَّامَّةِ عَلَى إِحْيَاءِ المَوْتَى،أَنَّ الأَرْضَ تَكُونَ مَيْتَةً هَامِدَةً لاَ نَبَاتَ فِيهَا وَلاَ حَيَاةَ،فَيُنْزِلُ اللهُ المَطَرَ عَلَيْهَا فَتَرْتَوي،وَتَهْتَزُّ تُرْبَتُهَا،وَتَعْلُو بِمَا يَتَحَرَّكُ فِي بَاطِنِها مِنْ بُذُورِ النَّبَاتَاتِ الآخِذَةِ فِي النَّبتِ والنُّمُوِّ،ثُمَّ يُخْرِجُ اللهُ مِنْ هَذَا النَّبَاتِ حَبّاً يَأْكُلُهُ النَّاسُ والأَنْعَامُ .
وَأَنْشَأَ اللهُ فِي هَذِهِ الأَرْضِ التي أَحْيَاهَا بِالمَطَرِ بَسَاتِينَ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ،وَفَجَّرَ العُيُونَ فِيهَا فَأَخَذَتِ المِيَاهُ تَنْسَابُ فِي جَنَبَاتِهَا .لِيَأْكُلُوا مِنْ ثِمَارِ هَذِهِ البَسَاتِينِ،وَلاَ فَضْلَ لَهُمْ فِي إِنْبَاتِهَا وَإِخْرَاجِهَا مِنَ الأَرْضِ،أَفَلاَ يَشْكُرُونَ خَالِقَ هَذِهِ النِّعَمِ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ؟ (2)
هذا وإن الكافر يعيش ليأكل ويعب من اللذائذ والشهوات ويحصل على المتع الجسدية الفانية،أما المؤمن فإنه يأكل ليعيش،وليتقوى على طاعة الله،ويعيش ليعبد ربه ويعمل الصالحات،ولذلك فقد أمر الله رسله فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (51) سورة المؤمنون 51.
وأمر عباده المؤمنين بمثل ذلك فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (172) سورة البقرة.
هذا وللطعام آداب كثيرة نذكر منها ما يلي:
غسل اليدين قبل الطعام وبعده:
__________
(1) - التفسير الميسر - (10 / 408)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3618)(1/64)
فعَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ: إِنَّ بَرَكَةَ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ،فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: " إِنَّ بَرَكَةَ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ " قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَيْسَ هَذَا بِالْقَوِيِّ،وَكَانَ سُفْيَانُ يَكْرَهُ الْوُضُوءَ قَبْلَ الطَّعَامِ . (1) .
التسمية في أول الطعام ثم استحضار النية من الأكل،والدعاء بالمأثور،فعنِ ابْنِ أَعْبُدَ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " يَا ابْنَ أَعْبُدَ مَا حَقُّ الطَّعَامِ ؟ " قُلْتُ: مَا هُوَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ ؟ قَالَ: " حَقُّ الطَّعَامِ إِذَا وُضِعَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ أَنْ تَقْنَعَ "،وَتَقُولَ: " بِسْمِ اللهِ اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتَنَا " (2)
وعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تعالى فَإِنْ نَسِىَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تعالى فِى أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ».. رواه أبو داود (3) .
وعَنْ هِشَامٍ،قَالَ:كَانَ أَبِي لاَ يُؤْتَى بِطَعَامٍ وَلاَ شَرَابٍ،حَتَّى الشَّرْبَةَ مِنَ الدَّوَاءِ،فَيَطْعَمُهُ،أَوْ يَشْرَبُهُ حَتَّى يَقُولَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا،وَأَطْعَمَنَا،وَسَقَانَا وَنَعَّمَنَا،اللَّهُ أَكْبَرُ،اللَّهُمَّ أَلْفَتْنَا نِعْمَتُكَ بِكُلِّ شَرٍّ،وَأَصْبَحْنَا وَأَمْسَيْنَا مِنْهَا بِكُلِّ خَيْرٍ،نَسْأَلُك تَمَامَهَا وَشُكْرَهَا،لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُك،وَلاَ إِلَهَ غَيْرُك،إِلَهَ الصَّالِحِينَ،وَرَبَّ الْعَالَمِينَ،الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،مَا شَاءَ اللَّهُ،لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ،اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتنَا،وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. (4)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ؛ أَنَّهُ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ،قَالَ:اللَّهُمَّ أَشْبَعْتَ وَأَرْوَيْتَ فَهَنِّئْنَا،وَرَزَقْتَنَا فَأَكْثَرْتَ وَأَطْيَبْتَ فَزِدْنَا. (5)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ؛ أَنَّهُ قَالَ:إِذَا وُضِعَ الطَّعَامُ فَسَمَّيْتَ فَكُلِّ مَا جِيءَ بِهِ،فَإِنَّهُ يُجْزِئُك التَّسْمِيَةُ الأُولَى. (6)
الأكل من الطعام الحلال الطيب،والحذر من الطعام الحرام كالمسروق والمشبوه والمأخوذ حياء.
قال تعالى:{ فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)} النحل.
فعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ " (7)
__________
(1) - شعب الإيمان - (8 / 6) (5421 ) وسنن أبي داود - المكنز - (3763 ) ضعيف
(2) - شعب الإيمان - (8 / 165) (5640 ) فيه جهالة
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (3769) صحيح
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 123) (25000) صحيح مقطوع
(5) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 123) (25001) صحيح مقطوع
(6) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 123) (25002) صحيح مقطوع
(7) - شعب الإيمان - (7 / 504) (5375) صحيح(1/65)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ،فَأَتَاهُ غُلَامٌ لَهُ بِطَعَامٍ،فَأَهْوَى إلى لُقْمَةٍ فَأَكَلَهَا،ثُمَّ سَأَلَهُ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ قَالَ: كُنْتُ قِسًّا لِلْقَوْمِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،فَأَوْعَدُونِي،فَأَطْعَمُونِي هَذَا،يَعْنِي الْيَوْمَ،فَقَالَ: لَا أَرَاكَ إِلَّا أَطْعَمَتْنِي مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ،ثُمَّ أَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ فَتَقَيَّأَ،ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " أَيُّمَا لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ،فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ " (1)
وعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا كَعْبُ كَيْفَ بِكَ إِذَا كَانَ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ ؟ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَا أَنَا مِنْهُ،وَلَا يَرِدُ عَلَيَّ حَوْضِي،يَا كَعْبُ،إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ،وَلَا دَمٌ نَبَتَا مِنْ سُحْتٍ كُلُّ لَحْمٍ وَدَمٍ نَبَتَا مِنْ سُحْتٍ،فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ،يَا كَعْبُ،النَّاسُ رَجُلَانِ غَادِيَانِ،وَرَائِحَانِ غَادٍ فِي فَكَاكِ رَقَبَتِهِ فَمُعْتِقُهَا،وَغَادٍ فَمُوبِقُهَا،يَا كَعْبُ،الصَّلَاةُ بُرْهَانٌ،وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ،وَالصَّدَقَةُ تُذْهِبُ الْخَطِيئَةَ،كَمَا تَذْهَبُ الْجَامِدَةُ عَلَى الصَّفَا " (2)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : -:يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ،إِنَّ اللَّهَ أَبَى عَلَيَّ أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ لَحْمًا نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ،فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ" (3)
وعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كَانَ لأَبِى بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ،وَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ،فَجَاءَ يَوْمًا بِشَىْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلاَمُ تَدْرِى مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ فِى الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ،إِلاَّ أَنِّى خَدَعْتُهُ،فَلَقِيَنِى فَأَعْطَانِى بِذَلِكَ،فَهَذَا الَّذِى أَكَلْتَ مِنْهُ.فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَىْءٍ فِى بَطْنِهِ . (4)
وعَنِ الْقَاسِمِ قَالَ:كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يَأْتِيهُ بِكِسْرَتِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَيَسْأَلُهُ عَنْهَا:مِنْ أَيْنَ أَصَبْتَهُ ؟ قَالَ:أَصَبْتُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا،فَأَتَى لَيْلَةً بِكَسْبِهِ وَأَبُو بَكْرٍ قَدْ طَالَ صِيَامُهُ فَنَسِيَ أَنْ يَسْأَلَهُ،فَوَضَعَ يَدَهُ فَأَكَلَ،فَقَالَ الْغُلَامُ لِأَبِي بَكْرٍ:كُنْتَ تَسْأَلُنِي كُلَّ لَيْلَةٍ عَنْ كَسْبِي إِذَا جِئْتُكَ،فَلَمْ أَرَ سَأَلْتَنِي عَنْ كَسْبِي اللَّيْلَةَ،قَالَ:فَأَخْبِرْنِي مِنْ أَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ:كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِقَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،فَلَمْ يُعْطُونِي أَجْرَ كَهَانَتِي،حَتَّى كَانَ الْيَوْمُ فَلَقِيتُهُمُ الْيَوْمَ فَأَعْطَوْنِي،وَإِنَّمَا كَانَ كَذْبَةً،قَالَ:فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ أُصْبُعَهُ فِي حَلْقِهِ فَجَعَلَ يَتَقَيَّأُ،قَالَ:فَذَهَبَ الْغُلَامُ إلى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " هِيهِ،أَكْذَبْتَ أَبَا بَكْرٍ "،قَالَ:فَضَحِكَ،أَحْسَبُهُ قَالَ:ضَحِكًا شَدِيدًا،وَقَالَ:" وَيْحَكَ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ يَكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَهُ إِلَّا طَيِّبٌ " (5) .
__________
(1) - شعب الإيمان - (7 / 506) (5376 ) صحيح بغيره
(2) - شعب الإيمان - (7 / 507) (5378 ) صحيح
(3) - المستدرك للحاكم (7162) صحيح لغيره
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (3842 ) تكهنت ، التكهن : فعل الكاهن ، وهو إخباره لمن يسأله عما يسأله عنه.
(5) - فَضَائِلُ الصِّحَابَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (667 ) فيه انقطاع(1/66)
الأكل من الطعام الجيد النظيف،والحذر من تناول الطعام الملوث أو المكشوف،أو تناول الخضار والفواكه إلا بعد غسلها بشكل جيد،فعَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانَ،قَالَ:سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ،يَقُولُ:إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطِّيبَ،نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ،كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرْمَ،جَوَّادٌ يُحِبُّ الْجُودَ،فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَسَاحَاتِكُمْ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ،يَجْمَعُونَ الأَكْبَاءَ فِي دُورِهِمْ " (1)
الأكل باليد اليمنى،وبثلاث أصابع منها يلعقها قبل مسحها أو غسلها.
فعنْ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْكُلُ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ فَإِذَا فَرَغَ لَعِقَهَا." (2)
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَكَلَ لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلاَثَ. (3)
وعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ،قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اجْلِسْ يَا بُنَيَّ وَسَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ قَالَ:فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ أَكْلَتِي بَعْدُ. (4)
الأكل مما يلي من الطعام،دون مد اليد إلى ما كان في جوار الآخرين،أو إلى وسط الإناء.
فعن وَهْبَ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْتُ غُلاَمًا فِى حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِى الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ،وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ».فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِى بَعْدُ "متفق عليه (5) .
تصغير اللقمة،وإجادة المضغ،وعدم تناول لقمة أخرى قبل الفراغ من تناول اللقمة السابقة وابتلاعها.
تجنب النفخ في الطعام الحار،وعدم تناول الأطعمة شديدة الحرارة وشديدة البرودة،وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْفُخُ فِى طَعَامٍ وَلاَ شَرَابٍ وَلاَ يَتَنَفَّسُ فِى الإِنَاءِ ». (6)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. (7)
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ،أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا ثَرَدَتْ غَطَّتْهُ شَيْئًا،حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرُهُ،ثُمَّ تَقُولُ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ. (8)
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ:أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِثَرِيدٍ أَمَرَتْ بِهِ فَغُطِّىَ حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرَةُ دُخَانِهِ وَتَقُولُ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« هُوَ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ ». (9)
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (3029 ) ومسند البزار كاملا - (1 / 199)(1114) ضعيف
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (5418)
(3) - صحيح ابن حبان - (12 / 56) (5252) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (12 / 10) (5211) صحيح
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (5376) وصحيح مسلم- المكنز - (5388 )
(6) - سنن ابن ماجه- المكنز - (3413 ) صحيح
(7) - كشف الأستار - (3 / 331) (2871) صحيح
(8) - غاية المقصد فى زوائد المسند 2 - (2 / 119) (4027 ) حسن
(9) - سنن الدارمى- المكنز - (2099) حسن(1/67)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"أَبْرِدُوا بِالطَّعَامِ،فَإِنَّ الطَّعَامَ الْحَارَّ غَيْرُ ذِي بَرَكَةٍ" (1) .
تجنب الاقتراب بالفم فوق الإناء،لئلا يسقط فيه من الفم شيء.
الجلوس إلى الطعام باعتدال،وتجنب الأكل متكئا أو مائلا أو واقفا أو مضطجعا أو ماشيا.
فعَنْ عَلِىِّ بْنِ الأَقْمَرِ سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ آكُلُ مُتَّكِئًا » رواه البخاري (2) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ:أُهْدِىَ إلى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَاةٌ وَالطَّعَامُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ فَقَالَ لأَهْلِهِ :« أَصْلِحُوا هَذِهِ الشَّاةَ وَانْظُرُوا إلى هَذَا الْخُبْزِ فَاثْرُدُوا وَاغْرِفُوا عَلَيْهِ ». وَكَانَتْ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَصْعَةٌ يُقَالُ لَهَا الْغَرَّاءُ يَحْمِلُهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ فَلَمَّا أَضْحَوْا وَسَجَدُوا الضُّحَى أُتِىَ بِتِلْكَ الْقَصْعَةِ فَالْتَفُّوا عَلَيْهَا فَلَمَّا كَثُرُوا جَثَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ أَعْرَابِىٌّ:مَا هَذِهِ يَعْنِى الْجِلْسَةَ؟ قَالَ :« إِنَّ اللَّهَ جَعَلَنِى عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا عَصِيًّا كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا وَدَعُوا ذِرْوَتَهَا يُبَارَكْ فِيهَا ». ثُمَّ قَالَ :« خُذُوا كُلُوا فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيُفْتَحَنَّ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ حَتَّى يَكْثُرَ الطَّعَامُ فَلاَ يُذْكَرَ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ ». (3)
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِىُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:الْمُتَّكِئُ هَا هُنَا هُوَ الْمُعْتَمِدُ عَلَى الْوِطَاءِ الَّذِى تَحْتَهُ وَهُوَ الَّذِى أَوْكَأَ مِقْعَدَتَهُ وَشَدَّهَا بِالْقُعُودِ عَلَى الْوِطَاءِ الَّذِى تَحْتَهُ يَعْنِى أَنِّى إِذَا أَكَلْتُ لَمْ أَقْعُدْ مُتَّكِئًا عَلَى الأَوْطِئَةِ وَالْوَسَائِدِ فِعْلَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَكْثِرَ وَلَكِنِّى آكُلُ عُلْقَةً فَيَكُونُ قُعُودِى مُسْتَوْفِزًا لَهُ. (4)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ. (5)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَابَ طَعَامًا قَطُّ،كَانَ إِذَا اشْتَهَى أَكَلَهُ،وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِ سَكَتَ " (6)
تجنب ذم شيء من الأطعمة،فهي من نعم الله تعالى .
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ مَا عَابَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا قَطُّ،إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ،وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ .. متفق عليه (7) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:مَا عَابَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا قَطُّ،إِذَا اشْتَهَى أَكَلَ،وَإِلاَّ تَرَكَ. (8)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (19 / 454) (1085 ) حسن
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5398 )
(3) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (7 / 283)(15049) حسن
(4) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (7 / 283)
(5) - كشف الأستار - (3 / 157) (2469) حسن
(6) - مسند أبي عوانة (6819 ) صحيح
(7) - صحيح البخارى- المكنز - (5409) وصحيح مسلم- المكنز - (5501 )
(8) - صحيح ابن حبان - (14 / 348) (6436) صحيح(1/68)
تجنب الاستهتار بالنعمة مهما قلت،والمحافظة عليها مهما دقّت،والحذر من إلقاء ما بقي منها بعد الطعام في سلة المهملات.
فعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِلَعْقِ الأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ وَقَالَ « إِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ فِى أَيِّهِ الْبَرَكَةُ ». رواه مسلم (1) .
وعَنْ جَابِرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ طَعَامِهِ،فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ،فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي فِي أَيَّ طَعَامِهِ يُبَارَكُ لَهُ. (2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ؛ أَنَّهُ كَانَ يَلْعَقُ أَصَابِعَهُ الثَّلاَثَ إِذَا أَكَلَ،وَقَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّهُ لاَ يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ. (3)
تجنّب الإكثارمن الطعام والإسراف في تناوله إلى حد التخمة،لأن البطنة تذهب الفطنة وتورث الأمراض،قال الله تعالى:{ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} الأعراف.
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " مَا مَلَأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ،حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أَكَلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ،فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ طَعَامُهُ،وَثُلُثٌ شَرَابُهُ،وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ " (4)
وِعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " مَا مَلَأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ،حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ،يُقِمْنَ صُلْبَهُ،فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ،فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ،وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ،وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ " (5)
تجنب التفاخر في أنواع الأطعمة،والتباهي في أطايبها،لأن في ذلك كسر لقلب الفقير،وتشبه بالكفار الذين لا يعرفون من الدنيا إلا اللذائذ والشهوات،قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} (12) سورة محمد.
وَفي يَوْمِ القِيَامةِ يُدخِلُ اللهُ تعالى الذِينَ آمَنُوا بهِ،وَبِكُتَبِهِ،وَرُسُلِهِ،وَعَمِلُوا الأعْمَالَ الصَّالِحَاتِ،جَنَّاتٍ تَجرِي في أرْضِها الأنهَارُ جَزاءً لَهُم عَلَى إيمَانِهِمْ.أمَّا الكَافِرُونَ الذِين كَفَرُوا باللهِ وبِكُتُبهِ،وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ،فَإِنَّهُم يَتَمَتَّعُونَ بما في هذهِ الدُّنيا مِنْ مَتَاعٍ زَائِلٍ،وَيَأكُلُونَ فِيها كَالأنعَامِ،غَيرَ مُفَكِّرِينَ في عَواقِب أمُورِهِمْ،وَلا مُعْتَبِرِينَ بِما أقَامَهُ اللهُ لِلْعِبَادِ منَ الأدِلَّةِ على وُجُودِهِ ووَحْدَانِيَّتِهِ تعالى،وَسَيَصِيرُونَ في الآخِرَةِ إلى جَهَنَّمَ فَتَكُونُ مَسْكَنَهُمْ وَمَأوَاهُمْ . (6)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (5420 )
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 108) (24943) صحيح
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 108) (24944) صحيح
(4) - شعب الإيمان - (7 / 447) (5261 ) صحيح
(5) - شعب الإيمان - (7 / 448) (5263) صحيح
(6) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4436)(1/69)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:كُلُوا،وَاشْرَبُوا،وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلا مَخِيلَةٍ،إِنَّ اللَّهَ تعالى يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ " (1)
وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا رَثَّ الْهَيْئَةِ وَقَالَ مَرَّةً: رَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ أَطْمَارٌ لَهُ يَعْنِي خَلِقَ الثِّيَابِ قَالَ: فَدَعَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: " هَلْ لَكَ شَيْءٌ ؟ " قَالَ: قَالَ: نَعَمْ،قَالَ: " فَكُلْ وَاشْرَبْ وَالْبَسْ وَتَصَدَّقْ فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ،فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ " (2)
التحدث على الطعام بما يفيد من حكايات الصالحين،والأمر بالمعروف والخير،فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدُمَ فَقَالُوا مَا عِنْدَنَا إِلاَّ خَلٌّ. فَدَعَا بِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ وَيَقُولُ « نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ ». (3)
وعَنْ جَابِرٍ:أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ تَمْرًا عَلَى تُرْسٍ،فَمَرَّ بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقُلْنَا:هَلُمَّ،فَتَقَدَّمَ فَأَكَلَ مَعَنَا مِنَ التَّمْرِ،وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً. (4)
تجنب الضحك والقهقهة أثناء الطعام،أو الاستهزاء بأحد أو استغابته،أو النظر في وجوه الحاضرين.
تجنب إدخال الطعام مهما كان كان قليلا،لضرره الصحي البالغ.
تجنب النوم بعد الأكل مباشرة،أو الاستحمام أو القيام بأعمال جسدية أو فكرية مجهدة إلا بعد نيل قسط من الراحة.
فعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَذِيبُوا طَعَامَكُمْ بِذِكْرِ اللهِ وَالصَّلَاةِ وَلَا تَنَامُوا عَلَيْهِ فَتَقْسُوَ لَهُ قُلُوبُكُمْ " (5) .
تجنب استخدام أواني الذهب والفضة وصحونها وملاعقها لحرمة استخدامها. فعَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَائِنِ فَاسْتَسْقَى فَأَتَاهُ دِهْقَانُ بِقَدَحٍ مِنْ فِضَّةٍ،فَرَمَاهُ بِهِ وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ بِهِ إِلَّا أَنِّي قَدْ نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ،إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَانَا عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ،وَالدِّيبَاجِ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ،وَقَالَ: " هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ " (6)
وعَنِ الْحَكَمِ،قَالَ:سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يُحَدِّثُ،أَنَّ حُذَيْفَةَ اسْتَسْقَى،فَأَتَاهُ إِنْسَانٌ بِإِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ فَرَمَاهُ بِهِ،وَقَالَ:إِنِّي كُنْتُ قَدْ نَهَيْتُهُ فَأَبَى أَنْ يَنْتَهِيَ،إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَانَا أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ،وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ،وَقَالَ:هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ. (7)
__________
(1) - المستدرك للحاكم (7188) صحيح
(2) - شعب الإيمان - (8 / 259) (5785) صحيح مرسل
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (5473 )
(4) - صحيح ابن حبان - (3 / 435) (1160) صحيح
(5) - شعب الإيمان - (8 / 167) (5644 ) ضعيف
(6) - شعب الإيمان - (8 / 378) (5962 ) صحيح
(7) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 730)(23374) 23766- صحيح(1/70)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ:كُنْتُ مَعَ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ بِالْمَدَائِنِ،فَاسْتَسْقَى فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِإِنَاءٍ فَرَمَاهُ بِهِ مَا يَأْلُو أَنْ يُصِيبَ بِهِ وَجْهَهُ،ثُمَّ قَالَ:لَوْلاَ أَنِّي تَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ مَرَّةً،أَوْ مَرَّتَيْنِ،لَمْ أَفْعَلْ بِهِ هَذَا،إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَانَا أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ،وَأَنْ نَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ،قَالَ:هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا،وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ. (1)
تجنب الابتداء بالطعام وفي المجلس من هو أكبر سنا أو أفضل علما وقدرا.فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَضَعَ يَدَهُ وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِى الطَّعَامِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهَا ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لاَ يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا فَجَاءَ بِهَذَا الأَعْرَابِىِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّ يَدَهُ فِى يَدِى مَعَ يَدِهَا ». رواه مسلم (2) .
تجنب الانفراد بالطعام إذا كان هناك إمكان للاجتماع عليه،فهو أكثر بركة ومحبة وجمعا للقلوب. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « طَعَامُ الاِثْنَيْنِ كَافِى الثَّلاَثَةِ،وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِى الأَرْبَعَةِ » (3) .
وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،قَالَ:أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ،قَالَ:سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ،يَقُولُ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاِثْنَيْنِ،وَطَعَامُ الاِثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ،وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ." (4)
وعَنْ عُمَرَ،قَالَ:غَلا السِّعْرُ بِالْمَدِينَةِ وَاشْتَدَّ الْجَهْدُ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : اصْبِرُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنِّي قَدْ بَارَكْتُ عَلَى صَاعِكُمْ وَمُدِّكُمْ،فَكُلُوا وَلا تَفَرَّقُوا،فَإِنَّ طَعَامَ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ،وَطَعَامُ الاثَّنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ،وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الْخَمْسَةَ وَالسِّتَّةَ،وَإِنَّ الْبَرَكَة فِي الْجَمَاعَةِ،فَمَنْ صَبَرَ عَلَى لأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ،وَمَنْ خَرَجَ عَنْهَا رَغْبَةً عَمَّا فِيهَا،أَبْدَلَ اللَّهُ بِهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فِيهَا،وَمَنْ أَرَادَهَا بِسُوءٍ،أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ." (5)
وعَنْ سَمُرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:طَعَامُ الْوَاحِدِ،يَكْفِي الاثْنَيْنِ،وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ،يَكْفِي الأَرْبَعَةَ،وَيَدُ اللَّهِ تعالى عَلَى الْجَمَاعَةِ." (6)
وعَنْ وَحْشِىُّ بْنُ حَرْبٍ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْكُلُ وَلاَ نَشْبَعُ. قَالَ « فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ ». قَالُوا نَعَمْ. قَالَ « فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 753)(23464) 23858- صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (5378 )
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5392 )
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (5489)
(5) - كشف الأستار - (2 / 51) (1185) حسن
(6) - كشف الأستار - (3 / 332) (2874) حسن لغيره(1/71)
». قَالَ أَبُو دَاوُدَ إِذَا كُنْتَ فِى وَلِيمَةٍ فَوُضِعَ الْعَشَاءُ فَلاَ تَأْكُلْ حَتَّى يَأْذَنَ لَكَ صَاحِبُ الدَّارِ. رواه أبو داود (1)
الحمد لله تعالى وشكره والثناء عليه في نهاية الطعام.
فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ ». رواه أبو داود (2) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (3766 ) حسن
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (3852 ) ضعيف(1/72)
-10-آداب الشرب
الشراب مثل الطعام. بل هو أكثر منه ضرورة،وأشد خطرا،فقد يصبر المرء على الجوع ولكنه لا يصبر على الظمأ قال تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)} الأنبياء.
ولقد منّ الله على عباده في كثير من آياته بعملية إنزال الماء من السماء وما تتطلبه من ظواهره معجزة.
قال تعالى:{ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69)} الواقعة.
وقال:{ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)} الحجر22.
والمؤمن يأكلُ ويشرب من رزق الله وفي كل ذلك يشعر أنه عل مائدة الله،محتاج إلى فضله،وعاجز عن أداء شكره،وذاكر لجوده وكرمه على الدوام:
قال تعالى على لسان النبي إبراهيم عليه السلام :{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)} الشعراء.
وهذه بعض آداب الشراب.
التسمية في أوله،والحمد في آخره،كأن يقول:
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ،قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا شَرِبَ الْمَاءَ،قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَهُ عَذْبًا فُرَاتًا بِرَحْمَتِهِ،وَلَمْ يَجْعَلُهُ مَالِحًا لجَاجًا بِذُنُوبِنَا " (1) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شُبْرُمَةَ،أَنَّ الْحَسَنَ،كَانَ،يَقُولُ: ذَلِكَ إِذَا شَرِبَ الْمَاءَ" (2)
وقَالَ: قَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ حَنْبَلٍ: كَانَ أَبِي - رَحِمَهُ اللهُ - لَا يَدَعُ أَحَدًا يَسْتَقِي لَهُ الْمَاءَ لِلْوُضُوءِ إِلَّا هُوَ،وكَانَ إِذَا خَرَجَ الدَّلْو مَلَأَ،قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ ".قُلْتُ: يَا أَبِهِ أَيُّ شَيْءٍ الْفَائِدَةُ ؟،قَالَ: يَا بُنَيَّ أمَا سَمِعْتَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ،يَقُولُ: { أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيَكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ } [الملك: 30] " (3)
يستحب الشرب في حالة القعود،فهو أفضل صحيا،وأكمل أدبا.
__________
(1) - شعب الإيمان - (6 / 272) (4162 ) فيه ضعف وإرسال
(2) - شعب الإيمان - (6 / 273) (4163 ) صحيح مقطوع
(3) - شعب الإيمان - (6 / 273) (4164 )(1/73)
عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا. قَالَ قَتَادَةُ فَقُلْنَا فَالأَكْلُ فَقَالَ ذَاكَ أَشَرُّ أَوْ أَخْبَثُ. رواه مسلم (1) .
ويجوز الشرب قائما لحاجة،فعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَأْكُلُ وَنَحْنُ نَمْشِي،وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ. (2)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ،عَنْ جَدَّةٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا كَبْشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا،فَشَرِبَ مِنْ فَمِ قِرْبَةٍ وَهُوَ قَائِمٌ،فَقَامَتْ إِلَيْهِ فَقَطَعَتْهُ فَأَمْسَكَتْهُ. (3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَهُوَ قَائِمٌ. (4)
وعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ،قَالَ:حَدَّثَنِي النَّزَّالُ بْنُ سَبْرَةَ،قَالَ:صَلَّيْنَا مَعَ عَلِيٍّ الظُّهْرَ،ثُمَّ خَرَجْنَا إلى الرَّحْبَةِ،قَالَ:فَدَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ،فَأَخَذَهُ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَرَأْسَهُ وَقَدَمَيْهِ،ثُمَّ شَرِبَ فَضْلَهُ وَهُوَ قَائِمٌ،ثُمَّ قَالَ:إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ أَنْ يَشْرَبُوا وَهُمْ قِيَامٌ،إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ،وَقَالَ:هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ. (5)
تناول الكأس باليد اليمنى والشرب بها.
عن حفصة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه،ويجعل يساره لما سوى ذلك. رواه أبو داود والترمذي.
مص الماء مصا،وعدم عبه أو صبه في الحلق صبا،لأن المصّ أثناء الشرب أهنأ وأمرأ.
فعَنِ ابْنِ أَبِى حُسَيْنٍ أَن النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمُصَّ مَصًّا وَلاَ يَعُبَّ عَبًّا فَإِنَّ الْكُبَادَ مِنَ الْعَبِّ ». (6) .
وقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ لِمُؤَدِّبِ وَلَدِهِ:عَلِّمْهُمُ الصِّدْقَ كَمَا تُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ،وَجَنِّبْهُمُ السفلة ؛ فإنهم أسوأ النَّاسِ دِعَةً وَأَقَلُّهُمْ أَدَبًا،وَجَنِّبْهُمُ الْحَشَمَ ؛ فَإِنَّهُمْ لَهُمْ مَفْسَدَةٌ،وَأَخْفِ شُعُورَهُمْ تَغْلُظْ رِقَابُهُمْ،وَأَطْعِمْهُمُ اللَّحْمَ يَقْوَوْا،وَعَلِّمْهُمُ الشِّعْرَ يُمَجَّدُوا وَيَنْجِدُوا،وَمُرْهُمْ أَنْ يَسْتَاكُوا عَرْضًا،وَيَمُصُّوا الْمَاءَ مَصًّا،وَلا يَعُبُّوا عَبًّا،وَإِذَا احْتَجْتَ أَنْ تَتَنَاوَلَهُمْ بِأَدَبٍ،فَلْيَكُنْ ذَلِكَ فِي سِرٍّ لا يَعْلَمُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْغَاشِيَةِ فَيَهُونُوا عَلَيْهِمْ ." (7)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (5394 )
(2) - صحيح ابن حبان - (12 / 141) (5322-) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (12 / 138) (5318) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (12 / 139) (5319) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (12 / 144) (5326) صحيح
(6) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (7 / 284) (15055) ومصنف عبد الرزاق (19595) صحيح مرسل
جنب : باعد -الحشم : خاصة الرجل الذين يغضبون لغضبه ، ولما يصيبه من مكروه من عبيد أو أهل أو جيرة
(7) - المجالسة وجواهر العلم - (4 / 516) (1766) فيه انقطاع(1/74)
الشرب على ثلاث دفعات،يبدأ كلا منها بالتسمية،ويختم بالحمد.
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :لا تَشْرَبُوا كَشُرْبِ الْبَعِيرِ،وَاشْرَبُوا اثْنَيْنِ وَثَلاثًا،وَسَمُّوا اللَّهَ إِذَا شَرِبْتُمْ،وَاحْمَدُوا اللَّهَ إِذَا رَفَعْتُمْ. (1)
وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ الْبَعِيرِ وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلاَثَ وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ »رواه الترمذي (2) .
تجنّب النفخ في الإناء أو التنفس فيه.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُتَنَفَّسَ فِى الإِنَاءِ أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ. رواه أبو داود (3) .
قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَهَذَا لِأَنَّ الْبُخَارَ الَّذِي يَرْتَفِعُ مِنَ الْمَعِدَةِ أَوْ يَنْزِلُ مِنَ الرَّأْسِ وَكَذَلِكَ رَائِحَةُ الْجَوْفِ قَدْ يَكُونَانِ كَرِيهَيْنِ فَإِمَّا إِنْ يُعَلَّقَا بِالْمَاءِ فَيَضُرَّا وَإِمَّا أَنْ يُفْسِدَا السُّؤْرَ عَلَى غَيْرِ الشَّارِبِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَقَذَّرُ إِذَا عَلِمَ بِهِ فَلَا يَشْرَبُ وَذَكَرَ كُلَيْبٌ الْجَرْمِيُّ أَنَّهُ شَهِدَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نَهَى الْقَصَّابِينَ عَنِ النَّفْخِ فِي اللَّحْمِ وَهُوَ نَظِيرُ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الَّذِي جَاءَ النَّهْيُ عَنْهُ،لِأَنَّ النَّكْهَةَ رُبَّمَا كَانَتْ كَرِيهَةً فَكَرَّهَتِ اللَّحْمَ وَغَيَّرَتْ رِيحَهُ وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ بِالتَّجَارُبِ (4)
تجنب الشرب من فم الإبريق أو السقاء،ولكن يصب منها في كأسه ويشرب.
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - نَهَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِى السِّقَاءِ.رواه البخاري (5) .
وعن عِكْرِمَةَ قَالَ:أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَشْيَاءَ قِصَارٍ سَمِعْنَاهَا مِنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِى السِّقَاءِ. (6)
تجنب الإسراف في شرب الماء،وخاصة أثناء الطعام لأنه يعيق عملية الهضم،ويكون الشرب قبل الطعام بنصف ساعة أو بعده بساعة على الأقل.
تجنب الشرب في أواني الذهب والفضة لحرمة استعمالها.
فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الَّذِى يَشْرَبُ فِى إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِى بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ » (7) ..
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 369) (11215 ) ضعيف
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (2006 ) ضعيف
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (3730) صحيح
(4) - شعب الإيمان - (8 / 136)
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (5628 )
(6) - مسند الحميدي - المكنز - (1193) صحيح
(7) - صحيح البخارى- المكنز - (5634 ) وصحيح مسلم- المكنز - (5506)
يجرجر : يحدر فيه(1/75)
يمسك الساقي الإناء أثناء توزيع الشراب باليد اليسرى،ويعطي الكوب باليد اليمنى،ويبدأ أولا بسيّد القوم أو أفضلهم علما وقدرا،ثم يعطي الأيمن فالأيمن.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؛أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِلَبَنٍ،قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ مِنَ الْبِئْرِ،وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ،وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ،فَشَرِبَ،ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابِيَّ،وَقَالَ:الأَيْمَنَُ فَالأَيْمَنَُ.. متفق عليه (1) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِلَبَنٍ وَقَدْ شِيبَ بِمَاءٍ،وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ،فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابِيَّ،وَقَالَ:الأَيْمَنُ فَالأَيْمَنُ. (2)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ وَمَاتَ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ وَكُنَّ أُمَّهَاتِى يَحْثُثْنَنِى عَلَى خِدْمَتِهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا دَارَنَا فَحَلَبْنَا لَهُ مِنْ شَاةٍ دَاجِنٍ وَشِيبَ لَهُ مِنْ بِئْرٍ فِى الدَّارِ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ شِمَالِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ. فَأَعْطَاهُ أَعْرَابِيًّا عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ ». (3)
وقَالَ أَبُو طَوَالَةَ - اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضى الله عنه - يَقُولُ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى دَارِنَا هَذِهِ،فَاسْتَسْقَى،فَحَلَبْنَا لَهُ شَاةً لَنَا،ثُمَّ شُبْتُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرِنَا هَذِهِ،فَأَعْطَيْتُهُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ،وَعُمَرُ تُجَاهَهُ وَأَعْرَابِىٌّ عَنْ يَمِينِهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ عُمَرُ هَذَا أَبُو بَكْرٍ.فَأَعْطَى الأَعْرَابِىَّ،ثُمَّ قَالَ « الأَيْمَنُونَ،الأَيْمَنُونَ،أَلاَ فَيَمِّنُوا ».قَالَ أَنَسٌ فَهْىَ سُنَّةٌ فَهْىَ سُنَّةٌ.ثَلاَثَ مَرَّاتٍ (4) .
يكون ساقي القوم آخرهم شربا.
فعَنْ أَبِى قَتَادَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ وَتَأْتُونَ الْمَاءَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا ». فَانْطَلَقَ النَّاسُ لاَ يَلْوِى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ - قَالَ أَبُو قَتَادَةَ - فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ وَأَنَا إلى جَنْبِهِ - قَالَ - فَنَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ - قَالَ - ثُمَّ سَارَ حَتَّى تَهَوَّرَ اللَّيْلُ مَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ - قَالَ - فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ - قَالَ - ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ مَالَ مَيْلَةً هِىَ أَشَدُّ مِنَ الْمَيْلَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ حَتَّى كَادَ يَنْجَفِلُ فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ « مَنْ هَذَا ». قُلْتُ أَبُو قَتَادَةَ. قَالَ « مَتَى كَانَ هَذَا مَسِيرَكَ مِنِّى ».
قُلْتُ مَا زَالَ هَذَا مَسِيرِى مُنْذُ اللَّيْلَةِ. قَالَ « حَفِظَكَ اللَّهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ ». ثُمَّ قَالَ « هَلْ تَرَانَا نَخْفَى عَلَى النَّاسِ ». ثُمَّ قَالَ « هَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ ». قُلْتُ هَذَا رَاكِبٌ. ثُمَّ قُلْتُ هَذَا رَاكِبٌ آخَرُ.
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5619 ) وصحيح مسلم- المكنز - (5408) شيب : خُلِط
(2) - صحيح ابن حبان - (12 / 151) (5334) صحيح
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (5409 ) -شيب : خُلِط
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (2571 )
فشبت : الشوب :الخلط والمزج. -تجاهه : تجاه الشيء : مقابله وحذاؤه.-داجن : الشاة التي تألف البيت ، وتكون معدة للبن.جامع الأصول في أحاديث الرسول - (5 / 84)(1/76)
حَتَّى اجْتَمَعْنَا فَكُنَّا سَبْعَةَ رَكْبٍ - قَالَ - فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الطَّرِيقِ فَوَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ « احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلاَتَنَا ». فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالشَّمْسُ فِى ظَهْرِهِ - قَالَ - فَقُمْنَا فَزِعِينَ ثُمَّ قَالَ « ارْكَبُوا ». فَرَكِبْنَا فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ نَزَلَ ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِى فِيهَا شَىْءٌ مِنْ مَاءٍ - قَالَ - فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ - قَالَ - وَبَقِىَ فِيهَا شَىْءٌ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ قَالَ لأَبِى قَتَادَةَ « احْفَظْ عَلَيْنَا مِيضَأَتَكَ فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ ». ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ بِالصَّلاَةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ - قَالَ - وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَكِبْنَا مَعَهُ - قَالَ - فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إلى بَعْضٍ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِى صَلاَتِنَا ثُمَّ قَالَ « أَمَا لَكُمْ فِىَّ أُسْوَةٌ ». ثُمَّ قَالَ « أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِى النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاَةَ حَتَّى يَجِىءَ وَقْتُ الصَّلاَةِ الأُخْرَى فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا ». ثُمَّ قَالَ « مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا ». قَالَ ثُمَّ قَالَ « أَصْبَحَ النَّاسُ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَكُمْ لَمْ يَكُنْ لِيُخَلِّفَكُمْ. وَقَالَ النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَإِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا ». قَالَ فَانْتَهَيْنَا إلى النَّاسِ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ وَحَمِىَ كُلُّ شَىْءٍ وَهُمْ يَقُولُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا عَطِشْنَا. فَقَالَ « لاَ هُلْكَ عَلَيْكُمْ ». ثُمَّ قَالَ « أَطْلِقُوا لِى غُمَرِى ». قَالَ وَدَعَا بِالْمِيضَأَةِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُبُّ وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِمْ فَلَمْ يَعْدُ أَنْ رَأَى النَّاسُ مَاءً فِى الْمِيضَأَةِ تَكَابُّوا عَلَيْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَحْسِنُوا الْمَلأَ كُلُّكُمْ سَيَرْوَى ». قَالَ فَفَعَلُوا فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُبُّ وَأَسْقِيهِمْ حَتَّى مَا بَقِىَ غَيْرِى وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - قَالَ - ثُمَّ صَبَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِى « اشْرَبْ ». فَقُلْتُ لاَ أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « إِنَّ سَاقِىَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا ». قَالَ فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - قَالَ - فَأَتَى النَّاسُ الْمَاءَ جَامِّينَ رِوَاءً. قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ إِنِّى لأُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِى مَسْجِدِ الْجَامِعِ إِذْ قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ انْظُرْ أَيُّهَا الْفَتَى كَيْفَ تُحَدِّثُ فَإِنِّى أَحَدُ الرَّكْبِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. قَالَ قُلْتُ فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ. فَقَالَ مِمَّنْ أَنْتَ قُلْتُ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ حَدِّثْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِحَدِيثِكُمْ. قَالَ فَحَدَّثْتُ الْقَوْمَ فَقَالَ عِمْرَانُ لَقَدْ شَهِدْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَمَا شَعَرْتُ أَنَّ أَحَدًا حَفِظَهُ كَمَا حَفِظْتُهُ. (1)
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ. (2)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1594)
ابهار : انتصف -ينجفل : ينقلب ويسقط -دعم : أسند وأقام ميله من النوم -الرواء : رووا من الماء -أطلقوا : ائتوا -الغُمر : القدح الصغير -الملأ : الخُلُق والعشرة -تهور : ذهب أكثره
(2) - صحيح ابن حبان - (12 / 154) (5338) صحيح(1/77)
وعَنْ أَبِي الْمُخْتَارِ،مَنْ بَنِي أَسَدٍ،قَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى قَالَ:كُنَّا فِي سَفَرٍ فَلَمْ نَجِدِ الْمَاءَ،قَالَ:ثُمَّ هَجَمْنَا عَلَى الْمَاءِ بَعْدُ،قَالَ:فَجَعَلُوا يَسْقُونَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَكُلَّمَا أَتَوْهُ بِالشَّرَابِ،قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ،ثَلاَثَ مَرَّاتٍ،حَتَّى شَرِبُوا كُلُّهُمْ. (1)
وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ:أَصَابَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ عَطَشٌ،قَالَ:فَنَزَلَ مَنْزِلاً،فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ،فَجَعَلَ يَسْقِي أَصْحَابَهُ،وَجَعَلُوا يَقُولُونَ:اشْرَبْ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ حَتَّى سَقَاهُمْ كُلَّهُمْ. (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 490) (19121) 19332- صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 564) (19412) 19632- صحيح(1/78)
-11-آداب اللباس
اللباس من نعم الله تعالى التي خصّ بها الإنسان من بين المخلوقات ليتقي بها العوامل الطبيعية من حر وبرد وشمس ومطر.. وليستر بها عورته ويواري سوأته،ويحفظ كرامته،ويتجمل بها في حياته.. قال تعالى:{وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} (81) سورة النحل.
والله جعل لكم ما تستظلُّون به من الأشجار وغيرها،وجعل لكم في الجبال من المغارات والكهوف أماكن تلجؤون إليها عند الحاجة،وجعل لكم ثيابًا من القطن والصوف وغيرهما،تحفظكم من الحر والبرد،وجعل لكم من الحديد ما يردُّ عنكم الطعن والأذى في حروبكم،كما أنعم الله عليكم بهذه النعم يتمُّ نعمته عليكم ببيان الدين الحق; لتستسلموا لأمر الله وحده،ولا تشركوا به شيئًا في عبادته. (1)
وقد علم الله تعالى الإنسان صناعة الثياب بمختلف أشكالها وأمره أن يستتر بها ويتقي ما يواجهه خلال حياته قال تعالى عن سيدنا داود: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} (80) سورة الأنبياء
واختصَّ الله داود عليه السلام بأن علَّمه صناعة الدروع يعملها حِلَقًا متشابكة،تسهِّل حركة الجسم; لتحمي المحاربين مِن وَقْع السلاح فيهم،فهل أنتم شاكرون نعمة الله عليكم حيث أجراها على يد عبده داود؟ (2)
ولقد أتانا فيما أتانا من ضلالات الغرب وصرعات الجاهلية الحديثة دعوة جديدة إلى التعري وإظهار العورات مسخا للإنسان،وانتكاسه إلى الحيوانية العجماء..
كما تصدّر لنا بيوت الأزياء اليهودية كل عام تصاميم لملابس لا همّ لها سوى إظهار المفاتن وعرض المغريات وفتن عقول الشباب والشابات،واستباحة الأهواء والشهوات.. فهي ملابس إلى العري أقرب منها إلى الستر..
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَمْ أَرَهُمَا:قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ رُؤُوسُهُنَّ مِثْلُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ،وَلاَ يَجِدُونَ رِيحَهَا،وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا. (3) .
__________
(1) - التفسير الميسر - (4 / 451)
(2) - التفسير الميسر - (5 / 496)
(3) - صحيح ابن حبان - (16 / 500) (7461) صحيح(1/79)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا » (1) .
وهذه باقة من الآداب الإسلامية في اللباس:
الابتداء بتسمية الله تعالى،كما تستحب التسمية في جميع الأعمال.
جعل النية من اللباس أمر الله تعالى في ستر العورة،لا التباهي بزينة اللباس،ومراءاة الناس بها.
قال تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} الأعراف.
يا بني آدم قد جعلنا لكم لباسًا يستر عوراتكم،وهو لباس الضرورة،ولباسًا للزينة والتجمل،وهو من الكمال والتنعم. ولباسُ تقوى الله تعالى بفعل الأوامر واجتناب النواهي هو خير لباس للمؤمن. ذلك الذي مَنَّ الله به عليكم من الدلائل على ربوبية الله تعالى ووحدانيته وفضله ورحمته بعباده; لكي تتذكروا هذه النعم،فتشكروا لله عليها. وفي ذلك امتنان من الله تعالى على خَلْقه بهذه النعم. (2)
الدعاء بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ وَقَالَ:" اللَّهُمَّ أَنْتَ كَسَوْتَنِي هَذَا الثَّوْبَ فَلَكَ الْحَمْدُ،اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ " (3) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ،فَقَالَ:اللَّهُمَّ أَنْتَ كَسَوْتَنِي هَذَا فَلَكَ الْحَمْدُ،أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ.،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ،وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ " قَالَ أَبُو نَضْرَةَ:" فَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا لَبِسَ أَحَدُهُمْ ثَوْبًا جَدِيدًا قِيلَ لَهُ:تُبْلَى وَيُخْلِفُ اللَّهُ تعالى " (4)
الدعاء بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند لبس ثوب جديد.
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (5704 )
كاسيات عاريات ، الكاسية العارية : هي التي تلبس الرقيق من الثياب الذي يشف ، يقال : كسا يكسو : إذا صار ذا كسوة ، فهو كاس ، وقيل يكسين بعض أجسامهن ويلقين خمرهن من ورائهن ، فتظهر صدورهن.
مائلات مميلات ، المائلات : الزائغات عن طاعة الله تعالى وعما يلزمهن من حفظ الفروج ، والمميلات : اللاتي يعلمن غيرهن الدخول في مثل فعلهن. وقيل : مائلات : متبخترات في مشيهن مميلات : يملن أعطافهن ، وقيل : المائلات اللاتي يمتشطن المشطة الميلاء ، وهي مشطة البغايا ، والمميلات : اللاتي يمشطن غيرهن تلك المشطة.جامع الأصول في أحاديث الرسول - (10 / 698)
(2) - التفسير الميسر - (2 / 487)
(3) - الدُّعَاءُ لِلطَّبَرَانِيِّ >> بَابُ الْقَوْلِ عِنْدَ اسْتِجْدَادِ الثِّيَابِ (362 ) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (12 / 240)(5421) وسنن أبي داود - المكنز -(4022) صحيح(1/80)
فعَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ لَبِسَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضى الله عنه ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِى مَا أُوَارِى بِهِ عَوْرَتِى وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِى حَيَاتِى. ثُمَّ عَمَدَ إلى الثَّوْبِ الَّذِى أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِى مَا أُوَارِى بِهِ عَوْرَتِى وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِى حَيَاتِى ثُمَّ عَمَدَ إلى الثَّوْبِ الَّذِى أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ فِى كَنَفِ اللَّهِ وَفِى حِفْظِ اللَّهِ وَفِى سَتْرِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا ». رواه الترمذي (1) .
وعَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى عَلَى عُمَرَ ثَوْبًا غَسِيلاً،فَقَالَ:أَجَدِيدٌ ثَوْبُك هَذَا ؟ قَالَ:غَسِيلٌ يَا رَسُولَ اللهِ،قَالَ:فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اِلْبَسْ جَدِيدًا،وَعِشْ حَمِيدًا،وَتَوَفَّ شَهِيدًا،يُعْطِكَ اللَّهُ قُرَّةَ عَيْنٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. (2)
اختيار أوساط الثياب،والمعتدلة منها،دون مبالغة ومغالاة،ودون تبذل وإهمال.
التأكد من نظافة الثوب وطهارته،لتصح العبادة به،ولأن المؤمن نظيف البدن والثوب طاهرهما.
قال تعالى:{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} المدثر 4.
أَيْ طَهِّرْ نَفْسَكَ مِنَ الذُّنُوبِ،وَأَصْلِحْ عَمَلَكَ،وَطَهِّرْ ثِيَابَكَ بِالمَاءِ مِمَّا لَحِقَ بِهَا مِنَ النَّجَاسَةِ .فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن.
اجتناب التفاخر بالثياب أو إطالتها حتى تمسّ الأرض تكبرا واستعلاء،بل ينبغي رفعها عن الأرض لأنه أتقى وأنقى وأبقى.
فعَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ عَنِ الإِزَارِ فَقَالَ عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِزْرَةُ الْمُسْلِمِ إلى نِصْفِ السَّاقِ وَلاَ حَرَجَ - أَوْ لاَ جُنَاحَ - فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِى النَّارِ مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ ». (3)
وعَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:ذُكِرَ الإِزَارُ،فَأَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ،فَقُلْتُ:أَخْبِرْنِي عَنِ الإِزَارِ،فَقَالَ:أَجَلْ بِعِلْمٍ،سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ،لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ،وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ،مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ. (4)
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (3908 ) حسن لغيره - أخلق : بلى
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 265) (25597) حسن لغيره
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (4095 ) صحيح
قال الشيخ : قوله فهو في النار يتأول على وجهين أحدهما أن ما دون الكعبين من قدم صاحبه في النار عقوبة له على فعله.
والوجه الآخر أن يكون معناه أن صنيعه ذلك وفعله الذي فعله في النار على معنى أنه معدود ومحسوب من أفعال أهل النار والله أعلم.معالم السنن للخطابي 288 - (4 / 197)
(4) - صحيح ابن حبان - (12 / 266) (5450) صحيح
فَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلإِْنْسَانِ أَنْ يَجُرَّ ثَوْبَهُ بِقَصْدِ التَّكَبُّرِ . إِذْ أَنَّ مَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ بِهِ حَاجَةٌ فَمَنَعَهُ مِنْهُ . وَأَبَاحَ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ ، فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَجُرَّ ثَوْبَهَا خَلْفَهَا شِبْرًا أَوْ ذِرَاعًا لِلْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَى ذَلِكَ ، وَهِيَ التَّسَتُّرُ وَالإِْبْلاَغُ فِيهِ ، إِذْ أَنَّ الْمَرْأَةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ إِلاَّ مَا اسْتُثْنِيَ ، وَذَلِكَ فِيهَا بِخِلاَفِ الرِّجَال .الموسوعة الفقهية الكويتية - (6 / 140)(1/81)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا » . (1) .
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ،قَالَ: كَانَ مَرْوَانُ يَسْتَخْلِفُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ،فَكَانَ إِذَا رَأَى إِنْسَانًا يَجُرُّ إِزَارَهُ،ضَرَبَ بِرِجْلِهِ الأَرْضَ وَقَالَ: قَدْ جَاءَ الأَمِيرُ ! قَدْ جَاءَ الأَمِيرُ ! ثُمَّ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - :مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا،فَإِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِ،أَوْلَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ. (2)
وأما المرأة فيختلف حكمها،فعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ،أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ حِينَ ذُكِرَ الإِزَارُ:فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ:تُرْخِي شِبْرًا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:إِذًا تَنْكَشِفُ عَنْهَا،قَالَ:فَذِرَاعًا لاَ تَزِيدُ عَلَيْهِ. (3)
القيام بإصلاح الثوب إن وجد به شقا أو ثقبا،وعدم لبسه وهو ممزق،فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرقع ثوبه بيده،ويصلح نعله بنفسه. فعَنْ عَائِشَةَ،أَنَّهَا سُئِلَتْ:مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ:كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ،وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ،وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ. (4)
وعَنْ عُرْوَةَ،قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَ: " نَعَمْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرُفُّ ثَوْبَهُ،وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ،وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ " (5)
وعن هِشَامَ بْنِ سَعْدٍ،قَالَ:حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ بِشْرٍ التَّغْلِبِيُّ،قَالَ:أَخْبَرَنِي أَبِي وَكَانَ،جَلِيسًا لأَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ:كَانَ بِدِمَشْقَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَالُ لَهُ:ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ،وَكَانَ رَجُلاً مُتَوَحِّدًا،قَلَّمَا يُجَالِسُ النَّاسَ،إِنَّمَا هُوَ فِي صَلاَةٍ،فَإِذَا فَرَغَ فَإِنَّمَا يُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ أَهْلَهُ،فَمَرَّ بِنَا يَوْمًا وَنَحْنُ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ،فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ:كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ،قَالَ:بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً،فَقَدِمْتُ،فَجَاءَ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5788 )
"بطرا" بفتح الطاء على المصدر وبكسرها على الحال من فاعل جر أي جره تكبرا وطغيانا، وأصل البطر الطغيان عند النعمة، واستعمل بمعنى التكبر. وقال الراغب: أصل البطر دهش يعتري المرء عند هجوم النعمة عن القيام بحقها. قوله: "لا ينظر الله" أي لا يرحمه، فالنظر إذا أضيف إلى الله كان مجازا، وإذا أضيف إلى المخلوق كان كناية، ويحتمل أن يكون المراد لا ينظر الله إليه نظر رحمة. وقال شيخنا في "شرح الترمذي" عبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه ومن نظر إلى متكبر مقته، فالرحمة والمقت متسببان عن النظر.
ويستنبط من سياق الأحاديث أن التقييد بالجر خرج للغالب، وأن البطر والتبختر مذموم ولو لمن شمر ثوبه، والذي يجتمع من الأدلة أن من قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه مستحضرا لها شاكرا عليها غير محتقر لمن ليس له مثله لا يضره ما لبس من المباحات، ولو كان في غاية النفاسة. فتح الباري لابن حجر - (10 / 258)
(2) - مسند أبي عوانة (6908 ) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (12 / 267) (5451) صحيح
والحاصل أن للرجال حالين: حال استحباب، وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق وحال جواز وهو إلى الكعبين. وكذلك للنساء حالان حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر وحال جواز بقدر ذراع.فتح الباري لابن حجر - (10 / 259)
(4) - صحيح ابن حبان - (12 / 490)(5677 ) صحيح
(5) - شعب الإيمان - (10 / 486) (7845 ) صحيح(1/82)
رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَلَسَ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ لِرَجُلٍ إلى جَنْبِهِ:لَوْ رَأَيْتَنَا حِينَ الْتَقَيْنَا نَحْنُ وَالْعَدُوَّ،فَحَمَلَ فُلاَنٌ فَطَعَنَ،فَقَالَ:خُذْهَا وَأَنَا الْغُلاَمُ الْغِفَارِيُّ،كَيْفَ تَرَى فِي قَوْلِهِ ؟ قَالَ:مَا أُرَاهُ إِلاَّ قَدْ أَبْطَلَ أَجْرَهُ،فَسَمِعَ ذَلِكَ آخَرُ،فَقَالَ:مَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا،فَتَنَازَعَا حَتَّى سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:سُبْحَانَ اللهِ،لاَ بَأْسَ أَنْ يُحْمَدَ وَيُؤْجَرَ قَالَ:فَرَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ سُرَّ بِذَلِكَ،وَجَعَلَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيْهِ،وَيَقُولُ:أَنْتَ سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَيَقُولُ:نَعَمْ،فَمَا زَالَ يُعِيدُ عَلَيْهِ حَتَّى إِنِّي لأَقُولُ:لَيَبْرُكَنَّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
قَالَ:ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَوْمًا آخَرَ،فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ:كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ،قَالَ:قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ الْمُنْفِقَ عَلَى الْخَيْلِ فِي سَبِيلِ اللهِ،كَبَاسِطِ يَدِهِ بِالصَّدَقَةِ لاَ يَقْبِضُهَا.
قَالَ:ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَوْمًا آخَرَ،فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ:كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ،فَقَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيْمٌ الأَسَدِيُّ لَوْلاَ طُولُ جُمَّتِهِ وَإِسْبَالُ إِزَارِهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ خُرَيْمًا فَجَعَلَ يَأْخُذُ شَفْرَةً فَيَقْطَعُ بِهَا شَعَرَهُ إلى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ،وَرَفَعَ إِزَارَهُ إلى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ قَالَ:فَأَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ:دَخَلْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَإِذَا عِنْدَهُ شَيْخٌ جُمَّتُهُ فَوْقَ أُذُنَيْهِ،وَرِدَاؤُهُ إلى سَاقَيْهِ،فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقَالُوا:هَذَا خُرَيْمٌ الأَسَدِيُّ.
قَالَ:ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَوْمًا آخَرَ،وَنَحْنُ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ،فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ:كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ فَقَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ،فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ،وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ،فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلاَ التَّفَحُّشَ." (1)
وعَنْ رَجُلِ صِدْقٍ مِنْ أَهْلِ قِنَّسْرِينَ يُقَالُ لَهُ قَيْسُ بْنُ بِشْرٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَبِي مِنْ جُلَسَاءِ أَبِي الدَّرْدَاءِ،فَحَدَّثَنِي أَنَّهُ كَانَ هُنَالِكَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَعَبِّدٌ مُعْتَزِلٌ لَا يَكَادُ يَفْرُغُ مِنَ الْعِبَادَةِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ: " إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ وَرِحَالَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ " (2) .
الابتداء في لبس الثوب،والنعل والسراويل والجوارب باليمين،والخلع بالشمال. فعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ:فِي تَرَجُّلِهِ،وَفِي طُهُورِهِ،وَفِي نَعْلِهِ قَالَ شُعْبَةُ:ثُمَّ سَأَلْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ،أَوْ يُعْجِبُهُ،التَّيَمُّنُ مَا اسْتَطَاعَ. (3)
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِى شَأْنِهِ كُلِّهِ فِى طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ.رواه البخاري (4) .
نفض الثياب قبل لبسها،ونفض الجوارب للتأكد من خلوها من الحشرات المؤذية.
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 52) (1762-) 17767-17770) حسن
(2) - شعب الإيمان - (8 / 266) (5794 ) حسن
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 358)(25545) 26061- صحيح
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (426 ) -الترجل : تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه(1/83)
طيّ الثياب بعد خلعها،وذكر اسم الله عليها عند وضعها أو تعليقها،وعدم إلقائها مبعثرة دون مبالاة.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : سِتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ،وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ،أَنْ يَقُولُوا:بِسْمِ اللَّهِ " (1)
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : سِتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ،وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا وَضَعُوا ثِيَابَهُمْ،أَنْ يَقُولُوا:بِسْمِ اللَّهِ " (2)
تعهد الجوارب بالنظافة وغسلها مساء كل يوم،وخاصة أيام الصيف،أو كلما تغيرت رائحتها،وكذلك تعهد النعلين بالنظافة والإصلاح.
يستحسن أن تكون أكمام القمصان طويلة إلى الرسغين،فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ،قَالَتْ:" كَانَتْ يَدُ كُمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلى الرُّسْغِ " (3) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَبِسَ قَمِيصًا،وَكَانَ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ،وَكَانَ كُمُّهُ مَعَ الأَصَابِعِ " (4)
إجتناب الألبسة المصنوعة من الحرير،لحرمة لبسها على الذكور.فعَنْ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيَّ،أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمتَّي،وَأُحِلَّ لإنَاثِهِمْ. رواه الترمذي (5) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ - يَعْنِى الْغَافِقِىَّ - أَنَّهُ سَمِعَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ - رضى الله عنه - يَقُولُ إِنَّ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِى يَمِينِهِ وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِى شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ « إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِى ». (6)
اجتناب تشبّه الرجال بالنساء في لباسهم،واجتناب تشبّه النساء بالرجال في لباسهن. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ،وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ. (7)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ: الْعَاقُّ بِوَالِدَيْهِ،وَمُدْمِنُ خَمْرٍ،وَمَنَّانٌ،وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الرَّجُلُ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ،وَالْمَرْأَةُ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ،وَالدَّيُّوثُ " (8) .
__________
(1) - الفوائد لتمام 414 - (2 / 417)( 1708) حسن بغيره
(2) - الفوائد لتمام 414 - (2 / 418)(1709-1711) حسن لغيره
وانظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 32) رقم الفتوى 20031 كيف يستر الرجال والنساء عوراتهم عن أعين الجن
(3) - سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ (3564 ) حسن
(4) - المستدرك للحاكم (7420) حسن لغيره
(5) - سنن الترمذى- المكنز - (1824 ) صحيح
(6) - سنن أبي داود - المكنز - (4059 ) صحيح
(7) - صحيح ابن حبان - (13 / 62) (5751) صحيح
(8) - شعب الإيمان - (10 / 224) (7417 ) وسنن النسائي- المكنز - (2574 ) صحيح
المرأة المترجلة : التي تتشبه بالرجال في هيئتهم وأفعالهم. -الديوث من الرجال : هو الذي لا غيرة له ولا حمية.جامع الأصول في أحاديث الرسول - (11 / 708)(1/84)
إجتناب الثياب المزركشة والمزينة وذات الألوان الزاهية،والتي تظهر التخنث على مظهر لابسها. فعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِىِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَىِّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ « حُلَلِ الإِيمَانِ ». يَعْنِى مَا يُعْطَى أَهْلُ الإِيمَانِ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ. (1)
وعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .... وَمَنْ تَرَكَ لُبْسَ ثَوْبِ جَمَالٍ تَوَاضُعًا كَسَاهُ اللهُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ وَمَنْ رَوَّحَ لِلَّهِ تَوَّجَهُ تَاجَ الْمُلْكِ " (2)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: ذَكَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا عِنْدَهُ الدُّنْيَا،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَلَا تَسْمَعُونَ إِنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الْإِيمَانِ،إِنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الْإِيمَانِ " يَعْنِي التَّقَحُّلَ .
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الْبَذَاذَةُ سُوءُ الْهَيْئَةِ وَالتَّجُوَّزُ فِي الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَإِنَّمَا هُوَ وَاللهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا تُبْعِدَهُ الْبَذَاذَةُ عَنِ الْجَمَاعَاتِ،فَلَا يَمْتَنِعُ إِذَا سَاءَتْ حَالُهُ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ وَلَا عَنْ مَجَالِسِ الْعِلْمِ لِأَجَلِ رَثَاثَةِ كِسَوْتِهِ وَسُوءِ هَيْئَةٍ لِبَاسِهِ وَلَكِنَّهُ يَصْبِرُ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ وَيَحْمَدُ اللهَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَشْعِرُ مِنْهُ خَجَلًا وَلَا حَيَاءً،فَذَاكَ إِنْ شَاءَ اللهُ هُوَ الْإِيمَانُ دُونَ الرَّثَاثَةِ بِعَيْنِهَا وَاللهُ أَعْلَمُ " (3)
أما ما يواري العورة ففيه تفصيل: فما يلي حقويه (معقد الإزار والسروال) لا بد أن يكون فيه شيء من التحجيم لجزء من العورة،ولكن لا حرج -بشرط ألا يجاوز مقدار الحاجة-؛ لأن الإزار أو السروال أو البنطال لا يستمسك على الحقو إلا بذلك،فالحاجة تقتضيه.
وما جاوز موضع الحاجة فلا يجوز أن يكون ضيقاً يحجِّم العورة.
ولا يعتبر ساتراً للعورة بالمعنى الشرعي؛ لأن ما يستر العورة يجب أن يكون واسعاً لا يصف (إلا ما تقتضيه الحاجة،وقد سبق ذكره)،صفيقاً لا يشف ما تحته.
ونحن نربأ بالشاب العاقل ذي المروءة والحياء أن يخرج للناس بهذه البناطيل الضيقة،التي لا تليق بالرجل السوي الخلوق الحيي. (4)
اجتناب الثياب الضيقة والمحجّمة والشفافة للرجل والمرأة،واختيار الثياب الساترة والمريحة،وخاصة للفتاة،والحذر من التزيّن والتبرّج.
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2669 ) والصحيحة (718) وصحيح الجامع (6145) حسن
وانظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (8 / 7584) -رقم الفتوى 59145 ثواب من ترك شهوة ابتغاء وجه الله
(2) - شعب الإيمان - (10 / 536)(7950 ) وسنن أبي داود - المكنز - (4780 ) ضعيف
(3) - شعب الإيمان - (8 / 432) (6051 ) صحيح
(4) - فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (14 / 455) -الثياب الضيقة للرجال(1/85)
فالبنطال الضيق (كالسترتش ونحوه) لا يجوز للمرأة أن تلبسه عند النساء،ويخشى على من لبسته أن يحق عليها حديث أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا » (1) .
ومعنى كاسيات عاريات: أي كاسيات في الصورة،عاريات في الحقيقة؛ لأنهن يلبسن ملابس تصف (تحجم) الجسد،فتبدو عوراتهن موصوفة بارزة،بحيث يحجم لباسهن الأفخاذ والأرداف،وهذا يناقض المقصود من اللبس.
لاَ يَجُوزُ لُبْسُ الرَّقِيقِ مِنَ الثِّيَابِ إِذَا كَانَ يَشِفُّ عَنِ الْعَوْرَةِ،فَيُعْلَمُ لَوْنُ الْجِلْدِ مِنْ بَيَاضٍ أَوْ حُمْرَةٍ،سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةُ وَلَوْ فِي بَيْتِهَا،هَذَا إِنْ رَآهَا غَيْرُ زَوْجِهَا،لِمَا يَأْتِي مِنَ الأَْدِلَّةِ،وَهُوَ بِالإِْضَافَةِ إلى ذَلِكَ مُخِلٌّ بِالْمُرُوءَةِ،وَلِمُخَالَفَتِهِ لِزِيِّ السَّلَفِ،وَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ فِي مِثْل تِلْكَ الثِّيَابِ،وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُهُ إِذَا كَانَ لاَ يَرَاهَا إِلاَّ زَوْجُهَا.أَمَّا مَا كَانَ رَقِيقًا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ،وَلَكِنَّهُ يَصِفُ حَجْمَهَا حَتَّى يُرِي شَكْل الْعُضْوِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ.فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:إِنَّ الرَّجُلَ لِيَلْبَسُ وَهُوَ عَارٍ.يَعْنِي:الثِّيَابَ الرِّقَاقَ . (2)
وعَنِ ابْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ،أَنَّ أَبَاهُ أُسَامَةَ،قَالَ:كَسَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَتْ مِمَّا أَهْدَاهَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ،فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي،فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسِ الْقُبْطِيَّةَ ؟ قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي.فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلاَلَةً،إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا. (3)
فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ اللِّبَاسِ الَّذِي يَصِفُ مَا تَحْتَهُ مِنَ الْبَدَنِ،وَلِهَذَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ:دَخَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى عَائِشَةَ وَعَلَيْهَا خِمَارٌ رَقِيقٌ،فَشَقَّتْهُ عَائِشَةُ،وَكَسَتْهَا خِمَارًا كَثِيفًا " (4)
وعَنْ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِىِّ أَنَّهُ قَالَ أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقَبَاطِىَّ فَأَعْطَانِى مِنْهَا قُبْطِيَّةً فَقَالَ « اصْدَعْهَا صَدْعَيْنِ فَاقْطَعْ أَحَدَهُمَا قَمِيصًا وَأَعْطِ الآخَرَ امْرَأَتَكَ تَخْتَمِرُ بِهِ ». فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ « وَأْمُرِ امْرَأَتَكَ أَنْ تَجْعَلَ تَحْتَهُ ثَوْبًا لاَ يَصِفُهَا » (5) .
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (5704 )
البخت : واحدتها البختية وهى الناقة طويلة العنق ذات السنامين
(2) - مجمع الزوائد - (8606 ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ .والموسوعة الفقهية الكويتية - (6 / 136)
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 288) (21786) 22129- حسن
(4) - أخرجه مالك في الموطأ (1758) حسن
(5) - سنن أبي داود - المكنز - (4118 ) حسن -اصدع : شق -القبطية : ثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء(1/86)
وَيُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ أَنْ لاَ يَكُونَ رَقِيقًا يَصِفُ مَا تَحْتَهُ بَل يَكُونُ كَثِيفًا لاَ يُرَى مِنْهُ لَوْنُ الْبَشَرَةِ وَيُشْتَرَطُ كَذَلِكَ أَنْ لاَ يَكُونَ مُهَلْهَلاً تُرَى مِنْهُ أَجْزَاءُ الْجِسْمِ لأَِنَّ مَقْصُودَ السِّتْرِ لاَ يَحْصُل بِذَلِكَ .
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ سِتْرَ الْعَوْرَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ بَيْنَ الرَّجُل وَزَوْجَتِهِ،إِذْ كَشْفُ الْعَوْرَةِ مُبَاحٌ بَيْنَهُمَا،فعَنْ بَهْزٍ قَالَ:حَدَّثَنِي أَبِي،عَنْ جَدِّي،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ؟ قَالَ:احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ،أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ ؟ قَالَ:إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرَاهَا أَحَدٌ فَلاَ يَرَيَنَّهَا.قُلْتُ فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا ؟ قَالَ:فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ. (1)
كما لا يجوز للمرأة أن تلبس الضيق عند أحد من محارمها سوى زوجها فحسب.
لقد رأينا تساهل النساء في لباسهن عند محارمهن -غير الزوج- أفضى بكثير منهن إلى نزع جلباب الحياء والجرأة في التبرج والسفور والتساهل في الحشمة والحجاب.
فعَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ « يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلاَّ هَذَا وَهَذَا ». وَأَشَارَ إلى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ (2)
فلِبَاسُ الْمَرْأَةِ قَدْ يَكْشِفُ عَنِ الْعَوْرَةِ،وَقَدْ يَسْتُرُهَا وَلَكِنَّهُ يَصِفُ حَجْمَهَا،وَهُوَ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ غَيْرُ شَرْعِيٍّ . (3) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (24 / 174) ومسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 729)(20034) 20287- صحيح
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (4106) حسن لغيره
(3) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (35 / 193)(1/87)
-12-آداب الكلام
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم،وشقّ له سمعه وبصره،وزوده بمعجزة العقل وآتاه وسائل التعلم والاكتساب قال تعالى:{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (23)} الملك.
وقال تعالى:{ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9)} البلد.
ومن مهمات اللسان الكثيرة التعبير عن حاجات النفس وإيصال المعلومات إلى الغير عن طريق النطق والكلام. قال تعالى:{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} الرحمن.
وأمر الله تعالى المسلم بمراعاة أقواله كما يراعي أعماله،ولهذا قيل " مَنْ عَدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ " (1) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ،وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ،وَمَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ،فَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ (2) .
وأمره أن يقول الحق الذي يرضيه،وأن يراقبه عند كل كلمة تخرج من فيه،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً،يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ،وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ » (3) . وعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ،قَالَ:مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَهُ شَرَفٌ،وَهُوَ جَالِسٌ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ،فَقَالَ عَلْقَمَةُ:يَا فُلاَنُ،إِنَّ لَكَ حُرْمَةً،وَإِنَّ لَكَ حَقًّا،وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ تَدْخُلُ عَلَى هَؤُلاَءِ الْأُمَرَاءِ فَتَكَلَّمُ عِنْدَهُمْ،وَإِنِّي سَمِعْتُ بِلاَلَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ،مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ،فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلى يَوْمِ يَلْقَاهُ،وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ،مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ،فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ عَلْقَمَةُ:انْظُرْ وَيْحَكَ مَاذَا تَقُولُ،وَمَاذَا تَكَلَّمُ بِهِ،فَرُبَّ كَلاَمٌ قَدْ مَنَعَنِي مَا سَمِعْتُهُ مِنْ بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ." (4)
وعَنْ بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ،يَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ
__________
(1) - الزهد لابن أبي عاصم - (59) وبريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية - (4 / 351) عن عمر بن عبد العزيز
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (11 / 225)(430) الصواب وقفه
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6478 )
(4) - صحيح ابن حبان - (1 / 514) (280) صحيح(1/88)
بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ،يَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عَلَيْهِ سَخَطَهُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (1)
هذه قيمة الكلام في الاسلام،حتى لقد صار المسلم يتورع في النطق كما يتورع في المأكل والمشرب،فيجتنب اللغو وما لا طائل وراءه كما يجتنب المحرمات والشبهات.
كيف لا يكون ذلك وهو يتمثل قوله تعالى:{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} ق.فلاَ يَصْدُرُ عَن الإِنسَانِ لَفْظ أوْ كَلمَةٌ إلاَّ وَلَديهِ مَلكٌ حَاضِرٌ مَعَهُ،مُرَاقِبٌ لأعْمالِه يُثبتُها في صَحِيفَتِهِ . (2)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ».متفق عليه (3) .
وعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتَ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ،جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ،وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ،فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ،وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ. (4)
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إِلاَّ بِمِئْزَرٍ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ،فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتَ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ مِنْ نِسَائِكُمْ فَلاَ تَدْخُلِ الْحَمَّامَ ". (5)
قال أحدهم:
وتجنّب الفحشاء لا تنطق بها ... ... ... ... ما دمت في جدّ الكلام وهزله
واحبس لسانك عن رديء مقالة ... ... ... ... وتوقّ من عثر اللسان وزله
وبين أيدينا باقة من آداب الكلام نبسطها كما يلي:
اختيار أجمل الكلام،وأحسن الألفاظ،أثناء مخاطبة الناس،كما يختار أطايب الطعام،والرد على ما يسمعه منهم بلباقة وتهذيب،قال تعالى:{وَهُدُوا إلى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إلى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } (24) سورة الحج.
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 445) (15852) 15946- صحيح
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4527)
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6018 ) وصحيح مسلم- المكنز - (182)
(4) - صحيح ابن حبان - (12 / 97) (5287) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (12 / 410) (5597) صحيح(1/89)
لقد هداهم الله في الدنيا إلى طيب القول: من كلمة التوحيد وحَمْد الله والثناء عليه،وفي الآخرة إلى حمده على حسن العاقبة،كما هداهم من قبل إلى طريق الإسلام المحمود الموصل إلى الجنة. (1)
وعَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « اتَّقُوا النَّارَ ».ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ،ثُمَّ قَالَ « اتَّقُوا النَّارَ ».ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثَلاَثًا،حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا،ثُمَّ قَالَ « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ،فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ » متفق عليه (2) .
التمهّل في الكلام وبيانه حتى يفهم المستمع المراد من الحديث ويعقل مقصوده ومغزاه.
فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو فُلاَنٍ جَاءَ فَجَلَسَ إلى جَانِبِ حُجْرَتِى يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يُسْمِعُنِى ذَلِكَ وَكُنْتُ أُسَبِّحُ فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِىَ سُبْحَتِى،وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ،إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ متفق عليه (3) .
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ،أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ،أَنَّ عَائِشَةَ،قَالَتْ:أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إلى جَانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسْمِعُنِي ذَلِكَ،وَكُنْتُ أُسَبِّحُ،فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي،وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ،إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ. (4)
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ،أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ،أَنَّ عَائِشَةَ،قَالَتْ:أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ ؟ جَاءَ فَجَلَسَ إلى بَابِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُسْمِعُنِي ذَلِكَ وَكُنْتُ أُسَبِّحُ،فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي،وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ،إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:يَقُولُونَ:إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ،أَوْ قَالَ:أَكْثَرَ وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ،وَيَقُولُونَ:مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يَتَحَدَّثُونَ بِمِثْلِ أَحَادِيثِهِ،وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ إِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلٌ أَرَضِيهِمْ،وَأَمَّا إِخْوَانِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ،فَكَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ،وَكُنْتُ أَخْدِمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مِلْءِ بَطْنِي،فَأَشْهَدُ مَا غَابُوا،وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا،وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا:أَيُّكُمْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ،فَيَأْخُذُ حَدِيثِي هَذَا ثُمَّ يَجْمَعُهُ إلى صَدْرِهِ،فَإِنَّهُ لَنْ يَنْسَى شَيْئًا يَسْمَعُهُ،فَبَسَطْتُ بُرْدَةً عَلَيَّ حَتَّى جَمَعْتُهَا إلى صَدْرِي،فَمَا نَسِيتُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْئًا حَدَّثَنِي بِهِ،وَلَوْلاَ آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللهِ مَا حُدِّثْتُ شَيْئًا أَبَدًا:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا
__________
(1) - التفسير الميسر - (6 / 45)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6540 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2396 )
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (3568 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6554)
أسبح : أصلى صلاة تطوع
(4) - صحيح ابن حبان - (1 / 302) (100) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَوْلُ عَائِشَةَ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ ، أَرَادَتْ بِهِ سَرْدَ الْحَدِيثِ لاَ الْحَدِيثَ نَفْسَهُ.(1/90)
بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} [البقرة:159،160] (1)
وعَنْ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ قَالَتْ كَانَ كَلاَمُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَلاَمًا فَصْلاً يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ.. رواه أبو داود (2) .
وعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ وَيَقُولُ اسْمَعِى يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ اسْمَعِى يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ. وَعَائِشَةُ تُصَلِّى فَلَمَّا قَضَتْ صَلاَتَهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ أَلاَ تَسْمَعُ إلى هَذَا وَمَقَالَتِهِ آنِفًا إِنَّمَا كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ. (3)
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ بَيْنَهُ فَصْلٌ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ. (4)
مخاطبة المستمع على قدر فهمه،وبما يناسب ثقافته ومستواه العلمي،وإلا ساء ظنّه،وحسب الكلام استهزاء به وتنقيصا له. قَالَ عَلِىٌّ :حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ،أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ " (5)
تجنّب الخوض في أحاديث لا يعلمها،أو غير متأكد من صحتها،أو لا يعلم عنها إلا الظنّ فإن الظنّ أكذب الحديث. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ،وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَحَسَّسُوا،وَلاَ تَحَاسَدُوا،وَلاَ تَنَافَسُوا،وَلاَ تَبَاغَضُوا،وَلاَ تَدَابَرُوا،وَكُونُوا عِبَادًا لِلَّهِ إِخْوَانًا. (6)
لزوم قلة الكلام إلا إذا كان جوابا،أو نصيحة،أو أمرا بالمعروف،أو نهيا عن المنكر،أو دعوة إلى الله.
قال تعالى:{لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (114) سورة النساء.
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (16 / 104) (7153)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : قَوْلُ عَائِشَةَ وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ أَرَادَتْ بِهِ سَرْدَ الْحَدِيثِ لاَ الْحَدِيثَ نَفْسَهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا تَعْقِيبُهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ.
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (4841 ) حسن
الفصل : البَيِّن الظاهر ، الذي يَفْصِل بين الحقّ والباطل
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (3567 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7701 )
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (4000 ) قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
السرد : المتابعة بين الأيام في الصوم - السرد : الاستعجال بمتابعة الحديث -الفصل : البَيِّن الظاهر ، الذي يَفْصِل بين الحقّ والباطل
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (127)
(6) - صحيح ابن حبان - (12 / 500) (5687)وصحيح البخارى- المكنز - (5143 )(1/91)
لا نفع في كثير من كلام الناس سرّاً فيما بينهم،إلا إذا كان حديثًا داعيًا إلى بذل المعروف من الصدقة،أو الكلمة الطيبة،أو التوفيق بين الناس،ومن يفعل تلك الأمور طلبًا لرضا الله تعالى راجيًا ثوابه،فسوف نؤتيه ثوابًا جزيلا واسعًا. (1)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِى ». الترمذي (2) .
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ،قَالَ:قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ:لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمُ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ،فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنَ اللهِ وَلَكِنْ لاَ تَعْلَمُونَ،لاَ تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ الْعِبَادِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ،وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيد،فَإِنَّمَا النَّاسُ رَجُلاَنِ:مُبْتَلًى وَمُعَافًى،فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلاَءِ،وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ. (3)
تجنب الثرثرة واللغو والكلام الذي لا طائل منه،قال تعالى:{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)} المؤمنون.
والذِينَ يَنْصِرِفُونَ إلى الجِدِّ،وَيُعْرِضُونَ عَمَّا لاَ فَائِدَةَ مِنْهُ مِنَ الأَفْعَالِ والأَقْوالِ ( اللَّغْوِ ).وَقَدْ وَصفَ اللهُ تعالى المُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ:{ والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } أَيْ إِنَّهُمْ لاَ يَتَوقَّفُونَ وَلاَ يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهِ . (4)
تعقل الكلام قبل النطق به،والتفكر في عواقبه،وتجنب إلقاء الكلام دون روية وإستيعاب،قال تعالى:{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} ق.
وَلاَ يَصْدُرُ عَن الإِنسَانِ لَفْظ أوْ كَلمَةٌ إلاَّ وَلَديهِ مَلكٌ حَاضِرٌ مَعَهُ،مُرَاقِبٌ لأعْمالِه يُثبتُها في صَحِيفَتِهِ (5)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ:إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ،أَعَادَهَا ثَلاثًا لِتُعْقَلَ عَنْهُ " (6)
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلاَثًا،وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا . (7)
وعن عمر بن عبد الله،مولى غفرة،حدثني إبراهيم بن محمد،من ولد علي،قال:كان علي بن أبي طالب إذا وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - ،قال:« كان أَجْوَدَ النَّاسِ كَفًّا،وَأَجْرَأَ النَّاسِ صَدْرًا،وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً،وَأَوْفَى
__________
(1) - التفسير الميسر - (2 / 112)
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (2593 ) وحسنه
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (11 / 548) (32540) صحيح مقطوع
(4) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2556)
(5) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4527)
(6) - المستدرك للحاكم (7716) صحيح
(7) - صحيح البخارى- المكنز - (94 )(1/92)
النَّاسِ بِذِمَّةٍ،وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً،وَأَكْرَمَهُمْ عِشْرَةً،مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ،وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ،يَقُولُ نَاعِتُهُ:لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ.، - صلى الله عليه وسلم - » (1)
الصمت لمن هو أعلى مقاما،وأرفع قدرا،وأغزر علما،وأكبر سنا،وأعظم فضلا،والإصغاء لكلامه،والإقبال عليه بالسمع والبصر. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَطَّانُ:" كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُتَحَدَّثُ فِي مَجْلِسِهِ،وَلَا يُبْرَى فِيهِ قَلَمٌ،وَلَا يَبْتَسِمُ أَحَدٌ،فَإِنْ تَحَدَّثَ أَوْ بَرَى قَلَمَا،صَاحَ وَلَبِسَ نَعْلَيْهِ وَدَخَلَ،وَكَذَا يَفْعَلُ ابْنُ نُمَيْرٍ،وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ فِي هَذَا،وَكَانَ وَكِيعٌ أَيْضًا فِي مَجْلِسِهِ كَأَنَّهُمْ فِي صَلَاةٍ،فَإِنْ أَنْكَرَ مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْئًا انْتَعَلَ وَدَخَلَ،وَكَانَ ابْنُ نُمَيْرٍ يَغْضَبُ وَيَصِيحُ،وَكَانَ إِذَا رَأَى مَنْ يَبْرِي قَلَمَا،تَغَيَّرَ وَجْهُهُ " (2)
تجنب الكلام حتى ينتهي المتكلم في المجلس،لأن مجلس العقلاء لا يتكلم فيه اثنان معا. فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا،فَقَالُوا:انْظُرُوا أَعْلَمَكُمْ بِالسِّحْرِ وَالْكَهَانَةِ،وَالشِّعْرِ،فَلْيَأْتِ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي قَدْ فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا،وَشَتَّتَ أَمْرَنَا،وَعَابَ دِينَنَا،فَلْيُكَلِّمْهُ وَلْيَنْظُرْ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ،قَالُوا:مَا نَعْلَمُ أَحَدًا غَيْرَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ،قَالُوا:أَنْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ،فَأَتَاهُ عُتْبَةُ،فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ،أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ اللَّهِ ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ،ثُمَّ قَالَ:أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:فَإِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ هَؤُلاءِ خَيْرٌ مِنْكَ فَقَدْ عَبَدُوا الآلِهَةَ الَّتِي عِبْتَ،وَإِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْهُمْ فَتَكَلَّمْ حَتَّى نَسْمَعَ قَوْلَكَ،إِنَّا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا سَخْلَةً قَطُّ أَشْأَمَ عَلَى قَوْمِكَ مِنْكَ فَرَّقْتَ جَمَاعَتَنَا،وَشَتَّتَ أَمْرَنَا،وَعِبْتَ دِينَنَا،فَفَضَحْتَنَا فِي الْعَرَبِ،حَتَّى لَقَدْ طَارَ فِيهِمْ أَنَّ فِي قُرَيْشٍ سَاحِرًا،وَأَنَّ فِي قُرَيْشٍ كَاهِنًا،وَاللَّهِ مَا نَنْتَظِرُ إِلا مِثْلَ صَيْحَةَ الْحُبْلَى بِأَنْ يَقُومَ بَعْضُنَا إلى بَعْضٍ بِالسُّيُوفِ حَتَّى نَتَفَانَى أَيُّهَا الرَّجُلُ،إِنْ كَانَ إِنَّمَا بِكَ الْحَاجَةُ جَمَعْنَا حَتَّى تَكُونَ أَغْنَى قُرَيْشٍ رَجُلا،وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا بِكَ الْبَاءَةُ فَاخْتَرْ أَيَّ نِسَاءِ قُرَيْشٍ شِئْتَ فَنُزَوِّجُكَ عَشْرًا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ:أَفَرَغْتَ ؟ قَالَ:نَعَمْ،قَالَ:فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : ? بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ?،حَتَّى بَلَغَ:? فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ?،فَقَالَ عُتْبَةُ:حَسْبُكَ حَسْبُكَ،مَا عِنْدَكَ غَيْرُ هَذَا ؟ قَالَ:لا،فَرَجَعَ إلى قُرَيْشٍ،فَقَالُوا:مَا وَرَاءَكَ ؟ قَالَ:مَا تَرَكْتُ شَيْئًا أَرَى أَنَّكُمْ تُكَلِّمُونَهُ بِهِ إِلا كَلَّمْتُهُ،قَالُوا:هَلْ أَجَابَكَ ؟ قَالَ:نَعَمْ،وَالَّذِي نَصَبَهَا بَنِيَّةً،مَا فَهِمْتُ شَيْئًا مِمَّا قَالَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:? أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (11 / 512) (32465) وأخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني - (84 ) حسن لغيره
لين العريكة : طيب الذكر والعرض، سَلِس مُنْقَاد قليل الخِلاف والنُّفُور
(2) - - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (324 )(1/93)
وَثَمُودَ ?،قَالُوا:وَيْلَكَ يُكَلِّمُكَ رَجُلٌ بِالْعَرَبِيَّةِ لا تَدْرِي مَا قَالَ ؟ قَالَ:لا،وَاللَّهِ مَا فَهِمْتُ شَيْئًا مِمَّا قَالَ غَيْرَ ذِكْرِ الصَّاعِقَةِ " (1)
تجنب مقاطعة أحد،أو تصحيح كلامه،أو تجريحه،أو تخطيه،أو السخرية من كلامه.
قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ} (83) سورة البقرة
واذكروا يا بني إسرائيل حين أخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا: بأن تعبدوا الله وحده لا شريك له،وأن تحسنوا للوالدين،وللأقربين،وللأولاد الذين مات آباؤهم وهم دون بلوغ الحلم،وللمساكين،وأن تقولوا للناس أطيب الكلام،مع أداء الصلاة وإيتاء الزكاة،ثم أَعْرَضْتم ونقضتم العهد -إلا قليلا منكم ثبت عليه- وأنتم مستمرون في إعراضكم. (2)
وقال تعالى:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (46) سورة العنكبوت.
ولا تجادلوا -أيها المؤمنون- اليهودَ والنصارى إلا بالأسلوب الحسن،والقول الجميل،والدعوة إلى الحق بأيسر طريق موصل لذلك،إلا الذين حادوا عن وجه الحق وعاندوا وكابروا وأعلنوا الحرب عليكم فجالدوهم بالسيف حتى يؤمنوا،أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون،وقولوا: آمنا بالقرآن الذي أُنزل إلينا،وآمنا بالتوراة والإنجيل اللذَيْن أُنزلا إليكم،وإلهنا وإلهكم واحد لا شريك له في ألوهيته،ولا في ربوبيته،ولا في أسمائه وصفاته،ونحن له خاضعون متذللون بالطاعة فيما أمرنا به،ونهانا عنه. (3)
خفض الصوت وعدم رفعه أكثر من الحاجة،وتجنب الصخب والضجيج،والصراخ والانفعال.
قال تعالى:{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} لقمان.
وَامشِ مُقْتَصِداًَ فِي مَشْيِكَ،عَدْلاً وَسَطاً بَيْنَ البَطِيءِ المُتَثَبِّطِ،والسَّريعِ المُفْرِطِ،وَلا تُبَالِغْ فِي الكَلاَمِ،وَلا تَرْفَعَ صَوْتَكَ فِيمَا لا فَائِدَةَ مِنْهُ،وَحِينَما لاَ تَكُونَ هُنَاكَ حَاجَةٌ إلى رَفْعِ الصَّوتِ،فَذَلِكَ يَكُونُ أَوْقَرَ لِلمُتَكَلِّمِ،وأَبْسَطَ لِنَفْسِ السَّامِعِ.ثُمَّ قَالَ لُقْمَانُ لاْبِنِهِ مُنَفِّراً إِيَّاهُ مِنْ رَفْعِ صَوْتِهِ حِينَما لاَ يَكُونُ هُنَاكَ
__________
(1) - مسند أبي يعلى الموصلي (1818) والسيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث - (1 / 248) وحياة الصحابة للكاندهلوى - (1 / 13) حسن
(2) - التفسير الميسر - (1 / 97)
(3) - التفسير الميسر - (7 / 167)(1/94)
حَاجَةً لِذلِك:إِنَّ الحِمَارَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ عِندَ النَّهِيقِ،ولكِنَّ الصَّوْتَ الذِي يَصْدُرُ عَنْهُ قَبيحٌ مُنْكَرٌ،فَلاَ يَلِيقُ بالإِنسَانِ العَاقِلِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلَ الحِمَارِ " (1)
التزام الهدوء والابتسام أثناء الكلام،وعدم التجهم والعبوس في وجوه الناس.
فعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ،قَالَتْ:كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ،لاَ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ إِلاَّ تَبَسَّمَ فِيهِ،فَقُلْتُ لَهُ:إِنِّي أَخْشَى أَنْ يُحَمِّقَكَ النَّاسُ فَقَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ إِلاَّ تَبَسَّمَ.". رواه أحمد (2) .
تجنّب الخبيث من الكلام،والهجين من الألفاظ،لأن المؤمن لا يكون فاحشا ولا بذيئا. فعَنْ مَسْرُوقٍ،قَالَ:قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو:إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا،وَلاَ مُتَفَحِّشًا،وَكَانَ يَقُولُ:خِيَارُكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا. (3)
وعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاوِيَةَ إلى الْكُوفَةِ فَذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا،وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا » (4) .
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْجَدَلِيِّ،قَالَ:قُلْتُ لِعَائِشَةَ:كَيْفَ كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَهْلِهِ ؟ قَالَتْ:كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا،لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا،وَلاَ مُتَفَحِّشًا،وَلاَ سَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ،وَلاَ يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ،وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ. (5)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ،وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ».متفق عليه (6)
وعَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ قَالَ « مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ » (7)
تجنب الحلف والإكثار من القسم أثناء الكلام،وعدم الحلف إلا لضرورة. فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ،أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ: إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ،فَإِنَّهُ يُنْفَقُ،ثُمَّ يُمْحَقُ. (8)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3369)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 274) (21735) 22078- حسن
فيه حبيب بن عمر الأنصاري مختلف فيه التعجيل (176)
(3) - صحيح ابن حبان - (14 / 354) (6442) وصحيح البخارى- المكنز - (3559)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (6029 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6177 )
(5) - صحيح ابن حبان - (14 / 355) (6443) صحيح
(6) - صحيح البخارى- المكنز - (10 ) وصحيح مسلم- المكنز - (170)
(7) - صحيح البخارى- المكنز - (11 )
(8) - مسند أبي عوانة (4448 ) صحيح(1/95)
وقال تعالى:{لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (89) سورة المائدة.
وإنما حذر عن كثرة الحلف ؛ لأن الغالب ممن كثرت أيمانه وقوعه في الكذب والفجور،وإن سلم من ذلك على بعده لم يسلم من الحنث،أو النَّدم ؛ لأن اليمين حنث أو مندمة.وإن سلم من ذلك لم يسلم من مدح السلعة المحلوف عليها،والإفراط في تزيينها ليروجها على المشتري،مع ما في ذلك من ذكر الله تعالى لا على جهة التعظيم،بل على جهة مدح السِّلعة،فاليمين على ذلك تعظيم للسِّلع،لا تعظيم لله تعالى.وهذه كلها أنواع من المفاسد لا يقدم عليها إلا من عقله ودينه فاسد (1)
تجنّب الحلف بمخلوق كالنبي والكعبة والملائكة والآباء والحياة والرأس والشرف.. إلخ.
فعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ،فَقَالَ:إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ،فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ،أَوْ لِيَسْكُتْ. متفق عليه (2) .
وعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ،سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ،رَجُلاً يَقُولُ:وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ:لاَ تَحْلِفْ بِغَيْرِ اللهِ،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ وَأَشْرَكَ. (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ،وَلاَ بِأُمَّهَاتِكُمْ،وَلاَ بِالأَنْدَادِ،وَلاَ تَحْلِفُوا إِلاَّ بِاللَّهِ،وَلاَ تَحْلِفُوا إِلاَّ وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ. (4)
إلزام اللسان كثرة الاستغفار كلما بدر منه سيئة أو صدرت عنه خطيئة. فعَن حُذَيْفَةَ،قَالَ:شَكَوْت إلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَرَبَ لِسَانِي فَقَالَ:أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الاسْتِغْفَارِ،إنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِئَة مَرَّةٍ. (5) الذرب:فساد اللسان وبذاؤه
"وفي الحديث دليل على أن سبب ذرب اللسان هو الذنوب فإذا غفرها الله سبحانه وتعالى بالاستغفار ذهب ذلك عن صاحبه وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو معصوم عن ذلك وإنما قال هذه المقالة واستغفر هذا الاستغفار ليبين لأمته ما يفعلون إذا بلى أحدهم بذلك " (6)
مراقبة اللسان وحفظه،وحبسه وكفه عن المهلكات والمحرمات التالية:
__________
(1) - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (14 / 137)
(2) - صحيح ابن حبان - (10 / 201) (4359) وصحيح البخارى- المكنز - (6108) وصحيح مسلم- المكنز - (4343)
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 511) (6072) وفتح الباري لابن حجر - (11 / 531) حسن
وفسر بعض العلماء قوله كفر أو أشرك على التغليظ كما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الرياء شرك
(4) - صحيح ابن حبان - (10 / 199) (4357) صحيح
(5) - مصنف ابن أبي شيبة - (10 / 297) (30054) صحيح
(6) - تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين للشوكاني - (1 / 309)(1/96)
الكذب في الجد والهزل،فهو من أعظم الذنوب وأشد الكبائر. فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،قَالَ:كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ،فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ،فَقُلْتُ:يَا نَبِيَّ اللهِ،أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ،وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ.قَالَ:لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ،وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ،تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا،وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ،وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ،وَتَصُومُ رَمَضَانَ،وَتَحُجُّ الْبَيْتَ،ثُمَّ قَالَ:أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ ؟:الصَّوْمُ جُنَّةٌ،وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ،وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ قَرَأَ:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}،حَتَّى بَلَغَ:{يَعْمَلُونَ}،ثُمَّ قَالَ:أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ فَقُلْتُ:بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.قَالَ:رَأْسُ الأَمْرِ الإِِسْلاَمُ وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ،وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ثُمَّ قَالَ:أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ فَقُلْتُ لَهُ:بَلَى يَا نَبِيَّ اللهِ.فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ،فَقَالَ:كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ:ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ،وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ،أَوْ قَالَ:عَلَى مَنَاخِرِهِمْ،إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟ (1) .
الغيبة وهي ذكر أحد بما يكره،وهي تدل على نقص فاعلها وخسة نفسه وقلة مروءته. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ». قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِى أَخِى مَا أَقُولُ قَالَ « إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ » (2) .
النميمة وهي نقل الأحاديث السيئة للإيقاع بين المتحابين وهي تدل على خبث النفس وضعتها وأنانيتها. فعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلاً يَنِمُّ الْحَدِيثَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ ». (3)
وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (12) سورة الحجرات
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اجتنبوا كثيرًا من ظن السوء بالمؤمنين; إن بعض ذلك الظن إثم،ولا تُفَتِّشوا عن عورات المسلمين،ولا يقل بعضكم في بعضٍ بظهر الغيب ما يكره. أيحب أحدكم أكل لحم أخيه وهو ميت؟ فأنتم تكرهون ذلك،فاكرهوا اغتيابه. وخافوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه. إن الله تواب على عباده المؤمنين،رحيم بهم. (4)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 350)(22016) 22366- صحيح لغيره
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6758)
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (303)
(4) - التفسير الميسر - (9 / 233)(1/97)
المراء والجدال العقيم،وقيل وقال،والخوض فيما لا طائل منه ولا ثمرة بعده. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ بَاطِلٌ،بُنِيَ لَهُ قَصْرٌ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ،وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ،بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا،وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَةُ،بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا " (1)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَنَا زَعِيمُ بِبَيْتٍ بِرَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ،وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا،وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ،وَإِنْ كَانَ مَازِحًا،وَبِبَيْتٍ فِي أَعَلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حُسُنَ خُلُقُهُ " (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا،وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاَثًا،يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا،وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا،وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ أَمَرَكُمْ،وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ،وَقَالَ:وَإِضَاعَةَ الْمَالِ،وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ. (3)
وعَنِ الشَّعْبِىِّ حَدَّثَنِى كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنِ اكْتُبْ إلى بِشَىْءٍ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - .فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا قِيلَ وَقَالَ،وَإِضَاعَةَ الْمَالِ،وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ » (4) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ». (5)
تزكية النفس،والاعتداد بها،والتحدث عن أعمالها ومناقبها وأمجادها ومآثرها،قال تعالى:{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (32) سورة النجم
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ،قَطَعْتَ عُنَقَ صَاحِبِكَ ».مِرَارًا ثُمَّ قَالَ - « مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلاَنًا،وَاللَّهُ حَسِيبُهُ،وَلاَ أُزَكِّى عَلَى اللَّهِ أَحَدًا،أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ » (6)
__________
(1) - سُنَنُ ابْنِ مَاجَهْ >> الْمُقَدِّمَةُ >> (50 ) حسن
(2) - شعب الإيمان - (10 / 376) (7653 ) حسن
(3) - صحيح ابن حبان - (8 / 182) (3388) وصحيح مسلم- المكنز - (4578 )
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (1477 )
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (4578 )
(6) - صحيح البخارى- المكنز - (2662 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7693 )
وانظر فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (13 / 171) -المدح المذموم والمشروع وآفات على الطريق كامل - (1 / 82) والآداب الشرعية - (4 / 148)(1/98)
اللعان والسباب والفحش والشتم والطعن والولوغ في أعراض الناس وسمعتهم همزا ولمزا. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِاللِّعَّانِ،وَلَا الطَّعَّانِ،وَلَا الْفَاحِشِ،وَلَا الْبَذِيءِ " (1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِاللَّعَّانِ،وَلا بِالطَّعَّانِ،وَلا الْفَاحِشِ،وَلا الْبَذِيءِ " (2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،وَإِيَّاكُمْ وَ الْفُحْشَ،فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ،وَلاَ التَّفَحُّشَ،وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ،فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الشُّحُّ،أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ،فَقَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ،وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ،فَفَجَرُوا،وَأَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ،فَبَخِلُوا،فَقَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللهِ،وَأَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ:أَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ،وَيَدِكَ،قَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ،قَالَ:أَنْ تَهْجُرَ مَا كَرِهَ رَبُّكَ،قَالَ:وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ،هِجْرَةُ الْحَاضِرِ،وَهِجْرَةُ الْبَادِي،أَمَّا الْبَادِي،فَيُجِيبُ إِذَا دُعِيَ،وَيُطِيعُ إِذَا أُمِرَ،وَأَمَّا الْحَاضِرُ،فَهُوَ أَعْظَمُهُمَا بَلِيَّةً،وَأَعْظَمُهُمَا أَجْرًا. (3)
ذم أي شيء،واحتقار أي مخلوق،والدعاء على أي أحد. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ». (4)
كثرة المزاح،وإضحاك الآخرين،حتى تصير عادة تسقط المهابة،وتذهب بالحياء.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كُنْ وَرِعًا:تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ،وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ،وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ،تَكُنْ مُؤْمِنًا،وَأَحْسِنْ إلى مُجَاوِرَةِ مَنْ جَاوَرَكَ،تَكُنْ مُسْلِمًا،وَأَقِلَّ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ " (5)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي خَمْسَ خِصَالٍ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ،أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ؟ قَالَ:قُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ.قَالَ:فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا ثُمَّ قَالَ:اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ،وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ،وَأَحْسِنْ إلى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا،وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا،وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ،فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ. (6)
__________
(1) - شعب الإيمان - (7 / 142) (4787 ) صحيح
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي(5369) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (11 / 579) (5176) صحيح
(4) -صحيح مسلم- المكنز - ( 6706 )
(5) - شعب الإيمان - (7 / 500) (5366و10615 ) صحيح لغيره
(6) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 213) (8095) 8081- صحيح لغيره(1/99)
والضحك أحياناً لا بأس به،فعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ مِنَّا رَأْسَهُ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرُ،فَإِنَّهُمَا كَانَا يَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ إِلَيْهِمَا" (1)
وعَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " " كَانَ يَخْرُجُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَهُمْ جُلُوسٌ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَلَا يَرْفَعُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَصَرَهُ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَإِنَّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا وَيَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ إِلَيْهِمَا " (2)
والمزاح إذا كان قليلا وبحق فلا بأس به،فعنْ عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ،قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلا يَقُولُ لابْنِ عُمَرَ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , يَقُولُ:إِنِّي لأَمْزَحُ،وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا؟ قَالَ: نَعَمْ. (3)
وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ:مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَطُّ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتَهُ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ قَالَتْ وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِى وَجْهِهِ فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ،وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِى وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ قَالَ :« يَا عَائِشَةُ وَمَا يُؤَمِّنُنِى أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ ». وَتَلاَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (24) سورة الأحقاف. (4)
السخرية من الناس،والاستهزاء بضعفائهم،وتنقيص أقدارهم،والحط من مكانتهم. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (11) سورة الحجرات.
وعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ،أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ،كَانَ يَحْتَزُّ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سِوَاكًا مِنْ أَرَاكٍ،وَكَانَ فِي سَاقَيْهِ دِقَّةٌ،فَضَحِكَ الْقَوْمُ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : مَا يُضْحِكُكُمْ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ،وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ. (5)
المبالغة في المدح،والتكريم والتعظيم،حتى يصير تملقا ونفاقا.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ قَالَ « أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ ». رواه الترمذي (6) .
__________
(1) - المستدرك للحاكم (418) ومسند البزار كاملا - (2 / 318) (6894) حسن
(2) - سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ ـ الْجَامِعُ الصَّحِيحُ (3759 ) حسن
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (11 / 22) (13262 ) حسن
(4) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (3 / 360) (6693) وصحيح البخارى- المكنز - (4828) وصحيح مسلم- المكنز - (2123 )
(5) - صحيح ابن حبان - (15 / 546) (7069) صحيح
(6) - سنن الترمذى- المكنز - (2586 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. يعني لغيره(1/100)
وعَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أَبِي خَالِدٍ،قَالَ: أَوْصَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَبَا عُبَيْدَةَ ابْنَهُ بِثَلاثِ كَلِمَاتٍ"أَيْ بنيْ،أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ،وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ". (1)
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ:لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي:يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ،صِلْ مَنْ قَطَعَكَ،وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ،وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ.
قَالَ:ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي:يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ،أَمْلِكْ لِسَانَكَ،وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ،وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ.
قَالَ:ثُمَّ لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي:يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ،أَلاَ أُعَلِّمُكَ سُوَرًا مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلاَ فِي الزَّبُورِ وَلاَ فِي الإِِنْجِيلِ وَلاَ فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهُنَّ،لاَ يَأْتِيَنَّ عَلَيْكَ لَيْلَةٌ إِلاَّ قَرَأْتَهُنَّ فِيهَا:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}،وَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}،وَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}،قَالَ عُقْبَةُ:فَمَا أَتَتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ إِلاَّ قَرَأْتُهُنَّ فِيهَا،وَحُقَّ لِي أَنْ لاَ أَدَعَهُنَّ وَقَدْ أَمَرَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .
وَكَانَ فَرْوَةُ بْنُ مُجَاهِدٍ،إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ:أَلاَ فَرُبَّ مَنْ لاَ يَمْلِكُ لِسَانَهُ،أَوْ لاَ يَبْكِي عَلَى خَطِيئَتِهِ وَلاَ يَسَعُهُ بَيْتُهُ. (2)
وعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : طُوبَى لِمَنْ مَلَكَ لِسَانَهُ،وَوَسِعَهُ بَيْتُهُ،وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ " (3)
وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ،قَالَ:قُلْ:رَبِّيَ اللَّهُ،ثُمَّ اسْتَقِمْ،قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ ؟ قَالَ:فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ:هَذَا " (4) .
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ:الْمَعْنَى فِي أَخْذِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِسَانَهُ بِيَدِهِ وَقَالَ:هَذَا،وَقَدْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقُولَ:اللِّسَانُ،مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذَ لِسَانَهُ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عَالِمًا بِالْعِلْمِ الَّذِي كَانَ يُعِلِّمُ النَّاسَ،فَأَرَادَ أَنْ يَسْبِقَ نَفْسَهُ إلى الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ الَّذِي اسْتُعْلِمَ،فَعَلِمَ بِأَنَّهُ أَخْبَرَ السَّائِلَ بِأَنَّ أَخْوَفَ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يُورِدَ صَاحِبَهُ الْمَوَارِدَ،وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَ عَلَيْهِ،وَلاَ يُطْلِقَهُ،فَعَمِلَ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا كَانَ يَعْلَمُهُ أَوَّلاً،حَتَّى يُفَصِّلَ مَوَاضِعَ الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ. (5)
وتجوز المبالغة بالذم لمن يعادي الإسلام،فعَنْ أَنَسٍ،قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ (6) ،قَالَ:فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ،وَرَكِبَ حِمَارًا،وَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ،وَهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ،فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِلَيْكَ عَنِّي،فَوَاللهِ،لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ.قَالَ:فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ:وَاللهِ،لَحِمَارُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ،قَالَ:فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ،قَالَ:فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (7 / 499) (8458 و 8666 ) حسن لغيره
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 923) (17452) 17589- 17591 - حسن لغيره
(3) - المعجم الصغير للطبراني - (1 / 140) (212) حسن
(4) - صحيح ابن حبان - (13 / 6) (5699) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (13 / 6)
(6) - انظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (6 / 4176) -رقم الفتوى 45474 رأس المنافقين(1/101)
أَصْحَابُهُ،قَالَ:فَكَانَ بَيْنَهُمْ ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَبِالأَيْدِي وَبِالنِّعَالِ،قَالَ:فَبَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمْ :{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (9) سورة الحجرات. (1)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2691) وصحيح مسلم- المكنز - (4762 )
وفي الحديث بيان ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه من الصفح والحلم والصبر على الأذى في الله والدعاء إلى الله وتأليف القلوب على ذلك، وفيه أن ركوب الحمار لا نقص فيه على الكبار. وفيه ما كان الصحابة عليه من تعظيم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأدب منه والمحبة الشديدة، وأن الذي يشير على الكبير بشيء يورده بصورة العرض عليه لا الجزم. وفيه جواز المبالغة في المدح لأن الصحابي أطلق أن ريح الحمار أطيب من ريح عبد الله بن أبي وأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك.فتح الباري لابن حجر - (5 / 299)(1/102)
-13-آداب بيتية
يقضي الإنسان فترة راحته وخلوته مع أهله وأسرته في بيته،ولا بدّ خلال هذه الفترة في تعامله مع نفسه أو أهله أو مرافق بيته من مبادئ صحيحة وقواعد سليمة ينال بها رضاء الله تعالى،ويحقق بها سعادته وتقواه.
وأهم ما يتزود به المسلم من بيته هو عبادة الله تعالى عندما يكون خاليا،ومراقبته له سبحانه وقيامه في الليل إلى صلاته ودعائه وعرض حوائجه ومناجاته.
ويأتي في الدرجة الثانية تزوده بالمعارف والعلوم من خلال مطالعاته وقراءاته في الكتب النافعة المفيدة في أوقات فراغه وصفائه.
ثم يأتي وقت التفكير والاستعداد للقاء الناس،وكيفية صحبتهم،وخاصة في معاملاته مع أهله وإخوته وأرحامه.
ثم يتبع ذلك وقت راحته ونومه،واستعادة نشاطه الجسمي من خلال طعامه وشرابه،ونظافته واستحمامه وغير ذلك.
وهذه طائفة من الآداب البيتية نعرضها في الآتي:
تسمية الله تعالى عند الدخول إلى البيت.
فعَنْ جَابِرٍ،أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ،قَالَ الشَّيْطَانُ:لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ،وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ،قَالَ الشَّيْطَانُ:أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ،وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ،قَالَ:أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ. (1)
يُسْتَحَبُّ إِذَا دَخَل بَيْتَهُ أَنْ يُسَلِّمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ وَلْيَقُل:السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.وَكَذَا إِذَا دَخَل مَسْجِدًا،أَوْ بَيْتًا لِغَيْرِهِ فِيهِ أَحَدٌ،يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ وَأَنْ يَقُول:السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ،السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْل الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ،فعن نافع،أن عبد الله بن عمر قال:إذا دخل البيت غير المسكون فليقل:السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " (2)
قال تعالى:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} (61) سورة النور.
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (3 / 101) (819) وصحيح مسلم- المكنز - (5381 )
(2) - الأدب المفرد للبخاري - (4 / 82) (1095 ) صحيح(1/103)
وأن يدعو بالدعاؤ التالي،فعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ،فَلْيَقُلِ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلِجِ،وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ،بِسْمِ اللهِ وَلَجْنَا،وَبِسْمِ اللهِ خَرَجْنَا،وَعَلَى اللهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا،ثُمَّ لْيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ. رواه أبو داود (1) .
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا بُنَىَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ ». رواه الترمذي (2) .
تجنب التسلل إلى البيت،أو الدخول فجأة على الأهل دون إشعار أو إعلام أو استئذان،لئلا يرى ما يكره أن يوقع أحدا في الحرج أو الرعب،وخاصة عند العودة من غيبة طويلة.
قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (189) سورة البقرة.
سَأَلَ بَعْضُ المُسْلِمينَ الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اخْتِلافِ الهِلاَلِ:يَكُونُ صَغِيراً فَيَكْبُرُ،ثُمَّ يَعُودُ فَيَصْغُرُ.فَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ.وَفِيهَا يُجِيبُهُمُ اللهُ تعالى:يَسْأَلُونَكَ عَنِ الحِكْمَةِ فِي اخْتِلافِ الأَهِلَّةِ وَفَائِدَتِهِ،فَأَجِبْهُمْ:بِأَنَّهَا مَعَالِمُ للنَّاسِ،يُوَقِّتُونَ بِهَا أُمُورَ دُنْيَاهُمْ،فَيَعْلَمُونَ أَوْقَاتَ زُرُوعِهِمْ،وَأَجَلَ عقُودِهِمْ،وَهِيَ مَعَالِمُ لِلْعِبَادَاتِ المُوَقَّتَةِ،فَيَعْرِفُونَ بِهَا أَوْقَاتَها كَالصِّيَامِ،وَالإِفْطَارِ وَالحَجِّ.. وَلَوْ كَانَ الهِلاَلُ مُلاَزِماً حَالاً وَاحِداً لَمَا تَيَسَّرَ التَّوْقِيتُ بِهِ .
وَكَانَ العَرَبُ إِذَا أَحْرَمُوا فِي الجَاهِلِيَّةِ أَتَوا البَيْتَ مِنْ ظَهْرِهِ،وَقِيلَ أَيْضاً إِنَ أَحَدَهُمْ إِذا أَرَادَ سَفَراً وَخَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لِسَفَرِهِ،ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ أَنْ يُقيمَ وَيَدَعَ السَّفَرَ،لَمْ يَدْخُلْ بَيْتِهِ مِنْ بَابِهِ،وَإِنَّمَا كَانَ يَتَسَوَّرُهُ مِنْ ظَهْرِهِ.فَأَمَرَهُمُ اللهُ تعالى بِدُخُولِ البُيُوتِ مِنْ أَبْوابَها.وَيَقُولُ تعالى لِلْمُؤْمِنينَ إِنَّ البِرَّ هُوَ التَّقْوَى،وَلَيسَ فِي إِتْيانِ البُيُوتِ مِنْ ظُهُورِها بِرٌّ،وَلاَ تَقْوَى.فَاتَّقُوا الله،وَافْعَلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ،وَاتْرُكُوا مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ،لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِذا وَقَفْتُمْ فِي الآخِرَةِ بَيْنَ يَدَيهِ لِلْحِسَابِ . (3)
وعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا فِى الْجَاهِلِيَّةِ أَتَوُا الْبَيْتَ مِنْ ظَهْرِهِ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ). (4)
مراقبة الله تعالى في الوحدة،واجتناب المحرمات في الخلوة. عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِى مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ « احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِى بَعْضٍ قَالَ « إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرَيَنَّهَا
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (5098) والصحيحة (225) وصحيح الجامع (839) صحيح لغيره
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (2915) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 196)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (4512 )(1/104)
أَحَدٌ فَلاَ يَرَيَنَّهَا ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ « اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ ». (1)
تجنب رفع الأصوات والصخب واللعب المزعج للأهل أو للجيران.
تجنب رفع صوت المذياع أو الرائي وخاصة في أوقات الراحة أو النوم.
تجنب سماع شيء أو رؤيته ما لا يليق بالمسلم إضاعة الوقت به.قال تعالى:{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36)} الإسراء.
