المنهج الأخلاقي وحقوق الإنسان
في القرآن الكريم
إعداد
د/ يحيى بن محمد حسن زمزمي
أستاذ مساعد بجامعة أم القرى
1424هـ
ملخص البحث
عنوان البحث: المنهج الأخلاقي وحقوق الإنسان في القرآن الكريم
الحمد لله الرحيم الرحمن ، خلق الإنسان علمه البيان ، والصلاة والسلام على خير الأنام ، نبينا محمد وآله ومن تبعهم بإحسان . وبعد :
فانطلاقاً من أهمية قضية "حقوق الإنسان" ، خاصة في ظل الأوضاع التي تعيشها البشرية اليوم ، ولما هو واقع من سوء استغلال لهذه القضية من قبل دول الغرب ، ونظراً لأن منطلق كثير من المبادئ والقوانين المتعلقة بها ، هي من نتاج الفكر الغربي وقيمه المادية ، المبتورة الصلة بالقيم الروحية والأخلاقية ، فقد رأيت أن أبحث العلاقة الوثيقة بين "الأخلاق" و "حقوق الإنسان" في منهج القرآن ، ذلك أن كثيراً من الدراسات المعاصرة لهذه القضية الحساسة -فيما اطلعت عليه- ضعيفة الصلة بآيات القرآن .
فحاولت تسديد خلل -في نظري- تجاه هذه المسألة الخطيرة ، فانطلقت في هذا البحث من آيات القرآن الكريم فجمعت منها ما يتعلق بالمنهج الأخلاقي من جهة، وما يتعلق بحقوق الإنسان من جهة أخرى ، ثم تأملت معانيها ، مستعيناً بعد الله بأشهر كتب التفسير المعتمدة ، فحللت الآيات وصنفتها موضوعيا ، واستنبطت منها الفوائد والنتائج التي ضمّنتها هذا البحث المتواضع ، واخترت من السنة النبوية ما احتجت إليه من أحاديث مكملة لنصوص القرآن الكريم ، كما اطلعت على بعض الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان ، لبيان الفارق بين منهج القرآن وغيره ، وقد توصلت من خلال دراستي لهذه القضية إلى أمور ، منها :(1/1)
أن القرآن الكريم قد عُني عناية خاصة متميزة بالجانب الأخلاقي ، وله في ذلك منهج أصيل ، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بجوانب أخرى من الدين ، كجانب العقيدة والعبادة والمعاملة والعلاقات الأسرية والإجتماعية والدولية ونحوها ، إضافة إلى ارتباطه بمقاصد الشريعة عموماً وبحفظ الضرورات الخمس خصوصاً ، وهذا المنهج الأخلاقي له خصائص ومعالم عديدة منها : الربانية والشمول والوسطية ، والثبات واليسر والواقعية ، وترتب الجزاء الدنيوي والأخروي عليه ، ونحو ذلك .
- أن القرآن الكريم أصّل قضية حقوق الإنسان تأصيلاً شرعياً متكاملاً ، فقد كرم الله الإنسان وميزه ، ومنحه من الحقوق المفروضة له شرعاً ، الواجبة حكماً، المحاطة بمختلف أنواع الحماية والضمانات من الإعتداء والإنتهاك ، مما لم يوجد في منهج أو قانون غير منهج القرآن .
- ولقد تبين بجلاء أن هناك تلازماً كبيراً ، وارتباطاً وثيقاً ، وعلاقة حميمة بين المنهج الأخلاقي وحقوق الإنسان في القرآن الكريم ، من حيث المفهوم والتأصيل، والخصائص والمزايا ، مع أن الموثر الأكبر في جانب الأخلاق: هو السجية والطبع، وفي جانب الحقوق : هو الوجوب والإلزام .
