المنهج الإسلامي الواضح
لمن أراد الولد الصالح
تمهيد
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا ِِإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله...
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ( سورة آل عمران: 102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ( سورة النساء: 1)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } ( سورة الأحزاب:70،71 )
أما بعد....
فإن أصدق الحديث كتاب الله – تعالى- وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
مقدمة
مما لا شك فيه أن نعم الله علينا كثيرة لا تعد ولا تحصى، ومن النعم التي أنعم الله بها على الإنسان نعمة الأولاد، فهم منحة إلهية وهبة ربانية، وهم الذين يسعد الفؤاد ويسر بمشاهدتهم، وتقر العين برؤيتهم، وتبتهج النفس بمحادثتهم، فهم زهرة الحياة الدنيا.
كما قال الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } (الكهف:46)
وقال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ } ( آل عمران:14 )
وكما قال القائل:
إنما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشي علي الأرض(1/1)
لو هبت الريح على بعضهم ... لا متنعت عيني من الغمضِ
- وهؤلاء الأولاد فتنة، أي: اختبار وامتحان من الله للعبد، كما قال الله تعالى:
{ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } ( الأنفال: 28 )
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ }أي: اختبار وامتحان منه لكم إذ أعطاكموها؛ ليعلم أتشكرونه عليها وتطيعونه فيها، أو تنشغلون بها عنه، وتعتاضون بها منه، كما جاء في سورة التغابن: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } (التغابن:15)
وجاء في مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن بريدة قال:
سمعت أبي بريدة يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطبنا، فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال:" صدق اللهُ ورسولهُ: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ } نظرت إلى هذين الصَّبِييْن يمشيان ويعثران فلم أصبر، حتى قطعت حديثي ورفعتهما". (صحيح الجامع:3757)
وقوله: {وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } أي: ثوابه وعطاؤه وجناته خير لكم من الأموال والأولاد، فإنه قد يوجد منهم عدو، وأكثرهم لا يغني عنك شيئاً، والله سبحانه هو المتصرف المالك للدنيا والآخرة، ولديه الثواب الجزيل يوم القيامة. (أهـ تفسير ابن كثير بتصرف)
ونظير هذا قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} ( آل عمران :14 )(1/2)
وأيضاً قوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ (1) خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً }
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (الكهف:46)
فعلى الإنسان ألا يغتر بهذه الزينة، فهو غرور يمر ولا يبقى، كالهشيم حين ذرته الرياح، إنما يبقى ما كان من زاد القبر وعُدد الآخرة، كما مر بنا في الآيات.
* ولقد حذرنا الله - عز وجل - من الانشغال بزينة الدنيا من أولاد وأموال عن طاعته سبحانه وذكره.
فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}
( المنافقون: 9 )
* وربما غلب حب الأولاد والأزواج عند البعض حتى لدرجة البعد عن طاعة الله
كما قال الله - عز وجل - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ } (التغابن: 14)
قال ابن كثير في هذه الآية:
من الزوجات والأولاد من هو عدوٌّ للزوج، بمعنى، أنه يلتهي بهما عن العمل الصالح، كقوله تعالى محذراً:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (المنافقون:9)
ولهذا قال تعالى هاهنا: {فَاحْذَرُوهُمْ }، قال ابن زيد: يعني على دينكم.
__________
(1) الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ: في معناها أقوال، قيل: هي الصلوات الخمس، وقيل: هي: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم،
وقيل: هي: التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والحوقلة (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وقيل: هي النيات والهمات، وقيل: إنها كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة، والأخير رجحه الطبري، وقال القرطبي: هو الصحيح؛ لأن كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا. والله أعلم.(1/3)
وقال مجاهد: أي: حب الزوجات والأولاد يحمل الرجل على قطيعة الرحم، أو معصية ربه، فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعهما.
وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا جلياً، ففي الحديث الذي أخرجه أبو يعلى بسند فيه مقال عن أبى سعيد مرفوعاً: " الولد ثمرةُ القلبِ وأنه مَجْنَبَةٌ مَبْخَلَةٌ مَحْزَنَةٌ "
(الضعيفة:4764، ضعيف الجامع:6165)
لكن جاء هذا الحديث بسند صحيح كما في مسند الإمام أحمد وعند البزار عن أبي سعيد مرفوعاً: "الولد مَجْنَبَةٌ مَبْخَلَةٌ مَحْزَنَةٌ " ... ... ... ... ... (صحيح الجامع:7160)
وفي رواية عند الحاكم والطبراني عن خولة بنت حكيم مرفوعاً:
" إن الولد مَبْخَلَةٌ مَجْبَنًةٌ مَجْهَلَةٌ مَحْزَنَةٌ " ... ... ... ... ... (صحيح الجامع:1990)
فالولد يكون مَجْبَنًةٌ: أي: يجبن الوالد عن الجهاد خوفاً من الموت، فيصيب أولاده اليتم وما وراءه من متاعب وآلام، وربما يخون ويرتشي، ويأكل الحرام بسبب الأولاد، فيجبن من الوقوع تحت طائلة العقوبة والفضيحة والعار في الدنيا والآخرة.
مَبْخَلَةٌ: فالولد يحمل أباه على البخل، فكلما أراد أن ينفق سول له الشيطان بقوله: ولدك أحق بهذا المال، فيمسك المال مخافة الفقر والحاجة.
مَحْزَنَةٌ: وذلك لمرض الولد أو موته، فيجزع الوالد أو يحزن عليه حزناً شديداً، أو أن يكون الولد عاقاً لوالده، فيصاب الوالد بالحزن والأسى.
مَجْهَلَةٌ : بأن ينشغل به الوالد عن طلب العلم والدعوة إلى الله.
* فكل من قدم محبة الأولاد على محبة الله وآثرهم على طاعة الله، فإن الله - عز وجل - سيعذبه بهم
وهذه سنة ربانية لا تتغير: فكل من أحب شيئاً أكثر من محبته لله عذبه الله بها.(1/4)
كمن يحب المال أكثر من محبته لله، فالله - عز وجل - يعذبه به في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا مشقة وعذاب في جمعه، ومشقة وعذاب خوفاً عليه من الضياع، وعذاب وألم عند الموت لفراقه، فهو يتركه كله ويحاسب عليه كله، وكذلك الحال بالنسبة للأولاد، وصدق الله تعالى حيث يقول:
{فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ }
( التوبة:55)
بل توعد الله - عز وجل - كل من قدم محبة الأولاد، فعاش لهم وعمل من أجلهم ليل نهار، وقدم محبتهم فوق محبة الواحد القهار فقال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } (التوبة:34 )
قال ابن كثيرـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية:إن كانت هذه الأشياء أحب إليكم من الله ورسوله، وجهاد في سبيله، فتربصوا: أي فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونَكَالِهِ بكم.
فأين هذا المسكين من قول الرسول الأمين - صلى الله عليه وسلم - الثابت في صحيح البخاري ومسلم:
" ثلاثٌ من كن فيه وَجَدَ حلاوة الإيمان، أن كان اللهُ ورسولهُ أحب إليه مما سواهما"
وأيضاً جاء عند البخاري قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدُكُم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله والناس أجمعين"
ومن خلال ما تقدم ينبغي أن نعي ونفهم جيداً قوله تعالى:
{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } (التغابن:15)
يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ في هذه الآية:(1/5)
إنما الأموال والأولاد فتنة أي اختبار وابتلاء من الله تعالى لخلقه؛ ليعلم من يطيعه ممن يعصيه.
- فلابد أن نعي الدرس جيداً، ولا ننساق وراء حب الأولاد، ونبتعد عن طاعة رب الأرباب، ولا ننسى مراد الله ومراد رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، والغاية من إنجاب الولد، حتى نسعد وإياهم في الدنيا والآخرة، ومن هنا يأتي أهمية هذا الموضوع (المنهج الإسلامي الواضح لمن أراد الولد الصالح)
لأنه باتباع هذا المنهج يكون صلاح الولد إن شاء الله، والذي هو بمثابة كنز وثروة عظيمة للإنسان في حياته وبعد مماته.
ففي الدنيا:
1ـ فالولد الصالح قرة عين للآباء:
يهنئا ببره، ويسعدا بطاعته، ويطببهما إذا مرضا، ويقوم على خدمتهما إذا كبرا.
2ـ وينفق عليهما إذا احتاجا:
فقد أخرج الخمسة وابن حبان والحاكم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم "
وعند الإمام أحمد بلفظ: " وَلَدُ الرجل من كسبهِ، فكلوا من أموالهم هنيئاً "
3ـ قضاء دينه الذي عليه:
سواء كان دينا متعلقا بحق الله أو حقوق الخلق، فإن المؤمن يحبس عن الجنة بدينه.
فقد أخرج ابن ماجة والإمام أحمد عن سعد بن الأطول:
إن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم وترك عيالاً، [ فقال سعد:] فأردت أن أنفقها على عياله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن أخاك محتبس بدينه فاقض عنه، فذهبت فقضيت عنه.
فوجود الأولاد نعمة لأبيهم يقضون عنه دينه لئلا يحبس به، وهم كذلك يتولون قضاء ديونه الدينية كالصيام عنه .
فقد أخرج البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" من مات وعليه صيام صام عنه وليه"
ملحوظة: الصوم المقصود: صوم النذر على الراجح.
وأخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال:(1/6)
إن امرأة ركبت البحر فنذرت إن الله ـ تبارك وتعالى ـ أنجاها، أن تصوم شهراً فأنجاها الله - عز وجل - فلم تصم حتى ماتت، فجاءت قرابة لها إما أختها أو ابنتها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال: أرأيتك لو كان عليها دين كنت تقضيه ؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يُقْضَى فاقض عن أمك ".
وبعد الممات:
1- الولد الصالح يحج عن الوالدين:
فقد أخرج البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ :
إن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت. أفأحج عنها ؟ قال: نعم. حجى عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته اقضى الله فالله أحق بالوفاء ".
2- الولد الصالح يبرأ ذمة الوالدين وذلك بقضاء ما عليهما من نذر:
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال:
إن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - استفتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :إن أمي ماتت وعليها نذر ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اقضِهِ عنها ".
3- الولد الصالح يتصدق عن الوالدين:
1 – أخرج البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:
إن رجلا قال: إن أمي افتُلِتَت نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال: نعم".
2 – و في رواية عند البخاري أيضاً:
إن رجلا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أمي ماتت أينفعها إن تصدقت عنها ؟ قال: نعم".
3 – وعند البخاري من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال:
إن سعد بن عبادة ـ أخا بنى ساعدة ـ توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله: إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها ؟ قال: نعم قال: فإنى أشهدك إن حائط المخراف صدقة عليها "
ـ المخراف: أي المثمر، سمي بذلك لما يخرف منه، أى: يجنى من الثمر.
4 – وفي صحيح مسلم من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - قال:(1/7)
إن رجلا قال لرسول الله: - صلى الله عليه وسلم - إن أبى مات وترك مالاً ولم يوصِ، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه ؟ قال: نعم ".
والولد نفع لوالديه في الآخرة
وذلك إذا مات هذا الولد قبلهم أو ماتوا هم قبله.
أولاً: الأجر والثواب الحاصل للوالدين لصبرهما على فقد الولد واحتسابه:
1 – موت الولد يكفر الخطايا:
فقد أخرج الترمذي من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة "
2 – موت الولد يثقل ميزان الوالدين:
فقد أخرج النسائي وابن حبان في صحيحه واللفظ له عن أبى سلمى أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:" بخ بخ – وأشار بيده لخمس – ما أثقلهن في الميزان: سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر، والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه "
( حديث صحيح )
3 – موت الأولاد حجاب من النار:
أ ) أخرج البخاري ومسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار إلا تحلة القسم ".
ب ) وعند البخاري ومسلم من حديث أبى سعيد الخدري - رضي الله عنه - :
" قالت النساء للنبي - صلى الله عليه وسلم - غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن: ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها
ـ وفي رواية: " ثلاثة لم يبلغوا الحنث "ـ إلا كان لها حجابا من النار، فقالت امرأة واثنتين [اثنين] ؟ فقال واثنتين [واثنين] ".
جـ ) وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - :
قال: أتت امرأة بصبي لها، فقالت: يا نبي الله ادع الله لي، فلقد دفنت ثلاثة
فقال: دفنت ثلاثة ؟ قالت: نعم، قال: لقد احتظرت بحظار شديد من النار".
ـ الحظار: هو الحائط يجعل كالسور على الشيء.(1/8)
ومعنى الحديث: لقد احتميت من النار وتحصنت منها بحصن حصين وحمى منيع.
4 – موت الأولاد والصبر عليهم سبب لشفاعتهم للوالدين يوم القيامة:
أ ) أخرج الإمام مسلم من حديث أبى حسان قال:
قلت لأبى هريرة: إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدثي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث يطيب أنفسنا عن موتانا ؟ قال نعم صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه – أو قال أبويه – فيأخذ بثوبه ـ أوقال بيده ـ كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فلا يتناهى– أو قال ينتهي – حتى يدخله الله وأباه الجنة ".
ـ الدعاميص: جمع دعموص وهى دويبة تكون في الماء أي ملازمة فيه
والمعنى أنهم سياحون في الجنة لا يُمنعون من موضع منها.
ـ وقيل الدعموص: هو الرجل الكثير الدخول على الملوك من غير إذن منهم، لا يخاف حيث دخل من ديارهم لمكانته عندهم، شبه الطفل به لذهابه في الجنة حيث شاء، لا يمنع من قصر منها ولا مكانة.
ـ صنفة الثوب: طرفه وناحيه.
ب) أخرج الطبراني بسند صحيح عن حبيبة أنها كانت عند عائشة ـ رضي الله عنها ـ: فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى دخل عليها، فقال: ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا جيء بهم يوم القيامة حتى يوقفوا على باب الجنة، فيقال لهم: ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يدخل آباؤنا، فيقال لهم: ادخلوا أنتم وآباؤكم ".
( صحيح الجامع 5780 )
5 – موت الأولاد واحتسابهم سبب لدخول الجنة:
سواء مات له ولد أو اثنان أو ثلاثة ولكن يشترط الصبر والاحتساب .
أولاً: مَنْ مات له ولد:
أ ) فقد أخرج البخاري من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
يقول الله تعالى: " ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة "
ملحوظة: هذا الحديث في حق الأولاد وغيرهم من الأقارب والأصدقاء.(1/9)
ب ) وفي سنن الترمذي عن أبى موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون: نعم
فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال ؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد.
جـ ) وفي مسند الإمام أحمد عن قُرَّةَ بن إياس:
إن رجلا كان يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ابنٌ له فقال النبي: أتحبه ؟ قال: نعم يا رسول الله احبك الله كما أحبه، ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما فعل فلان بن فلان، قالوا يا رسول الله: مات، فقال النبي لأبيه: ألا تحب أن تأتى بابا من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك ؟ فقال رجل: يا رسول الله أله خاصة أم لكلنا ؟ فقال: بل لكلكم ".
وفي رواية النسائي:
كان نبي الله إذا جلس، جلس إليه نفر من أصحابه، فيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيُقعده بين يديه، فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه، ففقده النبي فقال: مالي لا أرى فلان ؟ قالوا يا رسول الله: بُنيهُ الذي رأيته هلك، فلقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن بُنيهُ فأخبره أنه هلك، فعزاه عليه ثم قال يا فلان: أيهما كان أحب إليك ؟
أن تمتع به عمرك، أولا تأتى إلى باب من الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك،
قال: يا نبي الله، بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لَهُوَ أحب إلى، قال: فذاك لك".
ثانياً: من مات له ولدان كانا سبباً في دخوله الجنة:
أ ) فقد أخرج البخاري من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - :
" إن نسوة من الأنصار قلن يا رسول الله: إنا لا نستطيع أن نأتيك، فقال لهن رسول الله: " موعدكن بيت فلانة، فجاء فتحدث معهن، ثم قال: لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة فقالت امرأة منهن: أو اثنين يا رسول الله؟ قال أو اثنين "(1/10)
ب) وأخرج الإمام أحمد وابن حبان بسند حسن عن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم دخل الجنة، قال: قلنا يا رسول الله: واثنان ؟ قال: واثنان، قال محمود بن لبيد: فقلت لجابر: أراكم لو قلتم واحداً لقال واحدا قال جابر: وأنا أظن ذلك ".
ثالثاً: من مات له ثلاثة من الأولاد كانوا سبباً لدخوله الجنة:
أ ) أخرج البخاري من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم ".
ـ الحنث: هو الإثم والذنب، والمعنى أنهم لم يبلغوا من العمر سناً تكتب عليهم فيه الذنوب
ب) وفي رواية ابن حبان:
" من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة ".
جـ) وعند أحمد والطبراني بسند جيد عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
"من أثكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله في سبيل الله - عز وجل - وجبت له الجنة "
(صحيح الجامع 5949)
د ) وأخرج ابن ماجة بسند حسن عن عتبة بن عبد السلمي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل ".
ثانياً: الأجر والثواب الحاصل للوالدين إذا ماتا قبل الولد:
1ـ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - :
" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ".
فالله - عز وجل - يرحم بدعائه الوالدين{ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } ( الإسراء: 24 )
2 – وهذا الدعاء يصل للميت في قبره:
فقد أخرج ابن أبى حاتم عن أبى الدرداء - رضي الله عنه - قال:(1/11)
ذكرنا عند رسول الله الزيادة في العمر فقال: إن الله - عز وجل - لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها، وإنما الزيادة في العمر أن يرزق الله العبد الذرية الصالحة يدعون له فيلحقه دعاؤهم في قبره.
3 – بل أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الرجل ترفع درجته في الجنة باستغفار ولده له :
فقد أخرج الإمام أحمد وابن ماجة بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول: أنَّى لي هذا ؟ فيقال باستغفار ولدك لك ".
وعند الإمام أحمد من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب أنى لي هذه ؟ فيقول: باستغفار ولدك لك"
4 – وأخرج أبو يعلى عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" المولود حتى يبلغ الحِنْث ما عمل من حسنة كتبت لوالده أو لوالديه، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه "
وفي قول الله تعالى:{ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِين } ( يس: 12 )
وقوله تعالى: { وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } ( النجم: 39 )
قال العلماء: إن ابن الإنسان من سعيه وكسبه وهو من جملة آثاره
ولذلك فعمله الصالح ينتفع به الوالدان دون أن ينقص من أجره شيء.
- ولو أساء الابن فعليه إساءته طالما قاما بحقه في التربية الصالحة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما قال الله تعالى: { أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } ( النجم: 38 ).
قال الشوكاني في تفسير قوله تعالى:{ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } ( النجم: 39 )
المعنى: ليس له إلا أجر سعيه وجزاء عمله، ولا ينفع أحدا عمل أحد
وهذا العموم مخصص بمثل قوله تعالى: { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } ( الطور: 21 )(1/12)
أي: ألحقنا بهم عمل ذريتهم الصالحة، فالولد الصالح في ميزان حسنات أبويه خاصة دعاؤه لأبيه وصلاح الولد في ميزان حسنات أبيه وأمه سواء دعا أم لا فأى عمل يقوم به الولد يكون في ميزان الوالدين. أ هـ
ولا أدل على ذلك من الأحاديث السابقة: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث...
منهم: " ولد صالح يدعو له ".
وقيد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصالح لأن الأجر لا يحصل من غيره وإنما ذكر الدعاء له تحريضا على الدعاء لأبيه لا لأنه قيد لأن الأجر يحصل للوالد من ولده الصالح كلما عمل عملا صالحا سواء دعا لأبيه أم لا كمن غرس شجرة يحصل له من أكل ثمرتها ثواب سواء أدعا له من أكلها أم لم يدع بأكلها وكذلك الأم
فان ما يفعله الولد من الأعمال الصالحة فإن لوالديه مثل الأجر دون أن ينقص من أجره شيء لأن الولد من سعيهما وكسبهما.
والله تعالى يقول: { وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } ( النجم: 39 )
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في سنن أبى داود:
" إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه "
فالولد الصالح في ميزان أبيه وذلك لأنه من كسب أبيه
وقد ورد في الحديث:
" من دعا إلى هدى فله أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة ".
وأي دعوة أعظم من أن ينشأ أولاده على طاعة الله - عز وجل - ويقيمهم على طاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فمما لاشك فيه: إن أي عمل يقوم به الولد فهو في ميزان حسنات الوالدين.
وفي مصنف ابن أبى شيبة بلفظ:
"الولد من كسب أبيه"
وفي سنن أبى داود وابن ماجة عن أبى أسيد مالك بن ربيعة الساعدي قال:
"بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي علىّ من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما ؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما،وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام ضيفهما"
ـ الصلاة هنا بمعنى: الدعاء.(1/13)
ومن هنا يتبين مدى أهمية طلب الذرية الصالحة التي يكون الآباء بعد موتهم في أشد الحاجة لدعائهم وطلب الاستغفار لهم.
فقد أخرج البزار من حديث أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" سبع يجرى للعبد أجورهن وهو في قبره بعد موته: من علّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته "
وفي مسند الإمام أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" أربعة تجرى عليهم أجورهم بعد الموت: من مات مرابطاً في سبيل الله، من علّم علماً أجرى له عمله ما عُمل به, ومن تصدق بصدقة فأجرها يجرى له ما وجدت، ورجل ترك ولداً صالحاً فهو يدعو له "
ومن خلال ما سبق يتبين أن الولد الصالح نعمة عظيمة كما قال ربنا سبحانه وتعالى:
{ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } ( النحل:72 ).
وحيث إن الولد نعمة فيستحب طلب هذه النعمة والسعي إليها.
كما قال الله تعالى: { فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } ( البقرة:187 ).
يقول ابن كثير في تفسيره (1/220 ): قال ابن عباس: هو الولد
وكذا قال عكرمة ومجاهد والحسن البصري والضحاك والسعدي.
وقال قتادة: ابتغوا الرخص التي كتب الله لكم ( أي: من مجامعة النساء بالليل ).
وعن ابن عباس في رواية أخرى: أي: ابتغوا ليلة القدر.
قال ابن جرير الطبرى في تفسيره ( 2/170 ):
والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال: أن الله تعالى ذكره قال: { وََابْتَغُواْ }
بمعنى: اطلبوا { مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } يعنى: الذي قضى الله لكم(1/14)
ثم قال ـ رحمه الله ـ: وقد يدخل في قوله تعالى: { وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } جميع معاني الخير المطلوبة، ثم إن أشبه المعاني بظاهرالآية قول من قال معناه: ابتغوا ما كتب الله لكم من الولد لأنه عقيب قوله تعالى: { فالآنَ بَاشِرُوهُنَّ } بمعنى: جامعوهن
فلأن يكون قوله تعالى: { وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } . بمعنى: وابتغوا ما كتب الله لكم من مباشرتكم إياهن من الولد والنسل أشبه بالآية من غيره من التأويلات التي ليس على صحتها دلالة من ظاهر التنزيل ولا خبر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
ـ وقد جمع هذه الأقوال الإمام المحقق ابن القيم – رحمه الله ـ ملخصة:
أن الله لما أباح الجماع ليلة الصوم أرشدهم أن يطلبوا رضاه في مثل هذه اللذة بطلب الولد، وأن لا يشغلهم ذلك عن طلب والتماس ليلة القدر.
ولقد جاءت السنة أيضا تحث على طلب الولد:
فقد أخرج أبو داود وغيره عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال:
جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: إني أحببت امرأة ذات حسب ومنصب،إلا أنها لا تلد أفأتزوجها ؟ فنهاه، ثم أتاه الثانية ؟ فنهاه، ثم أتاه الثالثة ؟ فنهاه، فقال: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة "
- وهذه النعمة التي أعطاك الله إياها، ستسأل عنها يوم القيامة، هل حفظت أم ضيعت ؟ فالأولاد وتربيتهم مسئولية يسأل عنها الآباء أمام الله - عز وجل - يوم القيامة
فلن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عما استرعاه، أحفظ أم ضيع
فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راعٍ في بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها" .
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ:(1/15)
الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته. أهـ
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وكلكم مسئول عن رعيته" أي: في الآخرة، فإن وفَّّّّّّّّّّّّّّى ما عليه تجاه الولد من الناحية الصحية والجسدية وتوفير القوت والملبس والمسكن حيث إن الطفل لا يستطيع أن يوفر ذلك لنفسه، وكذلك يوفي ما عليه من ناحية التربية، فيربيه على المبادئ الإيمانية السامية حيث إن الطفل يولد وعقله وقلبه صفحة بيضاء يستوعب ما ينقش فيه ويتعلم مايملى عليه.
كما قال تعالى: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً } (النحل:78)
فإن ربى الولد على الخير نشأ عليه وأصبح باراً بوالديه يدعو لهما ويقول:
{ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } (الإسراء:24)
فشكر الولد حسن صنيع الوالدين، حيث بذلا المجهود الكبير في تربيته حتى استقام على دينه واستغنى بنفسه عن غيره.
وأما إذا ضيعا وفرطا في تربية الولد، فإنه سيخرج عضواً فاسداً ومعول هدم وعاقاً لوالديه.
فالولد كما هو مسئولية فهو أمانة عند والديه وسيسألا عنه يوم القيامة
قال تعالى: { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} (الأحزاب: 72)
وإن كانت الأمانة هي التكاليف الشرعية إلا أنها بمفهومها أعم وأشمل من ذلك
فلإحسان إلى الأولاد وتربيتهم تربية إسلامية صحيحة أداءٌ للأمانة، وإهمالهم والتقصير في حقوقهم غش وخيانة؛ لأنهم لم يعملوا بوصية الله لهم.(1/16)
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6)
قال الشافعي في هذه الآية:
على الآباء والأمهات تعليم أولادهم الصغار ما يتعين عليهم بعد البلوغ، فيعلمه الولي الطهارة والصلاة والصوم ونحوه، ويعرّفه تحريم الزنا واللواط.
وقال الحسن البصري:
أي مروهم بطاعة الله وعلموهم الخير.
وقد ذهب ابن القيم: إلى وجوب تأديب الأولاد وتعليمهم بهذه الآية.
- وقد نقل ابن كثير في تفسير هذه الآية قول الإمام علي - رضي الله عنه - حيث قال:
"علموهم وأدبوهم"
وكذلك نقل هذا الكلام الإمام النووي عن مجاهد وقتادة
أهمية التربية ووجوبها :
ولهذا وصانا الله تعالى وأمرنا بحسن التربية ورعاية الذرية فقال تعالى:{ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ }
(النساء:11)
وقد ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ أدلة كثيرة على وجوب التربية منها:-
1- ما أخرجه الإمام أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع"
2- وفي مسند الإمام أحمد بسند فيه مقال:
"ما نحل والدٌ ولداً أفضل من أدب حسن"
3- وفي المسند أيضاً وعند ابن حبان كذلك:
لأن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين
4- وفي شعب الإيمان للبيهقي عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال:
"أدب ابنك فإنك مسئول عنه ماذا أدبته؟ وماذا علمته؟ وهو مسئول عن برِّك وطواعيته لك"
فأمر التربية خطير، فمن ربي على طاعة الله عُصِمَ ووقى النار، ومن قصر وأهمل في أمر التربية فلم يق نفسه ولا أهله النار وكان عرضة لغضب الجبار.
قال الغزالي ـ رحمه الله ـ:(1/17)
اعلم أن الطريق في رياضه الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل شيء، ومائل إلى كل ما يُمال به إليه، فإن عُود الخير وعلمه ونشأ عليه، سعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والولي له... أهـ
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقرر هذه الحقيقة
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"ما من مولود إلا يولدْ على الفطرة، فَأبَواهُ يُهوِّدانِهِ أو ينصرانهِ أو يُمجسانه، كما تُنْتَجُ البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تُحِسُّونَ فيها من جَدْعَاء ؟ ثم قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : واقرءوا إن شئتم: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } (الروم:30)
ـ كما تُنْتَجُ البهيمةُ بهيمةً: معناه أن البهيمةَ تلد بهيمة كاملة الأعضاء لا نقص فيها، وإنما يحدث فيها الجدع والنقص بعد ولادتها. أهـ (النووي)
ـ جمعاء: مجتمعة الأعضاء سليمة من نقص لا توجد فيها.
ـ جدعاء: وهي مقطوعة الأذن أو غيرها من الأعضاء.
وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الحديث: قال القرطبي في المفهم:
المعنى أن الله خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول على تلك الأهلية أدركت الحق، ودين الإسلام هو الحق، وقد دل على هذا المعنى بقية الحديث حيث قال: " كما تنتج البهيمة " يعني أن البهيمة تلد الولد كامل الخلقة، فلو ترك كذلك كان بريئاً من العيب، لكنهم تصرفوا فيه بقطع أذنه، فخرج عن الأصل وهو تشبيه ووجهه واضح... والله أعلم. أهـ(1/18)
ونرى في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الطفل حين يولد يولد على الفطرة السليمة القابلة للخير، إنما تنحرف هذه الفطرة وتتغير بسوء التربية والقدوة السيئة.
كما قال القائل:
ويَنشَأُ ناشيء الفتيانِ مِنّا ... على ما كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ
فالواجب على الآباء أن يحيطوا الأبناء بالحفظ والرعاية وحسن التربية، خاصة وأن الشيطان توعد الإنسان فقال له رب العزة:{ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً} (الإسراء:64) فيحاول الشيطان أن يشارك في تربية الأولاد ويجعل الآباء ينحرفون بأبناءهم عن الطريق القويم والصراط المستقيم هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنه يشارك في تربية الأولاد كل من: وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة من تليفزيون أو دش أو فيديو أو كمبيوتر أو مجلات، والبرامج التي ربما لا تخلو من خياليات وخرافات وخزعبلات وحياة الأساطير والتي تؤثر على شخصية الطفل.
أضف إلى ذلك دور المدرسة والمناهج التعليمية، وكذلك أصدقاء المدرسة وأبناء الجيران... وغير ذلك من الوسائل، والتي تؤثر في تربية الولد بشكل أو بآخر. ومن هنا يأتي دور الآباء وأهمية التربية الصحيحة، وذلك عن طريق تجنيب الأولاد وسائل الفساد بأشكالها المختلفة. وأن يدفعوا بأبنائهم إلى المربيين الصالحين، كما كان يفعل السلف الصالح حيث كانوا قديماً ينتقون لأولادهم أفضل المربين علماً وأحسنهم خلقاً وأميزهم أسلوباً وطريقة، وذلك ليتعلم الولد منه.
وهذه باقة من أخبارهم
روى الجاحظ أن عقبة بن أبي سفيان لما دفع ولده إلى المؤدِب قال له:(1/19)
ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بَنِيَّ إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحَسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت، وعلمهم سير الحكماء، وأخلاق الأدباء، وتهددهم بي، وأدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء ولا تتّكِلَنَّ على عذر مني، فإن اتكلت على كفاية منك.
وروى ابن خلدون في مقدمته: أن هارون الرشيد لما دفع ولده الأمين إلى المؤدب قال له:
يا أحمد: إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه، فصيِّر يدك عليه مبسوطة، وطاعتك له واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين. أقرئه القرآن، وعرّفه الأخبار، وروِّه الأشعار، وعلّمه السنن، وبصِّره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تُحزنه فتميت ذهنه، ولا تُمعن في مسامحته، فيستحلي الفراغ ويألفه، وقوِّمه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباها فعليك بالشدة والغلظة.
وقال عبد الملك بن مروان ـ ينصح مؤدب ولده ـ:
علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، واحملهم على الأخلاق الجميلة، وروِّهم الشعر يشجعوا وينجدوا، وجالس بهم أشراف الرجال وأهل العلم منهم، وجنبهم السفلة والخدم فإنهم أسوأ الناس أدباً، ووقرهم في العلانية وأنِّبهم في السر، واضربهم على الكذب، فإن الكذب يدعو إلى الفجور، وإن الفجور يدعو إلى النار.
وقال الحجاج لمؤدب بنيه:
علمهم السباحة قبل الكتابة، فإنهم يجدون من يكتب عنهم، ولا يجدون من يسبح عنهم.
وكتب عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - لأهل الشام يقول لهم:
"علموا أولادكم السباحة والرمي والفروسية"
وقال أحد الحكماء لمعلم ولده:
لا تخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه، فإن اصطكاك العلم في السمع، وازدحامه في الوهم مضلة للفهم.
ومن وصية ابن سيناء في تربية الولد:(1/20)
أن يكون مع الصبي في مكتبه صِبية حسنة آدابهم، مرضية عادتهم؛ لأن الصبي عن الصبي ألقن، وهو عنه آخذ، وبه آنس.
قال هشام بن عبد الملك لسليمان الكلبي مؤدب ولده:
إن ابني هذا هو جلدة ما بين عيني، وقد وليتك تأديبه، فعليك بتقوى الله، وأَدِّ الأمانة، وأول ما أوصيك به أن تأخذه بكتاب الله، ثم روِّه من الشعر أحسنه، ثم تخلل به في أحياء العرب، فخذ من صالح شعرهم وبَصِّرْهُ طرفاً من الحلال والحرام، والخطب والمغازي. (تربية الأولاد في الإسلام:1/154)
ـ وهكذا كان السلف الصالح يحرصون على تربية أولادهم تربية إسلامية متكاملة خُلقياً وفكرياً وجسمانياً، ويغرسون فيهم معاني الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ويعودونهم حب الله ورسوله، ومراقبة الله في السر والعلن، ويعلمونهم أحكام الحلال والحرام ويجنبونهم الكذب والسرقة والسباب والشتائم والخلطة الفاسدة والميوعة والانحلال والقدوة السيئة، ويستحثونهم على الرياضات البدنية النافعة كما مر بنا قول عمر - رضي الله عنه - لأهل الشام
صفة المربي
قال تعالى: { وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ } (آل عمران:79 )
قال المفسرون: الرباني هو الحكيم المصلح العالم بسياسة الناس والقائم على مصالحهم، ومن هنا تسمَّى المؤدب بالحكيم وبالمصلح، ومن هنا أيضاً وُصف لقمان بالحكمة لمِا كان منه من تربية ابنه ونصحه إياه وإصلاحه له.
قال تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ } (لقمان: 12)
ثم بيَّن تعالى الحكمة التي آتاها لقمان بقوله تعالى:
{ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان: 13) وغير ذلك من الوعظ والإرشاد والنصح لابنه مثل قوله تعالى: { وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} (لقمان: 19)(1/21)
- وجاء أيضاً عن السلف الصالح في معنى الرباني: أنه العامل العالم المعلم
قال تعالى: { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ } (المائدة:63)
- قال ابن عباس في معنى الرباني: حكماء فقهاء
- وقال البخاري: ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.
- وقال الأصمعي والإسماعيلي: الرباني نسبة إلى الرب، أي: الذي يقصد ما أمره الرب بقصده من العلم والعمل ( أي: لا يعمل ولا يتعلم إلا أمره الله به )
فيتلخص مما سبق أن صفات المربي هي:
- الحكمة. - الخبرة بسياسة الناس. – القيام بمصلحة الناس.
- الصلاح. – الإصلاح. – عالم عامل معلم.
فأمر التربية أمر خطير جد خطير والسلامة لا يعدلها شيء
ومن هنا كان علينا أن ننهج المنهج الإسلامي الواضح وذلك لمن أراد الولد الصالح
وقبل الشروع في بيان المنهج الإسلامي الواضح لكيفية تحصيل الولد الصالح
فهناك كلمة لمن حُرِمَ نعمة الأولاد
من المعلوم أن الأولاد نعمة من الله تعالى على العبد وهم زينة الحياة الدنيا كما قال تعالى:
{ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} (الكهف: 46)
فالناس جبلوا على محبة الأولاد كما قال تعالى:{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ }
(آل عمران: 14)
ومن الناس من يُبتلى ويُختبر بأن يُحرم من هذه النعمة لحكمة يعلمها الله تعالى، فعلى العبد بداية أن يسلم بما قضي الله تعالى ويرضى، فهذا اختبارٌ من الله تعالى ليعلم الصادق من الكاذب
كما قال تعالى: {الم{1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت:1ـ3)(1/22)
ومع هذا فلا مانع من الأخذ بالأسباب مع الاعتماد على مسبب الأسباب، ومن هذه الأسباب:-
1- الذهاب إلى الأطباء للعلاج والأخذ بالأسباب.
2- الدعاء
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي عن سلمان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن الله تعالى حييٌ كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين"
(صحيح الجامع:1757)
قال تعالى مخبراً عن قصة نبيه زكريا مع مريم - عليهما السلام -:
{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً}قال مجاهد: وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف{قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا } أي: من أين لك هذا { قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (آل عمران:37){هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} أي: في ذلك الوقت الذي رأى فيه زكريا كرامة الله لمريم دعا ربه متوسلاً ومتضرعاً:{قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء}
(آل عمران:38)
فجاءته الإجابة في التو واللحظة: { فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ} (آل عمران:39)
ويخبرنا الحق - جل وعلا - في سورة الأنبياء أنه دعا بهذا الدعاء:
{ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ{89} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء:89 ـ90)
3- التقوى(1/23)
وقد اختلفت تعبيرات العلماء في تعريفها، إلا أنها تدور كلها حول معنى واحد وهو: أن يجعل الإنسان بينه وبين عذاب الله وقاية، وذلك بفعل المأمور واحتساب المحظور، قال تعالى:
{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } (الطلاق:2ـ3)
والأولاد رزق من عند الله - جل وعلا –
4- الاستغفار
فالاستغفار سبب في رفع قدرة الزوج على إتيان زوجته (وهذا استنباط استنبطه الإمام العلامة ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ) من خلال قوله تعالى:
{ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ }
(هود:52)
فالشاهد هو قوله تعالى:{ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ } فإن الله يعطي الرجل قوة فوق قوته لكثرة استغفاره، وكذلك الاستغفار سبب في جميع أنواع الرزق بعمومها وشمولها، قال تعالى:
{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً{10} يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً{11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً{12} مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} (نوح:10ـ13) فجاء التصريح في تلك الآيات بأن الاستغفار سبب في الرزق بالأولاد في قوله:{وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ }
فيا من حُرِمْت نعمة الأولاد...
إذا أخذت بالأسباب ولم يقدر الله لك الولد، فعليك أن ترضى بقضاء الله تعالى، فهو القائل:
{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ{49} أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (الشورى:49ـ50)(1/24)
فعلق الله - سبحانه وتعالى - هذا العقم بمشيئته تعالى، وانظر كيف ختم الله تعالى الآية بقوله تعالى:
{ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} فهو يعلم ما يصلح العبد، فربما منع الله العبدَ الولدَ لأنه سبحانه يعلم أنه سيكون فتنة له، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{14} إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (التغابن: 14ـ15)
وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه الحاكم والطبراني:
" إن الولد مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ مَجْهَلَةٌ مَحْزَنَةٌ " (صحيح الجامع:1990)
وعند أبي يعلي بسند ضعيف من حديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" الولد ثمرةُ القلبِ وأنه مَجْبَنَةٌ مَبْخَلَةٌ مَحْزَنَةٌ "
(وفيه عطية العوفي وهو ضعيف، ضعفه الألباني في الضعيفة:4764، وضعيف الجامع:6165)
بل انظر إلى قصة سيدنا الخضر مع الغلام الذي قتله وقد جاء ذكرها في سورة الكهف
لما قال الخضر معللاً سبب قتله للغلام: { وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً{80} فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } (الكهف:80 ـ81)
أخرج الإمام مسلم عن أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"الغلام الذي قتله الخضر طُبع يوم طُبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً(1/25)
وكم من أُناس رزقهم الله الأولاد، فلما ذاقوا مرارة العقوق، تمنوا أن لو كان الله حرمهم من نعمة الأولاد. أو ربما يرزق العبد بولد معاق ذهنياً أو جسدياً يفسد عليه عيشه ويهلكه صحياً ومالياً، أو يرزق بولد يتعاطى المخدرات والخمور، أو ببنت تضل السبيل وتسلك مسلك السوء.
- فربما حرم اللهُ العبد الولد ليحميه من هذا كله؛ لأنه يحبه ولا يريد به إلا الخير فعلى العبد أن يرضى بقضاء الله تعالى، فالله لا يقضي قضاءً إلا وهو خير.
وفي الحديث: "لا يقضي الله لمؤمن قضاء إلا كان خيراً له"
فعلى المسلم أن يتلقى قضاء الله بصدر رحب وبقلب راضٍ مطمئن
وبعد هذه المقدمة فما هو المنهج الإسلامي الواضح للحصول على الولد الصالح ؟
إن هذا المنهج يبدأ أولاً في:
- أولاً: اختيار الزوجة الصالحة -
ومن أهم الأسباب التي تعين على صلاح الأبناء اختيار الزوجة الصالحة التي هي بمثابة التربة الخصبة التي تخرج لنا نباتا طيبا.
فعلى الرجل أن يحسن اختيار الزوجة والتي ستكون أُمَّاً لأولاده وبها يتأسون ومن ثديها وأخلاقها يرضعون.
رُوى أن رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يشكو إليه عقوق ابنه فأنب عمر الولد على عقوقه لأبيه ، فقال الابن : يا أمير المؤمنين ، أليس للولد حقوق على أبيه ؟ قال : بلى ، قال: فما هي يا أمير المؤمنين ؟ قال: أن ينتقى أمه , ويحسن اسمه , ويعلمه القرآن ،
فقال الإبن : يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئا من ذلك . أما أمى فإنها زنجية كانت لمجوسي , وقد سماني جعرانًا, ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا ، فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل وقال له: أجئت إلى تشكو عقوق ابنك . وقد عققته قبل أن يعقك , وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.
يقول الشاعر:
وأخلاق الوليد تقاس حسنا ... بأخلاق النساء الوالدات
وليس ربيب عاليةِ المزايا ... كمثل ربيب سافلةِ الصفات
وكيف يظن بالأبناء خير ... إذا نشأوا بحضن الجاهلات(1/26)
فلابد من انتقاء المرأة والتي هي بمثابة الوعاء البشرى الذي يحمل الولد والصدر الحنون الذي سيرضعه، والنفس الطاهرة التي ستُعنىَ به. فالإنسان يبدأ بتربية ابنه قبل ولادته.
يقول أحد الحكماء:
ابدأ بتربية ابنك قبل ولادته بعشرين عاما.
ـ ولقد وضع لنا الإسلام أسساً من خلالها يتم اختيار الزوجة أهمها: ـ
أن تكون ذات دين:
1 – قال الله تعالى: { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } ( البقرة: 221).
2 – وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك "
3 – والله تعالى يصف الزوجات الصالحات بقوله:
{ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ } ( النساء: 34 ).
ـ القانتات: المطيعات للأزواج.
ـ الحافظات للغيب: أي إنهن يحفظن الأزواج في غيابهم وفي أموالهم وفي أنفسهن.
4 – وأخرج الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة "
فالزوجة الصالحة هي سر زوجها الدفين وبئره العميق، أم عياله، وأمينة ماله، تقرعين الزوج برؤيتها، وهذا يخلق جواً من المودة والرحمة وينشر السكينة والطمأنينة بين الزوجين مما يجعل له أثار طيبة على تربية الولد.
وصدق الشاعر حيث قال:
ولم أر للخلائق في محل ... تهذبها كحضن الأمهات
فحضن الأم مدرسة تسامت ... بتربية البنين والبنات
وأخلاق الوليد تقاس حسنا ... بأخلاق النساء الوالدات
ويستحب أن تكون هذه المرأة الدَّينَة ذات نسب (أي: من أسرة طيبة)
فالولد قد ينزع إلى أحد أخواله أو أحد أعمامه أو أجداده.
فقد أخرج البخاري: إن رجلا جاء للنبي فقال له: يا رسول الله: امرأتي ولدت غلاما أسوداً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : عسى أن يكون نزعه عرق.(1/27)
ـ العرق: الأصل في النسب
ـ ومعنى نزعه: أي أشبهه وأظهر لونه عليه، فدل هذا على أن الأغلب أن يشابه الولد أباه أو أمه, وقد ينزع إلى أخواله أو أعمامه، فالولد مرتبط بأسلافه من جهة الأب ومن جهة الأم، فهو يأخذ ويرث من كل طبقة من هذه الأجيال قدرا من الصفات والسمات.
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند ابن ماجة والحاكم بسند حسن وهو في السلسلة الصحيحة
(1097) وهو في صحيح الجامع (2928):
" تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم "
وأثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على نساء قريش ذوات النسب الشريف فقال كما عند البخاري :
" نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده "
ـ أحناه : أي أكثر شفقة على الأولاد.
ـ والحانية على ولدها : هي التي تقوم عليه إذا مات الأب فلا تتزوج.
فالنبي أثنى على القرشيات ذوات النسب، فعندهن في الغالب من الحنان على الأطفال والرعاية للأزواج ما ليس عند غيرهن.
وها هو عثمان بن أبى العاص يقول لبنيه:
يا بنىّ، لقد أمجدتكم في أمهاتكم, والناكح مغترس، فلينظر كل امرىء منكم حيث يضع غرسه, والعرق السوء قلما ينجب ولو بعد حين.
ويقول الآخر لأبنائه:
وأول إحسانى إليكم تخيري ... لما جده الأعراقِ بادٍ عفافها
فالأولاد يرثون في الغالب من الآباء والأجداد الصفات الخِلقية والخلقية.
وها هي فاطمة بنت الرسول أتت عائشة ومشيتها كمشية أبيها، وسمتها كسمته، ودلها كدله.
فقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ:
ما رأيت أحدا أشبه سمتاً وهدياً ودلاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فاطمة ـ كرم الله وجهها ـ
وعند البخاري من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت:
أقبلت فاطمة تمشى كأن مشيتها مشي النبي - صلى الله عليه وسلم -
وها هو يوسف - عليه السلام - :
الذي أوتى شطر الحسن كانت جدته سارة ـ عليها السلام ـ من أجمل النساء.(1/28)
ففي صحيح مسلم من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - في حديث الكذبات الثلاث وفيه:
وواحدة في شأن سارة فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة وكانت أحسن الناس.
إذا ينبغي أن تكون الزوجة مع حسن أخلاقها وتدينها ذات نسب صالح من أسرة طيبة فهذا أفضل وأكمل.
ألا ترى أن قوم مريم ـ عليها السلام ـ قالوا لها:
{ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } ( مريم:28 )
أي: يا أخت هارون، الرجل الصالح أبوك كان رجلا فاضلا خيرا ما علم عنه السوء ولا آتى بفاحشة وأمك كذلك كانت من الصالحات, ولم تكن من البغايا الزوانى، فكيف أتيت بهذا الولد ؟؟ ومن أين جاءك ؟؟؟ ( فقه تربية الأبناء صـ 29ـ30)
إذا من المسلّم عند الناس والراسخ في أذهانهم أن الصالح لا يمكن أن يأتى بغير الصالح وهذا هو الشاهد من الآية.
تنبيه:
شرف النسب وحده لا يعنى شيئا ما لم يتوج بخلاق وتقوى ودين،فمن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه
ـ ولذلك فقد وضع الإسلام الشريف أبا لهب لكفره، ورفع سلمان الفارسي وصهيباً الرومي وبلالاً الحبشى لإيمانهم.
ـ وأهلك الله ولد نوح - عليه السلام - ، وأبا إبراهيم - عليه السلام - ، وعم النبي - صلى الله عليه وسلم -
لهذا السبب أيضاً رفض النبي الشفاعة في امرأة مخزومية سرقت.
وأعلنها مدوية في أسماع كل من يتخذون شرف النسب ستاراً يخفون وراءه خطاياهم.
فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" والذي نفسُ محمدٍ بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها "
فلو أن لنسب المرأة شرفاً في ذاته لقبل النبي شفاعتها.
ويستحب أن يضاف إلى الدين والنسب، السلامة من الأمراض المنفرة والتي تنتقل إلى الأولاد بالوراثة:
ولا مانع شرعاً أن تذهب إحدى النساء الأمينات لتتفقد العروس لتخبر الزوج بصفاتها وهذا كله من أجل اطمئنان الزوج على سلامة العروس من الآفات والأمراض وصلاحية جسمها لتحمل دور المربية بعد ذلك.(1/29)
ومن هذه الأمراض على سبيل المثال: البرص والجذام.
قال ابن قدامة كما في المغنى ( 6/651):
وإنما اختص الفسخ بهذه العيوب لأنها تمنع الاستمتاع المقصود بالنكاح؛ فإن الجذام والبرص يثيران نفرة في النفس تمنع قربانه، ويخشى تعديه إلى النفس والنسل.
ويستحب أن يضاف إلى الدين والنسب والسلامة من الأمراض، الاغتراب في نكاحها:
قال ابن قدامة كما في المغنى ( 8/567):
ويختار الأجنبية فإن ولدها أنحب ولهذا يقال: اغتربوا لا تضووا
أي: انكحوا الغرائب كي لا تضعف أولادكم، ولأنه لا تؤمن العداوة في النكاح وإفضاؤه إلى الطلاق، فإن كان في قرابة أفضى إلى تقطيع الرحم المأمور بصلتها.
فمن أراد الحصول على الولد الصالح فلابد عليه أن يبدأ بحسن اختيار الزوجة الصالحة، والتي هي بمثابة المصنع الذي سيصنع فيه الأولاد وهى المدرسة التي سيتخرجون منها.
وصدق الشاعر حين قال:
الأم مدرسة إذا أعددتها ... أعددت شعبا طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا ... بالري أورق أيما إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الأُلى ... شغلت مآثرهم مدى الآفاق
وهذه نماذج تخرجت من مدرسة الأم:ــ
ها هو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - :
تخير لنطفة ابنه عاصم ذات الدين فكان من ثمرة هذا الزواج الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز
( والقصة ذكرها ابن الجوزي في صفة الصفوة )
فقد حكى الميداني: إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مر بسوق الليل وهى من أسواق المدينة فرأى امرأة معها لبن تبيعه ومعها بنت لها شابة، وقد همت العجوز أن تمذق لبنها – أي تخلطه بالماء – فجعلت الشابة تقول: يا أمي لا تمذقيه ولا تغشيه فوقف عليها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: من هذه منك ؟ قالت: ابنتي، فأمر عاصما فتزوجها، وهى جدة عمر بن عبد العزيز لأمه.
الزبير بن العوام - رضي الله عنه - :(1/30)
قامت بأمره أمه صفية بنت عبد المطلب فنشأ على طبعها وسجيتها، وكذلك أولاد الزبير العظماء عبد الله، والمنذر، وعروة هم ثمرات أمهم أسماء بنت أبى بكر.
وعلى بن أبى طالب - رضي الله عنه - :
تنقل في تربيته بين صدرين من أملأ صدور العالمين حكمة فكان مغداه على أمه فاطمة بنت أسد, ومراحه على خديجة بنت خويلد زوج النبي.
وها هو عبد الله بن جعفر - رضي الله عنه - :
سيد أجواد العرب وأنبل فتيانهم، تركه أبوه صغيرا، فتعاهدته أمه أسماء بنت عمير ولها من الفضل والنبل ما لها.
وها هو معاوية بن أبى سفيان - رضي الله عنه - :
ورث من هند بنت عتبة مالم يرث عن أبى سفيان فقد دخل على هند أحد أقاربها وهى تحمل صغيرها معاوية بن أبى سفيان فقال لها: إن عاش معاوية ساد قومه
فقالت: ثكلته إن لم يسد إلا قومه.
وكان معاوية - رضي الله عنه - إذا نوزع الفخر بالمقدرة وجوذب بالمباهاة بالرأي أنتسب إلى أمه فصدع أسماع خصمه بقوله: أنا ابن هند.
وها هو أمير المؤمنين عبد الرحمن بن الناصر ـ رحمه الله ـ :
الذي ولى الأندلس وهى ولاية تميد بالفتن وتشرق بالدماء فما لبثت إن قرت له وسكنت لخشيته ثم خرج في طليعة جنده فافتتح سبعين حصنا في غزوة واحدة، ثم أمعن بعد ذلك في قلب فرنسا وتغلغل في سويسرا وضم أطراف إيطاليا.
أتدرى ما سر هذه العظمة، وما مهبط وحيها ؟ إنها المرأة وحدها,
فقد نشأ عبد الرحمن يتيما قتل عمه أباه فتفردت أمه بتربيته فكان من أمره ما علمت
وسفيان الثوري :
وما أدراك ما سفيان الثوري ؟ إنه فقيه العرب ومحدثهم، وأحد أصحاب المذاهب الستة المتبوعة، إنه أمير المؤمنين في الحديث الذي قال فيه زائدة: الثوري سيد المسلمين
وقال الأوزاعي: لم يبق من تجتمع عليه الأمة بالرضا إلا سفيان.
وما كان ذلك الإمام الجليل، والعَلَم الشامخ إلا ثمرة أم صالحة، حفظ التاريخ لنا مآثرها وفضائلها ومكانتها وإن كان ضن علينا باسمها.(1/31)
روى الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – بسنده عن وكيع قال:
قالت أم سفيان لسفيان: يا بنى.اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي فكانت ـ رحمها الله ـ تعمل وتقدم له، ليتفرغ للعلم وكانت تتخوله بالموعظة والنصيحة
قالت له ذات مرة فيما يرويه الإمام أحمد أيضا:
يا بنى إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك، وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك فاعلم إنها تضرك ولا تنفعك.
فهل ترى من غرابة بعد هذا أن نرى سفيان يتبوأ منصب الإمامة في الدين، كيف وهو قد ترعرع في كنف مثل هذه الأم الرحيمة وتغذى بلبن تلك الأم الناصحة التقية.
الإمام الثقة الثبت إمام أهل الشام وفقيههم أبو عمرو الأوزاعي:
يقول فيه أبو إسحاق الفزاري: ما رأيت مثل رجلين الأوزاعي والثوري فأما الأوزاعي فكان رجل عامة، والثوري كان رجل خاصة، ولو خيرت لهذه الأمة لاخترت لها الأوزاعي؛ لأنه كان أكثر الناس توسعا وكان والله إماما.
قال النووي ـ رحمه الله ـ:
وقد أجمع العلماء على إمامة الأوزاعي وجلالته وعلو مرتبته وكمال فضله وأقاويل السلف ـ رحمهم الله ـ كثيرة ومشهورة مصرحة بورعه وزهده وعبادته وقيامه بالحق وكثرة حديثه وغزارة فقهه وشدة تمسكه بالسنة وبراعته بالفصاحة وإجلال أعيان أئمة عصره من الأقطار له واعترافهم بمرتبته.
ذلك الحبر البحر كان أيضا ثمرة أم عظيمة.
قال الذهبي وقال الوليد بن يزيد البيروني: ولد الأوزاعي ببعلبك وربى يتيماً فقيراً في حجر أمه
ربيعة الرأي – رحمه الله – شيخ الإمام مالك:
يقول ابن خلكان: كان فروخ أبو ربيعة خرج إلى البعوث إلى خراسان أيام بنى أمية، وربيعة حمل في بطن أمه، وخلف عند زوجته – أم ربيعه – ثلاثين ألف دينار، فقدم المدينة بعد سبع وعشرين وسنة وهو راكب فرسا وفي يده رمح، فنزل ودفع الباب برمحه. فخرج ربيعة وقال:(1/32)
يا عدو الله أتهجم على منزلي ؟ فقال فروخ: يا عدو الله أنت دخلت على حرمى ؟ فتواثبا حتى اجتمع الجيران، وبلغ مالك بن أنس فأتوا يعينون ربيعة وكثر الضجيج وكل منهما يقول:
لا فارقتك، فلما بصروا بمالك سكتوا،فقال مالك: أيها الشيخ لك سعة في غير هذه الدار.
فقال الشيخ: هي دارى وأنا فروخ، فسمعت امرأته كلامه فخرجت وقالت: هذا زوجي وهذا ابنى الذي خلفه وأنا حامل به فاعتقنا جميعا وبكيا ودخل فروخ المنزل وقال: هذا ابني ؟
فقالت: نعم، قال: أخرجي المال الذي عندك، قال: تعرض: قد دفنته وأنا أخرجه، ثم خرج ربيعه إلى المسجد وجلس في حلقته فأتاه مالك والحسن وأشراف أهل المدينة وأصدق الناس به.
فقالت أمه لزوجها فروخ: أخرج فصل في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج فنظر إلى حلقة وافرة، فأتاها فوقف عليها فنكس ربيعة رأسه يوهمه أنه لم يره، وعليه قلنسوة طويلة، فشك أبوه فيه، فقال: من هذا الرجل ؟ فقيل: هذا ربيعة بن أبى عبد الرحمن، فقال: لقد رفع الله ابني، ورجع إلى منزله، وقال لوالدته: لقد رأيت ولدك على حالة ما رأيت أحداً من أهل العلم والفقه عليها.
فقالت أمه: فأيما أحب إليك ؟ ثلاثون ألف دينار أو هذا الذي هو فيه ؟ فقال: لا والله بل هذا
فقالت: أنفقت المال كله عليه، فقال: والله ما ضيعتيه (عودة الحجاب 2 /141 – 145).
فهؤلاء العظماء وغيرهم كان من ورائهم أم عظيمة كانت تغذيهم الإيمان مع الطعام، وتسقيهم الفضائل والأخلاق مع اللبن، فجاء هؤلاء الرجال العظماء الذين قادوا البشرية إلى الخير والرشاد وطارت أسماؤهم بالآفاق.
- ثانياً: الحرص على اختيار الزوج الصالح -
فكما إن حسن اختيار الزوج لزوجته من أسباب صلاح الولد، فكذلك حسن اختيار الزوجة لزوجها من أسباب صلاح الولد.(1/33)
وكما قيل: إن الرجل والمرأة كالبيت من الشِّعر, ولا يحسن في البيت من الشِّعر أن يكون شطره محكماً والشطر الآخر متخاذلاً. فيستحب للزوجة أن تختار لأبنائها أباً صالحاً ذا أخلاق ودين.
فقد أخرج الترمذي من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه,إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"
( السلسلة الصحيحة 1022 )
يقول الدكتور/عبد الله ناصح علوان كما هو في تربية الأولاد (1/31):
وأية فتنة أعظم على المرأة الصالحة من أن تقع في عصمة زوج إباحي فاجر يكرهها على السفور والاختلاط، ويجبرها على احتساء الخمر ومراقصة الرجال.
فكم من فتاة ـ ويا للأسف ـ كانت بين أهلها مثالا للعفة والطهارة فلما انتقلت إلى بيت إباحي وزوج متحلل فاجر, انقلبت إلى امرأة متهتكة مستهترة، لا تقيم لمبادىء الفضيلة أي قيمة, ولا لمفاهيم العفة والشرف أي اعتبار. ومما لاشك فيه إن الأولاد حين ينشئون في مثل هذا البيت المتحلل الماجن الآثم فإنهم سينشئون لا محالة على الانحراف والإباحية ويتربون على الفساد والمنكر.
إذا فالاختيار على أساس الدين والأخلاق من أهم ما يحقق للزوجين سعادتهما الكاملة المؤمنة وللأولاد تربيتهم الإسلامية الفاضلة وللأسرة شرفها الثابت واستقرارها المنشود . أ هـ
فعلى المرأة أن تختار لأبنائها أبا صالحا لأن صلاح الأب يكون معه صلاح الأبناء.
قال تعالى: { وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } ( الكهف:82 )
فترى هنا في هذه الآية إن صلاح الآباء عاد على الأبناء ـ في الغالب ـ
وأقول في الغالب؛ لأن من المعهود أن الأرض الطيبة لا تنبت إلا نبتا صالحا(1/34)
كما قال الله تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ( آل عمران: 34 ).
لكن قد نلاحظ خروجاً عن هذه القاعدة كما هو الحال مع نبي الله نوح ـ عليه السلام ـوابنه الذى مات كافرا وهذه لحكمة يعلمها الله سبحانه حتى لا يركن الإنسان إلى نفسه ويظن أنه بصلاحه سيرزق الولد الصالح دون الأخذ بأسباب صلاح الولد: من اختيار الزوجة وطلب الرزق الحلال والدعاء والتسمية عند الجماع، وغير ذلك من أسباب صلاح الأبناء والتي سنذكرها تباعا بمشيئة الله
ـ فلحرص الرجل على الذرية الصالحة، فإنه يأخذ بأسباب صلاح الأبناء وكذلك يحرص على صلاح نفسه رجاء أن يحفظ الله أولاده.
فقد كان سعيد بن المسيب يقول لابنه: لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن احفظ فيك
ثم تلا هذه الآية: { وكان أبوهما صالحاً } .