الانتباه للستر والحياء،وتجنب كشف العورات وخاصة عند تبديل الثياب،وعند الطهارة والاغتسال،ومراعاة الحشمة والأدب أثناء الجلوس والمنام،والغض عن عورات الآخرين.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،قَالَ:كُنَّا نَنْقُلُ الْحِجَارَةَ إلى الْبَيْتِ حِينَ بَنَتْ قُرَيْشٌ الْبَيْتَ،وَكَانَ رِجَالٌ يَنْقُلُونَ الْحِجَارَةَ فَكَانُوا يَنْقُلُونَ رَجُلَيْنِ رَجُلَيْنِ،وَكَانَتِ النِّسَاءُ يَنْقُلْنَ الشِّيدَ،وَكُنْتُ أَنْقُلُ أَنَا وَابْنُ أَخِي،فَكُنَّا نَضَعُ ثِيَابَنَا تَحْتَ الْحِجَارَةِ،فَإِذَا غَشِينَا النَّاسُ اتَّزَرْنَا،قَالَ:فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - قُدَّامِي لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ،فَتَأَخَّرَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - ،فَانْبَطَحَ عَلَى وَجْهِهِ،فَجِئْتُ أَسْعَى،وَأَلْقَيْتُ الْحَجَرَيْنِ،وَهُوَ يَنْظُرُ إلى شَيْءٍ فَوْقَهُ،قُلْتُ:مَا شَأْنُكَ ؟ فَقَامَ فَأَخَذَ إِزَارَهُ،وَقَالَ:نُهِيتُ أَنْ أَمْشِيَ عُرْيَانًا،قُلْت:اكْتُمْهَا النَّاسَ مَخَافَةَ أَنْ يَقُولُوا:مَجْنُونٌ (2)
عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؛ قَالَ:كُنَّا نَنْقُلُ الْحِجَارَةَ إلى الْبَيْتِ حِينَ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَبْنِي الْبَيْتَ،وَكَانَ الرِّجَالُ مِنْ قُرَيْشٍ يَنْقُلُونَ الْحِجَارَةَ،وَكَانَتِ النِّسَاءُ تَنْقُلُ.قَالَ:وَكُنْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ:فَكُنَّا نَحْمِلُ الْحِجَارَةَ عَلَى أَرْقَابِنَا وَأُزُرِنَا تَحْتَ الْحِجَارَةِ،فَإِذَا غَشِيَنَا النَّاسَ ؛ اتَّزَرْنَا،فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - أَمَامِي لَيْسَ عَلَيْهِ إِزَارٌ ؛ إِذْ خَرَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَانْبَطَحَ.قَالَ:فَأَلْقَيْتُ حَجَرِي وَجِئْتُ أَسْعَى ؛ فَإِذَا هُوَ يَنْظُرُ إلى السَّمَاءِ،فَقُلْتُ:مَا شَأْنَكَ ؟ فَقَامَ فَأَخَذَ إِزَارَهُ،فَقَالَ:« نُهِيتُ أَنْ أَمْشِي عُرْيَانًا ».قَالَ:فَكُنْتُ أَكْتُمُهُ النَّاسَ مَخَافَةَ أَنْ يَقُولُوا:مَجْنُونٌ،حَتَّى أَظْهَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نُبُوَّتَهُ - صلى الله عليه وسلم - " (3) .
الرضا بما قسم الله تعالى من المسكن،وعدم التذمر من ضيقه أو سوء ظروفه،فكم من إنسان لا مأوى له يقيه حر الصيف وبرد الشتاء.
عن ابْنِ بُرَيْدَةَ،قَالَ:حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ إِذَا تَبَوَّأَ مَضْجَعَهُ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي وَآوَانِي وَسَقَانِي،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيَّ فَأَفْضَلَ،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْطَانِي فَأَجْزَلَ،الْحَمْدُ لِلَّهِ
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (4019 ) صحيح
(2) - كشف الأستار - (2 / 41) (1158) والصحيحة (2378) وك 4/179 وصحيح الجامع (6783) حسن
(3) - المجالسة وجواهر العلم - (5 / 60) (1862 ) حسن(1/105)
عَلَى كُلِّ حَالٍ،اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ،وَمَالِكَ كُلِّ شَيْءٍ،وَإِلَهَ كُلِّ شَيْءٍ،لَكَ كُلُّ شَيْءٍ،أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ. (1) .
وعَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ،قَالَتْ:أَتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ طَعَامًا،فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ،فَوَجَدَهُ حَارًّا،فَقَالَ:حَسِّ،وَقَالَ ابْنُ آدَمَ إِنَّ أَصَابَهُ بَرْدٌ قَالَ:حَسِّ،وَإِنَّ أَصَابَهُ حَرٌّ قَالَ:حَسِّ. ثُمَّ تَذَاكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الدُّنْيَا،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ،فَمَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا بُورِكَ لَهُ فِيهَا،وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِيمَا شَاءَتْ نَفْسُهُ فِي مَالِ اللهِ وَمَالِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - ،لَهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (2) .
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَهُ دُعَاءً،وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَعَاهَدَ بِهِ أَهْلَهُ كُلَّ يَوْمٍ،قَالَ:" مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ:لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ،لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ،وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ،وَمِنْكَ وَبِكَ وَإِلَيْكَ.اللَّهُمَّ مَا قَلْتُ مِنْ قَوْلٍ،أَوْ نَذَرْتُ مِنْ نَذْرٍ،أَوْ حَلَفْتُ مِنْ حَلِفٍ،فَمَشِيئَتُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ،مَا شِئْتَ كَانَ،وَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ،وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ،إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.اللَّهُمَّ وَمَا صَلَّيْتُ مِنْ صَلَاةٍ فَعَلَى مَنْ صَلَّيْتَ،وَمَا لَعَنْتُ مِنْ لَعْنَةٍ فَعَلَى مَنْ لَعَنْتَ،إِنَّكَ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،تَوَفَّنِي مُسْلِمًا،وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ،وَبِرَدِّ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ،وَلَذَّةَ النَّظَرِ إلى وَجْهِكَ،وَشَوْقًا إلى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ،وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ،أَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ،أَوْ أَعْتَدِيَ أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ،أَوْ أَكْتَسِبَ خَطِيئَةً مُحْبِطَةً،أَوْ ذَنْبًا لَا يُغْفَرُ.اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ،عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ،ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ،فَإِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا،وَأُشْهِدُكَ - وَكَفَى بِكَ شَهِيدًا - إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ،وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ،لَكَ الْمُلْكُ،وَلَكَ الْحَمْدُ،وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ،وَأَشْهَدُ أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ،وَلِقَاءَكَ حَقٌّ،وَالْجَنَّةَ حَقٌّ،وَالسَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا،وَأَنْتَ تَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ،وَأَشْهَدُ أَنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إلى نَفْسِي تَكِلْنِي إلى ضَيْعَةٍ،وَعَوْرَةٍ،وَذَنْبٍ،وَخَطِيئَةٍ،وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ ; فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ،إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ،وَتُبْ عَلَيَّ ; إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " . (3)
وعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ،أَنَّ فَضَالَةَ بن عُبَيْدٍ كَانَ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ،وَبَرَدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ،وَلَذَّةَ النَّظَرِ إلى وَجْهِكَ،وَالشَّوْقَ إلى لِقَائِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ،وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ،وَزَعَمَ أَنَّهَا دَعَوَاتٌ كَانَ يَدْعُو بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - " (4)
تفقد مرافق البيت وأثاثه،والحرص على سلامته،والقيام بإصلاح ما يحتاج إلى ذلك إن كان يحسن إصلاحه،وعدم إهماله حتى يكبر ويزيد.
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (12 / 349) ( 5538) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (7 / 150) (2892)صحيح
(3) - غاية المقصد فى زوائد المسند 2 - (2 / 338)(4630 ) حسن لغيره
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (13 / 256) (15219 ) حسن(1/106)
الانتباه إلى نظافة البيت وطهارته والمشاركة في خدماته. عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِى حَسَّانَ،قَالَ:سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ:إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ،نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ،كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ،جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ،فَنَظِّفُوا (أُرَاهُ قَالَ:) أَفْنِيَتَكُمْ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ،قَالَ:فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ،فَقَالَ:حَدَّثَنِيهِ عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنِ النَّبِىِّ، - صلى الله عليه وسلم - , مِثْلَهُ،إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ:نَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ " (1)
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَظِّفُوا أَفْنِيَتِكُمْ،فَإِنَّ الْيَهُودَ أَنْتَنُ النَّاسِ " (2)
وعَنِ الأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِى بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِى مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِى خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إلى الصَّلاَةِ.رواه البخاري (3) .
حفظ أسرار البيت الخاصة،وتجنب عدم إذاعتها أمام أحد.
الاستئذان والسلام عند الخروج من البيت،وإعلام الأهل عن الوجهة التي يريد.
ترديد دعاء الخروج من البيت عند الخروج منه.
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ « بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا ». رواه الترمذي (4) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:" إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ،لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ،قَالَ:يُقَالُ حِينَئِذٍ:هُدِيتَ،وَكُفِيتَ،وَوُقِيتَ،فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ،فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ:كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ ؟ "رواه أبو داود (5) .
وعَن كَعْبِ الأَحْبَارِ قَالَ:إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ:بِسْمِ اللهِ،تَوَكَّلْت عَلَى اللهِ،وَلا حول ولا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ،تلقت الشَّيَاطِينُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالُوا:هَذَا عَبْدٌ قَدْ هُدِيَ وَحُفِظَ وَكُفِيَ فَلا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ،فَيَتَصَدَّعُونَ عَنهُ." (6)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (3029 ) فيه ضعف
(2) - الزهد لوكيع - (287 ) صحيح مرسل
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (676 )
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (3755 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(5) - سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ (4496 ) صحيح
(6) - مصنف ابن أبي شيبة - (10 / 212) (29814) صحيح مقطوع(1/107)
-14- آداب الابن مع الوالدين
لم يقرن الله تعالى إلى عبادته وحده شيئا سوى الإحسان إلى الوالدين،ولم يعطف شكر أحد إلى شكره وهو مصدر كل نعمة وخير وفضل وعطاء سوى شكر الوالدين: قال تعالى:{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} (36) سورة النساء
واعبدوا الله وانقادوا له وحده،ولا تجعلوا له شريكًا في الربوبية والعبادة،وأحسنوا إلى الوالدين،وأدُّوا حقوقهما،وحقوق الأقربين،واليتامى والمحتاجين،والجار القريب منكم والبعيد،والرفيق في السفر وفي الحضر،والمسافر المحتاج،والمماليك من فتيانكم وفتياتكم. إن الله تعالى لا يحب المتكبرين من عباده،المفتخرين على الناس. (1)
وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (14) سورة لقمان.
وأَمَرْنا الإنسان ببرِّ والديه والإحسان إليهما،حَمَلَتْه أمه ضعفًا على ضعف،وحمله وفِطامه عن الرضاعة في مدة عامين،وقلنا له: اشكر لله،ثم اشكر لوالديك،إليَّ المرجع فأُجازي كُلا بما يستحق. (2)
وتوصية الولد بالوالدين تتكرر في القرآن الكريم،وفي وصايا رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ولم ترد توصية الوالدين بالولد إلا قليلا. ومعظمها في حالة الوأد - وهي حالة خاصة في ظروف خاصة - ذلك أن الفطرة تتكفل وحدها برعاية الوليد من والديه. فالفطرة مدفوعة إلى رعاية الجيل الناشئ لضمان امتداد الحياة،كما يريدها اللّه وإن الوالدين ليبذلان لوليدهما من أجسامهما وأعصابهما وأعمارهما ومن كل ما يملكان من عزيز وغال،في غير تأفف ولا شكوى بل في غير انتباه ولا شعور بما يبذلان! بل في نشاط وفرح وسرور كأنهما هما اللذان يأخذان! فالفطرة وحدها كفيلة بتوصية الوالدين دون وصاة! فأما الوليد فهو في حاجة إلى الوصية المكررة ليلتفت إلى الجيل المضحي المدبر المولّى الذاهب في أدبار الحياة،بعد ما سكب عصارة عمره وروحه وأعصابه للجيل المتجه إلى مستقبل الحياة! وما يملك الوليد وما يبلغ أن يعوّض الوالدين بعض ما بذلاه،ولو وقف عمره عليهما. وهذه الصورة الموحية:«حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ» ترسم ظلال هذا البذل النبيل. والأم بطبيعة الحال تحتمل النصيب الأوفر وتجود به في انعطاف أشد وأعمق وأحنى وأرفق .. (3)
__________
(1) - التفسير الميسر - (2 / 36)
(2) - التفسير الميسر - (7 / 258)
(3) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 2788)(1/108)
وليس بعد ذلك الشرف العظيم،والوسام الكريم،والحكم الالهي الحكيم تفصيل لمتكلم،ولا تعقيب لمعقب،ولا زيادة لمستزيد.
إنها وصية الله جلّ ذكره {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (8) سورة العنكبوت.
إن الوالدين لأقرب الأقرباء. وإن لهما لفضلا،وإن لهما لرحما وإن لهما لواجبا مفروضا:واجب الحب والكرامة والاحترام والكفالة. ولكن ليس لهما من طاعة في حق اللّه. وهذا هو الصراط:«وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً. وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما» ..
إن الصلة في اللّه هي الصلة الأولى،والرابطة في اللّه هي العروة الوثقى. فإن كان الوالدان مشركين فلهما الإحسان والرعاية،لا الطاعة ولا الاتباع. وإن هي إلا الحياة الدنيا ثم يعود الجميع إلى اللّه. «إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ..
ويفصل ما بين المؤمنين والمشركين. فإذا المؤمنون أهل ورفاق،ولو لم يعقد بينهم نسب ولا صهر:«وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ» ..
وهكذا يعود الموصولون باللّه جماعة واحدة،كما هم في الحقيقة وتذهب روابط الدم والقرابة والنسب والصهر،وتنتهي بانتهاء الحياة الدنيا،فهي روابط عارضة لا أصيلة،لانقطاعها عن العروة الوثقى التي لا انفصام لها. (1)
ووصية نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - ،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْكَبَائِرُ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ،وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ،وَقَتْلُ النَّفْسِ،وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ ».رواه البخاري (2) .
وعن أَبِى بَكْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ،وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ،وَشَهَادَةُ الزُّورِ،وَشَهَادَةُ الزُّورِ - ثَلاَثًا - أَوْ قَوْلُ الزُّورِ ».فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ (3) .
ومن واقع الحياة ننظر إلى الموقفين الصالحين المحبوبين المرزوقين فنجدهم بارين بوالديهم وننظر إلى الأشقياء المحرومين وإلى غلاظ القلوب والمرذولين فنجدهم عاقين لوالديهم.
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ حَمَلَ أُمَّهُ عَلَى عُنُقِهِ،فَجَعَلَ يَطُوفُ بِهَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقُولُ:
إِنِّي لَهَا بَعِيُهَا الْمُذَلَّلْ ... إِذَا ذُعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرْ
وَمَا حَمَلَتْنِي أَكْثَرْ
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 2722)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6675 )
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6919 )(1/109)
ثُمَّ قَالَ: أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ:" لَا،وَلَا بِزَفْرَةٍ" (1)
وعَنْ زُرْعَةَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،أَنَّ رَجُلًا،أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،فَقَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،إِنَّ لِي أُمًّا بَلَغَهَا مِنَ الْكِبَرِ أَنَّهَا لَا تَقْضِي حَاجَةً إِلَّا وَظَهْرِي مَطِيَّةٌ لَهَا فَأُوطِيهَا وَأَصْرِفُ عَنْهَا وَجْهِي،فَهَلْ أَدَّيْتُ حَقَّهَا ؟ قَالَ:لَا.قَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،أَلَيْسَ بَعْدَ مَا حَمَلْتُهَا عَلَى ظَهْرِي،وَحَبَسْتُ عَلَيْهَا نَفْسِي ؟ قَالَ:" لَا،لِأَنَّهَا كَانَتْ تَصْنَعُ ذَلِكَ بِكَ وَهِيَ تَتَمَنَّى بَقَاءَكَ،وَأَنْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ بِهَا وَأَنْتَ تَتَمَنَّى فِرَاقَهَا " (2)
وعن سَعِيدَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ:سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ،أَنَّهُ شَهِدَ ابْنَ عُمَرَ وَرَجُلٌ يَمَانِيٌّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ،حَمَلَ أُمَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ،يَقُولُ :
إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلُ إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرِ .
ثُمَّ قَالَ:يَا ابْنَ عُمَرَ أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا ؟ قَالَ:لَا،وَلَا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ " (3)
وهذه باقة من الآداب الإسلامية مع الوالدين.
العلم بأن الله تعالى أوصى ببرهما،وحسن صحبتهما،والإحسان إليهما،وقرن ذلك بعبادته،وتعظيما لشأنهما،وتكريما لقدرهما،وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى بصلتهما وطاعتهما وخدمتهما،وجعل عقوقهما من أكبر الكبائر.
قال تعالى:{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24)} الإٌسراء.
وأَمَر ربك -أيها الإنسان- وألزم وأوجب أن يفرد سبحانه وتعالى وحده بالعبادة،وأمر بالإحسان إلى الأب والأم،وبخاصة حالةُ الشيخوخة،فلا تضجر ولا تستثقل شيئًا تراه من أحدهما أو منهما،ولا تسمعهما قولا سيئًا،حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ،ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح،ولكن ارفق بهما،وقل لهما -دائما- قولا لينًا لطيفًا.
وكُنْ لأمك وأبيك ذليلا متواضعًا رحمة بهما،واطلب من ربك أن يرحمهما برحمته الواسعة أحياءً وأمواتًا،كما صبرا على تربيتك طفلا ضعيف الحول والقوة. (4)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِى قَالَ « أُمُّكَ ».قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمُّكَ ».قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمُّكَ ».قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ أَبُوكَ » البخاري (5) .
__________
(1) - شعب الإيمان - (10 / 313) (7550 ) صحيح
(2) - الْجَامِعُ فِي الْحَدِيثِ لِابْنِ وَهْبٍ (89 ) ضعيف
(3) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (11 ) صحيح
(4) - التفسير الميسر - (5 / 17)
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (5971 )(1/110)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ:أُمُّكَ،قَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:أُمُّكَ،قَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:أَبُوكَ،قَالَ:فَيَرَوْنَ أَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَيِ الْبِرِّ. (1)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ».ثَلاَثًا.قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ « الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ،وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ».وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ « أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ ».قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ . (2)
السلام عليهما عند الدخول عليهما والخروج من عندهما،وقرن السلام بتقبيل يديهما. عَن جَهْمٍ،أَنَّهُ قَالَ: جِئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ،إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ،فَقَالَ: " هَلْ مِنْ أَبَوَيْكَ مِنْ حَيٍّ ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ أُمِّي،قَالَ: " فَالْزَمْ رِجْلَهَا " قَالَ: فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا،فَقَالَ: " وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا،فَثَمَّ الْجَنَّةُ " (3)
تعظيم قدرهما،وإكرام شأنهما وإجلال مقامها،والوقوف لهما احتراما عند دخولهما.
التأدب عند مخاطبتهما،ولين القول لهما،وعدم رفع الصوت فوق صوتهما.
تلبية ندائهما،والمسارعة لقضاء حوائجهما،وطاعة أمرهما،وتنفيذ وصاياهما،وعدم الاعتراض على قولهما،إلا إذا أمرا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،قال تعالى:{ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)} لقمان.
ووصينا الإنسان بوالديه أن يبرهما،ويحسن إليهما بالقول والعمل،وإن جاهداك -أيها الإنسان- على أن تشرك معي في عبادتي،فلا تمتثل أمرهما. ويلحق بطلب الإشراك بالله،سائر المعاصي،فلا طاعة لمخلوق كائنًا من كان في معصية الله سبحانه،كما ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . إليَّ مصيركم يوم القيامة،فأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من صالح الأعمال وسيئها،وأجازيكم عليها. (4)
إدخال السرور على قلبيهما بالإكثار من برّهما،وتقديم الهدايا لهما،والتودد لهما بفعل كل ما يحبانه ويفرحان به. فعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِمَا مَعَ صَلاَتِكَ،وَأَنْ تَصُومَ عْنهُمَا مَعَ صِيَامِكَ،وَأَنْ تَصَدَّقَ عَنْهُمَا مَعَ صَدَقَتِك." (5)
المحافظة على أموالهما وأمتعتهما،وعدم أخذ شيء منهما إلا بإذنهما.
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (2 / 176) (433) صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (2654 )
(3) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (2 / 634)(1703 ) حسن
(4) - التفسير الميسر - (7 / 130)
(5) - مصنف ابن أبي شيبة - (3 / 387) (12210) معضل(1/111)
المحافظة على سمعتهما،والحذر من التسبب في شتمهما. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ « نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ » (1) .
تفقد مواضع راحتهما،وتجنب إزعاجهما أثناء نومهما،أو الدخول عليهما في غرفتهما إلا بإذنهما.
تجنب مقاطعتهما في كلامهما،أو مجادلتهما،أو معاندتهما،أو لومهما،أو السخرية منهما،أو الضحك والقهقهة بحضرتهما.
تجنب مد اليد إلى الطعام قبلهما،أو الاستئثار بالطيبات دونهما.
تجنب التقدم في المشي عليهما،أو الدخول أو الخروج أو الجلوس قبلهما.
عن هِشَامَ بْنِ عُرْوَةَ،عَنْ أَبِيهِ،أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَبْصَرَ رَجُلَيْنِ،فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا:مَا هَذَا مِنْكَ ؟ فَقَالَ:أَبِي،فَقَالَ:لَا تُسَمِّهِ بِاسْمِهِ،وَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ،وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ " (2) .
تجنب الاضطجاع أو مد الرجل أمامهما،أو الجلوس في مكان أعلى منهما.
استشارتهما في جميع الأمور،والاستفادة من رأيهما وتجربتهما وقبول نصائحهما.
الإكثارمن الدعاء لهما،والطلب من الله تعالى أن يجزيهما كل خير على فضلهما وإحسانهما وتربيتهما.
الإكثارمن زيارة قبريهما إن توفيا،والإكثارمن ذكرهما والترحم عليهما.
العمل بوصيتهما،وصلة أرحامهما،وخدمة أحبابهما من بعدهما.
عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِىِّ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِىَ مِنْ بِرِّ أَبَوَىَّ شَىْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا قَالَ « نَعَمِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِى لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا ».. رواه أبو داود (3) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَبَرُّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبِيهِ ». (4)
وعَنِ الزُّهْرِيِّ،حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ،أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ: " انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمَبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ،فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ،فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ،فَقَالُوا: إِنَّهُ وَاللهِ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ،فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ: اللهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ،فَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا،فَنَاءَ بِيَ طَلَبُ السَّحَرِ يَوْمًا،فَلَمْ أَرُحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا،فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَجِئْتُهُمَا
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (273 )
(2) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (45 ) صحيح
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (5144 ) حسن
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (6678 )(1/112)
بِهِ،فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ،فَتَحَرَّجْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا،وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا،فَقُمْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ،فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا،اللهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ،فَانْفَرَجَتِ انْفِرَاجًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا "،قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " وَقَالَ الْآخَرُ: اللهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ،وَكَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ،فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي،حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ،فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا،فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا،قَالَتْ: لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ،فَتَحَرَّجْتُ مِنَ [ص:316] الْوقُوعِ عَلَيْهَا،فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النِّسَاءِ إِلَيَّ،وَتَرَكْتُ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا،اللهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ،فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا "،قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ثُمَّ قَالَ الثَّالِثُ: اللهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أُجُورَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ،فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ وَارْتَعَجَتْ،فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ،فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ اللهِ،أَدِّ لِي أَجْرِي،فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الْإِبِلِ،وَالْبَقَرِ،وَالْغَنَمِ،وَالرَّقِيقِ،فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ،لَا تَسْتَهْزِئْ بِي،فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ،فَأَخَذَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ،فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا،اللهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ،فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا مِنَ الْغَارِ يَمْشُونَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ (1)
تجنّب الأمور المؤدية إلى العقوق ومنها:
الغضب منهما،والنظر شزر لهما،والإعراض بالوجه عنهما،والتأفف من قولهما أو فعلهما،والتضجر منهما،ورفع الصوت عليهما،وقرعهما بكلمات مؤذية أو جارحة،وجلب الإهانة لهما،والاستعلاء عليهما،واعتبار الولد نفسه مساويا لأبيه أو أفضل من والديه،والحياء من الانتساب إليهما لفقرهما بعد أن يصبح ذا مركز أو نعمة أو جاه،والبخل عليهما ونسيان فضلهما،وتفضيل غيرهما عليهما،ومصاحبة إنسان غير بار بوالديه.
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2215 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7127 ) وشعب الإيمان - (9 / 316) (6704 )(1/113)
-15- آداب الأخ مع إخوته
لقد ألزم الإسلام كلاً من الاخوة والأخوات الأدب في القول والمعاملة والمعاشرة،وأوجب عليهم الإحسان لبعضهم على بعض حتى تدوم المحبة والمودة بينهم وحتى يسود الأسرة جو من الوئام والألفة والصفاء،وتخيم السعادة على جوانب البيت بأسره وعلى جميع نواحيه .
فالإخوة ثمرات الوالدين،وهم أقرب الأرحام،وألصقهم بالنفس،وأحبهم إلى القلب،وهم الذين يقضي معهم الإنسان صدر حياته،أيام الطفولة والنماء،والبراءة والنقاء جنبا إلى جنب في البيت والمدرسة وعلى الطعام والشراب،وأثناء الليل والنهار.. لذلك أمر الله تعالى بالوفاء إليهم،وصلتهم،والإحسان إليهم،ونهى عن قطيعتهم والإساءة إليهم ونسيان عهد المودة والأولى.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى. قَالَ فَذَاكَ لَكِ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)} محمد،رواه مسلم (1) .
وهذه جملة من الآداب الإسلامية الخاصة بمعاملة الإخوة والأخوات.
احترام الإخوة الكبار وتوقيرهم،والعطف على الصغار مع الرحمة والعناية والحنان.
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا،وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا." (2) .
وعَنْ أَبِي رِمْثَةَ،قَالَ:انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:" بَرَّ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ " " (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " حَقُّ كَبِيرِ الْأُخْوَةِ عَلَى صَغِيرِهِمْ،كَحَقِّ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ " (4)
معاملة الإخوة عموما بالعطف والرقة واللين واللباقة والإحسان.
التزام حسن الخلق في معاشرة الإخوة،والتحلي بالتواضع وخفض الجناح والإيثار والخدمة والمحبة والتعاون وإنكار الذات.
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6682 )
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 644)(6733) صحيح
(3) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ(7354 ) حسن
(4) - أَخْبَارُ أَصْبَهَانَ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (398 ) فيه لين(1/114)
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لأَهْلِه،وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي " (1)
الابتداء بالسلام عليهم عند الدخول عليهم،ومصافحتهم،والبشاشة في وجوهم.
عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِىَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ». رواه مسلم (2) .
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا،وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ،فَإِذَا صَنَعْتَ مَرَقَةً،فَأَكْثِرْ مَاءَهَا،وَاغْرِفْ لِجِيرَانِكَ مِنْهَا." (3)
وعَنْ عَقِيلِ بْنِ طَلْحَةَ،قَالَ:حَدَّثَنِي أَبُو جُرَيٍّ الْهُجَيْمِيُّ،قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَعَلِّمْنَا شَيْئًا يَنْفَعُنَا اللَّهُ بِهِ،فقَالَ:لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا،وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي،وَلَوْ أَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ،وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الإِزَارِ،فَإِنَّهُ مِنَ الْمَخِيلَةِ،وَلاَ يُحِبُّهَا اللَّهُ وَإِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ،فَلاَ تَشْتُمْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ،فَإِنَّ أَجْرَهُ لَكَ،وَوَبَالَهُ عَلَى مَنْ قَالَهُ". (4)
مراعاة شعور الإخوة بعدم الفرح أمام حزين،وعدم الأكل أمام صائم،وعدم الصخب أمام نائم.
محبة الخير لهم،والعمل على إيصاله إليهم.
عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ » البخاري (5) .
الشكر على معروفهم،بعد مكافأتهم عليه بأحسن منه.
الاهتمام بشؤونهم،والتعرف إلى أحوالهم،وتفقد حاجاتهم،والعمل على مساعدة من يستطيع مساعدته في حاجة أو دراسة أو مال. عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ،لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ،وَمَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ،وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » . (6)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (9 / 485) (4177) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6857 )
(3) - صحيح ابن حبان - (2 / 282) (523) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (2 / 281) (522) حسن
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : الأَمْرُ بِتَرْكِ اسْتِحْقَارِ الْمَعْرُوفِ أَمْرٌ قُصِدَ بِهِ الإِرْشَادُ وَالزَّجْرُ عَنْ إِسْبَالِ الإِزَارِ زَجْرُ حَتْمٍ لِعِلَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَهِيَ الْخُيَلاَءُ ، فَمَتَى عُدِمَتِ الْخُيَلاَءُ ، لَمْ يَكُنْ بِإسْبَالِ الإِزَارِ بَأْسٌ وَالزَّجْرُ عَنِ الشَّتِيمَةِ إِذَا شُوتِمَ الْمَرْءُ ، زَجْرٌ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَقَبْلَهُ ، وَبَعْدَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَمْ.
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (13 )
(6) - صحيح البخارى- المكنز - (2442 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6743)(1/115)
بذل النصيحة لهم،ودعوتهم إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة،وتذكيرهم بأداء فرائض الله بالترغيب والترهيب.قال تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (132) سورة طه.
الانتصار لهم إن كانوا على حق،والغيرة عليهم،والمحافظة على سمعتهم.عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ».فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا،أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ « تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ،فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ».رواه البخاري (1) .
الاعتذار منهم عن الهفوات والزلات،والتغاضي عما يصدر منهم من هنات وسيئات،وقبول اعتذارهم وعدم معاتبتهم عليها على الدوام.
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ النَّارُ ؟ قَالُوا:بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ،قَالَ:عَلَى كُلِّ هَيِّنٍ،لَيِّنٍ،قَرِيبٍ،سَهْلٍ." (2) .
الإصلاح بين المتخاصمين منهم،وتجنب التقاطع والتدابر والتباغض والتحاسد وسوء الظن.
تجنب إيذاء أحد منهم باليد أو بالسب أو بالكلام أو بالمزاح غير المهذب.
تجنب الخصومات والمجادلات والخلافات.
تجنب التدخل في شؤونهم الخاصة،أو استخدام حوائجهم الشخصية دون إذن.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ،وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَحَسَّسُوا،وَلاَ تَحَاسَدُوا،وَلاَ تَنَافَسُوا،وَلاَ تَبَاغَضُوا،وَلاَ تَدَابَرُوا،وَكُونُوا عِبَادًا لِلَّهِ إِخْوَانًا. (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لاَ تَنَاجَشُوا،وَلاَ تَبَاغَضُوا،وَلاَ تَدَابَرُوا،وَلاَ تَحَاسَدُوا،وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ،وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا،الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ،لاَ يَظْلِمُهُ،وَلاَ يَحْقِرُهُ،وَلاَ يَخْذُلُهُ،كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ - قَالَ إِسْمَاعِيلُ فِي حَدِيثِهِ:وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ - التَّقْوَى هَا هُنَا،التَّقْوَى هَا هُنَا،التَّقْوَى هَا هُنَا،يُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثًا،بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ." رواه مسلم (4) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6952 )
(2) - صحيح ابن حبان - (2 / 216) (470) صحيح
قال الماوردي: بين بهذا الحديث أن حسن الخلق يدخل صاحبه الجنة ويحرمه على النار فإن حسن الخلق عبارة عن كون الإنسان سهل العريكة لين الجانب طلق الوجه قليل النفور طيب الكلمة كما سبق لكن لهذه الأوصاف حدود مقدرة في مواضع مستحقة فإن تجاوز بها الخير صارت ملقاً وإن عدل بها عن مواضعها صارت نفاقاً والملق ذل والنفاق لؤم.فيض القدير، شرح الجامع الصغير(6 / 278)
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5143 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6701 ) وصحيح ابن حبان - (12 / 500) (5687)
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (6706 )(1/116)
مراعاة الحشمة والأدب في الكلام واللباس،وخاصة عند اختلاف الجنس،وغضَ البصر عن النقائص والعورات.
والأخوة في الدين هي أعلى مراتب الأخوة وأعظمها،وهي رباط اجتماعي لا يماثله رباط آخر ولا يقاربه،ولذلك وجدنا الأب يحارب ولده في الإسلام والزوج يقاتل زوجته والأخ يعادي أخاه من أجل مرضاة الله،والمراد بالأخوة هنا أخوة الدين والعقيدة،فإذا أضيف إليها أخوة النسب فهي مقدمة على غيرها،وهي أولى بالبر عن سواها فالأقربون أولى بالمعروف،ولذا جاء نداء القرآن بالدعوة إلى الإحسان إليهم:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (215) سورة البقرة
وجاء قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا } (8) سورة النساء،وجاء قوله تعالى :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) [البقرة:180،181] "،
وعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ،وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ:صَدَقَةٌ،وَصِلَةٌ. " (1)
وفي الحديث ما يؤكد أن قرابة المسلم هم أحق الناس بصلته وبره وإحسانه
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا يُعَذِّبُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ رَحِمَ الْيَتِيمَ،وَلَانَ لَهُ فِي الْكَلَامِ،وَرَحِمَ يُتْمَهُ وَضَعْفَهُ،وَلَمْ يَتَطَاوَلْ عَلَى جَارِهِ بِفَضْلِ مَا آتَاهُ اللَّهُ " وَقَالَ:" يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ،وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ رَجُلٍ،وَلَهُ قَرَابَةٌ مُحْتَاجُونَ إِلَى صِلَتِهِ وَيَصْرِفُهَا إِلَى غَيْرِهِمْ،وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (2)
ومن مستلزمات الأخوة أن تحب في أخيك إيمانه وعبادته وطاعته لربه واستسلامه لخالقه،كما أنه من مستلزمات الأخوة أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك وتكره له ما تكرهه لنفسك وأن تؤدي ما عليك من حقوق له حسبما جاء بها الإسلام،وأن تفرج كربته وأن تستر عورته وأن تفرح لفرحه وتحزن لحزنه وأن تمده بمالك إن احتاج إليه،ومن هنا يتضح الفرق بين رباط الدم والنسب وبين رباط الإسلام والعقيدة فإن رباط الإسلام أقوى وهو حاكم على رباط النسب والدم ومهيمن عليه وهو الرباط الباقي فلا يفنى والأبدي فلا يزول بعد الموت وهو المعبر عن كيان الإنسان ومكانته عند الله في الدنيا والآخرة،وهو وحده أساس السعادة والسيادة والكرامة والعزة،وهو إشراقة النور في قلب المؤمن وبدونه يكون الظلام ومضلات الهوى،وبالإيمان يتغير الفكر والسلوك وأنواع المعاملات والتصرفات
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 568)(16233) 16339- صحيح
(2) - المعجم الأوسط للطبراني - (9074 ) فيه ضعف(1/117)
ولذا جاء قوله سبحانه وتعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (10) سورة الحجرات
وقد منَّ سبحانه على المؤمنين بهذه الأخوة فقال: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (103) سورة آل عمران
ولقد كان الميراث أول الإسلام بالأخوة في الدين لا بالنسب ولم يكن أحد من المسلمين في يده درهم و دينار وهو يرى أنه أحق بديناره أو درهمه من أخيه المسلم،بل كان يرى أن إخوانه أحق بما في يده منه حتى استحقوا قول ربهم:{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (9) سورة الحشر .
- - - - - - - - - - -(1/118)
-16- الأدب مع الأولاد
لقد اعتنى الإسلام بكل جوانب حياة الإنسان،وشرع له من الأحكام ما يجعله سعيدا في الدنيا والآخرة،قال تعالى ممتنًّا على عباده:{وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (72) سورة النحل .
وقد جعل الإسلام للأولاد حقوقاً على والديهم،لابد لهم من مراعاتها والالتزام بها .
وهذه الحقوق منوعة مادية ومعنوية،من قبل أن يتزوج أبوه أمَّه حتى يصبح رجلاً .
الحقُّ الأول -اختيار الزوجة الصالحة
على المسلم أن يختار لأبنائه الأم المسلمة التي تعرف حق ربها،وحق زوجها،وحق ولدها،والأم التي تعرف رسالتها في الحياة،الأم التي تعرف موقعها في هذه المحن،الأم التي تغار على دينها،وعلى سنة نبيها - صلى الله عليه وسلم - .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا،فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ » (1)
ورغب الإسلام في المرأة الولود الودود عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ،وَلَكِنَّهَا لاَ تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟ فَنَهَاهُ،ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ،فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ:فَنَهَاهُ،ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ،فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ:فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - :تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ." (2) .
الحقُّ الثاني -إتباع السنَّة في المعاشرة الزوجية وطلب الولد الصالح
وذلك بذكر الأدعية التي تحصن المولود وهو نطفة من الشيطان الرجيم عملاً بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ حِينَ يَأْتِى أَهْلَهُ بِاسْمِ اللَّهِ،اللَّهُمَّ جَنِّبْنِى الشَّيْطَانَ،وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا،ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فِى ذَلِكَ،أَوْ قُضِىَ وَلَدٌ،لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا » (3)
وهذا جانب من جوانب التربية الروحية المبكرة للطفل قبل ولادته.
وعلى المسلم أن يدعو الله أن يرزقه الولد الصالح الذي ينفعه في حياته وبعد مماته والله عز وجل يقول {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان-: 74].
الحق الثالث -إتباعُ السنَّة في استقبال المولود
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5090 ) وصحيح مسلم- المكنز -(3708 )
(2) - صحيح ابن حبان - (9 / 363)(4056) والمستدرك للحاكم (2685) وسنن أبي داود - المكنز - (2052) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5165 )(1/119)
من رفع الأذان في أذن المولود اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى وتحنيكه بالتمر والدعاء له وحلق رأسه والعقيقة عنه وتسميته بأحب الأسماء وختانه..
وذلك للأدلة التالية:
يُستحب حين الولادة أن يقوم الوالد بالأذان المولود اليُمنى ويُقيم في اليسرى وذلك ليكون أول شيء يصل المولود من أمور الحياة بعد الهواء هو التوحيدُ المنافي للشرك،فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - :" أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلَاةِ " (1)
والتحنيك سنة مؤكدةٌ من سُنن الهدي التي سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته والدعاء له،جاء في الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: وُلِدَ لِي غُلَامٌ،فَأَتَيْتُ بِهِ - صلى الله عليه وسلم - : " فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ " (2) .
وعَنْ أُمِّ بَنِي كُرْزٍ الْكَعْبِيِّينَ،قَالَتْ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي الْعَقِيقَةِ:عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ،وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ فَقُلْتُ لَهُ،يَعْنِي عَطَاءً:مَا الْمُكَافِئَتَانِ ؟ قَالَ:مِثْلاَنِ ذُكْرَانُهُمَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ إِنَاثِهِمَا. (3)
يتأثر الطفل نفسياً بنوع الكُنية أو الاسم الذي يُعطى له،ويشير الإمام ابن القيم رحمه الله إلى أن هناك علاقة وارتباطاً بين الاسم والمسمى،وأن للأسماء تأثيراً على المسميات،فقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتحسين الأسماء،فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ،وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَلْيُحْسِنِ اسْمَهُ وَأَدَبَهُ،فَإِذَا بَلَغَ فَلْيُزَوِّجْهُ فَإِنْ بَلَغَ وَلَمْ يُزَوِّجْهُ فَأَصَابَ إِثْمًا،فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى أَبِيهِ " (4)
الحقُّ الرابع -الرضا بقسمة الله من الذكور والإناث وعدم تسخط البنات
لقول الله تعالى عن حال أهل الجاهلية:{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) [النحل:57 - 59] }
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :لاَ تَكْرَهُوا الْبَنَاتِ،فَإِنَّهُنَّ الْمُؤْنِسَاتُ الْغَالِيَاتُ." (5)
وأكد الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنايته بالمرأة منذ الولادة فقد روى مسلم عَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ هَكَذَا وَضَمَّ إصْبَعَيْهِ. (6)
الحقُّ الخامس -أن يختار له مرضعة صالحة إنْ فقد أمه
__________
(1) - شعب الإيمان - (11 / 104)(8252 ) وشرح السنة للبغوي -(2717) حسن لغيره
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5467) وصحيح مسلم- المكنز -(5739) وشعب الإيمان - (11 / 107)(8256 )
(3) - صحيح ابن حبان - (12 / 129)(5313) صحيح
(4) - شعب الإيمان - (11 / 137)(8299 ) حسن
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 905)(17373) 17508- حسن وقد ضعفه الألباني والشيخ شعيب لظنهما تفرد ابن لهيعة به،وفاتهما الطرق والمتابعات له .!!!!
(6) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 97)(25948) وصحيح مسلم- المكنز - (6864 )(1/120)
وأفضل الرضاعة ما كانت حولين كاملين لقول الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (233) سورة البقرة.
الحقُّ السادس -أن تحضن الأم ابنها
وخاصة مرحلة المهد والطفولة المبكرة ولا تتركه للخادمات والمربيات .
وذلك لأن الأم مع رضاعة وليدها بالحليب ترضعه العطف والحنان الذي لا يملكه غيرها،ومن هنا كانت حكمة الله سبحانه وتعالى في إرجاع موسى إلى أمه كي تقرَّ عينها ولا تحزن قال الله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (13) سورة القصص .ويرى العلماء أن الطفل يحسُّ بالأمن كلما ألصقته الأم إلى صدرها.
الحقُّ السابع -أن يعلِّمه والداه كتاب الله و ما يلزم من العلوم الضرورية
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" سَبعةٌ يُظلهمُ اللهُ تَحتَ ظِلهِ يَومَ لاَ ظِلَّ إِلا ظِلّهُ:إِمامٌ مُقسطٌ،وَرجلٌ لَقيتهُ امرأةٌ ذَاتُ جَمالٍ وَمنصبٍ فَعرضتْ نَفسهَا عَليهِ فَقالَ:إِنى أَخافُ اللهَ رَب الْعالمينَ،وَرجلٌ قَلبهُ مُتعلقٌ بِالمساجدِ،وَرجلٌ تَعلمَ الْقرآنَ فِي صِغرهِ فَهوَ يَتلوهُ فِي كِبرهِ،وَرجلٌ تَصدقَ بِيمينهِ فَأخفاهَا عَنْ شِمالهِ،وَرجلٌ ذَكرَ اللهَ فِي بَرِّيَّةٍ فَفاضتْ عَيناهُ خَشيةً مِنَ اللهِ،وَرجلٌ لَقيَ رَجلاً فَقالَ:إِِنى أُحبكَ فِي اللهِ،فَقالَ لَهُ الرجلُ:وَأنَا أُحبكَ فِي اللهِ" (1) .
الحقُّ الثامن -ألا يرزقه إلا طيباً من الكسب الحلال
فعَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ ». رواه الترمذي (2) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" َمَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ " (3)
فيعود الطفل على أكل الحلال وكسب الحلال وإنفاق الحلال حتى ينشأ على التوسط والاعتدال بعيدا عن الإسراف والتقتير.
الحقُّ التاسع -أن يعلِّمه الصلاة ويعوِّده عليها
__________
(1) - شعب الإيمان للبيهقي (807 ) صحيح غريب
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (2602 ) صحيح
(3) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (3059 ) حسن لغيره(1/121)
لقول الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (132) سورة طه .
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ،وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ،وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ،وَإِذَا أَنْكَحَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ،أَوْ أَجِيرَهُ،فَلاَ يَنْظُرَنَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ،فَإِنَّ مَا أَسْفَلَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ عَوْرَتِهِ." (1)
الحقُّ العاشر - أن يدربه على الصوم
وهذا من العمل المستحب إذ يرى جمهور العلماء أنه لا يجب على من دون سن البلوغ ولكن يستحب للتمرين.. أخرج البخاري ومسلم عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ،قَالَتْ:أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ،الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ:" مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا،فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ،وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا،فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ " " فَكُنَّا،بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ،وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ،وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ،فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ،فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ " (2)
الحقُّ الحادي عشر -تربية البنات على الحجاب
تعوَّد البنت على لبس الحجاب منذ الطفولة ليكون لها شرفاً وحفظاً ويرى العلماء أن تعود البنت على لبس الحجاب في سِن السابعة قياساً على حديث الأمر بالصلاة. ومن فوائد الحجاب للبنت صيانتها والحفاظ،على عفتها وشرفها ويدخل في دائرة الحجاب إبعاد البنت عن الاختلاط بالأجانب.. قال الله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النور.
ويخاطب الله المؤمنات جميعاً فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (59) سورة الأحزاب.
الحقُّ الثاني عشر - أن يعلَّم الأطفال آداب الاستئذان في الدخول
وقد جاء هذا التوجيه في القرآن الكريم بأسلوب تربوي متدرج فطلب من الأطفال وهم صغار أن يستأذنوا في ثلاث أوقات مهمة:
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 648)(6756) حسن
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (2725 )(1/122)
1- من قبل صلاة الفجر 2- ووقت الظهيرة عند القيلولة 3- وبعد صلاة العشاء. فإذا بلغ الأولاد سنَّ البلوغ وجب عليهم الاستئذان في البيت للدخول على والديهم في كل وقت،قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)} سورة النور.
الحقُّ الثالث عشر -أن يعدل الوالدان بين أولادهم
فلا يفضل أحد على أحد ولا يميز الذكور على الإناث،والعدل بين الأولاد مطلوب في جميع الحالات سواء كان في العطاء أو في المحبة والقبلة أو في تقديم الهدايا والهبات والوصية أو في المعاملة فإنه يلزم الوالدين معاملة أولادهم بالعدل والمساواة.
روى أبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا - قَالَ يَعْنِى الذُّكُورَ - أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ». وَلَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانُ يَعْنِى الذُّكُورَ. (1) .
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ،قَالَ: انْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَنَحَلَنِي نُحْلًا لِيُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ: " أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ " فَقَالَ: لَا،قَالَ: " أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ كُلُّهُمْ سَوَاءً ؟ " قَالَ: بَلَى،قَالَ: " فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي " (2)
الحقُّ الرابع عشر - تخيِّرُ الصحبة الصالحة لهم
وقد حث الإسلام على صحبة الصالحين والأخيار وحذر من صحبة الأشرار،فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ،قَالَ:لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا،وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ. (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ،فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ. " (4)
الحقُّ الخامس عشر -توفير أسباب اللهو واللعب المفيد
من سباحة ورماية وركوب الخيل وما جرى مجراهم في النفع،فعَنِ ابْنِ جُدْعَانَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَمِعَا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ قَالَ عَلِىٌّ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَاهُ وَأُمَّهُ لأَحَدٍ إِلاَّ لِسَعْدِ بْنِ أَبِى
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (5148 ) فيه ضعف
يئدها : من الوأد،وهو دفن الرجل ابنته حية،كما كانوا يفعلون في الجاهلية،وهي الموؤدة التي ذكرها الله - عزَّ وجلَّ - فقال: {وإذا الموؤدة سُئلت بأيِّ ذنب قُتلت } [التكوير: 8،9] .جامع الأصول في أحاديث الرسول - (1 / 414)
(2) - شرح مشكل الآثار - (13 / 71)(5072 ) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (2 / 314)(554) صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 195)(8028) 8015- صحيح(1/123)
وَقَّاصٍ قَالَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ « ارْمِ فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى ». وَقَالَ لَهُ « ارْمِ أَيُّهَا الْغُلاَمُ الْحَزَوَّرُ » ارْمِ فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى » (1) .
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:سَابَقَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَبَقْتُهُ،فَلَبِثْنَا حَتَّى إِذَا أَرْهَقَنِي اللَّحْمُ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :هَذِهِ بِتِلْكَ. (2)
وعَنْ مُوَرِّقٍ،عَنْ مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ قَالَ:قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفَرٍ فَاسْتَقْبَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ،وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنْهُمَا (فَجَعَلَ - صلى الله عليه وسلم - أَكْبَرَهُمَا) خَلْفَهُ،وَحَمَلَ أَصْغَرَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ." (3)
الحق السادس عشر -أن يعوله حتى سن الرشد
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،أَنَّهَا قَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّ بَنِي أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي،وَلَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ،وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ كَذَا وَلاَ كَذَا،أَفَلِي أَجْرٌ إِنْ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ،فَإِنَّ لَكِ أَجْرَ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ. " (4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لأَصْحَابِهِ:تَصَدَّقُوا،فَقَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللهِ عِنْدِي دِينَارٌ،قَالَ:أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ،قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ،قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى زَوْجَتِكَ،قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ،قَالَ:أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ،قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ،قَالَ:أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ،قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ،قَالَ أَنْتَ أَبْصَرُ." (5)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ. (6)
الحقُّ السابع عشر - الرحمة وما يتفرع عنها من حب وحنان وعطف
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ،قَالَ:سَمِعْتُ أَبِي بُرَيْدَةَ،يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُنَا،إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ،عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ،فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:صَدَقَ اللَّهُ:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن] نَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ،فَلَمْ أَصْبِرْ،حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي فَرَفَعَتْهُمَا. (7)
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (3063 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
الحزور : الغلام إذا اشتد وقوى
(2) - صحيح ابن حبان - (10 / 545) (4691) صحيح
(3) - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (11 / 639)(2636 ) حسن
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 623)(26642) 27177- صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (8 / 126)(3337) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (10 / 51) (4240) صحيح
(7) - صحيح ابن حبان - (13 / 403)(6039) صحيح(1/124)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ أَبْصَرَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ إِنَّ لِى عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ ». (1)
الحقُّ الثامن عشر -من حق الأولاد التأديب
عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ نُحْلاً أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ (2) . ونحل أعطى.
وعَنْ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ،قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَوَالِدِي،إِلَى أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى،فَقَالَ أَيُّوبُ: ابْنُكَ هَذَا ؟ قَالَ: نَعَمْ،قَالَ: فَأَحْسِنْ أَدَبَهُ،حَدَّثَنِي أَبِي،عَنْ جَدِّي،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّهُ قَالَ: " مَا نَحِلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ " (3)
وقَالَ عُثْمَانُ الْحَاطِبِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لِرَجُلٍ: " أَدِّبِ ابْنِكَ،فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْ وَلَدِكَ،مَاذَا أَدَّبْتَهُ ؟ وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ،وَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ " (4) .
الحقُّ التاسع عشر - تعليم الولد أحكام المراهقة والبلوغ
فيعلم الولد هذه الأحكام أو ما يسمَى بالثقافة الجنسية سواء كان الولد ذكراً أم أنثى،فيعرف الصبي إذا بلغ الحلم وهو السن الذي يتراوح ما بين 12 إلى 15 سنة أنه إذا نزل منه مني ذو دفق وشهوة فقد أصبح بالغاً ومكلفاً شرعاً يجب عليه ما يجب على الرجال الكبار من مسؤوليات وتكاليف،ويجب على الأم أن تصارح ابنتها إذا بلغت سن التاسعة فما فوق وتذكرت احتلاماً ورأت الماء الرقيق الأصفر على ثوبها بعد الاستيقاظ أصبحت بالغة ومكلفة شرعاً يجب عليها ما يجب على النساء الكبار من مسؤوليات وتكاليف.
عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ حَدَّثَتْ أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِى مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا رَأَتْ ذَلِكِ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِلْ ». فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِكَ قَالَتْ وَهَلْ يَكُونُ هَذَا فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « نَعَمْ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلاَ أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ ». (5)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6170 )
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 716)(16710) 16830- وشعب الإيمان - (11 / 130) (8285 ) وسنن الترمذى- المكنز - (2079 ) حسن لغيره
(3) - شعب الإيمان - (11 / 131) (8286 ) حسن لغيره
(4) - شعب الإيمان - (11 / 135)(8295 ) حسن
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (736)(1/125)
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ: كُنْتُ إِذَا وَضَعْتُ لَهُ غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ،ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ،ثُمَّ أَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ حَتَّى يَرَى أَنْ قَدِ اسْتَبْرَأَ الْبَشَرَةَ،ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ" (1)
الحقُّ العشرون - أن يبحث الوالدان لولدهما عن الزوجة الصالحة
ولبنتهما عن الزوج الصالح وينفقا على زواجهما إن كانا غنيين .
فقد حثُّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على زواج الشباب في سن مبكرة فقال في الحديث الصحيح عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ لِى إِلَيْكَ حَاجَةً.فَخَلَيَا فَقَالَ عُثْمَانُ هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِى أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا،تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ،فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا أَشَارَ إِلَىَّ فَقَالَ يَا عَلْقَمَةُ،فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ،وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ » ..رواه البخاري (2)
وكما حث الإسلام على حسن اختيار الزوجة الصالحة التي سوف تكون أما للولد غداً حتى لا يلحقه بها عار بسوء اختيارها أماله كذلك حث الإسلام على حسن اختيار الزوج الصالح الذي سوف يكون أبا لأولاده غداً حتى يحيا وسط المجتمع مرفوع الرأس عالي الهمة،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ » (3) .
فلينظر العاقل أين يضع كريمته،ومن زوج ابنته فاسقا أو سيئ الخلق فقد جنى عليها وأساء إليها وتعرض لسخط الله بما قطع من حق الرحم وسوء الاختيار،وقال بعضهم: لا تنكح إلاّ الأتقياء فإنه إن أحبها أكرمها،وإن أبغضها أنصفها، (4)
تلك هي عناية الإسلام بالأولاد بالأرض التي سوف يزرعون فيها وتكون لهم وعاءا وهذا من حسن تأديب الإسلام للوالدين لرعاية أولادهما وبعد أنعام الله على الوالدين بأولادهما فقد أوجب الأدب معهم ويتمثل ذلك في قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم
__________
(1) - مسند أبي عوانة (670 ) صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5065 ) -الباءة : النكاح -الوجاء : الحماية - انظر كتابي الوجيز في حقوق الأولاد
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (1107 ) حسن
(4) - قوت القلوب - (2 / 226)(1/126)
وهذه الآية جمعت كل الأدب اللازم للأولاد ذلك لأن الإنسان ينشأ في أول أمره وأيام طفولته على فطرة سليمة ونفس صافية تتأثر بالخير كما تتأثر بالشر،وتنطبع فيها الأخلاق الحسنة ونفس صافية تتأثر بالخير كما تتأثر بالشر،وتنطبع فيها الأخلاق الحسنة كما تنطبع فيها الأخلاق السيئة فإذا وجد في هذا الوقت من يحكم تربيته ويحسن تأديبه ويسلك به سبيل الاستقامة وطريق الأدب والكمال،شبَّ حسن الأخلاق طيب النفس متعلقا بأهداب الفضيلة مستمسكا بحبل الهدى والرشد،فيحيا حياة طيبة يكون بها سعيدا في نفسه ونافعا في أمته،أما إذا أهمل أمره فلم ينل حظه من التربية والتأديب ولم يأخذ نصيبه من الإرشاد والتهذيب نشأ سيئ الخلق خبيث النفس فاقد الهمة ساقط المروءة محبا للشر كارها للخير،كَلاًّ على أهله وعشيرته وكان شقاءا على نفسه وبلاءا على الناس أجمعين لإهماله في تربيته وتأديبه وتهاونه في إرشاده وتهذيبه فهو مسئول عن ذلك أمام الله تعالى،وعَنِ الْحَسَنِ،أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ،أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ،حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. (1)
إن تربية الأولاد في صغرهم على مبادئ الدين الحنيف وتعويدهم على مكارم الأخلاق من أهم المسائل التي يجب على الآباء والأمهات أن يتنبوا لها،وعلى المصلحين أن يعنوا بها وأن يعلموا أن عليها تدور حياة الأمة في مستقبلها وعليها وحدها يتوقف رقيها في مدارج الرفعة والكمال في الأمم بالأخلاق،وما الأخلاق إلا بالتربية الصحيحة وأنكم لو تأملتم في جميع ما نشكوا منه اليوم من فساد الأخلاق وانتشار المنكرات وانتهاك المحرمات وزيغ في العقائد وتهاون في تنفيذ أوامر الدين وخروج النساء في الطرقات والأسواق من غير ضرورة لذلك،لو تأملتم لوجدتم أن السبب في هذا كله هو ترك التربية الدينية وإهمال التأديب في وقته،إن الولد قطعة من والديه وأمانة في أعناقهما فاتقوا الله يا قوم في ثمرات قلوبكم وأفلاذ أكبادكم ولا تلقوا بأيديكم في نار جهنم التي وقودها الناس والحجارة،يا قوم اتقوا الله في أبنائكم وبناتكم وذرياتكم والأولاد الذين ألقيت إليكم مقاليد أمورهم وصارت رعاية شئونهم في أيديكم تنالوا رضا الله في الدنيا والآخرة وتسعدوا وتسعدوا أولادكم في حياتكم وبعد مماتكم .
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (10 / 344) (4493) صحيح لغيره(1/127)
- 17-آداب الطريق
الأسواق والطرقات أماكن عامة يلتقي فيها جميع الناس ليبلغوا حاجاتهم ويصلوا إلى بيوتهم،ويتعاملوا مع بعضهم..
وللمسلم في قضائه بعض وقته في الطريق سمت خاص وأدب جمّ،وهئة متميزة،وخلق رفيع عبّر عنه سبحانه بقوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63)} الفرقان.
وفصلته السنة النبوية بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مشيه في الأسواق عَنِ ابْنِ لأَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيِّ،عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ،قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ وَكَانَ وَصَّافًا عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي شَيْئًا مِنْهَا أَتَعَلَّقُ بِهِ،قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،إِذَا زَالَ زَالَ قَلِعًا يَخْطُو تَكَفُّيا وَيَمْشِي هَوْنًا،ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ،وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا،خَافِضُ الطَّرْفِ،نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ،جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ،يَسُوقُ أَصْحَابَهُ يَبْدر مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ " رواه الترمذي (1) .
وما أحوج المسلم لهذه الآداب الكريمة في وقت نجد فيه الكثير من الشباب يتسكعون في الطرقات،وبجتمعون في الشوارع والمنعطفات،وعلى أبواب المدارس وفي الساحات،لا عمل لهم سوى إيذاء الناس بفاحش الكلمات،وتصيّد العثرات والزلات،ومراقبة السقطات والعورات..
وهذه قطوف من الآداب الواردة فيما يتعلق بالمشي في الطرقات والسعي في الأسواق لعلها تكون واقعا ملموسا وسلوكا مطبّقا:
غض البصر عن المحرمات،وعن مراقبة المارين من الناس في أعمالهم أو تصرفاتهم أو لباسهم.
تجنب الجلوس في الطرقات،أو الوقوف في المنعطفات،أو على واجهات الحوانيت والمحلات.
بذل السلام وإلقاؤه على الآخرين وخاصة على الصالحين منهم،ورد السلام على من ألقاه بأحسن منه.
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ ».فَقَالُوا مَا لَنَا بُدٌّ،إِنَّمَا هِىَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا.قَالَ « فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا » قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ قَالَ « غَضُّ الْبَصَرِ،وَكَفُّ الأَذَى،وَرَدُّ السَّلاَمِ،وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ،وَنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ » البخاري (2) .
__________
(1) - شعب الإيمان - (3 / 24) (1362 ) والشمائل المحمدية للترمذي - (7 ) حسن لغيره
ينحط : يسقط ويهوي - الصبب : المنحدر من الأرض
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (465 )(1/128)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ ».فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا.فَقَالَ « إِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ ».قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « غَضُّ الْبَصَرِ،وَكَفُّ الأَذَى،وَرَدُّ السَّلاَمِ،وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ » . (1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:لا تَجْلِسُوا فِي الْمَجَالِسِ،فَإِنْ كُنْتُمْ لا بَدَّ فَاعِلِينَ،فَرُدُّوا السَّلامَ،وَغُضُّوا الْبَصَرَ،وَاهْدُوا السَّبِيلَ،وَأَعِينُوا عَلَى الْحُمُولَةِ. (2)
وعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ،عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: " إيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الصُّعُدَاتِ فَمَنْ جَلَسَ فِي صَعِيدٍ فَلْيُعْطِهِ حَقَّهُ " قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: " إغْضَاضُ الْبَصَرِ وَرَدُّ التَّحِيَّةِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ " (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الأَفْنِيَةِ وَالصُّعُدَاتِ أَنْ يُجْلَسَ فِيهَا،فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ:لا نَسْتَطِيعُهُ،لا نُطِيقُهُ،قَالَ:أَمَّا لاَ فَأَعْطُوا حَقَّهَا،قَالُوا:وَمَا حَقُّهَا ؟ قَالَ:غَضُّ الْبَصَرِ،وَإِرْشَادُ ابْنِ السَّبِيلِ،وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللهَ،وَرَدُّ التَّحِيَّةِ. (4)
وعَنِ ابْنِ حُجَيْرٍ الْعَدَوِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ « وَتُغِيثُوا الْمَلْهُوفَ وَتَهْدُوا الضَّالَّ ». (5)
وعَنِ الْبَرَاءِ،قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مَجْلِسٍ لِلْأَنْصَارِ فَقَالَ: " إنْ أَبَيْتُمْ إلَّا أَنْ تَجْلِسُوا فَرُدُّوا السَّلَامَ،وَاهْدُوا السَّبِيلَ،وَأَعِينُوا الْمَظْلُومَ " (6)
وعن إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: كُنَّا جُلُوسًا بِالْأَفْنِيَةِ فَمَرَّ بِنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: " مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ " فَقُلْنَا: اجْتَمَعْنَا لِغَيْرِ مُرَابٍ نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ قَالَ: " فَأَعْطُوا الْمَجَالِسَ حَقَّهَا " قَالُوا: وَمَا حَقُّهَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: " غَضُّ الْبَصَرِ وَرَدُّ السَّلَامِ وَطِيبُ الْكَلَامِ " (7)
وعَنِ ابْنِ حُجَيْرٍ الْعَدَوِيِّ،قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،يَقُولُ: أَتَى عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ جُلُوسٌ عَلَى الطَّرِيقِ فَقَالَ: " إيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى هَذِهِ الطُّرُقِ فَإِنَّهَا مَجَالِسُ الشَّيْطَانِ فَإِنْ كُنْتُمْ لَا مَحَالَةَ فَأَدُّوا حَقَّ الطَّرِيقِ " ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقُلْتُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَدُّوا حَقَّ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6229 )
(2) - كشف الأستار - (2 / 425)(2019) حسن
(3) - شرح مشكل الآثار - (1 / 156) (168 ) صحيح
(4) - أخرجه البخاري في "الأدب المفرد( 1014 ) صحيح
(5) - سنن أبي داود - المكنز - (4819 ) صحيح
(6) - شرح مشكل الآثار - (1 / 157) (172 ) صحيح
(7) - شرح مشكل الآثار - (1 / 155) (167 ) صحيح(1/129)
الطَّرِيقِ وَلَمْ أَسْأَلْهُ مَا هُوَ ؟ فَلَحِقْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّكَ قُلْتَ: كَذَا،وَكَذَا فَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ ؟ قَالَ: " حَقُّ الطَّرِيقِ أَنْ تَرُدَّ السَّلَامَ وَتَغُضَّ الْبَصَرَ وَتَكُفَّ الْأَذَى وَتَهْدِيَ الضَّالَّ وَتُعِينَ الْمَلْهُوفَ " (1)
وعَنْ سَهْلِ بن حُنَيْفٍ،قَالَ: قَالَ أَهْلُ الْعَالِيَةِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،لا بُدَّ لَنَا مِنْ مَجَالِسَ،قَالَ:"فَأَدُّوا حَقَّ الْمَجَالِسِ"،قَالُوا: وَمَا حَقُّ الْمَجَالِسِ؟،قَالَ:"ذِكْرُ اللَّهِ كَثِيرًا،وَأَرْشِدُوا السَّبِيلَ،وَغُضُّوا الأَبْصَارَ" . (2)
وعَنْ وَحْشِيِّ بن حَرْبِ أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:لَعَلَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ بَعْدِي مَدَائِنَ عِظَامًا،وتَتَّخِذُونَ فِي أَسْوَاقِهَا مَجَالِسَ،فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَرُدُّوا السَّلامَ وَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِكُمْ،وَاهْدُوا الأَعْمَى وَأَعِينُوا الْمَظْلُومَ." (3)
ومجموع ما في هذه الأحاديث أربعة عشر أدبا وقد نظمتها في ثلاثة أبيات وهي:
جمعت آداب من رام الجلوس على الطر ... يق من قول خير الخلق إنسانا
أفش السلام وأحسن في الكلام ... وشمت عاطسا وسلاما رد إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث ... لهفان اهد سبيلا واهد حيرانا
بالعرف مر وانه عن نكر وكف أذى ... وغض طرفا وأكثر ذكر مولانا
وقد اشتملت على معنى علة النهي عن الجلوس في الطرق من التعرض للفتن بخطور النساء الشواب وخوف ما يلحق من النظر إليهن من ذلك،إذ لم يمنع النساء من المرور في الشوارع لحوائجهن،ومن التعرض لحقوق الله . (4)
المحافظة على نظافة الطريق،وتجنب إلقاء النفايات والأوساخ والنجاسات في ممرات الناس ومجالسهم.
إماطة الأذى عن الطريق،كالقشور والزجاج والمسامير والحجارة وغيرها لئلا يتعثر بها أحد.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً،أَعْلاَهَا شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ." (5)
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (1 / 154)(165 ) صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (5 / 342) (5458) حسن لغيره
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (16 / 11) (17823 ) حسن
(4) - فتح الباري لابن حجر - (11 / 11)
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (162) وصحيح ابن حبان - (1 / 420) (191)
بِضع : البِضعُ : القطعة من الشيء ، وهو في العدد ما بين الثلاث إلى التسع؛ لأنه قطعة من العدد.
الحياء من الإيمان : جعل الحياء - وهو غريزةٌ - من الإيمان - وهو اكتسابٌ - ؛ لأن المستحيي ينقطع باستحيائه عن المعاصي ، وإن لم يكن له تَقيَّةٌ ، فصار كالإيمان الذي يقطع بينها وبينه ، وإنما جعله بَعْضًا من الإيمان؛ لأن الإيمان بمجموعه ينقسم إلى ائتمار بما أمر الله به ، وانتهاءٍ عما نهى الله عنه ، فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان بعضه .
الشُّعبة : الطائفة من كل شيء ، والقِطْعَةٌ منه .
إماطة الأذى : أماط الشيء : إذا أزاله عنه ، وأَذْهَبَهُ ، والأذى في هذا الحديث ، نحو الشَّوك والحجر وما أَشبَهَهُ. جامع الأصول في أحاديث الرسول - (1 / 236)(1/130)
مساعدة المحتاجين،وإغاثة الملهوفين،وإرشاد الضالين،وإعانة أبناء السبيل والمنقطعين،ودلالة الأعمى في طريقه،والحمل مع الضعيف في حمولته..
تجنب الطرق المزدحمة،والأسواق المكتظة،وخاصة التي تنتشر فيها المنكرات والمحرمات،وعند الاضطرار فالإسراع في اجتيازها،وذكر الله تعالى فيها بين الغافلين فهو فضيلة عظيمة.
عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكُ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِى وَيُمِيتُ وَهُوَ حَىٌّ لاَ يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ ». رواه الحاكم (1) .
الانتباه إلى مسالك الطريق لئلا يصطدم بشيء،أو يقع في حفرة،وعدم الالتفات يمنة ويسرة وإلى الوراء أثناء المشي دون حاجة.
تجنب عبور الشارع إلا بعد التأكد من خلوه من السيارات والحافلات والعربات والدراجات،وعدم المخاطرة في ذلك.
المرور ضمن الممرات المحددة للمشاة أثناء عبور الشارع ضمانة للأمن والسلامة.
القصد في المشي،بعدم الإسراع والركض في الطرقات،وعدم البطء والتمهل والاختيال والتبختر تكبرا وتعاظما وإعجابا بالنفس،قال تعالى:{ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37)} الإسراء.وقال تعالى:{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} لقمان 19.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:" مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ أَوِ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِيَ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتعالى - وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ " (2)
رفع الأطعمة وفتات الخبز عن قارعة الطريق،وإبعاد الأوراق التي كتب فيها أسماء كريمة أو قرآنية عن ممرات الناس.
تجنب الأكل في الطرقات لإخلاله بالأدب والمروءة (3) ،إلا لحاجة فعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَأْكُلُ وَنَحْنُ نَمْشِي،وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ." (4)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:كُنَّا نَأْكُلُ وَنَحْنُ نَمْشِي،وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - . (5)
تجنب اللعب في الطرقات وجعلها أماكن للهو والتسلية وإضاعة الأوقات.
تجنب رفع الأصوات أثناء التعامل بالبيع والشراء.
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (3756 ) والمستدرك للحاكم (1974) وصحيح الجامع (6231) وهو حديث صحيح لغيره
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 497) (5995) صحيح - الاختيال : الكِبْرُ والعُجْبُ والزَّهْو
(3) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (5 / 4247) -رقم الفتوى 34275 الأكل في الطريق وخوارم المروءة
(4) - صحيح ابن حبان - (12 / 141) (5322) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (12 / 143) (5325) صحيح(1/131)
اعتنام الوقت الضائع في الطريق بإشغاله بذكر الله تعالى والتفكر في آياته ومخلوقاته،أو الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،أو تلاوة القرآن غيبا،أو مراجعة المحفوظات والواجبات المدرسية عن ظهر قلب.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا فَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ،إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً،وَمَا مِنْ رَجُلٍ مَشَى طَرِيقًا فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ،إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً،وَمَا مِنْ رَجُلٍ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ،إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً." رواه أحمد (1) ،ومعنى ترة: أي نقص وتبعة وحسرة.
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 536)(9583) 9580- صحيح(1/132)
-18-آداب الدراسة والمدرسة
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ..." (1) .
وعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ قَالَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:تَعَلَّمُوا قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ الْعِلْمُ،فَإِنَّ قَبْضَ الْعِلْمِ قَبْضُ الْعُلَمَاءِ،وَإِنَّ الْعَالِمَ وَالْمُتَعَلِّمَ فِى الأَجْرِ سَوَاءٌ. " (2)
واكتساب العلوم والمعارف في زمان التلقي والاستزادة والحفظ في بداية العمر تحتاج إلى جد واجتهاد وتركيز وانتباه واعتنام لأوقات الفراغ،عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ،قَالَ: قَالَ عُمَرُ: " تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تَسُودُوا " (3)
وأهم ما ينبغي أن يتزود منه الطفل متى بلغ سنَّ التمييز حفظ القرآن الكريم،منبع العلوم،وكنز الأخلاق،وبحر الفصاحة،وأفق الكمال. فعَنْ عُثْمَانَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ." (4)
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ،فَقِيلَ:مَنْ أَهْلُ اللهِ مِنْهُمْ ؟ قَالَ:أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ. (5)
فأقبلوا على تعلمه وتلاوته والتفكر فيه،وعلموه أولادكم ونشؤهم على تلاوته وحبه،حتى يألفوه ويتصلوا به فيطهّر أخلاقهم،ويزكي نفوسهم،ويكونوا من حملة القرآن وأهله؛ لأن الصبي إذا تعلم القرآن بلغ وهو يعرف ما يقرأ في صلاته،وحفظ القرآن في الصغر أولى من حِفظه في الكبر،وأشد علوقا بالذاكرة،وأرسخ وأثبت؛ لأن التعلم في الصغر كالنقش على الحجر. (6)
وفي الوقت الذي يقضيه الطالب في مدرسته لا بدّ له من الاحتكاك مع زملائه ومعلميه،والتعامل في دراسته مع أدوات العلم،ومرافق المدرسة..
ولكل ذلك آداب يجب تمثلها. بعد معرفتها واكتسابها،ليكون ناجحا في دراسته،محبوبا في مجتمعه،موفقا للخيرات،سائرا نحو المعالي،قال الشاعر:
__________
(1) - شعب الإيمان - (3 / 195) (1544 ) وصحيح الجامع (3913) صحيح لغيره
(2) - سنن الدارمى- المكنز - (334) صحيح
(3) - شعب الإيمان - (3 / 206) (1549 ) صحيح - تسودوا : تنالوا المجد والشرف وقيل : تتزوجوا وتنشغلوا
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي حَدِيثِ عُمَرَ : تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا يَقُولُ : " تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مَا دُمْتُمْ صِغَارًا قَبْلَ أَنْ تَصِيرُوا سَادَةً رُؤَسَاءَ مَنْظُورًا إِلَيْكُمْ , فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا قَبْلَ ذَلِكَ اسْتَحْيَيْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا بَعْدَ الْكِبَرِ فَبَقِيتُمْ جُهَّالًا لَا تَأْخُذُونَهُ مِنَ الْأَصَاغِرِ فَيَزْرِي ذَلِكَ بِكُمْ " وَهَذَا شَبِيهٌ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ : لَنْ يَزَالَ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَخَذُوا الْعِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ , فَإِذَا أَتَاهُمْ مِنْ أَصَاغِرِهِمْ فَقَدْ هَلَكُوا " الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (769 )
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (5027 ) وصحيح ابن حبان - (1 / 325) (118)
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 327)(12279) 12304- صحيح
(6) - موسوعة خطب المنبر - (1 / 187) -تلاوة القرآن(1/133)
لو كان نور العلم يدرك بالمنى ... ... فندامة العقبى لمن يتكاسل
اجهد ولا تكسل ولا تك غافلا ... ما كان يبقى في البرية جاهل
في المدرسة:
1 - الحضور الى المدرسة باكرا قبل قرع الجرس.
2 - السلام على الأصدقاء بوجه باسم،وإلقاء التحية على المعلمين.
3 - المحافظة على النظام العام والهندام المدرسي والسلوك القويم.
4 - إحضار الدفاتر والكتب المدرسية واللوازم الخاصة بالبرنامج اليومي.
5 - الانتباه المطلق أثناء الدرس والمشاركة الفعلية في سيره،ومشاركة المعلم تدرجه في شرح الدروس.
6 - تجنب الشرود أثناء الدرس،أو الانشغال بالدفاتر أو اللوازم،أو الحديث مع الطلاب.
7 - تسجيل الواجبات المكلف بها في دفتر خاص،يرجع اليها في البيت لئلا ينسى أي واجب.
8 - اللعب بلطف أثناء الفرصة،والانتباه الى من هم أصغر سنا لئلا يدفعهم،وعدم اللعب مع من هم أكبر سنا.
9 - الاستفادة من الوقت المخصص للفرصة لقضاء الحاجات الخاصة في أول الوقت كدخول الخلاء.
10 - الانتباه إلى تناول الأطعمة والأشربة النظيفة،مع غسل اليدين قبلها وبعدها.
11 - الانتباه إلى عدم سقوط شيء من الأطعمة في الباحة تحت الأقدام.
12 - تجنب أخذ أي متاع خاص بأحد الطلاب إلا بإذنه،ولا تتم إستعارة أي شيء إلا بالاستئذان قبله،والشكر بعده.
13 - تجنب التهكم بالآخرين والسخرية منهم،والتنابز بالألقاب،والمزاح المؤدي الى الخصومات والعداوات. قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ} الحجرات 11
14 - إختيار الأصدقاء الصالحين من أصحاب الأخلاق الحميدة والسيرة الحسنة والسلوك المستقيم والذكاء والاجتهاد في الدروس. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ،فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ " (1) .
15 - التحضير الجيد للامتحان من بداية العام الدراسي،وعدم ترك الدروس تتراكم دون حفظ أو متابعة.
16 - تجنب الغش ومحاولة النقل والاعتماد على الغير في الامتحان،أو استخدام الوسائل غير المشروعة.
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 280) (8417) 8398- صحيح(1/134)
17 - الدعاء عند بداية الامتحان يقول تعالى: :{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)} طه.
في البيت:
1 ـ المسارعة في كتابة الواجبات المدرسية بعد العودة من المدرسة وعدم تأجيلها الى الغد. 2 ـ مراجعة البرنامج اليومي والتأكد من كتابة جميع الواجبات ودراسة مواد اليوم السابق،والتحضير لمواد اليوم اللاحق.
3 ـ الاعتناء بالخط والترتيب،والتسطير والتبويب 4 ـ الاعتناء بنظافة الدفاتر والكتب وتغليفها بشكل لائق،والمحافظة عليها من التلف أو الضياع 5 ـ السعي إلى التفوق في جميع المواد بالمتابعة المستمرة في الدروس،وتجنب تضييع الأوقات بلا فائدة
المسارعة في كتابة الواجبات المدرسية بعد العودة من المدرسة وعدم تأجيلها إلى الغد.
مراجعة البرنامج اليومي والتأكد من كتابة جميع الواجبات ودراسة مواد اليوم السابق،والتحضير لمواد اليوم اللاحق.
عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ " رواه البيهقي (1) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - شعب الإيمان - (7 / 233) (4931) صحيح(1/135)
-19-آداب شخصية
للمسلم مع نفسه آداب يلزمها بها،ويجاهدها عليها،ويقوّمها ويعتني بها،ويهتم بتزكيتها،ويسارع إلى تهذيبها ومعالجتها،وضبطها ومحاسبتها،ويلتزم استكمال فضائلها في ظاهرها وباطنها.. قال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)} الشمس.
بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَلْهَمَ النُّفُوسَ مَعْرَفَةَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ،ذَكَرَ مَا تَلْقَاهُ النُّفُوسُ مِنَ الجَزَاءِ عَلَى فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا،فَقَالَ تعالى: مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ بِطَاعَةِ اللهِ،وَنَمَّاهَا وَطَهَّرَهَا مِنَ الأخْلاَقِ الدِّنِيئَةِ وَالرَّاذَائِلِ،فَازَ وَأَفْلَحَ ( وَهَذَا جَوَابُ القَسَمِ ) .
أَمَّا مَنْ أَخْفَى فَضَائِلَ نَفْسِهِ،وَأَمَاتَ اسْتِعْدَادَهَا لِلْخَيْرِ،بِفِعْلِ المَعَاصِي،وَاجْتِرَاحِ السَّيِّئَاتِ،وَمُجَانَبَةِ الخَيْرِ وَالبِرِّ وَالقُرُبَاتِ،فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ.وَقَدْ حَذَفَ اللهُ تَعَالَى المُقْسَمَ عَلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ نَظَائِرِهِ،فَكَأَنَّهُ قَالَ:وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا.. لَينْزِلَنَّ بِالمُكَذِّبِينَ مِنْكُمْ مَا نَزَلَ بِثَمُودَ . (1)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : حُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ،وَحُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ. ابن حبان (2) .
وقال المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيبا ... ... كنقص القادرين على التمام
وقال البوصيري:
والنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على ... ... حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
وجاهد النفس والشيطان واعصهما ... ... ... وإن هما محضاك النصح فاتهم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه ... ... ... إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
وراعها وهي في الأعمال سائمة ... ... وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
وكم حسنت لذة للمرء قاتلة ... ... من حيث لم يدر أن السم في الدسم
وقد اعتنى أهل التربية بالنفس،ووقفوا على أمراضها وأداوئها،وبينوا طرق معالجتها من لهوها وبطالتها،وشهواتها وأهوائها،فوضعوا لها أسباب تربيتها،وبينوا طرق شفائها،وسبل مجاهدتها،وكيفية تقويمها وتأديبها حتى تصبح كما ورد في الحديث الشريف: عَنْ عبدِ الله بن عَمرو بنِ العاص رضي الله عنهما،قال:قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - :(( لا يُؤمِنُ أَحدُكُم حتّى يكونَ هَواهُ تَبَعاً لِما جِئتُ بِهِ )) (3) .
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5929)
(2) - صحيح ابن حبان - (2 / 495) (719) صحيح
(3) - الأربعون للفسوي - (8) والسنة لابن أبي عاصم - (14) وجامع العلوم والحكم محقق - (43 / 1) حسن(1/136)
ولهذا البحث شروح مطوّلة،وشجون متفرعة،ونكتفي هنا أن نعرض لبعض الآداب التي ينبغي على الناشئة تعويد أنفسهم عليها. حتى تصبح ملكة راسخة وطبعا أصيلا:
المحافظة على النظافة العامة بالاغتسال مرة كل أسبوع،ويسن أن يكون يوم الجمعة.
عَنْ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ ». رواه الترمذي وأبو داود (1) .
قص أظافر اليدين والرجلين مرة كل أسبوع،وتجنب إطالتها أو إطالة بعضها وخاصة عند الفتيات،لأنها تصبح حقلا لتجمع الأوساخ والأقذار تحتها،وتمنع ماء الوضوء من وصوله إلى أطراف الأصابع،فضلا عن منظرها الحيواني القبيح. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ ». قَالَ زَكَرِيَّاءُ قَالَ مُصْعَبٌ وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ. (2)
قص الشعر كلما طال،وتعهده بالنظافة والترجيل،دون إفراط ولا تفريط. عَنْ جَابِرٍ،أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلا وَسِخَةٌ ثِيَابُهُ،فَقَالَ:أَمَا وَجَدَ هَذَا مَا يُنَقِّي ثِيَابَهُ ؟ وَرَأَى رَجُلا ثَائِرَ الشَّعْرِ،فَقَالَ:مَا وَجَدَ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ ؟ (3)
التعوّد على التيامن،أي تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم،كالغسل والوضوء،والتحية والمصافحة،ولبس الثوب والنعال،وتقليم الأظفار،والأخذ والعطاء،والأكل والشرب،وتقديم اليسار في ما سوى ذلك،كالامتخاط والبصاق،وخلع الثوب والنعل،والاستنجاء،ومسّ العورة.
عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ:فِي تَرَجُّلِهِ،وَفِي طُهُورِهِ،وَفِي نَعْلِهِ قَالَ شُعْبَةُ:ثُمَّ سَأَلْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ،أَوْ يُعْجِبُهُ،التَّيَمُّنُ مَا اسْتَطَاعَ." (4) .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلاَئِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى. رواه أبو داود (5) .
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (354) وسنن الترمذى- المكنز - (499) صحيح
قَالَ أَبُو عِيسَى :وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ بَعْدَهُمُ اخْتَارُوا الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَأَوْا أَنْ يُجْزِئَ الْوُضُوءُ مِنَ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. قَالَ الشَّافِعِىُّ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ عَلَى الاِخْتِيَارِ لاَ عَلَى الْوُجُوبِ حَدِيثُ عُمَرَ حَيْثُ قَالَ لِعُثْمَانَ وَالْوُضُوءَ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَلَوْ عَلِمَا أَنَّ أَمْرَهُ عَلَى الْوُجُوبِ لاَ عَلَى الاِخْتِيَارِ لَمْ يَتْرُكْ عُمَرُ عُثْمَانَ حَتَّى يَرُدَّهُ وَيَقُولَ لَهُ ارْجِعْ فَاغْتَسِلْ وَلَمَا خَفِىَ عَلَى عُثْمَانَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ وَلَكِنْ دَلَّ فِى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ فَضْلٌ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ فِى ذَلِكَ.
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (627 )
البراجم : العقد التى فى ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ واحدتها برجمة
(3) - مسند أبي يعلى الموصلي (2026) صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 358) (25545) 26061- صحيح
(5) - سنن أبي داود - المكنز - (33 ) صحيح(1/137)
تجنب استقبال القبلة بالبصاق أو الامتخاط أو قذف النخامة،بل تكون إلى جهة اليسار وفي منديل خاص لئلا يؤذي بها أحدا.
تحويل الوجه أثناء العطاس عن وجوه الناس وعن الطعام والشراب لئلا يصيبها رذاذ العطاس،ووضع اليد أو المنديل على الفم وخفض الصوت بها إذا أمكن.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْعُطَاسُ مِنَ اللَّهِ وَالتَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَإِذَا قَالَ آهْ آهْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْ جَوْفِهِ وَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ آهْ آهْ إِذَا تَثَاءَبَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ فِى جَوْفِهِ ». رواه الترمذي (1) .
أن يحمد الله تعالى بعد العطاس.
أن يقال لمن عطس وحمد الله تعالى ( يرحمك الله) فيجيب (يهديكم ويصلح بالكم).
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ.وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ.فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ.فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ».رواه البخاري (2) .
وضع اليد على الفم أثناء التثاؤب لستر المنظر غير اللائق عند فتح الفم ومنعا لدخول شيء إليه،وخفض الصوت به،وإن استطاع أن يمنعه فليفعل،وليستغفر الله تعالى بعده،لأنه دليل على الملل والكسل،لذلك كرهه الله تعالى وجعله من الشيطان.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَلاَ يَعْوِى فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْهُ ». (3)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ،وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ،فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ،فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ،وَأَمَّا التَّثَاوُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ،فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ،فَإِذَا قَالَ هَا.ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ ».رواه البخاري (4) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ،وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ،فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ،أَوْ لِيَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ،فَإِنَّهُ إِذَا تَثَاءَبَ فَقَالَ:آهْ،فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ يَضْحَكُ مِنْ جَوْفِهِ. (5)
مدافعة الجشاء،وتجنب الأطعمة التي تسببه أو الإكثارمنها،وخفض الصوت به والاستغفار بعده.
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2970 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6224 )
(3) - سنن ابن ماجه- المكنز - (1021 ) صحيح -يعوى : يصيح
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (6223 )
(5) - صحيح ابن حبان - (6 / 122) (2358) صحيح(1/138)
عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَتَجَشَّأْتُ فَقَالَ: " مَا هَذَا يَا أَبَا جُحَيْفَةَ ؟ إِنَّ أَطْوَلَ النَّاسِ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ،أَطْوَلُهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا " قَالَ: فَمَا أَكَلْتُ فِي بَطْنِي كُلِّهِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَقَالَ هَذَا ثَلَاثِينَ سَنَةً " (1) .
ذكر الله تعالى وشكره عند النظر في المرآة،والدعاء بما رود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا نَظَرَ وَجْهَهُ فِي الْمِرْآةِ قَال:الْحَمْدُ لِلَّهِ،اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي " رواه ابن السني (2) .
استخدام الهاتف للضرورة لا للتسلية أو اللغو أو إزعاج الآخرين،والاتصال في الأوقات المناسبة،وابتداء المكالمة بالسلام والتعريف بالنفس وذكر الحاجة.
المحافظة على الأعمال الصالحة،والمداومة على ما اعتاده من العبادات والصدقات،والنوافل والقربات،والأذكار وقراة القرآن،وعدم تركها مللا أو كسلا أو رغبة عنها أو انشغالا بالدنيا عنها.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِى يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ " (3) .
ترك الفضول في كل شيء،وعدم التدخل فيما لا يعني،ولزوم الاهتمام بعيوب النفس والانشغال في إصلاحها وتقويمها وتزكيتها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ." (4) .
إسداء النصيحة لكل من يعرف بالحسنى،وبما فيه مصلحة المخاطب في دينه ودنياه.
قبول النصيحة ممن أسداها،والاعتراف بالحق والعودة السريعة إليه،والاعتراف بالخطأ إن كان عليه،وعدم الإصرار عليه،لأن الحقيقة هي ضالة المؤمن التي يبحث عنها ويشكر من يقدمها،ويثني على كل من أسدى نصيحة أو معروفا. عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ». (5)
وعن أبي هُرَيْرَةَ،قالَ:سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:لاَ يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ. (6)
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ:جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا،فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ. (7)
__________
(1) - شعب الإيمان - (7 / 442) (5254 ) صحيح لغيره
(2) - عمل اليوم والليلة لابن السني - (162 ) وأخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني - (493 ) حسن لغيره
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6462 )
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (2487 و2488) وصحيح ابن حبان - (1 / 466) (229) صحيح لغيره
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (205 )
(6) - صحيح ابن حبان - (8 / 198) (3407) صحيح
(7) - صحيح ابن حبان - (8 / 202) (3413) صحيح(1/139)
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ أُولِيَ مَعْرُوفًا فَلْيُكَافِئْ بِهِ،فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَذْكُرْهُ،فَإِنْ ذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ،وَالْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يَنَلْ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ " (1)
وفد حذر الله تعالى الذين لا يقبلون النصيحة بقوله:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) } [البقرة:204 - 207]
تعوُّد التخوشن في المعيشة،والقناعة والرضا فيها،باليسير،وترك الترفه والتنعم في الدنيا،فذلك أنفى للكبر،وأبعد عن العجب،وأسلم من الزهو والصلف والخيلاء.
عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:كَانَ ضِجَاعُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ،قَالَتْ:وَكَانَ يَأْتِي عَلَيْنَا الشَّهْرُ مَا نَسْتَوْقِدُ نَارًا،إِنَّمَا هُمَا الأَسْوَدَانِ:التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلَى أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْنَا جِيرَانٌ لَنَا بِغَزِيرَةِ شَاتِهِمْ." (2) ،والأدم هو الجلد المدبوغ.
عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِى بَعْضِ الْمَشَاهِدِ وَقَدْ دَمِيَتْ إِصْبَعُهُ،فَقَالَ :
« هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ،وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ » (3)
الإخلاص لله تعالى في جميع الأعمال،وجعل الهدف الرئيسي من الحياة شعار المؤمن الذي يضعه بين عينيه،ويردده على جميع الأحوال " إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي".
قال تعالى:{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} الأنعام.
قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْمُشْرِكِينَ،الذِينَ يَذْبَحُونَ الذَّبَائِحِ عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللهِ:إِنَّكَ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ،فَإنَّ صَلاَتَكَ وَنُسْكَكَ وَمَحْيَاكَ عَلَى اسْمِ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،خَالِصاً لِوَجْهِ اللهِ الذِي خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ،وَهُوَ رَبُّ العَالَمِينَ جَمِيعاً .وَأَنَا أُؤْمِنُ بِأَنَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَقَدْ أَمَرَنِي اللهُ بِذَلِكَ،وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ المُمْتَثِلِينَ بِأَمْرِهِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ (4)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - شعب الإيمان - (11 / 373) (8692 ) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (14 / 275) (6361) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (2802 ) وصحيح مسلم- المكنز - (4755 )
(4) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 952)(1/140)
-20-آداب النوم
النوم هو آخر محطة ينزلها الراكب بعد أن يقطع رحلة يومه،وعناء نهاره،فيأوي في بيته إلى مكان هادئ ومريح ومظلم،ويسلم نفسه لخالقها الذي يتولى حفظها ورعايتها،وتصريف أمورها وعمل أجهزتها قال تعالى:{ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73)} القصص.
ومِنْ رَحْمَتِه بِكُم أَنَّهُ خَلَق اللَّيلَ مُظْلِماً لِتَسكُنُوا فيهِ،وتَرتَاحُوا وَخَلَقَ النَّهارَ مُضِيئاً،لتَعمَلُوا فيهِ،ولتكسبُوا مَعَايِشَكُم بالعَمَلِ والأَسْفَارِ ( لِتَبتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ )،وهُوَ تَعَالَى يُذَكِّرُكُمْ بِنِعمَتِهِ وآلائِهِ عَليكُم لَعَلَّكُمْ تَقُومُونَ بِشُكْرِهِ عَليها بأَداءِ العِبَادَاتِ لهُ في الليْلِ والنَّهَارِ،وتُخْلِصُونَ الحَمدَ لَهُ . (1)
والنوم آية تدلُّ على عظمة الله وقهره،وعلى ضعف الإنسان وفقره،فلولاه لكلت عضلاته،وشلّت أعصابه،وانفجرت شرايينه،فهو راحة له لاستعادة نشاطه وشحن قوته،رحمة من الله وفضلا ونعمة وكرما. قال تعالى:{ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً (11)} القصص.
وَجَعَلَ نَوْمَكُمْ فِي اللَّيْلِ قَاطِعاً لِلْحَرَكَةِ،لِتَرْتَاحَ الأَبْدَانُ مِمَّا تَكَابِدُهُ مِنْ عَنَاءِ النَّهَارِ فِي السَّعْيِ فِي أُمُورِ المَعَاشِ،وَلَوْلاَ النَّوْمُ لَفَقَدَتِ الأَبْدَانُ نَشَاطَهَا،وَأُرْهِقَتْ،وَانْقَطَعَتْ عَنِ العَمَلِ .وَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى اللَّيْلَ سَاتِراً لِلأَجْسَامِ عَنِ العُيُونِ بِظُلْمَتِهِ،وَمُغَطياً لَهَا،وَكَأَنَّهُ اللِّبَاسُ الذِي يُغَطِّي الجِسْمَ وَيَسْتُرُهُ .
وَجَعَلَ اللهُ النَّهَارَ مُشْرِقاً بِالضِّيَاءِ لِيَتَمَكَّنَ النَّاسُ مِنَ التَّصُرُّفِ فِيهِ،وَالسَّعْيِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَالمَعَاشِ . (2)
والنوم صنو الموت،يعطل الحواس،ويفقد الوعي،ويلقي بالإنسان جثة هامدة،ليس فيها إلا قلب ينبض،ونفس يتردد،ودماء تجري بقدرة الله الواحد القهار.
وفي كل شيء له آية ... ... تدلُّ على أنه واحد
هذا وللنوم وكيفيته ومقداره آداب إسلامية،وسنن نبوية نذكر فيها ما يلي:
الوضوء قبل النوم،وصلاة ما تيسر من قيام الليل،يختمها بصلاة الوتر،ولا يأخذه النوم إلا وهو على وضوء وذكر الله تعالى .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ أَوْصَانِى خَلِيلِى بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ،وَصَلاَةِ الضُّحَى،وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ (3) .
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3207)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5558)
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (1178)(1/141)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:"مَنْ آوَى إِلَى فِرَاشِهِ طَاهِرًا يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى يُدْرِكَهُ النُّعَاسُ،لَمْ يَتَغَلَّبْ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ". رواه ابن السني (1) .
محاسبة النفس قبل النوم على ما فعله في يومه،والاستغفار من جميع الذنوب التي اقترفها.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ،سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ،غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ أَوْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ." (2)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ:أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ،غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ،وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ،وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ رَمْلِ عَالِجٍ،وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ عَدَدِ وَرَقِ الشَّجَرِ." رواه الترمذي (3) .
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"مَنْ قَالَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلا فَقَهَرَ،وَبَطَنَ فَخَبَرَ،وَمَلَكَ فَقَدَرَ،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" (4)
قراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين قبل النوم.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وَ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) وَ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. (5) .
نفض الفراش والغطاء قبل الاضطجاع فيه للاطمئنان إلى خلوه من الحشرات وغيرها،ثم الاضطجاع على الجنب الأيمن،وتجنب مد الرجلين إلى جهة القبلة،ثم الدعاء بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأحد أدعية النوم.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ،فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ،ثُمَّ يَقُولُ بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِى،وَبِكَ أَرْفَعُهُ،إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِى فَارْحَمْهَا،وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ » البخاري (6)
__________
(1) - عمل اليوم والليلة لابن السني - (717 ) والمعجم الكبير للطبراني - (7 / 134) (7447 ) وسنن الترمذى- المكنز - (3869 ) وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(2) - صحيح ابن حبان - (12 / 338) (5528) صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 29)(11074) 11090- وسنن الترمذى- المكنز - (3725 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (20 / 270) (1789) حسن لغيره
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (5017 )
(6) - صحيح البخارى- المكنز - (6320) -الداخلة : الطرف الذى يلى الجسد(1/142)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ عَنْ فِرَاشِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ إِزَارِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَإِذَا اضْطَجَعَ فَلْيَقُلْ بِاسْمِكَ رَبِّى وَضَعْتُ جَنْبِى وَبِكَ أَرْفَعُهُ فَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِى فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ.فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى عَافَانِى فِى جَسَدِى وَرَدَّ عَلَىَّ رُوحِى وَأَذِنَ لِى بِذِكْرِهِ » (1) .
عدم استجلاب النوم تكلفا وعدم الاستلقاء على الفراش قبل الشعور بالنعاس.
التعوّد على النوم باكرا،فهو يعين على الاستيقاظ باكرا بهمة ونشاط للعبادة والصلاة،وهو ما تنصح به القواعد الصحية: ( نم مع الحمل واستيقظ مع العصفور).
قال تعالى:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (16) سورة السجدة.
وعَنِ الأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - كَيْفَ صَلاَةُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ قَالَتْ كَانَ يَنَامُ أَوَّلَهُ وَيَقُومُ آخِرَهُ،فَيُصَلِّى ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى فِرَاشِهِ،فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَثَبَ،فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ اغْتَسَلَ،وَإِلاَّ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ (2) ..
لبس الثياب اللينة والساترة والمريحة خلال النوم،وتجنب التعري والتكشف،واختيار المكان الهادئ والواسع والمريح للنوم،وانفراد كل شخص بغطاء خاص به.
يكون نوم الذكور في مكان مستقل عن مكان نوم الإناث. عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ ». (3)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: وسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لاَ يُبَاشِرِ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ،وَلاَ تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فِى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ " (4)
تجنب النوم على البطن،لأضراره الصحية النفسية والجسدية.
عَنْ يَعِيشَ بْنِ طِخْفَةَ بْنِ قَيْسٍ الْغِفَارِىِّ قَالَ كَانَ أَبِى مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى بَيْتِ عَائِشَةَ ». فَانْطَلَقْنَا فَقَالَ « يَا عَائِشَةُ أَطْعِمِينَا ». فَجَاءَتْ بِحَشِيشَةٍ فَأَكَلْنَا ثُمَّ قَالَ « يَا عَائِشَةُ أَطْعِمِينَا ». فَجَاءَتْ بِحَيْسَةٍ مِثْلِ الْقَطَاةِ فَأَكَلْنَا ثُمَّ قَالَ « يَا عَائِشَةُ اسْقِينَا ». فَجَاءَتْ بِعُسٍّ
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (3729 ) صحيح
داخلة : الإزار : طرفه. وصنفته : طرفه أيضا من جانب هدبه. وقيل : من جانب حاشيته.-خلفه عليه : خلف فلان فلانا : إذا قام مقامه. والمراد : ما يكون قد دب على فراشه بعد مفارقته له.
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1146 )
(3) سنن أبي داود - المكنز - (495 ) صحيح
(4) - غاية المقصد فى زوائد المسند 2 - (1 / 215) (3066 ) صحيح(1/143)
مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْنَا ثُمَّ قَالَ « يَا عَائِشَةُ اسْقِينَا ». فَجَاءَتْ بِقَدَحٍ صَغِيرٍ فَشَرِبْنَا ثُمَّ قَالَ « إِنْ شِئْتُمْ بِتُّمْ وَإِنْ شِئْتُمُ انْطَلَقْتُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ ». قَالَ فَبَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعٌ فِى الْمَسْجِدِ مِنَ السَّحَرِ عَلَى بَطْنِى إِذَا رَجُلٌ يُحَرِّكُنِى بِرِجْلِهِ فَقَالَ « إِنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ ». قَالَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . رواه أبو داود (1) .
ذكر الله عز وجل كلما استيقظ خلال النوم.
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ حِينَ يَسْتَيْقِظُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ دَعَا رَبِّ اغْفِرْ لِى ». قَالَ الْوَلِيدُ أَوْ قَالَ « دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ » (2)
عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا تَضَوَّرَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ،رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ.. رواه ابن حبان (3)
وعَنْ حُذَيْفَةَ،قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانًا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " (4)
الاعتدال في النوم،وعدم تجاوزه ثماني ساعات،لأن النوم تعطيل للحياة.
إغلاق النوافذ والأبواب،وإطفاء المواقد والنيران،وتغطية الأواني والأباريق،قبل النوم.
عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ بِاللَّيْلِ إِذَا رَقَدْتُمْ،وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ،وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ،وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ » البخاري (5)
الاستبشار بالرؤية الصالحة،وسؤال الله تعالى خيرها،والتحدث بها إلى من يحب،والاستعاذة بالله من الرؤيا السيئة وعدم التشاؤم منها،وسؤال الله تعالى صرف شرّها.
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ اللَّهِ،فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا،وَلْيُحَدِّثْ بِهَا،وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ،فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ الشَّيْطَانِ،فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا،وَلاَ يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ،فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ ».البخاري (6)
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (5042 ) حسن لغيره
الحيسة : الخليط من التمر والسمن والأقط -العس : القدح الكبير -القطاة : اليمامة
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (5062 ) صحيح -تعار : أرق واستيقظ
(3) - صحيح ابن حبان - (12 / 340) (5530) صحيح
(4) - شعب الإيمان - (6 / 224) (4075 ) صحيح
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (6296 ) - خمر : غَطِ
(6) - صحيح البخارى- المكنز - (6985 )(1/144)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ،وَلاَ يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ ». الحميدي (1)
القيام إلى الوضوء والصلاة إذا أصيب بأرق،ثم الاستعاذة بكلمات الله التامات من غضبه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين،ثم الدعاء بما علّم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
عَنْ زَيْدِ بن ثَابِتٍ،قَالَ:أَصَابَنِي أَرَقُّ اللَّيْلِ،فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:قُلِ:اللَّهُمَّ غَارَتِ النُّجُومُ،وهَدَأَتِ الْعُيُونُ،وَأَنْتَ حَيٌّ قَيُّومٌ،يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ أَنِمْ عَيْنِي وأهْدِئْ لِيَلِي،فَقُلْتُهَا فَذَهَبَ عَنْي ) .. رواه الطبراني (2)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند الحميدي - المكنز - (1197) صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (5 / 33) (4683) ضعيف(1/145)
-21-آداب الغسل ودخول الحمام
اهتم الإسلام بجميع الشؤون التي يصادفها المسلم ويتعرّض لها خلال خطوات حياته،فهو إلى جانب حرصه على بناء المسلم الكامل في عقيدته،الراجح في عقله،الزكيّ في نفسه،الفاضل في أخلاقه،الناجح في معاملاته،حرص على بناء المسلم السليم في جسده،القوي في بنيته،الطاهر في بدنه،النظيف في ثيابه،المعطر في رائحته،الجميل في هندامه.
قال تعالى:{ لمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (108) سورة التوبة
إِنَّ مَسْجِدَ قبَاءٍ فِيهِ رِجَالٌ يَعْمُرُونَهُ بِإِقَامَةِ الصَّلاَةِ،وَذِكْرِ اللهِ،وَتَسْبِيحِهِ؟،وَيُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا بِذَلِكَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ.وَيُثْنِي اللهُ تَعَالَى عَلَى الأَنْصَارِ فِي تَطَهُّرِهِمْ،وَفِي عِنَايَتِهِمْ بِنَظَافَةِ أَبْدَانِهِمْ،لأَنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ . (1)
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " تَنَظَّفُوا " (2) .
وإذا كان العقل السليم في الجسم السليم،فإن الإسلام جعل من الطهارة التي هي سبب في صحة الأجسام،ونشاط الأعضاء،جعل منها نصف الإيمان.
فعَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالصَّلاَةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ». رواه مسلم (3) .
وقد شرع الإسلام النظافة على هيئة الغسل أو الوضوء كمقدمة لأهم العبادات وأكثرها تكرارا في اليوم والليلة وهي الصلاة،وأكد على فضيلة إسباغ الوضوء وإبلاغ الغسل جميع البدن.
فعَنْ عَلِىٍّ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ ». رواه أبو داود (4) .
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ ». رواه مسلم (5) .
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1344)
(2) - الزهد لوكيع - (288 ) حسن مرسل
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (556 ) -الموبق : المُهْلَك
(4) - سنن أبي داود - المكنز - (61 ) صحيح لغيره
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (601 )(1/146)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ،خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ،وَمَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ،أَوْ نَحْوَ هَذَا،فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ،أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ،حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ." رواه مسلم (1)
وسنّ الإغتسال لكثير من العبادات أو المناسبات الدينية التي يلتقي فيها المسلمون ومنها: غسل الجمعة،وغسل العيدين،وعند الإحرام،ولدخول مكة،وللوقوف بعرفة،وللطواف،ولدخول المدينة،ولكل ليلة من رمضان،ولمن دخل في الإسلام (2) ..
هذا وللغسل والاستحمام آداب إسلامية على المسلم أن يراعيها ويتعلمها ويتقيد بها،نذكر منها الآداب التالية:
تسمية الله تعالى عند خلع الثياب للغسل،وتستحب التسمية ولو لجنب أو حائض دون أن يقصدا بها القرآن.
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : سِتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ،وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا وَضَعُوا ثِيَابَهُمْ،أَنْ يَقُولُوا:بِسْمِ اللَّهِ " تمام (3) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : سِتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ،وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ،أَنْ يَقُولُوا:بِسْمِ اللَّهِ " (4)
وعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ:" سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ بِسْمِ اللَّهِ إِذَا وَضَعَ ثِيَابَهُ " (5)
ستر العورة،إذ يحرم على المسلم أن يغتسل أمام أحد وهو مكشوف العورة،كما ينبغي عدم كشف العورة لغير حاجة وذلك حياء من الله تعالى،وإكراما للملائكة الحفظة الكاتبين،والانتباه إلى أن عورة الرجل على الرجل،والمرأة على المرأة،من السرة إلى الركبة.
قال تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) } الأعراف 26-27.
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (600) وصحيح ابن حبان - (3 / 315) (1040)
(2) - انظر الفقه الإسلامي وأدلته - (1 / 476) والموسوعة الفقهية الكويتية - (18 / 319)
(3) - الفوائد لتمام 414 - (2 / 418)(1709) حسن لغيره
(4) - الفوائد لتمام 414 - (2 / 417)(1708) حسن لغيره
(5) - العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني - (1078) صحيح مقطوع(1/147)
يا بني آدم قد جعلنا لكم لباسًا يستر عوراتكم،وهو لباس الضرورة،ولباسًا للزينة والتجمل،وهو من الكمال والتنعم. ولباسُ تقوى الله تعالى بفعل الأوامر واجتناب النواهي هو خير لباس للمؤمن. ذلك الذي مَنَّ الله به عليكم من الدلائل على ربوبية الله تعالى ووحدانيته وفضله ورحمته بعباده; لكي تتذكروا هذه النعم،فتشكروا لله عليها. وفي ذلك امتنان من الله تعالى على خَلْقه بهذه النعم.يا بني آدم لا يخدعنَّكم الشيطان،فيزين لكم المعصية،كما زيَّنها لأبويكم آدم وحواء،فأخرجهما بسببها من الجنة،ينزع عنهما لباسهما الذي سترهما الله به; لتنكشف لهما عوراتهما. إن الشيطان يراكم هو وذريته وجنسه وأنتم لا ترونهم فاحذروهم. إنَّا جعلنا الشياطين أولياء للكفار الذين لا يوحدون الله،ولا يصدقون رسله،ولا يعملون بهديه. . (1)
وعَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ أَبِيهِ - قَالَ كَانَ جَرْهَدٌ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ - قَالَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَنَا وَفَخِذِى مُنْكَشِفَةٌ فَقَالَ « أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ ». رواه أبو داود (2) .
وعَنْ بَهْزِ بن حَكِيمٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟،قَالَ:"اسْتُرْ عَوْرَتَكَ إِلا مِنْ زَوْجِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ"،زَادَ الْحَجَبِيُّ فِي حَدِيثِهِ: قُلْتُ: الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟،قَالَ:"إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلا تَرَيَنَّهَا"،قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟،قَالَ:"فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ". الطبراني (3)
وعن بَهْزَ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ:حَدَّثَنِي أَبِي،عَنْ جَدِّي قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ؟ قَالَ:" احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ،أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ " قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ:" إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتَكَ فَافْعَلْ " قُلْتُ:فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا فَقَالَ:" فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَى مِنَ النَّاسِ " (4)
تجنب الدخول إلى الحمام إلا وهو ساتر لعورته بفوطة أو مئزر،والاحتفاظ بها أثناء الاستحمام وخاصة في الحمامات العامة.
عَنْ أَبِي عُذْرَةَ،قَالَ:وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،عَنْ عَائِشَةَ:أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ عَنِ الْحَمَّامَاتِ،ثُمَّ رَخَّصَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَدْخُلُوهَا فِي الْمَآزِرِ." أحمد (5) .
__________
(1) - التفسير الميسر - (2 / 487)
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (4016 ) صحيح
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (14 / 347) (16340) صحيح
(4) - عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة - (1 / 79) 78-7733 - صحيح
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 237)(25006) 25520- حسن لغيره(1/148)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّهَا سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلاَ يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إِلاَّ بِالأُزُرِ وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إِلاَّ مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ »أبو داود. (1)
وعَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ،فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ،مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ،فَلَا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ،مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ،فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ " إِمَّا قَالَ: يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ أَوْ قَالَ: يُشْرَبُ الْخَمْرُ " البيهقي (2) .
غض البصر عن عورته،وعن عورات الآخرين،وتجنب استراق النظر إلى أحد وهو يخلع ثيابه أو يغتسل.
قال تعالى:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (30) سورة النور.
قل - أيها النبي - للمؤمنين يَغُضُّوا مِن أبصارهم عمَّا لا يحلُّ لهم من النساء والعورات،ويحفظوا فروجهم عمَّا حَرَّم الله من الزنى واللواط،وكشف العورات،ونحو ذلك،ذلك أطهر لهم. إن الله خبير بما يصنعون فيما يأمرهم به وينهاهم عنه. (3)
وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ بَلَغَنِى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« لَعَنَ اللَّهُ النَّاظِرَ وَالْمَنْظُورَ إِلَيْهِ » البيهقي (4) .
طلب الخلوة،والاستتار عن الأنظار،وترك الاعتماد على أحد أو مساعدته في الاستحمام،إلا ما يكون من تعليم الوالدين لأبنائهما الصغار.
عَنْ يَعْلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ بِلاَ إِزَارٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ ». رواه أبو داود والنسائي (5) .
تجنب الكلام والحديث مع الآخرين،والسلام أوردِّه على أحد والذكر الجهري وتلاوة القرآن،أثناء الاستحمام،إلا ما كان من النية وأدعية الغسل،والتزام الصمت والهدوء في صب الماء.
تجنب تناول الطعام،أو شرب الماء البارد أثناء الاستحمام،وتجنب دخول الحمام بعد الطعام مباشرة،لأن ذلك يسيء إلى عملية الهضم.
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (4013 ) حسن
(2) - شعب الإيمان - (7 / 412)(5207) حسن صحيح
(3) - التفسير الميسر - (6 / 234)
(4) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (7 / 99) (13950) ومَرَاسِيلُ أَبِي دَاوُدَ (445 ) حسن مرسل
(5) - سنن أبي داود - المكنز - (4014 ) وسنن النسائي- المكنز - (409 ) صحيح -براز : الفضاء الواسع من الأرض(1/149)
التفكر والاعتبار وتذكر الموت والدار الآخرة عند التجرد من الثياب،والتعوّذ بالله تعالى من النار والحميم عند صب الماء الحار.
تجنب الدخول إلى الحمامات العامة إلا عند الضرورة،لأنه مظنة لكشف العورات،والنظر إلى الآخرين،وخاصة إذا توفر الحمّام في البيت.
تجنب الإسراف وصب الماء بلا حاجة،فهو من مكروهات الغسل،ولو كان يغترف من نهر جار،لأن الله لا يحب المسرفين.
عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ،قَالَ:سَمِعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ،ابْنًا لَهُ وَهُوَ يَقُولُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ،قَالَ:يَا بُنَيَّ،إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ،وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ،وَالطُّهُورِ." ابن حبان (1) .
الانتباه إلى إسباغ الغسل وتبليغه جميع البدن،وإيصاله إلى معاطف الجسم ومنابت الشعر،وذلك حسب الطريقة الشرعية.
قال الإمام الغزالي: إن أردت غسلا فاحمل الإناء،وضعه عن يمينك إن كنت تغترف منه،وعن يسارك إن كنت تصب منه،واغسل يديك أولا ثلاثا،وأزل ما على جسمك من نجاسة أو قذر،ثم توضأ وضوءك للصلاة،ثم صب الماء على رأسك ثلاثا مع استحضار النية،ثم على شقك الأيمن ثلاثا،ثم على شقك الأيسر ثلاثا،وأدلك ما أقبل من بدنك،وخلل الأطراف،وأوصل الماء إلى معاطف البدن ومنابت الشعر ما خف منه أو كثف،واعلم أن الواجب هو النية واستيعاب البدن بالغسل. (2)
قال تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (222) سورة البقرة.
وَاللهُ يُحِبُّ التَّوَابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ،وَإنْ تَكَرَّرَ غِشْيَانُها،وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ عَنِ الأقْذَارِ وَالأذَى وَالفَواحِش .
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِى أُصُولِ الشَّعْرِ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدِ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ حَفَنَاتٍ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ." رواه مسلم (3) .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (15 / 166) (6763) صحيح
(2) - إحياء علوم الدين - (1 / 145) وبداية الهداية - (1 / 4)
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (744 )(1/150)
وعَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ،قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ،يَبْدَأُ،فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ،ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ،فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ،ثُمَّ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى الأَرْضِ،فَيَمْسَحُهَا،ثُمَّ يَغْسِلُهَا،ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ،ثُمَّ يُفْرِغُ عَلَى رَأْسِهِ وَعَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ،ثُمَّ يَتَنَحَّى،فَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ." أحمد (1)
الانتباه إلى أنه يحرم على الجنب خمسة أشياء: الصلاة،وقراءة القرآن،ومس المصحف وحمله،والطواف والمكث في المسجد إلا لعذر.
ويحرم على المحدث حدثا أصغر ثلاثة أشياء: الصلاة،والطواف،ومس المصحف وحمله وأجازه بعض أهل العلم (2)
13- ينبغي للمسلم أن يسارع إلى إزالة الحدثين بالغسل والوضوء فور حدوثهما،وعدم البقاء على جنابة فإنه لا يدري متى يقع الموت.
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 664)(26798) 27334- صحيح
(2) - انظر :مصنف ابن أبي شيبة - (5 / 137)( 7500-7508) والموسوعة الفقهية الكويتية - (16 / 240) والموسوعة الفقهية الكويتية - (18 / 322)(1/151)
-22-آداب المسجد
المساجد بيوت الله تعالى،ومن أحب الله تعالى أحب بيوته،وأكثر من زيارته فيها. قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (18) سورة الجن.
وأن المساجد لعبادة الله وحده،فلا تعبدوا فيها غيره،وأخلصوا له الدعاء والعبادة فيها؛ فإن المساجد لم تُبْنَ إلا ليُعبَدَ اللهُ وحده فيها،دون من سواه،وفي هذا وجوب تنزيه المساجد من كل ما يشوب الإخلاص لله،ومتابعة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - . (1)
والضيف إذا نزل بساحة الكرماء،ومنازل العظماء،أصابه جودهم وفضلهم،ونال من أعطياتهم وغنم من إكرامهم،فكيف بضيف نزل بأكرم الأكرمين،وحلّ على رب العالمين..؟
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّ بُيُوتَ اللَّهِ فِي الأَرْضِ الْمَسَاجِدُ،وَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ مَنْ زَارَهُ فِيهَا." الطبراني (2)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ،قَالَ: أَخْبَرَنَا أَصْحَابُ،رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللهِ فِي الْأَرْضِ،وَإِنَّهُ لَحَقٌّ عَلَى اللهِ أَنْ يُكْرِمَ مَنْ زَارَهُ فِيهَا " (3)
وعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ،إِلا كَانَ زَائِرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ". (4)
وعَنْ عُمَرَ،قَالَ:الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللهِ فِي الأَرْضِ،وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ." (5)
وعَنْ سَلْمَانَ،قَالَ:مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ،ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لِيُصَلِّيَ فِيهِ كَانَ زَائِرًا للهِ،وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ." (6)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ،أَنَّ كَعْبًا،قَالَ:إِنِّي لأَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ يَقُولُ تَبَارَكَ وَتعالى: إِنَّ بُيُوتِي فِي الأَرْضِ الْمَسَاجِدُ،وَإِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ،ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَهُوَ زَائِرُ اللَّهِ،وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ،ثُمَّ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فَوَجَدْتُ فِيهِ {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ..} إِلَى آخِرِ الآيَةِ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي التَّوْرَاةِ:أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ مَحَبَّةٌ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ حَتَّى يَكُونَ بَدْؤُهَا مِنَ اللَّهِ يُنَزِّلُهَا اللَّهُ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ،ثُمَّ يُنَزِّلُهَا عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ،وَلَمْ يَكُنْ بُغْضُهُ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ،حَتَّى يَكُونَ بَدْؤُهَا مِنَ اللَّهِ يُنَزِّلُهَا عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ ثُمَّ يُنَزِّلُهَا عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ،ثُمَّ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فَوَجَدْتُ فِيهِ {إِنَّ
__________
(1) - التفسير الميسر - (10 / 287)
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 3) (10171 ) حسن
(3) - شعب الإيمان - (4 / 378)(2682 ) صحيح موقوف
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (6 / 68) (6022) حسن
(5) - مصنف ابن أبي شيبة - (19 / 189) (35758) حسن
(6) - مصنف ابن أبي شيبة - (19 / 189) (35760) صحيح موقوف(1/152)
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}،وَوَجَدْتُ فِي التَّوْرَاةِ:مَنْ قَالَ مِنْ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ فَقَدِ اجْتَهَدَ،وَمَنْ قَالَ هَكَذَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَلَبَهَا وَجَعَلَ ظُهُورَ كَفَّيْهِ مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ فَقَدِ ابْتَهَلَ،وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرُدَّ يَدِينِ خَاسِئَتَيْنِ يُسْأَلُ بِهَا خَيْرًا ." (1)
ولا شك أن أعظم هذه الكرامات،وأفضل هذه الأعطيات،أن يذيقه الله تعالى لذة قربه وحلاوة مناجاته،وأن يمنحه شهادة الإيمان.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ،فَاشْهَدُوا عَلَيْهِ بِالإِيمَانِ،قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (18) سورة التوبة. ابن حبان (2) .