- وقد كشفت هذه الدراسة عن الأثر الكبير للمنهج الأخلاقي القرآني ، في اعتبار وتقدير واحترام حقوق الإنسان التي جاءت في القرآن ، ذلك أن هناك صنفاً واجباً من الأخلاق ، يحقق الغاية نفسها التي تضمنها حقوق الإنسان ، إضافة إلى أن ذلك المنهج الأخلاقي الفريد يضبط سلوك الفرد ويقوّمه ويصلحه ، كما أنه يحفظ تماسك المجتمع المسلم ، ويتعدى أثره إلى الحقوق الدولية الخارجية، وهذا دعم لذلك التقدير والاحترام لحقوق الإنسان .(1/2)
- وزيادة في البيان ، وتحقيقاً للاطمئنان(1)، فقد أتممت الدراسة ، بوقفة مع الانحراف الأخلاقي الهائل الذي يعيشه الغرب اليوم ، في ظل قوانين ومبادئ "حقوق الإنسان" التي وضعها الإنسان ، والتي أهملت الجانب الأخلاقي من أصله، فأنتجت ذلك الانحراف والفساد والشقاء والضياع ، ولا منقذ للبشرية من تلك الهاوية ولا خلاص لها إلا بمنهج القرآن .
هذا والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ..
l
الحمد لله الرحمن ، خلق الإنسان ، علمه البيان ، وشرّف هذه الأمة ببعثة سيد الأنام ، نبينا محمد بن عبدالله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد :
فإن قضية "حقوق الإنسان" ، أشغلت العالم اليوم بجميع أممه ودوله ولا تزال ، وهي قضية كبرى ، ومسألة عظمى ، جديرة بالبحث والدراسة والعناية والرعاية ، من وجهة النظر الشرعية الإسلامية ، ذلك أن تسلط العالم الغربي واستبداده ، وفرض هيمنته الفكرية والإعلامية على كثير من دول العالم ، وبخاصة العالم العربي والإسلامي ، أدى إلى ضياع المفهوم الإسلامي لهذه القضية وغيرها ، وأوجد انطباعاً لدى كثير من المسلمين بأنه لا طريق لنيل الحقوق إلا من خلال التبعية المقيتة لذلك العالم الغربي ، والدخول طوعاً أو كرهاً ضمن أحلافه ومنظوماته ، وتحمّل أصناف الذل والمهانة ، من أجل الحصول على هذه الحقوق .
ومن جهة أخرى فإن مبادئ "حقوق الإنسان" السائدة في العالم ، قد أعدَّها وصاغها ساسة العالم الغربي ، فهي من نتاج ثقافته وأفكاره ، التي تقوم على أساس الحرية المطلقة -غير المنضبطة- في جميع ميادين الحياة ، والتي قد أوجدت هوّة واسعة بين "حقوق الإنسان" المشروعة ، وبين الأخلاق الفاضلة ، والقيم الرفيعة ، التي لا يستغني عنها مجتمع أو أمة ، كما يظهر ذلك من خلال "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" وغيره من المعاهدات والوثائق المتعلقة بهذا الموضوع .(1/3)
ونظراً لما تقدم ذكره ، فقد سبق وأن تقدمت بورقة عمل إلى مؤتمر
:( حقوق الإنسان في السلم والحرب ) الذي تنظمه جمعية الهلال الأحمر السعودي ، وجعلت عنوانها :( حقوق الإنسان: مفهومه وتطبيقاته في القرآن الكريم ) ، وإتماماً لدراسة هذا الموضوع المهم ، وتأصيلاً لمفاهيمه الواسعة وقضاياه الأساسية، وتوضيحاً للمنهج الأخلاقي في القرآن الكريم ، وبياناً لعلاقته الوثيقة بقضية حقوق الإنسان ، وتأكيداً على الأثر العملي التطبيقي للمنهج الأخلاقي في احترام وضبط "حقوق الإنسان" ، فقد رأيت أن أستكمل دراسة الموضوع من خلال بحث آخر ، وقد اخترت أن يكون عنوانه :
( المنهج الأخلاقي وحقوق الإنسان في القرآن الكريم ) ،
وسوف تتضمن خطته -بعد المقدمة هذه- ما يلي :
تمهيد : ويشمل :
- أهداف الدراسة .
- أسباب اختيار الموضوع .
- منهج الدراسة .
المبحث الأول :
المنهج الأخلاقي في القرآن الكريم :
المطلب الأول: مفهوم الأخلاق وإطلاقاته في القرآن .
المطلب الثاني: تأصيل المنهج الأخلاقي في القرآن .
المطلب الثالث: خصائص المنهج الأخلاقي في القرآن .
المبحث الثاني :
حقوق الإنسان في القرآن الكريم :
المطلب الأول: مفهوم "حقوق الإنسان" في القرآن .
