سلسلة
من شعار أهل الحديث
(24)
المَنْهَج التَّام
في
وجُوب بَيْعَة الحُكَّام
تأليف
أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله بن محمد الأثري
بسم الله الرحمن الرحيم
( رَبِّ زدْنِي عِلماً وحِفظاً وفهماً )
المقدمة
إنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ ونَعُوذُ باللهِ مِن شُرُورِ أنفُسِنَا وسَيِئَاتِ أعْمَالِنَا مَن يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَن يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أن لاَّ إلَهَ إلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
? ????????????????? ?????????? ?????????? ???????????? ?????? ????? ??????????? ????? ???????????? ??????? ????????? ???????????? ?. [ آل عمران:102] .
? ???????????????? ????????? ???????????? ????????? ???????? ????????? ???? ????????? ????????? ???????? ??????? ????????? ???????? ????????? ???????? ???????? ???????????? ????????????? ?????? ???????? ??????????????? ????? ???????????????? ?????? ?????? ????? ?????????? ????????? ??? ? [النساء:1]
? ????????????????? ?????????? ?????????? ??????????? ?????? ??????????? ????????? ???????? ???? ????????? ?????? ??????????????? ?????????????? ?????? ?????????????? ????? ???????? ?????? ???????????? ??????? ?????? ????????? ????????? ???? ? [الأحزاب: 70ـ71] .
أمَّا بَعْد ،،
فَإنَّ أصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ وَخَيْرُ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٍ ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٍ ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّار .(1/1)
فهذهِ رسالةٌ مُختصرةٌ ، مشفُوعَةٌ بالدلائِل العلميَّة النَّقليَّة من الكِتاب الكَريم والسُّنَّة النبويَّة والآثار السَّلفيَّة وأقْوال أهْل العِلمِ حَولَ مَسألَة البَيْعَةُ الشَّرْعِيَّة كتبتُها بعدَ أنْ أيقَنتُ أنَّها حاجةُ كُلَّ داعٍ إلى اللهِ على بَصيرةٍ في العالَمِ الإسلاميِّ ... لأنَّها تَشْرَحُ كَيفيَّةُ بَيعَةُ وُلاَةِ أمْر المُسلمينَ ... كتبتُها نُصْحاً للأمَّة ، إذْ قَدْ رَأيتُ حَاجةَ النَّاسِ في هذا الزَّمَانِ إلى مَعرِفَةِ فِقْهِ البَيْعَة للحُكَّام وذلكَ لِغَلَبَةِ الجَهْلِ بِهذا الأصْل ، وفُشُوِ الأفَكَارِ المُنْحَرفَةِ في هذا الأصْل في الجَمَاعَاتِ الحِزْبِيَّة .
فَوَاجِبُ أهْل العِلْم وطَلبتِهِ الالتِزَام بِالمِيثَاق الذي أخَذهُ اللهُ عليهِم فِي قولهِ تعالَى : ? ??????????????????? ????????? ????? ???????????????? ? (1). فَلْيُبَيِّنُوا للنَّاس هَذا الأصْل مُحْتَسِبِينَ للهِ تَعالَى لإعَادَةِ بِنَاءِ الجُسُورِ القَائِمَة عَلى المَحَبَّةِ والمَوَدَّةِ والصِّدْق فِي النَّصِيحَة ولا يَمنعهُم من بَيانِه تِلْكَ الشُّبُهَات المُتَهَافِتَة التي يُرَوِّجُهَا بعضَ منْ لا خلاقَ لهُ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة آل عمران آية [187].(1/2)
وإنِّي أدْعُو ذَوي الإصْلاَح العِلْمِي أنْ يَهْتَمُّوا بهذه الرِّسَالَةِ ، ويُعَمِّمُوا نَشْرَهَا بحيثُ تُوضَعُ فِي يَدِ كُلِّ مُسْلِمٍ غَيُور عَلى دينِهِ ... وهِي جَدِيرَةٌ أنْ تُعَمَّمَ عَلى المُسلمينَ لِيَتَبَصَّرُوا بأمُور دينِهِمْ ... لأنَّ أمَّتَنَا الإسْلاَمِيَّة تَعِيشُ في هذا القَرْن لاسِيَّمَا في السَّنَوَات الأخِيرَة مِنْهُ دَعْوَةٌ إصْلاَحِيَّةٌ مُبَارَكَةٌ ، وإنَّهَا لَيْسَتْ خَاصَّةٌ بِفِئَةٍ مِنَ الشَّبَابِ وَحْدَهُمْ ، وإنَّمَا هِي دَعْوَةٌ إسْلامِيَّةٌ عَامَّة تَشْمَلُ الأمَّة الإسْلامِيَّةِ عَلَى مُخْتَلَفِ فِئَاتِهَا وطَبَقَاتِهَا ، ولهذا تُوَاجِهُ الدَّعْوَة الإسْلاَمِيَّة تَحَدِّيَات دَاخِلَيَّة ، ولعلَّ منْ أخْطَرهَا ظُهُور فِئَاتٌ وجَمَاعَاتٌ وأحْزَابٌ ظَاهِرُهَا التَدَيُّن والصَّلاح والغِيرَةَ عَلَى الدِّينِ ... لكنَّهَا ضَلَّتِ الطَّرِيق ، وخَالفَتْ سُنَّة الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ، وهَدْيِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي الدَّعْوَةِ إلىَ اللهِ عِندَمَا تَبَنَّتِ البَيْعَاتِ البِدْعِيَّة لِرُؤُوسِهَا فَوَقَعَتْ الفِتْنَةُ بَيْنَ المُسْلِمينَ فِي العَالَمِ ... وهُمْ مِنْ أبْنَاءِ جَلَدَتِنَا ويَتَكَلَّمُونَ بِألسِنَتِنَا ...
فالوَاجِبُ عَلَى قَارِئ الرِّسَالَةِ الرُّجُوع إلَى الحَقِّ ، وألاَّ يَجعلَ للشَّيطَانِ إلى نَفْسِهِ سَبيلاً ، لأنَّ النَّفْسَ إذا تَمَكَّنَ مِنْهَا الهَوَى والضَّلاَلَةَ ... فَإنَّهُ يَعْمِيهَا عَنِ الهُدَى والرَّشَاد ، ويَصُمُّ أذُنَهَا عَنِ الحَقِّ .
ولاَ يُلَبِّسَنَّ الشَّيْطَانُ على أحَدٍ مِنْهُمْ أنَّ فِي رُجُوعِهِ عَنْ خَطَئِهِ إسْقَاطاً لِمَنْزلَتِهِ ، وتَقْلِيلاً لمكَانَتِهِ (1).(1/3)
فإذَا حَصَلَ ذَلِكَ فَلْيُعْلَمَ أنَّ الذي يُطِيحُ بالمنزلَةِ والمَكانَةِ هُوَ تَجَاهُل الغَلَط ... والاستِمْرَار عَلَى المُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّة .
وأهَمُّ مَا يَجِبُ أنْ تَتوجَّه إلَيهِ هِمَمُ المُسلمينَ الآن تَوْحِيدُ الصُّفُوفِ فِي كُلِّ بَلدٍ مُسْلِمٍ وجَمْعِ الكَلِمَةَ على يَدِ حَاكِم ذلكَ البَلدِ والسَّمْعِ والطَّاعَةِ لِهُ وبَيعتُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ مِنَ الكِتَابِ والسُّنَّة والآثَار .
فالإمَامُ فِي كُلِّ بَلَدٍ مُسلمِ هُوَ ذلكَ الرَّجُل الذي جُمِعَتْ لهُ بَيعاتُ المُسلمينَ في شَتَّى بِقَاعِ البَلدِ ، ولاَ يَحِلُّ لأنْ يَكُون إمامان في بلدٍ .... ولاَ يَحِلُّ مُنَازعَته ، ومنْ خَلَعَ يَد الطَّاعَة والبَيعَة منهُ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيامَة ولاَ حُجَّةَ لهُ ، ومَنْ مَاتَ ولَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً ، وليسَ ذلكَ لأحدٍ غيرهُ مِمَّا صَحَّ لُغَوياًّ كَلِمَةَ الإمَام ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر ( البيعة بين السنة والبدعة ) للشيخ علي حسن الأثري ( ص5 ـ ط المكتبة الإسلامية، الأردن ، ط الأولى ).(1/4)
فالحَاكِمُ أو الأمِيرُ أوِ الإمَامُ هُوَ المُخْتَصُّ بِهَذِه المَعَانِي ، كَذَلِكَ فَهُوَ المُختَصُّ بِوُجُوبِ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرهِ ... وإنْ جَلَدَ ظَهْرَكَ أوْ أخَذَ مَالَكَ ... لأنَّ هذه الأحْكَامَ وغيرهَا قَدْ عَلَّقَهَا الشَّارعُ عَلَى مُسَمَّى السُّلْطَان أو الإمَام أو الحَاكِم أو الأمِير ، ولَمْ يَقُلْ أحَدٌ مِنْ أهْلِ العِلْمِ الرَّبَانِيِّينَ تَعْدِيَتهَا إلَى غَيْرهِ ممَّن يَقعُ عَلَيهِ اسْمُ الأمِيِر كـ (أمَرَاءِ) الجَمَاعَاتِ الحِزْبِيَّة ، فَوَجَبَ التَّفْريقَ بَيْنَ البَيْعَاتِ الشَّرْعِيَّة للحُكَّامِ الذينَ انعَقَدَتْ لَهُمْ بَيْعَةُ أهْلِ الحِّلِ والعَقْدِ(1)...، وبينَ البَيعاتِ الحِزْبِيَّةِ (2) للمُبْتَدِعَةِ الذينَ انعقَدَتْ لَهُمْ بَيْعَةُ أشْيَاعِهِمْ (3) الهَمَجِ الرِّعَاع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) وأهل الحل والعقد هم الشيوخ والممثلون في الدولة ... فهؤلاء بيعتهم شرعية صحيحة .
2) كـ ( حزب إخوان المسلمين وحزب التبليغيين وحزب الصوفيين وحزب القطبيين وحزب التراثيين وحزب السروريين وغيرهم ... ).
3) هم الممثلون في الحزب المذموم ... فهؤلاء بيعتهم بدعية ، فاسدة ... وقد بينت أن أشياع الحزب كثيراً ما يخلطون في البيعة والطاعة فيجعلون لأمير الجماعة بيعة وطاعة مطلقة ... حتى يحكم في أمورهم الشخصية أو يخلطون في الحقوق الشرعية التي لا تجب إلا للحاكم ... بل يجعل الحزب البيعة والإمارة لأميره خاصة ركناً أصيلاً من أركان الإسلام ويجعل كل خارج عن الحزب منحرفاً عن الدين . نعوذ بالله من الخذلان .(1/5)
والحقَّ أنَّا هُنَا فِي ولاَيَةِ أولِي الأمْرِ الشَّرْعِيِّين ... الوَاجِبِ طَاعَتَهُمْ وبَيْعَتَهُُم عَلَى الكِتَابِ والسُّنَّةِ ... لأنَّ اللهَ أمَرَنَا بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ? ?????????????????????????? ??????????? ??????????? ?????? ????????????? ??????????? ?????????? ??????????? ???????? ? (1) وهِي تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ طَاعَتِهِم فِي كُلِّ مَا يَأمُرُوا بهِ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّليلُ مِنَ الكِتَابِ والسُّنَّةِ .
ومِنْ هُنَا فَالالتِزَام إنَّمَا يَكُون دائماً وأبداً بِالمَنهَجِ السَّلَفِيِّ ... بما شَرَعهُ اللهُ لنَا ... ولَيْسَ الالْتِزَام بالأشْخَاصِ أوِ التَّنْظِيمَاتِ أوِ الجَمَاعَاتِ أو الجَمْعِيَّاتِ ... التِي هِيَ دَائِماً مَحِلُّ الخَطَأ والصَّوَابِ والكَارِثَةِ والخَلَلِ والأمْرَاضِ والعِلَلُ تَتَسلَّلُ إلى حياةِ الرَّاعِي والرَّعِيَّة من خِلاَلِ العُدُولِ عَنِِ المَنهَجِ الرَّبَانِيِّ ... ومِنْ ثَمَّ تَكُونُ العِصْمَةُ الكَاذِبَةُ التِي تُخْلَعُ عَلَى بَعْضِ الأشْخَاصِ ، والمُبَرِّرَاتِ البَاطِلَةِ التِي تُوضَعُ لِتَصَرُّفَاتِهِم وأخْطَائِهِم ، وهَذا بِدْء مَرْحَلَةِ السُّقُوطِ والهَوَانِ والضَّعْفِ واليَأسِ ... وتُؤَوَّل الآيَاتِ والأحَادِيثِ عَلَى مُقْتَضَى الأهْوَاءِ ... والتَّوَهُم بِأنَّ الدَّعْوَة قَائِمَة عَلَى الدِّين حتَّى تُؤدِّي إلَى الفِتْنَة والبَلْبَلَةِ والتَّمَزُّق فِي صُفُوفِ الأمَّةِ الإسلاميَّةِ ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة النساء آية [59] .
وهَذَا أمْرٌ خَطِير .... ومَفْسَدَةٌ فَظِيعَةٌ تَدْفَعُ الأمَّة الإسلاميَّة ثَمَنَها الدِّمَاءَ الغَزيرَة ... ولَيْسَ هَذا فَقَط ، بَلْ يُؤدِّي هَذَا إلَى ذَهَابِ الرِّيحِ ، وافْتِقَادِ الكَيَانِ أصْلاً ولاَ حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ .(1/6)
فَمِنْ أجْلِ صِيَانَةِ الدَّعْوَة وأهْلِهَا يَجِبُّ تَعَلُّم فِقْهِ البَيعَةِ الشَّرْعِيَّة للحُكَّام ونَشْرِهَا وتَلْقِينَهَا للشَّبَابِ حَتَّى لاَ يُؤْتَى الإسْلاَمُ مِن قِبَلِهِم ، وحَتَّى يَتَحَقَّق الأمْن والاسْتِقْرَار ويَأمَنَ النَّاس مِنَ الفِتَنِ وتَسْتَقِيم أمُور الأمَّةِ الإسْلاَمِيَّةِ وأحْوَالِهَا .
إنَّ هَذا البَحْث على وجَازَتِهِ يُعَدُّ فُرْصَةً للدُّعَاةِ إلى اللهِ لِكَي يَنتَبِهُوا بعدَ غَفْلَةٍ ، ويَسَتَيقِظُوا بعدَ سُبَاتٍ ، ولِكَي لاَ يَقْدُمُوا على أيِّ عَمَلٍ أوْ قَوْلٍ إلاَّ بَعْدَ عِلْمٍ وبَيِّنَةٍ ودِرَايَةٍ وتَثَبُّت(1).
ورَحِمَ اللهُ الإمَامَ البُخَارِيّ القَائِلِ : ( مَا أثْبَتُّ شَيئاً بِغَيْر عِلْمٍ قَطُّ مُنْذُ عَقِلْتُ ) (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر ( البيعة بين السنة والبدعة ) للشيخ علي حسن الأثري ( ص41 ، ط المكتبة الإسلامية ، الأردن ، ط الأولى ).
2) انظر ( ما تمسُّ إليه حاجة القارئ لصحيح الإمام البخاري ) للنووي ( ص58 ، ط لبنان ، بيروت ).
ولأهَمِيَّة هَذَا المَوْضُوعِ وخُطُورَتَهُ عَلَى حَياةِ الأمَّةِ تَوَجَّهْتُ بِكُلِّ مَا اسْتَطَعْتُ إدْرَاكَهُ فِي هَذِه الرِّسَالَةِ فِي بَيَانِ الحَقِّ مِنَ الكِتَابِ الكَريمِ والسُّنَّة الصَّحِيحَةِ وآثِارِ السَّلَفِ الصَّالِح وأقْوَالِ أهْلِ العِلْمِ الرَّبَانِيَّين لَعَلَّ اللهَ أنْ يَجْعَلَ فِي ذَلِكَ تَبْصِيراً للمُسْلِمينَ ... وبِهَذا يَكْثُرُ الخَيرَ ويَعُمّ ويَقِلّ الشَّر ويَخْتَفِي البَاطِل ويَضْمَحِلُّ ... وتَكُون العَاقِبَة حَمِيدَة للمُجْتَمَعِ .(1/7)
هَذا وأسْألُ اللهَ العَظِيم أنْ يَجْعَلنَا مِمَّن يَعْمَلُ لِرَضَاهُ ، وعَلَى منهَج رَسُولِِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وأنْ يُجَنِّبَنَا الفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَنَ ، وهُوَ وَلِيُّ ذلكَ والقَادِرُ عليهِ .
وصلَّى اللهُ وسلَّمَ علَى نَبِّينَا مُحَمَّدٍٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعِين.
أبُو عَبْدِ الرَّحْمَن فُوزي بِنْ عَبْدَ اللهَ الأثَري
بسم الله الرحمن الرحيم
( رَبِّ يَسِّر وأعِن وبَاركْ يَا كَريم )
تَعريف البَيْعَة لُغَةً واصْطِلاحاً
البَيْعَة لُغَةً :
هِيَ الصَّفْقَةُ عَلَى إيجَابِ البَّيْعِ ، وعَلَى المُبَايَعَةِ والطَّاعَةِ .
والبَيْعَةُ : المُبَايَعَةُ والطَّاعَةُ ، وقَدْ تَبَايَعُوا عَلَى الأمْر : كقوْلِكَ أصْفَقُوا عليهِ .
وبَايَعَهُ عليهِ مُبَايَعَةً: عَاهَدَهُ ، وبَايَعْتُهُ من البَّيْعِ والبَّيْعَة جَميعاً والتَّبَايُع مِثْلُهُ .
وفِي الحَديث أنَّهُ قالَ : ( ألاَ تُبَايِعُونِي عَلى الإسْلاَم ).
هُوَ عِبَارَةٌ عَن المُعَاقَدَةِ والمُعَاهَدَةِ كأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُما بَاعَ مَا عِنْدَهُ مِن صَاحِبهِ وأعْطَاهُ خَالِصَةً نَفْسه وطَاعَته ودَخِيلَةَ أمْرهِ(1).
البَيْعَة اصْطِلاحاً :
هِي العَهْدُ عَلَى الطَّاعَةِ ، كَأنَّ المُبَايِعَ يُعَاهِدُ أميرهِ عَلَى أنْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر ( النهاية في غريب الحديث ) لابن الأثير (ج1ص74 ـ ط المكتبة العلمية ، بيروت ) ، و(المصباح المنير ) للفيومي (ص41ـ ط المكتبة العصرية ، بيروت ، ط الثانية ).(1/8)
يُسَلِّم لهُ النَّظَرَ في أمْرِ نَفْسِهِ ، وأمُورِ المُسلمينَ ، لاَ يُنَازعُهُ فِي شَيءٍ منْ ذلكَ ، ويُطِيعَهُ فِيمَا يُكَلِّفَهُ بِهِ من الأمْرِ عَلى المَنشَطِ والمَكْرَه وكانُوا إذا بَايَعُوا الأمِيرَ ، وعَقَدُوا عَهْدَهُ ، جَعَلُوا أيْدِيهِم فِي يَدِهِ تَأكِيداً للعَهْدِ ، فَأشْبَهَ فِعْلَ البَائِعَ والمُشْتَري ، فَسُمِّي بَيْعَةٌ ، مَصْدَر بَاعَ ... وصَارَتْ البَيعَةُ مُصَافَحَةٌ بالأَيْدِي ... ، وهذا مَدْلُولَها فِي عُرْفِ اللُّغَة ومَعْهُودِ الشَّرْع(1).