وها هو سهل التستر ى :
يتعهد ولده وهو في صلبه فيباشر إلى العمل الصالح رجاء أن يكرمه الله تعالى بالولد الصالح فيقول
" إنى لأعهد الميثاق الذي أخذه الله تعالى على في عالم الذر، وإنى لأرعى أولادى من هذا الوقت, إلى أن يخرجهم الله تعالى إلى عالم الشهود والظهور ( حاشية ابن عابدين: 1/ 53 )
فصلاح الآباء ينفع الأبناء
روى البيهقي في كتاب الاعتقاد بسنده إلى ابن عباس:
أنه لما نزل:{ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } ( النجم: 39 )
أنزل الله تعالى بعد ذلك: { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } ( الطور: 21 )
قال: يعنى بإيمان، فأدخل الله - عز وجل - الأبناء الجنة بصلاح الأبناء.(1/35)
وفي رواية: { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } قال ابن عباس: الله - عز وجل - يرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل ثم قرأ:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } ( الطور: 21 ) يقول: وما نقصناهم.
ويقول ابن كثير – رحمه الله – في تفسير هذه الآية (4 / 241 ):
يخبر الله تعالى عن فضله وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه إن المؤمنين إذا اتبعتهم ذريتهم في الأيمان يلحقون بآبائهم في المنزلة وإن لم يبلغوا عملهم؛ لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم فيجمع بينهم على أحسن الوجوه، بأن يرفع الناقص العمل بكامل العمل ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته للتساوي بينه وبين ذاك
ولهذا قال: { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } ( الطور: 21 )
فما أحلى اللقاء في الجنة بالأهل والأحباب الذين كانوا يجتمعون في الدنيا على ذكر وطاعة الرحمن فكانت الملائكة تدعو لهم وتقول: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ( غافر: 8 ).
- ثالثاً: الحرص على الدعاء والذكر لمن أراد الولد الصالح -
ينبغي بداية وقبل أي شيء أن يتوجه المؤمن إلى ربه حتى يرزقه الذرية الطيبة الصالحة وهذا كان دأب الأنبياء وعباد الله الصالحين,
فكان زكريا عليه السلام – يدعو ربه ويقول:
{َ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء } ( آل عمران: 38 )
وكذلك كان إبراهيم – عليه السلام ـ يقول في دعائه:
{ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء } ( إبراهيم: 40 )(1/36)
وكذلك نرى في دعاء المؤمنين وطلبهم للذرية الصالحة أن يكونوا قرة أعين لهم:
فقال الله تعالى عن دعائهم: { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }
( الفرقان: 74 )
فيأيها الوالد المبارك، احرص على الدعاء في هذه المواطن.
فعلى الزوج أن يحرص كل الحرص على أن يحصن أولاده قبل مجيئهم وذلك
1 - بأن يقول هذا الدعاء عند الدخول بالزوجة بعدما يضع يده على مقدمة رأسها
أي: ( يأخذ بناصيتها ) ثم يقول بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه "
فقد أخرج أبو داود بإسناد حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادماً فليقل: اللهم إني أسالك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها ومن شرها ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك ". (صحيح الجامع:341)
ـ جبلتها: أي خلقتها وطبعتها عليه.
2 – وكذلك يسن له أن يصلي بها ركعتين، ثم بعد الانتهاء يرفع يديه ويقول:
اللهم بارك لي في أهلي وبارك لهم في، اللهم أجمع بيننا ما جمعت بخير, وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير ( ابن أبى شيبة بسند صحيح )
3 – وعند جماعها يسن للزوج أن يقول:
" بسم الله، اللهم جنِّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا "
ففي صحيح البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" أما لو إن أحدكم يقول حين يأتي أهله: بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإن قضى بينهما بولد لم يضره الشيطان أبداً "
وذكر الحافظ في الفتح ( 9 \ 137 ) وقال وفي مرسل الحسن عن عبد الرزاق:(1/37)
إذا أتى الرجل أهله فليقل: بسم الله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا ولا تجعل للشيطان نصيباً فيما رزقتنا، فكان يرجى إن حملت أن يكون ولد صالح".
واختلف العلماء في معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يضره الشيطان أبداً:
فقالوا: المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية، بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم
{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ } ( الحجر: 42 ) ويؤيده مرسل الحسن السابق.
وقيل: لم يضره في بدنه.
وقيل: لم يصرعه، ونقل هذا النووي عن القاضي عياض.
وقال ابن دقيق العيد: يحتمل ألا يضره في دينه أيضاً.
وقال الداودي: معنى لم يضره، أي: لم يفتنه عن دينه إلى الكفر،
وليس المراد عصمته عن المعصية.
وقيل: لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد أنه قال:
إن الذي يجامع ولا يسمى، يلتف الشيطان على إحليله فيجامع معه.
قال الحافظ في الفتح ( 9 \ 137 ): ولعل هذا أقرب الأجوبة.
فالخلاصة: إن الجميع اتفق على أن التسمية عند الجماع من الوالد لها من البركة، والتي بها يعصم الولد من الشيطان وينال من الخير الكثير بسببها بخلاف من لم يسم.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما هو في زاد المعاد:
وقد يفوت الولد خير بسبب تفريط الأبوين، كترك التسمية عند الجماع.
وقال أيضا ً: والمولود ينتفع بذلك غاية الانتفاع – أي بالعقيقة – كما ينتفع بالدعاء له وإحضاره مناسك الإحرام.
4 – وكذلك يسن له الدعاء عند الولادة
فينبغي للوالد أن يكثر من الدعاء لولده وهو في بطن أمه كما كان يفعل الأنبياء والصالحين وكذلك يدعو له عند الولادة وكذلك تفعل الأم(1/38)
كما فعلت امرأة عمران فقالت: { إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{35} فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ{36} فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } ( آل عمران: 35 – 37 ).
قال ابن كثير: أي عوذتها بالله - عز وجل - من شر الشيطان وعوذت ذريتها وهو ولدها عيسى ـ عليه السلام ـ فاستجاب الله لها ذلك.
وله أن يزيد في الدعاء فيقول: اللهم أنبته نباتاً حسناً أي: اجعل له شكلا مليحا ومنظراً بهيجاً
وهذا مستفاد أيضا من قوله تعالى: { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً } ( آل عمران37 ).
والدعاء عند الولادة له فوائد منها :
الفائدة الأولى: تحصينه من الشيطان:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
" ما من بنى آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من مَسْ الشيطان غير مريم وابنها "
ثم قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : اقرءوا إن شئتم قوله تعالى: { وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }
( آل عمران: 36 ).
وفي صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان "
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (8 \ 212 ) في هذا الحديث:(1/39)
ظاهر الخبر أن إبليس مُمَكّن من مس كل مولود عند ولادته، لكن من عباد الله المخلصين من لم يضره ذلك المس أصلا، واستثنى من المخلصين مريم وابنها، فإنه ذهب يمس على عادته، فحيل بينه وبين ذلك. فهذا وجه الاختصاص ولا يلزم منه تسلطه على غيرهما من المخلصين.
وقال القرطبي ونقل ذلك عنه الحافظ في الفتح ( 6 / 541 ) أنه قال:
هذا الطعن من الشيطان هو ابتداء، فحفظ الله مريم وابنها منه ببركة دعوة أمها حين قالت:
{ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } ( آل عمران: 36 )
وفي صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" كل بنى آدم يطعن الشيطان في جنبه بإصبعه حين يولد، غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب ".
قال الحافظ: أي: المشيمة التي فيها الولد.
والحاصل:
إن الشيطان متسلط على الإنسان من أول يوم يولد فيه، فعلى الوالدين أن يتعلقا بالله - عز وجل - أن يحفظ هذا الجنين من ذلك الشيطان اللعين لتخرج الذرية الطيبة الصالحة المؤمنة والتي لا يضرها الشيطان.
الفائدة الثانية: تحصينه من العين والحسد:
وذلك عن طريق رقيته والدعاء له، فقد يصاب الولد بعين أحد الحاسدين " والعين حق "
كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - والحديث عند مسلم من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
فيدور الوالد عند الأطباء ويذهب ويجيء ولا ينفع معه نوع من هذا الطب إذ هو مريض بمرض من نوع آخر، ألا وهو الحسد ويحتاج إلى الرقية.
فقد أخرج الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما ـ قال:
رخصّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لآل حزم في رقية الحسد وقال لأسماء بنت عميس: مالي أرى أجسام بنى أخي ضارعة تصيبهم الحاجة ؟ قالت: لا ولكن العين تسرع إليهم، قال: ارقيهم قالت: فعرضت عليه، فقال: ارقيهم ".
ـ أولاد أخي: المراد أولاد جعفر بن أبى طالب ـ ضارعة: نحيفة(1/40)
فسبحان الله كيف أثرت العين في الأطفال وكانت سببا في نحافتهم وضعف أجسامهم.
وأخرج البخاري ومسلم عن أم سلمة – رضي الله عنها ـ:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في وجه جارية لأم سلمة سفعة فقال: استرقوا لها فإن بها النظرة.
ـ السفعة: أى التغير والسواد، وقيل: إن النظرة هي العين، وقيل: هي من مس الشيطان.
- وقفات -
الوقفة الأولى:أرضَ بما قسمه ووهبه الله تعالى لك :
فقد يرزق الوالد بولد دميم الخلقة أو ليس بالجميل فيتسخط على رزق الله تعالى وما علم هذا المسكين إن هذا الطفل ليس من أمره شيء فلا الجميل له يد في جماله حتى يشكر عليه، ولا الدميم له ذنب على دمامته حتى يلام عليه، فعلينا أن نرضى بما قسمه الله لنا ورزقنا إياه وهو القائل سبحانه:
{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ( آل عمران: 6 )
وقال تعالى:{ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى } ( الحشر: 24 )
وقال تعالى:{أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ{58} أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ } ( الواقعة 59:58 )
واعلم أيها الأب الكريم وأيتها الأم الفاضلة: إن الميزان الذي يوزن به العبد يوم القيامة هو ميزان التقوى لا ميزان الحسب ولا النسب ولا المال والشهرة والجمال.
قال تعالى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ( الحجرات: 13 ).
وأخرج البخاري عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال:
" سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أكرم الناس ؟ قال: أتقاكم لله "
فأفضل الناس: أتقاهم لله وإن كان دميم الخلقة؛ لأن الله تعالى ينظر إلى القلوب والأعمال ولا ينظر سبحانه إلى الصور والأجساد.
فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(1/41)
" إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ".
وعند مسلم أيضا:
" إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ".
فاحمد الله إن رزقت بولدٍ سوي وإن كان دميمًا
فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن عبد الله بن دُكَيْن أنه سمع كثير بن عبيد قال:
كانت عائشة - رضي الله عنها- إذا ولد فيهم مولود ( يعنى في أهلها) لا تسأل: غلاما أو جارية ؟
تقول: خلق سويا ؟ فإذا قيل: نعم. قالت: الحمد لله.
فيا لسعادة العائلة بوليدها المحبوب وبطلعته البهية وحركة يديه ورجليه التي تملأ النفوس سرورا وفرحا, وما أحلى نغمات صوته وهو يصرخ أو يبكى، إنه لأعذب لحن يقع على فؤاد الأم والأب والمحيطين به. (أحمد بن محمد بن طاحون "مجلة البيان")
والبعض قد حرم من هذه السعادة وحرم نعمة الأولاد فاحمد الله.
والبعض رزقه الله الأولاد لكن خرج هذا الولد به عاهة أو مشوه فأرهق والديه واستنفد مامعهما من مال على الأطباء فاحمد الله.
بل انظر إلى سليمان الذي وهبه الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده يرزق بنصف إنسان.
فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كل تأتى بفارس يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فطاف عليهن جميعا فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة فجاءت بشق رجل، وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال:إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون.
فسبحان الله ليس لأحد من أمره شيء والأرزاق يقسمها الله وهو الوهاب ـ سبحانه وتعالى ـ
فهذا الولد الذي يتسخطه الوالدان على دمامته فقد يكون عند الله وجيها.
وصدق الله حيث قال { : وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } ( البقرة: 221 ).(1/42)
وكذلك قال ربنا: { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } ( البقرة: 221 ).
ولقد قال الله تعالى في شأن أهل النفاق: { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } ( المنافقون: 4 )
وكذلك ينبغي عدم تسخط البنات:
فعلى الإنسان أن يرضى برزق الله له ذكراً كان أم أنثى فالرازق هو الله والوهاب هو الله.والأمر بيده وحده، وهو خالقنا ونحن عبيده، نسلم له فهو الملك المانح المانع، وهو سبحانه يخلق ما يشاء ويختار.
قال تعالى: { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ{49} أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } ( الشورى 49: 50 ).
فبين الله - عز وجل - في هذه الآيات إكرامه للبنات وتوضيح ذلك فيما يلي:
أولاً: بأنهن من هبة الله فكيف يتسخط العبد ما وهبه الله له وقسم له ؟!!
لاشك أن من يتسخطهن فهو خصيم قدر الله - عز وجل - وكأنه يعترض على قسمته وقدره.
ثانياً: إن الله قدمهن في الآية إبطالا لما كان عليه الناس في الجاهلية من تحقير شأنهن،
قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ{58} يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ } ( النحل 58: 59 ).
ثالثاً: إن في خلقهن بيان لشمول قدرة الله في الخلق فقد قسم رزق الأولاد إلى أربع أقسام أشتمل عليه الوجود وهى:
1 – من يرزق الإناث فقط.
2 – من يرزق الذكور فقط.
3 – من يرزق الإناث والذكور.
4 – من يكون عقيما.
فسبحان من شملت قدرته كل شيء وبهرت حكمته العقول.
ثم إنك لا تدرى أيهما لك أفضل البنت أم الولد(1/43)
قال تعالى: { آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } ( النساء: 11).
وقال أيضاً: { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }
( البقرة: 216 )
فكم من بنت كانت سبباً في سعادة والديها وأقاربها في الدنيا والآخرة، وكم من ولد كان سبباً في تعاسة آبائه وشقاوتهم والعياذ بالله
فمريم الصديقة أنثى أنجبت نبياً من الصالحين
وفاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنجبت سيدا شباب أهل الجنة
فهل ثمّ مقارنة بين فاطمة أو مريم ؟ وبين ولد نوح وهو ذكر، ذلك الذي أصر على الكفر والعناد ومات على الكفر والعياذ بالله ؟
وهاهو الغلام الذي ذكره ربنا في سورة الكهف والذي لو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً
قال تعالى: { وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } ( الكهف: 80 ).
فعلى الإنسان أن يرضى بقضاء الله وقدره ويسلم بما رزقه الله إياه، ويحمد الله على سلامة المولود من الآفات البد نية والصحية تأسىاً بسلفنا الصالح.
فقد مر بنا كما في الأدب المفرد للبخاري باب " من حمد الله عند الولادة إذا كان سوياً ولم يبال ذكراً كان أم أنثى ثم ساق بسنده عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ:
إذا ولد فيهم مولود – يعني في أهلها – لا تسأل غلاماً أم جارية تقول : خلق سويا ؟ فإذا قيل: نعم قالت: الحمد لله رب العالمين.
قال البيهقي كما في شعب الإيمان ( 6/389 ):
فكل من ولد له ولد من المسلمين ذكراً أو أنثى – فعليه أن يحمد الله ـ جل وعلا ـ على أن أخرج من صلبه نسمة مثله تدعى له وتنسب إليه.
فالخلاصة: أن تسخط البنات أمر خطير وفيه عدة محاذير منها:(1/44)
1 – أنه اعتراض على قدر الله - عز وجل - وهو القائل:{ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ} (الشورى:49)
2 – أن فيه رداً لهبة الله بدلاً من شكرها وكفي بذلك تعرضاً لمقت الله.
3 – أن هذا تشبه بأخلاق الجاهلية { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } ( النحل: 58 )
4 – أنه دليل على السفه والجهل والخلل في العقل.
5 – أنه تحميل للمرأة مالا تطيقه فبعضهم يغضب على المرأة بمجرد إتيانها الأنثى
فللأسف إن البعض يعتقد أن المرأة هي المسئولة عن إنجاب الذكور وقد أثبتت التجارب والأبحاث العلمية الحديثة أن نوع المولود لا دخل بالأم فيه مطلقاً وأن الرجل هو الذي يحمل أيا من النوعين (xy –xx ( بإذن الله.
وهذا ما كانت المرأة القديمة تعتقده بفطرتها السليمة
فهذه امرأة رجل يسمى أبو حمزة هجرها لأنها لم تلد بنينا فقالت:
ما لأبى حمزة لا يأتينا ... ويذهب للبيت الذي يلينا
تراه حيران غضبان ... لأننا لم نلد البنينا
والله ما هذا لعيب فينا ... فنحن كالأرض لزارعينا
ننبت ما قد ألقى فينا
6 – أن هذا فيه إهانة للمرأة وحطّاً من قدرها.
ولقد جاء الإسلام وأعلى من قدر المرأة وعَظّم شأنها وبين لنا أن تربية الأولاد والإحسان إليهن أجره
عظيم.
أ– فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت:
جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها فسألتني فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئاً ثم قامت فخرجت وابنتاها. فدخلت على النبى - صلى الله عليه وسلم - فحدثته حديثها فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - :من ابتلى من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار"
ب – وعند مسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت:(1/45)
جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات. فأعطت كل واحدة منهما تمرةورفعت إلى ِفيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما. فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:
" إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار "
ـ فِيها: فَمُهَا
جـ – وفي صحيح مسلم كذلك عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه ".
وبهذا تعلم إلى أي مدى أكرم الإسلام المرأة من يوم قدومها وكيف حارب الذين يعتدون على هذه الضعيفة.
فقال الله تعالى: { وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ{8} بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } ( التكوير 9:8 ).
وقال تعالى:{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } ( الأنعام: 140 ).
وأخرج النسائي بإسناد جيد أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال:
" اللهم إنى أُحَرِّج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة "
أُحَرِّج: أُلحق الحرج والإثم بمن ضيع حقهما.
وإذا نظرت في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الأول وفيه:
" من ابتلى من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار "
فلماذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتلى ؟ أي: لماذا سماه ابتلاء ؟(1/46)
كما نعلم أن الابتلاء يعنى الاختبار، إن من رزق بالبنت فهل يفعل كما كان العرب في الجاهلية يفعلون من التسخط عليهن وعدم الرغبة في إبقائهن وقتلهن ؟ أم أنه يرضى بما رزقه الله ويحسن إليهن، والإحسان إلى البنت كما جاء في الحديث ليس المقصود به الطعام والشراب واللباس فقط بل لابد أن يجمع مع ذلك أدباً ورحمة وكفالة وتزويج، فالإحسان إلى البنت يفسره بعض ألفاظ الحديث في روايات أخرى كما عند أحمد وابن ماجة بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من كان له ثلاث بنات فصَبَرَ عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته، كن له حجاباً من النار يوم القيامة".
وعند الطبراني من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعاً:
"فأنفق عليهن وزوجهن وأحسن أدبهن".
وعند الإمام أحمد من حديث جابر مرفوعاً: "يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن".
وعند الترمذي من حديث أبى سعيد الخدري - رضي الله عنه - مرفوعاً:
"فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن".
فكلمة الإحسان في الحديث: تدل على مزيد الاعتناء بالبنت لأن الإحسان هو ما يزيد على الواجب، فلا بد من الإحسان إلى البنات لما فيهن من الضعف غالباً عن القيام بمصالح أنفسهن بخلاف الذكور الذين فيهم قوة البدن وجزالة الرأي وإمكان التصرف في الأمور وهكذا.
وقد سئل فضيلة الشيخ/ عبد العزيز بن باز – رحمه الله ـ عن الإحسان المذكور في الحديث
فقال: الإحسان للبنات ونحوهن يكون بتربيتهن التربية الإسلامية وتعليمهن وتنشأتهن على الحق والحرص على عفتهن وبعدهن عما حرم الله
فمن فعل ذلك منا مع بناته نال الأجر العظيم الذي أخبر عنه البشير - صلى الله عليه وسلم - .
قال الحسن البصري – رحمه الله –:
البنات حسنات، والبنون نِعَم، والحسنات مجزياً عليهم والنعم محاسباً عليها. أهـ(1/47)
بل أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدفع ما كان عليه العرب من كراهية البنات بصورة عملية فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يهتم بأمر البنات فكان يحمل أمامه بنت زينب في الصلاة وهذه بنت بنته إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها
والحديث عند البخاري، فكل من يتسخط البنات نقول له كما قال ربنا سبحانه:
{ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ تَعْلَمُونَ } ( البقرة:216 )
فكم من ولد كان وبالاً على أبويه وكم من بنت كانت رحمة على والديها.
ومن رحمة الشرع الحكيم بهذه المخلوقة الضعيفة، حث الشرع على الاهتمام بها، ولم يتركها ألعوبة تتلقفها أيدي العابثين حيث وسع نطاق إعالة البنات حيث أضاف الأخوات أيضاً
فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، فيحسن إليهن، إلا كن له ستراً من النار " ... ... ... ... ... ( صحيح الجامع:5372)
الوقفة الثانية: البشارة والتهنئة برزق الأولاد:
يستحب بشارة من ولد له مولود وتهنئته
قال تعالى في قصة إبراهيم - عليه السلام - : {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ } ( الصافات: 101 ) .
وقال الله تعالى: { وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيم } ( الذاريات: 28).
وقوله تعالى: { إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيم } ( الحجر:53).
وقال تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى } ( مريم: 7 ).
ولما كانت البشارة تسر العبد وتفرحه استحب للمسلم أن يبادر إلى مسرة أخيه وإعلامه بما يفرحه ولما ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بشرت به ثويبة أبا لهب، وكانت مولاة وقالت: قد ولد الليلة لعبد الله ابن فاعتقها أبو لهب مسرورا به، فلم يضيع الله ذلك له، وسقاه بعد موته في النقرة التي في أصل إبهامه.(البخاري)
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ:(1/48)
فإن فاتته البشارة استحب له التهنئة، والفرق بينهما: ـ أى البشارة والتهنئة – إن البشارة إعلام له بما يسره، والتهنئة دعاء له بالخير فيه بعد أن علم به، ولهذا لما أنزل الله توبة كعب ابن مالك وصاحبيه ذهب إليه البشير فبشره فلما دخل المسجد جاء الناس فهنئوه.
ويستحب للمبشر أن يهدى شيئاً للمبشر كما أهدى كعب بن مالك للرجل الذي بشره بالتوبة رداءه. والقصة معروفة كما في الصحيحين وهذا من شدة السرور بالبشرى، وكانت الجاهلية يقولون في تهنئتهم بالنكاح: بالرفاء والبنين
ـ الرفاء: الالتحام والاتفاق، أن تزوجت زواجا يحصل به الاتفاق والالتحام بينكما
ـ والبنون: فيهنئون سلفاً وتعجيلاً، ولا ينبغي للرجل أن يهنئ بالابن ولا يهنىء بالبنت، بل يهنىء بهما أو يترك التهنئة بهما؛ ليتخلص من سنة الجاهلية فإن كثيرا منهم يهنئون بالابن وبوفاة البنت دون ولادتها. (تحفة المودود بتصرف)
ألفاظ التهنئة:
لم يرد نص معين يقال عند التهنئة بالولد، والظاهر أن الأمر فيه سعه شريطة ألا يبدو في الدعاء بالتهنئة إظهار عادات الجاهلية كالفرح بالذكر دون الأنثى.
ولا بأس أن يدعو بمثل ما ثبت عن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ وذلك أن رجلا جاء إليه وعنده رجل قد ولد له غلام فقال له: ليهنئك الفارس، فقال له الحسن: ما يدريك فارس هو أم حمار، قال: كيف نقول ؟ قال: " قل بورك في الموهوب وشكرت الواهب وبلغ أشده ورزقت بره".
وأخرج الطبراني في كتاب الدعاء (2/1243) بسند حسن:
أن رجلا سأل الحسن البصري عن التهنئة وكيف نقول ؟ قال له الحسن البصري – رحمه الله ـ:
قل: جعله الله مباركاً عليك وعلى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
فمثل هذه الآثار والتي جاء فيها ألفاظ التهنئة بالمولود أفضل من غيرها من الألفاظ التي أخذتها الناس اليوم كما أننا لا نلزم بها أحدا؛ لأنه ليس فيها شيئا معروفا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن فعل فخير ومن لم يفعل فلا ضير.
- رابعاً: التأذين -(1/49)
وهل يشرع التأذين في أذن المولود عند الولادة ؟
قال ابن القيم كما في تحفة المولود:
وسر التأذين – والله أعلم – أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة بكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها الإسلام فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره به وإن لم يشعر.
مع ما في ذلك من فائدة أخرى: وهى هروب الشيطان من كلمات الآذان وهو كان يرصده حين يولد، فيقارنه للمحنة التي قدرها الله وشاءها فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به
وفيه معنى آخر: وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان كما كانت فطرة الله التي فطر الناس عليها سابقة على تغير الشيطان لها ونقله عنها، ولغير ذلك من الحكم.
ويقول أيضاً باحارث في كتاب مسئولية الأب المسلم:
فلا ينبغي إهمال هذه السنة المباركة محتجين بأن الطفل لا يعي ذلك لصغر سنه، فإن واعية الطفل تحفظ نبرات وتقطيعات الأذان إلى جانب أن الشيطان الذي يحضر عادة ولادة المولود يهرب من سماع الأذان
فقد أخرج البخاري ومسلم في فضل الأذان وهروب الشيطان عند سماعه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إن الشيطان إذا سمع الأذان يولى وله ضراط ".
فالشيطان حين يولد الطفل يتربص به ويتهيأ له حتى يعصره عصرة لم ينج منها إلا عيسى ابن مريم وأمه
فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" ما من مولود إلا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين إلا عيسى ابن مريم ومريم "
فالآذان في أذن المولود بعد ولادته مباشرة يجعل دعوة الله إليه سابقة على دعوة الشيطان وعصره إياه
وقد مر بنا كلام ابن القيم حيث قال كما في تحفة المودود صـ 25:
وفي التأذين معنى آخر وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام والى عبادته سابقه على دعوة الشيطان.(1/50)
يقول صاحب كتاب تربية الأطفال في الإسلام صـ 90:
ولا يخفي أن هذه الشعيرة إشارة إلى الوالدين أنفسهما إلى أن التربية الصحيحة التي يجب أن ينشأ عليها الأبناء منذ النزول إلى هذه الحياة يجب أن تكون قائمة على التوحيد وما عداها فهي تربية زائفة.
وقفة:
التحقيق في الأحاديث التي جاءت في التأذين في أذن المولود:
وردت ثلاثة أحاديث في التأذين في أذن الصبي وجميعها لا تخلو من مقال
الحديث الأول:
ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (6 /390) وابن السني( في عمل اليوم والليلة ح 623) عن الحسين بن علىـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان".
وفي هذا الحديث مروان بن سالم الغفاري وهو متروك، ويحيى بن العلاء وكلاهما يضع الحديث فالحديث إذا موضوع ( انظر ضعيف الجامع ( ح 588 ) والضعيفة ( ح 321 )
الحديث الثاني:
حديث أخرجه الترمذي وغيره من حديث أبى رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن في أُذن الحسن بن علىّ بالصلاة حين ولدته فاطمة ـ رضي الله عنها ـ
وهذا الحديث ضعيف ضعفه المباركفوري في شرحه على الترمذي
وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف، كما قال ذلك الحافظ في التقريب
وضعفه الألباني – رحمه الله –
ولكن قواه الألباني وحسنه كما في سنن الترمذي رقم (1224) وفي سنن أبى داود رقم (4258) وفي إرواء الغليل رقم 1173، وقال: هذا حديث حسن إن شاء الله.
قال الألباني ـ رحمه الله ـ كما في السلسلة الضعيفة ( 1 /493 ):
قد روى الترمذى بسند ضعيف عن ابن رافع قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذَّن في أُذن الحسين بن على حين ولدته فاطمة بالصلاة وقال الترمذى حديث صحيح والعمل عليه.أهـ
ثم قال الشيخ الألباني: يمكن تقوية حديث أبى رافع بحديث ابن عباس ثم ذكره(1/51)
وهذا هو الحديث الثالث الذي معنا في هذا الباب.
فقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان (6 /8620) عن ابن عباس – رضي الله عنهما ـ
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَذَّن في أُذن الحسن بن علىّ يوم ولد فأَذَّن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى.
فقال الألباني – رحمه الله ـ:
فلعل إسناد هذا خير من إسناد حديث الحسين بحيث يصلح أن يكون شاهداً لحديث أبى رافع والله أعلم فإن كان كذلك فهو شاهد للتأذين، فإنه الذي ورد في حديث أبى رافع، وأما الإقامة فهي غريبة
والله أعلم
ثم قال الشيخ الألباني في الإرواء ( 4 /401 ):
وقد روى الحديث عن ابن عباس أيضا بسند ضعيف أوردته كشاهد لهذا الحديث عند الكلام على الحديث الآتى بعده في سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم (21 3) ورجوت هناك أن يكون شاهدا لهذا
والله أعلم
لكن انتهى الشيخ الألباني أخيراً بعد البحث: إلى أن حديث أبى رافع ضعيف أيضا، ولا يصلح حديث ابن عباس شاهداً له.
فقد قال الشيخ كما في السلسلة الضعيفة طبع مكتبة المعارف (1/494) رقم(321):
وأقول الآن وقد طبع الشعب أنه لا يصلح شاهداً لأن فيه كذاباً ومتروكاً فعجبت من البيهقي ثم ابن القيم، كيف اقتصرا على تضعيفه ؟ حتى كدت أن اجزم بصلاحيته للاستشهاد، فرأيت من الواجب التنبيه على ذلك وتخريجه فيما يأتي ( 6121 ) – أ هـ من كلام الشيخ ـ رحمه الله ـ
ملحوظة:
بعد أن علمنا أن الأحاديث الواردة في التأذين في أذن المولود ضعيفة، فلا ينبغي أن نفعل ذلك على أنها سنة وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكن من فعلها من باب أن الشيطان يخنث ويولى ويهرب إذا سمع الآذان كما أخبر الحبيب العدنان
فقد أخرج البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الشيطان إذا سمع الآذان يولى وله ضراط "
وعلى هذا فالآذان ينفع المولود لما له من هذه الخاصية
يقول ابن القيم كما في زاد الميعاد:(1/52)
ومن المعلوم أن بعض الكلام له خواص ومنافع مجربة فما الظن بكلام رب العالمين.
- خامساً :تحنيك المولود -
التحنيك لغة وشرعاً:
هو مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي، فيقال حنكت الصبي إذا مضغت التمر ثم دلكته بحنكه.
وعلى هذا التحنيك معناه: هو مضغ التمرة حتى تصير مائعاً ثم دلك حنك المولود بها، وذلك بوضع جزء من الممضوغ على الإصبع وإدخال الإصبع في فم المولود ثم تحريكه يميناً وشمالاً بحركة لطيفة حتى يتبلغ الفم كله بالمادة الممضوغة.
ومن الأفضل أن يقوم بعملية التحنيك من يتصف بالتقوى والصلاح تبركاً وتيمناً بصلاح المولود وتقواه. ( تربية الأولاد في الإسلام:1/71)
فالتحنيك سنة، وكانت من هدى النبي - صلى الله عليه وسلم -
والأدلة على ذلك كثيرة: ـ
1 ) ما أخرجه الإمام مسلم من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ:
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يؤتى بالصبيان فّيبرك عليهم – يدعو لهم بالبركة - ويحنكهم.
قال النووي كما في شرح مسلم ( 14 \ 123 ):
وهو سنة بالإجماع ومستحب الدعاء له بالبركة.
2 ) أخرج البخاري ومسلم من حديث أبى موسى - رضي الله عنه - قال:
ولد لي غلام فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة
زاد البخاري: ودعا له بالبركة ودفعه إلىّ وكان أكبر ولد أبي موسى.
3 ) أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:(1/53)
كان ابن لأبى طلحة يشتكى، فخرج أبو طلحة فقُبض الصبي, فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني ؟ قالت أم سليم هو اسكن مما كان(1) فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها, فلما فرغ قالت: واروا الصبي(2)، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله فأخبره فقال: أعْرَسْتُمُ الليلة؟ (3) قال: نعم، قال: اللهم بارك لهما، فولدت غلاماً، فقال لي أبو طلحة: احمله حتى تأتى به النبي، فأتى به النبي وبعثت معه تمرات فأخذه النبي فقال: أمعه شيء ؟ قالوا: نعم تمرات، فأخذها النبي فمضغها، ثم أخذها من فيه فجعلها في في الصبي ثم حنكه وسماه عبد الله".
(1) ـ هو أسكن مما كان: قال النووي:هذا من استعمال المعاريض عند الحاجة، وهو كلام فصيح والمفهوم منه: أنه قد هان مرضه وسهل وهو في الحياة.
(2) ـ واروا الصبي: ادفنوه (3) ـ أعرستم: كناية عن الجماع أن جامعت زوجتك ؟
ملحوظة:
أ – هذا الحديث والذي قبله فيه دليل على جواز التسمية يوم الولادة.
ب – قال النووى كما في شرح مسلم ( 14 /372 ):
تفويض تسميته إلى صالح فيختار له اسماً يرتضيه
وفي رواية مسلم من حديث أنس أيضاً ـ رضي الله عنه ـ قال:
"ذهبت بعبد الله بن أبى طلحة الأنصارى إلى رسول الله حين ولد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عباءة يهنأ بعيراً له فقال: هل معك تمر ؟ فقلت: نعم فناولته تمرات فألقاهن في فيه فلاكهنّ ثم ففر فاه الصبي فمجه في فيه فجعل الصبي يتلمظه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حب الأنصار التمر، وسماه عبد الله".
وفي رواية:" أبت الأنصار إلا حب التمر".
ـ يهنأ بعيراً له: أي يطليه بالقطران ـ ففرّ فاهُ: أي فتحه.
ـ فلاكهن: قال أهل اللغة: اللوك: مختص بمضغ الشيء الصلب. ـ فمجه: أي طرحه.
ـ يتلمظه: أي يحرك لسانه ليتتبع ما في فِيه من أثار التمر، والتلمظ واللمظ: فعل ذلك اللسان يقصد به فاعله تنقيه الفم من بقايا الطعام، وكذلك ما على الشفتين وأكثر ما يفعل ذلك في شيء يستطيبه(1/54)
حب الأنصار التمر: قال النووي روى بضم الحاء وكسرها، فالكسر: بمعنى المحبوب، كالذبح بمعنى المذبوح أى: محبوب الأنصار التمر: أما من ضم الحاء فهو مصدر.
قال الحافظ كما في الفتح ( 9 /588 ): وينبغي عند التحنيك أن يفتح فاه حتى ينزل جوفه.
4 ) أخرج البخاري ومسلم من حديث أسماء بنت أبى بكر ـ رضي الله عنهما ـ:
أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة، قالت: فخرجت وأنا مُتِمٌ (1) ، فأتيت المدينة فنزلت بقباء، فولدته بقباء، ثم أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعه في حِجْرِه، ثم دعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فِيهِ.
فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم حنكه بالتمرة، ثم دعا له وبَرَّك عليه (2) ، وكان أول مولود ولد في الإسلام.
الحكمة من التحنيك:
قال صاحب كتاب تربية الأولاد في الإسلام ( 1/77 ):
ولعل الحكمة في ذلك تقوية عضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك مع الفكين بالتلميظ حتى يتهيأ المولود للقم الثدى وامتصاص اللبن بشكل قوى وحالة طبيعة، ومن الأفضل أن يقوم بعملية التحنيك من يتصف بالتقوى والصلاح.
وقال محمد سعيد مولوي كما في كيف يربى المسلم ولده صـ 97:
إن في تحنيك الطفل وفرك منابت الأسنان بالتمر المعجون الحلو تحريكاً للدم، وتهييجاً غريزياً لآلية البلع في فم الطفل مما يهيؤه لتلقى الثدى وتقبل اللبن والرضاع.
وأثبت الطب الحديث فائدة عظيمة للتحنيك:
وهى نقل بعض الجراثيم في الأمعاء لتساعد على عملية الهضم.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 9 /588 ):
أنه يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل.
لكن قال الإمام العَيْنى في عمدة القارىء بشرح صحيح البخاري ( 21 /94 ):
__________
(1) مُتِمٌ : أي قاربت على الولادة..
(2) ودعا له ثم بارك عليه : يحتمل أن يكون دعا له بدعوات وزاد عليها الدعاء بالبركة، فيكون من ذكر الخاص بعد العام، ويحتمل أن يكون دعا له بالبركة، فيكون عطف تفسير.(1/55)
فإن قلت ما الحكمة في تحنيكه ؟ قلت: قال بعضهم يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل فيقوى عليه. فيا سبحان الله ما أبرد هذا الكلام، وأين وقت الأكل من وقت التحنيك حين يولد ؟
والأكل غالباً بعد سنتين أو أقل أو أكثر.
والحكمة فيه: أن يُتفاءل له بالإيمان لأن التمر ثمرة الشجرة التي شبهها رسول الله بالمؤمن وبحلاوته أيضا ولاسيما إن كان المحنك من أهل الفضل والعلماء والصالحين لأنه يصل إلى جوف المولود في ريقه، ألا ترى أن رسول الله لما حنك عبد الله بن الزبير حاز من الفضل والكمالات ما لا يوصف وكان قارئاً للقرآن عفيفاً في الإسلام، والتقدم في الخير ببركة ريقه المبارك .أ هـ
فوائد:
1 - يتبرك بريق النبي - صلى الله عليه وسلم - في زمانه أما الآن فلا يجوز التبرك بريق غيره.
2 – هذه بعض الحكم الذي اجتهد بعض أهل العلم في إظهارها، ولكن سواء علمنا الحكمة من التحنيك أم لم نعلم، فالتحنيك: سنة مستحبة ثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا ينبغي تركها سواء علمنا ما فيها من الفوائد أم لم نعلم
وقت التحنيك:
فالسنة أنها ساعة ولادته كما هو الظاهر من الأحاديث السابقة، وأن يكون التحنيك بالتمر، وهو أول ما يتلمظ بريقه.
بأى شيء يكون التحنيك ؟
السنة في ذلك: أن يكون التحنيك بالتمر؛ لأنه هو الثابت عن النبى - صلى الله عليه وسلم - في تحنيكه للأطفال ومنهم
( إبراهيم بن أبى موسى، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن أبى طلحة ) فالسنة أن يلتمس التمر.
ففي حديث أسماء السابق عند مسلم في تحنيك النبى - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن الزبير، قالت عائشة: فمكثنا ساعة نلتمسها قبل أن نجدها، يعنى: التمر،
فإن أعياهم ذلك ( أى فقد التمر ) فقد أجاز العلماء التحنيك بما في معناه.
قال النووى ـ رحمه الله ـ: فإن تعذر فما في معناه، وقريب من الحلو.
قال الحافظ ابن حجر كما في فتح البارى ( 9/ 588 ):(1/56)
وأولاه التمر، فإن لم يوجد تمر فرطب، وإلا فشيء حلو، وعسل النحل أولى من غيره.
وخلاصة القول: إن التحنيك يكون بالتمر، فإن لم يوجد فبأي شيء حلو.
ولكن الأرجح هو عدم العدول عن التمر إلى غيره؛ لأنه لم يرد في السنة إلا التحنيك بالتمر.
فإن قيل فما الحكمة في اختصاص التمر ؟؟
يجيب على ذلك ابن النحوي كما في الفتوحات الربانية ( 6/96 ) فيقول:
تحنيكه بالتمر تفاؤلاً بالإيمان؛ لأنها ثمرة الشجرة التي شبهها - صلى الله عليه وسلم - بالمؤمن، ولحلاوتها أيضاً.
- سادساً:حلق رأس المولود والتصدق بوزن شعره فضة -
فيستحب حلق رأس المولود في اليوم السابع كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - :
1ـ فقد أخرج أبو داود والترمذي وحسنه الألباني عن الحسن عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه "
2ـ وأخرج الترمذي أيضا بسند حسن حسنه الألباني عن علىّ - رضي الله عنه - قال:
عق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن بشاة وقال: يا فاطمة احلقي رأسه( صحيح الترمذي ح 1226)
قال ابن عبد البر: أما حلق رأس الصبي عند العقيقة، فإن العلماء كانوا يستحبون ذلك.
يقول د/ عدنان صالح باحارث في مسئولية الأب المسلم صـ61:
وهذه السنة المباركة قد أهملت ولم يعد يفعلها إلا القليل، فلا ينبغي للأب المسلم أن يزهد فيها أو يغفلها باحتمال أنه ربما أضرت الحلاقة بالمولود أو أنه لا يحسن الحلاقة – فبالإمكان تكليفه لغيره لمن لديه خبرة أن يتولى إزالة الشعر فتحصل البركة باتباع السنة وأجر الصدقة على الفقراء والمساكين.
ويقول ابن القيم- رحمه الله ـ كما في زاد المعاد (1/69):(1/57)
وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بهدى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجب علي كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلية به ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه، والناس في هذا بين مستقل ومستكثر ومحروم والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
فوائد:
الفائدة الأولى:
1 – إزالة الشعر لا يختص بالذكر وحده دون الأنثى بل الحكم عام يشمل الذكر والأنثى
وإلي ذلك يشير النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند الدارمي وغيره فيقول:" إنما النساء شقائق الرجال "
وعلى هذا فلا يجوز التفريق إلا بنص يدل عليه، وليس في هذا المسألة نص يفرق بين الجنسين.
الفائدة الثانية:
ما معنى إماطة الأذى عن المولود ؟ والتي ورد ذكرها في غير حديث:
1- فقد أخرج الترمذي وحسنه الألباني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:.
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق "
( صحيح سنن الترمذي2/371)
2- وأخرج البخاري وأبو داود الترمذي عن سلمان بن عامر الضبي - رضي الله عنه - قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى "
وقد اختلف أهل العلم في معنى الإماطة في هذا الحديث فمنهم من ذهب إلي أنه: حلق الرأس
ومنهم من ذهب إلى غير ذلك.
- وممن ذهب إلى أن أماطة الأذى المقصود به هو حلق الرأس:
محمد بن سيرين و الأصمعي والحسن والطحاوي في مشكل الآثار.
فقد أخرج أبو داود عن محمد بن سيرين بأنه قال:
إن لم يكن الأذى حلق الرأس فلا أدري ما هو
ووافق الأصمعي ابن سيرين على ذلك وجزم بأن أماطة الأذى: هو حلق الرأس
وهذا ما رجحه الشوكاني في نيل الأوطار.
وأخرجه أبو داود عن الحسن كذلك وصححه الألباني كما في سنن أبى داود.
وقال الطحاوي في المشكل ( 1/ 460 ):(1/58)
وقد يحتمل أن يكون الأذى الذي يماط عن رأسه هو حلق الشعر الذي عليه كمثل المراد
في قوله تعالى: { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ } (البقرة:196)
لكن الحافظ بن حجر قال في الفتح: لا يتعين ذلك في حلق الرأس..
فقد وقع في حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عند الطبراني:
"ويماط عنه الأذى ويحلق رأسه " فعطفه عليه، فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس.
والراجح: هو حمل إماطة الأذى على حلق الرأس وذلك لأمور:-
1 – أن الحديث الذي استدل به الحافظ بن حجر على أن إماطة الأذى أعم من حلق الرأس هو حديث أخرجه الطبراني في الأوسط(1/334) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:
"سبعة من السنة في الصبي: يوم السابع يسمى ويختن ويماط عنه الأذى وتثقب أذنه ويعق عنه، ويحلق رأسه، ويلطخ بدم عقيقته، ويتصدق بوزن شعره من رأسه ذهب أو فضة". هذا الحديث فيه رِواد بن الجراح وهو ضعيف، فلا يجوز الاستدلال بمثل هذا الحديث لضعفه.
وعلى هذا لم يثبت في حديث واحد الجمع بين الحلق والإماطة حتى يقال: إنهما متغايران، إلا في هذا الحديث السابق وقد علمت ما فيه.
2 – أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى " هذا أمر مجمل يحتاج إلى بيان فجاء التبيين في قوله - صلى الله عليه وسلم - :" عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة " وبقى تفسير الإماطة
فيكون قوله - صلى الله عليه وسلم - : ويحلق رأسه هو المبين لمعنى الإماطة.
3 – إن المتبادر إلى الذهن في معنى الإماطة: هو الحلق، أما الذين قالوا: إن لفظة الإماطة تحمل على المعنى الأعم وهو الختان وتنزيه مس الصبي بدم، وحلق الشعر.
ويُرد عليهم بحديث فاطمة عندما قالت للرسول - صلى الله عليه وسلم - : أعق عنه ؟ - أي الحسن – قال لها:
لا تُعقِى عنه ولكن احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة(1/59)
فهو - صلى الله عليه وسلم - عق عنه كما في رواية علىّ فلم يبق إلا إماطة الأذى – فقال لها: احلقي رأسه
فكان هذا منه بياناً لمعنى الإماطة، ولم يقل لها: اختني أو لا تمسى رأسه بدم.
هذا وقد بين ابن القيم فوائد حلق الرأس فقال ـ رحمه الله ـ:
وكان حلق رأسه إماطة للأذى عنه وإزالة للشعر الضعيف فيخلفه شعر أقوى وأمكن معه وأنفع للرأس مع ما فيه من التخفيف عن الصبي وفتح مسام الرأس ليخرج البخار منها بيسر وسهولة، وفي ذلك تقويه بصره وشمه وسمعه.
* النهي عن مس رأس المولود بدم عقيقته:
فالبعض يقوم بهذا الفعل استناداً إلى الحديث السابق الذي أخرجه الطبراني عن ابن عباس
ـ رضي الله عنهما ـ وقد مر بنا إلى أن هذا الحديث ضعيف ولا يجوز التعويل عليه ولا العمل به، بل العمل على خلافه فقد جاء النهى عن فعل ذلك.
أ ـ فقد أخرج ابن ماجة والطبراني في الكبير والأوسط بسند حسن عن يزيد بن عبد المزني عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم " (السلسلة الصحيحة2452)
ب ـ وأخرج بن حبان وعبد الرزاق وأبو يعلى والبزار والبيهقي بسند صحيح عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان أهل الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة ويحيلونه على رأس الصبي فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل مكان الدم خلوقاً
وبعد أن علمت حكم تلطيخ رأس المولود بالدم وأن هذا محرم ( لأن هذا الذي تقتضيه صيغة النهى ) فهناك البديل: ألا وهو الخلوق كما في حديث عائشة السابق،
وإلى هذا ذهب الإمام مالك كما في الموطأ ( 2/ 206 ):
وبهذا أفتى الزهري كما في مصنف ابن أبى شيبة ( 8 / 55 ) ويؤيد هذا أيضاً:
جـ ـ ما أخرجه أبو داود والطحاوي والحاكم والبيهقي في الكبرى عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال:
كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران.(1/60)
والخلوق: طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة . (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (2 / 71 ) .
وعلى هذا فيستحب على من رزقه الله بمولود أن يلطخ رأسه بالخلوق عملاً بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
* وقت الحلق:
بين لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الحلق يكون يوم السابع بقوله في حديث سمرة كما تقدم:
" تذبح عنه يوم سابعه ويُسمى فيه ويُحلق رأسه "
وكما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه وهو الحلق، وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الحلق مقروناً مع الذبح في أكثر من حديث.
فعلى هذا يكون وقتهما واحداً ألا وهو يوم السابع،
وبهذا قال الإمام أحمد – رحمه الله ـ كما في تحفة المودود: يستحب أن يحلق عنه يوم سابعه
* ويستحب التصدق بوزن الشعر فضة:
فقد جاء في بعض الروايات التصدق بزنة شعره فضة، وهذه الروايات لا تخلو كل منها من مقال ولكنها بمجموعها تتقوى وترتقي إلى درجة الحسن.
وهذا ما ذهب إليه الألباني كما في إرواء الغليل ( 4 / 401 ):
1 - فقد أخرج الترمذي وغيره بسند حسن عن على بن أبى طالب - رضي الله عنه - قال:
عق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن بشاة، وقال يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة، قال: فوزنته فكان وزنه درهماً وبعض درهم
( حسنه الألباني في صحيح الترمذي ( ح 1519 ) وانظر الإرواء ( ح 1175 ).
2 - وأخرج الترمذي كذلك والحاكم والبيهقي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - :
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر برأس الحسن والحسين يوم سابعهما فحلقا وتصدق بوزنه فضة
وهو حديث صحيح كما في الإرواء ( 1164 ).
ـ وعلى هذا من كانت له سعة أن يتصدق بوزن شعر مولوده فضة وجوباً و إلا
{ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } ( البقرة: 286 ).(1/61)
ـ ولا يشرع التصدق بالذهب، فالنص جاء بذكر الفضة فلا يجزى غيرهما، خلافاً لما ذهب إليه الشوكانى في الدرر البهية.
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ كما في التلخيص ( 4 / 148 ):
والروايات كلها متفقة على ذكر التصدق بالفضة وليس في شيء منها ذكر الذهب.
ـ ووقت التصدق يكون يوم السابع كما هو مفهوم الحديث شأنه شأن الحلق
وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد:
يبدأ بالحلق قبل الذبح، وذهب إلى ذلك عطاء كما في مصنف عبد الرزاق(4 /333)
* لا يجوز حلق بعض الرأس وترك بعضه:
وهذا ما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ما يعرف بالقزع.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال:
نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القزع
ـ والقزع: أن يحلق بعض رأس الصبي ويدع بعضه
يقول ابن القيم – رحمه الله – كما في تحفة المودود صـ 78:
والقزع أربعة أنواع:
الأول: أن يحلق من رأسه مواضع من هاهنا وهاهنا, مأخوذ من تقزع السحاب وتقطعه.
الثاني: أن يحلق وسطه ويترك جوانبه كما يفعله شمامسة النصارى.
الثالث: أن يحلق جوانبه ويترك وسطه كما يفعل كثير من الأوباش والسفل.
الرابع: أن يحلق مقدمه ويترك مؤخره وهذا كله من القزع ......... والله أعلم.
ولقد شاع القزع بين الشباب فيصنعون كما يصنع الأوباش السفل ويتشبهون باليهود والنصارى الذين نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التشبه بهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
وينقل لنا ابن القيم – رحمه الله – عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية – الحكمة من النهى عن القزع ـ فيقول كما في تحفة المودود صـ 77 قال شيخنا:
وهذا من كمال محبة الله ورسوله للعدل، فإنه أمر به حتى في شأن الإنسان مع نفسه فنهاه أن يحلق بعض رأسه ويترك بعضه، لأنه ظلم للرأس حيث ترك بعضه كاسياً وبعضه عارياً.
ويؤيد هذا ما أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما عن ابن عمرـ رضي الله عنهما ـ:(1/62)
" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى صبياً حلق بعض رأسه وترك بعضاً فنهى عن ذلك وقال: احلقوه كله أو اتركوه كله "
ـ ونظير هذا أنه نهى عن الجلوس بين الشمس والظل، فإنه ظلم لبعض بدنه.
فقد أخرج الإمام أحمد عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يجلس بين الضِّحِّ والظل وقال: مجلس الشيطان. (الصحيحة:838)
ـ ونظيره نهى أن يمشى الرجل في نعل واحدة بل أما أن ينعلهما أو يحفيهما
فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" لا يمشي أحدكم في نعل واحدة ليحفيهما أو لينعلهما جميعاً "
وهناك حكمة أخرى في النهي عن القزع :-
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريص على أن يظهر المسلم في المجتمع بمظهر لائق في مظهره وهندامه، وحلق بعض الرأس وترك بعضه يتنافى مع وقار المسلم وجماله، ثم بالتالي يتنافى مع الشخصية الإسلامية التي يتميز بها المسلم عن بقية الملل والمعتقدات وعن سائر أهل الفسوق والميوعة والانحلال.
وصدق ربنا حيث قال:
{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } ( فصلت33)
وللحديث بقية ـ إن شاء الله تعالى ـ
وبعد...فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة
نسأل الله أن يكتب لها القبول وأن يتقبلها منا بقبول حسن، كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومن أعان علي إخراجها ونشرها إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صواباً فادع لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثم خطأ فاستغفر لي
وإن وجدت العيب فسد الخللا ... ... ... جلّ من لا عيب فيه وعلا
فاللهم اجعل عملي كله صالحاً ولوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه نصيب(1/63)
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
... هذا والله تعالى أعلى وأعلم .........
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك(1/64)
7ـ تسمية المولود
وارتباط الأسماء بمعانيها
تمهيد
:
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..........
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ( سورة آل عمران: 102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ( سورة النساء: 1)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } ( سورة الأحزاب: 70،71 )
أما بعد....،
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالي وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار..
- تسمية المولود ( وحسن اختيار اسمه ) -
قبل الكلام عن هذا الموضوع المُهِم الجليل، ينبغى أن نقف على حقيقة الاسم.
فالاسم: قيل إنه مشتق من ( الوَسْم ) بمعنى: العلامة،
ولهذا قيل له اسمٌ؛ لأنه يَسِمُ من سُمى به، ويُعَلَّم عليه.
ـ وقيل من ( السُّمُو ) بمعنى: العُلُو.
وجائز اجتماع المعنيين فى خُصوص تسمية الآدميين من المسلمين
فيكون الاسمُ من ( العلامة السامية العالية )
وجمعه على: أسماء، وأَسامٍ، وأَسامى.
وحقيقة الاسم للمولود: التعريف به، وَعَنْوَنَتُهُ بما يميزه على وجهٍ يليق بكرامتِهِ آدمياً مسلماً.(1/1)
ـ ولهذا اتفق العلماء على وجوب التسمية للرجال والنساء ( مراتب الإجماع لابن حزم صـ 154)
مقدمة
تنكب عامة المسلمين سبيل وهدي خير المرسلين، فهجروا السُّنَنَ واتبعوا السَّنَنَ كما أخبر بذلك الصادق المصدوق.
فقال كما عند البخارى ومسلم:
" لتتبعن سُنن من كان قبلكم شبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراعٍ، حتى لو دخلوا جُحر ضب؛ لدخلتموه، قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى ؟؟ قال: فمن "
فراح أبناء المسلمين يقلدون من لا خلاق لهم، ويهتدون بهديهم حتى فى أسمائهم، وهذه ظاهرة انتشرت فى هذه الأوقات.
وهؤلاء القوم غفلوا أن اسم المولود وعاءٌ له، وعنوان عليه، فهو مرتبط به.
فالأسماء: قوالب للمعانى ودالة عليها، وكما يقال: لكل مسمى من اسمه نصيبٌ
فعلى الآباء أن يحسنوا أسماء أبنائهم؛ لأن هناك ارتباط وثيق بين الاسم ومعناه.
- ارتباط الأسماء بمعانيها -
يقول ابن القيم في زاد المعاد (2/337):
لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها اقتضت الحكمة أن يكون بينها ارتباط و تناسب وألا يكون المعنى فيها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها , فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك , والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء تأثير في المسميات، وللمسميات تأثير في أسمائها في الحسن و القبح
والخفة والثقل واللطافة والكثافة كما قيل:
وقلَّما أبصرت عيناك ذا لَقَبٍ ... إلا و معناه إن فكرت في لَقَبِهِ
*- فكان - صلى الله عليه وسلم - يستحب الاسم الحسن و أمر إذا أبْردُوا إليه بريداً أن يكون حسن الاسم، وحسن الوجه وكان يأخذ المعاني من أسمائها في المنام واليقظة، والدليل على ذلك:-
ما أخرجه مسلم من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"رأيت ذات ليلة – فيما يرى النائم – كأنا في دار عقبة بن نافع فأُتينا برُطبٍ من رُطبِ ابن طابٍ فأَوَلتُ الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب "(1/2)
- رُطَبُ ابنُ طابٍ: هو نوع معروف عند أهل المدينة، وهو من الرطب الجيد مضاف إلى رجل من أهل المدينة يقال له: ابن طاب
- ديننا قد طاب: أي كَمُلَ واستقرت أحكامه
* ومن تأمل السنة وجد معانٍ في الأسماء مرتبطة بها حتى كأن معانيها مأخوذة منها، وكأن الأسماء مشتقة من معانيها
ـ أخرج البخاري عن عكرمة قال:
لما جاء سُهيل بن عمرو – يوم الصلح – قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " قد سَهُلَ لكم من أمْرِكُم"
ـ وأخرج أبو الشيخ في أخلاق النبي بسند فيه مقال عن بريدة - رضي الله عنه - قال:
سألني النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اسمي فقلت : بريدة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا أبا بكر برد أمرنا، ثم قال : ممن أنت؟ قلت : من أسلم، فقال لأبي بكر: سلمنا، ثم قال : ممن ؟ قال : من سهم، قال : حُرج سهمك "
ـ وأخرج البخاري و مسلم عن ابن عمرـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" أسلم سالمها الله، وغِفارٌ غفر الله لها، وعُصية عَصَتِ الله ورسولَه.
وإذا أردت أن تعرف تأثير المسميات في مسمياتها :
فتأمل الحديث الذي أخرجه البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده قال:
"أتيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما اسمك؟ قلت: حزن، فقال: أنت سهل، قال : لا أغير اسماً سمانيه أبي ، وفي رواية ابن داود : أن الرجل قال: لا. السهل يوطأ ويُمتهن ، قال ابن المسيب: فما زالت تلك الحزونة فينا بعد.
ـ والحزونة: الغلظة، ومنه: أرض حَزَنَهُ، وأرض سهلة
قال الراوي: في قول سعيد فما زالت تلك الحزونة فينا بعد
يعني: يريد الصعوبة في أخلاقهم، إلا أن سعيداً أفضى به ذلك إلى الغضب في الله.
وقال غيره: يشير إلى الشدة التي بقيت في أخلاقه، فقد ذكر أهل النسب أن في ولده سوء خلق معروف فيهم لا يكاد يعدم منهم .
وتأمل ما رواه مالك بسند فيه مقال عن يحيي بن سعيد: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -(1/3)
قال لرجل: ما اسمك ؟ قال: جمرة، قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب، قال: ممن ؟
قال: من الحرقة، قال: أين مسكنك ؟ قال بِحَرِةِ النار، قال: بأيتها ؟ قال: بذات لظى،
قال عمر: أدرك أهلك فقد هلكوا واحترقوا، فكان كما قال عمر. ( إسناده منقطع )
و قال ابن القيم في تحفة المودود:
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشتد عليه الاسم القبيح ويكرهه جدا من الأشخاص والأماكن والقبائل والجبال , حتى أنه مر في مسير له بين جبلين فقال: ما اسمهما ؟ فقيل له: فاضح ومخز، فعدل عنهما ولم يمر بينهما , و كان عليه الصلاة و السلام شديد الاعتناء بذلك
تنبيه:
وليس هذا من قبيل تشاؤم الجاهلية كلا بل هو من هديه - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان يعجبه الفأل الحسن ليزيد في توكله، ويترك ما ينفر في التوكل على الله
- وكذلك لما نزل الحسين - رضي الله عنه - وأصحابه بكربلاء سأل عن اسمها، فقيل كربلاء
فقال: ( كرب وبلاء)
ـ ولما وقفت حليمة السعدية على عبد المطلب تسأله رضاع الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لها: وممن أنت،
قالت: امرأة من بني سعد، فقال: ما اسمك ؟ قالت: حليمة، فقال: بخ ٌبخُ، سعد وحلم
هاتان خلتان فيهما غناء الدهر
ـ وذكر سليمان بن أرقم عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال:
بعث ملك الروم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - رسولا , وقال: انظر أين تراه جالساً , ومن إلى جنبه , وانظر إلى ما بين كتفيه، قال: فلما قدم رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً على نشز , واضعاً قدميه في الماء
عن يمينه أبو بكر، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: تحول فانظر ما أمرت به، فنظر إلى الخاتم ثم رجع إلى صاحبه فأخبره الخبر، فقال ليعلون أمره و ليملكن ما تحت قدمي، فينال بالنشز العلو و بالماء الحياة
ـ النشز: المكان المرتفع
وقال ابن القيم في تحفة المودود:(1/4)
وبالجملة فالأخلاق والأعمال والأفعال القبيحة تستدعي أسماء تناسبها، وأضدادها تستدعي أسماء تناسبها، وكما أن ذلك ثابت في أسماء الأوصاف فهو كذلك في أسماء الأعلام، وما سُمٌي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمداً وأحمد إلا لكثرة خصال الحمد فيه، ولهذا كان لواء الحمد بيده وأمته الحمادون
وهو أعظم الخلق حمداً لربه تعالى، ولهذا أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتحسين الأسماء
فقال كما في مسند الإمام أحمد بسند فيه مقال: " حسِّنوا أسماءكم "
فإن صاحب الاسم الحسن قد يستحي من اسمه، وقد يحمله اسمه على ما يناسبه و ترك ما يضاده، ولهذا ترى أكثر السُفل أسمائهم تناسبهم،وأكثر العلية أسماؤهم تناسبهم. وبالله التوفيق. أهـ
ومن هنا تأتي أهمية اختيار الاسم: ـ
يقول الشيخ بكر أبو زيد في تسمية المولود صـ22:
فيا أيها المسلم !!! أكرر مؤكَّدا وبالحق مذكِّراً: إن الاسم عنوان المسمى، فإذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه، فإن المولود يُعرف من اسمه في مقصده ووجهته بل اعتقاد من اختار له هذا الاسم و مدى بصيرته و تصوره.