وفي منازل القيامة،وكربات مواقفها،وأهوال مشاهدها،يكون في ظل عرش الرحمن،آمنا مطمئنا. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ،وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ رَبِّهِ،وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ،وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ،وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ.وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ،وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ».متفق عليه (3) .
ثم يصله تعالى بنعمة الجنة،وما أعده له فيها من نعيم مقيم،وفضل عميم.. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِى الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ » رواه مسلم. (4) .
والمساجد ليست معابد تؤدَّى فيها طقوس العبادات،وحركات الصلوات فحسب،فالأرض كلها جعلت لأمة النبي - صلى الله عليه وسلم - مسجدا وطهورا،وتصلح لأداء الأركان والواجبات،فعَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:كُنْتُ أَعْرِضُ عَلَيْهِ وَيَعْرِضُ عَلَيَّ فِي السِّكَّةِ،فَيَمُرُّ بِالسَّجْدَةِ فَيَسْجُدُ،قَالَ:قُلْتُ:أَتَسْجُدُ فِي السِّكَّةِ ؟ قَالَ:نَعَمْ،سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ،يَقُولُ:سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ:الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ،قَالَ:قُلْتُ:ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ:ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأَقْصَى،قَالَ:قُلْتُ:كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ:أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ:ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ." أحمد (5) .
وعن جَابِرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي:نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ،وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا،وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ،وَأُحِلَّتْ
__________
(1) - الزهد أبي داود 275 - (1 / 378)(483) صحيح مقطوع
(2) - صحيح ابن حبان - (5 / 6) (1721) والمستدرك للحاكم (770) حسن
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (660 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2427)
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (1556 )
فيه: الحض على شهود الجماعات، ومواظبة المساجد للصلوات؛ لأنه إذا أعد الله له نزله فى الجنة بالغدو والرواح، فما ظنك بما يُعِدُّ له ويتفضل عليه بالصلاة فى الجماعة واحتساب أجرها والإخلاص فيها لله تعالى.شرح ابن بطال - (3 / 357)
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 173)(21383) 21711- صحيح(1/153)
لِيَ الْغَنَائِمُ،وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي،وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ،وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً،وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً." البخاري (1)
ولكن المساجد بيوت الله يأوي إليها المسلم منقطعا عن صخب الحياة المادية،ومتحررا من قيود الهموم الدنيوية،فيجد فيها مراتع من رياض الجنة،ورياحين الفردوس.. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا،قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ:الْمَسَاجِدُ،قُلْتُ:وَمَا الرَّتْعُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ:سُبْحَانَ اللهِ،وَالْحَمْدُ للهِ،وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ،وَاللهُ أَكْبَرُ." الترمذي (2)
فتارة في مجلس ذكر لله تعالى،وتلاوة القرآن الكريم يصل فيها إلى صفاء الروح،ولقائها بخالقها،وصلتها بمصدر الخير والكمال،ونهلها من منبع الحكمة والمعرفة والإيمان..
وتارة في مجلس وعظ وإرشاد تتزكى فيه النفس من نقائصها،وتتطهر من رذائلها،وتتحلى بفضائلها ومكارم أخلاقها..
وتارة في مجلس علم وفقه في الدين تتفتح فيه آفاق العقل على عظمة التشريع،وتتنوّر دروب الحياة بهدي التعاليم الإلهية،فيتضح صراط الله المستقيم..
كل ذلك في مجتمع إيماني كريم،يشدُّ بعضه أزر بعض،ويحقق فيه المؤمنون قوله تعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2) سورة المائدة. ويجنون من الثمرات ما ورد في الحديث الشريف عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ». رواه مسلم (3) .
وإذا كان حق الضيف إكرامه،فإن من واجبه معرفة قدر من يزور،والاستعداد لزيارته،والتأدب في حضرته بما يليق وجلال المزور وعظمته..
ومن الآداب الإسلامية لزيارة بيوت الله تبارك وتعالى نذكر منها ما يلي:
محبة المساجد وتقديرها،والنظر إليها بعين التكريم والتعظيم والتقديس والاحترام،لأنها بيوت الله تعالى التي بنيت لذكره وعبادته،وتلاوة كتابه وأداء رسالته،ونشر تعاليمه وتبليغ منهجه،وتعارف أتباعه
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (335) وصحيح ابن حبان - (14 / 308) (6398)
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (3851) حسن
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (7028 )(1/154)
ولقائهم على مائدة العلم والحكمة ومكارم الأخلاق..قال تعالى:{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} الحج.
وقال سبحانه:{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) } [النور:36-38] .
هذا النور المضيء في مساجد أَمَرَ الله أن يُرْفع شأنها وبناؤها،ويُذْكر فيها اسمه بتلاوة كتابه والتسبيح والتهليل،وغير ذلك من أنواع الذكر،يُصلِّي فيها لله في الصباح والمساء.رجال لا تشغلهم تجارة ولا بيع عن ذِكْرِ الله،وإقام الصلاة،وإيتاء الزكاة لمستحقيها،يخافون يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب بين الرجاء في النجاة والخوف من الهلاك،وتتقلب فيه الأبصار تنظر إلى أي مصير تكون؟ ليعطيهم الله ثواب أحسن أعمالهم،ويزيدهم من فضله بمضاعفة حسناتهم. والله يرزق مَن يشاء بغير حساب،بل يعطيه مِنَ الأجر ما لا يبلغه عمله،وبلا عدٍّ ولا كيل. (1)
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ،قَالَ: كَتَبَ سَلْمَانُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ يَا أَخِي لِيَكُنِ الْمَسْجِدُ بَيْتَكَ،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:"الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ،وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ كَانَ الْمَسَاجِدُ بُيُوتَهُ الرَّوْحَ،وَالرَّحْمَةَ،وَالْجَوَازَ عَلَى الصِّرَاطِ".رواه الطبراني (2) .
وعَنْ ابْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ: أَوْصَانِي أَبِي يَا بُنَيَّ لِيَكُنِ الْمَسْجِدُ بَيْتَكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللهِ،وَقَدْ ضَمِنَ اللهُ لِمَنْ كَانَتِ الْمَسَاجِدُ بَيْتَهُ بالرَّوْحِ وَالرَّاحَةِ،وَالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ إِلَى الْجَنَّةِ " " (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ،أَوْ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا،أَوْ رَاحَ" ابن أبي شيبة. (4)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَادًا هُمْ أَوْتَادُهَا لَهُمْ جُلَسَاءُ مِنَ الْمَلائِكَةِ،فَإِنْ غَابُوا سَأَلُوا عَنْهُمْ،وَإِنْ كَانُوا مَرْضَى عَادُوهُمْ،وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ " (5)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَادًا الْمَلاَئِكَةُ جُلَسَاؤُهُمْ،إِنْ غَابُوا يَفْتَقِدُونَهُمْ،وَإِنْ مَرِضُوا عَادُوهُمْ،وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ. وَقَالَ:جَلِيسُ الْمَسْجِدِ عَلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ:أَخٍ
__________
(1) - التفسير الميسر - (6 / 240)
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (6 / 67) (6020) حسن لغيره
(3) - شعب الإيمان - (4 / 381)(2688 ) حسن لغيره
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (19 / 187) (35754) صحيح
(5) - المستدرك للحاكم (3507) صحيح موقوف(1/155)
مُسْتَفَادٍ،أَوْ كَلِمَةٍ مُحْكَمَةٍ،أَوْ رَحْمَةٍ مُنْتَظَرَةٍ." أحمد (1)
وعَنْ أَبِي حَازِمٍ،قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: " إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَادًا مِنَ النَّاسِ،وَإِنَّ لَهُمْ جُلَسَاءَ مِنَ الْمَلَائِكَةَ،فَإِذَا فَقَدُوهُمْ سَأَلُوا عَنْهُمْ فَإِنْ كَانُوا مَرْضَى عَادُوهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ " (2)
العمل على إشادتها،والقيام بما يستطيع من جهد مادي أو جسدي لبنائها،وتشجيع الناس على التبرع لاستكمالها وتجهيزها بما يليق ومكانتها،وابتغاء وجه الله تعالى في كل ذلك. فعَنْ أَبِي ذَرٍّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ. " ابن حبان (3)
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،أَنَّهُ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَذْكُرُ فِيهِ اسْمَ اللهِ،بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ." ابن حبان (4)
وعن عُبَيْدِ اللهِ الْخَوْلاَنِيِّ،أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ،يَقُولُ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:مَنْ بَنَى مَسْجِدًا،بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ." ابن حبان (5)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّهُ قَالَ:مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا،بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ. رواه أحمد (6) .
المحافظة على ارتياد المساجد ولو كانت بعيدة عن منزله،والمشي إليها ولو تحمل في سبيل ذلك الحّر والبرد،وظلمة الليل ومشقة الطريق.فعَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِى الصَّلاَةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى فَأَبْعَدُهُمْ وَالَّذِى يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِى يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَنَامُ ». وَفِى رِوَايَةِ « حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ فِى جَمَاعَةٍ » رواه مسلم (7) ..
وعَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِى الصَّلاَةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى،وَالَّذِى يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِى يُصَلِّى ثُمَّ يَنَامُ » (8) .
وعَنْ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِى الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».رواه أبو داود (9) .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 500)(9424) 9414-9415 ) حسن
(2) - شعب الإيمان - (4 / 382) (2691 ) صحيح مقطوع
(3) - صحيح ابن حبان - (4 / 489)(1610) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (4 / 487) (1608) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (4 / 488) (1609) صحيح
(6) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 639)(2157) صحيح لغيره
المفحص : الحفرة التي تحفرها القطاة في الأرض لتبيض وترقد فيها -القطاة : نوع من اليمام
(7) - صحيح مسلم- المكنز - (1545 )
(8) - صحيح البخارى- المكنز - (651 )
(9) - سنن أبي داود - المكنز - (561 ) صحيح(1/156)
وعَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كَانَ رَجُلٌ لاَ أَعْلَمُ رَجُلاً أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ وَكَانَ لاَ تُخْطِئُهُ صَلاَةٌ - قَالَ - فَقِيلَ لَهُ أَوْ قُلْتُ لَهُ لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِى الظَّلْمَاءِ وَفِى الرَّمْضَاءِ.قَالَ مَا يَسُرُّنِى أَنَّ مَنْزِلِى إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ إِنِّى أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِى مَمْشَاىَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِى إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ ». رواه مسلم (1) .
التهيؤ للذهاب إلى المسجد بالطهارة وحسن الوضوء والتسوّك،ولبس الثياب النظيفة،وتقليم الأظافر وترجيل الشعر،والتجمّل والتطيّب.
قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف
يا بني آدم كونوا عند أداء كل صلاة على حالة من الزينة المشروعة من ثياب ساترة لعوراتكم ونظافة وطهارة ونحو ذلك،وكلوا واشربوا من طيبات ما رزقكم الله،ولا تتجاوزوا حدود الاعتدال في ذلك. إن الله لا يحب المتجاوزين المسرفين في الطعام والشراب وغير ذلك. (2)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَأَبِى سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْتَاكَ وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَتَطَيَّبَ بِطِيبٍ إِنْ وَجَدَهُ ثُمَّ جَاءَ وَلَمْ يَتَخَطَّ النَّاسَ فَصَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُصَلِّىَ فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ سَكَتَ فَذَلِكَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى » البيهقي (3) .
وعَنْ سَلْمَانَ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَسْبَغَ وَتَطَهَّرَ وَتَطَيَّبَ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ،وَخَرَجَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ،ثُمَّ صَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ حَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى." البزار (4)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ تَطَهَّرَ فِى بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِىَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً ». رواه مسلم. (5)
إنهاء جميع الأعمال الدنيوية،وإيقاف كافة الأشغال المادية عند سماع الأذان،والمسارعة إلى تلبية النداء،والتوجه إلى المسجد مهما كانت الأعذار.قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (24) سورة الأنفال
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1546 ) -الرمضاء : الرمل الحار والأرض الشديدة الحرارة
(2) - التفسير الميسر - (2 / 492)
(3) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (3 / 192) (5892) صحيح
(4) - مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (6 / 472) (2504) صحيح
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (1553 )(1/157)
يا أيها الذين صدِّقوا بالله ربًا وبمحمد نبيًا ورسولا استجيبوا لله وللرسول بالطاعة إذا دعاكم لما يحييكم من الحق،ففي الاستجابة إصلاح حياتكم في الدنيا والآخرة،واعلموا -أيها المؤمنون- أن الله تعالى هو المتصرف في جميع الأشياء،والقادر على أن يحول بين الإنسان وما يشتهيه قلبه،فهو سبحانه الذي ينبغي أن يستجاب له إذا دعاكم; إذ بيده ملكوت كل شيء،واعلموا أنكم تُجمعون ليوم لا ريب فيه،فيجازي كلا بما يستحق. (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِى قَائِدٌ يَقُودُنِى إِلَى الْمَسْجِدِ. فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّىَ فِى بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ « هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ ». فَقَالَ نَعَمْ. قَالَ « فَأَجِبْ ». رواه مسلم (2) .
الدخول إلى المسجد مقدما الرجل اليمنى قائلا: بسم الله،اللهم صل على سيدنا محمد،اللهم افتح لي أبواب رحمتك.
كما يستحب أن ينوي الاعتكاف فإنه يصح ولو لم يمكث إلا فترة قليلة،فيقول: نويت الاعتكاف في هذا المسجد ما دمت فيه.
الخروج مقدما الرجل اليسرى واضعا حذاءه أمامه بهدوء قائلا: اللهم صل على سيدنا محمد،اللهم إني أسألك من فضلك.
عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ،أَوْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ وَلْيَقُلِ:اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ. ابن حبان (3)
وعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ أَوْ أَبَا أُسَيْدٍ الأَنْصَارِىَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ لْيَقُلِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِى أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ »رواه مسلم وأبو داود (4) .
__________
(1) - التفسير الميسر - (3 / 192)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (1518 )
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَنْ قَالَ : الْجَمَاعَة فَرْض عَيْن . وَأَجَابَ الْجُمْهُور عَنْهُ بِأَنَّهُ سَأَلَ هَلْ لَهُ رُخْصَة أَنْ يُصَلِّي فِي بَيْته وَتَحْصُل لَهُ فَضِيلَة الْجَمَاعَة بِسَبَبِ عُذْره ؟ فَقِيلَ : لَا . وَيُؤَيِّد هَذَا أَنَّ حُضُور الْجَمَاعَة يَسْقُط بِالْعُذْرِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَدَلِيله مِنْ السُّنَّة حَدِيث عِتْبَانَ بْن مَالِك الْمَذْكُور بَعْد هَذَا . وَأَمَّا تَرْخِيص النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ رَدُّهُ ، وَقَوْله : فَأَجِبْ ، فَيَحْتَمِل أَنَّهُ بِوَحْيٍ نَزَلَ فِي الْحَال ، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ تَغَيَّرَ اِجْتِهَاده - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَقَوْل الْأَكْثَرِينَ إِنَّهُ يَجُوز لَهُ الِاجْتِهَاد ، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُ أَوَّلًا وَأَرَادَ أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْك الْحُضُور إِمَّا لِعُذْرٍ وَإِمَّا لِأَنَّ فَرْض الْكِفَايَة حَاصِل بِحُضُورِ غَيْره ، وَإِمَّا الْأَمْرَيْنِ ، ثُمَّ نَدَبَهُ إِلَى الْأَفْضَل فَقَالَ : الْأَفْضَل لَك وَالْأَعْظَم لِأَجْرِك أَنْ تُجِيب وَتَحْضُر فَأَجِبْ . وَاللَّهُ أَعْلَم "شرح النووي على مسلم - (2 / 454) والموسوعة الفقهية الكويتية - (27 / 165)
(3) - صحيح ابن حبان - (5 / 397)(2048) صحيح
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (1685) وسنن أبي داود - المكنز - (465 )(1/158)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلْيَقُلِ:اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ،وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ." ابن حبان (1)
صلاة ركعتين سنة تحية المسجد قبل الجلوس،إذا لم يكن وقت صلاة راتبة،ومن لم يتمكن من الصلاة لحدث أو شغل.. فليقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " " إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الجَنَّةِ فَارْتَعُوا " ".قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رِيَاضُ الجَنَّةِ ؟ قَالَ:" " المَسَاجِدُ " "،قُلْتُ:وَمَا الرَّتْعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ:" " سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ " " (2)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِىِّ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِىٍّ الأَنْصَارِىَّ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّىَ رَكْعَتَيْنِ » البخاري (3) ..
خلع الحذاء وإزالة ما علق به من أوساخ خارج المسجد،وإطباقه ووضعه في أقرب مكان مخصص والحذر من رفعه فوق الرؤوس،أو تلويث المسجد به،ثم إطباق باب المسجد بهدوء عند الدخول.
الانتباه إلى طهارة الجوارب ونظافتها،قبل المشي بها على سجاد المسجد.
تجنب أكل الثوم أو البصل،وما له رائحة كريهة،والدخول إلى المسجد قبل إزالتها،بتنظيف الفم بالماء والفرشاة والمعجون.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً،فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا،وَلْيَقْعُدْ فِى بَيْتِهِ ».وَإِنَّهُ أُتِىَ بِبَدْرٍ - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَعْنِى طَبَقًا - فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ،فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا فَسَأَلَ عَنْهَا - أُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ - فَقَالَ قَرِّبُوهَا فَقَرَّبُوهَا إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ،فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا قَالَ « كُلْ،فَإِنِّى أُنَاجِى مَنْ لاَ تُنَاجِى ».متفق عليه (4) .
وعَنْ جَابِرٍ،أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ،فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا " أبو يعلى (5)
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ. فَغَلَبَتْنَا الْحَاجَةُ فَأَكَلْنَا مِنْهَا فَقَالَ « مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسُ » مسلم. (6)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (5 / 396)(2047) صحيح
(2) - سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ ـ الْجَامِعُ الصَّحِيحُ (3585 ) حسن لغيره
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (1163 )
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (7359 ) وصحيح مسلم- المكنز -(1281)- البدر : الطبق
(5) - مسند أبي يعلى الموصلي (2322) صحيح
(6) - صحيح مسلم- المكنز - (1280 )(1/159)
تجنب تلويث المسجد بشيء من القاذورات أو النجاسات،كالمرور بأرجل عليها نجاسة،أو تلويثه بالقليل من الدم،كما يحرم البول في المسجد ولو كان في وعاء ويحرم الاستنجاء فيه.
فعن إِسْحَاقَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - وَهُوَ عَمُّ إِسْحَاقَ - قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ فِى الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَهْ مَهْ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ ». فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ « إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَىْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلاَ الْقَذَرِ إِنَّمَا هِىَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ». أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .قَالَ فَأَمَرَ رَجُلاً مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ. رواه مسلم (1) .
تجنب تلويث المسجد بالبصاق أو المخاط أو النخامة،وخاصة عند عتبات المسجد أو على بابه أو في أماكن الوضوء،والقيام على إزالته إن وجد.
عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا." متفق عليه (2) .
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى فِى جِدَارِ الْقِبْلَةِ مُخَاطًا أَوْ بُصَاقًا أَوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ ." البخاري (3) .
تجنب اللهو واللعب والجري،واللغو والثرثرة،ورفع الأصوات ولو بقراءة القرآن على وجه يشوّش على المصلين أو الذاكرين أو المتدارسين للعلم.
عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنْتُ قَائِمًا فِى الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِى رَجُلٌ،فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِى بِهَذَيْنِ.فَجِئْتُهُ بِهِمَا.قَالَ مَنْ أَنْتُمَا - أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا قَالاَ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ.قَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لأَوْجَعْتُكُمَا،تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . رواه البخاري (4) .
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ:اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ:« أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الْقِرَاءَةِ ». أَوْ قَالَ:« فِى الصَّلاَةِ ». رواه أبو داود (5) .
تجنب الخصومات والاشتغال بأمور الدنيا،والبيع والشراء،والبحث عن ضائع،وإنشاد الشعر المتضمن فحشا أو هجاء لمسلم أو ظلما أو غزلا،ولا بأس فيما تضمن حكمة أو خيرا.
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (687 ) -شن : صبه صبا متقطعا
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (415 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1259) وصحيح ابن حبان - (4 / 516) (1637)
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (407 )
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (470 )
(5) - سنن أبي داود - المكنز - (1334) صحيح(1/160)
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُسْتَقَادَ فِى الْمَسْجِدِ وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الأَشْعَارُ وَأَنْ تُقَامَ فِيهِ الْحُدُودُ."أبو داود (1)
وعَنِ عَمْرَو بْنِ شُعَيْبٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ:نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ،وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الأَشْعَارُ،وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الضَّالَّةُ،وَعَنِ الْحِلَقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلاَةِ." أحمد (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِي الْمَسْجِدِ،فَقُولُوا:لاَ أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ." ابن حبان (3) .
وعن سَعِيدَ بْنِ الْمُسَيِّبِ قال: " مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ،أوالْمَجْلِسِ "،فَإِنَّمَا يُجَالِسُ رَبَّهُ " فَمَا أَحَقَّهُ أَنْ لَا يَقُولَ إِلَّا خَيْرًا " (4)
وعَنْ جَابِرٍ بْنِ سَمُرَةَ،قَالَ:كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَكَانُوا يَتَنَاشَدُونَ الأَشْعَارَ،وَيَتَذَاكَرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ،وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاكِتٌ فَرُبَّمَا تَبَسَّمَ،أَوْ قَالَ:كُنَّا نَتَنَاشَدُ الأَشْعَارَ،وَنَذْكُرُ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ،فَرُبَّمَا تَبَسَّمَ - صلى الله عليه وسلم - ." أحمد (5)
وعَنِ الشَّعْبِيِّ،قَالَ: " كُنَّا جُلُوسًا بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ،أَحْسَبُهُ قَالَ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانُوا يَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ.فَوَقَفَ بِنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ،فَقَالَ: فِي حَرَمٍ،وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ،يَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ ؟.فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ،إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا نَهَى عَنِ الشِّعْرِ،الَّذِي إِذَا أُتِيَتْ فِيهِ النِّسَاءُ،وَتُزْدَرَى فِيهِ الْأَمْوَاتُ " (6)
تجنب الاحتباء وتشبيك الأصابع وفرقعتها والعبث بها في المسجد وأثناء انتظار الصلاة.
عَنْ مَوْلًى لأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ:بَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ،فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ مُحْتَبِيًا مُشَبِّكٌ أَصَابِعَهُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ،فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَلَمْ يَفْطِنِ الرَّجُلُ لإِشَارَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَقَالَ:إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَلاَ يُشَبِّكَنَّ،فَإِنَّ التَّشْبِيكَ مِنَ الشَّيْطَانِ،وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَزَالُ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ." رواه أحمد (7) .
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (4492 ) حسن
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 631)(6676) حسن
(3) - صحيح ابن حبان - (4 / 528) (1650) صحيح
(4) - الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ (414 ) فيه جهالة
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 57)(21010) 21323- صحيح
(6) - شرح معاني الآثار - (4 / 297) (6994 ) حسن
(7) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 110)(11385) 11405- فيه جهالة(1/161)
وعَنْ أبِي ثُمَامَةَ الْحَنَّاطِ،قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بن عُجْرَةَ وَأَنَا مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْمَسْجِدِ مُشَبِّكٌَ أَصَابِعِي،فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَلا يُشَبِّكْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ،فَإِنَّهُ فِي صَلاةٍ"." الطبراني (1)
تجنب الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر حتى يصلي المكتوبة.
عَنْ أَبِى الشَّعْثَاءِ قَالَ كُنَّا قُعُودًا فِى الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِى فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - .. رواه مسلم (2) .
تجنب تناول الأطعمة في المسجد وجعلها أمكنة للراحة أو القيلولة أو السمر،وتجنب الوقوع في المحرمات كالغيبة والنميمة والكذب وتنقيص الناس.
تجنب الدخول إلى المسجد للمرور فيه كطريق،أو الدخول والخروج منه من غير صلاة أو ذكر أو تسبيح أو عبادة أو أمر بالمعروف أو نهي عن منكر أو طلب للعلم.
القيام بصيانة المسجد،والحفاظ على نظافته وأناقته،وأثاثه وأمتعته،وكتبه ومصاحفه.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِى الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ.". رواه أبو داود (3) .
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ،وَأَنْ تُطَيَّبَ وَتُنَظَّفَ." ابن حبان (4)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « عُرِضَتْ عَلَىَّ أُجُورُ أُمَّتِى حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَىَّ ذُنُوبُ أُمَّتِى فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا ». رواه الترمذي وأبو داود (5) .
صيانة المسجد من الأطفال والمجانين،وتشجيع الصبية الذين تجاوزوا السابعة وإحضارهم إلى المسجد تعويدا لهم على العبادة،وتحبيبهم بالمساجد مع تعليمهم آدابها قبل دخولها،والإشراف عليهم أثناء وجودهم فيها لتوجيههم وتنبيههم عند الإخلال بحرمتها أو مخالفة آدابها والحذر من إهانتهم أو طردهم منها. فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ بْنُ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (14 / 22) (15666) حسن
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (1521 )
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (455) وسنن الترمذى- المكنز - (597) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (4 / 513)(1634)
(5) - سنن أبي داود - المكنز - (461 ) وسنن الترمذى- المكنز - (3166 ) والفتح 9/70 والفتوحات 3/351 حسن
وهناك خلاف حول سماع المطلب بن عبدالله بن المطلب بن حنطب من أنس والراجح أنه سمع منه انظر التهذيب 10/178 و179
القذاة : ما يقع فى العين والشراب من غبار ووسخ(1/162)
عَلِيٍّ فَصَعِدَ إِلَيْهِ فَضَمَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَقَالَ:أَلا إِنِ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ،وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَعَلَّهُ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " الحاكم (1)
تجنب التطيب والتزين والتبرّج للمرأة التي تشهد المساجد،ودخولها وخروجها من المكان المخصص للنساء،دون اختلاطها بالرجال أو مزاحمتهم.
عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلاَ تَمَسَّ طِيبًا ». رواه مسلم (2) .
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ،إِذْ دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ مُزَيْنَةَ تَرْفُلُ فِي زِينَةٍ لَهَا فِي الْمَسْجِدِ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْهَوْا نِسَاءَكُمْ عَنْ لُبْسِ الزِّينَةِ،وَالتَّبَخْتُرِ فِي الْمَسْجِدِ،فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى لَبِسَ نِسَاؤُهُمُ الزِّينَةَ،وَتَبَخْتَرْنَ فِي الْمَسَاجِدِ." رواه ابن ماجه (3) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:مَرَّتْ بِأَبِي هُرَيْرَةَ امْرَأَةٌ وَرِيحُهَا تَعْصِفُ،فَقَالَ لَهَا:إِلَى أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ ؟ قَالَتْ:إِلَى الْمَسْجِدِ قَالَ:تَطَيَّبْتِ ؟ قَالَتْ:نَعَمْ قَالَ:فَارْجِعِي فَاغْتَسِلِي،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ امْرَأَةٍ صَلاةً خَرَجَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرِيحُهَا تَعْصِفُ حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ" ابن خزيمة (4)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - المستدرك للحاكم (4810) صحيح لغيره
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (1025 )
(3) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (5 / 136)(4001) فيه ضعف
(4) - صحيح ابن خزيمة (2 / 473) صحيح(1/163)
-23-آداب صلاة الجماعة
الإنسان اجتماعي بطبعه،يحب الجماعة التي توافقه وترعاه،وتسأل عن شؤونه وتسدي إليه النصح والمعروف،ولا بدّ للإنسان في حياته من جماعة يعيش معها،فإذا ما افتقد الجماعة التي تأمره بالخير وتعينه على التقوى،تلفقته الجماعة التي تأمره بالمنكر،وتزين له الشرور والآثام،فينساق معها إلى الذنوب والعصيان،ويهوي بسببها إلى النار. وقد أخبرنا الله تعالى أن المجرمين يساقون إلى النار كل مع جماعته،وأن المؤمنين يحشرون إلى الجنة كل مع زمرته،قال تعالى وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) } [الزمر:71 - 74]
وسيق الذين كفروا بالله ورسله إلى جهنم جماعات،حتى إذا جاؤوها فتح الخزنة الموكَّلون بها أبوابها السبعة،وزجروهم قائلين: كيف تعصون الله وتجحدون أنه الإله الحق وحده؟ ألم يرسل إليكم رسلا منكم يتلون عليكم آيات ربكم،ويحذِّرونكم أهوال هذا اليوم؟ قالوا مقرين بذنبهم: بلى قد جاءت رسل ربنا بالحق،وحذَّرونا هذا اليوم،ولكن وجبت كلمة الله أن عذابه لأهل الكفر به.قيل للجاحدين أن الله هو الإله الحق إهانة لهم وإذلالا: ادخلوا أبواب جهنم ماكثين فيها أبدًا،فقَبُح مصير المتعالين على الإيمان بالله والعمل بشرعه.
وسيق الذين اتقوا ربهم بتوحيده والعمل بطاعته إلى الجنة جماعات،حتى إذا جاؤوها وشُفع لهم بدخولها،فتحت أبوابها،فترحِّب بهم الملائكة الموكَّلون بالجنة،ويُحَيُّونهم بالبِشر والسرور; لطهارتهم من آثار المعاصي قائلين لهم: سلام عليكم من كل آفة،طابت أحوالكم،فادخلوا الجنة خالدين فيها.وقال المؤمنون: الحمد لله الذي صدَقنا وعده الذي وعدَنا إياه على ألسنة رسله،وأورثَنا أرض الجنة نَنْزِل منها في أيِّ مكان شئنا،فنِعم ثواب المحسنين الذين اجتهدوا في طاعة ربهم. (1)
وأمر سبحانه بالتزام الجماعة المؤمنة الصادقة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (119) سورة التوبة.
__________
(1) - التفسير الميسر - (8 / 289)(1/164)
يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ،وَرَاقِبُوهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَوَاجِبَاتِهِ،وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ،وَاصْدقوا وَالزَمُوا الصِّدْقَ تَكُونُوا أَهْلَهُ،وَتَنْجُوا مِنَ المَهَالِكِ،وَيَجْعَلُ اللهُ لَكُمْ فَرَجاً مِنْ أُمُورِكِمْ وَمَخْرَجاً . (1)
والإسلام بعتباره دين الفطرة فهو دين الجماعة،يأمر بها ويحثُّ على التزامها،ويكره الفرقة والاختلاف،وينعي على الذين يشذون عن الجماعة ويفارقونها بأنهم يشذون إلى أهوائهم الذي يسوقهم إلى الانحراف وإلى الضلال المبين. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ:إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِينَا فَقَالَ:" أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي،ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ،وَلَا يُسْتَحْلَفُ،وَحَتَّى يَشْهَدَ وَلَا يُسْتَشْهَدُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ،وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ،فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبَعْدُ،لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ثَلَاثَ مِرَارٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا شَيْطَانٌ،مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ،مَنْ سَرَّتَهُ حَسَنَتْهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ " النسائي (2)
وعَنْ يَسِيرِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْنَا: أَوْصِنَا قَالَ: " عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ،فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ضَلَالَةٍ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ أَوْ يُسْتَرَاحُ مِنْ فَاجِرٍ " (3)
وقد جاء الإسلام،والعرب متفرقون لا تجتمع لهم كلمة أحدهم على كلمة فوحدهم بعد فرقة،وجمع شملهم بعد عداوة،وجعلهم إخوة كالجسد الواحد بعد طول تشاحن واقتتال. ومنّ عليهم بذلك فقال سبحانه: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (103) سورة آل عمران.
يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِالتَّمَسُّكِ بِحَبْلِ اللهِ،أيْ بِعَهْدِهِ وَدِينِهِ وَذِمَّتِهِ وَقُرْآنِهِ،وَمَا أمَرَهُمْ بِهِ مِنَ الإِلْفَةِ وَالمَحَبَّةِ وَالاجْتِمَاعِ،وَيَنْهَاهُمْ عَنِ التَّفَرُّقِ،وَيَطْلُبُ إلَيْهِمْ أنْ يَذْكُرُوا نِعْمَتَهُ عَلَيهِمْ إذْ ألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ،وَآخَى بَيْنَهُم بَعْدَ العَدَاوَةِ المُسْتَحْكِمَةِ،وَالفُرْقَةِ التِي كَانَتْ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ،فَقَدْ كَانُوا عَلَى مِثْلِ شَفِيرِ النَّارِ،بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وَضَلاَلِهِمْ وَاقْتِتَالِهِمْ،فَهَدَاهُمُ اللهُ وَأَنْقَذَهُمْ .وَكَمَا بَيَّنَ لَهُمْ رَبُّهُمْ،فِي هَذِهِ الآيَاتِ،مَا يُضْمِرُهُ لَهُمُ اليَهُودُ مِنْ شَرٍّ وَخِدَاعٍ وَغِشٍّ،وَمَا كَانُوا عَلَيهِ فِي حَالِ جَاهِلِيَّتِهِمْ مِنْ كُفْرٍ وَفُرْقَةٍ وَاقْتِتَالٍ،وَمَا صَارُوا إليهِ بِفَضْلِ الإِسْلاَمِ مِنْ وَحْدَةٍ وَإِخَاءٍ،كَذَلِكَ يُبَيِّن سَائِرَ حُجَجِهِ فِي تَنْزِيلِهِ
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1355)
(2) - عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة - (1 / 239)327-7981 - وسنن الترمذى برقم(2318 ) والمستدرك للحاكم برقم(387) صحيح
(3) - شعب الإيمان - (10 / 23)(7111 ) حسن(1/165)
عَلَى رَسُولِهِ،لِيُعِدَّهُمْ لِلاهْتِدَاءِ الدَّائِمِ،حَتَّى لا يَعُودُوا إلى عَمَلِ أهْلِ الجَاهِلِيَّةِ مِنَ التَّفَرُّقِ وَالعَدَاوَةِ وَالاقْتِتَالِ . (1)
على أن مدلول الآية أوسع مدى من هذه الحادثة. فهي تشي - مع ما قبلها في السياق وما بعدها - بأنه كانت هناك حركة دائبة من اليهود لتمزيق شمل الصف المسلم في المدينة،وإثارة الفتنة والفرقة بكل الوسائل. والتحذيرات القرآنية المتوالية من إطاعة أهل الكتاب،ومن الاستماع إلى كيدهم ودسهم،ومن التفرق كما تفرقوا .. هذه التحذيرات تشي بشدة ما كانت تلقاه الجماعة المسلمة من كيد اليهود في المدينة،ومن بذرهم لبذور الشقاق والشك والبلبلة باستمرار .. وهو دأب يهود في كل زمان. وهو عملها اليوم وغدا في الصف المسلم،في كل مكان! (2)
ومن مظاهر الجماعة الخيّرة في الإسلام حضّه على إقامة العبادات مع الجماعة،فقد حضّ على صلاة الجماعة،وأكد على ضرورة حضورها،ورغب في عظيم فضلها فعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً". مسلم (3) .
ووعد الذين يلتزمونها ويحافظون عليها بشهادة في الدنيا تنفي عنهم مرض النفاق،وبشهادة في الآخرة تحميهم من دخول النار،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِى جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ ». رواه الترمذي (4) .
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ صَلَّى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فِي جَمَاعَةٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ،وَبَرَاءَةً مِنَ النِّفَاقِ " البيهقي (5)
وجعل الفرقة في الصلاة علامة على التهاون بشأنها،وهي بدورها علامة على وجود عمل للشيطان واستيلاء له على القلوب والأعمال،فعَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،قَالَ:سَأَلَنِي أَبُو الدَّرْدَاءِ أَيْنَ مَسْكَنُكَ ؟ قُلْتُ:فِي قَرْيَةٍ دُونَ حِمْصٍ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:مَا مِنْ ثَلاَثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلاَ بَدْوٍ لاَ تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاَةُ إِلاَّ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ،فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ،فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ قَالَ السَّائِبُ:إِنَّمَا يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ جَمَاعَةَ الصَّلاَةِ." ابن حبان (6) .
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 396)
(2) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 444)
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (1509)
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (241 ) ومسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (14 / 91)(7570) وأمالي ابن سمعون - (1 / 19)(89) والترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين - (61 ) ومعجم ابن الأعرابي - (1175 ) حسن لغيره
(5) - شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (2745) حسن لغيره
(6) - صحيح ابن حبان - (5 / 458) (2101) صحيح وانظر : الفقه الإسلامي وأدلته - (2 / 318) والموسوعة الفقهية الكويتية - (27 / 166)
استحوذ : الاستحواذ الاستيلاء على الشيء والغلبة. -القاصية : القاصي : البعيد.(1/166)
وأوعد من يتخلف عن صلاة الجماعة بتركه لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وهدد بوجود علامة للنفاق فيه،فعَنْ عَبْدِ اللهِ،أَنَّهُ قَالَ:مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا،فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ،حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ،فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ سُنَنَ الْهُدَى،وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى،وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ،كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ،لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ،وَلَوْ أَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ،وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ،فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ،ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ،إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً،وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً،وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً،وَلَوْ رَأَيْتُنَا،وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ،وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ،حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ." رواه مسلم (1) .
وقد حافظ المسلمون على هذه الشعيرة المباركة على مدى الأجيال،وكان لها أكبر الفضل في محافظتهم على ركن الصلاة،وظل نداء الإيمان يصدح على المآذن حتى هذه الأيام وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وقد بلغ من محافظة السلف على حضور الجماعات حدا أشبه بالخيال،فعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ،يَقُولُ: " مَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِلَّا وَأَنَا فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا أَنْ أَكُونَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا " (2)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ،قَالَ:مَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ مُنْذُ ثَلاَثِينَ سَنَةٍ،إِلاَّ وَأَنَا فِي الْمَسْجِدِ." (3) .
وَفِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ كَانَ السَّلَفُ يُعَزُّونَ أَنْفُسَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إذَا فَاتَتْهُمْ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى وَيُعَزُّونَ سَبْعًا إذَا فَاتَتْهُمُ الْجَمَاعَةُ " (4) ..
هذا ولصلاة الجماعة آداب كثيرة إضافة إلى آداب المسجد التي ذكرناها،منها ما يختص بالإمام ومنها ما يختص بالمأموم،ومنها ما يلزمهما معا،نذكر منها الآداب التالية:
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1520) ومسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 100)(3936) - يهادى : يمشى معتمدا عليهما
لو سُلِّم أن المراد به الجماعة لسائر الصلوات؛لأمكن أن يقال : كان ذلك سدًّا لباب الذريعة إلى إسقاطها لأجل المنافقين،كما قال عبد الله :"ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق أو مريض ".
وقوله في حديث ابن مسعود:"ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف لتركتم سنة نبيكم،ولو تركتموها لضللتم"هذا يصلح أن يتمسك به من قال:إن إقامة الجماعة للصلوات فرض على الكفاية؛كما حكيناه . ويصلح لمن يقول:إنها سنة.ويكون إطلاقه الضلال على التاركين إذا تمالؤوا على تركها كما قدمناه . المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (6 / 66) وقارن بفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 428) رقم الفتوى 1798 صلاة الجماعة واجبة إلا لعذر. وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 4845) رقم الفتوى 9780 الجماعة واجبة ولو في المسجد الصغير
(2) - شعب الإيمان - (4 / 372)(2669 ) صحيح
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (3 / 211) (3542) والزهد لأحمد بن حنبل - (2292 ) صحيح
(4) - الفقه الإسلامي وأدلته - (2 / 315) وإحياء علوم الدين - (1 / 157) وبريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية - (6 / 175)(1/167)
المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد،والاستعداد لها بالطهارة والوضوء في البيت،والحضور في أول الوقت،وخاصة إذا كان المسجد قريبا.
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِى الْمَسْجِدِ ».رواه الدارقطني (1) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « صَلاَةُ الرَّجُلِ فِى جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِى بَيْتِهِ وَصَلاَتِهِ فِى سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لاَ يَنْهَزُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِى الصَّلاَةِ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ هِىَ تَحْبِسُهُ وَالْمَلاَئِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِى مَجْلِسِهِ الَّذِى صَلَّى فِيهِ يَقُولُونَ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ ».مسلم (2) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً،فَإِنْ صَلاَّهَا بِأَرْضِ قِيٍّ،فَأَتَمَّ وُضُوءَهَا،وَرُكُوعَهَا،وَسُجُودَهَا،تُكْتَبُ صَلاَتُهُ بِخَمْسِينَ دَرَجَةً." ابن حبان (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ،وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً،وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ،ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلاَّ رَفَعَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً،وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ،فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ." ابن حبان (4)
تجنب التهاون في صلاة الجماعة،والتكاسل عنها،والانشغال بغيرها عند سماع النداء.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْتَطَبُ،ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَيُنَادَى بِهَا،ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيَؤُمَّ النَّاسَ،ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى أَقْوَامٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ،وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ " أبو عوانة (5)
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (3 / 57)(5139-5142) والمستدرك للحاكم (898) وسنن الدارقطنى- المكنز - (1571و1572 ) ومصنف ابن أبي شيبة - (3 / 195)(3488) والفتح 1 / 439 مرفوعاً وموقوفاً والصواب وقفه
قوله:« لا صلاة لمن يقرأ بفاتحة الكتاب »، معناه:لا صلاة كاملة، كقوله: لا صلاة لجار المسجد إلا فى المسجد »؛لإجماعهم أن صلاته جائزة فى داره أو حيث صلاها،فنفى عنه الكمال، فكذلك هاهنا. شرح ابن بطال - (3 / 457)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (1538 ) -ينهز : يحفز ويدفع
(3) - صحيح ابن حبان - (5 / 44)(1749) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (5 / 391)(2043) صحيح
(5) - مسند أبي عوانة (985 ) صحيح(1/168)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ،ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا،ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ،ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ،وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ." (1) .
الحرص على صلاة الفجر والعشاء مع الجماعة،لما فيهما من عظيم الأجر وجزيل الثواب،ولما في هذين الوقتين من البركات وتنزّل الرحمات،ولثقلهما على المنافقين لانشغالهم فيها في لهو أو نوم.
فعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ،قَالَ:دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ،فَقَعَدَ وَحْدَهُ وَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ:يَا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ،فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ،وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ،فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ." رواه مسلم (2) .
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ،فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ." (3)
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ." (4)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لَيْسَ صَلاَةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ،وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا،لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ،ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً يَؤُمُّ النَّاسَ،ثُمَّ آخُذَ شُعَلاً مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لاَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ بَعْدُ » البخاري (5) .
التوقف عن الذكر والصلاة وقراءة القرآن عند سماع الأذان،وإجابة المؤذن فيما يقول.
َعَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:" مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ،فَقَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ - فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ " رواه الطبراني (6) .
الإقبال إلى صلاة الجماعة بنؤدة وهدوء وسكينة ووقار،وخشوع للقلب،وترك لشواغل الدنيا،وتجنب الإسراع أو الركض في الطريق أو في المسجد للحوق بالجماعة..
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - .وَعَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ،وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلاَ تُسْرِعُوا،فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا » رواه البخاري (7) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (644) وصحيح ابن حبان - (5 / 451) (2096)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (1523) وصحيح ابن حبان - (5 / 409) (2060)
(3) - صحيح ابن حبان - (5 / 407) (2058) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (5 / 408) (2059) صحيح
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (657 )
(6) - المعجم الكبير للطبراني - (14 / 265)(16159 ) حسن لغيره
(7) - صحيح البخارى- المكنز - (636 )(1/169)
إلقاء السلام على الجماعة المنتظرين للصلاة عند الدخول عليهم،وتفقد الغائبين منهم بعد أداء الصلاة،فمن كان مريضا عادوه،ومن كان مقصرا زاروه،ومن كان محتاجا أعانوه،ومن كان مصابا عزوه،ومن كان متوفى شيعوه.
السعي للوصول إلى الصف الأول وذلك بالتبكير إلى المسجد وتجنب تخطي رقاب المصلين للوصول إليه،فإن أحق المصلين بالصف الأول أسبقهم إليه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا عَلَيْهِ،وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا." متفق عليه (1) .
تجنب السير بين الصفوف،والحذر من المرور بين يدي المصلين أثناء صلاتهم.
عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ،أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ:مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي ؟ قَالَ أَبُو جُهَيْمٍ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ،لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ،لاَ أَدْرِي سَنَةً قَالَ أَمْ شَهْرًا،أَوْ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً." (2) .
التوقف عن أداء صلاة السنة متى أقيمت الصلاة المكتوبة،وتخفيفها إن كان قد تلبّس بها،وقصرها إلى ركعتين إن كانت رباعية وذلك للحوق الإمام.فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ،فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ." مسلم (3) .
وعَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ:أَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ،وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« الصُّبْحُ أَرْبَعًا الصُّبْحُ أَرْبَعًا » (4) .
يجب متابعة الإمام في حركات الصلاة،وتحرم مسابقته،وتبطل إن سبقه بتكبيرة الإحرام.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ،فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا،وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ.فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ.وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا،وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ،وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فِى الصَّلاَةِ،فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ ».متفق عليه (5) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (615 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1009) وصحيح ابن حبان - (4 / 543) (1659)
يستهم : استهم القوم على الشيء : إذا اقترعوا عليه.
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (510 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1160) وصحيح ابن حبان - (6 / 130) (2366)
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (1678) وصحيح ابن حبان - (5 / 567)(2193)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (663 )
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (722 ) وصحيح مسلم- المكنز - (962)
أَمَّا قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا ) فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيهِ فَقَالَتْ طَائِفَة بِظَاهِرِهِ . وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَالْأَوْزَاعِيّ رَحِمَهُمَا اللَّه تَعَالَى ، وَقَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى فِي رِوَايَة : لَا يَجُوز صَلَاة الْقَادِر عَلَى الْقِيَام خَلْف الْقَاعِد لَا قَائِمًا وَلَا قَاعِدًا ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَجُمْهُور السَّلَف رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى : لَا يَجُوز لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَام أَنْ يُصَلِّي خَلْف الْقَاعِد إِلَّا قَائِمًا وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي مَرَض وَفَاته بَعْد هَذَا قَاعِدًا وَأَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَالنَّاس خَلْفه قِيَامًا وَإِنْ كَانَ بَعْض الْعُلَمَاء زَعَمَ أَنَّ أَبَا بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ هُوَ الْإِمَام وَالنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مُقْتَدٍ بِهِ لَكِنَّ الصَّوَاب أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ هُوَ الْإِمَام وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِم بَعْد هَذَا الْبَاب صَرِيحًا أَوْ كَالصَّرِيحِ فَقَالَ فِي رِوَايَته عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : فَجَاءَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَار أَبِي بَكْر ، وَكَانَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْر قَائِمًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْر بِصَلَاةِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَيَقْتَدِي النَّاس بِصَلَاةِ أَبِي بَكْر.
وَأَمَّا قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَام لِيُؤْتَمّ بِهِ ) فَمَعْنَاهُ عِنْد الشَّافِعِيّ وَطَائِفَة فِي الْأَفْعَال الظَّاهِرَة وَإِلَّا فَيَجُوز أَنْ يُصَلِّي الْفَرْض خَلْف النَّفْل وَعَكْسه ، وَالظُّهْر خَلْف الْعَصْر ، وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَآخَرُونَ : لَا يَجُوز ذَلِكَ . وَقَالُوا : مَعْنَى الْحَدِيث لِيُؤْتَمّ بِهِ فِي الْأَفْعَال وَالنِّيَّات ، وَدَلِيل الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِأَصْحَابِهِ بِبَطْنِ نَخْل صَلَاة الْخَوْف مَرَّتَيْنِ بِكُلِّ فِرْقَة مَرَّة ، فَصَلَاته الثَّانِيَة وَقَعَتْ لَهُ نَفْلًا وَلِلْمُقْتَدِينَ فَرْضًا . وَأَيْضًا حَدِيث مُعَاذ كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاء مَعَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمه فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ هِيَ لَهُ تَطَوُّع وَلَهُمْ فَرِيضَة . مِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الِائْتِمَام إِنَّمَا يَجِب فِي الْأَفْعَال الظَّاهِرَة . شرح النووي على مسلم - (2 / 149)(1/170)
إذا كان المقتدي فردا واحدا فإنه يقف عن يمين الإمام متأخرا عنه قليلا،فإن أتى آخر أشار إليه برفق بعد أن ينوي الصلاة ليتأخر،ويصفّان وراء الإمام.
فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ،قَالَ: " أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: جِئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَنِي بِيَدِهِ فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَجَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِهِ،فَدَفَعَنَا بِيَدِهِ جَمِيعًا حَتَّى أَقَمْنَا خَلْفَهُ " معاني الآثار (1)
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ:أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِى مَسْجِدِهِ وَهُوَ يُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلاً بِهِ،فَتَخَطَّيْتُ الْقَوْمَ حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَقُلْتُ:يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَتُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَهَذَا إِزَارُكَ إِلَى جَنْبِكَ؟ فَقَالَ:أَرَدْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَىَّ الأَحْمَقُ مِثْلُكَ فَيَرَانِى كَيْفَ أَصْنَعُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ. فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلاً وَفِيهِ:قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْنِى يُصَلِّى وَكَانَتْ عَلَىَّ بُرْدَةٌ ذَهَبْتُ أُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا،فَلَمْ تَبْلُغْ لِى وَكَانَتْ لَهَا ذَبَاذِبٌ فَنَكَّسْتُهَا،ثُمَّ خَالَفْتُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا،ثُمَّ تَوَاقَصْتُ عَلَيْهَا،فَجِئْتُ حَتَّى قُمْتَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذَ بِيَدِى فَأَدَارَنِى حَتَّى أَقَامَنِى عَنْ يَمِينِهِ،فَجَاءَ ابْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ،فَأَخَذَنَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْمُقُنِى وَأَنَا لاَ أَشْعُرُ،ثُمَّ فَطِنْتُ بِهِ فَقَالَ هَكَذَا يَعْنِى شَدَّ وَسَطَكَ،فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« يَا جَابِرُ ». قُلْتُ:لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ :« إِذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ،وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حِقْوِكَ ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2) .
يتم إنشاء الصف خلف الإمام بمحاذاته،ثم يصطفّ المصلون يمينا ويسارا بالتساوي حتى يستكمل الصف،ولا يبدأ بتشكيل صف جديد حتى ينتهي الذي قبله وينبغي تسوية الصفوف لتكون على
__________
(1) - شرح معاني الآثار - (1 / 307) (1840 ) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7705 ) والسنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (2 / 239)(3415) -الحقو : الإزار(1/171)
استقامة واحدة كما ينبغي رصّ الصفوف للتوجه إلى الله تعالى بقلب واحد،وبذلك نحصل بركة الجماعة،إذ تتوحد القلوب في مقصدها فيغذي القوي منها الضعيف،وتفاض رحمة الله على الجميع.
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ،قَالَ:حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ( وَسِّطُوا الإِمَامَ،وَسُدُّوا الْخَلَلَ.)". رواه أبو داود (1) .
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « مَا لِى أَرَاكُمْ رَافِعِى أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ اسْكُنُوا فِى الصَّلاَةِ ». قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حَلَقًا فَقَالَ « مَا لِى أَرَاكُمْ عِزِينَ ». قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ « أَلاَ تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ « يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِى الصَّفِّ ». رواه مسلم (2) .
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ ».متفق عليه (3) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلاَةِ،فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ. (4)
وقَالَ سِمَاكٌ:سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ،وَهُوَ يَخْطُبُ وَيَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَوِّي الصَّفَّ حَتَّى يَدَعَهُ مِثْلَ الْقِدْحِ أَوِ الرُّمْحِ،فَرَأَى صَدْرَ رَجُلٍ نَاتِئًا مِنَ الصَّفِّ فَقَالَ:عِبَادَ اللهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ." ابن حبان (5)
وعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَدَلِيِّ،قَالَ:سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ،يَقُولُ:أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِوَجْهِهِ فَقَالَ:أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ - ثَلاَثًا - وَاللَّهِ لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَالَ:فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ وَمَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ. (6)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِى إِخْوَانِكُمْ،وَلاَ تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (681 ) فيه جهالة ، وانظر :الموسوعة الفقهية الكويتية - (43 / 141)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (996 )
الحلق : جمع حلقة -الشمس : جمع شموس وهى النَّفور التى لا تستقر ولا تسكن لشغبها وحدتها -العزين : جمع عزة وهى الحلقة المجتمعة من الناس
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (723 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1003 )
(4) - صحيح ابن حبان - (5 / 551)(2177) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (5 / 549) (2175) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (5 / 550) (2176) صحيح(1/172)
قَطَعَهُ اللَّهُ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَمَعْنَى « وَلِينُوا بِأَيْدِى إِخْوَانِكُمْ ». إِذَا جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الصَّفِّ فَذَهَبَ يَدْخُلُ فِيهِ فَيَنْبَغِى أَنْ يُلَيِّنَ لَهُ كُلُّ رَجُلٍ مَنْكِبَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ فِى الصَّفِّ. رواه أبو داود (1) .
ينبغي عدم التأخر عن أول الصلاة وتكبيرة الإحرام،وعدم التباطؤ عن الصفوف الأولى.
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى فِى أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ « تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِى وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلاَ يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ » النسائي (2) .
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى فِى أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ « تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِى وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ لاَ يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ ». رواه مسلم (3) .
ينبغي أن يقف خلف الإمام مباشرة أكبر المصلين قدراً وسنًّا،وأحسنهم خلقا وإيمانا،وأكثرهم تقوى وصلاحا،وأحفظهم للقرآن الكريم،وأعلمهم بأحكام الدين،وينبغي تقديمهم إذا كانوا في الصفوف المتأخرة،وإيثارهم بالصف الأول.
فعَنْ أَبِى مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِى الصَّلاَةِ وَيَقُولُ « اسْتَوُوا وَلاَ تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ لِيَلِنِى مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَمِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ». قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلاَفًا. رواه مسلم (4) .
ينبغي أن يخفف الإمام الصلاة مع إتمامها،ولا يطيل زيادة على المألوف رفقا بالضعفاء والمرضى والصنّاع والمسنين وأصحاب الحاجات والأعذار،وليطلْ إذا صلَّى وحده أو بمن يرضون الإطالة.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ،فَإِنَّ فِيهِمُ السَّقِيمَ،وَالضَّعِيفَ،وَالْكَبِيرَ،وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ." ابن حبان (5) .
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ،قَالَ:أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ،أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ،يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ،فَإِنَّ فِي النَّاسِ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَذَا الْحَاجَةِ." ابن حبان (6)
وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ،يَقُولُ:مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاَةً وَلاَ أَتَمَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ." (7) .
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (666 ) صحيح
(2) - سنن النسائي- المكنز - (803) صحيح
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (1010 )
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (1000 )
(5) - صحيح ابن حبان - (5 / 56) (1760) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (5 / 508) (2136) صحيح
(7) - صحيح ابن حبان - (5 / 510) (2138) صحيح(1/173)
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ،قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فُلاَنٌ،فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَا رَأَيْتُهُ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ:أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ،فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ." ابن حبان (1)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطِيلَهَا فَأَسْمَعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ،فَأُخَفِّفَ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ." ابن حبان (2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَطَالَ حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سُوءٍ قَالَ:قِيلَ:وَمَا هَمَمْتَ بِهِ ؟ قَالَ:هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ." ابن حبان (3)
تجنب الاستعجال في الخروج من المسجد بعد انقضاء الجماعة،لئلا يؤدي إلى مزاحمة المصلين ومدافعتهم،والحذر من إفساد ثواب الجماعة بإيذاء أحد منهم باليد أو باللسان،ويفضل إطالة الجلوس في المسجد لقراءة الأذكار المأثورة دبر كل صلاة.
فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اقْرَؤُوا الْمُعَوِّذَاتِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ." ابن حبان (4)
وعَنْ وَرَّادٍ،قَالَ:كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ:أَيُّ شَيْءٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ إِذَا انصرف مِنَ الصَّلاَةِ ؟ قَالَ:كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَتِهِ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ،وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ،وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ،وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ." ابن حبان (5)
وعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ،أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ،كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ،وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ،لاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ،لَهُ الْمَنُّ،وَلَهُ النِّعْمَةُ،وَلَهُ الْفَضْلُ وَالثَّنَاءُ الْحَسَنُ،لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ،وَيَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ." ابن حبان (6)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خَصْلَتَانِ لاَ يُحْصِيهُمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ،هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ،يُسَبِّحُ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ عَشْرًا،وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا،وَيُكَبِّرُ عَشْرًا،قَالَ:فَأَنَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ،قَالَ:فَقَالَ:خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ،وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ،وَإِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ سَبَّحَ وَحَمَّدَ وَكَبَّرَ مِائَةً،فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ،وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ،فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ أُلْفِيَنَّ وَخَمْسَ مِائَةِ سَيِّئَةٍ قَالَ:كَيْفَ لاَ يُحْصِيهِمَا ؟ قَالَ:يَأْتِي أَحَدَكُمُ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (5 / 509)(2137) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (5 / 510) (2139) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (5 / 512) (2141) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (5 / 344) (2004) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (5 / 345) (2005) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (5 / 350) (2008) صحيح(1/174)
الشَّيْطَانُ،وَهُوَ فِي صَلاَةٍ،فَيَقُولُ:اذْكُرْ كَذَا،اذْكُرْ كَذَا،حَتَّى شَغَلَهُ،وَلَعَلَّهُ أَنْ لاَ يَعْقِلَ،وَيَأْتِيهِ فِي مَضْجَعِهِ فَلاَ يَزَالُ يُنَوِّمُهُ حَتَّى يَنَامَ." ابن حبان (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ دُبُرَ صَلاَتِهِ،وَحَمِدَهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَكَبَّرَهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَخَتَمَ الْمِائَةَ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ،وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ." ابن حبان (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالُوا:ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ،يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي،وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ،وَلَهُمْ فُضُولُ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ،قَالَ:أَفَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ،وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ،وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَيْهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ بِمِثْلِ أَعْمَالِكُمْ ؟ تُسَبِّحُونَ،وَتُحَمِّدُونَ،وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ." ابن حبان (3)
وقَالَ أَبُو ذَرٍّ:يَا رَسُولَ اللهِ،ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ بِالأَجْرِ،يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي،وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ،وَلَهُمْ فُضُولُ أَمْوَالٍ يَتَصَدَّقُونَ بِهَا،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا أَبَا ذَرٍّ،أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تُدْرِكُ بِهِنَّ مَنْ سَبَقَكَ،وَلاَ يَلْحَقُكَ مَنْ خَلْفَكَ،إِلاَّ مَنْ أَخَذَ بِمِثْلِ عَمَلِكَ ؟ قَالَ:بَلَى رَسُولَ اللهِ،قَالَ:تُكَبِّرُ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَتُحَمِّدُهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَتُسَبِّحُهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَتَخْتِمُهَا بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ،وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ." ابن حبان (4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَحَمَدَهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَكَبَّرَهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،فَتِلْكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ،وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ،وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،غُفِرَتْ لَهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ." ابن حبان (5)
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَخَذَ بِيَدِ مُعَاذٍ،فَقَالَ:يَا مُعَاذُ،وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ،فَقَالَ مُعَاذٌ:بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي،وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ،فَقَالَ:يَا مُعَاذُ،أُوصِيكَ أَنْ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ أَنْ تَقُولَ:اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ،وَشُكْرِكَ،وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ." ابن حبان (6)
وعَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُسْلِمٍ التَّمِيمِيِّ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَرِيَّةٍ،فَلَمَّا بَلَغْنَا الْمُغَارَ،اسْتَحْثَثْتُ فَرَسِي،فَسَبَقْتُ أَصْحَابِي،فَتَلَقَّانِي الْحَيُّ بِالرَّنِينِ،فَقُلْتُ:قُولُوا:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (5 / 354) (2012) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (5 / 355) (2013) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (5 / 356) (2014) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (5 / 358) (2015) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (5 / 359) (2016) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (5 / 364) (2020) صحيح(1/175)
تُحَرَّزُوا،فَقَالُوهَا،فَلاَمَنِي أَصْحَابِي،وَقَالُوا:حُرِمْنَا الْغَنِيمَةَ بَعْدَ أَنْ رُدَّتْ بِأَيْدِينَا،فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَخْبَرُوهُ بِمَا صَنَعْتُ،فَدَعَانِي،فَحَسَّنَ لِي مَا صَنَعْتُ،وَقَالَ:أَمَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ لَكَ بِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ كَذَا وَكَذَا.قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:فَأَنَا نَسِيتُ الثَّوَابَ،قَالَ:ثُمَّ قَالَ لِي:إِنِّي سَأَكْتُبُ لَكَ كِتَابًا،وَأُوصِي بِكَ مَنْ يَكُونُ بَعْدِي مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ:فَكَتَبَ لِي كِتَابًا،وَخَتَمَ عَلَيْهِ،وَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَقَالَ:إِذَا صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ،فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا:اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ،فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ تِلْكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جَوَازًا مِنَ النَّارِ،وَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا:اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ،فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ يَوْمِكَ ذَلِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جَوَازًا مِنَ النَّارِ قَالَ:فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ،أَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ بِالْكِتَابِ،فَفَضَّهُ،فَقَرَأَهُ وَأَمَرَ لِي بِعَطَاءٍ وَخَتَمَ عَلَيْهِ،ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ عُمَرَ،فَقَرَأَهُ،وَأَمَرَ لِي،وَخَتَمَ عَلَيْهِ،ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ عُثْمَانَ،فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَارِثِ:تُوُفِّيَ الْحَارِثُ بْنُ مُسْلِمٍ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ،وَتَرَكَ الْكِتَابَ عِنْدَنَا،فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَنَا حَتَّى كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى الْوَالِي بِبَلَدِنَا يَأْمُرُهُ بِإِشْخَاصِي إِلَيْهِ وَالْكِتَابَ،فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ،فَفَضَّهُ،وَأَمَرَ لِي،وَخَتَمَ عَلَيْهِ،وَقَالَ:أَمَا إِنِّي لَوْ شِئْتُ أَنْ يَأْتِيَكَ ذَلِكَ وَأَنْتَ فِي مَنْزِلِكَ فَعَلْتُ،وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ تُحَدِّثَنِي بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ،قَالَ:فَحَدَّثْتُهُ. " ابن حبان (1)
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،عَشْرَ مَرَّاتٍ،كُتِبَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ حَسَنَاتٍ،وَمُحِيَ بِهِنَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ،وَرُفِعَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ دَرَجَاتٍ،وَكُنَّ لَهُ عَدْلَ عَتَاقَةِ أَرْبَعِ رِقَابٍ،وَكُنَّ لَهُ حَرَسًا مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ،وَمَنْ قَالَهُنَّ إِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ دُبُرَ صَلاَتِهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ." ابن حبان (2)
وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ،وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ،قَالاَ:كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ الْمَكْتَبُ الْغِلْمَانَ،يَقُولُ:إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ بَعْدَ كُلِّ صَلاَةٍ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ." ابن حبان (3)
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ وَسَلَّمَ،قَالَ:اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ،وَمَا أَخَّرْتُ،وَمَا أَسْرَرْتُ،وَمَا أَعْلَنْتُ،وَمَا أَسْرَفْتُ،وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي،أَنْتَ الْمُقَدَّمُ،وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ،لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ." ابن حبان (4)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (5 / 366) (2022) حسن
(2) - صحيح ابن حبان - (5 / 369) (2023) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (5 / 371) (2024) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (5 / 372) (2025) حسن(1/176)
وعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ كَعْبًا حَلَفَ لَهُ بِالَّذِي فَلَقَ الْبَحْرَ لِمُوسَى،أَنَّا نَجِدُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،كَانَ إِذَا انصرف مِنَ الصَّلاَةِ،قَالَ:اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي جَعَلْتَهُ لِي عِصْمَةَ أَمْرِي،وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي جَعَلْتَ فِيهَا مَعَاشِي،اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ،وَبِعَفْوِكَ مِنْ نِقْمَتِكَ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ،اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ،وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ،وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ.
وَحَدَّثَنِي كَعْبٌ،أَنَّ صُهَيْبًا حَدَّثَهُ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُهُنَّ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ صَلاَتِهِ." ابن حبان (1)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ." ابن حبان (2)
يمكن للمرأة أن تشهد الجماعة وتصلي في المسجد إذا خرجت بإذن وليّها غير متبرّجة ولا متزينة ولا متعطّرة وصلاتها في بيتها أفضل.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ فِى الْجَمَاعَةِ فِى الْمَسْجِدِ،فَقِيلَ لَهَا لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ قَالَتْ وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِى قَالَ يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ » .متفق عليه (3)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ائْذَنُوا لِلنِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ فَقَالَ بَعْضُ بَنِيهِ:لاَ تَأْذَنْ لَهُنَّ فَيَتَّخِذْنَهُ دَغَلاً،قَالَ:فَعَلَ اللَّهُ بِكَ وَفَعَلَ أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ لاَ تَأْذَنْ." ابن حبان (4)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلاَتٍ." ابن حبان (5) ،وعَنْ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ،امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا:إِذَا خَرَجْتِ إِلَى الْعِشَاءِ فَلاَ تَمَسِّينَ طِيبًا." ابن حبان (6) ،وعن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ،أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ،يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا استأذنتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلاَ يَمْنَعْهَا قَالَ بِلاَلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ:وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ،قَالَ:فَسَبَّهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَسْوَأَ مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ قَطُّ،وَقَالَ:سَمِعْتَنِي قُلْتُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا استأذنتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلاَ يَمْنَعْهَا قُلْتَ:وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ ؟." ابن حبان (7)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (5 / 373) (2026) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (5 / 375) (2028) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (900 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1018 )
(4) - صحيح ابن حبان - (5 / 588) (2210) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (5 / 589) (2211) صحيح - تفلات : غير متبرجات
(6) - صحيح ابن حبان - (5 / 590)(2212) صحيح
(7) - صحيح ابن حبان - (5 / 591) (2213) صحيح(1/177)
-24-آداب العالِم
عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ،قَالَ:كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ،فَأَتَاهُ رَجُلٌ،فَقَالَ:يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ،إِنِّي أَتَيْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ فِي حَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:أَمَا جِئْتَ لِحَاجَةٍ،أَمَا جِئْتَ لِتِجَارَةٍ،أَمَا جِئْتَ إِلاَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ ؟ قَالَ:نَعَمْ،قَالَ:فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا،سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ،وَالْمَلاَئِكَةُ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ،وَإِنَّ الْعَالِمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ،وَمَنْ فِي الأَرْضِ،وَالْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ،وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ،كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ،إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ،إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا،وَأَوْرَثُوا الْعِلْمَ،فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ." ابن حبان (1)
فالعلماء ورثة الأنبياء،والأنبياء لم يورثوا من عرض الدنيا متاعا زائلا،ولا مالا فائنا،وإنما ورّثوا دين الله عز وجل القائم على العلم والحكمة،ومعرفة آيات الله في خلقه،وتزكية النفس وصلتها بخالقها،وتحليتها بمكارم الأخلاق.
وقد ورثوا عن سيدنا نوح صبره على تبليغ رسالة الله،وتحمله إيذاء قومه وإعراضهم عنه في سبيل الله،وهو قائم بالدعوة إلى الله مئات السنين دون كلل ولا ملل،ولا ضجر ولا قنوط.
وورثوا عن سيدنا إبراهيم شجاعته وصموده أمام أعداء الله،وتضحيته بالحياة واستهانته بالموت في سبيل إعلاء كلمة الله.
وورثوا عن سيدنا موسى قوته وأمانته،وعفته ونزاهته،ودعوته لإنقاذ قومه من الظلم والاستعباد،ورفقه بهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور،ومن عبادة الطواغيت إلى عبادة الله الواحد القهار.
وورثوا عن سيدنا عيسى روحانيته وقربه من الله،وذكره وصلته الدائمة بالله،وصدقه ورحمته،وسمونفسه ورفعتها ومحبتها لجميع خلق الله.
وورثوا عن خاتم النبيين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعليهم أجمعين الخلق العظيم،والرحمة للعالمين،والصفوة من الشرع والدين القويم.
ورثوا عنه صبره وحلمه،وجهاده ونضاله،وعرض نفسه ودعوته على الناس في سبيل نشر دين الله،مقتحما الأخطار،غير مبال بتهديد ولا إيذاء ولا استنكار،غير آبه بإغراء بمنصب أو مال أو
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (1 / 289) (88) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ الْعُلَمَاءَ الَّذِينَ لَهُمُ الْفَضْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا ، هُمُ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ عِلْمَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، دُونَ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْعُلُومِ. أَلاَ تَرَاهُ يَقُولُ : الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَالأَنْبِيَاءُ لَمْ يُوَرِّثُوا إِلاَّ الْعِلْمَ ، وَعِلْمُ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - سُنَّتُهُ ، فَمَنْ تَعَرَّى عَنْ مَعْرِفَتِهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ وَرَثَةِ الأَنْبِيَاءِ.(1/178)
جمال،قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ قُرَيْشًا حِينَ قَالُوا لِأَبِي طَالِبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللّه - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ أَخِي،إنّ قَوْمَك قَدْ جَاءُونِي،فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا،لِلّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ فَأَبْقِ عَلَيّ وَعَلَى نَفْسِك،وَلَا تُحَمّلْنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا لَا أُطِيقُ قَالَ فَظَنّ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَدْ بَدَا لِعَمّهِ فِيهِ بَدَاءٌ أَنّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ وَأَنّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ.قَالَ فَقَالَ رَسُول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يَا عَمّ،وَاَللّهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي،وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ قَالَ ثُمّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبَكَى ثُمّ قَامَ فَلَمّا وَلّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ أَقْبِلْ يَا ابْنَ أَخِي،قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّه - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ اذْهَبْ يَا ابْنَ أَخِي،فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ فَوَاَللّهِ لَا أُسْلِمُك لِشَيْءِ أَبَدًا .". (1)
هؤلاء العلماء هم الذين عقلوا عن الله دينه،وفهموا مراده من رسالته إلى خلقه {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } (43) سورة العنكبوت.
وَهذا المَثَلُ،وَمَا مَاثَلَهُ مِنَ الأمثَالِ التِي اشْتَمَلَ عَلَيها القُرآنُ الكَريمُ،إِنَّما ضَرَبَها اللهُ تَعَالى لِلنَّاسِ لِيُقَرِّبَ مِنْ أَفهَامِهِمْ مَا بَعُدَ عَنْها،وَلِيُوضِّحَ لهُم مَا أَشْكَلَ عَلَيهِمْ أَمْرُهُ،واسْتَعصَى عَليهِمْ فَهْمُهُ،وهذه الأَمثالُ التي يَضْرِبُها اللهُ للناسِ لا يَفْهَمُها،ويُدْرِكُ مَعنَاهَا ومَغْزَاهَا،إلا الرَّاسِخُونَ في العِلمِ،المُتَدَبِّرُونَ في عَواقِبِ الأُمُورِ . (2)
فاستقرّ نور الكتاب بين ثنايا صدورهم،وانطبعت معاني الآيات في أعماق قلوبهم {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} (49) سورة العنكبوت.
هذا القُرآنُ آياتٌ بَيِّنَاتٌ،وَاضِحَاتُ الدَّلاَلَةِ عَلَى الحَقِّ،يَحْفَظُهُ العُلَمَاءُ،وَقَدْ يَسَّرَهُ اللهُ حِفْظاً وَتِلاَوَةً،وَمَا يُكَذِّبُ بِآيَاتِ اللهِ وَيرْفُضُها،وَيَبْخَسُهَا حَقَّها إلا المُعْتَدُونَ الظَّالِمُونَ،الذِينَ يَعْلَمُونَ الحَقَّ وَيَحيدُونَ عَنْهُ . (3)
وبذلك ارتقوا في مقامات الصالحين،وارتفعوا إلى مصافّ المقربين {..يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11) سورة المجادلة.
يرفع الله مكانة المؤمنين المخلصين منكم،ويرفع مكانة أهل العلم درجات كثيرة في الثواب ومراتب الرضوان،والله تعالى خبير بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها،وهو مجازيكم عليها. وفي الآية تنويه بمكانة العلماء وفضلهم،ورفع درجاتهم.
__________
(1) - سيرة ابن هشام - (1 / 266) صحيح مرسل
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3265)
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3271)(1/179)
وشتان ما بين هذه المنزلة الرفيعة،ومنزلة الغفل الجاهلين،والمعرضين الزاهدين {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (9) سورة الزمر.
هَلْ يَسْتَوِي حَالُ هَذَا المُشْرِكِ الذِي يَكْفُرُ بِنعَمِ اللهِ،وَيُشْرِكُ بِهِ الأَصْنَامَ وَالأَنْدَادَ،وَلاَ يَذْكُرُ الله إِلاَّ عِنْدَ الشَّدَّةِ والبَلاَءِ،مَعَ حَالِ مَنْ هُوَ مُؤْمِنٌ قَائِمٌ بِأَدَاءِ الطَّاعَاتِ،وَدَائِبٌ عَلَى العِبَادَاتِ آنَاءَ اللَّيْلِ حِينَمَا يَكُونُ النَّاسُ نِياماً،لاَ يَرْجُو مِنْ أَدَائِهَا غَيْرَ رِضْوَانِ اللهِ وَثَوَابِهِ وَرَحْمَتِهِ،إِنَّهُمَا بِلاَ شَكٍّ لاَ يَسْتَوِيَانِ.ثُمَّ أَكَّدَ اللهُ تَعَالَى عَدَمَ التَّسَاوِي بَيْنَ المُؤْمِنِ المُطِيعِ والكَافِرِ الجَاحِدِ،فَقَالَ لرَسُولِهِ الكَرِيمِ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤَلاَءِ:هَلْ يَسْتَوِي الذِينَ يَعْلَمُونَ مَا لَهُمْ فِي طَاعَةِ رَبِّهِمْ مِنْ ثَوَابٍ،وَمَا لَهُمْ فِي مَعْصِيَتِهِ مِنْ عِقَابٍ،وَالذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ بِحُجَجِ اللهِ،وَيَتَّعِظُ بِهَا،وَيَتَدَبَّرُهَا أَهَلُ العُقُولِ والأَفْهَامِ،لاَ أَهْلَ الجَهْلِ والغَفْلَةِ . (1)
هؤلاء العلماء هم مصابيح الهدى التي تدلُّ الناس على منهج الله،وترشدهم إلى دين الله،وهم منابع الخير والسعادة والفلاح،يملؤون العقول بالعلم والحكمة،ويهذبون النفوس ويزكونها بمراقبة الله وذكره على الدوام،وينشؤون الجيل القوي بعقيدته،الكريم بأخلاقه،النافع لأمته،المخلص في بناء وطنه،فهم روح الأمة وكنزها الأكبر. فعن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ قالَ:قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِي الأَرْضِ،كَمَثَلِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ،يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ،فَإِذَا انْطَمَسَتِ النُّجُومُ،أَوْشَكَ أَنْ تَضِلَّ الْهُدَاةُ. " أحمد (2) .
وما دام العلمُ باقياً في الأرض،فالنَّاس في هُدى،وبقاءُ العلم بقاءُ حَمَلَتِهِ،فإذا ذهب حملتُه ومَنْ يقومُ به،وقع الناسُ في الضَّلال،كما في " الصحيحين " عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا مِنَ النَّاسِ،وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ بِعِلْمِهِمْ،حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالاً،فَسُئِلُوا،فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ،فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا. (3) .
وإذا كان العلماء مصادرَ السعادة لمن لاذ بهم وأخلص في صحبتهم في الدنيا،فهم تمام السعادة في الآخرة،يحشر أتباعهم بمعيتهم،ثم يشفعون بهم،قال النقاش:لرسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) ثلاث شفاعات:العامة وشفاعة في السبق إلى الجنة وشفاعة في أهل الكبائر بن عطية:والمشهور أنهما شفاعتان فقط:العامة
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3946)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 404) (12600) 12627- فيه جهالة
الطَّمْس : استِئْصال أثَرِ الشيء. -الهداة : الذين يهدون الناس إلى الخير
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (100 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6971 ) وجامع العلوم والحكم محقق - (38 / 18)(1/180)
وشفاعة في إخراج المذنبين من النار وهذه الشفاعة الثانية لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء " (1)
وعَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِلْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا قَعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ لِفَصْلِ عِبَادِهِ:إِنِّي لَمْ أَجْعَلْ عِلْمِي وَحِلْمِي فِيكُمْ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْفِرَ لَكُمْ عَلَى مَا كَانَ فِيكُمْ وَلَا أُبَالِي ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ (2)
وأي شرف أرفع،وفضل أكبر في تكريم العلماء من عطف شهادتهم في وحدانية الله على شهادة الله وشهادة ملائكته،قال تعالى {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (18) سورة آل عمران.
يُبَيِّنُ الله ُ تَعَالَى أنَّهُ الوَاحِدُ،الذِي لاَ إِلهَ إلاّ هُوَ،وَأنَّهُ قَائِمٌ عَلَى شُؤونِ خَلْقِهِ بِالعَدْلِ،وَقَدْ أقَامَ الدَّلاَئِلَ عَلَى ذَلِكَ فِي الأَنْفُسِ وَالآفَاقِ،وَفِي إنْزالِ التَّشْرِيعَاتِ النَّاطِقَةِ بِذَلِكَ.وَأخْبَرَ المَلاَئِكَةُ الرُّسُلَ بِهَذَا،وَشَهِدُوا بِهِ شَهَادَةً مُؤَيَّدَةً بِعِلْمٍ ضَرُورِيٍّ - وَهُوَ عِنْدَ الأَنْبِياءِ أقْوَى مِنْ جَمِيعِ اليَقِينِّياتِ - وَأولُو العِلْمِ أخْبَرُوا بِذَلِكَ وَبَيَّنُوهُ،وَشَهِدُوا بِهِ شَهَادَةً مَقْرُونَةً بِالدَّلائِلِ وَالحُجَجِ لأنَّ العَالِمَ بِالشَّيءِ لاَ تُعْوِزُهُ الحُجَّةُ عَلَيهِ .وَقَوَامَةُ اللهِ فِي تَدْبِيرِ هَذَا الكَوْنِ،وَأمُورِ الخَلْقِ،تَتَّصِفُ دَائِمًا بِصِفَةِ العَدْلِ ( قَائِماً بِالقِيْطِ ).وَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى سُنَنَ الخَلْقِ قَائِمَةً عَلَى أسَاسِ العَدْلِ.ثُمَّ أكَّدَ تَعَالَى كَوْنَهُ مُنْفَرِداً بِالألُوهِيَّةِ،وَقَائِماً بِالعَدْلِ ( لاَ إلهَ إلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) . (3)
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ قَالَ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِى عَلَى أَدْنَاكُمْ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِى جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ». رواه الترمذي (4) .
هذا وللعلماء الحقيقيين صفات بها يعرفون،وأخلاق عليها مجبولون،وآداب بها متصفون،نذكر منها ما يلي:
1- لزوم العلم ومحبته والشغف به،وبذل الوقت للاستزادة منه على الدوام.قال الله تعالى: {.. وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (114) سورة طه.
__________
(1) - تفسير القرطبي ـ موافق للمطبوع - (10 / 310)
(2) - مجمع الزوائد - (527 ) حسن لغيره
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 312)
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (2901 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.(1/181)
هذا توجيه للنبي - صلى الله عليه وسلم - للاستزادة من العلم،فما دُمْتَ أنت يا رب الحافظ فزِدْني منه،ذلك لأن رسول الله سيحتاج إلى علم تقوم عليه حركة الحياة من لَدُنْه إلى أن تقوم الساعة،عِلْمٌ يشمل الأزمنة والأمكنة،فلا بُدَّ له أنْ يُعَدَّ الإعدادَ اللازم لهذه المهمة. (1)
2- العمل بالعلم،لأن العالم الحق لا يخالف فعله قوله،ومن كان قدوة للناس بفعله وسلوكه قبل كلامه وتوجيهه،ومن دعاهم إلى الله بسيرته وأخلاقه،قبل دروسه وخطبه،ومن علّم الناس بحاله قبل قاله. عَنْ مَيْمُونٍ،أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ،قَالَ:وَيْلٌ لِلَّذِي لاَ يَعْلَمُ مَرَّةً وَوَيْلٌ لِلَّذِي يَعْلَمُ،ثُمَّ لاَ يَعْمَلُ سِتَّ مِرَارٍ. " ابن أبي شيبة (2) .
وعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ:قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:" وَيْلٌ للَّذِي لَا يَعْلَمُ مَرَّةً،وَوَيْلٌ للَّذِي يَعْلَمُ وَلَا يَعْمَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ " (3)
وعَنْ عُمَيْرِ بْنِ تَمِيمٍ النِّمْرَانِيِّ أَبِي وَبْرَةَ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ ؟ فَقَالَ:" لَا تَسْأَلْ فَإِنَّكَ إِنْ تَأْتِ الشَّيْءَ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُهُ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تَأْتِيَهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُهُ " (4)
وعَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ،قَالَ:سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ،عَنْ شَيْءٍ بِالْحِيَلِ،فَقَالَ:" لَا تَسْأَلْ،فَإِنَّكَ إِنْ تَأْتِ الشَّيْءَ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُهُ " (5)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ:" إِنَّكَ لَنْ تَكُونَ عَالِمًا حَتَّى تَكُونَ مُتَعَلِّمًا،وَلَنْ تَكُونَ عَالِمًا حَتَّى تَكُونَ بِمَا عَلِمْتَ عَامِلًا " (6)
وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ:لَيْسَ الْعَالِمُ الَّذِي يَعْرِفُ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ،إِنَّمَا الْعَالِمُ الَّذِي يَعْرِفُ الْخَيْرَ،فَيَتَّبِعُهُ وَيَعْرِفُ الشَّرَّ فَيَجْتَنِبُهُ " (7) .
وقال أحد الشعراء:
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ ... هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ مِنَ السَّقَامِ لِذِي الضَّنى ... كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ
وَأَرَاكَ تُلْقِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَا ... نُصْحًا وَأَنْتَ مِنَ الرَّشَادِ عَدِيمُ
ابدأ بنفسك فانْهَهَا عن غيِّها فإذا انتهتْ فأنتَ حكيمُ
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ
__________
(1) - تفسير الشعراوي - ( / 2444)
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (19 / 479) (36773) فيه انقطاع
(3) 0- الزُّهْدُ لِوَكِيعٍ (211 ) فيه انقطاع - الويل : الحزن والعذاب والهلاك وقيل وادٍ في جهنم
(4) - الزُّهْدُ لِوَكِيعٍ (212 ) حسن
(5) - الزُّهْدُ لِوَكِيعٍ (213) صحيح
(6) - الزُّهْدُ لِوَكِيعٍ (214 ) فيه انقطاع
(7) - الزُّهْدُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (945 ) صحيح(1/182)
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قِيلَ لَهُ أَلاَ تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ فَقَالَ أَتُرَوْنَ أَنِّى لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَهُ مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ وَلاَ أَقُولُ لأَحَدٍ يَكُونُ عَلَىَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ. بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِى النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلاَنُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ».رواه مسلم (1) .
قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} الصف.
وقال تعالى على لسان نبيه شعيب: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (88) سورة هود.
قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ:هَلْ تَرَوْنَ لَوْ أَنَّنِي كُنْتُ عَلَى بَيِّنّةٍ مِنْ رَبِّي وَهُدًى،وَأَنَّهُ آتَانِي النُّبُوَّةَ،وَرَزَقَنِي رِزْقاً حَلالاً طَيِّباً حَسَناً،ثُمَّ عَصَيْتُهُ فِيمَا أَرْسَلَنِي بِهِ إِلَيكُمْ،وَتَرَكْتُ دَعْوَتَكُمْ إِلَى الحَقِّ،وَعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ،فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ حِينَئِذٍ؟ وَأَنَا لاَ أَنْهَاكُمْ عَنْ شَيءٍ وَأُخَالِفُكُمْ فِي السِّرِّ إِليهِ فَأَفْعَلُهُ،وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَقولَ لَكُمْ إِنَّ اللهَ أَكْرَمَنِي بِالرِّزْقِ الحَلالِ الحَسَنِ،دُونَ أَنْ أَحْتَاجَ إلى التَّطْفِيفِ فِي المِكْيَالِ وَالمِيزَانِ،وَدُونَ أَنْ أَبْخَسَ فِيهما .وَأَنَا لاَ أُرِيدُ مِنْ أَمْري إِيّاكُمْ بِعِبَادَةِ اللهِ،وَبِالإقْلاعِ عَنِ المَفَاسِدِ،إلاَّ الإِصْلاَحَ بِقَدْرِ جَهْدِي وَطَاقَتِي.وَلا أَسْأَلُ غَيْرَ اللهِ التَّوْفِيقَ فِي إِصَابَةِ الحَقِّ وَإِنَّنِي تَوَكَّلْتُ عَلَيهِ،وَإِلَيهِ أَخْلَصْتُ وَأَنبْتُ فِي عِبَادَتِي وَطَاعَتِي . (2)
وقال عز وجل:{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) } البقرة.
يَنْعِى اللهُ تَعَالَى عَلَى اليَهُودِ - وَهُمْ أَهْلُ الكِتَابِ - أَنْ يَأْمُرُوا النَّاسَ بِالخَيْرِ وَالبِرِّ وَطَاعَةِ اللهِ،فِي حَالِ أَنَّهُمْ يَنْسَوْنَ وَعْظَ أَنْفُسِهِمْ،وَحَمْلَهَا عَلَى طَاعَةِ اللهِ،فَلاَ يَأْتَمِرُونَ بِمَا يَأْمُرُونَ بِهِ غَيْرَهُمْ مِنَ النَّاسِ،مَعَ أَنَّهُمْ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ المُنْزَلَ إِلَيْهِمْ،وَيَعْلَمُونَ مَا فِيهِ مِنْ عَقَابِ يَحِلُّ بِمَنْ يُقَصِّرُ فِي القِيَامِ بمَا أَمَرَ اللهُ.وَلكِنَّ الأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ مِنْهُمْ لاَ يَذْكُرُونَ مِنَ الحَقِّ إِلاَّ مَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ،وَلا يَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ مِنَ الأَحْكَامِ إِذَا عَارَضَ شَهَوَاتِهِمْ . (3)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7674) -الأَقتاب : جمع القتب وهو الأمعاء
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1562)
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 51)(1/183)
وعَنْ عَلِىٍّ قَالَ:يَا حَمَلَةَ الْعِلْمِ اعْمَلُوا بِهِ،فَإِنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَوَافَقَ عِلْمُهُ عَمَلَهُ،وَسَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَحْمِلُونَ الْعِلْمَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ،يُخَالِفُ عَمَلُهُمْ عِلْمَهُمْ وَتُخَالِفُ سَرِيرَتُهُمْ عَلاَنِيَتَهُمْ يَجْلِسُونَ حِلَقاً فَيُبَاهِى بَعْضُهُمْ بَعْضاً حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ عَلَى جَلِيسِهِ أَنْ يَجْلِسَ إِلَى غَيْرِهِ وَيَدَعَهُ،أُولَئِكَ لاَ تَصْعَدُ أَعْمَالُهُمْ فِى مَجَالِسِهِمْ تِلْكَ إِلَى اللَّهِ." (1)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:" لَا تَكُونُ تَقِيًّا حَتَّى تَكُونَ عَالِمًا وَلَا تَكُونُ بِالْعِلْمِ جَمِيلًا حَتَّى تَكُونَ بِهِ عَامِلًا "
قَالَ أَبُو عُمَرَ:مِنْ قَوْلِ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَخَذَ الْقَائِلُ قَوْلَهُ:" كَيْفَ هُوَ مُتَّقٍ وَلَا يَدْرِي مَا يَتَّقِي "
وَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ:" الْعَالِمُ الَّذِي وَافَقَ عِلْمُهُ عَمَلَهُ وَمَنْ خَالَفَ عِلْمُهُ عَمَلَهُ فَذَلِكَ رَاوِيَةُ أَحَادِيثَ سَمِعَ شَيْئًا فَقَالَهُ " وَيُرْوَى أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ يُنْشِدُ مُتَمَثِّلًا وَهِيَ لِسَابِقٍ الْبَرْبَرِيِّ فِي شِعْرٍ لَهُ مِطُوَّلٍ :
إِذَا الْعِلْمُ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ كَانَ حُجَّةً عَلَيْكَ وَلَمْ تُعْذَرْ بِمَا أَنْتَ جَاهِلُهْ
فَإِنْ كُنْتَ قَدْ أُوتِيتَ عِلْمًا فَإِنَّمَا يُصَدِّقُ قَوْلُ الْمَرْءِ مَا هُوَ فَاعِلُهْ
وَيُرْوَى أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيَّ كَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَذَا,وَاللَّهُ أَعْلَمُ،وَأَنْشَدَ الرِّيَاشِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ :
مَا مَنْ رَوَى أَدَبًا فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَيَكُفَّ عَنْ زَيْغِ الْهَوَى بِأَدِيبِ
حَتَّى يَكُونَ بِمَا تَعَلَّمَ عَامِلًا مِنْ صَالِحٍ فَيَكُونُ غَيْرَ مَعِيبِ
وَلَقَلَّمَا تُجْدِي إِصَابَةُ عَالِمٍ أَعْمَالُهُ أَعْمَالُ غَيْرِ مُصِيبِ
وَقَالَ مَنْصُورٌ رَحِمَهُ اللَّهُ :
لَيْسَ الْأَدِيبُ أَخَا الرِّوَا يَةِ لِلنَّوَادِرِ وَالْغَرِيبِ
وَلِشِعْرِ شَيْخِ الْمُحَدِّثِينَ أَبِي نَوَّاسٍ أَوْ حَبِيبٍ
بَلْ ذُو التَّفَضُّلِ وَالْمُرُو ءَةِ وَالْعَفَافِ هُوَ الْأَدِيبُ (2)
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" مَثَلُ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ وَيَنْسَى نَفْسَهُ مَثَلُ الْفَتِيلَةِ،تُضِيءُ لِلنَّاسِ وَتَحْرِقُ نَفْسَهَا ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ (3) .
خشية الله تعالىكلما ازداد علما،ومخافته كلما ازداد معرفة بعظمته وقدرته،قال أحدهم:
على قدر علم المرء يعظم خوفه ... ... ... فما عالم إلا من الله خائف
__________
(1) - سنن الدارمى- المكنز - (390) ضعيف
(2) - جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ (806 ) فيه انقطاع
(3) - اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي - (69 ) وأمثال الحديث لأبي الشيخ الأصبهاني - (245 ) والأمثال في الحديث - ( 276 ) ومجمع الزوائد - (869 ) وصحيح الجامع (5837) حسن لغيره(1/184)
فآمن مكر الله بالله جاهل ... ... ... وخائف مكر الله بالله عارف
قال تعالى:{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) } [فاطر:27،28] .
يُنَبِّهُ اللهُ تَعَالَى العِبَادَ إِلى قُدْرَتِهِ العَظِيمَةِ عَلَى خَلقِ الأَشياءِ المُخْتَلِفَةِ،المُتَنَوِّعَةِ المُظَاهِرِ وَالأِشْكالِ،مِنَ الشَّيءِ الوَاحِدِ،فَيَقُولُ تَعَالى إِنَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَطَراً فَأَرْوَى بِهِ الأَرْضَ،فَأَخْرَجَتْ ثِمَاراً مُخْتَلِفَةَ الألوانِ والطُّعُومِ والرُّوَائِحِ،وَإِنَّه خَلَقَ الجِبَالَ كَذَلِكَ مُخْتَلِفَةَ الأَلْوَانِ،فَمِنْهَا الأَبْيَضُ وَمِنْهَا الأَحْمَرُ وَمِنْهَا الأَسْوَدُ الغِرْبِيْبُ .وَجَعَلَ اللهُ تَعَالى النَّاسَ والدَّوابَّ والأَنْعَامَ مُخْتَلِفِي الأَلوَانِ والأَشْكَالِ في الحِنْسِ الوَاحِدِ،فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ،وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لاَ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ حَقَّ المَعْرِفَةِ،والذِي يَعْرِفُهُ منْهُمْ هُم العَالِمُونَ بأَسْرَارِ الكَوْنِ،العَارِفُونَ بِعَظِيمِ قُدْرَةِ اللهِ تَعَالى،فَهَؤُلاءِ هُمُ الذِينَ يَخْشَوْنَ اللهَ،وَيتَّقُونَ عِقَابَهُ،فَيَعْمَلُونَ بِطَاعَتِهِ.واللهُ عَزيزٌ فِي انتِقَامِهِ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ،غَفُورٌ لِذُنُوبِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَهُ . (1)
4- الترفع عن سفاسف الدنيا،ولغوها ولهوها ولعبها،وبهرجها وزخارفها وشهواتها الرخيصة. قال ذو النون،وصف لي رجل بالمغرب وذكر لي من حكمته وكلامه ما حملني على لقائه،فرحلت إليه إلى المغرب فأقمت على بابه أربعين صباحاً على أن يخرج من منزله إلى المسجد ويقعد،فكان يخرج وقت كل صلاة يصلي،ويرجع كالواله لا يكلم أحداً فقلت له يوماً: يا هذا إني مقيم ها هنا منذ أربعين صباحاً لا أراك تكلمني. فقال لي: يا هذا لساني سبع إن أطلقته أكلني. فقلت له: عظني رحمك الله بموعظة أحفظها عنك. قال: وتفعل؟ قلت: نعم إن شاء الله،قال: لا تحب الدنيا وعد الفقر والغنى والبلاء من الله نعمة،والمنع من الله عطاء،والوحدة مع الله أنساً،والذل عزاً والطاعة حرفة والتوكل معاشاً والله تعالى لكل شديدة عدة.
ثم مكث بعد ذلك شهراً لا يكلمني،فقلت له: رحمك الله إني أريد الرجوع إلى بلدي فإن رأيت أن تزيدني في الموعظة فقال: اعلم أن الزاهد في الدنيا قوته ما وجد ومسكنه حيث أدرك ولباسه ما ستر الخلوة مجلسه،والقرآن حديثه،والله الجبار العزيز أنيسه والذكر رفيقه،والصمت جنته،والخوف سجيته،والشوق مطيته،والنصيحة نهمته والصبر وساده،والصديقون إخوانه والحكمة كلامه،والعقل دليله،والجوع أدمه والبكاء دأبه،والله عز وجل عدته. قلت بما تتبين الزيادة من النقصان؟ قال: عند المحاسبة للنفوس." (2) ".
قال تعالى:{ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) } طه.
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3568)
(2) - صفة الصفوة - (2 / 4)(1/185)
يُسَلِّي اللهُ تَعَالَى رَسُولَه - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ لَهُ:اصْبِرْ عَلَى تَكْذِيبِ هَؤَلاَء ِالمُكَذِّبِينَ،وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بَعْدَ صَلاَةِ الفِجْرِ،وَبَعْدَ صَلاَةِ العَصْرِ ( قَبْلَ غُرُوبِهَا )،وَفِي فَتَرَاتِ اللَّيْلِ،فَالتَّسْبِيحُ اتِّصَالٌ بِاللهِ تَعَالَى،وَالنَّفْسُ الَّتِي تَتَّصِلُ بِاللهِ تَطْمَئِنُّ وَتَرْضَى.فَالرِّضَا ثَمَرَةُ التَّسْبِيحِ وَالعِبَادَةِ،وَهُوَ وَحْدَهُ جَزَاءٌ حَاضِرٌ يَنْبُعُ مِنْ دَاخِلِ النَّفْسِ . (1)
قَالَتِ الْحُكَمَاءُ:أَصْلُ الْعِلْمِ الرَّغْبَةُ وَثَمَرَتُهُ السَّعَادَةُ،وَأَصْلُ الزُّهْدِ الرَّهْبَةُ وَثَمَرَتُهُ الْعِبَادَةُ فَإِذَا اقْتَرَنَ الزُّهْدُ وَالْعِلْمُ فَقَدْ تَمَّتِ السَّعَادَةُ وَعَمَّتِ الْفَضِيلَةُ،وَإِنْ افْتَرَقَا فَيَا وَيْحَ مُفْتَرَقَيْنِ مَا أَضَرَّ افْتِرَاقَهُمَا،وَأَقْبَحَ انْفِرَادَهُمَا (2) .
5- التواضع لعباد الله،والشفقة على المتعلمين،والرفق بهم،والتأني في تعليمهم،ومعاملتهم كأبنائه المحتاجين،واحتمال إعراضهم وجفائهم وجهالتهم،والحرص على إنقاذهم من ظلمات الجهالة إلى نور العلم والفقه في الدين. والعمل على إصلاحهم بإنتقاء العلم الذي يعالج أمراضهم،ويصلح أحوالهم وتقديم الأولى في تعليمهم والتدرج في تأديبهم،وتفهم حاجاتهم وتقدير ظروفهم،والرد على أسئلتهم،والبشاشة في وجوههم،وتأليف قلوبهم،وبذل الوقت وإنفاق المال في سبيل إرشادهم،وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , قَالَ:" اطْلُبُوا الْعِلْمَ،وَاطْلُبُوا مَعَ الْعِلْمَ السَّكِينَةَ وَالْحِلْمَ،لِينُوا لِمَنْ تُعَلِّمُونَ،وَلِمَنْ تَعَلَّمُونَ مِنْهُ،وَلَا تَكُونُوا مِنْ جَبَابِرَةِ الْعُلَمَاءِ،فَيَغْلِبُ عِلْمَكُمْ جَهْلُكُمْ " (3)
قال تعالى:{ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (216)} الشعراء.
بعد أن أمره بالشدة على أهله وقرابته يأمره باللين،وخَفْض الجناح لباقي المؤمنين به،وخَفْض الجناح كناية عن اللُّطْف واللين في المعاملة،وقَد أُخِذ هذا المعنى من الطائر حين يحنو على فراخه،ويضمهم بجناحه.
وخَفْض الجناح دليل الحنان،لا الذلّة والانكسار،وفي المقابل نقول (فلان فارد أجنحته) إذا تكبَّر وتجبَّر،وتقول (فلان مجنح لي) إذا عصا أوامرك.
وفي موضع أخر:{ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ }[الحجر: 88].
وقال في حَقِّ الوالدين:{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ }[الإسراء: 24] فلا نقول: كُنْ ذليلاً لهم،إنما كُنْ رحيماً بهم،حَنُوناً عليهم،ففي هذا عِزّك ونجاتك.
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2440)
(2) - أدب الدنيا والدين - (1 / 46)
(3) - الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي - (893 ) وإحياء علوم الدين - (2 / 365) ضعيف - اللين : اليسر والتسهيل(1/186)
فإنْ عصاك الأقارب فلا تتردد في أنْ تعلنها { إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [الشعراء: 216] وعندها لا تراعي فيهم حَقَّ الرحم،ولا حَقّ القُرْبى،لأنه لا حَقَّ لهم؛ لذلك قال { فَقُلْ } [الشعراء: 216] ولم يقل تبرأ منهم؛ لأنه قد يتبرأ منهم فيما بينه وبينهم.
لكن الحق ـ تبارك وتعالى ـ يريد أنْ يعلنها رسول الله على الملأ ليعلمها الجميع،وربنا يُعلِّمنا هنا درساً حتى لا نحابي أحداً،أو نجامله لقرابته،أو لمكانته حتى تستقيم أمور الحياة.
والذي يُفسِد حياتنا وينشر فيها الفوضى واللا مبالاة أنْ ننافق ونجامل الرؤساء والمسئولين،ونُغطِّي على تجاوزاتهم،ونأخذهم بالهوادة والرحمة،وهذا كله يهدم معنويات المجتمع،ويدعو للفوضى والتهاون.
لذلك يعلمنا الإسلام أنْ نعلنها صراحة { فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [الشعراء: 216] وليأخذ القانون مجراه،وليتساوى أمامه الجميع،ولو عرف المخالف أنه سيكون عبرة لغيره لارتدع.
لذلك يُقال عن عمر رضي الله عنه أنه حكم الدنيا كلها،والحقيقة أنه حكم نفسه أولاً،فحكمتْ له الدنيا،وكذلك مَنْ أراد أنْ يحكم الدنيا في كل زمان ومكان عليه أنْ يحكم نفسه،فلا يجرؤ أحد من أتباعه أن يخالفه،وساعة أن يراه الناس قدوة ينصاعون له بالسمع والطاعة. (1)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ،أُعَلِّمُكُمْ،إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ،وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا،وَأَمَرَ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ،وَنَهَى عَنِ الرَّوْثِ،وَالرِّمَّةِ،وَنَهَى أنْ يَسْتَطِيبَ الرَّجلُ بِيَمِينِهِ." ابن ماجة (2) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنِّي أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ،أُعَلِّمُكُمْ إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ،وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا،وَلاَ يَسْتَنْجِ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ،وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ،وَيَنْهَى عَنِ الرَّوْثَةِ وَالرِّمَّةِ." ابن حبان (3)
وعَنْ أَبِى هَارُونَ الْعَبْدِىِّ قَالَ:كُنَّا نَأْتِى أَبَا سَعِيدٍ فَيَقُولُ:مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَكُمْ تَبَعٌ وَإِنَّ رِجَالاً يَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الأَرَضِينَ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ فَإِذَا أَتَوْكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا. رواه الترمذي (4) .
6- الإخلاص في تعليم العلم وبذله للناس،وإرادة وجه الله تعالى به،وطلبا لرضاء الله عز وجل وقربه إليه،فلا يطلب أجرا ولا جزاء ولا ثناء ولا شكورا.
قال الله تعالى:{ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [هود:29].
__________
(1) - تفسير الشعراوي - ( / 3078)
(2) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (1 / 208) (313) صحيح -الرمة : العظم البالى -الروث : رجيع ذى الحافر
(3) - صحيح ابن حبان - (4 / 279) (1431) صحيح
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (2862 ) ضعيف(1/187)
وَأَنَا لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَى نُصْحِي لَكُمْ،وَدَعْوَتِي إِيَّاكُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ،مَالاً آخُذُهُ مِنْكُمْ أُجْرَةً عَلَى ذَلِكَ،وَإِنَّمَا أَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللهِ وَحْدَهُ،وَأَنَا لاَ أَسْتَطِيعُ طَرْدَ المُؤْمِنِينَ كَمَا طَلَبْتُمْ مِنِّي،اسْتِعْلاءَ مِنْكُمْ عَلَيْهِمْ،وَتَحَاشِياً مِنَ الجُلُوسِ مَعَهُمْ،لأَنَّهُمْ سَيُلاَقُونَ رَبَّهُمْ،وَسَيَسْأَلُنِي اللهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ،وَإِنِّي لأَرَاكُمْ قَوْماً تَتَجَاوَزُونَ فِي طَلَبِكُمُ الحَقَّ وَالصَّوابَ،إِلَى الجَهْلِ وَالبَاطِلِ،وَلا تًدْرِكُونَ أَنَّ مَا يَصِحُّ أَنْ يَتَفَاضَلَ فِيهِ الخَلْقُ عِنْدَ اللهِ هُوَ الإِيمَانُ،وَالعَمَلُ الصَّالِحُ،لاَ المَالُ،وَلاَ الحَسَبُ وَلا الجَاهُ . (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:قِيلَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ ؟ قَالَ:مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ،وَزَادَ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ،وَذَكَّرَكُمْ بِالآخِرَةِ عَمَلُهُ" رواه أبو يعلى (2) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ،لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لَيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا،لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ." ابن حبان (3) .
وعَنْ جَابِرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ،وَلاَ تُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ،وَلاَ تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ،فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارَ النَّارَ." ابن حبان (4)
7- التثبت من العلم والتوسع في دقائقه،وإصابة لبه،وأن يبلغ فيه مداه،فلا يكتفي ببعضه ولا بقشوره،ولا يعلم بعض مسائله ويجهل ما هو من مستلزماتها ومتمماتها.
8- الالتزام بالحلم والوقار،والأناة وسعة الصدر،إذا لا يزين العلم إلا الحلم ومكارم الأخلاق،وتجنب الرعونة والحمق والطيش والخفة والغضب والتهور وسرعة الانفعال..
9- الصبر على جفاء الجاهلين،وإيذاء الحاسدين،وافتراء الكاذبين وعداوة الجاحدين.
قال الله تعالى:{ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ } الأحقاف 35.
فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلى مَا تُلاقِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ قَومِكَ لَكَ،كَمَا صَبَرَ أَصْحَابُ القُوَّةِ والثِّبَاتِ،مِنَ الرُّسُلِ الذِينَ سَبَقُوكَ،عَلَى تَكْذِيبِ أَقْوامِهِمْ لَهُمْ حِينَما أَبْلَغُوهُمْ دَعْوَةَ اللهِ إِلى الإِيمَانِ بِهِ.وَلا تَسْتَعْجِلْ بِسُؤَالِ رَبِّكَ أَنْ يُنزِلَ بِهِم العَذَابَ،فَهُوَ واقعٌ بِهِمْ لا مَحَالَةَ.وَأِنَّهُمْ حِينَما يَنْزِلُ بِهِم العَذَابُ يَومَ القِيَامَةََ يَرَوْنَ أَنَّ مُدَّةَ لَبِثِهِمْ في الدُّنيا ( أَوْ في قُبُورِهِمْ ) كَانَتْ قَصِيرةً،حَتَّى لَيَحْسَبُوها سَاعَةً مِنْ نَهارٍ .وَهذا الذِي وُعِظْتُم بِهِ لكَافٍ في المَوعِظَةِ،وَلاَ يَهلِكُ بالعَذابِ إِلا الكَافِرُونَ الخَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ اللهِ وَأَمْرِهِ،لأَنَّ اللهَ لا يُعَذِّبُ إِلا مَنْ يَسْتَحِقُّ العَذَابَ . (5)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1503)
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي (2437) فيه لين
(3) - صحيح ابن حبان - (1 / 279) (78) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (1 / 278) (77) صحيح
(5) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4424)(1/188)
وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْكِى نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ،وَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ،وَيَقُولُ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِى فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ».متفق عليه (1) .
10- بذل العلم لأهله،وتبيانه وإيضاحه،وتجنب كتمان شيء منه ضنا به أو ترفعا على من يطلبه.
قال تعالى:{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)} آل عمران.
أخَذَ اللهُ تَعَالَى العَهْدَ وَالمِيثَاقَ عَلَى أهْلِ الكِتَابِ عَلَى ألْسِنَةِ أنْبِيَائِهِمْ،بِأنْ يُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ مَا جَاءَ فِي كُتُبِهِمْ غَيرَ كَاتِمِينَ مِنْهُ شَيْئاً،وَبِأنْ يُوَضِّحُوا مَعَانِيَهُ كَمَا هِيَ دُونَ تَأوِيلٍ أَوْ تَحْرِيفٍ،وَبِأنْ يُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ أن كُتُبَهُمْ أَشَارَتْ إلى بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ،لِيَكُونَ النَّاسُ عَلَى أهْبَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ حَتَّى إذَا بَعَثَهُ اللهُ رَسُولاَ لِلْخَلْقِ تَابَعُوهُ،وَلَكِنَّ أَهْلَ الكِتَابِ كَتَمُوا ذَلِكَ،واعْتَاضُوا بِحُطَامِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ ( ثَمناً قَلِيلاً ) عَنِ الأَجْرِ الذِي وَعَدَهُم اللهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ .وَقَدْ وَبَّخَهُم اللهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ العَمَلِ،تَوْبيخاً شَدِيداً فِي أكْثَر مِنْ مَوْضِعٍ مِنَ القُرآنِ،وَقَالَ لَهُمْ:بِئْسَتِ البَيْعَةُ بَيْعَتُهُمْ.وَوَاجِبُ أهْلِ الكِتَابِ فِي شَرْحِ مَعَانِي كُتُبِ اللهِ لِلنَّاسِ وَبَيَانِ أَحْكَامِهَا،يَنْطَبِقُ عَلَى المُسْلِمِينَ أَيْضاً (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَنْ كَتَمَ عِلْمًا تَلَجَّمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. " ابن حبان (3) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَنْ كَتَمَ عِلْمًا أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ." ابن حبان (4)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :أَيُّمَا رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ." (5)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " عُلَمَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلَانِ:رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا،فَبَذَلَهُ لِلنَّاسِ،وَلَمْ يَأْخُذْ عَلَيْهِ طَمَعًا وَلَمْ يَشْتَرِ بِهِ ثَمَنًا،فَذَلِكَ تَسْتَغْفِرُ لَهُ حِيتَانُ الْبَحْرِ وَدَوَابُّ الْبَرِّ وَالطَّيْرُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ،وَيَقْدَمُ عَلَى اللَّهِ سَيِّدًا شَرِيفًا حَتَّى يُرَافِقَ الْمُرْسَلِينَ،وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا،فَبَخِلَ بِهِ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ،وَأَخَذَ عَلَيْهِ طَمَعًا،وَاشْتَرَى بِهِ ثَمَنًا،فَذَاكَ يُلْجَمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ،وَيُنَادِي مُنَادٍ:هَذَا الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فَبَخِلَ بِهِ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ،وَأَخَذَ عَلَيْهِ طَمَعًا،وَاشْتَرَى بِهِ ثَمَنًا،وَكَذَلِكَ حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الْحِسَابِ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (6)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3477 ) وصحيح مسلم- المكنز -( 4747 )
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 480)
(3) - صحيح ابن حبان - (1 / 297) (95) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (1 / 298) (96) صحيح
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (8 / 464) (10045) صحيح
(6) - المعجم الأوسط للطبراني - (7391) ضعيف(1/189)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" مَا آتى اللّه عَالماً عِلماً إلاّ أخَذَ عَلَيه المِثاقَ أنْ لا يَكتُمَهُ ه" رواه أبو نعيم (1) .
11- استماع الحجة والقبول بها،والانصياع للحق وإن كان من الخصم،وتجنب الإصرار على الخطأ. قال الشافعي: وَدِدْت أَنَّ النَّاسَ انْتَفَعُوا بِهَذَا الْعِلْمِ وَلَا يُنْسَبُ إلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ،وَقَالَ أَيْضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:مَا نَاظَرْت أَحَدًا قَطُّ فَأَحْبَبْت أَنْ يُخْطِئَ،وَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا كَلَّمْت أَحَدًا قَطُّ إلَّا أَحْبَبْتُ أَنْ يُوَفَّقَ وَيُسَدَّدَ وَيُعَانَ وَتَكُونَ عَلَيْهِ رِعَايَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ". (2)
12- الجرأة في الحق،وإظهار عزة العلم،وأن لا يخشى في الله لومة لائم أو غضبة حاقد وإن كان مرا وذلك بالحكمة والعقل والموعظة الحسنة.قال تعالى وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } [الأنعام:83].
وَتِلْكَ هِيَ حُجَّةُ اللهِ الدَّامِغَةُ عَلَى وُجُودِ اللهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ،أَرْشَدَ إِلَيْهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ،لِيُوجِّهُهَا إلَى قَوْمِهِ،وَهُمْ يُجَادِلُونَهُ فِي رَبِّهِ،وَاللهُ يَرْفَعُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ،دَرَجَاتٍ فِي الدِّينِ وَالفَهْمِ وَالحُجَّةِ،وَإنَّ رَبَّكَ اللهَ الذِي رَبَّاكَ وَعَلَّمَكَ وَهَدَاكَ يَا مُحَمَّدُ،وَجَعَلَكَ خَاتَمَ الرُّسُلِ،حَكِيمٌ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ،عَلِيمٌ بِمَنْ يَهْتَدِي بِمَا أَنْزَلَ اللهُ،وَبِمَنْ يَضِلُّ،وَبِمَنْ قَامَتِ الحُجَّةُ عَلَيْهِ . (3)
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ،وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ،وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ." ابن حبان (4)
وعَنْ عَائِشَةَ:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:" مَنْ أَرْضَى اللَّهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ،وَمَنْ أَسْخَطَ اللَّهَ بِرِضَا النَّاسِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ " ابن حبان (5) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَنْ أَسْخَطَ اللَّهَ فِي رِضَا النَّاسِ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ،وأَسْخَطَ عَلَيْهِ مَنْ أرضاهُ فِي سَخَطِهِ،وَمَنْ أَرْضَى اللَّهَ فِي سَخَطِ النَّاسِ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَى عَنْهُ مَنْ أَسْخَطَهُ فِي رِضَاهُ حَتَّى يُزَيِّنَهُ وَيُزَيِّنَ قَوْلَهُ وَعَمَلَهُ فِي عَيْنِهِ." الطبراني (6)
13- إعطاء المتعلم على قدر فهمه،فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله فينفره،ثم يتدرج به من رتبة إلى رتبة. َقَالَ عَلِىٌّ:حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ،أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ " رواه البخاري (7) .
__________
(1) - القول المسدد - (1 / 5) وإتحاف السادة المتقين 1/105 و 153 و 154 وفيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (12 / 131)(7767 ) وبريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية - (2 / 214) ضعيف
(2) - إحياء علوم الدين - (1 / 27) والمدخل لابن الحاج - (1 / 170)
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 873)
(4) - صحيح ابن حبان - (1 / 510)(276) صحيح
(5) - صَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ (277 ) صحيح
(6) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 466) (11530) صحيح لغيره
(7) - صحيح البخارى- المكنز - (127)(1/190)
وعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً." رواه مسلم (1) .
14- بذل العلم لمن يقدِّرونه وينتفعون منه،وإمساكه عمن غيرهم.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ،وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ." رواه ابن ماجه (2) .
15- إصلاح ظاهره بالاستقامة على الشريعة المحمدية،وباطنه على التقوى وتزكية النفس ومراقبة الله تعالى،لأن العلم ليس لقلقة باللسان،وكلمات جوفاء لا تتجاوز الآذان،وإنما هو نور القلب بخرج من روح متصلة بالله مستقر في القلوب والأرواح لينقلب إلى عمل وسلوك.قال الله تعالى:{ لَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) } [السجدة:23 - 25] .