ولاَ يَكُون ذلكَ شَرْعاً وعُرْفاً إلاَّ للحَاكِمِ المُسْلِمِ المُمَّكَن الذي يَمْتَلِك من الصَّلاَحِيَّةِ والمَسْؤُوليَّةِ مَا يَجْعَلُه قَادِراً عَلَى إقَامَةِ الدِّين وإنفَاذ الأحْكَام وتَنفِيذ العُقوبَات الشَّرْعِيَّة وإعْلانَ الحَرْبِ، والجُنُوحِ إلَى السَّلْم ومَا إلى ذلكَ ممَّا هُوَ مُخْتَصٌّ بالحَاكِمَ المُسلم في أيِّ بلَدٍ من البُلْدَانِ الإسْلاَمِيَّة .
فَالبَيْعَةُ إذن تَعْنِي إعْطَاء العَهْدِ مِنَ المُبَايِعَ عَلَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ للأمِير فِي المَنشَطِ والمَكْرَه والعُسْرِ واليُسْر وعَدَم مُنَازَعَتِهِ الأمْر ، وتَفْويضَ الأمُورَ إلَيهِ (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر ( مقدمة ابن خلدون ) (ج1ص220ـ ط دار الكتب العلمية ، بيروت ).
2) انظر ( البيعة بين السنة والبدعة ) للشيخ علي الأثري (ص23ـ ط المكتبة الإسلامية ، الأردن، ط الأولى ).
ذكْر الدَّليل على وجُوب البَيْعَة للإمام وأنَّه من ماتَ
ولَيسَ لهُ إمَامٌ مُطَاع مَاتَ مِيتةً جَاهليَّةً
1) عَن مُعاويةَ بن أبِي سُفيان رضِي اللهُ عنهمَا قالَ : قالَ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلَّم : (( مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )) (1).
فَدلَّ الحديثُ على وجُوب بيعةِ وطَاعَة الإمَام .(1/9)
وفي (( الاعتصام )) للشَّاطبِي رحمهُ اللهُ : (( إنَّ يَحيَى بْن يحيَى قِيل لَه: البَيعَةُ مَكرُوهَةٌ ؟ قال: لا . قِيل لهُ : فإنْ كَانُوا أئِمَّةَ جَوْرٍ؟ فقالَ : قَدْ بَايَعَ ابْنُ عُمَرَ (2) لعبدِ المَلِكِ بْنِ مَرَوانَ وبالسَّيفِ أخَذ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) حديث صحيح .
أخرجه أحمد في المسند [ج4ص96ـ ط المكتب الإسلامي ـ بيروت ) ، والطبراني في المعجم الكبير [ج19ـ ص335 ـ ط مكتبة ابن تيمية ، القاهرة ، ط الثانية ) ، وابن حبان في صحيحه [ج10ص434 ـ ط مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط الأولى ) ، وأبو يعلى في المسند [ج13ص366 ـ ط دار الثقافة العربية ، بيروت ـ ط الأولى ) من طريق أبي بكر ابن عياش عن عاصم بن أبي النَّجُود عن أبي صالح عن معاوية به .
قلت : وهذا سنده حسن ، من أجل عاصم بن أبي النجود وهو صدوق كما في التقريب لابن حجر [ص285 ـ ط دار الرشيد ، سوريا ، ط الأولى ) .
وتابعه الأعمش عن أبي صالح به .
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط [ج6ص70 ـ ط دار الحرمين ، القاهرة ) وإسناده صحيح.
2) الحديث في صحيح البخاري [ج13ص193 ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض) .
المُلكَ، أخْبَرنِي بِذَلكَ مالكٌ عنه أنه كتَبَ إليه وأمَرَ له بالسَّمْعِ والطَّاعة على كتابِ اللهِ وسنَّة نبيِّه . قَالَ يحْيى بْنُ يحيى : والبيعةُ خَيرٌ مِن الفُرْقَةِ) (1). اهـ
وقالَ الإمامُ الحَسنُ بنُ علِيّ البَرْبَهَارِيّ رحمه الله : ( مَنْ وَلِيَ الخلافَة بإجمَاعِ النَّاسِ عليهِ ورِضَاهُم بِه فهُوَ أميرُ المُؤمِنين لا يَحِلُّ لأحَدٍ أن يَبِيتَ ليلةً ولاَ يَرَى أنَّ ليسَ عليه إمامٌ بَرًّا كانَ أو فاجِراً. هكَذا قالَ أحمدُ بنُ حنبلِ ) (2).اهـ(1/10)
وقال ابْنُ العَربِيّ : وقدْ قالَ ابنُ الخيّاط : ( إنَّ بَيعةَ عبدِ الله ليزيدَ كانت كُرْهاً ، وأينَ يزيدُ مِن ابْنِ عُمَر ؟ ولكنْ رَأى بديِنهِ وعلْمِهِ : التَّسلِيمَ لأمرِ اللهِ ، والفِرَارُ من التَّعَرُّض لفتنةٍ فيها من ذهَابِ الأموالِ والأنفُسِ مَا لاَ يخْفَى ، فخَلْعُ يزيدَ لَو تُحقَّقَ أن الأمرَ يعُودُ في نِصَابِهِ ـ [ فيه تَعرُّضٌ لفتنةٍ عظيمةٍ ] فكيفَ ولا يُعْلَمُ ذلكَ ؟ وهذا أصلٌ عَظِيمٌ ، فَتفهَّمُوهُ والزَمُوهُ تَرْشُدُوا إن شَاءَ الله ) (3). اهـ
وقدْ بوَّبَ عليه أحمدُ البنا رحمه الله فقالَ : ( وُجُوبُ البيعةِ ولزُومِها وعدَم التَّخَلِّي عنها ) (4).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) [ج2ص626ـ ط دار ابن عفان ، الخُبر ، ط الثالثة ).
2) ( السنة) [ص77ـ ط مكتبة الغرباء الأثرية ، المدينة النبوية ، ط الأولى ) .
3) انظر ( الاعتصام ) للشاطبي [ج2ص627 ـ ط دار ابن عفان ، الخُبر ، ط الثالثة )
4) ( الفتح الرباني ) [ج23ص52ـ ط دارالشهاب ـ القاهرة ) .
وقَالَ الشًّوكَانِي رَحمهُ الله : ( مِن أعظَمِ الأدلَّة على وجُوب نصْب الأئِمَّة، وبَذْلُ البَيعَة لهُم مَا أخْرجهُ أحمدُ والتِّرمِذيُّ وابْنُ خُزَيمةَ وابْنِ حِبَّانَ في صَحيحِهِ مِن حَديث الحَارِثِ الأشْعَريّ بِلفْظِ : ( مَنْ مَات وليسَ عليهِ إمَامُ جماعَة فإنَّ موتَتهُ مَوتَة جَاهِليَّة) (1).اهـ(1/11)
وقدْ دلَّ على ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في ( كِتاب الإمارة) أنَّ عبدَ اللهِ بن عُمر جاءَ إلى عبد اللهِ بن مُطيع حينَ كانَ مِن أمر الحَرَّة ما كان ، زمنَ يزيدَ بن مُعاوية ، فقال عبد اللهُ بن مُطيع : (اطْرحُوا لأبي عبدِ الرَّحمن وسَادةً فقال : إنِّي لم آتِكَ لأجْلِسَ ، أتَيْتُكَ لأحَدِّثُكَ حَديثاً ، سمعتُ رسُول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقُولُه ، سمعتُ رسُول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقولُ : (( مَن خَلَعَ يداً مِن طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ ، ومَن مَاتَ وَليْسَ فِي عُنُقِهِ بَيعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً )) (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ) [ج4ص504 ـ ط دار الكتب العلمية ، بيروت ـ ط الأولى).
2) (ج12ص240ـ النووي ، ط دار الفكر ، بيروت ) .
وأخرجه أحمد في المسند [ج2ص70ـ ط المكتب الإسلامي ، بيروت ) ، والحاكم في المستدرك [ج1ص77 ـ ط دار المعرفة ، بيروت ) ، والبيهقي في السنن الكبرى [ج8ص156ـ ط دار المعرفة ، بيروت ) ، والطبراني في المعجم الكبير [ج12ص335ـ ط مكتبة ابن تيمية ، القاهرة ، ط الثانية ) ، وابن حبان في صحيحه [ج10ص439ـ ط مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط الأولى ) من طرق عن ابن عمر به . ... ... =
2) وعَن ابْن عَبَّاس رضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ : ( مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَة شِبْراً فَمَاتَ ، فَمَيْتَتُهُ جَاهِلَيَّة ) (1).(1/12)
قَال شَيخُنا الشيخ محمد بنُ صالح العُثيمين حفظَهُ الله : ( الوَاقِعُ أن مَسْؤُولي الحُكُومَة يُعْتَبرُونَ وُلاة أمْر في رقَابِنا لَهُمْ بَيعَةٌ علَى السَّمعِ والطَّاعَةِ فِي المنشَطِ والمكَرَهِ والعُسْرِ واليُسْر ، وألاَّ نُنَازعَهُمْ الأمْرَ مَا لَمْ نَرَ كُفْراً بَوَاحاً عِندنَا فيهِ من اللهِ بُرْهَان . هكَذا جَاءَ في السُّنَّةِ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فلاَ نُنَازعَهُمْ أمرَهُمْ ، ولكِنْ لاَ نَقُولُ إنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِن كَبائِر الإثْمِ ، ومِن صَغائِرِهِ ومِن الخَطَأِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى [ج5ص144ـ ط دار الصادر ، بيروت ) من طريق عبد الله بن نافع حدثني العطاف بن خالد عن أمية بن محمد أن عبد الله بن مطيع أراد أن يفر من المدينة ليالي فتنة يزيد بن معاوية فسمع بذلك عبد الله بن عمر فخرج إليه حتى جاءه قال: أين تريدنا يا ابن عم فقال : لا أعطيهم طاعة أبداً . فقال : يا ابن عم لا تفعل فإني أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من مات ولا بيعة عليه مات ميتة جاهلية ) .
1) أثر صحيح .
أخرجه عبد الرزاق في المصنف [ج11ص339ـ ط المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط الثانية ) ، والخلال في السنة [ص87ـ ط دار الراية ، الرياض ). من طريقين عن أيوب عن أبي رجاء العُطاردي به .
قلت : وهذا سنده صحيح .(1/13)
هُمْ كَغَيْرهِمْ مِنَ البَشَر يُخطِئُونَ ويُصِيبُون ... فإذا رَأوْا مثلاً إسْكَاتَ وَاحدٍ مِنَّا ، قَالُوا: لا تتَكلَّمْ فَلاَ أتَكلَّم ، لمَاذا ؟ لأنَّ بَيَانَ الحَقِّ فَرْضُ كِفايَةٍ لا يَقْتَصِرُ عَلى زيدٍ وعمروٍ ، لَوْ علَّقنَا الحَقَّ بأشخَاصٍٍ مَاتَ الحَقُّ بِمَوْتِهِم ، الحَقُّ لاَ يُعَلَّقُ بَأشخاصٍٍ .ولَنا في ذَلكَ أسْوَةٌ فَإنَّ عَمَّارَ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَانَ يُحدِّثُ عَن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّه يأمرُ الجُنُب أن يتَيَمَّمَ ، وكانَ عُمرُ بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لا يَرَى ذلكَ ، فَدَعَاهُ يَوْماً ، وقالَ لهُ : مَا هَذا الحَديثُ الذِي تُحدِّثُ النَّاسَ بِهِ ؟ يَعْنِي (( أنْ يَتَيَمَّمَ الجُنُب إذا عَدِمَ الماءُ أوْ خَافَ البَرْد )) قالَ أمَا تَذْكُرُ حِينَ بَعثَنِِي الرَّسُولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وإيَّاكَ في حاجةٍ فاجْتَنَبتُ وتمرَّغْتُ في الصَّعِيدِ ، وأتَيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وأخْبَرتَهُ ، فَقالَ : يكفِيكَ أن تَقُولَ بيَديْكَ هكذا وذكرَ التَيَمُّمَ ؟ ولَكِن يَا أمِيرَ المُؤمِنينَ إنِّي لِمَا أوجبَهُ اللهُ لكَ عليَّ مِنَ الطَّاعَةِ ، إن شئتَ ألاَّ أحَدِّثَ بِهِ فَعَلْتُ )) .
اللهُ أكبرُ ... صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ يُمْسِكُ عَنِ الَحدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بَأمْرِ مَنْ ؟ ... بِأمْر الخَلِيفَة الذِي لَهُ الطَّاعّةُ ، فَإذا رَأى وَلِيِّ الأمْر أنْ يَمْنَعَ أشْرِطَةَ ابْنِ عُثَيمِينَ ، أوْ أشْرطَةَ ابْنِ بَاز أوْ أشْرطَة فُلانٍ وفُلان يَمْتَنِع ... وأمَّا أنْ نَتَّخِذَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الإجْرَاءاتِ سَبِيلاً إلَى إثَارَةِ النَّاسِ ، وإلَى تَنْفِير القُلُوبِ عَنْ وُلاَةِ الأمُور ، فَهذَا ـ واللهِ ـ يَا إخْوَانِي أحَد الأسُس الَّتِي تَحْصُلُ بِهَا الفِتْنَةُ بَيْنَ النَّاس ... ) (1).اهـ(1/14)
وقال الحافظُ ابنُ كَثير رحمهُ الله : ( ولمَّا رجعَ أهلُ المدينةِ مِن عندَ يزِيدَ ، مَشَى عَبْدُ اللهِ بنُ مُطيعٍ وأصْحَابُهُ إلَى مُحَمَّدِ ابْنِِ الحَنَفِيَّةِ ، فَأرَادُوهُ علَى خَلْعِ يَزيدَ ، فَأبَى عَلَيهِم .
فقالَ ابنُ مُطيع : إنَّ يزيدَ يَشْربُ الخَمْرَ ، ويَتْرُكُ الصَّلاةَ ، وَيَتَعَدَّى حُكمَ الكِتابِ .
فقالَ لهُم : ما رأيتُ منهُ ما تذْكُرُون ، وقد حضرتُهُ ، وأقمتُ عندَهُ ، فرأيتُهُ مُواظِباً على الصَّلاة ، مُتَحَرياً للخير ، يسْألُ عن الفِقْه ، مُلازماً للسُّنَّة .
قالُوا : فإنَّ ذلكَ كانَ مِنهُ تَصَنُّعاً لكَ .
فقالَ : وما الذي خافَ منِّي أو رجَا حتَّى يُظْهِرَ إليَّ الخُشُوع ؟ أفأطْلَعَكُم على ما تذكُرُون من شُرْبِ الخمرِ ؟ فلَئِن كانَ أطلَعَكُمْ على ذلك إنَّكُم لشُركاؤُهُ ، وإنْ لَم يَكُن أطْلَعَكُم فما لكُم أن تشهَدُوا بِمَا لم تَعلمُوا .
قالُوا : إنَّه عِنْدَنَا لَحَقٌّ وَإنْ لَمْ يَكُنْ رَأيْنَاهُ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر (( علماء السعودية يؤكدون على الجماعة ووجوب السمع والطاعة لولاة الأمر )) [ص7و8 ـ مذكرة].
فَقالَ لَهُم : أبَى اللهُ ذلكَ عَلى أهْلِ الشَّهَادَةِ ، فقَالَ : ? ??????? ??? ?????? ??????????? ?????? ????????????? ? ولَسْتُ مِنْ أمْركُمْ فِي شَئ ... ) (1).اهـ
ويَصِحُّ فِي الاضْطِرَار تَعَدُّدِ الأئِمَّةِ ، ويَأخُذُ كُلُّ إمَامٍٍ مِنْهُم في قُطْرهِ حُكْمَ الإمَام الأعْظَم ، وَيَجِبُ طَاعَتَهُ وبَيْعتَهُ ، ومَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَالَيْ الاخْتِيَار والاضْطِرَار فَقَدْ جَهِلَ المَعْقُولَ والمَنقُولَ (2).(1/15)
قالَ الشَّيخُ مُحمدُ بنُ عَبدِ الوَهَّابِ رَحِمهُ اللهُ : ( الأئِمَّةُ مُجْمِعُونَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ عَلَى أنَّ مَنْ تَغَلَّبَ علَى بَلَدٍ أوْ بُلْدَانَ ، لَهُ حُكْمُ الإمَام في جَمِيعِ الأشْيَاءِ ، ولَوْلاَ هَذا مَا اسْتَقَامَتِ الدُّنيَا ، لأنَّ النَّاسَ مِن زَمَنٍٍ طَويلٍ قَبْلَ الإمَامِ أحْمَدَ إلَى يَوْمِنَا هَذا مَا اجْتَمَعُوا عَلى إمَامٍ وَاحِدٍ ، ولاَ يَعْرفُونَ أحَداً مِنَ العُلَمَاءِ ذَكَرَ أنَّ شَيئاً مِنْ الأحْكَامِ لاَ يَصِحُّ إلاَّ بالإمَامِ الأعظَمِ ) (3). اهـ
وقَالَ العَلاَّمَة الصَّنْعَانِيُّ رحِمهُ اللهُ فِي شَرْحِ حَديثِ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعاً : (( مَنْ خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ وفَارَقَ الجَمَاعَةَ وماتَ فَمِيتَتُهُ مِيتَة جَاهِلَيَّة ) (4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) (البداية والنهاية) [ج8ص233 ـ ط مكتبة المعارف ، بيروت ).
2) انظر ( معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة ) للشيخ ابن برجس [ص34 ـ ط دار السلف ، الرياض ، ط الرابعة).
3) انظر : المصدر السابق .
4) أخرجه مسلم في صحيحه [ج3ص1476ـ ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت، ط الأولى)
( قَوْلُهُ : ( عَنِ الطَّاعَةِ ) أيْ : طَاعَةُ الخَلِيفَةِ الذي وَقَعَ الاجْتِمَاعُ عَليْهِ وكَأنَّ المُرَادَ خَلِيفَةُ أيِّ قُطْرٍ مِنَ الأقْطَارِ ، إذْ لَمْ يُجْمَع النَّاسُ عَلَى خَلِيفَةٍ فِي جَمِيعِ البِلاَدِ الإسْلاَمِيَّةِ مِنْ أثْنَاءِ الدَّوْلَةِ العَبَّاسِيَّةِ ، بَلْ اسْتَقَلَّ أهْلُ كُلُّ إقْلِيمٍ بقائِمٍٍ بِأمُورهِِم ، إذْ لَوْ حُمِلَ الحَدِيثُ عَلَى خَلِيفَةٍ اجْتَمَعَ عَلَيهِ أهْلُ الإسْلاَمِ لَقَلَّتْ فَائِدَتُهُ .(1/16)
وقولُه: ( وفَارَقَ الجَماعَة ) أي : خرجَ عن الجماعَة الذينَ اتَّفقُوا على طاعة إمامٍ انتظَمَ به شَمْلُهُم ، واجتمعَت بِه كَلِمَتُهُم وحَاطَهُم عَن عَدُوِّهِمْ ) (1). اهـ
وقالَ العَلاَّمَة الشَّوكانيُّ رَحمهُ اللهُ فِي شَرْح قَولِ صَاحِبِ الأزْهَارِ : (ولاَ يَصِحُّ إمَامَانِ ) : ( وأمَّا بَعْدَ انْتِشَارالإسْلاَمِ ، واتِّسَاع رُقعَتِهِ ، وتبَاعُد أطْرَافِهِ ، فَمَعْلُومٌ أنَّهُ قَدْ صَارَ فِي كُلِّ قُطْرٍ أو أقْطَارٍ الوِلاَيَةٌ إلَى إمَامٍٍ أوْ سُلْطَانٍ ، وفِي القُطْرِ الآخَرِ كَذلِكَ ، ولاَ يَنْفُذُ لِبَعْضِهِمْ أمْرٌ ولاَ نَهْيٌ فِي قُطْرِ الآخَرِ وأقْطَارِهِ التِي رَجَعَتْ إلَى وِلاَيََتِهِ .