فاسم المولود وعاء له وعنوان عليه فهو مرتبط به، ومن خلال دلالاته يقوم المولود ووالده ُوحال أمته، وما هنالك من مُثُل وأخلاق وقيم فهو يدل على المولود لشدة المناسبة بين الاسم والمسمى
وهذا أمر قدره العزيز العليم، وألهمه نفوس العباد وخلقه فى قلوبهم.
- وقلّ أن يوجد لقب مثلاً إلا وهو يتناسب أن يقارب مع الملقب به.
- ومن المشهور بين كلام الناس: ( الألقاب تنزل من السماء ) فلا تكاد تجد الاسم الغليظ الشنيع إلا على مسمى يناسبه والعكس بالعكس.
ومن المنتشر قولهم: " لكل مسمى من اسمه نصيب "
وقيل:
وقَلَّ إن أبْصَرتْ عيْنَاكَ ذا لقبٍ ... إلا ومَعْناهُ فى اسمٍٍ مِنْهُ أو لقبِ
- فالأسماء قوالب للمعانى ودالة عليها ولهذا فمن أصول لسان العرب أن المعنى من المبنى ويدل عليه(1/5)
ولهذا نرى كما قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ أكثر السفلة أسماؤهم تُناسبُهم، وأكثر الشرفاء والعِلْيَةِ أسماؤهم تناسبهم.
ولهذا كان بعض الناس إذا رأى شخصاً تخيل اسمه فكان كما تصور فلا يكاد يخطئ.
فحقاً إن للأسماء تأثيراً فى المسميات، فى الحُسن والقبح، والخفَّة والثِّقل واللطافة والكثافة.
فأحسن أيها المسلم ـ بارك الله لك فيما رزقك ـ إلى مولودك وإلى نفسك وإلى أمتك، باختيار الاسم الحسن فى لفظه و معناه.
-وإن حسن الاختيار يدل على أكثر من معنى، فهو يدل على مدى ارتباط الأب المسلم بهدى النبى - صلى الله عليه وسلم - ومدى سلامة تفكيره من أى مؤثر يصرفه عن طريق الرشد والاستقامة والإحسان إلى المولود بالاسم الحسن.
وبالجملة فهو الرمز الذى يعبّر عن هوية من اختار الاسم، والمعيار الدقيق لثقافته
ومن الدارج فى كلام الناس: " من اسمك اعرف أباك "
والاسم يربط المولود بهدى الشريعة وآدابها ويكون الوليد مباركاً فيذكرُ اسمه بالمسمى عليه من نبىّ أو عبد صالح، ليحصل فضل الدعاء والاقتداء بهدى السلف الصالح، فتحفظ أسماؤهم ويذكرُ بأوصافهم وأحوالهم وتستمر سلسلة الإصلاح فى عقب الأمة ونسْلها.
وفيه إشباع نفس المولود بالعزة والكرامة، فإنه حين يشبٌ عن طوقه ويميز بين خمسة وستة ويكون في سن التساؤلات ( السابعة من عُمُره ) يبدو هذا السؤال:
على مَنْ سميتني يا أبتاه ؟ ولماذا اخترت هذا الاسم ؟ وما معناه ؟
حينئذ يقع الأب في غمرة السرور إن كان أحسن الاختيار، أو يقع في ورطة أمام ابنه القاصر عن سن البلوغ، فتنكشف ضحالة الأب وسُخْف عقله، فكأن الأب من أول مراحل تربيته لابنه يُلبسه لباساً أجنبياً عنه ويضعه في وعاء لا يلائمه وهذا انحراف عن سبيل الهُدى والرشاد.أهـ
ويقول الشيخ في موضع أخر من كتابه " تسميه المولود":(1/6)
إنني تأملت عامه الذنوب والمعاصي فوجدتُ الذنوب والمعاصي إذا تاب العبد منها فإن التوبة تجذمها وتقطع سيء أثرها لتوها،فكما أن الإسلام يَجُبُّ ما قبلة ـ وأكبره الشرك ـ فإن التوبة تَجُبُّ ما قبلها متى اكتملت شروطها المعتبرة شرعاً ـ وهى معلومة أو بحكم المعلومة.
لكن هناك معصية تتسلسل فى الأصلاب، وعارها يلحق الأحفاد من الأجداد ويتندرُ بها الرجال على الرجال، والوالدان على الوالدان، والنسوة على النسوان، فالتوبة منها تحتاج إلى مشوار طويل العثار.
لأنها مسجلة في وثائق المعاش من حين استهلال المولود صارخاً في هذه الحياة الدنيا إلى ما شاء الله فى حياتهفي شهادة الميلاد، وحفيظة النفوس، وبطاقة الأحوال، والشهادات الدراسية، ورخصة القيادة، والوثائق الشريعة......إنها تسمية المولود.
التي تعثرفيها الأب فلم يهتدِ لاسم يقره الشرع المطهر ويستوعبه لسان العرب وتستلهمُه الفطرة السليمة.
وعلى هذا... يجب على الوالد عند تسمية الولد أن ينتقي له من الأسماء أحسنها وأجملها، تنفيذا لما أرشد إليه وحض عليه وأمر به نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، فينبغي أن يكون الاسم حسنا , عذباً في اللسان مقبولا للأسماع , يحمل معنى شريفاً كريماً ووصفاً صادقا خاليا مما دلت الشريعة على تحريمه أو كراهيته
و معنى هذا ألا يختار الأب اسما لولده إلا وقد قلب النظر في سلامة لفظه ومعناه، وهذا ينبغي أن يكون على علم ووعي وإدراك وإن استشار بصيرا في سلامته مما يحذر فهو أسلم و أحكم.
- ومن الجاري قولهم: حق الولد على والده أن يختار لهُ أماً كريمة، وأن يسميه اسماً حسناً , وأن يورثه أدباً حسناً
والأسماء المشروعة رتب و منازل
- أحب و أفضل الأسماء على الترتيب -
أولها: عبد الله، وعبد الرحمن
و هما أحب الأسماء إلى الله تعالى
1- فقد ثبت في صحيح مسلم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(1/7)
" إن أحبّ أسمائكم إلى الله عبدُ الله وعبدُ الرحمن "
2- وأخرج الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح عن أبي وهب الجشمي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" أحبُّ الأسماء إلى الله عبدُ الله و عبدُ الرحمن، وأصدقها حارث و همام، وأقبحها حرب ومرة "
3- و في الصحيحين من حديث جابر - رضي الله عنه - قال:
" ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم , فقلنا لا نكنيك أبا القاسم ولا كرامة فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال: سم ابنك عبد الرحمن "
4- وعند البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن هانيء بن شريح قال:
وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - قوم فسمعهم يسمون عبد الحجر، فقال له: ما اسمك فقال: عبد الحجر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما أنت عبد الله "
قال ابن حزم ـ رحمه الله ـ كما في تحفة المولود صـ87:
اتفقوا على استحسان الأسماء المضافة إلى الله، كعبد الله وعبد الرحمن.... وما أشبه ذلك.
5- و قد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عمه العباس عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ
6- و في الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ نحو ثلاثمائة رجل كل منهم اسمُه عبدُ الله،
وبه سُمي أول مولود للمهاجرين بعد الهجرة إلى المدينة وهو عبد الله بن الزبيرـ رضي الله عنهماـ
ويستحب التسمية بهذين الاسمين وذلك لاشتمالهما على وصف العبودية التي هي الحقيقة للإنسان.
- وقد خصهما الله في القرآن بإضافة العبودية إليهما دون سائر أسمائه الحسني
وذلك في قوله تعالي: { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ } ( الجن: 19)
وقوله سبحانه: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ } ( الفرقان: 63 )
وجمع بينهما سبحانه في قوله: { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا } ( الإسراء: 11 )
فقال البعض: الحكمة في أفضلية الاسمين على غيرهما؛ أنه لم يقع في القرآن إضافة عبد إلى اسم من أسماء الله تعالي غيرهما.(1/8)
وقال الحافظ في الفتح نقلاً عن القرطبي ( 10/570-571):
وإنما كانت أحب إلى الله لأنها تضمنت ما هو وصف واجب لله وما هو وصف واجب للإنسان وهو العبودية، ثم أضيف العبد إلى الرب إضافة حقيقة فصدقت أفراد هذه الأسماء وشرفت بهذا التركيب فحصلت لها هذه الفضيلة
وقال آخر: في قوله تعالي: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } وفيها أصول وفروع من حيث الاشتقاق
قال: وللأصول أصول أي من حيث المعني، فأصول الأصول اسمان هما الله والرحمن؛ لأن كلاً منهما مشتمل على الأسماء كلها.
قال تعالي:{ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا } ( الإسراء: 11 )
ولذلك لم يتسم بهما أحد، وإذا تقرر ذلك كانت إضافة العبودية إلى كلٍ منهما حقيقة محضة فظهر وجه الأحبية والأفضلية.
ثانيها: الأسماء المعبدة لأي اسم من أسماء الله الحسني
يقول الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ـ حفظه الله ـ في تسمية المولود صـ33:
مثل: عبد العزيز، وعبد الملك، وأول من تسمي بهما ابنا مروان بن الحكم
والرافضة: لا تسمي بهذين الاسمين منابذة للأمويين، وهذا محض عدوان واعتداء
وهذا شأنهم في مجموعة من الأسماء منها سائر أسماء بني أمية، مثل: معاوية، وهشام
وقد حرموا أنفسهم من التسمي باسم عبد الرحمن؛ لأن قاتل علىّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - هو عبد الرحمن بن مُلْجَمٍ.
ثالثها: التسمية بأسماء الأنبياء والرسل
وقد اختلف أهل العلم في جواز التسمية بأسماء الأنبياء علي قولين:
الأول: أنه لا يكره، وهذا قول الأكثرين وهو الراجح.
الثاني: يكره
واستدل هذا الفريق بما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي العالية قال:
" تفعلون شراً من ذلك تسمون أولادكم أسماء الأنبياء ثم تلعنوهم "
وأخرج من ذلك ما جاء عند الطبراني عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال:
" لا تسمُّوا أحداً باسم نبي "(1/9)
وأصحاب هذا الرأي قصدوا صيانة أسماء الأنبياء وما يعرض لها من سوء الخطاب عند الغضب وغيره
وقد ذكر الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في الفتح ( 10/573): رجوع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن ذلك فلا يبقي معنا إلا الرأي الأول وهو الأرجح؛ لوجود الدليل علي ذلك
منها:
1- ما أخرجه مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم "
2- وعند البخاري عن أبي موسي الأشعري - رضي الله عنه - قال:
ولد لي غلام فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فسماه إبراهيم فحنكته بتمرة.
3- وقال البخاري في صحيح " باب من تسمي بأسماء الأنبياء " ثم ساق بسنده حديث إلى إسماعيل أنه قال لابن أبي أوفي:
رأيت إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات صغيراً، ولو قضي أن يكون بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - نبي عاش ابنه، ولكن لا نبي بعده
ثم ذكر حديث البراء: لما مات إبراهيم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن له مرضعاً في الجنة ".
4- ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد والترمذي في الشمائل بسند صحيح من حديث يوسف بن عبد الله بن سلام أنه قال:
سماني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوسف وأقعدني في حجره ومسح على رأسي.
واستدل الإمام النووي – رحمه الله –:
على جواز التسمية بأسماء الأنبياء بأنه كان في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خلائق يسمون بأسماء الأنبياء.
وذكر ابن القيم الحكمة في التسمي بأسماء الأنبياء فقال كما في زاد المعاد (2/ 342):
لو لم يكن في ذلك من المصالح إلا أن الاسم يذكر بمسماه ويقتضي التعلق بمعناه لكفي به مصلحة مع ما في ذلك ممن حفظ أسماء الأنبياء وذكرها وأن لا تنسي وأن تذكر أسماؤهم بأوصافهم وأحوالهم.
ملحوظة:
قال سعيد بن المسيب كما عند ابن أبي شيبة في مصنفه( 8/479):
"أحب الأسماء أسماء الأنبياء"(1/10)
لكن الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: " إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن " يكفي في الرد على هذا
لطيفة: أول من سمي أحمد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أحمد الفراهيدي البصري والد الخليل صاحب العروض والخليل مولود سنة (100هـ).
رابعها: التسمية بأسماء الصالحين من المسلمين وعلي رأسهم الصحابة
فقد أخرج الإمام مسلم في صحيح باب التسمي بأسماء الأنبياء والصالحين ثم ذكر حديث المغيرة بن شعبة قال:
" لما قدمت نجران سألوني فقالوا: إنكم تقرءون: يا أخت هارون وموسي، وموسي قبل عيسي بكذا وكذا، فلما قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألته عن ذلك فقال: إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم "
وها هو الصحابي الجليل الزبير بن العوام - رضي الله عنه - :
سمي ولده وهم تسعة بأسماء بعض شهداء بدر – رضي الله عنهم – وهم: عبد الله، المنذر، عروة، حمزة، جعفر، مصعب، عبيدة، خالد، عمر
أخرج ابن أبي خيثمة في تاريخه:
أن طلحة كان له عشرة من الولد كل منهم اسم نبي، وكان للزبيرعشرة كلهم تسمي باسم شهيد، فقال له طلحة: أنا سميتهم بأسماء الأنبياء، وأنت تسميهم بأسماء الشهداء
فقال له الزبير: فإني أطمع أن يكون بَنِيَ شهداء ولا تطمع أن يكون بَنُوكَ أنبياء.
ويوجد في المسلمين من سمي أولاده بأسماء الخلفاء الأربعة الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ
أبو بكر، عمر، عثمان، علي ـ رضي الله عنهم ـ
ومن سمي بناته بأسماء أمهات المؤمنين زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهكذا
خامسها: أن يسمي بما كان وصفاً صادقاً للإنسان
وذلك بالشروط والآداب التالية:
1- أن يكون عربياً فيخرج بهذه الأسماء الأعجمية مثل: ( ديانا، هايدى، شريهان)
2- أن يكون حسن المبني والمعنى:
قال الطبري- رحمه الله – كما نقل ذلك عن الحافظ في الفتح ( 10/476):(1/11)
ولا ينبغي التسمية باسم قبيح المعني، ولا باسم يقتضي التزكية، ولا باسم معناه السب ولو كانت الأسماء إنما هي أعلام للأشخاص، ولا يقصد بها حقيقة الصفة، لكن وجه الكراهة أن يسمع سامع بالاسم فيظن أنه صفة للمسمي، فلذلك كان - صلى الله عليه وسلم - يحول الاسم إلى ما إذا دُعي به صاحبه كان صدقاً وقد غير - صلى الله عليه وسلم - عدة أسماء
3- أن يراعي في التسمية قلة الحروف ما أمكن
4- أن يراعي في التسمية خفة النطق
5- أن يراعي في التسمية الملائمة فلا يكون الاسم خارجاً عن أسماء أهل طبقته وملته وأهل مرتبته
ـ وهذا أدب مهم رفيع، وإحساس مرهف لطيف
نبّه عليه العلامة الماوردي – رحمه الله – في كتابه نصيحة الملوك صـ167 فقال:
فإذا ُولد المولود فإن من أول كراماته له وبره له أن يحيله باسم حسن وكنية لطيفة شريفة، فإن للاسم الحسن موقعاٌ في النفوس مع أول سماعه:
ثم قال: إن الاسم كالثوب إن قصر شان وإن طال شان
فمراعاة أسماء أهل طبقته وقبيلته ربط أسري والتحام عائلي، ومراعاة أسماء أهل ملته ربط ديني عقديُ، ومراعاة أسماء أهل مرتبته ربط أدبي بإنزال المرء نفسه متنزلها حتى لا يُتَنَدَّر به.
ويحذر الأب من التسمية بالأسماء المنهي عنها:
والمنهي عنه من الأسماء: إما محرم وإما مكروه.
أولاً: الأسماء المحرمة:
1- التسمية باسم من أسماء الله تبارك وتعالي:
يقول القرطبي في تفسيره ( 11/130) في قوله تعالي:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } ( مريم: 150)
أي لا مثيل له يستحق مثل اسمه الذي هو الرحمن
وعلي هذا فلا تجوز التسمية باسم يختص به الرب سبحانه مثل:
( الرحمن، الرحيم، الخالق، الرازق، البارئ، قدوس، الأحد، الصمد )
وكذلك لا يجوز تسمية الملوك بـ(القاهر، والظاهر)
كما لا يجوز تسميتهم بـ( الجبار، المتكبر، والأول، الآخر، الباطن، علام الغيوب أو بملك الملوك ) أو بأي اسم يختص به الرب سبحانه وتعالي.
ويقول شاعر المعز لدين الله الفاطمي:(1/12)
ما شئت لا ما شاءت الأقدار ... فاحكم فأنت الواحد القهار
فقد أخرج أبو داود بسند صحيح صححه الألباني عن شريح عن أبيه هانئ:
أنه لما وفد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة مع قومه، سمعهم يكنونه بأبي الحكم فدعاه عليه الصلاة والسلام، فقال: إن الله هو الحكم وإليه الحكم، فَلِم تكني أبا الحكم ؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أحسن هذا ! فما لك من الولد ؟ قال: لي شريح ومسلمة وعبد الله، قال: فمن أكبرهم؟ قلت: شريح، قال: فأنت أبو شريح ".
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال:
قال أبي: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: أنت سيدنا، فقال: السيد هو الله ".
قال ابن القيم كما في تحفة المودود صـ99:
لا ينافي هذا قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ كما عند البخاري ومسلم: "أنا سيد ولد آدم"
فإن هذا إخبار منه - صلى الله عليه وسلم - عما أعطاه الله من سيادة النوع الإنساني وفضله وشرفه عليهم.
أما وصف الرب بأنه هو السيد، فذلك وصف لربه على الإطلاق، فإنه سيد الخلق وهو مالك أمرهم الذي إليه يرجعون، وبأمره يعملون وعن قوله يصدرون، فإذا كانت الملائكة والإنس والجن خلقاً له ـ سبحانه وتعالي ـ وملكاً له ليس لهم غناء عنه طرفة عين، وكل رغباتهم إليه وكل حوائجهم إليه كان هو ـ سبحانه وتعالي ـ السيد على الحقيقة.
وجاء في تفسير ابن كثير ( 4/747):
أن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال في تفسير قوله: { اللَّهُ الصَّمَدُ }
- أي السيد الذي كمل سؤدده
والمقصود: أنه لا يجوز لأحد أن يسمي بأسماء الله المختصة به
أما الأسماء التي تطلق عليه وعلي غيره: كـ( السميع والبصير والرءوف والرحيم )(1/13)
فيجوز أن يخبر بمعانيها عن المخلوق، ولا يجوز أن يتسمي بها على الإطلاق بحيث يطلق عليه كما يطلق على الرب تعالي.
2- التمسية بكل اسم معبد لغير الله:
مثل: ( عبد الرسول )
ومثلها: ( غلام رسول أو غلام محمد: أي عبد الرسول، عبد النبي )
عبد عليّ، عبد الحسين، عبد الحسن
عبد الأمير: يعنى أمير المؤمنين (عليّ ابن أبي طالب)
عبد الصاحب: يعني صاحب الزمان المهدي المنتظر
أو عبد المطلب ( وهي من تسميات الروافض )
وقد غيَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - كل اسم معبد لغير الله تعالي مثل :
عبد العُزي، عبد الكعبة، عبد شمس، عبد الحارث
قال ابن حزم:
اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كـ(عبد العُزَّي وعبد هبل وعبد عمرو وعبد الكعبة....) وما أشبه ذلك
وأخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح صححه الألباني عن المقدام ابن شريح عن أبيه عن جده هانيء بن شريح قال:
وفد على النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ قوم فسمعهم يسمون عبد الحجر، فقال له: ما اسمك؟ فقال: عبد لحجر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما أنت عبد الله"
( صححه الألباني في الإرواء 2615)
فإن قال قائل: كيف يحرم الاسم المعبد لغير الله ؟
فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" تعس عبد الدينار وعبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد القطيفة "
وقد صح عنه أيضا كما عند البخاري ومسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:
أنا النبي لا كذب ... ... أنا ابن عبد المطلب
ودخل عليه رجل وهو جالس بين أصحابه فقال: أيكم ابن عبد المطلب ؟ فقالوا: هذا وأشاروا إليه.
فالجواب على هذا يجيب عنه ابن القيم كما في تحفة المودود صـ89:
فيقول ـ رحمه الله ـ:
أما قوله: تعس عبد الدينار فلم يرد به الاسم، وإنما أراد به الوصف والدعاء على من تعبد قلبه للدينار والدرهم، فرضي بعبوديتهما عن عبودية ربه تعالي،(1/14)
وأما قوله: أنا ابن عبد المطلب فهذا ليس من باب إنشاء التسمية بذلك، وإنما هو من باب الإخبار بالاسم الذي عرف به المسمي دون غيره
والإخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المسمي لا يحرم
ولا وجه لتخصيص أبي محمد بن حزم ذلك بعبد المطلب خاصة
فقد كان الصحابة يسمون: بني عبد شمس وبني عبد الدار بأسمائهم ولا ينكر عليهم النبي
فباب الإخبار أوسع من باب الإنشاء فيجوز فيه ما لا يجوز في الإنشاء.
ملحوظة: هناك أسماء معبدة لأسماء يُظَن أنها من أسماء الله، وهي ليست كذلك مثل:
عبد المقصود، عبد الستار، عبد المرسل، عبد الوحيد، عبد الطالب
عبد العاطي: والصحيح عبد الوهاب أو عبد المعطي.... ـ عبد الموجود: والصحيح عبد الواجد
عبد العال: والصحيح عبد المتعال أو عبد الأعلي أو عبد العلي
وهناك إلحاد في بعض أسماء الله مثل:
عبد الخالىء: والصحيح عبد الخالق عبد الحأ: والصحيح عبد الحق
عبعزيز: والصحيح عبد العزيز عبد الآدر: والصحيح عبد القادر
عبد البائي: والصحيح عبد الباقي عبد الرازء: والصحيح عبد الرازق
3- كل اسم فيه تزكية أو دعوى ليست للمسمى( وهذا من الكذب الذي لا يُقبل بحال)
قال الإمام الطبري: لا ينبغي التسمية باسم قبيح المعني ولا باسم يقتضي التزكية له.
ووجه التحريم أنه قد يسمع سامع الاسم فيظن أنه صفة للمسمي مثال ذلك: ـ
- التسمية بملك الملوك أو ملك الأملاك
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن أخنع اسم عند الله رجل تسمي ملك الأملاك"
ـ أخنع وأخني: أوضع
وعند البخاري ومسلم أيضاً من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" أغيظ رجل عند الله يوم القيامة وأخبثه وأغيظه عليه رجل كان يسمي ملك الأملاك،
لا مالك إلا الله "
وقياساً عليها يحرم ( قاضي القضاة، حاكم الحكام، سلطان السلاطين، شاهنشاه ( ملك الأملاك )
قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح مسلم ( 14/368):(1/15)
اعلم أن التسمي بهذا الاسم حرام، وكذلك التسمي بأسماء الله المختصة به كـ( الرحمن والقدوس والمهيمن وخالق الخلق )....ونحوها، ويُلحق بها ( شاهنشاه وقاضي القضاة ). أهـ
ومثله: مالك الملوك
قال الألباني ـ رحمه الله ـ في الصحيحة ( 1/379):
وعلي ذلك فلا يجوز التسمية بـ(عز الدين ومحيي الدين وناصر الدين ).
التسمية بسيد الناس وسيد الكل أو سيد ولد آدم
يقول ابن القيم: وكذلك تحرم التمسية بـ( سيد الناس وسيد الكل )، كما يحرم ( سيد ولد آدم )، فإن هذا ليس لأحد إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده فهو سيد ولد آدم فلا يحل أن يطلق على غيره ذلك.
4ـ التسمي بالأسماء الأعجمية كالتركية أو الفارسية مما لا تتسع له لغة العرب ولسانها:
مثل: ناريمان، شريهان، نيفين، شيرين، جيهان، شادي (بمعني القرد عندهم) مرفت، جودت، حقَي، فوزي
5- التسمي بالأسماء الأعجمية للكافرين الخاصة بهم مثل:
بطرس، جرجس، حنا، جورج، ديانا، جاكلين، جولي، فالي، فكتوريا، كلوريا، لارا، ليزا ليندا، ليسندا، مايا، منوليا، هايدى، يارا، سوزان ( ومعناه الإبرة أو المحرقة )، آنديرا، روز
يقول الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ـ رحمه الله ـ:
إن كان التسمي بأسمائهم عن مجرد هوي وبلادة ذهن، فهو معصية كبيرة وإثم
وإن كان عن اعتقاد أفضليتها على أسماء المسلمين فهذا على خطر عظيم يزلزل أصل الإيمان وفي كلتي الحالتين تجب المبادرة إلى التسوية منها أو تغييرها شرط في التوبة منها.
6- التسمي بأسماء الشياطين:
قال ابن القيم: التسمية بأسماء الشياطين: حنزب، الولهان، الأعور، الأجدع
ملحوظة: بعض هذه الأسماء وردت بأحاديث ضعيفة
أ- فقد أخرج أبو داود بسند ضعيف عن مسروق قال:
لقيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال من أنت ؟ قلت مسروق بن الأجدع، فقال عمر - رضي الله عنه - : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول الأجدع: شيطان "(1/16)
ب - وفي مسند الإمام أحمد وعند الترمذي بسند ضعيف جداً من حديث أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن للوضوء شيطاناً يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء.
جـ - وفي صحيح مسلم عن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - :
أنه شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من وساوسه في الصلاة فقال له النبي: ذلك شيطان يقال له خِنزب
د - وفي مصنف عبد الرزاق وأبن أبي شيبة بسند ضعيف:
أن رجلاً كان اسمه الحباب فسماه رسول - صلى الله عليه وسلم - عبد الله وقال: الحباب شيطان.
7- التسمي بأسماء الأصنام المعبودة من دون الله مثل:
اللات – العُزَّي – إساف- نائلة – هُبل
ثانياً: الأسماء المكروهة:
1- يكره أن يسمي يساراً أو رباحاً أو نجاحاً أو أفلحَ أو بركة:
فقد أخرج الإمام مسلم باب: كراهة التسمي بالأسماء القبيحة عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجاحاً ولا أفلح فإنك تقول أثم هو؟ فلا يكون، فيقول: لا (1)
قال النووي ـ رحمه الله ـ:
فكره لبشاعة الجواب، وربما أوقع بعض الناس في شيء من الطيرة. أهـ
وعند ابن ماجة بسند صحيح صححه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح ابن ماجة ( ح3005) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن عشت إن شاء الله لأنهين أمتي أن يسموا رباحاً ونحيحاً وأفلحَ ويساراً"
وفي صحيح مسلم عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" إن عشت إن شاء الله أنهى أمتي أن يسموا نافعاً وأفلح وبركة "
قال الأعمش: لا أدري أذكر نافعاً أم لا.
قال ابن القيم - رحمه الله – كما في تحفة المودود:صـ 91:
__________
(1) هذه الجملة الأخيرة ليست من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما من كلام الراوي.(1/17)
وفي معني هذا مبارك ومفلح وخير وسرور ونعمه وما أشبة ذلك فإن المعني الذي كره له النبي التسمية بتلك الأربعة موجودة فيها فإنه يقال أعندك سرور؟ أعندك نعمه؟ فيقول لا فتشمئز القلوب من ذلك وتتطير به. أهـ
- وقد يقع في هذا كثير من الأسماء مثل إيمان أو إسلام أو وعي، فتقول: أعندك إيمان، إسلام ؟
أو وعي ؟ فيقول: لا.
كما أن الأسماء قد تكون فيها تزكية للنفس ( ويكون صاحبها بعيد عن ذلك )
فمن يسمي مبارك ومفلح وقد لا يكون كذلك
وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره أن يقال: خرج من عندي بره، ولذلك نهي أن تسمي بره.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - :
أن زينب كان أسمها برة فقيل تزكي نفسها فسماها النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب
وعند أبي داود بسند صحيح:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهي أن تسمي بره وقال: لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم
2ـ تكره الأسماء التي تنفر القلوب لمعانيها أو ألفاظها ومنها:
حرب، مُرَّة، خنجر، فاضح، فحيط، حطيط، فدغوس
ومنها: هُيام، وسُهام ( بضم أولها وهو اسم لداء يصيب الإبل )
ومنها: رُحاب وعفلق ( ولكل منهما معني قبيح )
ومنها: نادية ( أي البعيدة عن الماء)
ـ وقد جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مالك مرسلاً ووصله ابن عبد البر:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للقحة: من يحلب هذه ؟ فقام رجل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أسمك؟
فقال له الرجل: مُرٌة، فقال له: أجلس، ثم قال: من يحلب هذه ؟ فقام رجل آخر،
فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أسمك ؟ قال: حرب، فقال له: أجلس، ثم قال: من يحلب هذه ؟ فقام رجل، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما اسمك ؟ فقال: يعيش، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : احلب.
ـ وذكره الهيثمي في المجمع ( 8/37) وزاد الطبراني وقال إسناده حسن عن عبد الرحمن بن جبير عن يعش الغفاري قال:(1/18)
دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما بناقة فقال: من يحلبها ؟ فقام رجل، فقال: ما اسمك ؟
قال: مرة، قال: اقعد، فقام آخر، فقال: ما اسمك؟ قال: جمرة، قال: اقعد،
ثم قام رجل، فقال: ما اسمك ؟ قال: يعيش، قال: احلبها.
قال أبو عمرو: هذا من باب الفأل الحسن لا من باب الطيرة
وعند مالك بسند منقطع:
أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لرجل: ما اسمك ؟ فقال جمرة
فقال: ابن من ؟ قال: ابن شهاب، قال ممن ؟ قال: من الحرقة، فقال: أين مسكنك ؟ قال: بحرة النار، قال: أيتها ؟ قال: بذات لظي، فقال عمر - رضي الله عنه - : أدرك أهلك فقد احترقوا، فكان كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
قال ابن القيم كما في تحفة المودود صـ 40:
إن بين الاسم والممسي علاقة ورابطة تناسبه وقل ما يتخلف ذلك
فالألفاظ قوالب للمعاني والأسماء قوالب المسميات
وقل إن أبصرت عيناك ذا لقب ... إلا ومعناه إن فكّرت في لقبه
فقبح الاسم عنوان قبح المسمي
3ـ تكره الأسماء التافهة مثل:
زوزو، فيفي، ميمي، توتو
4- تكره التسمية بأسماء لها معانٍ رخوة شهوانية مثل:
وصال، سهام، فتنة، أحلام، أريج، عبير، تغريد، ناهد، فاتن ( أي: بجمالها )
غادة ( وهي التي تتثني تيها ودلالاً، وقيل هي المرأة الناعمة اللينة )،
نهاد ( وهي المرأة إذا كعب ثديها وارتفع عن الصدر فصار له حجم ) شادية، شادي ( وهما بمعني المغنية )
هُيام ( بضم الهاء ما يشبه الجنون من العشقى، أو داء يصيب الإبل ـ وبفتحها هو الرمل المنهار الذي لا يتماسك )
5- ويكره تعمد التسمية بأسماء الفساق، والماجنين من الممثلين والمطربين وعمار خشبات المسارح باللهو الباطل: وهذه ظاهرة تدل علي فراغ بعض النفوس من عزة الإيمان.
6- ويكره التسمية بأسماء فيها معان تدل على الإثم والمعصية مثل: ظالم بن سراق
فقد ورد في كتاب المعرفة والتاريخ ( 3/201) للبغوي:
أن عثمان بن أبي العاص امتنع عن تولية صاحب هذا الاسم لما علم أن اسمه هكذا.(1/19)
7- أسماء الفراعنة والجبابرة مثل: فرعون، هامان، قارون، الوليد... إلخ
8- ويكره التسمي بأسماء الحيوانات مثل:
حنش، حمار، قُنْفُذ، قردان، كلب، كليب، جعران
ويتسأنس لهذا بهذه القصة الضعيفة والتي فيها:
أن رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين يشكو إليه عقوق ولده له، فلما استدعي عمر الولد، علم من الولد أن الأب لم يحسن اختيار أمه، ولم يختر له اسماً حسن فقد سماه جعرانا ولم يعلمه شيئاً من القرآن هنالك قال الفاروق للأب لقد عققته قبل أن يعقك.
9- يكره تسمية الولد بأسماء قد تسمي بها البنات مثل:
شيرين، وفاء، نهاد، عصمت، إحسان
فإن هذا مدعاة للسخرية وإحباط الولد بين رفاقه.
10- وتكره التسمية بأسماء الملائكة مثل:
جبريل أو جبرائيل، ميكائيل، إسرافيل فإنه يكره نسبة الآدميين بها
قال أشهب: سئل مالك عن التسمي بـ(جبريل ) فكره ذلك ولم يعجبه.
- أما تسمية النساء بأسماء الملائكة فظاهر الحرمة؛ لأن فيها مضاهاة للمشركين في جعلهم الملائكة بنات إليه، تعالي الله عن قولهم،
وقريب من هذا تسمية البنات: ملكة، أو ملاك، فإن اسم ملاك مأخوذ من الملك.
11 – تكره التسمية بالأسماء المركبة مثل:
محمد أحمد، محمد سعيد، فأحمد مثلاً هو الاسم ومحمد للتبرك.. وهكذا، وهذا خطأ ومكروه لأنه مدعاة إلى الاشتباه والالتباس، ويلحق بها المضافة إلى لفظ الجلالة الله مثل ( حسب الله، رحمة الله، جبرة الله ) فيما عدا عبد الله فهو من أحب الأسماء إلى الله
وكذلك الأسماء المضافة للرسول مثل ( حب الرسول أو غلام الرسول )
12- وكره جماعة من العلماء التسمية بأسماء سور القرآن الكريم مثل: " طه، ياسين "
يقول ابن القيم كما في تحفة المولود:
ومما يمنع منه التسمية بأسماء القرآن وسوره مثل: طه، يس، وحم
وقد نص مالك على كراهة التسمية بـ( يس )ذكره السهيلي، وأما ما يذكره العوام: أن يس وطه من أسماء النبي فغير صحيح وإنما هذه الحروف مثل ( ألم، وحم و أ لر... ) ونحوها.(1/20)
13- وتكره الأسماء المضافة إلى ( الدين ) أو ( الإسلام ) مثل:
نور الدين، ضياء الدين، سيف الإسلام، نور الإسلام
ويقول الشيخ بكر بن عبد الله بن زيد كما في تسمية المولود:
ويكره التسمية بكل اسم مضاف إلى الدين أو الإسلام وذلك لعظيم منزلة هذين اللفظين، بالإضافة إلى أنه قد تكون هذه دعوة تطل على الكذب فيقولون: نور الدين وهو حرب على الدين
أو نور الإسلام وهو يحارب الإسلام.. وهكذا
وكذلك: شهاب الدين فإن الشهاب ( الشعلة من النار ) ثم أضاف ذلك إلى الدين؛ ولهذا نص بعض العلماء على التحريم والأكثر على الكراهة.
وكان النووي – رحمه الله- يكره تلقيبه بمحي الدين، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية
– رحمه الله- يكره تلقيبه بتقي الدين ويقول:
لكن أهلي لقبوني بذلك فاشتهر.
قال الألباني– رحمه الله- في الصحيحة ( 1/379):
وعلي ذلك فلا يجوز التسمية بـ(عز الدين ومحيي الدين وناصر الدين....) ونحو ذلك.
ملاحظات:
أ كانت الأسماء المضافة إلى الدين أو الإسلام في أول حدوثها ألقاباً زائدة عن الاسم ثم استعملت أسماءً.
ب ـ أول من لقب في الإسلام بهذا الاسم هو بهاء الدولة ابن بُوَية ( ركن الدين ) في القرن الرابع الهجري.
كان من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - تغيير الأسماء القبيحة إلى أسماء حسنة:
فقد أخرج الترمذي بسند صحيح عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغير الاسم القبيح إلى الاسم الحسن " (الصحيحة 207)
والأمثلة على ذلك كثيرة جداً منها:
1- ما أخرجه مسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما-:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير اسم عاصية، وقال: أنت جميلة.
2- وفي سنن أبي داوود من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما اسمك ؟ قال: حزن، قال: أنت سهل، قل لا السهل يوطأ ويمتهن، قال سعيد فظننت أنه سيصبنا بعده حزونة.
3- وأخرج أبو داود أيضاً بسند صحيح عن أسامة بن أخدري:(1/21)
أن رجلاً كان يقال له أصرم كان في النفر الذين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ما اسمك؟ قال: أصرم، قال: أنت زرعة.
4- وفي الأدب المفرد للبخاري بسند صحيح صححه الألباني:
أن رجلاً كان اسمه العاصي فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطيعاً.
5- وعند أحمد بسند ضعيف عن خيثمة قال:
كان اسم أبي في الجاهلية عزيزاً فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن
6- وأخرج الحاكم بسند صحيح عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
جاءت عجوز إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - – وهو عندي- فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أنت؟
قالت: أنا جثامة المزنية، فقال: بل أنت حسانة المزنية، كيف أنتم ؟ كيف حالكم ؟ كيف كنتم بعدنا ؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت قلت يا رسول الله: تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال، فقال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإن حسن العهد من الإيمان ". ( صحيح الجامع: 2056)
7- وأخرج البخاري في الأدب المفرد بسند فيه ضعف عن أبى عبد الرحمن بن سعيد المخزومي وكان اسمه الصرم فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعيداً "
( ضعفه الألباني في ضعيف الأدب المفرد ج 132)
8- وعند البخاري أيضاً في الأدب المفرد بسند ضعيف عن رابطة بنت مسلم عن أبيها قال: شهدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حُنَيْناً فقال لي: ما اسمك؟ قلت: غراب، قال: لا. بل أنت مسلم.
9- وغير النبي - صلى الله عليه وسلم - اسم المدينة وكانت تسمي يثرب فسماها طيبة:
ففي الصحيحين عن أبي حميد قال:
أقبلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من تبوك حتى أشرفنا على المدينة فقال: هذه طيبة.
وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
" إن الله سمي المدينة طيبة ( طابة)(1/22)
ويكره تسميتها يثرب كراهة شديدة، وإنما حكي الله تعالي تسميتها يثرب عن المنافقين فقال تعالي:
{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا، وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْل يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا } ( الأحزاب: 12، 13)
وعند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب، وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد "
قال أبو داود في سننه:
وغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسم العاصى، وعزيز، وعتلة، وشيطان، والحكم، وحباب، وغراب.
- وشهاب فسماه: هاشم
- وسمي حرباً: سلماً
- وسمي المضطج: المنبعث
- وأرضاً يقال لها عفرة: خضرة
- وشعب الضلالة سماه: شعب الهدي
- وبنو الزنية سماهم: بني الرشد
- وسمي بني مغوية: بني رشدة
ملاحظات:
ملحوظة 1: قد يغير النبي - صلى الله عليه وسلم - الاسم ليس لقبحه ولكن لمصلحة تقتضيه
ففي حديث البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - :
أن زينب كان اسمها بره فقيل تزكي نفسها، فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب.
فغير النبي - صلى الله عليه وسلم - الاسم كراهية التزكية وإن يقال: خرج من عند بره أو يقال: كنت عند بره ؟ فيقول: لا.
وفي الصحيحين: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بالمنذر بن أبي السيد حين ولد فوضعه النبي على فخذه، وأبو أسيد جالس، فلهي النبي بشيء بين يديه فأمر أبو أسيد بابنه فاحتمل من على فخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - – فأقاموه – فقال: أين الصبي ؟ فقال أبو سعيد: قلبناه يا رسول الله، قال: ما اسمه ؟، قال: فلان، قال: ولكن اسمه المنذر.
ملحوظة 2:
ظاهر هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحويل الأسماء مراعاة القرب في النطق(1/23)
كتغيير شهاب إلى: هشام أو هاشماً , جثامة إلى: حسانة،
وعفرة إلى: خضرة وحرباً إلى: سلماً..... وهكذا
وبناءً على ذلك يمكن تحويل الاسم إلى ما يقاربه في النطق
كتحويل عبد النبي إلى: عبد الغني، عبد الرسول إلى: عبد الغفور،
وعبد عليِّ إلى: عبيد العليّ، حنش إلى: أنس، عبد الكاظِم إلى: عبد القادر...وهكذا
فوائد وتنبيهات:
1- الأب أحق بتسمية المولود:
فليس للأم حق منازعة الزوج في تسمية المولود لكن الأفضل أن يتشاورا ويتراضيا على التسمية فإذا تنازعا فالتسمية من حق الأب
فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
ولد لي الليلة مولود فسميته باسم أبي إبراهيم.
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ:
فالولد يتبع أمه في الحرية والرق، ويتبع أباه في النسب والتسمية، ويتبع في الدين خيرهما ديناً.
2- المولود ينسب إلى أبيه لا إلى أمه في الدنيا والآخرة:
يقول الشيخ بكر أبو زيد في تسمية المولود صـ29:
كما أن التسمية من حق الأب فإن المولود ينسب إلى أبيه لا إلي أمه، ويدعي بأبيه لا بأمه، فيقال في إنشاء التسمية فلان ابن فلان، فلا يقال ابن فلانة، ويقال في دعائه ومناداته والإخبار عنه يا ابن فلان ولا يقال:يا ابن فلانة، قال تعالي: { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } ( الأحزاب: 5 )
والدعاء يستعمل استعمال فيقال: دعوت ابني زيداً أي سميته
قال الله تعالي: { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } ( النور: 13)
وذلك خطاب من كان يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - يا محمد، أي قولوا: يا رسول الله أو يا نبي الله
ولهذا يدعى الناس يوم القيامة بآبائهن فلان ابن فلان، كما ثبت بذلك عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
إن الغادر يرفع له لواء يوم القيامة، يقال هذه غدرة فلان ابن فلان " (رواه البخاري)
وترجم عليه بقول " باب ما يدعي الناس بآبائهم"(1/24)
وهذا من أسرار التشريع إذ النسبة إلى الأب أشد في التعريف وأبلغ في التميز لأن الأب هو صاحب القوامة على ولده، وأمه في الدار وخارجها ومن أجله يظهر في المجامع والأسواق ويركب الأخطار في الأسفار لجلب الرزق الحلال والسعي في مصالحهم وشؤونهم. فناسبت النسبة إليه لا إلى ربات الخدور ومن أمرهن الله تعالي بقوله تعالي: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } ( الأحزاب:33)
3- الفرق بين الاسم والكنية واللقب:
أولاً: اللقب:
هو ما أشعر برفعة مسماه أو ضِعَتِه، يعني: فهم منه مدحاً أو ذماً
مثل: الرشيد، المأمون، الجاحظ ( لجحوظ عينيه)
وغالب استعماله يكون في الذم ولهذا قال سبحانه: { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} ( الأحزاب: 11)
ولا يجوز تلقيب الإنسان بما يكره سواء كان فيه أو لم يكن، أما إذا كان لا يعرف إلا به وكان لا يكرهه فيجوز تلقيبه به كالأعمش، والأصم، والأعرج، والطويل
ثانياً: الكنية:
لا يفهم منها مدحاً ولا ذماً وصدر بأب إذا كان المكني ذكراً أو أم إذا كانت المكناه أنثي مثل:
أبو الحسن، أبو بكر، أم كلثوم، والكنية نوع تكثير وتفخيم للمكني وإكرام له
كما قيل:
أُكنية حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوءة اللقبا
ويجوز أن يقال للطفل: يا أبا فلان
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له أبو عميرـ قال الراوي: أحسبه فطيماً - وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير ما فعل النغير؟
فطيم: بمعني مفطوم، أي: انتهي رضاعه ( الفتح 10/713)
النغير: هكذا بالتصغير وأصله نغر وهو طائر صغير.
ويجوز كذلك أن يقال للطفلة يا أم فلان:
وقد صح في البخاري وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كني طفلة صغيرة حينما كساها ثوباً جميلاً فقال لها: هذا سنا يا أم خالد، هذا سنا يا أم خالد
فقد أخرج البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهذه الطفلة:
يا أم خالد هذا سنة "(1/25)
أي هذا الثوب حسن.
- ويجوز أن يكني الرجل أو المرأة وليس لهم أولاد:
1ـ فقد أخرج ابن ماجة بسند حسن حسنه الألباني عن أبن صهيب عن أبيه قال:
قال عمر لصهيب: أي رجل أنت لولا خصال ثلاث فيك ؟ قال: وما هن
قال: اكتنيت وليس لك ولد، وانتميت إلى العرب وأنت من الروم، وفيك سرف في الطعام. قال: أما قولك اكتنيت ولم يولد لك فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كناني أبا يحيي، وأما قولك انتميت إلى العرب ولست منهم وأنت رجل من الروم، فإني رجل من النمر بن قاسط فسَبَتْني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام عرفت نسبي، وأما قولك: فيك سرف في الطعام، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خياركم من أطعم الطعام.
ففي هذا الحديث دليل على مشروعية التكنية، وأنها لا تتتعلق بالأولاد.
2- كذلك أبو هريرة كان يكني بذلك ولم يكن له ولد إذ ذاك ( صحيح الترمذي ج 3840)
3- وجاء عند الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لعائشة أن تكني بأم عبد الله، وهو عبد الله بن الزبير وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر
4- وكان أنس يكني قبل أن يولد له بـ(أبي حمزة)
ملحوظة:
يدعي البعض أن عائشة سميت بأم عبد الله لأنها أسقطت من النبي - صلى الله عليه وسلم - سقطاً فسماه عبد الله وكناها به.
وهذا لا يصح فهو حديث ضعيف جداً أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ( ج 419)
وفي إسناده داود بن المحبر وهو متروك كما في التقريب ( 1811)
ـ ويجوز تكنية الرجل الذي له أولاد بغير أولاده:
فهذا أبو بكر - رضي الله عنه - كان يكني: بأبي بكر، ولم يكن له ولد اسمه بكر
وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يكني: بأبي حفص، ولم يكن له ولد اسمه حفص
وهذا أبو ذر - رضي الله عنه - كان يكني: بأبي ذر، ولم يكن له ولد اسمه ذر
وهذا خالد بن الوليد - رضي الله عنه - كان يكني: بأبي سليمان، ولم يكن له ولد اسمه سليمان(1/26)
وهذا أبو سلمة - رضي الله عنه - كان يكني: بأبي سلمة، ولم يكن له ولد اسمه سلمة
والله أعلم
يقول الألباني – رحمه الله – كما في السلسلة الصحيحة ( 1/74) بعد أن أورد حديث صهيب السابق: وفي هذا الحديث دليل مشروعية الاكتناء لمن لم يكن له ولد، بل قد صح في البخاري وغيره أن النبي كني طفلة صغيرة حينما كساهاً ثوباً جميلاً فقال لها:
" هذا سنا يا أم خالد، هذا سنا يا أم خالد ".
يقول ابن القيم في تحفة المودود صـ106:
والكنية نوع تكثير وتفخيم للمكني وإكرام له كما قال:
أُكنية حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوءة اللقبا
وقد هجر المسلمون لاسيما الأعاجم منهم هذه السنة العربية الإسلامية فقلما تجد من يكتني منهم ولو له طائفة من الأولاد فكيف من لا ولد له ؟
وأقاموا مقام هذه السنة ألقاباً مبتدعة مثل: الأفندي والبيك والباشا ثم السيد والأستاذ.... ونحو ذلك مما يدخل بعضه أو كله في باب التزكية المنهي عنها في أحاديث كثيرة فليتنبه لهذا . أهـ بتصرف
ملحوظة:
يستثني من كلام الشيخ لفظة (الأستاذ) إن أطلقت لمن يستحقها، فقد ثبت أن مسلماً كان يقول للبخاري: يا أستاذ الأستاذين
فهي ليست بأعجمية بعكس كلمة ( دكتور) والتي هي أعجمية محض.
يقول الشيخ الفاضل بكر أبو زيد في كتابة تغريب الألقاب العلمية صـ12:
استبدلوا لفظ الفقيه بغيره ... ومن الغريب محدثون دكاتره
والله لو علم الجدود بفعلنا ... لتناقلوها في المجالس نادرة
... ... ...
ـ هل يجوز تسمية الرجل ابنه باسم النبى - صلى الله عليه وسلم - ، ويكنِّيه بكنيته ؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة
- فذهب فريق من أهل العلم إلى جواز التسمي باسم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن يكره التكني بكنيته ودليلهم:ـ
ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي "(1/27)
وقال البخاري في صحيحه باب " قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي "
ثم ذكر حديث عن جابر قال:
ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم فقالوا: لا تكنه حتي تسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي.
ـ بينما ذهب فريق من العلماء إلى أن هذا النبي مخصوصاً بزمن النبي - صلى الله عليه وسلم -
واستدلوا بما أخرجه البخاري ومسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السوق، فقال رجل: يا أبا القاسم فالتفت إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: دعوت هذا، وفي رواية: يا رسول الله لم أعنك إنما دعوت فلاناً
فقال عليه الصلاة والسلام:" تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي "
وقد أخرج البيهقي في سننه عن حميد بن زنجوية سألت ابن أبي أويس:
ما كان مالك يقول في رجل يجمع بين كنية النبي - صلى الله عليه وسلم - واسمه ؟ فأشار إلي شيخ جالس معنا فقال: هنا محمد بن مالك سماه محمداً، وكناه أبا القاسم، وكان يقول: إنما نهي عن ذلك في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - كراهية أن يدعي أحد باسمه وكنيته فيلتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأما اليوم فلا بأس بذلك.
ولكن هذا الفريق يرد عليهم:
بما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال:
يا رسول الله أرأيت إن وُلِدَ لي ولد بعدك اسميه محمداً، وأكنيه بكنيتك ؟ قال: نعم، قال عليٌّ: فكانت رخصة لي.
فلو كانت الكنية بأبي القاسم تجوز بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان هناك معني لاستئذان على بن أبي طالب من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن هناك معنى لقوله: فكانت رخصة لى
وقول عليّ: إن ولد لي بعدك: أي بعد وفاتك.(1/28)
ـ وقال فريق آخر إنما النهي في الجمع بين الاسم والكنية فإن أفرد أحدهما لم يكره واستدلوا بما أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الرحمن عن أبي عمرة عن عمه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي "
ـ وذهب فريق آخر إلى أنه يكره التكني بكنيته سواء جمعها مع الاسم أو أفردها
فقد قال الشافعي كما عند البيهقي في السنن الكبري ( 9/39):
لا يحل لأحد أن يتكنى بأبي القاسم كان اسمه محمداً أو غيره.
وذهب إلى ذلك أيضاً محمد بن سيرين
ـ بينما ذهب فريق إلى جواز الجمع بين الاسم والكنية
فقد جاء في السنن الكبرى ( 9/310) عن راشد بن حفص الزهري قال:
أدركت أربعة من أبناء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل منهم يسمي محمداً ويكني أبا القاسم: محمد بن طلحة بن عبد الله، محمد بن أبي بكر، ومحمد بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص
وفي السنن الكبرى أيضاً عن مغيرة عن إبراهيم قال:
كان محمد بن علي يكني أبا القاسم، وكان محمد بن الأشعث يكني بها، ويدخل على عائشة فلا تنكر عليه.
قال السهيلي وسئل مالك: عمن اسمه محمد ويكني بأبي القاسم ؟ فلم ير بأساً فقيل له: أكنيت ابنك أبا القاسم واسمه محمداً ؟ فقال: ما كنيته بها ولكن أهله يكنونه بها، ولم أسمع في ذلك نهياً ولا أري بذلك بأساً.
وخلاصة ما سبق: أنه يترجح من أقوال أهل العلم أمور منها:
1- يجوز التسمي باسم النبي - صلى الله عليه وسلم - بل يستحسن ويفضل.
2- لا يجوز الجمع بين الاسم والكنية
3- لا يجوز التكني بأبي القاسم مطلقاً
وإلى هذا ذهب طاووس اليماني، ومحمد بن سيرين، والشافعي، والطحاوي، والبيهقي، والبغوي، وانتصر لهذا القول ابن القيم كما في زاد المعاد ( 2/347) حيث قال:
والصواب أن التسمي باسمه جائز، والتكني بكنيته ممنوع منه، والمنع في حياته أشد، والجمع بينهما ممنوع منه.
ومما يدل على ذلك: ـ(1/29)
ما أخرجه البخاري ومسلم عن محمد المنكدر عن جابر بن عبد الله يقول:
ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم فقلنا: لا نُكَنِّيكَ أبا القاسم ولا نُنْعِمُكَ عيناً، فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال: سميه عبد الرحمن
ومحل الشاهد: أن هذا الرجل لما سمي ابنه: القاسم بادر الصحابة إلى الإنكار، وهو لم يتكني
بأبي القاسم، ولكن تسمية الولد: قاسم ذريعة لتكنية الوالد بـ أبي القاسم
وهذا ما فهموه من النصوص التي تنهي عن التكني بأبي القاسم، ثم إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم وتغيير اسم ابنه إلى: عبد الرحمن ولم يسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اسمه
فكان هذا دليلاً على أن النهي عن الكنية قائم وإن لم يكن اسم الرجل محمداً.
وكذلك أخرج الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال:
ولد لرجل من الأنصار غلام فسماه محمداً فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أحسنت الأنصار تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، إنما أنا قاسم أقسم بينكم، تسموا بي ولا تكنوا بكنيتي.
ففي هذا الحديث يبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يقسم بينهم بأمر الله تعالي، ولم يكن تقسيمه كقسمة الملوك الذين يعطون من يشاءون ويحرمون من شاءوا
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - وصف نفسه في هذا الحديث بـ أبي القاسم ولا يمكن لبشر مهما علا وسما أن يتصف بهذا الوصف إلى يوم القيامة
وجاء في بعض الروايات: الله يعطي وأنا قاسم أقسم بينكم
فدل ذلك علي أن هذه الكنية من خصوصياته، وذلك لخصوصيته بهذا الفعل وهو أنه قاسم، وهو المستفاد من أداة الحصر (إنما) فبقاء علة الحكم تبقي الحكم نفسه.
ثالثا: الاسم:
وهو ما ليس كنية أو لقباً، مثل: سليمان، سناء.............
وإذا اجتمع الاسم واللقب، قُدِّم الاسم وأًُخر اللقب، نحو: هارون الرشيد
إلا إذا اشتهر اللقب فيجوز تقديمه مثل قوله تعالى: { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ } ( النساء: 171)(1/30)
- أما الكنية فيجوز تقديمها وتأخيرها على الاسم واللقب مثل:
أبو الطيب أحمد المتنبي – أحمد المتنبي أبو الطيب
* الالتزام بوَصْلَةِ النسب لفظة(ابن) بين الأعلام:
يقول الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد كما في تسمية المولود صـ14:
وهنا أذكر دقيقة تاريخية مهمة هي: أن التزام لفظة ( ابن ) بين اسم الابن وأبيه مثلاً كانت لا يُعْرَف سواها على اختلاف الأمم
ثم لظاهرة تبني غير الرَّشَدِة في أوربا صار المتبني يفرق بين ابنه لصلبه فيقول( فلان ابن فلان )، وبين ابنه لغير صلبه فيقول ( فلان فلان) بإسقاط لفظة (ابن)، ثم أسقطت في الجميع ثم سري هذا الإسقاط إلى المسلمين في القرن الرابع عشر الهجري فصاروا يقولون مثلاً: محمد عبد الله
وهذا أسلوب دخيل لا تعرفه العرب ولا يقره لسانها فلا محل له من الإعراب عندها
وهل سمعت الدنيا فيمن يذكر نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول: محمد عبد الله ولو قالها قائل لهجن وأدب، فلماذا نعدل عن الاقتداء وهو أهدي طريقاً وأعدل سبيلاً وأقوم قيلاً
- وانظر إلى هذا الإسقاط كيف كان داعيه الاشتباه عند اشتراك الاسم بين الذكور والإناث مثل: أسماء وخارجة ورضا
فلا يتبين على الورق إلا بذكر وصلة النسب ( ابن فلان ) أو ( بنت فلان ).
وقت التسمية:
1- التسمية جائزة يوم ولادته، ودليل ذلك:-
أ- أخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدي قال:
أُتِيَ بالمنذر بن أبي أسيد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ولد فوضعه النبي - صلى الله عليه وسلم - على فخذه وأبو أسيد جالس، فلهي النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء بين يديه فأمر أبو أسيد بابنه فاحتمل من على فخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أين الصبي؟ فقال أبو أسيد: قلبناه يا رسول الله، فقال: ما اسمه، قال: فلان، قال: لا ولكن اسمه المنذر.(1/31)
وتقدم في مسألة تحنيك المولود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمي ولدي أبي موسي، وطلحة يوم ولادتهما:
ب- فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي موسي الأشعري - رضي الله عنه - قال:
وُلِدَ لي غلام فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فسماه إبراهيم
وثبت أيضاً في صحيح مسلم من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وُلِدَ لي الليلة غلاماً فسميته باسم أبي إبراهيم
جـ- وأخرج الإمام مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:
انطلقت بعبد الله بن أبي طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ولد.... إلى أن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبت الأنصار إلا حُبَّ التمر وسماه عبد الله
فهذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث الثابتة في الصحيحين تثبت جواز تسمية المولود يوم ولادته
وقال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير قوله تعالي:
{ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } ( آل عمران: 36)
فيه دليل جواز التسمية يوم الولادة كما هو ظاهر من السياق
لأنه شرع من قبلنا وقد حكي مقرراً، وبذلك ثبتت السنة الشريفة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ومما يدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: { يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى } ( مريم: 7 )
2- جاء في السنة أنه يجوز تسميته إلى ثلاثة أيام من ولادته
3ـ وجاءت السنة بأنه يجوز تسميته يوم سابعه
وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم منهم الحسن والإمام مالك
فقد قال البغوي في شرح السنة ( 11/269):
واستحب غير واحد من أهل العلم أن لا يسمي قبل سابعه
رُوِيَ ذلك عن الحسن وبه قال مالك.
أ- ولعل ما استدلوا به الحديث الذي أخرجه الترمذي بسند حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عند جده:
" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتسمية المولود يوم سابعة ووضع الأذي عنه والعق "
((1/32)
حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي)
ب_ وأخرج أبو داود من حديث سمرة بن جندب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عن يوم سابعه ويحلق ويسمي " (صحيح الجامع:4541)
الخلاصة:
إن الأمر فيه سعة في جواز التسمية يوم ولادته أو يوم سابعه
قال النووي: السنة أن يسمي المولود اليوم السابع من ولادته أو يوم الولادة
قال ابن علان في المواهب اللدنية:يحمل على أنها لا تؤخر عن السابع لا أنها تكون إلا فيه، بل هي مشروعة من حين الولادة إلى السابع
قال ابن القيم كما في تحفة المودود صـ86:
إن التسمية لما كانت حقيقتها تعريف الشيء المسمي؛ لأنه إذا وجد وهو مجهول الاسم لم يكن له ما يقع تعريفه به، فجاز تعريفه يوم وجوده، وجاز تأخير التعريف إلى ثلاثة أيام، وجاز إلى يوم العقيقة عنه، ويجوز قبل ذلك وبعده، والأمر فيه واسع.