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالى رَسُولَه - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ آتَى مُوسَى التَّوْرَاةَ ( الكِتَابَ )،لِتَكُونَ هُدىً وعِظَةً لِبني إِسْرائيلَ،كَمَا آتَى عَبْدَهُ مُحَمَّداً القُرآنَ،وأَمَرهُ بأَلاَّ يَكُونَ في شَكٍّ وَرِيبَةٍ مِنْ صِحَّةِ مَا آتاهُ اللهُ مِنَ الكِتَابِ،فَمُحَمَّدٌ لَيْسَ بِدْعاً في الرُّسُلِ،فَقَدْ آتى الله غَيْرَهُ مِنَ الأنبياءِ كُتُباً.وَجَعَلَ اللهُ مِنْ بَني إِسْرَائيلَ أَئِمَّةً فِي الدُّنيا،يَهْدُونَ أَتْبَاعَهُمْ إِلى الخَيْرِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ،لأَنَّهُم صَبَروا عَلى طَاعَتِهِ،وَعَزَفَتْ نُفُوسُهُمْ عَنْ لَذَّاتِ الدُّنيا وَشَهَواتِها،وَكَانُوا مُؤْمِنينَ بآياتِ اللهِ وَحُجَجِهِ،وَبِمَا اسْتَبَانَ لَهُمْ مِنَ الحَقِّ (3)
وعَنِ الْحَسَنِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْعِلْمُ عِلْمَانِ:عِلْمٌ فِي الْقَلْبِ فَذَاكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ،وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ فَتِلْكَ حُجَّةُ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ." (4)
وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ:الْعِلْمُ عِلْمَانِ:فَعِلْمٌ فِى الْقَلْبِ فَذَلِكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ،وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ فَذَلِكَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى ابْنِ آدَمَ. (5)
وقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: " الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ بِاللِّسَانِ،وَعِلْمٌ بِالْقَلْبِ،فَأَمَّا الْعِلْمُ بِالْقَلْبِ: فَذَاكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ،وَأَمَّا الْعِلْمُ بِاللِّسَانِ: فَذَلكَ حُجَّةُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ " (6)
16-تجنب الفتيا بغير علم أو تثبت أو تأكد من المسألة،وإحالة الباب الذي لا يعرفه إلى من هو أعلم منه،وعدم الحرج من قول لا أدري أو الأنفة من ذلك.
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (14 )
(2) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (1 / 151) (224) وآخره ضعيف جدا ، وأوله صحيح لغيره
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3407)
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (19 / 88) (35502) صحيح مرسل
(5) - سنن الدارمى- المكنز - (372) صحيح
(6) - شعب الإيمان - (3 / 294) (1686 )(1/191)
قال تعالى:{ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85)} الاسراء.
إنّ علم الإنسان سيظل قاصراً عن إدراك هذه الحقيقة،وسيظل بينهما مسافات طويلة؛ لذلك قال تعالى بعدها: { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [الإسراء: 85]
وهل عرف العقل البشري كل شيء حتى يبحث في أسرار الروح؟!
والحق سبحانه وتعالى حينما يعطينا فكرة عن الأشياء لا يعطينا بحقائق ذاتها وتكوينها؛ لأن أذهاننا قد لا تتسع لفهمها،وإنما يعطينا بالفائدة منها. فحين حدثنا عن الأهِلّة قال:{ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ.. }[البقرة: 189]
وهذه هي الفائدة التي تعود علينا والتي تهمنا من الأَهِلّة،أما حركتها ومنازلها والمراحل التي تمر بها الأَهِلّة فأمور لا يضر الجهل بها؛ ذلك لأن الاستفادة بالشيء ليستْ فرعاً لفهم حقيقته،فالرجل الأُميّ في ريفنا يقتني الآن التلفاز وربما الفيديو،ويستطيع استعمالهما وتحويل قنواتهما وضبطهما،ومع ذلك فهو لا يعرف كيف تعمل هذه الأجهزة؟ وكيف تستقبل؟
إذن: الاستفادة بالشيء لا تحتاج معرفة كل شيء عنها،فيكفيك ـ إذن ـ أنْ تستفيد بها دون أن تُدخِل نفسك في متاهات البحث عن حقيقتها. ... ...
والحق سبحانه وتعالى ينبهنا إلى هذه المسألة في قوله تعالى:{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.. }[الإسراء: 36] لأن الخالق سبحانه يريد للإنسان أن يُوفّر طاقاته الفكرية ليستخدمها فيما يُجدي،وأَلاَّ يُتعِب نفسه ويُجهدها في علم لا ينفع،وجهل لا يضر.
فعلى المسلم بدل أن يشغل تفكيره في مثل مسألة الروح هذه،أنْ ينشغل بعمل ذي فائدة له ولمجتمعه. وأيّ فائدة تعود عليك إنْ توصلت إلى سِرٍّ من أسرار الروح؟ وأيّ ضرر سيقع عليك إذا لم تعرف عنها شيئاً؟
إذن: مناط الأشياء أن تفهم لماذا وجدت لك،وما فائدتها التي تعود عليك.
والحق سبحانه حينما قال: { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [الإسراء: 85] كان يخاطب بها المعاصرين لرسول الله منذ ما يزيد على ألف وأربعمائة عام،ومازال يخاطبنا ويخاطب مَنْ بعدنا،وإلى أن تقوم الساعة بهذه الآية مع ما توصلتْ إليه البشرية من علم وكأنه سبحانه يقول: يا ابن آدم،الزم غرزك،فإن وقفت على سِرٍّ فقد غابتْ عنك أسرار.
وقد أوضح الحق سبحانه لنا هذه المسألة في قوله:{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ }[فصلت:53]
وهاهم العلماء والباحثون يقفون كل يوم على جديد في الكون الفسيح وفي الإنسان،ولو تابعتَ ما توصّل إليه علماء الفضاء ورجال الطب لَهالكَ ما توصَّلوا إليه من آيات وعجائب في خَلْق الله تعالى،لكن هل معنى ذلك أننا عرفنا كل شيء؟ إن كلمة { سَنُرِيهِمْ ْ} ستظل تعمل إلى قيام الساعة.(1/192)
والمتتبع لطموحات العقول وابتكاراتها يجد التطور يسير بخُطىً واسعة،ففي الماضي كان التقدم يُقَاسُ بالقرون،أما الآن ففي كل يوم يطلع علينا حديث وجديد،ونرى الأجهزة تُصنع ولا تُستعمل؛ لأنها قبل أنْ تُبَاع يخرج عليها أحدث منها،لكن كلها زخارف الحياة وكمالياتها،كما قال تعالى:{ حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ.. }[يونس: 24]
فكلُّ مَا نراه من تقدُّم ليس من ضروريات الحياة،فقد كُنَّا نعيش بخير قبل أن نعرف الكهرباء،وكُنَّا نشرب في الفخار والآن في الكريستال،فابتكارات الإنسان في الكماليات،أما الضروريات فقد ضمنها الخالق سبحانه قبل أن يوجد الإنسان على هذه الأرض.
فإذا ما استنفدتْ العقول البشرية نشاطاتها،وبلغتْ مُنتهى مَا لديها من ابتكارات،حتى ظنَّ الناس أنهم قادرون على التحكم في زمام الكون،لا يعجزهم فيه شيء،كما قال تعالى: { وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ }[يونس: 24]
فبعد ما أخذتم أسرار المنعِم في الكون على قَدْر ما استطعتم،فاذهبوا الآن إلى المنعِم ذاته لتروا النعيم على حقيقته،وكلما رأيت في دنيا الناس ابتكارات واختراعات تُسعِد الإنسان،فهذا ما أعدَّ البشر للبشر،فكيف بما أعدَّ الله الخالق لخَلْقه؟
فالمفروض أن زخارف الحياة وزينتها وكمالياتها لا تدعونا إلى الحقد والحسد لمن توفرتْ لديه،بل تدعونا إلى مزيد من الإيمان والشوق إلى النعيم الحقيقي عند المنعِم سبحانه.
ولو تأملتَ هذه الارتقاءات البشرية لوجدتها قائمة على المادة التي خلقها الله والعقل المخلوق لله والطاقة المخلوقة لله،فَدوْر الإنسان أنه أعمل عقله وفكره في المقوّمات التي خلقها الله،لكن مهما وصلتْ هذه الارتقاءات،ومهما تطورتْ هل ستصل إلى درجة: إذا خطر الشيء ببالك تجدْه بين يديك؟ (1)
وعَنْ أَبِى عُثْمَانَ الطُّنْبُذِىِّ - رَضِيعِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ - قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ أُفْتِىَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ،وَمَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِى غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ ».. رواه أبو داود (2) .
17-تجنب المنة على المتعلمين ورؤية فضله على أحدهم إذا تعلَّم وتهذب وتزكَّى،لأن ذلك مما يحبط الأجر والثواب،ولكن يطلب ذخره عند الله،ويرى الفضل للمتعلم الذي كان السبب في رفع درجاته،وزيادة حسناته.
18-أن يتبع طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في زجر المقصرين،ومحاسبة المذنبين وذلك بالتعريض دون التوبيخ،وبالتلميح دون التصريح.. كأن يقول " ما بال أقوام".
__________
(1) - تفسير الشعراوي - ( / 2098)
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (3659 ) حسن(1/193)
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ،فَقَالَ بَعْضُهُمْ:لاَ أَتَزَوَّجُ،وَقَالَ بَعْضُهُمْ:لاَ آكُلُ اللَّحْمَ،وَقَالَ بَعْضُهُمْ:لاَ أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا،لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ،وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ،وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ،فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي." ابن حبان (1)
وعَنْ أَنَسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ،فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ:لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ،أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ." ابن حبان (2)
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كَاتَبَتْ بَرِيرَةَ عَلَى نَفْسِهَا بِتِسْعَةِ أَوَاقٍ،فِي كُلِّ سَنَةٍ أُوقِيَّةً،فَأَتَتْ عَائِشَةَ تَسْتَعِينُهَا،فَقَالَتْ:لاَ،إِلاَّ أَنْ يَشَاؤُوا أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً،وَيَكُونَ الْوَلاَءُ لِي،فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ،فَكَلَّمَتْ بِذَلِكَ أَهْلَهَا فَأَبَوْا عَلَيْهَا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ،فَجَاءَتْ إِلَى عَائِشَةَ وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ،فَقَالَتْ لَهَا مَا قَالَ أَهْلُهَا،فَقَالَتْ:لاَهَا:اللهِ إِذًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لِي،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا هَذَا ؟ فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّ بَرِيرَةَ أَتَتْنِي تَسْتَعِينُنِي عَلَى كِتَابَتِهَا،فَقُلْتُ:لاَ إِلاَّ أَنْ يَشَاؤُوا أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً،وَيَكُونَ الْوَلاَءُ لِي،فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لأَهْلِهَا،فَأَبَوْا عَلَيْهَا،إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ابْتَاعِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ وَأَعْتِقِيهَا،فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ. ثُمَّ قَامَ - صلى الله عليه وسلم - فَخَطَبَ النَّاسَ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ يَقُولُونَ:أَعْتِقْ يَا فُلاَنُ وَالْوَلاَءُ لِي،كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ،وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ،كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ،وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ،فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَوْجَهَا،وَكَانَ عَبْدًا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا،قَالَ عُرْوَةُ:فَلَوْ كَانَ حُرًّا مَا خَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ زَوْجِهَا." ابن حبان (3)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:إِنِّي أَصَبْتُ فَاحِشَةً،فَرَدَّهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِرَارًا،قَالَ:فَسَأَلَ قَوْمَهُ:أَبِهِ بَأْسٌ ؟ فَقِيلَ:مَا بِهِ بَأْسٌ غَيْرَ أَنَّهُ أَتَى أَمْرًا يَرَى أَنَّهُ لاَ يُخْرِجُهُ مِنْهُ إِلاَّ أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ عَلَيْهِ،قَالَ:فَأَمَرَنَا فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ،قَالَ:فَلَمْ نَحْفُرْ لَهُ وَلَمْ نُوثِقْهُ،فَرَمَيْنَاهُ بِخَزَفٍ وَعِظَامٍ وَجَنْدَلٍ،قَالَ:فَاشْتَكَى فَسَعَى،فَاشْتَدَدْنَا خَلْفَهُ،فَأَتَى الْحَرَّةَ فَانْتَصَبَ لَنَا،فَرَمَيْنَاهُ بِجَلاَمِيدِهَا حَتَّى سَكَنَ،فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْعَشِيِّ خَطِيبًا،فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:أَمَا بَعْدُ،مَا بَالَ أَقْوَامٍ إِذَا غَزَوْنَا تَخَلَّفَ أَحَدُهُمْ فِي عِيَالِنَا لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ،أَمَا إِنَّ عَلَيَّ أَنْ لاَ أُوتِيَ بِأَحَدٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلاَّ نَكَّلْتُ بِهِ،قَالَ:وَلَمْ يَسُبَّهُ،وَلَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهُ." (4)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (1 / 191) (14) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (6 / 61) (2284) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (10 / 93) (4272) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (10 / 285) (4438) صحيح(1/194)
وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ،قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّ يَقُولُ:اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ،فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:هَذَا لَكُمْ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ إِلَيَّ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَلاَ جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ،فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ قَامَ فَخَطَبَ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:أَمَّا بَعْدُ،مَا بَالُ أَقْوَامٍ نُوَلِّيهِمْ أُمُورًا مِمَّا وَلاَّنَا اللَّهُ وَنَسْتَعْمِلَهُمْ عَلَى أُمُورٍ مِمَّا وَلاَّنِي اللَّهُ،ثُمَّ يَأْتِي أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ:هَذَا لَكُمْ وَهَذِهِ أُهْدِيَتْ إِلَيَّ،أَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ،وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ،لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ،فَلاَ أَعْرِفَنَّ رَجُلاً يَحْمِلُ عَلَى عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ،أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ،أَوْ شَاةً تَيْعَرُ،ثُمَّ بَسَطَ يَدَهُ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ بَصَرَ عَيْنِي وَسَمِعَ أُذُنِي،ثُمَّ قَالَ:أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ - ثَلاَثًا -،الشَّهِيدُ عَلَى ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ يَحُكُّ مَنْكِبِي مَنْكِبَهُ." ابن حبان (1)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (10 / 373) (4515) صحيح(1/195)
-25-آداب المتعلم
كلنا يعلم أنَّ أول ما نزل من القرآن الكريم أن أمر الله تعالى نبيه بالقراءة:{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)} العلق. ومنّ على الإنسان بالإنعام عليه بالعلم:{ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} العلق. ثم أقسم في ثاني سورة بالكتابة وأدواتها {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)} القلم،ثم تتالت الآيات في بيان فضل العلم كقوله تعالى:{ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} الأنعام 148. وفي الحث على التعلم كقوله تعالى وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) } [التوبة:122].
وفي تكريم العلماء كقوله جلّ وعلا: { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43) } [الرعد:43].
وتمت معجزة الدين الجديد بالقضاء على ظلام الجهل والخرافة والأمية،ونشر مشاعل العلم والحكمة والحضارة والمعرفة في أرجاء الأرض.
وليس هناك من دين سماوي أو نظام وضعي حضَّ على العلم وقدَّسه وأمر بتحصيله وتحكيمه في كل خطوة من خطوات الحياة وفي كل ميادينها كما فعل الإسلام.
ففي وقت كان العلم محظورا على الرعاع من الناس،ومقصورا على طبقة الأشراف والنبلاء،لم يبح الاسلام العلم وإنما جعله فريضة على جميع معتنقيه،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " البيهقي (1) .
وتبرأ من كل جاهل،فعَنِ الْحَسَنِ،أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ:كُنْ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُحِبًّا أَوْ مُتَّبَعًا،وَلَا تَكُنِ الْخَامِسَ فَتَهْلِكَ.قَالَ:قُلْتُ لِلْحَسَنِ:مَنِ الْخَامِسُ ؟ قَالَ:الْمُبْتَدِعُ " (2)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:مَلْعُونَةٌ الدُّنْيَا،مَلْعُونٌ أَهْلُهَا،إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ،أَوْ مَا ذُكِرَ اللَّهُ،وَالْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ،وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ" (3)
وجعله بمنزلة الحيوان الأعجم،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ:" قَلِيلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعِبَادَةِ،وَكَفَى بِالْمَرْءِ عِلْمًا إِذَا عَبَدَ اللَّهَ،وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا إِذَا عَجِبَ بِرَأْيِهِ،إِنَّمَا النَّاسُ رَجُلَانِ:عَالِمٌ وَجَاهِلٌ فَلَا تُمَارِ الْعَالِمَ وَلَا تُحَاوِرِ الْجَاهِلَ " (4) .
__________
(1) - شعب الإيمان - (3 / 195) (1545 ) صحيح لغيره
(2) - الْمَدْخَلُ إِلَى السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ (287 ) فيه انقطاع
(3) - الْمَدْخَلُ إِلَى السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ (288) وفيه انقطاع
(4) - جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ (72 ) وفيه جهالة(1/196)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:" قَلِيلُ الْفِقْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعِبَادَةِ،وَكَفَى بِالْمَرْءِ فِقْهًا إِنْ عَبَدَ اللَّهَ،وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا إِذَا أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ،إِنَّمَا النَّاسُ رَجُلَانِ:فَمُؤْمِنٌ وَجَاهِلٌ،فَلَا تُؤْذِ الْمُؤْمِنَ وَلَا تُجَاوِرِ الْجَاهِلَ " (1)
وجعل العلم طريقا إلى الفوز بالجنة،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا،سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ،وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ." ابن حبان (2)
وجعل طالبه حبيب الملائكة الذين يقومون بتأييده ومعونته،فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ،وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ،وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ دَوَابُّ الْبِرِّ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ " (3)
وبين أن القليل منه،خير من كثير العبادة،فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَأَنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ " (4)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ،قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا أَبَا ذَرٍّ،لَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ،خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ،وَلَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ،عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ،خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ " (5)
وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " فَضْلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ،وَخَيْرُ دِينِكُمُ الْوَرَعُ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (6)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلاَئِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : فَضْلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ،وَمِلاَكُ دِينِكُمُ الْوَرَعُ." (7)
وجعل طلبه جهادا في سبيل الله،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى يَرْجِعَ" (8) .
وأجره كأجر من ظفر بحجة تامة،فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُرِيدُ إِلا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ،كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ" (9) .
__________
(1) - الفوائد لتمام 414 - (2 / 310) (1503) والْمَدْخَلُ إِلَى السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ ( 351 ) وفيه ضعف
(2) - صحيح ابن حبان - (1 / 284) (84) صحيح
(3) - شعب الإيمان - (3 / 221) (1574 ) صحيح
(4) - جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ (96 ) ضعيف
(5) - سُنَنُ ابْنِ مَاجَهْ (220 ) ضعيف
(6) - المعجم الأوسط للطبراني - (4107) حسن
(7) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 335) (26639) صحيح مرسل
الورع : في الأصْل : الكَفُّ عن المَحارِم والتَّحَرُّج مِنْه، ثم اسْتُعِير للكفّ عن المُباح والحلال .
(8) - سنن الترمذى- المكنز - (2859 ) حسن
(9) - المعجم الكبير للطبراني - (7 / 99) (7346 ) صحيح(1/197)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا،أَوْ يَعْلَمَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُ مُعْتَمِرٍ تَامِّ الْعُمْرَةِ،فَمَنْ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا،أَوْ يُعَلِّمَهُ فَلَهُ أَجْرُ حَاجٍّ تَامِّ الْحِجَّةِ" (1)
وأمر بطلبه إن فقد في بلده ولو في آخر الدنيا،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"" اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ فَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " (2) ..
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:اعْقِلْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ،مَا خَاطَبَكَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَإِنَّهُ يَحُثُّكَ عَلَى طَلَبِ عِلْمِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ قَبْلَ فَنَاءِ الْعُلَمَاءِ،ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فَنَاءَ الْعِلْمِ بِقَبْضِ أَهْلِهِ،ثُمَّ أَعْلَمَكَ أَنَّ الْخَيْرَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ،وَفِيمَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ،فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ،اعْقِلْ هَذَا وَاطْلُبْ مِنَ الْعِلْمِ مَا يُنْفَى عَنْكَ بِهِ الْجَهْلُ،وَتَعْبُدُ اللَّهَ بِهِ وَتُرِيدُ اللَّهَ الْعَظِيمَ بِهِ،فَإِنَّهُ عَلَيْكَ فَرِيضَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ "،وَلِقَوْلِهِ:" اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ " (3)
وجعل أثره بعد موت صاحبه عملا مستمرا له وأجرا باقيا وثوابا جاريا في صحيفته،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ:صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ،أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ،أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ." ابن حبان (4)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ » رواه مسلم (5) ..
ولئلا يفهم الناس أن المقصود من العلم هو علم العبادات والمناسك فقط،فقد حث القرآن في آياته على تتبع علوم الكون كله،واستنباط أسراره وتعلم قوانينه والاستفادة من نظامه ودقة نواميسه قال سبحانه:{ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) } [الأعراف:185]
أَوَ لَمْ يَنْظُرْ هَؤُلاَءِ المُكَذِّبُونَ إلَى مَا خَلَقَ اللهُ تَعَالَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَيَتَدبَّرُوا ذَلِكَ،وَيَعْتَبِرُوا بِهِ،وَيُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ،وَيَتَخَلَّوْا عَنِ الأنْدَادِ وَالأوْثَانِ؟ فَلْيَحْذَرُوا أنْ تَكُونَ آجَالُهُمْ قَدِ اقْتَرَبَتْ فَيَهْلِكُوا وَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ،وَيَصِيرُوا إلى عَذَابٍ أليمٍ.وَإذا لَمْ يتَّعِظُوا بِمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ،وَبِمَا حَذَّرَهُمْ مِنْهُ،فَبِأَيِّ وَسِيلَةٍ مِنَ التَّخْويفِ وَالتَّحْذِيرِ يُصَدِّقُونَ؟ وَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ القُرْآنِ يُؤْمِنُونَ،إِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ؟ (6)
__________
(1) - المستدرك للحاكم( 311) صحيح
(2) - جامع بيان العلم وفضله - مؤسسة الريان - (1 / 25) (16) ضعيف
(3) - الْأَرْبَعُونَ حَدِيثًا لِلْآجُرِّيِّ ( 2 )
(4) - صحيح ابن حبان - (7 / 286) (3016) صحيح
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (4310 )
(6) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1140)(1/198)
وقال تعالى:{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) } [آل عمران:190 - 191] .
إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ،وَمَا فِيها مِنْ مَشَاهِدَ عَظِيمَةٍ،وَكَوَاكِبَ وَسَيَّارَاتٍ،وَفِي خَلْقِ الأَرْضِ،وَمَا فِيها مِنْ بِحَارٍ،وَأَنْهَارٍ وَجِبَالٍ وَأَشْجِارٍ وَنَبَاتْ،وَفِي تَعَاقُبِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ،وَتَقَارُضِهِمَا الطُّولَ وَالقِصَرَ،وَيَطُولُ هَذا تَارةً،وَيَطُولُ الآخَرَ تَارَةً أخْرَى...لآيَاتٍ وَبَرَاهِينَ وَحُجَجَاً وَدَلائِل عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ،وَعَظِيمَ قُدْرَتِهِ،لأهْلِ العُقُولِ وَالأَلْبَابِ الزّكِيَّةِ.وَيَصِفُ اللهُ تَعَالَى أُوْلِي الأَلْبَابِ فَيَقُولُ عَنْهُمْ:إِنَّهُمُ الذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قَائِمِينَ وَقَاعِدِينَ وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَلاَ يَقْطَعُونَ ذِكْرَ اللهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ،بِسَرَائِرِهِمْ،وَأَلْسِنَتِهِمْ...وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لِيَفْهَمُوا مَا فِيهَا مِنْ أَسْرَارِ خَلِيقَتِهِ،وَمِنْ حِكَمٍ وَعِبَرٍ وَعِظَاتٍ،تَدُلُ عَلَى الخَالِقِ،وَقُدْرَتِهِ،وَحِكْمَتِهِ،ثُمَّ يَرْجِعُونَ إلَى أَنْفُسِهِمْ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَكَ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا الخَلْقَ عَبَثاً وَبَاطِلاً،رَبَّنَا تَنَزَّهْتَ عَنِ العَبَثِ وَالبَاطِلِ،وَإنَّمَا خَلَقْتَهُ بِالحَقِّ،وَالإِنْسَانِ مِنْ بَعْضِ خَلْقِكَ لَمْ تَخْلُقْهُ عَبَثاً،وَإِنَّمَا خَلَقْتَهُ لِحِكْمَةٍ.وَمَتَى حُشِرَ الخَلْقُ إلَيكَ حَاسَبْتَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ،فَتَجْزِي الذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا،وَتَجْزِي الذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى.ثُمَّ يُتِمُّونَ دُعَاءَهُمْ سَائِلِينَ رَبَّهُمْ أنْ يَقِيَهُمْ عَذابَ النَّارِ . (1)
وأشار في محكم تنزيله إلى بعض علوم السماء والأرض،والنبات والحيوان،والأجنة والفلك،والسياسة والاجتماع،والمعاملات الاجتماعية والعلاقات الدولية..
ومن وحي هذه التعاليم الاسلامية لم تمض فترة وجيزة إلا وصار كل بيت قبلة،وكل سوق مدرسة،وانقلبت الصحاري والمراعي إلى منابع للنور والحكمة وفنون العلم والمعارف،ثم انطلق المسلمون إلى أصقاع الأرض ينشرون هذا العلم بين الناس،ويبصرونهم سبل سعادتهم،ويدلونهم على حقيقة إنسانيتهم،وأسرار خلقهم.. ويبثون حضارة ما عرفت الإنسانية أعظم منها هدفا ولا أنبل منها غاية ولا أرحم منها على بني الإنسان.
إنها رسالة الإسلام،فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْجِدَ وَقَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَوْمٌ يَتَذَاكَرُونَ الْفِقْهَ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : كِلاَ الْمَجْلِسَيْنِ إِلَى خَيْرٍ،أَمَّا الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ،وَهَؤُلاَءِ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ وَيَتَعَلَّمُونَ،وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا،وَهَذَا أَفْضَلُ فَقَعَدَ مَعَهُمْ." (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ" (3) .
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 483)
(2) - مسند الطيالسي - (4 / 11) (2365) حسن
(3) - الفوائد لتمام 414 - (1 / 156) (276) صحيح(1/199)
هذا وليحصل طالب العلم على ثمرات عمله على الوجه المطلوب،وليبارك في جهوده،لا بد أن يطلب العلم متأدبا بآدابه التي نقطف منها هذه اللآلئ،وننظمها لكل متعلم:
آداب المتعلم مع العلم:
1- التماس مجالس العلم،وانتقاء اليانع من ثمراتها،والانتفاع بها على الوجه المطلوب.فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ،فَارْتَعُوا،قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ:مَجَالِسُ الْعِلْمِ.". رواه الطبراني (1) .
2- الصدق في طلب العلم،وبذل الوقت والجهد في تحصيله،والإعراض عن كل ما يشغل عنه من لغو أو بطالة أو اقتراف لمعصية أو محرم. وفال بعضهم :
شَكَوْتُ إِلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي فَأَوْمَأَ لِي إِلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي
وَقَالَ بِأَنَّ حَفِظَ الشَّيْءِ فَضْلٌ وَفَضْلُ اللَّهِ لَا يُدْرِكُهُ عَاصِي
وعن سَعِيدَ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِىَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ،إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ.فَقَالَ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « أَنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ،فَسُئِلَ أَىُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ أَنَا.فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ.فَقَالَ لَهُ بَلَى،لِى عَبْدٌ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ.قَالَ أَىْ رَبِّ وَمَنْ لِى بِهِ - وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ أَىْ رَبِّ وَكَيْفَ لِى بِهِ - قَالَ تَأْخُذُ حُوتًا،فَتَجْعَلُهُ فِى مِكْتَلٍ،حَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهْوَ ثَمَّ - وَرُبَّمَا قَالَ فَهْوَ ثَمَّهْ - وَأَخَذَ حُوتًا،فَجَعَلَهُ فِى مِكْتَلٍ،ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ،حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ،وَضَعَا رُءُوسَهُمَا فَرَقَدَ مُوسَى،وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فَخَرَجَ فَسَقَطَ فِى الْبَحْرِ،فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ سَرَبًا،فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنِ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءِ،فَصَارَ مِثْلَ الطَّاقِ،فَقَالَ هَكَذَا مِثْلُ الطَّاقِ.فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا،حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا .
وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ.قَالَ لَهُ فَتَاهُ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ،وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ،وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ عَجَبًا،فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلَهُمَا عَجَبًا.قَالَ لَهُ مُوسَى ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِى،فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا،رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ،فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ،فَسَلَّمَ مُوسَى،فَرَدَّ عَلَيْهِ.فَقَالَ وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ.قَالَ أَنَا مُوسَى.قَالَ مُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ،أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِى مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا.قَالَ يَا مُوسَى إِنِّى عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ،عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لاَ تَعْلَمُهُ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لاَ أَعْلَمُهُ.قَالَ هَلْ أَتَّبِعُكَ قَالَ ( إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ) إِلَى قَوْلِهِ ( إِمْرًا )
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 305)(10995 ) والاتحاف 1/240 و 5/6 و 173 و 8/322 وفيه مجهول(1/200)
فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ،فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ،كَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ،فَعَرَفُوا الْخَضِرَ،فَحَمَلُوهُ بِغَيْرِ نَوْلٍ،فَلَمَّا رَكِبَا فِى السَّفِينَةِ جَاءَ عُصْفُورٌ،فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ،فَنَقَرَ فِى الْبَحْرِ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ،قَالَ لَهُ الْخَضِرُ يَا مُوسَى،مَا نَقَصَ عِلْمِى وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ.إِذْ أَخَذَ الْفَأْسَ فَنَزَعَ لَوْحًا،قَالَ فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى إِلاَّ وَقَدْ قَلَعَ لَوْحًا بِالْقَدُّومِ.فَقَالَ لَهُ مُوسَى مَا صَنَعْتَ قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ،عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا،لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا.قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا.قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا،فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا.فَلَمَّا خَرَجَا مِنَ الْبَحْرِ مَرُّوا بِغُلاَمٍ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ،فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَلَعَهُ بِيَدِهِ هَكَذَا - وَأَوْمَأَ سُفْيَانُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ يَقْطِفُ شَيْئًا - فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا.قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا.قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَىْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِى،قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّى عُذْرًا.فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ مَائِلاً - أَوْمَأَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ سُفْيَانُ كَأَنَّهُ يَمْسَحُ شَيْئًا إِلَى فَوْقُ،فَلَمْ أَسْمَعْ سُفْيَانَ يَذْكُرُ مَائِلاً إِلاَّ مَرَّةً - قَالَ قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا عَمَدْتَ إِلَى حَائِطِهِمْ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا.قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ،سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا.قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ،فَقَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا ».قَالَ سُفْيَانُ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى،لَوْ كَانَ صَبَرَ يُقَصُّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا ».وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا،وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ.ثُمَّ قَالَ لِى سُفْيَانُ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ.قِيلَ لِسُفْيَانَ حَفِظْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْمَعَهُ مِنْ عَمْرٍو،أَوْ تَحَفَّظْتَهُ مِنْ إِنْسَانٍ فَقَالَ مِمَّنْ أَتَحَفَّظُهُ وَرَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ عَمْرٍو غَيْرِى سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ . (1)
وقد ذكر القرآن الكريم: قال تعالى:{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60)} الكهف.
لا أبرح: أي لا أترك،والبعض يظن أن لا أبرح تعني: لا أترك مكاني الذي أنا فيه،لكنها تعني: لا أترك ما أنا بصدده،فإنْ كنتُ قاعداً لا أترك القعود،وإنْ كنتُ ماشياً لا أترك المشي،وقد قال موسى ـ عليه السلام ـ هذا القول وهو يبتغي بين البحرين،ويسير متجهاً إليه،فيكون المعنى: لا أترك السير إلى هذا المكان حتى أبلغ مجمع البحرين.
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3401 )
الطاق : ما عطف من الأبنية أى جعل كالقوس من قنطرة ونافذة وما أشبه ذلك -يقصان : يتتبعان الأثر -ينقض : يسقط -المكتل : القفة الكبيرة -النكر : الأمر الشديد(1/201)
وقد وردت مادة (برح) في قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام: { فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي.. } [يوسف: 80] قالها كبيرهم بعد أن أخذ يوسف أخاه بنيامين ومنعه من الذهاب معهم،فهنا استحى الأخ الأكبر من مواجهة أبيه الذي أخذ عليهم العهد والميثاق أنْ يأتوا به ويُعيدوه إليه.
و" مجْمَع البحرين " أي: موضع التقائهما،حيث يصيران بحراً واحداً،كما يلتقي مثلاً دجلة والفرات في شَطِّ العرب.
وقوله: { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } [الكهف: 60] الحُقُب: جمع حِقْبة،وهي الفترة الطويلة من الزمن،وقد قدَّروها بحوالي سبعين أو ثمانين سنة،فإذا كان أقل الجمع ثلاثة،فمعنى ذلك أن يسير موسى ـ عليه السلام ـ مائتين وعشرة سنين،على اعتبار أن الحِقْبة سبعون سنة.ويكون المعنى: لا أترك السير إلى هذا المكان ولو سِرْتُ مائتين وعشرة سنين؛ لأن موسى عليه السلام كان مَشُوقاً إلى رؤية هذا الرجل الأعلم منه،كيف وهو النبي الرسول الذي أوحى الله إليه؛ لذلك أخبره ربه أن عِلْم هذا الرجل علم من لدنا،علم من الله لا من البشر. (1)
3- الإخلاص في طلب العلم،وإرادة وجه الله تعالى في تحصيله،وامتثال أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - ،والحذر من أن يكون حظه من العلم طلب عرض من الدنيا قليل.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا لِغَيْرِ اللَّهِ أَوْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ». رواه الترمذي (2) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ،لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لَيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا،لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ." ابن حبان (3) .
4- تزكية النفس وتطهيرها من رذائل الأخلاق واتباع الأهواء قبل طلب العلم،لأن العلم إذا نزل على نفس خبيثة زادها خبثا وصار ضررا على صاحبه وبلاء على الناس. قال الشاعر:
لا تحسبنّ العلم ينفع وحده ... ... ما لم يتوّج ربّه بخلاق
وقال آخر:
لو كان للعلم من دون التقى شرف ... لكان أشرف خلق الله إبليس
5- الابتعاد عن المراء،وتجنب الجدال بعد ظهور الحق،فإن المراء لا يأتي بخير،لأنه يضيع الوقت،ويقسي القلوب،ويورث الأحقاد،ويسبب البغضاء،وعلى المتعلم أن يبدي رأيه لمحدثه فإن اقتنع وإلا فليتوقف عن النقاش العقيم،قال الله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا
__________
(1) - تفسير الشعراوي - ( / 2184)
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (2867 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
(3) - صحيح ابن حبان - (1 / 279) (78) صحيح(1/202)
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (46) سورة العنكبوت.
ولا تجادلوا -أيها المؤمنون- اليهودَ والنصارى إلا بالأسلوب الحسن،والقول الجميل،والدعوة إلى الحق بأيسر طريق موصل لذلك،إلا الذين حادوا عن وجه الحق وعاندوا وكابروا وأعلنوا الحرب عليكم فجالدوهم بالسيف حتى يؤمنوا،أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون،وقولوا: آمنا بالقرآن الذي أُنزل إلينا،وآمنا بالتوراة والإنجيل اللذَيْن أُنزلا إليكم،وإلهنا وإلهكم واحد لا شريك له في ألوهيته،ولا في ربوبيته،ولا في أسمائه وصفاته،ونحن له خاضعون متذللون بالطاعة فيما أمرنا به،ونهانا عنه. (1)
فعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ،عَن ْرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:"مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ،وَيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ فِي الْمَجَالِسِ،لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ" (2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ،أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ،أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ،فَهُوَ فِي النَّارِ." رواه ابن ماجه (3) .
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِى رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِى وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِى أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ ». (4)
6- المحافظة على السمت الحسن،والاتزان والهدوء،ووقار العلم،وما يطبعه في النفس من خشية لله،ومعرفة بأقدار الناس. والابتعاد عن كل ما يخلّ بشرف العلم ومكانته في النطق والمشي والأمكنة والمعاملات.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ،وَتَعَلَّمُوا لِلْعِلْمِ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ،وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَعْلَمُونَ مِنْهُ" رواه الطبراني (5) .
وقَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَتَعَلَّمُوا لِلْعِلْمِ السَّكِينَةَ وَالْحِلْمَ،وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَعَلَّمُونَ مِنْهُمْ،وَلْيَتَوَاضَعْ لَكُمْ مَنْ تُعَلِّمُونَ،وَلا تَكُونُوا مِنْ جَبَابِرَةِ الْعُلَمَاءِ ؛ فَلا يَقُومُ عِلْمُكُمْ بِجَهْلِكُمْ " (6)
وقال مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " إِنَّ مَجَالِسَ الْعِلْمِ تُحْتَضَنُ بِالْخُشُوعِ وَالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ " (7)
__________
(1) - التفسير الميسر - (7 / 167)
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (14 / 467) (16545 ) ومسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (13 / 487) (7295) وصحيح الجامع ( 6382) حسن لغيره
(3) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (1 / 170) (253) حسن لغيره
(4) - سنن أبي داود - المكنز - (4802 ) حسن - الربض : حوالى الجنة وأطرافها
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (19 / 450) (1077 ) ضعيف
(6) - المجالسة وجواهر العلم - (4 / 41) (1197 ) حسن لغيره
(7) - الْمَدْخَلُ إِلَى السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ (574 )(1/203)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ قَالَ:كَانَ يُقَالُ:" تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ،وَتَعَلَّمُوا لِلْعِلْمِ السَّكِينَةَ وَالْحِلْمَ،وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ،وَلْيَتَوَاضَعَ لَكُمْ مَنْ عَلَّمَكُمْ " قَالَ أَيُّوبُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ،سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ:كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ،إِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ،فَهُوَ يَوْمُ غُنَيْمَتِهِ،سَأَلَهُ وَتَعَلَّمَ مِنْهُ،وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْعِلْمِ عَلَّمَهُ،وَتَوَاضَعَ لَهُ،وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ مِثْلَهُ فِي الْعِلْمِ ذَاكَرَهُ وَدَارَسَهُ،وَقَالَ:لَا يَكُونُ إِمَامًا فِي الْعِلْمِ مَنْ أَخَذَ بِالشَّاذِّ مِنَ الْعِلْمِ،وَلَا يَكُونُ إِمَامًا فِي الْعِلْمِ مَنْ رَوَى كُلَّ مَا سَمِعَ،وَلَا يَكُونُ إِمَامًا فِي الْعِلْمِ مَنْ رَوَى عَنْ كُلِّ أَحَدٍ،وَالْحِفْظُ الْإِتْقَانُ" (1)
7- طلب العلم النافع المفيد في دين المسلم أو دنياه أو آخرته،وتجنب العلوم التي انقضى زمانها،أو التي لا طائل منها،أو التي تضر المسلم في دينه،أو توقعه في الشك والإلحاد. قال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} (14) سورة الشورى.
يُبَيِّنَ اللهُ تَعَالَى الأَسْبَابَ التِي حَمَلَتِ النَّاسَ عَلَى التَّفَرُّقِ والاخْتِلاَفِ فِي الدِّينِ،مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُمْ جَمِيعاً بِأَمْرٍ وَاحِدٍ،وَطَلَبَ مِنْهُمِ الأَخْذَ بِهِ،وَعَدَمَ التَّفَرُّقِ فِيهِ.فَقَالَ تعالى: إِنَّهُمْ لَمْ يَتَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ عَلِمُوا أَنَّ الفُرْقَةُ ضَلاَلَةٌ،وَقَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ بَغْياً وَطَلَباً لِلرِئَاسَةِ وَلِلحَمِيَّةِ وَالعَصِبِيَّةِ،وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَذْهَبُ مَذْهَباً وَتَدْعُو إِلَيهِ،وَتُقَبِّحُ مَا سَوَاهُ لِلظُّهُورِ وَالتَّفَاخُرِ،وَلَوْلاَ الكَلِمَةُ السَّابِقَةَ مِنَ اللهِ تَعَالَى بِأَنْ يُؤَخِّرَ حَسَابِهُمْ،وَالفَصْلَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ،لَعَجَّلَ لَهُمْ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا.وَالذِينَ وَرِثُوا التَّوْرَاةَ والإِنْجِيل عَنْ أَسْلاَفِهِم السَّابِقِينَ،هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ كِتَابِهِمْ،لأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ حَقَّ الإِيْمَانِ .وَهُمْ يَقَلِّدُونَ أَسْلاَفَهُمْ بِلاَ حُجَّةٍ وَلاَ دَلِيلٍ وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ فِي شَكٍّ وَحِيرَةٍ مُقْلِقَيْنِ (2)
وعَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الأَرْبَعِ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ ». (3)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ لاَ أَقُولُ لَكُمْ إِلاَّ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا ». رواه مسلم (4) .
__________
(1) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ (86 ) صحيح مقطوع
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4165)
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (1550 ) صحيح
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (7081 )(1/204)
8- تلقي العلم عن أهله الأكفاء،من العلماء الراسخين،والأتقياء الصالحين،وأخذ كل فن من المختصين به،المحسنين له.
فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ:إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ." (1)
وقَال مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: "إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ "
وَيَكُونُ قَدْ وَسَمَ نَفْسَهُ بِآدَابِ الْعِلْمِ،مِنَ اسْتِعْمَالِ:الصَّبْرِ وَالْحِلْمِ،وَالتَّوَاضُعِ لِلطَّالِبِينَ،وَالرِّفْقِ بِالْمُتَعَلِّمِينَ،وَلِينِ الْجَانِبِ،وَمُدَارَاةِ الصَّاحِبِ،وَقَوْلِ الْحَقِّ،وَالنَّصِيحَةِ لِلْخَلْقِ،وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَوْصَافِ الْحَمِيدَةِ،وَالنُّعُوتِ الْجَمِيلَةِ (2)
9- الصبر على التعلم والحفظ والمراجعة،واستغلال الوقت واكتساب الفراغ،قبل ذهابهما بما يستطيع من الاستزادة من العلم،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ،شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ،وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ،وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ،وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلُكَ،وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ " (3)
وعَنِ الأَحْنَفِ،قَالَ:قَالَ عُمَرُ:تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا." (4)
يُرِيدُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَخْدُمِ الْعِلْمَ فِي صِغَرِهِ اسْتَحْيَى أَنْ يَخْدُمَهُ فِي كِبَرِ السِّنِّ وَإِدْرَاكِ السُّؤْدَدِ " قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَبَلَغَنِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،أَنَّهُ قَالَ:مَنْ تَرْأَسَ فِي حَدَاثَتِهِ كَانَ أَدْنَى عُقُوبَتِهِ أَنْ يَفُوتَهُ حَظٌّ كَبِيرٌ مِنَ الْعِلْمِ.وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ،رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ:مَنْ طَلَبَ الرِّيَاسَةَ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَوَانِهِ لَمْ يَزَلْ فِي ذُلٍّ مَا بَقِيَ،أَنْشَدَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَنْشَدَنِي سَهْلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:أَنْشَدَنَا مَنْصُورُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ لِنَفْسِهِ :
الْكَلْبُ أَكْرَمُ عِشْرَةً وَهُوَ النِّهَايَةُ فِي الْخَسَاسَةْ
مِمَّنْ يُنَازِعُ فِي الرِّيَاسَةِ قَبْلَ أَوْقَاتِ الرِّيَاسَةْ (5)
وقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:" يَا طَالِبَ الْعِلْمِ إِنَّ الْعِلْمَ ذُو فَضَائِلَ كَثِيرَةٍ:فَرَأْسُهُ التَّوَاضُعُ،وَعَيْنُهُ الْبَرَاءَةُ مِنَ الْحَسَدِ،وَأُذُنُهُ الْفَهْمُ،وَلِسَانُهُ الصِّدْقُ،وَحِفْظُهُ الْفَحْصُ،وَقَلْبُهُ حُسْنُ النِّيَّةِ،وَعَقْلُهُ مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ وَالْأُمُورُ الْوَاجِبَةُ،وَيَدُهُ الرَّحْمَةُ،وَرِجْلُهُ زِيَادَةُ الْعُلَمَاءِ،وَهِمَّتُهُ السَّلَامَةُ،وَحِكْمَتُهُ الْوَرَعُ،وَمُسَتَقَرُّهُ النَّجَاةُ،وَقَائِدُهُ الْعَافِيَةُ،وَمَرْكَبُهُ الْوَفَاءُ،وَسِلَاحُهُ لِينُ الْكَلِمَةِ،وَسَيْفُهُ الرِّضَا،وَفَرَسُهُ الْمُدَارَاةِ،وَجَيْشُهُ مُحَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ،وَمَالُهُ الْأَدَبُ،وَذَخِيرَتُهُ اجْتِنَابُ الذُّنُوبِ،وَزَادُهُ الْمَعْرُوفُ،وَمَاؤُهُ الْمُوَادَعَةُ،وَدَلِيلُهُ الْهُدَى،وَرَفِيقُهُ صُحْبَةُ الْأَخْيَارِ " وَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ فِقْهَهُ مِنْ أَفْوَاهِ الْعُلَمَاءِ،لَا مِنَ الصُّحُفِ" (6)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (26 )
(2) - الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (841 )
(3) - شعب الإيمان - (12 / 476) (9767 ) صحيح
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 336) (26640) صحيح
(5) - الْعُزْلَةُ لِلْخَطَّابِيِّ (196 )
(6) - الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (842 ) ضعيف(1/205)
10- السؤال عن كل ما استعصى عليه فهمه،والبحث في كل مسألة حتى يتقنها،وعدم الحياء في طلب العلم. فعَنْ مُغِيرَةَ قَالَ:قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ كَيْفَ أَصَبْتَ هَذَا الْعِلْمَ ؟ قَالَ:" بِلِسَانٍ سَؤُولٍ،وَقَلْبٍ عَقُولٍ " (1) .
وعَنْ دَغْفَلَ بْنِ حَنْظَلَةَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ شَيْبَانَ قَالَ:قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:" يَا دَغْفَلُ،مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ هَذَا الْعِلْمَ ؟ قُلْتُ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،عَلِمْتُهُ بِلِسَانٍ سَئُولٍ وَقَلْبٍ عُقُولٍ وَأُذُنٍ وَاعِيَةٍ لِلْعِلْمِ "
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ:أَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى دَغْفَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسْأَلُ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ وَالنِّسْبَةِ فَقَالَ:يَا دَغْفَلُ مِنْ أَيْنَ حَفِظْتَ هَذَا ؟ قَالَ:بِلِسَانٍ سَئُولٍ وَقَلْبٍ عُقُولٍ وَأُذُنٍ وَاعِيَةٍ " (2)
وعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:" لَا يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٌ " (3) .
وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ « تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ. ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا ». فَقَالَتْ أَسْمَاءُ وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا فَقَالَ « سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِينَ بِهَا ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِى ذَلِكَ تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَالَ « تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ - أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ - ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِى الدِّينِ (4) .
11- التبكير إلى مجالس العلم،والحرص على كل ما يرد فيها من أفكار ومعان وبركات،وتقييدها بالكتابة،وتصنيفها وتبويبها بعد مراجعتها في البيت.
قال الشافعي:
العلم صيد والكتابة قيده ... ... قيّد صيودك بالحبال الواثقة
12- استكمال العدة اللازمة للدخول في عداد طلاب العلم ومنها ثمانية أشياء: الدليل: وهو المعلم الكامل،والزاد: وهو التقوى،والسلاح: وهو الوضوء،والسراج: وهو الذكر،والمنهاج: وهو الشريعة المحمدية،والهمة الصادقة القوية،والأخوة في الله المصاحبين بالصدق،وتجنب اتباع الهوى.
آداب المتعلم مع المعلم:
التواضع للمعلم ولو كان أصغر سنا،إذ ليس من الذل المكروه أن يتذلل طالب العلم لمعلمه.
__________
(1) - فَضَائِلُ الصِّحَابَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ( 1844 ) فيه انقطاع
(2) - الآحاد والمثاني - (3 / 170)(1673) حسن
(3) - المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي - (313 ) صحيح
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (776 ) -السدرة : شجرة النبق -الفرصة : قطعة من قطن أو صوف(1/206)
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ،كَانَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُمْلِي عَلَيْنَا فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ فَلَحِقَتْهُ الشَّمْسُ فَمَرَّ بِهِ بَعْضُ إِخْوَانِهِ فَقَالَ:يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فِي الشَّمْسِ فَأَنْشَأَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ :
أُهِينُ لَهُمْ نَفْسِي لِأُكْرِمَهَا بِهِمْ وَلَنْ يُكْرِمَ النَّفْسَ الَّذِي لَا يُهِينُهَا
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ذَلَلْتُ طَالِبًا فَعَزَزْتُ مَطْلُوبًا " (1)
وعَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ قَالَ:يُقَالُ:" مَا أَحْسَنَ الْإِسْلَامَ وَيَزِينُهُ الْإِيمَانُ،وَمَا أَحْسَنَ الْإِيمَانَ وَيَزِينُهُ التَّقْوَى،وَمَا أَحْسَنَ التَّقْوَى وَيَزِينُهَا الْعِلْمُ،وَمَا أَحْسَنَ الْعِلْمُ وَيزِينُهُ الْحِلْمُ،وَمَا أَحْسَنَ الْحِلْمَ وَيزِينُهُ الرِّفْقُ " وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى :
الْعِلْمُ وَالْحِلْمُ حُلَّتَا كَرَمٍ لِلْمَرْءِ إِذَا هُمَا اجْتَمَعَا
كَمْ مِنْ وَضِيعٍ سَمَا بِهِ الْعِلْمُ وَالْحِلْمُ فَنَالَ السَّمُوَّ وَارْتَفَعَا
صِنْوَانِ لَا يَسْتَتِمُّ حُسْنُهُمَا إِلَّا بِجَمْعٍ لِذَا وَذَاكَ مَعًا
كُلُّ رُفَيْعِ الْبِنَا أَضَاعَهُمَا أَخْمَلَهُ مَا أَضَاعَ فَاتَّضَعَا
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ذَلَلْتُ طَالِبًا فَعَزَزْتُ مَطْلُوبًا " وَكَانَ يَقُولُ:" لِقَاحُ الْمَعْرِفَةِ دِرَاسَةُ الْعِلْمِ " (2)
وعن الْأَصْمَعِيِّ،قَالَ:سَمِعْتُ شُعْبَةَ،يَقُولُ:" كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنَ الرَّجُلِ الْحَدِيثَ،كُنْتُ لَهُ عَبْدًا مَا حَيِيَ،فَكُلَّمَا لَقِيتُهُ سَأَلْتُهُ عَنْهُ " (3) .
احترام العالم وتقديره وإكرامه،والنظر اليه بعين الإكبار والإجلال والتعظيم.
قال الشافعي: كنت أصفح الورقة بين يدي مالك صفحا رقيقا هيبة لئلا يسمع وقعها (4) .
وعن مُحَمَّدَ بْنِ إِسْحَاقَ قال:سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ،يَقُولُ:وَاللَّهِ مَا اجْتَرَأْتُ أَنْ أَشْرَبَ الْمَاءَ وَالشَّافِعِيُّ يَنْظُرُ إِلَيَّ هَيْبَةً لَهُ " (5)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا ». " رواه الترمذي (6) .
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قال:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا ». (7)
__________
(1) - جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ (550 )
(2) - جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ (589 ) حسن ، وخبر ابن عباس فيه انقطاع
(3) - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (318 )
(4) - فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (7 / 75)
(5) - الْمَدْخَلُ إِلَى السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ (563) صحيح
(6) - سنن الترمذى- المكنز - (2044) صحيح
(7) - مسند الحميدي - المكنز - (614) صحيح(1/207)
وعَنْ عُمَرَ بْنِ مِخْرَاقٍ،قَالَ: مَرَّ عَلَى عَائِشَةَ رَجُلٌ ذُو هَيْئَةٍ فَدَعَتْهُ يَقْعُدُ مَعَهَا وَمَرَّ آخَرُ فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً،فَقِيلَ لَهَا،فَقَالَتْ: " أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ " (1)
القيام للعالم عند دخوله،وتقبيل يده احتراما ومحبة وتبركا وتقديرا.
قال الله تعالى:{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} الحج.
وعَنْ الزَّارِعِ:أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَخَرَجَ مَعَهُ بِأَخِيهِ لأُمِّهِ يُقَالُ لَهُ:مَطَرُ بْنُ هِلالٍ مِنْ عَنْزَةَ،وَخَرَجَ بِابْنِ أَخٍ لَهُ مَجْنُونٍ،وَمَعَهُمُ الأَشَجُّ،وَكَانَ اسْمُهُ مُنْذِرُ بْنُ عَائِذٍ،فَقَالَ الْمُنْذِرِ،يَا زَارِعُ:خَرَجْتَ مَعَنَا بِرَجُلٍ مَجْنُونٍ وَفَتًى شَابٍّ لَيْسَ مِنَّا،وَافِدِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ الزَّارِعُ:أَمَّا الْمُصَابُ،فَآتِي بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو لَهُ،عَسَى أَنْ يُعَافِيَهُ اللَّهُ،وَأَمَّا الْفَتَى الْعَنْزِيُّ،فَإِنَّهُ أَخِي لأُمِّي،وَأَرْجُو أَنْ يَدْعُوَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِدَعْوَةٍ،تُصِيبُهُ دَعْوَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَمَا عَدَا أَنْ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ،قِيلَ:هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَمَا تَمَالَكْنَا أَنْ وَثَبْنَا عَنْ رَوَاحِلِنَا،فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهِ سِرَاعًا،فَأَخَذْنَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ نُقَبْلِهُمَا،وَأَنَاخَ الْمُنْذِرُ رَاحِلَتَهُ،فَعَقَلَهَا،وَذَاكَ بِعَيْنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ عَمَدَ إِلَى رَوَاحِلِنَا،فَأَنَاخَهَا رَاحِلَةً رَاحِلَةً،فَعَقَلَهَا كُلَّهَا،ثُمَّ عَمَدَ إِلَى عَيْبَتِهِ فَفَتَحَهَا،فَوَضَعَ عَنْهُ ثِيَابَ السَّفَرِ،ثُمَّ أَتَى يَمْشِي،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا أَشَجُّ:إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ " قَالَ:وَمَا هُمَا بِأَبِي وَأُمِّي ؟ قَالَ:الْحِلْمُ،وَالأَنَاةُ " قَالَ:فَأَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا،أَمِ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا ؟ قَالَ:اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا،قَالَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ،قَالَ الزَّارِعُ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ:بِأَبِي وَأُمِّي،جِئْتُ بِابْنِ أَخٍ لِي مُصَابٍ،لِتَدْعُوَ اللَّهَ لَهُ،وَهُوَ فِي الرِّكَابِ،قَالَ:فَأْتِ بِهِ "قَالَ:فَأَتَيْتُهُ،وَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعَ الأَشَجَّ،فَأَخَذْتُ عَيْبَتِي،فَأَخْرَجْتُ مِنْهَا ثَوْبَيْنِ حَسَنَيْنِ،وَأَلْقَيْتُ عَنْهُ ثِيَابَ السَّفَرِ،وَأَلْبَسْتُهُمَا إِيَّاهُ،ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ،فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَنْظُرُ،نَظَرَ الْمَجْنُونِ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : اجْعَلْ ظَهْرَهُ مِنْ قِبَلِي " فَأَقَمْتُهُ،فَجَعَلْتُ ظَهْرَهُ مِنْ قِبَلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَوَجْهُهُ مِنْ قِبَلِي،فَأَخَذَهُ،ثُمَّ جَرَّهُ بِمَجَامِعِ رِدَائِهِ فَرَفَعَ يَدَهُ،حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ،ثُمَّ ضَرَبَ بِثَوْبِهِ ظَهْرَهُ،وَقَالَ:اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ " فَالْتَفَتَ وَهُوَ يَنْظُرُ نَظَرَ الصَّحِيحِ،ثُمَّ أَقْعَدَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ،فَدَعَا لَهُ،وَمَسَحَ وَجْهَهُ،قَالَ:فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ الْمَسْحَةَ فِي وَجْهِهِ،وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ،كَأَنَّ وَجْهَهُ وَجْهَ عَذْرَاء شَبَابًا،وَمَا كَانَ فِي الْقَوْمِ رَجُلٌ يُفَضَّلُ عَلَيْهِ،بَعْدَ دَعْوَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ دَعَا لَنَا عَبْدَ الْقَيْسِ،فَقَالَ:خَيْرُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ،رَحِمَ اللَّهُ عَبْدَ الْقَيْسِ،إِذَا أَسْلَمُوا،غَيْرَ خَزَايَا،إِذْ أَبَى بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يُسْلِمُوا " قَالَ:ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَدْعُو لَنَا،حَتَّى زَالَتِ الشَّمْسُ،قَالَ الزَّارِعُ:قُلْتُ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ:إِنَّ مَعَنَا،ابْنَ أُخْتٍ لَنَا،لَيْسَ مِنَّا،قَالَ:ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ " فَانصرفنَا رَاجِعِينَ،فَقَالَ الأَشَجُّ:أَنْتَ كُنْتَ يَا زَارِعُ:أَمْثَلَ رَأْيًا مِنِّي فِيهِمَا،وَكَانَ فِي الْقَوْمِ جَهْمُ بْنُ قُثَمَ،كَانَ قَدْ شَرِبَ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْبَحْرَيْنِ مَعَ ابْنِ عَمٍّ لَهُ،فَقَامَ إِلَيْهِ ابْنُ عَمِّهِ،فَضَرَبَ سَاقَهُ بِالسَّيْفِ،فَكَانَتْ تِلْكَ الضَّرْبَةُ فِي سَاقِهِ،قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي وَأُمِّي،إِنَّ أَرْضَنَا،ثَقِيلَةً،وَخمَةً،وَإِنَّا نَشْرَبُ مِنْ
__________
(1) - شعب الإيمان - (13 / 368) (10489 ) حسن لغيره(1/208)
هَذَا الشَّرَابِ عَلَى طَعَامِنَا،فَقَالَ:لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَشْرَبَ الإِنَاءَ،ثُمَّ يَزْدَادَ إِلَيْهَا أُخْرَى،حَتَّى يَأْخُذَ فِيهِ الشَّرَابُ،فَيَقُومُ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ،فَيَضْرِبُ سَاقَهُ بِالسَّيْفِ " فَجَعَلَ يُغَطِّي جَهْمُ بْنُ قُثَمَ سَاقَهُ،قَالَ:فَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ،وَالنَّقِيرِ،وَالْحَنْتَمِ. " (1)
وعن امراة من صباح عَبْد القَيْس،يُقال لها:أم أَبَان ابنة الوازع،عن جَدِّها،أن جَدَّها الزَّارع بن عامر،قال: قَدِمْنَا،فَقِيَل:ذَاكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَأَخَذْنَا بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ نُقَبِّلُهُمَا." رواه البخاري في الأدب (2) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَبَّلَ يَدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - . (3) .
وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى لَيْلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ فِى سَرِيَّةٍ مِنْ سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً فَكُنْتُ فِيمَنْ حَاصَ - قَالَ - فَلَمَّا بَرَزْنَا قُلْنَا كَيْفَ نَصْنَعُ وَقَدْ فَرَرْنَا مِنَ الزَّحْفِ وَبُؤْنَا بِالْغَضَبِ فَقُلْنَا نَدْخُلُ الْمَدِينَةَ فَنَتَثَبَّتُ فِيهَا وَنَذْهَبُ وَلاَ يَرَانَا أَحَدٌ - قَالَ - فَدَخَلْنَا فَقُلْنَا لَوْ عَرَضْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنْ كَانَتْ لَنَا تَوْبَةٌ أَقَمْنَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ ذَهَبْنَا - قَالَ - فَجَلَسْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا نَحْنُ الْفَرَّارُونَ فَأَقْبَلَ إِلَيْنَا فَقَالَ « لاَ بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ ». قَالَ فَدَنَوْنَا فَقَبَّلْنَا يَدَهُ فَقَالَ « أَنَا فِئَةُ الْمُسْلِمِينَ ».رواه أبو داود (4) .
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ،قَالَ:" قُمْنَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَبَّلْنَا يَدَهُ " (5)
وعَنِ ابْنِ جُدْعَانَ،قَالَ ثَابِتٌ لِأَنَسٍ:أَمَسَسْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِكَ ؟ قَالَ:نَعَمْ،فَقَبَّلَهَا " رواه البخاري في الأدب (6) .
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ،قَالَ:قَالَ ثَابِتٌ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:" مَسَسْتَ يَدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ:نَعَمْ قَالَ:فَنَاوِلْنِي يَدَكَ فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَقَبَّلَهَا " (7)
__________
(1) - كشف الأستار - (3 / 278) (2746) حسن
(2) - الأدب المفرد للبخاري - ( 975) حسن
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 273) (4750) حسن
(4) - سنن أبي داود - المكنز - (2649 ) حسن -الحيصة : الفرار -العكارون : العائدون إلى القتال
فيه يزيد بن زياد الكوفِى مختلف فيه والراجح فيه أنه صدوق ساء حفظه بآخره ورواية الكبار عنه موثوقة ، وهذا من رواية سفيان وغيره ، راجع التهذيب 11/329-331 والكاشف (6417) والديوان (4723)
(5) - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (314 ) حسن
وفي هذا جواز تقبيل اليد والرجل للإنسان الكبير الشرف والعلم كذلك تقبيل اليد والرجل من الأب والأم وما أشبه ذلك لأن لهما حقا وهذا من التواضع "شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (4 / 52)
(6) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (1011 ) حسن
(7) - الْإِخْوَانُ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (144 ) حسن(1/209)
وعَنِ ابْنِ جُدْعَانَ:قَالَ قَالَ ثَابِتٌ لِأَنَسٍ:" يَا أَبَا حَمْزَةَ،هَلْ مَسَسْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِكَ ؟ قَالَ:نَعَمْ،قَالَ:فَنَاوِلْنِيهَا،فَأَعْطَاهُ يَدَهُ فَقَبَّلَهَا " (1)
وعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ:رَأَيْتُ عَلِيًّا يُقَبِّلُ يَدَ الْعَبَّاسِ وَرِجْلَيْهِ " رواه البخاري في الأدب (2) .
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَدَلاًّ وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ فِى قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَتْ وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِى مَجْلِسِهِ وَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِى مَجْلِسِهَا فَلَمَّا مَرِضَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَتْ فَاطِمَةُ فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ فَقَبَّلَتْهُ ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَبَكَتْ ثُمَّ أَكَبَّتْ عَلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَضَحِكَتْ فَقُلْتُ إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ مِنْ أَعْقَلِ نِسَائِنَا فَإِذَا هِىَ مِنَ النِّسَاءِ فَلَمَّا تُوُفِّىَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ لَهَا أَرَأَيْتِ حِيْنَ أَكْبَبْتِ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَبَكَيْتِ ثُمَّ أَكْبَبْتِ عَلَيْهِ فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَضَحِكْتِ مَا حَمَلَكِ عَلَى ذَلِكَ قَالَتْ إِنِّى إِذًا لَبَذِرَةٌ أَخْبَرَنِى أَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ وَجَعِهِ هَذَا فَبَكَيْتُ ثُمَّ أَخْبَرَنِى أَنِّى أَسْرَعُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ فَذَاكَ حِينَ ضَحِكْتُ." (3) .
التأدب في مجلس العالم بجلسته وكلامه،وحسن استماعه وسؤاله. قَالَ أَبُو عُمَرَ:وَرُوِّينَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،أَنَّهُ قَالَ:" لَوْ رَفَقْتُ بِابْنِ عَبَّاسٍ لَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهُ عِلْمًا كَثِيرًا " قَالَ الشَّعْبِيُّ:" كَانَ أَبُو سَلَمَةَ يُمَارِي ابْنَ عَبَّاسٍ ؛ فَحُرِمَ بِذَلِكَ عِلْمًا كَثِيرًا " وَقَالَ الْحُكَمَاءُ:إِذَا جَالَسْتَ الْعُلَمَاءَ فَكُنْ عَلَى أَنْ تَسْمَعَ أَحْرَصَ مِنْكَ عَلَيَّ أَنْ تَقُولَ " وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ لِابْنِهِ:" يَا بُنَيَّ،إِذَا جَالَسْتَ الْعُلَمَاءَ فَكُنْ عَلَى أَنْ تَسْمَعَ أَحْرَصَ مِنْكَ عَلَى أَنْ تَقُولَ،وَتَعَلَّمْ حُسْنَ الِاسْتِمَاعِ كَمَا تَتَعَلَّمُ حُسْنَ الصَّمْتِ،وَلَا تَقْطَعْ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثًا وَإِنْ طَالَ حَتَّى يُمْسِكَ " وَقَالَ الشَّعْبِيُّ:" جَالِسُوا الْعُلَمَاءَ ؛ فَإِنَّكُمْ إِنْ أَحْسَنْتُمْ حَمَدُوكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ تَأَوَّلُوا لَكُمْ وَعَذَرُوكُمْ وَإِنْ أَخْطَأْتُمْ لَمْ يُعَنِّفُوكُمْ وَإِنْ جَهِلْتُمْ عَلَّمُوكُمْ وَإِنْ شَهِدُوا لَكُمْ نَفَعُوكُمْ " (4)
تجنب الانصراف،ومغادرة مجلس العلم إلا بإذن من المعلم،فإذا أذن له فليستغفر الله لأن الأولى أن لا يغادر مجلس العلم قبل انتهائه.قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا استأذنوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (62) سورة النور.
__________
(1) - الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (2762 ) حسن
(2) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (1013 ) حسن
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (4246 ) صحيح
البذرة : البذر الذى يفشى السر ويظهر ما يسمعه -الدل : الشكل والشمائل
(4) - جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ (614 ) بلاغاً بلا سند(1/210)
َهُنَا يُؤَدِّبُ اللهُ النَّاسَ،فَكَمَا أَمَرَهُمْ بالاستئذان عِنْدَ الدُّخُولِ،كَذَلِكَ أَمَرَهُمْ اللهُ تَعَالَى بِأَلاَّ يَتَفَرَّقُوا عَنِ النَّبِيِّ إِلاَّ بعدَ استئذانه ومُشَاوَرَتِهِ،ولِلرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْذَنَ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ .
وَرَوَى ابنُ إِسْحَاقَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ:لَمّا اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ وَالأَحْزَابُ عَلَى حَرْبِ المُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ الخَنْدَقِ،أَمَرَ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - بِحَفْرِ خَنْدقِ المَدِينَةِ،وَأَخَذَ يَعْمَلُ بِنَفْسِهِ تَرْغِيباً للمُسْلِمِينَ فِي الأَجْرِ،فَعَمِلَ المُسْلِمُونَ،وَأَبْطَأَ رِجَالٌ مِنَ المُنَافِقِينَ،وَأَخَذُوا يَقُومُونَ بالضَّعِيفِ مِنَ العَمَلِ وَيَتَسَلَّلُونَ بِغَيْرِ إِذْنِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - . وَكَانَ المُسْلِمُونَ يَسْتَأْذِنُونَ الرَّسُولَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِم،فَإِذَا قَضَى أَحَدُهُمْ حَاجَتَهُ رَجَعَ إِلى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ عَمَلٍ،رَغْبَةً فِي الخَيْرِ والأًجْرِ،واحْتِسَاباً لَهُ،وَيَقُولُ تَعَالَى إِنَّ هَؤُلاءِ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقّاً . (1)
الاستئذان في الصحبة،وطلب العلم من المعلم. وطاعته في كل ما يأمره بهسوى معصية الله.
قال الله تعالى:{ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69)} الكهف.
قَالَ لَهُ مُوسَى:إِنَّهُ مُوسَى نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ،وَإِنَّهُ جَاءَهُ لِيُعَلِّمَهُ مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ،لِيَسْتَرْشِدَ بِهِ،فَهَلْ يَسْمَحُ لَهُ بِمُرَافَقَتِهِ؟
فَقَالَ الرَّجُلُ:إِنَّهُ عَلَى عِلْمٍ مِنَ اللهِ لاَ يَعْلَمُهُ مُوسَى،وَلاَ يَسْتَطِيعُ مُوسَى أَنْ يَصْبِرَ عَلَى مُرَافَقَتِهِ حَتَّى يَتَعَلَّمَهُ.ثُمَّ قَالَ لَهُ:وَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ الصَّبْرَ عَلَى أُمُورٍ لاَ تَعْرِفُ أَنْتَ خَفَايَاهَا،وَالمَصْلَحَةُ البَاطِنَةُ فِيهَا،التِي أَطْلَعَنِي اللهُ عَلَيْهَا؟
فَقَالَ لَهُ مُوسَى:سَتَجِدُنِي صَابِراً إِنْ شَاءَ اللهُ عَلَى مَا سَأَرَى مِنَ الأُمُورِ مِنْكَ،وَلَنْ أَعْصِي أَمْراً لَكَ،وَلَنْ أُخَالِفَكَ فِي شَيْءٍ . (2)
وقال الشعراوي:" كأن موسى عليه السلام يُعلِّمنا أدب تلقّي العلم وأدب التلميذ مع معلمه،فمع أن الله تعالى أمره أن يتبع الخضر،فلم يقُل له مثلاً: إن الله أمرني أن أتبعك،بل تلطّف معه واستسمحه بهذا الأسلوب: { هَلْ أَتَّبِعُكَ.. } [الكهف: 66] والرشد: هو حُسْن التصرّف في الأشياء،وسداد المسلك في علة ما أنت بصدده،وسبق أن قلنا: إن الرُّشْد يكون في سنِّ البلوغ،لكن لا يعني هذا أن كل مَنْ بلغ يكون راشداً،فقد يكون الإنسان بالغاً وغير راشد،فقد يكون سفيهاً.
لذلك لما تكلم الحق سبحانه عن اليتامى قال:{ وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى }[النساء: 6] أي: اختبروهم،واختبار اليتيم يكون حال يُتْمه وهو ما يزال في كفالتك،فعليك أنْ تكلّفه بعمل لإصلاح حاله،وتعطيه جزءاً من ماله يتصرَّف فيه تحت عينك وفي رعايتك،لترى كيف سيكون تصرفه.
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2735)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2206)(1/211)
عليك أنْ تحرص على تدريبه لمواجهة الحياة،لا أن تجعله في مَعْزل عنها إلى أنْ يبلغَ الرشْد،ثم تدفع إليه بماله فلا يستطيع التصرف فيه لعدم خبرته،وإنْ فشل كانت التجربة في ماله والخسارة عليه.
إذن: فاختبار اليتيم يتمُّ وهو ما يزال في ولايتك،وتحت سمعك وبصرك رعاية لحقه.{ حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ.. }[النساء: 6] وهو سن البلوغ،ولم يقُلْ بعدها: فادفعوا إليهم أموالهم؛ لأن بعد البلوغ شرطاً آخر{ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً.. }[النساء: 6] فعلى الوصيّ أنْ يُراعِيَ هذا الترتيب:
أنْ تُراعي اليتيم وهو تحت ولايتك،وتدفع به في مُعْتَرك الحياة وتجاربها حتى يتمكن من مواجهة الحياة ولا يتخبط في ماله لعدم تجربته وخبرته،فإن علمت رشده بعد البلوغ فادفع إليه بماله ليتصرف فيه،فإن لم تأنس منه الرشد وحسن التصرف فلا تترك له المال يبدده بسوء تصرفه. لذلك يقول تعالى في هذا المعنى:{ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ.. }[النساء: 5] ولم يقُلْ: أموالهم؛ لأن السفيه لا مالَ له حال سَفَهه،بل هو مالكم لِتُحسِنوا التصرف فيه وتحفظوه لصاحبه لحين تتأكد من رُشْده.
إذن: فالرشد الذي طلبه موسى من العبد الصالح هو سداد التصرف والحكمة في تناول الأشياء،لكن هل يعني ذلك أن موسى ـ عليه السلام ـ لم يكن راشداً؟ لا،بل كان راشداً في مذهبه هو كرسول،راشداً في تبليغ الأحكام الظاهرية.
أما الرشد الذي طلبه فهو الرشد في مذهب العبد الصالح،وقد دلّ هذا على أنه طلب شيئاً لم يكن معلوماً له،وهذا لا يقدح في مكانة النبوة؛ لأن الحق سبحانه وتعالى قال:{ وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }[الإسراء: 85] وقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - :{ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }[طه: 114]
لذلك يقول الشاعر:
كُلّما ازْدَدْتُ عُلوماً زِدْتُ إيقَانَاً بجْهلي
لأن معنى أنه ازداد عِلْماً اليوم أنه كان ناقصاً بالأمس،وكذلك هو ناقص اليوم ليعلمَ غداً.
والإنسان حينما يكون واسعَ الأفق محباً للعلم،تراه كلما عَلِم قضية اشتاق لغيرها،فهو في نَهمٍ دائم للعلم لا يشبع منه،كما قال - صلى الله عليه وسلم - : " منهومان لا يشبعان: طالب علم،وطالب مال ".
والشاعر الذي تنَّبه لنفسه حينما دَعَتْه إلى الغرور والكبرياء والزَّهْو بما لديه من علم قليل،إلا أنه كان متيقظاً لخداعها،فقال
قالتِ النفْسُ قَدْ علِمْتُ كَثِيراً قُلْتُ هَذَا الكثيرُ نَزْعٌ يسيِرُ
ثم جاء بمثل توضيحي:
تمْلأُ الكُوزَ غَرْفَةٌ من مُحيِط فَيَرى أنَّهُ المحيطُ الكَبيِرُ
ثم يقول الحق سبحانه: { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }.
هنا يبدأ العبد الصالح يُملي شروط هذه الصُّحْبة ويُوضّح لموسى ـ عليه السلام ـ طبيعة عِلْمه ومذهبه،فمذهبُك غير مذْهبي،وعلمي من كيس غير كيسك،وسوف ترى مني تصرفات لن تصبر(1/212)
عليها؛ لأنه لا عِلْم لك ببواطنها،وكأنه يلتمس له عُذْراً على عدم صَبْره معه؛ لذلك يقول: { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً }.فلا تحزن لأني قُلت: لن تستطيع معي صبراً؛ لأن التصرفات التي ستعترض عليها ليس لك خُبر بها،وكيف تصبر على شيء لا عِلْمَ لك به؟
ونلحظ في هذا الحوار بين موسى والخضر ـ عليهما السلام ـ أدبَ الحوار واختلافَ الرأي بين طريقتين: طريقة الأحكام الظاهرية،وطريقة ما خلف الأحكام الظاهرية،وأن كلاً منهما يقبَل رأْيَ الآخر ويحترمه ولا يعترض عليه أو يُنكره،كما نرى أصحاب المذاهب المختلفة ينكر بعضهم على بعض،بل ويُكفِّر بعضهم بعضاً،فإذا رأَوْا مثلاً عبداً مَنْ عباد الله اختاره الله بشيء من الفيوضات،فكانت له طريقة وأتباع نرى من ينكر عليه،وربما وصل الأمر إلى الشتائم والتجريح،بل والتكفير.
لقد تجلى في قول الخضر: { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } [الكهف: 68] مظهر من مظاهر أدب المعلّم مع المتعلِّم،حيث احترم رأيه،والتمس له العُذْر إن اعترض عليه،فلكُلٍّ منهما مذهبه الخاص،ولا يحتج بمذهب على مذهب آخَر.
فماذا قال المتعلم بعد أن استمع إلى هذه الشروط؟ { قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ.. }.أي: أنا قابل لشروطك أيُّها المعلم فاطمئن،فلن أجادلك ولن أعارضك في شيء. وقدّم المشيئة فقال: { إِن شَآءَ اللَّهُ.. } [الكهف: 69] ليستميله إليه ويُحنَّن قلبه عليه { صَابِراً.. } [الكهف: 69] على ما تفعل مهما كان { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } [الكهف: 69] وهكذا جعل نفسه مأموراً،فالمعلم آمراً،والمتعلّم مأمور.
وهذا تأكيد من الخضر لموسى،وبيان للطريقة التي يجب اتباعها في مصاحبته: إنْ تبعتني فلا تسألْني حتى أخبرك،وكأنه يُعلِّمه أدب تناول العلم والصبر عليه،وعدم العجلة لمعرفة كل أمر من الأمور على حِدة. (1)
القيام بحقوق المعلم على أكمل وجه،وقد جمعها الكثير من السلف الصالح نختار منها ما يلي:
وقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:" مِنْ حَقِّ الْعَالِمِ عَلَيْكَ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى الْقَوْمِ عَامَّةً وَتَخُصَّهُ دُونَهُمْ بِالتَّحِيَّةِ،وَأَنْ تَجْلِسَ أَمَامَهُ،وَلَا تُشِيرَنَّ عِنْدَهُ بِيَدِكَ،وَلَا تَغْمِزَنَّ بِعَيْنَيْكَ،وَلَا تَقُولَنَّ:قَالَ فُلَانٌ خِلَافًا لِقَوْلِهِ،وَلَا تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا،وَلَا تُسَارَّ فِي مَجْلِسِهِ،وَلَا تَأْخُذَ بِثَوْبِهِ،وَلَا تُلِحَّ عَلَيْهِ إِذَا كَسِلَ،وَلَا تُعْرِضَ مِنْ طُولِ صُحْبَتِهِ ؛ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلَةِ تَنْتَظِرُ مَتَى يَسْقُطُ عَلَيْكَ مِنْهَا شَيْءٌ،وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَالِمَ لَأَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَإِذَا مَاتَ الْعَالِمُ انْثَلَمَتْ فِي الْإِسْلَامِ ثُلْمَةٌ لَا يَسُدُّهَا شَيْءٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " (2) .
__________
(1) - تفسير الشعراوي - ( / 2190)
(2) - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (347 ) فيه انقطاع(1/213)
قال الإمام الغزالي:آداب المتعلم مع العالم
"أن يبدأه بالتحية والسلام،وأن يقلل بين يديه الكلام،ولا يتكلم ما لم يسأله أستاذه،ولا يسأل ما لم يستأذن أولا،ولا يقول في معارضة قوله: قال فلان بخلاف ما قلت،ولا يشير عليه بخلاف رأيه فيرى أنه أعلم بالصواب من أستاذه،ولا يسأل جليسه في مجلسه،ولا يلتفت إلى الجوانب،بل يجلس مطرقا ساكنا متآدبا كأنه في الصلاة،ولا يكثر عليه السؤال عند ملله،وإذا قام قام له،ولا يتبعه بكلامه وسؤاله،ولا يسأله في طريقه إلى أن يبلغ إلى منزله،ولا يسىء الظن به في أفعال ظاهرها منكرة عنده،فهو أعلم بأسراره،وليذكر عند ذلك قول موسى للخضر - عليهما السلام: (أَخَرَقتًها لِتُغرِقَ أَهلَها،لَقَد جِئتَ شَيئاً إمرا)،وكونه مخطئا في إنكاره اعتمادا على الظاهر." (1) .
وقال بعض العلماء: من حق أستاذك عليك أن تتواضع له وتحبه حب الفناء،ولا تخرج عن رأيه وتوجيهه،وأن تشاوره فيما تقصده،وتتحرى رضاه فيما يعتمده،وتنظر اليه بعين الإجلال،وتعتقد فيه درجة الكمال،وأن تعرف حقه،ولا تنسى له فضله،وتحضر إلى درسه قبل أن يأتي،ولا تتنقل أثناء درسه،ولا تتقدم في السير عليه،وأن تدعو له مدة حياته،وأن تصبر على صحبته،وتجلس بين يديه بسكون وتواضع واحترام،وأن تصغي إليه،وتنظر اليه مقبلا بكليتك عليه،غير ملتفت عنه،وأن لا تعبث بيديك أو رجليك أو أنفك أو دفترك أثناء كلامه،وأن تدفع الضحك والقهقهة والتثاؤب في حضرته،وأن تستأذن للدخول عليه وللانصراف من عنده،وأن تدخل عليه كامل الهيئة،متطهر البدن،نظيف الثياب،فارغا من الشواغل،حاضر القلب بذكر الله عز وجل وإرادة وجهه.
وقال الامام الشافعي:
أهين لهم نفسي فهم يكرمونها ... ولن تكرم النفس التي لا تهينها
وقال شوقي:
قم للمعلم وفه التبجيلا ... ... كاد المعلم أن يكون رسولا
أرأيت أعظم أو أجلّ من الذي ... يبني وينشئ أنفسا وعقولا
وقال غيره:
أرى فضل أستاذي على فضل والدي وإن ... نالني من والدي العزّ والتحف
فهذا مربي العقل والعقل جوهر ... ... وهذا مربي الجسم والجسم من صدف
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - بداية الهداية - (1 / 21)(1/214)
-26-آداب تلاوة القرآن الكريم
القرآن الكريم كتاب الله الخالد،وكلامه القديم،ومعجزة نبيه الكبرى،وجامعة الإسلام العظمى،وصفه الذي أنزله بالعلم: {لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا} (166) سورة النساء.
إن يكفر بك اليهود وغيرهم -أيها الرسول- فالله يشهد لك بأنك رسوله الذي أَنْزَلَ عليه القرآن العظيم،أنزله بعلمه،وكذلك الملائكة يشهدون بصدق ما أوحي إليك،وشهادة الله وحدها كافية. (1)
وبالحكمة:{ يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)} يس.
أُقْسِمُ بِالقُرآنِ المُحْكَمِ المُشْتَمِلِ عََلى الحِكْمَةِ والعِلْمِ النَّافِعِ،الذي لا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ.
وبالكرم:{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)} الواقعة.
أَقْسَمَ تَعَالَى بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ عَلَى أَنَّ القُرْآن الذِي أَنْزَلَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسْولِهِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ قُرْآنٌ كَرِيمٌ جَمُّ المَنَافِعِ،عَظِيمُ الفَوَائِدِ،لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ حِكْمٍ وَعِبَرٍ وَخَيْرٍ لِلْعِبَادِ (2) .
وبالمجد:{ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)} ق.
يُقسِمُ تَعَالى بالقُرآنِ المَجِيدِ،الكَثِير الخَيْرِ والبَرَكَةِ،عَلَى أنَّ مُحَمَّداً هُوَ مِنَ المُرسَلِينَ .
وبالعزة:{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)} فصلت.
وَالذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ القُرْآنِيَةِ،والقْرآنُ كِتَابٌ عَزِيزٌ قَوِيٌّ مَنِيعُ الجَانِبِ،سَيُلاَقُونَ جَزَاءَ كُفْرِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ،وَهُمْ لاَ يَخْفَوْنَ عَلَى اللهِ .
وبالعظمة:{ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)} الحجر.
هنا يمتنُّ الحق سبحانه على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأنه يكفيه أنْ أنزلَ عليه القرآن الكتاب المعجزة،والمنهج الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خَلْفه. فالقرآن يضمُّ كمالاتِ الحق التي لا تنتهي؛ فإذا كان سبحانه قد أعطاك ذلك،فهو أيضاً يتحمَّل عنك كُلَّ ما يُؤلِمك.
والحق سبحانه هو القائل:{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ }[الحجر: 97].ويقول له الحق أيضاً:{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ }[الأنعام: 33].
وأزاح الحق سبحانه عنه هموم اتهامهم له بأنه ساحر أو مجنون؛ وقال له سبحانه:{ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَاكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }[الأنعام: 33].
ويكشف له سبحانه: إنهم يؤمنون أنك يا محمد صادق،ولكنهم يتظاهرون بتكذيبك.
__________
(1) - التفسير الميسر - (2 / 164)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4935)(1/215)
ويتمثَّل امتنانُ الحق سبحانه على رسوله أنه أنزل عليه السَّبْع المثاني،واتفق العلماء على أن كلمة " المثاني " تعني فاتحة الكتاب،فلا يُثنَّى في الصلاة إلا فاتحة الكتاب.
ونجده سبحانه يَصِف القرآنَ بالعظيم؛ وهو سبحانه يحكم بعظمة القرآن على ضَوْء مقاييسه المُطْلقة؛ وهي مقاييس العظمة عنده سبحانه.
والمثَل الآخر على ذلك وَصفْه سبحانه لرسوله - صلى الله عليه وسلم - :{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }[القلم: 4].
وهذا حُكْم بالمقاييس العُلْيا للعظمة،وهكذا يصبح كُلّ متاع الدنيا أقلَّ مِمَّا وهبه الحق سبحانه لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ،فلا ينظرَنَّ أحدٌ إلى ما أُعطِىَ غيره؛ فقد وهبه سبحانه لرسوله - صلى الله عليه وسلم - .
ونلحظ أن الحق سبحانه قد عطف القرآن على السَّبْع المثاني،وهو عَطْف عام على خَاصٍّ؛ كما قال الحق سبحانه:{ حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى }[البقرة: 238].
ونفهم من هذا القول أن الصلاة تضمُّ الصلاة الوُسْطى أيضاً،وكذلك مثل قول الحق ما جاء على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - :{ رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ }[نوح: 28].
وهكذا نرى عَطْف عام على خاص،وعَطْف خاص على عام.
أو: أنْ نقولَ: إن كلمة" قرآن" تُطلَق على الكتاب الكريم المُنزَّل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أول آية في القرآن إلى آخر آية فيه،ويُطلق أيضاً على الآية الواحدة من القرآن؛ فقول الحق سبحانه:{ مُدْهَآمَّتَانِ }[الرحمن:64].هي آية من القرآن؛ وتُسمَّى أيضاً قرآناً.ونجده سبحانه يقول:{ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }[الإسراء: 78].ونحن في الفجر لا نقرأ كل القرآن،بل بعضاً منه،ولكن ما نقرؤه يُسمَّى قرآناً،وكذلك يقول الحق سبحانه:{ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً }[الإسراء: 45].وهو لا يقرأ كُلَّ القرآن بل بعضه،إذن: فكلُّ آية من القرآن قرآن.
وقد أعطى الحق سبحانه رسوله - صلى الله عليه وسلم - السَّبْع المثاني والقرآن العظيم،وتلك هي قِمَّة العطايا؛ فلله عطاءاتٌ متعددة؛ عطاءات تشمل الكافر والمؤمن،وتشمل الطائع والعاصي،وعطاءات خاصة بمَنْ آمن به؛ وتلك عطاءات الألوهية لمَنْ سمع كلام ربِّه في" افعل" و" لا تفعل ". ... ... ...
وسبحانه يمتد عطاؤه من الخَلْق إلى شَرْبة الماء،إلى وجبة الطعام،وإلى الملابس،وإلى المَسْكن،وكل عطاء له عُمْر،ويسمو العطاء عند الإنسان بسُمو عمر العطاء،فكل عطاء يمتدُّ عمره يكون هو العطاء السعيد.
فإذا كان عطاء الربوبية يتعلَّق بمُعْطيات المادة وقوام الحياة؛ فإن عطاءات القرآن تشمل الدنيا والآخرة؛ وإذا كان ما يُنغِّص أيَّ عطاء في الدنيا أن الإنسانَ يُفارقه بالموت،أو أن يذوي هذا العطاء في ذاته؛ فعطاء القرآن لا ينفد في الدنيا والآخرة.(1/216)
ونعلم أن الآخرة لا نهايةَ لها على عكس الدنيا التي لا يطول عمرك فيها بعمرها،بل بالأجل المُحدَّد لك فيها.
وإذا كانت عطاءاتُ القرآن تحرس القيم التي تهبُك عطاءات الحياة التي لا تفنَى وهي الحياة الآخرة؛ فهذا هو أَسْمى عطاء،وإياك أن تتطلعَ إلى نعمة موقوتة عند أحد منهم من نِعَم الدنيا الفانية؛ لأن مَنْ أُعطِي القرآن وظنَّ أن غيره قد أُعْطِي خيراً منه؛ فقد حقر ما عَظَّم الله. (1)
وبالبركة: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص
وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى إلَيْكَ،يَا مُحَمَّدُ،هَذَا القُرْآنِ،وَفِيهِ خَيرٌ وَبَرَكَةٌ،وَنَفْعٌ وَهُدىً لِلنَّاسِ،لِيُرْشدَهُمْ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ،وَلِيَتَدَبَّرَهُ أُولُو الأَفْهَامِ والعُقُولِ والأَلْبَابِ.وَتَدَبُّرُ القُرْآنِ لاَ يَكُونُ بِحُسْنِ تِلاَوَتِهِ،وَإِنَّما يَكُونَ بِالعَمَلِ بِمَا فِيهِ،واتِّبَاعِ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ أَوَامِرَ،وَالانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ (2) .
وبالتذكير:{ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)} ص.
أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِالقُرْآنِ ذِي الشَّرَفِ وَالرِّفْعَةِ،المُشْتَمِلِ عَلَى مَا فِيهِ ذِكْرٌ لِلعِبَادِ،وَنَفْعٌ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ وَمَعَادِهِمْ .
وبالوضوح والتبيين:{ حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)} الدخان.
يُقْسِمُ اللهُ تَعَالَى،جَلَّتْ قُدْرَتُهُ،بِكِتَابِهِ المَجِيدِ،المُبَيِّنِ للنَّاسِ مَا يُصْلِحُ حَالَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ .
وبين آثاره في الهداية والبشرى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9)} الإسراء.
هل عند نزول هذه الآية كان القرآن كله قد نزل،ليقول: إن هذا القرآن؟
نقول: لم يكن القرآن كله قد نزل،ولكن كل آية في القرآن تُسمّى قرآناً،كما قال تعالى:{ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ }[القيامة: 18]
فليس المراد القرآن كله،بل الآية من القرآن قرآن. ثم لما اكتمل نزول القرآن،واكتملتْ كل المسائل التي تضمن لنا استقامة الحياة،قال تعالى:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً.. }[المائدة: 3]
فإن استشرف مُسْتشرف أنْ يستزيد على كتاب الله،أو يأتي بجديد فليعلم أن منهج الله مُنزَّه عن النقص،وفي غِنىً عن زيادتك،وما عليك إلا أن تبحث في كتاب الله،وسوف تجد فيه ما تصبو إليه من الخير.
__________
(1) - تفسير الشعراوي - ( / 1873)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3878)(1/217)
قوله: { يَِهْدِي.. } [الإسراء: 9] الهداية هي الطريق الموصِّل للغاية من أقرب وَجْه،وبأقل تكلفة وهي الطريق المستقيم الذي لا التواءَ فيه،وقلنا: إن الحق سبحانه يهدي الجميع ويرسم لهم الطريق،فمن اهتدى زاده هُدى،كما قال سبحانه:{ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ }[محمد: 17]
ومعنى: { أَقْوَمُ.. } [الإسراء: 9] أي: أكثر استقامة وسلاماً. هذه الصيغة تُسمّى أفعل التفضيل،إذن: فعندنا (أقوم) وعندنا أقل منه منزلة (قَيّم) كأن نقول: عالم وأعلم. فقوله سبحانه: { إِنَّ هَاذَا الْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.. } [الإسراء: 9] يدل على وجود (القيّم) في نُظم الناس وقوانينهم الوضعية،فالحق سبحانه لا يحرم البشر من أن يكون لهم قوانين وشرائع حينما تعضُّهم المظالم ويشْقُون بها،فيُقنّنون تقنيات تمنع هذا الظلم.
ولا مانع من ذلك إذا لم ينزل لهم منهج من السماء،فما وضعوه وإنْ كان قَيّماً فما وضعه الله أقوم،وأنت لا تضع القيم إلا بعد أن تُعضَّ بشيء مُعوج غير قيّم،وإلا فماذا يلفتُك للقيم؟
أما منهج السماء فإنه يضع الوقاية،ويمنع المرض من أساسه،فهناك فَرْق بين الوقاية من المرض وبين العلاج للمرض،فأصحاب القوانين الوضعية يُعدّلون نُظمهم لعلاج الأمراض التي يَشْقَون بها.
أما الإسلام فيضع لنا الوقاية،فإن حَدثْت غفلة من المسلمين،وأصابتهم بعض الداءات نتيجة انصرافهم عن منهج ربهم نقول لهم: عودوا إلى المنهج: { إِنَّ هَاذَا الْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.. } [الإسراء: 9]
فنظام الطلاق في الإسلام الذي كثيراً ما هاجموه وانتقدوه،ورأوا فيه ما لا يليق بالعلاقة الزوجية،ولكن بمرور الزمن تكشفت لهم حقائق مؤلمة،وشقي الكثيرون منهم لعدم وجود هذا الحل في قوانينهم،وهكذا ألجاتهم مشاكل الحياة الزوجية لأنْ يُقنِّنوا للطلاق.
ومعلوم أن تقنينهم للطلاق ليس حُباً في الإسلام أو اقتناعاً به،بل لأن لديهم مشاكل لا حََّل لها إلا بالطلاق،وهذا هو الظهور المراد في الآيتين الكريمتين،وهو ظهور بشهادتكم أنتم؛ لأنكم ستلجأون في حل قضاياكم لقوانين الإسلام،أو قريباً منها.
ومن هذه القضايا أيضاً قضية تحريم الربا في الإسلام،فعارضوه وأنكروا هذا التحريم،إلى أن جاء " كِنز " وهو زعيم اقتصادي عندهم،يقول لهم: انتبهوا،لأن المال لا يؤدي وظيفته كاملة في الحياة إلا إذا انخفضتْ الفائدة إلى صفر.
سبحان الله،ما أعجب لجَجَ هؤلاء في خصومتهم مع الإسلام،وهل تحريم الربا يعني أكثر من أن تنخفض الفائدة إلى صفر؟ إنهم يعودون لمنهج الله تعالى رَغْماً عنهم،ومع ذلك لا يعترفون به.
ولا يخفى ما في التعامل الربوي من سلبيات،وهل رأينا دولة اقترضت من أخرى،واستطاعت على مَرّ الزمن أنْ تُسدد حتى أقساط الفائدة؟ ثم نراهم يغالطوننا يقولون: ألمانيا واليابان أخذت قروضاً بعد الحروب العالمية الثانية،ومع ذلك تقدمت ونهضت.(1/218)
نقول لهم: كفاكم خداعاً،فألمانيا واليابان لم تأخذ قروضاً،وإنما أخذت معونة لا فائدة عليها،تسمى معونة (مارشال).
وأيضاً من هذه القضايا التي ألجأتهم إليها مشاكل الحياة قضية ميراث المرأة،فلما عَضَّتهم قَنَّنُوا لها.
فظهور دين الله هنا يعني ظهورَ نُظم وقوانين ستضطرهم ظروف الحياة إلى الأخذ بها،وليس المقصود به ظهور اتّباع. ... ... ...
إذن: فمنهج الله أقوم،وقانون الحق سبحانه أعظم من قوانين البشر وأَهْدى،وفي القرآن الكريم ما يُوضّح أن حكم الله وقانونه أقوم حتى من حكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وهذا في قصة مولاه " زيد بن حارثة "،وزيد لم يكن عبداً إلى أن خطفه بعض تجار الرقيق وباعوه،وانتهى به المطاف إلى السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ التي وهبتْه بدورها لخدمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .فكان زيد في خدمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن علم أهله بوجوده في مكة فأتوا ليأخذوه،فما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،إلا أن خَيَّره بين البقاء معه وبين الذهاب إلى أهله،فاختار زيد البقاء في خدمة رسول الله وآثره على أهله. فقال - صلى الله عليه وسلم - : " فما كنت لأختار على مَنِ اختارني شيئاً ".
وفي هذه القصة دليل على أن الرقَّ كان مباحاً في هذا العصر،وكان الرقّ حضانةَ حنانٍ ورحمة،يعيش فيها العبد كما يعيش سيده،يأكل من طعامه،ويشرب من شرابه،يكسوه إذا اكتسى،ولا يُكلّفه ما لا يطيق،وإنْ كلّفه أعانه،فكانت يده بيده.
وهكذا كانت العلاقة بين محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين زيد؛ لذلك آثره على أهله،وأحب البقاء في خدمته،فرأى رسول الله أن يُكافئ زيداً على إخلاصه له وتفضيله له على أهله،فقال:" لا تقولوا زيد بن حارثة،قولوا زيد بن محمد ".
وكان التبني شائعاً في ذلك الوقت. فلما أراد الحق سبحانه أنْ يُحرِّم التبني،وأنْ يُحرِّم نسبة الولد إلى غير أبيه بدأ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فقال:{ ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ }[الأحزاب: 5]
والشاهد هنا:{ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ }[الأحزاب: 5] فكأن الحكم الذي أنهى التبني،وأعاد زيداً إلى زيد بن حارثة هو الأقسط والأعدل،إذن: حكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن جَوْراً،بل كان قِسْطاً وعدلاً،لكنه قسط بشري يَفْضُله ما كان من عند الحق سبحانه وتعالى.
وهكذا عاد زيد إلى نسبه الأصلي،وأصبح الناس يقولون " زيد بن حارثة "،فحزن لذلك زيد،لأنه حُرِم من شرف الانتساب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعوَّضه الله تعالى عن ذلك وساماً لم يَنَلْه صحابي غيره،هذا الوسام هو أن ذُكِر اسمه في القرآن الكريم،وجعل الناس يتلونه،ويتعبدون به في قوله تعالى:{ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا.. }[الأحزاب: 37]
إذن: عمل الرسول قسط،وعمل الله أقسط.(1/219)
قوله تعالى: { يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.. } [الإسراء: 9] لأن المتتبع للمنهج القرآني يجده يُقدّم لنا الأقوم والأعدل والأوسط في كل شيء.في العقائد،وفي الأحكام،وفي القصص.
ففي العقائد مثلاً،جاء الإسلام ليجابه مجتمعاً متناقضاً بين مَنْ ينكر وجود إله في الكون،وبين مَنْ يقول بتعدُّد الآلهة،فجاء الإسلام وَسَطاً بين الطرفين،جاء بالأقوم في هذه المسألة،جاء ليقول بإله واحد لا شريك له.
فإذا ما تحدّث عن صفات هذا الإله سبحانه اختار أيضاً ما هو أقوم وأوسط،فللحق سبحانه صفات تشبه صفات البشر،فَلَه يَدٌ وسمع وبصر،لكن ليست يده كيدنا،وليس سمعه كسمعنا،وليس بصره كبصرنا:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.. }[الشورى: 11]
وبهذا المنهج الحكيم خرجنا مما وقع فيه المشبِّهة الذين شبّهوا صفات الله بصفات البشر،وخرجنا مما وقع فيه المعطّلة الذين أنكروا أن يكون لله تعالى هذه الصفات وأوّلوها على غير حقيقتها.
وكذلك في الخلق الاجتماعي العام،يلفتنا المنهج القرآني في قوله تعالى:{ وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }[يوسف: 105] يلفتنا إلى ما في الكون من عجائب نغفل عنها،ونُعرِض عن تدبُّرها والانتفاع بها،ولو نظرنا إلى هذه الآيات بعين المتأمل لوجدنا فيها منافع شتى منها: أنها تُذّكرنا بعظمة الخالق سبحانه،ثم هي بعد ذلك ستفتح لنا الباب الذي يُثري حياتنا،ويُوفّر لنا ترف الحياة ومتعتها.
فالحق سبحانه أعطانا مُقوّمات الحياة،وضمن لنا برحمته ضروريات البقاء،فمَنْ أراد الكماليات فعليه أنْ يُعمِل عقله فيما أعطاه الله ليصل إلى ما يريد.
والأمثلة كثيرة على مشاهدات متأملة في ظواهر الكون،اهتدى بها أصحاب إلى اكتشافات واختراعات خدمت البشرية،وسَهَّلَتْ عليها كثيراً من المعاناة.
فالذي اخترع العجلة في نقل الأثقال بنى فكرته على ثِقل وجده يتحرك بسهولة إذا وُضع تحته شيء قابل للدوران،فتوصل إلى استخدام العجلات التي مكَّنَتْهُ من نقل أضعاف ما كان يحمله.
والذي أدخل العالم عصر البخار استنبط فكرة البخار،وأنه يمكن أن يكون قوةً مُحرِّكة عندما شاهد القِدْر وهو يغلي،ولاحظ أن غطاءه يرتفع إلى أعلى،فاهتدى إلى استخدام البخار في تسيير القطارات والعربات.
والعالِم الذي اكتشف دواء " البنسلين " اهتدى إليه عندما شاهد طبقة خضراء نسميها " الريم " تتكون في أماكن استخدام الماء،وكان يشتكي عينه،فعندما وصلت هذه المادة إلى عينه ربما مصادفة،لاحظ أن عينه قد برئت،فبحث في هذه المسألة حتى توصّل إلى هذا الدواء.
إلى غير ذلك من الآيات والعجائب في كون الله،التي يغفل عنها الخَلْق،ويمرُّون عليها وهم معرضون.(1/220)
أما هؤلاء العلماء الذين آثروا حياة البشرية بنظرتهم الثاقبة،فقد استخدموا عقولهم في المادة التي خلقها الله،ولم يأتوا بشيء من عند أنفسهم؛ لأن الحق سبحانه حينما استخلف الإنسان في الأرض أعدَّ له كُلَّ متطلبات حياته،وضمن له في الكون جنوداً إن أعمل عقله وطاقته يستطيع أن يستفيد منها،وبعد ذلك طلب منه أن يعمر الأرض: { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا }[هود: 61] والاستعمار أنْ تجعلها عامرة،وهذا الإعمار يحتاج إلى مجهود،وإلى مواهب متعددة تتكاتف،فلا تستقيم الأمور إنْ كان هذا يبني وهذا يهدم،إذن: لا بد أنْ تُنظم حركة الحياة تنظيماً يجعل المواهب في الكون تتساند ولا تتعاند،وتتعاضد ولا تتعارض.
ولا يضمن لنا هذا التنظيم إلا منهج من السماء ينزل بالتي هي أقوم،وأحكم،وأعدل،كما قال تعالى في آية أخرى:{ اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ }[الشورى: 17]
وإنْ كان الحق سبحانه وتعالى قد دعانا إلى النظر في ظواهر الكون،والتدبُّر في آيات الله في كونه،والبحث فيها لنصل إلى أسرار ما غُيّب عنا،فإنه سبحانه نهانا أن نفعل هذا مع بعضنا البعض،فقد حرَّم علينا التجسُّس وتتبُّع العورات،والبحث في أسرار الآخرين وغَيْبهم.
وفي هذا الأدب الإلهي رحمة بالخلق جميعاً؛ لأن الله تعالى يريد أن يُثري حياة الناس في الكون،وهَبْ أن إنساناً له حسنات كثيرة،وعنده مواهب متعددة،ولكن له سيئة واحدة لا يستطيع التخلّي عنها،فلو تتبعتَ هذه السيئة الواحدة فربما أزهدتْك في كل حسناته،حرمتْك الانتفاع به،والاستفادة من مواهبه،أما لو تغاضيت عن هذه السيئة فيه لأمكنك الانتفاع به.
وهَبْ أن صانعاً بارعاً في صنعته وقد احتجْتَه ليؤديَ لك عملاً،فإذا عرفت عنه ارتكاب معصية ما،أو اشتهر عنه سيئة ما لأزهدك هذا في صَنْعته ومهارته،ولرغبت عنه إلى غيره،وإنْ كان أقلّ منه مهارة.
وهذا قانون عام للحق سبحانه وتعالى،فالذي نهاك عن تتبُّع غيب الناس،والبحث عن أسرارهم نهاهم أيضاً عن تتبُّع غَيْبك والبحث عن أسرارك؛ ولذلك ما أنعم الله على عبيده نعمة أعظمَ من حِفْظ الغيب عنده هو؛ لأنه ربّ،أما البشر فليس فيهم ربوبية،أمر البشر قائم على العبودية،فإذا انكشف لأحدهم غَيْبُ أخيه أو عيبٌ من عيوبه أذاعه وفضحه به.
إذن: فالحق تبارك وتعالى يدعونا إلى أن نكون طُلَعة في استنباط أسرار الكون والبحث عن غيبه،وفي الوقت نفسه ينهانا أن نكون طُلَعة في تتبّع أسرار الناس والبحث عن غيبهم؛ لأنك إنْ تتبعتَ غيب الناس والتمسْتَ عيوبهم حرمْتَ نفسك من مصادر يمكن أنْ تنتفع بها.
فالحق سبحانه يريد في الكون حركة متبادلة،وهذه الحركة المتبادلة لا تنشأ إلا بوجود نوع من التنافس الشريف البنّاء،التنافس الذي يُثري الحياة،ولا يثير شراسة الاحتكاك،كما قال تعالى:{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ.. }[المطففين: 26] كما يتنافس طالب العلم مع زميله المجدّ ليكون مِثْله أو(1/221)
أفضل منه،وكأن الحق سبحانه يعطينا حافزاً للعمل والرُّقي،فالتنافس المقصود ليس تنافس الغِلِّ والحقد والكراهية،بل تنافس مَنْ يحب للناس ما يحب لنفسه،تنافس مَنْ لا يشمت لفشل الآخرين.
وقد يجد الإنسان هذا الحافز للمنافسة حتى في عدوه،ونحن نرى الكثير منا يغضب وتُثَار حفيظته إنْ كان له عدو،ويراه مصدر شرٍّ وأذى،ويتوقع منه المكروه باستمرار.
وهو مع ذلك لو استغل حكمة الله في إيجاد هذا العدو لاتنفع به انتفاعاً لا يجده في الصديق،لأن صديقك قد يُنافقك أو يُداهنك أو يخدعك.
أما عدوك فهو لك بالمرصاد،يتتبع سقطاتك،ويبحث عن عيوبك،وينتظر منك كَبْوة ليذيعها ويُسمّع بك،فيحملك هذا من عدوك على الاستقامة والبعد عما يشين.
ومن ناحية أخرى تخاف أن يسبقك إلى الخير،فتجتهد أنت في الخير حتى لا يسبقك إليه.
وما أجمل ما قاله الشاعر في هذا المعنى:
عِدَايَ لَهُمْ فَضْلٌ عليَّ ومِنَّةٌ فَلاَ أبعَدَ الرحْمَنُ عَنّي الأعَادِياَ
هُمُو بحثُوا عَنْ زَلّتي فَاجْتنبْتُها وهُمْ نَافَسُوني فاكْتَسبْتُ المعَالِيا
وهكذا نجد لكل شيء في منهج الله فائدة،حتى في الأعداء،ونجد في هذا التنافس المثمر الذي يُثري حركة الحياة دليلاً على أن منهج السماء هو الأقوم والأنسب لتنظيم حركة الحياة.
أيضاً لكي يعيش المجتمع آمناً سالماً لا بُدّ له من قانون يحفظ توازنه،قانون يحمي الضعيف من بطش القوي،فجاء منهج الله تعالى لِيُقنّن لكل جريمة عقوبتها،ويضمن لصاحب الحق حَقّه،وبعد ذلك ترك الباب مفتوحاً للعفو والتسامح بين الناس.
ثم حذَّر القوي أنْ تُطغيه قوته،وتدعوه إلى ظلم الضعيف،وذكّره أن قوته ليست ذاتية فيه،بل هي عَرَضٌ سوف يزول وسوف تتبدل قوته في يوم ما إلى ضَعْف يحتاج معه إلى العون والمساعدة والحماية.
وكأن الحق تبارك وتعالى يقول لنا: أنا أحمي الضعيف من قوتك الآن،لأحمي ضعفك من قوة غيرك غداً.أليس في هذا كله ما هو أقوم؟
ونقف على جانب آخر من جوانب هذه القوامة لمنهج الله في مجال الإنفاق،وتصرُّف المرء في ماله،والمتأمل في هذا المنهج الأقوم يجده يختار لنا طريقاً وسطاً قاصداً لا تبذيرَ فيه ولا تقتير.
ولاشك أن الإنسان بطبعه يُحب أن يُثري حياته،وأن يرتقي بها،ويتمتع بترفها،ولا يُتاح له ذلك إنْ كان مُبذّراً لا يُبقي من دخله على شيء،بل لا بُدّ له من الاعتدال في الإنفاق حتى يجد في جعبته ما يمكنه أن يُثري حياته ويرتقي بها ويُوفّر لأسرته كماليات الحياة،فضلاً عن ضرورياتها.
جاء هذا المنهج الأقوم في قول الحق تبارك وتعالى:{ وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }[الفرقان: 67](1/222)
وفي قوله تعالى:{ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً }[الإسراء: 29]
فللإنسان في حياته طموحات تتتابع ولا تنتهي،خاصة في عصر كثُرت فيه المغريات،فإنْ وصل إلى هدف تطلع لما هو أكبر منه،فعليه إذن ألاّ يُبدّد كل طاقته،وينفق جميع دَخْله. ... ... ...
وكما نهى الإسلام عن التبذير نهى أيضاً عن البُخْل والإمساك؛ لأن البُخْل مذموم،والبخيل مكروه من أهله وأولاده،كما أن البُخْل سبب من أسباب الركود والبطالة والكساد التي تصيب المجتمع،فالممسك لا يتعامل مع المجتمع في حركة البيع والشراء،فيسهم ببُخْله في تفاقم هذه المشاكل،ويكون عنصراً خاملاً يَشْقى به مجتمعه.
إذنْ: فالتبذير والإمساك كلاهما طرف مذموم،والخير في أوسط الأمور،وهذا هو الأقوم الذي ارتضاته لنا المنهج الإلهي.
وكذلك في مجال المأكل والمشرب،يرسم لنا الطريق المعتدل الذي يحفظ للمرء سلامته وصحته،ويحميه من أمراض الطعام والتُّخْمة،قال تعالى:{ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }[الأعراف: 31]
فقد علَّمنا الإسلام أن الإنسان إذا أكل وشرب على قَدْر طاقة الوقود الذي يحتاجه جسمه لا يشتكي ما يشتكيه أصحاب الإسراف في المأكل والمشرب.والمتأمل في حال هؤلاء الذين يأكلون كلّ مَا لَذَّ وطاب،ولا يَحْرمون أنفسهم مما تشتهيه،حتى وإن كان ضاراً،نرى هؤلاء عند كِبَرهم وتقدُّم السِّنِّ بهم يُحْرمون بأمر الطبيب من تناول هذه الملذّات،فترى في بيوت الأعيان الخادم يأكل أطيب الطعام ويتمتع بخير سيده،في حين يأكل سيده أنواعاً محددة لا يتجاوزها،ونقول له:
لأنك أكلتها وأسرفتَ فيها في بداية الأمر،فلا بُدَّ أنْ تُحرَم منها الآن.
وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: " كُلُوا واشربوا وتصدقوا،والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة "
وأيضاً من أسباب السلامة التي رسمها لنا المنهج القرآني،ألاَّ يأكل الإنسان إلا على جوع،فالطعام على الطعام يرهق المعدة،ويجرُّ على صاحبه العطب والأمراض،ونلاحظ أن الإنسان يجد لذة الطعام وحلاوته إذا أكل بعد جوع،فمع الجوع يستطيب كل شيء ولو كان الخبز الجاف.
وهكذا نجد المنهج الإلهي يرسم لنا الطريق الأقوم الذي يضمن لنا سلامة الحياة واستقامتها،فلو تدبرْتَ هذا المنهج لوجدته في أيِّ جانب من جوانب الحياة هو الأقوم والأنسب.
في العقائد،في العبادات،في الأخلاق الاجتماعية العامة،في العادات والمعاملات،إنه منهج ينتظم الحياة كلها،كما قال الحق سبحانه:{ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ }[الأنعام: 38](1/223)
هذا المنهج الإلهي هو أَقْوم المناهج وأصلحها؛ لأنه منهج الخالق سبحانه الذي يعلم مَنْ خلق،ويعلم مَا يصلحهم،كما قلنا سابقاً: إن الصانع من البشر يعلم صَنْعته،ويضع لها من تعليمات التشغيل والصيانة ما يضمن لها سلامة الأداء وأمن الاستعمال.
فإذا ما استعملْتَ الآلة حَسبْ قانون صانعها أدَّتْ مهمتها بدقة،وسلَمتْ من الأعطال،فالذي خلق الإنسان أعلم بقانون صيانته،فيقول له: افعل كذا ولا تفعل كذا:{ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }[الملك: 14]
فآفة الناس في الدنيا أنهم وهم صَنْعةُ الحق سبحانه يتركون قانونه،ويأخذون قانون صيانتهم من أمثالهم،وهي قوانين وضعية قاصرة لا تسمو بحال من الأحوال إلى قانون الحق سبحانه،بل لا وَجْهَ للمقارنة بينهما. إذن: لا تستقيم الحياة إلا بمنهج الله عز وجل.
ثم يقول تعالى: { وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } [الإسراء: 9] فالمنفذ لهذا المنهج الإلهي يتمتع باستقامة الحياة وسلامتها،وينعم بالأمن الإيماني،وهذه نعمة في الدنيا،وإن كانت وحدها لكانت كافية،لكن الحق سبحانه وتعالى يُبشِّرنا بما هو أعظم منها،وبما ينتظرنا من نعيم الآخرة وجزائها،فجمع لنا ربنا تبارك وتعالى نَعيمَيْ الدنيا والآخرة.
نعيم الدنيا لأنك سِرْتَ فيها على منهج معتدل ونظام دقيق،يضمن لك فيها الاستقامة والسلام والتعايش الآمن مع الخَلْق.ومن ذلك قول الحق سبحانه:{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }[البقرة: 38] وقوله تعالى في آية أخرى:{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى }[طه: 123] ويقول تعالى:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }[النحل: 97]
وفي الجانب المقابل يقول الحق سبحانه:{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذالِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذالِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى }[طه: 124-126] فكما أن الحق تبارك وتعالى جمع لعباده الصالحين السائرين على منهجه خيري الدنيا والآخرة،ففي المقابل جمع لأعدائه المعرضين عن منهجه عذاب الدنيا وعذاب الآخرة،لا ظُلْماً منه،فهو سبحانه مُنَزَّه عن الظلم والجَوْر،بل عَدْلاً وقِسطاً بما نَسُوا آيات الله وانصرفوا عنها.
ومعنى: { يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ } [الإسراء: 9] وعمل الصالحات يكون بأن تزيد الصالح صلاحاً،أو على الأقل تبقي الصالح على صلاحه،ولا تتدخل فيه بما يُفسده.
وقوله: { أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } [الإسراء: 9] نلاحظ هنا أن الحق سبحانه وصف الأجر بأنه كبير،ولم يَأْتِ بصيغة أفعل التفضيل منها (أكبر)،فنقول: لأن كبير هنا أبلغ من أكبر،فكبير مقابلها(1/224)
صغير،فَوَصْف الأجر بأنه كبير يدل على أن غيره أصغر منه،وفي هذا دلالة على عِظَم الأجر من الله تعالى. أما لو قال: أكبر فغيره كبير،إذن: فاختيار القرآن أبلغ وأحكم.
كما قلنا سابقاً: إن من أسماء الحق تبارك وتعالى (الكبير)،وليس من أسمائه أكبر،إنما هي وصف له سبحانه. ذلك لأن (الكبير) كل ما عداه صغير،أما (أكبر) فيقابلها كبير.
ومن هنا كان نداء الصلاة (الله أكبر) معناه أن الصلاة وفَرْض الله علينا أكبر من أي عمل دنيويّ،وهذا يعني أن من أعمال الدنيا ما هو كبير،كبير من حيث هو مُعين على الآخرة. ... ...
فعبادة الله تحتاج إلى طعام وشراب وإلى مَلْبس،والمتأمل في هذه القضية يجد أن حركة الحياة كلها تخدم عمل الآخرة،ومن هنا كان عمل الدنيا كبيراً،لكن فَرْض الله أكبر من كل كبير.
ولأهمية العمل الدنيوي في حياة المسلم يقول تعالى عن صلاة الجمعة:{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[الجمعة: 9-10] والمتأمل في هذه الآيات يجد الحق تبارك وتعالى أمرنا قبل الجمعة أن نترك البيع،واختار البيع دون غيره من الأعمال؛ لأنه الصفقة السريعة الربح،وهي أيضاً الصورة النهائية لمعظم الأعمال،كما أن البائع يحب دائماً البيع،ويحرص عليه،بخلاف المشتري الذي ربما يشتري وهو كاره،فتجده غير حريص على الشراء؛ لأنه إذا لم يشْتَرِ اليوم سيشتري غداً. إذن: فالحق سبحانه حينما يأمرنا بترك البيع،فتَرْك غيره من الأعمال أَوْلَى.
فإن ما قُضِيَت الصلاة أمرنا بالعودة إلى العمل والسعي في مناكب الأرض،فأخرجنا للقائه سبحانه في بيته من عمل،وأمرنا بعد الصلاة بالعمل.
إذن: فالعمل وحركة الحياة (كبير)،ولكن نداء ربك (أكبر) من حركة الحياة؛ لأن نداء ربك هو الذي سيمنحك القوة والطاقة،ويعطيك الشحنة الإيمانية،فتُقبِل على عملك بهِمّة وإخلاص. (1)
وفي الشفاء والرحمة:{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} الإسراء 82.