المطلب الثاني: تأصيل "حقوق الإنسان" في القرآن .
المطلب الثالث: خصائص "حقوق الإنسان" في القرآن .
المبحث الثالث :
العلاقة بين المنهج الأخلاقي وحقوق الإنسان في القرآن الكريم :
المطلب الأول: مقارنة بين المنهج الأخلاقي وحقوق الإنسان في القرآن .
المطلب الثاني: أثر تطبيق المنهج الأخلاقي في القرآن في احترام "حقوق الإنسان" .
المطلب الثالث: العلاقة بين الانحراف الخلقي ومبادئ "حقوق الإنسان" في القانون الدولي .
وأخيراً: أهم النتائج والتوصيات ، ثم قائمة المراجع والمصادر . والله الموفق .
تمهيد
ويشمل : أولاً : أهداف الدراسة :(1/4)
إن دراسة قضية حقوق الإنسان وعلاقتها بالمنهج الأخلاقي في ضوء القرآن الكريم مهمة للغاية ، ويمكن من خلال جمع آيات القرآن المتعلقة بهذا الموضوع وتحليلها أن نحقق الأهداف الآتية :
1) تأصيل مفاهيم ومبادئ "حقوق الإنسان" تأصيلاً شرعياً ، ضمن منهج القرآن وبيان خصائصه في الإسلام .
2) تأصيل المنهج الأخلاقي في القرآن الكريم وبيان خصائصه .
3) إبراز العلاقة بين المنهج الأخلاقي ومبادئ حقوق الإنسان في ضوء القرآن .
4) بيان الأثر العملي التطبيقي للمنهج الأخلاقي القرآني في ضبط واحترام "حقوق الإنسان" .
5) بيان أثر إهمال الجانب الأخلاقي في القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان .
ثانياً : أسباب اختيار الموضوع : وتتخلص في الآتي :
1) قوة الطرح الغربي لهذه القضية ، مع سوء استغلالها إعلامياً وعسكرياً واقتصادياً وغيره .
2) ندرة وضعف الطرح الإسلامي المؤصل بمنهج القرآن الكريم ، وتأثر كثير من الدراسات الإسلامية بالطرح الغربي وثقافاته .
3) وجود مادة علمية شرعية غزيرة ضمن نصوص الكتاب والسنة ، فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي وجانب حقوق الإنسان .
4) حاجة البشرية إلى المنهج القويم في ضبط العلاقات الإنسانية وتهذيبها ، ولن تجد أفضل ولا أكمل من منهج القرآن ، قال تعالى :( إن هذا القرآن يهدي للتي هي
أقوم ((2) .
ثالثاً: منهج الدراسة : ويتلخص في الآتي :
1) جمعت الآيات القرآنية المتعلقة بحقوق الإنسان أو بالأخلاق عموماً .
2) صنفت هذه الآيات تصنيفاً موضوعياً بما يناسب مباحث الدراسة .
3) راجعت تفسير الآيات في أهم كتب التفاسير المعتمدة لفهمها على وجهها الصحيح .
4) حللت الآيات وربطت بينها ، واستنبطت منها النتائج المتعلقة بمباحث الدراسة .
5) أوردت بعض ما يحتاجه البحث من الأحاديث النبوية الصحيحة مع تخريجها بما يناسب الحال .(1/5)
6) اطلعت على أهم مواثيق ومعاهدات القوانين الدولية وغيرها المتعلقة بالموضوع مثل "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" ، و "إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام" ونحوهما ، وذلك للمقارنة المختصرة بين منهج القرآن وغيره في هذه القضية .
7) حرصت أن يكون منطلق الدراسة هو الآيات القرآنية ، غير متأثر بالكتابات الأخرى ، التي تأثرت بالطرح الغربي أو الطرح الإسلامي المنهزم ، مستعيناً ببعض ما جاء في السنة النبوية .
8) سطرت ما توصلت إليه من نتائج ضمن مباحث الدراسة ، ولخصت أهمها في خاتمة البحث .
9) لم أترجم لكثير من الأسماء الواردة في ثنايا البحث لشهرة أصحابها ، خاصة من الصحابة وأئمة السلف ، أما المصنفون فقد اكتفيت بذكرهم ضمن قائمة المراجع والمصادر في نهاية البحث .