بدع وأحاديث واعتقادات خاطئة في الأسماء لا تصح:
فهناك بعض الأحاديث الواهية والتي استند عليها كثير من العامة في تسمية أبناءهم منها:
1- أحب الأسماء إلى الله ما عُبِّدَ، وحُمِّدَ ، لا أصل له ( السلسلة الضعيفة 411 )
2- أحب الأسماء إلى الله ما يعبد به، موضوع ( الضعيفة 408 )
3- حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن أدبه، موضوع ( الضعيفة 199 )
4- إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فحسنوا أسماءكم
( ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود ح 1053 )
5- إذا مات أحد من إخوانكم فسوِيتم التراب على قبره، فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان بن فلان فإنه يسمعه ولا يجيبه ثم يقول:يا فلان بن فلان، فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله...... الحديث
وفيه... فقال رجل: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه؟ قال: فلينسبه إلى أمه حواء
فيقول: يا فلان ابن حواء. ضعيف أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة
قال الهيثمي في المجمع: وفي إسناده جماعة لم أعرفهم، كما ضعفه الحافظ العراقي في تخرجيه على الأحياء(1/33)
6- من ولد له ثلاثة فلم يسم أحدهم محمداً فقد جهل، موضوع ( الضعيفة 437)
7- من ولد له مولود فسماه محمداً تبركاً به كان هو ومولوده في الجنة
موضوع ( الضعيفة 171)
8- يناٍد منادٍ يوم القيامة أن من كان اسمه محمداً فليقم فليدخل الجنة إكراما لمحمد
" لا أصل له"
وبالجملة فكل حديث مرفوع جاء فيه مدح من اسمه محمد أو أحمد أو النهي عن التسمية بهما فكلها لا يصح منه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،ولابن بكير البغدادي( ت: 388هـ) كتاب (فضائل من اسمه أحمد ومحمد) طبع عام 1991م فيه ستة وعشرون حديثاً لا يصح منها شيء ( تسمية المولود صـ38)
9- عن عائشة - رضي الله عنها – قالت:
"جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إني قد ولدت لي غلاماً فسميته محمداً وكنيته أبا القاسم، فذكر لي أنك تكره ذلك، فقال: ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي، أو ما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي "
هذا الحديث منكر، أخرجه أبو داود والبيهقي في الكبرى وأحمد والطبراني في الأوسط والصغير كلهم عن طريق محمد بن عمران الحجبي،
وقد قال عنه الحافظ في التقريب مستور، وفي الفتح ( 10/574) مجهول
وقال الذهبي في الميزان ( 3/672) له حديث منكر وما رأيت لهم فيه جرحاً ولا تعديلاً
هذا وقد ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود ( ح 1057)
10- الرد على ابن حزم – رحمه الله – في قوله " والاتفاق على تحريم كل اسم معبد لغير الله: كعبد العزي وعبد الكعبة.... وما أشبه ذلك حاشا عبد المطلب. أهـ
فقال له الشيخ محمد عيد العباسي رداً عليه:
ما الدليل على استثناء عبد المطلب مادام فيه عبودية لغير الله؟
وقد يقول قائل أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يقول:
أنا النبي لا كذب ... ... ... أنا ابن عبد المطلب
وهذا لا يفيد جواز التسمية بعبد المطلب بل هو من باب راويهِ الحال والواقع
كما روي القرآن أسماء آلهة العرب كما في قوله تعالي:
{(1/34)
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} ( النجم:19-20 )
خاصة وإن المطلب كان مشركاً وعبد المطلب كذلك، فإذا كانت العبودية للنبي - صلى الله عليه وسلم - والرجل الصالح لا تجوز، فبالأولي أن لا تجوز لمن كان مشركاً
وعلي هذا فلا يصح الاستثناء الذي ذكره ابن حزم – غفر الله له ـ.
11- تسمية المولود بغير اسمه أو تسميته اسماً منحطاً ليعيش:
كأنه يسموه: مشحوت، بلبع أو بعجر أو صربع أو جعلص
هذا مما يجعله هزواً وسخرية في نظر الصغار والكبار فينشأ على الخفة والسقوط
12- اعتقاد البعض أن الإنسان سينادى يوم القيامة بأمه:
فقالوا: لأن الرجل قد لا يكون نسبه ثابتاً من أبيه، كالمنفي باللعان وولد الزنا فكيف يدعي بأبيه
وهذا خطأ فقد قال البخاري في صحيحه، باب يدعي الناس يوم القيامة بآبائهم لا بأمهاتهم
ثم ساق في الباب حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع الله لكل غادر لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان.
13- البعض يطلق على النعل أسماء خدوجة، زنوبة، عيوشة
وهذا تحريف لأسماء شريفة، فخدوجة: أصلها خديجة، زنوبة: أصلها زينب، عيوشة: أصلها عائشة. ولعل الروافض وراء هذه التسمية.
14- البعض يعمل على تدليل الاسم فيخرج عن مقصده ومحاسنه ومثال ذلك:
يقولون لمحمد: حمادة، أو ميمي، وهذا يورث الميوعة والتخنث، ويقولون لفاطمة: فيفي أو بطة، ويقولون لزينب: زوبة.
15- الرافضة يذكرون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمي على بن الحسين بن علي بن أبي طالب
– رحمه الله تعالي – سيد العابدين
وهذا لا أصل له كما في منهاج السنة ( 4/50) والموضوعات لابن الجوزي ( 2/44-45)
وعلي بن الحسين من التابعين فكيف يسميه النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك
فقاتل الله الرافضة، ما أكذبهم وأسخف عقولهم.(1/35)
ـ وكذلك يسمون جلب الله يعني: كلب الله كما في لهجة العراقيين
وعندهم كذلك يسمون: جلب علي، أي: كلب علي
وهم يقصدون أن يكون أميناً مثل أمانة الكلب لصاحبه.
وللحديث بقية ـ إن شاء الله تعالى ـ
وبعد...
فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة
نسأل الله أن يكتب لها القبول وأن يتقبلها منا بقبول حسن، كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومن أعان علي إخراجها ونشرها إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صواباً فادع لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثم خطأ فاستغفر لي
وإن وجدت العيب فسد الخللا ... ... ... جل من لا عيب فيه وعلا
فاللهم اجعل عملي كله صالحاً ولوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه نصيب
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
... هذا والله تعالى أعلى وأعلم .........
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك(1/36)
8ـ العقيقة ( النَّسِيكَةُُ )
تمهيد
:
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..........
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ( سورة آل عمران: 102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ( سورة النساء: 1)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } ( سورة الأحزاب: 70ـ71 )
أما بعد....،
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالي وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار..
العقيقة ( النَّسِيكَةُ )
(1) تعريف العقيقة
العقيقة في اللغة: القطع، يقال عق والديه: قطعهما.
- ويقال عق عن ولده: إذا ذبح عنه يوم سابعه ( لسان العرب "عقق" صـ3042 )
قال الإمام أحمد: إنها مأخوذة من العق وهو الشق والقطع.
- قال الخطابي: سميت بذلك لأنها تُعَقُّ مذابحُهَا، أى تُشق وتُقطع. ( فتح الباري ( 10/500 )
- وقيل للذبيحة عقيقة لأنه يُشّقُ حلقُها.
- العقيقة: تقال للشعر الذي يخرج على رأس المولود من بطن أمه سواء من الناس أو البهائم أو تطلق على ذبح الشاة.
- قال ابن الفارس: الشاة التي تذبح والشعر منها يسمى عقيقة(1/1)
يقال: عق يعق، إذا حلق عن ابن عقيقته وذبح للمساكين شاة .
العقيقة اصطلاحاً: اسم الشاة المذبوحة عن الولد فى يوم سابعه.
- وقيل هي ما يُذكَّى عن المولود شكراً لله تعالى بنيةٍ وشرائط مخصوصة.
(2) مشروعية العقيقة
العقيقة مشروعة في قول عامة أهل العلم،
منهم ابن عباس وابن عمر وابن مسعود وعائشة وبريدة الأسلمى وعروة بن الزبير
وفقهاء التابعين وأئمة الأمصار.
- قال يحيى بن سعيد الأنصارى: أدركت ناس وما يدعون العقيقة عن الغلام والجارية.
- قال ابن المنذر: وذلك أمر معمول به بالحجاز قديماً وحديثاً تستعمله العلماء
وذكر مالك:إنه الأمر الذي لا اختلاف فيه عندهم، وبه قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجمع كبير من أهل العلم متبعين فى ذلك سنة رسول الله ودليلهم.
1- ما أخرجه البخاري من حديث سليمان بن عامر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
" مع الغلامِ عقيقتُهُ فأهرِيقُوا عنه دماً وأميطُوا عنه الأذى "
2- وأخرج أبو داود من حديث سمرة بن جندب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" كل غلامٍ رهينةٌ بعقيقته تُذبحُ عنه يوم سابعه ويحلق ويسمّى "(صحيح الجامع:4541)
تنبيه: ورد هذا الحديث بلفظ يُدمى بدلا من يُسمى
وحكم أبو داود على لفظ يُدمى بالوهم وقال: ويُسمى أصح.
معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : رهينة بعقيقته
قال الخطابي ـ رحمه الله ـ:اختلف الناس فى معنى هذا
فذهب أحمد بن حنبل إلى أن معناه: إذا مات وهو طفل ولم يعق لم عنه يشفع لأبويه.
وكذلك قال عطاء الخراساني فقد سئل كما فى سنن البيهقي (9 / 301 ):
ما مرتهن بعقيقته ؟ قال: يحرم شفاعة ولده، أى: أن الوالد يحرم شفاعة ولده.
- وقيل معناه: أن العقيقة لازمة لابد منها لزومها للمولود بلزوم الرهن للمرهون فى يد المرتهن.
- وقيل: مرهون بعقيقته بمعنى انه لا يسمى ولا يحلق شعره إلا بعد ذبحها.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ:(1/2)
وظاهر الحديث إنه رهينة فى نفسه، ممنوع محبوس من خير يراد به، ولا يلزم من ذلك أن يعاقب على ذلك فى الآخرة وإن حبس بترك أبويه العقيقة عما يناله من عق عنه أبواه، وقد يفوت الولد خير بسبب تفريط الأبوين وإن لم يكن من كسبه، كما أنه عند الجماع إذا سمي أبوه لم يضر الشيطان ولده وإذا ترك التسمية لم يحصل للولد هذا الحفظ.
(3) أيهما أفضل أن يقال: عقيقة أم نَسِيكة ؟
قبل التفصيل فى هذه المسألة نتعرض لمعنى العقيقة كما جاء فى أقوال أهل العلم
فقد اختلف فى معناها على ثلاثة أقوال:
القول الأول: قول أبى عبيد والأصمعىّ وغيرهما: إن أصلها الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد وإنما سميت الشاة التي تذبح عنه عقيقة؛ لأنه يحلق عن ذلك الشعر عند الذبح، وهذا من تسمية الشيء باسم ملابسه وهو من مسلك العرب فى كلامهما.
القول الثاني: إن العقيقة هي الذبح نفسه وبهذا قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وخطأ أبا عبيد ومن معه
القول الثالث: إن العقيقة تشمل القولين، وبهذا قال الجوهري في الصحاح
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: والقول الثالث أولى...والله أعلم.
وكما جرى الخلاف بين العلماء فى معناها،
فقد اختلفوا فى حكم إطلاقها على الشاة التي ستذبح على قولين:
القول الأول: كراهية تسميتها بالعقيقة، ودليلهم: ـ
ما أخرجه أبو دواد والنسائي وأحمد والبيهقي عن عمرو شعيب عن أبيه عن جده:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عن العقيقة ؟ فقال: لا يحب الله - عز وجل - العقوق، وكأنه كره الاسم، قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما نسألك أحدنا يولد له ؟ قال: من أحب أن ينسك عن ولده فلينسك عنه، عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة "
قالوا فالواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال: " نسيكة " ولا يقال لها عقيقة
وقال الحافظ بن حجرـ رحمه الله ـ كما الفتح (9/588) بعد إيراد هذا الحديث السابق:(1/3)
وغايته أن يؤخذ منه أن الأولى أن تسمى نسيكة وذبيحة وألا تسمى عقيقة.
وقال البجيرمي: الأولى تسميتها ذبيحة ونسيكة، لما فى العقيقة فى الإشعار بالعقوق
فالتسمية بها خلاف الأولى.
وقال ابن عبد البر: فى هذا الحديث كراهية ما يقبح معناه من الأسماء، وكان الواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال لذبيحة المولود: نسيكة ولا يقال عقيقة لكن لا أعلم أحداً من العلماء مال إلى ذلك، ولا قال به، وأظنهم تركوا العمل به لما صحّ عندهم في غيره من الأحاديث لفظة العقيقة.
القول الثاني: لا يكره بل هو جائز بلا كراهة ودليلهم:-
حديث سمرة مرفوعا: " الغلام مرتهن بعقيقته " ... ... ... ... ... (أبو داود)
وحديث سلمان بن عامر مرفوعاً: " مع الغلام عقيقته " ... ... ... ... ...
(البخاري)
ففي هذين الحديثين وغيرهما لفظ العقيقة وقد أطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا اللفظ عليها.
وقال أبو عمرو: فدل ذلك على الكراهة في الاسم، ولذا تجد فى كتب الفقهاء فى كل الأمصار ليس فيها إلا العقيقة لا النسيكة.
وحقق ابن القيم ـ رحمه الله ـ هذه المسالة فقال كما فى تحفة المولود صـ 43:
قلت: ونظير هذا اختلافهم فى تسمية العِشاء بالعتمة وفيه روايتان عن الإمام أحمد
والتحقيق فى الموضعين كراهة هجر الاسم المشروع في العشاء والنسيكة والاستبدال به اسم العقيقة والعتمة، فأما إذا كان الاسم المستعمل هو الاسم الشرعي ولم يهجر وأطلق الاسم الآخر أحيانا فلا بأس بذلك وعلى هذا تتفق الأحاديث وبالله التوفيق.
- وعلى هذا ينبغي علينا ألا نهجر الاسم الشرعي وهو النسيكة
بل لابد من العودة إلى الألفاظ الشرعية المهجورة لكي تتداول في اجتماعاتنا وأفراحنا حتى يشاع هذا الاسم، ولا نستبدل اللفظ الشرعي بغيره فيكون علمٌ عليه وينسى الاسم الشرعي كما هو حادث الآن فإنك إن ذكرت أمام أحد كلمة نسيكة لطلب منك التوضيح عن المراد من هذه الكلمة(1/4)
فعلى المسلم أن يستعمل كلمة النسيكة ويجعلها هي الأصل وإذا استعمل كلمة العقيقة فى بعض الأحيان للتوضيح وبيان الحكم وإظهار المراد فلا بأس فى ذلك.
- ودائما فى رءوس العناوين أصدر بكلمة عقيقة لسببين:
الأول: إن الناس تعارفوا على هذا الاسم فصار علم عليها، فلابد من تسميتها باسمها ثم بيان الاسم الشرعي لها.
الثاني: إن هذا الاسم هو المتداول والمتعارف فى كتب الفقه وكتب أهل العلم.
(4) حكم العقيقة
اختلف الفقهاء في حكم العقيقة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الوجوب
وهو قول الحسن البصري وبريدة الأسلمى والليث بن سعد والظاهرية وحجتهم فى ذلك: ـ
أ- ما أخرجه البخاري من حديث سلمان بن عامر الضبي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى "
ب- وأخرج أبو داود عن سمرة بن جندب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه "
ج – وأخرج الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق.
د – وأخرج الترمذي وابن ماجة عن يوسف بن ماهك:
أنهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن فسألوها عن العقيقة فأخبرتهم أن عائشة أخبرتها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة
مكافئتان: أى مستويتان فى السن ومتشابهتان فى الشكل
هـ-ما أخرجه أبى داود والترمذي عن أم كرز( أم كعب الكرزية) قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة لا يضركم ذكرانا أو إناثاً " ( أى: الذبائح )
القول الثاني: الاستحباب
وهو قول الإمام مالك وأهل المدينة والإمام الشافعي وأصحابه والإمام أحمد وإسحاق وأبى ثور وغيرهم من أهل الفقه والاجتهاد وحجتهم: ـ(1/5)
أ - ما أخرجه الإمام مالك وأبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أحب أن ينسك عن ولده فلينسك عنه، عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاةٌ " ( حسنه الألباني في الإرواء)
فجعلوا هذا الحديث صارفاً للأحاديث التي ورد فيها الوجوب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في هذا الحديث:
"من أحب أن ينسك" فجعل الأمر على الاستحباب
ب – وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد بسند حسن:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة عندما ولدت الحسن: لا تعقي عنه ولكن احلقي شعر رأسه
فقالوا: لو كان العق واجب لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة به.
جـ- ما أخرجه مسلم وغيره:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يؤتى بالصبيان فَيُبرِّكُ عليهم ويُحنِّكُهُم
فلم يثبت فى هذا الحديث أنه عق عنهم فدل هذا على الاستحباب لا الوجوب.
القول الثالث: الكراهة
وهو قول أبى حنيفة وأصحاب الرأي وحجتهم: ـ
أ- ما أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد والبيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن العقيقة، فقال: لا يحب الله ـ عز وجل ـ العقوق وكأنه كره الاسم، قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما نسألك أحدنا يولد له ؟ قال: من أحب أن ينسك عن ولده فلينسك عنه عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة "
( صحيح سنن النسائي (ح 4223)، وانظر الصحيحة (ح 1655)
ب – واستدلوا كذلك بما أخرجه ابن أبى شيبة وأحمد بسند حسن:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة عندما ولدت الحسن: لا تعقي عنه ولكن احلقي شعر رأسه ".
مناقشة الأد لة وبيان الراجح:
فالرد على من قال بكراهيتها، فإننا نقول: بالنسبة للحديث الأول:
فإن ما ذهبوا إليه بعيد عن الصواب لأن آخر الحديث يرد عليهم
فقد قال الحافظ فى الفتح: ولا حجة فى الحديث لنفى مشروعيتها بل آخر الحديث يثبتها(1/6)
إنما غايته أن يؤخذ منه أن الأولى أن تسمى نسيكة أو ذبيحة وألا تسمى عقيقة. أهـ
( وقد مر الخلاف فى التسمية )
وأما بالنسبة للحديث الثاني:
والذي أخرجه الإمام أحمد عن أبى رافع - رضي الله عنه - :
أن الحسن بن على أرادت أمه فاطمة ـ رضي الله عنها ـ أن تعق عنه بكبشين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تعقي ولكن احلقي رأسه فتصدقي بوزنه من الورق( أى من الفضة ) ثم ولد الحسن فصنعت مثل ذلك.
فالرد عليه: إن بعض أهل العلم ضعف هذا الحديث، وعلى فرض صحته فقد جمع العراقي ـ رحمه الله ـ فى شرح الترمذي بين هذا الحديث وبين ما تقدم من الأمر بالعقيقة، باحتمال أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان عق عنه ثم استأذنته فاطمة لتعق هي عنه فمنعها. وهذا هو الصواب
ولعل العراقي لم يقع على الحديث الذي فيه: أن الرسول عق عن الحسن
ولذلك قال باحتمال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عق عنه، لكن ثبت هذا بالفعل فرجح ما ذهب عليه.
فقد أخرج الترمذي وابن أبى شيبة وأحمد بسند حسن عن علىّ - رضي الله عنه - قال:
عقَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن بشاة وقال يا فاطمة احلقي رأسه.. ( الحديث )
وعن أبى داود والنسائي وغيرهما بسند صحيح عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً.
وقال الإمام أحمد في رواية حين سئل عن العقيقة:
وإن هناك من كرهها وقال: إنها من أمر الجاهلية. فقال الإمام ـ رحمه الله ـ: هذا لقلة علمهم وعدم معرفتهم بالأخبار، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد عق عن الحسن والحسين وفعله أصحابه وجعلها هؤلاء من أمر الجاهلية، والعقيقة سنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقد قال: " الغلام مرتهن بعقيقته "
وهو إسناد جيد أخرجه أهل السنة عن أبى هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال الإمام أحمد أيضا في رواية الأثرم:(1/7)
فى العقيقة أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسندة عن أصحابه وأتباعه
ويقول هؤلاء: هي من أعمال الجاهلية ثم تبسم الإمام أحمد كالمعجب.
وهناك من يقول بكراهيتها لأنها من فعل أهل الكتاب:
وهذا أيضا مردود عليه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر فعل اليهود لأنهم يخصون الذكر بالعقيقة دون الأنثى ولم ينكر عليهم أصل العقيقة وفعلها
ويكفى على هذا ما أخرجه البيهقي من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن اليهود تعق عن الغلام ولا تعق عن الجارية فعقوا عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة"
وبهذا يسقط قول من قال بكراهية العقيقة
وقد استفاضت الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحث على العقيقة والتحريض على فعلها، وفعلها عن الحسن والحسين، وبقى معنا القول بين الوجوب والاستحباب.
وأما القائلين بالوجوب فقالوا: إن هناك أحاديث الصيغة فيها لا يمكن صرفها إلى الاستحباب
مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - : " كل غلام رهينة بعقيقته " فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن العقيقة لازمة لابد منها، فشبه لزومها للمولود بلزوم الرهن للمرهون فى يد المرتهن
فلا يعقل أن يشبه شيئا مستحباً غير لازم بشيء لازم لابد منه.
وكان الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ يقول فى هذا الحديث:
هو أشد ما روي في العقيقة.
ويقول ابن حزم كما فى المحلى ( 7/ 526 ):
وأمره عليه السلام بالعقيقة فرضٌ كما ذكرنا، لا يحل لأحد أن يحمل شيئا من أوامره عليه السلام على جواز تركها إلا بنص آخر وارد بذلك، وإلا فالقول بذلك كذب وقَفْو لما لا علم لهم به.
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه ح 7968 عن الحسن البصري
أنه قال في رجل لم يعق عنه، قال: يعق عن نفسه.
وقال يحيى الأنصارى: أدركت الناس وما يدعون العقيقة عن الغلام والجارية.
وأما ما يستدل به القائلون بالاستحباب:
وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من أحب أن ينسك عن ولده فلينسك عنه "(1/8)
وإن هذا الحديث صارف للأمر فينزل الحكم إلى الاستحباب
فالأمر ليس كذلك لأمور منها: ـ
هذا الحديث غير مساق لبيان الحكم، بل هو مساق لإزالة شبهة الكراهة من كلمة العقيقة
كما هو واضح فى أول الحديث عندما سئل عن العقيقة فقال:" لا يحب الله - عز وجل - العقوق"
وهذا مستفاد من آخر الحديث أيضا فإنه قال: "عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة " فقوله: " عن الغلام " جارٌ ومجرور متعلق بمحذوف تقديره واجب. وكذلك القول في الجارية
فهذا دليل على أن قوله: "من أحب " ليس فيه دلالة على صرف أوامره الدالة من الوجوب إلى الاستحباب.
ـ ثم إن قوله: " من أحب " نظير قوله تعالى: { لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } ( التكوير: 28)
فهل يقول أحد إن الاستقامة مستحبة ؟ طبعا هي واجبة كما هو معلوم من الأدلة الأخرى
وأيضا قوله تعالى: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا }
( البقرة: 158 )
فظاهر الآية يدل على أن السعي بين الصفا والمروة هو مشروع فقط وليس بركن ولا بواجب، بينما الأدلة الأخرى تدل على ركنيته منها سبب نزول الآية.
ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - كما في مسند الإمام أحمد: " اسعوا فإنَّ الله كتب عليكم السعي" وغير ذلك
وقد ذكر الألبانى فى كتاب التوسل صـ 56:
إن من القواعد المهمة فى الشريعة الإسلامية أن النصوص الشرعية يفسر بعضها بعضا
ولا يُفْهمُ شيء منها في موضوع ما بمعزل عن بقية النصوص الواردة فيه.
وأما حديث: " كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم " فهذا لا دليل فيه على أنه لم يعق عنهم، فهو لم يتعرض لهذا الأمر البتة وعدم علمنا بالعق لا يستلزم العلم بعدمه.(1/9)
ثم إن النسيكة هي واجبة في حق أهليهم وليس في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - وها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يثبت عنه انه حلق صبيا. فهل نقول أن الحلق ليس مشروعا ؟ فهذا استدلال ضعيف.
الراجح: قول الجمهور بأنها مستحبة.
قال ابن القيم كما هو في تحفة المودود: العقيقة لو كانت واجبة لكان وجوبها معلوما من الدين؛ لأن ذلك تدعو الحاجة إليه وتعمُّ به البلوى فكان - صلى الله عليه وسلم - يُبَيِّنُ وجوبها للأمة بياناً عاماً كافياً تقوم به الحجة وينقطع معه العذر.
- إلا إنه لا ينبغى للقادر عليها أن يتركها والقول بالوجوب ليس ببعيد
قال الإمام أحمد: ولا أحب لمن أمكنه وقدر ألا يعق عن ولده ولا يدعه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" الغلام مرتهن بعقيقته وهذا أشد ما روى فيه "
وسئل أيضا: العقيقة واجبة هي ؟ فقال: أما واجبة فلا أدرى، لا أقول واجبة
ثم قال: أشد شيء فيه أن الرجل مرتهن بعقيقته.
وقال في موضع آخر: مرتهن عن الشفاعة لوالديه.
(5) كم يذبح عن الغلام والجارية ؟
بداية ينبغي أن نعرف:
إن العقيقة ليست للولد فقط دون الأنثى، بل هى مشروعة فى حق الولد والبنت.
لأن هناك من ذهب إلى أنه لا عقيقة على الجارية وممن قال بذلك الحسن وقتادة
ولعلهما تمسكا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " مع الغلام عقيقته " والغلام اسم للذكر دون الأنثى
ولكن ترد عليهم الأحاديث الصحيحة والتي فيها مشروعية العقيقة عن الجارية ومنها: ـ
1- ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث أم كُرْزٍ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة "
2 - ما أخرجه الإمام مالك وأبو داود بسند حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من أحب أن ينسك عن ولده فلينسك عنه عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة"
3 – ما أخرجه الترمذي عن يوسف بن ماهك:(1/10)
أنهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن فسألوها عن العقيقة فأخبرتهم أن عائشة
ـ رضي الله عنهاـ أخبرتها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة"
4 – وكذلك ما أخرجه البيهقي من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إن اليهود تعق عن الغلام ولا تعق عن الجارية، فعقوا عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة "
ويستفاد من الأحاديث السابقة: ـ
المفاضلة بين الغلام والجارية فى العقيقة، فللولد شاتان وللبنت شاة واحدة
وهذا مذهب ابن عباس وعائشة وجماعة من أهل الفقه والحديث كالشافعي وأحمد وأبو إسحاق وأبو ثور.
بينما ذهب بعض أهل العلم إلى: أنه تجزئ شاة عن الغلام وشاة عن الجارية
وبهذا قال ابن عمر والإمام مالك وأبو جعفر محمد بن علىّ بن حسين ـ رضي الله عنهم ـ
وقال الإمام مالك: وكان عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ يعق عن الغلمان والجواري من ولده شاة شاة. ...
ولعل ما يستندون إليه هذا الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي بسند صحيح عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً.
ـ ولقد انتصر ابن القيم للقول الأول حيث قال كما في تحفة المودود ص 52:
ولا تعارض بين أحاديث التفضيل بين الذكر والأنثى وبين حديث ابن عباس في عقيقة الحسن والحسين فإن حديثه قد روى بلفظين
أحدهما: أنه عق عنهما كبشاً كبشاً. الثاني: أنه عق عنهما كبشين.
ولعل الراوي أراد كبشين عن كل واحد منهما فاقتصر على قوله: كبشين، ثم روي بالمعنى كبشاً كبشاً، وذبحت أمهما عنهما كبشين، والحديثان كذلك رويا، فكان أحد الكبشين من النبي - صلى الله عليه وسلم - والثاني من فاطمة، وبهذا اتفقت جميع الأحاديث وهذه قاعدة شرعية فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ فاضل بين الذكر والأنثى، وجعل الأنثى على النصف من الذكر.(1/11)
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي بسند صحيح من حديث أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" أيما امرىء مسلم اعتق مسلماً كان فكاكه من النار يجزىء كل عضو منه عضوا منه، وأيما امرىء مسلم اعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزىء كل عضو منهما عضوا منه ".
وكذلك جعل الأنثى على النصف من الذكر في المواريث والديات والشهادات والعتق والعقيقة.
وخلاصة القول: إنه من وسع الله عليه فليعق عن الذكر شاتين وعن الأنثى شاة واحدة
لما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر المفاضلة بينهما
ومن ضيق عليه فى الرزق فيجزئه عن الذكر شاة وعن الأنثى شاة وهو بذلك نال حظاً من متابعة السنة وحتى لا يقعد عن العمل بالكلية ونرجو له الأجر والثواب
وقد قال الله تعالى { : يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }) البقرة:185)
وقال تعالى: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } ( الحج:78 )
(6) وقت العقيقة
لقد دلَّت الأحاديث على توقيت الذبح يوم السابع
1 – فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ".
2 – وأخرج الترمذي بسند حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" أمر بتسميه المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق "
( حسنه الألبانى في صحيح سنن الترمذي (2 /371)
3 – وأخرج ابن حبان في صحيحه بسند حسن عن عائشة ـ رضي الله عنهما ـ قالت:
" عق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حسن وحسين يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رءوسهما الأذى " ( حسنه الشيخ شعيب الأرنؤوط )
ـ ففي هذه الأحاديث توقيت الذبح وذلك يوم السابع، ولا يجوز القيام بالذبح قبل ذلك؛ لأنه أداء لنسك في غير وقته والالتزام بتوقيت النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المطلوب.(1/12)
وهذا قول عامة أهل العلم كالحسن وقتادة قال: يعق عنه يوم سابعه.
وجاء في مصنف عبد الرزاق( ح 7972) أن أبا عمر قال:
كان الحسن البصري يذهب إلى أنها واجبة عن الغلام يوم سابعه.
يقول الإمام ابن حزم في المحلى ( 7 \ 523 ):
يُذبح كل ذلك في اليوم السابع من الولادة ولا تجزىء قبل اليوم السابع أصلا
فإن لم يذبح في اليوم السابع ذبح بعد ذلك متى أمكن فرضا. أ هـ
فوائد:
1- قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ: إن مات قبل السابع سقطت العقيقة
2ـ ويرى الإمام مالك: أنه لا يعد اليوم الذي ولد فيه إلا أن يكون ولد قبل الفجر.
3ـ الاعتبار يكون بيوم الذبح لا بيوم الطبخ والأكل.
4ـ ولعل الحكمة من أن الذبح في اليوم السابع؛ لأن الأهل مشغولون بإصلاح الوالدة والولد في أول الأمر، فلا يكلفون حينئذ بما يضاعف شغلهم، ولهذا كان الفصل بين الولادة والعقيقة.
ـ وأيضا فرب إنسان لا يجد شاة إلا بسعى، ولو كان العق أول يوم لضاق الأمر عليهم.
( منهج التربية لمحمد نور سويد )
5– يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما في تحفه المودود صـ 72:
عن الحكمة باختصاص السابع بالعقيقة وحلق الرأس والتسمية
إن الطفل حين يولد يكون أمره مترددا بين السلامة والعطب ولا يدرى هل هو من أمر الحياة أو لا إلى أن تأتى عليه مرة يستدل بما يشاهد من أحواله فيها على سلامة بنيته وصحة خلقته وأنه قابل للحياة، وجعل مقدار تلك المدة أيام الأسبوع.
- وهذا هو الزمان الذي قدره الله يوم خلق السماوات والأرض وهو تعالى خص أيام تخليق العالم بسته أيام، وجعل يوم إكمال الخلق واجتماعه يوم اجتماع الخليقة مجمعا وعيدا للمؤمنين وهو يوم الجمعة، يجتمعون فيه لعبادته وذكره والثناء عليه وتحميده وتمجيده والتفرغ من أشغال الدنيا لشكره والإقبال على خدمته.(1/13)
ـ وهو اليوم الذي استوى فيه الرب ـ تبارك وتعالى ـ على عرشه واليوم الذي خلق الله فيه أبانا آدم، واليوم الذي أسكن في الجنة واليوم الذي أخرجه منها والذي ينقضي فيه أجل الدنيا وتقوم الساعة وفيه يجيء الله ـ سبحانه وتعالى ـ ويحاسب الخلق ويدخل أهل الجنة الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم.
والمقصود: إن هذه الأيام أولى مراتب العمر فإذا استكملها المولود انتقل إلى المرتبة الثانية وهى الشهور، فإذا استكملها انتقل إلى الثالثة وهى السنين، فمن مات في الأيام الأولى الست فهو غير مستوف الخليقة، فكانت الستة غاية لتمام الخلق ثم يأتى اليوم السابع فيكون فيه التسمية للمولود وإماطة الأذى وفديته وفك رهانه فتتم سعادة الأبوين.
- كما يفرح المؤمنون يوم الجمعة حيث جعله الله عيدا لهم يجتمعون فيه مظهرين شكره وذكره
{ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ } ( آل عمران:170) من تفضيله لهم على سائر الخلائق المخلوقة في الأيام قبله.
- فإن الله سبحانه أجرى حكمته بتغيير حال العبد فى كل سبعة أيام وانتقاله من حال إلى حال فكان السبعة طوراً من أطواره وطبقا من أطباقه، ولهذا نجد المريض تتغير أحواله في اليوم السابع ولابد إما إلى قوة وإما إلى انحطاط ولما اقتضت حكمته سبحانه ذلك، شرع لعباده كل سبعة أيام يوما يرغبون فيه إليه يتضرعون ويدعونه فيكون ذلك من أعظم الأسباب في صلاحهم في معاشهم ومعادهم ودفع كثير من الشرور عنهم فسبحان من بهرت حكمته العقول فى شرعه وخلقه والله أعلم.
(أ هـ بتصرف)
وذهب فريق من أهل العلم: إلى أنها تجوز العقيقة في السابع أو اليوم الرابع عَشَر فإن لم يتهيأ عق عنه يوم الواحد والعشرين.
ـ وهذا ما نقله الترمذي عن بعض أهل العلم وهو قول الحنابلة وبه قال إسحاق وهو مروى عن عائشة ودليلهم: ـ(1/14)
ما أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير( صـ 267) وعند البيهقي من حديث بريدة الأسلمى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " العقيقة تذبح لسبعٍ أو لأرْبَع عشر أو لإحدى وعشرين "
( صححه الألبانى فى صحيح الجامع (4132)، وصححه الحوينى فى كتابه الإنشراح فى آداب النكاح )
الشاهد ذكره عن عائشة وهو في المستدرك (102)
لكن هذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم منهم الشيخ الألبانى نفسه فى الإرواء (4/395) لأن فيه إسماعيل بن مسلم قال عنه النسائي:"متروك الجديث ليس بثقة، وضعفه الحافظ فى الفتح (9/509)
وأما تصحيح الشيخ / أبو إسحاق الحويني للحديث لأن له شاهد عند الحاكم وقال الشيخ:
وقد أعله بعض الفضلاء بالانقطاع بين عطاء وأم كرز؛ لأن عطاء يروى عن أم كرز بواسطة فى بعض الأحاديث، وهذا بمجرده لا يقتضى الانقطاع لاسيما ولم أجد نصا لأحد أئمة هذا الشأن ينص فيه على الانقطاع فبقيت دعوى عارية من الدليل. أ هـ
لكن كلام الشيخ-حفظه الله- مردود عليه:
فالدليل قائم والنص ثابت على عدم سماع عطاء من أم كرز
ففي العلل لابن المديني (71): ولم يسمع من أم كرز شيئا وسمع من عائشة وجابر بن عبد الله
وقال الحافظ ابن حجر فى التهذيب ( 7 \ 182 ): قال علىّ بن المدينى وأبو عبد الله:
رأى ابن عمر ولم يسمع منه، ورأى أبا سعيد الخدرى يطوف بالبيت ولم يسمع منه، ولم يسمع من زيد بن خالد ولا من أم سلمة ولا من أم هانيء ولا من أم كرز شيئا.
وقال الألباني – رحمه الله ـ كما فى الإرواء (4\ 396 ): وظاهر الإسناد الصحة
وله عندي علتان:
- الأولى: الانقطاع بين عطاء وأم كرز.
- الثانية: الشذوذ والإدراج. أهـ
وعلى هذا لا يصح هذا الحديث الذي عند الحاكم شاهدا للحديث الذي أخرجه الطبراني فيبقى الحديث ضعيف. (انظر أحكام المولود في السُّنة المطهرة صـ72 المكتب الإسلامي)
وقال الليث: إنها واجبة، في أى يوم فى السابع.(1/15)
وكان يقول أيضا: يعق عن المولود فى أيام سابعه، فإن لم يتهيأ لهم العقيقة فى سابعه فلا بأس أن يعق عنه بعد ذلك، وليس بواجب أن يعق عنه بعد سبعة أيام.
وقال عطاء – رحمه الله – كما فى مصنف عبد الرزاق ( ح 7969 ):
إن أخطاهم أمر العقيقة يوم السابع أحببت أن يؤخره إلى اليوم السابع الآخر.
ونقل الإمام أحمد وإسحاق والشافعي عن مالك: إنه لم يزد على السابع الثاني.
وقال ابن وهب– رحمه الله ـ:
لا بأس أن يعق عنه في السابع الثالث،وهو قول عائشة وعطاء وأحمد وإسحاق
وقال مالك – رحمه الله ـ: والظاهر أن التقييد بالسابع على وجه الاستحباب وإلا فلو ذبح عنه فى الرابع أو الثامن أو العاشر أو ما بعده أجزأت.
وقد نص الشافعية: على أن العقيقة لا تفوت بتأخيرها لكن يستحب ألا تؤخر عن سن البلوغ، فإن أخرت حتى يبلغ سقط حكمها فى حق غير المولود ( الولي )
وهو: أى المولود مخير فى العقيقة عن نفسه ( أى بعد البلوغ ) المغنى ( 9 / 364 )
والراجح: هوالقول الأول والذي فيه:
تحديد اليوم السابع بالذبح لدلاله ذلك بالنصوص الصريحة الصحيحة.
لكن هناك سؤال: وهو من لم يعق عنه صغيراً فهل يعق عن نفسه كبيراً أو يعق عنه أبوه ؟
كان الإمام أحمد يستحسن ذلك فقد سئل الإمام أحمد: هل يعق عنه كبيرا ؟
قال: لم أسمع فى الكبير شيئا، فقيل له: أبوه معسر ثم أيسر، فأراد ألا يدع ابنه حتى يعق عنه، قال: لا أدرى ولم أسمع فى الكبير شيئاً، ثم قال: ومن فعله فحسن.
وأخرج الطحاوى في مشكل الآثار والطبراني في الأوسط عن أنس - رضي الله عنه - قال:
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عن نفسه بعدما بعث بالنبوة
فهذا الحديث أخرجه أبو الشيخ من طريقين
أحدهما: ضعيف الإسناد؛ لأن فيه عبد الله بن محرز.
الثانى: فقد قال عنه الحافظ فى فتح البارى: قوى الإسناد ( فتح البارى 9/ 5945)
وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم، لكن له شواهد يتحسن بها(1/16)
والخلاصة: إن الأب إذا كان ميسوراً وقت الذبيحة فليذبح يوم السابع وهذا أفضل الفعل وقول النبي وإن لم يتيسر له ذلك جاز فى أى يوم بعد ذلك كما قال مالك – رحمه الله ـ
( انظر أحكام المولود في السنة المطهرة صـ 72 المكتب الإسلامي )
(7) من فوائد العقيقة
قال ابن القيم – كما فى تحفة المولود صـ53-54 ـ ومن فوائد العقيقة:
1- إنه قربان يقرب به عن المولود فى أول أوقات خروجه إلى الدنيا، والمولود ينتفع بذلك غاية الانتفاع، كما ينتفع بالدعاء له وإحضاره مواضع المناسك والإحرام عنه وغير ذلك.
2- إنها تفك رهان المولود فإنه مرتهن بعقيقته.
قال عطاء بن أبى رباح: يعني يحرم شفاعة ولده
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ فى معنى: " مرتهن بعقيقته " أي فكاك رهانه من الشيطان وتخليصه من حبس وقيد الشيطان.
فقال ـ رحمه الله ـ: وقد جعل الله – سبحانه وتعالى – النسيكة عن الولد سبباً لفك رهانه من الشيطان الذى يعلق به من حين خروجه إلى الدنيا، وطعن فى خاصرته، فكانت العقيقة فداءً له وتخليصاً له من حبس الشيطان له وسجنه فى أسره ومنعه له من سعيه فى مصالح آخرته التي إليها معاده، فكأنه محبوس لذبح الشيطان له بالسكين التى أعدها لأتباعه وأوليائه، وأقسم لربه ليستأصلن ذرية آدم إلا قليلاً منهم، فهو بالمرصاد للمولود من حين يخرج إلى الدنيا، فحين يخرج يبتدره عدوه ويضمه إليه ويحرص على أن يجعله فى قبضته وتحت أسره ومن جملة أوليائه وحزبه، فهو أحرص شيء على هذا .
3- إنها فدية يفدي به المولود، كما فدى الله ـ سبحانه وتعالى ـ إسماعيل الذبيح بالكبش وغير مستبعد فى حكمة الله فى شرعه وقدره أن تكون العقيقة سبباً لحسن إنبات المولود ودوام سلامته وطول حياته فى حفظه من ضرر الشيطان، حتى يكون كل عضو منها فداء كل عضو منه، ولهذا يستحب أن يقال عليها ما يقال على الأضحية.
ويقول د/عبد الله ناصح علوان كما فى تربية الأولاد فى الإسلام (ج / صـ81) ومن فوائدها:(1/17)
4- إظهار للفرح والسرور بإقامة شرائع الإسلام وبخروج نسمة مؤمنة، يكاثر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمم يوم القيامة.
5- كذلك تمتين لروابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع لاجتماعهم على موائد الطعام ابتهاجاً بقدوم المولود الجديد، فيتحقق التكافل الاجتماعي وذلك حينما يُشرك فى الانتفاع بالعقيقة بعض ذوي الحاجة والحرمان من الفقراء والمساكين.
6- انتفاع المولود بدعاء الصالحين.
(8) مسائل وأحكام متعلقة بالعقيقة
1- يجوز القرض من أجل العقيقة:
فمن ضيق عليه رزقه عند الولادة ولم يجد من المال ما يعق به جاز له أن يقترض
فقد سئل الإمام أحمد عن الرجل لم يكن عنده ما يعق فقال:
إن استقرض – رجوت أن يخلف الله عليه – أحيا سنة، وفى رواية: " إني لأرجو إن استقرض أن يجعل الله له الخلف، أحيا سنة من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتبع ما جاء عنه.
2- لا يجزئ التصدق بثمن العقيقة ولو زاد ولا شراء اللحم والتصدق به بدلاً منها:
يقول ابن القيم – رحمه الله – كما فى تحفة المودود صـ50-51:
النسيكة (العقيقة) مشروعة بسبب تجدد نعمة الله على الوالدين وفيها سر بديع موروث عن فداء إسماعيل بالكبش الذي ذبح عنه وفداه الله به فصار سنة فى أولاده بعده أن يفدي أحدهم عند ولادته بذبح يُذبح عنه.
ولا يستنكر أن يكون هذا حرزاً له من الشيطان بعد ولادته، كما كان ذكر اسم الله عند وضعه في الرحم حرزاً من ضرر الشيطان.
ولهذا قال: من يترك أبواه العقيقة عنه إلا وهو فى تخبيط من هذا، ولهذا كان الصواب أن الذكر والأنثى يشتركان فى مشروعية العقيقة وإن تفاضلا فى قدرها، خلافاً لأهل الكتاب وبعض أهل العلم من السلف كالحسن وقتادة.
فكان الذبح فى موضعه أفضل من الصدقة بثمنها ولو زاد، فإن المقصد من العقيقة الذبح وإراقة الدم، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة كما قال تعالى { : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } ( الكوثر: 2 )(1/18)
وقال تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الأنعام: 162)
ففي كل ملة صلاة ونسيكة لا يقوم غيرهما مقامهما، ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقرآن
(في الحج) بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية ( والنسيكة ) – والله أعلم.
3- هل يجوز الجمع بين العقيقة والأضحية بنية واحدة ؟
هناك ثلاثة أقوال للإمام أحمد وهم ( الجواز – والمنع - والتوقف ) والصحيح – والله أعلم – المنع.
أي أنه يلزم أن تكون الأضحية مستقلة عن العقيقة، لأن المقصود من العقيقة إراقة الدم عن النفس فلا يصح الاشتراك..... والله أعلم. وإلا لو جاز ذلك لجاز الاشتراك فى العقيقة والراجح أنه لا يصح.
( فتح الكريم فى أحكام الحامل و الجنين لعادل بن يوسف صـ 183 )
4- هل يجوز الاشتراك فى العقيقة كما يجزئ فى الأضحية ؟
فمن المعلوم أن يجوز الاشتراك فى الهدي والأضحية حيث يجزئ الجزور أو البقرة عن سبعة لكن هذا لا ينسحب على العقيقة فلا يجوز فيها الاشتراك.
قال ابن القيم – رحمه الله ـ كما فى تحفة المودود صـ62- 63:
ولا يجزئ الرأس إلا عن رأس وهذا بتمامه تخالف فيها العقيقة الهدي والأضحية، ولما كانت هذه الذبيحة جارية مجرى فداء المولود، كان المشروع فيها دماً كاملاً لتكون نفس فداء نفس .
وأيضاً فلو صح فيه الاشتراك لما حصل المقصود من إراقة الدم عن الولد فإن إراقة الدم تقع عن واحد ويحصل لباقي الأولاد إخراج اللحم فقط والمقصود نفس الإراقة عن الولد، وهذا المعنى بعينه هو الذي لحظه من منع الاشتراك فى الهدي والأضحية.
ولكن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق وأولى أن تتبع وهو الذي شرع الاشتراك فى الهدايا
فقد أخرج الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما – قال:
نحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية، البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة "(1/19)
كما أنه - صلى الله عليه وسلم - شرع فى العقيقة عن الغلام دمين مستقلين لا يقوم مقامهما جزور ولا بقرة.
وهناك سؤال يفرض نفسه..
5- هل تجزئ فى العقيقة غير الغنم كالإبل والبقر ؟
قال ابن المنذر- رحمه الله -: واختلفوا فى العقيقة بغير الغنم على قولين:
القول الأول: من أجاز العقيقة من غير الغنم، واستدلوا:-
أ- بما رواه ابن أبى شيبة والطبراني فى الكبير بسند صحيح عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - :
" إنه كان يعق عن بنيه جزوراً ".
ب- ولعل حجتهم كذلك ما أخرجه البخاري عن سلمان بن عامر الضَّبي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دماً "
فما ذبح عن المولود على ظاهر هذا الخبر يجزئ سواء كان غنم أو بقر أو إبل.
جـ- ما روى عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يعق عنه من الإبل والبقر والغنم ".
القول الثاني: إنه لا تجزئ فى العقيقة غير الغنم، وهو الراجح
فالعقيقة لا يجزئ فيها إلا الشاة، فلا يجزئ البقر ولا الجزور
وذلك للأدلة الآتية: ـ
أ- فقد أخرج الحاكم بسند حسن بشواهده عن أم كُرزٍ وأبى كُرزٍ قالا:
" نذرت امرأة من آل عبد الرحمن بن أبى بكر إن ولَدت امرأة عبد الرحمن نحرت جزوراً فقالت عائشة: " لا بل السنة أفضل عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة "
وجاء هذا الأثر بلفظ آخر وقد رواه الطحاوي وعبد الرازق والبيهقي وإسناده حسن
كما قال الشيخ الألباني في الإرواء وفيه:
وُلِدَ لعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وَلدٌ فقيل لعائشةَ أمّ المؤمنين عُقِّي عنه جزوراً فقالت معاذ الله ولكن ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاتان مكافئتان.
وقد نصت كل الأحاديث الواردة في الذبيحة على الشاة والشاتين والكبشين فيدل هذا على تعيين الغنم للعقيقة
وقد ذكر هذا الحافظ ابن حجر – رحمه الله – كما في فتح الباري(9/740) حيث قال: وعندي أنه لا يجزيء غيرها.(1/20)
وقال ابن حزم – رحمه الله – كما في المحلي ( 7/523 ):
ولا يجزيء في العقيقة إلا ما يقع عليه اسمُ الشاة إما من الضأن وإما من الماعز فقط
ولا يجزيء في ذلك من غير ما ذكرنا لا من الإبل ولا من البقر الإنسية ولا من غير ذلك.
والرد على الفريق الأول والذي يجيز الإبل والبقر فى العقيقة، فنقول:
أما الرد على الدليل الأول والذى فيه:
" أن أنساً كان يعق عن بنيه جزوراً " فهو أثر صحيح إلا أنه لا يغير من أصل المسألة شيئاً فكون أنس ذبح عن ولده جزوراً لا يلزم من مشروعية ذلك، فضلاً عن استحبابه فهو لم يرفعه و إنما هذا الأثر موقوف عليه أي أنه من فعله، فنفى عائشة فى الحديث المتقدم ذكره يتقدم على ما ثبت عن أنس ولا ترد هنا قاعدة " المثبت مقدم على النافى " لأن أنساً لم يبين لنا أنه من فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو من قوله بخلاف قول عائشة فإنها قالت: السنة أفضل ، بهذا صار حديث عائشة له حكم الرفع فيقدم على الموقوف والذي هو فعل أنس،
ولا يسوغ لنا ترك نص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لاحتمال أن أنساً له نص فيما فعل، بل يجب علينا أن نتمسك بالنص ونعتذر لهذا الصحابي الجليل. ...
وأما الرد على الدليل الثاني والذي فيه: " مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً "
فما ذبح عن المولود على ظاهر هذا الخبر يجزى فنقول إن هذا الحديث مجمل وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة " مفسر، والمفسر أولى من المجمل.
وأما الرد على الدليل الثالث والذي فيه: يعق عنه من الإبل والبقر والغنم
فهذا الحديث موضوع كما قال عنه الشيخ الألباني فى الإرواء (4/393):
6- فى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة "( رواه أحمد والترمذي)
يلاحظ فيه:
" أن الشاة تطلق على الضأن والماعز فبأيهما عق فقد حقق الغرض، وسواء كان ذكراناًً أم إناثاً(1/21)
وذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم كرز الكعبية:
" ولا يضركم ذكراناً كن أو إناثاً "
7- أن يكون سنها سن الذبائح المأمور بها:
فإن لم يرد تحديد معين لسنها كما فى الأضحية
ولكن ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجرى فى ذلك ما يجرى فى الأضحية،
أي أن الضأن أو الماعز: يكون عمرها سنة ودخلت فى السنة الثانية، وإذا كان الضأن كبير الجسم سميناً فإنها تصح به إذا بلغ ستة أشهر ( بشرط أنه إذا خالط بما له سنة لا يمكن تمييزه منه )
وأما المعز فإنها لا تصح إلا إذا بلغ سنة ودخل فى السنة الثانية على كل حال.
وقد سئل الإمام أحمد عن العقيقة تجزى بنعجة أو حمل كبير ؟
قال: فحل خير، وفى رواية: الأسن خير، أى ( الممتلئة السمينة خير )
قال ابن القيم كما فى تحفة المودود صـ 61:
وفى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل "
فالدليل على أنه إنما يجزى فيها ما يجزى النسك سواء من الضحايا أو الهدايا؛ ولأنه ذبح مسنون إما واجباً وإما استحباباً يجرى مجرى الهدى والأضحية فى الصدقة والهدية والأكل والتقرب إلى الله فاعتبر فيها السن الذى يجزئ فيهما؛ ولأنه شرع بوصف التمام والكمال.
قال أبو عمر بن عبد البرـ رحمه الله ـ : وقد أجمع العلماء أنه لا يجوز فى العقيقة إلا ما يجوز فى الضحايا من الأزواج الثمانية إلا من شذ ممن لا يعد قوله خلافاً.
وأما ما رواه مالك عن إبراهيم التيمي أنه قال:
" سمعت أبى يقول: تستحب العقيقة ولو بعصفور " فإن هذا الكلام خرج على التقليل والمبالغة
كقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر فى الفرس:" لا تأخذه ولو أعطاكه بدرهم "(الحديث فى الصحيحين)
وكقوله فى الجارية: " إذا زنت فبيعوها ولو بضفير" ( وهو فى الصحيحين أيضاً )
8- أن تكون الذبيحة التى يعق بها سليمة من العيوب:(1/22)
قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ: " العقيقة بمنزلة النسك والضحايا ولا يجوز فيها عوراء ولا عجفاء ولا مكسورة ولا مريضة " والعجفاء: هي المهزولة التى لا مخ فى عظامها.
وكذلك لا تصح بالعمياء، ولا بالعرجاء ( التى لا تستطيع المشي )
ولا تصح بمقطوعة الأذن أو الذنب أو الإلية ( إذا ذهب أكثر من ثلثها )
ولا تصح بالهتماء ( التى ذهب أكثر أسنانها )
ولا تصح بالسكاء ( التى لا أذن لها بحسب الخلقة )
ولا تصح بالتولاء ( وهى المجنونة التى يمنعها جنونها من الرعي )
أما عدا ذلك من العيوب التافهة فإنها تجوز: ـ
كأن تكون مشقوقة الأذن أو مكسورة القرن أو مصابة بالعرج الذى تستطيع المشى معه، كأن تمشى بثلاث قوائم وتضع الرابعة على الأرض لتستعين بها على المشي، أو مصابة بجنون لم يمنعها من الرعي، أو ذهب بعض أسنانها ولكن الأكثر موجودة، أو كانت مقطوعة الأذن أو الذنب أو الإلية وبقى الثلثان وذهب الثلث فقط فكل ذلك لا يمنع العقيقة بها.
هذا وقد ذهب ابن حزم إلى جواز العقيقة بالمعيب فقال كما فى المحلى:
ويجزئ فيها المعيب سواء كان ما يجوز فى الأضاحي أو كان مما لا يجوز فيها والسالم أفضل. ولكن القول الأول أرجح.
9- حيث إنها تجرى مجرى الأضحية فيجوز لأهلها أن يأكلوا منها ويهدون ويتصدقون:
قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ: العقيقة بمنزلة النسك والضحايا يأكل أهلها منها ويتصدقون.
قال ابن سيرين ـ رحمه الله ـ عندما سئل عن العقيقة: " اصنع ما شئت، قيل له:
يأكلها أهلها ؟ قال: نعم ولا تؤكل كلها ولكن يأكل ويطعم " ( أخرجه ابن أبى شيبة فى مصنفه (8/ 54)
ـ وينبغي أن يتنبه هنا إلى هذا الحديث الضعيف الذى أخرجه البيهقي بسند منقطع عن علىّ
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر فاطمة ـ رضي الله عنها – فقال: زِني شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة وأعطى القابلة رجل العقيقة " فهو لا يصح.
10- يستحب طبخ العقيقة دون إخراج لحمها نيئاً:(1/23)
وهذا من باب الاستحباب وليس بشرط. فبأي وجه تصدق بلحمها جاز ذلك،
إذ لم ترد نصوص استحباب طبخها ولا فى تقسيمها.
وقد سئل الإمام أحمد عن العقيقة كيف يصنع بها ؟
قال: كيف شئت..أ هـ، إلا أنه كان يستحب فى العقيقة طبخها.
فقد سئل: العقيقة تطبخ ؟ قال: نعم، وقيل له أيضاً: العقيقة تطبخ بماء وملح ؟ قال "يستحب ذلك "
هذا لأن إذا طبخها فقد كفى المساكين والجيران مؤنة الطبخ وهو زيادة فى الإحسان وفى شكر هذه النعمة، ويتمتع الجيران والأولاد والمساكين بها هنيئة مكفية المؤنة، فإن من أهدى إليه لحم مطبوخ مهيأ للأكل مطيب كان فرحه وسروره به أتم من فرحه بلحم نيئ يحتاج إلى كلفة وتعب.
ولذلك لما سئل الإمام أحمد " أتطبخ العقيقة " ؟
قال: نعم، قيل له: إنه يشتد لهم طبخه قال: يتحملون ذلك.
ـ وأيضاً فإن الأطعمة المعتادة التى تجرى مجرى الشكران كلها سبيلها الطبخ
1- القِرى: طعام الضيفان 2- التحفة: طعام الزائر
3– الخُرْس: طعام الولادة 4- المأدُبة: طعام الدعوة ...
5- الوليمة: طعام العرس 6- العقيقة: طعام المولود في اليوم السابع
7- الغديرة: طعام الختان 8– الوضيمة: طعام المأتم
9- النقيعة: طعام القادم من سفره 10- الوكيرة: طعام الفراغ من البناء
فهذه جملة من أنواع الأطعمة والولائم التي شرعها الإسلام في أوقات مخصوصة وفي أيام المناسبات والإطعام عند هذه الأشياء أحسن من تفريق اللحم في مكارم الأخلاق والجود.
11- ويستحب الدعوة إليها التماساً لدعاء الصالحين:
وقد أجاز ذلك كثير من الفقهاء لما ينشر في المجتمع المسلم من الألفة والمحبة والأخوة بين الأهل والأصدقاء والجيران.
أخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن معاوية بن قرة قال:(1/24)
لما وُلِدَ إياس دعوت نفراً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأطعمتُهُم فدَعَوا، فقلت: إنكم قد دعوْتُم فبارك لكم فيما دعوتُم، وإني إن أدعو بدعاء فأمِّنوا، قال: فدعوت له بدعاءٍ كثيرٍ في دينه وعقله، وكذا قال: فإني لأتعرف فيه دعاء يؤمنذ.
يعني بذلك أنه رأي أثر الدعاء وبركته علي إياس من حدة الذكاء، وقوة في البصيرة والفراسة، وحكمه في القضاء كما اشتهر ذلك عنه.
فقد جاء في التقريب: إن إياس كان قاضياً مشهوراً بالذكاء ثقة.
ويرجع الفضل في هذا إلي الله ـ سبحانه وتعالي – ثم إلي هذا الهدي القويم في منهج معاوية بن قرة في استفتاح تربية إياس بالدعاء له بعد الاجتماع علي العقيقة لذلك قال: فإني لأتعرف فيه دعاء يومئذ
ولهذا يستحب الدعوة إليها خلافاً للإمام مالك.
فقد قال أبو عمر بن عبد البر:
قول مالك: إنه يكسر عظامها ويطعم منها الجيران ولا يدعي الرجال كما يفعل بالوليمة، ولا أعرف غيره كره ذلك.
وينبغي لمن دُعي إلي وليمة أو عقيقة أو غير ذلك أن يجيب الدعوة
فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إذا دعا أحدكم أخاه فليجب، عرساً كان أو نحوه "
ويقول الشافعي في الأم:إتيان دعوة الوليمة حق، ويقول – ولا أرخص لأحد في تركها – أهـ.
12- لا يُمَس المولود بشيء من دم العقيقة:
وهذه عادة جاهلية قديمة فقد كانوا يعقون عن المولود ويلطخون رأسه بدمها، وجاء الإسلام فأقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذبح وحلق رأس الصبي والتصدق بوزن شعرة فضة.
فقد أخرج أبو داود والحاكم بسند صحيح عن بريدة - رضي الله عنه - قال:
كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران.(1/25)
وأخرج أبن حبان والبيهقي بسند صحيح عن عائشة – رضي الله عنهما – في حديث العقيقة قالت: وكان أهل الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة ويجعلونه علي رأس الصبي، فأمر - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل مكان الدم خلوقاً.
قال ابن المنذر – رحمه الله ـ:
ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث سلمان بن عمار الضبي:
" مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى"
والدم أذى، وهو من أكبر الأذى، فغير جائز أن ينجس رأس الصبي بالدم.
13- هل يجوز كسر عظام العقيقة:
ذهب فريق من أهل العلم منهم الإمام أحمد والشافعي:
إلى أن العقيقة لا يكسر عظمها سواء حين الذبح أو الأكل، بل يقطع كل عظم من مفصله بلا كسر.
فقد قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ:
لا يكسر عظمها، ولكن يقطع كل عظم من مفصله فلا تكسر العظام.
وروى ابن جريج عن عطاء كان يقول: تقطع جدولاً، ( أي تقطع أعضاء ).
وروى ابن المنذر عن الشافعي أنه قال:
العقيقة سنة واجبة ويتقي فيها العيوب ما يتقي في الضحايا ولا يباع لحمها ولا إهابها ولا يكسر عظمها، ويأكل أهلها ويتصدقون، ولا يمس الصبي بشيء من دمها ".
وروى ابن المنذر عن عطاء عن عائشة مثله.
وقالوا إن الحكمة من ذلك أمور: ـ
إحداها: إظهار شرف هذا الإطعام، وخطره إذا كان يقدم للآكلين ويهدى إلى الجيران ويطعم للمساكين، فاستحب أن يكون قطعاً، كل قطعة تامة في نفسها، لم يكسر من عظامها شيء، ولا نقص العضو منها شيئاً، ولا ريب أن هذا أجل موقعا ً، وأدخل في باب الجود من القطع الصغار.
المعنى الثاني: إن الهدية إذا شرفت وخرجت عن حد الحقارة وقعت موقعا حسناً عند المهدي إليه، ودلت على شرف نفس المهدي وكبر همته وكان في ذلك تفاؤلاً بكبر نفس المولود وعلو همته وشرف نفسه(1/26)
المعنى الثالث: إنها لما جرت مجرى الفداء، استحب ألا تكسر عظامها تفاؤلاً بسلامة أعضاء المولود وصحتها وقوتها وبما زال من عظام فدائه من الكسر وجرى كسرعظامها عند من كرهه مجرى تسميتها " عقيقة " فهذه الكراهة في الكسر نظير ذلك الكراهة في الاسم والله أعلم.