وَنُنَزِّلُ عَلَيْكَ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ مِنَ القُرْآنِ مَا يُسْتَشَفَي بِهِ مِنَ الجَهْلِ وَالضَّلاَلِ،وَمَا يُذْهِبُ مَا فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ مِنْ أَْمْرَاضِ الشَّكِّ وَالنِّفَاقِ،وَالشِّرْكِ وَالزَّيْغِ،وَيَشْفِي مِنْهَا،وَهُوَ رَحْمَةُ لِمَنْ آمَنَ بِهِ،وَعَمِلَ بَأَوَامِرِهِ،وَاجْتَنَبَ نَوَاهِيهِ.أَمَّا الكَافِرُونَ الظَّالِمُونَ أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يَزِيدُهُمْ سَمَاعُ القُرْآنِ إِلاَّ بُعْداً عَنِ الإِيمَانِ وَكُفْراً،وَعُتُوّاً وَخَسَاراً،لأَنَّهُمْ قَدْ طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ (2) .
__________
(1) - تفسير الشعراوي - ( / 2022)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2112)(1/225)
وفي التذكير والتقوى:{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)} الزمر.
لَقَدْ أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُقَرِّبَ المَعَانِي مِنْ أَفْهَامِ النَّاسِ فَضَرَبَ لَهُمُ الأَمْثَالَ فِي القُرْآنِ،وَنَوَّعَ الأَمْثَالَ فِيهِ زِيَادَةً فِي تَقْرِيبِ المَعَانِي وَإِِيضَاحِهَا،لَعَلَّ النَّاسَ يَفْهَمُونَ وَيُدِرْكُونَ مَا أَرَادَهُ الله تَعَالَى،وَلَعَلَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ بِمَا قَصَّهُ عَلَيْهِمْ .وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى القُرْآنَ عَرَبياً وَاضَحاً لاَ لَبْسَ فِيهِ وَلاَ غُمُوضَ،وَلاَ عِوَجَ وَلاَ انْحِرَافَ لِيَفْهَمَ العَرَبُ مَعَانِيَهُ.وَيَعُوا مَرَامِيَهُ،لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ اللهَ،وَيَحْذَرُونَ نِقَمَهُ (1) .
وفي الثبات على الحق:{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)} النحل.
قُلْ لَهُمْ:إِنَّ القُرْآنَ قَدْ نَزَلَ عَلَيَّ مِنْ رَبِّي مَعَ جِبْرِيلَ الرُّوحِ الطَّاهِرِ،مُقْتَرِناً بِالحَقِّ وَمُشْتَمِلاً عَلَيْهِ لِيُثَبِّتَ بِهِ المُؤْمِنِينَ،وَلِيَهْدِي بِهِ النَّاسَ إِلَى الخَيْرِ بِمَا فِيهِ مِنْ أَدِلَّةٍ قَاطِعَةٍ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ،وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ،وَبِمَا فِيهِ مِنْ تَشْرِيعٍ وَتَعَالِيمٍ وَأَحْكَامٍ،فَهُوَ هَادٍ لِلْمُؤْمِنِينَ،وَبَشِيرٌ لَهُمْ بِحُسْنِ الثَّوَابِ عِنْدَ اللهِ فِي الآخِرَةِ . (2)
وفي زيادة الإيمان:{ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} التوبة.
إِذَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى سُورَةً مِنْ سُوَرِ القُرْآنِ فَمِنَ المُنَافِقِينَ مَنْ يَقُولُ لإِخْوَانِهِ:( أَوْ يَقُولُ لِمَنْ يَلْقَاهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ مُشَكِّكاً ):أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ السُّورَةُ إِيمَاناً وَيَقِيناً بِحَقِيقَةِ القُرْآنِ وَالإِسْلاَمِ،وَصدْقِ الرَّسُولِ؟
وَيَقُولُ تعالى: أَمَّا الذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ فَتَزيدُهُمُ الآيَاتُ إِيمَاناً،وَيَسْتَبْشِرُونَ بِرِضْوانِ رَبِّهِمْ،وَبِمَا أَعَدَّهُ لَهُمْ مِنْ جَزِيلِ الثَّوابِ . (3)
فأما الذين آمنوا فقد أضيفت إلى دلائل الإيمان عندهم دلالة فزادتهم إيمانا وقد خفقت قلوبهم بذكر ربهم خفقة فزادتهم إيمانا وقد استشعروا عناية ربهم بهم في إنزال آياته عليهم فزادتهم إيمانا .. وأما الذين في قلوبهم مرض،الذين في قلوبهم رجس من النفاق،فزادتهم رجسا إلى رجسهم،وماتوا وهم كافرون ..وهو نبأ من اللّه صادق،وقضاء منه سبحانه محقق. (4)
ووصفه الذي أنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - وبيّن آثاره في كثير من أحاديثه الشريفة،منها ما روي فعَنْ عَلِيٍّ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ قَالَ:قُلْتُ فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ:كِتَابُ اللهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ،هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ يَرُدَّهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ،وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ هُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ وَالذَّكَرُ الْحَكِيمُ،وَهُوَ
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3964)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2003)
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1360)
(4) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (3 / 1742)(1/226)
الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ وَلاَ تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلاَ يَخْلُقُ عَنْ رَدٍّ،وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ،وَهُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ حِينَ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا:إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا،مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دُعِيَ إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.. رواه البزار (1) .
وعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« اعْمَلُوا بِالْقُرْآنِ أَحِلُّوا حَلاَلَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ وَاقْتَدُوا بِهِ وَلاَ تَكْفُرُوا بِشَىْءٍ مِنْهُ وَمَا تَشَابَهَ عَلَيْكُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى أُولِى الْعِلْمِ مِنْ بَعْدِى كَمَا يُخْبِرُوكُمْ وَآمِنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَمَا أُوتِىَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ وَلْيَسَعْكُمُ الْقُرْآنُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ أَلاَ وَلِكُلِّ آيَةٍ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنِّى أُعْطِيتُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ مِنَ الذِّكْرِ الأَوَّلِ وَأُعْطِيتُ طَهَ وَطَوَاسِينَ وَالْحَوَامِيمَ مِنْ أَلْوَاحِ مُوسَى وَأُعْطِيتُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتَ الْعَرْشِ » (2) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّهُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْقُرْآنُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ،وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ،مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَجَا،وَمَنْ مَحِلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ " (3)
وعن محمد بن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله { - صلى الله عليه وسلم - } القرآن أفضل من كل شيء دون الله تعالى وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه فمن وقر القرآن فقد وقر الله ومن لم يوقر القرآن لم يوقر الله وحرمة القرآن عند الله تعالى كحرمة الوالد على ولده القرآن شافع مشفع وما حل مصدق فمن شفع له القرآن شفع ومن محل به القرآن صدق ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار حملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله الملبسون نور الله المعلمون كلام الله ومن والاهم فقد والى الله ومن عاداهم فقد عادى الله يقول الله تبارك اسمه يا حملة القرآن استجيبوا
__________
(1) - مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (3 / 71)(836) حسن لغيره
الفصل : الفاصل بين الحق والباطل.-وما هو بالهزل : أي : هو جد كله.
الجبار : في صفات الله تعالى : الذي جبر خلقه على ما أراد ، يقال : جبره وأجبره ، إذا قهره ، وهو في صفة الآدمي ، المسلط العاتي المتكبر على الناس المتعظم عليهم.
قصمه : أي أهلكه ، وهو بالقاف : أن ينكسر الشيء فيبين.
الحبل : في كلام العرب : يرد على وجوه ، منها : العهد ، وهو الأمان ومنها : النور ، والمتين : القوي الشديد، فقال : هو حبل الله المتين ، أي : عهده وأمانه من العذاب ، وهو نور هداه ، والعرب تشبه النور الممتد بالحبل والخيط ، ومنه قوله تعالى : {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}[ البقرة : 187].
الذكر : الشرف ، ومنه قوله تعالى : {وإنه لذكر لك ولقومك} [ الزخرف : 44] أو هو ما يذكر ، أي : يقال ويحكى.
الحكيم : المحكم العاري من الاختلاف والاضطراب ، أو هو فعيل بمعنى فاعل ، أي : إنه حاكم فيكم ، وعليكم ، ولكم.
يزيغ : الزيغ : الميل ، وأراد به الميل عن الحق.-الرشد : والرشاد ، ضد الضلال ، والغي. جامع الأصول في أحاديث الرسول - (8 / 462)
(2) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (10 / 9)(20198) ضعيف
(3) - فَضَائِلُ الْقُرْآنِ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ (44 ) الصواب وقفه(1/227)
لربكم بتوقير كتابه يزدكم حبا ويحببكم إلى عباده يرفع عن مستمع القرآن بلوى الدنيا ويدفع عن تالي القرآن شر الآخرة ومن استمع آية من كتاب الله كان له خيرا من صبر ذهبا ومن قرأ آية من كتاب الله كان أفضل مما تحت العرش إلى التخوم وإن في كتاب الله لسورة تدعى العزيزة يدعى صاحبها الشريف يوم القيامة تشفع لصاحبها أكثر من ربيعة ومضر وهي سورة يس" (1)
وقد أمر الله تعالى بتلاوته {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} النمل 91-92.
يَأْمُرُ اللهُ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - بأَنْ يَقُولَ لِهؤُلاءِ المُكَذِّبينَ:إِنَّهُ أُمِرَ بعِبَادَةِ رَبِّ مَكَّةَ التي جَعَلَهَا بَلَداً حَراماً،لاَ يُسْتَبَاحُ فِيها دًمٌ،وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شيءٍ وَمَلِيكُهُ،لا إٍِلهَ إِلاَّ هُوَ،وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ رَسُولَهُ بأَنْ يَكُونَ مِنَ المُسلِمِينَ لَهُ،المُوَحِّدِينَ المُخْلِصِينَ لِجَلاَلِهِ .وَقُلْ لَقَدْ أَمَرني رَبي بِأَنْ أَتلُوَ القُرآنَ عَلَى النَّاسِ،وَأْلَلِّغَهُمْ إِياهُ،وَلِي أُسْوَةٌ بَِنْ تَقَدَّمَني مِنَ الرُّسُلِ،الذين أَنْذَرُوا أَقوَامَهُمْ،وَقَامُوا بتأْدِيَةِ الرِّسَالةِ،وَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَيَنْتَفِعُ بِهُدَاهُ،وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضُرُّ نَفْسَهُ وَلا يَضُرُّ الله شَيْئاً . (2)
ووعد عليها الخير الجزيل:{ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)} فاطر.
إِنَ عِبَادَ اللهِ المُؤْمِنينَ الذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ،وَيُؤْمِنُونَ بِهِ،وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ أَوَامِرَ:مِنْ إِقامَةِ الصَّلاةِ وأَدائها بِخُشُوعِها،وَإِتْمَامِها بِرُكُوعِها وسُجُودِها،وَمِنَ الإِنْفَاقِ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ سِراً وَعَلاَنِيةً فِي سَبيلِ اللهِ عَلَى الفُقَراءِ والمُحْتَاجِينَ،وفيمَا فِيهِ خيرُ الجَمَاعَةِ المُسلِمَةِ،إِنَّ هؤلاءِ العِبَادَ المُؤْمِنينَ،الذِينَ يَقُومُونَ بِذَلِكَ،يَرْجُونَ الثَّوَابَ عَلَى أَفْعَالِهِمْ،عِنْدَ اللهِ،وَسَتَكُونُ تِجَارَتُهُمْ رَابِحَةً عِندَ اللهِ،وَلَنْ تَكْسُدَ .وَيَرْجُونَ أَنْ يَحْزِيَهُمُ اللهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى عَلَى أَعْمَالِهِم الصَّالِحَةِ،وَأَنْ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ،فَيَتجَاوَزَ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ وَهَفَواتِهِمْ،وَيَضَاعِفَ ثَوَابَ أَعْمَالِهِمْ حَتَّى سَبعِمِئَةِ ضِعْفٍ،وَاللهُ تَعَالى غَفُورٌ لِلذُّنُوبِ،شَكُورٌ لِلْقَلِيلِ مِنَ الأَعمالِ الصَّالِحةِ . (3)
كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتلاوته وبيّن ما أعد الله سبحانه وتعالى لمن قرأه من أجر عظيم منها شفاعته به،فعَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلاَّمٍ يَقُولُ حَدَّثَنِى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِىُّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ
__________
(1) - نوادر الأصول فى أحاديث الرسول ـ للترمذى - (3 / 173) مرسل ، ولا يصح ، وورد بعضه مفرقا
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3132)
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3570)(1/228)
أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ ». قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِى أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ." رواه مسلم (1) .
ومنها حصوله على ثروة عريضة من الحسنات التي تضاف إلى رصيده عند تلاوة كل حرف من الكتاب الكريم،فعن مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِىَّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لاَ أَقُولُ الم َرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ ». رواه الترمذي (2) .
ومنها ارتقاؤه إلى منزلة لا تنتهي رفعتها إلا عندما ينتهي من تلاوته فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِى الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا ». رواه الترمذي (3) .
ومنها نيله شهادة نبوية بتقليده أعلى وسام إلهي،فعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ،فَقِيلَ:مَنْ أَهْلُ اللهِ مِنْهُمْ ؟ قَالَ:أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ.". رواه أحمد (4) .
إنه كتاب الله تعالى الدستور الجامع لأحكام الإسلام،والمنبع الصافي للعلم والخير والحكمة والنور والوسيلة المختصرة لمعرفة الله تعالى وقربه ورضاه والوصول إلى حقائق التقوى ومعادن الإيمان. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ،فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ،إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ وَالنُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ،عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ،وَنَجَاةٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُ،لاَ يَزِيغُ فَيَسْتَعْتِبُ،وَلاَ يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ،وَلاَ تَنْقَضِى عَجَائِبُهُ،وَلاَ يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ،فَاتْلُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلاَوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ،أَمَا إِنِّى لاَ أَقُولُ الم وَلَكِنْ بِأَلِفٍ وَلاَمٍ وَمِيمٍ. " الدارمي (5) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ،قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي،قَالَ:عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فَإِنَّهَا جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ،وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ،فَإِنَّهَا رَهْبَانِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ،وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ وَتِلاوَةِ كِتَابِهِ،فَإِنَّهُ نُورٌ لَكَ فِي الأَرْضِ وَذِكْرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ،وَاخْزُنْ لِسَانَكَ إِلَّامِنْ خَيْرٍ،فَإِنَّكَ بِذَلِكَ تَغْلِبُ الشَّيْطَانَ." الطبراني (6)
إنه رسالة الله العلي القدير،لهذا الإنسان الضعيف الجهول الفقير،لتأخذ بيده وتدله على سبيل النجاة،وتهديه إلى صراط الله،وتمنحه السعادة في الدنيا والفوز في الآخرة.
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1910)
البطلة : السحرة -الصواف : جمع صافة وهى الباسطة أجنحتها فى الهواء -الغيايتان : مثنى غياية وهى السحابة -الفرقان : الجماعتان
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (3158 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (3162 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 327) (12279) 12304- صحيح
(5) - سنن الدارمى- المكنز - (3378) حسن
(6) - المعجم الصغير للطبراني - (2 / 156) (949) حسن لغيره(1/229)
فعَنْ مُحَمَّدِ بن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،بِالْجُحْفَةِ فَخَرَجَ عَلَيْنَا،فَقَالَ:أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ،وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ،وَأَنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ؟ قُلْنَا:نَعَمْ،قَالَ:فَأَبْشِرُوا فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ،وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ،فَتَمَسَّكُوا بِهِ،وَلا تُهْلَكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا. رواه الطبراني (1) .
ولقد بوأ الله به المسلمين عندما تمسكوا به،وأخلصوا في تطبيق أوامره،وتنفيذ أحكامه ووصاياه،وانتهوا عن كل ما نهى عنه،بوأهم مكانة الصدارة بين الأمم،وجعلهم مخلّصي الشعوب ومعلمي الأمم،وناشري الحضارة التي ما عرف التاريخ لها مثيلا،فكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس.
وهذا كتاب الله تعالى تكفل بحفظه،وسخر عباده لتوثيقه،ليكون الدستور الخالد إلى يوم القيامة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} الحجر.
والقرآن قد جاء بعد كُتب متعددة،وكان كل كتاب منها يحمل منهج الله؛ إلا أن أيَّ كتاب منها لم يَكُنْ معجزة؛ بل كانت المُعْجزة تنزل مع أيِّ رسول سبق سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وعادة ما تكون المعجزة من صنف ما نبغ فيه القوم الذين نزل فيهم.
وما دام المنهج مفصولاً عن المعجزة؛ فقد طلب الحق سبحانه من الحاملين لكتب المنهج تلك أنْ يحافظوا عليها،وكان هذا تكليفاً من الحق سبحانه لهم. والتكليف ـ كما نعلم ـ عُرْضة أنْ يُطَاع،وعُرْضة أنْ يُعصى،ولم يلتزم أحد من الأقوام السابقة بحفظ الكُتب المنزّلة إليهم.
ونجد الحق ـ سبحانه وتعالى ـ يقول:{ إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ... }[المائدة: 44]
أي: أن الحق ـ سبحانه وتعالى ـ قد كلّفهم وطلب منهم أنْ يحفظوا كتبهم التي تحمل منهجه؛ وهذا التكليف عُرْضة أنْ يطاع،وعُرْضة أنْ يُعصى؛ وهم قد عَصَوا أمر الحق سبحانه وتكليفه بالحفظ؛ ذلك أنهم حرّفوا وبدلوا وحذفوا من تلك الكتب الكثير. فقد قال الحق سبحانه عنهم:{ ...وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }[البقرة: 146]
بل وأضافوا من عندهم كلاماً وقالوا: هو من عند الله؛ لذلك قال فيهم الحق سبحانه:{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }[البقرة: 79]
وهكذا ارتكبوا ذنوب الكذب وعدم الأمانة،ولم يحفظوا الكتب الحاملة لمنهج الله كما أنزلها الله على أنبيائه ورُسله السابقين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ولذلك لم يَشَأ الحق سبحانه أن يترك مهمة حفظ القرآن كتكليف منه للبشر؛ لأن التكليف عُرْضة أن يطاع وعُرْضة أنْ يُعصى،فضلاً عن أن القرآن يتميز عن الكتب السابقة في أنه يحمل المنهج،وهو
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (2 / 163) (1520) والصحيحة (713) وصحيح الجامع (34) صحيح لغيره(1/230)
المعجزة الدالة على صِدْق بلاغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفس الوقت.ولذلك قال الحق سبحانه: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9]
والذِّكْر إذا أُطلِق انصرف المعنى إلى القرآن؛ وهو الكتاب الذي يحمل المنهج؛ وسبحانه قد شاء حِفْظه؛ لأنه المعجزة الدائمة الدالة على صدق بلاغ رسوله - صلى الله عليه وسلم - .وكان الصحابة يكتبون القرآن فَوْرَ أن ينزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،ووجدنا في عصرنا من هم غير مؤمنين بالقرآن؛ ولكنهم يتفنّنون في وسائل حفْظه؛ فهناك مَنْ طبع المصحف في صفحة واحدة؛ وسخَّر لذلك مواهب أُناسٍ غير مؤمنين بالقرآن.
وحدث مثل ذلك حين تَمّ تسجيل المصحف بوسائل التسجيل المعاصرة. وفي ألمانيا ـ على سبيل المثال ـ توجد مكتبة يتم حِفْظ كل ما يتعلق بكل آية من القرآن في مكان مُعيّن مُحدّد.وفي بلادنا المسلمة نجد مَنْ ينقطع لحفظ القرآن منذ الطفولة،ويُنهي حِفْظه وعمره سبع سنوات؛ وإنْ سألته عن معنى كلمة يقرؤها فقد لا يعرف هذا المعنى.
ومن أسرار عظمة القرآن أن البعض مِمَّنْ يحفظونه لا يملكون أية ثقافة،ولو وقف الواحد من هؤلاء عند كلمة؛ فهو لا يستطيع أن يستكملها بكلمةٍ ذات معنى مُقَارب لها؛ إلى أنْ يردّه حافظٌ آخر للقرآن.
ولكي نعرف دِقّة حِفْظ الحق سبحانه لكتابه الكريم؛ نجد أن البعض قد حاول أن يُدخِل على القرآن ما ليس فيه،وحاول تحريفه من مدخل،يروْنَ أنه قريب من قلب كل مسلم،وهو توقير الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ وجاءوا إلى قول الحق سبحانه:{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ... }[الفتح: 29]
وأدخلوا في هذه الآية كلمة ليست فيها،وطبعوا مصحفاً غيَّروا فيه تلك الآية بكتابتها " محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " وأرادوا بذلك أن يسرقوا عواطف المسلمين،ولكن العلماء عندما أمسكوا بهذا المصحف أمروا بإعدامه وقالوا: " إن به شيئاً زائداً "،فردَّ مَنْ طبع المصحف " ولكنها زيادة تحبونها وتُوقّرونها "،فردَّ العلماء: " إن القرآن توقيفيّ؛ نقرؤه ونطبعه كما نزل ".وقامت ضَجَّة؛ وحسمها العلماء بأن أيّ زيادة ـ حتى ولو كانت في توقير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومحبته ـ لا تجوز في القرآن،لأن علينا أن نحفظ القرآن كما لقَّنه جبريل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - . (1)
وننظر نحن اليوم من وراء القرون إلى وعد اللّه الحق بحفظ هذا الذكر فنرى فيه المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب - إلى جانب غيرها من الشواهد الكثيرة - ونرى أن الأحوال والظروف والملابسات والعوامل التي تقلبت على هذا الكتاب في خلال هذه القرون ما كان يمكن أن تتركه مصونا محفوظا لا تتبدل فيه كلمة،ولا تحرف فيه جملة،لولا أن هنالك قدرة خارجة عن إرادة
__________
(1) - تفسير الشعراوي - ( / 1797)(1/231)
البشر،أكبر من الأحوال والظروف والملابسات والعوامل،تحفظ هذا الكتاب من التغيير والتبديل،وتصونه من العبث والتحريف.
لقد جاء على هذا القرآن زمان في أيام الفتن الأولى كثرت فيه الفرق،وكثر فيه النزاع،وطمت فيه الفتن،وتماوجت فيه الأحداث. وراحت كل فرقة تبحث لها عن سند في هذا القرآن وفي حديث رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ودخل في هذه الفتن وساقها أعداء هذا الدين الأصلاء من اليهود - خاصة - ثم من «القوميين» دعاة «القومية» الذين تسمّوا بالشعوبيين! ولقد أدخلت هذه الفرق على حديث رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ما احتاج إلى جهد عشرات العلماء الأتقياء الأذكياء عشرات من السنين لتحرير سنة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وغربلتها وتنقيتها من كل دخيل عليها من كيد أولئك الكائدين لهذا الدين.كما استطاعت هذه الفرق في تلك الفتن أن تؤول معاني النصوص القرآنية،وأن تحاول أن تلوي هذه النصوص لتشهد لها بما تريد تقريره من الأحكام والاتجاهات ..
ولكنها عجزت جميعا - وفي أشد أوقات الفتن حلوكة واضطرابا - أن تحدث حدثا واحدا في نصوص هذا الكتاب المحفوظ وبقيت نصوصه كما أنزلها اللّه حجة باقية على كل محرف وكل مؤول وحجة باقية كذلك على ربانية هذا الذكر المحفوظ.
ثم جاء على المسلمين زمان - ما نزال نعانيه - ضعفوا فيه عن حماية أنفسهم،وعن حماية عقيدتهم،وعن حماية نظامهم،وعن حماية أرضهم،وعن حماية أعراضهم وأموالهم وأخلاقهم. وحتى عن حماية عقولهم وإدراكهم! وغيّر عليهم أعداؤهم الغالبون كل معروف عندهم،وأحلوا مكانه كل منكر فيهم .. كل منكر من العقائد والتصورات،ومن القيم والموازين،ومن الأخلاق والعادات. ومن الأنظمة والقوانين .. وزينوا لهم الانحلال والفساد والتوقح والتعري من كل خصائص «الإنسان» وردوهم إلى حياة كحياة الحيوان .. وأحيانا إلى حياة يشمئز منها الحيوان .. ووضعوا لهم ذلك الشر كله تحت عنوانات براقة من «التقدم» و«التطور» و«العلمانية» و«العلمية» و«الانطلاق» و«التحرر» و«تحطيم الأغلال» و«الثورية» و«التجديد» ... إلى آخر تلك الشعارات والعناوين .. وأصبح «المسلمون» بالأسماء وحدها مسلمين. ليس لهم من هذا الدين قليل ولا كثير.
وباتوا غثاء كغثاء السيل لا يمنع ولا يدفع،ولا يصلح لشيء إلا أن يكون وقودا للنار .. وهو وقود هزيل! ..
ولكن أعداء هذا الدين - بعد هذا كله - لم يستطيعوا تبديل نصوص هذا الكتاب ولا تحريفها. ولم يكونوا في هذا من الزاهدين. فلقد كانوا أحرص الناس على بلوغ هذا الهدف لو كان يبلغ،وعلى نيل هذه الأمنية لو كانت تنال! ولقد بذل أعداء هذا الدين - وفي مقدمتهم اليهود - رصيدهم من تجارب أربعة آلاف سنة أو تزيد في الكيد لدين اللّه. وقدروا على أشياء كثيرة .. قدروا على الدس في سنة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وعلى تاريخ الأمة المسلمة. وقدروا على تزوير الأحداث ودس الأشخاص في(1/232)
جسم المجتمع المسلم ليؤدوا الأدوار التي يعجزون عن أدائها وهم سافرون. وقدروا على تحطيم الدول والمجتمعات والأنظمة والقوانين.وقدروا على تقديم عملائهم الخونة في صورة الأبطال الأمجاد ليقوموا لهم بأعمال الهدم والتدمير في أجسام المجتمعات الإسلامية على مدار القرون،وبخاصة في العصر الحديث ..ولكنهم لم يقدروا على شيء واحد - والظروف الظاهرية كلها مهيأة له - .. لم يقدروا على إحداث شيء في هذا الكتاب المحفوظ،الذي لا حماية له من أهله المنتسبين إليه وهم بعد أن نبذوه وراء ظهورهم غثاء كغثاء السيل لا يدفع ولا يمنع فدل هذا مرة أخرى على ربانية هذا الكتاب،وشهدت هذه المعجزة الباهرة بأنه حقا تنزيل من عزيز حكيم.
لقد كان هذا الوعد على عهد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - مجرد وعد. أما هو اليوم - من وراء كل تلك الأحداث الضخام ومن وراء كل تلك القرون الطوال. فهو المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب،والتي لا يماري فيها إلا عنيد جهول:«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ،وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» .. وصدق اللّه العظيم .. (1)
وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول:" خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ. " رواه البخاري (2) .
قال أحدهم:
قد حوى القرآن نورا وهدى ... ... ... فعصى القرآن من لا يعقل
قل لقوم نبذوا أحكامه ... ... ... ما لكم مما نبذتم بدل
فاسألوا التاريخ عن قرآنكم ... ... ... يوم ضاءت بسناه السبل
فكأن الكون أفق أنتم ... ... ... فيه بدر كامل لا يأفل
أو كأن الكون منكم روضة ... ... ... وعلى الأغصان أنتم بلبل
إنه كتاب الله،منزلته كمنزلة منزله،وتعظيمه من تعظيم قائله،والأدب معه أدب مع الله سبحانه وحري بالمسلم أن يتعلم هذه الآداب ليلتزمها مع كتاب الله الكريم.
1- أن يقصد بقراءته وجه الله تعالى،وتعلم أحكام كتابه،وتنفيذ أمر ربه بتلاوة القرآن الكريم.
قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة.
وهذه هي قاعدة دين اللّه على الإطلاق: عبادة اللّه وحده،وإخلاص الدين له،والميل عن الشرك وأهله،وإقامة الصلاة،وإيتاء الزكاة:«وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» .. عقيدة خالصة في الضمير،وعبادة للّه،تترجم عن هذه العقيدة،وإنفاق للمال في سبيل اللّه،وهو الزكاة .. فمن حقق هذه القواعد،فقد حقق الإيمان كما أمر به أهل الكتاب،وكما هو في دين اللّه على الإطلاق. دين واحد. وعقيدة واحدة،تتوالى بها الرسالات،ويتوافى عليها الرسل .. دين لا غموض فيه ولا تعقيد. وعقيدة لا تدعو
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2127)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5027) وصحيح ابن حبان - (1 / 325) (118)(1/233)
إلى تفرق ولا خلاف،وهي بهذه النصاعة،وبهذه البساطة،وبهذا التيسير. فأين هذا من تلك التصورات المعقدة،وذلك الجدل الكثير؟ (1)
وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَاصٍّ يَقْرَأُ ثُمَّ سَأَلَ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ اللَّهَ بِهِ فَإِنَّهُ سَيَجِىءُ أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ بِهِ النَّاسَ ». رواه الترمذي (2) .
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ يَتَأَكَّلُ بِهِ النَّاسَ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ لَيْسَ عَلَيْهِ لَحْمٌ " " رواه البيهقي (3) .
2- أن يكون على طهارة من الحدثين،فالطهارة من الجنابة والحيض والنفاس فرض لقراءة القرآن أو مس المصحف وحمله.
قال تعالى:{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (80)} الواقعة.
إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لقرآن عظيم المنافع،كثير الخير،غزير العلم،في كتاب مَصُون مستور عن أعين الخلق،وهو الكتاب الذي بأيدي الملائكة. لا يَمَسُّ القرآن إلا الملائكة الكرام الذين طهرهم الله من الآفات والذنوب،ولا يَمَسُّه أيضًا إلا المتطهرون من الشرك والجنابة والحدث.وهذا القرآن الكريم منزل من رب العالمين،فهو الحق الذي لا مرية فيه. (4)
فعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ،قَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ،قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَا وَرَجُلانِ:رَجُلٌ مِنَّا،وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ،أَحْسَبُ فَبَعَثَهُمَا وَجْهًا،وَقَالَ:إِنَّكُمَا عِلْجَانِ فَعَالِجَا عَنْ دِينِكُمَا،ثُمَّ دَخَلَ الْمَخْرَجَ ثُمَّ خَرَجَ،فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَسَّحَ بِهَا ثُمَّ جَاءَ،فَقَرَأَ الْقُرْآنَ قِرَاءَةً فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ،فَقَالَ عَلِيّ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِي الْخَلاءَ فَيَقْضِي الْحَاجَةَ،ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَأْكُلُ مَعَنَا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ،وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ،وَلا يَحْجُبُهُ عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ،أَوْ إِلا الْجَنَابَةُ " ابن خزيمة (5) .
وعَنْ عَلِىٍّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا. وَبِهِ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالتَّابِعِينَ.قَالُوا يَقْرَأُ الرَّجُلُ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَلاَ يَقْرَأُ فِى الْمُصْحَفِ إِلاَّ وَهُوَ طَاهِرٌ. وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ وَالشَّافِعِىُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. (6)
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6 / 3952)
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (3167 ) والصحيحة (257) و صحيح الجامع (6467) صحيح لغيره
(3) - شعب الإيمان - (4 / 196) (2384 ) صحيح لغيره
(4) - التفسير الميسر - (10 / 15)
(5) - صحيح ابن خزيمة- (1 / 117) حسن
(6) - سنن الترمذى- المكنز - (146 ) قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَلِىٍّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.(1/234)
وعَنْ أَبِي الْغَرِيفِ،قَالَ:أُتِيَ عَلِيٌّ بِوَضُوءٍ،فَمَضْمَضَ،وَاسْتَنْشَقَ ثَلاثًا،وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا،وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَذِرَاعَيْهِ ثَلاثًا ثَلاثًا،ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ،ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ،ثُمَّ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ،ثُمَّ قَالَ:هَذَا لِمَنْ لَيْسَ بِجُنُبٍ فَأَمَّا الْجُنُبُ فَلا،وَلاَ آيَةَ." أحمدرواه أحمد (1) .
3- تنظيف الفم بالسواك وغيره،لأنه مجرى كلام الله تبارك وتعالى.
فعَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ قَالَ إِنَّ أَفْوَاهَكُمْ طُرُقٌ لِلْقُرْآنِ فَطَيِّبُوهَا بِالسِّوَاكِ." رواه ابن ماجة (2)
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« إِنَّ أَفْوَاهَكُمْ طُرُقٌ لِلْقُرْآنِ ؛ فَطَهِّرُوهَا بِالسِّوَاكِ » (3)
4- يستحب للقارئ أن يجلس مستقبلا القبلة إذا تمكن من ذلك،فعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَكْرَمُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ " الطبراني (4)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا،وَإِنَّ شَرَفَ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ،وَمَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ،فَكَأَنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ." (5)
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى،قَالَ:إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا،وَأَشْرَفُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتَقْبَلَ بِهِ الْقِبْلَةَ،وقَالَ:مَا رَأَيْت سُفْيَانَ يَجْلِسُ إلاَّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ." (6)
وعَنْ مَكْحُولٍ،قَالَ:أَفْضَلُ الْمَجَالِسِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. (7)
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى،قَالَ:لِكُلِّ شَيْءٍ سَيِّدٌ،وَسَيِّدُ الْمَجَالِسِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. (8)
ويجوز أن يقرأ قائما أو ماشيا أو مضجعا أو في فراشه أو في الطريق أو على غير ذلك من الأحوال وله الأجر،وإن كان دون الأول (9) .
5- طهارة المكان والثياب ونظافتهما،والتجمل والتطيب استعدادا لمناجاة الله تعالى بتلاوة كلامه. قال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (4) سورة المدثر
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 322) (872) حسن
(2) - سنن ابن ماجه- المكنز - (306 ) ومعجم ابن الأعرابي - (1757 ) ضعيف
(3) - المجالسة وجواهر العلم - (3 / 68) (679 ) ضعيف
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (11 / 336)(766) والسنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (7 / 272)(14982) حسن لغيره
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 197) (10630 ) حسن لغيره
(6) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 486)(26457) صحيح مقطوع
(7) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 487) (26460) صحيح مقطوع
(8) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 487) (26461) صحيح مقطوع
(9) - انظر : غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب - (3 / 382) ولواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية - (2 / 87) وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (1 / 510) معنى حديث: "خير المجالس ما استقبل به القبلة"(1/235)
يحتمل أن المراد بثيابه،أعماله كلها،وبتطهيرها تخليصها والنصح بها،وإيقاعها على أكمل الوجوه،وتنقيتها عن المبطلات والمفسدات،والمنقصات من شر ورياء،[ونفاق]،وعجب،وتكبر،وغفلة،وغير ذلك،مما يؤمر العبد باجتنابه في عباداته.
ويدخل في ذلك تطهير الثياب من النجاسة،فإن ذلك من تمام التطهير للأعمال خصوصا في الصلاة،التي قال كثير من العلماء: إن إزالة النجاسة عنها شرط من شروط الصلاة. ويحتمل أن المراد بثيابه،الثياب المعروفة،وأنه مأمور بتطهيرها عن [جميع] النجاسات،في جميع الأوقات،خصوصا في الدخول في الصلوات،وإذا كان مأمورا بتطهير الظاهر،فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن (1) .
6- التعوذ والبسملة قبل البدء بالتلاوة.قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (98) سورة النحل.
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - وَعِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ،عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنْ يَسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ،إِذَا أَرَادُوا قِرَاءَةَ القُرْآنِ . (2)
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّه،فَهُوَ أَقْطَعُ." (3)
7- المداومة على قراءة القرآن،بالتزام ورد يومي وإن قلّ،وتجنب هجران القرآن ونسيان تلاوته. عن الْحَسَنَ،قالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " لَوْ أَنَّ قُلُوبَنَا طَهُرَتْ مَا شَبِعْنَا مِنْ كَلَامِ رَبِّنَا،وَإِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمٌ لَا أَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ " وَمَا مَاتَ عُثْمَانُ حَتَّى خُرِقَ مُصْحَفُهُ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُدِيمُ النَّظَرَ فِيهَا " (4)
قال تعالى:{ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30)} الفرقان.
وَقَالَ الرَّسُولُ مُشْتَكِياً إِلَى رَبِّهِ:يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمي اتَّخُذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً،أَيْ أَنَّ قَوْمِي الّذِينَ بَعَثْتَني إِلَيْهِمْ لأَدْعُوَهُمْ إِلى تَوْحِيدِكَ،وَأَمَرْتَني بِإِبْلاَغِ القُرْآنِ إِلَيْهِم،قَدْ هَجرُوا كِتَابَكَ،وَتَرَكُوا الإِيمانَ بِكَ،وَلَمْ يَأَبَهُوا بِوَعِيدِكَ،بل أعْرَضُوا عنِ استماعِهِ واتِّبَاعِهِ . (5)
لقد هجروا القرآن الذي نزله اللّه على عبده لينذرهم. ويبصرهم. هجروه فلم يفتحوا له أسماعهم إذ كانوا يتقون أن يجتذبهم فلا يملكون لقلوبهم عنه ردا. وهجروه فلم يتدبروه ليدركوا الحق من خلاله،ويجدوا الهدي على نوره. وهجروه فلم يجعلوه دستور حياتهم،وقد جاء ليكون منهاج حياة يقودها إلى أقوم طريق (6)
__________
(1) - تفسير السعدي - (1 / 895)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1999)
(3) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي - (1219 ) وفيه ضعف
(4) - شعب الإيمان - (3 / 510) (2030 ) حسن
(5) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2767)
(6) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 2561)(1/236)
وعَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ فِى عُقُلِهَا » رواه مسلم (1) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « عُرِضَتْ عَلَىَّ أُجُورُ أُمَّتِى حَتَّى الْقَذَاةِ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَىَّ ذُنُوبُ أَمَّتِى فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا » (2) .
8- الإقبال بشغف وشوق ومحبة على كلام الله تعالى حتى يتملك عليه مشاعره وأحاسيسه،وقلبه وفكره وروحه،ويعين على ذلك طرح كل ما يشغله من أفكار أو كلام أو هموم الحياة الدنيا،وخصوصا في صلاة الليل.قال تعالى:{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ} الزمر 23.
اللهُ تَعَالَى أَنْزَلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ قُرْآناً يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً ( مَثَانِيَ )،وَيَتَرَدَّدُ فِيهِ القَوْلُ،مَعَ المَوَاعِظِ والأَحْكَامِ لِيَفْهَمَ النَّاسُ مَا أَرَادَ رَبُّهُمْ تَعَالَى،وَإِذَا تُلِيَتْ مَعَهُ آيَاتُ العَذَابِ والعِقَابِ اقْشَعَرَّتْ لَهَا جُلُودُ الذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ،وَوَجِلَتْ لَهَا قُلُوبُهُمْ،وَإِذَا تُلِيَتْ آيَاتُ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ والثَّوَابِ تَلِينُ قُلُوبُهُمْ،وَتَطَمئِنُّ نُفُوسُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ.وَمَنْ كَانَتْ هَذَهِ صِفَتُهُ فَقَدْ هَدَاهُ اللهُ،وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ،وَمَنْ أَضَلَّهُ اللهُ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ سَيُعْرِضُ عَنِ الحَقِّ فَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَهْدِيهِ مِنْ دُونِ اللهِ . (3)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:"مَنْ كَانَ يُحِبُّ الْقُرْآَنَ وَيُعْجِبُهُ فَهُوَ بِخَيْرٍ". (4)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:"مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ،فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ الْقُرْآَنَ فَهُوَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - ". رواه الطبراني (5) .
9- تحسين الصوت وتزيينه عند التلاوة،والتغني بالقرآن ليكون أشد وقعا،وأكبر تأثيرا في القلوب.
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَىْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِىٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ ».متفق عليه (6) .
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1880 ) -العُقل : جمع العقال وهو الحبل الذى يربط به البعير
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (3166 ) وصحيح ابن خزيمة - (2 / 256) حسن
وهناك خلاف حول سماع المطلب بن عبدالله بن المطلب بن حنطب من أنس والراجح أنه سمع منه انظر التهذيب 10/178 و179
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3960)
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (8 / 38) (8574 ) صحيح
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (8 / 38) (8575 ) صحيح
(6) - صحيح البخارى- المكنز - (7544 ) وصحيح مسلم- المكنز -(1883)
والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت مطلوب، فإن لم يكن حسناً فليحسنه ما استطاع، كما قال ابن أبي مليكة أحد رواة الحديث، وقد أخرج ذلك عنه أبو داود بإسناد صحيح، ومن جملة تحسينه أن يراعى فيه قوانين النغم، فإن الحسن الصوت يزداد حسناً بذلك، وإن خرج عنها أثر ذلك في حسنه، وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها، ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يفِ تحسين الصوت بقبح الأداء. انظر "الفتح" "9/68-72".(1/237)
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ." ابن حبان (1) .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا ".رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى (2) .
وعَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ." ابن حبان (3)
وعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْد،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنَا إِلَى الرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ،مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَتِهِ." ابن حبان (4)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (3 / 25) (749) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْ أَلْفَاظِ الأَضْدَادِ ، يُرِيدُ بِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ , لاَ : زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ.
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي (4755) حسن لغيره
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ ، يُرِيدُ يَتَحَزَّنُ بِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْغُنْيَةِ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنَ الْغُنْيَةِ لَقَالَ : يَتَغَانَى بِهِ ، وَلَمْ يَقُلْ : يَتَغَنَّى بِهِ ، وَلَيْسَ التَّحَزُّنُ بِالْقُرْآنِ نَقَاءَ الْجِرْمِ ، وَطِيبَ الصَّوْتِ ، وَطَاعَةَ اللَّهَوَاتِ بِأَنْوَاعِ النَّغَمِ بِوِفَاقِ الْوِقَاعِ ، وَلَكِنَّ التَّحَزُّنَ بِالْقُرْآنِ هُوَ أَنْ يُقَارِنَهُ شَيْئَانِ : الأَسَفُ وَالتَّلَهُّفُ : الأَسَفُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنَ التَّقْصِيرِ ، وَالتَّلَهُّفُ عَلَى مَا يُؤْمَلُ مِنَ التَّوْقِيرِ ، فَإِذَا تَأَلَّمَ الْقَلْبُ وَتَوَجَّعَ ، وَتَحَزَّنَ الصَّوْتُ وَرَجَّعَ ، بَدَرَ الْجَفْنَ بِالدِّمُوعِ ، وَالْقَلْبَ بِاللُّمُوعِ ، فَحِينَئِذٍ يَسْتَلِذُّ الْمُتَهَجِّدُ بِالْمُنَاجَاةِ ، وَيَفِرُّ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى وَكْرِ الْخَلَوَاتِ ، رَجَاءَ غُفْرَانِ السَّالِفِ مِنَ الذُّنُوبِ ، وَالتَّجَاوُزِ عَنِ الْجِنَايَاتِ وَالْعُيُوبِ ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لَهُ.صحيح ابن حبان - (3 / 28)
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 30)(753) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ التَّحَزُّنَ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ فِيهِ بِالْقُرْآنِ وَاسْتَمَعَ إِلَيْهِ هُوَ التَّحَزُّنُ بِالصَّوْتِ مَعَ بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ ، لأَنَّ بَدَاءَتَهُ هُوَ الْعَزْمُ الصَّحِيحُ عَلَى الاِنْقِلاَعِ عَنِ الْمَزْجُورَاتِ ، وَنِهَايَتُهُ وُفُورُ التَّشْمِيرِ فِي أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ ، فَإِذَا اشْتَمَلَ التَّحَزُّنُ عَلَى الْبِدَايَةِ الَّتِي وَصَفْتُهَا ، وَالنِّهَايَةُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا ، صَارَ الْمُتَحَزِّنُ بِالْقُرْآنِ كَأَنَّهُ قَذَفَ بِنَفْسِهِ فِي مِقْلاَعِ الْقُرْبَةِ إِلَى مَوْلاَهُ ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِشَيْءٍ دُونَهُ.
(4) - صحيح ابن حبان - (3 / 31)(754) حسن
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّمَا أَرَادَ وَاللهُ أَعْلَمُ الِاسْتِمَاعَ لَهُ، وَقَوْلُه لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ " يُرِيدُ بِهِ تَحْسِينَ الْقَارِئِ صَوْتَهُ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَمِيلُ بِهِ نَحْوَ التَّحْزِينِ دُونَ التَّطْرِيبِ "شعب الإيمان - (3 / 465)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الكلاباذي): إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَصَابَهُ غَمٌّ ، فَأَحَبَّ أَنْ يَتَسَلَّى بشَيْءٍ ، أَوْ ضَاقَ صَدْرُهُ مِنْ أَمْرٍ ، فَأَرَادَ أَنْ يَفْرَحَ ، أَوْ أَصَابَتْهُ وَحْشَةٌ فَأَحَبَّ إِزَالَتَهَا عَنْهُ ، رُبَّمَا يُغَنِّي ، وَهُوَ أَنْ يُنَغِّمَ ، وَيُرَجِّعَ صَوْتَهُ لشَيْءٍ مِنَ الشِّعْرِ ، وَالزَّجَلِ ، وَالْمَنْظُومِ مِنَ الْكَلَامِ ، يَطْلُبُ بِذَلِكَ رَاحَةً وَفَرْحَةً مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الْوَحْشَةِ أَوِ الْكَرْبِ ، وَالْغَمِّ . وَالْأَنْبِيَاءُ ، وَالرُّسُلُ ، وَأَفَاضِلُ الْأَوْلِيَاءِ ، وَالصِّدِّيقُونَ هُمُومُهُمْ هَمُّ الْمَعَادِ ، وَكَرْبُهُمْ كَرْبُ الدِّينِ ، وَوَحْشَتُهُمْ مِمَّا دُونَ اللَّهِ ، وَضِيقُ صُدُورِهِمْ عَمَّا يَشْغَلُهُمْ عَنِ اللَّهِ ، فَهُمْ لَا يَتَفَرَّحُونَ مِنْ كَرْبِهِمُ إِلَّا بِذِكْرِ رَبِّهِمْ ، وَلَا يَنْسَلُّونَ عَنْ غُمُومِهِمْ وَهُمُومِهِمْ إِلَّا بِمَوْلَاهُمْ ، فَيُرَجِّعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الَّذِي مِنْ مَحْبُوبِهِمْ بَدَأَ ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ ، وَبِخَشْيَتِهِ مِنْ قُلُوبِهِمْ ، وَرِقَّةٍ مِنْ أَفْوَاهِ أَفْئِدَتِهِمْ ، وَيُزَانُ مَحَبَّتُهُ بَيْنَ ضُلُوعِهِمْ وَمَاءُ الِاشْتِيَاقِ يَجْرِي عَلَى خُدُودِهِمْ ، فَتَحْسُنُ لِذَلِكَ أَصْوَاتُهُمْ ؛ لِأَنَّ حُسْنَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ هُوَ قَرَاءَتُهُ عَلَى خَشْيَةٍ مِنَ اللَّهِ . وَسُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحْسَنُ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ ؟ فَقَالَ : " مَنْ إِذَا قَرَأَ رَأَيْتَ أَنَّهُ يَخْشَى اللَّهَ تَعَالَى " فَأَخْبَرَ أَنَّ حُسْنَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ قِرَاءَتُهُ عَلَى خَشْيَةٍ مِنَ اللَّهِ . فَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : " حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ " ، يُرِيدُ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قِرَاءَتَهُ عَلَى خَشْيَتِهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَخُشُوعٍ فِي نَفْسِهِ ، وَرِقَّةٍ مِنْ فُؤَادِهِ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَأَفَاضِلِ الْأَوْلِيَاءِ ، لَيْسَ تَرْجِيعَ الصَّوْتِ وَالْإِلْحَانِ ، وَتَحْرِيكَ الْحَنَكِ ، كَفِعْلِ مَنْ يَتَلَهَّى بِكَلَامِ الْمُحَدِّثِ الَّذِي يُرِيدُ بِهِ إِثَارَةَ الشَّهَوَاتِ الْخَفِيَّةِ بِقُلُوبٍ لَاهِيَةٍ ، وَأَفْئِدَةٍ سَاهِيَةٍ تَتَزَيَّنُ لِلنَّاسِ ، وَلَا يُطْرَدُ الْخَنَّاسُ ، وَيَزِيدُ فِي الْوَسْوَاسِ ، فَمَنْ رُزِقَ حُسْنَ النِّعْمَةِ ، وَخَشْيَةَ الْقَلْبِ ، وَرِقَّةَ الْفُؤَادِ ، فَقَرَأَ الْقُرْآنَ مُتَرَسِّلًا لَهُ ، مُرَتِّلًا حَقَّ حُرُوفِهِ ، فَذَلِكَ الْكَامِلُ الَّذِي أُوتِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ كَمَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ سَمِعَ قِرَاءَةَ أَبِي مُوسَى ، فَقَالَ : " لَقَدْ أُوتِيَ أَبُو مُوسَى مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ دَاوُدَ " - صلى الله عليه وسلم - . وَقَالَ أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَدْ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " قَدْ سَمِعْتُ قِرَاءَتَكَ " ، فَقَالَ : أَمَا لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْمَعُ قِرَاءَتِي لَحَبَّرْتُهَا لَكَ تَحْبِيرًا وَمَنْ لَمْ يُرْزَقْ حُسْنَ النِّعْمَةِ ، وَأُتِيَ بِمَا سِوَاهَا مَنْ لَمْ يَخْرُجْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ صِفَةِ مَنْ يَأْذَنِ اللَّهُ لَهُ بِحُسْنِ صَوْتِهِ وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا أَذِنَ اللَّهُ لشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ " ، أَيْ : مَا رَضِيَ مِنَ الْمَسْمُوعَاتِ شَيْئًا هُوَ أَرْضَى عِنْدَهُ ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ ، وَلَا آَثَرُ لَدَيْهِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآَنِ عَلَى خَشْيَةٍ مِنَ اللَّهِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ ، وَالرُّؤْيَةِ ، وَالْإِدْرَاكِ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، وَالسَّمْعُ صِفَةٌ لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي ذَاتِهِ بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُ مِنَ اسْتِمَاعِ الْمُحَدَثِينَ , تَعَالَى اللَّهُ عَنْ صِفَاتِ الْحَدَثِ عُلُوًّا كَبِيرًا ، فَهُوَ سَامِعٌ لِلْمَسْمُوعَاتِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِيَسْتَمِعَ ، هُوَ لَهُ صِفَةٌ ، وَلَيْسَتْ بِجَارِحَةٍ ، فَإِذْنُ اللَّهِ سَمَاعُهُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ، وَهُوَ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ أَسْمَعُ بشَيْءٍ مِنْهُ لِغَيْرِهِ ، وَلَا يُوصَفُ بِالِاسْتِمَاعِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ الْفِكْرِ ، وَإِحْضَارُ السِّرِّ ، وَإِلْقَاءُ السَّمْعِ . فَلِذَلِكَ حَمَلَ مَعْنَى تَخْصِيصِ سَمَاعِ الْقُرْآنِ مِنْهُ عَلَى الرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ وَالْإِيثَارِ ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا " ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يَتَفَرَّجْ مِنْ غُمُومِهِ ، وَلَمْ يَكْتَفِ مِمَّا يُلْهِيهِ عَنْ كُرَبِهِ ، وَيُسَلِّيهِ عَنْ هُمُومِهِ ، وَيَطْرُدُ وَحْشَاتِهِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالتَّفَكُّرِ فِيهِ ، وَالتَّدَبُّرِ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا ، أَيْ : لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِنَا ، وَلَا تَشَبَّهَ بِنَا طَرِيقَةً وَصِفَةً ، وَإِنْ كَانَ مِنَّا نِحْلَةً وَمِلَّةً هِيَ قَوْلُهُ : " مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا " لَهُ مَعْنَيَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ هُمُومُهُ هُمُومَ الْمَعَادِ ، وَوَحْشَتُهُ مِنْ أَوْصَافِ الْمُحْدَثِينَ فَلَيْسَ مِنَّا ؛ لِأَنَّ التَّسَلِّيَ بِكَلَامِ اللَّهِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ كُرَبِ الدِّينِ وَالْهُمُومِ الَّتِي تَكُونُ فِي اللَّهِ ، فَيَكُونُ التَّسَلِّي مِنْهَا بِمَا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى ، فَأَمَّا هُمُومُ الدُّنْيَا مِنْ جِهَةِ فَوَاتِهَا وَنَيْلِهَا ، وَوَحْشَةُ الْخَلْقِ مِنَ الِاتِّزَانِ وَالْأَخْدَانِ ، فَإِنَّمَا يُطْلَبُ لَهَا الْمَلَاهِي ، وَتَرْجِيعَ الْأَصْوَاتِ بِالْأَغَانِي . وَالْمَعْنَى الْآخَرُ : أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَأْنِسْ بِاللَّهِ وَأَذْكَارِهِ ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى اللَّهِ عِنْدَ ضَرُورَاتِهِ ، وَلَمْ تَكُنْ صِفَاتُهُ جَلَّ وَعَزَّ حَائِلَةً لَهُ عَنْ وَحْشَةِ صِفَاتِهِ ، فَلَيْسَ مِنَّا خُلُقًا وَسِيرَةً ، وَإِنْ كَانَ مِنَّا نُطْقًا وَسَرِيرَةً . وَاللَّهُ أَعْلَمُ " بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (175 )(1/238)
10- قراءة القرآن حسب قواعد التجويد،وترتيله على النحو الذي وضعه علماء القرآن بتأديته حرفا حرفا،من غير استعجال،وكما ورد عن السلسلة المتصلة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في تلقي القرآن الكريم،قال ابن الجزري:
والأخذ بالتجويد حتم لازم ... ... ... من لم يجوّد القرآن آثم
لأنه به الإله أنزله ... ... ... وهكذا منه إلينا وصله
وهذا الواجب يتأدى بالتطبيق العملي للأحكام على ما يقرؤه القارئ،ولو كان لا يعلم قواعد التجويد وأحكامه نظرياً،فالمهم أن يقرأ بالترتيل ما أمره الله تعالى،والترتيل هو تجويد الحروف،ومعرفة الوقوف كما قال أهل العلم (1) ،قال تعالى:{ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)} المزمل.
وَاقْرَأ القُرْآنَ مُتَمَهِّلاً فِي قِرَاءَتِهِ،لأَنَّ ذَلِكَ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ مَعَانِيهِ وَتَدَبُّرِهِ،وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ) يَقْرَأُ القُرْآنَ (2)
__________
(1) - وانظر المجموع للنووي ج3صـ359 والتبيان في آداب حملة القرآن له أيضاً والفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ج13صـ404 وفتاوى شيخ الإسلام زكريا الأنصاري. وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 1191) رقم الفتوى 3112 جمع القراءات في قراءة واحدة و(5 / 736)رقم الفتوى 30643 عدم تعلم علم التجويد لا يعتبر خروجا عن الملة و(9 / 4323)رقم الفتوى 65172 حكم الوقف القبيح
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5357)(1/239)
وعَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ،قَالَ:سَأَلْتُ أُمَّ سَلَمَةَ عَنْ صَلاَةِ،رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ وَقِرَاءَتِهِ،فَقَالَتْ:مَا لَكُمْ وَلِصَلاَتِهِ وَلِقِرَاءَتِهِ ؟ كَانَ يُصَلِّي قَدْرَ مَا يَنَامُ،وَيَنَامُ قَدْرَ مَا يُصَلِّي،وَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا." أحمد (1) .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ ». رواه مسلم (2) .
11- التدبّر: تُسَنُّ الْقِرَاءَةُ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهُّمِ،فَهُوَ الْمَقْصُودُ الأَْعْظَمُ،وَالْمَطْلُوبُ الأَْهَمُّ،وَبِهِ تَنْشَرِحُ الصُّدُورُ،وَتَسْتَنِيرُ الْقُلُوبُ.قَال تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (سورة ص / 29 )
وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى إلَيْكَ،يَا مُحَمَّدُ،هَذَا القُرْآنِ،وَفِيهِ خَيرٌ وَبَرَكَةٌ،وَنَفْعٌ وَهُدىً لِلنَّاسِ،لِيُرْشدَهُمْ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ،وَلِيَتَدَبَّرَهُ أُولُو الأَفْهَامِ والعُقُولِ والأَلْبَابِ.وَتَدَبُّرُ القُرْآنِ لاَ يَكُونُ بِحُسْنِ تِلاَوَتِهِ،وَإِنَّما يَكُونَ بِالعَمَلِ بِمَا فِيهِ،واتِّبَاعِ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ أَوَامِرَ،وَالانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ (3) .
وَقَال:{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } (سورة محمد / 24 )
أفَلاَ يَتَدبَّرُ المُنَافِقُونَ مَا في القُرآنِ مِنْ مَواعِظَ وَعِبرٍ لِيَعْلَمُوا خَطأ مَا هُمْ مُقِيمُونَ عَلَيهِ،أمْ أنَّ قُلُوبَهمَ وَضَعَ اللهُ عَليهَا أقفالاً فَهِي تَحوُلُ بَيْنَك وَبَينَ فَهْمِ القُرآنِ وَتَدَبُّرِ عِظَاتِهِ؟ (4)
وَصِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يَشْغَل قَلْبَهُ بِالتَّفَكُّرِ فِي مَعْنَى مَا يَلْفِظُ بِهِ فَيَعْرِفُ مَعْنَى كُل آيَةٍ،وَيَتَأَمَّل الأَْوَامِرَ وَالنَّوَاهِيَ،وَيَعْتَقِدُ قَبُول ذَلِكَ،فَإِنْ كَانَ مِمَّا قَصَّرَ عَنْهُ فِيمَا مَضَى اعْتَذَرَ وَاسْتَغْفَرَ،وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ اسْتَبْشَرَ وَسَأَل،أَوْ عَذَابٍ أَشْفَقَ وَتَعَوَّذَ،أَوْ تَنْزِيهٍ نَزَّهَ وَعَظَّمَ،أَوْ دُعَاءٍ تَضَرَّعَ وَطَلَبَ (5) .
إنَّ القرآن آيات بينات تتنزل على قلوب المؤمنين فتغمرها بالسكينة والطمأنينة،وتملؤها بالثقة والثبات وتدبر آيات الله عز وجل ومعرفة مقاصدها ومراميها والوقوف عند عظاتها وعبرها. قال الحسن البصري رحمه الله: "إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم،فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها في النهار". (6)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 589)(26526) 27061- صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (1898 ) -يتتعتع : يتردد فى قراءته
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3878)
(4) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4448)
(5) - الإتقان ص106 ، والبرهان في علوم القرآن 1 / 455 ، والتبيان في آداب حملة القرآن ص 45 ، الموسوعة الفقهية الكويتية - (13 / 255)
(6) - لم أجده ونسبه هؤلاء إليه ،إحياء علوم الدين - (1 / 284) وقوت القلوب - (1 / 81) وموسوعة خطب المنبر - (1 / 4003) إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (5 / 7114)(1/240)
إنها نعمة عظيمة من النعم التي يوفق إليها العبد المسلم حينما يتدبر آيات ربه،ويتفكر في معانيها وفقهها وأسرارها،قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2] (1) .
وعَنْ عَلِيٍّ،قَالَ:أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِالْفَقِيهِ حَقِّ الْفِقْهِ ؟ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ،وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّهِ،وَلَمْ يُؤَمِّنْهُمْ مَكَرَ اللَّهِ،وَلَمْ يَتْرُكِ الْقُرْآنَ إِلَى غَيْرِهِ.أَلاَ لاَ خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَفَقُّهٌ،وَلاَ خَيْرَ فِي فِقْهٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ،وَلاَ خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ (2) .
وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ،قَالَ:قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ:إِنِّي سَرِيعُ الْقِرَاءَةِ،وَإِنِّي أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثٍ فَقَالَ:" لَأَنْ أَقْرَأَ الْبَقَرَةَ فِي لَيْلَةٍ فَأَدَّبَّرُهَا وَأُرَتِّلُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ كَمَا تَقُولُ " وفي رواية " أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ أَجْمَعَ هَذْرَمَةً " (3)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:مَنْ أَرَاْدَ الْعِلْمَ فَلْيَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَإِنَّ فِيهِ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ." (4)
وعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ:حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَا يُجَاوِزُونَ الْعَشْرَ حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالَ:فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعاً " (5)
وقد بات الكثير من السلف يتلو أحدهم آية واحدة ليلة كاملة،يرددها ليتدبر ما فيها،وكلما أعادها انكشف له من معانيها،وظهر له من أنوارها،وفاض عليه من علومها وبركاتها.
وقَالَ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ"عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى الْقُرْآنِ فَلَمْ أَجِدْنِي بِآيَةٍ أَشْبَهُ بِهَذِهِ الآيَةِ " {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (102) سورة التوبة " (6) .
قال تعالى:{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (29)} ص.
وقال عز وجل:{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} محمد.
وقال سبحانه:{ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106)} الإسراء.
وَآتَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ قُرْآناً نَزَّلْنَاهُ عَلَيْكَ مُفَرَّقاً وَمُنَجَّماً لِتَتْلُوَهُ عَلَى النَّاسِ،وَتُبَلِّغَهُمْ إِيَّاهُ عَلَى مَهْلٍ ( عَلَى مُكْثٍ )،لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ حِفْظِهِ،وَفَهْمِ أَحْكَامِهِ،وَالتَّمَعُّنِ فِيهَا لِتَرْسَخَ فِي عُقُولِهِمْ وَأَفْهَامِهِمْ.وَقَدْ نَزَّلْنَاهُ شَيْئاً فَشَيْئاً بِحَسَبِ الظُّرُوفِ وَالحَوَادِثِ وَالوَقَائِعِ ( نَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً ) .
__________
(1) - موسوعة خطب المنبر - (1 / 4003)
(2) - الزهد أبي داود - (1 / 115)(111) حسن موقوف
(3) - فَضَائِلُ الْقُرْآنِ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ (180 ) صحيح - أدبر : أتأمل فيها
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (15 / 466) (30641) صحيح
(5) - تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ >> سُورَةُ الْفَاتِحَةِ >>(2300 ) صحيح
(6) - تفسير ابن أبي حاتم - (7 / 398) (10764) فيه انقطاع(1/241)
وَفَرَّقْنَاهُ بِالتَّشْدِيدِ - كَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا ابْنُ عَبَّاسٍ:وَمَعْنَاهَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ آيَةً فَآيَةً مُفَسَّراً وَمُبَيَّناً لِتَتْلُوَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مَهَلٍ،وَتُبْلِغَهُمْ إِيَّاهُ عَلَى مَهَلٍ . (1)
وقال عز من قائل:{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17)}.
وَلَقَدْ جَعَلْنا القُرآنَ سَهْلَ المَعْنى،يَسِيرَ اللَّفْظِ،لِيَقْرأَهُ النَّاسُ وَيَتَدَبَّرُوا مَعَانِيَهُ،وَيَتَّعِظُوا بِما جَاءَ فِيهِ،وَلكِنْ هَلْ مَنْ مُتَّعظٍ بِهِ،مُزْدَجرٍ بِهِ عَنْ مَعَاصِيهِ؟ (2)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَاصِمَ بْنَ حُمَيْدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قُمْتُ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَدَأَ فَاسْتَاكَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى فَبَدَأَ فَاسْتَفْتَحَ مِنَ الْبَقَرَةِ لاَ يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلاَّ وَقَفَ وَسَأَلَ وَلاَ يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلاَّ وَقَفَ يَتَعَوَّذُ ثُمَّ رَكَعَ فَمَكَثَ رَاكِعًا بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِى رُكُوعِهِ « سُبْحَانَ ذِى الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ». ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ رُكُوعِهِ يَقُولُ فِى سُجُودِهِ « سُبْحَانَ ذِى الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ». ثُمَّ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ ثُمَّ سُورَةً ثُمَّ سُورَةً فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. رواه النسائي (3) .
وعن جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ،قَالَتْ:خَرَجْنَا عُمَّارًا فَوَرَدْنَا الرِّبْذَةَ فَأَتَيْنَا أَبَا ذَرٍّ،فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ الْعِشَاءَ،ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ،فَلَمَّا تَكَفَّأَتْ عَنْهُ الْعُيُونُ رَجَعَ إِلَى مَقَامِهِ فَجِئْتُ فَقُمْتُ خَلْفَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ،فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِيَدِهِ فَقُمْتُ عَنْ يَمِينِهِ،ثُمَّ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَامَ خَلْفَنَا فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ فَقَامَ عَنْ شِمَالِهِ،فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَصْبَحَ يَتْلُو آيَةً وَاحِدَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِهَا وَيَرْكَعُ بِهَا وَيَسْجُدُ بِهَا يَدْعُو حَتَّى أَصْبَحَ إ{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (118) سورة المائدة،فَلَمَّا أَصْبَحَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ اللَّيْلَةَ كَذَا وَكَذَا،فَلَوْ سَأَلْتَهُ عَنْ ذَلِكَ،فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قُمْتَ اللَّيْلَةَ بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ بِهَا تَرْكَعُ وَبِهَا تَسْجُدُ وَبِهَا تَدْعُو،وَقَدْ عَلَّمَكَ اللَّهُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ،قَالَ:" إِنِّي دَعَوْتُ لِأُمَّتِي " (4) .
12-خشوع القلب،وإطراق الرأس،وسكون الجوارح،واستحضار عظمة منزلة القرآن،والبكاء من خشية الله تعالى،فإن لم يبك فليستجلب البكاء وليحاول ذلك عندما يكون خاليا فإنه أبعد من الرياء..
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2136)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4742)
(3) - سنن النسائي- المكنز - (1140 ) حسن
(4) - قِيَامُ اللَّيْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ (167 ) حسن(1/242)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اقْرَأْ عَلَيَّ "،فَقُلْتُ:أَقْرَأَهُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟،قَالَ:إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي،فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا،غَمَزَنِي غَامِزٌ،فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا عَيْنَاهُ تَهْمِلَانِ "
وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ:قَالَ:كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ بِالْمِئِينَ ؛ بِالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطَهَ وَاقْتَرَبَ،وَنَحْوِهِنَّ مِنَ السُّوَرِ،فَأَتَيْتُ يَوْمًا مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَأَنَا فِي آخِرِ صُفُوفِ الرِّجَالِ مَا يَلِي النِّسَاءَ،وَهُوَ يَقْرَأُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ،فَمَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ،وَكَانَ جَهِيرَ الْقِرَاءَةِ،فَبَكَى حَتَّى انْقَطَعَتْ قِرَاءَتُهُ وَحَتَّى سَمِعْتُ نَحِيبَهُ "
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ:" غَلَبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْبُكَاءُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى سَمِعْتُ نَحِيبَهُ مِنْ وَرَاءِ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ " وَعَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَمُرُّ بِالْآيَةِ مِنْ وِرْدِهِ بِاللَّيْلِ فَيَبْكِي حَتَّى يَسْقُطَ وَيَبْقَى فِي الْبَيْتِ حَتَّى يُعَادَ لِلْمَرَضِ " وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:" كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ " (1)
قال تعالى:{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (21) سورة الحشر.
إِنَّ الجَبَلَ لَوْ فَهِمَ هَذَا القُرْآنَ،وَتَدَبَّرَهُ،لَخَشَعَ وَتَصَدَّعَ مِنْ خَوْفِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالبَشَرِ أَنْ لاَ تَلِينَ قُلُوبُهُمْ،وَلاَ تَخْشَعَ وَتَتَصَدَّعَ مِنْ خَشيَةِ اللهِ وَقَدْ فَهِمُوا مَعَانِيَهُ وَتَدَبَّرُوا مَا فِيهِ؟ وَيَضْرِبُ اللهُ تَعَالَى الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لِيُقَرِّبَ مَعَانِيَ القُرْآنِ إِلَى أَفْهَامِهِمْ،لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا وَيَعْتَبِرُونَ . (2)
وقال عز وجل: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (83) سورة المائدة.
وَإذَا سَمِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنَ القُرْآنِ،وَتُلِيَ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ،تُفيِضُ عُيُونُهُمْ بِالدَّمْعِ ( أَيْ يَبْكُونَ حَتَّى يَسيلَ الدَّمعُ مِنْ عُيُونِهِمْ )،لأَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّ مَا بَيْنَهُ القُرْآنُ هُوَ الحَقُّ،وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ عُتُوٌّ وَلاَ اسْتِكْبَارٌ وَلا تَعَصُّبٌ كَمَا يَمْنَعُ غَيرَهُمْ.وَحِينَ يَسْمَعُونَ الحَقَّ الذِي جَاءَ بِهِ القُرْآنُ،وَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا جَاءَ فِي كُتُبِهِمْ،يَتَضَرَّعُونَ إلى اللهِ بِأنْ يَتَقَبَّلَ مِنْهُمْ إيمَانَهُمْ وَأنْ يَكْتُبَهُمْ مَعْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ الذِينَ جَعَلَهُمُ اللهُ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ،لأنَّهُمْ يَعْلمُونَ مِنْ كُتُبِهِمْ،وَمِمَّا يَتَنَاقََلُونَهُ عَنْ أَسْلاَفِهِمْ،أنَّ النَّبِيَّ الأَخِيرَ الذِي يَكْمُلُ بِهِ الدِّيْنُ،وَيَتمُّ التَّشْرِيعُ،يَكُونُ مُتَّبِعُوهُ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ،وَيَكُونُونَ حُجَّةً عَلَى المُشْرِكِينَ وَالمُبْطِلِينَ . (3)
وقال سبحانه :{وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا*} (109) سورة الإسراء.
__________
(1) - قِيَامُ اللَّيْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ (161 ) الأول صحيح والباقي بلا سند
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5025)
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 753)(1/243)
وَيَخِرُّونَ سَاجِدِينَ عَلَى ذُقُونِهِمْ ( لِلأَذْقَانِ ) وَيَبْكُونَ خُشُوعاً وَخُضُوعاً للهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَإِيمَاناً وَتَصْدِيقاً بِكِتَابِهِ،وَبِرَسُولِهِ،وَيَزِيدُهُمْ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ( خُشُوعاً ) (1) .
وقال سبحانه: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا*} (58) سورة مريم.
هَؤُلاَءِ النَّبِيُّونَ الَّذِينَ قَصَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - قَصَصَهُمْ،هُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ ذُرِيَّةِ آدَمَ وَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبَ،وَمَنْ هَدَاهُمْ وَقَرَّبَهُمْ،وَكَانُوا إِذَا سَمِعُوا كَلاَمَ اللهِ المُتَضَمِّنَ حُجَجَهُ وَدَلاَئِلَهُ وَبَرَاهينَهُ،سَجَدُوا لِرَبِّهِمْ خُضُوعاً وَخُشُوعاً وَحَمْداً وَشُكْراً عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ النَّعَمِ العَظِيمَةِ وَهُمْ يَبْكُونَ (2) .
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ،قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ،فَأَتَيْتُهُ مُسَلِّمًا عَلَيْهِ،فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ ؟ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي بَلَغَنِي أَنَّكَ حَسَنُ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ،سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ بِحُزْنٍ فَإِذَا قَرَأْتُمُوهُ فَابْكُوا،فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا وَتَغَنَّوْا بِهِ،فَمَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِهِ فَلَيْسَ مِنَّا " (3) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ { أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ } [النجم: 60] بَكَى أَصْحَابُ الصُّفَّةِ حَتَّى جَرَتْ دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ،فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَنِينَهُمْ بَكَى مَعَهُمْ فَبَكَيْنَا بِبُكَائِهِ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا يَلِجُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللهِ،وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُصِرٌّ عَلَى مَعْصِيَةٍ،وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ " رواه البيهقي (4) .
13- العمل بالقرآن،ائتمارا بأمره،وانتهاء عن نواهيه،وتنفيذا لوصاياه،ووقوفا عند حدوده.
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،قَالَ:" كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إِذَا تَعَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ،لَمْ يُجَاوِزْهُنَّ حَتَّى يُعْرَفَ مَعَانِيَهُنَّ وَالْعَمَلَ بِهِنَّ "." (5) .
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2139)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2308)
(3) - شعب الإيمان - (3 / 467) (1960) حسن
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْبُكَاءَ إِنْ كَانَ قَاصِرًا عَلَى خُرُوجِ الدَّمْعِ فَقَطْ بِلاَ صَوْتٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ،قَبْل الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ،وَمِثْلُهُ غَلَبَةُ الْبُكَاءِ بِصَوْتٍ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ،وَمِثْلُهُ حُزْنُ الْقَلْبِ.وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى تَحْرِيمِ النَّدْبِ بِتَعْدَادِ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ بِرَفْعِ صَوْتٍ،إِلاَّ مَا نُقِل فِي الْفُرُوعِ عَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ .الموسوعة الفقهية الكويتية - (8 / 172)
(4) - شعب الإيمان - (2 / 233) (777 ) وسنده واهٍ
(5) - تفسير الطبري - مؤسسة الرسالة - (1 / 80)(81) هذا إسناد صحيح. وهو موقوف على ابن مسعود،ولكنه مرفوع معنى،لأن ابن مسعود إنما تعلم القرآن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فهو يحكي ما كان في ذلك العهد النبوي المنير.(1/244)
وعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ:لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَأَحَدُنَا يُؤْتَى الإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ،وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَتَعَلَّمُ حَلاَلَهَا،وَحَرَامَهَا،وَآمِرَهَا،وَزَاجِرَهَا،وَمَا يَنْبَغِى أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهَا. كَمَا تَعَلَّمُونَ أَنْتُمُ الْيَوْمَ الْقُرْآنَ،ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ رِجَالاً يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الإِيمَانِ فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِى مَا آمِرُهُ وَلاَ زَاجِرُهُ وَلاَ مَا يَنْبَغِى أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهُ فَيَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ." البيهقي (1)
قال تعالى:{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} البقرة 121.
وَمِنْ أَهْلِ الكِتاب طَائِفَةٌ يَقْرَؤُونَ التَّورَاةَ بِخُشُوعٍ وَإِمْعَانٍ،وَيَتدبَّرُونَ مَعْنَاهَا،وَيَفْقَهُونَ أَسْرَارهَا وَحِكََمَها،وَأُولئِكَ هُمُ الذِينَ يَعْقِلُونَ أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ يَا مُحَمَّدُ هُوَ الحَقُّ،فَيُؤْمِنُونَ بِهِ،وَيَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ إِلى سَوَاءِ السَّبِيلِ،( كَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَّمٍ ).وَمَنْ يَكْفُرْ بِمَا أُنْزِلَ إِليكَ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ الحَقُّ،مِنَ الرُّؤَسَاءِ المَعَانِدِينَ،وَالجُهَّالِ المُقَلِّدِينَ،فَأُولئِكَ هُمُ الذِينَ خَسِرُوا سَعَادَةَ الدُّنْيَا،وَالمَجْدَ وَالسِّيَادَةَ التِي يُعْطِيهَا اللهُ مَنْ يَنْصُرُ دِينَهُ . (2)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ،قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا أَبَا ذَرٍّ،لأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ،خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِئَةَ رَكْعَةٍ،وَلأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ،عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ،خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ." رواه ابن ماجه (3) .
وعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ،قَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو،يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرَ فَقِيهٍ،وَمَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ فِقْهُهُ عِلْمُهُ ضَرَّهُ جَهْلُهُ،اقْرَأِ الْقُرْآنَ مَا نَهَاكَ،فَإِذَا لَمْ يَنْهَكَ فَلَسْتَ تَقْرَؤُهُ " رواه الطبراني (4) .
وعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ ». رواه الترمذي (5) .
14- قراءة القرآن مع النظر في المصحف،لتجتمع له عبادتا القراءة والنظر،وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: أديموا النظر في المصحف.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَعْطُوا أَعْيُنَكُمْ حَظَّهَا مِنَ الْعِبَادَةِ " قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ،وَمَا حَظُّهَا مِنَ الْعِبَادَةِ ؟ قَالَ: " النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ،وَالتَّفَكُّرُ فِيهِ،وَالِاعْتِبَارُ عِنْدَ عَجَائِبِهِ " رواه البيهقي (6) .
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (3 / 120) (5496) حسن
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 128)
(3) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (1 / 148) (219) حسن
(4) - مسند الشاميين 360 - (2 / 282) (1345) حسن
(5) - سنن الترمذى- المكنز - (3168 ) فيه ضعف
(6) - شعب الإيمان - (3 / 509)(2029) ضعيف(1/245)
15- الإصغاء والاستماع والإنصات عند تلاوة القرآن،لأن ذلك أدنى للفهم والتأمل بما في آيات الله من وعد ووعيد،وتبشير وتهديد،وحكمة وموعظة،وأمر ونهي،وأقرب لإحراز رحمة الله تعالى:
قال تعالى:{ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)} الأعراف.
لَمَّا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ القُرْآنَ بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ،أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِالإِنْصَاتِ إِلَيْهِ عِنْدَ تَلاَوَتِهِ للانْتِفَاعِ بِهُدَاهُ،وَإِعْظَاماً لَهُ وَاحْتِرَاماً.فَإِذَا قَرَأَ الإِمَامُ فِي صَلاَةِ الجَهْرِ فَالمُؤْتَمُّونَ بِهِ يَنْصِتُونَ وَلاَ يَقْرَؤُونَ مَعَه (1) .
إن الناس يخسرون الخسارة التي لا يعارضها شيء بالانصراف عن هذا القرآن .. وإن الآية الواحدة لتصنع أحيانا في النفس - حين تستمع لها وتنصت - أعاجيب من الانفعال والتأثر والاستجابة والتكيف والرؤية والإدراك،والطمأنينة والراحة،والنقلة البعيدة في المعرفة الواعية المستنيرة .. مما لا يدركه إلا من ذاقه وعرفه! وإن العكوف على هذا القرآن - في وعي وتدبر لا مجرد التلاوة والترنم! - لينشىء في القلب والعقل من الرؤية الواضحة البعيدة المدى ومن المعرفة المطمئنة المستيقنة ومن الحرارة والحيوية والانطلاق! ومن الإيجابية والعزم والتصميم ما لا تدانيه رياضة أخرى أو معرفة أو تجريب! وإن رؤية حقائق الوجود - من خلال التصوير القرآني - وحقائق الحياة،ورؤية الحياة البشرية وطبيعتها وحاجاتها من خلال التقريرات القرآنية،لهي رؤية باهرة واضحة دقيقة عميقة. تهدي إلى معالجتها وإلى مزاولتها بروح أخرى،غير ما توجه إليه سائر التصويرات والتقريرات البشرية ..وهذا كله أرجى إلى الرحمة .. وهو يكون في الصلاة وفي غير الصلاة. وليس هناك ما يخصص هذا التوجيه القرآني العام بالصلاة كما روى القرطبي عن النحاس (2) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ تَلَا آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ،وَمَنِ اسْتَمَعَ لِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً مُضَاعَفَةً " البيهقي (3) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،كُتِبَ لَهُ حَسَنَةٌ مُضَاعَفَةٌ،وَمَنْ تَلاَهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ." أحمد (4)
16- تجنب كل ما يخل بالخشوع مع جلال القرآن أثناء التلاوة أو السماع،كالضحك والتثاؤب والعبث بالثياب أو الأعضاء،وفرقعة الأصابع،والتحدث إلى الآخرين دون حاجة.. إلخ ويمسك عن القراءة إذا غلبه التثاؤب لأنه في حضرة الخطاب الإلهي،والتثاؤب من الشيطان.
عن مجاهد قال:« إذا تثاءبت وأنت تقرأ،فأمسك عن القراءة حتى يذهب عنك » (5) .
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1159)
(2) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (3 / 1425)
(3) - شعب الإيمان - (3 / 370) (1828 ) حسن لغيره
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 298) (8494) 8475- حسن لغيره
(5) - التفسير من سنن سعيد بن منصور - (1 / 99)(97 ) حسن
التثاؤب : تنفس ينفتح منه الفم بلا قصد وذلك لأنه يكون عن امتلاء البدن وثقله وكثرة الغذاء وميله إلى الكسل(1/246)
وعن عكرمة،قال:« إذا تثاءب أحدكم وهو يقرأ القرآن فليسكت،ولا يقل هاها وهو يقرأ » (1)
يريد أن في ذلك الفعل إجلالا للقرآن (2)
17- العمل على حفظ القرآن الكريم واستظهاره،وإن من أعظم النعم الإلهية أن جعل الله تعالى قلوب عباده المؤمنين أوعية لكلامه،وصدورهم خزائن لآياته،يتلونها آناء الليل وأطراف النهار.
إنَّ حِفْظَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَرْضٌ،وَحِفْظَ الْفَاتِحَةِ مَعَ سُورَةٍ وَاجِبٌ،وَحِفْظَ سَائِرِ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ،وَسُنَّةُ الْعَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّفْلِ،وَعَنْ الْكُبْرَى التَّعَلُّمُ أَوْلَى مِنْ حِفْظِ بِوَاقِي الْقُرْآنِ (3) .
وَنِسْيَان الْقُرْآن مِنْ أَعْظَم الْمَصَائِب وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي،حَتَّى الْقَذَاةِ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ،وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي،فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ،أَوْ آيَةٍ،أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا. فِي إِسْنَاده ضَعْف (4) .وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن أَبِي دَاوُدَ مِنْ وَجْه آخَر مُرْسَل عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُغِيثٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عُرِضَتْ عَلَيَّ الذُّنُوبُ فَلَمْ أَرَ فِيهَا شَيْئًا أَعْظَمَ مِنْ حَامِلِ الْقُرْآنِ وَتَارِكِهِ (5) . وَمِنْ طَرِيق أَبِي الْعَالِيَة مَوْقُوفًا " كُنَّا نَعُدُّ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الرَّجُلُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنَامُ عَنْهُ،(حَتَّى يَنْسَاهُ) " وَإِسْنَاده جَيِّد (6) .وَمِنْ طَرِيق اِبْن سِيرِينَ بِإِسْنَادٍ صَحِيح الَّذِي يَنْسَى الْقُرْآن كَانُوا يَكْرَهُونَهُ وَيَقُولُونَ فِيهِ قَوْلًا شَدِيدًا،وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ سَعْد بْن عُبَادَةَ مَرْفُوعًا " مَا مِنْ أَحَدٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ،ثُمَّ يَنْسَاهُ إِلاَّ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ أَجْذَمُ " وَفِي إِسْنَاده أَيْضًا مَقَال (7) ،وَقَدْ قَالَ بِهِ مِنْ الشَّافِعِيَّة أَبُو الْمَكَارِم وَالرُّويَانِيّ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْإِعْرَاض عَنِ التِّلَاوَة يَتَسَبَّب عَنْهُ نِسْيَان الْقُرْآن،وَنِسْيَانه يَدُلّ عَلَى عَدَم الِاعْتِنَاء بِهِ وَالتَّهَاوُن بِأَمْرِهِ .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ (8) :مَنْ حَفِظَ الْقُرْآن أَوْ بَعْضه فَقَدْ عَلَتْ رُتْبَته بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظهُ،فَإِذَا أَخَلَّ بِهَذِهِ الرُّتْبَة الدِّينِيَّة حَتَّى تَزَحْزَحَ عَنْهَا نَاسَبَ أَنْ يُعَاقَب عَلَى ذَلِكَ،فَإِنَّ تَرْكَ مُعَاهَدَة الْقُرْآن يُفْضِي إِلَى
__________
(1) - فضائل القرآن للقاسم بن سلام - (107 ) صحيح
(2) - تفسير القرطبي ـ موافق للمطبوع - (1 / 27)
(3) - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية - (5 / 259) و الإتقان - (1 / 125)
(4) - انظر المسند الجامع - (1 / 486)( 326) الصواب أنه حسن
وهناك خلاف حول سماع المطلب بن عبدالله بن المطلب بن حنطب من أنس والراجح أنه سمع منه انظر التهذيب 10/178 و179
(5) - مصنف ابن أبي شيبة - (15 / 457)(30620) بل معضل وبنحوه مصنف ابن أبي شيبة - (15 / 457) (30618-30619)
(6) - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (14 / 409)(3502 ) صحيح
(7) - مصنف ابن أبي شيبة - (15 / 456)(30617) ومسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 570)(22781) 23162- حسن
(8) - فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (9 / 372)(5421)(1/247)
الرُّجُوع إِلَى الْجَهْل،وَالرُّجُوع إِلَى الْجَهْل بَعْد الْعِلْم شَدِيد.وَقَالَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ:يُكْرَه لِلرَّجُلِ أَنْ يَمُرّ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا لَا يَقْرَأ فِيهَا الْقُرْآن . (1)
قال تعالى:{ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} العنكبوت 49.
وَهذا القُرآنُ آياتٌ بَيِّنَاتٌ،وَاضِحَاتُ الدَّلاَلَةِ عَلَى الحَقِّ،يَحْفَظُهُ العُلَمَاءُ،وَقَدْ يَسَّرَهُ اللهُ حِفْظاً وَتِلاَوَةً،وَمَا يُكَذِّبُ بِآيَاتِ اللهِ وَيرْفُضُها،وَيَبْخَسُهَا حَقَّها إلا المُعْتَدُونَ الظَّالِمُونَ،الذِينَ يَعْلَمُونَ الحَقَّ وَيَحيدُونَ عَنْهُ (2) .
عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ،حَدَّثَنَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَاسْتَظْهَرَهُ وَحَفِظَهُ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ وَشَفَّعَهُ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ،كُلُّهُمْ قَدْ وَجَبَتْ لَهُمُ النَّارُ " رواه الترمذي (3) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ الَّذِى لَيْسَ فِى جَوْفِهِ شَىْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ ». رواه الترمذي (4) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :الرَّجُلُ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَربِ." (5)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَشْرَافُ أُمَّتِي حَمَلَةُ الْقُرْآنِ وَأَصْحَابُ اللَّيْلِ " البيهقي رواه البيهقي (6) .
18- التأدب بآداب الحفظة إذا منّ الله عليه بحفظ كتابه،وإلا سلبت منه هذه الفضيلة العظمى،قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ،إِلَى الْخَلِيفَةِ فَمَنْ دُونَ،وَأَنْ تَكُونَ حَوَائِجُ الْخَلْقِ إِلَيْهِ،قَالَ:سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ يَقُولُ:حَامِلُ الْقُرْآنِ حَامِلُ رَايَةِ الْإِسْلَامِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَلْغُوَ مَعَ مَنْ يَلْغُو،وَلَا يَسْهُوَ مَعَ مَنْ يَسْهُو،وَلَا يَلْهُوَ " قَالَ:وَسَمِعْتُ الْفُضَيْلَ يَقُولُ:إِنَّمَا
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (14 / 258) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 3733) سؤال رقم 3704- مشكلة نسيان القرآن وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (3 / 5803) رقم الفتوى 19564 نسيان القرآن بعد حفظه تفريط بالنعمة والزواجر عن اقتراف الكبائر - (1 / 310)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3271)
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 412)(1268) والترمذي (2905) ضعيف
استظهر القرآن : أي حفظه ، يقول : قرأت القرآن عن ظهر قلبي ، أي : قرأته من حفظي.
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (3161 ) قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وتناقض الألبانى فضعفه فى ضعيف الجامع ( 1524) وأقرَّ الترمذى على تصحيحه فى المشكاة ( 2135) !!
وفى سنده قابوس بن أبي ظبيان مختلف فيه وثقة قوم وضعفه آخرون وقال ابن عدي : أحاديثه متقاربة،وأرجو أنه لا بأس به" الكامل 6/50
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (10 / 256)(12453 ) حسن
(6) - شعب الإيمان - (4 / 234)(2447 ) ضعيف(1/248)
أُنْزِلَ الْقُرْآَنُ لِيُعْمَلَ بِهِ،فَاتَّخَذَ النَّاسُ قِرَاءَتَهُ عَمَلًا،أَيْ لِيُحِلُّوا حَلَالَهُ وَيُحَرِّمُوا حَرَامَهُ،وَيَقِفُوا عِنْدَ مُتَشَابِهِهِ " (1) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ،قَالَ:يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إذَا النَّاسُ نَائِمُونَ،وَبِنَهَارِهِ إذَا النَّاسُ مُفْطِرُونَ،وَبِحُزْنِهِ إذَا النَّاسُ يَفْرَحُونَ،وَبِبُكَائِهِ إذَا النَّاسُ يَضْحَكُونَ،وَبِصَمْتِهِ إذَا النَّاسُ يَخْلِطُونَ،وَبِخُشُوعِهِ إذَا النَّاسُ يَخْتَالُونَ،وَيَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ بَاكِيًا مَحْزُونًا حَلِيمًا حَكِيمًا سِكِّيتًا،وَلاَ يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ،قَالَ أَبُو بَكْرٍ ذَكَرَ كَلِمَةً،لاَ صَخَّابًا،وَلاَ صَيَّاحًا،وَلاَ حَدِيدًا." (2) .
وعن زَيْدَ بْنِ حُبَابٍ،قَالَ:سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ،يَقُولُ:يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلَهِ إِذَا النَّاسُ نَائِمُونَ،وَبِنَهَارِهِ إِذَا النَّاسُ مُفْطِرُونَ،وَبِبُكَائِهِ إِذَا النَّاسُ يَضْحَكُونَ،وَبِحُزْنِهِ إِذَا النَّاسُ يَفْرَحُونَ " (3)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَقَدِ اسْتَدَرَجَ النُّبُوَّةَ بَيْنَ جَنْبَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُوحَى إِلَيْهِ،لاَ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ أَنْ يَجِدَّ مَعَ جِدٍّ،وَلا يَجْهَلَ مَعَ جَهْلٍ وَفِي جَوْفِهِ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى " رواه الحاكم (4) .
19- إن مما يعين على حفظ القرآن الكريم الابتداء بحفظه منذ الصغر،وتفريغ الذهن له باعتنام الأوقات المباركة في الأسحار،وترتيله والتغني به في صلاة الليل،وسماعه من أفواه المقرئين المجيدين ومحاولة تقليد أحدهم،وتدبر المعنى ومعرفة أسباب النزول،وتجزيء القرآن إلى أرباع أحزاب ووضع برنامج محدد للحفظ،والمحافظة على الورد اليومي مهما كانت الأعذار،والتزام معلم للقرآن يسمع منه ما حفظه كل يوم،والتكرار الكثير وعدم الملل أو اليأس إذا صعبت عليه بعض الآيات،والحفظ في مصحف معين والالتزام به ويفضل مصحف الحفاظ،وسؤال الله تعالى بالصدق والعزم أن يكرمه بحفظظ كتابه،والتقوى وتطهير النفس والقلب مما سوى الله.
عَنْ عُبَيْدَةَ الْمُلَيْكِيِّ،وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ،لَا تَوَسَّدُوا الْقُرْآنَ وَاتْلُوهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَفْشُوهُ،وَتَغَنَّوْهُ وَتَدَبَّرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ،وَلَا تَعْجَلُوا تِلَاوَتَهُ فَإِنَّ لَهُ ثَوَابًا " رواه البيهقي وأبو نعيم (5) .
__________
(1) - أخلاق حملة القرآن للآجري - (34)
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (19 / 470) (36734) فيه انقطاع
(3) - المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي - (451 ) صحيح
(4) - المستدرك للحاكم (2028) حسن
(5) - شعب الإيمان - (3 / 388)(1852 ) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم - (4 / 1917)(4819) ضعيف
قال أبو عبيد : قوله : تغنوه ، يقول : اجعلوه غناكم من الفقر ، ولا تعدوا الإقلال معه فقرا . وقوله : تقنوه ، يقول : اقتنوه كما تقتنون الأموال ، واجعلوه مالكم .(1/249)
20 - الحرص على الحفظ من النسيان،بالتلاوة المستمرة،والتكرار اليومي للمحفوظات من القرآن الكريم،واجتناب الذنوب والمحرمات،لأن القرآن لا يستقر في القلوب الغافلة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « عُرِضَتْ عَلَىَّ أُجُورُ أُمَّتِى حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَىَّ ذُنُوبُ أُمَّتِى فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا ». رواه الترمذي وأبو داود (1) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَصَاحِبِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ،إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا،وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ." رواه مسلم (2) .
21-إجابة بعض الآيات عند سماعها أو تلاوتها ببعض الأكار أو الكلمات الواردة ومنها بعد { يا أيها الذين آمنوا..}
يقول: لبيك ربي وسعديك
بعد الفاتحة يقول: آمين
بعد البقرة يقول: آمين
بعد كل آية {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13) سورة الرحمن يقول:
ولا بشيء من نعمك نكذب فلك الحمد.
بعد القيامة يقول: بلى هو قادر.
بعد الملك يقول: الله رب العالمين.
بعد المرسلات يقول: آمنت بالله.
بعد { سبّح اسم ربك الأعلى} يسبّح ثلاثا.
بعد { فألهمهما فجورها وتقواها} يقول: اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا مَرَّ بِهَذِهِ الآيَةِ "وَنَفَسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا"[الشمس آية 7] وَقَفَ،ثُمَّ قَالَ:اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا وَخَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا. (3)
بعد التين يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين. عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ،سَمِعَهُ مِنْ شَيْخٍ،فَقَالَ مَرَّةً:سَمِعْتُهُ مِنْ رَجُلٍ،مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَعْرَابِيٍّ،سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ،يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَرَأَ:وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا فَقَالَ:{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}،فَلْيَقُلْ:آمَنَّا بِاللَّهِ،وَمَنْ قَرَأَ:{وَالتِّينِ
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (461 ) وسنن الترمذى- المكنز - (3166 ) حسن -القذاة : ما يقع فى العين والشراب من غبار ووسخ
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (1875 ) وصحيح ابن حبان - (3 / 41) (764) -المعقلة : المربوطة بالحبال
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 315) (11028 ) حسن(1/250)
وَالزَّيْتُونِ}،فَلْيَقُلْ:بَلَى،وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ،وَمَنْ قَرَأَ:{أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى}،فَلْيَقُلْ:بَلَى.
قَالَ إِسْمَاعِيلُ:فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ هَلْ حَفِظَ ؟ وَكَانَ أَعْرَابِيًّا،فَقَالَ:يَا ابْنَ أَخِي،أَظَنَنْتَ أَنِّي لَمْ أَحْفَظْهُ لَقَدْ حَجَجْتُ سِتِّينَ حَجَّةً،مَا مِنْهَا سَنَةٌ،إِلاَّ أَعْرِفُ الْبَعِيرَ الَّذِي حَجَجْتُ عَلَيْهِ." (1)
بعد {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (56) سورة الأحزاب،يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
بعد آية سجدة يسجد إن كان متوضأ،وإلا قال ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله،والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) ثلاثا (2) .
وبعد آية تنزيه: يسبح،وبعد آية دعاء يدعو وينيب،وبعد آية استغفار يستغفر ويتوب..
22-الدعاء بعد كل تلاوة بما يتناسب والآيات التي تلاها،ويتأكد الدعاء بعد ختم القرآن الكريم فهو مظنة الاستجابة،عَنِ الْحَكَمِ،قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ مُجَاهِدٌ،وَعَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ،قَالَا: إِنَّمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ أَنَّا نُرِيدُ أَنْ نَخْتِمَ الْقُرْآنَ،وَكَانَ يُقَالُ: " إِنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ،فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ خَتْمِ الْقُرْآنِ دَعَوْا بِدَعَوَاتٍ " (3)
وعَنْ أَنَسٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " مَعَ كُلِّ خَتْمَةٍ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ " (4)
وعَنِ الْعِرْبَاضِ بن سَارِيَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"مَنْ صَلَّى صَلاةَ فَرِيضَةٍ فَلَهُ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ،وَمَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فَلَهُ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ" (5)
وعَنْ ثَابِتٍ،أَنَّ أَنَسَ بن مَالِكٍ،كَانَ إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ،فَدَعَا لَهُمْ ." الطبراني (6)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَحَمِدَ الرَّبَّ،وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَاَسْتَغْفَرَ رَبَّهُ فَقَدْ طَلَبَ الْخَيْرَ مَكَانَهُ " رواه البيهقي (7) .
23- يسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في ختمة جديدة مباشرة ليكون متواصل القراءة دون فترة أو مهلة أو تقاعس بعد الختمة..
__________
(1) - الدر المنثور للسيوطي -موافق للمطبوع - (15 / 140) وتفسير ابن كثير - دار طيبة - (8 / 284) وتفسير الطبري - مؤسسة الرسالة - (24 / 516) والإتقان - (1 / 127) وسنن أبي داود - المكنز-(887) وسنن الترمذى- المكنز - (3670 ) ومسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 60)(7391) 7385- فيه جهالة
(2) - الفقه على المذاهب الأربعة - (1 / 722) وفقه العبادات - حنبلي - (1 / 237)
(3) - سنن الدارمى- المكنز - (3546) وشعب الإيمان - (3 / 422)(1909 ) صحيح
(4) - شعب الإيمان - (3 / 434) (1919-1920 ) فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (13 / 179) (15050 ) ضعيف
(6) - المعجم الكبير للطبراني - (1 / 291) (673) صحيح
(7) - شعب الإيمان - (3 / 432) (1917 ) ضعيف(1/251)
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ « الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ ». قَالَ وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ قَالَ « الَّذِى يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ ». رواه الترمذي (1) .
فضائل بعض سور القرآن الكريم
سورة الفاتحة:
عَنْ أَبِى سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ كُنْتُ أُصَلِّى فَدَعَانِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ أُجِبْهُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى كُنْتُ أُصَلِّى.قَالَ « أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ ( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ ) ثُمَّ قَالَ أَلاَ أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِى الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ ».فَأَخَذَ بِيَدِى فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ لأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ.قَالَ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) هِىَ السَّبْعُ الْمَثَانِى وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِى أُوتِيتُهُ ».رواه البخاري (2) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهْىَ خِدَاجٌ - ثَلاَثًا - غَيْرُ تَمَامٍ ». فَقِيلَ لأَبِى هُرَيْرَةَ إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ. فَقَالَ اقْرَأْ بِهَا فِى نَفْسِكَ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِى عَبْدِى وَإِذَا قَالَ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَىَّ عَبْدِى. وَإِذَا قَالَ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). قَالَ مَجَّدَنِى عَبْدِى - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَىَّ عَبْدِى - فَإِذَا قَالَ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ). قَالَ هَذَا بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ). قَالَ هَذَا لِعَبْدِى وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ ». (3)
وعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« فَاتِحَةُ الْكِتَابِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ ». (4)
وتسمى سورة الفاتحة بسورة ( أم الكتاب،وسورة الصلاة،وسورة المناجاة،وسورة الكافية،وسورة الشافية)..
سورة البقرة وآل عمران:
عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلاَّمٍ يَقُولُ حَدَّثَنِى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِىُّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (3200 ) ضعيف
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5006 )
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (904 ) -الخداج : النقصان
(4) - سنن الدارمى- المكنز - (3433) والمجالسة وجواهر العلم -( 1482 ) وشعب الإيمان - (4 / 42) (2152 ) موصولاً عن جابر حسن لغيره ، والمرسل صحيح(1/252)
تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ ». قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِى أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ. رواه مسلم (1) .
الغياية: هي ما أظلك من فوقك،البطلة: أي السحرة،فهي حصن منهم.
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا،وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ،مَنْ قَرَأَهَا فِي بَيْتِهِ لَيْلاً لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلاَثَ لَيَالٍ،وَمَنْ قَرَأَهَا نَهَارًا لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ." (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:لاَ تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ،صَلُّوا فِيهَا،فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لِيَفِرُّ مِنَ الْبَيْتِ يَسْمَعُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ تُقْرَأُ فِيهِ" (3)
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ،قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اسْمُ اللهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ { الم اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [آل عمران: 2] { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } [البقرة: 163] " (4)
وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَأْلَهُ:" أَيَّةُ آيَةٍ فِي الْكِتَابِ أَعْظَمُ؟" قَالَ أُبِيٌّ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ،قَالَ: فَرَدَّهَا مِرَارًا،ثُمَّ قَالَ أُبَيٌّ: آيَةُ الْكُرْسِيِّ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :" ليَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ،إِنَّ لَهَا لِسَانًا،وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ" (5)
وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَبَا الْمُنْذِرِ،أَيَّةُ آيَةٍ مَعَكَ أَعْظَمُ مِنْ كِتَابِ اللهِ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: { اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [البقرة: 255] قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي فَقَالَ: " لِيَهْنِ الْعِلْمُ لَكَ أَبَا الْمُنْذِرِ،فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لِهَذِهِ الْآيَةِ لِسَانًا،وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ " (6)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ وَكَّلَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ،فَأَتَانِى آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ،فَأَخَذْتُهُ،وَقُلْتُ وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .قَالَ إِنِّى مُحْتَاجٌ،وَعَلَىَّ عِيَالٌ،وَلِى حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ.قَالَ فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ ».قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ،فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ.قَالَ « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ ».فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّهُ سَيَعُودُ.فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ
__________
(1) صحيح مسلم- المكنز - (1910 )
البطلة : السحرة -الصواف : جمع صافة وهى الباسطة أجنحتها فى الهواء -لغيايتان : مثنى غياية وهى السحابة -الفرقان : الجماعتان -
(2) - صحيح ابن حبان - (3 / 59) (780) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ، أَرَادَ بِهِ مَرَدَةَ الشَّيَاطِينِ دُونَ غَيْرِهِمْ.
(3) صحيح مسلم- المكنز - (1860 ),و صحيح ابن حبان - (3 / 62) (783)
(4) - شعب الإيمان - (4 / 50) (2166 ) والمسند الجامع - (19 / 102)( 15823) حسن
(5) - شعب الإيمان - (4 / 52) (2168) صحيح
(6) - شعب الإيمان - (4 / 52) (2169 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1921 )(1/253)
الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .قَالَ دَعْنِى فَإِنِّى مُحْتَاجٌ،وَعَلَىَّ عِيَالٌ لاَ أَعُودُ،فَرَحِمْتُهُ،فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ،فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ،مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ ».قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً،فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ.قَالَ « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ ».فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ،فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لاَ تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ.قَالَ دَعْنِى أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا.قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ،فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ.فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ،فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ ».قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِى كَلِمَاتٍ،يَنْفَعُنِى اللَّهُ بِهَا،فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ.قَالَ « مَا هِىَ ».قُلْتُ قَالَ لِى إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) وَقَالَ لِى لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ،وَكَانُوا أَحْرَصَ شَىْءٍ عَلَى الْخَيْرِ.فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ،تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ».قَالَ لاَ.قَالَ « ذَاكَ شَيْطَانٌ » (1) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " سُورَةُ الْبَقَرَةِ فِيهَا آيَةٌ سَيِّدةُ آيِ الْقُرْآنِ لَا تُقْرَأُ فِي بَيْتٍ،فِيهِ شَيْطَانٌ إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ آيَةُ الْكُرْسِيِّ " (2)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ،قَالَ:لَقِيتُ أَبَا مَسْعُودٍ فِي الطَّوَافِ فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ،فَحَدَّثَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَنْ قَرَأَ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ." (3)
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ:أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:الآيَتَانِ خُتِمَ بِهِمَا سُورَةُ الْبَقَرَةِ لاَ تُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلاَثَ لَيَالٍ،فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ." (4)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى،حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ،قَالَ:كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ:يَا نَبِيَّ اللهِ،إِنَّ لِي أَخًا وَبِهِ وَجَعٌ قَالَ:وَمَا وَجَعُهُ ؟ قَالَ:بِهِ لَمَمٌ،قَالَ:فَأْتِنِي بِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَعَوَّذَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ،وَأَرْبَعِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ،وَهَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ،وَثَلاَثِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ،وَآيَةٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}،وَآيَةٍ مِنَ الأَعْرَافِ {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}،وَآخِرِ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ {فَتَعَالَى اللَّهُ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2311 )
(2) - شعب الإيمان - (4 / 54) (2171) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 60) (781) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (3 / 61) (782) صحيح(1/254)
الْمَلِكُ الْحَقُّ}،وَآيَةٍ مِنْ سُورَةِ الْجِنِّ {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا}،وَعَشْرِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الصَّافَّاتِ،وَثَلاَثِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ،وَ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ.فَقَامَ الرَّجُلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَشْتَكِ قَطُّ. " (1)
سورة الكهف:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِنَّ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ " الحاكم (2) .
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ." ابن حبان (3)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ." (4)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ " (5)
سورة يس:
عَنْ جُنْدُبٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَرَأَ يس فِي لَيْلَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ غُفِرَ لَهُ." (6)
وعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ قَالَ بَلَغَنِى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« مَنْ قَرَأَ يس فِى صَدْرِ النَّهَارِ قُضِيَتْ حَوَائِجُهُ » (7) .
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ لِكُلِّ شَىْءٍ قَلْباً،وَإِنَّ قَلْبَ الْقُرْآنِ يس،مَنْ قَرَأَهَا فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَشْرَ مَرَّاتٍ » (8) .
وعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:مَنْ قَرَأَ يس حِينَ يُصْبِحُ أُعْطِىَ يُسْرَ يَوْمِهِ حَتَّى يُمْسِىَ،وَمَنْ قَرَأَهَا فِى صَدْرِ لَيْلِهِ أُعْطِىَ يُسْرَ لَيْلَتِهِ حَتَّى يُصْبِحَ." (9)
سورة الواقعة:
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ أَبَدًا " وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَأْمُرُ بَنَاتِهِ يَقْرَأْنَ بها كُلَّ لَيْلَةٍ " رواه البيهقي (10) .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 109)(21174) 21493- ضعيف
(2) - المستدرك للحاكم (3392) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 65) (785) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (3 / 66) (786) صحيح
(5) - مسند أبي عوانة (3185 ) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (6 / 312) (2574) صحيح
(7) - سنن الدارمى- المكنز - (3481) صحيح مرسل
(8) - سنن الدارمى- المكنز - (3479) فيه جهالة
(9) - سنن الدارمى- المكنز - (3482) حسن موقوف
(10) - شعب الإيمان - (4 / 119) (2267-2270 ) وتفسير ابن كثير - دار طيبة - (7 / 512) حسن لغيره(1/255)
سورة تبارك:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِنَّ سُورَةً فِي الْقُرْآنِ ثَلاَثُونَ آيَةً تَسْتَغْفِرُ لِصَاحِبِهَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:] ؟ فَأَقَرَّ بِهِ أَبُو أُسَامَةَ وَقَالَ:نَعَمْ. (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:سُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ،ثَلاَثُونَ آيَةً،تَسْتَغْفِرُ لِصَاحِبِهَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ:تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ. (2)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خِبَاءً عَلَى قَبْرٍ،وَلا يَحْسَبُ أَنَّهُ قَبْرٌ،فَإِذَا هُوَ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ: "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ"[الملك آية 1]،حَتَّى خَتَمَهَا،فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ضَرَبْتُ خِبَائِي عَلَى قَبْرٍ،وَأَنَا لا أَحْسَبُ أَنَّهُ قَبْرٌ،فَإِذَا إِنْسَانٌ يَقْرَأُ: "تَبَارَكَ" حَتَّى خَتَمَهَا،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :هِيَ الْمَانِعَةُ هِيَ الْمُنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. (3)
سورة قل يا ايها الكافرون :
عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِيِّ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ:يَا نَبِيَّ اللهِ،عَلِّمْنِي شَيْئًا أَقُولُهُ إِذَا أَوَيْتُ إِلَى فِرَاشِي،قَالَ:اقْرَأْ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. (4)
وعَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:هَلْ لَكَ فِي رَبِيبَةٍ يَكْفُلُهَا رَبِيبٌ ؟ قَالَ:ثُمَّ جَاءَ فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:تَرَكْتُهَا عِنْدَ أُمِّهَا،قَالَ:فَمَجِيءٌ مَا جَاءَ بِكَ ؟ قَالَ:جِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي شَيْئًا أَقُولُهُ عِنْدَ مَنَامِي،قَالَ:اقْرَأْ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:]،ثُمَّ نَمْ عَلَى خَاتِمَتِهَا،فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ." (5)
سورة الإخلاص:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:أَنَّ رَجُلاً سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:] يُرَدِّدُهَا،فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ،فَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ." (6)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ رَجُلاً،قَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنِّي أُحِبُّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ. (7)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (3 / 67) (787) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : تَسْتَغْفِرُ لِصَاحِبِهَا ، أَرَادَ بِهِ ثَوَابَ قِرَاءَتِهَا ، فَأَطْلَقَ الاِسْمَ عَلَى مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ وَهُوَ الثَّوَابُ ، كَمَا يُطْلَقُ اسْمُ السُّورَةِ نَفْسِهَا عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي خَبَرِ أَبِي أُمَامَةَ أَرَادَ بِهِ ثَوَابَ الْقُرْآنِ ، وَثَوَابَ الْبَقَرَةِ ، وَآلِ عِمْرَانَ ، إِذِ الْعَرَبُ تُطْلِقُ فِي لُغَتِهَا اسْمَ مَا تَوَّلَدَ مِنَ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ.
(2) - صحيح ابن حبان - (3 / 69) (788) صحيح
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (10 / 318) (12630 ) وسنن الترمذى- المكنز - (3133 ) حسن
(4) - صحيح ابن حبان - (3 / 69) (789) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (3 / 70) (790) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (3 / 71) (791)وصحيح البخارى- المكنز - (5013)
(7) - صحيح ابن حبان - (3 / 72) (792) صحيح(1/256)
وعَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ،فَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ صَنَعَ هَذَا ؟ فَسَأَلُوهُ،فَقَالَ:أَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَهَا،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ. (1)
وعَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَلْزَمُ قِرَاءَةَ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:] فِي الصَّلاَةِ مَعَ كُلِّ سُورَةٍ،وَهُوَ يَؤُمُّ بِأَصْحَابِهِ،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ،فَقَالَ:إِنِّي أُحِبُّهَا،قَالَ:حُبُّهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ. (2)
المعوذتان:
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ:تَبِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا وَهُوَ رَاكِبٌ،فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى يَدِهِ،فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَقْرِئْنِي مِنْ سُورَةِ هُودٍ وَمِنْ سُورَةِ يُوسُفَ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّكَ لَنْ تَقْرَأَ شَيْئًا أَبْلَغَ عِنْدَ اللهِ مِنْ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. (3)
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ». رواه مسلم (4)
وعَنْ جَابِرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اقْرَأْ يَا جَابِرُ،قَالَ:قُلْتُ:مَا أَقْرَأُ بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ ؟ قَالَ:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:]،فَقَرَأْتُهُمَا،فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - اقْرَأْ بِهِمَا،وَلَنْ تَقْرَأَ بِمِثْلِهِمَا." (5) .
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا. " رواه الترمذي (6) .
وينبغي لمن لا يطيق حفظ القرآن الكريم كاملا،أن يحاول حفظ بعض السور الفضيلة وقراءتها في الصلوات،وعند الصباح والمساء ومنها: الكهف ويس والدخان والرحمن والواقعة والملك وجزء عم.
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (3 / 73) (793) حسن
(2) - صحيح ابن حبان - (3 / 74) (794) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 75) (795) صحيح
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (1927)
(5) - صحيح ابن حبان - (3 / 76)(796) صحيح
(6) - سنن الترمذى- المكنز - (2198 ) حسن(1/257)
-27-آداب ذكر الله تعالى
ذكر الله تعالى هو روح جميع العبادات،وهو المقصود من كل الطاعات والقربات،وهو أفضل من جميع الأعمال الصالحات،وهو منتهى حياة المؤمن ونورها وغايتها وخلاصتها في الدنيا والآخرة. قال تعالى:{ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } العنكبوت 45.
يَأْمُرُ اللهُ تَعالى المُؤمنينَ،وَهُوَ يُوَجِّهُ خِطَابَهُ لِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - ،بِتِلاَوَةِ القُرآنِ،وإِقَامَةِ الصَّلاةِ،فَقَالَ تعالى: وَأدِمْ تِلاَوَةَ القُرآنِ تَقَرُّباً إِلى اللهِ تَعَالى بِتلاَوتِهِ،وَتَذكُّراً لمَا فيهِ منَ الأَسْرَارِ والفَوائِدِ،واعْمَلْ بمَا فيهِ من الأوامرِ والآداب وَمَحاسِنِ الأخْلاَقِ،وأقِمِ الصَّلاةَ،وأدِّهَا عَلَى الوَجهِ الأكمْلِ بخُشُوعِها وَرُكُوعِها وسُجُودِهَا،لأَنَّ الصَّلاَةَ إِنْ تَمَّتْ عَلَى الوَجهِ الأكْمَلِ كَانَتْ لَها فَائِدَتَانِ:
- أَنها تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ والبَغْيِ وَتَحْمِلُ المُؤْمِنَ عَلى مُجَانِبَتِها،وَتركِها لِمُنَافَاةِ الصَّلاةِ لفِعْلِ الفَاحِشَةِ والمُنكَر والبَغْيِ .
- وفِيها فَائِدَةٌ أَعْظَمُ،أَلا وهي ذِكرُ اللهِ لِعِبَادِهِ الذينَ يذكُرُونَهُ،ويُؤدُّونَ الصّلاةَ بشُرُوطِها،ويُسَبِّحُونه ويَحْمَدُونَهُ،واللهُ تَعَالى يَعلَمُ ما تَفْعَلُونَ مِنْ خَيرٍ وشَرٍ،وهوَ مُجَازِيكُمْ بهِ (1) .
وقال سبحانه { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } طه 14.
إِنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ لِلْمُكَلَّفِ هُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى وَاحِدٌ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ،لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَهُوَ رَبُّ المَخْلُوقَاتِ وَخَالِقُهَا،وَالمُتَصَرِّفُ فِيهَا،فَقُمْ يَا مُوسَى بِعِبَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ شَرِيكٍ،وَأَدِّ الصَّلاَةَ عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ الَّذِي أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ،بِكَامِلِ شُرُوطِهَا لِتَذْكُرَ بِهَا رَبَّكَ.وَتَدْعُوهُ دُعاءً خَالِصاً لاَ يَشُوبُهُ إِشْرَاكٌ . (2)
وقال:{ وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} البقرة 203.
واذكروا الله تسبيحًا وتكبيرًا في أيام قلائل،وهي أيام التشريق: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة.
عَنْ سَهْلِ بن مُعَاذِ بن أَنَسٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَن ْرَسُولِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلا سَأَلَهُ،فَقَالَ: أَيُّ الْمُجَاهِدِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ:"أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا"،قَالَ: وَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ لِلَّهِ أَجْرًا؟ قَالَ:"أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا"،ثُمَّ ذَكَرَ الصَّلاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالصَّدَقَةَ،كُلُّ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا"،فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3267)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2362)(1/258)
لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:"يَا أَبَا حَفْصٍ ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ بِكُلِّ خَيْرٍ"،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"أَجَلْ" رواه الطبراني (1) .
وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِى دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ». قَالُوا بَلَى. قَالَ « ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى ». فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضى الله عنه مَا شَىْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ." رواه الترمذي (2)
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،قَالَ:سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ ؟ قَالَ:أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ." رواه ابن حبان (3) .
ولكل عبادة من العبادات وقت معيبن وشروط محددة،ولكن ذكر الله تعالى لا يحدده مكان،ولا يحدده زمان،ولكنه مطلوب على جميع الأحوال،وفي كل الأوقات،قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (191) سورة آل عمران.