المبحث الأول :
المنهج الأخلاقي في القرآن الكريم
المطلب الأول: مفهوم الأخلاق وإطلاقاته في القرآن :
أولاً: تعريف "الأخلاق" لغة :
"الأخلاق" في اللغة جمع خُلُق ، والخُلُق: هو السجية والطبع ، مأخوذ من مادة :( خ ل ق ) وقد جاء في معناها: قال الجوهري :( الخَلْق : التقدير ، ... ، والخلِيقَة : الطبيعة ، ... ، والخِلْقة بالكسر : الفطرة ، ... ، والخُلْق والخُلُق : السجيّة )(3) اهـ .
وقال ابن منظور :( الخُلُق هو الدين والطبع والسجية ، وحقيقته : أن صورة الإنسان الباطنة -وهي نفسه- وأوصافها ومعانيها المختصة بها ، بمنزلة الخُلُق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها )(4) اهـ .
وقال الفيروز آبادي :( "الخَلْق" التقدير ... ، والخُلْق بالضم وبضمتين : السجية والطبع والمرؤة والدين )(5) اهـ .
إذاً فأصل مادة (خلق) تدل على تقدير الشيء ، يقول ابن فارس :( ومن هذا المعنى الخُلُق ، وهو السجية لأن صاحبَه قد قُدِّر عليه ... ، والخَلاق: النصيب لأنه قد قدّر لكل أحد نصيبه )(6) اهـ .(1/6)
وذكر الراغب الأصفهاني : أن الخَلْق أصله: التقدير المستقيم ، وأن الخَلْق والخُلْق والخُلُق في الأصل واحد ، لكن خُصَّ الخَلْق بالهيئات والأشكال والصُّور المدرَكة بالبصر ، وخُصّ الخُلُق بالقُوى والسَّجايا المدرَكة بالبصيرة ، قال: والخَلْق لا يستعمل في كافة الناس إلا على وجهين : أحدهما في معنى التقدير ، والثاني في الكذب(7) .
قال الفيومي :( وأصل الخلق : التقدير ، يقال: خلقت الأديم للسقاء إذا قدرته له، خلق الرجل القول خلقاً افتراه واختلقه )(8) اهـ .
قال القرطبي :( وحقيقة الخُلُق في اللغة: هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب، يسمى خُلُقاً ، لأنه يصير كالخِلْقة فيه )(9) اهـ ، وكذا قال الماوردي(10) .
ومما يرادف لفظ (الخُلق) أو يقاربه في المعنى :
أ) الخِيم : بالكسر ، وهو السجية والطبيعة ، لا واحد له من لفظه(11) .
ب) الملأ : بفتح الميم واللام وآخره همز ، وهو الخُلُق والعشرة ، يقال: ما أحسن ملأ فلان أي خُلُقه وعشرته(12). ومنه حديث :(أحسنوا الملأ كلّكم سَيَروَى)(13) .
ثانياً: تعريف الأخلاق اصطلاحاً :
- ذهب الجاحظ إلى أن :( الخُلُق هو حال النفس ، بها يفعل الإنسان أفعاله بلا روية ولا اختيار ، والخلق قد يكون في بعض الناس غريزة وطبعاً ، وفي بعضهم لا يكون إلا بالرياضة والاجتهاد ، كالسخاء قد يوجد في كثير من الناس من غير رياضة ولا تعمل ، وكالشجاعة والحلم والعفة والعدل وغير ذلك من الأخلاق المحمودة )(14) اهـ .
- وقال الماوردي :( الأخلاق: غرائز كامنة ، تظهر بالاختيار ، وتقهر بالاضطرار )(15) .(1/7)
- وقد فصل القول في معناه الغزالي فقال :( .. فالخُلُق عبارة عن هيئته في النفس راسخة ، عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية ، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلاً وشرعاً ، سميت تلك الهيئة خلقاً حسناً ، وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة ، سميت الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيئاً ، وإنما قلنا إنها هيئة راسخة ، لأن من يصدر منه بذل المال على الندور لحاجة عارضة ، لا يقال خلُقه السخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه ثبوت رسوخ . وإنما اشترطنا أن تصدر منه الأفعال بسهولة من غير روية ، لأن من تكلف بذل المال أو السكوت عند الغضب بجهد وروية ، لا يقال خلقه السخاء والحلم )(16) اهـ . وكذا قال الجرجاني وربما نقله عن الغزالي(17) .