فَلاَ بَأسَ بِتَعَدُّدِ الأئِمَّةِ والسَّلاَطِينِ ، وَيَجِبُ الطَّاعَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْدَ البَيْعَةِ لَهُ عَلَى أهْلِ القُطْرِ الذِي يَنْفُذُ فِيهِ أوَامِرُهُ ونَوَاهِِيهِ ، وكَذلِكَ صَاحِبُ القُطْرِ الآخَرِ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام ) [ج3ص499 ـ ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، ط الثالثة ) .
فَإذَا قَامَ مَنْ يُنَازعُهُ فِي القُطْرِ الذِي قَدْ ثَبَتَتْ فِيهِ وِلاَيَتُهُ وبَايَعَهُ أهلُهُ كَانَ الحُكْمُ فِيهِ أنْ يُقْتَلَ إذَا لَمْ يَتُبْ .
ولاَ تَجِبُ عَلَى أهْلِ القُطْرِ الآخَرِ طَاعَتُهُ ، ولاَ الدُّخُولُ تَحْتَ وِلاَيَتِهِ لِتَبَاعُدِ الأقْطَارِ ، فَإنَّهُ قَدْ لاَ يَبْلُغُ إلَى مَا تَبَاعَدَ مِنْهَا خَبَرُ إمَامِهَا أوْ سُلْطَانِهَا ، ولاَ يُدْرَى مَنْ قامَ مِنْهُُمْ أوْ مَاتَ ، فَالتَّكْلِيفُ بِالطَّاعَةِ وَالَحالُ هَذِهِ تَكْلِيفٌ بِمَا لاَ يُطَاقُ .
وهَذا مَعْلُومٌ لِكُلِّ مَنْ لَهُ اطِّلاعٌ علَى أحْوَالِ العِبَادِ والبِلاَدِ ...(1/17)
فَاعِرفْ هَذا فَإنَّهُ المُناسِبُ للقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَالمُطَابِقُ لِمَا تَدُلُّ علَيهِ الأدِلَّةُ ، وَدَعْ عَنكَ مَا يُقَالُ فِي مُخَالَفَتِهِ ، فَإنَّ الفَرْقَ بَينَ مَا كَانَتْ علَيهِ الوِلاَيَةُ الإسْلاَمِيَّةُ فِي أوَّلِ الإسْلاَمِ ومَا هِيَ عَليهِ الآنَ أوْضحُ مِنْ شَمْسِ النَّهَارِِ .
ومَنْ أنكَرَ هَذا فَهُوَ مُبَاهِتٌ لاَ يَسْتَحِقُّ أنْ يُخَاطَبُ بالحُجَّةِ لأنَّهُ لاَ يَعْقِلُهَا ) (1).اهـ
وقَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثيرٍ رَحمهُ اللهُ : ( وَحَكَى إمَامُ الحَرَمَينِ عَنِ الأسْتَاذِ أبِي إسْحَاقَ أنَّهُ جَوَّزَ نَصْبَ إمَامَيْنِ فَأكْثَرَ إذَا تَبَاعَدَتِ الأقْطَارُ ، واتَّسَعَتِ الأقَالِيمُ بَيْنَهُمَا ، وتَرَدَّدَ إمَامُ الحَرَمَيْنِ فِي ذَلِكَ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار) [ج4ص512 ـ ط دار الكتب العلمية بيروت ، ط الاولى).
قُلتُ : وهَذا يُشْبِهُ حَالَ الخُلَفَاءَ مِنْ بَنِي العَبََّاسِ بِالعِرَاقِِ والفَاطِمِيَّينَ بِمِصْرَ والأمَوِيِّينَ بِالمَغْرِبِ ... ) (1).اهـ
فَهذِهِ أقْوَالُ عُلَمَاءِ الأمَّةِ المُجْتَهِدِينَ تُقرِّرُ صِحَّةَ تَعَدُّدِ الأئِمَّةِ فِي بَيْعَةِ الاضْطِرَارِ . مُعَوَّلُهَا عَلَى الأدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ، والقَوَاعِدِ المَرْعِيَّةِ والمَصَالِح الكُلِيَّةِ .
وسُئِلَ فضيلةَ الشيخَ عبد العزيز بن بازٍ ـ رَحِمهُ الله ـ هَل مِن مُقْتَضَى البَيْعَةِ ، حَفِظَكَ اللهُ ، الدُّعَاء لِوَليِّ الأمْر ؟(1/18)
فَأجَابَ : ( مِن مُقْتَضَى البَيْعةِ النُّصْح لِوَليِّ الأمْرِ ، وَِمنَ النُّصْحِ الدُّعَاء لَهُ بِالتَّوْفِيقِ والهِدَايَةِ وصَلاَحِ النِّيَّةِ والعَمَلِ وصَلاَحِ البِطَانَةِ لأنَّ مِنْ أسْبَابِ صَلاَحِ الوَالِي ومِنْ أسْبَابِ تَوْفِيقِ اللهِ لَهُ أنْ يَكُونَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ يُعِينُهُ عَلَى الخَيْرِ ، وَيُذَكِّرَهُ إذَا نَسِي ، ويُعِينُهُ إذَا ذَكَرَ ، هَذِهِ مِنْ أسْبَابِ تَوْفِيقِ اللهِ لَهُ ، فَالواجِبُ علَى الرَّعِيَّةِ وعَلى أعْيَانِ الرَّعيَّةِ التَّعَاوُن مَعْ وَلِيِّ الأمْر فِي الإصْلاَحِ وإمَاتَةِ الشَّرِّ والقَضَاءِ علَيهِ وإقَامَةِ الخَيرِ باِلكَلاَمِ الطَّيبِ والأسلُوبِ الحَسَنِ والتَّوْجِيهَاتِ السَّدِيدَةِ التِي يُرْجَى مِنْ وَرَائِهَا الخَيْرِ دُونَ الشَّرِّ ، وكُلُّ عَمَلٍ يَتَرَتبُّ علَيهِ شَرٌّ أكْثر مِنَ المَصْلَحَةِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( تفسير القرآن العظيم ) [ج1ص74 ـ ط مكتبة النهضة ، مكة ) .
لاَ يَجُوزُ ، لأنَّ المقْصُودِ مِنَ الوِلاَيَاتِ كُلِّهَا تَحْقِيقُ المَصَالِحَ الشَّرْعِيَّةِ ودَرْءِ المفَاسِدِ ،أيُّ عَمَلٍ يَعَملُهُ الإنسَان يُرِيدُ بِهِ الخَيْرَ وَيَتَرتَّبُ عَلَيهِ مَا هُوَ أشَرُّ مِمَّا أرَادَ ومَا هُوَ أعْظَمُ ومَا هُوَ أنكَرُ لاَ يَجُوزُ لَهُ ) (1) .اهـ.(1/19)
ورَوَى البُخَاريُّ عَن نَافِعٍ قَالَ : ( لَمَّا خَلَعَ أهلُ المدينةِ يَزيدَ بن مُعَاوِيَة جَمَعَ ابْنِ عُمَر حَشَمَهُ ووَلَدَهُ فَقَالَ : إنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقُولُ : (( يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِواءٌ يَومَ القِيامَةِ)) وإنَّا قَدْ بَايَعنَا هَذا الرَّجُلَ على بَيْعِ اللهِ ورسولِه ، وإنِّي لاَ أعلمُ غَدْراً أعظَمَ مِنْ أن يُبَايَعَ رَجُلٌ على بَيْعِ اللهِ ورسُولِهِ ثُمَّ يَنصُبُ لهُ القِتالَ، وإنَّي لا أعلمُ أحداً مِنكُمْ خَلعَهُ ولا تَابَعَ فِي هذا الأمْرِ إلاَّ كانَتِ الفَيْصَلَ بينِي وبيْنَهُ ) (2).
قالَ الحافِظُ ابنُ حَجَر رحمهُ اللهُ : ( وَفِي هَذا الحَدِيثِ وُجُوبُ طَاعَةِ الإمَامَ الذي انْعََقَدَتْ لَهُ البَيْعَةُ والمَنْعُ مِنَ الخُرُوجِ عَليهِ ولَوْ جَارَ فِي حُكْمِهِ وأنَّهُ لاَ يَنخَلِعُ بِالفِسْق ) (3).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر (مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة) [ص31ـ ط دار المعراج الدولية ، ط الأولى ).
2) (صحيح البخاري) [ج13ص68ـ الفتح ، ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ).
3) (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) [ج13ص73ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ).
وسُئلَ الشيخ صَالِح الفُوزَان حَفظهُ اللهُ : هَلْ البَيْعَةُ وَاجِبَةٌ أمْ مُسْتَحَبَّةٌ أمْ مُبَاحَةٌ ؟ ومَا مَنْزِلَتُهَا مِنَ الجمَاعَةِ والسَّمْعِ والطَّاعَةِ ؟(1/20)
فأجَاب فضِيلتُهُ : ( تَجِبُّ البَيعةُ لوَليِّ الأمْر علَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ عِندَ تَنْصِيبه إمَاماً للمُسلمِينَ علَى الكِتَابِ والسُّنَّةِ ، والذينَ يُبايِعُون هُمْ أهْلُ الحلِّ والعَقْدِ مِنَ العُلَمَاءِ والقَادَةِ ، وغَيْرِهم مِن بقيَّةِ الرَّعِيَّةِ تَبَعٌ لَهُمْ، تَلزَمَهُمُ الطَّاعَةُ بِمُبايَعَةِ هَؤُلاَءِ ، فَلاَ تُطلب البيعةُ من كلِّ أفراد الرَّعِيَّة لأنَّ المسلمينَ جمَاعةٌ واحدةٌ ، يَنُوبُ عَنْهُم قَادَتُهُم وعُلمَاؤُهُم .
هَذا مَا كانَ عليهِ السَّلفُ الصَّالحِ مِن هَذِه الأمَّةِ ، كَما كانَتِ البَيعَةُ لأبِي بَكرٍ رضِيَ اللهُ عَنهُ ولِغَيرهِ مِنْ وُلاةِ المُسلمين.
وليستِ البيعةُ في الإسلامِ بالطريقةِ الفَوضَويَّة المُسمَّاة بالانتِخَابَات ، التي عليها دُوَل الكُفْر ، ومَن قلَّدَهُم مِن الدُّوَلِ العَرَبِيَّة، والتِي تَقُومُ عَلى المُسَاوَمَةِ ، والدِّعَايَاتِ الكَاذِبَةِ ، وكثِيراً مَا يَذْهَبُ ضَحِيتُهَا نُفُوس بَريئَة .
والبَيعَةُ علَى الطَّريقَةِ الإسلاميَّة يَحْصُلُ بِهَا الاجْتِمَاعُ والائْتِلافُ ، ويتَحَقَّقُ بِها الأمْنُ والاستِقْرارُ ، دُونَ مُزايَداتٍ ، ومُنافسَاتٍ فَوْضَويَّة، تُكَلَّفُ الأمَّة مَشَقَّةً وعَنَتاً ، وسَفْك دِمَاء ، وغَيْرِ ذلِك)(1).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) (الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة)[ص134 ـ ط دار السلف ، الرياض ـ ط الثانية].
فائدة
ذِكْر طَريقَةِ البَيْعَةِ لِوُلاَةِ أمْر المُسْلِمِين(1/21)
يقُولُ الشوكَانِيِّ رحمهُ اللهُ : ( طَريقَها ـ أي البَيعَةُ ـ أنْ يَجْتَمِعُ جَمَاعَةٌ مِن أهْلِ الحلِّ والعَقْد ، فيعقُدُونَ لهُ البيعةُ ... وأنَّ المُعتَبَرَ هُوَ وُقُوعُ البَيعَةِ لَهُ ـ يَعنِي الإمَام ـ مِن أهْلِ الحِلِّ والعَقْدِ ، فَإنَّهَا هِي الأمْرُ الذي يَجِبُّ بَعْدَه الطَّاعَةُ ، ويثْبُتُ بِه الولاَيَةُ ، وتَحْرُم معهُ المُخَالفَة ، وقد قَامَت على ذلك الأدَّلةُ وثبَتَت بِه الحُجَّةُ ، وقد أغنَى اللهُ عنِ النُّهُوض ، وتجَشُّم السَّفَر ، وقطْع المَفَاوزَ بِبَيْعَة مَن بَايَعَ الإمَام مِن أهْلِ الحِلِّ والعَقْدِ فَإنَّهَا ثَبََتَتْ إمَامَتَهُ بِذَلكَ ،وَوَجَبَتْ علَى المُسْلمينَ طاعَتَهُ، ولَيسَ مِن شَرْطِ ثُبُوتِ الإمَامَةِ أن يُبَايِعَهُ كل من يَصْلُح للمُبَايَعَة ، ولاَ مِن شَرْطِ الطَّاعَةِ عَلى الرَّجُل أنْ يِكُونَ مِن جُمْلَة المُبَايِعَينَ فَإنَّ الاشْتِراطَ في الأمْرَين مَرْدُودٌ بإجْمَاع المُسلِمينَ أوَّلهُم وآخرَهُم ، سَابِقَهُم ولاَحِقَهُم ) (1).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر ( السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ) [ج4ص511و513 ـ ط دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط الأولى ] .
وقال الشِّيخ صَالِح الفُوزان حفظَهُ اللهُ : ( تَجِبُّ البَيْعَةُ لِوَليِّ الأمْرِ عَلَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ عِندَ تَنصِيبه إمَاماً للمُسْلمِيَن علَى الكِتَابِ والسُّنَّةِ ، والذين يُبايِعُونَ هُمْ أهْلُ الحلَّ والعَقْدِ مِن العُلَمَاء والقَادَةِ ، وغَيرِهِم مِن بَقِيَّةِ الرَّعيَّةِ تَبَعٌ لُهُمْ ، تَلْزَمَهُمْ الطَّاعَةُ بِمُبَايَعَةِ هَؤُلاَءِ ،، فَلاَ تُطْلَبِ البَيْعَةُ مِنْ كُلِّ أفْرَادِ الرَّعِيَّةِ لأنَّ المسْلمِينَ جمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ ، يَنُوبُ عَنْهُم قَادَتُهُم وَعُلَمَاؤُهُم ).اهـ(1/22)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة ) [ص134 ـ ط دار السلف ـ الرياض ـ ط الثانية].
ذكر الدَّليلُ على وُجُوب مُلازَمَة جماعةِ المُسلمينَ
وإمامَهُم عندَ ظُهُورِ الفِتَن
[1] عَن حُذيفَة بنِِ اليَمَان رضِي اللهُ عنهُ قال: ( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ ... ... قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ:(تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ) قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ قَالَ: (فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ) (1).
قال النَّوَوِيّ رحمهُ اللهُ : ( وفي حَديثِ حُذَيفةَ هَذا لِزُوم جَماعَةِ المُسلمينَ وإمامَهُم ووجُوبُ طَاعَتَهُ وإن فَسَقَ وعَمِلَ المعَاصِي مِن أخْذِ الأمْوَالِ وغَيرِ ذَلكَ فَتَجبُّ طَاعَتَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيةٍ) (2).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أخرجه البخاري في صحيحه [ج13ـ ص35 ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ) ومسلم في صحيحه [ج3ص1476ـ ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط الأولى ] .
وقوله : ( تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ) المراد : الجماعة الذين ينتَظمَهُم إمامٌ ظاهرٌ له شوكة وقدرةٌ على سياسة الناس .(1/23)
انظر : ( معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة ) للشيخ ابن برجس [ص89 ـ ط دار السلف ، الرياض ، ط الرابعة].
2) شرح ( صحيح مسلم ) [ج12ص237ـ ط دار الفكر ، بيروت ).
وقالَ ابنُ بَطَّالٍ رحمهُ اللهُ : ( فِيهِ حُجَّةٌ لجماعَة الفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ لزُومِ جماعةِ المُسلمينَ وترْكِ الخُرُوجِ علَى أئِمَّةِ الجَوْرِ لأنَّهُ وَصَفَ الطَّائِفَةَ الأخِيرَة بِأنَّهُمْ ( دُعَاةٌ عَلَى أبْوابِ جَهَنَّمَ ) ولَمْ يَقُلْ فِيهِمْ ( تَعْرفُ وتُنكِرُ ) كَمَا قَالَ فِي الأوَّلِينَ وهُمْ لا يَكُونُون كَذلِكَ إلاَّ وهُمْ عَلَى غَيْرِ حَقٍّ ، وأمَرَ مَعَ ذلكَ بِلزُومِ الجَمَاعَةِ) (1).اهـ
وقالَ الكَرمانيُّ رحمهُ اللهُ : ( فِيهِ الإشَارَةُ إلى مُسَاعَدةِ الإمَامِ بالقِتَالِ ونَحْوهِ إذَا كَانَ إمَامٌ ، وإنْ كَانَ ظَالِماً عَاصِياً ، والاعْتِزالُ إذَا لَم يَكُنْ ) (2).اهـ
وقالَ الطَبَريُّ رحمهُ اللهُ : ( في الحديثِ أنَّهُ متَى لَم يَكُن للنَّاسِ إمَامٌ ، فافِتَرَقَ النَّاسُ أحْزاباً فلاَ يَتَّبِعُ أحداً في الفُرْقَةِ ، ويعْتَزلُ الجميعَ إن اسْتَطَاعَ ذلكَ خشيةً من الوُقُوعِ في الشَّرِّ ، وعلَى ذَلِكَ تَنزَّلُ مَا جَاءَ في سَائِرِ الأحَادِيثِ ، وبِهِ يجمَعُ بينَ ما ظاهرُهُ الاختلافُ مِنهَا)(3).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر : (فتح الباري بشرح صحيح البخاري ) لابن حجر [ج13ص37ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ].
2) ( شرح البخاري ) [ج24ص162 ـ ط البهية ـ مصر ).
3) انظر ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري ) لابن حجر [ج13ص37 ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ].