ولعل ما استندوا إليه هذا الحديث الذي أخرجه أبو داود عن جعفر بن محمد عن أبيه
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين، وأن ابعثوا إلى القابلة منها بِرجْل، وكلوا وأطعموا ولا تكسروا منها عظماً.
لكن الحديث مرسل أخرجه أبو داود في المراسيل(ح 379)، وعلى هذا فلا يجوز الاحتجاج به
بينما ذهب فريق آخر إلى جواز كسر عظامها:
وممن قال بهذا الإمام مالك حيث قال: يكسر عظامها ويطعم منها الجيران.
وقال ابن شهاب: لا بأس بكسر عظامها.
وقال هذا الفريق: لم يصح في المنع من ذلك ولا في كراهته سنة يجب المصير إليها؛ لأن ما ثبت في عدم كسر عظامها حديث لا يصح. هذا وقد جرت العادة بكسر عظام اللحم،
وفي ذلك مصلحة أكله وتمام الانتفاع به ولا مصلحة تمنع من ذلك. وهذا هو الراجح.
14- في حكم جلد العقيقة وسوا قطها:
جاءت بعض الروايات عن الإمام أحمد ألا يبيعها بل يتصدق بها.
فقد سئل الإمام أحمد عن العقيقة وعن الرأس والسقط تباع ويتصدق به ؟
قال: يتصدق به.
ونقل الإمام عن الحسن أنه قال: يكره أن يعطى جلد العقيقة والأضحية على أن يعمل به
( أي يكره أن يعطى في أجرة الجازر والطباخ ).
ولعل ما احتجوا به ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال:
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يتصدق بجلودها وأجلتها.
فقال الإمام أحمد:لا بأس أن يتخذ من جلود الأضحية وطاء يقعد عليه، ولا يباع إلا أن يتصدق به
ـ وقيل له: هل يأخذ الإنسان لنفسه جلود الأضاحي ينتفع به ؟
قال: ما كان واجباً أو كان عليه نذر وما أشبه هذا، فإنه يبيعه ويتصدق بثمنه،(1/27)
وما كان تطوعاً فإنه ينتفع به في منزله إن شاء.
وفي رواية: أنه يتصدق بجلد الأضحية ويتخذ منه في البيت إهاباً ولا يبيعه
وكان مسروق وعلقمة يتخذونه مصلى أو شيئاً في البيت.
ونقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن جلود الأضاحي ما يصنع بها ؟
قال: ينتفع بها ويتصدق بثمنها.
وسئل هل تباع ويتصدق بثمنها ؟ قال: نعم حديث ابن عمر.
وكان الإمام أحمد يرخص في بيع جلد البقرة ويتصدق به بخلاف جلد الشاة فإنه لا يباع بل يتصدق به هكذا أو ينتفع به.
- وقد سئل هل أبيعه وأتصدق به ؟
قال: لا، كان ابن عمر يدفعه إليهم فيبيعونه لأنفسهم.
فقيل له: أبيعه بثلاثة دراهم أعطيه ثلاثة مساكين، قال: اجمعهم وادفعه إليهم.
15- آدابُ الذّبح:
1) تحريم الذبح لغير الله:
فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي الطُّفيل عامر بن واثلة قال:
كنت عند عليّ بن أبي طالب فأتاه رجل فقال: ما كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسُرُّ إليك ؟قال: فغضب
وقال: ما كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسُرُّ إليَّ شيئاً يكتُمُهُ الناس غير أنه قد حدثنى بكلمات أربع، قال: فقال: ما هنَّ يا أمير المؤمنين ؟ قال: قال: لعن الله من لعن والديه، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غَيَّر منار الأرض.
وعلى هذا يكون الذبح لله، فلا يكون لنبي ولا لولي فهذا من الشرك.
2) الرحمة بالشاة:
فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد والحاكم بسند صحيح عن قُرَّةَّ بن إيَّاس المُزَني:
أن رَجُلاً قال: يا رسول الله إني لأرحم الشاة أن أذبحها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن رحِمْتَها رَحِمَك الله ".
3) الإحسان في الذَّبِح:
وذلك بأمور:
(أ) حَدُّ الشَّفرةِ:
فقد أخرج الإمام مسلم عن شدّادِ بن أوسٍ قال:(1/28)
ثنتان حفظتها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله كتب الإحسان على كُلِّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَةَ وإذا ذبَحتمُ فأحسِنُوا الذَّبْحَ وليُحَّد أحدُكم شَفرته، وليُرح ذبيحَته "
(ب) إبعادُ حدِّ السّكيِن عن مرأى الشاة:
فقد أخرج البيهقي والحاكم بسند صحيح عن ابن عباس قال:
قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رجُلِ واضعاً رِجله على صفحة شاةٍ وهو يحُدُّ شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها. فقال: " أفلا قبل هذا، أتُريدُ أن تُميتها موتاً ".
وفي رواية: " أتُريدُ أن تُميتها موتات ( موتتان ) ".
وأخرج عند الرازق بسند فيه مقال عن ابن هريرة - رضي الله عنه - قال:
" إذا أحدَّ أحدَكم الشَّفرة فلا يُحدَّها والشاة تنظر إليه ".
(جـ) أن تساق إلى الذبح سوقاً جميلاً:
فقد أخرج البيهقي بسند فيه مقال عن ابن سيرين:
أن عُمر رأى رجلاً يَجُرُّ شاةً ليذبحها فضربه بالدرة وقال: سُقها لا أمّ لك إلى الموت سوقاً جميلاً.
وإن كان الحديث فيه انقطاع لأن ابن سيرين لم يدرك عمر إلا أن عموم الحديث والتي توجب الرحمة بالشاة تشهد له فيكون معناه صحيحاً.
(د) إضجاع الذبيحة:
فقد أخرج الإمام مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أمر بكبش وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ".
قال النووي – رحمه الله – كما في شرح مسلم ( 13/130 ):
وفيه استحباب إضجاع الغنم في الذبح وأنها لا تُذبح قائمة ولا باركة بل مضجعة لأنه أرفق بها وبهذا جاءت الأحاديثُ، وأجمع المسلمون عليه واتفق العلماء وعمل المسلمين على أن إضجاعها يكونُ على جانبها الأيسر لأنه أسهلُ على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار.
(هـ) موضع الذبح: ...
فقد أخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال:
" الذكاة في الحلقِ واللبة ".(1/29)
اللبة: هي الهَزْمة التي فوق الصّدر وفيها تنحر الإبل (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ( 4/223 ).
4) توجيه الذبيحة إلى القبلة:
فقد أخرج عبد الرازق عن نافع عن ابن عمر – رضي الله عنهما –:
" أنه كان يكره أن يأكل ذبيحة ذُبِحَت لغير القبلة ".
5) وضع القدم على صفحة الذبيحة:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:
" ضحّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمّى وكبّر ووضع رجله على صفاحِهما ".
ـ والصفاحُ: جانب العنق.
6) التسمية:
لقوله تعالى: { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ }
( الأنعام:121)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: " ضحَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين فسمى وكبّر.
وفي رواية مسلم: يقول: باسم الله والله أكبر.
وهناك رواية عند البيهقي وعبد الرازق عن عائشة قالت قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" اذبحوا على اسمه فقولوا: بسم الله.. اللهم لك وإليك هذه عقيقة فلان "
ولكن الصيغة الأولى أصح وهي: بسم الله والله أكبر.
هذا وقد سأل الإمام أحمد إذا أراد الرجل أن يعق كيف يقول ؟
قال: يقول: " بسم الله " ويذبح على النية كما يضحي على نيته ".
قال ابن المنذر ـ رحمه الله ـ:
وإن سمى وقال: هذه عقيقة فلان بن فلان فهذا حسن، وإن نوى العقيقة ولم يتكلم به أجزأه إن شاء الله.
7) لا تذبح الشاة بالسِّن والظفر:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن عباية بن رافع عن جده قال:
يا رسول الله ليس لنا مدى.فقال ما أنهرَ الدم وذُكر اسمُ الله فكُلْ. ليس الظفر والسنَّ
أما الظفر فَمْدى الحبشية وأما السنّ فعظم ".
مُدى: جمع مدية وهي السكين.
السن: العظم، معنى الحديث فإن العظم ينجس بالدم، وقد نهى النبي عن ذلك لأنها طعام إخواننا من الجن(1/30)
مدى الحبشة: فهم كفار وقد نهيتم عن التشبه بهم.
( مسائل )
س: هل يجوز تولي غير الولي الذبح ؟
جـ: نعم يجوز لغير وليّ المولود أن يتولَّى ذبح العقيقة ولا شيء في ذلك.
ودليل ذلك ما مر بنا من حديث سَمُرةَ: " كُلُّ غلامٌ رهينةٌ بعقيقته تُذبحُ عنه يوم سابعه.."
يقول العلامة الشوكاني في نيل الأوطار ( 5/133 ):
قوله: " تُذبحُ عنه " فيه دليلٌ على أنه يصح أن يتولّى ذلك الأجنبي كما يصحُّ أن يتولاَّهُ القريب عن قريبه والشخص عن نفسه.
ومما يدل على ذلك أيضا ً:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عَقَّ عن الحسن والحسين في وجود عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - ولكن هذا لا يصح دليل على ذلك؛ لاحتمال أن نفقتها كانت عليه لا على والديهما ولأنه - صلى الله عليه وسلم - أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
وعلى هذا ذهب فريق من أهل العلم: إلى أن العقيقة تطلب من الأب أو من تلزمه نفقة المولود فيؤديها من مال نفسه لا من مال المولود، ولا يفعلها غيره إلا بإذنه.
ـ وصرح الحنابلة: بأنها تسن في حق الأب وإن كان معسراً فيقترض إن كان يستطيع الوفاء
واشترط الشافعية: فمن يطالب بها أن يكون موسراً وذلك بأن يقدر عليها وتكون فاضلة عن مؤنته ومؤنة من تلزمه نفقته.
وللحديث بقية ـ إن شاء الله تعالى ـ
وبعد...فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة
نسأل الله أن يكتب لها القبول وأن يتقبلها منا بقبول حسن، كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومن أعان علي إخراجها ونشرها إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صواباً فادع لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثم خطأ فاستغفر لي
وإن وجدت العيب فسد الخللا ... ... ... جل من لا عيب فيه وعلا
فاللهم اجعل عملي كله صالحاً ولوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه نصيب(1/31)
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
... هذا والله تعالى أعلى وأعلم .........
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك(1/32)
9ـ ختان البنين والبنات
تمهيد
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..........
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ( سورة آل عمران: 102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ( سورة النساء: 1)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } ( سورة الأحزاب: 70ـ71 )
أما بعد ....
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالي، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار..
مقدمة
في الآونة الأخيرة تردد في الأوساط العلمية، بل وعند العوام كثرة الكلام عن ( ختان البنات )
وتفرق الناس في هذا الموضوع أحزابا وشيعاً، ما بين معارض ومؤيد، وفريق ثالث متحير متردد، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وفريق رابع متوقف متفرج .
وارتفعت الأصوات واشتد النقاش، فكان لابد أن يكون لنا وقفة نبين من خلالها موقف الشرع من ختان البنات، وكلام الأئمة الأعلام، وفوائد ومحاسن الختان في الشريعة الغرّاء .
وتتمة للفائدة نتكلم أولاً عن ختان البنين، ثم عن حكم الإسلام في ختان البنات ( وهو بيت القصيد )
ونسأل الله ـ تعالى ـ العون والتوفيق والسداد .(1/1)
راجى عفو ربه / أبو أحمد
ندا عبد رب النبي
( غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات )
يقول ابن القيم كما في تحفة المودود صـ 141:
( الختان من محاسن الشرائع التي شرعها الله ـ سبحانه وتعالي ـ لعباده، وكمل بها محاسنهم الظاهرة والباطنة، فهو مكمل الفطرة التي فطرهم عليها , ولهذا كان من تمام الحنيفية ملة إبراهيم،وأصل مشروعية الختان لتكميل الحنيفية، فإن الله ـ عز وجل ـ لما عاهد إبراهيم ووعده أن يجعله للناس إماماً، وعده أن يكون أباً لشعوب كثيرة، وأن تكون الأنبياء والملوك من صلبه , وأن يكثر نسله، وأخبره أنه جاعل بينه وبين نسله علامة العهد أن يختنوا كل مولود منهم ) .
ـ فالختان علم للدخول في ملة إبراهيم , وهذا موافق لتأويل من تأول قوله تعالى:
{ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً } ( البقرة: 138 ) على الختان .
ـ فالختان للحنفاء بمنزلة الصبغ والتعميد لعباد الصليب , فهم يطهرون أولادهم بزعمهم حين يصبغونهم في ماء المعمودية ويقولون: الآن صار نصرانياً، فشرع الله سبحانه للحنفاء صبغة الحنيفية وهي الختان
فقال سبحانه: { صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } ( البقرة: 138 )
وكانت العرب تدعى بأمة الختان , ولهذا جاء في حديث هرقل الطويل
والحديث عند البخاري من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما –
قال هرقل: إنى أجد ملك الختان قد ظهر .
ولما كانت واقعة أجنادين بين المسلمين والروم جعل هشام بن العاص يقول:
يا معشر المسلمين إن هؤلاء القلف لا صبر لهم على السيف فذكرهم بشعار عباد الصليب ودينهم , وجعله مما يوجب إقدام الحنفاء عليهم وتطهير الأرض منهم .(1/2)
والمقصود أن صبغة الله هي الحنيفية التي صبغت القلوب بمعرفته ومحبته والإخلاص له وعبادته وحده لاشريك له، وصبغة الأبدان بخصال الفطرة من الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط والمضمضة والاستنشاق والسواك والاستنجاء فظهرت فطرة الله على قلوب الحنفاء وأبدانهم.
ـ فالختان فيه من الطهارة والنظافة والتزين وتحسين الخلقة، وتعديل الشهوة التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوانات , وإذا عدمت بالكلية ألحقته بالجمادات , فالختان يعدلها ولهذا تجد الأقلف من الرجال والقلفاء من النساء لا يشبع من الجماع , ولهذا يذم الرجل ويشتم ويعير بأنه: ابن القلفاء إشارة إلى غلمتها (1)
وأي زينة أحسن من أخْذ ما طال وجاوز الحد من جلدة القلفة وشعر العانة وشعر الإبط وشعر الشارب وما طال من الظفر.
ـ ولهذا لما ابتلى الله خليله إبراهيم بإزالة هذه الأمور فأتمهن، جعله إماماً للناس , هذا مع ما فيه من بهاء الوجه وضيائه , وفي تركه من الكسفة (2) التي ترى عليه.
وقال الحافظ ابن عساكر في كتابه ( تبيين الامتنان بالأمر بالاختنان صـ28 )
( إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ كرم بنى آدم على سائر الحيوان، واختار لأمة النبي - صلى الله عليه وسلم - خير الأديان وأمرهم باتباع ملة أبيهم إبراهيم عليه السلام، فكان من أمره ما جاء به من الاختتان مخالفة لمن عاصره من القلفان وتمييزا ًعما عداه من الصلبان , فما تفضل الله به على هذه الأمة من الامتنان وفقهم له من الأخذ به في الطهور والاختتان . أ هـ
- أولاً: ختان البنين -
1 – تعريف الختان بالنسبة للصبيان:
لغة: هو التطهر والتطهير والقطع . وهو مشتق من مادة ختن والتي تدل على القطع .
قال الشافعي ـ رحمه الله ـ :
أصل الختن: القطع " لسان العرب ـ مادة ختن ".
__________
(1) 1- الغلمة: شدة الشهوة للجماع ( المعجم الوجيز) .
(2) 1- الكسفة: كسف الوجه: اصفرّ وتغيرّ ( المعجم الوجيز ) .(1/3)
واصطلاحاً: هو قطع القلفة التي تغطىالحشفة من الرجل
" قاله ولى الدين العراقى في طرح التثريب1/ 75 "
أو هو قطع الجلدة التي تغطى حشفة الذكر وتسمى قلفة، والغير مختون يقال أغلف أو أقلف،
والقلفة والغُرلة هي الجلدة التي تقطع عند الختان ( مختار الصحاح )
2 – حكم ختان البنين:
اختلف أهل العلم – رحمهم الله - في حكم ختان الرجال على قولين:
القول الأول: إن الختان سنة في حق البنين
وهو قول أبى حنيفة ومالك وبعض الحنابلة، وحكاه ابن القيم عن الحسن البصري،
وذهب إلى ذلك أيضا ابن أبى موسى من أصحاب أحمد
وقد نسب النووي والقرطبي القول بسنية الختان لأكثر أهل العلم .
وقال القرطبى في تفسيره ( 1 / 485 ) :
( واختلف العلماء في الختان فجمهورهم على أن ذلك من مؤكدات السنن ومن فطرة الإسلام التي يسع تركها في الرجال )
وقال النووي في شرح مسلم حديث ( 261 ):
فالختان: واجب عند الشافعي وكثير من العلماء، وسنة: عند مالك وأكثر العلماء . أهـ .
وقد نقل ابن القيم عن القاضي عياض قوله:
فالاختتان عند مالك وعامة العامة وقولهم أنه سنة،
فالسنة عندهم: يأثم تركها، فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض والندب .
بل قال ابن القيم كما في تحفة المودود والشوكاني في نيل الأوطار ( 1 / 139 ):
وشدد فيه مالك حتى قال: من لم يختتن لم تجز إمامته ولم تقبل له شهادته .
وقال السرخسي الحنفي كما في المبسوط ( 10 / 156 ):
الختان سنة، وهو من جملة الفطرة في حق الرجال لا يمكن تركه .
وقال كذلك ابن الهمام الحنفي كما في فتح القدير ( 7 / 421 ):
وهو عندنا سنة.
وأما المذهب المالكى: ـ
فقد قال ابن جزي ( محمد بن أحمد الغرناطي ) :
وأما ختان الرجل فسنة مؤكدة عند مالك وأبى حنيفة كسائر خصال الفطرة التي ذكرت،
وهي غير واجبة اتفاقا " القوانين الفقهية 1 / 129 "
وقال أبو القاسم العبدري كما في التاج والإكليل ( 3 / 358 )(1/4)
وهو عند الشافعى واجب، وعند مالك سنة، وقال مالك: لا أرى أن يؤم الأقلف .
وهناك بعض الحنابلة من يقول أيضاً بسنيته:
قال ابن القيم – رحمه الله – كما في تحفة المودود:وكذلك قال ابن أبى موسى من أصحاب أحمد: هو سنة مؤكدة .
وقال الشوكانى كما في نيل الأوطار ( 1 / 147 ):
والحق: أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب، والمتيقن: السنية، كما في حديث:
" خمس من الفطرة الختان والاستحداد وتقليم الأظفار ونتف الإبط وقص الشارب "
وهو في الصحيحين وغيرهما عن أبى هريرة - رضي الله عنه - والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه .
أدلة القائلين بسنية الختان بالنسبة للرجال:
1ـ ما أخرجه أحمد وابن أبى شيبة عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" الختان سنة للرجال مكرمة للنساء "
لكن اعترض على هذا الدليل بأن الحديث ضعيف، وهو كذلك .
ضعفه شعيب الأرنؤوط في المسند ( 34/ 319 )، والألباني في السلسلة الضعيفة ( ح 1935 )
وهو أيضا في ضعيف الجامع رقم (2938 ) .
2 ـ ما أخرجه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن الحسن قال:
يا عجبا لهذا الرجل – يعنى أمير البصرة مالك بن المنذر- لقى أشياخا من أهل كَسكَر فقال: مادينكم ؟ قالوا: مسلمين، فأمر بهم ففتشوا فوجدوا غير مختونين، فختنوا في هذا الشتاء، قد بلغنى أن بعضهم مات، وقد أسلم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الرومى والفارسى والحبشى فما فتش أحداً منهم .
قال الألبانى في صحيح الأدب المفرد (ح 947 ): صحيح الإسناد موقوفا ومرسلا
واعترض على هذا الاستدلال بأمور ذكرها ابن القيم كما في التحفة.
الأول: أنه من كلام الحسن فهو مرسل .
الثانى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر باتباع الخليل إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ(1/5)
الثالث: أنهم استغنوا عن التفتيش بما كانوا عليه في الختان، فإن العرب قاطبة كلهم كانوا يختتنون، واليهود قاطبة تختتن، ولم يبق إلا النصارى وهم فرقتان: فرقة تختتن، وفرقة لا تختتن
وقد علم كل من دخل في الإسلام منهم ومن غيرهم: أن شعار الإسلام الختان،فكانوا يبادرون إليه بعد الإسلام، كما يبادرون إلى الغسل، ومن كان منهم كبيرا يشق عليه ويخاف التلف سقط عنه،
وقد سئل الإمام أحمد عن ذبيحة الأقلف وذكر له حديث ابن عباس: " لا تؤكل " فقال: ذلك عندى إذا ولد بين أبوين مسلمين فكبر ولم يختتن، وأما الكبير إذا أسلم وخاف على نفسه الختان فله عندى رخصة . أ هـ
القول الثانى: وجوب الختان على البنين
وهو قول الشافعي وأحمد، وبه قال الشعبي وربيعة والأوزاعي ويحيى بن سعيد الأنصاري واختاره الموفق وعطاء ( انظر نيل الأوطار (1/ 145) وتحفة المودود صـ 125)
وقال في المغنى ( 1/ 91 ): فأما الختان فواجب على الرجال، ومكرمة في حق النساء وليس بواجب عليهن، هذا قول كثير من أهل العلم . قال أحمد – رحمه الله -: الرجل أشد، وذلك أن الرجل إذا لم يختتن فتلك الجلدة مدلاة على الكمرة ( رأس الذكر ) ولا ينقي ما ثم، والمرأة أهون . قال عبد الله: وكان ابن عباس - رضي الله عنه - يشدد في أمره، وروى عنه أنه لا حج له ولا صلاة، يعني: إذا لم يختتن .
وقال الإمام أحمد– رحمه الله -:
والدليل علي وجوب الختان أن ستر العورة واجب فلولا أن الختان واجب لم يجز هتك حرمة المختون بالنظر إلى عورته من أجله؛ ولأنه من شعار المسلمين فكان واجباً لسائر شعائرهم . ( المغنى مع الشرح الكبير ( 1 / 70- 71 )
وقال حنبل:
سألت أبا عبد الله عن الذميّ إذا أسلم ترى له أن يطهر بالختان ؟
قال: لابد له من ذلك .
قال حنبل: إن كان كبيراً أو كبيرة .
قال: أحبُ إلى أن يتطهر
لأن الحديث: " اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة "
وقال تعالى: {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } ( الحج: 78 ) .(1/6)
وقال الخطابى – رحمه الله – صاحب معالم السنن:
- وأما الختان فإنه وإن كان مذكوراً في جملة السنن فإنه عند كثير من العلماء على الوجوب وذلك أنه من شعار الدين .
أدلة القائلين بوجوب الختان بالنسبة للرجال:
(1) ففي الصحيحين عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" اختتن إبراهيم – عليه السلام – وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم "
قال الإمام البخاري- رحمه الله -:
القدُوم مخفّفَة: اسم موضع وهي قرية بأرض الشام، وقال غيره: اسم آلة، والأخير هو الراجح .
وذلك لما رواه البيهقى بسنده:
أن إبراهيم خليل الرحمن أُمر أن يختتن وهو ابن ثمانين سنة، فعجل فاختتن بقدوم فاشتد عليه الوجع، فدعا ربه فأوحى إليه أنك عجلت قبل أن نأمرك بالآلة
فقال: يارب كرهت أن أؤخر أمرك .
قال: وختن إسماعيل وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وختن إسحاق وهو ابن سبعة أيام .
الشاهد من الحديث أن إبراهيم – عليه السلام – اختتن – ثم قال رب العالمين في كتابه الكريم:
{ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ( النحل: 123 )
قال ابن القيم – رحمه الله – كما في تحفة المودود :
قال غير واحد من السلف: من صلى وحج واختتن فهو حنيف . أهـ
فإبراهيم – عليه السلام – ما كان ليفعل هذا الفعل في هذا السن المتقدم إلا عن أمر من الله ـ تبارك وتعالى ـ ولو كان سنة ما عانى هذه الآلآم في الكبر ليختتن،
ففعله هذا يدل على الوجوب، ونحن مأمورون باتباعه فوجب علينا الاختتان، كما أوجبه الله على أبينا إبراهيم ـ عليه السلام – من قبل .
ـ ونقل الحافظ ابن حجر في الفتح ( 10 / 281 ) عن الماوردي قوله:
( في الختان إدخال ألم عظيم على النفس، وهو لا يشرع إلا في احدى ثلاث خصال:
( لمصلحة أو عقوبة أو وجوب) وقد انتفى الأولان فثبت الثالث .
ـ وقال القرطبى – رحمه الله ـ في تفسيره ( 1 / 485 ):(1/7)
وقالت طائفة ذلك فرض لقوله تعالى:{أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} ( النحل: 123 )
قال قتادة ومجاهد: هو الاختتان، وإليه مال بعض المالكية. وهو قول الشافعى واستدل ابن شريح على وجوبه بالاجماع على تحريم النظر إلى العورة، وقال: ولولا أن الختان فرض لما أبيح النظر إلى العورة . أهـ
ـ وقال ابن دقيق العيد كما في فتح البارى ( 10 / 279 ):
وقد ورد الأمر باتباع إبراهيم – عليه السلام – وثبت أن هذه الخصال أُمر بها إبراهيم – عليه السلام – وكل شيء أمر الله باتباعه فهو على الوجوب لمن أُمر به.
ـ وقال في المهذب (1 / 14 ):
يجب الختان لقوله – عزوجل -:{أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} ( النحل: 123 )
وقد جاء في الحديث أن إبراهيم أختتن بالقدوم ولأنه لو لم يكن واجباً لما كشفت له العورة،لأن كشف العورة محرم فلما كشفت له العورة دل على وجوبه .
وقال البغوى في شرح السنة معلقاًَ على حديث: " الفطرة خمس ":
هذه الخصال كلها سنة إلا الختان فقد اختلف أهل العلم في وجوبه فقال كثير منهم أنه واجب .
وقد نقل عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: الأقلف لا تجوز شهادته، ولا تؤكل ذبيحته، ولا تقبل صلاته .
ـ وكان أبو العباس بن شريح – رحمه الله – يقول:
لا خلاف أن ستر العورة واجب، فلولا أن الختان فرض لما جاز كشف عورة المختون لأجل الختان، فما جاز كشف العورة دل على أنه واجب.
و اُعترض على هذا:
بأن جواز كشف العورة للختان لا يلزم منه الوجوب، فإنه يجوز كشفها لغير الواجب إجماعا كما يكشف لنظر الطبيب ومعالجته .
وأجيب: بأن كشفها لا يجوز لكل مداواة و إنما يجوز في موضع . يقول أهل العرف: إن المصلحة في المداواة راحجة على المصلحة في المحافظة على المروءة وصيانتها وعن كشف العورة.(1/8)
كذا قال النووى – رحمه الله – وقال ابن القيم أيضاً كما في تحفة المودود: وأما كشف العورة فلو لم تكن مصلحة سترها أرجح من مفسدة كشفها والنظر إليها ولمسها، لم يجز ارتكاب ثلاثة مفاسد عظيمة لأمر مندوب يجوز فعله وتركه، وأما المداواة فتلك من تمام الحياة وأسبابها التي لابد للبينة منها،فلو كان الختان من باب المندوبات ما كان هناك حاجه للكشف عن العورة .
ـ وقال في كشف القناع ( 1 / 80 ):
وفي الحديث " اختتن ابراهيم بعدما أتت عليه ثمانون سنة " ( متفق عليه )
وقال تعالى: { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } ( النحل: 123 )
ولأنه من شعار المسلمين فكان واجباً كسائر شعائرهم، وقال أحمد: كان ابن عباس يشدد في أمره .
واُعترض على هذا الدليل من وجهين:
الوجه الأول: أن المراد بملة إبراهيم – عليه السلام – أصول الإيمان من التوحيد والإنابة وإخلاص الدين، ولهذا بينها بقوله تعالى: {حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }( النحل: 123 )
وأما تفاصيل الشريعة فتختلف في ملتنا عن ملة إبراهيم – عليه السلام – كما قال الله تعالى:
{ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً }( المائدة: 48 )
الوجه الثاني: أن الختان وإن دخل في ملة إبراهيم ـ عليه السلام – فمتابعته فيها أن تفعل على الوجه الذي فعله، فإن كان فعلها على سبيل الوجوب فاتباعه أن يفعلها كذلك، وإن كانت على سبيل الندب فاتباعه أن يفعلها على وجه الندب.
ولا دليل على أن فعل إبراهيم عليه السلام لها كان على سبيل الوجوب، بل هي إلى الندب أقرب، إذ الخصال الأخرى ليست بواجبة: كالسواك ونتف الإبط وغير ذلك،
وعلى هذا فالختان سنة، بدلالة اقترانه بباقي المستحبات كما في حديث: " الفطرة خمس ".
وأُجيب عن هذا:
أولاً: بأن التوحيد ليس مجرد القول بل هو قول وعمل واعتقاد .
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما في تحفة المودود :(1/9)
فالملة هي الدين، وهي مجموع أقوال وأفعال واعتقاد، ودخول الأعمال في الملة كدخول الإيمان فالملة هي الفطرة، ومحال أن يأمر الله سبحانه باتباع إبراهيم في مجرد الكلمة دون الأعمال وخصال الفطرة، وإنما أمر بمتابعته في توحيده وأقواله وأفعاله وهو صلى الله عليه وسلم(إبراهيم) اختتن امتثالاً لأمر الله الذي أمره به وابتلاه به، فوفاه كما أمر فان لم نفعل كما فعل لم نكن متبعين له . أهـ
وكذلك لم يأمرنا فقط باتباع ملة الخليل ـ عليه السلام ـ بل أمرنا أيضًا بالاقتداء بهديه ـ عليه السلام ـ حيث قال سبحانه لنبينا - صلى الله عليه وسلم - بعدما ذكر جملة من الأنبياء منهم إبراهيم عليه السلام
{ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } ( الأنعام: 90 )
ثانياً: قولهم: بأنه لا دليل على أن فعل إبراهيم عليه السلام – كان على سبيل الوجوب.
فلقد أجاب النووي عن هذا كما في المجموع ( 1 / 298 ) فقال:
إن الآية صريحة في اتباعه فيما فعله، وهذا يقتضى إيجاب كل فعلٍ فعله، إلا ما قام دليل على أنه سنة في حقنا كالسواك ونحوه.هذا وقد قال الخطابى كما في المجموع ( 1/298): إن خصال الفطرة كانت واجبة على إبراهيم .
ونقل الحافظ في الفتح (10 / 279 ) قول الخطابى أيضا حيث قال:
وأما الختان وإن كان مذكوراً في جملة السنن، فإنه عند كثير من العلماء على الوجوب، وذلك أنه من شعار الدين .أ هـ
فالقول بإن الختان سنة ـ لأنه اقترن بالمسنونات ـ لايستقيم؛ لأن دلالة الاقتران لا تقوى على معارضة أدلة الوجوب، ثم إن الخصال المذكورة في الحديث منها:
ما هو واجب: كالمضمضة والاستنشاق، ومنها: ما هو مسنون، فلِم نحمله على السنية ونترك القول بوجوبه، خصوصاً مع وجود الأدلة القائلة بالوجوب .
وقد رد النووى ومَن بَعْده كابن حجر على هذا:
بأنه قد ورد في القرآن كثيرمن الآيات والتي ظاهرها الوجوب ولكن حكمها الإباحة،(1/10)
مثل قول الله تعالى:{ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (الأنعام 141)
والأكل مباح، والإتياء واجب، ومثل قوله تعالى:
{ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}( النور:33 )، وغير ذلك من الآيات.
ومن أدلة القائلين بوجوب ختان الرجال كذلك:
(2) ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" الفطرة خمس ـ أو خمس من الفطرة ـ الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب "
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في تحفة المودود :
فجعل الختان رأس خصال الفطرة، وإنما كانت هذه الخصال من الفطرة؛ لأن الفطرة هي الحنيفية ملة إبراهيم ـ عليه السلام ـ وهذه الخصال أمر بها إبراهيم عليه السلام، وهي من الكلمات التي ابتلاه ربه بهن.
كما ورد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: والفطرة فطرتان: فطرة تتعلق بالقلب وهي معرفة الله ومحبته وإيثاره على من سواه، وفطرة عملية وهي هذه الخصال ( خصال الفطرة ) فالأولى: تزكى الروح وتطهر القلب .
والثانية: تطهر البدن، وكل منهما تمد الأخرى وتقويها، وكأن رأس فطرة البدن: الختان .
وقال ابن القيم أيضًا في نفس المصدر:
وقد اشتركت خصال الفطرة في الطهارة والنظافة، وأخذ الفضلات المستقذرة التي يألفها الشيطان ويجاورها من بنى آدم، وله بالغرلة اتصال واختصاص .
فالحج والختان شعار الحنيفية وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها . أ هـ .
والمراد بالفطرة: الدين كما قال تعالى:
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَت اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } ( الروم: 30) .
ويجوز أن يراد بالفطرة: السنة، التي بمعنى الطريقة والملة والشريعة.(1/11)
وعليه فالختان من دين الله وشرعه، ومن سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي قال كما عند البخاري:
" فمن رغب عن سنتي فليس منى "
وهو القائل أيضًا - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه أبو داود من حديث العرباض بن سارية:
" فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ "
ـ وقال ابن دقيق العيد ـ رحمه الله ـ:
قال بعض العلماء: دل الخبر على أن الفطرة: بمعنى الدين، والأصل فيما أضيف إلى الشيء أنه منه ومن أركانه لا من زوائده حتى يقوم دليل على خلافه .
وقد ورد باتباع إبراهيم ـ عليه السلام ـ وثبت أن هذه الخصال أمر بها إبراهيم ـ عليه السلام ـ وكل شيء أمر الله باتباعه فهو على الوجوب لمن أمر به .
ومن أدلة القائلين بوجوب ختان الرجال كذلك:
(3) ما أخرجه أبو داود وأحمد بسند حسن عن عُثيم بن كليب عن أبيه عن جده
أنه جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: قد أسلمتُ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" ألق عنك شعر الكفر (1) واختتن "
قال الشيخ الألبانى في الإرواء (79) :
هذا الحديث حسن لأن له شاهدين:
أحدهما: عن قتادة أبي هشام، والآخر:عن واثلة بن الأسقع . ( وهو في صحيح الجامع / 1262) .
وهذا الحديث من أقوى الأدلة على وجوب الختان في حق الرجال فقوله - صلى الله عليه وسلم - :
اختتن: فعل أمر يفيد الوجوب، عُلم منه أن الختان واجب وليس بسنة.
وقد يعترض البعض ويقول:
قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ألق عنك شعر الكفر" وهذا سنة ثم قال: "واختتن "
فبدلالة الاقتران يكون الختان كذلك سنة.
فنقول لا يلزم من دلالة الاقتران الاشتراك في الحكم. كما مر بنا في الآية في قوله تعالى:
{ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (الأنعام 141)
والأكل مباح، والإتياء واجب
__________
(1) 1- الق عنك شعر الكفر: أي ( احلق رأسك ).(1/12)
قال محمد ابن مخلد عن عبد الرزاق كما في تحفة المودود: وحمله على الندب في إلقاء الشعر لا يلزم منه حمله عليه في الأمر الثانى .
الآثا ر التي تدل على وجوب الختان:
1 - ما أخرجه الحاكم في المستدرك (2/266) والبيهقي في السنن الكبرى عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال:
في قوله تعالى:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } ( البقرة: 124 ) .
قال: ابتلاه الله بالطهارة، خمس في الرأس وخمس في الجسد:
في الرأس: قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس.
وفي الجسد: تقليم الأظافر وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل مكان الغائط والبول بالماء "
قال الحافظ في الفتح(10/277): سنده صحيح .
2 - وأخرج ابن أبى شيبة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال:
الأقلف: لا تجوز شهادته ولا تقبل له صلاة ولا تؤكل له ذبيحة.
قال ابن القيم في تحفة المودود:
ووجه الدلالة من هذا الأثر أنه قول صحابى، ولم يعرف عن صحابى آخر خلاف قوله هذا،
وقد احتج كثير من العلماء بأقوال الصحابة .
3- ثبت عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله تعالى:
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } ( البقرة: 124 )
قال:ابتلاه بعشر كلمات فذكرهن، وذكر منهن: الختان .
والابتلاء غالبًا إنما يقع بما يكون واجبًا.
وقال البيهقى في السنن (8 / 325 ) قال أصحابنا:
والابتلاء إنما يقع في الغالب بما يكون واجبًا.
وقال القرطبى: الابتلاء: الامتحان ومعناه أمر وتعبد .
وقال ابن كثير: أي اختياره بما كلفه من الأوامر والنواهي .
وممن قال بوجوب الختان في حق الرجال استدلوا بما يلى:(1/13)
1- أن القلفة ( وهي الجلدة التي تغطى الذكر) تحتبس النجاسة فلو تحرك و اهتز، تساقطت بعض قطرات البول المحتبسة بها فتتعرض طهارته وصلاته للفساد، ولهذا جاء عن فريق من أهل العلم: بأن لا صلاة له، ولهذا منع كثير من السلف والخلف إمامته، وإن كان معذوراً بنفسه فإنه بمنزلة من به سلس البول ونحوه. ( التحفة، الفتح ( 5889) .
لكن اُعترض على هذا:
بأنه يلام إن كان باختياره، وما خرج عن اختياره وقدرته لم يُلم عليه ولم تفسد طهارته: كسلس البول والرعاف وسلس المذي، فإن فعل ما يقدر عليه من الاستنجاء لم يؤاخذ بما عجز عنه .
2- جواز كشف العورة من المختون ونظر الخاتن إليها، وكلاهما حرام فلو لم يجب لما أبيح ذلك
واُعترض على ذلك ـ كما سبق ـ
بأنه قد يترك الواجب لغير الواجب، كترك الإنصات للخطبة بركعتي التحية، وككشف العورة لنظر الطبيب ومعالجته . و قال عياض كما في المجموع (1/300) والفتح (5889) :
كشف العورة مباح لمصلحة الجسم والنظر إليها يباح للمداواة وليس ذلك واجبا إجماعا.
وأجيب عن هذا الاعتراض كما قال النووي في المجموع (1/299):
بأن كشفها لا يجوز لكل مداواة، وإنما يجوز في موضع يقول أهل العرف: المصلحة في المداواة راجحة على المحافظة على المروءة وصيانتها .
3- أن الختان: قطع عضو لا يستخلف من الجسد تعبداً، فيكون واجبا، كقطع اليد في السرقة
وهذا ما احتج به أبو حامد وأتباعه كالماوردي على وجوب الختان على الرجال
ونقل ذلك عنهم الحافظ ابن حجر في الفتح (5889) والنووي في المجموع (1/300) .
واُعترض على ذلك: أن قطع اليد إنما أبيح في مقابلة جرم عظيم،بخلاف الختان فهو من باب الطهارات والتنظيف فلم يتم القياس .
4- قال الماوردي كما نقل ذلك عن الحافظ في الفتح وفي المغنى (1/115):
استدلاله على وجوب الختان . أن في الختان ألم عظيم على النفس وهو لا يشرع إلا في إحدى ثلاث خصال: لمصلحة أو لعقوبة أو وجوب، وقد انتفى الأولان فثبت الثالث .(1/14)
5- قال الخطابي كما في فتح الباري (5889) :
إنه من شعار الدين وبه يعرف المسلم من الكافر، حتى لو وجد مختونًا بين جماعة قتلى صلى عليه ودفن في مقابر المسلمين.
واُعترض عليه: بأنه ليس كل ما كان من الشعائر يكون واجبا،
فالشعائر: منها ما هو واجب: كالصلوات الخمس والحج والصيام والوضوء،
ومنها ما هو مستحب: كالتلبية وسوق الهدي وتقليده .
ومختلف فيه: كالأذان والعيدين والأضحية، فما الدليل على أن الختان من الشعائر الواجبة.
وأُجيب عن هذا الاعتراض:
بأن الأمر كذلك، ولكن مثل هذا الشعار العظيم الفارق بين عباد الصلبان وعباد الرحمن، الذي لا تتم الطهارة إلا به وترك شعار عباد الصليب لا يكون إلا من أعظم الواجبات .
( ذكر ذلك ابن القيم كما في تحفة المودود )
بل ذهب الهيثمي في الزواجر (2/163) :
على أن ترك الختان في حق الرجال من الكبائر، فقال ـ رحمه الله ـ:
والصحيح إننا إذا أوجبنا الختان، فتركه بلا عذر فسق فافهم ذلك
إن الكلام إنما هو في الذكر دون الأنثى، وإن الذكر يفسق بترك الختان بلا عذر ويلزم من فسقه بذلك كونه كبيرة . أهـ
الراجح في حكم الختان
من خلال هذا العرض لأدلة الفريقين وأقوالهم، يظهر رجحان القول الأول القائل:
بوجوب الختان على الذكور( والله أعلم )
يقول الشيخ الألباني في تمام المنة صـ 69:
وأما حكم الختان فالراجح عندنا: وجوبه، وهو مذهب الجمهور كمالك والشافعي وأحمد، واختاره ابن القيم وساق في التدليل عليه على ذلك خمسة عشر وجهاً، وهي وإن كانت بمفرداتها لا تنهض على ذلك، فلا شك أن مجموعها ينهض بها ولا يتسع المجال لذكرها جميعاً ها هنا
فأكتفي منها بوجهين: ـ
الأول: قوله تعالى { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } ( النحل: 123 ) والختان من ملته
كما في حديث أبى هريرة المذكور في الكتاب
وهذا الوجه أحسن الحجج كما قال البهيقي ، ونقله الحافظ (10/281) .(1/15)
الثانى: أن الختان من أظهر الشعائر التي يفرق بها بين المسلم والنصراني حتى أن المسلمين لا يكادون يعدون الأقلف منهم. أهـ
ونضيف وجهًا ثالثًا في التدليل على وجوبه:ذكره الحافظ بن حجر الفتح(10/279) عن أبى بكر بن العربي.
عند الكلام على حديث " الفطرة خمس: الختان والاستحداد.. "... الحديث، فقال:
( عندي أن الخصال الخمسة المذكورة في هذا الحديث كلها واجبة فإن المرء إذا تركها لم تبق صورته على صورة الآدميين فكيف من جملة المسلمين ؟ ) أهـ
والحكم عام للرجال والنساء إلا أن بعض النساء لا يكون عندهم هذا العضو الذي يُقص عند الختان وهو ما يسمى " بالبظر " فلا يعقُل أن نأمرهن بقصِه وهو غير موجود عندهن.
وقد سئل الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ كما في موسوعة الفتاوى الإسلامية فتوى رقم (4584) في حكم الختان. يقول السائل: ما حكم الإسلام في الختان ؟
الجواب: أما الختان فهو من سنن الفطرة، ومن شعار المسلمين
كما في الصحيحين من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط "
فبدأ ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالختان وأخبر أنه من سنن الفطرة .
والختان الشرعي : هو قطع القلفة الساترة لحشفة الذكر فقط .
أما من يسلخ الجلد الذي يحيط بالذكر، أو يسلخ الذكر كله كما في بعض البلدان المتوحشة ، ويزعمون جهلا منهم أن هذا هو الختان المشروع ، فما هو إلا تشريع من الشيطان زينه للجهال وتعذيب للمختون ، ومخالفة للسنة المحمدية والشريعة الإسلامية التي جاءت باليسر والسهولة والمحافظة على النفس . أ هـ
شبهة والرد عليها:
نعلم أن الختان ميزة بين المسلمين والنصارى، حتى أن المسلمين كانوا يعرفون قتلاهم في المعارك بالختان، وعلى هذا فالختان واجب.
لكن هناك من يعترض على هذا ويلقى بالشبهات فيقول:(1/16)
إن اليهود يختنتون، فلا مخالفة إذاً بيننا وبينهم فكيف يكون الختان ميزة ؟
الرد عليهم:
نقول: إن أول من اختتن إبراهيم ـ عليه السلام ـ فصار الختان شعار الحنفاء وتوارثه بنو إسماعيل وبنو إسرائيل عن الخليل ـ عليه السلام ـ .
فقد أخرج البيهقي في سننه:
إن إبراهيم ختن إسحاق وهو ابن سبعة أيام وختن إسماعيل عند بلوغه، فصار ختان إسحاق سنة في بنيه، وختان إسماعيل سنة في بنيه، فوافق اليهود المسلمين في هذه الشعيرة، ولا بأس في ذلك .
و إلا لكان لزاماً علينا أن نحلق لحانا مخالفة للحاخامات الذين يطلقون لحاهم، فهم وافقوا المسلمين في هذه الفطرة، واختلفت فطرتهم عنا في أخريات، فنتفق على الصحيح ونختلف على ما ُحرف وُبدل من شريعتهم .
وقت الختان عند الصبيان
فال المباركفوري كما في تحفة الأحوذي (8/28):
واختُلِف في وقت الختان، فذهب الجمهور أن مدة الختان لا تختص بوقت معين، وليس بواجب في حال الصغر. أهـ فإذا ثبت ذلك فاعلم أن للختان وقتان: وقت إيجاب، ووقت استجاب .
فأما وقت الإيجاب:
فقد قال الموجبون: يكون عند البلوغ، لكنهم اختلفوا
هل يجب ذلك قبيل البلوغ بحيث يبلغ وهو مختون ؟ أو لا يجب إلا بعد أن يبلغ مباشرة .
أما الفريق الأول :
الذين قالوا: إن الختان يتم قبل البلوغ وهو قول الحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية
( كما في مجموع الفتاوى31/113)، وابن القيم كما في التحفة
ودليلهم في ذلك: ـ
ما أخرجه البخاري من حديث سعيد بن جبير قال:
سئل ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ مثل من أنت حين قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أنا يومئذ مختون، وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك .
والذي عليه أكثر أهل السير والأخيار: أن سِنََه كان يوم وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عشر سنة، فإنه ولد في الشعب وكان قبل الهجرة بثلاث سنين،وأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة عشراً وقد أخبر أنه يومئذ مختونا.(1/17)
وقول ابن عباس - رضي الله عنهما ـ:
كانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك أي: حتى يقارب البلوغ.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في شرح العمدة (1/245):
يعنى ـ الله أعلم ـ حتى يقارب الإدراك .
وقال ابن القيم كما في التحفة:
لا يجوز للولى أن يترك ختن الصبى حتى يجاوز البلوغ .
وقال الحافظ كما في الفتح (5889):
حتى يدرك، أي: حتى يبلغ الحلم .
وقال الشوكاني ـ رحمه الله ـ كما في نيل الأوطار (1/140):
الإدراك في أصل اللغة: بلوغ الشيء ووقته، وأراد به هنا ( البلوغ ) . أهـ
وكلام ابن عباس: كانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك هو كقوله تعالى:
{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } (الطلاق: 2)
فبعد بلوغ الأصل لا يتأتى الإمساك .
هذا وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الآباء أن يأمروا أولادهم بالصلاة لسبع، وأن يضربوهم على تركها لعشر فكيف يسوغ لهم ترك ختانهم حتى يجاوزوا البلوغ ؟.
فقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:
أما الختان فمتى شاء اختتن، لكن إذا زهق البلوغ ( قارب البلوغ )
فينبغى أن يختن كما كانت العرب تفعل لئلا يبلغ إلا وهو مختون.
والذين استحبوا الختان في السابع استحبوه لأمور منها:
1 ـ أنه ترجح لدينا بأن الختان واجب، ومن المعلوم في أصول الفقه أن الواجب يقتضى فعل المأمور به على الفور .
2- أن هذا من باب المسارعة في الخيرات كما في قوله تعالى:
{وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ } ( آل عمران: 133 )
3- أن التبكير به أفضل للمولود حيث يكون الألم أخف، بعكس لو أُخر ذلك، فعندها يكون الألم أشد وقد كان - صلى الله عليه وسلم - ما ُيخير بين أمرين إلا أختار أيسرهما
وفي الختان كشف للعورة، فكشفها للصغير أقل تحرجًا من كشفها للأكبر.
4- قول صاحب كتاب " يا قلفاء اختتنى ":(1/18)
إن الختان إذا كان في الأيام الأولى من ولادته حتى اليوم السابع، فهو أفضل لأن الختان يعقبه تجلط في الدم، وتجلط الدم يحتاج إلى مادة الهيموجلوبين، وهذه المادة تتكون بواسطة فيتامين معين، وهذا الفيتامين يصاحب الطفل من أمه بعد ولادته لمدة أسبوع .
5 - أنه جاء في بعض الأحاديث توقيت الختان بيوم السابع:
فقدأخرج ابن عدى في الكامل والطبرانى في الصغير والبيهقى في الكبرى وفي الشعب
عن جابر بن عبد الله أن رسول - صلى الله عليه وسلم - : عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام
(والحديث ضعيف)
وأخرج الطبرانى في الأوسط عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال:
" سبعة من السنة في الصبى يوم االسابع ُيسمى ويُختن.." الحديث (وهو حديث ضعيف أيضا)
لكن هذا الحديث يصلح شاهداً لحديث جابر السابق فيتحسن به.
قال الألبانى ـ رحمه الله ـ كما في تمام المنة ص6عن حديث ابن عباس وحديث جابر: لكن أحد الحديثين يقوى الأخر إذ مخرجهما مختلف وليس فيهما متهم. أهـ
وهناك حديث آخر لا يخلو من مقال أيضًا أخرجه ابن أبى شيبة عن أبى جعفر قال:
( كانت فاطمة تعق عن ولدها يوم السابع وتختنه وتحلق شعر رأسه وتتصدق بوزنه ورقًا ).
6 - قول الإمام أحمد بن حنبل:
" وإن ختن يوم السابع فلا بأس" ، وفي رواية عنه قال: " لم أسمع في ذلك شيئا "
7 - وقول صاحب المجموع في مذاهب العلماء في وقت الختان:
قد ذكرنا أن أصحابنا استحبوه يوم السابع من ولادته .
أما الفريق الثانى:
الذين قالوا: بوجوب الختان بعد أن يبلغ وهو مذهب الشافعى:
كما نقل ذلك النووى في المجموع (1/350) والحافظ في الفتح (5889 )
ولعل ما استدل به الشافعية على أن الختان يتم بعد البلوغ، بأنه قبله لم يكن من أهل الوجوب فلم يكن مكلفاً .
أما وقت الاستحباب:
فقد اختلف أهل العلم هل للختان وقت معين يستحب فيه أم لا على قولين:
القول الأول: إنه ليس للختان وقت يختص به، وهذا القول حكاه المباركفورى عن الجمهور
((1/19)
انظر تحفة الأحوذي (8/28)
وقال ابن المنذر- رحمه الله - كما نقل ذلك عنه ابن القيم في التحفة:
وليس لوقت الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تستعمل.
القول الثاني: إن للختان وقت معين .
وقد اختلف القائلون بهذا في تحديد هذا الوقت على أقوال:
أولها: يستحب ذلك يوم السابع .
وهو قول الشافعية المجموع (1/350) وبعض الحنابلة (شرح العمدة (1/245).
واختلفوا هل يحسب يوم الولادة من السبعة أم لا ؟ على وجهين:
1- لا يحسب وهو قول أكثر الشافعية ( وذكره النووى في المجموع ).
2- يحسب وهو قول أبو على بن أبى هريرة من الشافعية واستحبه النووى كما في شرح مسلم.
ملحوظة هناك من أهل العلم من كره الختان يوم السابع لكونه تشبه باليهود، فقد كان الحسن البصرى يكرهه ويقول: فعل اليهود، وذهب إلى ذلك أيضا مالك بن أنس والثورى
بل قال: هو خطر، ورواية عن أحمد بذلك .
لكن الأمر كما قال ابن المنذر ـ رحمه الله ـ كما في المجموع (1/369):
ولا نعلم مع من منع أن يختتن الصبى لسبعة أيام حجة . أهـ
وروى الخلال عن الإمام أحمد أنه قال:
" إنما كره الحسن الختان في السابع كيلا يتشبه باليهود وليس في هذا شيء " (التحفة) .
القول الثانى في وقت الاستحباب: يختن الصبى إذا بلغ سبع سنين.
كما قال صاحب كتاب البحر الرائق (8/554):
ووقته سبع سنين، وقيل لا يختن حتى يبلغ؛ لأن الختان للطهارة ولا طهارة عليه قبله، فكان إيلاما بلا حاجة . وعلى هذا قيل يستحب أن يؤخر حتى يؤمر الصبى بالصلاة، وذلك من السبع إلى العشر لأن ذلك أول أمره بالعبادات، والختان إنما شرع للطهارة .
وهو قول الليث بن سعد ( كما نقل ذلك ابن القيم في التحفة ) وقول بعض الاحناف (البحر الرائق 8/554) والمالكية (مواهب الجليل 3/58)، والحنابلة (الإنصاف 1/125):
واستدلوا بما أخرجه أبو داود بسند حسن عن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" مُروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر "(1/20)
وإذا تدربوا على الصلاة تدربوا على شروطها ومنها: الطهارة، والختان من الطهارة، وعلى هذا يستحب في هذا السن.
قال الحافظ في الفتح (5889):
لكن يستحب في الصغر للمصالح المذكورة من كونه تخليصاً من ملامسة العورة والنظر إليها . ومن كونه أسهل على المولود لكون جلده في هذا السن أرق مما بعدها .
وهناك فريق من أهل العلم قال:
إنه يحرم أن يختتن الصبى قبل عشر سنين إلا أنه يجب أن يختتن قبل أن يبلغ.
كما قال النووى في شرح مسلم (3/146- 148):
والصحيح من مذهبنا أن الذي عليه جمهور أصحابنا، أن الختان جائز في حال الصغر وليس بواجب ولنا وجه أنه يجب على الولى أن يختن الصغير قبل بلوغه، ويحرم عليه ختانه قبل عشر سنين .
وإذا قلنا بالصحيح استحب أن يختن في اليوم السابع من ولادته، وهل يحسب يوم الولادة من السبع أم تكون سبعة سواه ؟ فيه وجهان أظهرهما يُحسب .
الخلاصة ***
يمكن أن يقال: إن وقت الختان في السابع على الجواز، ووقت قبل البلوغ على الوجوب .
يقول العلامة الماوردى كما في فتح البارى (10/342):
والختان له وقتان، وقت وجوب، ووقت استحباب
فوقت الوجوب ( البلوغ ) أي: ما قبل البلوغ، ووقت الاستحباب قبله
والاختيار في اليوم السابع بعد الولادة .
ويستحب ألا يؤخر عن وقت الاستحباب إلا بقدر. أ هـ
ويقول صاحب كتاب (يا قلفاء اختتنى):
من كل ذلك يمكننا القول:
إن الواجب ختان الذكر والأنثى قبل البلوغ، وإن كان قبل ذلك فهو مستحب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أن نعلم الأبناء الصلاة لسبع، والصلاة بالضرورة تتطلب الطهارة، والطهارة تقتضى الختان،
ـ فعلى ذلك يكون ختان الذكر قبل بلوغه سن السابعة، فإن كانت في الأيام الأولى من ولادته حتى اليوم السابع فهو أفضل؛ لأن الختان يعقبه تجلط في الدم، وتجلط الدم يحتاج إلى مادة الهيموجلوبين، وهذه المادة تتكون بواسطة فيتامين معين وهذا الفيتامين يصاحب الطفل من أمه بعد ولادته لمدة أسبوع .(1/21)
وإن تأخر عن هذه المدة فيستحب بعد الأربعين يومًا حتى نهاية ثلاثة أشهر؛ لأن الطفل بعد هذه المدة يبدأ بالإدراك والإحساس، وهذا يكون أكثر إيلاماً له،
وبعد ذلك يجوز حتى سن السابعة فإن تأخر فيجب الختان قبل سن البلوغ لأنه سن التكليف .
رأي الطب في وقت ختان الصبيان
يقول الدكتور البربرى:
إن توقيت عملية الختان عند الذكور يجب ألا تتعدى الثلاثة أشهر الأولى من عمر الطفل .
وذلك للأسباب الأتية:
1 ـ أن المواد اللازمة لتجلط الدم عند الطفل تتكون في أمعاء الطفل الرضيع بعد ستة أيام من ولادته وتكتمل مكوناتها بعد خمسة عشر يوماً على الأكثر:
وبناء على هذا فإن الأطفال الذين تجرى لهم هذه العملية بعد الولادة بيوم واحد أو يومين يكونوا عرضة للنزيف الدموى الحاد الذي قد يودى بحياتهم.
2ـ وكذلك ظاهرة الصفراء الوظيفية العادية تظهر عند جميع الأطفال في اليوم الثالث بعد الولادة وتخف في اليوم العاشر على الأكثر:
وهذه الظاهرة تساعد على عدم تجلط الدم ( أي بعد أسبوعين من الولادة ولا يتعدى الشهور الثلاثة الأول من عمر الطفل) .
3 ـ ويستحب إجراء هذه العملية في هذا التوقيت:
لأن الإحساس والإدراك عند الطفل يبدأ من ثلاثة أشهر بعد الولادة كما أن الجرح يلتئم بسرعة .
ـ فلهذا ولغيره من الأفضل لو أن عملية الختان أجريت بعد أسبوعين من الولادة لسرعة التئام الجرح ـ كما مر بنا ـ وكذلك لأن الجلد الذي يتم استئصاله في عملية الختان لا تنفصل إلا بعد خمسة عشر يوماً من الولادة، وبالتالى فإن عملية الختان تعتبر عملية خطيرة رغم بساطتها إذا ما أجريت قبل أسبوعين من ولادة الطفل .
أما إذا كانت الضرورة القصوى تحتم إجراء عملية الختان في اليوم الأول أو الثانى من الولادة وذلك لعدم قدرة الطفل على التبول مثلاً فلابد هنا من إجراء العملية ـ عملية الختان مبكراً مع إعطاء الطفل فيتامين ـ ك ـ قبل العملية بيوم واحد اتقاء لشر النزيف.(1/22)
القدر الذي يؤخذ من الصبى عند الختان
فليس هناك شيء مرفوع في ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ.
وقد اختلف أهل العلم في ذلك على أقوال:
القول الأول: يتم القطع حيث ينكشف شيء من الحشفة .
وبه قال ابن كج ـ رحمه الله ـ حيث نقل ابن القيم عنه كما في تحفة المودود
صـ 145 أنه قال:
وعندى أنه يجب قطع شيء من القلفة وإن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها .
لكن تعقبه النووي كما في المجموع (1/367) فقال: وهذا الذي قاله ابن كج شاذ ضعيف .
القول الثانى: يتم القطع بحيث ينكشف نصف الحشفة فما فوق .
نقل ابن القيم في تحفة المودود صـ145 عن الميموني قال:
قلت: يا أبا عبد الله ـ يعنى الإمام أحمد – مسألة سئلت عنها: ختَّان ختن صبيًا فلم يستقصِ ؟
فقال: إذا كان الختان قد جاوز نصف الحشفة إلى فوق فلا يعيد به؛ لأن الحشفة تغلظ وكلما غلظت هو ارتفعت الختانة . ثم قال لى: دون النصف أخاف.
قلت له: فإن الإعادة عليه شديدة جداً ولعله قد يخاف عليه الإعادة.
قال لى: إيش يخاف عليه، ورأيت سهولة الإعادة إذا كانت الختانة في أقل من نصف الحشفة إلى أسفل . وسمعته يقول: هذا شيء لابد أن تيسر فيه الختانة .
القول الثالث: يتم القطع حتى تبدو الحشفة كلها وهذا الراجح .
قال النووى كما في المجموع (1/367):
الواجب في ختان الرجل قطع الجلدة كلها التي تغطى الحشفة، بحيث تنكشف الحشفة كلها فإن قطع بعضها وجب الباقى ثانياً، صرح به إمام الحرمين وغيره.
ونقل ابن القيم في تحفة المودود صـ 145 عن ابن الصباغ أنه قال:
الواجب على الرجل قطع الجلدة التي على الحشفة حتى تنكشف جميعها .
ونقل ابن القيم كذلك عن الماوردي أنه قال:
والسنة أن يستوعب القلفة التي تغشى الحشفة بالقطع من أصلها، وأقل ما يجزئ فيه ألا يتغشى بها شيء من الحشفة .
ونقل ابن القيم أيضا عن الإمام أحمد – رحمه الله – أنه سئل كم يقطع من الختان ؟
فقال:حتى تبدو الحشفة .(1/23)
ملحوظة هامة
ينبغى أن يقوم بعملية الختان أطباء متخصصون لأنه قد يقوم بهذه العملية من ليس له علم ولا دراية بهذا الفن وهو غير متخصص في هذه الصنعة فيؤدى ذلك إلى مضاعفات لا تحمد عقباها ومنها:
1ـ قطع الجلد بواسطة أمواس غير معقمة مما يؤدى إلى انتقال أمراض مثل التهاب الكبد الوبائى والإيدز .