يَصِفُ اللهُ تَعَالَى أُوْلِي الأَلْبَابِ فَيَقُولُ عَنْهُمْ:إِنَّهُمُ الذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قَائِمِينَ وَقَاعِدِينَ وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَلاَ يَقْطَعُونَ ذِكْرَ اللهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ،بِسَرَائِرِهِمْ،وَأَلْسِنَتِهِمْ...وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لِيَفْهَمُوا مَا فِيهَا مِنْ أَسْرَارِ خَلِيقَتِهِ،وَمِنْ حِكَمٍ وَعِبَرٍ وَعِظَاتٍ،تَدُلُ عَلَى الخَالِقِ،وَقُدْرَتِهِ،وَحِكْمَتِهِ،ثُمَّ يَرْجِعُونَ إلَى أَنْفُسِهِمْ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَكَ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا الخَلْقَ عَبَثاً وَبَاطِلاً،رَبَّنَا تَنَزَّهْتَ عَنِ العَبَثِ وَالبَاطِلِ،وَإنَّمَا خَلَقْتَهُ بِالحَقِّ،وَالإِنْسَانِ مِنْ بَعْضِ خَلْقِكَ لَمْ تَخْلُقْهُ عَبَثاً،وَإِنَّمَا خَلَقْتَهُ لِحِكْمَةٍ.وَمَتَى حُشِرَ الخَلْقُ إلَيكَ حَاسَبْتَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ،فَتَجْزِي الذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا،وَتَجْزِي الذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى.ثُمَّ يُتِمُّونَ دُعَاءَهُمْ سَائِلِينَ رَبَّهُمْ أنْ يَقِيَهُمْ عَذابَ النَّارِ (4)
ولم يطلب الله سبحانه من عبادة الإكثار من شيء،إلا ذكر الله فقال:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)} الأحزاب.
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالى المُؤْمِنينَ مِنْ عِبَادِهِ بِكَثْرَةِ ذِكْرِهِ،فَهُوَ المُنْعِمُ المُتَفَضِّلُ عَلَيهِمْ،لِمَا لَهُمْ فِي ذِكْرِ اللهِ مِنْ عَظيمِ الثَّوابِ.وَيَأْمُرُهُمْ تَعَالى أَيضاً بِتَنْزِيهِهِ عَمَّا لاَ يَلِيقُ بَيْنَ طَرَفَيِ النَّهَارِ:فِي البُكُورِ عِنْدَ القِيامِ مِنَ النَّومِ،وَوَقْتِ الأَصِيلِ،وَقْتِ الانْتِهَاءِ مِنَ العَمَلِ اليَومِيِّ،فَيَكُونُ الذِّكْرُ فِي الصَّبَاحِ شُكْراً للهِ عَلى بَعْثِ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (15 / 114) (16812 ) حسن لغيره
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (3704 ) صحيح لغيره -الورق : الفضة
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 100) (818) حسن
(4) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 484)(1/259)
الإِنسْانِ مِنْ رُقَادِهِ،وَفِي المَسَاء شُكْراً لَهُ عَلى تِوفِيقِه لأَداءِ العَمَلِ،والقِيَامِ بالسَّعِي لِلْحُصُولِ عَلَى الرِّزْقِ (1) .
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} (45) سورة الأنفال
يَحُثُّ اللهُ المُؤْمِنِينَ عَلَى الثَّبَاتِ عِنْدَ لِقَاءِ الأَعْدَاءِ فِي سَاحَةِ الحَرْبِ،وَيَأمُرُهُمْ بِذِكِرِ اللهِ عِنْدَ الشَّدَائِدِ،لِتَقْوَى قُلُوبُهُمْ،وَتَثْبُتَ نُفُوسُهُمْ،وَهَذَانِ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ الفَوْزِ وَالنَّصْرِ عَلَى الأَعْدَاءِ فِي الدُّنْيا،وَمِنْ أَسْبَابِ الفَوْزِ بِالفَلاَحِ وَبِرِضْوَانِ اللهِ فِي الآخِرَةِ . (2)
وقال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (35) سورة الأحزاب.
إن المنقادين لأوامر الله والمنقادات،والمصَدِّقين والمصدِّقات والمطيعين لله ورسوله والمطيعات،والصادقين في أقوالهم والصادقات،والصابرين عن الشهوات وعلى الطاعات وعلى المكاره والصابرات،والخائفين من الله والخائفات،والمتصدقين بالفرض والنَّفْل والمتصدقات،والصائمين في الفرض والنَّفْل والصائمات،والحافظين فروجهم عن الزنى ومقدماته،وعن كشف العورات والحافظات،والذاكرين الله كثيرًا بقلوبهم وألسنتهم والذاكرات،أعدَّ الله لهؤلاء مغفرة لذنوبهم وثوابًا عظيمًا،وهو الجنة. (3)
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ فِى طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ فَقَالَ « سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ». قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ ». رواه مسلم (4)
وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ عَلَى شَيْءٍ إِلاَّ سَاعَةً مَرَّتْ بِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهَا." (5)
وعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهَا" (6)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3455)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1206)
(3) - التفسير الميسر - (7 / 345)
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (6984 )
المفردون : الذاكرون الله كثيرا والمفرد الذى انفرد بأمر وجعله شغله الشاغل
(5) - مسند الشاميين 360 - (1 / 258) (446) وصحيح الجامع (5446) حسن لغيره
(6) - المعجم الكبير للطبراني - (15 / 3) (16608 ) حسن لغيره(1/260)
بل إنه جعل إحدى علامات المنافقين أنهم يذكرون الله تعالى ولكنه الذكر القليل الذي لا يثمر محبة،ولا يورث خشية،ولا يحدث تقوى ولا إيمانا قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} (142) سورة النساء.
يَعْتَقِدُ المُنَافِقُونَ،جَهْلاً مِنْهُمْ وَسَفْهاً،أنَّ أُمُورَهُمْ رَاجَتْ عِنْدَ النَّاسِ لِمَا أَظْهَرُوهُ لَهُمْ مِنَ الإِيمَانِ وَأَبْطَنُوهُ مِنَ الكُفْرِ،وَأنَّ نِفَقاَهُمْ سَيَرُوجُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ أَيْضاً،كَمَا رَاجَ عِنْدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا،وَقَدَ جَهَلَ هَؤُلاءِ المَخْدُوعُونَ أنَّ اللهَ عَالِمٌ بِمَسْلَكِهِمْ وَسَرَائِرِهِمْ،وَهُوَ يَخْدَعُهُمْ إذْ يَسْتَدْرِجُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ،وَضَلاَلِهِمْ،وَيَخْدَعُهُمْ عَنِ الحَقِّ وَالوُصُولِ إلَيْهِ،فِي الدُّنْيَا،وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ (1)
وإذا كان الإيمان شجرة باسقة جذورها العقيدة الصحيحة بالله،وفروعها العمل الصالح النافع،وثمارها الأخلاق الكريمة الطيبة،فإن ماءها الذي تسقى به والذي فيه استمرار حياتها إنما هو ذكر الله تعالى وعَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَثَلُ الَّذِى يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِى لاَ يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَىِّ وَالْمَيِّتِ » رواه البخاري (2) .
وعَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ،قَالَ:"مَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ،وَلَوْلا ذَلِكَ مَا أَمَرَ النَّاسَ بِالصَّلاةِ وَالْقِتَالِ،أَلا تَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَ النَّاسَ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْقِتَالِ ؟ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةٍ فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " ". (3)
ومن بين شرائع الإسلام الحقة انتقى منها معلمها الأول أنفعها وأكثرها ضرورة للتمسك به،والثبات عليه،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضى الله عنه أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَىَّ فَأَخْبِرْنِى بِشَىْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ. قَالَ « لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ». رواه الترمذي) (4) . كيف لا وذاكر الله تعالى جليس ربه الذي يفيض عليه من علمه وحكمته ومراقبته بحسب صلته به وقوة توجهه إليه،قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} (152) سورة البقرة.
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَذْكُرُوهُ فِيمَا افْتَرَضَهُ عَلَيهِمْ مِنْ طَاعَةٍ وَحَمْدٍ وَتَسْبِيحٍ وَقِرَاءةِ قُرْآنٍ،لِيَذْكُرَهُمْ فِيمَا أُوْجَبَ لَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ الكَرِيْمَةَ مِنْ إِدَامَةِ النِّعَمِ وَالفَضْلِ،وَلِيُجْزِلَ لَهُمُ الثَّوَابَ،وَيُفِيضَ عَلَيهمِ الخَيْرَاتِ ( أَيِ اذكُرُونِي بِطَاعَتي،أَذْكُرْكُمْ بِمَغْفِرَتي )،وَأَمَرَ اللهُ المُؤْمِنِينَ بِالشُّكْرِ لَهُ،وَوَعَدَ الشَّاكِرِينَ بِمَزِيدٍ مِنَ الخَيْرِ وَالبَرَكَاتِ،وَنَهَاهُمْ عَنِ الكُفْرِ بِالنِّعْمَةِ . (5)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 635)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6407 )
(3) - تفسير ابن أبي حاتم - (7 / 107) حسن مقطوع
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (3702 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
(5) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 159)(1/261)
عَنْ كَرِيمَةَ بِنْتِ الْحَسْحَاسِ،قَالَتْ:سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فِي بَيْتِ أُمِّ الدَّرْدَاءِ يُحَدِّثُ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ." رواه ابن حبان (1)
وعَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ " ذِكْرَ اللهِ شِفَاءٌ وَإِنَّ ذِكْرَ النَّاسِ دَاءٌ " رواه البيهقي (2)
وعَنْ مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ قَالَ: " أَمَا يَسْتَحِي أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ دَابَّتُهُ الَّتِي يَرْكَبُهَا،وَثَوْبُهُ الَّذِي يَلْبَسُ أَكْثَرَ ذِكْرًا لِلَّهِ مِنْهُ قَالَ: وَكَانَ لَا يَفْتُرُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ " (3)
وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ: " أَرَى لِسَانَكَ لَا يَفْتُرُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ فَكَمْ تُسَبِّحُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ؟ قَالَ: مِائَةَ أَلْفٍ إِلَّا أَنْ تُخْطِئَ الْأَصَابِعُ " (4)
وعن ثَابِتَ الْبُنَانِيِّ،قَالَ: قَالَ فُلَانٌ: " إِنِّي لَأَعْلَمُ حِينَ يَذْكُرْنِي رَبِّي "،قَالُوا: وَتَعْلَمُ حِينَ يَذْكُرُكَ رَبُّكَ ؟ قَالَ: " نَعَمْ،إِذَا ذَكَرْتُهُ ذَكَرَنِي "،قَالَ: " وَإِنِّي لَأَعْلَمُ حِينَ يَسْتَجِيبُ لِي رَبِّي "،قَالُوا: وَتَعْلَمُ حِينَ يَسْتَجِيبُ لَكَ رَبُّكَ ؟ قَالَ: " نَعَمْ "،إِذَا وَجَلَ قَلْبِي،وَاقْشَعَرَّ جِلْدِي،وَفَاضَتْ عَيْنَايَ،وَفُتِحَ لِي فِي الدُّعَاءِ فَثَمَّ أَعْرِفُ أَنِّي قَدِ اسْتُجِيبَ لِي " (5) .
وعَنْ سَلْمَانَ،قَالَ: " إِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَدْعُو اللهَ فِي السَّرَّاءِ،فَنَزَلَتْ بِهِ الضَّرَّاءُ فَيَدْعُو فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: صَوْتٌ مَعْرُوفٌ مِنْ آدَمِيٍّ ضَعِيفٍ،كَانَ يَدْعُو فِي السَّرَّاءِ،فَيَشْفَعُونَ لَهُ ؛ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ لَا يَدْعُو اللهَ فِي السَّرَّاءِ فَنَزَلَتْ بِهِ الضَّرَّاءُ فَدَعَا فَيَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: صَوْتٌ مُنْكَرٌ مِنْ آدَمِيٍّ ضَعِيفٍ كَانَ لَا يَدْعُو فِي السَّرَّاءِ فَنَزَلَتْ بِهِ الضَّرَّاءُ فَلَا يَشْفَعُونَ لَهُ " (6)
وذكر الله تعالى هو العاصم من الوقوع في الخطايا،وهو الوازع للنفس يكفها عن غفلتها وميلها إلى الباطل،واتباعها للهوى،قال تعالى { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) } الكهف.
وَاجْلِسْ مَعَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ،وَيَحْمَدُونَهُ وَيُسَبِّحُونَهُ،وَيَسْأَلُونَهُ مِنْ فَضْلِهِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً،وَهُمُ المُؤْمِنُونَ مِنْ عِبَادِ اللهِ،سَواءً كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ ( وَيُقَالُ إِنَّ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ حِينَ طَلَبُوا مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُمْ وَحْدَهُمْ،وَأَنْ لاَ يُجَالِسِ الفُقَرَاءَ وَالضُّعَفَاءَ مِنَ المُسْلِمِينَ ).ثُمَّ يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ الكَرِيمَ بِأَنْ لاَ يُجَاوِزَ هؤُلاَءِ المُؤْمِنِينَ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الشَّرَفِ وَالثَّرْوَةِ،وَبِأَنْ لاَ يُطِيعَ مَنْ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (3 / 97) (815) صحيح
(2) - شعب الإيمان - (2 / 184) (705 ) صحيح مرسل
(3) - شعب الإيمان - (2 / 185)(706 ) صحيح مقطوع
(4) - شعب الإيمان - (2 / 185) (707 ) حسن مقطوع
(5) - شعب الإيمان - (2 / 383) (1099 )
(6) - شعب الإيمان - (2 / 383) (1100 ) حسن موقوف(1/262)
شُغِلَ بِالدُّنْيا عَنِ الدِّينِ،وَعَنْ عِبَادَةِ اللهِ،وَمَنْ تَجَاوَزَ فِي أَعْمَالِهِ حُدُودَ اللهِ،وَتَمَادَى فِي ارْتِكَابِ المَعَاصِي وَالآثَامِ،وَكَانَ مُفْرِطاً سَفِيهاً فِي أَمْرِهِ . (1)
وذكر الله تعالى هو العمل المرتجى للنجاة من عذاب الله تعالى،إذ أن أشد العذاب الذي يصيب الإنسان إنما يأتيه بسبب الغفلة عن الله،وما وقع من وقع،ولا زل من زل،ولا أذنب من أذنب إلا بسبب غفلته عن الله تعالى قال الله عز وجل:{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)} الزخرف
وَمَنْ يَتَغَافَلْ وَيَتَعَامَ عَنِ القُرْآنِ،وَعَنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى،وَيَنْهَمِك فِي المَعَاصِي،وَلَذَّاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا.. فَإِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ عَلَيْهِ شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ فَيَكُونُونَ لَهُ قُرْنَاءَ،يُزَيِّنُونَ لَهُ ارْتِكَابَ المَعَاصِي،وَالاشْتِغَالَ بِاللَّذَّاتِ،فَيَسْتَرْسِلُ فِيهَا فَيَحِقُّ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ وَعِقَابُهُ . (2)
وقال تعالى:{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126)} طه.
وَمَنْ خَالَفَ أَمْرِي،وَكَفَرَ بِمَا أَنْزَلْتُ عَلَى رُسُلِي،وَأَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي وَتَنَاسَاهُ فَسَتَكُونُ مَعِيشَتُهُ فِي الدُّنْيَا ضَنْكاً لاَ طُمَأنِينَةَ لَهُ فِيهَا،وَلاَ يَنْشَرِحُ فِيهَا صَدْرُهُ،بَلْ يَبْقَى صَدْرُهُ ضَيِّقاً حَرِجاً،بِسَبَبِ ضَلاَلِهِ.وَمَا لَمْ يَخْلُصِ الهُدَى وَاليَقِينُ إِلَى قَلْبِهِ،فَإِنَّهُ سَيَبْقَى فِي قَلَقٍ وَحِيرَةٍ وَشَكٍّ،وَيَحْشُرُهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى البَصَرِ وَالبَصِيرَةِ،قَدْ عَمِيَ عَلَيْهِ كُلُّ شَيءٍ إِلاَّ جَهَنَّمَ،لأَنَّ الجَهَالَةَ التِي كَانَ فِيهَا فِي الدُّنْيا تَبْقَى مُلاَزِمَةً لَهُ فِي الآخِرَةِ.فَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا المُتَسَائِلِ مُبَيِّناً:لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ رُسُلَنَا بِآيَاتِنَا فَأَعْرَضْتَ عَنْهَا،وَتَنَاسَيْتَهَا،فَكَذَلِكَ نُعَامِلُكَ اليَوْمَ مُعَامَلَةَ المَنْسِيِّ،فَتُتْرَكَ فِي النَّارِ (3) .
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ مِنْ عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنَ النَّارِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ،قَالَ:وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ،إلا أن تَضْرِبُ بِسَيْفِكَ حَتَّى يَنْقَطِعَ،ثُمَّ تَضْرِبُ بِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ ثَلاَثًا." (4)
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَا عَلَى ظَاهِرِ الأَرْضِ مِنْ بُنْيَانٍ هُوَ أَنْجَى لِامْرِئٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ رَجُلٌ:وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ:وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ ضَرَبْتَ بِسَيْفِكَ حَتَّى يَنْقَطِعَ " (5)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2169)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4240)
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2437)
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 455) (36194) صحيح لغيره
(5) - مسند الشاميين 360 - (3 / 394) (2536) صحيح لغيره(1/263)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ،وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ،وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ،وَأَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ،وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا:وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ وَقَالَ:ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ:مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" (1) .
ومجالس الذكر التي يجتمع عليها الذاكرون،فتلتقي أرواحهم في بوتقة واحدة،ويستمد ضعيفها من قويها،وتستمد جميعها من مصدر الخير والكمال والفضل والعطاء،والنور والهدى والإيمان،هي رياض الجنة،ومجالس الرضوان قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف.
واصبر نفسك -أيها النبي- مع أصحابك مِن فقراء المؤمنين الذين يعبدون ربهم وحده،ويدعونه في الصباح والمساء،يريدون بذلك وجهه،واجلس معهم وخالطهم،ولا تصرف نظرك عنهم إلى غيرهم من الكفار لإرادة التمتع بزينة الحياة الدنيا،ولا تُطِعْ من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا،وآثَرَ هواه على طاعة مولاه،وصار أمره في جميع أعماله ضياعًا وهلاكًا. (2)
وعَنِ الأَغَرِّ،قَالَ:أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،وَأَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّهُ قَالَ:مَا جَلَسَ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ،إِلاَّ حَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ،وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ،وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ،وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ. رواه مسلم (3) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً فُضُلاً عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ،يَمْشُونَ فِي الطُّرُقِ،يَلْتَمِسُونَ الذِّكْرَ،فَإِذَا رَأَوْا أَقْوَامًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَنَادَوْا:هَلُمُّوا إِلَى حَاجَاتِكُمْ،فَيَحُفُّونَ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ،فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ جَلَّ وَعَلاَ،وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ،فَيَقُولُ:عِبَادِي مَا يَقُولُونَ ؟ فَيَقُولُونَ:يَا رَبِّ،يُسَبِّحُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ،فَيَقُولُ:هَلْ رَأَوْنِي ؟ فَيَقُولُونَ:لاَ،فَيَقُولُ:كَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي ؟ فَيَقُولُونَ:لَوْ رَأَوْكَ لَكَانُوا أَشَدَّ تَسْبِيحًا وَتَمْجِيدًا وَتَكْبِيرًا وَتَحْمِيدًا،فَيَقُولُ:مَاذَا يَسْأَلُونَ ؟ فَيَقُولُونَ:يَسْأَلُونَكَ يَا رَبِّ الْجَنَّةَ،فَيَقُولُ لَهُمْ:هَلْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لاَ،فَيَقُولُ:كَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لَوْ قَدْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ طَلَبًا وَأَشَدَّ حِرْصًا،فَيَقُولُ:فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ ؟ فَيَقُولُونَ:يَتَعَوَّذُونَ بِكَ مِنَ النَّارِ،فَيَقُولُ:فَهَلْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لاَ،فَيَقُولُ:كَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لَوْ قَدْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ تَعَوُّذًا،فَيَقُولُ:فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ." (4)
__________
(1) - المستدرك للحاكم (1825) حسن
(2) - التفسير الميسر - (5 / 131)
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 136) (855) وصحيح مسلم- المكنز - (7030 )
(4) - صحيح ابن حبان - (3 / 137) (856) صحيح(1/264)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً فُضُلاً عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ،يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ،يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ،فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا:هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ،فَيَحُفُّونَ بِهِمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا،فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ،فَيَقُولُ:مَا يَقُولُ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ:يُكَبِّرُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ وَيُسَبِّحُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ،فَيَقُولُ:هَلْ رَأَوْنِي ؟ فَيَقُولُونَ:لاَ،فَيَقُولُ:فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي ؟ فَيَقُولُونَ:لَوْ رَأَوْكَ لَكَانُوا لَكَ أَشَدَّ عِبَادَةً وَأَكْثَرَ تَسْبِيحًا وَتَحْمِيدًا وَتَمْجِيدًا،فَيَقُولُ:وَمَا يَسْأَلُونِي ؟ قَالَ:فَيَقُولُونَ:يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ،فَيَقُولُ:فَهَلْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ،فَيَقُولُ:فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا عَلَيْهَا أَشَدَّ حِرْصًا وَأَشَدَّ طَلَبًا،وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً،فَيَقُولُ:وَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ ؟ فَيَقُولُونَ:مِنَ النَّارِ،فَيَقُولُ:وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ،فَيَقُولُ:فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لَوْ رَأَوْهَا لَكَانُوا مِنْهَا أَشَدَّ فِرَارًا،وَأَشَدَّ هَرَبًا،وَأَشَدَّ خَوْفًا،فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ:أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ.،قَالَ:فَقَالَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ:إِنَّ فِيهِمْ فُلاَنًا لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ،قَالَ:فَهُمُ الْجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى جَلِيسُهُمْ." (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ:جُمْدَانَ،فَقَالَ:سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ،سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ،سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،مَا الْمُفَرِّدُونَ ؟ قَالَ:الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ." (2)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ:سَيَعْلَمُ أَهْلُ الْجَمْعِ الْيَوْمَ مَنْ أَهْلُ الْكَرَمِ،فَقِيلَ:مَنْ أَهْلُ الْكَرَمِ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ:أَهْلُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ فِي الْمَسَاجِدِ." ابن حبان (3) .
وأي شرف أعظم لهذا الإنسان الضعيف،من قول الملك العظيم،الكريم الحلي حين يخاطبه في الحديث القدسي،فعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ،فِي قَوْلِ اللَّهِ: " " وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ "،قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: إِذَا ذَكَرَنِي عَبْدِي فِي نَفْسِهِ،ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي،وَإِذَا ذَكَرَنِي عَبْدِي وَحْدَهُ،ذَكَرْتُهُ وَحْدِي،وَإِذَا ذَكَرَنِي فِي مَلإِ،ذَكَرْتُهُ فِي أَحْسَنَ مِنْهُمْ وَأَكْرِمَ" (4) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى: إِذَا تَقَرَّبَ عَبْدِي مِنِّي شِبْرًا،تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا،وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا،تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا،وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا،أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً،وَإِنْ هَرْوَلَ سَعَيْتُ إِلَيْهِ،وَاللَّهُ أَوْسَعُ بِالْمَغْفِرَةِ." متفق عليه (5)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (3 / 139) (857) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (3 / 140) (858) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 98) (816) حسن
(4) - تفسير ابن أبي حاتم - (6 / 333) (9504) صحيح مرسل
(5) - صحيح ابن حبان - (2 / 100)(376) وصحيح البخارى- المكنز - (7537 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7006 )(1/265)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْوِيهِ،عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: " مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ " البيهقي (1)
وإذا كان الذكر هو الصلة الروحية بين العبد وربه،فلا بد للوصول بها إلى مرتبة القبول،ولتؤتي ثمارها على الوجه الأفضل،من آداب يلتزمها الذاكر بين يدي خالقه ومولاه نذكر منها:
الوضوء قبل الذكر،الجلوس باتجاه القبلة ساكنا خاشعا،استعدادا لمناجاة الله تعالى .
إرادة وجه الله تعالى بذكره،وامتثال أمره وطاعته،وابتغاء مرضاته،دون الالتفاف إلى شيء من حظوظ النفس،أو مراءاة الناس،أو مراقبة الآخرين.قال تعالى: {قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (29) سورة آل عمران.
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأنَّهُ يَعْلَمُ سَرَائِرَهُمْ وَضَمَائِرَهُمْ وَظَوَاهِرَهُمْ،وَأنَّهُ لا يَخْفَى عَلَيهِ شَيءٌ مِنْ أمْورِهِمْ،وَيَعْلَمُ مَا فِي الكَوْنِ جَمِيعاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ،وَأنَّهُ قَادِرٌ عَلَى عُقُوبَةِ المُخَالِفِينَ عَنْ أَمْرِهِ،وَالمُوَالينَ أَعْدَاءَهُ،فَمَا مِنْ مَعْصِيَةٍ خَفِيّةٍ،أوْ ظَاهِرَةٍ إلاّ وَهُوَ مُطَّلعٌ عَليها،وَقَادِرٌ عَلَى عِقَابِ فَاعِلِهَا عَلَيهَا . (2)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ:خَرَجَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ،فَقَالَ:مَا يُجْلِسُكُمْ ؟ قَالُوا:جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ،قَالَ:آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ ؟ قَالُوا:وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَلِكَ،قَالَ:إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ،فَقَالَ:مَا يُجْلِسُكُمْ ؟ قَالُوا:جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِهِ،قَالَ:آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ ؟ قَالُوا:وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَلِكَ،قَالَ:أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ،وَلَكِنْ جِبْرِيلُ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ. رواه مسلم (3) .
وَمِنْ هُنَا قال النَّوَوِيُّ:يُسْتَحَبُّ الْجُلُوسُ فِي حِلَقِ الذِّكْرِ (4)
الابتداء بتطهير النفس بالاستغفار والتوبة إلى الله من كل الذنوب والخطايا والغفلات.قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (135) سورة آل عمران.
وَمِنْ صِفَاتِ أَهْلِ الجَنَّةِ أَنَّهُمْ إذَا صَدَرَ عَنْهُمْ فِعْلَ قَبيحٌ يَتَعَدَّى أثرُهُ إلَى غَيْرِهِمْ ( كَغَيبَةِ إِنْسَانٍ )،أَو صَدَرَ عَنْهُمْ ذَنْبٌ يَكُونُ مُقْتَصِراً عَلَيْهِمْ ( كَشُرْبِ خَمْرٍ وَنَحْوَهُ )،ذَكَرُوا اللهَ تَعَالَى وَوَعِيدَهُ،وَعَظَمَتَهُ
__________
(1) - شعب الإيمان - (2 / 95) (568 و 569وشعب الإيمان - (5 / 508)
3786 -) صحيح لغيره
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 323)
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 96) (813) وصحيح مسلم- المكنز - (7032 )
(4) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (21 / 252) والفتوحات الربانية 1 / 89 - 106 وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 4014)رقم الفتوى 8381 الذكر الجماعي وأقوال العلماء بشأنه(1/266)
وَجَلاَلَهُ،فَرَجَعُوا إلَى اللهِ تَائِبِينَ،طَالِبِينَ مَغْفِرَتَهُ،وَلَمْ يُقِيمُوا عَلى القَبِيحِ مِنْ غَيْرِ اسْتِغْفَارٍ،لِعِلْمِهِمْ أنَّ اللهَ هُوَ الذِي يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً،وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى الذَّنْبِ،لأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أنَّ مَنْ تَابَ إلَى اللهِ،تَابَ اللهُ عَلَيهِ،وَغَفَرَ لَهُ . (1)
وعَنِ الأَغَرِّ الْمُزَنِىِّ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِى وَإِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِى الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ». رواه مسلم (2) .
يفضل إغماض العينين،لئلا يشتغل بشيء من متاع الدنيا،ولصرف القلب والفكر إلى تدبر معاني الذكر،ومراقبة الله سبحانه وتعالى.
إختيار الأوقات المناسبة لذكر الله تعالى،والتي يكون فيها المرء خاليا من الشواغل،ونفسه مستعدة لتلقي النور والفيض الإلهي،وقلبه مشتاق لمناجاة الله تعالى،كأوقات السحر،والأصيل،وعقب الصلوات المكتوبة،وفي الليالي المباركة،والأيام الفضيلة..
قال تعالى:{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25)} الإنسان.
وَدُمْ عَلَى ذِكْرِ رَبِّكَ وَتَسْبِيحِهِ في البُكُورِ وَفِي الأَصَائِلِ أَيْ فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ .
وقال سبحانه:{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26)} الإنسان.
هذا هو الزاد. اذكر اسم ربك في الصباح والمساء،واسجد له بالليل وسبحه طويلا .. إنه الاتصال بالمصدر الذي نزّل عليك القرآن،وكلفك الدعوة،هو ينبوع القوة ومصدر الزاد والمدد .. الاتصال به ذكرا وعبادة ودعاء وتسبيحا .. ليلا طويلا .. فالطريق طويل،والعبء ثقيل. ولا بد من الزاد الكثير والمدد الكبير.
وهو هناك،حيث يلتقي العبد بربه في خلوة وفي نجاء،وفي تطلع وفي أنس،تفيض منه الراحة على التعب والضنى،وتفيض منه القوة على الضعف والقلة. وحيث تنفض الروح عنها صغائر المشاعر والشواغل،وترى عظمة التكليف،وضخامة الأمانة. فتستصغر ما لاقت وما تلاقي من أشواك الطريق! إن اللّه رحيم،كلف عبده الدعوة،ونزل عليه القرآن،وعرف متاعب العب ء،وأشواك الطريق. فلم يدع نبيه - صلى الله عليه وسلم - بلا عون أو مدد. وهذا هو المدد الذي يعلم - سبحانه - أنه هو الزاد الحقيقي الصالح لهذه الرحلة المضنية في ذلك الطريق الشائك .. وهو هو زاد أصحاب الدعوة إلى اللّه في كل أرض وفي كل جيل. فهي دعوة واحدة. ملابساتها واحدة. وموقف الباطل منها واحد،وأسباب هذا الموقف واحدة.ووسائل الباطل هي ذاتها وسائله. فلتكن وسائل الحق هي الوسائل التي علم اللّه أنها وسائل هذا الطريق.
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 428)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7033 ) -يغان : يغطى(1/267)
والحقيقة التي ينبغي أن يعيش فيها أصحاب الدعوة إلى اللّه هي هذه الحقيقة التي لقنها اللّه لصاحب الدعوة الأولى - صلى الله عليه وسلم - هي أن التكليف بهذه الدعوة تنزل من عند اللّه. فهو صاحبها. وأن الحق الذي تنزلت به لا يمكن مزجه بالباطل الذي يدعو إليه الآثمون الكفار. فلا سبيل إلى التعاون بين حقها وباطلهم،أو الالتقاء في منتصف الطريق بين القائم على الحق والقائمين على الباطل. فهما نهجان مختلفان،وطريقان لا يلتقيان. فأما حين يغلب الباطل بقوته وجمعه على قلة المؤمنين وضعفهم،لحكمة يراها اللّه .. فالصبر حتى يأتي اللّه بحكمه. والاستمداد من اللّه والاستعانة بالدعاء والتسبيح - ليلا طويلا - هي الزاد المضمون لهذا الطريق .... إنها حقيقة كبيرة لا بد أن يدركها ويعيش فيها رواد هذا الطريق .. (1)
وقال سبحانه:{ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17)} آل عمران.
وَهؤلاءِ العِبَادُ المُتَّقُونَ هُمُ:الصَّابِرُونَ عَلَى قِيَامِهِمْ بِطَاعَةِ رَبِّهِمْ،وَتَرْكِ مُحَرَّمَاتِهِ،وَهُمُ الصَّادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنْ إيمَانِهِمْ بِمَا التَزَمُوا بِهِ مِنَ الأعْمَالِ الشَّاقَّةِ،والمُلْتَزِمُونَ بِطَاعَةِ اللهِ،وَالخُضُوعِ لَهُ ( القَانِتُونَ )،وَهُمْ المُنْفِقُونَ مِنْ أمْوالِهِمْ فِي جَمِيعِ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ،وَصِلَةِ الأرْحَامِ وَمُوَاسَاةِ ذَوِي الحَاجَاتِ،وَهُمُ المُسْتَغْفِرُونَ رَبَّهُمْ فِي أوْقَاتش السَّحَرِ،حِينَما يَكُونُ النَّاسُ نَائِمِينَ.وَجَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:" يَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى اللَّيْلِ الأخِيرِ فَيَقُولُ:هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأسْتَجِيبَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأغْفِرَ لَهُ؟ " (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ " فِيمَا يَذْكُرُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ:" ابْنَ آدَمَ،اذْكُرْنِي بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ سَاعَةً أَكْفِيكَ مَا بَيْنَهُمَا " (3) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِى جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ». قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ ». رواه الترمذي (4) .
وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ صَلَّى صَلاةَ الْفَجْرِ،ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ،وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" (5)
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6 / 3785)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 311)
(3) - الزُهْدُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (208 ) ضعيف
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (589 ) وصحيح الجامع ( 6346) وهو حديث صحيح لغيره
(5) - مسند أبي يعلى الموصلي (1495) حسن لغيره(1/268)
وعَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ فِى جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِى تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ ». رواه الترمذي (1)
استحضار عظمة الله وجلاله،وأسمائه الحسنى،وصفاته العليا،بحسب حالة الذكر والفتح الذي يفتح عليه فيه،والتفكير في كل لفظ يذكره،ومراقبة القلب يردده مع اللسان،حتى يصل إلى الهيبة والتضرع والعبودية الحقة،ولا يفرغ حتى يشعر بطمأنينة القلب بذكر الله تعالى .
قال الراغب: ذكر اللّه تارة يكون لعظمته فيتولد منه الهيبة والإجلال وتارة لقدرته فيتولد منه الخوف والحزن وتارة لفضله ورحمته فيتولد منه الرجاء وتارة لنعمته فيتولد منه العز فحق المؤمن أن لا ينفك أبداً عن ذكره على أحد هذه الوجوه. (2) .
قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (2) سورة الأنفال.
يُعَرِّفُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمُ:الذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ فَزِعَتْ قُلُوبُهُمْ وَخَافَتْ ( وَجِلَتْ )،وَعَمِلَتْ بِمَا أَمَرَ اللهُ،وَتَرَكَتْ مَا نَهَى عَنْهُ.فَالمُؤْمِنُونَ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَهُمُّوا بِمَعْصِيَةٍ أَوْ يَظْلِمُوا،وَقِيلَ لَهُمْ:اتَّقُوا اللهَ،ارْتَدَعُوا عَمَّا هَمُّوا بِهِ خَوْفاً مِنَ اللهِ.وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ عَلَيْهِمْ رَسَّخَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ وَزَادَ فِيهِ،وَهُمْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ،لاَ يَرْجُونَ سِوَاهُ،وَلاَ يَلُوذُونَ إِلاَّ بِجَناَبِهِ،وَلاَ يَسْأَلُونَ غَيْرَهُ . (3)
وقال تعالى:{ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205)} الأعراف.
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِذِكْرِهِ كَثِيراً فِي أَوْلِ النَّهَارِ وَفِي آخِرِهِ،كَمَا أَمَرَ عِبَادَه بِعِبَادَتِهِ فِي هَذينِ الوَقْتَينِ،( وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ ).وَيَأْمُرُ اللهُ بِأَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ فِي النَّفْسِ رَغْبَةً وَرَهْبَةً،وَبِالقَوْلِ خُفْيَةً وَسِرّاً،لاَ جَهْراً،وَلِذَلِكَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ خَفِيّاً لاَ نِدَاءً وَلاَ جَهْراً بَلِيغاً،وَبِأنْ لاَ يَكُونَ الإِنْسَانُ غَافِلاً عَنْ ذِكْرِ اللهِ،وَأَنْ يَسْتَشْعِرَ قَلْبُهُ الخُضُوعَ لَهُ،وَالخَوْفَ مِنْ قُدْرَتِهِ . (4)
وقال تعالى:{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} الرعد.
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (3928 ) قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
(2) - فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (8 / 199)
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1163)
(4) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1160)(1/269)
وَهؤلاَءِ الذِينَ يَهْدِيهِمُ اللهُ هُمُ المُؤْمِنُونَ،الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ،وَتَطيبُ قُلُوبُهُمْ،وَتَهْدَأُ إِلَى جَانِبِ اللهِ،وَتَسْكُنُ عِنْدَ ذِكْرِهِ،وَتَرْضَى بِهِ مَوْلًى وَنَاصِراً.وَفِي الحَقِيقَةِ إِنَّ القُلُوبَ المُؤْمِنَةَ تَطْمَئِنُّ وَتَسْكُنُ وَتَهْدَأُ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى . (1)
ومعنى الاطمئنان سكونُ القلب واستقراره وأُنْسُه إلى عقيدة لا تطفو إلى العقل ليناقشها من جديد.
ونعلم أن الإنسانَ له حواسٌّ إدراكية يستقبل بها المُحسَّات؛ وله عقل يأخذ هذه الأشياء ويهضمها؛ بعد إدراكها؛ ويفحصها جيداً،ويتلمس مدى صِدْقها أو كَذِبها؛ ويستخرج من كل ذلك قضية واضحة يُبقِيها في قلبه لتصبح عقيدة،لأنها وصلت إلى مرحلة الوجدان المحب لاختيار المحبوب.
وهكذا تمرُّ العقيدة بعدة مراحلَ؛ فهي أولاً إدراك حِسِّي؛ ثم مرحلة التفكّر العقلي؛ ثم مرحلة الاستجلاء للحقيقة؛ ثم الاستقرار في القلب لتصبح عقيدة.ولذلك يقول سبحانه: { وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ... } [الرعد: 28]
فاطمئنان القلب هو النتيجة للإيمان بالعقيدة؛ وقد يمرُّ على القلب بعضٌ من الأغيار التي تزلزل الإيمان،ونقول لمن تمرُّ به تلك الهواجس من الأغيار: أنت لم تُعْطِ الربوبية حقها؛ لأنك أنت الملوم في أي شيء يَنَالُكَ.
فلو أحسنتَ استقبال القدر فيما يمرُّ بك من أحداث،لَعلِمْتَ تقصيرك فيما لك فيه دَخْل بأيِّ حادث وقع عليك نتيجة لعملك،أما مَا وقع عليك ولا دَخْل لك فيه؛ فهذا من أمر القَدَر الذي أراده الحقُّ لك لحكمة قد لا تعلمها،وهي خير لك.
إذن: استقبال القدر إن كان من خارج النفس فهو لك،وإن كان من داخل النفس فهو عليك. ولو قُمْتَ بإحصاء ما ينفعك من وقوع القدر عليك لَوجدتَّه أكثرَ بكثير مما سَلَبه منك. والمَثَل هو الشاب الذي استذكر دروسه واستعدَّ للامتحان؛ لكن مرضاً داهمه قبل الامتحان ومنعه من أدائه.
هذا الشاب فعلَ ما عليه؛ وشاءَ الله أن ينزل عليه هذا القدر لحكمة ما؛ كأنْ يمنع عنه حسَد جيرانه؛ أو حسدَ مَنْ يكرهون أًمه أو أباه،أو يحميه من الغرور والفتنة في أنه مُعتمِد على الأسباب لا على المُسبِّب. أو تأخير مرادك أمام مطلوب الله يكون خيراً.
وهكذا فَعَلى الإنسان المؤمن أن يكون موصولاً بالمُسبِّب الأعلى،وأنْ يتوكل عليه سبحانه وحده،وأن يعلم أنْ التوكل على الله يعني أن تعمل الجوارح،وأنْ تتوكَّل القلوب؛ لأن التوكل عملٌ قلبي،وليس عملَ القوالب.
ولينتبه كُلٌّ مِنّا إلى أن الله قد يُغيب الأسباب كي لا نغتر بها،وبذلك يعتدل إيمانك به؛ ويعتدل إيمان غيرك.
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1736)(1/270)
وقد ترى شاباً ذكياً قادراً على الاستيعاب،ولكنه لا ينال المجموع المناسب للكلية التي كان يرغبها؛ فيسجد لله شكراً؛ مُتقبِّلاً قضاء الله وقَدَره؛ فَيُوفِّقه الله إلى كلية أخرى وينبغ فيها؛ ليكون أحدَ البارزين في المجال الجديد.
ولهذا يقول الحق سبحانه:{ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }[البقرة: 216]
وهكذا نجد أن مَنْ يقبل قَدر الله فيه،ويذكر أن له رباً فوق كل الأسباب؛ فالاطمئنان يغمرُ قلبه أمام أيِّ حدَثٍ مهْمَا كان.وهكذا يطمئن القلب بذكر الله؛ وتهون كُلّ الأسباب؛ لأن الأسباب إنْ عجزتْ؛ فلن يعجز المُسبِّب.
وقد جاء الحق سبحانه بهذه الآية في مَعرِض حديثه عن التشكيك الذي يُثيره الكافرون،وحين يسمع المسلمون هذا التشكيك؛ فقد توجد بعض الخواطر والتساؤلات: لماذا لم يَأْتِ لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمعجزة حِسِّية مثل الرُّسُل السابقين لتنفضّ هذه المشكلة،وينتهي هذا العناد؟
ولكن تلك الخواطر لا تنزع من المؤمنين إيمانهم؛ ولذلك يُنزِل الحق سبحانه قوله الذي يُطمئِن: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ... } [الرعد: 28] والذِّكْر في اللغة جاء لِمَعَانٍ شتّى؛ فمرّة يُطلق الذِّكر،ويُرَاد به الكتاب أي: القرآن:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر: 9]
ويأتي الذكر مرّة،ويُرَاد به الصِّيت والشهرة والنباهة،يقول تعالى:{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ }[الزخرف: 44]
أي: أنه شَرَفٌ عظيم لك في التاريخ،وكذلك لقومك أنْ تأتي المعجزة القرآنية من جنس لغتهم التي يتكلمون بها.
وقد يطلق الذكر على الاعتبار؛ والحق سبحانه يقول:{ ...وَلَاكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّى نَسُواْ الذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً }[الفرقان: 18]
أي: نسوا العِبَر التي وقعتْ للأمم التي عاشتْ من قبلهم؛ فنصَر الله الدينَ رغم عناد هؤلاء.
وقد يطلق الذكر على كُلِّ ما يبعثه الحق سبحانه على لسان أيِّ رسول:{ ...فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ }[النحل: 43]
وقد يُطلق الذِّكْر على العطاء الخيّر من الله.
ويُطْلق الذِّكْر على تذكر الله دائماً؛ وهو سبحانه القائل:{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ... }[البقرة: 152] أي: اذكروني بالطاعة أذكرْكُم بالخير والتجليّات،فإذا كان الذِّكْر بهذه المعاني؛ فنحن نجد الاطمئنان في أيٍّ منها،فالذكر بمعنى القرآن يُورثِ الاطمئنان.(1/271)
ويقول الحق سبحانه:{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً }[الأحزاب: 41ـ43]
فكُلُّ آية تأتي من القرآن كانت تُطمئِنُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه صادقُ البلاغِ عن الله؛ فقد كان المسلمون قلة مُضطهدة،ولا يقدرون على حماية أنفسهم،ولا على حماية ذَوِيهم.
ويقول الحق سبحانه في هذا الظرف:{ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ }[القمر: 45]
ويتساءل عمر رضي الله عنه: أيُّ جمع هذا،ونحن لا نستطيع الدفاع عن أنفسنا؛ وقد هاجر بعضنا إلى الحبشة خوفاً من الاضطهاد؟
ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير إلى بدر،ويُحدِّد أماكن مصارع كبار رموز الكفر من صناديد قريش؛ ويقول: " هذا مصرع فلان،وهذا مصرع فلان "؛ بل ويأتي بالكيفية التي يقع بها القتل على صناديد قريش؛ ويتلو قول الحق سبحانه:{ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ }[القلم: 16]
وبعد ذلك يأتون برأْس الرجل الذي قال عنه رسول الله ذلك؛ فيجدون الضربة قد جاءت على أنفه.فمنْ ذَا الذي يتحكم في مواقع الموت؟
إن ذلك لا يتأتى إلاَّ من إله هو الله؛ وهو الذي أخبر محمداً - صلى الله عليه وسلم - بهذا الخبر:{ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ }[القمر: 45]
وقد طمأنَ هذا القولُ القومَ الذين اتبعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يعلم الغيب،ولا يعلم الكيفية التي يموت عليها أيُّ كافر وأيُّ جبار؛ وهو - صلى الله عليه وسلم - يخبرهم بها وهُمْ في منتهى الضَّعْف.وهذا الإخبار دليل على أن رصيده قويّ عند علاَّم الغيوب.
إذن: فقول الحق سبحانه: {...أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28]
يعني: أن القلوب تطمئن بالقرآن وما فيه من أخبار صادقة تمام الصدق،لتؤكد أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - مُبلِّغ عن ربِّه؛ وأن القرآن ليس من عند محمد - صلى الله عليه وسلم - بل هو من عند الله.
وهكذا استقبل المؤمنون محمداً - صلى الله عليه وسلم - وصَدَّقوا ما جاء به؛ فها هي خديجة ـ رضي الله عنها وأرضاها ـ لم تكُنْ قد سمعت القرآن؛ وما أنْ أخبرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمخاوفه من أنَّ ما يأتيه قد يكون جناً،فقالت: " إنك لتَصِلُ الرَّحِم،وتحمل الكَلَّ،وتَكسِب المعدوم،وتَقْري الضَّيْف،وتُعينَ على نوائب الحق،واللهِ ما يخزَيك الله أبداً ".
وهاهو أبو بكر ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ يصدق أن محمداً رسول من الله،فَوْرَ أن يخبره بذلك.
وهكذا نجده - صلى الله عليه وسلم - قد امتلك سِمَاتاً؛ وقد صاغ الله لرسوله أخلاقاً،تجعل مَنْ حوله يُصدِّقون كُلَّ ما يقول فَوْر أنْ ينطق.(1/272)
ونلحظ أن الذين آمنوا برسالته - صلى الله عليه وسلم - ؛ لم يؤمنوا لأن القرآن أخذهم؛ ولكنهم آمنوا لأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن أن يَكْذِبهم القول،وسيرته قبل البعثة معجزة في حَدِّ ذاتها،وهي التي أدَّتْ إلى تصديق الأوَّلين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
أما الكفار فقد أخذهم القرآن؛ واستمال قلوبهم،وتمنَّوا لو نزل على واحد آخر غير محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وحين يرى المؤمنون أن القرآن يُخبرهم بالمواقف التي يعيشونها،ولا يعرفون لها تفسيراً؛ ويخبرهم أيضاً بالأحداث التي سوف تقع،ثم يجدون المستقبل وقد جاء بها وِفْقاً لما جاء بالقرآن،هنا يتأكد لهم أن القرآنَ ليس من عند محمد،بل هو من عند رَبِّ محمد - صلى الله عليه وسلم - .
ولذلك فحين يُثير الكفار خزعبلاتهم للتشكيك في محمد - صلى الله عليه وسلم - يأتي القرآن مُطَمْئِناً للمؤمنين؛ فلا تؤثر فيهم خزعبلات الكفار.
والمؤمن يذكر الله بالخيرات؛ ويعتبر من كل ما يمرُّ به،وبكل ما جاء بكتاب الله؛ وحين يقرأ القرآن فقلبه يطمئِنُّ بذكر الله؛ لأنه قد آمن إيمانَ صِدْقٍ.
وقد لمس المؤمنون أن أخبار النبي التي يقولها لهم قد تعدَّتْ محيطهم البيئيّ المحدود إلى العالم الواسع بجناحَيْه الشرقي في فارس،والغربي في الروم.وقد أعلن لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ على سبيل المثال ـ خبر انتصار الروم على الفرس،حين أنزل الحق سبحانه قوله:{ الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ.. }[الروم: 1-4]
فأروني أيّ عبقرية في العالم تستطيع أن تتحكم في نتيجة معركة بين قوتين تصطرعان وتقتتلان؛ وبعد ذلك يحدد مِنَ الذي سينتصر،ومنِ الذي سَيُهزم بعد فترة من الزمن تتراوح من خَمْس إلى تِسَع سنوات؟
وأيضاً تأتي الأحداث العالمية التي لا يعلم عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً،وتوافق ما جاء بالقرآن.
وكُلُّ ذلك يجعل المؤمنين بالقرآن في حالة اطمئنان إلى أن هذا القرآن صادق،وأنه من عند الله،ويُصدّق هذا قول الحق سبحانه: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28]
ونعلم أن الكون قد استقبل الإنسان الأول ـ وهو آدم عليه السلام ـ استقبالاً،وقد هُيِّئ له فيه كُلُّ شيء من مُقوِّمات الحياة؛ وصار الإنسانُ يعيش في أسباب الله،تلك الأسباب المَمْدودة من يَدِ الله؛ فنأخذ بها وتترقَّى حياتنا بِقَدْر ما نبذل من جَهْد.
وما أنْ نموتَ حتى نصِلَ إلى أرْقى حياة؛ إنْ كان عملُنا صالحاً وحَسُنَ إيماننا بالله؛ فبعد أنْ كُنّا نعيش في الدنيا بأسباب الله الممدودة؛ فنحن نعيش في الآخرة بالمُسبِّب في جنته التي أعدَّها للمتقين.
وقول الحق سبحانه: {...أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28](1/273)
يعني: أن الاطمئنان مُستْوعِب لكل القلوب؛ فكل إنسان له زاوية يضطرب فيها قلبه؛ وما أنْ يذكر الله حتى يجِدَ الاطمئنان ويتثبتَ قلبه.
وقد حاول المستشرقون أن يقيموا ضَجَّة حول قوله تعالى: {...أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28] وتساءلوا: كيف يقول القرآن هنا أن الذِّكْر يُطمئِن القلب؛ ويقول في آية أخرى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ... }[الأنفال: 2]
فأيُّ المعنيَيْنِ هو المراد؟
ولو أن المستشرقين قد استقبلوا القرآن بالمَلَكة العربية الصحيحة لَعلِموا الفارق بين: {...أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28]
وبين قول الحق سبحانه:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ... }[الأنفال: 2] فكأنه إذا ذُكِر الله أمام الناس؛ وكان الإنسان في غَفْلة عن الله؛ هنا ينتبه الإنسان بِوجَلٍ.أو: أن الحق سبحانه يخاطب الخَلْق جميعاً بما فيهم من غرائز وعواطف ومواجيد؛ فلا يوجد إنسان كامل؛ ولكُلِّ إنسان هفوة إلا مَنْ عصم الله.وحين يتذكر الإنسانُ إسرافه من جهة سيئة؛ فهو يَوْجَل؛ وحين يتذكر عَفْو الله وتوبته ومغفرته يطمئن. (1)
إنَّ القلوب تطمئن بإحساسها بالصلة باللّه،والأنس بجواره،والأمن في جانبه وفي حماه. تطمئن من قلق الوحدة،وحيرة الطريق. بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير. وتطمئن بالشعور بالحماية من كل اعتداء ومن كل ضر ومن كل شر إلا بما يشاء،مع الرضى بالابتلاء والصبر على البلاء. وتطمئن برحمته في الهداية والرزق والستر في الدنيا والآخرة :«أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» ..
ذلك الاطمئنان بذكر اللّه في قلوب المؤمنين حقيقة عميقة يعرفها الذين خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم،فاتصلت باللّه. يعرفونها،ولا يملكون بالكلمات أن ينقلوها إلى الآخرين الذين لم يعرفوها،لأنها لا تنقل بالكلمات،إنما تسري في القلب فيستروحها ويهش لها ويندى بها ويستريح إليها ويستشعر الطمأنينة والسلام،ويحس أنه في هذا الوجود ليس مفردا بلا أنيس. فكل ما حوله صديق،إذ كل ما حوله من صنع اللّه الذي هو في حماه.
وليس أشقى على وجه هذه الأرض ممن يحرمون طمأنينة الأنس إلى اللّه. ليس أشقى ممن ينطلق في هذه الأرض مبتوت الصلة بما حوله في الكون،لأنه انفصم من العروة الوثقى التي تربطه بما حوله في اللّه خالق الكون. ليس أشقى ممن يعيش لا يدري لم جاء؟ ولم يذهب؟ ولم يعاني ما يعاني في الحياة؟ ليس أشقى ممن يسير في الأرض يوجس من كل شيء خيفة لأنه لا يستشعر الصلة الخفية بينه وبين كل شيء في هذا الوجود.
__________
(1) - تفسير الشعراوي - ( / 1722)(1/274)
ليس أشقى في الحياة ممن يشق طريقه فريدا وحيدا شاردا في فلاة،عليه أن يكافح وحده بلا ناصر ولا هاد ولا معين.
وإن هناك للحظات في الحياة لا يصمد لها بشر إلا أن يكون مرتكنا إلى اللّه،مطمئنا إلى حماه،مهما أوتي من القوة والثبات والصلابة والاعتداد .. ففي الحياة لحظات تعصف بهذا كله،فلا يصمد لها إلا المطمئنون باللّه :«أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» .. (1)
وعَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا اقْشَعَرَّ جِلْدُ الْعَبْدِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تَحَاتَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا يَتَحَاتُّ عَنِ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ وَرَقُهَا " (2) .
يستحب البكاء مصاحبا لذكر الله تعالى،ويساعد عليه التوجه الكلي إلى الله عز وجل حتى يمتلئ القلب من خشية الله،أو ذكر تقصيره في جنب الله وما مضى من عمره وهو في الغافلين.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ أَبَدًا:عَيْنٌ بَاتَتْ تَكْلأُ الْمُسْلِمِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ" رواه أبو يعلى (3) .
وعن بَهْزِ بِ حَكِيمٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"ثَلاثَةٌ لا تَرَى أَعْيُنُهُمُ النَّارَ: عَيْنٌ حَرَسَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ،وَعَيْنٌ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ" (4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ:إِمَامٌ عَادِلٌ،وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى،وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ،وَرَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسْجِدِ،وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا،وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتَ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا فَقَالَ:إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ،وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ." متفق عليه (5) .
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ: قَطْرَةُ دُمُوعٍ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ،وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَأَمَّا الأَثَرَانِ: فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ". رواه الطبراني (6) .
أفضل الذكر ما كان خفيا في القلب،وسريّا في أعمالق النفس،وذلك بملاحظة القلب بذكر اسم الله تعالى مع كل نبضة من نبضاته،وملاحظة نور الله تعالى يتدفق إليه مع كل قطرة تفد إليه.
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2060)
(2) - شعب الإيمان - (2 / 237) (782 ) حسن لغيره
(3) - مسند أبي يعلى الموصلي (4346) صحيح
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (14 / 351)(16347 ) حسن لغيره
(5) - صحيح ابن حبان - (10 / 338) (4486) وصحيح البخارى- المكنز - (660 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2427 )
(6) - المعجم الكبير للطبراني - (7 / 268) (7843 ) حسن(1/275)
وقال أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ،يَقُولُ وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ:مَا تَقُولُ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فِي الذِّكْرِ الْخَفِيِّ ؟ مَا هُوَ الَّذِي لَا تَعْلَمُهُ الْحَفَظَةُ ؟ وَمِنْ أَيْنَ زَادَ عَمَلُ السِّرِّ عَلَى عَمَلِ الْعَلَانِيَةِ سَبْعِينَ ضِعْفًا ؟ فَأَجَابَهُ فَقَالَ:" وَفَقَّنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِأَرْشَدِ الْأُمُورِ وَأَقْرَبِهَا إِلَيْهِ،وَاسْتَعْمَلَنَا وَإِيَّاكُمْ بِأَرْضَى الْأُمُورِ وَأَحَبِّهَا إِلَيْهِ وَخَتَمَ لَنَا وَلَكُمْ بِخَيْرٍ،فَأَمَّا الذِّكْرُ الَّذِي يَسْتَأْثِرُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ مَا اعْتَقَدَتْهُ الْقُلُوبُ وَطُوِيَتْ عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ مِمَّا لَا تُحَرَّكُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَالْجَوَارِحُ وَهُوَ مِثْلُ الْهَيْبَةِ لِلَّهِ وَالتَّعْظِيمِ لِلَّهِ وَالْإِجْلَالِ لِلَّهِ وَاعْتِقَادِ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا مَنْ يَعْلَمُ الْغَيْبَ،وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ،وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَهَذِهِ أَشْيَاءُ امْتِدِحَ اللَّهُ بِهَا فَهِيَ لَهُ وَحْدَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ،وَأَمَّا مَا تَعْلَمُهُ الْحَفَظَةُ فَمَا وُكِّلَتْ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ:مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ،وَقَوْلُهُ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ فَهَذَا الَّذِي وُكِّلَ بِهِ الْمَلَائِكَةُ الْحَافِظُونَ مَا لَفِظَ بِهِ وَ بَدَا حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ،يَقُولُ وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ:مَا تَقُولُ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فِي الذِّكْرِ الْخَفِيِّ ؟ مَا هُوَ الَّذِي لَا تَعْلَمُهُ الْحَفَظَةُ ؟ وَمِنْ أَيْنَ زَادَ عَمَلُ السِّرِّ عَلَى عَمَلِ الْعَلَانِيَةِ سَبْعِينَ ضِعْفًا ؟ فَأَجَابَهُ فَقَالَ:" وَفَقَّنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِأَرْشَدِ الْأُمُورِ وَأَقْرَبِهَا إِلَيْهِ،وَاسْتَعْمَلَنَا وَإِيَّاكُمْ بِأَرْضَى الْأُمُورِ وَأَحَبِّهَا إِلَيْهِ وَخَتَمَ لَنَا وَلَكُمْ بِخَيْرٍ،فَأَمَّا الذِّكْرُ الَّذِي يَسْتَأْثِرُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ مَا اعْتَقَدَتْهُ الْقُلُوبُ وَطُوِيَتْ عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ مِمَّا لَا تُحَرَّكُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَالْجَوَارِحُ وَهُوَ مِثْلُ الْهَيْبَةِ لِلَّهِ وَالتَّعْظِيمِ لِلَّهِ وَالْإِجْلَالِ لِلَّهِ وَاعْتِقَادِ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا مَنْ يَعْلَمُ الْغَيْبَ،وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ،وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَهَذِهِ أَشْيَاءُ امْتِدِحَ اللَّهُ بِهَا فَهِيَ لَهُ وَحْدَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ،وَأَمَّا مَا تَعْلَمُهُ الْحَفَظَةُ فَمَا وُكِّلَتْ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ:مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ،وَقَوْلُهُ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ فَهَذَا الَّذِي وُكِّلَ بِهِ الْمَلَائِكَةُ الْحَافِظُونَ مَا لَفِظَ بِهِ وَ بَدَا مِنْ لِسَانِهِ،وَمَا يُعْلِنُونَ وَيَفْعَلُونَ هُوَ مَا ظَهَرَ بِهِ السَّعْيُ،وَمَا أَضْمَرَتْهُ الْقُلُوبُ مِمَّا لَمْ يَظْهَرْ عَلَى الْجَوَارِحِ وَمَا تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ فَذَلِكَ يَعْلَمُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ،وَكُلُّ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ مَا عُقِدَ لَا يُجَاوِزُ الضَّمِيرَ فَهُوَ مِثْلُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ،وَمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ مِنْ فَضْلِ عَمَلِ السِّرِّ عَلَى عَمَلِ الْعَلَانِيَةِ وَأَنَّ عَمَلَ السِّرِّ يَزِيدُ عَلَى عَمَلِ الْعَلَانِيَةِ سَبْعِينَ ضِعْفًا فَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ عَمَلًا فَأَسَرَّهُ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يَنْفَرِدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعِلْمِ ذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْهُ وَمَعْنَاهُ أَنْ يسْتَغْنَى بِعِلْمِ اللَّهِ فِي عَمَلِهِ عَنْ عِلْمِ غَيْرِهِ وَإِذَا اسْتَغْنَى الْقَلْبُ بِعِلْمِ اللَّهِ أَخْلَصَ الْعَمَلَ فِيهِ،وَلَمْ يَعْرُجْ عَلَى مَنْ دُونَهُ فَإِذَا عَلِمَ جَلَّ ذِكْرُهُ بِصِدْقِ قَصْدِ الْعَبْدِ إِلَيْهِ وَحْدَهُ،وَسَقَطَ عَنْ ذِكْرِهِ مَنْ دُونَهُ أَثْبَتَ ذَلِكَ الْعَمَلَ فِي أَعْمَالِ الْخَالِصِينَ الصَّالِحِينَ الْمُؤْثِرِينَ لِلَّهِ عَلَى مَنْ سِوَاهُ وَجَازَاهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ بِصِدْقِهِ مِنَ الثَّوَابِ سَبْعِينَ ضِعْفًا عَلَى مَا عَمِلَ مَنْ لَا يَحِلُّ مَحَلَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ " (1) .
__________
(1) -حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (15508 )(1/276)
وقال النووي: الذكر يكون بالقلب،ويكون باللسان،والأفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعا،فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل،ثم لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفا من أن يظن به الرياء،بل يذكر بهما جميعا ويقصد به وجه الله تعالى،وقد قدمنا عن الفضيل رحمه الله:أن ترك العمل لأجل الناس رياء. (1) .
قال تعالى:{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8)} المزمّل.
وَدُمْ عَلَى ذِكْرِ رَبِّكَ لَيْلاً وَنَهَاراً،بِالَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ،وَالتَّحْمِيدِ،والصَّلاَةِ،وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ،وَانْقَطِعْ إِلَيهِ بِالعِبَادَةِ،وَجَرِّدْ نَفْسَكَ إِلَيهِ،وَأَعْرِضْ عَمَّنْ سِوَاهُ . (2)
وقال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} (205) سورة الأعراف.
واذكر -أيها الرسول- ربك في نفسك تخشعًا وتواضعًا لله خائفًا وجل القلب منه،وادعه متوسطًا بين الجهر والمخافتة في أول النهار وآخره،ولا تكن من الذين يَغْفُلون عن ذكر الله،ويلهون عنه في سائر أوقاتهم.
وقال سبحانه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف
وعن سَعْدَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ،قَالَ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ،وَخَيْرُ الرِّزْقِ،أَوِ الْعَيْشِ،مَا يَكْفِي. رواه ابن حبّان (3) .
وعَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرًا خَامِلًا " قَالَ:فَقِيلَ:وَمَا الذِّكْرُ الْخَامِلُ ؟ قَالَ:" الذِّكْرُ الْخَفِيُّ " رواه ابن المبارك (4) .
وقال أحدهم:
بقلب فاذكر الله خفيّا ... ... ... عن الخلق بلا حرف وقال
وهذا الذكر أفضل كل ذكر ... ... ... بهذا قد جرى قول الرجال
مطالبة النفس بثمرات الذكر بعد الفراغ منه،وذلك بالمحافظة على الطاعات،ومجانبة اللهو واللغو والإثم والمحرمات،والاستقامة في الأقوال والأفعال والمعاملات.
__________
(1) - الأذكار للنووي - (1 / 9)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5361)
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 91) (809) صحيح
(4) - الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ (155 ) ضعيف(1/277)
قَالَ بِلَالُ بْنُ سَعْدٍ: " الذِّكْرُ ذِكْرَانِ ذِكْرُ اللهِ بِاللِّسَانِ حَسَنٌ جَمِيلٌ،وَذِكْرُ اللهِ عِنْدَ مَا أَحَلَّ أَوْ حَرَّمَ أَفْضَلُ " (1)
وعَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: " الذِّكْرُ ذِكْرَانِ فَذِكْرُ اللهِ بِاللِّسَانِ وَكُلُّ ذِكْرٍ حَسَنٌ وَذِكْرٌ عِنْدَ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فَذَاكَ أَفْضَلُ " (2)
وقال أحد العارفين: المؤمن يذكر الله تعالى بكله،لأنه يذكر الله بقلبه فتسكن جميع جوارحه إلى ذكره فا يبقى منه عضو إلا وهو ذاكر في المعنى،فاذا امتدت يده إلى شيء ذكر الله فكف يده عما نهى الله عنه،وإذا سعت قدمه إلى شيء ذكر الله فغض بصره عن محارم الله،وكذلك سمعه ولسانه وجوارحه مصونة بمراقبة الله تعالى،ومراعاة أمر الله،والحياء من نظر الله،فهذا هو الذكر الكثير الذي أشار الله إليه بقوله سبحانه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)} الأحزاب.
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالى المُؤْمِنينَ مِنْ عِبَادِهِ بِكَثْرَةِ ذِكْرِهِ،فَهُوَ المُنْعِمُ المُتَفَضِّلُ عَلَيهِمْ،لِمَا لَهُمْ فِي ذِكْرِ اللهِ مِنْ عَظيمِ الثَّوابِ.وَيَأْمُرُهُمْ تَعَالى أَيضاً بِتَنْزِيهِهِ عَمَّا لاَ يَلِيقُ بَيْنَ طَرَفَيِ النَّهَارِ:فِي البُكُورِ عِنْدَ القِيامِ مِنَ النَّومِ،وَوَقْتِ الأَصِيلِ،وَقْتِ الانْتِهَاءِ مِنَ العَمَلِ اليَومِيِّ،فَيَكُونُ الذِّكْرُ فِي الصَّبَاحِ شُكْراً للهِ عَلى بَعْثِ الإِنسْانِ مِنْ رُقَادِهِ،وَفِي المَسَاء شُكْراً لَهُ عَلى تِوفِيقِه لأَداءِ العَمَلِ،والقِيَامِ بالسَّعِي لِلْحُصُولِ عَلَى الرِّزْقِ . (3)
وقال سبحانه: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (45) سورة العنكبوت.
يَأْمُرُ اللهُ تَعالى المُؤمنينَ،وَهُوَ يُوَجِّهُ خِطَابَهُ لِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - ،بِتِلاَوَةِ القُرآنِ،وإِقَامَةِ الصَّلاةِ،فَقَالَ تعالى: وَأدِمْ تِلاَوَةَ القُرآنِ تَقَرُّباً إِلى اللهِ تَعَالى بِتلاَوتِهِ،وَتَذكُّراً لمَا فيهِ منَ الأَسْرَارِ والفَوائِدِ،واعْمَلْ بمَا فيهِ من الأوامرِ والآداب وَمَحاسِنِ الأخْلاَقِ،وأقِمِ الصَّلاةَ،وأدِّهَا عَلَى الوَجهِ الأكمْلِ بخُشُوعِها وَرُكُوعِها وسُجُودِهَا،لأَنَّ الصَّلاَةَ إِنْ تَمَّتْ عَلَى الوَجهِ الأكْمَلِ كَانَتْ لَها فَائِدَتَانِ:
- أَنها تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ والبَغْيِ وَتَحْمِلُ المُؤْمِنَ عَلى مُجَانِبَتِها،وَتركِها لِمُنَافَاةِ الصَّلاةِ لفِعْلِ الفَاحِشَةِ والمُنكَر والبَغْيِ .
- وفِيها فَائِدَةٌ أَعْظَمُ،أَلا وهي ذِكرُ اللهِ لِعِبَادِهِ الذينَ يذكُرُونَهُ،ويُؤدُّونَ الصّلاةَ بشُرُوطِها،ويُسَبِّحُونه ويَحْمَدُونَهُ،واللهُ تَعَالى يَعلَمُ ما تَفْعَلُونَ مِنْ خَيرٍ وشَرٍ،وهوَ مُجَازِيكُمْ بهِ (4) .
__________
(1) - شعب الإيمان - (2 / 173)(674 ) صحيح مقطوع
(2) - شعب الإيمان - (2 / 174) (675 ) صحيح مقطوع
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3455)
(4) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3267)(1/278)
وعَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ،قَالَ:" مَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ:ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ،أَذْكُرْكَ حِينَ أَغْضَبُ،وَلَا أَمْحَقْكَ فِيمَنْ أَمْحَقُ،يَا ابْنَ آدَمَ إِذَا ظُلِمْتَ فَاصْبِرْ،فَإِنَّ لَكَ نَاصِرًا خَيْرًا مِنْكَ لِنَفْسِكَ نَاصِرًا ". (1)
وعن وهيب بن الورد.قال: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي إِذَا غَضِبْتَ أَذْكُرُكَ إِذَا غَضِبْتُ،فَلَا أُمْحِقُكَ فِيمَنْ أَمْحَقُ،وَإِذَا ظُلِمْتَ فَاصْبِرْ،وَارْضَ بِنُصْرَتِي،فَإِنَّ نَصْرِي لَكَ خَيْرٌ مِنْ نُصْرَتِكَ لِنَفْسِكَ (2)
وعن صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ مَعْدَانَ يَقُولُ:" قَالَ اللَّهُ تعالى: يَا ابْنَ آدَمَ،إِنْ ذَكَرْتَنِي فِي نَفْسِكَ ذَكَرْتُكَ فِي نَفْسِي،وَإِنْ ذَكَرْتَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُكَ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنَ الْمَلَأِ الَّذِي ذَكَرْتَنِي فِيهِمْ،وَإِنْ ذَكَرْتَنِي حِينَ تَغْضَبُ أَذْكُرْكَ حِينَ أَغْضَبُ فَلَمْ أَمْحَقْكَ فِيمَنْ أَمْحَقُ "." (3)
وعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَائِذِ اللَّهِ قَالَ:" إِنَّ رَبَّكُمْ تَعَالَى قَالَ:ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ أَذْكُرْكَ حِينَ أَغْضَبُ،فَلَمْ أَمْحَقْكَ فِيمَنْ أَمْحَقُ ". (4)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: " يَا رَبِّ،أَيُّ خَلْقِكَ أَكْرَمُ عَلَيْكَ ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَزَالُ لِسَانُهُ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِي قَالَ: يَا رَبِّ،أَيُّ خَلْقِكَ أَعْلَمُ ؟ قَالَ: الَّذِي يَلْتَمِسُ إِلَى عِلْمِهِ عِلْمَ غَيْرِهِ قَالَ: يَا رَبِّ،فَأَيُّ خَلْقِكَ أَعْدَلُ ؟ قَالَ: الَّذِي يَقْضِي عَلَى نَفْسِهِ كَمَا يَقْضِي عَلَى النَّاسِ قَالَ: يَا رَبِّ،فَأَيُّ خَلْقِكَ أَعْظَمُ ذَنْبًا ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَّهِمُنِي قَالَ: يَا رَبِّ،وَهَلْ يَتَّهِمُكَ أَحَدٌ ؟ قَالَ: الَّذِي يَسْتَخِيرُنِي ثُمَّ لَا يَرْضَى بِقَضَائِي " (5)
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ ». رواه أبو داود (6) .
اختتام الذكر بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وبالدعاء.
يستحب الاجتماع على الذكر،لما فيه من حث الهمم على الطاعة،وتقوية الضعيف وإعانته على نفسه،والتقاء القلوب وتغذية ذاكرها لغافلها،وإشاعة جو الألفة والمحبة في الله،واكتساب بركة الجماعة،وإظهار لشعائر الله وأركان الدين.
قال تعالى:{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} المائدة 2.
__________
(1) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (3304 ) (1 / 419)
(2) - تَفْسِيرُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ (5428 ) وروضة العقلاء ونزهة الفضلاء - (1 / 100)
(3) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (7193 ) - (2 / 361) ضعيف
(4) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (6841 ) - (2 / 318)
(5) - شعب الإيمان - (2 / 172) (672 ) حسن مرسل
(6) - سنن أبي داود - المكنز - (4683 ) صحيح لغيره(1/279)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى،وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِى،فَإِنْ ذَكَرَنِى فِى نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِى نَفْسِى،وَإِنْ ذَكَرَنِى فِى مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِى مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ،وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا،وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا،وَإِنْ أَتَانِى يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ».رواه البخاري (1) .
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ أَقْوَامًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي وُجُوهِهِمُ النُّورُ،عَلَى مَنَابِرِ اللُّؤْلُؤِ،يَغْبِطُهُمُ النَّاسُ،لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ ".قَالَ:فَجَثَا أَعْرَابِيٌّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،حَلِّهِمْ لَنَا نَعْرِفْهُمْ.قَالَ:هُمُ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ،مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى،وَبِلَادٍ شَتَّى،يَجْتَمِعُونَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ يَذْكُرُونَهُ.رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ (2) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي مَجْلِسٍ،فَتَفَرَّقُوا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللهِ،وَالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ." ابن حبان (3) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ،وَإِنْ أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ لِلثَّوَابِ. (4)
بعض الأذكار المسنونة
أستغفر الله:
قال تعالى:{ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً (11)} نوح.
ثُمَّ أَعْلَنْتُ الدَّعْوَةَ لَهُمْ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ،ثُمَّ أَسْرَرْتُهَا لَهُمْ فِي أَحْوَالٍ أُخْرَى،وَطَوْراً كُنْتُ أَجْمَعُ بَيْنَ الجَهْرِ والإِسْرَارِ لَعَلَّ وَاحِداً مِنَ أَسَالِيبِ الدَّعْوَةِ يَنْجَحُ فِي إِقْنَاعِهِمْ .وَقُلْتُ لَهُمْ:اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ وَاسْأَلُوهُ العَفْوَ عَنْ ذُنُوبِكُمْ،وَمَا فَرطَ مِنْكُمْ مِنَ السَّيِّئَاتِ والآثَامِ،فَرَبُّكُمْ غَفَّارٌ لِذُنُوبِ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ،وَرَجَعَ إِلَيْهِ مُخْلِصاً مُنِيباً .وَإِنَّكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ،وَاسْتَغْفَرْتُمُوهُ،فَإِنَّهُ تَعَالَى يُرْسِلُ المَطَرَ عَلَيْكُمْ مُتَتَابِعاً،لِتُنْبِتَ أَرْضُكُمْ بِالزُّرُوعِ وَالخَيْرَاتِ .وَيُكَثِّرُ لَكُمُ الأَمْوَالَ وَالخَيْرَاتِ،وَيُكَثِّرُ لَكُمُ الأَوْلاَدَ،وَيَجْعَلُ لَكُمْ بَسَاتِينَ تُنْتِجُ الثِّمَارَ،وَيَجْعَلُ لَكُمْ أَنْهَاراً جَارِيَةً تَرْوِي الزُّروعَ وَالبَسَاتِينَ والأَشْجَارَ والمَوَاشِيَ فَتَزْدَادُ الخَيْرَاتُ . (5)
وقال تعالى:{ كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} الذاريات.
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (7405 )
(2) - مجمع الزوائد - (16770 ) وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ
(3) - صحيح ابن حبان - (2 / 351) (590) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (2 / 352) (591) صحيح
(5) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5306)(1/280)
كَانُوا يَنَامُونَ القَلِيلَ مِنْ سَاعَاتِ الْلِّيلِ،وَيَقُومُونَ لِلصلاةِ وَالعِبَادةِ في مُعْظَمِهِ .وَكَانُوا يُحيُون الْلِّيلَ مُتَهَجِّدِينَ،فَإذا جَاءَ وَقْتُ السَّحَرِ أخَذُوا في الاسْتِغْفَارِ كَأنَّهمْ أسْلَفُوا في ليلتِهِم الذُّنُوبَ . (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ». رواه أبو داود (2) .
وعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا انصرف مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا وَقَالَ « اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ». رواه مسلم (3) .
لا اله إلا الله:
قال تعالى:{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} محمد.
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالى رَسُولَهُ الكَريمَ - صلى الله عليه وسلم - بالثَّبَاتِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيهِ مِنَ الإِيمَانِ بأنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَمن دَوامِ الاسْتِغفَارِ لِنَفسِهِ وَللْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ،واللهُ يَعْلَمُ تَصَرُّفَ العِبَادِ في نَهَارِهِمْ،وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهُمْ في لَيلِهِمْ،فَعَلَيهمْ أَنْ يَتَّقُوهُ وَيَسْتَغْفِرُوهُ (4)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ». رواه الترمذي (5) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ. فِى يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ. كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِىَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِى يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ». (6)
وعَنِ الرَّبِيعِ بن خُثَيْمٍ،قَالَ:مَنْ قَالَ:لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ،قَالَ:فَقُلْتُ لِلرَّبِيعِ بن خُثَيْمٍ:مِمَّنْ سَمِعْتَهُ ؟ قَالَ:مِنْ عَمْرِو بن مَيْمُونٍ،فَأَتَيْتُ عَمْرَو بن مَيْمُونٍ،فَقُلْتُ:مِمَّنْ سَمِعْتَهُ ؟ قَالَ:مِنِ
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4571)
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (1520 ) وفي سنده الحكم بن مصعب فيه جهالة وقال المنذري في آخر الترغيب: صويلح الحديث" حسن لغيره
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (1362 )
(4) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4443)
(5) - سنن الترمذى- المكنز - (3934 ) قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
(6) - صحيح مسلم- المكنز - (7018 )(1/281)
ابْنِ أَبِي لَيْلَى،فَأَتَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى،فَقُلْتُ:مِمَّنْ سَمِعْتَهُ ؟ قَالَ:مِنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ يُحَدِّثُهُ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . (1) .
التسبيح والتحميد والتكبير:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ،ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ:سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ،سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ. " متفق عليه (2) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ». رواه مسلم (3) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَحَمَدَهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَكَبَّرَهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،فَتِلْكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ،وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ،وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،غُفِرَتْ لَهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ." رواه مسلم (4) .
لا حول ولا قوة إلا بالله:
عَنْ أَبِي مُوسَى،قَالَ:أَخَذَ الْقَوْمُ فِي عَقَبَةٍ أَوْ ثَنِيَّةٍ،فَكُلَّمَا عَلاَهَا رَجُلٌ،قَالَ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،وَاللَّهُ أَكْبَرُ،وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَغْلَةٍ يَعْرِضُهَا فِي الْجَبَلِ،فَقَالَ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ،إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا،ثُمَّ،قَالَ:يَا أَبَا مُوسَى،أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ،أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ:بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ،قَالَ:لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ." رواه مسلم (5) .
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ،قَالَ:كُنْتُ أَمْشِي خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:يَا أَبَا ذَرٍّ أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ:بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ،فَقَالَ:لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. (6)
وعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ،قَالَ:حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ عَلَى إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ،فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِجِبْرِيلَ:مَنْ مَعَكَ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ جِبْرِيلُ:هَذَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ:يَا مُحَمَّدُ مُرْ أُمَّتَكَ أَنْ يُكْثِرُوا غِرَاسَ الْجَنَّةِ،فَإِنَّ تُرْبَتَهَا طَيِّبَةٌ،وَأَرْضُهَا وَاسِعَةٌ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِإِبْرَاهِيمَ:وَمَا غِرَاسُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ:لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. (7)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (4 / 225)(3921) وصحيح مسلم- المكنز - (7020 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6406) وصحيح مسلم- المكنز - (7021 )
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (7022)
(4) - صحيح ابن حبان - (5 / 359)(2016) وصحيح مسلم- المكنز - (1380)
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (7037 ) و صحيح ابن حبان - (3 / 84) (804)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا ، لَفْظَةُ إِعْلاَمٍ عَنْ هَذَا الشَّيْءِ ، مُرَادُهَا الزَّجْرُ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ.
(6) - صحيح ابن حبان - (3 / 102) (820) صحيح
(7) - صحيح ابن حبان - (3 / 103) (821) صحيح(1/282)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ،فَقَالَ:بِسْمِ اللهِ،تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ،لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ،فَيُقَالُ لَهُ:حَسْبُكَ قَدْ كُفِيتَ وَهُدِيتَ وَوُقِيتَ. فَيَلْقَى الشَّيْطَانُ شَيْطَانًا آخَرَ فَيَقُولُ لَهُ:كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ كُفِيَ وَهُدِيَ وَوُقِيَ. (1)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،قَالَ:شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الرَّمْضَاءَ،فَلَمْ يَشْكُنَا،وَقَالَ:أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ:لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّابِاللهِ،فَإِنَّهَا تَدْفَعُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ بَابًا مِنَ الضُّرِّ أَدْنَاهَا الْهَمَّ " (2)
الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)} الأحزاب.
إن الله تعالى يثني على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الملائكة المقربين،وملائكته يثنون على النبي ويدعون له،يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه،صلُّوا على رسول لله،وسلِّموا تسليمًا،تحية وتعظيمًا له. وصفة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبتت في السنة على أنواع،منها: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى،قَالَ:قَالَ لِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ:أَلاَ أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً ؟ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقُلْنَا:يَا رَسُولَ اللهِ،قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ،فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ ؟ قَالَ:قُولُوا:اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ،كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ،كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ." (3)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ صَلَّى عَلَىَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ». " رواه مسلم (4) .
وعَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِى مَرْيَمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ ». (5)
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً." رواه ابن حبان (6) .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (3 / 104) (822) صحيح
(2) - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (3 / 167) (257 ) حسن لغيره
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 193) (912) صحيح
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (939 ) وسنن أبي داود - المكنز - (1532 )
(5) - سنن النسائي- المكنز - (1305 ) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (3 / 192) (911) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْقِيَامَةِ يَكُونُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ ، إِذْ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ أَكْثَرَ صَلاَةٍ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ.(1/283)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ،فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ،وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ،فَلَمْ يُدْخِلاَهُ الْجَنَّةَ،وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ،ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ." (1) .
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِنَّ الْبَخِيلَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ،فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ. (2)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِى وَعَدْتَهُ،حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».رواه البخاري (3)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَىَّ إِلاَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَىَّ رُوحِى حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ ». رواه أبو داود (4) .
وعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،فِيهِ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ،وَفِيهِ قُبِضَ،وَفِيهِ النَّفْخَةُ،وَفِيهِ الصَّعْقَةُ،فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ،فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ،قَالُوا:وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ ؟ فَقَالَ:إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَامَنَا (5) .
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (3 / 189) (908) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (3 / 190) (909) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (614 )
(4) - سنن أبي داود - المكنز - (2043 ) صحيح لغيره
(5) - صحيح ابن حبان - (3 / 191) (910) صحيح(1/284)
-28-آداب الدعاء
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ ». رواه الترمذي (1) ،ويطلق المخ على الخالص من الشيء،ذلك أن كل عابد لله سبحانه ربما سما قلبه،وغفل لبه،إلا الذي يدعو ربه فإنه حاضر معه،متضرع بين يديه،خاشع له ظاهره وباطنه،وهذه غاية العبودية لله تعالى،وهي أشرف أحوال الإنسان،وأفضلها،وأسعدها..
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ». ثُمَّ قَرَأَ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (2)
ولقد جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أقريب ربنا فنناجيه،أم بعيد فنناديه،فسكت عنه،فأنزل الله تعالى:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} البقرة.
وقد بشّر سبحانه وتعالى عباده بسعة فضله،وعظيم جوده وكرمه،باستجابة لدعائهم،وسماعه لطللبهم،فقال:{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} غافر.
يَحُثُّ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ عَلَى دُعَائِهِ،وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِالإِجَابَةِ عَلَى دُعَائِهِمْ؛ وَدُعَاءُ العَبْدِ رَبِّهُ دَلِيلٌ عَلَى إِيْمَانِهِ بِرَبِّهِ،وَخَوْفِهِ مِنْهُ،وَطَمَعِهِ فِي ثَوَابِهِ وَكَرَمِهِ،وَرَحْمَتِهِ،وَمَنْ اسْتَكْبَرَ عَنْ عِبَادَةِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَهْتَمُّ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ لأَنَّهُ لاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ،وَأَنَّهُ وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ،وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الخَلاَئِقِ،وَتَصْرِيفِ شُؤُونِهِمْ،وَإحْصَاءِ أَعْمَالِهِمْ،وَإِعَادَةِ بَعْثِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيُحَاسِبَهُمْ عَلَيْهَا،وَيَجْزِيَهُمْ بِهَا .وَلِذَلِكَ قَالَ تعالى: إِنَّ الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ فَإِنَّهُ سَيُدْخِلُهُمُ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَهُمْ أَذِلاءُ صَاغِرُونَ (3) .
بل حذر سبحانه عباه من نسيان الدعاء،وترك التضرع،والإعراض عن الالتجاء إلى الله،فقال:{ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً (77)} الفرقان.
قُلْ يا محمدُ لهؤلاءِ الذينَ أُرْسِلْتَ إليهم:إنَّ الفائزينَ بِنِعَمِ الله الجَليلةِ،التي يَتَنَافَسُ فيها المُتنافِسُونَ إِنما نَالُوها بما ذُكِرَ من الصِّفاتِ الحميدةِ التي اتَّصَفُوا بها،وَلَوْلاها لم يَهْتَمَّ بهم ربُّهم،ولم يَعْتَدَّ.ولذلكَ فإنَّهُ لا يَعْبَأُ بِكُمْ إذا لم تَعْبُدُوه،فما خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ إِلا لِيَعْبُدُوا ربَّهُمْ ويُطِيعُوه وحْدَه لا شريكَ له،وما دُمْتُمْ قد
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (3698 ) حسن
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (3555 ) قَالَ أَبُو عِيسَى. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4072)(1/285)
خَالَفْتُم أمرَ ربِّكم،وَعَصَيْتُمْ حُكْمَهُ،وكَذَّبْتُم رَسُولَهُ،فَسَوْفَ يَلْزَمُكُمْ أَثَر تَكْذِيبِكُمْ،وهو العقابُ الذي لا مَنَاصَ منهُ،فاسْتَعِدُّوا له،وهَيِّئُوا أنفسَكُمْ لذلكَ اليومِ العصيبِ،وهو آتٍ قَريبٌ . (1)
وإذا كان الخلاف في الدعاء وهل يرد القضاء،أو يغير في قوانين الله ونواميسه شيئا،فإنه مما لا خلاف فيه أنه التجاء الضعيف إلى القوي،ورجاء الفقير من الغني،وتضرع من لا يملك من الأمر سببا إلى مفتح الأبواب ومسبب الأسباب. عَنْ مُعَاذٍ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ،وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ،فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ عِبَادَ اللَّهِ." رواه أحمد (2) .
وعن عائشة،رضي الله عنها قالت:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا يغني حذر من قدر،والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل،وإن الدعاء والبلاء ليعتلجان إلى يوم القيامة » (3)
وامتثال أمر الله تعالى وأمر رسوله بالدعاء،والمسارعة إلى ما يحبه الله سبحانه،ومما يحبه من عباده التوسل اليه والضراعة بين يديه،أفضل من الجدال العقيم،في فائدة الدعاء،وجدوى الرجاء،وهل ترد من قضاء الله شيئا،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّهُ قَالَ:"لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الدُّعَاءِ " (4) .
والقرآن الكريم،والأحاديث النبوية،ملأى بنماذج من الدعاء،ورقائق من الاتجاء،وفرائد من مناجاة الأنبياء،وصلتهم مع ربهم،تلك الصلة التي لا تنقطع ما دام يربطها حبل الدعاء والنداء.
فهذا آدم عليه السلام يقع في الخطيئة فلا يجد موئلا ولا ملجأ إلا في هذا الدعاء الحزين:{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} الأعراف.
قَالَ آدَمُ وَزَوْجُهُ نَادِمَيْنِ مُتَضَرِّعَيْنِ:رَبَّنَا إِنَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا بِطَاعَتِنَا لِلشَّيْطَانِ،وَمَعْصِيَتِنا لأَمْرِكَ،وَقَدْ أَنْذَرْتَنَا،وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا مَا ظَلَمْنَا بِهِ أَنْفُسَنَا،وَتَرْحَمْنَا بِالرِّضا عَنَّا،وَتُوَفِقْنَا لِلهِدَايَةِ،وَتَرْكِ الظُّلْمِ،لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ لأَنْفُسِنَا.( وَهَذِهِ هِيَ الكَلِمَاتُ التِي تَلَقَّاهَا آدَمُ مِنْ رَبِّهِ مُعْتَذِراً لِيَغْفِرَ لَهُ ) (5) .
وهذا نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما،حتى إذا يئس من هدايتهم،نادى ربه :{ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) [القمر:10 - 12] .
فَدَعَا نُوحٌ رَبَّهُ قَائِلاً:يَا رَبِّ إِنَّ قَومِي غَلَبُونِي،وَإِنَّني ضَعِيفٌ لاَ أَسْتَطِيعُ مُقَاوَمَتَهُمْ فَانْتَصِرْ أَنْتَ مِنْهُمْ لِدِينِكَ،بِعِقابٍ مِنْ عِنْدِكَ،عَلَى كُفْرِهِمْ بِكَ،وَعَلى تَكْذِيبِهِمْ رَسُولَكَ.فأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَطَراً غَزِيراً
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2814)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 357)(22044) 22394- حسن لغيره
(3) - الدعاء للطبراني - (29 ) ضعيف
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (19 / 215) (532 ) حسن
(5) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 978)(1/286)
يَنْهَمِرُ انْهِمَاراً.وَأَمَرْنَا الأَرْضَ بِأَنْ تَتَفَجَّرَ عُيُوناً وَيَنابيعَ،فَالتَقَى مَاءُ السَّماءِ مَعَ مَاءِ الأَرْضِ،عَلَى أَمْرٍ قَدْ قَدَّرَهُ،اللهُ،وَهُوَ إِحْدَاثُ طُوفَانٍ يُهْلِكُ هؤُلاءِ الكَفَرَةَ الفَجَرَةَ (1) .
وهذا سيدنا إبراهيم يناجي ربه بهذا الدعاء المؤثر النابع من أعماق القلب المتصل بالله العارف به:{ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} الشعراء.
ولنتدبر هذا المقطع القرآني الرقيق يحدثنا عن أكرم رسله وهم يلوذون بخالقهم،ويلتجئون إليه:{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} الأنبياء.
يذْكُرُ اللهُ تَعالى مَا أَصابَ عَبْدَهُ أَيُّوبَ عَليْه السلامُ،مِنَ البَلاءِ في مَالِهِ وولَدِهِ وجَسَدِهِ،ولِبثَ فِي ذلِكَ البلاءِ مُدَّةً طَويلةً فَنادَى رَبَّه:يَا رَبِّ لَقَدْ مَسَّنِي الضُّرُّ فَارْحَمْنِي،وأفِضْ عَليَّ مِنْ جُودِكَ وَرَحْمَتِكَ مَا يُسْعِفُنِي،ويَدْفَعُ الضُّرُّ عَنِّي،وأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.وإِنَّ إسْمَاعيلَ وإدريسَ وذا الكفْلِ،كلَّهُم مِنَ الرُّسُل الكِرَامِ،الذين صَبَروا على ما ابْتَلاهُمْ بِهِ اللهُ،وأَخْبتُوا لِرَبِّهم،فَنَالُوا رِضَاهُ.يَذْكُرُ اللهُ تَعالى قِصَّةَ يونُسَ عليهِ السلامُ ( وهوَ ذو النُّونِ أيْ صاحبُ الحُوت )،وكانَ اللهُ قَدْ بَعَثَهُ نَبِياً إلى أَهْل نينَوَى فَدَعَاهُمْ إلى عِبَادةِ اللهِ وَحدَهُ فَأَبَوْا،وَتَمَادَوْا في كُفْرِهم،فَخَرَجَ يُونُسُ مِنْ بَيْنِهِم مُغَاضِباً لَهُمْ،وأَتْذَرَهُمْ بأنَّ العَذَابَ وَاقِعٌُ بِهِمْ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّام،فَلما تَحَقَّقُوا مِنْ ذَلِكَ،وَعِلمُوا أنَّ النبيَّ لا يَكْذِبُ،خًَرَجُوا مِنَ البلدِ بأطْفَالِهم وأنْعامِهم ومَوَاشِيهِم،ثُمَّ تَضَرَّعُوا إلى اللهِ تَعَالى،وَجأَرُوا إليهِ بالدُّعَاءِ،فَرَفَعَ اللهُ عَنْهُمْ العَذابَ،وصَرَفَهُ عَنْهُم،كَمَا جَاءَ في آيةٍ أُخْرى .
أمَّا يونسُ فإنَّه تَرَكَ قَوْمَه مُغَاضِباً لَهُم،وذَهَبَ فَرَكِبَ في سَفِينَةٍ فَاضْطَرَبَتْ وَخافَ مَنْ فِيها مِنْ غَرَقِها،فاقْتَرعُوا على رَجُل يُلقُونهُ مِنْ بينِهم في الماءِ يَتَخفَّفُونَ مِنهُ،فوقَعَتِ القُرْعَةُ على يُونُسَ،فَأَبَوْا أنْ يُلْقُوهُ،ثُمَّ أعادُوا القُرْعَةَ فَوَقَعَتْ علَيْهِ،فَأَبَوْا،ثمَّ أعَادُوا للمرةِ الثّالثةِ فَوَقَعَتْ عليه،فَتَجَرَّدَ يُونُسُ مِنْ ثِيَابِهِ،وأَلْقَى بِنَفْسِهِ في المَاءِ،فالْتَقَمَهُ الحُوتُ،ولِذَلِكَ سُمِّيَ بصَاحِبِ الحُوتِ ( ذُو النُّونِ ) .
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4735)(1/287)
وكانَ يُونسُ يَظُنُّ أنَّ الله لَنْ يُضَيِّقَ عليْهِ في بَطْنِ الحُوتِ،( أو أنهُ تَعالى لنْ يَقْدِرَ عليه أَنْ يَكُونَ فِي بَطْن الحُوتِ ) فَكَانَ في بَطْنِ الحوتِ في ظُلْمَةٍ،وفي أعْمَاقِ البَحْرِ في ظُلمَةٍ،وفي ظَلاَمِ الليلِ في ظُلْمَةٍ،ولذلك قَالَ تعالى: { فنادى فِي الظلمات } ودَعاَ رَبَّهُ قائلاً:لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَك إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ .
يُخْبِرُ اللهُ تعالى عَنْ زَكَريَّا عَليهِ السَّلامُ حينما تَقَدَّمَتْ بِهِ السِّنُ،وطَلبَ مِنَ اللهِ أَنْ يَهَبَهُ وَلَداً يَرثُ النُبُوَّةَ من بَعْدِهِ،فَنَادَى رَبَّه نِدَاءً خَفِيّاً عَنْ قَوْمِهِ،وقَالَ:رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً بِلا وَلَدٍ،وَلاَ وَارِثٍ،يَقُومُ بَعْدِي في النَّاسِ،وأَنْتَ يَا رَبِّ خَيْرُ مَنْ وَرِثَ العِبَادَ ( وفي هذا الدُّعَاءِ إشَارَةٌ إِلى قِيَامِ السَّاعةِ،وهَلاَكِ البشَرِ جَمِيعاً،وَبَقَاءِ اللهِ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ (1) .
وهكذا كان شأن خاتم النبيين وسيد المرسلين،فقد أتحفتنا كتب السيرة والحديث الشريفة،بباقة عطرة،من دعائه - صلى الله عليه وسلم - ،وفيها ما تهتز له القلوب،وتتزكى به النفوس،وتفيض له العيون،وتخشع عنده الجوارح،وتلتقي بخالقها الأرواح على بساط العبودية الصحيحة.
والله سبحانه أكرم الأكرمين،لا يخيّب راجيه،ولا يرد سائله،ولا يحرم من فضله بره وكرمه داعيه،قال سبحانه: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62) سورة النمل.
واسأَلهُم هَلِ الذِينَ تُشرِكُونَهُم في العِبَادَةِ مَعَ اللهِ خَيرٌ،وَهُمْ لا يَضُرُّونَ وَلا يَنفعُونَ،أَمْ مَنْ يُجيبُ دَعوَةَ المُضْطَرِّ عِنْدَ الشَّدَّةِ إِذا دَعَاهُ لِيَكشِفَ عَنْهُ مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ،وَمَنْ يَجْعَلُ أُمَما في الأَرْضِ قَرْناً بَعْدَ قَرنٍ،وَجيلاً بَعْدَ جِيل،وَلو شَاءَ لخَلَقَهُمْ أَجمَعِين،ولَمْ يَجْعَلْ بعضَهُم مِنْ ذُرِّيَّةِ بعضٍ،ولو فَعَلَ ذَلِك لضَاقَتِ الأرضُ بالبَشَرِ،ولضَاقَتْ عَليهِم مَعَايِشُهُمْ وَأَرزَاقُهُمْ،ولكِنّ حِكمَتَهُ اقتَضَتْ أن يَخْلُقَهُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ،وَأ،يَجْعَلَهُمْ أُمماً يَخْلُفُ بَعْضُهُم بَعْضاً،حَتَّى يَنْقَضِيَ الأَجَلُ وَيَعُودَ النَّاسُ إِلى اللهِ تَعَالى يَومَ القِيامَةِ،وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ غيرُ اللهِ تَعَالى؟ فَهَلْ هُنَاكَ إِلهٌ مَعَ اللهِ،وَهَلْ تَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلهاً غَيرَهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُهُ اللهُ؟ فَمَا أقَلَّ تَذَكُّرَكُمْ أنْعُمَ اللهِ عَلَيكُم التِي يُرشِدُكُم بِها إِلى الحَقِّ،وَيَهدِيكُمْ بِها إلى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ؟ (2)
وعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا." (3)
وقال أحدهم:
لا تسألن بنّي آدم حاجة ... ... ... وسل الذي أبوابه لا تحجب
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2484)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3103)
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 159) (876) صحيح(1/288)
الله يغضب إن تركت سؤاله ... ... ... وبنيّ آدم حين يسأل يغضب
وقد أرشد - صلى الله عليه وسلم - إلى كيفية الدعاء وأحواله وأوقاته وآدابه في جملة تعاليمه الكريمة نختار منها هذه النفحات:
الإخلاص لله تعالى،والوضوء،واستقبال القبلة،والجثو على الركب،والتوبة إلى الله. والاستغفار ورد المظالم إلى أهلها.قال تعالى:{ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) } هود.
وَأَمَرَ هُودٌ قَوْمَهُ بِاسْتِغْفَارِ رَبِّهِمْ مِنَ الشِّرْكِ،وَمِمَّا أَسْلَفُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ،وَبِإِخْلاَصِ التَّوْبَةِ إِلَيْهِ عَمَّا يَسْتَقْبِلُونَهُ،وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ مَنْ تَابَ إِلَى رَبِّهِ وَاسْتَغْفَرَهُ،يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ،وَسَهَّلَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ،وَحَفِظَ شَأْنَهُ،وَأَرْسَلَ السَّمَاءَ عَلَيْهِ بِالمَطَرِ المُتَتَابِعِ،وَالإِسَاءَةِ إلى النَّاسِ (1) .
وعن عَامِرَ بْنِ خَارِجَةَ بْنِ سَعْدٍ،عَنْ جَدِّهِ سَعْدٍ،أَنَّ قَوْمًا شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَحْطَ الْمَطَرِ،قَالَ: فَقَالَ: اجْثُوا عَلَى الرُّكَبِ،ثُمَّ قُولُوا: يَا رَبِّ،يَا رَبِّ،قَالَ: فَفَعَلُوا،فَسُقُوا حَتَّى أَحَبُّوا أَنْ يَكُفَّ عَنْهُمْ." رواه أبو عوانة (2) .
رفع اليدين حذو المنكبين،وبسطهما مكشوفتان إلى السماء،بقصد التذلل والتمسكن والاستجداء،ثم مسح الوجه بهما بعد انتهاء الدعاء.عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىِّ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « .. سَلُوا اللَّهَ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلاَ تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا فَإِذَا فَرَغْتُمْ فَامْسَحُوا بِهَا وُجُوهَكُمْ ». رواه أبو داود (3) .
عَنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ إِلاَّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ،فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.". رواه البخاري (4) .
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِى الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى فِى حَدِيثِهِ لَمْ يَرُدَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ. رواه الترمذي (5) .
حضور القلب مع الله،وتحسين الظن والرجاء به سبحانه،والخضوع بين يديه،والتيقن من استجابته وكرمه وأنه سميع قريب مجيب..
قال تعالى:{ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} الأعراف.
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1526)
(2) - مسند أبي عوانة (2038 ) فيه ضعف
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (1487 ) والأذكار ( 1038 و 1039 ) حسن لغيره ,وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام لغيره .
(4) - صحيح ابن حبان - (7 / 113) (2863) وصحيح البخارى- المكنز - (3565 )
(5) - سنن الترمذى- المكنز - (3714 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ(1/289)
يُرْشِدُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ إلى دُعَائِهِ بِتَضَرُّعٍ وَبِصُورَةٍ خَفِيَّةٍ.( أَيْ بِخُشُوع وَصِحَّةِ يَقِينٍ بِوَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَبُرُبُوبِيَّتِهِ ) لاَ جَهَاراً وَلاَ مُرَاءَاةً،فَاللهُ لاَ يُحِبُّ أَنْ يَتَجَاوَزُوا فِي الدُّعَاءِ حُدُودَ مَا أُمِرُوا بِهِ ( كَالمُبَالَغَةِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الدُّعَاءِ،أَوْ طَلَبِ العَوْنِ مِنَ اللهِ عَلَى ارْتِكَابِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ،أَوْ التَّوجُّهِ بِالدُّعَاءِ إلَى غَيْرِ اللهِ لِيَشْفَعَ لَهُمْ عِنْدَ اللهِ...) (1)
وعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي،فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ. (2) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ يَقُولُ:أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي،إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ،وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ. (3)
وعَنْ حَيَّانَ أَبِي النَّضْرِ،قَالَ خَرَجْتُ عَائِدًا لِيَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ فَلَقِيتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ وَهُوَ يُرِيدُ عِيَادَتَهُ،فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ،فَلَمَّا رَأَى وَاثِلَةَ،بَسَطَ يَدَهُ،وَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْهِ،فَأَقْبَلَ وَاثِلَةُ حَتَّى جَلَسَ،فَأَخَذَ يَزِيدُ بِكَفَّيْ وَاثِلَةَ،فَجَعَلَهُمَا عَلَى وَجْهِهِ،فقَالَ لَهُ وَاثِلَةُ:كَيْفَ ظَنُّكَ بِاللَّهِ ؟ قَالَ:ظَنِّي بِاللَّهِ وَاللَّهِ حَسَنٌ،قَالَ:فَأَبْشِرْ،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ:أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي إِنْ ظَنَّ خَيْرًا،وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا." (4)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ ». رواه الترمذي (5) .
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ:مَعْنَى قَوْلِهِ:" وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ " أَيْ:كُونُوا عَلَى حَالَةٍ تَسْتَحِقُّونَ الْإِجَابَةَ أَيْ بِحُضُورِ السِّرِّ،وَصِحَّةِ الْحَالِ،حَتَّى يَكُونَ مَعْرُوفًا فِي الْمَلَكُوتِ،حَتَّى يُقَالَ:صَوْتٌ مَعْرُوفٌ،وَهُوَ أَنَّ يَكُونَ تَعَرَّفَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَدَاءِ أَوَامِرِهِ،وَاجْتِنَابِ مَنَاهِيهِ،وَقَبُولِ أَحْكَامِهِ غَيْرَ مُتَسَخِّطٍ،ثُمَّ يَدْعُوهُ،وَلَا يَكُونُ فِي سِرِّهِ غَيْرُهُ إِلَّا سِوَاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ أَيْ:رَاجِعٍ إِلَيْهِ عَمَّا سِوَاهُ،ثُمَّ يَكُونُ مُضْطَرًا إِلَيْهِ،فَقَدِ انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ عَمَّا سِوَاهُ،لَا يَرْجِعُ إِلَّا حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ،وَلَا إِلَى أَفْعَالِهِ تَعَالَى،قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ،قَالَ بَعْضُهُمُ:الْمُضْطَرُّ الَّذِي إِذَا رَفَعَ إِلَيْهِ يَدَهُ لَمْ يَرَ لِنَفْسِهِ عَمَلًا،فَإِذًا كَذَلِكَ أَيْقَنَ بِإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ،لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ إِجَابَةَ مَنْ دَعَاهُ،وَهَذِهِ شَرَائِطُ مَنْ يُجِيبُ دُعَاءَهُ،وَمَنْ أَتَى بِهَا فَاللَّهُ مُنْجِزٌ لَهُ وَعْدَهُ،وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ " (6)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1010)
(2) - صحيح ابن حبان - (2 / 401) (633) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (2 / 405) (639) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (2 / 407) (641) صحيح
(5) - سنن الترمذى- المكنز - (3816 ) حسن لغيره
(6) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (16 )(1/290)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ،وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ،إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ:إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ،وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ،وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا قَالُوا:إِذًا نُكْثِرُ،قَالَ:اللَّهُ أَكْثَرُ." رواه أحمد (1) .
لزوم الدعاء والإكثارمنه،والاتجاء إلى الله في كل الأمور،كبيرها وصغيرها،جليلها ودقيقها.. لأن الدعاء هو غاية الاستعانة بالله،ومطلق العبودية لله،وإظهار الفاقة إلى الله..
قال تعالى حكاية عن عباده الصالحين: {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} (28) سورة الطور.
لَقَدْ كُنَّا في الدُّنيا نَسَأَلُ اللهَ تَعَالى أَنْ يَمُنَّ عََلَينا بالرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ فَاسْتَجَابَ لِدُعَائِنَا وَأَعْطَانا سُؤْلَنَا،لأَنَّهُ هُوَ المُحْسِنُ المُتَفَضِّلُ،ذُو الرَّحمةِ الوَاسِعَةِ،وَالفَضْلِ العَظِيمِ . (2)
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (15) سورة فاطر.
يَا أَيُّها النَّاسُ أَنْتُم مُحْتَاجُونَ إِلى اللهِ تَعَالى فِي جَمِيعِ أُمُورِكُمْ،وَهُوَ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَنْكُم،وَعَنْ عِبَادَتِكُمْ،فَكُلُّ نِعْمَةِ بِكُمْ فَهِيَ مِنْهُ،فَلَهُ الحَمْدُ والشُّكرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ . (3)
يخاطب تعالى جميع الناس،ويخبرهم بحالهم ووصفهم،وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه:
فقراء في إيجادهم،فلولا إيجاده إياهم،لم يوجدوا.
فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح،التي لولا إعداده إياهم [بها]،لما استعدوا لأي عمل كان.
فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة،فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور،لما حصل [لهم] من الرزق والنعم شيء.
فقراء في صرف النقم عنهم،ودفع المكاره،وإزالة الكروب والشدائد. فلولا دفعه عنهم،وتفريجه لكرباتهم،وإزالته لعسرهم،لاستمرت عليهم المكاره والشدائد.
فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية،وأجناس التدبير.
فقراء إليه،في تألههم له،وحبهم له،وتعبدهم،وإخلاص العبادة له تعالى،فلو لم يوفقهم لذلك،لهلكوا،وفسدت أرواحهم،وقلوبهم وأحوالهم.
فقراء إليه،في تعليمهم ما لا يعلمون،وعملهم بما يصلحهم،فلولا تعليمه،لم يتعلموا،ولولا توفيقه،لم يصلحوا.
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 48)(11133) 11150- صحيح
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4642)
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3556)(1/291)
فهم فقراء بالذات إليه،بكل معنى،وبكل اعتبار،سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا،ولكن الموفق منهم،الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه،ويتضرع له،ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين،وأن يعينه على جميع أموره،ويستصحب هذا المعنى في كل وقت،فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه،الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها.
{ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } أي: الذي له الغنى التام من جميع الوجوه،فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه،ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق،وذلك لكمال صفاته،وكونها كلها،صفات كمال،ونعوت وجلال.
ومن غناه تعالى،أن أغنى الخلق في الدنيا والآخرة،الحميد في ذاته،وأسمائه،لأنها حسنى،وأوصافه،لكونها عليا،وأفعاله لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة،وفي أوامره ونواهيه،فهو الحميد على ما فيه،وعلى ما منه،وهو الحميد في غناه [الغني في حمده]. (1)
وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : الدُّعَاءُ سِلاحُ الْمُؤْمِنِ،وَعِمَادُ الدِّينِ،وَنُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ " رواه الحاكم (2) .
يعني أنه يدافع البلاء ويعالجه كما يدافع عدوه بالسلاح وللدعاء مع البلاء ثلاث مقامات أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه أو يكون أضعف منه فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد لكنه قد يخففه أو يتقاومان فيمنع كل منهما صاحبه فبين المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بتنزيله الدعاء منزلة السلاح أن السلاح بضارب به لا بحده فقط فمتى كان السلاح تاماً لا آفة به والساعد قوي والمانع مفقود حصلت به النكاية في العدو ومتى تخلف واحد من الثلاثة تخلف التأثير فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح والداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه أو كان ثمة مانع من الإجابة لم يحصل التأثير (3)
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لِيَسْأَلَ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا،حَتَّى شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ." ابن حبان (4) .
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ،أَوْ حَوَائِجَهُ كُلَّهَا،حَتَّى يَسْأَلَهُ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ،وَحَتَّى يَسْأَلَهُ الْمِلْحَ." (5)
لأن طلب أحقر الأشياء من أعظم العظماء أبلغ من طلب الشيء العظيم منه ومن ثم عبر بقوله ليسأل وكرره ليدل على أنه لا مانع ثم ولا راد لسائل ولأن في السؤال من تمام ملكه وإظهار رحمته وإحسانه
__________
(1) - تفسير السعدي - (1 / 687)
(2) - المستدرك للحاكم (1812) ضعيف
(3) - فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (8 / 150)
(4) - صحيح ابن حبان - (3 / 176) (894) حسن
(5) - كشف الأستار - (4 / 37) (3135) حسن- الشسع : أحد سيور النعل الذى يدخل بين الإصبعين(1/292)
وجوده وكرمه وإعطائه المسؤول ما هو من لوازم أسمائه وصفاته واقتضائها لآثارها ومتعلقاتها فلا يجوز تعطيلها عن آثارها وأحكامها فالحق سبحانه وتعالى جواد له الجود كله يحب أن يسأل ويطلب أن يرغب إليه فخلق من يسأله وألهمه سؤاله وخلق ما يسأله فهو خالق السائل وسؤاله ومسؤوله. (1)
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:إذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُكْثِرْ فَإِنَّمَا يَسْأَلُ رَبَّهُ." (2)
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُكْثِرْ ; فَإِنَّمَا يَسْأَلُ رَبَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (3)
خفض الصوت بالدعاء،وغضّ البصر وعدم رفعه إلى السماء.قال تعالى:{ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) } مريم.
الذكْر: له معانٍ متعددة،فالذكْر هو الإخبار بشيء ابتداءً،والحديث عن شيء لم يكُنْ لك به سابق معرفة،ومنه التذكير بشيء عرفته أولاً،ونريد أن نُذكِّرك به،كما في قوله تعالى:{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }[الذاريات: 55].ويُطلَق الذكْر على القرآن:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر: 9] وفي القرآن أفضل الذكر،وأصدق الأخبار والأحداث. كما يُطلق الذكر على كل كتاب سابق من عند الله،كما جاء في قوله تعالى:{ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ }[النحل: 43].
والذكْر هو الصِّيت والرِّفْعة والشرف،كما في قوله تعالى:{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ }[الزخرف: 44] وقوله تعالى:{ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ }[الأنبياء: 10] أي: فيه صِيتكم وشرفكم،ومن ذلك قولنا: فلان له ذِكْر في قومه.
ومن الذكْر ذِكْر الإنسان لربه بالطاعة والعبادة،وذكْر الله لعبده بالمثوبة والجزاء والرحمة ومن ذلك قوله تعالى:{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }[البقرة: 152].
فقوله تعالى: { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ } [مريم: 2] أي: هذا يا محمد خبر زكريا وقصته ورحمة الله به.
والرحمة: هي تجليّات الراحم على المرحوم بما يُديم له صلاحه لمهمته،إذن: فكلُّ راحم ولو من البشر،وكلُّ مرحوم ولو من البشر،ماذا يصنع؟ يعطى غيره شيئاً من النصائح تُعينه على أداء مهمته على أكمل وجه،فما بالك إنْ كانت الرحمة من الخالق الذي خلق الخلق؟ وما بالك إذا كانت رحمة الله لخير خَلْقه محمد؟
__________
(1) - فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (12 / 31)
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (15 / 193) (29982) صحيح
(3) - المعجم الأوسط للطبراني - (2115 ) وصحيح الجامع (437) صحيح(1/293)
إنها رحمة عامة ورحمة شاملة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أشرف الأنبياء وأكرمهم وخاتمهم،فلا وَحْيَ ولا رسالة من بعده،ولا إكمال. إذن فهو أشرف الرسل الذين هم أشرف الخَلْق،ورحمة كل نبي تأخذ حظها من الحق سبحانه بمقدار مهمته،ومهمة محمد أكرم المهمات.
وكلمة (رَحْمَة) هنا مصدر يؤدي معنى فعله،فالمصدر مثل الفعل يحتاج إلى فاعل ومفعول،كما نقول: آلمني ضَرْب الرجل ولدَه،فمعنى: { رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } [مريم: 2] أي: رحم ربُّك عبده زكريا.
لذلك قال تعالى: { رَحْمَةِ رَبِّكَ } [مريم: 2] لأنها أعلى أنواع الرحمة،وإن كان هنا يذكر رحمته تعالى بعبده زكريا،فقد خاطب محمدا - صلى الله عليه وسلم - بقوله:{ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }[الأنبياء: 107] فرحمة الله تعالى بمحمد ليست رحمة خاصة به،بل هي رحمة عامة لجميع العاملين،وهذه منزلة كبيرة عالية.
فالمراد من { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } [مريم: 2] يعنى هذا الذي يُتلَى عليك الآن يا محمد هو ذِكْر وحديث وخبر رحمة ربك التي هي أجلُّ الرحمات بعبده زكريا. ... ... ...
وسبق أن أوضحنا أن العبودية للخَلْق مهانة ومذلَّة،وهي كلمة بشعة لا تُقبل،أما العبودية لله تعالى فهي عِزٌّ وشرف،بل مُنتهَى العِزّ والشرف والكرامة،وعللنا ذلك بأن العبودية التي تسوء وتُحزِن هي عبودية العبد لسيد يأخذ خيره،أما العبودية لله تعالى فيأخذ العبد خير سيده.
لكن،ما نوع الرحمة التي تجلى الله تعالى بها حين أخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بخبر عبده زكريا؟
قالوا: لأنها رحمة تتعلق بطلاقة القدرة في الكون،وطلاقة القدرة في أن الله تبارك وتعالى خلق للمسبِّبات أسباباً،ثم قال للأسباب: أنت لست فاعلة بذاتك،ولكن بإرادتي وقدرتي،فإذا أردتُك ألاَّ تفعلي أبطلْتُ عملك،وإذا كنت لا تنهضين بالخير وحدك فأنا أجعلك تنهضين به.
ومن ذلك ما حدث في قصة خليل الله إبراهيم حين ألقاه الكفار في النار،ولم يكن حظ الله بإطفاء النار عن إبراهيم،أو بجَعْل النار بَرْداً وسلاماً على إبراهيم أن يُنجي إبراهيم؛ لأنه كان من الممكن ألاَّ يُمكّنَ خصوم إبراهيم عليه السلام من القبض عليه،أو يُنزِل مطراً يُطفئ ما أوقدوه من نار،لكن ليست نكاية القوم في هذا،فلو أفلتَ إبراهيم من قبضتهم،أو نزل المطر فأطفأ النار لقالوا: لو كُنَّا تمكنّا منه لفعلنا كذا وكذا،ولو لم ينزل المطر لفعلنا به كذا وكذا.
إذن: شاءت إرادة الله أنْ تكيد هؤلاء،وأن تُظهِر لهم طلاقة القدرة الإلهية فتُمكّنهم من إبراهيم حتى يلقوه في النار فعلاً،ثم يأتي الأمر الأعلى من الخالق سبحانه للنار أن تتعطل فيها خاصية الإحراق:{ قُلْنَا يانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }[الأنبياء: 69].(1/294)
وكذلك في قصة رحمة الله لعبده زكريا تعطينا دليلاً على طلاقة القدرة في مسألة الخَلْق،وليلفتنا إلى أن الخالق سبحانه جعل للكون أسباباً،فمَنْ أخذ بالأسباب يصل إلى المسبِّب،ولكن إياكم أنْ تُفتَنوا في الأسباب؛ لأن الخالق سبحانه قد يعطيكم بالأسباب،وقد يُلغيها نهائيا ويأتي بالمسبِّبات دون أسباب.
وقد تجلَّتْ طلاقة القدرة في قصة بَدْء الخَلْق،فنحن نعلم أن جمهرة الناس وتكاثرهم يتم عن طريق التزاوج بين رجل وامرأة،إلا أن طلاقة القدرة لا تتوقف عند هذه الأسباب والخالق سبحانه يُدير خلقه على كُلِّ أوجه الخَلْق،فيأتي آدم دون ذكر أو أنثى،ويخلق حواء من ذكر دون أنثى،ويخلق عيسى من أنثى بدون ذكر.