ويُؤيِّدُهُ روايةَ ابنِ مَاجَة : ( فلأن تَمُوتَ وأنتَ عَاضٌ عَلى جِذْلٍ خَيْرٌ لكَ مَن أن تَتَّبِعَ أحَداً مِنهُمْ).(1/24)
وقال الطَّبَريُّ رحمهُ اللهُ : ( والصَّوَابُ أنَّ المُرَادَ مِنَ الخَبَر لُزومِ الجماعَة الذينَ في طاعَةِ من اجْتَمَعُوا على تأْمِيرِهِ ، فمن نَكَثَ بيعتَهُ خرجَ عن الجَمَاعَة ) (1).اهـ
وقالَ ابنُ تَيميَة رحمهُ الله تعالَى : ( ولِهذا كانَ من أصُول أهْل السُّنَّةِ والجماعَةِ لِزُوم الجماعَةِ ، وتَرْكِ قِتال الأئمَّةِ ، وترْك القِتال في الفِتْنَةِ ... وأما أهلُ الأهواءِ كالمُعْتَزلَة فيَرَوْنَ القتالَ للأئمَّة من أصُولِ دِينهِم ، وتجعلُ المُعتزلةُ أصُول دينهِم خمسة : التوحيدُ (الذي هو سَلْبُ الصِّفَات ) ، والعدلُ ( الذي هو المنزلَةُ بين المنزلَتين ) ، والتكذيبُ بالقدَر ، وإنفاذُ الوعيد ، والأمرُ بالمعروفِ والنَّهْي عن المُنكر (الذي هُو قِتَالُ الأئمَّة ) !!!) (2).اهـ
وقال فِي موْضِع آخر : ( ولا يَعْدِلُ أحدٌ عَنِ الطُّرُقِ الشَّرْعيَّةِ إلَى طُرُقِ البِِدْعيَّةِ إلا لِجَهلٍ أو عجْزٍ أو غَرَضٍ فَاسِدٍ ) (3).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر ( المصدر السابق ).
2) ( الحسبة في الإسلام ) [ص76] .
3) ( مجموع فتاوى ) [ج11ص625 ـ ط مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة ] .
[2] وعن زَيْد بن ثابِتٍ رضِي اللهُ عنهُ قالَ : قالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثَلاثُ خِصَال لا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، والنَّصِيحَةُ لِوُلاَةِ الأمُور ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ) (1).
قولهُ : ( لا يُغَلُّ ... ) من الإغْلاَلِ ، وهو الخِيانَةُ في كُلِّ شَئ ، ويُروى ( يَغِلُّ ) من الغِلِّ وهو الحِقْدُ والشَّحْنََاءُ أي لاَ يَدْخُلُه حِقْدٌ يُزيلُهُ عن الحَقِّ ) (2).
فدلَّ الحديثُ علَى نصِيحَةِ وُلاةِ الأمُورِ ، ولِزُوم جمَاعَتِهمِ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/25)
1) حديث صحيح
أخرجه أبو داود في سننه [ج3ص322 ـ ط دار الحديث ، بيروت ، ط الأولى ] والترمذي في سننه [ج5ص33 ـ ط مصطفى البابي ، ط الثانية ] وأحمد في المسند [ج5ص183ـ ط المكتب الإسلامي ، بيروت ] وفي الزهد [ص58ـ ط دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط الأولى ] والدارمي في السنن [ج1ص75 ـ ط دار الكتب العلمية ، بيروت ] والطبراني في المعجم الكبير [ج5ص143ـ ط مكتبة ابن تيمية ، القاهرة ، ط الثانية ] والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث [ص18ـ ط جامعة أنقرة ، تحقيق د. محمد سعيد خطيب ] وفي الفقيه والمتفقه [ج2ص71ـ ط دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط الثانية ] وابن أبي عاصم في السنة [ص504ـ ط المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط الثانية ] من طرق عن شعبة عن عمر بن سليمان عن عبد الرحمن بن أبان عن أبيه عن زيد به.
قلت : وهذا سنده صحيح ، وقد صححه البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه [ج3ص271ـ ط مكتبة ابن تيمية ، القاهرة ، ط الأولى ] والألباني في ظلال الجنة [ص504ـ ط المكتب الإسلامي ، بيروت ] .
2) انظر ( مقاييس اللغة ) لابن فارس [ج4ص376ـ ط دار الجيل ، بيروت ، ط الأولى ] و(مصباح المنير) للفيومي [ج2ص451ـ ط المكتبة العلمية ، بيروت ] و(المعجم الوسيط) [ج2ص659ـ ط دار الدعوة ، تركية] .
قالَ ابنُ القَيِّم رحمهُ اللهُ : ( وقولُهُ : (ثَلاثُ خِصَال لا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ ... ..) إلى آخِرهِ ، أيْ : لا يَحْمِلُ الغِلَّ ولا يَبْقَى فيهِ معَ هذهِ الثَّلاَثِ ، فإنَّهَا تَنفِي الغِلَّ والغِشَّ ومُفْسِدَاتِ القَلْبِ وسَخَائِمَهُ .(1/26)
فالمُخْلصُ للهِ إخلاصُهُ يمنَعُ غِلَّ قَلْبِه ويُخْرجُهُ ويُزيلُهُ جُمْلةً ، لأنَّهُ قدْ انصرَفَتْ دَوَاعِي قَلْبِهِ وإرَادَتُهُ إلى مَرْضَاة رَبِّهِ ، فَلمْ يَبْقَ فيه مَوْضِعٌ للغِلِّ والغِشِّ كمَا قَالَ تَعَالَى : ? ????????? ?????????? ???????? ???????????? ????????????????? ????????? ???? ??????????? ??????????????? ? فلما أخْلَصَ لِرَبِّهِ صرَفَ عنهُ دَوَاعِيَ السُّوء والفَحْشَاءُ ،فَصَرَفَ عَنْهُ السُّوءُ والفِحْشَاءُ .
ولِهذا لَمَّا عَلِمَ إبْلِيسُ أنْ لاَ سَبيلَ لهُ علَى أهْل الإخْلاص اسْتَثْنَاهُمْ من شَرْطَتِهِ التي اشْتَرَطَهَا لِلْغِوَايَة والإهْلاَكِ فقالَ : ? ?????? ??????????????? ????????????????????? ????????????? ???? ??????? ?????????? ???????? ??????????????? ???? ? قَالَ تَعَالَى : ? ?????? ?????????? ??????? ???? ?????????? ?????????? ??????? ???? ????????????? ???? ????????????? ???? ? فالإخلاصُ هُوَ سَبيلُ الخَلاَصِ ، والإسْلاَمُ هُوَ مَرْكَبُ السَّلاَمَةِ ، والإيمَانُ خَاتَمُ الأمَانِ .
وقولُهُ : ( ومُنَاصَحةُ أئمَّةِ المُسلِمين ) وهَذا ـ أيضاً ـ مُنَافٍ لِلْغِلَّ والغِشِّ ، فإنَّ النَّصِيحَةَ لا تُجَامِعُ الغِلَّ ، إذْ هِيَ ضِدُّهُ ، فَمَن نَصَحَ الأئمَّةَ والأمَّةَ فَقدْ بَرئَ مِنَ الغِلِّ .
وقولُهُ : ( ولُزُومُ جَماعتَهُم ) هذا ـ أيضاً ـ مِمَّا يُطَهِّرُ القَلْبَ مِنَ الغِلِّ والغِشِّ ، فإنَّ صاحبَهُ لِلزُومِهِ جمَاعَةَ المُسلمينَ يُحِبُّ لهُم ما يُحِبُّ لنَفسِهِ ، ويَكرَهُ لهُمْ ما يَكْرَهُ لَهَا ، ويَسُوؤُهُ مَا يَسُوؤُهُمْ ويَسُرُّهُ ما يَسُرُّهُمْ .(1/27)
وهَذا بِخلاَفِ من انْحَازَ عنْهُم واشْتَغَلَ بالطَّعْنِ عليهِم والعَيْب والذَّمِّ لهُم ، كفِعْل الرَّافِضَة ، والخَوَارجَ والمُعتزلَة وغيرهِم، فإنَّ قُلوبَهُم مُمتلئَةٌ غِلاًّ وغِشاًّ ، ولهَذا تجِد الرَّافِضَةُ أبْعَد النَّاس من الإخْلاَص ، وأغَشَّهُمْ للأئمَّةِ والأمَّةِ ، وأشَدَّهُمْ بُعْداً عَن جَمَاعةِ المُسلمينَ .
فهَؤُلاءِ أشدُّ النَّاسِ غِلاًّ وغِشاًّ بِشهادَةِ الرَّسُول والأمَّةِ عَليهِم وشَهَادتِهِم على أنفُسِهِم بذلِك ، فإنَّهُم لاَ يَكُونُونَ فَقَط إلاَّ أعْواناً وظِهْراً على أهل الإسْلاَمِ ، فأيُّ عَدوٍّ قَامَ للمُسلمينَ كانُوا أعْوانَ ذلكَ العَدُوِّ وبِطَانَتَهُ.
وهَذا أمْرٌ قَدْ شَاهَدَتهُ الأمَّةُ منهُم ، ومَن لَمْ يُشاهِد فقدْ سَمِعَ منهُ ما يُصِمُّ الآذَانَ ويُشْجِي القُلُوبَ .
وقولُهُ : ( فإنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ) هذا من أحْسَن الكلاَم وأوْجَزِهِ وأفخَمِهِ معْنىً ، شَبَّهَ دَعْوَة المُسلمينَ بالسُّورِ والسِّياجِ المُحيطَ بِهمْ المَانِع من دُخُول عَدُوِّهِم عليهِم ، فتِلكَ الدَّعْوةُ التي هِيَ دَعْوَةُ الإسلاَم وهُمْ دَاخِلُونَها ، لمَّا كَانَتْ سُوراً وسِياجاً عَليهِم ، أخبَر أنَّ مَنْ لَزِمَ جَمَاعَة المُسلمينَ أحَاطَتْ بِه تِلْكَ الدَّعْوةُ التي هِي دَعْوةُ الإسْلاَم كمَا أحَاطَتْ بهم ، فالدَّعوةُ تجمَعُ شَمْلَ الأمَّة وتَلُمُّ شَعْثَها وتُحيطُ بِها ، فَمَن دَخَلَ في جَماعَتِهَا أحَاطَتْ بِه وشَمِلَتْهُ)(1).اهـ
وقدْ جمعَ هذا الحَديثُ العَظيمُ ما يَقُومُ به دينُ النَّاس ودُنْيَاهُمْ ، فهُوَ من جَوَامِع الكَلِمَ الذي أوتِيهُ رَسُولُنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ، ولِبيانِ عِظَمِ هذا الحديثِ وجَلاَلَة شأنِهِ .(1/28)
يَقُولُ شِيخُ الإسْلام ابنُ تَيميَّة رحمهُ اللهُ : ( وهذِه الثَّلاث ـ يعني إخْلاَصَ العمَل ومُناصحَةَ أولِي الأمْر ولُزوم جماعَة المُسلمين ـ تَجمَعُ أصُولَ الدِّين وقَواعِدَهُ وتَجْمَعُ الحُقُوقَ التي للهِ ولِعبادِه ، وتَنتَظِمُ مصالِحُ الدُّنيَا والآخرَةِ.
وبَيانُ ذلك أنَّ الحُقُوقَ قِسْمان : حَقٌ للهِ ، وحَقٌ لِعبَادِهِ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة ) [ج1ص277و278 ـ ط دار ابن عفان ، الخُبر ، ط الأولى ]
فَحَقُّ اللهِ أن نَعبُدَهُ ولا نُشْركَ بِه شيئاً ... وحُقُوقِ العبادِ قِسْمان: خَاصٌ وعَامٌ .
أمَّا الخَاصُّ فَمِثلُ بِرِّ كُلِّ إنسان وَالِدَيْهِ وحَقِّ زَوْجَتِهِ ، وجَارِهِ فهذِهِ مِن فُرُوعِ الدِّين ، لأنِّ المكلَّفَ قَدْ يَخْلُو عَنْ وُجُوبِهَا عَليهِ ، ولأنَّ مَصْلَحَتَها خَاصَّةٌ فَرْديَّةٌ .
وأمَّا الحُقُوقُ العَامَّةُ فالنَّاسُ نَوْعان : رُعَاةٌ ورَعِيَّةٌ .
فحُقُوقُ الرُّعَاة مُناصَحَتهُم ، وحُقُوقُ الرَّعيَّةِ لُزُوم جَماعَتِهِمْ ، فَإنَّ مَصْلَحَتَهُمْ لاَ تَتِمُّ إلاَّ باجْتَمَاعِهِمْ ، وهُمْ لاَ يَجْتَمِعُونَ عَلى ضَلالَةٍ ، بلْ مَصلَحةُ دِينهِم ودُنْيَاهُمْ فِي اجْتماعِهِم وَاعْتِصامِهِم بَحَبْل اللهِ جميعاً ، فهَذِه الخِصَالُ تَجْمَعُ أصُولَ الدِّين ) (1).اهـ
وقالَ الحَافِظ ابنُ الأثِير رَحمهُ اللهُ : ( ... والمَعْنى : أنَّ هذه الخِلاَل الثَّلاَثَ تُسْتَصْلَحُ بِهَا القُلُوبُ ، فمَن تَمَسَّكَ بِها طَهُرَ قَلْبُهُ مِن الخِيانَةِ والدَّغِل والشَّرِّ .
( وعَلَيْهِنَّ ) في مَوْضعِ الحَال ، تَقْديرَهُ : لاَ يَغِلُّ كائناً عليهِنَّ قَلْبُ مُؤمنٍ ) (2).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( مجموع فتاوى ) [ج1ص18 و19 ـ ط مكتبة ابن تيمية ، مصر] .(1/29)
2) ( النهاية في غريب الحديث ) [ج3ص381ـ ط المكتبة العلمية ، بيروت] .
وقال شيخُ الإسْلام ابنُ تَيميَّة رَحمهُ اللهُ : ( و ( يَغِلُّ ) بالفَتح هُوَ المَشهُور، ويُقالُ : غَلَى صدْرُهُ فَغَلَّ إذا كانَ ذا غِشٍّ وضَغَنٍ وحِقْدٍ ، أي قلْبُ المُسْلمَ لا يَغِلُّ على هذه الخِصَالِ الثَلاثَةِ ، وهِي المُتقدِّمَةُ في قوله :( إنَّ اللهَ يَرْضَى لكُمْ ثَلاثاً أنْ تَعبُدُوهُ ولا تُشْركُوا به شيئاً، وأنْ تَعتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جميعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ، وأنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلاَّهُ أمْرَكُمْ ) فإنَّ اللهَ إذا كَانَ يَرْضَاهَا لَنا لمْ يكُن قلبُ المُؤمن الذي يُحبُّ ما يُحبُّهُ اللهَ يغِلُّ عَلَيهَا ، ويُبْغِضُهَا ويَكْرَهُُهَا فَيَكُونُ فِي قَلْبِهِ عَليْهَا غِلٌّ، بَلْ يُحِبُّها قَلْبُ المُؤمنُ وَيَرْضَاهَا ) (1).اهـ
وقالُ ابنُ عبدِ البَرِّ رحمَهُ اللهُ : ( ألاَ تَرى أنَّه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم دَعَا لمَنْ حَفِظَ مقالتَهُ هذه ، فوَعَاهَا ثُمَّ أدَّاهَا تأكِيداً منهُ في حفظِها وتَبليغِهَا ، وهِي قولهُ : ( ثَلاثُ خِصَال لا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَلُزُومُ الجَمَاعَة ومُناصَحة أولِي الأمر ) (2).
وقالَ الشِّيخُ محمدُ بنُ عبدِ الوهَّاب رحمَهُ اللهُ : ( بَعْدَ أنْ ذَكَرَ هَذهِ الخِصَالِ الثَّلاَثِ : ولَمْ يَقَعْ خَللٌ في دِين النَّاسِ ودُنياهُم إلاَّ بِسببِ الإخْلاَلِ بهَذهِ الثَّلاثِ أوْ بَعْضِهَا ) (3).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( مجموع فتاوى ) [ج35ص7و8 ـ ط ابن تيمية ، مصر ] .
2) ( التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ) [ج21ص276ـ ط ابن تيمية ، القاهرة].
3) ( مسائل الجاهلية ) ضمن مجموع مؤلفات الشيخ [ج1ص336ـ ط مكتبة ابن تيمية، القاهرة].(1/30)
وقالَ ابنُ الأثِير رحمَهُ اللهُ : على قولِه : فإنَّ دعوَتَهُم تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهم : ( أيْ تَحُوطُهُم وتَكْنفُهُم وَتَحْفَظُهُم ، يُريدُ أهلَ السُّنَّة دُونَ أهل البِدْعَةِ ... ) (1).اهـ
[3] وعَن الحَارث الأشْعريِّ رضِي اللهُ عنهُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالَ : ( أنَا آمُرُكُم بِخَمس ، اللهُ أمرَنِي بِهنَّ : بِالجمَاعَة ، وبِالسَّمع والطَّاعةِ ، والهِجرَةِ ، والجِهَادِ في سبيلِ اللهِ، فإنَّه من خرَجَ من الجماعَة قِيدَ شِبْرَ فَقَدْ خلعَ ربْقَةَ الإسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ إلَى أنْ يَرْجِعَ ، ومنْ دَعَا بِدَعْوى الجَاهِليَّةِ فهوَ من جُثَاءِ جَهنَّمَ ) قالُوا : يا رَسُولَ اللهِ ! وإنْ صامَ وصَلَّى ؟ قال : (وإنْ صامَ وصَلَّى وزَعَمَ أنَّهُ مُسلِمٌ فَادْعُوا المُسلمينَ بأسْمائِهِم بِما سَمَّاهُمُ اللهُ عز وجلَّ : المُسلمينَ المُؤمنينَ عِبادَ اللهِ عز وجَلَّ ) (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( النهاية في غريب الحديث ) [ج2ص122ـ ط المكتبة العلمية ، بيروت ] .
2) حديث صحيح .
أخرجه الترمذي في سننه [ج5ص148ـ ط مصطفى البابي ، مصر ، ط الثانية ] وأحمد في المسند [ج4ص130ـ ط المكتب الإسلامي ، بيروت ] ، والحاكم في المستدرك [ج1ص117و118ـ ط دار المعرفة ، بيروت ] ، وأبو يعلى في المسند [ج3ص140ـ ط دار الثقافة العربية ، بيروت ، ط الأولى ] والآجري في الشريعة [ص8 ـ ط الأشرف ، باكستان ، ط الأولى ] وابن خزيمة في صحيحه [ج3ص195 ـ ط المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط الأولى ] وابن الأثير في أسد الغابة [ج1ص383 ـ ط مكتبة ابن تيمية ، مصر] والمزي في تهذيب الكمال [ج5ص217ـ ط مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط الثالثة] من طرق عن يحيى بن أبي كثير أن زيداً حدثه أن أبا سلام حدثه أن الحارث حدثه به . =(1/31)
فَدَلَّ الحَدِيثُ عَلَى النَّهْيِ الشَّدِيدِ فِي مُفَارَقَةِ الجَمَاعَةِ والخُرُوجِ عَنْهَا.
قالَ الخطَّابِيُّ رحمَهُ اللهُ : ( الرِّبْقَةُ مَا يُجْعَلُ فِي عُنُقِ الدَّابَّةِ ، كَالطَّوْق يُمْسِكهَا لِئلاَّ تَشْرُدَ .