2 ـ حدوث نزيف شديد وخاصة لمن يعانى من أمراض تخثر الدم.
3 ـ قطع أجزاء من الذكر ( لماذا الختان ؟ للدكتور/ صادق العمران ).
وقفة
الختان من الشرائع السابقة قبل الإسلام:
جاء في الصحيحين من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين بالقدوم "
وقال ابن القيم: وقد روى أن إبراهيم كان أول من اختتن، واستمر الختان بعده في الرسل وأتباعهم حتى المسيح فإنه اختتن، والنصارى تقر بذلك ولا تجحده كما تقر بأنه حرم الخنزير .
واهتم بالختان اليهود على وجه خاص، فقد جاء في سفر التكوين: هذا هو عهدى الذي تحفظونه بينى وبينكم وبين نسلك من بعدك يختن كل ذكر. ويبدو أن الختان مشروع في النصرانية إلا أن النصارى قد حرفوا نصوص كتابهم، وقد أعرضوا عن تعاليمه، فقد ورد في ذكر الختان في إنجيل برنابا: أجاب يسوع: الحق أقول لكم إن الكلب أفضل من رجل غير مختون .
فلما حرفوا في التوراة والإنجيل وأزاغوا، أزاغ الله قلوبهم فأخذوا يتخبطون لتحاكمهم للقوانين البشرية والأهواء الدنيوية إلا أنهم سرعان ما اكتشفوا فضل الختان
فقد جاء في جريدة الأهرام القاهرية 27من أبريل 1976م
أنهم في أمريكا ودول الغرب يتجهون إلى ختان الأطفال بعد ولادتهم .
وفي 8 من مارس 1988 صوت أعضاء الجمعية الطبية في كاليفورنيا بالإجماع
على أن ختان الوليد وسيلة صحية فعالة .
وانظر ماذا يقول علماء طب الأطفال في أمريكا عن الختان ؟
كتب البورفسور Wisewellـ وهو رئيس قسم أمراض الوليدين في المستشفى العسكرى بواشنطن –(1/24)
مقالاً في مجلةAmreican family physician في عدد آذار مارس 1990 جاء فيه:
لقد كنت في عام 1975 من أشد أعداء الختان وقد شاركت في الجهود التي بذلت حينئذ للإقلال من نسبة الختان، إلا أنه في بداية الثمانيات أظهرت الدراسات العلمية ازدياد نسبة التهاب المجارى البولية عند الأطفال غير المختونين ومع ذلك فلم أكن اقترح آنئذ جعل الختان روتينياً.
ولكن ...... وبعد تمحيص دقيق وإجراء ودراسة موضوعية للأبحاث والدراسات التي نشرت في المجلات الطبية عن الختان، فقد وصلت إلى نتيجة مخالفة، وأصبحت من أنصار جعل الختان أمراً روتينيا يجرى عند كل طفل، وليس هذا فحسب بل إن التقرير الذي أصدرته الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال عام 1989 قد جاء مخالف للتقرير الذي أصدرته عام 1970
وتراجع عن عدائه للختان وأكد حديثًا الفوائد الطبية العظيمة للختان عند الأطفال ..
أجل لقد تغيرت مواقف وأراء .. وتراجع الذين كانوا من أشد الناس عداوة للختان وأصبحوا من أكثر الناس حماساً له.
عادت الفطرة البشرية لتثبت نفسها من جديد أنها الفطرة التي لا تتغير على مر العصور،
قال تعالى:
{فِطْرَت اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } ( الروم: 30 ).
وختم البروفسور مقاله الشيق بقول:
وفي يوم 8 آذار 1988 صوت أعضاء الجمعية الطبية في كاليفورنيا بالإجماع، على أن ختان الوليد وسيلة صحية فعالة، وقد تراجعت عن عدائى الطويل للختان وصفقت مرحبًا بقرار جمعية الأطباء في كاليفورنيا.
فوائد الختان للصبيان ( الأولاد )
1 – الانقياد لشرع الله تعالى والاستجابة لأمره:
إن لم يكن في الختان إلا الانقياد لشرع الله تعالى والاستجابة لأمره لكفى، فهو شرع الله الذي شرعه الله للناس؛ ليكمل به فطرتهم، وشعاراً للعهد الذي عاهد الله به إبراهيم الخليل، وجعله علامة بينه وبين نسله وعلم للدخول في ملة إبراهيم .(1/25)
2 - الختان يمنع احتباس البول وخاصة في الأطفال حديثى الولادة:
فالختان يمنع من تجمع نقط بولية والتي تسبب التهابات في عضو التذكير، وقد يتحول هذا الالتهاب إلى ما يسمى بـ( سرطان القضيب ) لأن سببه وجود قطرات البول بين الجلدة والحشفة .
( رسالة يا قلفاء اختتنى).
3 - ذكر الخطابى أن الختان من شعائر الدين وبه يعرف المسلم من الكافر:
إذا وجد المختون بين جماعة قتلى غير مختونين ُصلى عليه ودفن في مقابر المسلمين.
4- بقطع القلفة يتخلص من الإفرازات الدهنية والسيلان الشحمي المقزز للنفس، ويحول دون إمكان حدوث نتن ورائحة كريهة:
و هذا ما ذكره الدكتور / صبرى القباني في كتابه ( حياتنا الجنسية ) من فوائد الختان
5- بقطع القلفة يتخلص المرء من انحباس الحشفة أثناء التمدد
6- يقلل الختان إمكان الإصابة بالسرطان:
وقد ثبت أن هذا السرطان كثير الحدوث في الأشخاص المتضيقة قلفتهم (غير مختونين ).
7- الإسراع في ختان الطفل يجنبه الإصابة بسلس البول الليلى
8- يخفف الختان خطر الإكثار من استعمال العادة السرية
9- الختان له تأثير غير مباشر على القوة الجنسية:
حيث تبين إن مدة الجماع عند المختونين تطول قبل القذف؛ ولذلك فهم أكثر استمتاعا باللذة وأكثر إمتاعاً للمرأة، وإرضاء بخلاف الغير مختونين .
10ـ الختان يقى الإنسان من أمراض كثيرة وذلك بشهادة أهل الطب منها:ـ
أ- الوقاية من سرطان الرحم:
جاء في مجلد طبيبك الخاص عدد 177 صـ104 :
لقد دلت نسبة الإحصاءات على أن سرطان الرحم عند زوجات المسلمين ( المختونين ) أقل بكثير من نسبتها عند زوجات غير المختونين .(1/26)
وقد أكد د/ هاندلى: أن الختان عند الرجال يقى نساءهم من الإصابة بسرطان عنق الرحم، وذكر أن الحالة الصحية للقضيب والتهاباته تشكل خطراً على المرأة يفوق الخطر الذي يتعرض له الرجل نفسه، وقد أكد الباحثون على أن فيرس الثآليل الإنسانى (HPV) يتسبب في سرطان عنق الرحم عند زوجاتهم إذ أنهن يتعرضن لنفس العامل المسرطن الذي يتعرض له الزوج .
ب- الوقاية من سرطان القضيب:
نشرت المجلة الطبية البريطانيةB.M.J عام 1987 مقالاً عن هذا المرض جاء فيه " إن سرطان القضيب نادر جداً عند اليهود وفي البلدان الإسلامية حيث يجرى الختان أثناء فترة الطفولة " .
وسرطان القضيب مشكلة هامة في عدد من بلدان العالم فهو يشكل 12- 22% من كل سرطانات الرجال في الصين وأوغندا وبورتوريكو .
ونشرت مجلة المعهد الوطنى للسرطان أكدت فيها أن سرطان القضيب ينتقل عبر الاتصال الجنسى، وأشارت إلى أن الاتصال الجنسى بالبغايا يؤدى إلى حدوث هذا السرطان .
يقول د/ كلودرى ( Clodry ): يمكن القول وبدون مبالغة بأن الختان الذي يجرى للذكور في سن مبكرة يخفض كثيراً من نسبة حدوث سرطان القضيب عندهم، مما يجعل الختان عملية ضرورية لابد منها للوقاية من حدوث الأورام الخبيثة .
وفي بحث نشره د/ هيلبرغ وزملاؤه ( Helberg ) أكدوا فيه أن سرطان القضيب نادر جداً عند اليهود، وعند المسلمين حيث يجرى الختان أيام الطفولة الأولى .
وهناك أبحاث كثيرة جداً أكدت أن الختان يقى من سرطان القضيب، وتذكر هذه الأبحاث أن التهاب الحشفة وتضييق القلفة هما من أهم مسببات سرطان القضيب، ولما كان الختان يزيل القلفة من أساسها، فإن المختونين لا يمكن أن يحدث عندهم تضييق القلفة، ويندر جداً حدوث التهاب الحشفة .
ـ وقد ثبت أن مادة اللخن التي تفرزها بطانة القلفة عند غير المختونين والتي تتجمع تحت القلفة لها فعل مسرطن أيضاً.فقد أثبتت الأبحاث أن هذه المادة تشجع على نمو فيرس الثآليل الإنسانى HPV) )(1/27)
الذي ثبت بشكل قاطع أثر المسرطن .
ويؤكد د/ رافيتش ( Ravich ): أن الختان يقى من أورام البروستاتا، وفي مؤتمر عقد في مدينة روسلدورف الألمانية عن السرطان والبنية، وأشار د/ رافيتش إلى العلاقة السلبية بين سرطان البروستاتا الذي يصيب الرجال وبين الختان، وبيّن أن الرجال المختونين أقل تعرضاً للإصابة بهذا السرطان من غير المختونين .
ونشرت المجلة الطبية لأمراض الأطفال.M.J DISCHILD حديثاً مقالاً جاء فيه: " إن الرجل غير المختون يعتبر معرضاً للإصابة بسرطان القضيب، ويمكن منع حدوثه إذا ما اتبع مبدأ الختان عند الوليدين "
نعم هذا ما قرره الإسلام منذ أربعة عشر قرناً !!!
وكذلك الختان وقاية من الالتهابات الموضوعية في القضيب: فالقلفة التي تحيط برأس القضيب تشكل جوفاً ذو فتحة ضيقة يصعب تنظيفها إذ تتجمع فيها مفرزات القضيب المختلفة بما فيها ما يفرزه سطح القلفة الداخلى من مواد بيضاء ثخينة تدعى ( اللخن Smegma ) وبقايا البول الخلايا المتوسفة والتي تساعد على نمو الجراثيم المختلفة مؤدية إلى التهاب الحشفة والقلفة الحاد أو المزمن، والتي يصبح معها الختان أمراً علاجياً لا مفر منه، وقد يؤدى إلى التهاب المجارى البولية عند الأطفال غير المختونين .
وتؤكد دراسة د/ شوبن: أن ختان الوليد يسهل نظافة الأعضاء الجنسية، ويمنع تجمع الجراثيم تحت القلفة في فترة الطفولة.
وأكد د/ فرغسون: أن الأطفال غير المختونين هم أكثر عرضة للإصابة بالتهابات الحشفة وتضيق القلفة Phemosis من المختونين .
جـ – الوقاية من مرض الإيدز:
أقرت منظمة الصحة العالمية وخبراء صحة دوليين اعتبار ختان الذكور وسيلة لمقاومة مرض الإيدز، وقالت المنظمة إنها ستضيف الختان إلى قائمة الوسائل التي تستخدم لمقاومة المرض بعد أن أثبتت أبحاث أجريت في إفريقيا أن الختان بين الرجال يقلل من خطر إصابتهم بفيرس الـ Hpv بنسبة 50 %.(1/28)
فقد جاء في جريدة الأخبار بتاريخ 10/11/1994 ص5 تحت عنوان " الختان وقاية من الإيدز "
أن الختان يقلل من خطورة الإصابة بفيروس الإيدز، ويمكن أن يشكل وقاية منه
أكد ذلك فريق من العلماء والباحثين بينهم العالم البلجيكى بيتر بيوت ـ المسئول عن برنامج مكافحة الإيدز في الأمم المتحدة ـ الذي قال: إن فيروس الإيدز لا يتسلل كما كان سائداً لفترة طويلة عبر قناة البول ن وإنما عبر إفرازات الغدد. وجاء في تقرير وصفه هؤلاء العلماء أن جلدة العضو التناسلى توفر بيئة حارة ورطبة مثالية لاحتضان الفيروس الذي لا يعود أمامه سوى إيجاد ثغرة لتفشى العدوى . وأكد هؤلاء العلماء: أن الأطفال غير المختونين معرضون خمس عشر مرة للالتهابات البولية أكثر من الأطفال المختونين . أ هـ
وجاء في مجلة البيان العدد51 ذوالقعدة1412هـ مايو 1991:
" الختان يقي من مرض الإيدز " ذاك هو موضوع مقال نشر حديثاً(1989) في مجلة Science الأمريكية . فقد أورد المقال ثلاث دراسات علمية أجريت في أمريكا وأفريقيا
وأكدت هذه الدراسات انخفاض نسبة الإصابة بمرض الإيدز عند المختونين .
أليس هذا بالأمر العجيب !!
فحتى أولئك الذين يجرؤون على معصية الله بالشذوذ الجنسى يجدون خصلة من خصال الفطرة يمكن أن تدفع عنهم غائلة هذا المرض الخبيث،
ولكن لا يظن أحد أنه إن كان مختوناً فهو في مأمن من داء الإيدز .. فهو يحدث عند المختونين وغير المختونين وإن كانت نسبة حدوثه أقل عند المختونين، وهكذا تثبت الأحداث العلمية أن ما جاء به المصطفى - صلى الله عليه وسلم - هو الحق، وأنه لا تبديل لفطرة الله التي فطر الناس عليها .
د - الختان يقى من التهاب المجارى البولية:
أكد عدد من الدراسات العلمية الحديثة التي نشرت عام 1989 أن احتمال حدوث التهاب المجارى البولية عند الأطفال غير المختونين يبلغ 39 ضعف ما هو عليه عند المختونين .
ففي دراسة أجريت على أكثر من 400 ألف طفل وطفلة(1/29)
وجد البروفسور " ويزويل " ارتفاع نسبة التهاب المجارى البولية عند الأطفال الذكور، نتيجة لحدوث الالتهاب عند الأطفال غير المختونين .
وقدر الباحثون أنه لو لم يجر الختان في الولايات المتحدة، فستكون هناك عشرون ألف حالة أخرى من التهاب الحويصلة والكلية .
وتقول مجلة ( اللانست ) البريطانية الشهيرة في مقال نشر عام 1989:
" إن ختان الأطفال في الفترة الأولى من العمر يمكن أن يخفض نسبة التهاب المجارى البولية عند الاطفال بنسبة 90% " .
وجاء في مجلةpediatrics عام 2000 م وأجريت على 50.000 طفل وأظهرت الدراسة أن 86% من التهاب المجارى البولية عند الأطفال في سنتهم الأولى من العمر قد حدثت عند غير المختونين .
ـ فالختان يقى الأطفال من الإصابة بالتهاب المجارى البولية
وقد وجد الطبيب جنزبرغ: أن 95% من التهابات المجارى البولية عند الأطفال تحدث عند غير المختونين . ويؤكد أن جعل الختان أمراً روتينياً – يجرى لكل مولود في الولايات المتحدة ـ منع من حدوث أكثر من خمسين ألف حالة من التهاب الحويصلة والكلية سنويًا عند الأطفال،
وتؤكد مصادر د/ محمد على البار: الخطورة البالغة لالتهاب المجارى البولية عند الأطفال وأنها تؤدى في 35% إلى تجرثم الدم، وقد تؤدى إلى الالتهاب السحائى والفشل الكلوى .
هـ - الختان يقي من الأمراض الجنسية:
جاء في مجلة New England Journal of Medicineالمنشور عام 1990
( إن الختان قد ساعد على منع حدوث التهابات الحشفة والوقاية من حدوث الأمراض الجنسية عند الجنود الأمريكان إبان الحرب العالمية الثانية وخلال حرب كوريا وفيتنام ).
وأكدت دراسة حديثة من أستراليا: وجود ازدياد واضح في حدوث أربعة أمراض جنسية عند غير المختونين، وهي: الهربس التناسلى Genital Herpes،
وداء المبيضات Candidiasis، والسيلان Gonorrhea، والزهرى Syphilis.
وجاء في كتاب روائع الطب الإسلامى د/ محمد نزار الدقرـ تحت عنوان الختان والأمراض الجنسيةـ(1/30)
أكد البروفسير وليم بيكرز- الذي عمل في البلاد العربية لأكثر من عشرين عاماً، وفحص أكثر من 30 ألف امرأة – ندرة الأمراض الجنسية عندهن، وخاصة العقبول التناسلى والسيلان والكلاميديا والتريكوموناز وسرطان عنق الرحم، ويرجع ذلك إلى سببين هامين: ندرة الزنا، وختان الرجال
ويرى آريا وزملاؤه: أن للختان دوراً وقائياً هاماً من الإصابة بكثير من الأمراض الجنسية وخاصة العقبول والتآثيل التناسلية،
كما عدد فنك Fink: أكثر من 60 دراسة علمية أثبتت كلها ازدياد حدوث الأمراض الجنسية عند غير المختونين،
وأورد د /ماركس Maeks.j4 خلاصة ثلاث دراسات تثبت انخفاض نسبة مرض الإيدز عند المختونين،
في حين وجد سيمونسن وزملاؤه أن احتمال الإصابة بالإيدز بعد التعرض لفيروساته عند غير المختونين، هي تسعة أضعاف ماهو عليه عند المختونين،
أليس هذا بالأمر العجيب !!
حتى أولئك الذين يجرؤون على معصية الله يجدون في التزامهم بخصلة من خصال الفطرة إمكانية أن تدفع عنهم ويلات هذا الداء الخبيث، ولكن لا ننكر أن الوقاية من الإيدز تكون بالعفة التامة والامتناع عن الزنا .
فالختان نظافة للأعضاء الجنسية:
كتب الدكتور "شوبن " في مقالته الرئيسية في مجلة New England Journal of Medicine عام1990يقول:
لا شك أن ختان الوليد يسهل نظافة الأعضاء الجنسية على مدى العمر وفي مختلف الظروف البيئية، فالختان يمنع تجمع الجراثيم الممرضة تحت القلفة في فترة طويلة .
ويقول الدكتور "شوبن "ـ وهو من أشهر أطباء الأطفال في العالم –
مؤكداً أهمية نظافة المناطق الجنسية في الوقاية من سرطان القضيب:(1/31)
إن الحفاظ على النظافة جيداً في المناطق الجنسية أمر عسير، ليس فقط في المناطق المتخلفة من العالم، بل حتى في دولة كبرى ومتحضرة كالولايات المتحدة، التي تضم العديد من الأعراف مع اختلاف شاسع في العادات والتقاليد الاجتماعية، وحتى في بلد متحضر أكثر غالبية سكانه من عرق واحد فإن الأدلة العلمية تشير إلى أن العناية بنظافة الأعضاء التناسلية ماتزال سيئة،
ففي دراسة أجريت على أطفال المدارس البريطانين غير المختونين:
وجد أن العناية بنظافة الأعضاء الجنسية سيئة عند 70 % من هؤلاء الأطفال .
وفي دراسة أخرى في الدانمارك:
يتبين وجود التصاقات في القلفة عند 63 % من الأطفال غير المختونين في سن السادسة من العمر .هذا ما يؤكده رئيس فريق علمى كبير في أمريكا نهض لبحث أمر الختان.
لقد آتى الإسلام بدواء لهذه المشكلة، إنه الختان الذي أرشدنا إليه رسول الإنسانية - صلى الله عليه وسلم - ، وقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَت اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } ( الروم / 30).
و- الختان يقى من الإصابة بنقص المناعة المكتسبة:
تحت عنوان " التجارب في أوغندا أثبتت جدوى الختان "
نشرت الـ بي بي سى وهو على موقعها " بي بي سى أونلاين" التالى:
" قال باحثون: إن الرجل الذي لم يسبق له الختان يكون أكثر عرضة للإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب نتيجة علاقات جنسية طبيعية مقارنة بالرجل المختون "
ووجد هؤلاء أن الرجل المختون أقل عرضة للإصابة بهذا المرض وبمعدل ثمان مرات قياساً بغير المختون من علاقات جنسية عادية أو طبيعية، وجاءت هذه النتيجة عقب قيام هؤلاء الباحثين- وهم من أستراليا - بتحليل معطيات أكثر من أربعين دراسة أجريت حول الموضوع .
ـ كما تبين لهم أيضاً أن فيروس المرض، الذي يتحول في حالات كثيرة إلى مرحلة الإيدز بعد أعوام يستهدف خلايا معينة موجودة في النسيج الداخلى لمقدمة عضو الرجل الغير مختون(1/32)
ويقول العلماء: إن في هذه الخلايا بالذات دون غيرها مجسات تستقبل الفيروس مما يجعل تلك المنطقة من عضو الرجل أكثر عرضة للإصابة بالمرض .
ـ ويؤكد الباحثون الأستراليون أن ختان الرجل وسيلة ممتازة للوقاية من مرض نقص المناعة المكتسبة من خلال التخلص من تلك الخلايا الحاملة لمجسات استقبال الفيروس .
ويضيف الباحثون أن الختان يقلل من إمكانية الإصابة بالأمراض التي تنتقل عن طريق ممارسة الجنس مثل ( السيلان، والسفلس ) وهي أمراض تجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب .
ـ وجاءت هذه النتيجة في دراسة حديثة أجريت في أوغندا على عدد من المتزوجين حيث المرأة مصابة بالمرض في حين ظل الزوج بعيداً عنه حتى مع المعاشرة الجنسية غير المحمية
فعلى مدى 30 شهراً ظهر عدم وجود أية إصابات في 50 من الرجال المختونين، في حين تعرض 40 رجلاً غير مختونين من مجموع 137 رجلاً غير مختونين للإصابة بالمرض على الرغم من استخدامهم للواقيات الجنسية .
ويقول رئيس البحث البروفسور روجر شورت:
إن البديل للختان في الثقافات التي لا تميل إلى هذا النوع من الحلول الوقائية لاعتبارات دينية أو بسبب تقاليد قديمة، وهو ابتكار واق كميائي للرجل والمرأة قادراً على إبعاد شبح هذا المرض المخيف (1) .
مسقطات الختان
عقد ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتاب تحفة المودود صـ149/152 ـ فصلاً في مسقطات الختان وهي:
1 - أن يولد المولود ولاقلفة له ( يولد مختونا ).
2 - ضعف المولود عن احتماله .
3 - أن يسلم الرجل كبيراً ويخاف على نفسه التلف .
4 - الموت .
وهذه الأمور تحتاج إلى تفصيل وهذا بيانه: ـ
الأمر الأول من مسقطات الختان: في مسألة إذا ولد الولد ولا قلفة له:
فقد قال ابن القيم في التحفة: فهذا مستغنى عن الختان إذا لم يخلق له ما يجب ختانه ( قطعه)
وهذا متفق عليه
__________
(1) ـ (B.B.C Omline Network B.B.Arabic News.)(1/33)
لكن هناك خلاف بين أهل العلم في مسألة هل يستحب إمرار الموسى على موضع الختان أم لا ؟
وهذه المسألة اختلف أهل العلم فيها على قولين:
القول الأول: لايستحب ذلك بل يكره، وبه قال النووى و القرطبى وابن القيم و ابن رشد
وجهة هذا القول: إن إمرار الموسى ليس مقصوداً بذاته وإنما هو وسيلة، فإنه سقط المقصود لم يبق للوسيلة معنى
كما قال ابن القيم: الصواب: إن هذا مكروه ولا يتقرب إلى الله به، ولا يتعبد بمثله وتتنزه الشريعة عنه فإنه عبث لا فائدة فيه، وإمرار الموسى غير مقصود بل هو وسيلة إلى فعل مقصود، فإذا سقط المقصود لم يبق للوسيلة معنى .
ورد ابن القيم على الذين يقولون بل يمر الموسى عليه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم "
فقالوا: وقد كان الواجب أمرين: مباشرة الحديدة والقطع فإذا سقط القطع فلا أقل من استحباب مباشرة الحديدة .
فقال ابن القيم ردًا عليهم والصواب:
إن هذا مكروه ولا يتقرب إلى الله به ولا يتعبد بمثله وتنزه عنه الشريعة لأنه عبث لا فائدة فيه .
وهذا نظير قول بعض المتأخرين من أصحاب أحمد وغيرهم
وأن الذي لايحسن القراءة ولا الذكر أو أخرس يحرك لسانه حركة مجردة ( أي في الصلاة ) .
لكن رد عليهم شيخ الإسلام فقال: لو قيل أن الصلاة تبطل بذالك كان أقرب لأنه عبث ينافي الخشوع وزيادة عمل غير مشروع ، والمقصود: أن هذا الذي ولد ولا قلفة له فلا ختان عليه .
وقال النووى كما في المجموع (1/369):
لو ولد مختونا بلا قلفة فلا ختان لا ايجاباً ولا استحبابا ً
فان كان من القلفة التي تغطى الحشفة شيء موجود وجب قطعه، كما لو ختن ختانا غير كامل فإنه يجب تكميله جميع القلفة التي جرت العادة بإزالتها في الختان .
وقال القرطبى – رحمه الله – في التفسير عند قوله تعالى:
{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ }( البقرة: 124 )
فإن ولد الصبى مختوناً فقد كفي مئونة الختان .(1/34)
قال الميمونى: قال لي أحمد: إن هاهنا رجل وُلد له ولد مختون، فاغتم لذلك غماً شديداً
فقلت له: إذا كان الله قد كفاك المئونة فما غمك بهذا.
القول الثانى: استحباب إمرار الموس على موضع الختان لمن ولد مختونًا.
فقد نقل الحافظ في الفتح أنه قال: وقد استحب العلماء من الشافعية فيمن ولد مختونا أن يمر بالموس على موضع الختان من غير قطع.
وقال أبو عبد الله بن الحاج في المدخل: فمن قال إن من ولد مختونًا استحب إمرار الموسى على الموضع امتثالا للأمر، قال في حق المرأة كذلك، ومن لا فلا.
( أي: من لا يجوّز ذلك في حق الذكر فكذلك لا يجوّز في حق البنت )
وقال صاحب التاج والإكليل( 3/258): ومن ولد مختونا فقال: تمر الموسى عليه فإن بقى ما يقطع قطع، قال: وقيل إنه قد كفي المئونة، قال ابن رشد: وهذا هو الأظهر.
وذكر صاحب مواهب الجليل (3/255)عن أبى عمر ابن عبد البر قوله:
لو ولد مختونا فقالت طائفة: تجرى عليه الموسى، فإن كان فيه ما يقطع قطع، وأباه آخرون
ثم قال: يجرى على الأقرع في الحج ( أي: الموسى ) . أهـ
الخلاصة والراجح في هذه المسألة :
إن ولد مختونًا بلا قلفة فلا ختان عليه ولا يجرى عليه الموسى
لكن من ولد مختونًا وكان ختانه غير تام، فانه يمر عليه الموس لإتمام وإكمال عملية الختان.
قال أبو شامة ـ رحمه الله ـ:
وغالب من يولد كذلك لا يكون ختانه تامًا بل يظهر طرف الحشفة فان كان كذالك وجب تكميله.
وقفة
هل ُولد النبي - صلى الله عليه وسلم - مختونًا ؟
الجواب: أنه لم يثبت في ذلك حديث، ولو ُولد مختونًا فليس هذا من خصائص - صلى الله عليه وسلم - لأن كثيراً من الناس يولد غير محتاج إلى الختان، ولقد كانت العرب لا تعتد بصورة الختان من غير ختان وترى الفضيلة في الختان نفسه وتفخر به.(1/35)
وقد ُبعث - صلى الله عليه وسلم - من صميم العرب، وخصه الله تعالى بصفات الكمال من الخلق والنسب وثبت أن الختان سنة إبراهيمية ووصفه - صلى الله عليه وسلم - بأنه من الفطرة فالأليق بحاله - صلى الله عليه وسلم - أن لا ُيسلب هذه الفضيلة وأن يكرمه الله بها كما أكرم خليله إبراهيم ـ علية الصلاة و السلام ـ
فإن خصائصه أعظم من خصائص غيره من النبيين وأعلى، ولم يثبت كذلك ختان جبريل إياه في حادثة شق صدره - صلى الله عليه وسلم - .
والخلاصة
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ُختن على عادة العرب، وكانت عادتهم الختان، الذي كان سنة باقية فيهم . والله أعلم
الأمر الثانى من مسقطات الختان: ضعف المولود عن احتمال الختان:
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما في تحفة المودود صـ 150:
ومن مسقطاته: ضعف المولود عن احتماله بحيث يخاف عليه من التلف ويستمر به الضعف كذلك فهذا يعذر في تركه إذ غايته أنه واجب فيسقط بالعجز عنه كسائر الواجبات .
الأمر الثالث من مسقطات الختان:
أن يُسْلم الرجل كبير ويخاف على نفسه التلف:
وقد اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:
القول الأول: يسقط عنه وجوبه بل صرح البعض بأنه لا يجوز له فعله: ـ
ولعل دليل هذا الفريق الأدلة العامة:
كقوله تعالى:{ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } ( البقرة: 286 )
وقوله تعالى { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } ( النساء: 29 )
قال ابن القيم – رحمه الله – كما في تحفة المودود (صـ151):
إن من مسقطات الختان أن يُسلم الرجل كبيراً ويخاف على نفسه منه، فهذا يسقط عنه عند الجمهور، ونص الأمام أحمد في رواية جماعة من أصحابه، وذكر قول الحسن أنه قد أسلم في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرومى والحبشي والفارسي فما فتش أحدًا منهم .
قال الكاسانى كما في البدائع (6/269):(1/36)
وأما الأقلف فتقبل شهادته إذا كان عدلا ولم يكن تركه الختان رغبة عن السنة لعمومات الشهادة؛ ولأن إسلامه إذا كان في حال الكبر فيجوز أنه خاف على نفسه التلف، فإن لم يخف ولم يختتن تاركا للسنة، لم تقبل شهادته كالفاسق والذي يرتكب المعاصى لأن شهادته لا تجوز وإن كنا لا نستيقن كونه فاسقاً في تلك الحال .
وقال ابن جزي في القوانين الفقهية (1/129):
إن خاف الكبير على نفسه الهلاك إن اختتن فرخص له ابن عبد الحكم في تركه، وأبى ذلك سحنون
ونقل ابن قدامة قول الإمام أحمد أنه قال:
إن خاف على نفسه لا بأس ألا يختتن – (وهذا على قول في مذهب الإمام أحمد )
وقال ابن القيم – رحمه الله ـ كما في تحفة المودود صـ 151:
وظاهر كلام أصحابنا أنه يسقط وجوبه فقط عند خوف التلف والذي ينبغى من فعله ولا يجوز له وصرح به في صرح الهداية، فقال: يمنع منه، ولهذا نظائر كثيرة منها: الاغتسال بالماء البارد في حال قوة البرد أو المرض وصوم المريض يخشى تلفه بصومه وإقامة الحد على المريض والحامل وغير ذلك فإن هذه الأعذار كلها تمنع إباحة الفعل كما تسقط وجوبه.
القول الثانى: لا يسقط عنه وجوبه:
وهذا قول سحنون، ونقل ابن القيم في التحفة أن هذا أيضاً قول في مذهب الإمام أحمد، حكاه ابن تميم عنه .
قال الخلال: أخبرنا عصمة بن عصام قال: حدثنا حنبل، قال:
إنه سأل أبا عبد الله عن الذمى إذا أسلم ؟
قلت: نرى أن يطهر الختانة ؟
قال: لابد له من ذلك
قلت: فإن كان كبيراً أو كبيرة ؟
قال: أحب إلى أن يتطهر لأن الحديث:" اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة "
فقال تعالى: { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } ( الحج: 78 ) .
قيل له: فإن كان يخاف عليه ؟
قال: وإن كان يخاف عليه كذلك يرجى له السلامة.
قال حنبل في موضع آخر:
قيل لأبي عبد الله: الأقلف ؟
قال يختتن.
قيل له فإن كان شيخاً كبيراً ؟
قال: لابد له من الطهارة، هذه نجاسة.(1/37)
ولعل وجهة هذا القول، هو القياس على وجوب قطع يد السارق وإن خاف على نفسه .
الراجح: هو القول الأول إنه يسقط عنه وجوبه ويمنع من فعله عند خشية الهلاك وحدوث التلف .
الأمر الرابع من مسقطات الختان: الموت:
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما في التحفة صـ 151:
فلا يجب ختان الميت باتفاق الأمة. لكن الخلاف كان في الاستحباب هل يستحب أم لا ؟
فذهب جمهور أهل العلم:على أنه لا يستحب، وهو قول الأئمة لكن ذهب بعض الأئمة المتأخرين أنه مستحب
والراجح: هو القول الأول أنه لا يستحب .
أسئلة تبحث عن إجابة
1- هل الإحرام يمنع من الختان ؟
بمعنى: إذا كان رجل محرم وأراد أن يختتن فهل هذا من محظورات الإحرام كالأخذ من الشعر وتقليم الاظافر؟
الجواب: له أن يختتن في الإحرام، فالإحرام لا يمنع من الختان
ونص على ذلك الإمام أحمد:
فقد سئل عن المحرم يختتن ؟ فقال: نعم، فلم يجعله من باب إزالة الشعر وتقليم الظفر .
2- ما هي الحكمة التي لأجلها يعاد بنو آدم غرلاً ؟
يجيب على ذلك ابن القيم ـ رحمه الله ـ حيث قال كما في تحفة المودود صـ 157:
لما وعد الله سبحانه وهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده أنه يعيد الخلق كما بدأهم أول مرة، كان من صدق وعده أن يعيده على الحالة التي بدأ عليها من تمام أعضائه وكمالها.
قال تعالى:{ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }
( الأنبياء:104)
وقال تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } ( الأعراف:29 )
وأيضا فإن الختان إنما شرع في الدنيا لتكميل الطهارة والتنزه من البول
وأهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون فليس هناك نجاسة تصيب الغرلة فيحتاج إلى التحرز منها
والقلفة تمنع لذة الجماع ولا تعوقه.(1/38)
هذا إن قدر استمرارهم على تلك الحالة التي بعثوا عليها؛ فإنهم يبعثون حفاة عراة غرلاً، ثم يكسون ويمد خلقهم ويزاد فيه بعد ذلك. يزاد في خلق أهل الجنة وأهل النار، وإلا فوقت قيامهم من القبور يكونون على صورتهم التي كانوا عليها في الدنيا، وعلى صفاتهم وهيئاتهم وأحوالهم، فيُبعث كل عبد على ما مات عليه، ثم ينشئهم الله سبحانه كما يشاء.
- ثانيا: ختان البنات -
مقدمة:
يقول الشيخ الدكتور/ عبد الحى يوسف ( رئيس قسم الثقافة الإسلامية ـ جامعة الخرطوم ):
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين ....
أما بعد: ففي زماننا هذا تروج الفرى والأكاذيب حتى أصبح الحق في كثير من الأحيان باطلاً والباطل حقاً، وصدقت نبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" إن بين يدى الساعة سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن الخائن ويخون الأمين، ويتحدث الرويبضة!! قيل: وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال: الرجل التافه يتحدث في أمر العامة "
هذه المقولة النبوية لا زلنا نلتمس أثارها ونسمع أخبارها في كثير من القضايا التي تطرح للنقاش، ويطلب فيها الرأي السديد،
ولكن هيهات ..هيهات أن يصل الناس المخلصون إلى بغيتهم إذا تكلم العيى وأفتى البليد وتصدى للأمر من لا يحسنه، بل الأنكى من ذلك أن يعلو من لا يسلم دينه من النقص وعرضه من الطعن .
أقول: إن قضية ختان الإناث لهي من أوضح صور العقم الفكرى الذي تعيشه الأمة، والتزوير العلمى الذي تعانيه الأجيال، حيث تكلم فيه من يعلم ومن لا يعلم، فتجد من الناس من يتقمص شخصية الطبيب الحاذق البصير، وهو لم يعرف من الطب إلا اسمه، وغاية أمره بضاعة مزجاة في علم النفس أو الدراسات النسوية،
وتجد آخر يتصدى للفتوى وهو لا يملك مؤهلاتها العلمية ولا الأخلاقية، فيتحدث في المسألة قولاً ما سبقه إليه أحد من العالمين،(1/39)
وبين هؤلاء وأولئك نسوة تعمدن الضجيج الإعلامي والصياح في المجامع من غير إثارة من علم أو هدى أو كتاب منير،
ويزيد الطين بلة جماعة من أهل الصحافة، جعلوا من الختان قضية القضايا، وأساس المشكلات وأضر العادات، قافلين عن فساد العقائد وانحراف الأخلاق، وخراب الذمم وتهتك القيم .
ويا معشر المسلمين: اعلموا أنه لم يقل أحد من أهل العلم بأن ختان الأنثى حرام، بل الاتفاق على مشروعيته حاصل والحمد لله، فلا تقبلوا قول مسكين يريد أن يورد قولاً رابعاً،
ولا يحسبن مسلم أن القوم يريدون تقرير مسألة خلافية أو محاربة العادة الفرعونية، بل يريدون العدوان على دين الأمة وثوابتها، حين يقررون اليوم أن ختان الإناث ضار بالمرأة، وقد نطقت الأدلة الشرعية بوجوبه أو سنيته،
وكأنى بهم يقولون للناس: إن الشريعة الإسلامية جاءت بما فيه الضرر ليأتوا غداً للناس بفرية أخرى بعد أن هيئت الأجواء بقبول الأولى .
إننا نحمد الله على أن هيأ من أهل العلم الشرعى وأهل الطب من يتصدى لهؤلاء المزورين، ويقبل منازلتهم، مبيناً حدود الختان الشرعى الذي تتحقق به المصلحة صابراً على ما يصيبه من ألسنة حداد لا تتقى الله فيما تقول، محتسباً أجره على الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور،
وإنني ألتمس من الأطباء المهرة البررة أن يبينوا الحق في زمن التدليس والتلبيس، وليجعلوا من ذلك زكاة لعلمهم، ودفاعاً عن سنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، والله لا يضيع أجر المحسنين .
كما أننى أرجو من السادة العلماء أئمة الدين أن يصدعوا بكلمة الحق قياماً بالأمانة وأداء للواجب، ووفاء بالميثاق الذي أخذه الله عليهم:
{وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } ( آل عمران 178 )(1/40)
وحذراً من الوعيد الإلهي: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } ( البقرة 159) أ هـ بتصرف
تعريف الختان بالنسبة للبنات:
الختان لغة: هو التطهر والقطع
ويسمى في حق الأنثى: خفضاً ، ويسمى في حق الذكر: إعذاراً
الختان شرعاً: هو قطع جزء من الجلدة التي تغطى البظر، وهذه الجلدة التي تقطع، تكون كعرف الديك في أعلى الفرج .
وقد عرف الدكتور/ محمد بن محمد المختار الشنقيطى الختان فقال:
هي الجراحة التي يقصد منها قطع الجلدة التي تغطى الحشفة ( رأس الذكر ) بالنسبة للرجال .
أو قطع أدنى جزء من جلدة أعلى الفرج بالنسبة للنساء.
وقال د/ حامد رشوان وغيره من الأطباء:
إن خفاض السنة بالنسبة للنساء: هو قطع الجلدة أو الغلمة التي تغطى البظر
الحكمة من خفض النساء ( ختان النساء )
يقول ابن القيم – رحمه الله ـ كما في تحفة المودود صـ144:
وقد ذكر في حكمة خفض النساء حديث رواه البيهقى في الشعب ( ح 8644 ): ( إن سارة لما وهبت هاجر لإبراهيم، أصابها فحملت منه، فغارت سارة فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء، فخاف إبراهيم أن تجدع أنفها وتقطع أذنها، فأمرها بثقب أذنيها وختانها، وصار ذلك سنة في النساء بعد .
ولاينكر هذا كما كان مبدأ السعى – سعى هاجر بين الجبلين تبتغى لابنها القوت –
وكما كان مبدأ الجمار – حصب إسماعيل للشيطان لما ذهب مع أبيه – فشرع الله سبحانه لعباده تذكرة وإحياء لسنه خليله، وإقامة لذكره، وعلامة على عبوديته ـ سبحانه وتعالى ـ .(1/41)
فإنك تجد قطع طرف الأذن وكى الجبهة ونحو ذلك في كثير من الرقيق علامة لرقهم وعبوديتهم، حتى إذا أبق رد إلى مالكه بتلك العلامة، فما ينكر أن يكون قطع هذا الطرف علماً على عبودية صاحبه لله سبحانه، وحتى يعرف الناس أن من كان كذلك فهو من عبيد الله الحنفاء، فيكون الختان علماً لهذه النسبة التي لا أشرف منها، مع ما فيه من الطهارة والنظافة والزينة وتعديل الشهوة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في الفتاوى الكبرى (1/274):
" وذلك أن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في القلفة، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها . فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة، ولهذا يقال في المشاتمة:
" يا ابن القلفاء " فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر، ولهذا من الفواحش في نساء التتر ونساء الإفرنج مالا يوجد في نساء المسلمين " .
يقول الشيخ جاد الحق على جاد الحق ـ رحمه الله ـ ( شيخ الأزهر سابقاً ) معلقاً على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الختان: " فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج "
وهذا التوجيه النبوى إنما هو لضبط ميزان الحس الجنسى عند الفتاة، فأمر بخفض الجزء الذي يعلو مخرج البول لضبط الاشتهاء، والإبقاء على لذات النساء واستمتاعهن مع أزواجهن، ونهى عن إبادة مصدر الحس واستئصاله، وبذلك يكون الاعتدال، فلم يعْدِم المرأة مصدر الاستمتاع والاستجابة، ولم يبقها دون خفض فيدفعها إلى الاستهتار، وعدم القدرة على التحكم في نفسها عند الإثارة .
ويقول الدكتور / محمد البار كما في كتاب ( خلق الإنسان بين الطب والقرآن صـ44):
وختان المرأة من المسائل التي تبدو هيّنة بسيطة، ولكن في طياته خيرٌ كثير، وفي تركه أذى وشر مستطير، فإنه أدعى لتقليل الغلمة والشبق ودواعي الزنا، وخاصة إذا لم يقدر للمرأة أن تتزوج أو تأيمت بعد زواج بموت أو طلاق .(1/42)
ـ فإذا تأملنا في هذه الأقوال دفعنا هذا إلى التسليم بأن الله ـ تعالى ـ ما شرع شيئاً إلا لحكمة وأنه تعالى أعلم بنا من أنفسنا وأرئف بنا من أمهاتنا .
الأدلة على مشروعية ختان الإناث
الدليل الأول: ما جاء في الصحيحين عن أبى هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اختتن إبراهيم بعد أن أتت عليه ثمانون سنة "
وقد قال تعالى:{ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } ( النحل: 123)
قال في منار السبيل (1/30):
الختان واجب على الذكر والأنثى لأنه من ملة إبراهيم ـ عليه السلام ـ
الدليل الثانى: ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" الفطرة خمس "
وفي رواية: خمس من الفطرة ـ الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط ( الآباط ) "
ولفظ الختان في حديث الفطرة عام يشمل الذكر والأنثى .
ولا يقال: الحديث هنا في حق الذكر، بل العام يقبل على عمومه، ما لم يرد دليل مخصوص
ولم يرد، بل ورد ما يدل على بقاء هذا العموم
وهو ما أخرجه الإمام مسلم بسنده عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل "
قال النووى في شرح مسلم (4/41): والمراد بالمماسة: المحاذاة .
وجاء في كتاب بيان للناس من الأزهر الشريف (2/264):
أن حديث: "خمس من الفطرة " ومنه الختان وهذا لا يخص به الرجال دون النساء.
وقال البيضاوى: وإن حديث: "خمس من الفطرة " ـ عام في ختان الذكر والأنثى .
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ:
المراد بالفطرة في حديث الباب: أن هذه الأشياء الخمسة إذا فعلت اتصف صاحبها وفاعلها بالفطرة التي فطرالله الناس عليها وحثهم عليها واستحسنها لهم؛ ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها وأحسنها صورة والتي من بينها الختان .(1/43)
وعلى هذا فوجه الدلالة من الحديث: "خمس من الفطرة " هو الأصل وهو عموم اشتراك النساء والذكور في الأحكام، إلا ما قام دليل على اختصاص أحدهما دون الآخر كقص الشارب ونحوه .
لكن اُعترض على هذا الاستدلال بأن كل هذا إنما هو في حق الذكور لأمور منها:
1 ـ إن كلمة الختان إنما تأتى للذكور لا للإناث وإنما يقال في حقهن الخفاض .
2 ـ إن هناك قرينة في الواقع تحملنا على هذا التفريق، ألا وهي الاختلاف التكويني في قلفة المرأة وقلفة الرجل، فالأمر للرجل ضرورى لصحة طهارته، لكن الأمر في المرأة بخلاف ذلك فاختلفا .
وأجيب عن هذين الاعتراضين بما يلي:
ـ أما كون كلمة الختان خاصة بالذكور ولا تطلق على الإناث فغير مسلم به فإنه وإن كان الأغلب أن يسمى القطع عند الذكور: ختانا، وعند الإناث: خفضا، إلا أنه شائع لغة وشرعاً إطلاق الختان على قطع قلفة الأنثى أيضا كما يطلق على الذكر كذلك .
قال ابن منظور في لسان العرب مادة ختن:
ختن الغلام والجارية يختنها ويختنهما ختناً والاسم الختان والختانة وهو مختون .
وقيل الختن للرجل، والخفض للنساء
والختن: المختون الذكر والأنثى في ذلك سواء .
والختانة: صناعة الخاتن، والختن: فعل الخاتن بالغلام .
والختان: موضع الختن من الذكر وموضع القطع من نواة الجارية .
وقال أبو منصور:
والختان: هو موضع القطع من الذكر والأنثى ومنه الحديث المروى:
" اذا التقى الختانان فقد وجب الغسل "
وهما موضع القطع من ذكر الغلام وفرج الجارية، ويقال لقطعهما الإعذار والخفض .
تنبيه:
في قول ابن منظور: قيل الختن للرجال والخفض للنساء فتعبيره بلفظ ( قيل) يشعر بأن اللفظين كلاهما مستعمل وكلاهما مقول، وعلى هذا فكلمة الختان تشمل الذكر والأنثى لقول ابن المنظور السابق: أن الختان موضع الختن من الذكر وموضع القطع من نواة الجارية
وقوله كذلك: أن ختن الغلام والجارية يختنهما ختنا، والاسم الختان
وهذا هو الرد على الاعتراض الأول .(1/44)
ـ وأما الرد على الاعتراض الثانى بأن هناك قرائن تدل على اختصاصه بالذكور فالجواب:
إن كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - عام في الذكور والإناث، وتخصيص أي جزء منه تحكم بغير دليل،
وجعلكم الاختلاف التكويني لقفلة الأنثى دليلاً غير مسلم به،
فقد ذكر غير واحد من العلماء: إن المرأة في حاجة إلى الختان .
قال شيخ الإسلام كما في المجموع الفتاوى (21/114):
والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها، فإنها إذا كانت قلفاء، كانت مغتلمة شديدة الشهوة، لهذا يقال في المشاتمة "يا ابن القلفاء "، فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر،
ولهذا يوجد من الفواحش في نساء التتر ونساء الإفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين .
و قال الإمام السندى ـ رحمه الله ـ:
الخِتان ـ بكسر الخاء ـ يطلق على موضع القطع من الذكر، والمراد بالثاني موضع القطع من الفرج . أهـ
ويقول صاحب رسالة ( يا قلفاء اختتنى ):
إن في حديث البيهقى الذي روته ُأمنا عائشة ـ رضي الله عنها ـ والذي فيه قوله - صلى الله عليه وسلم - :
" إنما النساء شقائق الرجال " ـ وإن كان في الحديث ضعف ـ
إلا أن حكم النساء هو حكم الرجال في كل مسألة شرعية، ما لم يأت نص بتخصيص أحدهما .
وحيث إن الختان في حق الرجال واجب، فهو كذلك في حق النساء .
وما رواه الطبراني في الكبير عن قتادة الرهاوي قال:
كان يأمر من أسلم أن يختتن.
ولفظ ( من أسلم ) موصول مشترك يقع وقوعاً مستوياً على الذكر والأنثى على المفرد والجمع، والختان في حق الذكر: طهارة، وفي حق المرأة: طهارة وتعديل للشهوة، فكان أولى بالوجوب.
الدليل الثالث: ما أخرجه الترمذي بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إذا التقى الختانان فقد وَجَب الغسلُ " ( سلسلة الأحاديث الصحيحة (1261)، صحيح الجامع (385)
أي: إذا التقى ختان الرجل وختان المرأة وجب الغسل.
وهذا الحديث يستدل به الحنابلة على مشروعية الختان للبنات.(1/45)
فقد نقل صاحب المغني (1/116) عن الإمام أحمد أنه قال في هذا الحديث:
فيه بيان أن النساء كُنَّ يُختنَّ.
وكذلك استدل الشافعي بهذا الحديث بوجوب الختان على الرجل والمرأة.
يقول العلامة المناوي ـ رحمه الله تعالى ـ كما في فيض القدير( 1 /301 ):
" إذا التقى الختانان " أي تحاذيا لا تماسا، والمراد ختان الرجل، وخفاض المرأة
فجمعهما بلفظ واحد تغليبًا.
وقال البغوي ـ رحمه الله تعالى ـ كما في شرح السنة(2/3):
الختان: موضع القطع من ذكر الغلام، ونواة الجارية.
وقال المباركفوري ـ رحمه الله تعالى ـ كما في تحفة الأحوذي (1/361):
المراد بالختان: ختان الرجل وخفاض المرأة، وختان الرجل هو مقطع جلدة كمرته، وخفاض المرأة هو مقطع جلدة في أعلى فرجها تشبه عرف الديك بينها وبين مدخل الذكر جلدة رقيقة، إنما ثنيا بلفظ واحد تغليبًا، وله نظائر وقاعدته رد الأثقل إلى الأخف، والأدنى إلى أعلى.
قال ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ كما في فتح الباري (1/395) قوله:
" إذا التقى الختانان " المراد بهذه التثنية ختان الرجل والمرأة، والختن قطع جلدة كمرته، وخفاض المرأة، والخفض قطع جلدة في أعلى فرجها تشبه عرف الديك.
وقد اعترض على هذا الدليل (إذا التقى الختانان) باعتراضات منها:
1- أن إطلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - (الختانان) إطلاق تغليبى، فان التثنية في اللغة ترد لجمع الأمرين باسم أحدهما
2- أن الحديث مؤول عند كافة العلماء، فهم لا يوجبون الغسل بمجرد التقاء الختانان وإنما بالإيلاج وإذا ترك المعنى الحرفي للفظ الحديث ـ أي لمنطوقه، فكيف يقبل القول بمفهومه.
3- أن الحديث وارد فيما يوجب الغسل وليس واردًا في أمر الختان أصلاً، فلا يبعد أن يقال:
إنه حدثهم على معهودهم قبل الإسلام في إيقاع هذا الفعل بالمرأة دون أن يتضمن إباحة أصلاً .
وأجيب عن هذه الاعتراضات بما يلي:(1/46)
أولاً: الرد على القول: بأن لفظة الختان من باب التغليب، لنفي ختان الأنثى فيه نظر فهو عدول عن حقيقة الكلام بغير دليل لاسيما ورواية مسلم " إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل " وفي هذا دليل على أن المقصود بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا التقى الختانان "
أي ختان الرجل وختان المرأة فالحديث يدل على موضعي الختان عند الرجل والمرأة فدل على أن المرأة كذلك تختن.
إذًا: فالمراد بالتغليب هنا أن صفة ختان الذكر تختلف عن صفة ختان الأنثى، لا نفي ختان الأنثى فهي تختلف من حيث أنها في الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة، وفي الأنثى قطع بعض الجلدة التي في أعلى فرجها.
وقد قال الحافظ بن حجر ـ رحمه الله ـ كما في فتح الباري (1/47):
المراد بهذه التثنية (الختانان) ختان الرجل والمرأة.
والختن قطع جلدة كمرته وخفاض المرأة: قطع جليدة في أعلى فرجها تشبه عرف الديك بينها وبين مدخل الذكر جلدة رقيقة.
وإنما ثنيا بلفظ واحد تغليبًا وله نظائر، وقاعدته: رد الأثقل إلى الأخف، والأدنى إلى الأعلى (الشمسان، العمران، الأسودان، الأبوان).
ثانياً:الرد على القول: بأن الحديث مؤول عند كافة العلماء أجيب عنه:
ذلك بأنهم أولوه بدليل آخر ألا وهو ما في بعض طرقه بلفظ: "إذا جاوز الختان الختان " أي مكان الختان ومعلوم أن حشفة الرجل لن تغيب أبدًا داخل ختان المرأة.
قال الحافظ: والمراد بالمس والالتقاء: المحاذاة، ويدل عليه رواية الترمذي بلفظ " إذا جاوز" وليس المراد حقيقته لأنه لا يتصور عند غيبة الحشفة.
وقال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ:(1/47)
قال العلماء في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ومس الختان الختان " معناه غيبت ذكرك في فرجها وليس المراد حقيقة المس، وذلك أن ختان المرأة في أعلى الفرج ولا يمسه الذكر في الجماع، وقد أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل لا عليه ولا عليها، فدل على أن المراد بالمماسة المحاذاة وكذلك الرواية الأخرى:" إذا التقى الختانان " أي تحاذيا.
ثالثاً: الرد على القول: أن الحديث وارد فيما يوجب الغسل
أجيب عنه بأن الحجة في نطق النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك: " الختانان " مع صحة إطلاقه على الأنثى فهو من أقوى الأدلة التي ترد على القائلين بتحريم ختان الإناث، بأن لو كان ختان الإناث حرامًا لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقل ما في الحديث هو الجواز، إذا لم يرتق إلى الاستحباب بأن يقال: إن في حكاية هذا الأمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل على أن جميع الصحابة والصحابيات كانوا مختونين، فاتباعهم في ذلك لا شك في استحبابه.
وقد أخرج الإمام مالك في الموطأ(145) وابن خزيمة في صحيحه(144)عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر وعثمان وعائشة والمهاجرون الأولون يقولون: إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل .
وهذا يدل على أن ختان الإناث عندهم كان أمرًا معهودًا.
الدليل الرابع: ما أخرجه البخاري في قصة مقتل حمزة - رضي الله عنه - وفي الحديث: خرج سباع فقال: هل من مبارز؟!
فخرج إليه حمزة وقال له: يا سباع يا بن أم أنمار مقطعة البظور
وكان هذا الكلام في محضر من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر عليه مثل هذا الكلام، فعلم أن هذا الأمر كان معروفًا عندهم.
وقد يقول قائل: إن سباع هذا من المشركين، وإن أمه كانت تختن البنات، لكن كان هذا في الجاهلية، وهذا ليس من الإسلام في شيء.(1/48)
والرد على هذا بسيط: وهو أننا نقول لهذا القائل أنت بين خيارين، إما أن تقول إن هذا الفعل كان في الجاهلية وجاء الإسلام وأبطله، فنقول لك أين الدليل على صدق ما تقول، بل الدليل على عكسه، ولو كان الختان يفعل في الجاهلية وجاء الإسلام وحرمه لما فيه من الضرر ـ كما يزعم البعض ـ لبَيَّن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن نعلم يقينًا أنه لا يجوز في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وعلى هذا فليس لك إلا الخيار الثاني وهو أن تقول: لا. بل جاء الإسلام وأقر ختان البنات الذي كان ُيفعل في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل ومن قبله بزمان اتباعًا لملة إبراهيم ـ عليه السلام ـ فنقول لك هذا ما نقول نحن به.
الدليل الخامس: ما أخرجه أبو داود وغيره عن أم عطية ـ رضي الله عنها ـ:
أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" لا تُنهِكى فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل"
( انظر صحيح أبي داود ح5260 حيث قال الألباني صحيح)
لا تُنهِكي: يقال نهكت الشيء نهكًا، أي: بالغت فيه، وجاءت أيضاً بفتح التاء والهاء ( لا تَنهَكى )
وفي النهاية لابن الأثير معنى لا تنهكي: أي لا تبالغى في استقصاء الختان، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
فإن ذلك: أي عدم المبالغة في القطع، وإبقاء بعض النواة والغدة على فرجها.
أحظى للمرأة: أي أنفع لها وألذ، وأحب إلى البعل: أي إلى الزوج.
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ كما في فتح الباري (10/340):
هذا الحديث له شاهدان: من حديث أنس، ومن حديث أم أيمن عند أبي الشيخ ( في كتاب العقيقة) وآخر عن الضحاك بن قيس عند البيهقي.
وقال الألباني ـ رحمه الله ـ كما في السلسة الصحيحة (722) وفي صحيح الجامع (236) (7475)، بعد أن ذكر شواهد هذا الحديث وطرقه قال:
وبالجملة فالحديث بهذه الشواهد صحيح . والله أعلم.(1/49)
الدليل السادس: ما أخرجه الخطيب في تاريخه (5/327) من حديث أنس وهو عند الطبراني في الأوسط (2274):
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأم عطية وكانت تختن النساء في المدينة:
" إذا خفضت فأشمِّي ولا تُنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى للزوج ".
وفي رواية: " فإنه أنضر للوجه وأحظى عند الزوج "
وجاء في مادة شمم: وفي حديث أم عطية " أشمي ولا تنهكي "
شبه القطع اليسير بإشمام الرائحة، والنهك: المبالغة فيه، أي اقطعي النواة ولا تستأصليها. أهـ
وفي المجمع: الإشمام: أخذ اليسير في ختان المرأة، والنهك: المبالغة في القطع. أ.هـ
قال الألباني في السلسلة الصحيحة (722) بعدما ذكر طرق الحديث وشواهده:
مجيء الحديث من طرق متعددة ومخارج متباينة لا يبعد أن يعطي ذلك للحديث قوة يرتقي بها إلى درجة الحسن، لا سيما وقد حسن الطريق الأول الهيثمي . والله أعلم.
وقال الألباني ـ رحمه الله ـ أيضًا:
واعلم أن ختن المرأة كان معروفًا عند السلف خلافًا ما يظنه من لا علم عنده . أهـ
وقال الغزالي في الإحياء (1/193) في هذا الحديث:
" أشمِّي ولا تُنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى للزوج "
وفي رواية: " أنضر للوجه وأحظى عند الزوج "
أي: أكثر لماء الوجه ودمه وأحسن في جماعها، فانظر إلى جزالة لفظه - صلى الله عليه وسلم - في الكناية وإلى إشراق نور النبوة من مصالح الآخرة، التي هي أهم مقاصد النبوة إلى مصالح الدنيا حتى انكشف له وهو أُميّ من هذا الأمر النازل قدره ما لو وقعت الغفلة عنه خيف ضرره، فسبحان من أرسله رحمة للعالمين ليجمع لهم بيُمن بعثته مصالح الدنيا والدين - صلى الله عليه وسلم - . أهـ
الدليل السابع: ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إنكم ملاقوا الله حفاةً عراةً مشاةً غرلاً يوم القيامة "
والأغرل:هو غير المختون أي الأقلف.(1/50)
وفي الحديث: أنهم يحشرون كما خلقوا دون نقص، حتى الغرلة تكون فيهم، بخلاف حالهم في الدنيا قال تعالى: { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } ( الأنبياء: 104 )
أي أنهم خلقوا ـ أي الرجال والنساء ـ غير مختونين ثم ختنوا، ثم يعودون يوم القيامة كما خلقوا وهذا للرجال وللنساء معًا، ومن قال لا: بل هذا خاص بالرجال دون النساء فليأتي بدليل التخصيص.
وإن كان هذا الدليل ليس نصًا في مسألة ختان الإناث، إلا أنه يشير من بعيد على ذلك خصوصًا على وجود الأدلة الشرعية والتي مرت بنا، والتي تدل على مشروعية الختان بالنسبة للإناث والتي تشير إلى ذلك بقوة .
الدليل الثامن: ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1247 ) بسند حسن عن أم علقمة:
أن بنات أخت عائشة – رضي الله عنها – خُتِن فقيل لعائشة: ألا ندعو لهن من يُلهيهن ؟
قالت: بلى، فأرسلت إلى عُدى فأتاهُن، فمرت عائشة في البيت فرأته يتغنى ويحرك رأسهُ طرباً
وكان ذا شعر كبير، فقالت: أُف شيطان، أخرجوه أخرجوه
قال الألبانى عن هذا الحديث في الصحيحة ( 2 / 358 )
إسناده محتمل للتحسين وهو في صحيح الأدب (945)
فدل هذا الحديث على أمور منها:
1 – مشروعية الختان للإناث
2 – مشروعية اللهو في الختان للمختون؛ لكى يتناسى الألم الذي حصل له بسبب الختان، وهذا من تمام الاعتناء به .