فالقدرة الإلهية ـ إذن ـ غير مُقيَّدة بالأسباب،وتظلّ طلاقة القدرة هذه في الخَلْق إلى أنْ تقومَ الساعة،فنرى الرجل والمرأة زوجين،لكن لا يتم بينهما الإنجاب وتتعطل فيهما الأسباب حتى لا نعتمد على الأسباب وننسى المسبِّب سبحانه،فهو القائل:{ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }[الشورى: 49ـ50].
وطلاقة القدرة في قصة زكريا عليه السلام تتجلى في أن الله تعالى استجاب لدعاء زكريا في أنْ يرزقَه الولد. قال تعالى: { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } [مريم: 2]. أي: رحمه الله،لكن متى كانت هذه الرحمة؟
يقول الحق تبارك وتعالى: { إِذْ نَادَى رَبَّهُ } أي: في الوقت الذي نادى فيه ربه نداءً خفياً.
والنداء لَوْن من ألوان الأساليب الكلامية،والبلاغيون يقسمون الكلام إلى خبر،وهو أن تخبر عن شيء بكلام يحتمل الصدق أو الكذب. وإنشاء،وهو أنْ تطلب بكلامك شيئاً،والإنشاء قَوْلٌ لا يحتمل الصدق أو الكذب.
والنداء من الإنشاء؛ لأنك تريد أن تنشىء شيئاً من عندك،فلو قُلْت: يا محمد فأنت تريد أن تنشئ إقبالاً عليك،فالنداء ـ إذن ـ طلبُ الإقبال عليك،لكن هل يصح أن يكون النداء من الله تعالى بهذا المعنى؟ إنك لا تنادى إلا البعيد عنك الذي تريد أن تستدنية منك.
فكيف تنادى ربك ـ تبارك وتعالى ـ وهو أقرب إليك من حبل الوريد؟ وكيف تناديه سبحانه وهو يسمعك حتى قبل أن تتكلم؟ فإذا كان إقباله عليك موجوداً في كل وقت،فما الغرض من النداء هنا؟ نقول: الغرض من النداء: الدعاء.ووَصْف النداء هنا بأنه: { نِدَآءً خَفِيّاً } [مريم: 3] لأنه ليس كنداء الخَلْق للخَلْق،يحتاج إلى رَفْع الصوت حتى يسمع،إنه نداء لله ـ تبارك وتعالى ـ الذى يستوي عنده السر والجهر،وهو القائل:{ وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }[الملك: 13].
ومن أدب الدعاء أنْ ندعوَه سبحانه كما أمرنا:{ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً }[الأعراف: 55].(1/295)
وهو سبحانه{ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى }[طه: 7] أي: وما هو أَخْفى من السر؛ لأنه سبحانه قبل أن يكون سِرّاً،علم أنه سيكون سراً.
لذلك،جعل الحق سبحانه أحسن الدعاء الدعاء الخفي؛ لأن الإنسان قد يدعو ربه بشيء،إنْ سمعه غيره ربما استنقصه،فجعل الدعاء خَفياً بين العبد وربه حتى لا يُفتضحَ أمره عند الناس.
أما الحق سبحانه فهو ستَّار يحب الستر حتى على العاصين،وكذلك ليدعو العبد رَبَّه بما يستحي أنْ يذكره أمام الناس،وليكون طليقاً في الدعاء فيدعو ربه بما يشاء؛ لأنه ربُّه ووليه الذي يفزع إليه. وإنْ كان الناس سيحزنون ويتضجرون إن سألتهم أدنى شئ،فإن الله تعالى يفرح بك أن سألته.لكن لماذا أخفى زكريا دعاءه؟
دعا زكريا ربه أنْ يرزقه الولد،ولكن كيف يتحقق هذا المطلب وقد بلغ من الكبر عتياً وامرأته عاقر؟ فكأن الأسباب الموجودة جميعها مُعطَّلة عنده؛ لذلك توجه إلى الله بالدعاء: يا رب لا ملجأ لي إلا أنت فأنت وحدك القادر على خَرْق الناموس والقانون،وهذا مطلب من زكريا جاء في غير وقته.
أخفاه أيضا؛ لأنه طلب الولد في وجود أبناء عمومته الذين سيحملون منهجه من بعده،إلاّ أنه لم يأتمنهم على منهج الله؛ لأن ظاهر حركتهم في الحياة غير متسقة مع المنهج،فكيف يأمنهم على منهج الله وهم غير مؤتمنين على أنفسهم؟ فإذا دعا زكريا ربه أنْ يرزقه الولد ليرث النبوة من بعده،فسوف يغضب هؤلاء من دعاء زكريا ويعادونه؛ لذلك جاء دعاؤه خفياً يُسِرُّه بينه وبين ربه تعالى.
سؤال آخر تنبغي الإجابة عليه هنا: لماذا يطلب زكريا الولد في هذه السن المتأخرة،وبعد أن بلغ من الكبر عتياً،وأصبحت امرأته عاقراً؟
لقد أوضح زكريا عليه السلام العلة في ذلك في الآيات القادمة فقال:{ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ }[مريم: 6].إذن: فالعِلَّة في طلب الولد دينية مَحْضة،لا يطلبه لمغْنَم دنيوي،إنما شغفه بالولد أنه لم يأمن القوم من بعده على منهج الله وحمايته من الإفساد.
لذلك قوله: (يرثني) هنا لا يفهم منه ميراث المال كما يتصوره البعض؛ لأن الأنبياء لا يورثون،كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " وبذلك يخرج النبي من الدنيا دون أن ينتفع أحد من أقاربه بماله حتى الفقراء منهم.
فالمسألة مع الأنبياء خالصة كلها لوجه الله تعالى؛ لذلك قال بعدها:{ وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ }[مريم: 6] أي: النبوة التي تناقلوها. فلا يستقيم هنا أبداً أن نفهم الميراث على أنه ميراث المال أو متاع الدنيا الفاني.ومن ذلك قوله تعالى:{ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ }[النمل: 16] ففي أيِّ شئ ورثه؟ أورثه في(1/296)
تركته؟ إذن: فما موقف إخوته الباقين؟ لا بد أنه ورثه في النبوة والملك،فالمسألة بعيدة كل البعد عن الميراث المادي. (1)
وعَنْ عَائِشَةَ { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} (110) سورة الإسراء أُنْزِلَتْ فِى الدُّعَاءِ ". متفق عليه (2) .
وعَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا،فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « يَا أَيُّهَا النَّاسُ،ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ،فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا،إِنَّهُ مَعَكُمْ،إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ،تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ » متفق عليه (3) .
الإلحاح في الدعاء،وتكراره ثلاثا.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،قَالَ: " بَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ عِنْدَ الْبَيْتِ وَقَدْ نَحَرُوا جَزُورًا بِالْأَمْسِ،قَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَذْهَبُ إِلَى سَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ،فَيَأْخُذَهُ،فَيَضَعَهُ عَلَى كَتِفَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَجَدَ،فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ،فَأَخَذَهُ،فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ،فَاسْتَضْحَكُوا،وَجَعَلُوا بَعْضُهُمْ يُقْبِلُ عَلَى بَعْضٍ،وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ،لَوْ كَانَتْ لِي مَنْعَةٌ لَطَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ،حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ،فَجَاءَتْ وَهِيَ جَارِيَةٌ فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ،ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ،فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَاتَهُ،رَفَعَ صَوْتَهُ،ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ،وَكَانَ إِذَا دَعَا،دَعَا ثَلَاثًا،وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا،ثُمَّ قَالَ: " اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمُ الضَّحِكُ،وَخَافُوا دَعْوَتَهُ ثُمَّ قَالَ: " اللهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ،وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ،وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ،وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ،وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ،وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ " وَذَكَرَ السَّابِعَ فَلَمْ أَحْفَظْهُ،وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ،ثُمَّ سُحِبُوا فِي الْقَلِيبِ،قَلِيبِ بَدْرٍ "." (4)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ مِنَ الدُّعَاءِ الثَّلاَثُ،إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاَثًا،أَوْ سَأَلَ سَأَلَ ثَلاَثً (5) ا.
__________
(1) - تفسير الشعراوي - ( / 2236)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6327 ) وصحيح مسلم- المكنز -(1030 )
وهناك سبب نزول آخر ،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي قَوْلِهِ : {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء] ، قَالَ : نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُخْتَفِي ، بِمَكَّةَ ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ ، رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا سَمِعُوا ، سَبُّوا الْقُرْآنَ ، وَمَنْ أَنْزَلَهُ ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - :{وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ} [الإسراء]، أَيْ : بِقِرَاءَتِكَ ، فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ ، فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ ، {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء] عَنْ أَصْحَابِكَ فَلاَ تُسْمِعُهُمْ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء].صحيح البخارى- المكنز - (4722) وصحيح مسلم- المكنز - (1029 ) وصحيح ابن حبان - (5 / 99) (1796)
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (2992 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7037) -اربع : ارفق بنفسك واخفض صوتك
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (4750 ) -السلى : الغشاء الذى يكون فيه جنين البهيمة
(5) - مسند الشاشي 335 - (1 / 325) (665) صحيح لغيره(1/297)
الجزم بالدعاء،والثقة بالله،والعلم بأنه سبحانه يجيب الدعاء مهما كان عظيما أو صعبا،فهو القادر أن يجعل من كل هم فرجا،ومن كل ضيق مخرجا،ومن كل شدة ظفرا ونصرا.
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ إِذَا دَعَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى إِنْ شِئْتَ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ ».مالك (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى،اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى،إِنْ شِئْتَ.لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ،فَإِنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ » (2) ..
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيُعْظِمِ الرَّغْبَةَ،فَإِنَّهُ لاَ يَتَعَاظَمُ عَلَى اللهِ شَيْءٌ. رواه ابن حبان (3) .
فذنوب العباد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها وأعظم،فهي صغيرة في جنب عفو الله ومغفرته،فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ: وَاذُنُوبَاهُ وَاذُنُوبَاهُ،فَقَالَ هَذَا الْقَوْلَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " قُلِ: اللهُمَّ مَغْفِرَتُكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي،وَرَحْمَتُكَ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلِي "،فَقَالَهَا ثُمَّ قَالَ: " عُدْ "،فَعَادَ،قَالَ: ثُمَّ قَالَ: " عُدْ "،فَعَادَ قَالَ: " قُمْ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ " (4)
عدم التكلف في الدعاء،وترك السجع فيه،وتعلم المأثور منه في الكتاب والسنة.
فعَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ. رواه أبو داود (5) .
افتتاح الدعاء بحمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله،والصلاة والسلام على نبيه - صلى الله عليه وسلم - واختتام الدعاء بمثل ذلك. حكى الطرطوشي رحمه الله عن أبي سليمان الداراني رضي الله عنه أنه قال:إذا سألت الله تعالى حاجة فابدأ بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ادع بما شئت ثم اختم بالصلاة عليه فإن الله سبحانه بكرمه يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما"
__________
(1) - موطأ مالك- المكنز - (500 ) صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6339 )
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 177) (896) صحيح
(4) - شعب الإيمان - (9 / 331) (6724 ) فيه جهالة
(5) - سنن أبي داود - المكنز - (1484 ) صحيح
الجوامع : الأشياء التي تجمع الأشياء ، جمع جامعة ، أي : خصلة جامعة ، وألفاظ «جامعة» لمقاصد الحاجة ، أو جامعة للثناء على الله تعالى والسؤال.
وَقَالَ عَلِيّ الْقَارِيّ : وَهِيَ الَّتِي تَجْمَعُ الْأَغْرَاض الصَّالِحَة أَوْ تَجْمَعُ الثَّنَاء عَلَى اللَّه تَعَالَى وَآدَاب الْمَسْأَلَة . وَقَالَ الْمُظْهِر : هِيَ مَا لَفْظه قَلِيل وَمَعْنَاهُ كَثِير شَامِل لِأُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة نَحْو اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك الْعَفْو وَالْعَافِيَة فِي الدِّين وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة ، وَكَذَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَاف وَالْغِنَى ، وَنَحْو سُؤَال الْفَلَاح وَالنَّجَاح "عون المعبود - (3 / 413)(1/298)
وقال النووي رحمه الله: أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى والثناء ثم الصلاة على رَسُوْل اللهِ صَلًَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قال وكذا يختم الدعاء بهما" (1) .
عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجَنْبِيِّ،أَنَّهُ سَمعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ: سَمعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاَتِهِ،لَمْ يُمَجِّدِ اللهَ،وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي،ثُمَّ عَلَّمَهُمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ،وَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يُصَلِّي،فَمَجَّدَ اللهَ،وَحَمِدَهُ،وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ادْعُ تُجَبْ،وَسَلْ تُعْطَ." رواه أبو داود والنسائي (2) .
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ،إِنَّ الرَّاكِبَ يَمْلَأُ قَدَحَهُ مَاءً ثُمَّ يَضَعُهُ،ثُمَّ يَأْخُذُ فِي مَعَالِيقِهِ حَتَّى إِذَا فَرَغَ جَاءَ إِلَى الْقَدَحِ،فَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الشَّرَابِ شَرِبَ،وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ فِي الشَّرَابِ تَوَضَّأَ،فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ فِي الْوُضُوءِ أَهْرَاقَهُ،وَلَكِنِ اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ وَفِي آخِرِ الدُّعَاءِ " البيهقي (3) .
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،قَالَ: " كُلُّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ عَنِ السَّمَاءِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ،وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - " (4)
التأمين على دعاء النفس وعلى دعاء الغير.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا دعا أحدُكم فَلْيُؤَمِّنْ على دعاءِ نفسِهِ " رواه ابن عدي (5) .
وعَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيُّ وَكَانَ مُسْتَجَابًا أَنَّهُ أُمِّرَ عَلَى جَيْشٍ فَدَرَّبَ الدُّرُوبَ،فَلَمَّا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَالَ لِلنَّاسِ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:" لَا يَجْتَمِعُ مَلَأٌ فَيَدْعُو بَعْضُهُمْ وَيُؤَمِّنُ سَائِرُهُمْ إِلَّا أَجَابَهُمُ اللَّهُ "،ثُمَّ إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ:اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَاجْعَلْ أُجُورَنَا أُجُورَ الشُّهَدَاءِ،فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ الْهِنْبَاطُ أَمِيرُ الْعَدُوِّ فَدَخَلَ عَلَى حَبِيبٍ سُرَادِقَهُ.قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ:" الْهِنْبَاطُ بِالرُّومِيَّةِ صَاحِبُ الْجَيْشِ " رواه الطبراني (6) .
تجنب الاعتداء في الدعاء،والحذر من الدعاء على النفس أو الأهل أو الولد أو أحد المخلوقات.
قال تعالى:{ وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (11)} الإٌسراء.
__________
(1) - سلاح المؤمن في الدعاء والذكر - (1 / 116)
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (1483 ) وسنن النسائي- المكنز -(1292) صحيح
(3) - أخرجه عَبْد بن حُمَيْد (1132) وشعب الإيمان - (3 / 137)(1476) ضعيف
(4) - شعب الإيمان - (3 / 136) (1474 ) حسن موقوف ، ومثله لا يقال بالرأي
(5) - أخرجه ابن عدى (4/107 ، ترجمة 954 طلحة بن عمرو الحضرمى) . وأخرجه أيضًا : الديلمى فى الفردوس (1/316 ، رقم 1250) . قال المناوى (1/343) : إسناده ضعيف .
(6) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (3458 ) حسن(1/299)
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ عَجَلَةِ الإِنْسَانِ،وَدُعَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ بِالشَّرِّ حِينَ الغَضَبِ،كَمَا يُسَارِعُ إِلَى الدُّعَاءِ فِي الخَيْرِ،فَلَوِ اسْتَجَابَ اللهُ لَهُ لأَهْلَكَهُ وَأَهْلَكَ أَهْلَهُ.وَالَّذِي يَحْمِلُ الإِنْسَانَ عَلَى ذلِكَ هُوَ قَلَقُهُ،وَعَجَلَتُهُ،وَقِلَّةُ صَبْرِهِ . (1)
وقال عز وجل: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (11) سورة يونس.
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ حِلْمِهِ وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ،وَيَقُولُ إِنَّهُ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ إِذَا دَعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَوْلاَدِهِمْ بِالشَّرِّ فِي حَاَل ضَجَرِهِمْ وَغَضَبِهِمْ،لأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لاَ يُرِيدُونَ ذَلِكَ،فَلِذَلِكَ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ لُطْفاً مِنْهُ،وَرَحْمَةً بِهِمْ .
أَمَّا إِذَا دَعَوا لأَنْفُسِهِمْ وَأَوْلاَدِهِمْ بِالخَيْرِ وَالبَرَكَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ.وَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَوِ اسْتَجَابَ لَهُمْ فِي كُلِّ دَعْوَةٍ تَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ لأَهْلَكَهُمْ.وَيَتْرُكُ اللهُ تَعَالَى الذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ،وَلاَ يَرْجُونَ لِقَاءَهُ فِي الآخِرَةِ،سَادِرِينَ فِي غَيِّهِمْ،مُسْتَمِرِّينَ فِي طُغْيَانِهِمْ،مُتَحَيِّرِينَ لاَ يَهْتَدُونَ إِلَى الخُرُوجِ مِمَّا هُمْ فِيهِ،حَتَّى يَجِيءَ اليَوْمُ الذِي وَعَدَهُمُ اللهُ بِهِ .
( وَقَدْ يَكُونُ المَعْنَى:لَوْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُعَجِّلُ لِلنَّاسِ إِجَابَةَ دُعَائِهِمْ وَاسْتِعْجَالِهِمْ فِي الشَّرِّ فِيمَا فِيهِ مَضَرَّتُهُمْ،فِي النَّفْسِ وَالمَالِ وَالوَلَدِ - كَمَا اسْتَعْجَلَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ رَسُولَ اللهِ بِالعَذَابِ الذِي أَنْذَرَهُمْ بِهِ - كَاسْتِعْجَالِهِمْ بِالخَيْرِ الذِي يَطْلُبُونَهُ بِدُعَائِهِمْ اللهَ،لَقَضَى إِلَيْهِمْ أَجَلَهُمْ قَبْلَ وَقْتِهِ الطَّبِيعِيِّ المُحَدَّدِ لَهُمْ،كَمَا أَهْلَكَ الذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ،وَاسْتَعْجَلُوا بِالعَذَابِ مِنْ قَبْلِهِمْ ) . (2)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَطْلُبُ الْمَجْدِيَّ بْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِيَّ،وَكَانَ النَّاضِحُ يَعْتَقِبُهُ مِنَّا الْخَمْسَةُ،وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ،فَدَنَا عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ،فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ،ثُمَّ بَعَثَهُ،فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ،فَقَالَ:شَأْ لَعَنَكَ اللَّهُ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ هَذَا اللاَّعِنُ بَعِيرَهُ ؟ قَالَ:أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ،قَالَ:انْزِلْ عَنْهُ،فَلاَ تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ،لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ،وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ،وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ،لاَ تُوَافِقُوا مِنَ السَّاعَةِ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ." (3)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،قَالَتْ:دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِي سَلَمَةَ،وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ وَقَالَ:إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ،تَبِعَهُ الْبَصَرُ،فَصَاحَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ،فَقَالَ:لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ بِخَيْرٍ،فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تُؤَمِّنُ عَلَى مَا تَقُولُونَ،ثُمَّ قَالَ:اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَةَ،وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمُقَرَّبِينَ،وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ،وَاغْفِرْ لَهُ وَلَنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ،اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ،وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ. (4)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2041)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1376)
(3) - صحيح ابن حبان - (13 / 52) (5742) وصحيح مسلم- المكنز - (7705 ) مطولا
(4) - صحيح ابن حبان - (15 / 515) (7041) وصحيح مسلم- المكنز - (2169) -الغابر : الباقى(1/300)
بجنب استبطاء الإجابة،واليأس والقنوط من قضاء حاجته،ثم استصغار شأن الدعاء،وعدم الاهتمام به،ثم تركه بعد ذلك.
عَنْ جَابِرٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُوَكَّلٌ بِحَاجَاتِ الْعِبَادِ،فَإِذَا دَعَاهُ عَبْدُهُ الْمُؤْمِنُ قَالَ لَهُ: يَا جِبْرِيلُ،احْبِسْ حَاجَةَ عَبْدِي هَذَا،فَإِنِّي أُحِبُّهُ وَأُحِبُّ صَوْتَهُ،وَإِذَا دَعَاهُ عَبْدُهُ الْكَافِرُ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ اقْضِ حَاجَةَ عَبْدِي هَذَا فَإِنِّي أَبْغَضُهُ وَأَبْغَضُ صَوْتَهُ " (1) .
وعن ثَابِتَ،قَالَ: " أَخَذَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ ابْنَ أَخِي صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ فَحَبَسَهُ فِي السِّجْنِ،فَلَمْ يَدَعْ صَفْوَانُ أَحَدًا مِنَ الْوُجُوهِ إِلَّا تَجَمَّلَ بِهِ عَلَيْهِ،فَلَمْ يَرَ لِحَاجَتِهِ نَجَاحًا،فَبَاتَ فِي مُصَلَّاهُ فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ،فَقَالَ: قُمْ يَا صَفْوَانُ فَاطْلُبْ حَاجَتَكَ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهَا،قَالَ: فَقَامَ فَزِعًا،فَتَوَضَّأَ،ثُمَّ صَلَّى،ثُمَّ دَعَا،فَإِذَا بِابْنِ أَخِيهِ يَضْرِبُ الْبَابَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ: أَنَا فُلَانٌ،- يَعْنِي ابْنَ أَخِيهِ - فَقَالَ: وَأَيُّ هَذِهِ السَّاعَةِ ؟ قَالَ: انْتَبَهَ الْأَمِيرُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَدَعَا بِالنِّيرَانِ وَالشُّرَطِ وفُتِحَتْ أَبْوَابُ السُّجُونِ وَنُودِيَ: أَيْنَ ابْنُ أَخِي صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ ؟ أَخْرِجُوهُ،فَإِنِّي قَدْ مُنِعْتُ النَّوْمَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ " (2)
وعن يَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ الرَّازِيِّ ,قالَ: " عِيلَ صَبْرِي،وَضَاقَ صَدْرِي،وَاشْتَدَّتْ فَاقَتِي إِلَى مَغْفِرَتِكَ وَعَظُمَ رَجَائِي لِرَحْمَتِكَ،أَلْحَحْتُ فِي الدُّعَاءِ اضْطِرَارًا وَأَنْتَ تُجِيبُنِي إِذَا شِئْتَ اخْتِيَارًا،أَمَا تَرْحَمُنِي مُحْتَاجًا إِلَيْكَ وَمُعْتَمِدًا فِي حَاجَتِي عَلَيْكَ،لَيْسَ لِي إِلَهٌ سِوَاكَ فَأَلْتَجِئُ إِلَيْهِ،وَلَا لَكَ شَرِيكٌ فَأَعْتَمِدُ عَلَيْهِ بِنُورِ جَلَالِ وَجْهِكَ،أَسْأَلُكَ إِلَّا عَجَّلْتَ فَرَجِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ " (3)
وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ،قَالَ:" كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ،فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ جُلَسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَاعْتَنَقَهُ،وَقَبَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَبِينَ صَاحِبِهِ مَوْضِعَ السُّجُودِ،وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرَ إِلَيْهِمَا مُبْتَسِمًا،فَقَالَ تَمِيمٌ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَا تَقُولُ فِي الِاعْتِنَاقِ لِلْمُسْلِمِينَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ يَا تَمِيمُ،إِنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا الْتَقَيَا،فَتَصَافَحَا،وَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ،وَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ هَذَانِ تَحَاتَّتْ ذُنُوبُهُمَا عَنْهُمَا،كَمَا تَحَاتُّ الْوَرَقُ مِنَ الشَّجَرِ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ يَا تَمِيمُ،بَيْنَمَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ،يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِذْ هُوَ بِصَوْتِ رَجُلٍ يُسَبِّحُ اللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ،فَذَهَلَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ غَنَمِهِ،وَقَصَدَ الصَّوْتَ،فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ طُوَالٍ يُسَمَّى:أَهْلَثُ الْعَابِدُ،طُولُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا،فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ،وَقَالَ لَهُ:يَا أَهْلَثُ،بَعْدَ أَنْ عَرَفَ اسْمَهُ،هَلْ بَقَيَ مِنْ قَوْمِكَ غَيْرُكَ ؟ قَالَ:لَا،قَالَ:فَمَنْ رَبُّكَ ؟ قَالَ:رَبُّ السَّمَاءِ،قَالَ:فَمَنْ رَبُّ السَّمَاءِ ؟ قَالَ:رَبُّ السَّمَاءِ اللَّهُ،قَالَ:مَا دِينُكَ ؟ قَالَ:الْإِسْلَامُ،قَالَ:فَأَيْنَ قِبْلَتُكَ ؟ قَالَ:فَأَوْمَى بِيَدِهِ نَحْوَ بَيْتِ اللَّهِ
__________
(1) - شعب الإيمان - (12 / 370) (9561 و9562 ) وبغية الباحث (2/966 ، رقم 1068) موصولا ومرسلاً والصواب المرسل
(2) - شعب الإيمان - (12 / 370) (9563 ) صحيح
(3) - شعب الإيمان - (12 / 371) (9564 )(1/301)
الْحَرَامِ،فَسُرَّ إِبْرَاهِيمُ بِذَلِكَ،فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ:فَأَيْنَ مَسْكَنُكَ ؟ فَقَالَ:فِي جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ:فَأُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ،قَالَ:لَنْ تَسْتَطِيعَ،قَالَ:وَلِمَ ؟ قَالَ:إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَهْرًا مِنْ مَاءٍ،بَعِيدًا غَوْرُهُ،كَثِيرًا مَاؤُهُ،قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ:فَأَيْنَ مَمْشَاكَ ؟ قَالَ:عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ:فَإِنَّ الَّذِي ذَلَّلَهُ لَكَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُسَخِّرَهُ لِي،فَمَضِيَا يَمْشِيَانِ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى بَيْتِ أَهْلَثَ،فَإِذَا قِبْلَتُهُ،قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ،فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ:أَيُّ يَوْمٍ أَشَدُّ عَلَى النَّاسِ يَا أَهْلَثُ ؟ قَالَ:يَوْمُ يَنْزِلُ الْجَبَّارُ جَلَّ جَلَالُهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ،فَتُوضَعُ الْمَوَازِينُ،وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ،قَالَ إِبْرَاهِيمُ:صَدَقْتَ يَا أَهْلَثُ إِنَّهُ لِيَوْمٌ عَظِيمٌ،إِلَّا مَنْ هَوَّنَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ،قَالَ إِبْرَاهِيمُ:يَا أَهْلَثُ،ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُهَوِّنَ عَلَيْنَا هَوْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ،قَالَ أَهْلَثُ:هَذَا إِلَيْكَ،يَرْحَمُكَ اللَّهُ،إِنَّ لِي عَشَرَ سِنِينَ،أَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَمْ أَرْ لَهَا إِجَابَةً،قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ:يَا أَهْلَثُ،إِنَّ اللَّهُ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا،وَكَانَ دَعَّاءً،فَدَعَا:يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:صَوْتٌ أُحِبُّهُ لَا أُنْكِرُهُ،امْكُثُوا لِقَضَاءِ حَاجَةِ عَبْدِي،وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ دَعَّاءٍ،فَدَعَا،يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:صَوْتٌ أَبْغَضُهُ،وَأُنْكِرُهُ،اقْضُوا حَاجَةَ عَبْدِي،وَمَا كَانَ مِنْ دُعَاءه،قَالَ:بَيْنَا أَنَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي رَأَيْتُ،رَأَيْتُ وَجْهًا عَلَيْهِ ذُؤَابَتَانِ تَضْرِبَانِ خُضْرَةً يَرْعَى غَنَمًا حِسَانًا،وَبَقَرًا سِمَانًا،فَلَا أَدْرِي أَيُّ الْأَشْيَاءِ أَحْسَنَ،الْغُلَامُ أَمْ رَعِيَّتُهُ فَإِذَا هُوَ يُسَبِّحُ اللَّهَ،وَيَحْمَدُهُ،وَيُهَلِّلُهُ،وَيُكَبِّرُهُ،وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ،فَدَنَوْتُ مِنْهُ،فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ،قَالَ أَهْلَثُ:فَقُلْتُ:يَا غُلَامُ،لِمَنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ وَالْغَنَمِ ؟ قَالَ:لِإِبْرَاهِيمَ،قَال:وَمَنْ إِبْرَاهِيمُ ؟ قَالَ:إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ،قُلْتُ:وَمَا أَنْتَ مِنْهُ ؟ قَالَ:ابْنُ ابْنِهِ،وَهُوَ جَدِّي فَأَنَا مُبْتَهِلٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِنْ كَانَ لَهُ فِي الْأَرْضِ خَلِيلٌ أَنْ يُرِينَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ قَالَ:فَتَبَسَّمَ إِبْرَاهِيمُ،ثُمَّ قَالَ:يَا أَهْلَثُ،أَنَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ،وَالْخَلِيلُ:هُوَ الصَّدِيقُ،فَقَامَ أَهْلَثُ قَائِمًا يَبْكِي،فَاعْتَنَقَ إِبْرَاهِيمَ،وَقَبَّلَ مَوْضِعَ السُّجُودِ،عِنْدَ ذَلِكَ شَهَقَ أَهْلَثُ شَهْقَةً حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا،وَتَوَلَّى إِبْرَاهِيمُ أَهْلَثَ حَتَّى أَجَنَّهُ فِي حُفْرَتِهِ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ وَلَدِهِ " (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ،أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ،مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ،قِيلَ:يَا رَسُولَ اللهِ،كَيْفَ يَسْتَعْجِلُ ؟ قَالَ:يَقُولُ:قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي،فَيَنْحَسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ،فَيَتْرُكُ الدُّعَاءَ. رواه مسلم (2) .
ترصّد الأوقات المباركة والأزمان الكريمة،واعتنام المواسم والحالات الشريفة والأمكنة الطاهرة المقدسة،للتضرّع والدعاء،كأوقات السحر،والجمع،ورمضان،وعشر ذي الحجة،ويوم عرفة،وبعد
__________
(1) - فُنُونُ الْعَجَائِبِ لِأَبِي سَعِيدٍ النَّقَّاشِ(91 ) فيه مجاهيل
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7112 ) وصحيح ابن حبان - (3 / 163) (881)
قطيعة رحم : القطيعة الهجر والصد والرحم الأقارب والأهلون ، والمراد : أن لا يصل أهله ويبرهم ويحسن إليهم.
فيستحسر : الاستحسار : الاستنكاف عن السؤال ، وأصله من حسر الطرف. إذا كَلّ وضعف نظره. يعني : أن الداعي إذا تأخرت إجابته تضجر ومل ، فترك الدعاء واستنكف.(1/302)
الصلوات،وعند الإفطار،وفي السجود.. وحالات رقة القلب وإقباله على الله تعالى:وفي المسجد الحرام والمسجد النبوي وبيوت الله..
قال تعالى:{ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} الذاريات.
{ وَبِالأسْحَارِ } التي هي قبيل الفجر { هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } الله تعالى،فمدوا صلاتهم إلى السحر،ثم جلسوا في خاتمة قيامهم بالليل،يستغفرون الله تعالى،استغفار المذنب لذنبه،وللاستغفار بالأسحار،فضيلة وخصيصة،ليست لغيره،كما قال تعالى في وصف أهل الإيمان والطاعة: { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ } (1)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:يَنْزِلُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلاَ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ:مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي أَغْفِرُ لَهُ ؟. " متفق عليه (2) .
وعن أبي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ:مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي أَسْتَجِيبُ لَهُ ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَرْزِقُنِي أَرْزُقُهُ ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي أَغْفِرُ لَهُ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ. (3)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ،وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالاَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ،نَزَلَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ جَلَّ وَعَلاَ:هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ. (4)
عَنْ أَبِي أُمَامةَ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:"تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ،وَيُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ الْتِقَاءِ الصُّفُوفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَعِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ،وَعِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلاةِ،وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ". رواه الطبراني (5) .
__________
(1) - تفسير السعدي - (1 / 808)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1145) وصحيح مسلم- المكنز - (1808 )
صحيح ابن حبان - (3 / 200)(920)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : صِفَاتُ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ لاَ تُكَيَّفُ ، وَلاَ تُقَاسُ إِلَى صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ، فَكَمَا أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ مُتَكَلِّمٌ مِنْ غَيْرِ آلَةٍ بَأَسْنَانٍ وَلَهَوَاتٍ وَلِسَانٍ وَشَفَةٍ كَالْمَخْلُوقِينَ ، جَلَّ رَبُّنَا وَتَعَالَى عَنْ مِثْلِ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ كَلاَمُهُ إِلَى كَلاَمِنَا ، لأَنَّ كَلاَمَ الْمَخْلُوقِينَ لاَ يُوجَدُ إِلاَّ بِآلاَتٍ ، وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ يَتَكَلَّمُ كَمَا شَاءَ بِلاَ آلَةٍ ، كَذَلِكَ يَنْزِلُ بِلاَ آلَةٍ ، وَلاَ تَحَرُّكٍ ، وَلاَ انْتِقَالٍ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ ، وَكَذَلِكَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ ، فَكَمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ : اللَّهُ يُبْصِرُ كَبَصَرِنَا بِالأَشْفَارِ وَالْحَدَقِ وَالْبَيَاضِ ، بَلْ يُبْصِرُ كَيْفَ يَشَاءُ بِلاَ آلَةٍ ، وَيَسْمَعُ مِنْ غَيْرِ أُذُنَيْنِ ، وَسِمَاخَيْنِ ، وَالْتِوَاءٍ ، وَغَضَارِيفَ فِيهَا ، بَلْ يَسْمَعُ كَيْفَ يَشَاءُ بِلاَ آلَةٍ ، وَكَذَلِكَ يَنْزِلُ كَيْفَ يَشَاءُ بِلاَ آلَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَاسَ نُزُولُهُ إِلَى نُزُولِ الْمَخْلُوقِينَ ، كَمَا يُكَيَّفُ نُزُولُهُمْ ، جَلَّ رَبُّنَا وَتَقَدَّسَ مِنْ أَنْ تُشَبَّهَ صِفَاتُهُ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ. صحيح ابن حبان - (3 / 201)
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 199) (919) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (3 / 202) (921) صحيح
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (7 / 186)(7615 ) والسنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (3 / 360)(6691) ضعيف(1/303)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« ثِنْتَانِ لاَ تُرَدَّانِ أَوْ قَلَّمَا تُرَدَّانِ الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ». (1)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : سَاعَتَانِ لاَ تُرَدُّ عَلَى دَاعٍ دَعْوَتُهُ،حِينَ تُقَامُ الصَّلاَةُ وَفِي الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللهِ. (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ حَاجَةٌ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِى آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ ثُمَّ لْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لْيُثْنِ عَلَى اللَّهِ وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ لْيَقُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ لاَ تَدَعْ لِى ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ وَلاَ حَاجَةً هِىَ لَكَ رِضًا إِلاَّ قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ». (3)
وعَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ،قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى الْحَجَّاجِ فَقَالَ لِي:أَلَا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ حَسَنٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ؟ قُلْتُ:بَلَى حَدِّثْنِي،قَالَ:حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(( مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةٌ فَلْيَدْعُ بِهَا دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ )) . (4) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ،فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ. " رواه مسلم (5) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ:الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ،وَالإِمَامُ الْعَادِلُ،وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ." ابن حبان (6)
وعن سَعْدَ الطَّائِيَّ،قَالَ:حَدَّثَنِي أَبُو الْمُدِلَّةِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ،أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ،يَقُولُ:قُلْنَا:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلُوبَنَا،وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ،وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا،وَشَمَمْنَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ،فَقَالَ:لَوْ تَكُونُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ بِأَكُفِّكُمْ،وَلَوْ أَنَّكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ،وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَيْ
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (3 / 360) (6689) حسن
(2) - صحيح ابن حبان - (5 / 60) (1764) صحيح
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (481 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِى إِسْنَادِهِ مَقَالٌ. قلت : هو ضعيف
مُوجِباتِ رحمتكَ : ما يوجبُ الرحمةَ من الأعمال الصالحة والطاعات.
عزائم مغفرتك : عزائم المغفرة : الأسباب التي يعزمُ له بها الغفران ويُحقِّقُهُ.
(4) - أخرجه ابن عساكر (5/415) ومسند المقلين من الأمراء والسلاطين - (1 / 22)(6) ضعيف
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (1111) وصحيح ابن حبان - (5 / 254) (1928)
(6) - صحيح ابن حبان - (8 / 215) (3428) حسن(1/304)
يَغْفِرَ لَهُمْ،قَالَ:قُلْنَا:يَا رَسُولَ اللهِ،حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ:لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ،وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَمِلاَطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ،وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ أَوِ الْيَاقُوتُ،وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ،مَنْ يَدْخُلْهَا يَنْعَمْ،فَلاَ يَبْؤُسُ،وَيَخْلُدْ لاَ يَمُوتُ لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ،وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ،ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ:الإِمَامُ الْعَادِلُ،وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ،وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ،وَيَقُولُ الرَّبُّ:وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ." ابن حبان (1)
الإكثار من الدعاء والتوسل إلى الله تبارك وتعالى في أوقات اليسر والرخاء،ليستجيب الله تعالى له في أوقات العسر والشدة والضراء.
قال تعالى: { وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) } [الأنبياء:89،90]
واذكر - أيها الرسول - قصة عبد الله زكريا حين دعا ربه أن يرزقه الذرية لما كَبِرت سنُّه قائلا رب لا تتركني وحيدًا لا عقب لي،هب لي وارثًا يقوم بأمر الدين في الناس من بعدي،وأنت خير الباقين وخير مَن خلفني بخير.فاستجبنا له دعاءه ووهبنا له على الكبر ابنه يحيى،وجعلنا زوجته صالحة في أخلاقها وصالحة للحمل والولادة بعد أن كانت عاقرًا،إنهم كانوا يبادرون إلى كل خير،ويدعوننا راغبين فيما عندنا،خائفين من عقوبتنا،وكانوا لنا خاضعين متواضعين. (2)
أقول لمن يُعاني من العقم وعدم الإنجاب وضاقتْ به أسباب الدنيا،وطرق باب الأطباء أن يلجأ إلى الله بما لجأ به زكريا - عليه السلام - وأهله { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } [الأنبياء: 90] خذوها (روشتة) ربانية،ولن تتخلف عنكم الاستجابة بإذن الله.لكن،لماذا هذه الصفة بالذات: { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ.. } [الأنبياء: 90]؟
قالوا: لأنك تلاحظ أن أصحاب العُقْم وعدم الإنجاب غالباً ما يكونون بُخَلاء مُمْسِكين،فليس عندهم ما يُشجِّعهم على الإنفاق،فيستكثرون أن يُخرجوا شيئاً لفقير؛ لأنه ليس ولده.فإذا ما سارع إلى الإنفاق وسارع في الخيرات بشتى أنواعها،فقد تحدَّى الطبيعة وسار ضدها في هذه المسألة،وربما يميل هؤلاء الذين ابتلاهم الله بالعُقْم إلى الحقد على الآخرين،أو يحملون ضغينة لمن ينجب،فإذا طرحوا هذا الحقد ونظروا لأولاد الآخرين على أنهم أولادهم،فعطفوا عليهم وسارعوا في الخيرات،ثم توجَّهوا إلى الله بالدعاء رَغَباً ورَهَباً،فإن الله تعالى وهو المكوِّن الأعلى يخرق لهم النواميس والقوانين،ويرزقهم الولد من حيث لا يحتسبون.
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (16 / 396) (7387) حسن - الغمام : السحاب ، واحده : غمامة.
(2) - التفسير الميسر - (6 / 5)(1/305)
ومعنى: { وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } [الأنبياء: 90] يعني: راضين بقدرنا فيهم،راضين بالعُقْم على أنه ابتلاء وقضاء،ولا يُرفع القضاء عن العبد حتى يرضى به،فلا ينبغي للمؤمن أنْ يتمرَّد على قدر الله،ومن الخشوع التطامن لمقادير الخَلْق في الناس. (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِى الرَّخَاءِ ». رواه الترمذي (2) .
وقال الشعراني رحمه الله:" أخذ علينا العهد العام من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أن نحسن ظننا في ربنا،وأنه يجيب دعاءنا ولا نترك الدعاء أبدا استنادا إلى السوابق،فإن في ذلك تعطيلا للأوامر الشرعية،ولو تأمل العبد وجد نفس دعائه من الأمور السوابق،ونحن نعلم من ربنا جل وعلا أنه يحب من عبده إظهار الفاقة والحاجة،ويثيب عبده على ذلك سواء أعطاه أو منعه،وأكثر من يخل بهذا العمل العهد من سلك الطريق بغير شيخ،فيترك الوسائل كلها ويقول: إن كان سبق لي قضاء هذه الحاجة فلا حاجة للدعاء،وإن لم يقسم لي قضاء تلك الحاجة فلا فائدة في الدعاء،وقد مكثت أنا في هذا المقام نحو شهر ثم أنقذني الله منه على يد شيخي الشيخ محمد الشناوي رحمه الله،وفي القرآن العظيم: {قُلْ مَايَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ}. فأخبر أن العبد من أدبه مع الله أن يدعوه في كل شدة ولا يعوِّل على السوابق،فإن العبد لا يعلمها نفيا ولا إثباتا،وقد دعت الأكابر من الأنبياء والأولياء ربهم سبحانه وتعالى ولم ينظروا إلى السوابق. {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} والله يتولى هداك." (3)
تجنّب الحرام في المطعم أو الملبس أو المسكن أو المشرب،فإن الله سبحانه وتعالى طيب ولا يقبل إلا طيبا.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَيُّهَا النَّاسُ،إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا،وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ،فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (51) سورة المؤمنون،وَقَالَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (172) سورة البقرة،ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ،ثُمَّ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ:يَا رَبِّ،يَا رَبِّ،وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ،وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ،وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ،وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ،فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ. " رواه مسلم (4)
__________
(1) - تفسير الشعراوي - ( / 2555)
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي( 6396-6397) وسنن الترمذى- المكنز - (3710 ) والصحيحة ( 593) والدعاطب ( 44 و 45 ) وعلل ( 2010 ) وصحيح الجامع ( 6290 ) صحيح لغيره
الشدائد : جمع شديدة : وهي كل ما يمر بالإنسان من مصائب الدنيا.
الرخاء : السعة في العيش وطيبه ، وهو ضد الشدة.
(3) - لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية - (1 / 319)
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (2393 ) ومسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 263)(8348) 8330-
مِمَّا يُستفاد من الحديث:أنَّ من أسماء الله الطيِّب، ومعناه المنَزَّه عن النقائص، وأنَّ من صفاته الطيب؛ لأنَّ أسماء الله كلَّها مشتقَّة، وتدلُّ على صفات مشتقَّة منها. -أنَّ على المسلم أن يأتي بالطيب من الأعمال والمكاسب.-أنَّ الصدقة لا تُقبل إلاَّ من مال حلال- تفضُّل الله على عباده بالنِّعم، وأمْرهم بأن يأكلوا من الطيبات.- أنَّ أكل الحرام من أسباب عدم قبول الدعاء.-أنَّ من أسباب قبول الدعاء السفر، وكون الداعي أشعث أغبر.-أنَّ من أسباب قبوله أيضاً رفع اليدين بالدعاء.-أنَّ من أسبابه أيضاً التوسل بالأسماء.-أنَّ من أسبابه الإلحاح على الله فيه.فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين - (1 / 55)(1/306)
سؤال الله تعالى ودعاؤه بأسمائه الحسنى،والثناء عليه وتمجيده بصفاته العليا.
قال تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (180) سورة الأعراف
وَللهِ،دُونَ غَيْرِهِ،جَمِيعُ الأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى أَحْسَنِ المَعَانِي،وَأَكْمَلِ الصِّفَاتِ،فَاذْكُرُوهُ وَنَادُوهُ بِهَا،إِمَّا لِلْثَنَاءِ عَلَيْهِ،وَإِمَّا لِسُؤالِهِ العَوْنَ وَالمَغْفِرَةَ،وَمَا أَنْتُمْ بِحَاجَةٍ إِلَيْهِ.وَادْعُوهُ يَا أَيُّها المُؤْمِنُونَ،وَاتْرُكُوا جَمِيعَ الذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ بِالمَيْلِ فِي أَلْفَاظِهَا،أَوْ مَعَانِيهَا عَنْ نَهْجِ الحَقِّ،مِنْ تَحْرِيفٍ أَوْ تَأْوِيلٍ أَوْ شْرِكٍ أَوْ تَكْذِيبٍ،أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ،أَوْ مَا يَنْفِي وَصْفَها بِالحُسْنَى،لأنَّ هَؤُلاَءِ المُلْحِدِينَ سَيُجْزَوْنَ جَزَاءً وِفَاقاً عَلَى أَعْمَالِهِمْ،وَتَنْزِل بِهِم العُقُوبَةُ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ.فَاجْتَنِبُوا إِلْحَادَهُمْ فِي أسْمَاءِ اللهِ لِكَيْلا يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ . (1)
وقال سبحانه: {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} (110) سورة الإسراء
قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ المُنْكِرِينَ صِفَةَ الرَّحْمَن ِللهِ عَزَّ وَجَلَّ،المُعَارِضِينَ تَسْمِيَتَهُ بِالرَّحْمَنِ:لاَ فَرْقَ بَيْنَ دُعَائِكُمْ لَهُ بِاسْمِ اللهِ،أَوْ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ،فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى ذُو الأَسْمَاءِ الحُسْنَى .وَلاَ تَجْهَرْ أَيُّهَا الرَّسُولُ بِصَلاَتِكَ،وَلاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ بِالقُرْآنِ فَيَسْمَعُكَ المُشْرِكُونَ،فَيَسُبُّوا القُرْآنَ.وَلَا تُخَافِتْ بِهَا عَنْ أَصْحَابِكَ،فَلاَ تُسْمِعَهُمُ القُرآنَ،لِيَأْخُذُوا عَنْكَ،وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً وَسَطاً . (2)
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ » رواه الترمذي (3) .
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ،قَالَ:مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَفْتِحُ دُعَاءً إِلاَّ اسْتَفْتَحَهُ:بِسُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَلِيِّ،الأَعْلَى الْوَهَّابِ " رواه الحاكم (4) .
وعن إِيَاسِ بِ سَلَمَةَ بن الأَكْوَعِ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ: قَلَّمَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَفْتِحُ بِدُعَاءٍ إِلا سَمِعْتُهُ:"يَسْتَفْتِحُ بِسُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى الْوَهَّابِ" (5) .
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1135)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2140)
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (3868 ) والمعجم الكبير للطبراني - (4 / 454)(4460) ومسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 45) (17596) 17739 من طرق صحيح لغيره
ألظوا : الزموا واثبتوا وألحوا بذلك
(4) - المستدرك للحاكم (1835) والإتحاف 5/40 و75 حسن لغيره
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (6 / 116) (6130 ) ومسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 659)(16548) 16663 حسن لغيره(1/307)
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،قَالَ:مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ وَهُوَ يَقُولُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ.فَقَالَ:قَدْ سَأَلْتَ الْبَلاَءَ فَسَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ قَالَ:وَمَرَّ بِرَجُلٍ يَقُولُ:يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِِكْرَامِ.قَالَ:قَدْ اسْتُجِيبَ لَكَ فَسَلْ،وَمَرَّ بِرَجُلٍ يَقُولُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَمَامَ النِّعْمَةِ.قَالَ:يَا ابْنَ آدَمَ أَتَدْرِي مَا تَمَامُ النِّعْمَةِ ؟ قَالَ:دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا أَرْجُو بِهَا الْخَيْرَ.قَالَ:فَإِنَّ تَمَامَ النِّعْمَةِ فَوْزٌ مِنَ النَّارِ،وَدُخُولُ الْجَنَّةِ." (1)
وعَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ،قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي إلى الإِسْلَامِ،وَجَعَلَنِي مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " شَكَرْتَ عَظِيمًا "،وَمُرَّ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ،فَقَالَ: " قَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكَ فَسَلْ " (2)
الإكثار من الدعاء لأهله وأرحامه وإخوانه وجيرانه وأصدقائه ولمن أوصاه بالدعاء لينال مثل ما دعا به دعوة من الملك.
قال تعالى حكاية عن سيدنا موسى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (151) سورة الأعراف.
لَمَّا تَحَقَّقَ مُوسَى مِنْ بَرَاءَةِ هارُونَ،وَأَنَّهُ قَامَ بِوَاجِبِهِ كَامِلاً نَحْوَ قَوْمِهِ،دَعَا رَبَّهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مَا فَرَطَ مِنْهُ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ،فِيهما غِلْظَةٌ وَجَفَاءٌ،بِحَقِّ أَخيهِ،وَأَنْ يَغْفِرَ لأَخِيهِ مَا عَسَاهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَصَّرَ فِيهِ مِنْ نَهيِ القَوْمِ عَنْ فِعْلِ مَا فَعَلُوهُ،مِنْ عِبَادَةِ العِجْلِ،وَأَنْ يُدْخِلهُمَا فِي رَحْمَتِهِ التِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ،وَأَنْ يَغْمُرَهُما بِجُودِهِ وَفَضْلِهِ،فَهُوَ تَعَالَى أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ جَمِيعاً بِعِبَادِهِ . (3)
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ،وَكَانَ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ،قَالَ: أَتَيْتُ الشَّامَ فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَلَمْ أَلْقَهُ،وَلَقِيتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ فَقَالَتْ: تُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ ؟،قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ،قَالَتْ: فَادْعُ لَنَا بِخَيْرٍ،فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " دُعَاءُ الْمُسْلِمِ يُسْتَجَابُ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ،عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ،مَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ إِلَّا قَالَ: آمِينَ،وَلَكَ بِمِثْلٍ ".قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى السُّوقِ فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ.أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (4) .
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلاَّ،قَالَ الْمَلَكُ:وَلَكَ بِمِثْلٍ،وَلَكَ بِمِثْلٍ " (5)
مختارات من أدعية القرآن الكريم
سورة الفاتحة.
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 350)(22017) 22367- حسن
(2) - شعب الإيمان - (3 / 86) (1419 ) صحيح مرسل
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1106)
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (7105 ) و شعب الإيمان - (11 / 351) (8643 )
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (7103 ) وصحيح ابن حبان - (3 / 269) (989)(1/308)
2-{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)} البقرة.
3-{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)} البقرة.
4-{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8)} آل عمران.
5-{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192) رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)} آل عمران.
6-{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء (40)} إبراهيم.
7-{رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً (80)} الإسراء.
8-{رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً (10)} الكهف.
9-{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)} طه.
10-{رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً (114)} طه.
11-{لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} الأنبياء.
12-{رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ (98))}الأنبياء.
13-{رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)} المؤمنون.
14-{رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66)} الفرقان.
15-{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74)} الفرقان.
16-{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)} النمل.
17-{قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)} الزمر.
18-{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (10)} الحشر.
19-{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} نوح 28.
المعوذتان.(1/309)
مختارات من الأدعية النبوية الشريفة
عَنْ عَبْدِ اللهِ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى،وَالتُّقَى،وَالْعَفَافَ،وَالْغِنَى." مسلم (1) .
وعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ الْحُبُلِيِّ،أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ:إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا،بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَانِ،كَقَلْبٍ وَاحِدٍ،يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ.ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ،مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ،صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ." مسلم (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:يَقُولُ الرَّجُلُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ،ثُمَّ يَسْكُتُ،فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ:إِلَّا بَلَاءً فِيهِ عَلَاءٌ " (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ،وَدَرْكِ الشَّقَاءِ،وَسُوءِ الْقَضَاءِ،وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ. (4) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِيَ الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي،وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي،وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي،وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ،وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ." مسلم (5)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ،وَمِنْ تَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ،وَمِنْ فَجْأَةِ نِقْمَتِكَ،وَمِنْ جَمِيعِ سَخَطِكَ وَغَضَبِكَ ".رَوَاهُ مُسْلِمٌ (6)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ،وَالْهَرَمِ وَالْبُخْلِ،وَالْجُبْنِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ،وَشَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. (7)
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو،يَقُولُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ،وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ،وَالْقَسْوَةِ وَالْغَفْلَةِ،وَالذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْكُفْرِ،وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ،وَالسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الصَّمَمِ وَالْبَكَمِ،وَالْجُنُونِ،وَالْبَرَصِ وَالْجُذَامِ،وَسَيِّيءِ الأَسْقَامِ. (8)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7079 ) وصحيح ابن حبان - (3 / 182)( 900)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6921)
(3) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (751 ) صحيح
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (6347 ) وصحيح ابن حبان - (3 / 295) (1016)
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (7078)
عصمة أمري : العصمة : ما يعتصم به. أي : يستمسك ويتقوى به في أموره كلها ، لئلا يدخل عليها الخلل.-معادي : المعاد : إما موضع العود ، أو مصدر ، والمراد به : ما يعود إليه يوم القيامة.
(6) - صحيح مسلم- المكنز - (7120) وشعب الإيمان - (6 / 301) (4224)
(7) - صحيح البخارى- المكنز - (2823) وصحيح مسلم- المكنز - (7048 ) وصحيح ابن حبان - (3 / 289) (1009)
(8) - صحيح ابن حبان - (3 / 300) (1023) صحيح(1/310)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ لاَ أَقُولُ لَكُمْ إِلاَّ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا ». (1)
وعَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ عَنْ عَمِّهِ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ » (2) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ،أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:إذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ:اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ الْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ،اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ وَالْجَوَارَ مِنَ النَّارِ،اللَّهُمَّ لاَ تَدَعْ ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْته،وَلا هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْته،وَلا حَاجَةً إِلاَّ قَضَيْتهَا. (3)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ،وَقَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ،وَدُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ،وَنَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ،وَمِنَ الْجُوعِ،فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ،وَمِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ،وَمِنَ الْكَسَلِ،وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ،وَمِنَ الْهَرَمِ،وَمِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ،وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ،وَعَذَابِ الْقَبْرِ،وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ،اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ قُلُوبًا أَوَّاهَةً مُخْبِتَةً مُنِيبَةً فِي سَبِيلِكَ،اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ،وَمُنْجِيَاتِ أَمْرِكَ،وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ،وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ،وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ،وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ " (4)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :
كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ يَقُولُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ،وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ،وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ،اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي،وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ،قَالَ:وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ذَكَرَ دَاوُدَ يُحَدِّثُ عَنْهُ،قَالَ:كَانَ أَعْبَدَ الْبَشَرِ." الترمذي (5)
وعَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ،أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ:احْتَبَسَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ غَدَاةٍ عَنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى قَرْنَ الشَّمْسِ،فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيعًا،فَثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ وَصَلَّى وَتَجَوَّزَ فِي صَلاَتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ.قَالَ:كَمَا أَنْتُمْ عَلَى مَصَافِّكُمْ.ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْنَا.فَقَالَ:إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمُ الْغَدَاةَ إِنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ،فَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي فَنَعَسْتُ فِي صَلاَتِي حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ،فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ.فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ أَتَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى ؟ قُلْتُ:لاَ أَدْرِي يَا رَبِّ،قَالَ:يَا مُحَمَّدُ فِيمَ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7081 )
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (3940 ) قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. ، قلت ك هو صحيح
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (10 / 332) (30147) صحيح موقوف
(4) - المستدرك للحاكم (1957) حسن لغيره
(5) - سنن الترمذى- المكنز - (3828 ) قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.(1/311)
يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى ؟ قُلْتُ:لاَ أَدْرِي رَبِّ،قَالَ:يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى ؟ قُلْتُ:لاَ أَدْرِي يا رَبِّ،فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ صَدْرِي فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى ؟ قُلْتُ:فِي الْكَفَّارَاتِ.قَالَ:وَمَا الْكَفَّارَاتُ ؟ قُلْتُ:نَقْلُ الأَقْدَامِ إِلَى الْجُمُعَاتِ،وَجُلُوسٌ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَواتِ،وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْكَرِيهَاتِ.قَالَ:وَمَا الدَّرَجَاتُ ؟ قُلْتُ:إِطْعَامُ الطَّعَامِ،وَلِينُ الْكَلاَمِ،وَالصَّلاَةُ وَالنَّاسُ نِيَامٌ.قَالَ:سَلْ.قُلْتُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ،وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ،وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي،وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ،وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ،وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا وَتَعَلَّمُوهَا." (1)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ،سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ:كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْوَحْيُ يُسْمَعُ عِنْدَ وَجْهِهِ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ،فَمَكَثْنَا سَاعَةً،فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ،فَقَالَ:اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلاَ تَنْقُصْنَا،وَأَكْرِمْنَا وَلاَ تُهِنَّا،وَأَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا،وَآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَيْنَا،وَارْضَ عَنَّا وَأَرْضِنَا ثُمَّ قَالَ:لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ عَشْرُ آيَاتٍ،مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حَتَّى خَتَمَ الْعَشْرَ آيَاتٍ." (2) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ:اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي شَكُورًا،وَاجْعَلْنِي صَبُورًا،وَاجْعَلْنِي فِي عَيْنَيَّ صَغِيرًا،وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ كَبِيرًا." (3) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ؛ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَكَادُ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ ؛ إِلَّا دَعَا بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ:« اللهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ،وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ إِلَى رَحْمَتِكَ،وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا،وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا،وَاجْعَلْ ذَلِكَ الْوَارِثَ مِنَّا،وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا،وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينَنَا،وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا،وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا » (4) .
وعَنْ عَلِيٍّ،قَالَ:ما مِنْ كَلِمَاتٍ أَحَبُّ إِلَى اللهِ أَنْ يَقُولَهُنَّ الْعَبْدُ:اللَّهُمَّ لاَ إلَهَ إِلاَّ أَنْتَ اللَّهُمَّ لاَ أَعْبُدُ إِلاَّ إيَّاكَ،اللَّهُمَّ لاَ أُشْرِكُ بِكَ شَيْئًا،اللَّهُمَّ إنِّي قَدْ ظَلَمْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي،إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ. (5)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 377)(22109) 22460- وصحيح الجامع (59) صحيح لغيره
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 147)(223) صحيح
(3) - كشف الأستار - (4 / 61) (3198) فيه ضعف
(4) - المجالسة وجواهر العلم - (3 / 101)(725) وصحيح الجامع (1268) والدعا طب (1911) ومب144(431) وسنن الترمذى- المكنز - (3841) صحيح لغيره
(5) - مصنف ابن أبي شيبة - (10 / 328) (30136) صحيح موقوف(1/312)
وعَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى خَطِيئَتِى وَجَهْلِى وَإِسْرَافِى فِى أَمْرِى،وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى،اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى هَزْلِى وَجِدِّى وَخَطَاىَ وَعَمْدِى،وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِى » (1)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6399) وصحيح مسلم- المكنز - (7076 )(1/313)
-29-آداب الجمعة
يوم الجمعة يوم عظيم عند الله تعالى،أفرد في القرآن الكريم سورة سميت "سورة الجمعة" بينت أحكام صلاة الجمعة كأهم ما في هذا اليوم المبارك،وتوالت الأحاديث النبوية الشريفة تشرح قدر الجمعة،ووظائف المسلم فيه.
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا ». (1)
وعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ،أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:أَخْبِرْنَا عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَاذَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ ؟ قَالَ:فِيهِ خَمْسُ خِلاَلٍ:فِيهِ خُلِقَ آدَمُ،وَفِيهِ هَبَطَ آدَمُ،وَفِيهِ تُوُفِّيَ آدَمُ،وَفِيهِ سَاعَةٌ لاَ يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ فِيهَا شَيْئًا إِلاَّ آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ مَأْثَمًا،أَوْ قَطِيعَةَ رَحِمٍ،وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ،وَلاَ سَمَاءٍ وَلاَ أَرْضٍ وَلاَ جِبَالٍ وَلاَ حَجَرٍ إِلاَّ وَهُوَ يُشْفِقُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ" (2) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّهُ قَالَ:خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ،فَلَقِيتُ كَعْبَ الأَحْبَارِ،فَجَلَسْتُ مَعَهُ،فَحَدَّثَنِي عَنِ التَّوْرَاةِ،وَحَدَّثْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَتْهُ،أَنْ قُلْتُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ،فِيهِ خُلِقَ آدَمُ،وَفِيهِ أُهْبِطَ،وَفِيهِ مَاتَ،وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ،وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ،وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،مِنْ حِينِ تُصْبِحُ،حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ،شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلاَّ الْجِنَّ،وَالإِنْسَ،وَفِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ،وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ قَالَ كَعْبٌ:ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ فَقُلْتُ:بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ،قَالَ:فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ،فَقَالَ:صَدَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ،فَقَالَ:مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ ؟ فَقُلْتُ:مِنَ الطُّورِ،فَقَالَ:لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ مَا خَرَجْتَ إِلَيْهِ،سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:لاَ تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ:إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا،وَإِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ،أَوْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ - شَكَّ أَيُّهُمَا -. قَالَ:قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلاَمٍ،فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ الأَحْبَارِ،وَمَا حَدَّثَتْهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ،فَقُلْتُ لَهُ:قَالَ كَعْبٌ:وَذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ،فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ:كَذَبَ كَعْبٌ،قُلْتُ:ثُمَّ قَرَأَ التَّوْرَاةَ،فَقَالَ:بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ،فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ:صَدَقَ كَعْبٌ،ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ:قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ ؟ قَالَ:ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:فَقُلْتُ لَهُ:فَأَخْبِرْنِي بِهَا وَلاَ تَضِنَّنَ عَلَيَّ،فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ:هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ،قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:وَكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ،وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي،وَتِلْكَ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (2013 )
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 472)(22457) 22824- صحيح لغيره(1/314)
سَاعَةٌ لاَ يُصَلَّى فِيهَا،فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ:أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ جَلَسَ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ فَهُوَ فِي صَلاَةٍ،حَتَّى يُصَلِّيَهَا،قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:بَلَى،قَالَ:فَهُوَ ذَاكَ." (1)
وقد خصّ الله المسلمين بهذا اليوم وجعله عيدهم الأسبوعي،وفرض فيه صلاة الجمعة،وخطبتها وأمر المسلمين بالسعي إليها جمعا لقلوبهم،وتوحيدا لكلمتهم،وتعليما لحاهلهم،وتنبيها لغافلهم،وردا لشاردهم،بعد أسبوع كامل من العمل والإكتساب،كما حرّم فيه الاشتغال بأمور الدنيا،وبكل صارف عن التوجه إلى صلاة الجمعة عند الدعوة إليها.
فإذا سلمت الجمعة كانت كفارة لما سبقها خلال أيام الأسبوع،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَاتٌ لَمَّا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ (2) .
وقد ورد الوعيد الشديد على ترك الجمعة،فعَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاَثًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ،فَهُوَ مُنَافِقٌ." (3)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ جُمَعٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى. (4)
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ « لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ » (5) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،وَابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ:لَيَنْتَهِيَنَّ قَوْمٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ،أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ،وَلَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ." (6)
وقد أتى على بعض الناس زمن،غفلوا عن واجباتهم الإسلامية،ومنها حقوق يوم الجمعة،فحسبوه يوم الراحة الأسبوعية،ويوم العطلة بعد العمل ينطلقون فيه إلى الملاعب والمنتزهات،وبأيديهم أدوات اللهو واللغو واللعب والغفلات،وصنوف الأطعمة والأشربة والملذات،في يوم جاء فيه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:عُرِضَتِ الْجُمُعَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،جَاءَ جِبْرِيلُ فِي كَفِّهِ كَالْمِرَآةِ الْبَيْضَاءِ فِي وَسَطِهَا كَالنُّكْتَةِ السَّوْدَاءِ،فَقَالَ:" مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ:هَذِهِ الْجُمُعَةُ يَعْرِضُهَا عَلَيْكَ رَبُّكَ لِتَكُونَ لَكَ عِيدًا وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ،وَلَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ تَكُونُ أَنْتَ الْأَوَّلُ،وَيَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ،وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يَدْعُو أَحَدٌ رَبَّهُ بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قَسْمٌ إِلَّا أَعْطَاهُ،أَوْ يَتَعَوَّذُ مِنْ شَرٍّ إِلَّا دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ،وَنَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ،وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ،فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (7 / 7) (2772) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (572 )وصحيح ابن حبان - (6 / 176) (2418) -تغشى : ترتكب
(3) - صحيح ابن حبان - (1 / 491) (258) صحيح
(4) - مسند أبي يعلى الموصلي ( 2712) صحيح
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (2039 ) -الودع : التَّرك
(6) - صحيح ابن حبان - (7 / 25) (2785) صحيح(1/315)
نَزَلَ مِنْ عِلِّيِّينَ،فَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ،وَحَفَّ الْكُرْسِيَّ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْجَوَاهِرِ،وَجَاءَ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ فَجَلَسُوا عَلَيْهَا،وَجَاءَ أَهْلُ الْغُرَفِ مِنْ غُرَفِهِمْ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى الْكَثِيبِ،وَهُوَ كَثِيبٌ أَبْيَضُ مِنْ مِسْكٍ أَذْفَرَ،ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ فَيَقُولُ:أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي،وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي،وَهَذَا مَحَلُّ كَرَامَتِي،فَسَلُونِي،فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا،فَيَقُولُ:رِضَايَ أُحِلُّكُمْ دَارِي،وَأَنَالَكُمْ كَرَامَتِي،فَسَلُونِي،فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا،فَيَشْهَدُ عَلَيْهِمْ عَلَى الرِّضَا،ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمْ مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ،وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ،إِلَى مِقْدَارِ مُنْصَرَفِهِمْ مِنَ الْجُمُعَةِ،وَهِيَ زَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ أَوْ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ،مُطَّرَدَةٌ فِيهَا أَنْهَارُهَا،مُتَدَلِّيَةٌ،فِيهَا ثِمَارُهَا،فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا،فَلَيْسَ هُمْ فِي الْجَنَّةِ بِأَشْوَقَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا نَظَرًا إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وَكَرَامَتِهِ،وَلِذَلِكَ دُعِيَ يَوْمَ الْمَزِيدِ " (1) .
ولقد أخبرنا سبحانه أنه حرم العمل على اليهود يوم السبت،وأمرهم بالتفرغ لعبادته،فعملوا الحيل،استهزاء بأمر الله تعالى واعتداء على حدوده،فغضب عليهم ولعنهم وجعل منهم القردة والخنازير.
قال تعالى: { وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) }[الأعراف:163-166]
اسْأَلْ يَا مُحَمَّدُ،هَؤُلاءِ اليَهُودَ الذِينَ بِحَضْرَتِكَ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِهِم الذِينَ خَالَفُوا أَمْرَ رَبِّهِمْ،فَأصَابَهُمْ بِنَقْمَتِهِ عَلَى اعْتِدَائِهِمْ وَاحْتِيَالِهِمْ فِي مُخَالَفَتِهِمْ أمْرَ رَبِّهِمْ وَحَذِّرْهُمْ مِنْ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِأَصْحَابِهِمْ،أَصْحَابِ القَرِيَةِ التِي كَانَتْ عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ ( وَهِيَ أَيْلَةُ أَوْ العَقَبَةُ اليَوْمَ )،فَقَدْ كَانَ اليَهُودُ فِيهَا يَعْتَدُونَ عَلَى حُرْمَةِ السَّبْتِ،وَيَتَجَاوُزُونَ حُكْمَ اللهِ الذِي يُحِرِّمُ عَلَيهِم الصَّيْدَ فِيهِ،فَقَدْ كَانَتِ الأَسْمَاكُ ( حِيتَانُهُمْ ) تَأتِيِهِمْ ظَاهِرَةً عَلَى سَطْحِ المَاءِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ الذِي كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ،فَلاَ يَصِيدُونَ فِيهِ،أَمَّا فِي اليَوْمِ الذِي لا يَسْبِتُونَ،وَلاَ يُعَظِّمُونَ حُرْمَةَ السَّبْتِ،فَكَانَتِ الحِيتَانُ لا تَظْهَرُ لَهُمْ،وَكَانَ ذَلِكَ اخْتِبَاراً مِنَ اللهِ لَهُمْ،فَكَانَ اليَهُودُ المُعْتَدُونَ يَنْصِبُونَ الشِّبَاكَ لِلأَسْمَاكِ لِتَقَعَ فِيهَا،وَيَتْرُكُونَهَا فِي الشِّبَاكِ حَتَّى يَنْتَهِيَ السَّبْتُ فَيَأخُذُوهَا،فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ انْتِهَاكاً لِمَحَارِمِ اللهِ التِي فَرَضَهَا عَلَيْهِمْ،وَمِنْهَا تَعْظِيمُ حُرْمَةِ السَّبْتِ.فَكَانَ تَصَرُّفُهُمْ هذا احْتِيالاً يُخْفِي نِيَّتَهُمْ فِي الاعْتِدَاءِ عَلَى السَّبْتِ،وَفِسْقاً عَنْ طَاعَةِ اللهِ .
__________
(1) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (2165 ) وكشف الأستار - (4 / 194)(3519) ومسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (14 / 68) (7527) حسن(1/316)
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أنَّ أََهْلَ هَذِهِ القَرْيَةِ صَارُوا ثَلاثَ فِرَقٍ:
- فِرْقَةٍ ارْتَكَبَتِ المُحَرَّمَ،وَاحْتَالَتْ فِي صَيْدِ السَّمكِ .
- فِرْقَةٍ نَهَتِ المُتَجَاوِزِينَ عَنْ فِعْلِهِمْ هَذا وَاعْتَزَلَتْهُمْ .
- فِرْقَةٍ سَكَتَتْ فَلَمْ تَفْعَلْ شَيْئاً وَلَمْ تَنْهَ،وَلَكِنَّهَا قَالَتْ لِلْفِرْقَةِ المُنْكِرَةِ:لِمَ تَنْهَوْنَ قَوْماً تَعْلَمُونَ أنَّ اللهَ مُهْلِكُهُمْ لاسْتِحقَاقِهِمْ عُقُوبَتَهُ وَسَخَطَهُ؟ فَلاَ فَائِدَةَ مِنْ نَهْيكُمْ إِيَّاهُمْ.فَرَدَّتْ عَلَيهِمْ الفِرْقَةُ النَّاهِيَةُ قَائِلَةً:إنَّ اللهَ أمَرَنَا بِأنْ نَأمُرَ بِالمَعْرُوفِ،وَنَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ،وَنَحْنُ نُذَكِّرُهُمْ لِنَقُومَ بِأمْرِ اللهِ أوَّلاً ( مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ )،ثُمَّ إنَّنا نَرْجُو أنْ يَنْتَهِيَ هَؤُلاءِ المُتَجَاوِزُونَ حُدُودَ اللهِ عَنْ غَيِّهِمْ،وَيَعُودُوا إلى الصَّوابِ،لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ الاعْتِدَاءَ الذي اقْتَرَفُوهُ.فَلَمْ يَهْتَمَّ هَؤُلاءِ بِأمْرِ اللهِ،وَلاَ بِتَذْكِيرِ إِخْوانِهِمْ،فَجَاءَ أَمْرُ اللهِ فَأخَذَهُمْ بِعَذَابٍ شَدِيدٍ ( بِئَيسٍ ) بِسَبَبِ فِسْقِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَةِ اللهِ،وَنَجّى اللهُ تَعَالَى الذِينَ قَامُوا مِنْهُمْ بِأمْرِهِ بِالنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ . (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِى اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ - قَالَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ - فَالْيَوْمُ لَنَا وَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى » رواه مسلم (2) .
وعن أبي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا،ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِى فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ،فَهَدَانَا اللَّهُ،فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ،الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ » (3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:اخْتَلَفَ إلَيْهِ رَجُلٌ شَهْرًا يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ،وَلاَ يَشْهَدُ جُمُعَةً،وَلاَ جَمَاعَةً،مَات ؟قَالَ:فِي النَّارِ. (4) .
وهذه باقة من الآداب الإسلامية والتي هي بعض من حقوق هذا اليوم الكريم:
الاستعداد للجمعة من يوم الخميس،بغسل ثيابه وإعداد طيبه،وتفريغ قلبه من الشواغل الدنيوية،والاشتغال بالتوبة والاستغفار،والذكر والتسبيح من عشية يوم الخميس،والعزم على التكبير إلى المسجد،ويستحسن قيام ما تيسر من ليلة الجمعة بالصلاة وقراءة القرآن.
قال بعض السلف: أوفى الناس نصيبا من الجمعة من انتظرها ورعاها من الأمس (5) .
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1118)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (2017 )
بيد أنهم : البيد بمعنى غير ، تقول : هو كثير المال ، بيد أنه بخيل ،أي : غير أنه بخيل.
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (876 )
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (1 / 346) (3494) فيه ضعف
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنْ لاَ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ وَالْجُمُعَةَ رَغْبَةً عَنْهَا وَاسْتِخْفَافًا بِحَقِّهَا وَتَهَاوُنًا بِهَا.
(5) - إحياء علوم الدين - (1 / 189)(1/317)
الابتداء بالغتسال بعد صلاة فجر يوم الجمعة مع الجماعة،ويمتد وقت الغسل حتى النداء.
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ » رواه البخاري (1) . المراد بالمحتلم: البالغ.
وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ ». رواه الترمذي (2) .
وعن أَوْسَ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ،وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ،وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ،فَدَنَا مِنَ الإِمَام وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ،أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا." (3) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ » (4)
النظافة العامة بحلق الشعر وقص الأظافر والسواك،والتطيب ولبس أحسن الثياب.
عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِىِّ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ،وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ،أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ،فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ،ثُمَّ يُصَلِّى مَا كُتِبَ لَهُ،ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ،إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى » رواه البخاري (5) .
التبكير إلى الصلاة،ساعيا إليها بالسكينة والوقار،والتواضع والخشوع،ناويا إجابة أمر الله سبحانه والمسارعة إلى مغفرته ورضوانه،وليغتنم ثواب الصف الأول،ولا يكونن مع دينه أقل همة من أصحاب الدنيا إذ يبكرون إلى أسواقهم.
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (879 )
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْغُسْل لِلْجُمُعَةِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا، وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ ، وَفِي وَقْتِهِ ، وَفِي أَنَّهُ لِلْيَوْمِ أَوْ لِلصَّلاَةِ .فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ ،وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الزَّوَائِدِ ،وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ وَاجِبٌ "الموسوعة الفقهية الكويتية - (45 / 304)
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (499 ) صحيح
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ بَعْدَهُمُ اخْتَارُوا الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَأَوْا أَنْ يُجْزِئَ الْوُضُوءُ مِنَ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. قَالَ الشَّافِعِىُّ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ عَلَى الاِخْتِيَارِ لاَ عَلَى الْوُجُوبِ حَدِيثُ عُمَرَ حَيْثُ قَالَ لِعُثْمَانَ وَالْوُضُوءَ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَلَوْ عَلِمَا أَنَّ أَمْرَهُ عَلَى الْوُجُوبِ لاَ عَلَى الاِخْتِيَارِ لَمْ يَتْرُكْ عُمَرُ عُثْمَانَ حَتَّى يَرُدَّهُ وَيَقُولَ لَهُ ارْجِعْ فَاغْتَسِلْ وَلَمَا خَفِىَ عَلَى عُثْمَانَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ وَلَكِنْ دَلَّ فِى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ فَضْلٌ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ فِى ذَلِكَ.
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (2 / 93) (5028) صحيح
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (877 )
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (883 )(1/318)
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (9) سورة الجمعة.
يَحُثَّ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ عَلَى تَرْكِ البَيْعِ وَالشِّرَاءِ،وَعَلَى السَّعْيِ بِسَكِينَةٍ وَوِقَارٍ إِلَى المَسَاجِدِ،حِينَما يُؤَذِّنُ المُؤَذِّنُ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ الجُمْعَةِ،لِلاسْتِمَاعِ إِلَى مَوَاعِظِ الخُطَبَاءِ،وَلأَداءِ الصِّلاَةِ مَعَ الجَمَاعَةِ.وَذِلكَ السَّعْيُ إِلَى الصَّلاَةِ خَيْرٌ لِلمُؤْمِنِينَ وَأَبْقَى مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ،هَذَا إِنْ كَانَ المُخَاطَبُونَ مِنْ ذَوِي العِلْمِ الصَّحِيحِ بِمَا يَذِرُّ وَيْنْفُعُ . (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ،ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً،وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ،فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً،وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا،وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ،فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً،وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ،فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً،فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ." متفق عليه (2) .
الدخول إلى المسجد مراعيا آدابه،مجتنبا تخطي رقاب الناس،أو المرور بين أيديهم،إلا أن يرى فرجة فيأوي إليها،ويجلس حيث ينتهي الصف،ولا يفرق بين اثنين ليجلس بينهما،ويتقرب إلى الخطيب ما أمكنه ليستمع إليه.
وعَنْ عَبَّادٍ الْأَسَدِيِّ،أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: بَيْنَا عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَخْطُبُنَا يَوْمَ جُمُعَةٍ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ،وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ خَلْفِي،إِذْ رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ،حَتَّى دَنَا فَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ،فَغَضِبَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5064)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (881) وصحيح مسلم- المكنز - (2001 ) وصحيح ابن حبان - (7 / 13) (2775)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ وَاضِحٌ بِأَنَّ اسْمَ الرَّوَاحِ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ سَاعَاتِ النَّهَارِ ضِدَّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرَّوَاحَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ الزَّوَالِ.
راح في الساعة الأولى : قال الخطابي : قال مالك بن أنس : الرواح لا يكون إلا بعد الزوال ، فحينئذ لا تكون هذه الساعات التي عددها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث إلا في ساعة واحدة من يوم الجمعة ، وهي بعد الزوال، كقولك : قعدت عندك ساعة ، إنا تريد جزءا من الزمان ، وإن لم تكن ساعة من النهار حقيقة التي هي جزء من أربعة وعشرين جزءا ، قال : وقيل : معناه : أنه أراد بالرواح : المضي إلى الجمعة بعد طلوع الشمس وما بعدها إلى [ما] بعد الزوال ، فإن الصلاة ،وإن كانت لاتصلى إلا بعد الزوال ، فإنه قد جعل القصد إليها رواحا ، وزعم بعضهم : أن الرائح :هو الخارج عن أهله ، وكل من خرج في وقت من الأوقات فقد راح ،وعلى هذا يقولون : إذا أرادوا الرحيل أي وقت كان في ليل أو نهار : الرواح الرواح ، و الأصل في الرواح الأول ، وإن جاز هذا المعنى فعلى المجاز.
قرب بدنة : البدنة : مايهدى إلى بيت الله الحرام من الإبل والبقر وقيل :من الإبل خاصة ، أي :كأنما أهدى ذلك إلى الله عز وجل ، وأما جعله الدجاجة والبيضة من الهدي وليسا بهدي إجماعا ، فإنما حمله على ماقبله تشبيها به وأعطاه حكمه مجازا ، وإلا فالهدي لايكون إلا بقرة أو بدنة ، والشاة فيها خلاف.
كبش أقرن : له قرنان.
المهجر : هو الذي يمشى إلى الصلاة في أول وقتها.
الجزور : البعير ،ويقع على الذكر والأنثى.جامع الأصول في أحاديث الرسول - (9 / 426)(1/319)
غَضَبًا شَدِيدًا،حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ،ثُمَّ جَاءَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ حَتَّى دَنَا،فَقَالَ: " غَلَبَتْنَا هَذِهِ الْحَمْرَاءُ عَلَى وَجْهِكَ،فَغَضِبَ عَلِيٌّ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ،ثُمَّ قَالَ: " مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ هَذِهِ الضَّيَاطِرَةِ،يَتَضَجَّعُونَ عَلَى فُرُشِهِمْ،وَيَرُوحُ أَقْوَامٌ إِلَى ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،فَيَأْمُرُونِي أَنْ أَطْرُدَهُمْ فَأَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ،وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ،وَبَرَأَ النَّسَمَةَ،لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " لَيَضْرِبُنَّكُمْ عَلَى الدِّينِ عَوْدًا كَمَا ضَرَبْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ بَدْءًا " فَضَرَبَ زَيْدٌ عَلَى مَنْكِبِيَّ،ثُمَّ قَالَ: لَيُظْهِرَنَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْعَرَبِ الْيَوْمَ أَمْرًا كَانَ يَكْتُمُهُ ". (1)
وعَنِ الْحَسَنِ،قَالَ:بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،حَتَّى جَلَسَ قَرِيبًا مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ،قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا فُلاَنُ،أَمَا جَمَّعْتَ ؟ قَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَمَا رَأَيْتُنِي ؟ قَالَ:قَدْ رَأَيْتُك آنَيْتَ وَآذَيْتَ." (2)
الاستماع والإنصات للخطبة،والانتباه واليقظة لما فيها من العلم والحكمة،وتفريغ القلب من الشواغل لما يرد من الموعظة والذكرى،والعزم على العمل بما سمع من أحكام الدين الحنيف. ولا يتكلم حتى مع من يريد أن ينبهه إلى وجوب الإنصات وإنما يشير له ليكف عن كلامه،ولا يجيب مسلما،ولا يشمّت عاطسا..
قال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (11) سورة الجمعة.
إذا رأى بعض المسلمين تجارة أو شيئًا مِن لهو الدنيا وزينتها تفرَّقوا إليها،وتركوك -أيها النبي- قائمًا على المنبر تخطب،قل لهم-أيها النبي-: ما عند الله من الثواب والنعيم أنفع لكم من اللهو ومن التجارة،والله- وحده- خير مَن رزق وأعطى،فاطلبوا منه،واستعينوا بطاعته على نيل ما عنده من خيري الدنيا والآخرة. (3)
وعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،وَالإِِمَامُ يَخْطُبُ:أَنْصِتْ،فَقَدْ لَغَا. (4)
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (9 / 157)(3531 ) صحيح
الضياطرة : يُرَادُ بِهِمُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ الْأَسْوَاقَ بِلَا مَالٍ مَعَهُمْ , يُحْضَرُ بِهِ الْأَسْوَاقُ , وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي حُضُورِهَا , وَكَانَ مَنْ يَحْضُرُهَا كَذَلِكَ كَمَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا , فَمِثْلُهُ مَنْ يَحْضُرُ غَيْرَهَا بِلَا مَنْفَعَةٍ فِي حُضُورِهِ لِمَا يُحْضِرُهُ , وَالْوَاحِدُ مِنَ الضَّيَاطِرَةِ ضَيْطَارٌ .
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (2 / 144) (5515) صحيح مرسل
(3) - التفسير الميسر - (10 / 137)
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 647)(10128) 10132- و سنن الترمذى- المكنز - (514 ) صحيح
قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِى هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ وَقَالُوا إِنْ تَكَلَّمَ غَيْرُهُ فَلاَ يُنْكِرْ عَلَيْهِ إِلاَّ بِالإِشَارَةِ.وَاخْتَلَفُوا فِى رَدِّ السَّلاَمِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى رَدِّ السَّلاَمِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِىِّ.(1/320)
وعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ،وَالإِمَام يَخْطُبُ،فَقَدْ لَغَا. (1)
تجنب العبث باليدين أو بالسجاد أو بالسبحة أثناء الخطبة فهو من اللغو،وتجنب التغافل عن الخطبة والانشغال بغيرها أو النوم خلالها فإنه يذهب ثوابها.
يكره الاحتباء أثناء الخطبة لأنه يجلب النوم ويفوت استماع الخطبة ومدعاة لانتقاض الوضوء.
عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِىِّ عَنْ أَبِيهِ:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ الْحَبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ. رواه أبو داود والترمذي (2) .
صلاة أربع ركعات قبل الصلاة وأربع ركعات بعدها. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا. رواه مسلم (3) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ:إِذَا صَلَّيْتَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلِّ أَرْبَعًا.وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ." (4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا. (5)
الإكثار يوم الجمعة من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،فِيهِ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ،وَفِيهِ قُبِضَ،وَفِيهِ النَّفْخَةُ،وَفِيهِ الصَّعْقَةُ،فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ،فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ،قَالُوا:وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ ؟ فَقَالَ:إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَامَنَا." ابن حبان (6)
وعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،فِيهِ خُلِقَ آدَم،وَفِيهِ النَّفْخَةُ،وَفِيهِ الصَّعْقَةُ،فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَة فِيهِ،فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ،فَقَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللهِ،كَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ ؟ يَعْنِي بَلِيتَ،فَقَالَ:إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ. (7)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (2 / 124) (5337) صحيح لغيره
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (1112 ) وسنن الترمذى- المكنز - (516 ) حسن
الحبوة : أن يضم رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليها
وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْحَبْوَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ وَرَخَّصَ فِى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لاَ يَرَيَانِ بِالْحَبْوَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ بَأْسًا.
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (2073) وصحيح ابن حبان - (6 / 229) (2478)
(4) - صحيح ابن حبان - (6 / 229) (2479) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (6 / 230) (2480) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (3 / 191) (910) صحيح
(7) - مصنف ابن أبي شيبة - (2 / 516) (8789) صحيح(1/321)
الانتشار في الأرض بعد الصلاة،قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (10) سورة الجمعة
فَإِذَا أَدَّيْتُمُ الصَّلاَةَ فَتَفَرَّقُوا لِمُبَاشَرَةِ مَصَالِحِكُمْ الذُّنْيَوِيَّةِ،وَاسْأَلُوا اللهَ الرِّزْقَ الحَلاَلَ،واذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً أَثْنَاءَ بَيْعِكُمْ وَشِرَائِكُمْ،وَلاَ تَتْركُوا الدُّنْيَا تَشْغَلُكُمْ عَمَّا يَنْفَعُكُمْ فِي الآخِرَةِ،لَعَلَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ تُفْلِحُونَ،وَتَفُوزُونَ بِرِضَا اللهِ،وَحُسْنِ ثَوَابِهِ . (1)
وعَن عَبدِ اللهِ بْنِ بُسرٍ الحُبرَانِي. قَالَ:رَأَيتُ عبد الله بْنَ بُسرٍ صَاحِبَ رَسُولِ الله، - صلى الله عليه وسلم - ،إِذَا صَلَّى الجُمُعَةَ،خَرَجَ مِنَ الْمَسجِدِ قَدرًا طَوِيلاً،ثُم رَجَعَ إِلَى الْمَسجِدِ،فَيُصَلِّي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يصَلي،فَقُلْتُ لَهُ،يَرحمُكَ الله،لأيِّ شَيءٍ تَصْنَعُ هَذَ ؟ قَالَ:لأني رَأَيْتُ سَيدَ الْمُسلِمِينَ، - صلى الله عليه وسلم - ،هَكَذَا يَصْنَعُ،يَعْنِي النبِي، - صلى الله عليه وسلم - ،وَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ:(فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاَةُ فَاَنتَشِرُوا فِي الأرضِ،وَاَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله) إِلَى آخِرِ الآيَةِ. (2)
هذا هو التوازن الذي يتسم به المنهج الإسلامي. التوازن بين مقتضيات الحياة في الأرض،من عمل وكد ونشاط وكسب. وبين عزلة الروح فترة عن هذا الجو وانقطاع القلب وتجرده للذكر. وهي ضرورة لحياة القلب لا يصلح بدونها للاتصال والتلقي والنهوض بتكاليف الأمانة الكبرى. وذكر اللّه لا بد منه في أثناء ابتغاء المعاش،والشعور باللّه فيه هو الذي يحول نشاط المعاش إلى عبادة. ولكنه - مع هذا - لا بد من فترة للذكر الخالص،والانقطاع الكامل،والتجرد الممحض. كما توحي هاتان الآيتان.
وكَانَ عَرَّاكُ بْنُ مَالِكٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انصرف،فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ،فَقَالَ:"اللَّهُمَّ،أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ وَصَلَّيْتُ فَرِيضَتَكَ،وَانْتَشَرْتُ كَمَا أَمَرْتَنِي فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ،وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ"(رواه ابن أبي حاتم) (3) .. وهذه الصورة تمثل لنا كيف كان يأخذ الأمر جدا،في بساطة تامة،فهو أمر للتنفيذ فور سماعه بحرفيته وبحقيقته كذلك! (4)
الإكثار من قراءة القرآن وخصوصا سورة الكهف،وقد تقدم فضيلة قراءتها يوم الجمعة.
الإكثار من ذكر الله تعالى،وعموم العبادات الأخرى كالصلوات والصدقات والدعوة إلى الله،وجعل يوم الجمعة عملا يدخره في رصيده لحساب يوم الحساب.
عَنْ مُحَمَّدِ بن مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيِّ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٌ،فَتَعَرَّضُوا لَهُ،لَعَلَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا،فَلا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَدًا" رواه الطبراني (5) .
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5065)
(2) - أخرجه ابن خُزيمة (1878) والمسند الجامع - (8 / 296)(5704) حسن
(3) - تفسير ابن أبي حاتم - (12 / 313) بلا سند
(4) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6 / 3570)
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (14 / 125) (15861 ) والإتحاف 3/280 و9/37 والصحيحة ( 1890) والدعاطب ( 26و27) صحيح لغيره(1/322)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ اللَّهِ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ ؛ فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَلَنْ تَشْقُوا بَعْدَهَا أَبَدًا " (1)
ترقب الساعة المباركة التي أشار إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها لا ترد فيها دعوة،وذلك بالانشغال يوم الجمعة بأصناف القربات،والتزود من التقوى والنوافل والأذكار والدعوات..
أَمَّا سَاعَةُ الْجُمُعَةِ فَقَال الشَّوْكَانِيُّ:تَوَاتَرَتِ النُّصُوصُ بِأَنَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لاَ يَسْأَل الْعَبْدُ فِيهَا رَبَّهُ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ..
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ وَالْمُحَدِّثُونَ فِي تَعْيِينِ السَّاعَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ قَوْلاً عَدَّدَهَا الشَّوْكَانِيُّ وَنُقِل عَنِ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ قَال:أَصَحُّ الأَْحَادِيثِ فِي تَعْيِينِهَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول فِي سَاعَةِ الْجُمُعَةِ:هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِْمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلاَةُ (2) ، وَاخْتَارَ ذَلِكَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا (3)
وقد قيل إنها مبهمة في جميع اليوم حكمة من الله تعالى ليعكف الداعي على مراقبتها ويجتهد في الدعاء في جميع اليوم كما قيل في ليلة القدر والصلاة الوسطى والاسم الأعظم وساعة الإجابة في الليل وهذا القول ضعيف لتعيين وقتها والتصريح به في الأحاديث المتقدمة والله أعلم (4)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ « فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ،وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّى،يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ».وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا.رواه البخاري (5) .
يكره السفر يوم الجمعة إن استطاع تأجيله إلا لمضطر،حتى تقضي صلاة الجمعة.
فعن ابْنِ عُمَرَ أنه- رجلاً - وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ:" لَا تَرُحْ حَتَّى تُجَمِّعَ ثُمَّ تُسَافِرَ إِنْ شِئْتَ " (6)
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:" إِذَا أَدْرَكْتَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلَا تَخْرُجْ حَتَّى تُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ " (7)
__________
(1) - الْكُنَى وَالْأَسْمَاءُ لِلدُّولَابِيِّ (1347 ) صحيح لغيره
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (2012 )
(3) - الفتوحات الربانية 3 / 131 ، 4 / 228 و نيل الأوطار ( 3 / 257 - 261 ) و الموسوعة الفقهية الكويتية - (39 / 223)
(4) - سلاح المؤمن في الدعاء والذكر - (1 / 152) و فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (3 / 3818) رقم الفتوى 16786 ساعة الإجابة يوم الجمعة وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (14 / 202) تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (935)
(6) - الْأَوْسَطُ لِابْنِ الْمُنْذِرِ (1694 ) ضعيف
(7) - الْأَوْسَطُ لِابْنِ الْمُنْذِرِ (1695 ) صحيح(1/323)
وعَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:أَبْصَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلاً عَلَيْهِ هَيْئَةُ السَّفَرِ فَسَمِعَهُ يَقُولُ:لَوْلاَ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَخَرَجْتُ فَقَالَ عُمَرُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ:اخْرُجْ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لاَ تَحْبِسُ عَنْ سَفَرٍ." (1)
وعَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى رَجُلًا يُرِيدُ السَّفَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ،فَقَالَ عُمَرُ:" إِنَّ الصَّلَاةَ لَا تَحْبِسُ عَنْ سَفَرٍ " (2)
وَرَوِيَتْ أَخْبَارٌ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ،وَمُجَاهِدٍ،وَغَيْرِهِمَا تَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْخُرُوجِ فِي الْأَسْفَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ:قَلَّ مَا خَرَجَ رَجُلٌ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَّا رَأَى مَا يَكْرَهُ،فَلَوْ نَظَرْتَ كَذَلِكَ وَجَدْتَهُ كَذَلِكَ.وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ:وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ السَّفَرَ لَمْ أُحِبَّ لَهُ فِي الِاخْتِيَارِ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ،وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ الْفَجْرِ،وَقَالَ:إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَلَا يُسَافِرْ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ،وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ،عَنْ مُسَافِرٍ سَمِعَ أَذَانَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ أَسْرَجَ دَابَّتِهِ وَحَمَلَ ثِقَلَهُ قَالَ:فَلْيَمْضٍ،وَقِيلَ لِأَحْمَدَ:تُسَافِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ؟ قَالَ:مَا يُعْجِبُنِي،وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ فِي تِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ:لَا أَعْلَمُ خَبَرًا ثَابِتًا يَمْنَعُ مِنَ السَّفَرِ أَوَّلَ نَهَارِ الْجُمُعَةِ إِلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ،وَيُنَادِيَ الْمُنَادِي،فَإِذَا نَادَى الْمُنَادِي وَجَبَ السَّعْيُ إِلَى الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ،وَلَمْ يَسَعْهُ الْخُرُوجُ عَنْ فَرْضٍ لَزِمَهُ،فَلَوْ أَبْقَى الْخُرُوجَ فٍي يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَى أَنْ يَمْضِيَ الْوَقْتُ كَانَ حَسَنًا،وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرًا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الْخُرُوجِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْوَقْتُ " فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَّهَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ الْأَنْصَارِيَّ،وَجَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ،وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ،فَتَخَلَّفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا خَلَّفَكَ ؟ قَالَ:الْجُمُعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ،أُجَمِّعُ ثُمَّ أَرُوحُ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا،فَرَاحَ مُنْطَلِقًا " (3) ...
يكره إفراد يوم الجمعة بصوم النفل. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لاَ يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،إِلاَّ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ » (4) ..
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ: لا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْلَيَالِ،وَلا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ،إِلا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ. (5)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (3 / 187)(5862) صحيح
(2) - الْأَوْسَطُ لِابْنِ الْمُنْذِرِ (1692 ) صحيح
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (10 / 80)(11913 ) والْأَوْسَطُ لِابْنِ الْمُنْذِرِ (1696 ) صحيح
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (1985 )
(5) - مسند أبي عوانة (2346 ) صحيح(1/324)
-30-آداب العيدين
سمي العيد بهذا الاسم لعوده بالخير والغبطة والسرور على أهله بعد قيامهم بواجب دؤوب يتكرر كل مدة من الزمن،أو احتفالا بذكرى غالية على نفوسهم،أو حصولهم على غاية عزيزة على قلوبهم.
وللمسلمين عيدان أساسيان هما: عيد الفطر وعيد الأضحى،الأول بعد أداء فريضة الصوم في شهر رمضان ويكون يوم الفطر الأول من شوال يوم فرح وسعادة وحبور للصائمين إذ وفقهم الله لطاعته،ومنحهم شهادة التقوى بما قدموه من صيام وقيام،ومخالفة لشهوات النفس وحظوظها وأهوائها،فعَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ،أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ،يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : قَالَ اللَّهُ تعالى: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ فَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ،وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ،لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ:إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ،وَإِذَا لَقِيَ اللَّهَ فَرِحَ بِصَوْمِهِ. متفق عليه (1) .
والثاني بعد أدء فريضة الحج،ويكون يوم النحر اليوم العاشر من ذي الحجة يوم احتفال وبهجة وسرور للحجاج بما أنعم الله عليهم من أداء النسك،وتلبية أمر الله،وإكرام الله لهم بالمغفرة والرضوان،وفتح صفحة نقية من صفحات العمر،ولكافة المسلمين فرحا بما يسر الله تعالى لحجاج بيته من أداء فريضتهم،وتذكرا لعهد التضحية والفداء بالروح والنفس والمال والولد طاعة لله وامتثالا لأمره،والذي كان بطله أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام: { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) } [الصافات:100 - 111].
وَلَمَّا هَاجَرَ مِنْ أَرْضِهِ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ ذُرِّيةً مِنَ الصَّالِحِينَ المُطِيعِينَ الذِينَ يُعِينُونَهُ عَلَى القِيَامِ بِأَمْرِ الدَّعْوَةِ وَيَتْولَّونَهَا بَعْدَهُ.فَبَشَّرَهُ اللهُ تَعَالَى بِمَولُودٍ لَهُ يَبْلُغُ الحُلْمَ،وَيَكُونُ حَلِيماً - وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ عَلَى أَصَحِّ الأَقْوَالِ .فَلَمَّا كَبُرَ وَتَرَعْرَعَ،وَصَارَ يَذْهَبُ مَعَ أَبِيهِ،وَيَسْعَى فِي أَشْغَالِهِ،وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِ قَالَ لَهُ أَبُوهُ:يَا بُنَيَّ إِنِّي رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَمَا رَأْيُكَ؟ وَقَدْ قَصَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِيَعْلَمَ صَبْرَهُ،وَمَا يَرَاهُ فِيمَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مِنَ الابْتِلاَءِ،وَلِيوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى الذَّبْحِ اكْتِسَابا لِلمَثُوبَةِ مِنَ اللهِ تَعَالَى .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1904) وصحيح مسلم- المكنز - (2763 ) وصحيح ابن حبان - (8 / 210) (3423)(1/325)
فَرَدَّ إِسْمَاعِيلُ عَلَى أَبِيهِ قَائِلاً:يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ،وَسَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ عَلَى الابْتِلاَءِ،وَعَلَى قَضَاءِ اللهِ .
فَلَمَّا اسْتَسْلَمَا وَانْقَادَا لأَمْرِ اللهِ،وَفَوَّضَا إِلَيْهِ سُبْحَانَه الأَمْرَ فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ،أَكَبَّ إِبْرَاهِيمُ ابنَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ( تَلَّهُ لِلْجَبِينِ )،حَتَّى لاَ يَرَى وَجْهَهُ فَيُشْفِقَ عَلَيْهِ،وَيَضْعُفَ عَنْ إِنْفَاذِ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى .وَعَلِمَ اللهُ تَعَالَى صِدْقَ إِبْرَاهِيمَ وَابْنِه فِي الاخْتِبَارِ،فَنَادَى اللهُ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ ذَلِكَ.وَقَالَ:يَا إِبْرَاهِيمُ لَقَدْ صَدَّقْتَ الرُؤْيَا بِعَزْمِكَ عَلَى ذَبْحِ ابْنِكَ إِطَاعَةً لأَمْرِ رَبِّكَ،فَحَصَلَ المَقْصُودُ .وَهَكَذَا يَجْزِي اللهُ المُحْسِنِينَ المُطِيعِينَ،فَيَصْرِفُ عَنْهُمُ المَكَائِدَ والشَّدَائِدَ،وَيَجْعَلُ لَهُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ فَرَجاً وَمَخْرَجاً .
وَهَذَا الابْتِلاَءُ الذِي ابْتَلَيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَابْنَهُ لَهُوَ الابْتِلاَءُ الذِي أَبَانَ جَوْهَرَ إِيْمَانِهِمَا وَيَقِيِنِهِمَا بِرَبِّ العَالَمِينَ،إِذْ أمَرَهُ رَبُّهُ بِذَبْحِ ابْنِهِ فَسَارَعَ هُوَ وابْنُهُ إِلَى ذَلِكَ مُسْتَسْلِمَيْنِ،خَاضِعَيْنِ مُنْقَادَيْنِ لأَمْرِ رَبِّهِمَا .
وَفَدَى اللهُ تَعَالَى إِسْمَاعِيلَ بِكَبْشٍ سَمِينٍ ضَخْمٍ قَامَ إِبْرَاهِيمُ بِذَبْحِهِ بَدَلاً مِنْ ذَبْحِ ابْنِهِ.وَتَرَكَ اللهُ تَعَالَى لَهُ ذِكْراً حَسَناً عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا،وَجَعَلَهُ مُحَبَّباً لِلنَّاسِ جَمِيعاً.وَقَالَ اللهُ تعالى: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ فِي المَلاَئِكَةِ وَالإِنْسِ والجِنِّ .وَيَجْزِي اللهُ تَعَالَى المُحْسِنِينَ الصَّابِرِينَ مِنْ عِبَادِهِ مِثْلَ هَذَا الجَزَاءِ الحَسَنِ . (1)
ولقد شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - هذين العيدين لأمته،فعن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ؟ قَالُوا:كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ،قَالَ:إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا:يَوْمَ الْفِطْرِ،وَيَوْمَ النَّحْرِ." أحمد (2) .
والعيد يوم شكر لله على ما أنعم من فضله،وما وفق من طاعته،ويوم راحة نفسية بعد أداء الفريضة،ويوم مكافأة إلهية كريمة ليعرف المسلم قدر ما قدم،وقيمة ما عمل،وتشجيعا له على متابعة أمر الله،والسير على منهجه حتى يلقى يوم عيده الأكبر بلقاء وجه ربه الكريم..
ولقد أباح الإسلام أيام العيد إظهار الفرح،والأخذ من الطيبات،والراحة والاستجمام من عناء العمل،وشيئا من اللهو المباح الذي يكون كإعادة شحن لقوى النفس،ومحطة لمواصلة الطريق على صراط الله المستقيم.
وللعيد آداب إسلامية على المسلم أن لا يتجاوزها،وأعرافا عليه ألا يتعداها،فيطلق للنفس العنان لتستبيح ما حرم الله،ولتفسد أياما قضاها في الطاعة والعبادة من أجل شهوة رخيصة،وهوى متبع. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (33) سورة محمد.
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3767)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 640) (13622) 13657- صحيح(1/326)
يَأمُرُ اللهُ تَعَالى المُؤْمِنينَ بإطِاعَةِ اللهِ،وَإطَاعَةِ رَسُولِهِ فِيما يأمُرانِهِمْ بِهِ،وَفيما يَنْهَيانِهِمْ عَنْهُ،وَيَنْهَاهُمْ عَنْ إبْطَالِ أَعْمَالِهِم الحَسَنةِ،بارِتكَابِ المَعَاصِي،وَفِعْلِ الكَبَائِرِ والنِّفَاقِ،وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأعْمَالِ التي تُبْطِلُ الحَسَناتِ وَتُذْهِبُها (1) .
ومن هذه الآداب نذكر ما يلي:
آداب عيد الفطر:
قيام ليلة العيد بأنواع العبادات والقربات،من ذكر لله وصلاة وتسبيح وقراءة للقرآن..
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَنْ قَامَ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ،لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ (2) .
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ "" مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَلَيْلَةَ الْأَضْحَى لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ " رواه الطبراني (3) .
وفي الموسوعة الفقهية:" ويُنْدَبُ إِحْيَاءُ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ ( الْفِطْرِ،وَالأَْضْحَى ) بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ " (4)
وفيها أيضاً:" اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ قِيَامُ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ " (5)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4457)
(2) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (2 / 658) (1782) والإتحاف 3/410 و5/206 حسن لغيره
وفي سنده بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي أمامة :وأعله الألباني في الضعيفة به(521) وقال:بقية سيء التدليس ، فإنه يروي عن الكذابين عن الثقات ثم يسقطهم من بينه وبين الثقات ويدلس عنهم فلا يبعد أن يكون شيخه الذي أسقطه في هذا الحديث من أولئك الكذابين 000 اهـ واعتبره موضوعاً .
أقول : من راجع ترجمة بقية في التهذيب وجد ما يلي الأكثر على توثيقه بقوة والثاني أنه ثقة وحجة فيما رواه عن أهل بلده وهذا ما أكده ابن عدي كذلك وهذا منها فهو يرويه عن شيخه ثور الحمصي فينبغي أن يقبل هذا الحديث وهو الذي لازمه مدة طويلة فلا حاجة لأن يدلس عنه وإنما يكون التدليس عن شيخ سمع منه شيئاً قليلاً 00 راجع التهذيب 10/473 - 478
وقال ابن عدي بعد ترجمته المطولة : " إذا روى عن الشاميين فهو ثبت ، وإذا روى عن المجهولين فالعهدة منهم لامنه،وإذا روى عن غير الشاميين فربما وهم عليهم،وربما كان الوهم من الراوي عنه،وبقية صاحب حديث ، ومن علامة صاحب الحديث أنه يروي عن الكبار والصغار،ويروي عنه الكبار من الناس وهذه صورة بقية ا هـ 2/72 - 80
فلله درك يا ابن عدي .
علماً أنّ إحياء أية ليلة مندوب إليه بشكل عام ،والإحياء يكون بالإكثار من الصلاة وذكر الله وقراءة القرآن والاستماع لموعظة ونحو ذلك, ولا سيما إذا لاحظنا هذه الأيام كيف أن َّالكفار يحيون ليلي أعيادهم بالمعاصي والمنكرات ،فإذا خالفهم المسلمون وأحيوا ليلتي العيدين بطاعة الله تعالى كان خيراً لهم " موسوعة السنة النبوية - (8 / 479)(16071 )
(3) - المعجم الأوسط للطبراني - (163) حسن لغيره
(4) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (2 / 235) والمجموع 4 / 45 ، وشرح المنهاج 2 / 127 ، وابن عابدين 1 / 460 ، ومراقي الفلاح ص 318 ، وكشف المخدرات ص 86 ، والبحر الرائق 2 / 256 ط الأولى بالمطبعة العلمية ، وحاشية الرهوني 1 / 181 طبع بولاق 1306 ، والمغني 1 / 159 والفقه الإسلامي وأدلته - (2 / 537)
(5) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (34 / 123) ومراقي الفلاح بحاشية الطحطاوي ص218 ، وابن عابدين 1 / 460 ، والمجموع 4 / 45 ، وشرح المنهاج 2 / 172 ، الشرح الصغير 1 / 527 ، وكشف المخدرات ص86 .(1/327)
ويُسْتَحَبُّ إِحْيَاءُ لَيْلَتَيِ الْعِيدِ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذِكْرٍ وَصَلاَةٍ وَتِلاَوَةٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَسْبِيحٍ وَاسْتِغْفَارٍ .." (1)
الاغتسال والسواك والتطيب والتزين ولبس أحسن الثياب وأجملها.
الإكثارمن التكبير عند الفجر.قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (185) سورة البقرة.
شهر رمضان الذي ابتدأ الله فيه إنزال القرآن في ليلة القدر; هداية للناس إلى الحق،فيه أوضح الدلائل على هدى الله،وعلى الفارق بين الحق والباطل. فمن حضر منكم الشهر وكان صحيحًا مقيمًا فليصم نهاره. ويُرخَّص للمريض والمسافر في الفطر،ثم يقضيان عدد تلك الأيام. يريد الله تعالى بكم اليسر والسهولة في شرائعه،ولا يريد بكم العسر والمشقة،ولتكملوا عدة الصيام شهرًا،ولتختموا الصيام بتكبير الله في عيد الفطر،ولتعظموه على هدايته لكم،ولكي تشكروا له على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق والتيسير. (2)
إخراج زكاة الفطر قبل الصلاة،وينبغي التكبير في إخراجها احتياطا،ويجوز أول رمضان.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِىَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِىَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ." رواه أبو داود (3) .
حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ الرِّفْقُ بِالْفُقَرَاءِ بِإِغْنَائِهِمْ عَنِ السُّؤَال فِي يَوْمِ الْعِيدِ،وَإِدْخَال السُّرُورِ عَلَيْهِمْ فِي يَوْمٍ يُسَرُّ الْمُسْلِمُونَ بِقُدُومِ الْعِيدِ عَلَيْهِمْ،وَتَطْهِيرُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ شَهْرِ الصَّوْمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ (4)
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (31 / 115) والفقه على المذاهب الأربعة - (1 / 529)
(2) - التفسير الميسر - (1 / 199)
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (1611 ) صحيح
الرفث : الفحش من الكلام أو الجماع وقيل هو اسم لكل ما يريده الرجل من المرأة
(4) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (23 / 336)
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ ، لأَِنَّهُ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِذَلِكَ ، وَلأَِنَّ الْقِيمَةَ فِي حُقُوقِ النَّاسِ لاَ تَجُوزُ إِلاَّ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمْ ، وَلَيْسَ لِصَدَقَةِ الْفِطْرِ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ حَتَّى يَجُوزَ رِضَاهُ أَوْ إبْرَاؤُهُ .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ ، بَل هُوَ أَوْلَى لِيَتَيَسَّرَ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَيَّ شَيْءٍ يُرِيدُهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ ؛ لأَِنَّهُ قَدْ لاَ يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى الْحُبُوبِ بَل هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَلاَبِسَ ، أَوْ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِعْطَاؤُهُ الْحُبُوبَ ، يَضْطَرُّهُ إِلَى أَنْ يَطُوفَ بِالشَّوَارِعِ لِيَجِدَ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ الْحُبُوبَ ، وَقَدْ يَبِيعُهَا بِثَمَنٍ بَخْسٍ أَقَل مِنْ قِيمَتِهَا الْحَقِيقِيَّةِ ، هَذَا كُلُّهُ فِي حَالَةِ الْيُسْرِ ، وَوُجُودِ الْحُبُوبِ بِكَثْرَةٍ فِي الأَْسْوَاقِ ، أَمَّا فِي حَالَةِ الشِّدَّةِ وَقِلَّةِ الْحُبُوبِ فِي الأَْسْوَاقِ ، فَدَفْعُ الْعَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْقِيمَةِ مُرَاعَاةً لِمَصْلَحَةِ الْفَقِيرِ.."الموسوعة الفقهية الكويتية - (23 / 344)(1/328)
الإكثار من الصدقات والمبرات،وجبر خواطر الفقراء واليتامى والأرامل والمساكين.
إظهار البشاشة والفرح والسرور،الفرح بطاعة الله،والبشاشة في وجوه المؤمنين.
التبكير في التوجه إلى صلاة العيد في المسجد،ويستحب الذهاب إليه ماشيا من طريق،والعودة اليه ماشيا من طريق آخر ليشهد له الطريقان ومن فيهما من ملائكة الله التي تملأ الطرقات في هذا اليوم الكريم.
عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا وَأَنْ تَأْكُلَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ." (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،إِذَا خَرَجَ إِلَى الْعِيدَيْنِ رَجَعَ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ." ابن حبان (2)
تناول شيئا من الطعام قبل الذهاب إلى صلاة الفطر ويستحب أن يكون حلوا كالتمر.
عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ .وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا.رواه البخاري (3) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ عَلَى تَمَرَاتٍ،ثُمَّ يَغْدُو." ابن حبان (4)
وعن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ،قَالَ:سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ،يَقُولُ:مَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَوْمَ فِطْرٍ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ ثَلاَثًا،أَوْ خَمْسًا،أَوْ سَبْعًا." ابن حبان (5)
شهود صلاة عيد الفطر،للرجال والنساء،ويستحب تأخيرها لأجل إخراج صدقة الفطر لمن لم يخرجها،وحضور خطبة العيد والإستماع إلى توجيهاتها ووصاياها.
عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ،قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يُخْرِجُ الْعَوَاتِقَ،وَذَوَاتِ الْخُدُورِ،وَالْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدِ،فَأَمَّا الْحُيَّضُ،فَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى،وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ،فَقَالَتْ إِحْدَاهُنَّ:فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِإِحْدَانَا جِلْبَابٌ ؟ قَالَ:لِتُعِرْهَا جِلْبَابِهَا." ابن حبان (6)
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (533 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا وَأَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ لِصَلاَةِ الْفِطْرِ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يَرْكَبَ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ.
(2) - صحيح ابن حبان - (7 / 55) (2815) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (953 )
(4) - صحيح ابن حبان - (7 / 53) (2813) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (7 / 54) (2814) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (7 / 57) (2817) صحيح(1/329)
وعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ،قَالَتْ:أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُخْرِجَهُنَّ يَوْمَ الْفِطْرِ،وَيَوْمَ الأَضْحَى،- يَعْنِي:أَبْكَارَ الْعَوَاتِقِ،وَذَوَاتِ الْخُدُورِ،وَالْحُيَّضَ -،فَقُلْتُ:أَرَأَيْتَ إِحْدَاهُنَّ لاَ يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ ؟ قَالَ:فَتُلْبِسُهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا." ابن حبان (1)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ،قَالَ:سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ،وَقِيلَ لَهُ:أَشَهِدْتَ الْخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْعِيدِ ؟ قَالَ:نَعَمْ،وَلَوْلاَ مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ مَعَهُ مِنَ الصِّغَرِ،خَرَجَ حَتَّى أَتَى الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ،فَصَلَّى،ثُمَّ خَطَبَ،ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ،فَوَعَظَهُنَّ،وَذَكَّرَهُنَّ،وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ،فَرَأَيْتُهُنَّ يَرْمِيَنَّ بِأَيْدِيهِنَّ،وَيَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ،ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَبِلاَلٌ إِلَى بَيْتِهِ. (2)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ قَالَ عَطَاءٌ،أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ -،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمَ فِطْرٍ فِي أَصْحَابِهِ،فَصَلَّى،ثُمَّ خَطَبَ،ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ،فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ. (3)
استحباب قراءة بعض السور في العيدين،فعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ:مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقْرَأُ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى ؟ قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ بِ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ،وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرَ. (4)
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ:بِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى،وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ. (5)
وعَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ،مَوْلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ،عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْجُمُعَةِ بِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكِ الأَعْلَى،وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ،فَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ،قَرَأَ بِهِمَا جَمِيعًا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ. (6)
السلام على الأهل والإخوة والأصدقاء والجيران والمعارف وجميع المسلمين بعد الصلاة،قائلا: تقبل الله طاعتكم،وكل عام وأنتم بخير. (7)
زيارة الأرحام،والعلماء،والأصدقاء بحسب آداب الزيارة.
زيادة الطاعات،والإكثار من أعمال البر والخير،وتجنب المعاصي والذنوب،والملاهي المحرمة،التي تقسي القلب وتصد عن ذكر الله وتلهي عن الصلاة.قال الله تعالى:{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} الحج.
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (7 / 56) (2816) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (7 / 63) (2823) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (7 / 64) (2824) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (7 / 60) (2820) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (7 / 61) (2821) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (7 / 62) (2822) صحيح
(7) - فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (6 / 198) -شعائر العيد(1/330)
آداب عيد الأضحى:
أداب عيد الأضحى هي نفس آداب عيد الفطر إلا في الملاحظات التالية:
التكبير بعد الصلوات الخمس من فجر يوم عرفة وحتى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق.
قال تعالى:{ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} الحج 28.
لأن كل أعمال الحج مصحوبة بذكر الله وتلبيته،فَمَا من عمل يُؤدِّيه الحاجّ إلا ويقول: لبيك اللهم لبيك. وتظل التلبية شاغله ودَيْدنه إلى أنْ يرمي جمرة العقبة،ومعنى " لبيك اللهم لبيك " أن مشاغل الدنيا تطلبني،وأنت طلبتني لأداء فَرْضِك عليَّ،فأنا أُلبِّيك أنت أولاً؛ لأنك خالقي وخالق كل ما يشغلني ويأخذني منك.والأيام المعلومات هي: أيام التشريق. (1)
وقال:{ وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} البقرة 203.
الأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ( يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ - وَهِيَ أَيَّامُ رَمْيِ الجِمَارِ ) فَكَبِّرُوا اللهَ بَعْدَ صَلَواتِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (2)
تعجيل صلاة عيد الأضحى من أجل ذبح الأضاحي كما ورد في الحديث. فعن يَزِيدَ بْنَ خُمَيْرٍ الرَّحَبِىِّ قَالَ:خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ صَاحِبُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ النَّاسِ يَوْمَ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى فَأَنْكَرَ إِبْطَاءَ الإمَامِ وَقَالَ:إِنَّا كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ فَرَغْنَا سَاعَتَنَا هَذِهِ وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ. (3)
وعَنِ الْبَرَاءِ،قَالَ:كُنَّا عِنْدَ سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ،فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَخْبَرْتُكُمْ بِمَوْضِعِهَا،قَالَ:خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ،ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ،فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا،وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ،لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ،قَالَ:وَذَبَحَ خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنِّي ذَبَحْتُ،وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ،قَالَ:اجْعَلْهَا مَكَانَهَا،وَلاَ تُجْزِئُ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ." (4)
وعن أبي الْحُوَيْرِثِ:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَهُوَ بِنَجْرَانَ :« عَجِّلِ الأَضْحَى وَأَخِّرِ الْفِطْرَ وَذَكِّرِ النَّاسَ ».. أخرجه الشافعي (5) .
وعن الشَّافِعِىِّ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقُولُ:إنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْدُو إِلَى الأَضْحَى وَالْفِطْرِ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ فَتَتَامُ طُلُوعُهَا. (6)
__________
(1) - تفسير الشعراوي - ( / 2605)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 210)
(3) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (3 / 282) (6368) وسنن أبي داود - المكنز - (1137) صحيح
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (968 ) وصحيح مسلم- المكنز - (5185) وصحيح ابن حبان - (13 / 228)(5907)
الجَذعة : ما استكمل سنة ولم يدخل فى الثانية
(5) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (3 / 282)(6369) وقال : هَذَا مُرْسَلٌ وَقَدْ طَلَبْتُهُ فِى سَائِرِ الرِّوَايَاتِ بِكِتَابِهِ إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَلَمْ أَجِدْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.قلت : وفيه إبراهيم بن أبي يحيى متروك
(6) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (3 / 282) (6370) وَهَذَا أَيْضًا مُرْسَلٌ وَشَاهِدُهُ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ أَوْ بِمَا يَقْرُبُ مِنْهُ مُؤَخَّرًا عَنْهُ.قلت : وفيه مع إرساله جهالة(1/331)
عدم تناول الطعام قبل أداء صلاة الأضحى. فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،كَانَ لاَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ،وَلاَ يَطْعَمُ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يَنْحَرَ." ابن حبان (1)
الحث على الأضحية للمستطيع،ويرجع في شروطها إلى كتب الفقه. ويسن أن لا يحلق صاحبها ولا يأخذ من اظفاره من بداية ذي الحجة حتى يذبح.فعن سَعِيدَ بْنِ الْمُسَيَّبِ قال: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ،زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ،فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ " رواه مسلم (2) .
توزيع الأضحية ثلث لنفسه وعياله،وثلث لأرحامه وأقاربه وأصدقائه،وثلث للفقراء والمساكين.
قال تعالى:{ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)} الكوثر.
إنا أعطيناك -أيها النبي- الخير الكثير في الدنيا والآخرة،ومن ذلك نهر الكوثر في الجنة الذي حافتاه خيام اللؤلؤ المجوَّف،وطينه المسك.فأخلص لربك صلاتك كلها،واذبح ذبيحتك له وعلى اسمه وحده.إن مبغضك ومبغض ما جئت به من الهدى والنور،هو المنقطع أثره،المقطوع من كل خير. (3)
عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ خَرَجَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أَضْحًى إِلَى الْبَقِيعِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَقَالَ « إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِى يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلاَةِ،ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ،فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ سُنَّتَنَا،وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ شَىْءٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ،لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِى شَىْءٍ ».فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنِّى ذَبَحْتُ وَعِنْدِى جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ.قَالَ « اذْبَحْهَا،وَلاَ تَفِى عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ » رواه البخاري (4) .
وفي الموسوعة الفقهية:" ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ مَسْنُونَاتِ الأُْضْحِيَّةِ أَنْ يَأْكُل الْمُضَحِّي مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ وَيُطْعِمَ وَيَدَّخِرَ،وَالأَْفْضَل أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيَتَّخِذَ الثُّلُثَ ضِيَافَةً لأَِقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ ." (5)
وفيها أيضاً:" وَالأَْفْضَل أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ،وَيَتَّخِذَ الثُّلُثَ ضِيَافَةً لأَِقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ،وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ،وَلَهُ أَنْ يَهَبَ الْفَقِيرَ وَالْغَنِيَّ،وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي صِفَةِ أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال:" وَيُطْعِمُ أَهْل بَيْتِهِ الثُّلُثَ،وَيُطْعِمُ فُقَرَاءَ جِيرَانِهِ الثُّلُثَ،وَيَتَصَدَّقُ عَلَى السُّؤَال بِالثُّلُثِ " . (6)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (7 / 52) (2812) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (5236 )
(3) - التفسير الميسر - (11 / 78)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (976 ) -الجَذعة : ما استكمل سنة ولم يدخل فى الثانية
(5) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (35 / 210)
(6) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (5 / 102) والمغني ( 11 / 109 ط المنار )(1/332)
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ خَالَهُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ وَإِنِّى عَجَّلْتُ نَسِيكَتِى لأُطْعِمَ أَهْلِى وَجِيرَانِى وَأَهْلَ دَارِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَعِدْ نُسُكًا ». فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عِنْدِى عَنَاقَ لَبَنٍ هِىَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَىْ لَحْمٍ. فَقَالَ « هِىَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ وَلاَ تَجْزِى جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ ». (1)
ويجوز الادخار من لحم الأضحية،فعَنْ جَابِرٍ،قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَتَزَوَّدُ لَحْمَ الأَضْحَى إِلَى الْمَدِينَةِ." (2)
وعن ثَوْبَانَ،قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَصْلِحْ لَحْمَ هَذِهِ الْأُضْحِيَّةِ،فَأَصْلَحْتُهُ،فَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى بَلَغَ الْمَدِينَةَ. (3)
وعَنْ يَزِيدَ،مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ،أَنَّ امْرَأَتَهُ أُمَّ سُلَيْمٍ،سَأَلَتْ عَائِشَةَ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ فَقَالَتْ:قَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ غَزْوَةٍ،فَدَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ،فَقَرَّبْتُ لَهُ لَحْمًا مِنْ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ،فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ،حَتَّى سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : كُلْهُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ،إِلَى ذِي الْحِجَّةِ. (4)
وعَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ». رواه مسلم (5) .
صيغة التكبير: الله أكبر الله أكبر لا اله إلا الله،الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:يُكَبِّرُ مِنْ غَدَاةِ عَرَفَةَ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ النَّفْرِ لاَ يُكَبِّرُ فِى الْمَغْرِبِ:اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا." (6)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (5182 )
الجَذعة : ما استكمل سنة ولم يدخل فى الثانية -العناق : الأنثى من ولد المعز أتى عليها أربعة أشهر
(2) - صحيح ابن حبان - (13 / 254) (5931) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (13 / 255) (5932) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (13 / 256) (5933) صحيح
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (2733 )
(6) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (3 / 315) (6504) صحيح
وانظر : تيسير العلام شرح عمدة الحكام- للبسام - (1 / 231) والموسوعة الفقهية الكويتية - (13 / 215) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 3614) سؤال رقم 36627- التكبير المطلق والمقيد ( فضله ووقته وصفته ) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 4821) سؤال رقم 49014- أحكام العيد والسنن التي فيه وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (3 / 4979) رقم الفتوى 18435 يكبر الناس في العيد فرادى وجماعات والأذكار للنووي - (1 / 196)(1/333)
-31-آداب الصيام
الصيام ركن من أركان الإسلام،وهو عبادة قديمة قدم الرسالات السماوية،لما فيه من فوائد روحية ونفسية وصحية،ولما فيه من خير عميم،وفصل كريم،على الفرد والمجتمع.. وقد كتب الله سبحانه الصيام على الأمم السابقة،ثم بلغ به مرتبة الكمال بفرضه على الأمم المحمدية سالكا بهم درجة الإرتقاء في منازل الإيمان والتقوى..قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} البقرة.
أَمَرَ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ بِالصَّومِ تَهْذِيباً لِنُفُوسِهِمْ،وَقَالَ تعالى: إِنَّهُ أَوْجَبَ الصَّومَ عَلَى الأُمَمِ السَّابِقَةِ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ،لِذلِكَ فَإِنَّهُ يُوجِبُهُ عَلَى المُسلِمِينَ،وَقَدْ فَرَضَ اللهُ الصَّوْمَ عَلَى المُؤْمِنينَ لِيُعِدَّهُمْ لِتَقْوَى اللهِ،بِتَرْكِ الشَّهَوَاتِ المُبَاحَةِ المَيْسُورَةِ امتِثالاً لأَمْرِهِ،وَاحتِسَاباً لِلأَجْرِ عِنْدَهُ،فَتُرَبَّى بِذلِكَ العَزِيمَةُ وَالإِرَادَةُ عَلَى ضَبْطِ النَّفْسِ . (1)
وقد ارتبطت فرضية الصيام بزمن معين وهو شهر رمضان المبارك،وأبرز ما في شهر رمضان من أحداث خالدة تنزل القرآن الكريم،الدستور الإلهي الخالد،الهادي من الضلال،والعاصم من الانحراف،والمنجي من الزيغ،والنور التام في الظلمة،والسعادة الكاملة للبشرية في هذه الدنيا ويوم القيامة،وتنزل القرآن الكريم في القلوب الواعية،والأفهام الناضجة ونقله من الصحائف والسطور،إلى العقول والصدور،ثم إلى الامتثال والسلوك،يحتاج إلى تدريب وتأهيل،والصيام وسيلة من وسائل هذا التدريب والتأهيل. قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (185) سورة البقرة.
وكلُّ العبادات المفروضة عبارة عن عمل معيّن،وله ثواب معين،إلا عبادة الصيام،فهي ليست بعمل وإنما هي ترك العمل،ولذلك فقد اقترن ثوابه بالعطاء الإلهي المباشر. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ،إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى،وَأَنَا أَجْزِى بِهِ،وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ » (2) .
وعَنْ أَبِى صَالِحٍ الزَّيَّاتِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ،فَإِنَّهُ لِى،وَأَنَا أَجْزِى بِهِ.وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ،وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ،فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ،فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ،أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّى امْرُؤٌ صَائِمٌ.وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 190)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5927 )(1/334)
لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ،لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ،وَإِذَا لَقِىَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ » متفق عليه (1)
وإذا كان الصيام ترك لأعمال مباحة،وهي المفطرات،فالأولى ترك الأعمال المكروهة أو المحرمة كاللغو والرفث والهزل والكذب والغيبة والنميمة والفطر إلى المحرمات وسماع المعازف والقينات وصرف الوقت في الملاهي والمنكرات. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ،فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. رواه البخاري (2)
والصيام رحلة روحية مباركة،ومدرسة صحية مثلى،تعين الجسم على التخلص من سمومه وفضلاته،وتعلمه الحمية الصححية،والتوازن الغذائي الأفضل إلى جانب الفوائد الأخلاقية والروحية كالتعود على الصبر والاحتمال،ومخالفة النفس،وكسر الشهوة،واحترام النظام،والتزام الجماعة،والإحسان إلى الفقراء،ومواساة المساكين،وتقدير النعمة،والتخلص من البطر،وصفاء القلب،وتطهير الروح،والانشغال بلذة العبادة،والتزود من ذكر الله تعالى والاعتكاف وتلاوة القرآن الكريم..
إنه وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،دواء مزيد،وشفاء أكيد،ووصفة نبوية ليس لها نظير. فعَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِىُّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِى بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِى اللَّهُ بِهِ. قَالَ « عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ ». (3)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1904 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2762 )
ولخلوف : خلف فم والصائم يخل خلوفا : إذا تغيرت ريحه من ترك الأكل والشرب ، والخلفة منه.
يرفث : الرفث : كلمة جامعة لكل مايريده الرجل من المرأة ، وقيل : والتصريح بذكر الجماع ، وهو الحرام في الحج على المحرم ، فأما الرفث في الكلام إذا لم يخاطب به امرأة ،فلا يحرم عليه ، ولكن يستحب له تركه.
يصخب : الصخب : الضجة والجلبة.-
الصوم لي وأنا أجزي به : إنما خص الصوم والجزاء عليه بنفسه عز وجل وإن كانت العبادات كلها له ، وجزاؤها منه ، لأن جميع العبادات التي يتقرب بها العباد إلى الله عز وجل ، من صلاة ، وحج ،وصدقة، وأتبتل واعتكاف ودعاء وقربان وهدي ، وغير ذلك من أنواع العبادات ،قد عبد المشركون بها آلهتهم ، وكانوا يتخذونه من دون الله ندادا ، ولم يسمع أن طائفة من طوائف المشركين وفي الأزمان المتقادمة عبدت آهتها بالصوم ، ولاتقربت إليها به ، ولا دانتها به ، ولا عرف الصوم في العبادات إلا من جهة الشرائع ، فذلك قال الله عز وجل : «الصوم لي» أي : لم يشاركني فيه أحد ، ولا عبد به غيري ، فأنا حينئذ أجزي به على قدر اختصاصه بي ، وأنا أتولى الجزاء عليه بنفسي ، لا أكله إلى أحد ( غيري ) من ملك مقرب أو غيره ، وقد ذكر العلماء في معنى هذا الحديث وجوها من التأويل ، لاتداني هذا القول ولا تقاربة ،إذ ما من قول منها رإلا وباقي العبادات تشاركه فيه وهذا القول أخبرني به الأمير مجاهد الدين أبو منصور قايماز بن عبد الله - أدام الله سعادته - وذكر أنه مما وقع له ابتكارا ،ولم يسمعه من أحد ، ولا وقف عليه في كتاب ، ولم أسمعه أنا من غيره ،ولقد أصاب فيما وقع له وأحسن ، وفقه الله بعرفانه.جامع الأصول في أحاديث الرسول - (9 / 453)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1903) وصحيح ابن حبان - (8 / 257) (3480)
(3) - سنن النسائي- المكنز - (2233) صحيح(1/335)
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ:بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى سَرِيَّةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. ثُمَّ قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِى بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِى اللَّهُ بِهِ. قَالَ :« عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ ». قَالَ فَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ لاَ يُلْقَى إِلاَّ صَائِمًا هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ،فَإِذَا رُئِىَ فِى دَارِهِ دُخَانٌ بِالنَّهَارِ قِيلَ:اعْتَرَاهُمْ ضَيْفٌ،ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ أَمَرْتَنِى بِأَمْرٍ أَرْجُو اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَارَكَ اللَّهُ لِى فِيهِ. فَمُرْنِى بِأَمْرٍ قَالَ :« اعْلَمْ أَنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً أَوْ كَتَبَ لَكَ بِهَا حَسَنَةً أَوْ حَطَّ عَنْكَ بِهَا سَيِّئَةً » (1) .
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،قَالَ:أَنْشَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشًا،فَأَتَيْتُهُ،فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،ادْعُ اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ،قَالَ:اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ،فَغَزَوْنَا فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا،حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ،قَالَ:ثُمَّ أَتَيْتُهُ،فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنِّي أَتَيْتُكَ تَتْرَى ثَلاَثَ مَرَّاتٍ،أَسْأَلُكَ أَنْ تَدْعُوَ لِي بِالشَّهَادَةِ،فَقُلْتَ:اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا يَا رَسُولَ اللهِ،فَمُرْنِي بِعَمَلٍ أَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ،فَقَالَ:عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ،قَالَ:فَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ لاَ يُرَى فِي بَيْتِهِ الدُّخَانُ نَهَارًا إِلاَّ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ ضَيْفٌ،فَإِذَا رَأَوَا الدُّخَانَ نَهَارًا عَرَفُوا أَنَّهُ قَدِ اعْتَرَاهُمْ ضَيْفٌ." (2)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ،قَالَ:عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لاَ عِدْلَ لَهُ." (3)
وعَنْ أَبِي فَاطِمَةَ،قَالَ:قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِعَمَلٍ،أَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ وَأَعْمَلُهُ،قَالَ:عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِعَمَلٍ أَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ وَأَعْمَلُهُ قَالَ:عَلَيْكَ بِالسُّجُودِ فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً. " (4)
وعَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ،أَنَّ أَبَا فَاطِمَةَ،حَدَّثَهُ،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،حَدِّثْنِي بِعَمَلٍ،أَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ وَأَعْمَلُهُ،قَالَ:عَلَيْكَ بِالصَّلاَةِ،فَإِنَّهَا لاَ مِثْلَ لَهَا قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،حَدَّثَنِي بِعَمَلٍ أَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ وَأَعْمَلُهُ،قَالَ:عَلَيْكَ بِالْجِهَادِ،فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،حَدِّثْنِي بِعَمَلٍ أَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ وَأَعْمَلُهُ،قَالَ:عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ،فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،حَدِّثْنِي بِعَمَلٍ أَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ وَأَعْمَلُهُ،قَالَ:عَلَيْكَ بِالسُّجُودِ فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً،وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً." (5)
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (4 / 301) (8743) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (8 / 212) (3425) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (8 / 213) (3426) صحيح
(4) - مسند الشاميين 360 - (1 / 126) (198) صحيح
(5) - مسند الشاميين 360 - (4 / 352) (3532) حسن(1/336)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ،أَنَّ مُطَرِّفًا مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ حَدَّثَهُ:أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ دَعَا بِلَبَنٍ لِيَسْقِيَهُ،فَقَالَ مُطَرِّفٌ:إِنِّي صَائِمٌ،فَقَالَ عُثْمَانُ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:الصِّيَامُ جُنَّةٌ كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْقِتَالِ،وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:صِيَامٌ حَسَنٌ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. (1)
وهذه جملة من آداب الصيام:
إذا رأى المسلم هلال رمضان يدعو عند رؤيته بدعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،فعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ:أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلالَ،قَالَ:اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِِيمَانِ،وَالسَّلامَةِ وَالإِِسْلامِ،رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ. (2)
وعَنْ قَتَادَةَ،أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا رَأَى الْهِلالَ،قَالَ:هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ،هِلالُ رُشْدٍ وَخَيْرٍ،هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ،آمَنْت بِالَّذِي خَلَقَك ثَلاثًا،الْحَمْدُ لِلَّهِ ذَهَبَ بهِلالِ كَذَا وَكَذَا،وَجَاءَ بِهِلالِ كَذَا وَكَذَا. (3)
وكَانَ الْحَسَنَ يَقُولُ إذَا رَأَى الْهِلالَ:اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ شَهْرَ بَرَكَةٍ وَنُورٍ وَأَجْرٍ وَمُعَافَاةٍ اللَّهُمَّ إنَّك قَاسِمٌ بَيْنَ عِبَادٍ مِنْ عِبَادِكَ فِيهِ خَيْرًا فَاقْسِمْ لَنَا فِيهِ مِنْ خَيْرِ مَا تَقْسِمُ لِعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ. " (4)
الاستعداد للصوم بتبيت النية. فعَنْ حَفْصَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ ». (5) .
وعَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ ». (6)
والنية فرض وتكون ليلا لكل يوم من رمضان والنذر والقضاء والكفارة وأكملها أن ينوي صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة إيمانا واحتسابا لوجه الله الكريم.
ابتغاء وجه الله تعالى والإخلاص له في الصوم،وطلب مغفرته ورضوانه.قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لا يَصُومُ عَبْدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ عَنْ وَجْهَهُ سَبْعِينَ خَرِيفًا مِنَ النَّارِ ." (7)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَصُومُ عَبْدٌ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ،إِلاَّ بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ النَّارَ عَنْ وَجْهِهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا. (8)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (8 / 411) (3649) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 445)(1397) حسن لغيره
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (15 / 358) (30368) صحيح مرسل
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (15 / 358) (30369) صحيح مقطوع
(5) - سنن النسائي- المكنز - (2346) صحيح - يُبَيِّت التَّبْيِيتُ : أن ينوي الصيام من الليل.
(6) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (4 / 203) (8166) صحيح
(7) - مسند أبي عوانة (2259 ) صحيح
الخَرِيف : الزَّمَانُ المَعْرُوفُ من فصول السَّنّة ما بين الصَّيف والشتاء ويطلق على العام كله
(8) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 69)(11210) 11228- صحيح(1/337)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ صَامَ يَوْمًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا » (1) .
وعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ مِنَ النَّارِ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ. (2)
وعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ السُّلَمِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ مِنْهُ جَهَنَّمَ كَمَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرَضِينَ السَّبْعِ،وَمَنْ صَامَ يَوْمًا تَطَوُّعًا بَاعَدَ اللَّهُ مِنْهُ جَهَنَّمَ مَسِيرَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ " (3)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَجْمَعُ اللَّهُ فِي جَوْفِ رَجُلٍ غُبَارًا فِي سَبِيلِ اللهِ وَدُخَانَ جَهَنَّمَ،وَمَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ،حَرَّمَ اللَّهُ سَائِرَ جَسَدِهِ عَلَى النَّارِ،وَمَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ،بَاعَدَ اللَّهُ عَنْهُ النَّارَ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْتَعْجِلِ،وَمَنْ جُرِحَ جِرَاحَةً فِي سَبِيلِ اللهِ،خَتَمَ لَهُ بِخَاتَمِ الشُّهَدَاءِ،لَهُ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،لَوْنُهَا مِثْلُ لَوْنِ الزَّعْفَرَانِ،وَرِيحُهَا مِثْلُ رِيحِ الْمِسْكِ،يَعْرِفُهُ بِهَا الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ،يَقُولُونَ:فُلاَنٌ عَلَيْهِ طَابَعُ الشُّهَدَاءِ،وَمَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ." (4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا،غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ." (5) .
وعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ». (6)
التقوي على الصوم بالقيام إلى السحور. فعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : تَسَحَّرُوا،فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةٌ. رواه البخاري ومسلم (7) .
__________
(1) - وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ صَامَ يَوْمًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا » .
(2) - مسند الشاميين 360 - (1 / 171) (290) صحيح لغيره
(3) - مسند الشاميين 360 - (1 / 281) (490) صحيح لغيره
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 885)(27503) 28052- فيه انقطاع
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (38 ) وصحيح ابن حبان - (8 / 219) (3432)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : إِيمَانًا ، يُرِيدُ بِهِ : إِيمَانًا بِفَرْضِهِ ، وَاحْتِسَابًا يُرِيدُ بِهِ : مُخْلِصًا فِيهِ.
(6) - صحيح مسلم- المكنز - (1817)
(7) - صحيح البخارى- المكنز - (1923) وصحيح مسلم- المكنز - (2603 )(1/338)
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " عَلَيْكُمْ بِهَذَا السُّحُورِ،فَإِنَّمَا هُوَ الْغَدَاءُ الْمُبَارَكُ " (1) .وسبب البركة: أنه يقوي الصائم،وينشطه،ويهون عليه الصيام.
ويستحب تأخير السحور ليزود الصائم بالطاقة والحيوية والنشاط.
فعَنْ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضى الله عنه - قَالَ تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلاَةِ. قُلْتُ كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا قَالَ خَمْسِينَ آيَةً. رواه مسلم (2) .
اعتنام وقت السحر بالصلاة والذكر والدعاء وتلاوة القرآن. قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (79) سورة الإسراء
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - بِقِيَامِ اللَّيْلِ مُصَلِّياً،زِيَادَةً عَنِ الصَّلاَةِ المَفْرُوضَةِ ( نَافِلَةً ).وَقَدْ خُصَّ الرَّسُولُ بِهذا الأَمْرِ.ثُمَّ أَمَرَهُ تَعَالَى بِأَنْ يَتْلُوَ القُرآنَ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ لِلصَّلاَةِ . (3)
تعجيل الإفطار عند التأكد من دخول الوقت،ليستعيد الجسم نشاطه تقويا على القيام. فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ. متفق عليه (4) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ،إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ. (5)
الدعاء عند الإفطار بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . فعَنْ عَبْدِ اللهِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةً مَا تُرَدُّ "،قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُولُ عِنْدَ فِطْرِهِ: " اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي " (6)
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ مُلَيْكَةَ،قال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،يَقُولُ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:" لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةٌ مَا تُرَدُّ " قَالَ:وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ عِنْدَ فِطْرِهِ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ،أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي " (7)
فعَنْ مَرْوَانُ بْنَ سَالِمٍ الْمُقَفَّعُ قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَفْطَرَ قَالَ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.. رواه أبو داود (8) .
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (14 / 125) (5504 ) حسن
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (2606 )
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2109)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (1957) وصحيح مسلم- المكنز -(2608) وصحيح ابن حبان - (8 / 273) (3502)
(5) - صحيح ابن حبان - (8 / 273) (3503) صحيح
(6) - شعب الإيمان - (5 / 407) (3621 ) صحيح
(7) - فَضَائِلُ الْأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ (140) صحيح
(8) - سنن أبي داود - المكنز - (2359 ) حسن(1/339)
وعَنْ أَبِي زُهْرَةَ،قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا صَامَ،ثُمَّ أَفْطَرَ،قَالَ:اللَّهُمَّ لَكَ صُمْت وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْت،قَالَ:وَكَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ يَقُولُ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَانَنِي فَصُمْت،وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرْت. (1)
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَفْطَرَ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتٍ،قَالَ:أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ،وَنَزَلَتْ عَلَيْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ. (2)
الإفطار على تمرات أو سائل حلو،أو على الماء عند فقدهما ولا يكثر من ذلك،ثم يصلي المغرب،ثم يعود إلى تناول الطعام بعد الصلاة. فعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَطُّ صَلَّى صَلاَةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يُفْطِرَ،وَلَوْ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ." (3)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ وَجَدَ تَمْرًا فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ،وَمَنْ لاَ فَلْيُفْطِرْ عَلَى الْمَاءِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ" (4)
وعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِر،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلْيُفْطِرْ عَلَى التَّمْرِ،فَإِنْ لَمْ يَجِدِ التَّمْرَ فَعَلَى الْمَاءِ،فَإِنَّهُ الْمَاءُ طَهُورُ " (5)
وفي الحديث دليل على أنه يستحب الفطر قبل صلاة المغرب بهذه الكيفية،فإذا صلى تناول حاجته من الطعام بعد ذلك،إلا إذا كان الطعام موجودا،فإنه يبدأ به،عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« إِذَا قَدِمَ الْعَشَاءُ فَابْدَؤُا بِالْعَشَاءِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلاَةَ الْمَغْرِبِ وَلاَ تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ ». رواه البخاري ومسلم (6) .
الاعتدال في الطعام والشراب،وتجنب البطنة والتخمة،والإقلال من أصناف الأطعمة ما أمكن،لئلا يضيع على نفسه فائدة الصوم الصحية. قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف
السواك قبل الإفطار وبعده وأثناء الصيام.فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ الْعَدَوِىِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:مَا أُحْصِى وَلاَ أَعُدُّ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَسَوَّكَ وَهُوَ صَائِمٌ..
قَالَ أَبُو عِيسَى:وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ يَرَوْنَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا السِّوَاكَ لِلصَّائِمِ بِالْعُودِ الرَّطْبِ وَكَرِهُوا لَهُ السِّوَاكَ آخِرَ النَّهَارِ وَلَمْ يَرَ الشَّافِعِىُّ بِالسِّوَاكِ بَأْسًا أَوَّلَ النَّهَارِ وَلاَ آخِرَهُ وَكَرِهَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ السِّوَاكَ آخِرَ النَّهَارِ. (7)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (6 / 330) (9837) صحيح مرسل
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (6 / 330) (9838) والدعاء للطبراني -العلمية - (1 / 286) ( 918 ) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (8 / 274) (3504) صحيح
(4) - المستدرك للحاكم(1574) صحيح
(5) - المستدرك للحاكم(1575) صحيح لغيره
(6) - صحيح البخارى- المكنز - (672 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1270)
(7) - سنن الترمذى- المكنز - (729 ) حسن(1/340)
الإستزادة من فعل الخيرات،وأداء العبادات،والإكثار من الإنفاق والمبرات،فهو في رمضان أكثر تأكيدا وأعظم أجرا.. وخاصة تلاوة القرآن ومدارسته. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ النَّاسِ،وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ،وَحِينَ يَلْقَى جِبْرِيلَ،وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ،فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ،فَلَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. رواه البخاري (1) .
كف النفس عمّا يتنافى مع حقيقة الصيام من المحارم والآثام وإطلاق الجوارح في المعاصي والذنوب كالغيبة والنميمة والكذب والغش والفحش وسوء الخلق والاضرار بالناس والنظر إلى المحرمات.
قال بعض العلماء: كم من صائم مفطر،وكم من مفطر صائم،والمفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب،والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه للمحرمات. (2)
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكْلِ وَالشَّرْبِ فَقَطْ. إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ. فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ أَوْ جَهِلَ عَلَيْكَ فَقَلْ:إِنِّى صَائِمٌ » (3) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ،وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ" (4) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ،وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ. (5)
وعَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّ امْرَأَتَيْنِ صَامَتَا وَأَنَّ رَجُلاً قَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هَاهُنَا امْرَأَتَيْنِ قَدْ صَامَتَا،وَإِنَّهُمَا قَدْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا مِنَ الْعَطَشِ،فَأَعْرَضَ عَنْهُ،أَوْ سَكَتَ،ثُمَّ عَادَ،وَأُرَاهُ قَالَ:بِالْهَاجِرَةِ،قَالَ:يَا نَبِيَّ اللهِ،إِنَّهُمَا وَاللَّهِ قَدْ مَاتَتَا،أَوْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا قَالَ:ادْعُهُمَا قَالَ:فَجَاءَتَا،قَالَ:فَجِيءَ بِقَدَحٍ،أَوْ عُسٍّ فَقَالَ لإِحْدَاهُمَا:قِيئِي فَقَاءَتْ قَيْحًا،أَوْ دَمًا وَصَدِيدًا وَلَحْمًا حَتَّى قَاءَتْ نِصْفَ الْقَدَحِ،ثُمَّ قَالَ لِلأُخْرَى:قِيئِي فَقَاءَتْ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ وَصَدِيدٍ وَلَحْمٍ عَبِيطٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى مَلأَتِ الْقَدَحَ،ثُمَّ قَالَ:إِنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمَا،وَأَفْطَرَتَا عَلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا،جَلَسَتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الأُخْرَى،فَجَعَلَتَا يَأْكُلاَنِ لُحُومَ النَّاسِ." رواه أحمد (6) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6 ) وصحيح ابن حبان - (14 / 285) (6370)
(2) - إحياء علوم الدين - (1 / 246)
(3) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (4 / 270) (8571) وصحيح الجامع (5376) صحيح لغيره
(4) - صحيح ابن خزيمة (3 / 151) صحيح
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (11 / 14) (13232 ) صحيح لغيره
(6) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 805)(23653) 24053- فيه جهالة(1/341)
تجنب المزاح والضحك وإضاعة الوقت. "إنّ الله جعل شهرَ رمضان مضمارًا لخلقه،يستبقون فيه بطاعتِه إلى مرضاتِه،فسبَق قومٌ ففازوا،وتخلَّف آخرون فخابوا. فالعَجَب مِنَ اللاّعب الضّاحك في اليومِ الذي يفوز فيه المحسِنون ويخسَر فيه المبطِلون" أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك (1)
دعوة الأرحام والجيران والمقربين لتناول طعام الإفطار استزادة في طلب الخير والرحمة والأجر من الله تعالى .
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا،كَانَ لَهُ،أَوْ كُتِبَ لَهُ،مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ،مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا،وَمَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ،كَانَ لَهُ،أَوْ كُتِبَ لَهُ،مِثْلُ أَجْرِ الْغَازِي فِي أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْغَازِي شَيْئًا. (2) .
وعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى طَعَامٍ وَشَرَابٍ مِنْ حَلاَلٍ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ فِي سَاعَاتِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَصَافَحَهُ جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ،مَنْ صَافَحَهُ جِبْرِيلُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ رُزِقَ دُمُوعًا وَرِقَّةً قَالَ سَلْمَانُ:إِنْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى قُوتِهِ،قَالَ:عَلَى كِسْرَةِ خُبْزٍ أَوْ مَذْقَةِ لَبَنٍ أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ كَانَ لَهُ هَذَا." (3) .
من الأدب أن لا يجاهر المسلم ـ المرخص له بالإفطار ـ في إفطاره إحتراما لشعور الصائمين ولكي لا يشجع المستهترين من المفطرين بالمجاهرة في إفطارهم بحجة أو بغير حجة.
الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان. عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَيْقَظَ أَهْلَهُ،وأَحْيَى اللَّيْلَ،وَشَدَّ الْمِئْزَرَ. (4)
وعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ. (5)
وقَالَتْ عَائِشَةُ رضى الله عنها كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْتَهِدُ فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِى غَيْرِهِ (6) .
__________
(1) - إحياء علوم الدين - (1 / 246) ولطائف المعارف - (1 / 180) وموسوعة خطب المنبر - (1 / 3548)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 258) (21676) 22016- صحيح
(3) - مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (6 / 469)(2501) ضعيف
(4) - صحيح ابن حبان - (2 / 25) (321) صحيح
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (2844 )
(6) - صحيح مسلم- المكنز - (2845 )(1/342)
استحباب طلب ليلة القدر وقيامها فليلة القدر أفضل ليالي السنة لقوله تعالى:{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} القدر.
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى إِنَّهُ أَنْزَلَ القُرْآنَ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ.وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ اللهَ أَنْزَلَ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ القُرْآنَ جُمْلَةً مِنَ اللَّوْحِ المَمْحُوظِ إِلَى بَيْتِ العِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا،ثُمَّ مُفَصَّلاً بِحَسَبِ الوَقَائِعِ فِي ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .وَمَا الذِي تَعْلَمُهُ أَنْتَ عَنْ فَضْلِهَا،وَعُلُوِّ قَدْرِهَا،فَذَلِكَ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ.فَلَيْلَةُ القَدْرِ مُبَارَكَةٌ بَدَأَ فِيهَا بِإِنْزَالِ القُرْآنِ الكَرِيمِ لِيَبْدَأَ عَهْدُ النُّبُوَّةِ وَالنُّورِ وَالهُدَى،وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مِنْ أَشْهُرِ الجَاهِلِيَّةِ،التِي كَانَ النَّاسُ يَتَخَبَّطُونَ فِيهَا فِي ظَلاَمِ الشِّرْكِ وَالوَثَنِيَّةِ،تَنَزَّلَتِ المَلاَئِكَةُ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَتَمَثَّلَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ،مُبَلِّغاً لِلْوَحْيِ،وَكَانَ هَذَا التَّجَلِّي بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى .وَهِيَ لَيْلَةٌ كُلُّهَا سَلاَمٌ وَأَمْنٌ وَخَيْرٌ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللهِ،وَأَهْلِ طَاعَتِهِ،مِنْ مَبْدَئِهَا إِلَى نِهَايَتِهَا فِي مَطْلَعِ الفَجْرِ . (1)
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ،وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »رواه البخاري (2) .
وعَنِ الزُّهْرِيِّ،قَالَ:أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ،أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ،فَصَلَّى النَّاسُ،فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ بِذَلِكَ،فَكَثُرَ النَّاسُ،فَخَرَجَ عَلَيْهِمُ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ فَصَلَّى،فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ،فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ بِذَلِكَ حَتَّى كَثُرَ النَّاسُ،فَخَرَجَ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ،فَصَلَّى فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ،فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ بِذَلِكَ،فَكَثُرَ النَّاسُ حَتَّى عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ،فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ،فَطَفِقَ النَّاسُ يَقُولُونَ:الصَّلاَةَ،فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ،فَلَمَّا قَضَى صَلاَةَ الْفَجْرِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ،ثُمَّ قَالَ:أَمَّا بَعْدُ،فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ شَأْنُكُمُ اللَّيْلَةَ،وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلاَةُ اللَّيْلِ،فَتَعْجِزُوا عَنْ ذَلِكَ،وَكَانَ يُرَغِّبُهُمْ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِعَزِيمَةٍ،يَقُولُ:مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا،غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ قَالَ:فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ،ثُمَّ كَذَلِكَ كَانَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ،حَتَّى جَمَعَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ،فَقَامَ بِهِمْ فِي رَمَضَانَ،وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ فِي رَمَضَانَ." (3)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 6003)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1901 )
(3) - صحيح ابن حبان - (6 / 284) (2543) صحيح(1/343)
وعن ابْنِ بُرَيْدَةَ،قَالَ:قَالَتْ عَائِشَةُ:يَا نَبِيَّ اللهِ،أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ،مَا أَقُولُ ؟ قَالَ:تَقُولِينَ:اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ،فَاعْفُ عَنِّي. رواه أحمد (1) .
الاعتكاف في رمضان خاصة في العشر الأخير.
عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنِ اعْتَكَفَ عَشْرًا فِي رَمَضَانَ كَانَ كَحَجَّتَيْنِ وَعُمْرَتَيْنِ ".رواه البيهقي (2) .
وعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ،ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ (3) .
آداء زكاة الفطر وهي واجبة على كل فرد من المسلمين صغيرا وكبيرا،ذكرا وأنثى،وتصح من أول شهر رمضان فهي تجبر ما وقع أثناء الصيام من زلات وهفوات،وسبب لقبول الصيام ورفعه إلى مرتبة الرضا،ويتذكر فيها الفقراء والمحتاجين من الأرحام والجيران والمقربين.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِىَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِىَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ. رواه أبو داود (4) .
بلوغ أعلى درجات الصوم،بالتشبه بالملائكة الكرام،الذين لا يأكلون ولا يشربون،ولا يشتغلون إلا بعبادة ربهم وامتثال أوامره،والقربة من جنابه الكريم. قال بعض العلماء: للصوم ثلاث درجات: أولها،كف البطن والفرج عن المفطرات،وثانيها: كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام،وثالثها: صوم القلب عن الأخلاق الدنيئة والأفكار الدنيوية،وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية. (5) وبذلك يتحقق الحديث الشريف.عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ،إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى،وَأَنَا أَجْزِى بِهِ،وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ » رواه البخاري (6) .
قالَ العلامة الإمام ابن القيم رحمه الله: حبسُ النفس عن الشهواتِ وفِطامها عن المألوفات وتعديلُ قوّتها الشهوانيّة لتستعدَّ لطلَب ما فيه غايةُ سعادتها ونعيمها ولقَبول ما تزكو به مما فيهِ حياتها الأبديّة،ويكسِر الجوعُ والظّمَأ مِن حِدّتها وسَورتها ويذكِّرها بحالِ الأكبادِ الجائعة من المساكينِ،وتُضيَّق
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 322)(25384) 25898- صحيح
(2) - شعب الإيمان - (5 / 436) (3680 ) إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (2026 ) وصحيح مسلم- المكنز -(2841 )
(4) - سنن أبي داود - المكنز - (1611 ) حسن
الرفث : الفحش من الكلام أو الجماع وقيل هو اسم لكل ما يريده الرجل من المرأة
(5) - إحياء علوم الدين - (1 / 245) وموسوعة خطب المنبر - (1 / 1209)
(6) - صحيح البخارى- المكنز - (5927 )(1/344)
مجارِي الشيطان من العبدِ بتضييق مجاري الطّعام والشّراب،وتُحبَس قوَى الأعضاء عن استرسَالها لحكمِ الطبيعة فيها يضرُّها في معاشِها ومعادِها،ويُسكَّن كلّ عضوٍ منها وكلّ قوّةٍ عن جماحه وتُلجَم بلجامه،فهو لِجام المتّقين وجُنّة المحارِبين ورياضة الأبرارِ والمقرَّبين،وهو لربّ العالمين من بين سائِر الأعمال؛ فإنّ الصائمَ إنما يترُك شهوتَه وطعامَه وشرابه من أجلِ معبودِه،فهو تركُ محبوباتِ النّفس وتلذُّذاتها إيثارًا لمحبّة الله ومرضاتِه،وهو سِرّ بين العبدِ وربّه لا يطَّلع عليه سواه،والعِبادُ قد يطّلِعون مِنه على تركِ المفطّرات الظّاهرة،وأمّا كونه ترك طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجلِ معبودِه فهو أمرٌ لا يطَّلع عليه بشرٌ،وتلك حقيقةُ الصوم " (1)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - موسوعة خطب المنبر - (1 / 3497)(1/345)
-32-آداب الزكاة والصدقات
الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة،وقد اقترنت بإقامة الصلاة في أكثر مواضعها التي ذكرت في القرآن الكريم.قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (277) سورة البقرة.
يَمْدَحُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنيِنَ المُصَدِّقِينَ بِمَا جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ،المُقِيمِينَ الصَّلاَةَ،وَعَامِلِي الصَّالِحَاتِ وَالمُزَكِّينَ،وَيُخْبرُ عَنْهُمْ أنَّهُ يَحْفَظُ لَهُمْ أَجْرَهُمْ،وَأَنَّهُمْ لاَ خَوْفَ عَلَيهِمْ،وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ فِي الدُّنيا . (1)
ولئن كانت الصلاة هي العبادة الروحية التي تقام بأركان الجسد،فإن الزكاة عبادة روحية أيضا ولكنها تؤدَّى من حرّ الأموال.
وقد بيّن الفقهاء شرووطها ونصابها وتوزيعها بما يكفل كفاية الفقراء من أموال الأغنياء فيما لو قام الأغنياء بأدائها كاملة غير منقوصة (2) .
ولئن حث الإسلام أتباعه على إقامة أركان الإسلام ومنها أداء الزكاة،فإنما يحثهم على العمل الشريف،والسعي الحلال الذي يجمعون منه الأموال ليتمكنوا من القيام بهذا الركن على أفضل الوجوه.. وبمعنى آخر فإن الإسلام يحث أتباعه على محاربة الفقر،والسعي نحو الغنى،ولكنه الغنى المصحوب بالإنفاق والعطاء والسخاء...
وقد أمر الإسلام بالصدقة فضلا عن الزكاة،وحفز الهمم للإنفاق في وجوه البر والخير،وجعل الأسلوب في ذلك بعث كوامن النفس للتخلص من البخل،بمخاطبة الغني أنه إنما يقرض ربه من ماله،والله أغنى الأغنياء،وأكرم الأكرمين،فكيف سيرد له دينه،ويوفيه أجره.قال تعالى: {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} (17) سورة التغابن.
مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ مَالٍ فِي طَاعَةِ اللهِ،وَتَقَرُّباً إِليهِ،فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَعُدُّ ذَلِكَ الإِنْفَاقَ مُقَدَّماً إِلَيه تَعَالَى،وَهُوَ يُخْلفُهُ وَيَرُدُّهُ إِلَى المُنْفقِينَ - أَضْعَافاً كَثِيرَةً - الحَسَنَةُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِها إِلَى سَبْعِمِئَةِ ضِعْفٍ - وَيَمْحُو عَنْكُمْ بِها سَيِّئَاتِكُمْ،وَيَسْتُرُهَا عَلَيْكُمْ،وَاللهُ شكُورٌ يَجْزِي عَلَى القَلِيل بِالكَثِيرِ،وَهُوَ كَثِيرُ الحِلْمِ وَالمَغْفِرَةِ،يَغْفِرُ وَيَسْتُرُ،وَلاَ يُعَاجِلُ بِالعُقُوبَةِ عِبَادَهُ عَلَى الذُّنُوبِ وَالأَخْطَاءِ لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ وَيَرْجِعُونَ مُسْتَغْفِرْينَ . (3)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 285)
(2) - انظر كتاب فقه الزكاة للقرضاوي
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5094)(1/346)
وهدد من يبخل بهذا الأسلوب الالهي البيلغ المؤثر: {هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (38) سورة محمد 38.
إنَّكُمْ يَا أيُّها المُسْلِمُونَ تُدعونَ إلى الإِنْفَاقِ في سَبِيلِ اللهِ،وَفي سَبيلِ مُجَاهَدَةِ أعْدَائِهِ،وَفي سَبِيلِ نَصْرِ دِينِهِ.وَمَنَ المُؤمِنينَ مَنْ يَبْخلُ بالإِنْفَاقِ في هذا السَّبِيلِ،وَمَنْ يَبْخلْ فَإِنَّما يضُرُّ نَفْسَهُ بِذَلِكَ،لأنَّهُ يحرمُها ثَوابَ اللهِ،وَيَحْرِمُها مِنْ رِضْوَانِ اللهِ،وَاللهُ غَنِيٌّ عَنِ العِبَادِ،وَعَنْ أمْوالِهِم وَعَنْ جَهَادِهِمْ،وَهُمُ الفُقَراءُ إلى فَضْلِهِ وإحْسَانِهِ،وَإنما حَثَّهُمْ عَلَى الجِهادِ وَالبَذْلِ لِيَنَالوا الأجْرَ وَالمثَوْبةَ .
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالى لَهُم:إنَّهُم إنْ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِمْ،وَعَنِ اتِّبَاعِ شَرْعِهِ فإنه قادِرٌ عَلى إهْلاَكِهِمْ،وَعَلى الإِتْيَانِ بقَومٍ آخرِينَ يُؤمِنُونَ باللهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لأوامِرِهِ،وَيَعْمَلُونَ بشَرائِعِهِ،وَلاَ يَكُونُونَ أمْثَالَ مَنْ أهْلَكَهُمْ في البَخْلِ وَالتَّبَاطُؤِ عَنِ الجِهَادِ . (1)
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَانِعُ الزَّكَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ (2) .
وقال تعالى مهددا ماني الزكاة:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} [التوبة:34،35]
يُحَذِّرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ مِنْ عُلَمَاءِ السُّوءِ،وَعُبَّادِ الضَّلاَلَةِ،وَيَقُولُ:إِنَّ كَثِيراً مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ،اليَهُودِ وَالنَّصَارَى،يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ،بِصُوَرٍ وَطَرَائِقَ مُخْتَلِفَةٍ،وَيَسْتَغِلُّونَ رِئَاسَتَهُمُ الدِّينِيَّةَ فِي سَبِيلِ تَحْقِيقِ ذَلِكَ،وَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ اسْتَمَرُّوا عَلَى ضَلاَلِهِمْ وَعِنَادِهِمْ،طَمَعاً فِي أَنْ تَبْقَى لَهُمْ تِلْكَ الرِئَاسَاتُ،وَأَخَذُوا يَصُدُّونَ النَّاسَ وَيَصْرِفُونَهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ الإِسْلاَمِ،وَهُوَ دِينُ الحَقِّ،وَيُلْبِسُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ،وَيُمَوِّهُونَ عَلَى أَتْبَاعِهِمْ مِنَ الجَهَلَةِ أَنَّهُمْ إِنَّما يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ،وَذَلِكَ لأَنَّهُمْ لَوُ أَقَرُّوا بِصِدْقِ مُحَمَّدٍ،وَصِحَّةِ دِينِهِ،لَتَوَجَّبَ عَلَيْهِمْ مُتَابعَتُهُ،فَيبْطُلُ حُكْمُهُمْ،وَتَزُولُ مَكَانَتُهُم،وَتَنْقَطِعُ مَوَارِدُهُمْ،وَمَصَادِرُ رِزْقِهِم العَرِيضَةُ .
وَفِي الحَقِيقَةِ إِنَّهُمْ دُعَاةٌ إِلَى النَّارِ،وَيَوْمَ القِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ،وَيُهَدِّدُ اللهُ تَعَالَى مَنْ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةِ ( أَيْ يُكَدِّسُونَ الأَمْوَالَ )،وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ،وَفِي الجِهَادِ لِنُصْرَةِ دِينِ اللهِ،وَفِي الإِحْسَانِ إِلَى عِبَادِهِ وَمَصَالِحِهِمْ،وَيُبَشِّرهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ .
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4462)
(2) - المعجم الصغير للطبراني - (2 / 145)(935) وصحيح الجامع ( 5807) حسن لغيره(1/347)
قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:المَقْصُودُ بِالكَنْزِ هُوَ المَالُ الَّذِي لاَ تُؤدَّى زَكَاتُهُ.وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ،رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:أَيُّ مَالٍ أَدَّيْتَ زَكَاتَهُ،فَلَيْسَ بِكَنْزٍ،وَإِنْ كَانَ مَدْفُوناً فِي الأَرْضِ،وَأَيُّ مَالٍ لَمْ تُؤدَّ زَكَاتَهُ هُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ صَاحِبُهُ،وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ .
يَقُولُ تعالى: إِنَّ المَالَ الذِي لَمْ تُؤدَّ زَكَاتُهُ سَيُحْمَى عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ،وَتُكْوَى بِهِ جِبَاهُ أَصْحَابِهِ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ،وَسَيُقَالُ لَهُمْ تَبْكِيتاً وَتَقْرِيعاً:هَذا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَلَمْ تُؤَدُّوا مِنْهُ حَقَّ اللهِ،وَهَذَا مَا حَبَّأْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا طَعْمَهُ الآنَ عَذَاباً أَلِيماً . (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً،فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ،لَهُ زَبِيبَتَانِ،يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ - يَعْنِى شِدْقَيْهِ - ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ،أَنَا كَنْزُكَ » ثُمَّ تَلاَ {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (180) سورة آل عمران. (2)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالإِبِلُ قَالَ « وَلاَ صَاحِبُ إِبِلٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لاَ يَفْقِدُ مِنَهَا فَصِيلاً وَاحِدًا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ قَالَ « وَلاَ صَاحِبُ بَقَرٍ وَلاَ غَنَمٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لاَ يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلاَ جَلْحَاءُ وَلاَ عَضْبَاءُ تَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْخَيْلُ قَالَ « الْخَيْلُ ثَلاَثَةٌ هِىَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ وَهِىَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ وَهِىَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ فَأَمَّا الَّتِى هِىَ لَهُ وِزْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الإِسْلاَمِ فَهِىَ لَهُ وِزْرٌ وَأَمَّا الَّتِى هِىَ لَهُ سِتْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِى ظُهُورِهَا وَلاَ رِقَابِهَا فَهِىَ لَهُ سِتْرٌ وَأَمَّا الَّتِى هِىَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ فِى مَرْجٍ وَرَوْضَةٍ فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ مِنْ شَىْءٍ إِلاَّ كُتِبَ لَهُ عَدَدَ مَا أَكَلَتْ حَسَنَاتٌ وَكُتِبَ لَهُ عَدَدَ أَرْوَاثِهَا وَأَبْوَالِهَا
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1270)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1403 )(1/348)
حَسَنَاتٌ وَلاَ تَقْطَعُ طِوَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ آثَارِهَا وَأَرْوَاثِهَا حَسَنَاتٍ وَلاَ مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى نَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلاَ يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَهَا إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ مَا شَرِبَتْ حَسَنَاتٍ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْحُمُرُ قَالَ « مَا أُنْزِلَ عَلَىَّ فِى الْحُمُرِ شَىْءٌ إِلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) الزلزلة » (1) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا،إلا جُعِلَتْ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ ثُمَّ أُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ،فَتُكْوَى بِهَا جَبْهَتُهُ وَظَهْرُهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ،حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ،فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ،وَإِمَّا إِلَى النَّارِ،وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا،وَمِنْ حَقِّهَا حِلابُهَا يَوْمَ وَرْدِهَا،إلا أُتِيَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلا وَاحِدًا،فَيُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ،تَطَأَهُ بِأَخْفَافِهَا،وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا،كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ آخِرُهَا مَرَّ عَلَيْهِ أَوَّلُهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ،وَمَا مِنْ صَاحِبِ بَقَرٍ وَلا غَنَمٍ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا،إلا أُتِيَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ،ثُمَّ يُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ،لَيْسَ فِيهَا عَضْبَاءُ وَلا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ،فَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا،فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ،كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ آخِرُهَا مَرَّ عَلَيْهِ أَوَّلُهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ،فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ" (2)
جبينه وجنبه وظهره:إنما خص هذه الأعضاء بالذكر من بين سائر الأعضاء ؛ لأن السائل متى تعرض للطلب من البخيل،أول ما يبدو منه من آثار الكراهية والمنع،أنه يُقَطِّب في وجهه،ويكلح ويجمع أساريره فيتجعد جبينه،ثم إن كرر الطلب ناء بجانبه عنه،ومال عن جهته،وتركه جانبا،فإن استمر الطلب ولاه ظهره،واستقبل جهة أخرى،وهي النهاية في الرد،والغاية في المنع الدال على كراهيته للعطاء والبذل،وهذا دأب مانعي البر والإحسان،وعادة البخلاء بالرفد والعطاء،فلذلك خص هذه الأعضاء بالكي.
يوم وردها:أي يوم ترد الماء،فيسقي من لبنها من حضره من المحتاجين إليه،وهذا على سبيل الندب والفضل،لا الوجوب.
بقاع قرقر:القاع:[ المكان] المستوي من الأرض،الواسع،والقرقر:الأملس.
عقصاء:العقصاء:الشاة الملتوية القرنين،وإنما ذكرها لأن العقصاء لا تؤلم بنطحها،كما يؤلم غير العقصاء.
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (2337 )
الجلحاء : التى لا قرن لها -استنت : جرت وعدت -الشَّرف : الشوط
العضباء : التى انكسر قرنها أو أذنها -العقصاء : ملتوية القرنين
القرقر : المكان المستوى -المرج : الأرض الواسعة ذات نبات كثير تخلى فيه الدواب تسرح مختلطة كيف شاءت -النواء : العداوة
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (20 / 27) (1268 ) حسن(1/349)
جلحاء:الجلحاء :الشاة التي لا قرن لها.
عضباء:العضباء:الشاة المكسورة القرن.
بأظلافها:الظلف للشاة كالحافر للفرس.
وزر:الوزر:الثقل والإثم.
طيلها:الطيل والطول:الحبل.
فاستنت:الاستنان :الجري.
شرفا:الشرف:الشوط والمدَى.
تغنيّا:استغناء بها عن الطلب لما في أيدي الناس.
في ظهورها:أما حق ظهورها:فهو أن يحمل عليها منقطعا،ويشهد له قوله في موضع آخر:«وأن يفقر ظهرها» وأما حق «رقابها» فقيل:أراد به الإحسان إليها. وقيل:أراد به الحمل عليها،فعبر بالرقبة عن الذات.
نواء:النواء:المعاداة،يقال:ناوأت الرجل مناوأة،أي:عاديته.
الفاذة:النادرة الواحدة،والفذ:الواحد.
يعار:اليعار:صوت الشاة،وقد يعرت الشاة تيعر يعارا بالضم.
رغاء:الرغاء للإبل كاليعار للشاة.
شجاعا أقرع:الشجاع:الحية،والأقرع:صفته بطول العمر،ذلك أنه لطول عمره قد امَّرق شعرُ رأسه،فهو أخبث له وأشد شرّا.
زبيبتان:الزبيبتان هما الزبدتان في الشدقين. يقال:تكلم فلان حتى زبب شدقاه،أي:خرج الزبد عليهما،ومنها الحية ذو الزبيبتين. وقيل:هما النكتتان السوداوان فوق عينيه.
بلهزمتيه:اللهزمتان:عظمان ناتئان في اللحيين تحت الأذنين،ويقال:هما مُضيغتان عليتان تحتهما.
أشَرا:الأشر:البطر.
بذخا:البذخ بفتح الذال:التطاول والفخر.
الثلة:[ بفتح الثاء] الجماعة الكثيرة من الضأن،قال الجوهري:ولا يقال للمعزى الكثيرة:ثلة،ولكن حيلة - بفتح الحاء - فإذا اجتمعت الضأن والمعزى وكثرتا،قيل لهما:ثلة،والجمع ثِلل،مثل بدرة وبدر.
تمنح الغزيرة:المنحة:العطية،والغزيرة:الكثيرة اللبن والدر. والمنيحة:الناقة أو الشاة تعار لينتفع بلبنها وتعاد.
وتفقر الظهر:إفقار الظهر:إعارته ليركب،والفقار:خرزات الظهر.
وتطرق الفحل:إطراق الفحل:إعارته للضراب،طرق الفحل الناقة:إذا ضربها.
نجدتها:النجدة:الشدة.(1/350)
ورسلها:والرسل - بالكسر - الهِينة والتأني. قال الجوهري:يقال:افعل كذا وكذا على رسلك - بالكسر - أي اتئد فيه،كما يقال:على هينتك. قال:ومنه الحديث «إلا من أعطى في نجدتها ورسلها» يريد:الشدة والرخاء. يقول:يعطي وهي سمان حسان يشتد على مالكها إخراجها،فتلك نجدتها،ويعطي في «رسلها» وهي مهازيل مقاربة. وقال الأزهري نحوه،وهذا لفظه:المعنى:إلا من أعطى في إبله ما يشق عليها عطاؤه،فيكون نجدة عليه،أي:شدة،أو يعطي ما يهون عليه عطاؤه منها،فيعطي في رسلها وهي مهازيل مقاربة. وقال:إلى ما يعطي مستهينا به على رسله. قال الأزهري:وقال بعضهم:في رسلها:أي بطيب نفس منه. قال:والرسل في غير هذا:اللبن.
قلت:ويجوز أن يكون المعني بالشدة والرخاء غير هذا التقدير،فيريد بالشدة:القحط والجدب،وأنه إذا أخرج حقها في سنة الجدب والضيق كان ذلك شاقّا،لأنه إجحاف به وتضييق على نفسه،ويريد بالرخاء: السعة والخصب،وحينئذ يسهل عليه إخراج حقها،لكثرة ما يبقى له،ويكون المراد بالرسل:اللبن،وإنما سماه يسيرا ؛ لأن اللبن يكثر بسبب الخصب،ولذلك قيل:«يا رسول الله،وما نجدتها ورسلها ؟» قال:عسرها ويسرها،فهذا الرجل يعطي حقها في حال الجدب والضيق،وهو المراد [ بالعسر،وفي حال الخصب والسعة،وهو المراد] باليسر،،والله أعلم.
كأغذ ما كانت:أغذ:أسرع،والإغذاذ:الإسراع في السير.
وأبشره:البشارة:الحسن والجمال،ورجل بشير،أي:جميل،وامرأة بشيرة [ أي:جميلة]،وفلان أبشر من فلان،وقد ذكرنا أن قوله:«كأغذ ما كانت» من الإغذاذ،ورأيت الخطابي قد ذكر الحديث قال: فتأتي كأكثر ما كانت وأعده وأبشره،ولم يذكر لها غريبا ولا شرحا،فلو كانت من الإغذاذ لشرحها كعادته،وتركُ شرحها يوهم أنها بالعين بالمهملة من العدد،أي:أكثر عددا،فلذلك لم يشرحها،والله أعلم. (1)
وليس للإنسان من هذه الدنيا إلا أكلة أو لبسة يفنيها ويبليها ولا يبقى له إلا ما ادّخره عند ربه.
فعن شَدَّادَ بْنِ عَبْدِ اللهِ،قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ،يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا ابْنَ آدَمَ،إِنَّكَ إِنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ،وَإِنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ،وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ،وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ،وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ (2) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،فَذَكَرَ حَدِيثًا،ثُمَّ قَالَ:وَلَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ أَنْ تُذْبَحَ شَاةٌ فَيَقْسِمَهَا بَيْنَ الْجِيرَانِ،قَالَ:فَذَبَحْتُهَا فَقَسَمْتُهَا بَيْنَ الْجِيرَانِ،وَرَفَعْتُ الذِّرَاعَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،كَانَ أَحَبَّ الشَّاةِ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ،فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ عَائِشَةُ:مَا بَقِيَ عِنْدَنَا إِلا الذِّرَاعُ،قَالَ:كُلُّهَا بَقِيَ إِلا الذِّرَاعَ." (3)
__________
(1) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (4 / 561)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (2435 )
(3) - كشف الأستار - (1 / 446) (942) صحيح(1/351)
وعن قَتَادَةَ،قَالَ:سَمِعْتُ مُطَرِّفًا،يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقْرَأُ:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:]،قَالَ:يَقُولُ ابْنُ آدَمَ:مَا لِي مَا لِي،وَإِنَّمَا لَكَ مِنْ مَالِكَ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ،أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ،أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ. (1)
وعَنْ مُوَرَّقٍ الْعِجْلِيّ،قَالَ:قرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : {أَلْهَاكُمَ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمَ الْمَقَابِرَ} قَالَ:فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَيْسَ لَك مِنْ مَالِكِ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ،أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ،أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ. (2)
وهذه جملة من آداب الزكاة:
إخراج الزكاة خالصة لوجه الله واحتساب الصدقات عند الله وحده ورجاء ثوابه ومرضاته.
قال تعالى:{ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21) } الليل 17-21.
وَهَذِهِ سَيَنْجُو مِنَ العَذَابِ فِيهَا الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ التَّقِيُّ الصَّالِحُ،الذِي خَافَ رَبَّهُ،وَخَشَعَتْ نَفْسُهُ لَهُ.الذِي يُنْفِقُ مَالَهُ فِي وُجُوهِ البِرِّ وَالخَيْرِ طَالِباً بِذَلِكَ طَهَارَةَ نَفْسِهِ،وَالفَوْزَ بِرضْوَانِ رَبِّهِ .وَهُوَ لاَ يَبْذُلُ مَالَهُ رَدّاً لِجَمِيلٍ أُسْلِفَ إِلَيهِ وَأُسْدِيَ .وَإِنَّمَا فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ إِنْفَاقِ المَالِ،ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ رَبِّهِ،وَطَلَباً لِمَثُوبَتِهِ وَحْدَهُ.( وَهَذِهِ الآيَة نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ) .وَلَسَوْفَ يُرضِي اللهُ بِثَوَابِهِ العَظِيمِ مَنْ بَذَلَ مَالَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ رَبِّهِ . (3)
العلم بأن الزكاة حق مفروض للفقير،والتيقن بأن المال مال الله،آتاه الله إياه،فهو مؤتمن عليه،ومستخلف فيه،فهو عبد لله ينفذ أوامر سيده فيما أعطاه،والله يجزيه الأجر الكبير على ذلك.
قال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} (7) سورة الحديد
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالإِيْمَانِ بِهِ،وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ،عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ،وَيَحثُّهُمْ عَلَى الإِنْفَاقِ فِي أَوْجُهِ الطَّاعَاتِ،مِنَ المَالِ الذِي أَعْطَاهُمْ إِيَّاهُ،وَجَعَلَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ عَلَى سَبِيلِ الأَمَانَةِ أَوِ الإِعَارَةِ،لأَنَّ هَذَا المَالَ كَانَ مِنْ قَبْلُ،فِي أَيدِي أُنَاسٍ آخَرِينَ،فَصَارَ إِلَيْهِمْ،ثُمَّ يَمُوتُونَ هُمْ وَيَتْركُونَهُ فَيَخْلُفُهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ .وَيُرَغِّبُ اللهُ تَعَالَى العِبَادَ فِي الإِنْفَاقِ فِي أَوْجُهِ الطَّاعَاتِ،فَيَقُولُ لَهُمْ:إِنَّ الذِينَ آمِنُوا وَأَنْفَقُوا فِي أَوْجُهِ الخَيْرِ وَالبِرِّ سَيَجْزِيهِمْ رَبُّهُمْ جَزَاءً حَسَناً،وَسَيُؤْتِيهِمْ أَجْراً كَبِيراً . (4)
وقال سبحانه: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7609) وصحيح ابن حبان - (2 / 475) (701)
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 229) (35480) صحيح لغيره
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5952)
(4) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4961)(1/352)
فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (33) سورة النور
أي: من ابتغى وطلب منكم الكتابة،وأن يشتري نفسه،من عبيد وإماء،فأجيبوه إلى ما طلب،وكاتبوه،{ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ } أي: في الطالبين للكتابة { خَيْرًا } أي: قدرة على التكسب،وصلاحا في دينه،لأن في الكتابة تحصيل المصلحتين،مصلحة العتق والحرية،ومصلحة العوض الذي يبذله في فداء نفسه. وربما جد واجتهد،وأدرك لسيده في مدة الكتابة من المال ما لا يحصل في رقه،فلا يكون ضرر على السيد في كتابته،مع حصول عظيم المنفعة للعبد،فلذلك أمر الله بالكتابة على هذا الوجه أمر إيجاب،كما هو الظاهر،أو أمر استحباب على القول الآخر،وأمر بمعاونتهم على كتابتهم،لكونهم محتاجين لذلك،بسبب أنهم لا مال لهم،فقال: { وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } يدخل في ذلك أمر سيده الذي كاتبه،أن يعطيه من كتابته أو يسقط عنه منها،وأمر الناس بمعونتهم.
ولهذا جعل الله للمكاتبين قسطا من الزكاة،ورغب في إعطائه بقوله: { مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } أي: فكما أن المال مال الله،وإنما الذي بأيديكم عطية من الله لكم ومحض منه،فأحسنوا لعباد الله،كما أحسن الله إليكم.
ومفهوم الآية الكريمة،أن العبد إذا لم يطلب الكتابة،لا يؤمر سيده أن يبتدئ بكتابته،وأنه إذا لم يعلم منه خيرا،بأن علم منه عكسه،إما أنه يعلم أنه لا كسب له،فيكون بسبب ذلك كلا على الناس،ضائعا،وإما أن يخاف إذا أعتق،وصار في حرية نفسه،أن يتمكن من الفساد،فهذا لا يؤمر بكتابته،بل ينهى عن ذلك لما فيه من المحذور المذكور.
ثم قال تعالى: { وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ } أي: إماءكم { عَلَى الْبِغَاءِ } أي: أن تكون زانية { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا } لأنه لا يتصور إكراهها إلا بهذه الحال،وأما إذا لم ترد تحصنا فإنها تكون بغيا،يجب على سيدها منعها من ذلك،وإنما هذا نهى لما كانوا يستعملونه في الجاهلية،من كون السيد يجبر أمته على البغاء،ليأخذ منها أجرة ذلك،ولهذا قال: { لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فلا يليق بكم أن تكون إماؤكم خيرا منكم،وأعف عن الزنا،وأنتم تفعلون بهن ذلك،لأجل عرض الحياة،متاع قليل يعرض ثم يزول.
فكسبكم النزاهة،والنظافة،والمروءة -بقطع النظر عن ثواب الآخرة وعقابها- أفضل من كسبكم العرض القليل،الذي يكسبكم الرذالة والخسة.(1/353)
ثم دعا من جرى منه الإكراه إلى التوبة،فقال: { وَمَنْ يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فليتب إلى الله،وليقلع عما صدر منه مما يغضبه،فإذا فعل ذلك،غفر الله ذنوبه،ورحمه كما رحم نفسه بفكاكها من العذاب،وكما رحم أمته بعدم إكراهها على ما يضرها. (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي وَإِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثَةٌ:مَا أَكَلَ فَأَفْنَى،أَوْ مَا أَعْطَى فَأَبْقَى،أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى،وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ. رواه مسلم (2) .
وعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ فِي الآخِرَةِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ الَّذِي يَسَعُ فُقَرَاءَهُمْ،وَلَنْ تُجْهَدَ الْفُقَرَاءُ إِذَا جَاعُوا وَعَرُوا إِلَّابِمَا يُضَيِّعُ،يَصْنَعُ،أَغْنِيَاؤُهُمْ،أَلا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحَاسِبُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِسَابًا شَدِيدًا،ثُمَّ يُعَذِّبَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " رواه الطبراني (3) .
العلم بأن إخراج الزكاة من المال طهرة للمسلم من البخل والشح وتزكية وتنقية المال من الحرام.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (9) سورة الحشر.
أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَى الأَنْصَارِ مُبِيِّناً فَضْلَهُمْ وَشَرَفَهُمْ وَكَرَمَهُمْ،حِينَ جَعَلَ اللهُ الفَيءَ لإِخْوَانِهِم المُهَاجِرِينَ دُونَهُمْ،فَقَالَ تعالى: والذِينَ سَكَنُوا دَارَ الهِجْرَةِ قَبْلَ المُهَاجِرِينَ،وَآمَنُوا قَبْلَ كَثِيرٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ،يُحِبُّونَ المُهَاجِرِينَ،وَيَتَمَنَّوْنَ لَهُمْ الخَيْرَ،كَمَا يَتَمَنَّوْنَهُ لأَنْفُسِهِمْ،وَقَدْ أَسْكَنُوا المُهَاجِرِينَ فِي دُورِهِمْ،وَأَشْرَكُوهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ حَتَّى نَزَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضِ نِسَائِهِ لِلْمُهَاجِرِينَ.وَقَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ وَنُفُوسُهُمْ طَيِّيَةٌ،وَأَعْيُنُهُمْ قَرِيرَةٌ بِمَا يَفْعَلُونَ،لاَ يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَسَداً لِلْمُهَاجِرِينَ.وَلاَ ضِيقاً بِهِمْ لِمَا فَضَّلَهُمُ اللهُ بِهِ مِنَ المَنْزِلَةِ والشَّرَفِ وَالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ والرُّتْبَةِ،وَلِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ مَغْنَمِ بَنِي النَّضِيرِ دُونَهُمْ .وَهُمْ يُقَدِّمُونَ أَهْلَ الحَاجَةِ مِنَ المُهَاجِرِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ،وَيَبْدَؤُونَ بِالنَّاسِ قَبْلَ أَنْفُسِهِمْ فِي حَالِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَى ذَلِكَ (4) .
قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (103) سورة التوبة
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِ الذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ،صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ البُخْلِ،وَالطَّمَعِ،وَالقَسْوَةِ عَلَى الفُقَرَاءِ،وَتُزَكِّي بِهَا أَنْفُسَهُمْ،وَتَرْفَعُهُمْ إِلَى مَنَازِلِ الأَبْرَارِ بِفِعْلِ الخَيْرَاتِ حَتَّى يَكُونُوا أَهْلاً لِلسَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.ثُمَّ أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ بِأَنْ يَدْعُوَ لَهُمْ،وَيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ( وَصَلِّ
__________
(1) - تفسير السعدي - (1 / 567)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7611 ) وصحيح ابن حبان - (8 / 36) (3244)
(3) - المعجم الصغير للطبراني - (1 / 275) (453) حسن - يجهر : أي بالسؤال أو السرقة
(4) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5013)(1/354)
عَلَيْهِمْ )،لأنًّ صَلاَةَ الرَّسُولِ رَحْمَةٌ بِهِمْ،وَرَاحَةٌ لأَنْفُسِهِمْ،وَاللهُ سَمِيعٌ لاعْتِرَافِهِمْ بِذُنُوبِهِمْ،وَسَمِيعٌ لِدُعَاءِ الرَّسُولِ لَهُمْ،عَلِيمٌ بِإِخْلاَصِهِمْ فِي تَوْبَتِهِمْ،وَنَدَمِهِمْ مِن هَذِهِ الذُّنُوبِ . (1)
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« مَا خَالَطَتِ الصَّدَقَةُ مَالاً قَطُّ إِلاَّ أَهْلَكَتْهُ ». قَالَ (عروة ): يَكُونُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْكَ فِى مَالِكَ صَدَقَةٌ فَلاَ تُخْرِجُهَا،فَيُهْلِكُ الْحَرَامُ الْحَلاَلَ. (2) .
العلم بأن إخراج الزكاة لا ينقص المال بل يزيده. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ،وَلاَ زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا،وَلاَ تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ. رواه مسلم (3) .
وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَا بَقِىَ مِنْهَا ». قَالَتْ مَا بَقِىَ مِنْهَا إِلاَّ كَتِفُهَا. قَالَ « بَقِىَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا ». رواه الترمذي (4) .
حساب الزكاة بدقة حسب النسب المخصصة لكل نوع منها،متبعا القواعد الفقهية الشرعية،ولا يصح تقديرها على وجه التقريب. قال تعالى:{ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) }المعارج.
وَالذِينَ يَجْعَلُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَصِيباً مُعَيَّناً يُنْفِقُونَهُ تَقَرُّباً مِنَ اللهِ،وَطَلَباً لِمْرَضَاتِهِ.يُنْفِقُونَهُ عَلَى ذَوِي الحَاجَاتِ والبَائِسِينَ الذِينَ يَسْأَلُونَهُمُ العَوْنَ . (5)
وهي الزكاة على وجه التخصيص والصدقات المعلومة القدر .. وهي حق في أموال المؤمنين .. أو لعل المعنى أشمل من هذا وأكبر. وهو أنهم يجعلون في أموالهم نصيبا معلوما يشعرون أنه حق للسائل والمحروم. وفي هذا تخلص من الشح واستعلاء على الحرص! كما أن فيه شعورا بواجب الواجد تجاه المحروم،في هذه الأمة المتضامنة المتكافلة .. والسائل الذي يسأل والمحروم الذي لا يسأل ولا يعبر عن حاجته فيحرم. أو لعله الذي نزلت به النوازل فحرم وعف عن السؤال. والشعور بأن للمحتاجين والمحرومين حقا في الأموال هو شعور بفضل اللّه من جهة،وبآصرة الإنسانية من جهة،فوق ما فيه من تحرر شعوري من ربقة الحرص والشح. وهو في الوقت ذاته ضمانة اجتماعية لتكافل الأمة كلها وتعاونها. فهي فريضة ذات دلالات شتى،في عالم الضمير وعالم الواقع سواء .. وذكرها هنا فوق أنه يرسم خطا في ملامح النفس المؤمنة فهو حلقة من حلقات العلاج للشح والحرص في السورة. (6)
إخراج الزكاة عند حلول موعدها دون تسويف أو تأخير.
الإنفاق من أطيب ماله،وأنفسه عنده،وأحبه إليه ومن مال حلال لا شبهة فيه ولا معصية ولا حرام.
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1339)
(2) - مسند الحميدي - المكنز - (252) صحيح
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (6757 ) وصحيح ابن حبان - (8 / 40) (3248)
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (2658 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
(5) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5277)
(6) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6 / 3699)(1/355)
قال تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (92) سورة آل عمران
لَنْ تَنَالُوا يَا أيُّها المُؤْمِنُونَ الخَيْرَ وَالجَنَّةَ حَتَّى تُنْفِقُوا فِي سَبيلِ اللهِ مِنْ أحَبِّ أمْوالِكُم إليَكُمْ،وَاللهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَيءٍ يُنْفِقُهُ العَبْدُ فِي سَبيلِ مَرْضَاةِ رَبِّه . (1)
وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ،يَقُولُ:كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةَ مَالاً،وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَاءُ،وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ،وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ،قَالَ أَنَسٌ:فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران]،قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران]،وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَاءُ،فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ،فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ شِئْتَ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : بَخٍ ذَاكَ مَالٌ رَابِحٌ،بَخٍ ذَاكَ مَالٌ رَابِحٌ،وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا،وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ،فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ:أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ،فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. (2)
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } (267) سورة البقرة
يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنينَ بِالإِنْفَاقِ مِنْ أَطْيَبِ المَالِ وَأَجْوَدِهِ،وَيَنْهَاهُمْ عَنِ التَّصَدُّقِ بِأرْذَلِ المَالِ وَأخَسِّهِ.لأنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إلاّ طَيِّباً.وَيَقُولُ لَهُمْ لاَ تَقْصُدُوا المَالَ الخَبِيثَ لِتُنْفِقُوا مِنْهُ،وَهَذا المَالُ الخَبِيثُ لَو أنَّهُ أُعْطِيَ إِلَيْكُمْ لَمَا أخَذْتُمُوهُ،إِلاَّ عَنْ إِغْمَاضٍ وَحَيَاءٍ.وَلْيَعْلَمِ المُؤْمِنُونَ أنَّ اللهَ وَإِنْ أمَرَهُمْ بِالصَّدَقَاتِ فَإِنَّهُ غَنِيٌّ عَنْهُمْ وَعَنْ صَدَقَاتِهِمْ،وَهُوَ إنمَّا يَحُثُّهُمْ عَلَى التَّصَدُّقِ وَالإِنْفَاقِ لِيسَاوِيَ بَيْنَ الغَنِيِّ وَالفَقِيرِ،وَاللهُ حَمِيدٌ فِي جَميعِ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدرِهِ " (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا تَصَدَّقَ عَبْدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ طَيِّبًا،وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ طَيِّبٌ إِلاَّ كَأَنَّمَا يَضَعُهَا فِي يَدِ الرَّحْمَنِ،فَيُرَبِّيهَا لَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ وَفَصِيلَهُ،حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ أَوِ التَّمْرَةَ لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ. (4)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 385)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1461 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2362) وصحيح ابن حبان - (8 / 129) (3340)
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 274)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (1410) وصحيح ابن حبان - (1 / 504) (270) -الفلو : المُهْر الصغير إذا فطم(1/356)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ - وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ - إِلاَّ كَانَ اللَّهُ يَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا لَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى تَبْلُغَ التَّمْرَةُ مِثْلَ أُحُدٍ. (1)
وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ،وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ،وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ،وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا،وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ،قَالَ أَنَسٌ:فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ :لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّ اللَّهَ،تَبَارَكَ وَتَعَالَى،يَقُولُ :لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)،وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ،وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ ِللهِ،أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ،فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ،قَالَ:فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : بَخٍْ،ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ،ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ،وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ،وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ،فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ:أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ،فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ،وَبَنِي عَمِّهِ. رواه البخاري ومسلم (2) .
الحرص على صدقة السر،فهي أبعد عن الرياء وأحصن لكرامة الفقير وصون كرامته.
قال تعالى: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (271) سورة البقرة.
إنْ أظْهَرْتُمُ الصَّدَقَاتِ فَلا بَأسَ فِي ذَلِكَ،وَإنْ أسْرَرْتُمُ الصَّدَقَاتِ فَذَلِكَ أفْضَلُ لأنَّهُ أبْعَدُ عَنِ الرِّيَاءِ،إلاّ أنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الإِظْهَارِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ،مِن اقْتِداءِ النَّاسِ بِهِ،فَيَكُونُ الإِظْهَارُ أفْضَلَ.وَيُجَازِي اللهُ عِبَادَهُ المُخْلِصِينَ المُتَصَدِّقِينَ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ بَتَكْفِيرِ سَيِّئَاتِهِمْ،واللهُ لاَ يَخْفَى عَلَيهِ شَيءٌ مِنْ ذَلِكَ،وَسَيَجْزِيهِمْ بِهِ . (3)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ،وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ رَبِّهِ،وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ،وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ،وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ.وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ،وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ».رواه البخاري ومسلم (4) .
ولا بأس بالجهر بها إن كان هناك ثمة حاجة،فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،عَلَيْهِمُ الصُّوفُ،فَرأَى سُوءَ حَالِهِمْ،قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ،فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ،فَأَبْطَؤُوا عَنْهُ،حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ،قَالَ:ثُمَّ إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ،ثُمَّ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (8 / 110) (3316) صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1461 ) وصحيح مسلم- المكنز -(2362 )
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 278)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (660 ) وصحيح مسلم- المكنز -(2427)(1/357)
جَاءَ آخَرُ،ثُمَّ تَتَابَعُوا،حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً،فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ،كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا،وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ،وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً،فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ،كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا،وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ. (1)
تجنب المنة على الفقير،أو تذكيره بجميله عليه أو تكليفه بأي عمل مقابل صدقته ولو كانت الدعاء له.
قال تعالى: { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) } [البقرة:262 - 264]
يَمْدَحُ الله تَعَالَى الذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبيلِ اللهِ،وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ إِنْفَاقَهُم مَنّاً عَلَى النَّاسِ بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ،وَلاَ يَفْعَلُونَ مَعَ مَنْ أَحْسَنُوا إِلَيْهِمْ مَكْرُوهاً أَوْ أَذًى يُحْبِطُونَ بِهِ مَا أَسْلَفُوهُ مِنَ الإِحْسَانِ،فَهَؤلاءِ ثَوَابُهُمْ عَلَى اللهِ لا عَلَى أَحَدٍ سِوَاهُ،وَلا خَوْفٌ عَلَيهِمْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ أهْوالِ يَوْمِ القِيَامَةِ،وَلا يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوهُ فِي الدُّنْيا مِنَ الأوِلادِ وَالأمْوالِ،وَلا عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنَ الحَيَاةِ وَزِينَتِها،لأَنَّهُمْ صَارُوا إلى خَيْرٍ مِمَّا كَانُوا فِيهِ .
كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ،وَرَدٌّ جَميلٌ عَلَى سَائِلٍ،وَدُعَاءٌ لِمُسْلِمٍ،وَعَفْوٌ وَمَغْفِرَةٌ عَنْ ظُلْمٍ لَحِقَ بِالمُؤْمِنِ،خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يُتبعُها الإِنْسَانُ بِإيذاءِ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَيهِ،وَاللهُ غَنِيٌّ عَنْ خَلْقِهِ،حَليمٌ يَغْفِرُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ،وَيَصْفَحُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ .
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بأنَّ المَنَّ وَالأَذَى يُبْطِلانِ الفَائِدَةَ المَقْصُودَةَ مِنْ إِعْطَاءِ الصَّدَقَاتِ،كَمَا يُبْطِلُها إِعْطَاءُ الصَّدَقَةِ للتَّبَاهِي وَالمُرَاءَاةِ أمَامَ النَّاسِ بِها،كَمَنْ يَتَصَدَّقُ مُتَظَاهِراً بِأَنَّهُ يُرِيدُ وَجَهَ اللهِ،وَتَخْفِيفَ بُؤْسِ المُحْتَاجِينَ.وَهُوَ إِنَّمَا يُرِيدُ مَدْحَ النَّاسِ،وَالاشْتِهَارَ بَيْنَهُمْ بِأَنَّهُ مِنَ المُحْسِنِينَ.وَهؤُلاءِ المُرَاؤُونَ مَثَلُ أَعْمَالِهم مَثَلُ تُرابٍ عَلَى حَجَرٍ أَمْلَسَ،فَهَطَلَ مَطَرٌ فَغَسَلَ الحَجَرَ،وَلَمْ يَتْرُكْ عَلَيهِ شَيئاً مِنْ ذلِكَ التُرابِ،وَأَصْبَحَ الحَجَرُ صَلْداً لا تُرَابَ عَلَيهِ.وَكَذَلِكَ يَذْهَبُ عَمَلَ المُرائِينَ وَلا يَبْقَى مِنْهُ شَيءٌ،فَلا يَنْتَفِعُونَ بِشَيءٍ مِنْ عَمَلِهِمْ عِنْدَ اللهِ،وَإنَ ظَهَرَ أنَّ لَهُم أعْمَالاً حَسَنَةً،وَاللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ المُنَافِقينَ المُرَائِينَ،إلى الخَيْرِ والرَّشَادِ. (2)
وعَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ بَخِيلٌ » (3) .
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6975 ) الورق : الفضة
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 269)
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (2090) حسن -الخب : المخادع الذى يسعى بين الناس بالفساد(1/358)
تقديم الأقرباء والأرحام في الصدقة والإنفاق إن كانوا بحاجة إليهما فالأقربون أولى بالمعروف.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (75) سورة الأنفال
يَذْكُرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّ الذِينَ يَتَّبِعُونَ المُؤْمِنِينَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ فِيمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ إِيمَانٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ،وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللهِ،يَكُونُونَ مَعَ السَّابِقِينَ فِي الآخِرَةِ.وَذَوُو الأَرْحَامِ مِنَ الأَقَارِبِ جَمِيعاً لَهُمْ وَلاَيَةُ القَرَابَةِ،وَبَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي المَوَدَّةِ وَالمَالِ وَالنُّصْرَةِ كَمَا شَرَعَ اللهُ،وَاللهُ عَلِيمٌ بِكُلِّ شَيءٍ فِي هَذَا الوُجُودِ (1) .
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ. (2) .
وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ،أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الصَّدَقَاتِ:أَيُّهَا أَفْضَلُ ؟ قَالَ:" عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ (3)
وعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ،وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَانِ:صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ. (4) .
البحث عن الفقراء الأخفياء والأتقياء،أصحاب العيال الصالحين المستورين المتعففين،فهم أولى الناس بالصدقة.
قال تعالى: {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (273) سورة البقرة
اجْعَلُوا مَا تُنْفِقُونَ لِلَّذِينَ ذَكَرَ اللهُ صِفَاتِهِم الخَمْسَ،التِي هِيَ أجَلُّ الأوْصَافِ قَدْراً،وَهِيَ:( الإِحْصَارُ،وَالعَجْزُ عَنِ الكَسْبِ،وَالتَّعَفُّفُ،وَمَعْرِفَتُهُمْ بِسِيمَاهُمْ،وَعَدَمُ سُؤَالِهِمْ شَيئاً مِمَّا فِي أيدِي النَّاسِ ).وَهؤُلاءِ هُمُ الفُقَرَاءُ مِنَ المُهَاجِرِينَ الذِينَ انْقَطَعُوا للهِ وَرَسُولِهِ،وَسَكَنُوا المَدِينةَ،وَلَيسَ لَهُمْ وَسيلةُ عَيْشٍ يُنْفِقُونَ مِنْها عَلَى أنْفُسِهِمْ،وَهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَفَراً لِلْبَحْثِ عَن الرِّزْقِ،وَيَحْسَبُهُمْ مَنْ لاَ يَعْرِفُهُمْ،وَلا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ حَالِهِمْ،أنَّهُمْ أغْنِيَاءُ مِنْ تَعَفَّفِهِمْ فِي لِبَاسِهِمْ وَحَالِهِمْ وَمَقَالِهِمْ،وَتَعْرِفُهُمْ بِمَا يَظْهَرُ لِذَوِي
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1236)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 772)(23530) 23927- والمعجم الكبير للطبراني - (4 / 236) (3945) صحيح لغيره
ومعنى الكاشح أنه الذي يضمر عداوته في كشحه وهو خصره يعني أن أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه وهو في معنى قوله صلى الله عليه و سلم وتصل من قطعك
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (4 / 188) (3826) صحيح لغيره
(4) - صحيح ابن حبان - (8 / 133) (3344) صحيح لغيره(1/359)
الألْبَابِ مِنْ صِفَاتِهِمْ:لاَ يُلِحُّونَ فِي المَسْألَةِ،وَلاَ يَطْلُبُونَ مِنَ النَّاسِ مَا لاَ يَحْتَاجُونَ إليهِ.وَجَميعُ مَا تُنْفِقُونَهُ مِنْ خَيرٍ فَإنَّ اللهُ عَالِمٌ بِهِ،وَسَيَجْزِيكُمْ عَلَيهِ أوْفَى الجَزَاءِ يَوَمَ القيَامَةِ (1) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ،قَالَ:لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا،وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ. (2) .
وقَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ:يَنْبَغِي لِلإِْنْسَانِ أَنْ يَتَحَرَّى بِزَكَاتِهِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ أَهْل الدِّينِ الْمُتَّبِعِينَ لِلشَّرِيعَةِ،فَمَنْ أَظْهَرَ بِدْعَةً أَوْ فُجُورًا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِالْهَجْرِ وَغَيْرِهِ وَالاِسْتِتَابَةَ فَكَيْفَ يُعَانُ عَلَى ذَلِكَ ؟،وَقَال:مَنْ كَانَ لاَ يُصَلِّي يُؤْمَرُ بِالصَّلاَةِ،فَإِنْ قَال:أَنَا أُصَلِّي،أُعْطِيَ،وَإِلاَّ لَمْ يُعْطَ،وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يُعْطَى مَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا بِالنِّفَاقِ " (3)
الإنفاق على الفقراء بوجه طلق مستبشر،وبنفس راضية متواضعة،وتجنب رؤية النفس أن لها فضلا على أحد،بل إن الفضل للفقير إن قبل منك صدقتك فقد خلَّصك من رذيلة الشح،وأخذ منك ما هو طهرة لك وقربة عند الله سبحانه وتعالى .
اعتنام الأوقات المباركة،والمناسبات والأعياد والجمعات لإدخال السرور على قلوب الفقراء،فما عبد الله سبحانه بأحب من جبر الخواطر وقضاء الحوائج.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وعَنِ الشَّعْبِيِّ،قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ،وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ،وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَأٍ سَقَاهُ اللهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ " (4) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ،ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ،فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَنِي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ،ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى ارْتَقَى فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ " فَقَالُوا: يَا رَسُولُ اللهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا،فَقَالَ: " فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (5)
الإنفاق مما يجد ولو كان قليلا،وتجنب استصغار الصدقة،فالقليل منها يدفع الشرّ الكثير ويثيب الله عليها بالكثير.قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} (7) سورة الزلزلة.
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 280)
(2) - صحيح ابن حبان - (2 / 314) (554) صحيح
(3) - مجموع الفتاوى الكبرى 24 / 278 ، 25 / 87 - 89 . الموسوعة الفقهية الكويتية - (23 / 328)
(4) - شعب الإيمان - (5 / 61) (3098 ) والعلل(2007) وصحح وقفه والإتحاف 4/174 و 5/238 حسن لغيره
الرحيق : من أسماء الخمر.-والمختوم : الذي لم يبتذل لأجل ختامه.
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (2466 ) وشعب الإيمان - (5 / 63)(1/360)
وعَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّارَ فَأَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثُمَّ قَالَ « اتَّقُوا النَّارَ ». ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ». رواه البخاري ومسلم (1) .
وعَنْ عَائِشَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِنَّ اللَّهَ لَيُرَبِّي لأَحَدِكُمُ التَّمْرَةَ وَاللُّقْمَةَ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ. (2) .
الشكر والدعاء لمن أسدى إلينا معروفا ولمن أدّى حق الله في ماله.قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (103) سورة التوبة
ففي هذه الآية،دلالة على وجوب الزكاة،في جميع الأموال،وهذا إذا كانت للتجارة ظاهرة،فإنها أموال تنمى ويكتسب بها،فمن العدل أن يواسى منها الفقراء،بأداء ما أوجب اللّه فيها من الزكاة.
وما عدا أموال التجارة،فإن كان المال ينمى،كالحبوب،والثمار،والماشية المتخذة للنماء والدر والنسل،فإنها تجب فيها الزكاة،وإلا لم تجب فيها،لأنها إذا كانت للقنية،لم تكن بمنزلة الأموال التي يتخذها الإنسان في العادة،مالا يتمول،ويطلب منه المقاصد المالية،وإنما صرف عن المالية بالقنية ونحوها.
وفيها: أن العبد لا يمكنه أن يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة ماله،وأنه لا يكفرها شيء سوى أدائها،لأن الزكاة والتطهير متوقف على إخراجها.
وفيها: استحباب الدعاء من الإمام أو نائبه لمن أدى زكاته بالبركة،وأن ذلك ينبغي،أن يكون جهرا،بحيث يسمعه المتصدق فيسكن إليه.ويؤخذ من المعنى،أنه ينبغي إدخال السرور على المؤمن بالكلام اللين،والدعاء له،ونحو ذلك مما يكون فيه طمأنينة،وسكون لقلبه. وأنه ينبغي تنشيط من أنفق نفقة وعمل عملا صالحا بالدعاء له والثناء،ونحو ذلك. (3)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ ». (4) .
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ:جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا،فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ. (5) .
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6563 ) و صحيح مسلم- المكنز - (2396 )
(2) - صحيح ابن حبان - (8 / 111) (3317) صحيح
(3) - تفسير السعدي - (1 / 350)
(4) - سنن أبي داود - المكنز - (4813 ) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (8 / 202) (3413) صحيح(1/361)
-33-آداب الحج والزيارة
الحج آخر أركان الإسلام،وهو عبادة روحية وجسدية ومالية،وهو رحلة يتحمل فيها المسلم ترك الوطن والتعرض للمشاق وبذل المال،وترك العيال،انقطاعا إلى الله،وهجرة إلى رضاه وعملا على تكفير ذنوبه وفتح صفحة جديدة من صفحات البر والإيمان.
إنها تلبية نداء لزيارة بيته المقدّس،حيث ذكريات بناء البيت،والتضحية والفداء ومواقف النبي - صلى الله عليه وسلم - والمكان الذي انبعث منه صوت الحق ونبع منه ينبوع الإيمان.
قال تعالى:{ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)} الحج.
نَادِ النَّاسَ دَاعِياً إِيَّاهُم إِلى الحَجِّ إِلَى هَذا البَيْتِ الذي أَمَرْنَاكَ بِبِنَائِهِ،يَأْتُوكَ مُشَاةً عَلَى أَرْجُلِهِمْ ( رِجَالاً )،مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ،وَيَأْتُوكَ رَاكِينَ ( رُكْبَاناً ) عَلَى الخَيْلِ والجِمَالِ المُضَمَّرَةِ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ بَعِيدٍ .
( وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ:إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ:يَا رَبِّ وَكَيْفَ أَبَلِّغُ النَّاسَ وَصَوْتِي لاَ يَنْفُذُهُم؟ فَقَالَ اللهُ تعالى: نَادِ وَعَلَيْنَا البَلاَغُ،فَقَامَ فَنَادَى،يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَبَّكُم اتَّخَذَ بَيْتً فَحُجُّوهُ.وَلِهَذَا يَرُدُّ مَنْ يَحُجُّ البَيْتَ عَلَى نِدَاءِ اللهِ قَائِلاً:( لَبِّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ) .
ثُمَّ لِيُزِيلُوا مَا عَلِقَ بِهِمْ مَنَ الأوْسَاخِ أَثْنَاءَ السَّفَرِ والإٍِحْرَامِ فَيْحْلِقُوا الشَّعْرَ،وَيُقَلِّمُوا الأظَافِرَ،وَيُخَفِّفُوا شَعَرَ الوَجْهِ والرَّأسِ ( لِيَقْضُوا تَفَثَهُم )،وَلْيَتَحَلَّلُوا مِنْ إِحْرَامِهِمْ وَلْيُوفُوا مَا نَذَرُوهُ مِنَ أَعْمَالِ البرِّ،وَلْيَطُوفُوا طَوافَ الوَدَاعٍِ بالبَيْتِ الحَرَامِ ( البَيْتِ العَتِيقِ )،الذي هُوَ أَقْدَمُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلْعِبَادَةِ .
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُم - ثُمَّ لْيُزِيلُوا بِالتَّحَلُّلِ مَا عَلِقَ بِهِمْ مِنْ أَوْسَاخٍ،أو ثُمَّ لُيؤدُّوا مَنَاسِكَهُمْ . (1)
في موسم الحج هذا انقطاع إلى العبادة بأنواعها المختلفة وصرف أكثر الأوقات بين صلاة وذكر وقراءة للقرآن وتهليل وتكبير وتحميد وتمجيد ودعاء وابتهال فيصفو القلب ويطمئن الفؤاد وينشرح الصدر وتجلى الهموم وتغسل الأدران وتقبل التوبة ويستجاب الدعاء.
ومن جمال الحج النظر إلى الكعبة المشرّفة بيت الله الحرام فإنه عبادة،فعَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " خَمْسٌ مِنَ الْعِبَادَةِ " ذَكَرَ إِحْدَاهُنَّ قَالَ: " وَالنَّظَرُ إِلَى الْكَعْبَةِ عِبَادَةٌ " (2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ،قَالَ: " النَّظَرُ إِلَى الْوَالِدِ عِبَادَةٌ،وَالنَّظَرُ إِلَى الْكَعْبَةِ عِبَادَةٌ،وَالنَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ عِبَادَةٌ،وَالنَّظَرُ إِلَى أَخِيكَ حُبًّا لَهُ فِي اللهِ عِبَادَةٌ " (3)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2512)
(2) - أخبار مكة للفاكهي - (1 / 200) (328 ) حسن مرسل
(3) - شعب الإيمان - (10 / 267) (7476 ) حسن(1/362)
ورؤيته في صلاته قبلته التي يستقبلها كل يوم. فيرى أول بيت وضع للناس للعبادة،ويتذكر أبانا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام وهما يرفعان القواعد من البيت،ويتذكر إنتشار الإسلام من مكة إلى أقطار الأرض فهي أم القرى.
وفي عرفات درس وتمرين على الإخلاص الكامل لله وحده في العمل والابتهال إليه بالدعاء فإن الاجتماع هناك يذكر بالمحشر والعرض الأكبر على الله تعالى يوم القيامة فيسمع هناك لغات مختلفة يضرعون بها إلى خالق الأرض والسموات وقلوبهم متجهة إلى بارئها بإخلاص وحب وتضرع وبكاء...
عَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،كَلِمَاتٌ أَسْأَلُ عَنْهُنَّ،قَالَ:اجْلِسْ،وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ،فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،كَلِمَاتٌ أَسْأَلُ عَنْهُنَّ،فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : سَبَقَكَ الأَنْصَارِيُّ،فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ:إِنَّهُ رَجُلٌ غَرِيبٌ،وَإِنَّ لِلْغَرِيبِ حَقًّا،فَابْدَأْ بِهِ،فَأَقْبَلَ عَلَى الثَّقَفِيِّ،فَقَالَ:إِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ عَمَّا كُنْتَ تَسْأَلُ،وَإِنْ شِئْتَ سَأَلْتَنِي وَأُخْبِرْكَ،فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،بَلْ أَجِبْنِي عَمَّا كُنْتُ أَسْأَلُكَ،قَالَ:جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الرُّكُوعِ،وَالسُّجُودِ،وَالصَّلاَةِ،وَالصَّوْمِ،فَقَالَ:لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأْتَ مِمَّا كَانَ فِي نَفْسِي شَيْئًا،قَالَ:فَإِذَا رَكَعْتَ،فَضَعْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ،ثُمَّ فَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ،ثُمَّ أَمْكُثْ حَتَّى يَأْخُذَ كُلُّ عُضْوٍ مَأْخَذَهُ،وَإِذَا سَجَدْتَ،فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ،وَلاَ تَنْقُرُ نَقْرًا،وَصَلِّ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ،فَقَالَ:يَا نَبِيَّ اللهِ،فَإِنْ أَنَا صَلَّيْتُ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ:فَأَنْتَ إِذًا مُصَلِّي،وَصُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ،ثَلاَثَ عَشْرَةَ،وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ،وَخَمْسَ عَشْرَةَ،فَقَامَ الثَّقَفِيُّ،ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الأَنْصَارِيِّ،فَقَالَ:إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ عَمَّا جِئْتَ تَسْأَلُ،وَإِنْ شِئْتَ سَأَلْتَنِي فَأُخْبِرْكَ،فَقَالَ:لاَ يَا نَبِيَّ اللهِ،أَخْبَرَنِي عَمَّا جِئْتُ أَسْأَلُكَ،قَالَ:جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْحَاجِّ مَا لَهُ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ ؟ وَمَا لَهُ حِينَ يَقُومُ بِعَرَفَاتٍ ؟ وَمَا لَهُ حِينَ يَرْمِي الْجِمَارَ ؟ وَمَا لَهُ حِينَ يَحْلِقُ رَأْسَهُ ؟ وَمَا لَهُ حِينَ يَقْضِي آخِرَ طَوَافٍ بِالْبَيْتِ ؟ فَقَالَ:يَا نَبِيَّ اللهِ،وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأْتَ مِمَّا كَانَ فِي نَفْسِي شَيْئًا،قَالَ:فَإِنَّ لَهُ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ أَنَّ رَاحِلَتَهُ لاَ تَخْطُو خُطْوَةً إِلاَّ كُتِبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةٌ،أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ،فَإِذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ،فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا،فَيَقُولُ:انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا،اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ،وَإِنْ كَانَ عَدَدَ قَطْرِ السَّمَاءِ وَرَمْلِ عَالِجٍ،وَإِذَا رَمَى الْجِمَارَ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَا لَهُ حَتَّى يُوَفَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،وَإِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فَلَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَقَطَتْ مِنْ رَأْسِهِ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،وَإِذَا قَضَى آخِرَ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ مَلاَئِكَةَ أَهْلِ السَّمَاءِ،فَيَقُولُ:انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي هَؤُلاَءِ جَاؤُونِي شُعْثًا غُبْرًا. (2)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (5 / 206) (1887) حسن
(2) - صحيح ابن حبان - (9 / 163) (3852) صحيح(1/363)
وعَنْ جَابِرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ،قَالَ:فَقَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللهِ،هُنَّ أَفْضَلُ أَمْ عِدَّتُهُنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ،قَالَ:هُنَّ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ،وَمَا مِنْ يوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ،فَيَقُولُ:انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي،وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي،فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عِتْقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ. (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ:الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ،وَفْدُ اللهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ،وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ. (2)
وعن عَمْرو بْنُ شُعَيْبٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ: " الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللهِ إِنْ سَأَلُوا أُعْطُوا،وَإِنْ دَعَوْا أُجِيبُوا،وَإِنْ أَنْفَقُوا أُخْلِفَ لَهُمْ،وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ مَا كَبَّرَ مُكَبِّرٌ عَلَى نَشَزٍ،وَلَا أَهَلَّ مُهِلٌّ عَلَى شَرَفٍ مِنَ الْأَشْرَافِ إِلَّا أَهَلَّ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَبَّرَ حَتَّى يَنْقَطِعَ بِهِ مُنْقَطِعُ التُّرَابِ " (3) .
في رحلة الحج تجرد عن الوطن والأهل والمال فهو تمرين على سهولة فراق ذلك كله عند الموت فلا يصعب عليه،وتدريب على الزهد في الدنيا وأن لا يأخذ منها إلا قدر زاد الراكب وينفق في سبيل الله بسخاوة ونفس وطمأنينة فؤاد.
وفي موسم الحج دورة تدريبية لترك الرفث والفسوق والجدال فلا معاصي في الحج ولا مخاصمات وبذلك يعتادون بعده ترك المفاسد.
في الحج يلتقي المسلمون من أقطار الأرض في هذه البقعة المباركة فيتعارفون ويتآلفون وفيه يحصل التعاون والتناصر بينهم فهو أعظم مؤتمر عالمي على وجه الأرض،وفي الحج يتم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي وفيه تتحقق المساواة بشكل عملي وتطبيقي فلا فرق بين رئيس ومرؤوس ولا غني ولا فقير،ولا كبير ولا صغير ولا أبيض ولا أسود فهم سواسية كأسنان المشط ولا كبرياء ولا عظمة فهم متواضعون لبعضهم ويؤثرون بعضهم بعضا ويساعد بعضهم بعضا.
وفي أثناء أعمال الحج يقوم الحاج بزيارة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ،زيارة أعظم إنسان في هذا الوجود فيقف المسلم مشدوها أمام هذه العظمة المتمثلة بهذا الرسول العظيم ويستعيد ذكرى سيرة هذا النبي وكيف بلّغ الرسالة وأدى الأمانة وما تحمل في ذلك،ويكاد لا يصدق المسلم نفسه بأنه يقف هذا الموقف،فتغمر روحه أنوار المصطفى وروحانيته وكأنه يناجي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحادثه وعينيه تهطل دموع الفرح والسرور والغبطة فإذا به ينطق " الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله" - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (9 / 164) (3853) صحيح
(2) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (4 / 139) (2892) حسن
(3) - شعب الإيمان - (6 / 17) (3809 ) ضعيف(1/364)
فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ زَارَ قَبْرِى وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِى » (1) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي " (2)
وعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:مَنْ زَارَ قَبْرِي،أَوْ قَالَ:مَنْ زَارَنِي كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا،أَوْ شَهِيدًا وَمَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي الآمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أخرجه أبو داود الطيالسي (3) .
وقد أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ الإِْسْلاَمِيَّةُ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْل الْفَتْوَى فِي الْمَذَاهِبِ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ،وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ:هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ،تَقْرُبُ مِنْ دَرَجَةِ الْوَاجِبَاتِ،وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ " (4)
وهذه جملة من آداب الحج والعمرة:
الاستعداد للحج بالتوبة الصادقة،والإقلاع عن الذنوب الظاهرة والباطنة ورد مظالم الناس،بالجسم والعرض والمال والتحلل منها،وطلب المسامحة من أهلها.
كتابة الوصية الواجبة على كل مسلم في كل وقت وهي في مثل حال السفر أشد وجوبا فلعله لا يرجع من سفره. وذلك بأن يكتب فيها حقوق الله التي لم يؤدها مثل الزكاة والصوم ونحوهما وحقوق الناس المالية وغيرها ويوصي ورثته بأدائها.
كما يوصي أهله بترك المعاصي والمحافظة على الصلاة وأوامر الله سبحانه والابتعادعن نواهيه.
الإنفاق من الكسب الحلال الطيب لإنفاذ رحلة الحج،وترك ما يلزم من نفقة لمن تلزمه نفقة خلال فترة غيابه.
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: " كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ مُتَوَكِّلُونَ فَيَحُجُّونَ إِلَى مَكَّةَ،فَيَسْأَلُونَ النَّاسَ " فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَتَزَوَّدُوا،فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } [البقرة: 197] أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ (5)
__________
(1) - سنن الدارقطنى- المكنز - (2727) حسن لغيره
(2) - أخبار مكة للفاكهي - (949 ) والمعجم الكبير للطبراني - (11 / 35)( 13314 و13315 ) ضعيف
(3) - مسند الطيالسي - (65) فيه جهالة
(4) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (24 / 83) و فتح القدير للكمال بن الهمام شرح الهداية مطبعة مصطفى محمد 2 / 336 ، ورد المحتار على الدر المختار لابن عابدين محمد أمين طبع إستانبول دار الطباعة العامرة 2 / 353 ، والشفا نسخة شرحه للقاري طبع إستانبول سنة 1316 ، 2 / 149 ، والمجموع للنووي شرح المهذب للشيرازي مطبعة العاصمة بالقاهرة 8 / 213 ، 214 - 215 ، والمغني لابن قدامة طبع دار المنار سنة 1367 ، 3 / 256 ، والاختيار لتعليل المختار لعبد الله بن محمود الموصلي ، طبع مصطفى البابي الحلبي 1 / 173 ، ولباب المناسك للسندي وشرحه لعلي القاري طبع المطبعة الأميرية ص 282 .
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (1523 ) وشعب الإيمان - (2 / 416) (1153 )(1/365)
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى( البيهقيُّ): " وَفِي هَذَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ زُوَّارَ بَيْتِهِ بِالتَّزَوُّدِ،وَقَالَ: { إِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } يَعْنِي - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ مَا عَادَ عَلَى صَاحِبِهِ بِالتَّقْوَى " وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " وَهُوَ أَلَّا يَتَوَكَّلَ عَلَى أَزْوَادِ النَّاسِ فَيُؤْذِيَهُمْ وَيُضَيِّقَ عَلَيْهِمْ،وَمَنْ دَخَلَ الْبَادِيَةَ بِلَا زَادٍ مُتَوَكِّلًا فَإِنَّمَا يَرْجُو أَنْ يُقَيِّضَ اللهُ مَنْ يُوَاسِيهِ مِنْ زَادِهِ،وَهَذَا عَيْنُ مَا أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى الْمَنْعِ مِنْهُ،فَبَانَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاسْتِحْبَابِهِ،وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَبُّ هُوَ التَّزَوُّدُ أَوِ الْجُلُوسُ إِذَا لَمْ يَكُنْ زَادٌ حَتَّى يَكُونَ "
التعجيل بالحج متى قدر عليه حسب القواعد الشرعية وتجنب تأجيله تهاونا بها. أو تكاسلا عنه.
قال تعالى:{ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} آل عمران.
وَفِي هَذِهِ الآيَةِ يَفْرِضُ اللهُ تَعَالَى الحَجَّ عَلَى المُسْلِمِينَ،وَبِذَلِكَ أَصْبَحَ أَحَدَ أَرْكَانِ الإِسْلاَمِ،وَأَصْبَحَ فَرْضاًً عَلَى مَنْ اسْتَطَاعَ الحَجَّ مِنْ نَفَقَةٍ وَقُدْرَةٍ .
وَمَنْ جَحَدَ فَرِيضَةَ الحَجِّ فَقَدْ كَفَرَ وَاللهُ غَنِيٌّ عَنْهُ ( وَقِيلَ المُرَادُ بِالكُفْرِ هُوَ جُحُودُ كَوْنِ البَيْتِ الحَرَامِ أَوْلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِعِبَادَةِ النَّاسِ ) . (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ ». رواه أبو داود (2) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،عَنِ الْفَضْلِ،أَوْ أَحَدِهِمَا عَنِ الآخَرِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ،فَلْيَتَعَجَّلْ،فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ،وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ،وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ." (3) .
اختيار الصاحب الصالح،والرفيق الأمين،والدليل العالم بأحكام الحج،والمواقف والشعائر ذلك الصاحب الذي إن ذكر أعانه وإن نسي ذكَّره،والأفضل الذهاب مع العلماء العاملين فإذا منّ الله تعالى عليه بهذا الفضل فليتمسك به فإنه يعينه على مبارّ الحج ومكارم الأخلاق ويمنعه بعلمه وعمله من سوء ما يطرأ على المسافر من مساوئ الأخلاق والضجر ويعود بحجة مقبولة لا تنسى أبدا ( إن شاء الله تعالى ).
الرفق بالأصحاب،وتحسين الخلق لهم،ولين الجانب معهم،وبذل المراد لهم،والقيام على خدمتهم،والبشاشة والاستبشار عند رؤياهم،وترك اللغو والمماراة والجدال معهم،والإعراض والتغافل عن زلاتهم،وإيثارهم بالراحة والمال.
قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (197) سورة البقرة.
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 390)
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (1734 ) حسن
(3) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (4 / 133) (2883) حسن(1/366)
لأَدَاءِ فَرِيضَةِ الحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ لَدَى النَّاسِ هِيَ شَوَّال وَذُو القِعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ.فَلاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يُحرِمَ بِالحَجِّ إَلا فِي هذِهِ الشُّهُورِ.فَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ حَجّاً بِإِحْرَامِهِ - وَالفَرَضُ هُنا هُو الإِحْرَامُ - فَعَليهِ أَنْ يَتَجَنَّبَ الجِمَاعَ وَدَواعِيَهُ ( الرَّفَثَ )،وَالمَعَاصِيَ ( الفُسُوقَ )،وَعَلَيهِ أَنْ يَتَجَنَّبَ الجِدَالَ وَالمُخَاصَمَةَ وَالمُلاحَاةَ فِي الحَجِّ.وَيَحُثُّ اللهُ المُؤْمِنِينَ عَلَى فِعْلِ الجَمِيلِ،وَتَرْكِ الرَّفَثِ والفُسُوقِ وَالجِدَالِ،لِتَصْفُوَ نُفُوسُهُمْ،وَتَتَخَلَّى عَنِ الرَّذَائِلِ،وَتَتَحَلَّى بِالفَضَائِلِ.ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ،وَأَنَّهُ سَيَجْزِيهِمْ عَلَيهِ الجَزَاءَ الأَوْفَى يَوْمَ القِيَامَةِ .
وَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ.الذِينَ يُرِيْدُونَ الحَجَّ بِالتَّزَوُّدِ لِلطَّرِيقِ لِكَي يَكُفُّوا وُجُوهَهُمْ عَنْ سُؤَالِ النَّاسِ،لأَنَّ أُناساً مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ وَغَيْرِهِمْ كَانُوا يَحُجُّونَ مِنْ غَيرِ زَادٍ.وَأَعْلَمَهُمُ اللهُ تَعَالَى أَنَّ خَيْرَ زَادِ المُؤْمِنِ لِلآخِرَةِ هُوَ التَّقْوَى،وَفِعْلُ الجَمِيلِ.ثُمَّ حَذَّرَ اللهُ ذَوِي العُقُولِ وَالأَفْهَامِ مِنْ عِقَابِهِ وَنَكَالِهِ لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَ رَبِّهِ . (1)
عَنْ قَتَادَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا تَحَابَّ اثْنَانِ فِي اللهِ إِلَّا كَانَ أَعْظَمَهُمَا أَجْرًا أَشَدُّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ " (2) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَا تَحَابَّ اثْنَانِ فِي اللهِ،إِلاَّ كَانَ أَفْضَلَهُمَا أَشَدُّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ. (3)
ويسن للمسافرين معا أن يؤمِّروا أحدهم فذلك أولى إلى انتظام أمورهم وحسم خلافاتهم.فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا خَرَجَ ثَلاَثَةٌ فِى سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ ». رواه أبو داود (4) .
ويفضل لهم إذا باتوا في الخلاء أن يتناوبوا الحراسة.
تعلم مناسك الحج بشكل صحيح عند العلماء الأفاضل قبل السفر وحضور دورات تدريبية توضح مناسك الحج بشكل تدريبي عملي واصطحاب كتاب بذلك حتى يحج بعلم وثقة ويعود مطمئن البال بأنه أدى الفريضة كما يحب الله ورسوله. (5)
صلاة ركعتين عندما يريد الخروج من منزله للسفر،فعَنِ الْمُطْعِمِ بْنِ الْمِقْدَامٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا خَلَفَ عَبْدٌ عَلَى أَهْلِهِ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُمَا عِنْدَهُمْ حِينَ يُرِيدُ سَفَرًا.. (6)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يَنْزِلُ مَنْزِلا إِلا وَدَّعَهُ بِرَكْعَتَيْنِ " (7)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 204)
(2) - شعب الإيمان - (11 / 343)(8630 -8632) صحيح مرسل
(3) - صحيح ابن حبان - (2 / 325) (566) حسن
(4) - سنن أبي داود - المكنز - (2610 ) صحيح
(5) - لي كتاب فيه تفصيل أحكام الحج والعمرة وهو (( الخلاصة في أحكام الحج والعمرة )) يوجد في مكتبة صيد الفوائد وغيرها
(6) - مصنف ابن أبي شيبة - (2 / 81) (4914) صحيح معضل ن المطعم بن المقدام لم يسمع من صحابي على الصحيح
(7) - صحيح ابن خزيمة(2 / 232) والإتحاف 6/407 حسن لغيره(1/367)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ؛ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى. (1)
وعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،قَالَ:رَأَيْتُ الْحَارِثَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ صَلَّى حِينَ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى بَاجُمَيْرا فِي الْحُجْرَةِ ضُحًى رَكْعَتَيْنِ،وَصَلَّى مَعَهُ نَفَرٌ مِنْهُمَ الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ. (2)
يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}،وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) .
وقال النووي:" وقال بعضهم:يقرأ في الأولى بعد الفاتحة (قل أعوذ برب الفلق) وفي الثانية (قل أعوذ برب الناس) فإذا سلم قرأ آية الكرسي " (4)
قلت:جاء عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِىِّ وَفَاتِحَةَ حم الْمُؤْمِنِ (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) [غافر:1 - 3]،لَمْ يَرَ شَيْئاً يَكْرَهُهُ حَتَّى يُمْسِىَ،وَمَنْ قَرَأَهَا حِينَ يُمْسِى لَمْ يَرَ شَيْئاً يَكْرَهُهُ حَتَّى يُصْبِحَ ». (5)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَرَأَ حِينَ يُصْبِحُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآيَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِ حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ حُفِظَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ،وَإِنْ قَرَأَهَا حِينَ يُمْسِي حُفِظَ في لَيْلَتِهِ تِلْكَ حَتَّى يُصْبِحَ " (6)
ثم يدعو بحضور قلب وإخلاص،ومن أحسن ما يقول:اللهم بك أستعين،وعليك أتوكل،اللهم ذلل لي صعوبة أمري،وسهل علي مشقة سفري،وارزقني من الخير أكثر مما أطلب،واصرف عني كل شر،رب اشرح لي صدري،ويسر لي أمري،اللهم إني أستحفظك وأستودعك نفسي وديني وأهلي وأقاربي وكل ما أنعمت علي وعليهم به من آخرة ودنيا،فاحفظنا أجمعين من كل سوء يا كريم. (7)
ويفتتح دعاءه ويختمه بالتحميد لله تعالى،والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا نهض من جلوسه فليقل ما رويناه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:لَمْ يُرِدْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَفَرًا إِلَّا قَالَ حِينَ يَنْهَضُ مِنْ جُلُوسِهِ:" اللَّهُمَّ بِكَ انْتَشَرْتُ،وَإِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ،وَبِكَ اعْتَصَمْتُ،أَنْتَ ثِقَتِي وَرَجَائِي،اللَّهُمَّ اكْفِنِي مَا أَهَمَّنِي وَمَا لَا
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (2 / 81) (4916) صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (2 / 81) (4917) صحيح مقطوع
(3) - الأذكار للنووي - (1 / 216)
(4) - الأذكار للنووي - (1 / 216)
(5) - سنن الدارمى- المكنز - (3449) ضعيف
(6) شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (2244و2245 ) ضعيف
(7) - الأذكار للنووي - (1 / 217)(1/368)