يقُولُ : مَنْ خَرَجَ عَن طَاعَةِ الجَمَاعَةِ ، وفَارَقَهُمْ فِي الأمْر المُجْمَعِ علَيهِ فَقَدْ ضَلَّ وهَلَكَ ، وكَانَ كَالدَّابَةِ إذَا خَلَعَتْ الرِّبْقَة الَّتِي هِي مَحفُوظَةٌ بِها ، فإنَّهَا لا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا عِنْدَ ذلكَ الهَلاكُ والضَّياعُ)(1).اهـ
ومنْ تَشْدِيدِ الشَّارِعِ فِي تَرْكِ الجَمَاعَةِ ومُفَارَقَتِهَا إخْبَارُهُ أنَّ منْ مَاتَ وهُوَ خَارِِجٌ عَنِ الطَّاعَةِ مُفارِقٌ للجمَاعَةِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً(2).
عَنْ أبِي هُريرَة رضِي اللهُ عنْهُ عنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالَ : (مَنْ خرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ ، وفَارَقَ الجمَاعَةِ ، فَمَاتَ مَاتَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= قلت : وهذا سنده صحيح ، رجاله كلهم ثقات .
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب .
والحديث صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي [ج2ص379ـ ط مكتب التربية العربي لدول الخليج ] .
1) ( معالم السنن ) [ج7ص148 ـ ط دار المعرفة ، بيروت ] .
2) انظر ( معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة ) لابن برجس [ص96 ـ ط دار السلف ، الرياض ، ط الرابعة].
مِيتةً جاهِليَّةً ، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ ، يَغْضَبُ لِعصبِيَّةٍ، أو يَدْعُو إلى عَصَبِيَّةٍ ، أوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً ، فَقُتِلَ ، فَقِتْلَتُهُ جَاهِليَّةً ، ومَن خرجَ عَلَى أمَّتِي يضْربُ بَرَّهَا وفَاجِرَهَا ، ولا يَتَحاشَى مِنْ مُؤمِنِها ولاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ ، فليسَ مِنِّي ولَستُ مِنهُ ) (1).(1/32)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاس رضِيَ اللهُ عنهُما قالَ : قالَ رسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( مَنْ كَرهَ مِنْ أمِيرهِ شَيئاً فَلْيَصْبِر ، فإنَّهُ مَن خَرَجَ مِنَ السُّلْطانِ شِبْراً ماتَ مِيتةً جَاهِليَّةً ) (2).
وفِي لفظٍ : ( مَنْ رَأى مِنْ أمِيرهِ شيئاً يَكرَهُهُ فَليصْبِرْ عليهِ ، فإنَّهُ مَنْ فارَقَ الجماعَةَ شِبْراً ، فماتَ ، إلاَّ ماتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً ).
قال الحافِظُ ابْن حَجَر رَحِمَهُ اللهُ : ( وَقَوْلُهُ : ( قِيدَ شِبْراً ) بِكَسْرِ المُعْجَمَةِ وسُكُونِ المُوَحَدَّةِ ، وهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ مَعْصِيَة السُّلْطَانِِ ومُحَارَبَتِهِ) (3).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أخرجه مسلم في صحيحه [ج3ص1476 و1477 ـ ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط الأولى ] من طريق غيلان بن جرير عن أبي قيس بن رياح عن أبي هريرة به .
2) أخرجه البخاري في صحيحه [ج13ص5ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ] ومسلم في صحيحه [ج3ص1477ـ ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط الأولى ] من طريق الجعد حدثني أبو رجاء عن ابن عباس به .
3) ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري ) [ج13ص7ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض].(1/33)
وقَالَ الخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : ( ... فَإنَّ فِي مُفارَقَةِ الأئمَّة والأمَراءِ مُفارَقَةَ الألْفَةِ ، وزَوَالَ العِصْمَة ، والخُرُوجَ مِنْ كَنفِ الطَّاعَة وظِلِّ الأمْنَةِ ، وهُوَ الذِي نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْهُ وأرَادَهُ بِقَوْلهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ فَماتَ فَمِيتَتُهُ جَاهِليَّةٌ) وذلكَ أنَّ أهْلَ الجَاهليَّة لَمْ يكُنْ لَهُم إمامٌ يَجْمَعُهُمْ عَلَى دِينٍ ويتألَّفُهُمْ عَلَى رَأيٍٍ وَاحِِدٍ ، بَلْ كَانُوا طَوَائِفَ شَتَّى وفِرَقاً مُخْتَلِفِينَ ، آرَاؤُهُمْ مُتَنَاقِضَةٌ ، وأدْيَانُهُمْ مُتَبَايِنَةٌ ... ) (1).اهـ
وقال الحافِظُ ابنُ حجر رحمهُ اللهُ : ( والمُرادُ بالمِيتَةِ الجَاهِلِيَّة وهِيَ بِكَسْرِ المِيمِ حَالَةُ المَوْتِ كَمَوْتِ أهْلِ الجَاهِليَّةِ عَلَى ضَلاَلٍ ولَيْسَ لَهُ إمَامٌ مُطَاعٌ ، لأنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ ولَيْسَ المُرادُ أنَّهُ يَمُوتُ كَافِراً بَلْ يَمُوتُ عَاصِياً ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ التَّشْبيهُ عَلَى ظَاهِرهِ ومَعْنَاهُ أنَّهُ يَمُوتُ مِثْلَ مَوْتِ الجَاهلِيِّ وإنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ جَاهِليًّا ... ) (2).اهـ
وقالَ الشيخُ محمدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ رحمهُ اللهُ : ( هَذِه أمُورٌ خَالَفَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا عَلَيهِ أهْلُ الجَاهِلِيَّة الكِتَابِيِّينَ والأميِّينَ مِمَّا لا غِنَى للمُسْلِمِ عَنْ مَعْرِفَتِهَا ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( العزلة ) [ص166 ـ ط دار الكتب العلمية ، بيروت ] .
2) ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري ) [ج13ص7 ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ].
((1/34)
المسألَة الثالِثة ) : أنَّ مُخَالَفةَ وَلِيِّ الأمْرِ وعَدَمِ الانْقِيَادِ لَهُ فَضِيلَةٌ ، والسَّمْعِ والطَّاعَة لَهُ ذلٌّ ومَهَانَةٌ ، فَخَالَفَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وأمَرَ بالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الوُلاَةِ ، وأمَرَ بالسَّمْعِِ والطَّاعَةِ لَهُم والنَّصِيحَةُ، وغَلَّظَ فِي ذَلِكَ وأبْدَى فِيهِ وأعَادَ ... ) (1).اهـ
[4] وعَنْ فُضالَة بن عُبيدٍ رضِي اللهُ عنهُ قالَ : قالَ رسُول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( ثَلاَثَة لا تَسْألْ عنهُمْ : رجُلٌ فَارَقَ الجَماعَةَ وعَصَى إمامَهُ وماتَ عَاصِياً ، وعَبْدٌ أبَقَ فمَاتَ ، وامْرَأةٌ غَابَ عنهَا زوجُها يَكفيِهَا المُؤْنَةَ فتَبَرَّجَتْ مِنْ بَعْدِهِ ) (2).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( مسائل الجاهلية ) ضمن مجموع مؤلفات الشيخ [ج1ص335ـ ط مكتبة ابن تيمية ، القاهرة].
2) حديث صحيح .
أخرجه البخاري في الأدب المفرد [ص204ـ ط عالم الكتب ، بيروت ، ط الثانية ] والحاكم في المستدرك [ج1ص119ـ ط دار المعرفة بيروت ]، وأحمد في المسند [ج6ص19ـ ط المكتب الإسلامي ، بيروت ط الثانية ] وابن أبي عاصم في السنة [ص43ـ ط المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط الثانية ] وابن حبان في صحيحه [ج7ص44ـ ط دار الكتب العلمية ، بيروت ط الأولى ] من طريق أبي هانئ عن عمرو بن مالك عن فضالة به .
قلت : وهذا سنده صحيح ، وقد صححه الألباني في ظلال الجنة [ص43ـ ط المكتب الإسلامي ، بيروت ] .
وقال الحاكم : حديث صحيح ، ووافقه الذهبي .
وقال ابن عساكر : حديث حسن غريب ، تفرد به أبو هانئ ، ورجال إسناده ثقات .
انظر : الصحيحة للألباني [ج2ص72 ـ ط مكتبة المعارف ، الرياض ، ط الأولى ] .
قولُهُ : ( ثَلاَثَةٌ لا تَسْألْ عنهُمْ ) كِنايَةٌ عَنْ عَظِيمِ هَلَكَتِهِمْ.(1/35)
قالَ المَنَاويُّ رحمهُ اللهُ : ( قَوْلُهُ : ( ثَلاَثَةٌ لا تَسْألْ عنهُمْ ) أي: فإنَّهم من الهَالكِينَ . رجُلٌ فَارقَ بقلبِهِ ولِسانِه واعْتِقادِهِ أو بِبَدَنِهِ ولِسَانِه ... الجماعَة المَعْهُودينَ وهُم جمَاعَةُ المُسلمينَ ، ( وعَصَى إمَامَهُ ) إمَّا بنَحْو بِدْعةٍ كالخَوَارج ... وإمَّا بنحْو بَغيٍّ أو حِرَابَةٍ أو احْتِيَالٍ أو عَدَمْ إظْهَارِ الجماعَةِ في الفَرَائِضَ ، فكلُّ هؤُلاَء لا يُسْألُ عنهُم لِحِلِّ دِمائِهِمْ ... ) (1).اهـ
[5] وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ : قالَ رسُول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( يَدُ اللهِ عَلَى الجَمَاعَةِ ) (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( فيض القدير شرح الجامع الصغير ) [ج3ص324ـ ط دار المعرفة ، بيروت] .
2) حديث صحيح .
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير [ج12ص447ـ ط ابن تيمية ، القاهرة ، ط الثانية ] من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا معتمر بن سليمان عن مرزوق مولى آل طلحة عن عمرو بن دينار عن ابن عمر به .
قلت : وهذا سنده صحيح ، وقد صححه الألباني في ظلال الجنة [ص40ـ ط المكتب الإسلامي ، بيروت ].
وأورده الهيثمي في المجمع [ج5ص218 ـ ط دار الكتاب العربي بيروت ، ط الثالثة] ثم قال : رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات رجال الصحيح خلا مرزوق مولى آل طلحة وهو ثقة .
[(1/36)
6] وعَنْ سِمَاكِ بنِ الوَلِيد الحَنَفيِّ أنَّهُ لقِيَ ابنَ عبَّاسٍ بالمدينةِ فقالَ : ( ما يَقُولُ في سُلطانٍ عَلَينَا يَظْلِمُونَنَا ويَشْتِمُونَنَا ويعتَدُوَن علينَا فِي صَدَقَاتِنَا ألاَ نَمْنعُهُمْ ؟ قالَ ـ ابنُ عبَّاس ـ لا أعْطِيهِمْ يَا حَنَفِيُّ ... وقالَ : يَا حَنَفِيُّ الجَمَاعَةَ الجَمَاعَةَ ، إنَّما هلَكَتِ الأمَمُ الخَالِيَةُ بتفرُّقِهَا ، أما سَمِعْتَ اللهَ عزَّ وجَلَّ يقُولُ : ? ???????????????? ??????????? ?????? ????????? ????? ??????????????? ? (1).
وكَما أنَّ الشَّارعَ أمَرَ بِلزُومِ الجَمَاعَةِ نَهَى كُلَّ مُؤْمِنٍ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ عَنْ مُفَارقَتِهَا وشَقِّ عَصَاهَا ومُخالفَةِ كَلِمَتُهَا.
ومَا هَذا الاهْتِمَام مِنَ الشَّارِعِ بِأمْر الجَمَاعَةِ إلاَّ لِبَالِغ أهَمِيَّتَهَا وكَبِير قَدْرِهَا وعِظَمِ نَفْعِِهَا ، إذْ هِيَ رَابِطَةُ المُسلمينَ ، قُوَّتُهُمْ منْ قُوَّتِهَا ، وضَعْفُهُمْ منْ ضَعْفِها ، فِيهَا يَعْبُدُ المُسلمُ رَبَّهُ آمِناً ، ويَدْعُو إلَيهِ تَعالَى مُؤَيَّداً ، المُسْتَضْعَفُ فِي كَنَفِهَا قَويٌّ ، والمَظلُومُ في ظِلِّهَا مَنْصُورٌ ، والعَاجِزُ مُعَانٌ (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أثر حسن .
أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير [ج2ص455 ـ ط دار ابن القيم ، الدمام ، ط الأولى ] من طريق عمرو بن علي الصيرفي حدثني عبد ربه بن بارق الحنفي وأثنى عليه خيراً حدثني سماك بن الوليد به .
قلت : وهذا سنده حسن .
2) انظر ( معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة ) لابن برجس [ص63ـ ط دار السلف ، الرياض ، ط الرابعة ] .
[(1/37)
7] وعَن عَبدِ اللهِ بنِ دينارٍ عن ابْن عُمرَ قالَ : خَطَبَنَا عُمَرُ بِالجَابِيةِ فَقالَ : ( يَا أيُّهَا النَّاسُ إنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فِينا فقالَ : ( أوصِيكُم بِأصْحَابِي ، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهُم ، ثمَّ الذينَ يَلُونَهُم ،ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبَ حتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ ولا يُسْتَحلفُ ، ويَشْهدَ الشَّاهِدَ ولا يُسْتَشْهَدُ ، ألاَ لاَ يَخْلُونَّ رجُلٌ بِامْرَأةٍ إلاَّ كانَ ثَالثَهُما الشَّيطَانُ ، عَلَيكُم بِالجَماعَة وإيَّاكُمْ والفُرْقَةِ فإنَّ الشَّيطاَنَ مَعَ الواحِدِ ، وهُو منَ الاثْنَين أبْعَدُ ، مَنْ أرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّة فَليْزَمِ الجمَاعَةَ ، مَنْ سَرَّتْهُ حسَنتُهُ وسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذلِكَ المُؤمن ) (1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) حديث صحيح .
أخرجه الترمذي في سننه [ج4ص465ـ ط مصطفى البابي ، مصر ، ط الثانية ] ، وأحمد في المسند [ج1ص18ـ ط المكتب الإسلامي ، بيروت ] والحاكم في المستدرك [ج1ص114] والقضاعي في مسند الشهاب [ج1ص249ـ ط مؤسسة الرسالة ، بيروت، ط الأولى ] والطحاوي في شرح معاني الآثار [ج4ص150ـ ط دار الكتب العلمية، بيروت ] من طريق محمد بن سُوقة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر به .
قلت : وهذا سنده صحيح ، وقد صححه أحمد شاكر في شرح المسند [ج1ص112ـ ط دار المعارف ، مصر].
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
قَوْلُه : ( بُحْبُوحَة الجنَّة ) قال أبو عُبيد رحمَهُ اللهُ : ( أرَادَ بِبُحبُوحَة الجنَّةِ وسَطَهَا . قالَ : وبُحْبُوحَة كُلِّ شَئ وسَطُهُ وخِيَارُهُ ) (1).اهـ
قالَ ابنُ العَربيّ رحمَهُ اللهُ في قولِهِ : ( عَلَيْكُم بِالجَمَاعَةِ ) يَحتمِلُ مَعنَيْين :(1/38)
أحدُهُما : أنَّ الأمَّةَ إذا اجتمعَتْ عَلى قَوْل فلاَ يَجُوز لِمنْ بَعدهِم أن يُحْدِثَ قولاً آخَرَ .
والثَّانِي : إذا اجتمعُوا على إمَام فلاَ يَحِلُّ مُنازَعَتُهُ ولاَ خَلْعُهُ ، وهذا ليسَ على العُمُوم بَلْ لَو عقَدَهُ بَعْضهُم لجَازَ ، ولم يَحِلَّ لأحدٍ أن يُعارضَ ) (2).اهـ
ورجِّحَ المُبَارَكْفُوريُّ رحمَهُ اللهُ الوَجْه الثَّانِي(3).
وقالَ ابنُ أبي زَمنِين رحمَهُ اللهُ : ( ومِنْ قَوْلِ أهْلِ السُّنَّةِ أنَّ السُّلْطانَ ظِلُّ اللهِ في الأرْضِ وأنَّهُ مَنْ لَمْ يَرَ عَلَى نَفْسِهِ سُلطاناً براًّ كانَ أوْ فَاجِراً فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ السُّنَّةِ ) (4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( غريب الحديث ) [ج2ص205ـ ط دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط الأولى ].
2) ( عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي ) [ج9ص10ـ ط دار الكتب العلمية ، بيروت].
3) ( تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ) [ج6ص384ـ مكتبة ابن تيمية ، القاهرة ].
4) ( أصول السنة ) [ص275ـ ط مكتبة الغرباء الأثرية ، المدينة النبوية ، ط الأولى].
[8] وعَن عَلقَمَة بن وَائِل الحَضرمِيِّ عَنْ أبيهِ قالَ : سألَ سَلمةُ بنُ يَزيدَ الجُعْفِيّ رسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فقالَ : يا نَبِيِّ اللهِ! أرَأيْتَ إنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْألُونَنا حقَّهُمْ ويَمنَعُونَنا حقَّنَا، فما تأَمُرُنَا؟ فأعْرَضَ عنهُ ، ثُمَّ سألَهُ فأعْرَضَ عنهُ ، ثُمَّ سَألَهُ في الثَّانية أو في الثَّالِثة فَجَذَبَهُ الأشعثُ بنُ قَيْسٍ وقالَ : ( اسْمَعُوا وأطِيعُوا ، فإنَّمَا عَليهِمْ ما حُمِّلُوا وعلَيكُم ما حُمِّلْتُمْ ) (1).
بَوَّبَ عليهِ النَّوَويّ فقالَ : ( بَابٌ فِي طَاعَة الأمَرَاءِ وإن مَنَعُوا الحُقُوقَ ).(1/39)
وقالَ ابنُ زَمِنين رحمهُ اللهُ : ( فَالسَّمعُ والطَّاعَةُ لِوُلاَةِ الأمْرِ أمْرٌ وَاجِبٌ ومَهْمَا قَصَّرُوا فِي ذَاتِهِم فَلَمْ يُبَلِّغُوا الوَاجِِبَ عَلَيْهِمْ ، غَيْرَ أنَّهُمْ يُدْعَوْنَ إلَى الحَقِّ ، ويُؤمَرُونَ بهِ ، ويُدَلُّونَ عَلَيهِ ، فَعَلَيهِمْ مَا حُمِّلُوا وعَلَى رَعَايَاهُم مَا حُمِّلُوا مِنَ السَّمْعِ والطَّاعَةِ لَهُمْ) (2).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أخرجه مسلم في صحيحه [ج3ص1474ـ ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط الأولى] وابن أبي زمنين في أصول السنة [ص277ـ ط مكتبة الغرباء الأثرية ، المدينة النبوية ، ط الأولى ] من طريق شعبة عن سماك بن حرب عن علقمة به .
2) ( أصول السنة ) [ص276ـ ط مكتبة الغرباء الأثرية ، المدينة النبوية ، ط الأولى ].