الدليل التاسع: ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1245 ) عن أم المهاجر قالت: ُسبيتُ وجوارى من الروم، فعرض علينا عثمان الإسلام، فلم يسلم منا غيرى وغير أخرى، فقال: اخفضوهما وطهروهما، فكنت أخدم عثمان .
الدليل العاشر: ما جاء أيضاً في الأدب المفرد عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: ُدعيت إلى وليمة، ولما علمت أن الوليمة ختان جارية، قالت: لم نكن نعلن عنه.
تنبيه:
ختان الأنثى لايجعل له وليمة، ولايعلن عنه .
فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده (4 / 217 ) والطبرانى في الكبير (8381 ) عن الحسن قال:(1/51)
ُدعى عثمان بن أبى العاص إلى ختان، فأبى أن يجيب فقيل له، فقال:
إنا كنا لا نأتى الختان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولايُدعى إليه. ( صححه الألبانى في الصحيحة 722 ).
وإنكار عثمان بن أبى العاص لم يكن من أجل الختان، إنما كان من أجل الإعلان عن هذا الختان وخصوصاً أنه ختان بنات وأن هذا الأمر لم يكن معروفاً على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -
ويؤيد هذا ما جاء في بعض روايات الحديث أن الحسن قال:
ُدعى عثمان بن أبى العاص إلى طعامه، فقيل: هل تدرى ما هذا ؟ هذا ختان جارية،
فقال: هذا شيء ما كنا نراه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى أن يأكل
فأنكر عثمان الطعام الذي صنع لختان الأنثى ولم ينكر الختان، ولو كان الختان للأنثى منكراً أو عادة سيئة، ما سكت عن هذا المنكر، وما أقر هذه العادة السيئة، ومما يؤكد أن ختان البنات كان معروفا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده من الصحابة، ولكن الإنكار كان الإعلان عن ذلك .
وقد مر بنا في الأدب المفرد للبخارى عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
دُعيت إلى وليمة ولما علمت أن الوليمة لختان جارية، قالت: لم نكن نعلن عنه
قال ابن الحاج المالكى في كتابه المدخل:
والسنة في ختان الذكر إظهاره، وفي ختان النساء إخفاؤه. أهـ
فخلاصة القول: أن ختان الإناث كان معروفاً، وإنما الإنكار كان للإعلان فقط، وإذا كانت الوليمة من أجل ختان الولد فلا مانع .
جاء في المغنى (7 / 11 ): أن الإمام أحمد دُعى إلى ختان، فأجاب وأكل،
وصرح الشافعية بأنها تستحب في الذكر، ولا بأس بها في الأنثى للنساء فيما بينهن .
حكم ختان البنات عند الأئمة الأعلام
اتفقت كلمة فقهاء المسلمين على أن ختان البنات محمدة ومكرمة، وأنه مشروع ومستحب، وأنه من فطرة الإسلام وشعائره .
فقد قال ابن القيم – رحمه الله – كما في تحفة المودود: لاخلاف في استحبابه للنساء .
وقال صاحب مراتب الإجماع (1 / 157 ):(1/52)
اتفقوا على أن من ختن فقد أصاب، واتفقوا على إباحة الختان للنساء أهـ .
وعلى هذا فلم يقل أحد من العلماء بمنعه أو عدم جوازه أو كراهيته فضلاً عن تحريمه، وهذا القدر متفق عليه من جميع الفقهاء، إلا أنهم اختلفوا في وصف هذه الشعيرة من حيث الوجوب أو الاستحباب حسب اختلاف آرائهم في فهم هذه الأدلة .
*القول الأول: الختان واجب في حق النساء والرجال:
وبه قال الشافعى ورواية عن الإمام أحمد
قال النووى – رحمه الله تعالى ـ كما في المجموع (1 /300 ):
الختان واجب على الرجال والنساء عندنا، وبه قال كثيرون من السلف، كذا حكاه الخطابى وممن أوجبه أحمد، وقال مالك وأبو حنيفة سنة في حق الجميع، وحكاه الرافعى وجهاً لنا
وحكى وجهاً ثالثاً: أنه يجب على الرجال، وسنة في حق المرأة وهذان الوجهان شاذان .
والمذهب الصحيح المشهور والذي نص عليه الشافعى – رحمه الله- وقطع به الجمهور:
أنه واجب على الرجال والنساء .
وقال النووى – رحمه الله- أيضاَ كما في شرح مسلم ( 3 / 147 – 148 ):
وهذا واجب عند الشافعى وكثير من العلماء عند الرجال والنساء .
وكان الإمام أحمد يرى مشروعية الختان في حق النساء كما هو مشروع للرجال لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" إذا التقي الختانان وجب الغسل "
فقال الإمام أحمد – رحمه الله –: وفيه بيان أن النساء كن يختتن، وحديث عمر: أن ختانة ختنت فقال لها: ابقي منه شيئاً إذا خفضت .
واستدل ابن شريح علي وجوبه بالإجماع علي تحريم النظر إلي العورة، ولولا أن الختان فرض لما أبيح النظر إلي العورة .
وقال أبو سليمان الخطابي – رحمه الله – صاحب معالم السنن:
وأما الختان فإنه وإن كان مذكوراً في جملة السنن، فإنه عند كثير من العلماء علي الوجوب،
وذلك أنه شعار الدين .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار (1/145) فروي الإمام يحيي عن العترة والشافعي وكثير من العلماء: أنه واجب في حق الرجال والنساء، وعند مالك، وأبي حنيفة والمرتضي .(1/53)
وقال العلامة ابن ضويان في منار السبيل (1/30)
والختان واجب علي الذكر والأنثى لأنه ملة إبراهيم
وفي الحديث " اختتن إبراهيم بعدما أتت عليه ثمانون سنة " ( متفق عليه )
وقال تعالى: { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } ( النحل: 123 )
وفي الحديث الذي رواه مسلم: " إذا التقي الختانان وجب الغسل "
*القول الثاني: أنه سنة في حق النساء واجب في حق الرجال
وهي الراوية الثانية عن الإمام أحمد
فقد ذهب الإمام أحمد في إحدى رواياته إلي أنه واجب في حق الرجل والأنثى
فيما ذهب في الرواية الثانية إلي أنه واجب في حق الرجل، وسنة في حق الأنثى .
ولعل الإمام أحمد حينما نظر إلي الطهارة قال بالوجوب علي الرجال دون النساء؛ لأن الرجل إذا لم يختتن فإن الماء لا يطهر هذا المكان لوجود هذه الجلدة التي تغطي الحشفة عند الرجل .
وأما بالنسبة للمرأة فالطهارة عليها أهون وأسهل
وحينما نظر الإمام أحمد إلي تعديل الشهوة، قال بوجوبه علي المرأة وأيضاً في الراوية الثانية .
قال ابن قدامة – رحمه الله ـ في المغنى (1/63) فأما الختان فواجب علي الرجال، ومُكرمة في حق النساء وليس بواجب عليهن هذا قول كثير من أهل العلم
قال أحمد: ( الرجل أشد وذلك أن الرجل إذا لم يختتن فتلك الجلدة مُدلاة علي الكمرة – رأس الذكر – ولا ُينقى ما ثم، والمرأة أهون ).
ولا ُينقى ما ثم: أي لا ُيطهر الماء هذا المكان مع وجود هذه الجلدة في الرجل .
*القول الثالث: أنه سنة في حق الجميع: ( الرجال والنساء )
وهو قول مالك وأبي حنيفة ـ رحمهما الله ـ لكن نقل ابن القيم عن القاضي عياض قوله:
فالاختتان عند مالك وعامة العلماء وقولهم أنه سنة، فالسنة عندهم يأثم بتركها فهم يطلقونها علي مرتبة بين الفرض والندب . أ هـ
وعلي هذا فالسنة عند مالك وأبي حنيفة تعدل الواجب عند الجمهور، لاشتراك الجميع في أن التارك لها يأثم
والدليل علي ذلك: ـ(1/54)
أنه جاء في فقه الإمام أبي حنيفة كما في الدر المختار ( 5/95):
أن الختان من شعائر الإسلام فلو اجتمع أهل بلدة علي تركه حاربهم الإمام فلا يترك إلا لعذر.
وكذا جاء في شرح المختار للموصلي ( 2/221):
لو اجتمع أهل مصر ( بلد ) علي ترك الختان، قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه .
وقد صرح الإمام مالك: بأنه لا تقبل شهادة الأقلف ولا تجوز إمامته
- فالسنة هنا هي الطريقة، يقال: سننت له كذا، أي: شرعت.
فقول أبي حنيفة ومالك: أن الختان سنة: أي مشروع، وليس المقصود بأنه مندوب غير واجب .
فالسنة هي الطريقة المتبعة وجوباً واستحبابا، وهي كذلك الشريعة والمنهاج وهي السبيل
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري ومسلم: " من رغب عن سنتي فليس مني"
وقال القاضي أبو بكر ـ رحمه الله ـ كما في أحكام القرآن ( 1/37):
قال بعض علمائنا: إن معني قوله " من الفطرة " يعني من السنة وأنا أقول إنها من الملة .أهـ
قال الحافظ في الفتح (10- 281):
ذهب إلي وجوب الختان الشافعي وجمهور أصحابه، وقال به القدماء عطاء، وقال بالوجوب كذلك الإمام أحمد والإمام مالك ـ رحمهما الله ـ .
وقال أبو حنيفة: واجب وليس بفرض وعنه أنه قال: " إنه سنة يأثم بتركه " .أهـ
وإذا نظرت إلي كلام الحافظ علمت أن الأئمة الأربعة يميلون إلي الوجوب، والله أعلم .
الخلاصة: وبعد سرد كلام أهل العلم في حكم ختان البنات:
نجد أن الأقرب من حيث قوة الدليل أنه واجب، خصوصاً عندما نعلم أن الختان يستلزم كشف العورة والنظر إليها ولمسها وقطع جزء ممن حرم دمه وماله وإيلام للصبية، وغير ذلك من الأمور التي لا يتصور شرعاً أنها تباح من أجل مندوب أو مستحب، بل إن هذه الأمور لا تباح إلا لواجب.
كما قال ابن الجوزي – رحمه الله – في كتابه أحكام النساء:
ومن الدليل علي وجوب الختان أنه إيلام وكشف عورة فلولا أنه واجب ما فسح فيه .أهـ(1/55)
وعلي هذا يكون القول بالوجوب وترجيح مذهب الشافعي وغيره أمراً معتبراً وله أصالته وقوته الشرعية والله الموفق ولا رب سواه .
كلام أهل العلم في ختان البنات
1ـ ُسئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما في مجموع الفتاوى (21/114):
هل تختن المرأة أم لا ؟
فأجاب:
الحمد لله، نعم . تختن وختانها أن تقطع أعلي الجلدة التي كعُرف الديك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للخافضة وهي الخاتنة: " أشمي ولا تنهكي فإنه أبهي للوجه وأحظى لها عند الزوج، ولا تبالغي في القطع " . ( يعني لا تبالغي في القطع واتركي الوضع أشم، والأشم هو المرتفع )
وذلك أن المقصود بختان الرجل: تطهيره من النجاسة المحتقنة في القلفة .
والمقصود من ختان المرأة: تعديل شهوتها بأنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة،
ولهذا يقال في المشاتمة: يا ابن القلفاء، فإن القلفاء تتطلع إلي الرجال أكثر – ولهذا من الفواحش من نساء التتر ونساء الإفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين، وإذا حصل المبالغة في الختان ضعفت الشهوة فلا يكمل مقصود الرجل، فإذا قطع من غير مبالغة حصل المقصود باعتدال .
وقال ابن الجوزي – رحمه الله – كما في أحكام النساء:
وأكثر العفائف موعبات، وإنما صار الزنا وطلب الرجال في نساء الهند والروم أتم؛ لأن شهوتهن للرجل أشد، وليس لذلك علة إلا وفرة القلفة، ولما تعمق أهل الهند في توفير حظ الباه – الزنا أو الفجور – منعوا من الختان .
موعبات: أي مختونات وأوعب الشيء أي قطعه .
وقفة
ذكر عميل الموساد اليهودي السابق سترونسكي عندما تحدث عن نظام اختيار العاهرات اللاتي يعملن مع الموساد لاصطياد الزبائن كان أهم الشروط:-
ألا تكون العاهرة مختتنة؛ لأن الختان يهذب من شهوتها ولا يجعلها تتجاوب مع العميل المراد .
2ـ أخرج عبد الرزاق في مصنفه (11/174) بسند صحيح عن عمرو بن دينار:
قال في الختان: هو للرجال سنة، وللنساء طهرة .(1/56)
3ـ أخرج الخلال في الترجل (146) عن جابر بن زيد أنه قال في الختان:
هو سنة للرجال، وللنساء مكرمة .
4ـ قال ابن الحاج في المدخل (3/396):
واختلف في حقهن ( النساء) هل يخفضن مطلقا، أو ُيفرقُ بين أهل المشرق وأهل المغرب،
فأهل المشرق: يُؤمرون به لوجود الفضلة عندهم من أصل الخلقة،
وأهل المغرب: لا يُؤمرون به لعدمها عندهن، وذلك راجع إلي مقتضي التعليل . أهـ .
5ـ عقد ابن القيم فصلا في كتابه تحفة المودود صـ146 وذكر فيه أن حكم الختان يعم الذكر والأنثى فقال – رحمه الله ـ:
لا خلاف في استحبابه للأنثى، واختلف في وجوبه، وعند أحمد في ذلك روايتان وقد ُسئل الإمام أحمد عن المرأة تدخل علي زوجها ولم تختتن أيجب عليها الختان ؟
فقيل له: إنه أتى عليها ثلاثون وأربعون سنة ؟ فسكت
قيل له: فإن قدرت علي أن تختتن: قال: حسن
ونقل ابن القيم عن الإمام أحمد قوله:
لا تحيف خافضة الجارية؛ لأن ابن عمر قال لختانة: أبقي منه شيئاً إذا خفضت .
6ـ وقال في شرح ( منتهى الإرادات:1/44):
" ويجب ختان الذكر بأخذ جلدة الحشفة ...إلى أن قال: " ويجب ختان الأنثى بأخذ جلدة فوق محل الإيلاج تشبه عرف الديك "
أجرة الخا تن
الاستئجار علي الختان جائز .
قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافاً ومأذون فيه شرعاً .
من يدفع الأجرة ؟
قال ابن قدامة أيضاً: ذهب جمهور الفقهاء
أن يكون من مال المختون إن كان له مال، أو علي أبيه ومن تجب عليه نفقته .
تنبيه:
أجمع العلماء علي أن الإجارة لا تكون إلا علي منفعة مباحة، فالمنفعة المباحة أو العمل المباح من شروط صحة الإجارة، وعليه لو كانت المنفعة محرمة أو العمل محرماً غير مباح ما صحت الإجارة فإذا ثبت عندنا هذا الأصل أرحنا أنفسنا من قيل وقال، وإذا طالعنا أمهات الكتب الفقهية، وجدنا أن الفقهاء يجيزون أخذ الأجر علي الختان، علمنا بهذا أن الختان غير محرم وإذا وجدنا العكس فالعكس
فتاوى في حكم ختان البنات
الفتوى الأولى:(1/57)
التاريخ ... : 19 من رمضان 1370 هجرية 23 من يونيه 1951م،
الموضوع ... : ختان البنات
المفتي ... : فضيلة الشيخ / علام نصار
السؤال: من مجلة لواء الإسلام عن بيان حكم الشريعة فيما نشرته مجلة الدكتور في عددها الأخير بتاريخ مايو سنة 1951 ملحق في ( موضوع ختان البنات لطائفة من الأطباء ) .
الجواب:
ذكر أنه سبق أن أصدرت فتوى مسجلة بالدار بأن ختان الإناث من شعار الإسلام، وردت به السنة النبوية، واتفقت كلمة فقهاء المسلمين وأئمتهم علي مشروعيته مع اختلافهم في كونه واجباً أو سنة – فإننا نختار في الفتوى القول بسنيته لترجح سنده ووضوح وجهته – والحكمة في مشروعيته ما فيه من تلطيف الميل الجنسي في المرأة والاتجاه به إلي الاعتدال المحمود ... انتهى .
ولمزيد البيان وتحقيقاً للغرض الكريم الذي ترمي إليه مجلة لواء الإسلام نضيف إلي الفتوى ما يأتي: ( الكلام لفضيلة الشيخ علام نصار )
وَرَدَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة تدل في مجموعها علي مشروعية ختان الأنثى، منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : " خمس من الفطرة " وعدّ منها الختان – وهو عام للذكر والأنثى،
ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من أسلم فليختتن ".
وما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا نساء الأنصار اختفضن أي اختتن، ولا تنهكن – أي لا تبالغن " – وحديث: " الختان سنة في الرجال، ومكرمة للنساء "
ومن هذا يتبين مشروعية ختان الأنثى.
وأنه من محاسن الفطرة وله أثر محمود في السير بها إلي الاعتدال - أما أراء الأطباء فيما نشر في مجلة الدكتور وغيرها من مضار ختان الأنثى ـ فإنها أراء فردية لا تستند إلي أساس علمي متفق عليه، ولم تصبح نظرية علمية مقررة، وهم معترفون بأنه للآن لم يحصل اختبار للنساء المختتنات، وأن نسبة الإصابة بالسرطان في المختتنين من الرجال أقل منها في غير المختتنين،(1/58)
وبعض هؤلاء الأطباء يرمي بصراحة إلي أن يعهد بعملية ختان الأنثى إلي الأطباء دون الخاتنات الجاهلات، حتى تكون العملية سليمة مأمونة العواقب الصحية، علي أن النظريات الطبية في الأمراض وطرق علاجها ليست مستقرة ولا ثابتة، بل تتغير مع الزمن واستمرار البحث –
فلا يصح الاستناد إليها في استنكار الختان الذي رأى فيه الشارع الحكيم الخبير العليم حكمته وتقويماً للفطرة الإنسانية وقد علمتنا التجارب أن الحوادث علي طول الزمن تظهر لنا ما قد يخفى علينا من حكمة الشارع فيما شرعه لنا من أحكام وهدانا إليه من سنن، والله يوفقنا جميعاً إلي سبيل الرشاد (1)
الفتوى الثانية:
التاريخ ... : 23 من ربيع الأول 1401 هجرية 29 من يناير 1981م:
الموضوع ... : (1202 ) ختان البنات
المفتي ... : فضيلة الشيخ / جاد الحق علي جاد الحق
ُسئل: بالطلب المقدم من السيد /.................
قال فيه: إن له بنتين صغيرتين إحداهما ست سنوات، والأخرى سنتان، وأنه قد سأل بعض الأطباء المسلمين عن ختان البنات، فأجمعوا علي أنه ضار بهن نفسياً وبدنياً
فهل أمر الإسلام بختانهن أو أن هذه عادة متوارثة عن الأقدمين فقط ؟
أجاب ـ رحمه الله ـ فقال:
قال الله تعالى:{ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ( النحل: 123 )
وفي الحديث الشريف: " اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة " ( متفق عليه )
( وهو عند البخاري في كتاب بدء الخلق، وفي باب الختان في كتاب الاستئذان – ومسلم في باب فضائل إبراهيم ـ في كتاب الفضائل )
وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظافر "
(
__________
(1) 1 ـ موسوعة فتاوي دار الإفتاء المصرية – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – الموضوع ختان البنات ( 874)(1/59)
متفق عليه – شرح السنة للبغوي جـ 2 صـ 109 باب الختان )
وقد تحدث الإمام النووي الشافعي في المجموع (جـ1 صـ 28 ) في تفسير الفطرة بأن أصلها الخلقة . قال الله تعالى: { فِطْرَت اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} ( الروم:30 ) . واختلف في تفسيرها في الحديث، قال الشيرازي والماوردي وغيرهما: هي الدين،
وقال الإمام أبو سليمان الخطابي: فسرها أكثر العلماء في الحديث بالسنة،
ثم عقب النووي بعد سرد هذه الأقوال وغيرها بقوله:
قلت: تفسير الفطرة هنا بالسنة وهو الصواب. ففي صحيح البخاري عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من السنة قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر " .
وأصح ما فسر به غريب الحديث تفسيره بما جاء في رواية أخرى، لاسيما في صحيح البخاري .
وقد اختلف أئمة المذاهب وفقهاؤها في حكم الختان،
فقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه ( تحفة المودود ): اختلف الفقهاء في ذلك (1) .
فقال الشعبي وربيعة والأوزاعي ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك والشافعي وأحمد: هو واجب وشدد فيه مالك حتى قال: من لم يختتن لم تجز إمامته ولم تقبل شهادته، ونقل كثير من الفقهاء عن مالك أنه سنة، حتى قال القاضي عياض:الاختتان عند مالك وعامة العلماء سنة، ولكن السنة عندهم يأثم تاركها، فهم يطلقونها علي مرتبة بين الفرض والندب .
وقال الحسن البصري وأبو حنيفة: لا يجب بل هو سنة، وفي فقه الإمام أبي حنيفة ( الاختيار شرح المختار للموصلي ج2 صـ 112 في كتاب الكراهية ) إن الختان للرجال سنة وهو من الفطرة وللنساء مكرمة، فلو اجتمع أهل مصر(بلد) علي ترك الختان قاتلهم الإمام، لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه .
والمشهور في فقه الإمام مالك في حكم الختان للرجال والنساء، كحكمه في فقه الإمام أبي حنيفة
__________
(1) 1 ـ هامش شرح السنة للبغوى جـ2 صـ 110 في باب الختان .(1/60)
وفقه الإمام الشافعي: إن الختان واجب علي الرجال والنساء (1)
وفقه الإمام أحمد بن حنبل: إن الختان واجب علي الرجال ومكرمة في حق النساء وليس بواجب عليهن، وفي رواية أخرى عنه: أنه واجب علي الرجال والنساء كمذهب الإمام الشافعي (2)
وخلاصة هذه الأقوال: إن الفقهاء اتفقوا علي أن الختان في حق الرجال والخفاض في حق النساء مشروع، ثم اختلفوا في وجوبه (3)
فقال الإمامان أبو حنيفة ومالك: هو مسنون في حقهما وليس بواجب وجوب فرض ولكن يأثم بتركه تاركه .
وقال الإمام الشافعي: هو فرض علي الذكور والإناث .
وقال أحمد: هو واجب في حق الرجال، وفي النساء له روايتان أظهرهما الوجوب .
والختان في شأن الرجال: قطع الجلدة التي تغطي الحشفة بحيث تنكشف الحشفة كلها .
وفي شأن النساء: قطع الجلدة التي فوق مخرج البول دون مبالغة في قطعها ودون استئصالها وسمي بالنسبة لهن ( خفاضاً ) .
الدليل على خفاض النساء:
وقد استدل الفقهاء علي خفاض النساء بحديث أم عطية ـ رضي الله عنها ـ قالت:
إن امرأة كانت تختن بالمدينة: فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" لا تنهكي فإن ذلك أحظى للزوج، وأسري للوجه "
وجاء ذلك مفصلا في رواية أخرى تقول: " إنه عندما هاجر النساء كان فيهن أم حبيبة، وقد عرفت بختان الجواري، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: " يا أم حبيبة، هل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم ؟ " فقالت: نعم يا رسول الله إلا أن يكون حراماَ فتنهاني عنه .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بل هو حلال، فأدنى مني حتى أعلمك " . فدنت منه، فقال:
" يا أم حبيبة، إذا أنت فعلت فلا تنهكي، فإنه أشرق لوجه واحظي للزوج " .
__________
(1) 1 ـ ( جـ1 – صـ297 من المهذب للشيرازي وشرحه المجموع للنووي )
(2) 2 ـ ( المغني لابن قدامة جـ1 – صـ70 مع الشرح الكبير )
(3) 3 ـ ( الإفصاح عن معاني الصحاح ليحيي بن هبيرة الحنبلي( جـ 1صـ 206 )(1/61)
ومعنى لا تنهكي: لا تبالغي في القطع والخفض .
ويؤكد هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" يا نساء الأنصار اختفضن – أي اختتن – ولا تنهكن – لا تبالغن في الخفاض "
وهذا الحديث جاء مرفوعاً (1) براوية أخرى عن عبد الله بن عمرـ رضي الله عنهما ـ
وهذه الروايات وغيرها تحمل دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلي ختان النساء ونهيه عن الاستئصال .
وقد علل هذا في إيجاز وإعجاز، حيث أوتي جوامع الكلم فقال - صلى الله عليه وسلم - :
" فإنه أشرق للوجه وأحظي للزوج " .
ـ وهذا التوجيه النبوي إنما هو لضبط ميزان الحس الجنسي عند الفتاة، فأمر بخفض الجزء الذي يعلو مخرج البول لضبط الاشتهاء، والإبقاء على لذات النساء واستمتاعهن مع أزواجهن، ونهى عن إبادة مصدر هذا الحس واستئصاله وبذلك يكون الاعتدال، فلم يعدم المرأة مصدر الاستمتاع والاستجابة ولم يبقها دون خفض فيدفعها إلى الاستهتار، وعدم القدرة على التحكم في نفسها عند الإثارة .
ـ لما كان ذلك: كان المستفاد من النصوص الشرعية، ومن أقوال الفقهاء على النحو المبين والثابت في كتب السنة والفقه: أن الختان للرجال وللنساء من صفات الفطرة التي دعا إليها الإسلام،
وحث على الالتزام بها على ما يشير إليه تعليم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيفية الختان وتعبيره في بعض الروايات بالخفض مما يدل على القدر المطلوب في ختانهن .
قال الإمام البيضاوي: إن حديث: " خمس من الفطرة " عام في ختان الذكر والأنثى .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار ( جـ1 صـ 113 ):
إن تفسير الفطرة بالسنة لا يراد به السنة الاصطلاحية المقابلة للفرض والواجب والمندوب، وإنما يراد بها الطريقة، أي طريقة الإسلام، لأن لفظ السنة في لسان الشارع أعم من السنة في اصطلاح الأصوليين .
__________
(1) 1 ـ ( نيل الأوطار للشوكاني ج1 صـ113 )(1/62)
ـ ومن هنا اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الختان للرجال وللنساء من فطرة الإسلام وشعائره، وأنه أمر محمود، ولم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين فيما طالعنا من كتبهم التي بين أيدينا، القول بمنع الختان للرجال أو للنساء، أو عدم جوازه أو إضراره بالأنثى إذ هو تم على الوجه الذي علمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأم حبيبة في الرواية المنقولة آنفاً .
أما الاختلاف في وصف حكمه بين واجب وسنة ومكرمة، فيكاد يكون اختلافاً في الاصطلاح الذي يندرج تحت الحكم بمشروعية الختان .
يشير إلى هذا ما نقله الإمام أبى حنيفة:
من أنه لو اجتمع أهل مصر( بلد ) على ترك الختان قاتلهم الإمام ( ولى الأمر ) لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه (1)
ـ كما يشير إليه أيضاً أن مصدر تشريع الختان هو إتباع ملة إبراهيم، وقد اختتن، وكان الختان من شريعته ثم عده الرسول - صلى الله عليه وسلم - من خصال الفطرة .
وأميل إلى تفسيرها بما فسرها به الشوكاني – حسبما سبق – بأنها السنة التي هي طريقة الإسلام ومن شعائره وخصائصه كما جاء في فقه الحنفيين .
وإذ قد استبان مما تقدم أن ختان البنات ـ المسئول عنه ـ من فطرة الإسلام وطريقته علي الوجه الذي بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه لا يصح أن يترك توجيهه وتعليمه إلي قول غيره ولو كان طبيباً، لأن الطب علم والعلم متطور وتتحرك نظرته ونظرياته دائماً ولذلك نجد أن قول الأطباء في هذا الأمر مختلف.
__________
(1) 1 ـ ( فقه الاختيار شرح المختار صـ121 جـ2 )(1/63)
ـ فمنهم من يرى ترك ختان النساء، وآخرون يرون ختانهن، لأن هذا يهذب كثيراً من إثارة الجنس لاسيما في سن المراهقة التي هي أخطر مراحل حياة الفتاة، ولعل تعبير بعض روايات الحديث الشريف في ختان النساء بأنه مكرمة يهدينا إلي أن فيه الصون، وأنه طريق للعفة فوق أنه يقطع تلك الإفرازات الدهنية التي تؤدي إلي التهابات مجرى البول وموضع التناسل، والتعرض بذلك للأمراض الخبيثة، خلاصة هذا ما قاله الأطباء المؤيدون لختان النساء وأضافوا أن الفتاة التي تعرض عن الختان تنشأ من صغرها وفي مراهقتها حادة المزاج سيئة الطبع، وهذا أمر قد يصوره لنا ما صرنا إليه في عصرنا من تداخل وتزاحم بل وتلاحم بين الرجال والنساء في مجالات الملاصقة والزحام التي لا تخفى علي أحد، فلو لم تقم الفتاة بالاختتان لتعرضت لمثيرات عديدة تؤدي بها – مع موجبات أخرى تذخر بها حياة العصر وانكماش الضوابط فيه – إلي الانحراف والفساد .
وإذا كان ذلك فما وقت الختان شرعاً ؟
اختلف الفقهاء في وقت الختان فقيل حتى يبلغ الطفل، وقيل إذا بلغ تسع سنين، وقيل عشراً،
وقيل متى كان يطيق ألم الختان وإلا فلا ( المراجع السابقة )
ـ والظاهر من هذا أنه لم يرد نص صريح صحيح من السنة بتحديد وقت الختان،وأنه متروك لولي أمر الطفل بعد الولادة – صبياً أو صبية – فقد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ختن الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ يوم السابع من ولادتيهما، فيفوض أمر تحديد الوقت للولي، بمراعاة طاقة المختون ومصلحته.(1/64)
ـ لما كان ذلك ففي واقعة السؤال قد بان أن وقت ختان البنات من سنن الإسلام وطريقته لا ينبغي إهمالها بقول أحد، بل يجب الحرص علي ختانهن بالطريقة والوصف الذي علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأم حبيبة، ولعلنا في هذا نسترشد بما قالت حين حاورها الرسول - صلى الله عليه وسلم - هل هو حرام فتنهاني عنه فكان جوابه - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق الأمين: " بل هو حلال " ..... كل ما هنالك ينبغي البعد عن الخاتنات اللاتي لا يحسن هذا العمل، ويجب أن يجرى الختان علي هذا الوجه المشروع .
ولا يترك ما دعا إليه الإسلام بقول فرد أو أفراد من الأطباء لم يصل قولهم إلي مرتبة الحقيقة العلمية والواقع التجريبي، بل خالفهم نفر كبير من الأطباء أيضاً وقطعوا بأن ما جاء به الإسلام له دواعيه الصحيحة وفوائده الجمة نفسياً وجسدياً .
ـ هذا وقد وكل الله سبحانه أمر الصغار إلي آبائهم وأولياء أمورهم وشرع لهم الدين وبينه علي لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن أعرض عنه كان مضيعًا للأمانة التي وكلت إليه علي نحو ما جاء في الحديث الشريف
فيما روي البخاري ومسلم( جـ1 صـ 302)عن ابن عمرـ رضي الله عنهما ـ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "
والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم (1)
الفتوى الثالثة:
جاء في الفتاوى الإسلامية الصادرة عن دار الافتاء المصرية المجلد الحادي والعشرين 1414هـ /1994م – فتوى بتاريخ 6 من جماد الأخر سنة 1407هـ 27 من ديسمبر 1987م
__________
(1) - موسوعة فتاوى دار الإفتاء المصرية المجلس الأعلى للشئون الإسلامية موضوع ختان البنات ( 1202 )(1/65)
عن فضيلة المفتي/ محمد سيد طنطاوي:
والذي أجاب عن سؤال وُجِه إلي فضيلته من السيد / محمد المرسى عبد الله
السؤال: ما هو أصل ختان البنت البكر في الإسلام وهل هو فرض أو سنة، وإذا كانت سنة فهل سنة مؤكدة، وما هي نصوص الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الخصوص ؟
وما هي الحكمة من ختان البنات وحكم الامتناع عنه وكيفيته هل يكون مبتراً تاماً أم ماذا ؟
الجواب: أن الفقهاء اتفقوا علي أن الختان في حق الرجال، والخفاض في حق النساء مشروع، ثم اختلفوا في وجوبه،
فقال الإمامين أبو حنيفة ومالك:
هو مسنون في حقها وليس بواجب فرض، ولكن يأثم بتركه تاركه .
وقال الإمام الشافعي:
هو فرض علي الذكور والإناث .
وقال الإمام أحمد: هو واجب في حق الرجال، وفي النساء عنه روايتان أظهرهما: الوجوب،
وهو في شأن النساء: قطع الجلدة التي فوق مخرج البول دون مبالغة في قطعها ودون استئصاله وسمي هذا خفاضا .
وقد استدل الفقهاء علي خفاض النساء بحديث أم عطية – رضي الله عنها ـ قالت " إن امرأة كانت تختتن بالمدينة فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - :" أشمي ولا تنهكي فإن ذلك أحظي للزوج وأسرى للوجه ".
ومعنى لا تنهكي: لا تبالغي في القطع والخفض
ويؤكد هذا الحديث والذي فيه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:
" يا نساء الأنصار اختفضن" أي اختتن، ولا تنهكن: أي لا تبالغن في الخفاض .
وهذا الحديث جاء مرفوعاً برواية أخرى عن عبد الله بن عمرـ رضي الله عنهما ـ
وهذه الروايات وغيرها تحمل دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلي ختان البنات ونهيه عن الاستئصال .
ـ وقد علل هذا في إيجاز وإعجاز حيث أُوتى جوامع الكلم، وهذا التوجيه النبوي إنما هو لضبط ميزان الحس الجنسي عند الفتاة، فأمر بخفض الجزء الذي يعلو مخرج البول لضبط الاشتهاء والإبقاء علي لذات النساء واستمتاعهن مع أزواجهن، ونهى عن إبادة مصدر هذا الحس واستئصاله .(1/66)
وبذلك يكون الاعتدال، فلم يعدم المرأة مصدر الاستمتاع والاستجابة، ولم يبقها دون خفض فيدفعها إلي الاستهتار وعدم القدرة علي التحكم في نفسها عند الإثارة .
ولما كان ذلك وكان المستفاد من النصوص الشرعية ومن أقوال الفقهاء علي النحو المبين والثابت في كتب السنة والفقه، أن الختان للرجال والنساء من صفات الفطرة التي دعا إليها الإسلام وحث علي الالتزام بها علي ما يشير إليه تعليم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيفية الختان وتعبيره في بعض الروايات بالخفض مما يدل علي القدر المطلوب في ختانهن .
الفتوى الرابعة:
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/120) فتوى رقم 6687 وفيها يقول السائل:
قرأت في أحد المجلات أن ختان المرأة في أي شكل منه عادة سيئة ومُضرة من الناحية الطبية
وقد تؤدى أحيانا إلي العقم فهل هذا صحيح ؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسوله وآله وصحبه
ختان الأنثى من بنات آدم سنة وليس عادة سيئة، ولا ضرر فيه إذا كان معتدلاً، أما إذا بولغ فيه فقد يحدث منه ضرر وبالله التوفيق وصلي الله عليه وسلم علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
أعضاء اللجنة
عبد الله بن قعود ... ... عبد الرازق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز
( عضواً ) ... ... ... ... ( عضواً ) ( رئيساً )
الفتوى الخامسة:
جاء في الموسوعة الفقهية التي أصدرتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت
(جـ19 صـ 26-31) وفيها:ذهب الشافعية والحنابلة وهو مقتضي قول سحنون من المالكية:
إلي أن الختان واجب علي الرجال والنساء
واستدلوا للوجوب بقول الله تعالى:{ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} ( النحل: 123 )
وقد جاء في حديث أبي هريرة: " اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم"
وأمرنا بإتباع إبراهيم ـ عليه السلام ـ في تلك الأمور التي كان يفعلها فكانت من شرعنا.
وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا التقي الختانان وجب الغسل "(1/67)
الذي رواه مسلم عن طريق عائشة ـ رضي الله عنها - دليل علي أن النساء كن يختتن؛
ولأن هناك فضلة وجب إزالتها كالرجل،
ومن الأدلة علي الوجوب: أن بقاء القلفة يحبس النجاسة ويمنع صحة الصلاة فتجب إزالتها.
الفتوى السادسة:
سُئل فضيلة الشيخ / محمد بن صالح العثيمين عن: حكم الختان في حق الرجال والنساء ؟
فأجاب بقوله: حكم الختان محل خلاف، وأقرب الأقوال أن الختان واجب في حق الرجال، سنة في حق النساء، ووجه التفريق بينهما: أن الختان في حق الرجال فيه مصلحة تعود علي شرط من شروط الصلاة وهي الطهارة؛ لأنه إذا بقيت القلفة فإن البول إذا خرج عقب الحشفة بقي وتجمع في القلفة وصار سبباً إما لاحتراق أو التهاب، أو لكونه كلما تحرك خرج منه شيء فيتنجس بذلك .
وأما المرأة: فإن غاية ما فيه من الفائدة أنه يقلل من غلمتها – أي شهوتها – وهذا طلب كمال وليس من باب إزالة الأذى .
واشترط العلماء لوجوب الختان ألا يخاف علي نفسه؛ فإن خاف علي نفسه من الهلاك أو المرض فإنه لا يجب، لأن الواجبات لا تجب مع العجز أو مع خوف التلف أو الضرر .
ودليل وجوب الختان في حق الرجال:
أولاً:إنه وردت أحاديث متعددة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من أسلم أن يختتن، والأصل في الأمر الوجوب.
ثانياً: إن الختان ميزة بين المسلمين والنصارى، حتى أن المسلمين كانوا يعرفون قتلاهم في المعارك بالختان، فقالوا: الختان ميزة، وإذا كان ميزة فهو واجب، لوجوب التمييز بين المسلم والكافر، ولهذا حرم التشبه بالكفار لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من تشبه بقوم فهو منهم " .
ثالثاً: إن الختان قطع الشيء من البدن، وقطع الشيء من البدن حرام،
والحرام لا يُستباح إلا لشيء واجب، فعلي هذا يكون الختان واجباً .
رابعاً: إن الختان يقوم به ولي اليتيم وهو اعتداء عليه واعتداءٌ علي ماله؛ لأنه سيعطي للخاتن أجره، فلولا أنه واجب لم يجز الاعتداء علي ماله وبدنه،(1/68)
وهذه الأدلة الأثرية النظرية تدل علي وجوب الختان في حق الرجال.
أما المرأة: ففي وجوبه عليها نظر، فأظهر الأقوال أنه واجب علي الرجال دون النساء،
وهناك حديث ضعيف هو: " الختان سنة في حق الرجال، مكرمة في حق النساء "
فلو صح هذا الحديث لكان فاصلاً (1)
الفتوى السابعة:
تقول دكتورة سعاد إبراهيم صالح عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالمنصورة: يحلو لأعداء الإسلام- وينساق وراءهم ضعاف الإيمان – أن يدعوا إن الإسلام قد أهدر حق المرأة ولم يساوها بالرجل، ويطالبون بالمساواة الآلية المطلقة بين الرجل والمرأة، وهذه دعوى مرفوضة لنصوص كثيرة من الكتاب والسنة، تثبت أن الأصل والمساواة في الكرامة الإنسانية وفي النشأة وفي وحدة الأصل حيث أنهما خلقا من نفس واحدة .
وحاول أعداء الإسلام الدعوة إلي عدم ختان المرأة وهذه دعوة مرفوضة
والمقصود بختان المرأة: قطع جلدة تكون في أعلي فرجها فوق مدخل الفرج بالنواة، أو كُعرف الديك، والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون استئصالها، ويسمى ختان المرأة: خفضاً .
والأصل في الختان: أنه من سنن الفطرة المستحبة لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
"خمس من الفطرة الاستحداد والختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر"
والمقصود بقوله - صلى الله عليه وسلم - :" خمس من الفطرة " أن هذه الأشياء إذا ُفعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها وحثهم عليها، واستحبها لهم ليكونوا علي أكمل الصفات وأشرفها صورة .
وعلي ذلك فهو تشريع من قبل الإسلام منذ شريعة إبراهيم ـ عليه السلام ـ .
وقد اختلف الفقهاء في حكم الختان بالنسبة للمرأة، فذهب بعضهم إلي أنه واجب، وجمهورهم علي أنه سنة
__________
(1) - فتاوى فضيلة الشيخ / محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالي ـ المجلد الحادي عشر – باب السواك وسنن الفطرة .(1/69)
ـ والمفروض أن يقوم بعملية الختان للمرأة طبيبة متخصصة؛ لأن هذا الجزء من المرأة عورة ويجب ستره، ولا يطلع عليه الرجال الأجانب إلا للضرورة ـ وهي عند عدم وجود الطبيبة المتخصصة الكفء ـ كما أنه يجب أن تكون هناك توعية لما يحدث في الريف والأحياء الشعبية بأن عملية الخفاض بالنسبة للمرأة هي عملية تهذيب وليست استئصالا (1) .
الفتوى الثامنة:
يقول الشيخ سيد سابق – رحمه الله – في كتابه فقه السنة:
وقد اختار الله سنناً للأنبياء – عليهم السلام – وأمرنا بالإقتداء بهم فيها وجعلها من قبيل الشعائر التي يكثر وقوعها ليعرف بها أتباعهم ويتميزوا بها عن غيرهم، وهذه الخصال تسمي سنة الفطرة
وبيانها فيما يلي ثم ذكرها الشيخ وذكر منها الختان فقال:
وهو قطع الجلدة التي تغطي الحشفة لئلا يجتمع فيها الوسخ؛ وليتمكن من الاستبراء من البول؛ ولئلا تنقص لذة الجماع، هذا بالنسبة إلي الرجال، أما المرأة فيقطع الجزء الأعلى من الفرج بالنسبة لها .
الفتوى التاسعة:
يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية:
بعدما ذكر الأدلة ومذاهب الأئمة من الختان فقال فضيلته وخلاصة هذه الأقوال: إن الفقهاء اتفقوا علي أن الختان في حق الرجال، والخفاض في حق الإناث مشروع يعني: اتفقوا علي مشروعية الختان في حق الرجال وفي حق النساء علي السواء، كل ما هنالك أنهم اختلفوا في الوجوب أو الندب أو الاستحباب ولم يقل منهم أحد: إنه عادة سيئة قبيحة يجب محاربتها
( القول المبين، صـ 67 و72 ).
الفتوى العاشرة:
فتوى الشيخ القرضاوي:أرسل أحد القراء برسالة تتعلق باستفسار حول ما أثير مؤخراً في وسائل الإعلام المختلفة حول قضية الختان، حيث جاء سؤاله على النحو التالي:
__________
(1) - لواء الإسلام الخميس 16 من ربيع الثاني 1415هـ - 22 من سبتمبر 1994م(1/70)
هل أصبح ختان الإناث حراماً، بمعنى أن من يختن بناته يكون آثماً ؟ هل هذا هو رأي الشرع ؟ وهل هذا هو رأي فضيلة الشيخ القرضاوي ؟
وقد أجاب فضيلته بقوله: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إن الذي يقرأ أقوال الفقهاء في ذلك، داخل المذاهب وخارجها، يتبين له: أنه لا يوجد بينها اتفاق على حكم محدد بالنسبة لخفاض الأنثى أو ختانها . فهناك من قال بالوجوب . وهناك من قال بالاستحباب . وهناك من قال بأنه سنة للرجال مكرمة للنساء، فلا إجمال في المسألة إذن .
ولكن يمكن أن نخرج من هذا الخلاف بإجماع الكل على الجواز . إذ الجواز دون الاستحباب، ودون الوجوب، أعنى أن من يقول بالوجوب أو بالاستحباب لا ينفي الجواز . والقول بأنه ( مكرمة ) قريب من الجواز؛ لأن معنى المكرمة: أنه أمر كريم مستحسن عُرفاً. فمن قال به قال بالجواز .
والخلاصة: أن أحداً من الفقهاء لم يقل إنه حرام أو مكروه تحريماً أو تنزيهاً . وهذا يدل على المشروعية والجواز في الجملة عند الجميع .
وأن هذا الإجماع الضمني من الفقهاء من جميع المذاهب والمدارس الفقهية وخارجها: دليل على أن مَن فعل هذا الختان، على ما جاء به الحديث ( الذي حسّنه قوم وضعفه آخرون ) الذي نصح الخاتنة بالإشمام وعدم النّهك والإسراف: لا جناح عليه، ولم يقترف عملاً محرماً. فلا ينبغي إذن التشنيع على كل مَن قام بختان بناته ( أو خفاضهن ) على الوجه الذي جاء به الحديث، ولا يجوز تسمية ذلك ( جريمة وحشية ) تُرتكب في القرن الحادي والعشرين !! إلا ما كان منها متجاوزاً للحدود الشرعية المتفق عليها، وهي تتمثل في ثلاثة أشياء:
الأول: تجاوز الإشمام إلى النهك ـ أي الاستئصال والمبالغة في القطع ـ التي تحرم المرأة من لذة مشروعة بغير مبرر، وهو ما يتمثل فيما يسمونه ( الخفاض الفرعوني ) .(1/71)
الثاني: أن يباشر هذا الختان الجاهلات من القابلات وأمثالهن، وإنما يجب أن يقوم بذلك الطبيبات المختصات الثقات، فإن عُدمن قام بذلك الطبيب المسلم الثقة عند الضرورة، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله كتب الإحسان ـ أي الإتقان ـ على كل شيء " ومباشرة الجاهلات ليس من الإحسان في شيء .
الثالث: ألا تكون الأدوات المستخدمة معقمة وسليمة، وملائمة للعملية المطلوبة، وألا يكون المكان ملائماً كالعيادات والمستشفيات والمراكز الصحية . فلا يجوز استخدام الأدوات البدائية، وبطريقة بدائية، وفي أمكنة غير مهيّأة لذلك، كما يحدث في الأرياف ونحوها، لما يترتب على ذلك من أضرار يحظرها الشرع .
فإذا روعيت هذه الأمور الثلاثة، لم نستطع أن نَصِف ختان الإناث بأنه حرام، ولا بأنه جريمة وحشية، ولاسيما إذا اقتضته حاجة قرّرها الطبيب المختص الذي يُرجع إليه في مثل هذا الأمر (1)
. والله أعلم .
رأي أهل الطب في ختان الإناث
ـ نعلم جميعاً أن الله تعالي ما شرع شيئاً إلا وفيه مصلحة لعباده وما شرعه إلا لرفع الحرج عنهم أو رحمة لهم .
فإذا ما كان ما شرعه من الختان رحمة لعباده، فلا تعارض فيما شرعه وبين الطب والعقل؛ لأن الذي أنزل الشرع الحنيف هو سبحانه الذي خلق الطب، فهل يتصور أنه يشرع لعباده ما فيه ضرر لهم ؟ حاشاه ـ سبحانه ـ فالله عز وجل لما حرم الخمر لم يجعلها دواء
وقد قال - صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري ومسلم: " لم يجعل شفاؤكم فيما حرم عليكم "
فالله تعالى لم يحرم شيئاً ويجعل فيه دواءً، ولم يشرع شيئاً وفيه داء؛ لأن تشريعاته رحمة وحكمة.
{ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } ( الملك: 14 )
ولقد جاء الطب الحديث يقر بكل ما جاء في الشرع ويسلم له، وظهر لأهل الطب في هذا العصر فوائد جليلة عظيمة لختان الذكور والإناث ونترك لأهل الطب الكلام .
__________
(1) - موقع الملتقى على الشبكة الدولية .(1/72)
تقول الدكتورة ست البنات خالد محمد علي– اختصاص أمراض النساء والتوليد
جامعة الخرطوم ـ السودان:
القارئ الكريم، هنالك في العالم من ينادي بأعلى صوته داعياً للتخلي عن ختان الذكور، بنفس الأسلوب الذي ينادي به للتخلي المطلق عن ختان الإناث، وذلك في أقرب البلاد العربية إلينا !!!!
فأين نحن من هؤلاء ؟ إنها خطوات الشيطان ....
إذا تنازلنا اليوم عن ختان الإناث فسنتنازل غداً عن ختان الذكور، ونتنازل بعدها عن باقي السنن وعن ديننا وشرعنا تماشياً مع العلمانية، والتي هي ليس الفصل بين الدين والدولة فقط، بل العلمانية الحقيقية هي الفصل بين الحياة وبين القيم في الممارسات اليومية الشاملة، والاتباع الأعمى للغرب .
ـ إن الدعوة إلي التخلي المطلق عن ختان الإناث من أهم أجندة برامج الصحة الإنجابية ووثيقة ( سيداو) التي تدعمها المنظمات الأجنبية والدولية، والتي ليس لها أي مصلحة في الشريعة الإسلامية ولا السنة النبوية الشريفة، بل ولها دور فعال في عولمة مفاهيم المسلمين، وفصل الدين عن كل مفاهيم الحياة واستبدال عقيدتنا السمحة بعقيدة العالم الجديد .
ورحم الله الشاعر حيث قال:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت ... أتاح لها لسان حسود
وبالنسبة لختان الإناث فالراجح كما ذكر د/ محمد مختار الشنقيطي في كتابه أحكام الجراحة الطبية هو: المساواة بين الذكر والأنثى في الحكم الشرعي للختان؛ لأن الأدلة علي مشروعيته مشتركة لحديث:" خمس من الفطرة .."وحديث:" إذا التقي الختانان .." ( صحيح أخرجه الإمام أحمد 6/161)
كما جاء في كتاب ( العادات التي تؤثر علي صحة النساء والأطفال )
الذي صدر عن منظمة الصحة العالمية في عام 1979م ما يأتي:
" إن الخفاض الأصلي للإناث هو استئصال لقلفة البظر وشبيه بختان الذكور ويعرف بالسنة ... وهذا النوع لم تذكر له أي آثار ضارة علي الصحة .(1/73)
كما أنه في بعض الأحيان يمارس في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى لمعالجة عدم حدوث هزة الارتواء الجنسي عند المرأة في حالة زيادة حجم قلفة البظر أو ضيقها أو وجود التصاقات، وذكر د. حامد رشوان: إن خفاض السنة يعني: قطع الجلدة أو القلفة التي تغطي البظر.
جراحة الختان
جراحة الختان من العلميات الجراحية القديمة، والتي لا تزال تُجرى إلي الآن، وتعد من فروع العمليات الصغرى، وكانت تجري في كل أنحاء العالم علي درجات متفاوتة ولأسباب مختلفة في كل مراحل عمر الأنثى .
وهي بالنسبة لنا في عالمنا الإسلامي تعتبر قبل كل شيء امتثالا للشرع، لما فيها من إصابة الفطرة، والاهتداء بالسنة التي حضت علي فعلها دون فرق بين الرجال والنساء، وكلنا يعرف أبعاد شرعنا الحنيف وأن كل ما شرع لنا لابد أن تكون مصلحته راجحة علي مفسدته في جميع النواحي ومن بينها الناحية الصحية، وإن لم تظهر فائدته في الحال فسوف تعرف في الأيام القادمة كما حدث بالنسبة لختان الذكور وعرف العالم بأجمعه فوائده وصار شائعاً في جميع الأمم بالرغم من معارضة بعض الطوائف له .
الأسباب الطبية لجراحة الختان
أسباب عضوية:
- حجم القلفة وزيادة طولها .
- وجود التهابات بينها وبين البظر، مما يؤدي إلي شدة حساسية البظر والألم عند لمسه .
- تراكم اللخن مما يزيد من تكاثر البكتريا والتهابات الجهاز البولي الصاعد .
- الالتصاقات التي تحدث نتيجة لهذه الالتهابات، والتي تؤدي إلي قفل المجرى البولي التناسلي خاصة في الأطفال قبل سن البلوغ وفي مرحلة الكبر ( نسبة لقلة هرمون الإستروجين) .
أسباب جنسية:
- قلة الارتواء الجنسي: نسبة لضيق القلفة أو كبر حجمها، وبعد البظر إلي داخل الجسم .
- شدة الشبق الجنسي: نتيجة للالتصاقات والحكة، وكثرة الانشغال بالمنطقة وملامستها .
أسباب نفسية:
البرود الجنسي، الهستريا، التبول اللاإرادي، بعض حالات الاكتئاب النفسي، حالة اللنمفومينيا
((1/74)
الهوس الجنسي )
التكوين الجنيني للجهاز التناسلي:
إذا رجعنا إلي تكوين الجنين داخل رحم الأم، نجد أنه في الفترة قبل 8 أسابيع يكون مصدر تكون الأعضاء التناسلية واحدا في الذكر والأنثى، ثم يكون متطابقاً تماما من 8 – 10 أسابيع، وبعدها يبدأ تحور جهاز الذكر تحت تأثير بعض هرمونات الحمل وهرمون الذكور، وتستمر الأنثى علي نفس الشكل الأولى . وبعد الأسبوع 12 يمكن التمييز الكامل للذكر والأنثى، ولكن هناك تطابق واضح بين الجنسين في الجهاز التناسلي الخارجي: حيث يكون كيس الصفن والجلد الذي يغطي جسم القضيب مقابل للشفرين الكبيرين، والجزء الأمامي من المجرى البولي التناسلي للذكر والأنسجة المحيطة به ( Corpus Spongiosum ) والتي تمتد لتكون رأس القضيب ( Glans)
تقابل نفس النسيج الموجود داخل الشفرين الصغيرين ( bulb of the vestibule) وامتدادها الذي يكون رأس البظر . أما النطف التي تنتج من الخصيتين والمبيضين، فإن أصلها الجنيني يجئ من منطقة الحدبة التناسلية التي تقع ما بين العمود الفقري والأضلاع في منطقة صدر الجنين
( الصلب والترائب ) ثم تنزل إلي أسفل البطن وأكياس الصفن .
القلفة في الإناث:
هي عبارة عن جلدة تبدأ من الفاصل الموجود بين رأس وجسم البظر، مكونة من سطحين وبطانة بينهما، الأعلى جلد عادي والجزء الذي يواجه البظر غشاء زهامي يفرز مادة زهامية من غدد تايسون، والمادة الزهامية عندما تتجمع تسمى اللخن . ويكون اللخن غني جداً لتكاثر البكتيريا والفطريات والفيروسات، مما يؤدي إلي حدوث التهابات والتصاقات وحكة وروائح مزعجة .
كما إن حجم القلفة وطولها متفاوت بشكل ملحوظ من شخص لأخر .
إن قطع القلفة يكشف رأس البظر ولا يفصله عن الشفريين الصغيرين الذي يلتقيان بالجزء الأسفل من البظر، وبالتالي فإن المعاشرة الزوجية لا تتضرر بل تتحسن .
طريقة الختان الشرعي الصحيح للأنثى
يتم الختان الشرعي عبر خطوات هي:(1/75)
أولاً: تُهيأ الطفلة من الناحية النفسية بالشرح البسيط، وقراءة بعض الأدعية والقرآن الكريم، وتُثقف الأم صحياً بتوضيح الحكم الشرعي لختان الأنثى، وبالشرح المبسط لتشريح المنطقة وللعملية وفوائدها، وكيفية متابعة الجرح حتى يشفى . والتأكد من عدم وجود حالات نزف دموي وراثي بالأسرة، وعدم وجود تشوهات خلقية بالأعضاء التناسلية للطفلة .
ثانياً: تُعقم المعدات بواسطة فرن تعقيم أو غلاية، ويُعقم سطح وداخل القلفة بالمحاليل المعقمة المعروفة مثل ( الإيثانول ) .
ثالثاً: ُتحرك القلفة ( Prepuce ) إلى الخلف حتى تنفصل أي إلتصاقات لها مع رأس البظر . وحتى تظهر نهايتها العليا الملتصقة مع جلد جسم البظر . وذلك يساعد على قطع الطبقة السطحية والداخلية للقلفة دون أن يقطع معها شئ من رأس البظر أو من جلد البظر، وحتى لا تنمو القلفة مرة أخرى . وفي حالة صعوبة فصل القلفة عن رأس البظر يجب تأجيل ختان الطفلة إلى وقت يسهل فيه ذلك .
رابعاً: تُخدر القلفة بحوالى واحد ( مل ) من البنج الموضعي ( 1% lidocaine) بواسطة حقنة صغيرة ( Hypodermie needle ) . ويكون ذلك بتثبيت الجلد الذي يغطى جسم البظر بإبهام اليد اليسرى، ثم يحقن البنج بين طبقتي القلفة من أعلى إلى أسفل، مبتدئين بخط التقاء القلفة بجلد جسم البظر . ويُنتظر لحوالي ثلاثة دقائق للتأكد من تخدير المنطقة وليزول الانتفاخ الذي أحدثه البنج .
خامساً: تُسحب القلفة المخدرة إلى أعلى من مقدمتها، بواسطة جفت تشريح، لإبعادها عن رأس البظر ( يُراعى سحب طبقتي القلفة السطحية والداخلية ) وتُقبض بواسطة جفت شريان ( يُراعى عدم قبض جزء من جلد جسم البظر ) . يُزال الجزء الذي فوق الجفت بواسطة مقص معكوف . يُترك الجفت الضاغط في مكانه لفترة 5-10 دقائق، حتى لا يحدث نزيف، ثم ُيزال الجفت .(1/76)
في حالة حدوث نزيف يُضغط الجرح مرة أخرى بالجفت أو توضع غرزة من الكاتقط (2/0catgut) مكان النزيف بشرط عدم ملاقاة طرفي الجلد المقطوع مرة أخرى . يُغطى الجرح بقطعة معقمة من شاش الفازلين مع القطن وتُثبت، فقط بواسطة الملابس الداخلية للطفلة . يمكن إزالة الشاش بعد أربع ساعات . في حالة حدوث نزيف بالمنزل يضغط الجرح بالقطن مرة أخرى وتستشار الطبيبة إذا لزم الأمر . لا يحتاج الجرح إلى غيار أو مضادات حيوية من ناحية روتينية .
وتُتابع نظافة الجرح في الأيام التالية بواسطة الماء والصابون أو الماء والملح .
ويُراعى عدم ترك فرصة لحدوث التصاقات بين طرفي الجلد المقطوع مع بعضها البعض أو مع رأس البظر . وفي حالة ظهور التهابات تستشار الطبيبة المعالجة .
الخطأ الشائع المتعلق بختان السنة:
هناك خطأ شائع فيما يسمى بختان السنة، وهو الاعتقاد السائد في أنه أخذ البظر أو أخذ جزء منه وإذا تم ذلك فإنه يكون بمثابة أخذ جزء من رأس القضيب في الذكر . وهذا لا ينطبق أبداً على الختان الشرعي.
موانع ختان الإناث ومضاعفاته:
إن ختان الإناث الذي شرعه الإسلام عملية جراحية بسيطة ومأمونة، إذا أجريت من قبل طبيبة أو قابلة خبيرة ومدربة وكانت الأدوات معقمة . ومضاعفاته نادرة جداً ولا تتعدى مضاعفات العمليات البسيطة الأخرى كحدوث نزيف بسيط أو التهابات خفيفة .
ولابد من الكشف الطبي على الطفلة قبل القيام بإجراء الختان .
إن أهم موانع ختان الإناث تتطابق مع تلك التي تخص الذكور .
وهي عدم وجود القلفة عند بعض الإناث والتشوهات الخلقية للجهاز التناسلي، ووجود بعض أمراض نزف الدم، أو أن يكون الطفل مريضاً وغير مستقر صحياً، ومن أهم موانع الختان عدم وجود الكادر المؤهل للقيام بهذه العملية، وفي هذه الحالة ينصح بتأجيل الختان إلى وقت لاحق توجد فيه الكوادر المؤهلة . أهـ بتصرف واختصار من كلام الدكتورة / ست البنات خالد محمد على .(1/77)
تقول إحدى الطبيبات المتخصصة في أمراض النساء والتوليد:
إن الختان بالشكل الذي أوصى به الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعتبر عملية تجميل تستكمل به الأنوثة، كما تساعد على النظافة والصحة، وقد أظهرت الدراسات العملية أن معدل حدوث سرطان الفرج يقل كثيراً في مصر عن البلاد الأوروبية بفضل انتشار ختان الإناث .
حيث إن قطع الجزء الزائد يمنع تراكم الإفرازات الضارة التي يؤدى وجودها إلى نمو البكتريا، وحدوث الالتهابات المزمنة . كما أن الختان من الناحية الأخلاقية تكريم للمرأة وصيانة لعرضها وعفتها فتركه يهيج الشهوة، ويثير الغريزة ويكثر من ممارسة المراهقات للعادة السرية التي تشكل خطراً على عذريتهم . أهـ ( جريدة الشعب، عدد الثلاثاء في جمادى الآخرة 1415 هـ 18 /11/ 1994)
ويقول أحد الأطباء:
إن عدم الختان يجعل الإفرازات والبكتريا والفيروسات تتراكم في هذا المكان، ويسبب ذلك الالتهابات وسرطان الفرج، وتنتقل هذه الالتهابات إلى الداخل فتحدث بذلك عقماً أولياً . كما أن سرطان الفرج في بلادنا أقل بكثير عن البلاد الأخرى التي ليس بها ختان .
كما أن الختان لا يؤثر على الاستجابة بين الزوجين وأقوال غير ذلك لا أساس لها من الصحة .
( مجلة لواء الإسلام عدد 9 جمادى الأولى 1415 هـ أكتوبر 1994 )
ويقول الدكتور/ يحيي عبد السلام وفا - أستاذ مساعد النساء والتوليد بطب الأزهرـ:
من الناحية النظرية ترك الجزء البارز بالشفرين الصغيرين للأنثى يؤدي إلي زيادة الغريزة، ولكن لابد أن يكون القطع لجزء صغير، أي يمكن قطع الثلث وترك الثلثين من الشفرين الصغيرين، وهذا لا يمثل جوراً وانتهاكاً، بينما القيام بقطع جزء كبير ومبالغ فيه يسبب للأنثى البرود الجنسي، وهي عملية مرفوضة بالتأكيد؛ لأن ذلك قد يؤدي لانهيار الحياة الزوجية علي المدى البعيد، ولم أقرأ في أي كتاب من كتب الطب أن الخفاض يؤدي إلي العقم . ( جريدة الشعب 30/9/1994م )(1/78)
ويقول الدكتور/ سعيد راتب وأستاذ الجراحة بطب قصر العيني
من الصعب أن تسبب عملية الختان العقم، اللهم إلا إذا تم إغلاق الشفرين بعد هذه العملية، وبالتأكيد تؤدي زيادة القطع إلي إيذاء الأنثى نفسياً وجسدياً، فهي تؤدي إلي البرود الجنسي، وعدم امتثال المرأة للحياة الزوجية . ( جريدة الشعب 30 من سبتمبر 1994م )
وفي بحث للأستاذة الدكتورة / شفيقة الشهاوي رضوان بعنوان
( الممارسات الضارة وأثرها علي العلاقة الزوجية ) قالت:
مما سبق يتبين لنا مشروعية الختان، وأنه من سنن المرسلين، ولقد اتفقت كلمة الفقهاء علي أن الختان للرجال والنساء من فطرة الإسلام وشعائره .
ويقول الدكتور/ منير محمد فوزي – أستاذ أمراض النساء بجامعة القاهرة:
إن عملية الختان من السنن المؤكدة، وينبغي ألا تجري هذه العملية علي أيدي من لا صلة له بالطب ولا خبرة لديه بالوقاية مثل: حلاقي الصحة والدايات، فهم لا تتوافر لديهم الإمكانيات التي يمكن إجراء مثل هذه العملية فيها، فضلاً علي أنها لا تجرى بطريقة علمية من الناحية الجراحية فالمطلوب هو إزالة الجزء الزائد عن الحدود الطبيعية؛ لأن وجود هذا في بعض الإناث يسبب التهابات مزمنة نتيجة للاحتكاكات وكثرة النتوءات، مما يسبب الإفرازات الكثيرة وتكاثر البكتيريا التي يترتب عليها الالتهاب المزمن خصوصاً في الأجواء الحارة والرطبة.
وعلي المسئولين في مصر أن يدربوا الأطباء علي إجراء هذه العملية في المستشفيات بمخدر وتؤدي جراحياً بطريقة تجميلية للإناث اللاتي يحتجن إلي إجراء مثل هذه العملية .
ثم يؤكد الدكتور/ منير محمد علي:
أن هناك نوعاً من عمليات الختان التي تجرى في بعض البلاد الأفريقية، ويتم عملها في مصر أحياناً وتشوه المنطقة التناسلية وهذه لابد لها من قانون يحرم ويجرم إجراء مثل هذه العملية فوراً .
رأي وموقف رجال القانون من ختان الإناث(1/79)
يقول فضيلة الأستاذ / محمد إبراهيم سالم – رئيس المحكمة العليا الشرعية ـ:
قد أجمع الفقهاء علي استحسان ختان البنات، لما فيه من الحفظ والصيانة من التعرض للالتهابات العضوية والتضخم في أجهزة التناسل الظاهرية، والانفعالات النفسية وإثارة الغرائز الجنسية التي تؤدي إلي الاضطراب العصبي في حالة كبتها، أو إلي السقوط في مهاوي الرذيلة إذا أطلقت من عقالها خاصة في سن الشباب ونشاط الغدة التناسلية .
وجاء في مادة القانون 25 المعدل لسنة 73 المعدل 91: ـ
وفيه تجريم عملية الختان الغير الشرعي، ويستثني الختان الشرعي.
وجاء في قانون العقوبات السودانية لسنة 1925 م وسنة 1974 م الفصل الثاني والعشرين في الجرائم الماسة بجسم الإناث نجد الآتي:
أن مجرد إزالة الجزء الناتئ المدلي من بظر الأنثى لا يعد جريمة طبقاً لهذا النص.
هذا وقد نشرت جريدة المصور بتاريخ 21/3/1997 تحت عنوان: مشروع قانون للختان في مجلس الشعب: إجراء الختان في المستشفيات العامة وجاء فيه: ـ
تنص المادة الأولى:
علي أن يمنع إجراء عملية الختان للإناث بمعرفة غير الأطباء، وفي غير المستشفيات والعيادات الخاصة المرخصة والمجهزة لإجراء العمليات الجراحية الصغرى .
ـ يعاقب كل من يقوم بإجراء هذه العملية من غير الأطباء بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن 500 جنيه، ولا تتجاوز 5 آلاف جنيه .
وتنص المادة الثانية:
علي أن تقوم المستشفيات الحكومية والجامعية ومستشفيات التأمين الصحي والمؤسسة العلاجية والوحدات الصحية الريفية المجهزة بإجراء هذه العملية مجاناً أو بأجر رمزي تحدده هذه المستشفيات ويتم ذلك تحت مخدر عام مع مراعاة الأصول الطبية والشرعية الواجبة في هذه العملية .
وتنص المادة الثالثة:(1/80)
أن تتولي وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية تدريب الأطباء علي إجراء عملية ختان الإناث بالأسلوب الطبي الصحيح، وبالشروط الشرعية التي تضمن عدم حدوث أي أضرار نتيجة هذه الجراحة البسيطة وكذلك تحديد السن المناسب لإجرائها . أهـ
وهذا التفصيل هو عين التطبيق لكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث " لا تنهكي ".
وجاء في نفس العدد من جريدة المصور 21/3/1997م
إن الأستاذ الدكتور / مفيد فوزي ( أستاذ النساء والتوليد بطب عين شمس )
رفع دعوى قضائية ضد وزير الصحة د / إسماعيل سلام الذي قدم المشروع السابق بإبطال قراره بمنع الختان في المستشفيات العامة، وطالب د / مفيد: بإباحة إجراء الختان في المستشفيات العامة؛ لمنع الدخلاء وحلاقى الصحة من ممارسة هذه العمليات لأن نحو 90% من فتيات مصر خاصة في الريف يجرين هذه الجراحة، فإن وجدت أبواب المستشفيات مغلقة سيلجأن إلي الدايات والحلاقين مما يهدد بحدوث وفيات .
وقال د/ مفيد أيضاً: إنه لابد من العودة لسابق قرار وزير الصحة د/ علي عبد الفتاح بالترخيص لتلك العمليات في المستشفيات منعاً للأضرار الطبية التي تحدث لإجرائها في محلات الحلاقين .أهـ
وختاماً:
بعد عرض كلام أهل الدين والطب وأهل القانون في ختان البنات وحكمه في الإسلام يتضح لنا:
أن هذا الأمر مشروع غير ممنوع، وما قال أحد بكراهيته فضلاً عن تحريمه أو تجريمه، وأن الختان كان معمولاً به منذ زمن قريب في المستشفيات بإقرار أهل الطب وبتصريح من رجال القانون ومباركة رجال الدين، فلمصلحة من ما يحدث الآن من تحريم أو تجريم الختان ؟
سؤال يبحث عن إجابة فهل من يجيب ؟
وقت الختان عند البنات
وأما الجارية فلم يحدد لها وقت، إلا أن المعتبر فيه التأخير؛ لكي يظهر العرف وينمو، ولا يكون ذلك إلا في سن متأخرة، كنحو العاشرة أو الثانية عشر، والمعتبر في ذلك قول الطبيبة التي تجرى عملية الختان .(1/81)
- وقال البعض يجري الختان للجارية في سن لا يقل عن سبع سنوات إذا كانت بصحة جيدة،
وإلا فعشر سنوات أو اثني عشر سنة، حتى تتم وتكتمل أعضاء الختان عندهن .
والأطباء متفقون علي أن ختان الأنثى يستحب أن يكون في سن ما قبل البلوغ بقليل؛ كي يتميز البظر ويستقر علي حجمه، فيتقرر ساعتها حجم الجزء الذي سيقطع منه، والله أعلم .
وجاء في شرح السنة للبغوي ( 6/122):
أن زيد بن أسلم ُسئل عن خفض الجارية إلى متي يؤخر ؟
قال: إلي ثماني سنين .
وتقول الدكتورة / آمال أحمد البشير
( كما في ختان الأنثى في الطب والإسلام بين الإفراط والتفريط صـ38 ):
إن ختان الإناث يكون في السن التي يسهل فيها على الطبيبة أو القابلة المدربة فصل القلفة عن حشفة البظر وقطعها دون أن تأخذ معها أي جزء آخر من المنطقة المجاورة، ويختلف ذلك بين طفلة وأخرى؛ لذلك يجب أن يكون هناك كشف على العضو التناسلي لكل طفلة بواسطة الطبيبة المختصة قبل تحديد وقت ختانها .
القدر الذي يقطع عند ختان الإناث
ليس هناك حديث صحيح ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيان المقدار الذي يقطع عند ختان الإناث .
لكن العلماء قالوا: بقطع الجلدة التي فوق مخرج البول ومحل الإيلاج في أعلى الفرج التي تشبه ُعرف الديك مع عدم استئصالها
وفي الحديث الذي فيه: " أ شمي ولا تنهكي "
ما يدل على الأمر بالإقلال أي: اتركي الموضع أشم والأشم المرتفع .
وذكر ابن القيم في تحفة المودود صـ145 عن ابن الصباغ في الشامل أنه قال:
الواجب على الرجل أن يقطع الجلدة التي على الحشفة حتى تنكشف جميعها، وأما المرأة فلها عذرتان: أحداهما بكارتها، والأخرى: هي التي يجب قطعها وهي كُعرف الديك في أعلى الفرج بين الشفرتين إذا قطعت يبقى أصلها كالنواة .
ونقل ابن القيم أيضاً في نفس الصدر عن الماوردي أنه قال:(1/82)
وأما خفض المرأة: فهو قطع جلدة الفرج، فهو عند مدخل الذكر ومخرج البول على أصل كالنواة وتؤخذ منه الجلدة المستعلية دون أصلها .
وقال الماوردى أيضاً في الإنصاف ( 1/124 ):
ويؤخذ في ختان الأنثى: جلدة فوق محل الإيلاج تشبه ُعرف الديك ويستحب ألا تؤخذ كلها للخير.
وقال في موضع آخر: والواجب: قطع الجلدة المستعلية منه دون استئصاله . أ هـ
وقال النووي ـ رحمه الله ـ كما في المجموع ( 1 / 363 ):
والواجب في المرأة: قطع ما ينطلق عليه الاسم في الجلدة التي ُكعرف الديك فوق مخرج البول وصرح بذلك أصحابنا واتفقوا عليه ويستحب أن يقتصر في المرأة على شيء يسير ولا يبالغ في القطع
ـ يقول الشيخ الأنصارى ـ رحمه الله ـ كما في الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (1/112):
الختان للأنثى: هو القطع من اللحمة بأعلى الفرج فوق مخرج البول تشبه عرف الديك، وإذا قطعت بقى أصلها كالنواة .
وجاء في ( مختصر خليل ) للخرشي (3/49): وحكمه ـ أي الختان ـ السنية في الذكور وهو قطع الجلدة الساترة، والاستحباب في النساء ويسمى الخفاض وهو قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج، ولا ينهك لخبر أم عطية: " أخفضى ولا تنهكى فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج " أي لا تبالغي، وأسرى أي أشرق للونه، وأحظى أي ألذ عند الجماع لأن الجلدة تشتد من الذكر مع كمالها فتقوى الشهوة لذلك، وإذا لم تكن كذلك فالأمر بالعكس .
فوائد و ملاحظات:
1 ) الختان المحرم: هو الذي تستأصل فيه الجلدة التي في أعلي فرج المرأة بالكلية، أو يقطع جزء من البظر، ويسمي هذا النوع من الختان ( الفرعوني ) وهو محرم في شريعتنا الغراء،
وهناك ختان علي شاكلة الختان الفرعوني وهو الختان( السوداني )
وهو محرم أيضاً لاستئصاله البظر بالكلية .(1/83)
فالحذر من مثل هذا الختان الذي يقضي علي حاسة المرأة، فلابد من اتباع الهدي النبوي والاعتدال الذي أمر به، حتى لا يتطاول البعض بدعوى تحريم الختان من أجل هذا الصنيع الشاذ من بعض الشواذ.
قال الإمام الجويني ـ رحمه الله ـ:
والقدر المستحق من النساء ما يطلق عليه الأشم، وفي الحديث ما يدل علي الأمر بالإقلال
قال - صلى الله عليه وسلم - : " أشمى ولا تنهكي " أي اتركي الموضع أشم، والأشم: المرتفع .
2 ) يقول السيوطي في ( أسنى المطالب ):
فصل:لابد من كشف جميع الحشفة في الختان للرجل بقطع الجلدة التي تغطيها، فلا يكفي قطع بعضها، ويقال لتلك الجلدة القلفة، ومن قطع شيء من بظر المرأة، أي اللحمة التي في أعلى الفرج فوق مخرج البول تشبه عرف الديك، وتقليله أفضل، روى أبو داود وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للخاتنة:
" لا تنهكى، فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل "
ـ ولا يُفهم من كلام السيوطي أنه يدعو للأخذ من البظر فهذا هو الختنا الممنوع، وليس في كلام السيوطي ما يدل على الأخذ من البظر، فليس البظر هو الذي يشبه عرف الديك بل قلفته .
3 ) لا يلزم ختان البنت إذا كانت هذه الجلدة صغيرة وغير مرتفعة، ولا تستأهل الأخذ منها فعند ذلك تترك .(1/84)
4 ) تتعالى الصيحات بمنع ختان البنات اعتماداً على دراسة علمية غير دقيقة قامت بها منظمة الصحة العالمية، حيث تقول جوى فومافي ـ المدير العام المساعد لشئون صحة الأسرة والمجتمع بمنظمة الصحة العالمية: " لقد وفّرت لنا هذه الدراسة لأول مرة بيانات تثبت أن النساء اللاتي تعرضن لتشويه في أعضائهن التناسلية أكثر عرضة بكثير للمضاعفات والمشاكل الخطرة التي تحدث أثناء الولادة . إن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية من الممارسات الراسخة في الثقافات والتقاليد، غير أنه لابد من وضع حد لها . فيجب علينا تقديم الدعم اللازم إلى المجتمعات المحلية لمساعدتها في الجهود التي تبذلها من أجل التخلّي عن تلك الممارسة وتحسين خدمات الرعاية المقدمة للنساء اللاتي تعرضن لها . كما يجب علينا الثبات في مقاومة الظاهرة المتمثلة في إضفاء الطابع الطبي على تلك الممارسة . فالكل يعلم أن منظمة الصحة العالمية تعارض كلياً إجراءها من قبل عاملي القطاع الطبي" (1)
يقول الأستاذ سعد الفضيل ـ المشرف على الدراسة في السودان: "أجريت هذه الدراسة في مستشفيات عديدة في بلدان إفريقية تنتشر فيها ظاهرة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، وبالتالي فهي تقيم الدليل ـ لأول مرة ـ على ما ينجم عن تلك الممارسة من أثار ضارة بالنسبة للنساء والأطفال " (2)
ولقد قامت المنظمة بدراسة مضاعفات الختان في مرحلة الولادة بعد تقسيم النساء إلى أربع عينات:
أ ـ غير المختونات
ب ـ نساء تعرضن إلى استئصال القلفة، مع استئصال البظر بشكل جزئي أو تام أو دون ذلك .
جـ ـ نساء تعرضن إلى استئصال البظر، مع استئصال الشفرين الصغيرين بشكل جزئي أو تام.
__________
(1) ، 2- من موقع منظمة الصحة العالمية على الشبكة: http://www.who.int/mediacentre/news/releases/2006/pr30/ar/print.html(1/85)
د ـ نساء تعرضن إلى استئصال الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام، مع غرز ـ تضييق ـ الفوهة المهبلية ( الختان التخييطى ) .
وبعد ذلك رصدوا الأضرار المشاهدة في العينات المختلفة، ومن الجدير بالذكر أن العينة الثانية كانت نسبة الأضرار الأخطر والأكثر في العينتين الثالثة والرابعة . وكان من الأمانة العلمية أن يضعوا عينة أخرى تم فيها قطع جزئي للقلفة دون استئصال ودون مساس للبظر، وهو الختان السني الذي دعا إليه الإسلام لينظروا كيف تكون النتيجة ويميزوا بين العينات الأخرى التي لا يقرها الشرع بل يحاربها . فليس معنى أننا ندافع عن الختان الذي شرعه الإسلام أن نغض الطرف عن الممارسات الخاطئة التي تحدث باسم الختان .
إن أي ختان يحدث فيه قطع لأي جزء زائد عن قلفة البظر يُعد ختاناً غير شرعي، ويؤدى إلى أضرار عديدة، وأسوأ أنواعه هو ما اصطلحوا على تسميته بـ( الختان الفرعونى ) .
يقول الدكتور/ محمد محمد الحفناوي ـ أخصائي النَّساء والتوليد بمستشفى دمياط التخصصى بمصر:
الختان الفرعوني الكامل ( الطهارة الفرعونية ): هي نوع من التطرف في ختان الإناث تمارس في جنوب صعيد مصر، وفي السودان . وفيها يتم استئصال كل ما يعلو سطح الجلد في منطقة فرج الأنثى وحول فتحة المهبل من بظر وشفرتين كبيرتين وصغيرتين وخياطة المنطقة طولياً إلا فتحة صغيرة تسمح بخروج دم الحيض والبول .
أضراره:
??أضرار فورية: ( نزيف ـ التهابات ـ تلوث ـ ألم ـ متاعب بولية )
??أضرار بعيدة: اضطرابات نفسية وجنسية .
أولاً: المضاعفات المباشرة:
1ـ الألم حيث إن هذه العملية تجرى بدون استعمال مخدر في أغلب الأحوال فإن الطفلة تتعرض لألم عنيف مفاجئ قد يستمر لعدة أيام ثم يقل بعد ذلك .(1/86)
2ـ النزف ويعتبر من أخطر المضاعفات التي تحدث نتيجة لإجراء هذه العملية، وهو إما نزف بسيط يمكن التحكم فيه بالوسائل التقليدية الغير طبية التي تمهد لحدوث الالتهابات مثل استعمال تراب الفرن أو مسحوق البن أو كما يحدث في بعض الأحوال حيث تستعمل بعض الأعشاب القابضة مثل ( القرض ) بما فيها من أتربة وتلوث، وفي بعض الأحيان يكون النزف شديداً نتيجة لقطع شريان كبير أثناء الختان ويستدعى نقل دم بما له من خطورة، كذلك فإن بعض الحالات التي تعانى من أمراض الدم قد لا تكشف إلا نتيجة لحدوث النزف وقت الختان وفي الحالات التي تفشل فيها المحاولات الغير طبية التي يقوم بها القائم بالعملية أو الأسرة لوقف النزيف يعود ويتكرر مرات أخرى ويسمى هذا النزف نزفاً ثانوياً ويكون علاجه أصعب وخطورته أشد .
3ـ حدوث الصدمة نتيجة لشدة الألم أو نتيجة للنزف .
4ـ حدوث التهابات نتيجة للتلوث حيث إن العملية تتم بدون تنظيف للمنطقة المعنية أو تعقيم للآلات المستعملة وكذا عدم تطهير يدي من يجرى العملية والمكان التي تُجرى فيه، مما يتسبب عنه حدوث التهابات موضعية تؤدى إلى تأخر التئام الجرح، وقد يمتد الالتهاب إلى الجهاز التناسلي الداخلي أي إلى المهبل والرحم والبوقين أو قد يمتد إلى الجهاز البولي كالمثانة والكليتين، وقد يكون هذا الالتهاب صديدياً أو نتيجة للإصابة بميكروب التيتانوس خاصة في المناطق الريفية والشعبية .
5ـ اضطرابات البول وتحدث هذه الاضطرابات في صورة انحباس البول نتيجة للخوف من الألم لأن هذه العملية تتم بدون تخدير، وكذلك الحرقان أثناء التبول نتيجة لإصابة فتحة البول ( الصماخ البولي ) أو قناة مجرى البول أثناء عملية الختان خاصة إذا كان القائم بالعملية ليس على دراية بالتشريح الطبيعي للأجزاء التناسلية الخارجية، وينتج عن ذلك إما احتباس في البول أو سلس في البول أو تبول لا إرادي في بعض الأحيان .(1/87)
6ـ التشويه الظاهري حيث يلتئم الجرح بنسيج ليفي محدثاً تشويهاً بالمكان وقد تحدث ندب مؤلمة نتيجة لحدوث الالتهابات وفي بعض الأحوال يحدث التشويه نتيجة لعدم إزالة أجزاء متساوية من على جانبي المنطقة أو نتيجة ترك زوائد جلدية تنمو وتتدلى بعد ذلك مما يستدعى تكرار إجراء العملية في وقت قريب أو يستدعى إعادتها، ومن آن لآخر نجد أن بعض الأورام تظهر في مكان الطهارة في منطقة البظر نتيجة لدخول خلايا الجلد في المناطق تحت الجلد أثناء التئام الجرح، وهذه الأورام تشوه المكان وتأخذ في الكبر ويزداد حجمها مع الوقت وتستدعى جراحة لإزالتها .
7ـ الآثار النفسية للختان، وتبدأ من الشعور بالرعب والخوف عندما تقع الفتاة تحت قبضة من يوصلها للقائم بالعملية لتجرى عليها، كذلك الشعور بالألم الذي لا يطاق أثناء إجراء العملية بسبب عدم استعمال مخدر، ويتبعه الإحساس بالذل والانطواء والخجل مما حدث لها في هذه المنطقة الحساسة، وأيضاً الرغبة في الانتقام من أهلها الذين خانوها، وقد يتمثل هذا في حدوث التبول الليلي في الفراش أو عدم تقبل التوجيهات والنصائح .
8 ـ الوفيات وقد تكون في مثل هذه الحالات نتيجة إجراء هذه العملية، ولا يمكن تقدير عدد الوفيات التي تنتج عن هذه العملية حيث إن عدداً قليلاً للغاية من هذه الحالات هي التي تصل إلى المستشفى وغالباً لا تسجل كمضاعفات للختان خوفاً من المسائلة القانونية وحرصاً على القائم بالعملية أو على ولى الأمر .
ثانياً: المضاعفات بعيدة المدى:
1ـ الألم مع الدورة الطمثية ( عسر الطمث ) قد يكون نتيجة لارتباط نزول الدم من الفرج بالآلام التي حدثت في الماضي مع عملية الختان، وقد يكون سببها عضوياً نتيجة لحدوث الالتهاب المزمن والاحتقان في الحوض .(1/88)
2ـ مما لا شك فيه أن ختان البنات بهذه الطريقة البشعة يعتبر نوعاً من الانتهاك والتشويه لأعضاء تناسلية لها وظائفها، ومثال ذلك حدوث الالتصاقات بين الشفرين، فإن ذلك يؤدى إلى صعوبة الاتصال الجنسي أو الفحص المهبلي، وكذلك صعوبة عند الولادة .
3ـ استطالة وصعوبة الولادة خصوصاً في المرحلة الثانية من مراحل الولادة، وسبب ذلك أن الفرج قد يفقد مطّاطيته نتيجة لالتئام جرح الختان بنسيج ليفي، وإذا لم يتمدد الفرج في الوقت المناسب فإنه قد يؤدى إلى حدوث تمزق في منطقة العجان، وقد يمتد إلى عضلة الشرج فلا تستطيع السيدة التحكم في التبرز ( تمزق عفوي خلفي ) وقد تؤدى استطالة الولادة إلى حدوث تمزق في الأنسجة المحيطة بفتحة البول (تمزق عفوي أمامي ) مع نزف شديد خصوصاً إذا كان القائم بالولادة ليست لديه الخبرة الكافية لمواجهة مثل هذه الحالات، وهذه التمزقات الخلفية والأمامية تحتاج لتدخل جراحي فوري لإصلاحها حتى لا تعانى الوالدة من النزف وتقيح الجروح، وقد يؤدى عسر الولادة كذلك إلى ارتخاء العضلات الرافعة للعجان أو تمزقها مما ينتج عنه سقوط مهبلي أو مهبلي مثنى .
4ـ وقد تؤدى الولادة المتعسرة إلى وفاة الجنين أثناء الولادة أو إلى ولادة طفل متخلف عقلياً نتيجة للضغط الزائد على الرأس بسبب طول مدة الولادة أو بسبب التدخل لاستخراج الجنين الذي تعسر ولادته بالآلات، وجميع المضاعفات السابق ذكرها تحدث بصورة أوضح في حالات الطهارة الفرعونية .(1/89)
5ـ مما لا شك فيه أن تعرض الأنثى لعملية الختان بطريقة لا إنسانية مصحوبة بآلام شديدة في أعضائها التناسلية له مضاعفات خطيرة على هذا الجهاز ووظائفه، ومن هذه المضاعفات تكرار حدوث الصدمة النفسية مرة أخرى في ليلة الزفاف حيث يصعب فض البكارة في بعض الحالات نتيجة للخوف الشديد من الاقتراب من هذه المنطقة، وفي حالات أخرى يؤدى فض البكارة إلى حدوث نزيف شديد سببه التئام الجرح بنسيج ليفي مما يستدعى نقل العروس إلى المستشفى لإجراء جراحة عاجلة لعلاج التمزق .
6ـ وخلال فترة الزواج الأولى تعانى بعض السيدات من ألم عند الجماع نتيجة لضيق المهبل الذي يؤدى إلى فشل عملية الإيلاج، كذلك فإن وجود ندب أو التصاقات مؤلمة في هذه المنطقة هو أحد العوامل المساعدة التي تؤدى إلى رفض الجنس أم ممارسة الجماع في أماكن غير طبيعية .
7ـ ومما لا شك فيه أن التبلد الجنسي بصوره المختلفة من ضعف التجاوب الجنسي أو عدم حدوث الشبق هو النتيجة الحتمية لاستئصال أجزاء مهمة لها دور رئيسي وفعال أثناء اللقاء الجنسي مثل البظر والشفرتين الصغيرين، ونتيجة لذلك تعانى الزوجة من مشاكل عديدة مثل حدوث احتقان في الحوض وظهور الإفرازات المهبلية إلى جانب التوتر العصبي والنفسي الذي يؤدى إلى البرود الجنسي، فلا بد من توجيه التثقيف الصحي الكافي للأزواج والزوجات للتغلب على هذه المشكلة وتعريفهم بالمناطق البديلة للإثارة وذلك عن طريق التربية الجنسية والتربية الأسرية، وبالنسبة للجيل القادم يكون التغلب على هذه المضاعفات بالإقلاع عن هذه الممارسة الضارة .
أ هـ . كلام الدكتور محمد الحفناوي .
يقول الشيخ / الأمين الحاج محمد ـ وهو ممن يرى أن ختان الإناث واجب ـ:(1/90)
" الختان الفرعوني ليس من السنة، ويكفيه قبحاً وسوءً اسمه، وكل المضار التي يحتج بها الأطباء ويرفعونها دعوى حظر ختان الأنثى هي ناتجة من الختان الفرعوني، وليس من الختان السني . فعلى الأطباء الذين يتصدون لذلك أن يتقوا الله في أنفسهم أولاً، وأن يتصفوا بالعلمية والموضوعية، وألا يخلطوا بين الختان الفرعوني المذموم، وبين ختان السنة الذي أوجبه الشارع، وليعلموا أنهم سيقفون وسيسألون عن كل ذلك ..
ـ جاء في فتوى مجمع الفقه السوداني رقم (10/د/2/526):
" إن الختان المسمى بالفرعوني والذي يتم فيه إيذاء الأنثى بقطع أعضائها أو جزء منها لا يجوز إجراء جراحته، ولا تسليم الأنثى لمن يفعل بها ذلك، لأنه شر كبير، وضرره متفق وليس فيه مصلحة البتة "
ويقول الدكتور/ محمد على البار ـ معلقاً على ما قاله الماوردي في كيفية الختان السنِّي:
" هذا هو الختان الذي أمر به المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، وأما ما يتم في مناطق كثيرة من العالم ومنه بعض بلاد المسلمين مثل: الصومال والسودان وأرياف مصر؛ مِن أخذ البظر بأكمله، أو أخذ ذلك كله مع أخذ الشفرين الكبيرين، فهو مخالف للسنة، ويؤدى إلى مضاعفات كثيرة، وهو الختان المعروف باسم الختان الفرعوني وهو على وصفه لا علاقة له بالختان الذي أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - " . أ هـ
والحاصل:
أن كل من ينادى: لا لختان الإناث يقصد هذا النوع من الختان ـ وهو الختان الفرعوني ـ فنحن نضم صوتنا إلى صوته، لكن إن كان يقصد لا للختان عموماً، ولا للختان الذي أمر به الإسلام، فنقول له: لا، فلا نريد أن تكون بناتنا كبنات أوربا في العهر والفحش والتطلع إلى الرجال .
بعض مواقع فتاوى العلماء الأجلاء في ختان الإناث
في الشبكة المعلوماتية (الانترنت)
1- فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز من علماء السعودية ـ رحمه الله ـ .
http: \\www.ibnbaz . com \last _ resault asp ? HID = 2548(1/91)
2- فتوى الشيخ جاد الحق من علماء الأزهر الشريف ـ رحمه الله ـ
www.alazhar .com \ fatwa \ default . asp ? = a & View No = Action = View & Doc = Doc
3- فتوى الشيخ د . عبد الحي يوسف من علماء السودان ـ حفظه الله ـ .
http: \\www. Meshkat . net \fatawa .php? fatwaID = 28
4- فتوى الشيخ وهبه الزحلي من علماء سوريا ـ حفظه الله ـ .
http:|| www. isiamonline . net \ fatwa \ Arabic | fatwa Display . as ? hfatwaID = 84901
5- فتوى الشيخ عطية صقر ـ حفظه الله ـ .
www. Islamonline . net \ fatwa \ Arabic \fatwa display .as? hfatwaID = 11600
6- فتوى الشيخ ابن تيمية شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ .
http: || \ Arabic . islamicweb .com \Books \taimiya .asp? book = 1003& ID = 53
7- فتوى الشيخ ابن القيم ـ رحمه الله ـ
http: || \ Arabic . islamicweb .com \Books \taimiya .asp? book = 95& ID = 1911
8- الموسوعة الفقهية الكويتية
http:\ www. Islamonline . net \ fatwa \ Arabic \fatwa display .as? hfatwaID = 40379
شروط الختان الصحيح للبنات
أولاً: أن يقوم بإجراء العملية طبيب أو طبيبة يشترط في كل منهما:
أ- الإسلام وظاهرية الصلاح .
ب- أن يكونا متخصصين في الجراحة الطبية وأصولها المبنية علي العلم .
جـ– أن يكونا عالمين فاهمين للتعاليم التي بينها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشأن، وكذلك يكونا علي فقه الختان وإلمام بأقوال الفقهاء في وقت الختان، والقدر الذي يؤخذ وتفاوت النساء في ذلك .
د- أن يستخدما أحسن الوسائل الطبية لتخفيف الألم .
ثانياً:أن تتم عملية خفاض البنت ولا يحضرها إلا ولي البنت أو أمها أو من أكثر شفقة عليها
ثالثاً: أن تتم عملية الختان بالنسبة للبنت في خفاء لأن أمر النساء مبناه علي الستر:
يقول الإمام أبو عبد الله محمد الحاج المالكي في المدخل:
والسنة في ختان الذكر: إظهاره، وفي ختان النساء: إخفاؤه .(1/92)
رابعاً: ألا يقل سن البنت عن سبع سنوات إذا كانت بصحة جيدة، وإلا فعشر سنين: حتى تستطيع أن تتحمل إجراء هذه العملية؛ ولكي يستطيع الجراح تحديد دقيق للجزء الذي يؤخذ منه البظر؛ لأنه في هذه السن قد بلغ النمو المناسب لهذه العملية .
خامساً: أن يتأكد أن البظر طويل بحيث يستأهل الخفض:
وإلا فلا يخفض ولا يؤخذ منه إذا كان لا يستأهل ذلك ( هام ) .
فوائد ختان البنات
1- الختان علماً لمن يضاف إلي ملة إبراهيم – عليه السلام ـ .
2- الختان طهارة ونظافة وتزين وتحسين للخلقة .
3- الختان تعديل للشهوة وتنظيم لها وجعلها متوسطة بين الحيوانية والجمادية، فالشهوة إذا أفرطت ألحقت البنت بالحيوانات، وإن عدمت بالكلية ألحقتها بالجمادات فالختان يعدلها، ولهذا تجد القلفاء من النساء لا تشبع من الجماع مما يكدر صفو حياتها الزوجية، وربما آلت إلي الضياع بسبب هذا الأمر، فلا تتساوى إمراة قلفاء وأخرى مختونة، إذ تلح الشهوة علي الأولى فأما أن تخسر دينها بالوقوع في الزنا، وإما أن تقمع شهوتها، فيظهر ذلك علي صحتها وعلي نضارة وجهها وفي الكبت النفسي الذي تعانيه .
4- الختان زينة، وأي زينة أحسن من أخذ ما طال وجاوز الحد من جلدة القلفة وشعر العانة والإبط والشارب وما طال من الظفر .
5- الختان بهاء للوجه وضياء يظهر عليه وتخلص من الكسفة التي ترى عليه .
6- هذا القطع يقلل الحساسية للبنت، حيث لا شيء لديها ينشأ عنه احتكاك جالب للاشتهاء،
وحينئذ لا تصير البنت عصبية في صغرها .
7- يساعد علي الحد من السحاق وهو مباشرة المرأة للمرأة.
قال أبو الفرج ابن الجوزي – في كتابه أحكام النساء:
وأكثر ما يدعو النساء إلي السحاق، أنهم إذا ألزقن موضع حز الختان بموضع حز الختان، وجدت هناك لذة عجيبة، وكلما كان ذلك منها أوفر ( البظر ) كان السحاق ألذ، والختان يمنع هذا .
وقال الجاحظ في كتابه الحيوان ( 6/27):(1/93)
إنما صار الزنا وطلب الرجال في نساء الهند والروم أتم؛ لأن شهوتهن للرجل أشد، وليس لذلك علة إلا وفارة القلفة، وأكثر ما يدعو النساء إلي السحاق – الشذوذ – هو توفر تلك القلفة .
8- الختان أحب للبعل أي للزوج وائدم للحب بين الزوجين، فهو سبب للمحبة والإلف بين الزوج والزوجة .
يقول شمس الحق أبادي ـ رحمه الله ـ كما في عون المعبود شرح سنن أبى داود (8/125):
في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للخاتنة: " لا تنهكي فإن ذلك أحظي للمرأة وأحب إلي البعل "
أي إذا دلك البظر دائما دلكا ملائما بالإصبع أو بالحك من الذكر، تلتذ كمال اللذة حتى لا تملك نفسها وتنزل بلا جماع، وذلك في حالة عدم ختانها لأن هذا الموضع كثير الأعصاب، فيكون حسه أقوى ولذة الحكة هناك أشد، ولهذا أمرت المرأة في ختانها لإبقاء بعض النواة والغدة لتلتذ بها بالحك، ويحبها زوجها بالملاعبة معها؛ ليتحرك مني المرأة ويذوب؛ لأن منيها بارد بطيء الحركة،
فإذا ذاب وتحرك قبل الجماع بسبب الملاعبة، يسرع إنزالها فيوافق إنزالها إنزال الرجل، فإن مني الرجل لحرارته أسرع إنزالاً، وهذا كله سبب لازدياد المحبة والألفة بين الزوج والزوجة
وصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: " فإنه أحسن للوجه وأرضى للزوج " .
فوائد:
أ) من رحمة الله تعالى بخلقه أن فرق بين مني المرأة ومني الرجل، فجعل مني المرأة بطيء الحركة، وشرع لها الختان لتبقي مطلوبة لا طالبة، وبذلك يتحقق الصلاح لنفسها ولمجتمعها، فتصبر علي العنوسة (1) والأيومة (2) ، وسبحان الخالق العظيم والحمد لله علي شرعه القويم .
__________
(1) - العنوسة: بقاء البنت البالغة طويلا دون زواج .
(2) - الأيومة: المرأة إذا فقدت زوجها ( المعجم الوجيز ).(1/94)
ب) بالنسبة للبنت لا تترك هذه الجلدة بالكلية ( عدم الختان ) وكذلك لا تؤخذ بالكلية، لكن ينبغي أن يتبع هنا الهدى النبوي فإنه خير الهدى فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للخاتنة: " لا تنهكي " .
قال ابن الجوزي كما في أحكام النساء:
فإذا تم الإنهاك فهذا ينقص من شهوة المرأة، وإذا قلت شهوتها ذهب التمتع ونقص حب الأزواج، وقد كان بعض الأشراف ( يقصد عمر) يقول للخاتنة لا تتعرضي إلا لما يظهر فقط . أ هـ
9- وذكر الدكتور أبو بكر عبد الرازق – في كتاب رأي العلم والدين في ختان الأولاد والبنات:
إن من فوائد ختان البنات أن الإفرازات الدهنية المنفرزة من الشفرين الصغيرين إن لم يقطعها مع جزء من البظر في الختان، تتجمع وتترنخ ويكون لها رائحة غير مقبولة، وتحدث التهابات قد تمتد إلي المهبل بل إلي قناة مجرى البول .
ويقول الأستاذ / محمد محمد اللبان:
في حالة عدم ختان الإناث ما تزال تلك الزائدة التي تمنع وصول المياه إلي الداخل، فيصعب نقاء دماء الحيض والبول مما يؤدي إلي روائح كريهة .
10- وقد قدم الدكتور/ الباز إلي المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة بحثاً جاء فيه:
إن ختان الأنثى أو خفضها الذي ورد في السنة له محاسن وفوائد كثيرة ذكرها الباحثون في المؤتمر الطبي الإسلامي – عن الشريعة والقضايا الطبية المعاصرة –
هذه الفوائد يمكن أن تتلخص في:
ذهاب الغلمة والشبق ( وتعني شدة الشهوة والانشغال بها والإفراط فيها ) وذهابهما يعني تعديل الشهوة عند المختونين من الرجال والنساء .
- منع الروائح الكريهة الناتجة عن تراكم اللخن تحت القلفة .
- انخفاض معدل التهابات المجاري البولية .
- انخفاض معدل التهابات المجاري التناسلية .
وأخيراً !!
لابد أن نعلم أن ختان الإناث من الشرع الحنيف وفوائده جليلة، وثماره ظاهرة، فلا تغتر بمن يدعي أن ختان الإناث ليس من الشرع، والله من ورائهم وهو أعلم بهم يتولاهم بأعمالهم .(1/95)
شبهات حول ختان الإناث والرد عليها
تثار شبهات حول ختان البنات من البعض، وليس لهؤلاء متعلق شرعي يتعلقون به ويستندون في كلامهم إلي أمور وهمية، يتصورون من خلالها تحريم ومنع الختان فيقولون:
الشبهة الأولى:
إن هذه عادة فرعونية وليست من الإسلام في شيء، ويستدلوا علي ذلك بأن هذه العملية غير معروفة في بلاد إسلامية مثل السعودية والعراق وإيران .
الرد عليهم:
وهذه ليست كما زعموا عادة فرعونية أو وثنية كما ذهبوا، فهذا خلط وتلبيس علي الناس، بل أصلها إسلامية حيث تنسب إلي إبراهيم الخليل ـ عليه وعلي نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ
وذكر القرطبي في تفسيره ـ الجامع لأحكام القرآن ـ: إجماع العلماء على أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ أول من اختتن، فقد أخرج الإمام مالك في الموطأ والبخاري في الأدب المفرد والبيهقى في الشعب من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" كان إبراهيم أول من اختتن، وأول من رأي الشيب، وأول من قص شاربه، وأول من استحدّ "
ففي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم "
وفي سنن البيهقي:
أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ ختن إسحاق وهو ابن سبعة أيام، وختن إسماعيل عند بلوغه فصار ختان إسحاق سنة في بنيه وختان إسماعيل سنة في بنيه .
والله عز وجل أمر نبينا - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى له: { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } ( النحل: 123 ) فجعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - شعيرة من شعائر الإسلام فقال: " خمس من الفطرة " وذكر منها الختان
وقال أيضاً: " إذا التقي الختانان " فكيف يقال بعد هذا أنها عادة وثنية أو فرعونية، وقد جاء إبراهيم الخليل الحنيف المسلم قبل المسيحية واليهودية .(1/96)
ـ أما الدعوى بعدم فعل البلاد الإسلامية أو بعضها له ( أي للختان ) فإن الله ـ عز وجل ـ لم يجعل البلاد ولا العباد حجة علي الدين، بل الحجة في الكتاب والسنة وفعل سلف الأمة .
الشبهة الثانية:
يقولون: إن عملية الختان إيلام للبنت، وذلك بقطع جزء منها لا يجوز شرعاً إلا لمصلحة تعود عليها وتفوق الألم الذي يلحقها .
الرد عليهم:
نقول لهم إنه قد ثبت عقلاً ونقلاً وواقعاً أن ختان الأنثى له مصلحة راجحة علي الإيلام، وهي بهاء الوجه وتعديل الشهوة وسد ذريعة الفاحشة، وغير ذلك من الفوائد والمصالح الراجحة، والتي بيناها في فوائد ختان النساء وعلي هذه القاعدة يجوز ختان الأنثى أيضاً بل يجب .
الشبهة الثالثة:
يقولون: إن الختان امتهان لكرامة المرأة
الرد عليهم:
فهذا الكلام تجاسر صريح علي ما يثبت خلافه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال:
إن ختان المرأة أبهي لوجهها، فكيف نصدق بعد ذلك قول من يدعي أن ذلك امتهان لكرامتها، كيف وهو يعدل شهوتها ؟؟ حتى لا تصبح كالبهائم، فهي تتطلع إلي الرجال فيزهدون فيها ويقل ثمنها وتمتهن كرامتها في سبيل إشباع شهوتها.
فبالله أي الأمرين أكرم لها ؟؟ وأي الأمرين أضيع لكرامتها ؟؟؟؟
وانظروا إلي نساء أوروبا أو بعض بلاد العرب التي ليست فيها هذه الفضيلة، كيف انتشرت الفاحشة بينهن بسبب تخلفهن عن القيام بهذا الهدى النبوي والفطرة السليمة،
ثم ما هو الامتهان في ختانها ؟؟ أمن أجل أنها تكشف عورتها ؟
إذا فهناك مئات من النساء يكشفن عوراتهن لعمليات الوضع القيصرية، فلماذا لم تحارب هذه العمليات وتحرض النساء علي عدم فعلها ؟ لما في ذلك إهانة لهن، فإن قلتم: هذا واجب وضرورة قلنا: هو ما نقول به بالنسبة لختان البنت هو واجب وضرورة لسد ذريعة انتشار الفاحشة ولصيانة الأعراض والأنساب
الشبهة الرابعة:(1/97)
يقولون: إن عملية الختان ليس هو السبيل لصيانة عفاف الفتاة، بل إن العفاف منشأه علي التربية الصحيحة والتخلق بالأخلاق الحميدة .
الرد عليهم:
إننا لا ننكر أن هناك وسائل أخرى غير الختان تمنع الانحراف، كالتربية الإسلامية وغير ذلك، لكن أنتم تسلمون لنا بأن الوقاية خير من العلاج، فقطع أسباب الانحراف للوقاية منه خير من أن يقع سبب من أسبابه ثم نحاول بالتربية أن نتخلص منه وأن نعالجه .
وهيهات هيهات !! كيف نعالج المراهقة من إثارة غريزتها بالتربية وسبب الإثارة الجنسية مازال قائماً فهذا مثل من قال بعلاج المراهقة من الآثار الجنسية التي نجمت من مشاهدتها لفيلم مخل
( جنسي) وهو مازال يعرض عليها وتشاهده، فكيف تعالج وتربى ؟؟ وسبب الإثارة مازال قائماً، وما جدوى التربية والحالة كهذه .
الشبهة الخامسة:
يقولون: إن الختان عادة جاهلية كانت موجودة قبل الإسلام .
الرد عليهم:
نقول هل كل ما كان في الجاهلية جاء الإسلام فأبطله ؟ الجواب: لا؛ لأنه أقر صورة النكاح التي في زماننا، وكذلك أقر الكرم وحفظ العهد وحفظ الجوار، وأما العادات والعبادات القبيحة جاء فأبطلها الإسلام وورد في شأنها نصوص، فكون الختان كان في الجاهلية وسكت عنه الشرع فمعني ذلك الإقرار به ؟ خصوصاً إنه ليس أمراً مخترعاً أو مبتدعاً، إنما هو من شرع أبو الأنبياء إبراهيم ـ عليه السلام ـ وقد قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ لنبينا:
{ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} ( النحل: 123 )
الشبهة السادسة:
يقولون: الدليل علي أن الختان للبنات غير مشروع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يختن بناته .
الرد عليهم:
إن هذا تقول علي الله وعلي رسوله كذبًا، وقد نهى الله عن ذلك فقال تعالى:
{(1/98)
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ( الأعراف: 33 )
يقول الدكتور علي أحمد الخطيب ـ رئيس تحرير مجلة الأزهر في مجلة الأزهر ـ
عدد جمادى الآخرة 1415 نوفمبر 1994 في افتتاحية المجلة رداً علي مثل هؤلاء:
كذلك ليس من العلم في شيء أن يروج لهذا الباطل – ترك ختان الإناث بقول قائل: ليس في سيرة - صلى الله عليه وسلم - أنه ختن بناته – رضوان الله تعالى عليهن – ذلك لأنه ليس في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا أنه لم يختنهن
ويعني ذلك أن السيرة النبوية بشأن الختان لم تتعرض له بنفي و لا إثبات
وكان لزاماً علي القائل – إزاء هذه القضية – ألا يطرق مصدراً لم يتعرض للقضية أصلا .
وكان عليه أن يجاوز السيرة إلي الحديث والفقه؛ ليرى أمر قضيته إن كان يطلب علماً .
ثم ماذا يضير تزويد البنت بطاقة تعينها علي العفة والالتزام بالطريق المستقيم ؟!
هل من إجابة شافية ؟! . أهـ
الشبهة السابعة:
يقولون: إن عملية الختان يؤثر علي نفسية البنت أو علي صحتها .
الرد عليهم:
أولاً: أنه طالما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثناؤه علي ختان البنات وقال - صلى الله عليه وسلم - :
" إنه أحظي للبعل وأبهى للوجه " فاعتقادنا برسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعثته يقتضى تصديقه في كل ما أمر وتكذيب ما عارض قوله واعتباره درب من الهرتقة، أما الذي يدخله الشك في ذلك فيراجع إيمانه ـ أعاذنا الله من ذلك ـ
ثانياً: قد ثبت عندنا أن الختان كان علي عهد إبراهيم ـ عليه السلام ـ ومن بعده، حتى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان موجوداً من بعده في عصر الصحابة، ثم استمر إلي يومنا هذا، ولم تثبت حالة مرضيه واحدة بسبب الختان سواء أكان مرض نفسي أو عضوي.(1/99)
وإن ثبتت بعض حالات نادرة من هذا القبيل، فهذه الحالات بمثابة الشاذ بالنسبة للقاعدة، ولا يلزم من وجودها الحكم علي الختان بأنه مضر، كمن يعالج بدواء معين لكن لم يقبله بدنه، فأحدث أضراراً ومضاعفات أخرى، فلا يلزم إلغاء الدواء بوجه عام، لكن ينصح هذا الرجل وأمثاله بألا يأخذوا هذا الدواء .
وقد يثبت بعض الإضرار الفعلية للختان نتيجة خطأ في الطريقة التي تجرى بها هذه العملية، وعدم اتباع الخاتنة لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشأن حيث بين لمثلها أن: " أشمي ولا تنهكي " فإذا خالفت فالخطأ ليس في الختان نفسه ولكن في الطريقة وهذا الذي ينبغي أن يُشن عليه الحرب لا حكم الختان.
وهذا وارد في أغلب العمليات الجراحية ـ حدوث الخطأ – وعلي ذلك لم يغلق باب العمليات ولم يحارب ولم يجرمه القانون – كما فعل في ختان البنات .
اعتراض والرد عليه: ـ
جاء في جريدة السياسي المصري أن أحد الأطباء ينادي بمنع الختان للأسباب الآتية:
1- أن الختان يعرض الأنثى لعملية جراحية قد ينتج عنها نزيف يعرض حياة الفتاة للخطر .
2- يسد المجرى الطبيعي للبول مما قد يؤدي إلي التهاب مزمن في المثانة ثم الكليتين فيعرض حياة المريضة للخطر .
3- يمنع استمتاعها بالحياة الزوجية مع زوجها، مما يجعل الرجل يشعر بأن زوجته لا تتجاوب معه مما يشعره بالضعف الجنسي، وللتغلب علي هذا الشعور يحاول أن يثبت قدرته الجنسية إما بالزواج من أخرى أو بالعلاقات غير الشرعية .
والجواب عن ذلك:
إن هذه الأضرار التي ذكرها هذا الطبيب ليس الختان سبب فيها، بل ثبت عكس ما قال فقد ذكر جمعُ من الأطباء المتخصصون: إن الختان له من الفوائد الطبية والصحية العديدة، وهذا بشهادة زملائه من الأطباء، علي أننا نقول أنه قد يحدث ما يقوله هذا الطبيب، ولكن السبب في ذلك ليس الختان إنما هو التطبيق السيئ لعملية الختان وإجرائها بطريقة مخالفة لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به(1/100)
حيث قال: " أشمي ولا تنهكي " أي أتركي هذا الجزء أشم أي مرتفع، فمن خالف هذا الهدى وقام باستئصال هذه النواة أو هذا البظر وأنهك، فالنتيجة غير محمودة والعاقبة وخيمة،وقد تؤدي إلي أضرار بالغة.
فإذا كانت دعوة هذا الطبيب هو الرجوع إلي التطبيق العملي الصحيح لعملية الختان والتي دعت إليها الشريعة فتقول له: نعم . نحن معك ونؤيدك فيما تقول، لكن إذا كانت الدعوة من كلامه هو إلغاء الختان نفسه، فنقول له: لا لما تقول، ولا للفجور والإباحية.
ويقول أيضاً هذا الطبيب في نفس المصدر:
إن الختان يسبب صعوبة في الولادة مما يضطر الطبيب علي قطع الالتحام الناتج عن الطهارة، وهذا يجعل الولادة خصوصاً إن كانت تتم في المنزل أكثر صعوبة، حيث إن قطع الأنسجة التي تسد مخرج الجنين قد يؤدي إلي نزيف لا يمكن التحكم فيه .
والجواب:
أن هذا أيضاً مرجعه إلي مخالفة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومغالاة بعض الناس في هذا الأمر كالطريقة التي تسمي ( بالسودانية ) والتي يتم فيها تخييط ما بين مجري البول إلي موضع الحرث ولا يفتح موضع الحرث إلا عند الزواج مع استئصال تام للجلدة أعلي مخرج البول، وهذا لاشك منكر مردود، ويجب أن يحذر الناس منه لأنه يخالف أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعاليمه الرشيدة الحكيمة في عملية الختان حيث قال: " أشمي ولا تنهكي " أي لا تبالغي في استقصاء الختان .
فالخلاصة:(1/101)
إن الختان برئ مما يُنسب إليه من اتهامات وأنه سبب في كثير من الأمراض البدنية والعصبية للفتيات كما يزعم البعض، فقد يحدث خطأ لطبيب أو طبيبة في إجراء الختان لفتاة فتقوم الدنيا ولا تقعد، كما فعلت قناة CNN عندما تبنت قصة الخاتن المسيء، واستغلوا هذا في منع الختان بالكلية، ولقي هذا الموضوع رواجاً عند البعض، وجعلوا موضوع الختان قضية الساعة، وهذا شبيه لما يحدث الآن فإلي هؤلاء نقول: لو أخطأ طبيب في مهنته فهل يلزم اتهام جميع الأطباء ومنع مهنة الطب، وإذا قام المهندس ببناء عمارة ثم انهارت علي سكانها فهل نشوه صورة جميع المهندسين ونغلق أبواب كلية الهندسة، والجواب: طبعاً لا وأن يستمر الأمر ويؤخذ علي يد المخطئ وانتهى الأمر، فإذا كانت هذه هي دعوتهم فنحن نوافقهم .
وقفة
وجاء في مقالة غربية نشرتها مجلة عقيدتي 3 يونيه 2003م
للأستاذة الدكتورة / نشوى عبد الحميد السيد – أخصائية النساء والتوليد بالإسكندرية
جاء فيه " بوش وختان الإناث " قالت دكتورة نشوى:
قرأت علي صفحات الانترنت أن بعض السيدات الغربيات يقبلن علي إجراء أخف درجات الختان بفرض التجميل أو قطع القلفة التي تعوق وظيفة البظر في الوصول بالمرأة إلي ذروة النشوى، ومن ثم فإن تركها قد يؤخر ارتواء المرأة، وبالتالي فان الزوج قد ينتهي من الجماع تاركاً زوجته مازالت تتشوق للمزيد لأنها لم تصل إلي غايتها .
وقد أقرت السيدات اللاتي أجرين الختان بعد الزواج أن الختان الصحيح للإناث وهو ما يعرف في المجلات الطبية بختان السنة Janna Circumcision وهو لا يحرم المرأة من حقها في الاستمتاع بالجنس بل يزيد في استمتاعها هي وزوجها .
كما قرأت في موقع البيت الأبيض بالانترنت house -orgwww.white(1/102)
أن الرئيس الأمريكي بوش يعمل علي إلغاء القانون الذي كان قد فرضه الحزب الديمقراطي، بمنع عملية الختان للفتيات اللاتي تقل أعمارهن عن 18 سنة، بل ويرغب في جعله إلزاماً للأطفال والإناث في أمريكا، وذلك ضمن حملة لتحقيق الطهارة Purity والحد من ممارسة العادة السرية المنتشرة بين الشباب الأمريكي من الجنسين .
ويقول الموقع: إن ختان الإناث إجراء نبيل، ولكن السمعة السيئة له في الغرب سببها أنه يتم في إفريقيا بطريقة بدائية وغير آمنة أ.هـ
فيا سبحان الله !!!!!!
في الوقت الذي تنادي فيه الدول الإسلامية بمنع ختان الإناث، تحاول دول الغرب أن تحرص عليه في بلادهم لنشر الفضيلة والعفة في المجتمع والحد من الزنا والسحاق والعادة السرية .
وختاماً أتوجه إلي الآباء وأقول لهم:
ليس لكم بعدما لاح لكم الحق وظهر لكم حكم الختان وفوائده إلا أن تستجيبوا لداعي الحق وإياكم ومخالفته قال تعالي:
{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ( النور: 63 )
وليعلم كل ولي وراع استرعاه الله أنه مسئول عنهم؛ لأن الله تعالي وكل أمرهم إليه .
فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها "
وأخرج الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة "
قال الحافظ ابن حجر كما في فتح الباري (13/131)
الراعي: هو الحافظ المؤتمن، الملتزم صلاح ما أؤتمن علي حفظه، فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحة . أهـ
والختان من الأمور التي ينصلح بها حال الفتي أو الفتاة، فمن الخيانة ألا يقوم الولي علي ما يصلح أحوال الأولاد .(1/103)
وأخيراً....لنا وقفه مع قوله تعالى:
{ يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً } ( النساء: 26- 28 )
قال ابن كثير في تفسيره ( 3/333) نقلاً عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال عن هذه الآية: هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت . أهـ
كيف لا ؟ وقد اشتملت علي بيان وهداية وتوبة وتيسير وتخفيف .
فقوله تعالى:{ يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ }أي جميع ما تحتاجون إلي بيانه من الحق والباطل والحلال والحرام
{ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } أي الذين أنعم الله عليهم من النبيين وأتباعهم في سيرهم الحميدة وأفعالهم السديدة وشمائلهم الكاملة وتوفيقهم التام، ومن جملة السنن التي كانت قبلنا في ملة إبراهيم هو الختان للذكور والإناث فهدانا الله لذالك .
ثم قال تعالى:{ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي يلطف بكم في أحوالكم وما شرعه لكم، حتى يمكنكم الوقوف علي ما حده الله ومن توبته عليكم أنكم إذا أذنبتم ذنبا فتح لكم أبواب الرحمة والتوبة ليتوب عليكم ويقبل منكم .
ثم قال تعالى:{وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } أي يريد بكم هؤلاء الذين يتبعون الشهوات أن تنحرفوا عن الصراط المستقيم وطاعة رب العالمين، وأن هؤلاء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه الخسار والشقاء، وأن الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وسعادتكم فإلى من تستجيبون وأي الطريقين تختارون ؟!
فالإجابة بلا شك وبأعلى صوت نختار طريق الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .(1/104)
قال تعالي: { قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى } ( البقرة: 120)
و النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " وأحسن الهدى هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - " ( رواه البخاري ).
قال تعالي:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً }( الأحزاب: 36 )
فقوله تعالي: أَمْراً: نكرة في سياق الشرط تشمل كل أمر كوني أو شرعي، فالكونى: نرضي به والشرعي: نسلم له لما فيه من سعادة في الدنيا والآخرة .
قال تعالي:{مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }( المائدة: 6)
فالله ـ عز وجل ـ رفع عنا الحرج وأتم علينا النعمة بهذا الشرع الحنيف ومن جملة ما شرع لنا الختان وهو شعار الحنيفة وفطرة الله التي فطر الناس عليها .
كما قال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَت اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ }
( الروم: 30 ).
فمع وضوح مشروعية الختان وضوح الشمس في رابعة النهار، مع ما أظهره لنا الطب الحديث من فوائد لختان البنين والبنات، فليس لنا إلا أن نقول:
{ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } (البقرة: 285 )
وقال تعالي: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } ( الحشر: 7 )
والختان من جملة ما أتانا به رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ولقد أمرنا الله تعالي بطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -
فقال تعالي: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} ... ( النساء: 80 )
وقال تعالي: { وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } ... ( النور: 54 )(1/105)
وقال تعالى: { وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ( النور: 56 )
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } ( محمد: 33 )
وللحديث بقية ـ إن شاء الله تعالى ـ
وبعد...فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة
نسأل الله أن يكتب لها القبول وأن يتقبلها منا بقبول حسن، كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومن أعان علي إخراجها ونشرها إنه ولي ذلك والقادر عليه .
هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صواباً فادع لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثم خطأ فاستغفر لي
وإن وجدت العيب فسد الخللا ... جل من لا عيب فيه وعلا
... ... ...
فاللهم اجعل عملي كله صالحاً ولوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه نصيب
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
... هذا والله تعالى أعلى وأعلم .........
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك
الفهرس
الموضوع الصفحة
? أولا: ختان البنين
- مقدمة.............................................................................................................
- تعريف الختان بالنسبة للبنين...................................................................................
- حكم ختان البنين.................................................................................................
- وقت ختان البنين................................................................................................
- القدر الذي يؤخذ من الصبي عند الختان.....................................................................(1/106)
- فوائد الختان للبنين...............................................................................................
- مسقطات الختان..................................................................................................
- هل ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - مختوناً.......................................................................................
- أسئلة تبحث عن إجابة..........................................................................................
? ثانياً: ختان البنات
- مقدمة .............................................................................................................
- الأدلة على مشروعية ختان البنات...........................................................................
- حكم ختان البنات عند الأئمة الأعلام........................................................................
- كلام أهل العلم في ختان البنات................................................................................
- الفتاوى...............................................................................................................
- رأي أهل الطب في ختان البنات.................................................................................
- رأي وموقف رجال القانون من ختان البنات...................................................................
- مواقع فتاوى العلماء في ختان البنات على شبكة الإنترنت..................................................
- شروط الختان الصحيح للبنات...................................................................................(1/107)
- وقت الختان عند البنات...........................................................................................
- القدر الذي يقطع عند البنات.....................................................................................
- فوائد ختان البنات..................................................................................................
- شبهات حول ختان البنات والرد عليها.........................................................................
- كلمة إلي الآباء.....................................................................................................(1/108)