فَعَليْكُم مَا كُلِّفْتُمْ بِهِ مِنَ السَّمْعِ والطَّاعَةِ وأدَاءِ الحُقُوقِ ، فإنْ قُمْتُم بِمَا عَلَيْكُم يُكَافِئكُمُ اللهُ سُبْحَانَهُ بِحُسْنِ المَثُوبَةِ والأجْرِ.
ويُؤَيِّدُهُ قولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( تُؤَدُّونَ الحَقَّ الذي عَليكُمْ وتَسْألُونَ اللهَ الذِي لَكُمْ ) (1).
وكَما أنَّ الشِّارعَ أحَلَّ دَمَ المُفَارِقِ للجَماعَةِ .
فعَنْ عبدِ اللهِ بن مسْعُودٍ رضِي اللهُ عنهُ قالَ : قالَ رسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم :( لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرئٍ مُسلِم إلاَّ بإحْدَى ثلاثٍ: الثَّيِّبُ الزانِي، والنَّفْسُ بالنَّفْسِ ، والتَّاركُ لدِينِهُ المُفَارقُ للجمَاعَةِ ) (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أخرجه البخاري في صحيحه [ج13ص5ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ] ومسلم في صحيحه [ج3ص1472ـ ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط الأولى ] من طريق الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود به .(1/40)
2) أخرجه البخاري في صحيحه [ج12ص201ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ] ومسلم في صحيحه [ج3ص1302ـ ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط الأولى ] وأبو داود في سننه [ج4ص126ـ ط دار الحديث ، بيروت ، ط الأولى ] والترمذي في سننه [ج4ص19ـ ط مصطفى البابي ، مصر ، ط الثانية ] والنسائي في سننه [ج8ص13ـ ط دار البشائر ، بيروت ] وابن ماجه في سننه [ج2ص847ـ ط فؤاد عبد الباقي ] وأحمد في المسند [ج1ص382ـ ط المكتب الإسلامي ، بيروت ] وابن أبي شيبة في المصنف [ج14ص270ـ ط إدارة القرآن ، باكستان ] والشاشي في المسند [ج1ص385ـ ط مكتبة العلوم والحكم ، المدينة ] والبغوي في شرح السنة [ج10ص147ـ ط المكتب الإسلامي ، ط الأولى ] وابو يعلى في المسند [ج9ص128ـ ط دار الثقافة العربية ، بيروت ، ط الأولى ] والدارقطني في العلل [ج5ص255ـ ط دار طيبة ، الرياض ، ط الأولى] من طرق عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود به.
قالَ النَّوَويُّ رَحِمَهُ اللهُ : ( وأمَّا قوْلُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (والتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارقُ للجَمَاعَةِ ) فَهُوَ عَامٌ فِي كُلِّ مُرْتَدٍّ عَنِ الإسْلاَم بِأيِّ رِدَّةٍ كَانَتْ ، فيَجِبُ قَتْلُهُ إنْ لَمْ يَرْجِعَ إلَى الإسْلاَم .
قَالَ العُلَمَاءُ : ويَتَناوَلُ ـ أيْضاً ـ كُلَّ خَارجٍ عَنِ الجَمَاعَةِ بِبِدْعَةٍ أوْ بَغْيٍّ أوْ غَيْرهِمَا ، وكَذا الخَوَارجُ ، واللهُ أعْلَمُ ) (1).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( شرح صحيح مسلم ) [ج11ص165ـ ط دار الفكر ، بيروت] .
ذكْرُ الدَّلِيل عَلَى تَفْنِيد شُبُهَاتِ
المُرْجِفِينَ السِّيَاسِيِّينَ عَلَى وُلاَةِ أمْر المُسْلِمينَ
الشُّبْهَة الأولَى :(1/41)
قَدْ يَقُولُ قَائِلٍ : إنَّ البَيْعَةَ لاَ تَنْعَقِدُ إلاَّ للإمَامِ العَامِ للمُسلمِينَ ( أمِيرُ المُؤمِنينَ ) جَمِيعاً ، كَمَا هُوَ الشَّأنُ فِي زَمَن الخِلاَفَةِ الرَّاشِدة .
فَنَقُولُ وباللهِ التَّوْفِيقِ رَدًّا عَلَى هَذِه الشُّبْهَةِ : إذَا كَانَتِ الإمَامَةُ مُخْتصَّةٌ بِواحِدٍ ، والأمُورُ رَاجِعَةٌ إليهِ كَمَا هُوَ الشَّأنُ فِي زمَنٍ الخِلافَة الرَّاشِدَة ، فهذِه البيعَةُ لا تَجُوزُ إلاَّ لَهُ .
وأمَّا بَعْدُ انْتِشَارِ الإسْلاَمِ ، واتِّسَاعِ البُلْدانِ الإسْلاَميَّةِ ، فمَعْلُومٌ أنَّهُ قَدْ صَارَ فِي كُلِّ بَلدٍ الوِلاَيَةُ إلَى إمَامٍ أوْ سُلْطَانٍ أوْ أمِيرٍ أو مَلِكٍ ... فَيَجِبُ الطَّاعَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم بَعْدَ البَيْعَةَ لَهُ عَلَى أهْلِ البَلَدِ الذِي يَنْفُذُ فِيهِ أوَامِرَهُ ونَوَاهِيهِ ...
قالَ الشَوكَانيَ رحمهُ الله : ( إذَا كَانَتِ الإمَامَةُ الإسْلاَميَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِوَاحدٍ ، والأمُورُ رَاجِعَةٌ إلَيْهِ ، مَرْبُوطَةٌ بهِ ، كَمَا كَانَ فِي أيَّامِ الصَّحَابَةِ والتَّابِعيَنَ وتَابِعيهِم فَحُكْمُ الشَّرْعِ فِي الثَّانِي الذِي جَاءَ بَعْدَ ثُبُوتِ وِلاَيَة الأوَّل أنْ يُقْتَلَ إذَا لَمْ يَتُبْ عِندَ المُنَازَعَةِ.(1/42)
وأمَّا بَعْدُ انْتِشَارِ الإسْلاَم ، واتِّسَاعِ رُقْعَتِهِ ، وتَباعُدِ أطْرَافِهِ فَمَعْلُومٌ أنَّهُ قَدْ صَارَ فشي كُلِّ قُطْرٍ أوْ أقْطَارٍ الوِلاَيَةُ إلَى إمَامٍ أو سُلطَانٍ ، وفِي القُطْرِ الآخَرِ أوْ الأقْطَارِ كَذَلِكَ، ولاَ يَنْفُذُ لِبَعْضِِهم أمْرٌ ولاَ نَهْيٌ فِي قُطْرِ الآخَرِ وأقْطَارِهِ التِي رَجَعتْ إلىَ ولاَيتِهِ فَلاَ بَأسَ بِتَعَدُّدِ الأئمَّةِ والسَّلاطِينُ ، وَيَجِبُ الطَّاعَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم بَعْدَ البَيْعَةِ لَهُ علَى أهْلِ القُطْرِ الذِي يَنفُذُ فِيهِ أوَامِرَهُ ونَواهِيهِ وكَذَلِكَ صَاحِبُ القُطْرِ الآخَرِ ، فإذَا قَامَ مَنْ يُنَازِعُهُ فِي القُطْرِ الذِي قَدْ ثَبَتَتْ فِيهِ ولاَيتُهُ ، وبَايَعَهُ أهْلُهُ، كَانَ الحُكْمَ فِيهِ أنْ يُقْتَلَ إذَا لَمْ يَتُبْ ولاَ تَجِبُ عَلَى أهْلِ القُطْرِ الآخَرِ طَاعَتَهُ ، ولاَ الدُّخُولَ تَحْتَ وِلاَيتِهِ لِتَبَاعُدِ الأقْطَار.....
فَاعْرِفْ هَذَا فإنَّهُ المُنَاسِبُ للقَوَاعِدِ الشَّرْعيَّةِ ، والمُطَابِقُ لِمَا تَدُلُّ عَليهِ الأدِلَّةُ ، ودَعْ عنكَ ما يُقالُ في مُخالفَتهِ ، فإنَّ الفَرْقَ بينَ ما كانتْ عليهِ الولاَيةُ الإسْلاَميَّةُ في أوَّل الإسْلاَم ، ومَا هِيَ عَلَيْهِ الآنَ أوْضَحَ مِنْ شَمْسِ النَّهَارِ ، ومَنْ أنْكَرَ هَذَا فَهُوَ مُبَاهِتٌ لا يَسْتَحِقُّ أن يُخَاطَبَ بِالحُجَّةِ لأنَّهُ لاَ يَعْقِلُهَا ) (1). اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ) [ج4ص512ـ ط دار الكتب العلمية ، بيروت، ط الأولى ) .(1/43)
وقالَ الشِّيخُ مَحَمدُ بن عبدِ الوهَّاب رَحمَهُ اللهُ : ( الأئِمَّةُ مُجْمِعُونَ مِن كُلِّ مذهبٍ على أنَّ مَن تَغَلَّبَ على بلدٍ أوْ بُلْدانٍ لَهُ حُكمُ الإمَامُ فِي جَمِيعِ الأشْيَاءِ ، ولَوْلاَ هَذَا مَا اسْتَقَامَتْ الدُّنيَا ، لأنَّ النَّاسَ مِن زَمن طَوِيلٍ قَبْلَ الإمَامِ أحْمَدَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا مَا اجْتَمَعُوا عَلَى إمَام وَاحِدٍ ، ولاَ يَعْرفُونَ أحَداً مِنَ العُلَمَاءَ ذَكرَ أنَّ شيئاً من الأحْكَام لا يَصِحُّ إلاَّ بالإمَامِ الأعْظَمِ !!! ) (1). اهـ
الشُّبْهةُ الثَّانيةُ :
وقَدْ تَردُّ شُبهةٌ أخْرَى فيُقالُ : لاَ تَكُونُ الإمَامَةُ إلاَّ بِالاخْتِيَارِ والرِّضَى مِنَ الرَّعِيَّةِ ، وخَاصَّةً أهْلَ العَقْدِ والحلِّ .
فنقولُ : هذا كلامٌ لا يَرِدُ إلاَّ مِن اثنينِ :
إمَّا جَاهِلٌ بالسُّنَّة : فَهَذا يُبَينُ لَهُ الأمْرَ ، ونَسْألُ اللهَ أن يَشْرَحَ صَدْرَهُ .
وإمَّا جَاهِلٌ عَرَفَ الحَقَّ وعَانَدَ : فهذا صَاحِبُ هَوىً ، ليسَ في مُخَاطَبتِهِ حِيلَةٌ .
وردًّا عَلَى هَذِه الشُّبْهَةِ :
نَقُولُ : لِيعلَمَ الجَمِيعُ مِن طَلَبَةِ العِلْمِ وعَامَّةِ النَّاس أنَّ الخِلافَةَ والإمَامَةَ تَنْعَقِدُ بِأمُورٍ :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر ( الدرر السنية ) [ج7ص239] .
إمَّا بالاخْتِيَارِ لِمَنْ هُوَ أوْلَى وأفْضَل ، كَمَا حَدَثَ لأبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضِيَ اللهُ عنهُ.
وإمَّا بِعَهْدِ الأوَّلِ إلَى الثَّانِي ، كَمَا عَهِدَ أبُو بَكْرٍ إلَى عُمَرَ .
وإمَّا بِالعَهْدِ إلَى نَفَرٍ مَعْرُوفِينَ مُعَينِينَ لاخْتِيَار وَاحِدٍ مِنْهُم ، كَمَا عَهِدَ عُمَر رضِيَ اللهُ عَنْهُ إلَى أصْحَابِ الشُّورَى .
ثُمَّ لَمَّا اسْتَشْهَدَ عُثْمانَ بَايعُوا عَلِيًّا .(1/44)
وإمَّا بِالغَلَبةِ والسَّيْفِ ، كَمَا فِي عَهْدِ بَنِي أمَيَّةَ وغَيْرهِم فَقَدْ حَصَلَتِ الخِلافَةُ لِبَنِي أمَيَّةَ فِي الأنْدَلُس ، والخِلافَةُ قَائِمةٌ في بَغْدَادَ للعَبَاسِيِّينَ ، والأئمِّة والعُلَمَاءُ مُتَوَافِرُونَ مِنهُم :
حُمَيدُ الطَّويل وشُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاج والثَّوريِّ وحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وإسْمَاعِيلَ بْنُ عِِيَاش وابْنُ المُبَارَكِ وابْنُ عُيَيْنَةَ ويَحْيَى القَطَّان واللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وغَيْرُهِم ، ولَمْ يَقُلْ أحَدٌ مِنْهُم بِإبْطَالِ قِيَامِ خِلافَةِ الأندَلُسَ والبيعَةَ لَخلِيفَتهَا (1) .
قَالَ الشَّاطِبيُّ رَحِمهُ اللهُ : ( إنَّ يَحيَى بن يحيَى قِيلَ لَه: البَيْعَةُ مَكْرُوهَةٌ ؟ قَالَ: لاَ . قِيلَ لَهُ : فَإنْ كَانُوا أئِمَّةَ جَوْرٍ ؟ فَقَالَ : قَدْ بَايَعَ ابْنُ عُمَرَ (2) لِعَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرَوانَ وبِِالسَّيْفِ أخَذَ المُلْكَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر ( حاشية الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة ) [ص136ـ ط دار السلف ـ الرياض ـ ط الثانية ].
2) الحديث في صحيح البخاري [ج13ص193 ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ] .
أخْبَرَنِي بِذَلِكَ مَالِكٌ عَنْهُ أنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ وأمَرَ لَهُ بِالسَّمْعِ والطَّاعَةِ عَلَى كِتابِ اللهِ وسنَّةِ نَبِيِّهِ . قَالَ يَحْيَى ابْنُ يَحْيَى : والَبْيَعةُ خَيْرٌ مِنَ الفُرْقَةِ) (1). اهـ(1/45)
وقال ابْنُ العَربِيّ : وقدْ قالَ ابنُ الخَيَّاط : ( إنَّ بَيعةَ عبدِ الله ليزيدَ كانت كُرْهاً ، وأينَ يزيدُ مِن ابْنِ عُمَر ؟ ولَكِنْ رَأى بديِنهِ وعلْمِهِ : التَّسلِيمَ لأمْرِ اللهِ ، والفِرَارُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِفِتْنَةٍ فِيهَا مِنْ ذَهَابِ الأمْوَالِِ والأنْفُسِ مَا لاَ يَخْفَى ، فَخَلْعُ يَزيدَ لَوْ تُحقِّقَ أنَّ الأمْرَ يَعُودُ فِي نِصَابِهِ ـ [فيه تَعرُّضٌ لِفِتْنَةٍ عَظِيمَةٍ ] فَكَيْفَ ولاَ يُعْلَمُ ذلكَ ؟ وهَذا أصْلٌ عَظِيمٌ ، فَتَفَهَّمُوهُ والزَمُوهُ تَرْشُدُوا إنْ شَاءَ اللهُ ) (2). اهـ
وقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَا أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحهِ (3) ومُسلمٌ فِي صَحِيحهِ(4) عَن فُرَاتِ القَزَّاز قَالَ سَمِعْتُ أبَا حَازِم قَالَ : قَاعدْتُ أبَا هُريرةَ خَمْسَ سِنينَ، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عنِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قَالَ : ( كَانتْ بنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهمُ الأنْبِِياءَ ، كُلَّمَا هَلكَ نَبيٌّ خلَفَهُ نَبِيٌّ ، وإنَّه لاَ نَبِيَّ بَعْدِي ، وسَيَكُونُ خُلفَاءُ فَيَكثُرُونَ . قَالُوا :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( الاعتصام ) [ج2ص626ـ ط دار ابن عفان ، الخبر ، ط الثالثة ) .
2) انظر ( الاعتصام ) للشاطبي [ج2ص627ـ ط دار ابن عفان ، الخبر ، ط الثالثة ) .
3) ( ج3ص1273ـ ط مكتبة دار التراث ـ المدينة ، ط ثالثة ) .
4) (ج3ص1471ـ ط دار احياء التراث العربي ـ بيروت ) .
فَمَا تَأمُرنَا ؟ قَالَ : فُوا بَيْعَةَ الأوَّلِ فَالأوَّلِ ، أعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإنَّ اللهَ سَائِلُهُم عمَّا اسْتَرْعُاهُم ) .
( تَسُوسُهُم ) تَتَولَّى أمُورَهُم كَمَا تَفْعَلُ الأمَرَاءُ والوُلاةُ بالرَّعيَّةِ ، والسِّياسَةُ القِيامُ علَى الشَّئ بِمَا يُصْلِحُهُ .
( فَيكثُرُون ) أيْ يَكُون أكْثرَ مِنْ حَاكِمٍ وَاحِدٍ للمُسْلِمينَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ.
((1/46)
فُوا ) مِنَ الوَفَاءِ .
( بِبَيْعَةَ الأوَّلِ فَالأوَّلِ ) أيْ إنَّ الذِي تَوَلَّى الأمْرَ وبُويَعَ قبْلَ غَيرهُ هُوَ صَاحِبُ البَيْعَةِ الصَّحِيحَةِ التِي يَجِبُ الوَفَاءَ بِهَا .
وبَيْعَةَ الثَّانِي بَاطِلةٌ يَحْرُمُ الوَفَاءُ بِهَا مُطْلقًا (1).
( أعْطُوهُم حقَّهُم ) أطِيعُوهُمْ في غَيْر مَعصِيةٍ .
( سَائِلُهُم ) مُحَاسِبهُم بِالخَيْرِ والشَّرِّ عَنْ حَالِ رَعِيَّتِهِمْ (2).
وبَوَّبَ عليهِ النَّوَوِي رحمَهُ اللهُ ( بابُ وُجُوبِ الوفَاءِ ببيعَةِ الخُلفَاءِ الأوَّل فَالأوَّل)(3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) قلت : كبيعة رؤوس الجماعات الحزبية في هذا الزمان من إخوان المسلمين والتبليغيين والقطبيين والتراثيين والصوفيين وغيرهم .
2) انظر ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري ) لابن حجر [ج6ص497ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ـ الرياض ] ( وشرح صحيح مسلم ) للنووي [ج12ص231ـ ط دار الفكر ، بيروت].
3) ( شرح صحيح مسلم ) [ج12ص231ـ ط دار الفكر ، بيروت ) .
وقالَ ابنُ حَجَر رحمَهُ اللهُ : ( وَاجِبُ لُزومِ جَمَاعَة المُسلمينَ وسَلاَطِينَهُمْ ولَوْ عَصَوْا ) (1).اهـ
وقالَ ابنُ بَطَّال رحمَهُ اللهُ : ( وقَدْ أجمعَ الفُقهَاءُ على وجُوبِ طاعةِ السُّلطانِ المُتَغلِّبَ والجِهَادَ معهُ ، وأنَّ طاعتَهُ خَيرٌ مِن الخُرُوجِ عليهِ لِمَا في ذلكَ مِن حَقْنِ الدِّمَاءِ ، وتَسْكِينِ الدَّهْمَاءِ ) (2). اهـ
وقالَ النَّوَوِيّ رَحمَهُ اللهُ : ( حَاصِلَهُ الصَّبرُ عَلَى ظُلْمِ الوُلاَةِ وأنَّهُ لاَ تَسْقُطُ طَاعتَهُم لظُلْمِهمْ ) (3). اهـ
الشُّبْهةُ الثَّالثةُ :
قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ : كَيْفَ وإنْ جَارُوا ، وإنْ ظَلمُوا ، إذاً فَلنْ نُبَايعَهُم عَلى جَوْرِهِم وظُلمِهِمْ .(1/47)
فَالجَوابُ عَلَى ذَلِكَ : أن نَرُدَّ الاخْتِلاَفَ والتَّنازُعَ إلى كِتَابِ اللهِ وسُّنَّةَ رَسُولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم .
قَالَ تعالَى:?? ??????? ????????????????? ? ?????? ??????????? ?????? ?????? ???????????????(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري ) [ج13ص40ـ مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ).
2) انظر ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري ) [ج13ص9ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض) .
3) ( شرح صحيح مسلم ) [ج12ص222ـ ط دار الفكر ، بيروت ) .
4) سورة النساء آية [59] .
فَعلَى هَذا فَإنَّ اللهَ تعَالَى أمَرَنا أن نُطِيعَ وَلِيَّ الأمْرِ فِي غَيْرِ مَعصِيةٍ ... وهذا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ بَيْعتِهِ .
قال تعالى : ? ?????????????????????????? ??????????? ??????????? ?????? ????????????? ??????????? ?????????? ??????????? ???????? ? (1).
وعَنِ ابْن عُمر قالَ : قالَ رسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ( مَنْ خَلعَ يَداً مِن طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَومَ القِيامَة لا حُجَّةَ لهُ ، ومَن مَاتَ ولَيسَ فِي عُنقِهِ بيعة مَاتَ مِيتَة جَاهِلِيَّة ) (2).
وعَن مُعَاويةَ بن أبِي سُفياَن قالَ : قالَ رسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ( مَن مَاتَ ولَيسَ لهُ إمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّة ) (3)(1/48)
قَالَ الشَّاطِبيُّ رَحِمهُ اللهُ : ( إنَّ يَحيَى بْن يَحْيَى قِيلَ لَه: البَيْعَةُ مَكْرُوهَةٌ ؟ قَالَ: لاَ . قِيلَ لَهُ : فَإنْ كَانُوا أئِمَّةَ جَوْرٍ ؟ فَقَالَ : قَدْ بَايَعَ ابْنُ عُمَرَ لِعَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرَوانَ وبِالسَّيْفِ أخَذَ المُلْكَ، أخْبَرَنِي بِذَلِكَ مَالِكٌ عَنْهُ أنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ وأمَرَ لَهُ بِالسَّمْعِ والطَّاعَةِ عَلَى كِتابِ اللهِ وسنَّةِ نَبِيِّهِ . قَالَ يَحْيَى ابْنُ يَحْيَى : والَبْيَعةُ خَيْرٌ مِنَ الفُرْقَةِ) (4).اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة النساء آية [59] .
2) تقدم تخريجه .
3) تقدم تخريجه .
4) ( الاعتصام ) [ج2ص626ـ ط دار ابن عفان ، الخبر ـ ط الثالثة ) .
عَن نَافِعٍ قَالَ : ( لَمَّا خَلَعَ أهْلُ المَدِينَةِ يَزيدَ بْنِ مُعَاويَة جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ ووَلَدهُ فَقَالَ : إنِّي سمعتُ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقُولُ : (( يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَومَ القِيامَةِ )) وإنَّا قَدْ بَايَعنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللهِ ورسُولِهِ ، وإنِّي لاَ أعْلَمُ غَدْراً أعْظَمَ مِنْ أن يُبَايَعَ رجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللهِ ورسُولِهِ ثُمَّ يَنصُبُ لَهُ القِتَالَ، وإنَّي لاَ أعْلَمُ أحَداً مِنْكُمْ خَلَعَهُ ولاَ تَابَعَ فِي هَذَا الأمْرِ إلاَّ كَانَتِ الفَيْصَلَ بَيْنِي وبَيْنَهُ ) (1).
قالَ الحافِظُ ابنُ حَجَر رحمهُ اللهُ : ( وفِي هَذَا الَحدِيثِ وُجُوبُ طَاعَةِ الإمَامَ الذِي انْعَقَدَتْ لَهُ البَيْعَةُ والمَنْعُ مِنَ الخُرُوجِ عَلَيْهِ وَلَوْ جَارَ فِي حُكْمِهِ وأنَّهُ لاَ يَنْخَلِعَ بِالفِسْقِ ) (2).اهـ(1/49)
وقَالَ ابنُ أبِي العِز الحَنفِي رحمَهُ اللهُ : ( وأمَّا لُزُومُ طَاعَتِهُمْ وإنْ جَارُوا، فَلأنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الخُرُوجِ عَن طَاعَتِهِم مِنَ المَفَاسِدَ أضْعَافُ مَا يَحْصُلُ مِن جَوْرهِم، بَلْ فِي الصَّبْر عَلَى جَوْرهِم تَكْفِيرًا للسَّيِّئَاتِ ومُضَاعَفةُ الأجُورِ ، فإنَّ اللهَ تعَالَى مَا سَلَّطَهُمْ علَينَا إلاَّ لفَسَادِ أعمَالِنَا ، والجَزَاءُ مِن جِنْسِ العَمَلِ ، فَعَلينَا الاجْتِهَاد فِي الاسْتِغْفَار والتَّوْبَة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) تقدم تخريجه .
2) ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري ) [ج13ص73ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض).
وإصْلاحِ العَمَلِ قَالَ تَعالَى : ? ?????? ???????????? ???? ???????????? ???????? ???????? ????????????? ???????????? ??? ??????? ???? ? فَإذَا أرَادَ الرَّعِيَّةُ أنْ يتَخَلَّصُوا مِن ظُلْمِ الأمِيرِ الظَّالِمِ فَلْيَترُكُوا الظُّلْمَ ) (1). اهـ
وقَالَ سُفيَانُ الثَّوْريُّ رَحمهُ اللهُ : ( يَا شُعَيْبُ ! لاَ يَنْفَعُكَ مَا كَتَبْتَ حَتَّى تَرَى الصَّلاةَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وفَاجِر ، والجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ القِيامَةِ ، والصَّبْرُ تَحْتَ لِوَاءِ السُّلْطَان جَارَ أمْ عَدَل ) (1).
الشُّبْهَة الرَّابِعَة :
قَدْ يقُولُ قَائِل : أنَّ الإمَامَةَ في هَذا الزَّمَانِ ورَاثِيَّةً وهَذا لا يَجُوزُ فَلَن نُعْطِيَهُم بَيعَةً.
فَالجَوَابُ علَى ذلكَ : أنْ نَقُولَ إنَّ الإمَامةَ تَنعِقدُ بِهَذا الأمْرِ وبِغَيرهِ كَمَا أسْلَفنَا .(1/50)
وقَدْ حصَلتْ البَيْعَةُ لبَعْضِ الأئمَّةُ في عَهدِ بِني أمَيَّةَ وبَني العَبَّاس وغَيرِهِم بالتَّوَارُث والعُلَمَاءُ مُتَوَافِرُونَ مِنهُم : حُمَيدُ الطَّويل وشُعبةُ بنُ الحَجَّاج والثَّوريِّ وحَمَّادُ بْنُ سَلمَةَ وإسْمَاعِيلَ بن عِيَاش وابْن المُبَارَكِ وابْن عُيَيْنَةَ ويَحْيَى القَطَّان واللَّيْثُ بن سَعْدٍ وغَيرهُم ، ولَمْ يَقُلْ أحَد مِنْهُم بِإبْطَالِ البَيعَةِ للإمَام الوَارِثِ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( شرح العقيدة الطحاوية) [ج2ص542] ـ ط مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط الأولى ).
2) أخرجه اللالكائي في ( الاعتقاد ) [ج1ص151ـ ط دار طيبة ، الرياض ، ط الأولى ) بإسناد صحيح .
وَقَدْ بَايعَ ابْن عُمَرَ لِيَزيدَ بْن مُعاويَةَ وكَانَ الحُكْمُ وِرَاثِيًّا .
عَن نَافِعٍ قَالَ : ( لَمَّا خَلَعَ أهْلُ المَدِينَةِ يَزيدَ بْنِ مُعَاويَة جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ ووَلَدهُ فَقَالَ : إنِّي سمعتُ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقُولُ : (( يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَومَ القِيامَةِ )) وإنَّا قَدْ بَايَعنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللهِ ورسُولِهِ ، وإنِّي لاَ أعْلَمُ غَدْراً أعْظَمَ مِنْ أن يُبَايَعَ رجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللهِ ورسُولِهِ ثُمَّ يَنصُبُ لَهُ القِتَالَ، وإنَّي لاَ أعْلَمُ أحَداً مِنْكُمْ خَلَعَهُ ولاَ تَابَعَ فِي هَذَا الأمْرِ إلاَّ كَانَتِ الفَيْصَلَ بَيْنِي وبَيْنَهُ ) (1).
قالَ الحافِظُ ابنُ حَجَر رحمهُ اللهُ : ( وفِي هَذَا الَحدِيثِ وُجُوبُ طَاعَةِ الإمَامَ الذِي انْعَقَدَتْ لَهُ البَيْعَةُ والمَنْعُ مِنَ الخُرُوجِ عَلَيْهِ وَلَوْ جَارَ فِي حُكْمِهِ وأنَّهُ لاَ يَنْخَلِعَ بِالفِسْقِ ) (2).اهـ(1/51)
قَالَ الشَّاطِبيُّ رَحِمهُ اللهُ : ( إنَّ يَحيَى بْن يَحْيَى قِيلَ لَه: البَيْعَةُ مَكْرُوهَةٌ ؟ قَالَ: لاَ . قِيلَ لَهُ : فَإنْ كَانُوا أئِمَّةَ جَوْرٍ ؟ فَقَالَ : قَدْ بَايَعَ ابْنُ عُمَرَ لِعَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرَوانَ وبِالسَّيْفِ أخَذَ المُلْكَ، أخْبَرَنِي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) تقدم تخريجه .
2) (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) [ج13ص73ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض].
بِذَلِكَ مَالِكٌ عَنْهُ أنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ وأمَرَ لَهُ بِالسَّمْعِ والطَّاعَةِ عَلَى كِتابِ اللهِ وسنَّةِ نَبِيِّهِ . قَالَ يَحْيَى ابْنُ يَحْيَى : والَبْيَعةُ خَيْرٌ مِنَ الفُرْقَةِ) (1). اهـ
وقال ابْنُ العَربِيّ : وقدْ قالَ ابنُ الخَيَّاط : ( إنَّ بَيعةَ عبدِ الله ليزيدَ كانت كُرْهاً ، وأينَ يزيدُ مِن ابْنِ عُمَر ؟ ولَكِنْ رَأى بديِنهِ وعلْمِهِ : التَّسلِيمَ لأمْرِ اللهِ ، والفِرَارُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِفِتْنَةٍ فِيهَا مِنْ ذَهَابِ الأمْوَالِِ والأنْفُسِ مَا لاَ يَخْفَى ، فَخَلْعُ يَزيدَ لَوْ تُحقِّقَ أنَّ الأمْرَ يَعُودُ فِي نِصَابِهِ ـ [فيه تَعرُّضٌ لِفِتْنَةٍ عَظِيمَةٍ ] فَكَيْفَ ولاَ يُعْلَمُ ذلكَ ؟ وهَذا أصْلٌ عَظِيمٌ ، فَتَفَهَّمُوهُ والزَمُوهُ تَرْشُدُوا إنْ شَاءَ اللهُ ) (2). اهـ
وَقالَ ابْن عِلاَّنٍ رحمهُ الله : ( الصَّبْرُ علَى المَقْدُور ، والرَّضَى بِالقَضَاءِ ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ ، والتَّسْلِيمُ لمُرَادِ الرَّبِّ العَلِيمِ الحَكِيمِ(3).اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) (الاعتصام) [ج2ص626ـ ط دار ابن عفان ، الخبر ـ ط الثالثة ] .
2) انظر المصدر السابق [ج2ص627] .
3) ( دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين ) [ج1ص243ـ ط دار الكتاب العربي ، بيروت ـ ط العاشرة ] .
ذكر الدَّليل على عُقُوبَة المُثَبِّط عِن وُلاَةِ أمْر المُسلمينَ(1/52)
والمُثِير عليهم المُفَرِّقُ للجَمَاعَةِ
التَّثْبيطُ (1) عنْ وَلِيِّ الأمْرِ لَهُ صُوَرٌ عَدِيدةٌ ، بَعْضُهَا أشَدُّ مَن بَعْضٍِ، وكَذَا إثَارَةُ الرَّعيَّةِ عَلَيْهِ .
فإذَا دَعَا رَجُلٌ إلَى التَّثْبِيطِ أوْ الإثَارَةِ فَإنَّ لِوَليِّ الأمْرِ إيقَاعَ العُقُوبَةِ المُتَلائِمةِ مَعَ جُرْمِهِ ، مِن ضَرْبٍ أوْ حَبْسٍ أوْ نَفْيٍ ـ أوْ قَتْلٍ ـ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ لأنَّ التَّثْبِيطَ والإثَارَةَ مِنْ أعْظَمِ مُقَدِّماتِ الخُرُوجِ ، والخرُوجُ مِنْ أشَْنعِ الجِرَائِمِ وأبْشَعِهَا فَكَانَ مَا يُفْضِي إلَيْهِ كَذَلِكَ .
[1] عَنْ عَرْفَجَةَ الأشْجعِيَ رضِي اللهُ عنهُ قالَ : قالَ رسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( مَنْ أتَاكُمْ وأمْرُكُمْ جَميعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ ، يُريدُ أنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ ويُفَرِّقُ كَلِمتَكُمْ فاقْتُلُوهُ ) (2). وفي رواية : ( فَاضْرِبُوهُ بالسَّيْفِ ، كَائناً مَن كانَ ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) التثبيط : يقال ثَبَّطهُ ( تَثبيطاً ) قعَد به عن الأمر وشغلَهُ عنه ومنعَهُ تَخْذيلاً ونحوه ، ويقال : ثبطهُ على الأمر وعن الشئ عَوَّقَهُ وبطَّأ به .
انظر : ( المصباح المنير للفيومي ) [ج1ص80ـ ط المكتبة العلمية ، بيروت ].
و(المعجم الوسيط ) [ج1ص93ـ ط دار الدعوة ، تركية ].
2) أخرجه مسلم في صحيحه [ج3ص1479ـ ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت ] من طرق عن زياد بن علاقَة عن عرفجة به .(1/53)
قالَ النَّوَويُّ رحمهُ اللهُ : فِيهِ ـ يَعْنِي الَحِديثِ ـ الأمْرُ بِقِتَالِ مَنْ خَرَجَ عَلَى الإمَامِ أوْ أرَادَ تَفْرِيقَ كَلِمَةَ المُسلمِينَ ، ونَحْوِ ذَلِكَ ويُنْهَى عَن ذَلِكَ فَإنْ لَمْ يَنْتَهِ قُوتِلَ وإنْ لَمْ يَنْدَفِعْ شَرَّهُ إلاَّ بِقَتْلِهِ فَقُتِلَ كَانَ هَدْراً فَقَوْلُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( فاضْرِبُوهُ بالسَّيْفِ ) وفِي الرِّوَايَةِ الأخْرَى : ( فَاقْتُلُوهُ ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إلاَّ بِذَلكَ .
وَقَوْلُهُ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّم : ( يُريدُ أنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ ) معناهُ: يُفَرِّق جَمَاعَتََكُمْ كَمَا تُفرَّقُ العَصَاَةُ المَشْقُوقَةُ وهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اخْتِلافِ الكَلِمَةِ وتَنَافُر النُّفُوس ) (1).اهـ
[2] وعَنْ أبِي هُريرَةَ رضِي اللهُ عنهُ قالَ : قالَ رسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وفَارَقَ الجماعَةَ ، ثُمَّ ماتَ ، ماتَ مِيتة جَاهِلِيَّة ) (2).
[3] وعَنْ عَبدِ اللهِ بن عَبَّاس رضِي اللهُ عنهُمَا أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( مَنْ كَرِهَ مِن أمِيرهِ شَيئاً فَلْيَصْبِر عَلَيهِ فإنَّهُ ليسَ أحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطانِ شِبْراً ، فماتَ عليهَ إلاَّ ماتَ ميتة جَاهِليَّة ) (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( شرح صحيح مسلم ) [ج12ص241ـ ط دار الفكر ، بيروت ].
2) أخرجه مسلم في صحيحه [ج3ص1477ـ ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت ] من طريق غيلان بن جرير عن زياد بن رياح عن أبي هريرة به .
3) حديث صحيح ، تقدم تخريجه .(1/54)
قالَ ابنُ أبي جَمْرَة رحمهُ اللهُ: ( المُرَادُ بالمُفَارَقَةِ السَّعْيُّ في حَلِّ عَقْدِ البَيْعَةِ التِي حَصَلَتْ لِذَلكَ الأمِيرِ ، ولَوْ بِأدْنَى شَئٍ ، فَكَنَّى عَنْهَا بَمِقْدَارِ الشِّبْر ، لأنَّ الأخْذَ في ذلكَ يَؤُولُ إلى سَفْكِ الدِّمَاءِ بغيرِ حَقٍّ)(1)اهـ
وقال الحافِظُ ابنُ حجر رحمهُ اللهُ : ( والمُرَادُ بالمِيتَةِ الجَاهليَّةِ حَالَةُ المَوْتِ كَمَوْتِ أهْلِ الجَاهِليَّةِ عَلِى ضَلاَلٍ ولَيْسَ لَهُ إمَامٌ مُطَاعٌ ، لأنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ ، ولَيْسَ المُرَادُ أنَّهُ يَمُوتُ كَافِراً بلْ يَمُوتُ عَاصِياً)(2)اهـ
فإثَارَةُ الفِتَنِ عَلَى وُلاَةِ الأمُورِ لاَ يجُوزُ لأنَّهَا لاَ تَعُودُ عَلَى الأمَّةِ بِخَيْرٍٍ والأحَادِيثُ الوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ مُتَواتِرَةٌ .
قالَ ابْن عِلاَّنٍ رحمهُ اللهُ : ( الصَّبْرُ علَى المَقْدُور ، والرِّضَى بِالقَضَاءِ ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ ، والتَّسْلِيمُ لمُرَادِ الرَّبِّ العَلِيمِِ الحَكِيمِ)(3).اهـ
قالَ الخطَّابِيُّ رحمَهُ اللهُ : ( مَنْ خَرَجَ عَنْ طَاعَةِ الجَمَاعَةِ وَفَارَقَهُمْ في الأمْر المُجْمَعِ عَلَيهِ فقَدْ ضَلَّ وهَلَكَ ...) (4).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري ) [ج13ص7 ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ].
2) المصدر السابق .
3) ( دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين ) [ج1ص243ـ ط دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط العاشرة ].
4) ( معالم السنن ) [ج7ص148ـ ط دار المعرفة ، بيروت ] .
ولَقَدْ أمَرَ العُلمَاءُ بِقَتْلِ كُلِّ خَارِجٍ عَنِ الجَمَاعَةِ بِبِدْعَةٍ أوْ بَغْيٍ أوْ غَيرِهِمَا كـ ( الخَوَارِجِ ) (1).(1/55)
قالَ الشَّوْكانِيَّ رحمَهُ اللهُ في شرح قَوْلِ صاحبِ الأزهَار : ( ويُؤَدَّبُ مَن يُثَّبِطُ عَنْهُ أوْ يُنْفَى ، ومَنْ عَادَاهُ فَبِقَلْبِهُ : مُخْطِئٌ ، وبِلِسَانِهِ : فَاسِقٌ ، وبِيَدِهِ : مُحَارِبٌ ) قَالَ : ( وأمَّا قَوْلُهُ : ( ويُؤَدَّبُ مَنْ يُثَبِّطُ عَنْهُ) فَالوَاجِبُ دْفْعُهُ عَنْ هَذا التَّثْبِيط ، فَإنْ كَفَّ ، وإلاَّ كَانَ مُسْتَحِقاً لتَغْلِيظِ العُقُوبَةِ ، والحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وبَيْنَ مَنْ صَارَ يَسعَى لَدَيهِ بالتَّثْبيطِ بِحَبْسٍٍ أوْ غَيْرهِ لأنَّهُ مُرْتَكِبٌ لِمُحرَّمٌ عَظِيمٍ ، وسَاعٍ فِي إثَارَةِ فِتْنَةٍ تُرَاقُ بِسبَبِهَا الدِّمَاءُ ، وتُهْتَكُ عِنْدَهَا الحُرَمُ ، وفيِ هَذا التَّثْبِيطِ نَزْعٌ لِيَدهِ مِن طَاعَةِ الإمَامِ ، وقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِِ عَنْهُ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ : (مَنْ نَزعَ يَدَهُ مِنْ طَاعَةِ الإمَامِ فَإنُّهُ يَجِئُ يَوْمَ القِيَامَةِ ولاَ حُجَّةَ لَهُ ، ومَنْ ماتَ وهُوَ مُفَارِقٌ للجماعَةِ فإنَّهُ يَمُوتُ مَوْتَةً جَاهِلِيَّةً ) (2) (3).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر : ( شرح صحيح مسلم ) للنووي [ج11ص165ـ ط دار الفكر ، بيروت ] .
2) أخرجه مسلم في صحيحه [ج3ص1478ـ ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت ] من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
3) ( السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ) [ج4ص514ـ ط دار الكتب العلمية ، بيروت، ط الأولى ] .
قَالَ النَّوَويُّ رحمَهُ اللهُ : ( قَوْلُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( مَنْ خَلَعَ يداً مِن طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ تَعَالَى يَوْمَ القِيامةِ لا حُجَّةَ لَهُ ) أيْ : لاَ حُجَّةَ لَهُ فِي فِعْلِهِ ولاَ عُذْرَ لَهُ يَنفَعُهُ ) (1).اهـ(1/56)
وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ رحمهُ اللهُ : ( الآثَارُ المَرْفُوعةُ فِي هَذَا البَابِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلىَ أنَّ مُفَارَقَةِ الجَمَاعَةِ وشَقَّ عَصَا المُسلمينَ ، والخِلاَفَ عَلَى السُّلْطانَ المُجْتَمَعِ عَلَيْهِ ، يُرِيقُ الدَّمَ ويُبِيحُهُ ، ويُوجِبُ قِتالَ مَنْ فعلَ ذلكَ . فإنْ قِيلَ : قَدْ قالَ رسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (أمِرْتُ أنْ أقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَقُولُوا : لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ ، فإذَا قَالُوها فقَدْ عَصمُوا دِمَاءَهُم وأمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقِّهَا وحِسَابُهُمْ علىَ اللهِ ) فمنْ قالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ حَرُمَ دَمُهُ .
قِيلَ لِقائِلِ ذلكَ : لَوْ تَدَبَّرْتَ قولَهُ في هذا الحَديثِ : ( إلاَّ بِحَقِّهَا ) لعلمتَ أنَّهُ خِلاَفُ مَا ظَنَنْتَ . ألاَ تَرَى أنَّ أبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَدْ رَدَّ عَلَى عُمَرَ مَا نَزَعَ بِهِ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ ، وقَالَ : (مِنْ حَقَّهَا الزَّكَاةُ) فَفَهِمَ عُمرُ ذلكَ من قولِه وانصَرَفَ إليهِ ، وأجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ ، فَقَاتَلُوا مَانِعِي الزَّكاةِ ، كَمَا قَاتَلُوا أهْلَ الرِّدَّةِ ،وسَمَّاهُمُ بَعْضهُم أهْلَ رِدَّةٍ عَلَى الاتِّسَاعِ ، لأنَّهُمُ ارْتَدُّوا عنْ أدَاءِ الزَّكَاةِ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) (شرح صحيح مسلم ) [ج12ص240ـ ط دار الفكر ، بيروت ].(1/57)
ومَعْلُومٌ مَشْهٌورٌ عَنْهُم أنَّهُم قَالُوا : مَا تَرَكْنَا دِينَنا ، ولَكِنْ شَحَحْنَا عَلَى أمْوَالِنَا . فَكَمَا جَازَ قِتَالُهُمْ عِندَ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ عَلَى مِنْعِهِمُ الزَّكاةِ ، وكَانَ ذَلِكَ عِندَهُمْ فِي مَعْنَى قَولِهِ ـ عَليهِ السَّلاَم ـ ( إلاَّ بِحَقِّهَا ) فَكَذلِكَ مَنْ شَقَّ عَصَا المُسلمِينَ وخَالَفَ إمَامَ جَمَاعَتِهِمْ وفَرَّقَ كَلِمَتََهُمْ ، لأنَّ الفَرْضَ الوَاجِبَ اجْتِماعُ كَلِمَةِ أهْلِ دِينِ اللهِ المُسلمِينَ عَلَى مَنْ خالَفَ دينَهُمْ مِنَ الكَافِرينَ ، حَتَّى تكُونُ كَلِمَتََهُمْ وَاحِدَةً وجماعتَهُمْ غيرَ مُفْتَرِقَةٍ .
ومِنَ الحُقُوقِ المُرِيقَةِ للدَّماءِ المُبيحَةِ لِلْقِتالِ : الفسادُ في الأرْضِ، وقَتْلُ النَّفْسِ ، وانْتِهَابُ الأهْلِ والمَالِ ، والبَغْيُ علَى السُّلْطَانِ ، والامتِنَاعُ مِنْ حُكمِهِ ، وهذا كُلُّهُ داخِلٌ تحتَ قولِهِ : ( إلاَّ بِحَقِّهَا) كما يدخُل في ذلكَ الزَّانِي المُحْصَنُ وقَاتِلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حقًّ ، والمُرْتَدُّ عَنْ دينِهِ ) (1).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ( التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ) [ج21ص282 ـ ط مكتبة ابن تيمية ، مصر ، ط الأولى ].
الخَاتمة
تفسير الجماعة الواردة في الأحاديث
الجَمَاعَةُ الوَارِدَةُ فِي الأحَادِيثِ هِيَ : جَمَاعَةُ المُسلمِينَ الذِينَ لَهُمْ إمامٌ ظَاهِرٌ، فَمَنْ خَرَجَ عَلَى الإمَامِ الذِي بَايَعَهُ المُسْلمُونَ فَقََد لَحِقََهُ الوَعِيدُ الشَّدِيدُ فِي الَخاِرجِ عَنِ الجَمَاعَةِ (1) .
قالَ الطَّبريُّ رحمَهُ اللهُ : ( والصَّوَابُ : أنَّ المُرَادَ مِنَ الخَبَرِ بِلزُومِ الجَمَاعَةِ : الذِينَ فِي طَاعَةِ مَنِ اجْتَمَعُوا عَلَى تَأمِِيِرهِ ، فَمَن نَكَثَ عَن بَيْعَتِهِ خَرَجَ عَنِ الجَمَاعَةِ ) (2).(1/58)
ومِنْ أقْوَى مَا يُؤيِّدُ ذَلِكَ : حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ السَّابِقِ .
وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ رحمهُ اللهُ : ( المقْصُودُ : الجَمَاعَة عَلَى إمَامٍ يُسْمَعُ لَهُ ويُطَاع ) (3).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر ( الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم والتحذير من مفارقتهم ) للشيخ عبد السلام بن برجس [ص55ـ ط سفير ـ الرياض ـ ط الأولى ]
2) انظر ( فتح الباري شرح صحيح البخاري ) لابن حجر [ج13ص47ـ ط مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض].
3) ( التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد) [ج21ص272ـ ط مكتبة ابن تيمية ، القاهرة].
وقالَ ابن عبدِ البَرِّ رحمهُ الله في تَفسير ( حَبْلُ اللهِ ) (1): (وحَبْلُ اللهِ فِي هَذَا المَوْضِعِ فِيهِ قَوْلاَنِ : أحَدُهُمَا : كِتَابَ اللهِ ، والآخَرُ : الجَمَاعَة ، ولاَ جَمَاعَة إلاَّ بِإمَامٍ .
وَهُوَ عِنْدِي مَعْنىً مُتَداخِلٌ متَقَاربٌ لأنَّ كِتَابَ اللهِ يَأمُرُ بالألْفَةِ ، ويَنْهَى عَنِ التَّفَرُّقِ قَالَ اللهُ ? ???????????????? ??????????? ?????? ????????? ? (2) .اهـ
وفِي هَذَا الزَّمَانِ الذِي تَعَدَدَّتْ فِيهِ الدُّوَل ، فَإنَّ جَمَاعَةَ المُسلمينَ تَتَمَثَّلُ فِي الحُكُومَةِ الإسْلاَميَّةِ التِي تَحْكُمُ قُطُراً مِنْ أقْطَار المُسْلمينَ.
فَحُكُومَةُ دَوْلَةُ البَحْرِين شَرَّفَهَا الله ـ مَثَلاً ـ هِيَ جَمَاعَةُ المُسلمِينَ فِي هَذَا القُطْر ، يَجِبُ أنْ تُطَاعَ فِي طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى وَطَاعَةَ رسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ويَحْرُمُ الخُرُوجَ عَلَى إمَامِ المُسلمِينَ فِيهَا ، أوْ عَدَمِ بَيْعَتِِه أوْ عَدَمِ السَّمْعِ والطَّاعَةِ لَهُ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/59)
1) في قوله صلى الله عليه وسلم : ( وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ... ) أخرجه مسلم في صحيحه [ج3ص1340ـ ط دار إحياء التراث العربي ، ط الأولى ] من حديث أبي هريرة .
2) ( التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد) [ج21ص272ـ ط مكتبة ابن تيمية ، القاهرة].
فمنَ خرجَ عَليهِ أوْ رَفَضَ بَيْعَتِهِ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَة الإسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ ، فَإن مَاتَ فَمَيتَتُهُ جَاهِلِيَّة ويَلْقَى اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ ولاَ حُجَّةَ لَهُ ، وجَزاؤُهُ فِي الدُّنيَا إيقَاعِ العُقُوبَةِ المُلاَئِمَةِ مَعْ جُرْمِه مِن ضَرْبٍ أوْ حَبْسٍ أوْ نَفْيٍ أوْ قَتْلٍ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ ...
فإذَا تَقرَّرَ ذَلكَ فلْيُعلَم أنَّ الإمَامَ الأمِير بِالْبِلاَدِ حَفِظَهُ اللهُ ورَعَاهُ قَدْ ثَبَتَتْ بَيعَتُهُ وإمَامَتَهُ ، ووَجَبَتْ طَاعَتهُ عَلَى رَعِيَّتَهُ فِيمَا أوْجَبَ اللهُ لَهُ مِنَ الحُقُوقَ ، فَمِن ذَلِكَ :
أمْرَ الجِهَادِ ، ومُحَارَبَةُ الكُفَّار ومُصَالَحَتُهُمْ، وعَقْدِ الذمَّةِ مَعَهُمْ ، ووُجُوبُ طَاعَتَِه وبَيْعَتَهِ ، ولُزُومِ جماعتهِ وتَوْقِيرَهُ واحْتِرَامَه، ودَفْع الزَّكَاة لَهُ ، والحَجَّ مَعَهُ ، والتَّعَاوُن مَعَهُ ، وتَحْرِيم حَمْلَ السِّلاَح عَلَيْهِ وغِشَّهُ وبُغْضَهُ وغَيْبَتَهُ إلَى غَيْرِِ ذَلِكَ مِنَ الحُقُوق ...
فَهَذا هُوَ التَّجمُّعَ المَحْمُود وهُوَ مَا كَانَ لِجَمَاعَةِ المسْلمِينَ ، الذِين انْتَظَمَ جَمْعُهُمْ بِإمَامٍ ظَاهِرٍ ، فَهُؤُلاَءِ هُمْ جَمَاعَةِ المُسلمِينَ ... وهُمْ حِزْبُ اللهِ الذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِم : ? ???????????????? ??????? ??????? ??????? ?????? ??????? ?????? ???? ??????????????? ? (1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة المجادلة الآية [22] .(1/60)
فَواجِبُ المُسْلِمِ : أنْ يَلْزَمَ هَذِه الجَمَاعَةِ المُسْلِمَة .. وهَذَا الحِزْبُ الشَّرْعِيّ ، وأنْ يُدافِعْ عنهُ وأنْ يَنْصحَ لَهُ .
قالَ الإمامُ سَهلُ بنُ عبد اللهِ التَسْتُريِّ رحمهُ اللهُ : [ت283] (هَذِه الأمَّة ثَلاثٌ وسَبْعُونَ فِرْقَة : اثنَتَانِِ وسَبْعُونَ هَالِكَة كُلُّهُم يُبْغِضُ السُّلطَانَ ، والنَّاجِيةُ هَذِه الوَاحِدَةُ التِي مَعَ السُّلْطَانِ ) (1).اهـ
إذاً فلاَ يَجُوزُ لِمُؤمنٍ يُؤْمنُ باللهِ واليَوم الآخِر أنْ يُقِيمَ حِزْباً في بِلاَدِ المُسلمينَ ، يَخْرُج بهِ عَن جَمَاعتِهم ، ويَفْتَاتُ بهِ عَلَى سُلطانِهِم لا سِرًّا ولا جِهَاراً .
ومَن أقَامَ شَيْئاً مِنْ هَذهِ الأحْزَابِ ودَعَا إلَيْهَا ، أوْ أعَانَ عَلَى قِيَامِهَا بِكَلِمَةٍ أوْ مَالٍ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَقَدْ حَادَّ اللهُ ورَسُولَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم واتَّبَعَ غَيْرَ سَبيلِ المُؤْمِنينَ (2).
وقَدْ قَالَ اللهُ تعالَى : ? ????? ?????????? ??????????? ???? ??????? ??? ?????????? ???? ?????????? ????????????? ????????? ????????? ??????????????? ??????????? ??? ?????????? ????????????? ?????????? ?????????? ???????? ????? ? (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر ( الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم والتحذير من مفارقتهم ) للشيخ عبد السلام بن برجس [ص72ـ ط سفير ـ الرياض ـ ط الأولى ] .
2) انظر ( الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم والتحذير من مفارقتهم ) للشيخ عبد السلام بن برجس [ص72ـ ط سفير ـ الرياض ـ ط الأولى ] .
3) سورة النساء الآية [115] .(1/61)
حَتَّى لَوْ تَسَّمَتْ هَذِه الأحْزَابُ بالمُفَارَقَةِ لِجَمَاعَةِ المُسلمينَ بأسْمَاءٍ بَرَّاقَة ، ورَفَعَتْ شِعَاراتٍ حَسََنةٍ إسْلاَمِيَّة !! وقَامَتْ بالأعْمَالِ الخَيْريَّة بِجمعِياتِهِمْ ، فلا يَجُوزُ إعَانَتهَا ، ولا الدَّعْوَةَ إليهَا .
فَالخَوارِجَ لَهُمْ سَبْقٌ في الطَّاعَة ، واجْتِهَادٌ في العِبَادَةِ ، شِعَارُهُم : الأمْرُ بالمعْرُوفِ والنَّهْي عن المُنكَر ، لَكِنَّهُم كِلاَبُ النَّار ، شَرُّ قَتْلَى تضحْتَ ظِلِّ السَّماءِ ، مَن قَتلَهُم أوْ قَتَلُوهُ فهُوَ في أهْلِ الجَنَّةِ (1).
فَلَمْ تُغْن عَنْهُم شِعَاراتُهم شيئاً ، ولَمْ تَنفَعُهُم تِلْكَ الأعْمالِ مِن صَلاَةٍ وصِيامٍ وقِرَاءةٍ لِلْقُرْآن لأنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ جَمَاعَةِ المُسْلمينَ ، وخَالفُوا سُنَّة سَيِّدِ المُرْسَلينَ .
فَالحَذَر الحَذَرَ من الانْخِدَاعَ بهذهِ الحِزْبِيَّات ـ الخَارِجَة عَنِ جمَاعَة المُسلِمينَ ـ التِي ابْتُلِيَ بِهَا عَالَمُ الإسْلاَمِ اليَوْم ، فَمَا هِيَ إلا وَكْرٌ يَعمرُه الشَّيطانُ ، ويَمُدُّهُ أعْدَاءُ الدِّينِ والسُّنَنِ . مَنِ انْخَدَعَ بِهَا فَيَا حَسْرًةً عَليْهِ ، خَسِرَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ ، ذلكَ هُوَ الخُسْرانُ المُبِين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر ( الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم والتحذير من مفارقتهم ) للشيخ عبد السلام بن برجس [ص72ـ ط سفير ـ الرياض ـ ط الأولى ] .
هَذَا آخِرُ مَا وَفَّقَنِي اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى إليهِ في تَصْنِيفِ هذا الكِتَابِ النَّافِعِ المُبَارَكِ ـ إنْ شَاءَ اللهُ ـ سَائِلاً رَبِّي جَلَّ وَعَلاَ أنْ يَكْتُبَ لِي بِهِ أجْراً ، ويَحُطَّ عَنِّي فِيهِ وِزْراً ، وأنْ يَجْعَلهُ لِي عِندَهُ يَومَ القِيامَةِ ذُخْراً ...
وصَّلى اللهُ وسلَّمَ وبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحمَّد وعَلىَ آلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعِينَ .(1/62)
وآخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحَمْدُ للهِ رَبَّ العَالَمِينَ
المُؤَلِّف
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
1) المقدمة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .. ... (3)
2) ذكر تعريف البيعة لغة واصطلاحاً ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . ... (11)
3) ذكر الدليل على وجوب البيعة للإمام ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (13)
4) فائدة ذكر طريقة البيعة لولاة أمر المسلمين ... ... ... ... ... ... ... ... (25)
5) ذكر الدليل على وجوب ملازمة جماعة المسلمين ... ... ... ... ... ... (27)
7) ذكر الدليل على تفنيد شبهات المرجفين السياسيين ... ... ... ... ... ... (48)
8) ذكر الدليل على عقوبة المثبط عن ولاة أمر المسلمين ... ... ... ... (60)
9) الخاتمة ـ تفسير الجماعة الواردة في الأحاديث ... ... ... ... ... ... (66)
10) فهرس الموضوعات ... (72)(1/63)