وقال ابن القيم :( قال صاحب "المنازل" : الخلق: ما يرجع إليه المتكلف من
نعته )(18) اهـ . وقال في موضع آخر :[ الخلق هيئة مركبة من علوم صادقة ، وإرادات زاكية ، وأعمال ظاهرة وباطنة ، موافقة للعدل والحكمة والمصلحة ، وأقوال مطابقة للحق ، والأعمال عن تلك العلوم والإرادات ، فتكتسب النفس بها أخلاقاً ، هي أزكى الأخلاق وأشرفها وأفضلها ](19) اهـ .
- وقال ابن عاشور :( الخلق : السجية المتمكنة في النفس ، باعثة على عمل يناسبها من خير أو شر ، وتشمل طبائع الخير وطبائع الشر ، ولذلك لا يعرف أحد النوعين من اللفظ إلا بقيد يضم إليه ، فيقال: خلق حسن ، وفي ضدّه : خلق قبيح ، فإذا أطلق عن التقييد انصرف إلى الخلُق الحسن )(20) اهـ .
- وقد حاول بعض المعاصرين تلخيص وتسهيل العبارة في تعريف الأخلاق اصطلاحاً ، فقال :( الخلق: صفة مستقرة في النفس فطرية أو مكتسبة ، ذات آثار في السلوك محمودة أو مذمومة )(21) .(1/8)
- وحيث إن موضوع البحث يتعلق "بالمنهج الأخلاقي" ، والمقصود به "علم الأخلاق" بمعناه الشامل الواسع ، وقد عرف قديماً بأنه :( علم يعرف به حال النفس ، من حيث ما هيتها وطبيعتها وعلة وجودها وفائدتها ، وما هي وظيفتها التي تؤديها ، وما الفائدة من وجودها ، وعن سجاياها وأميالها وما ينقلها بسبب التعاليم عن الحياة الفطرية )(22) .
وعرفه بعض المعاصرين بأنه :( مجموعة المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني التي يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان وتحديد علاقته بغيره على نحو تحقيق الغاية من وجوده في هذا العالم على أكمل وجه )(23) .
وعرفه بعضهم بأنه : علم التعرف على الحقوق والواجبات(24) .
ومن خلال ما سبق يمكن القول بأن المنهج الأخلاقي في الإسلام هو :( مجموعة الصفات والقواعد الواردة في النصوص الشرعية ، التي تنظم حياة الإنسان من حيث علاقته بغيره ) .
أي أنه يتضمن :
1) نصوصاً شرعية: وهي آيات القرآن وأحاديث النبي ( وسيرته .
2) مجموعة صفات وقواعد تتضمنها هذه النصوص .
3) تنظيم علاقة الإنسان بغيره من خلال هذه القواعد .
ثالثاً: إطلاقات "الأخلاق" في القرآن :
وردت مادة (خلق) في القرآن الكريم في (260) موضعاً(25)، وأطلق على معانٍ عدة منها:
أ) الإيجاد من العدم : كقوله تعالى :( خلق السموات والأرض ((26)، وهذا النوع من الخلق الذي هو الإبداع ، لم يجعله الله إلا لنفسه(27) .
ب) إيجاد الشيء من الشيء : كقوله تعالى :( خلق الإنسان من نطفة ((28)، وهذا النوع قد جعل الله شيئاً منه لغيره في بعض الأحوال ، كعيسى -(- حيث قال تعالى :( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني ((29).
ج) التقدير : وهو أصل المعنى اللغوي ، ومنه قوله تعالى :( فتبارك الله أحسن الخالقين ((30)، أي: أحسن المقدرين ، على قولٍ فيها(31) .
د) الكذب : ومنه قوله تعالى :( وتخلقون إفكاً ((32)، وكذا كل موضع استعمل "الخلُق" في وصف الكلام فالمراد به الكذب(33) .(1/9)
هـ) السجية والطبع : وهو المعنى المتعلق بموضوع البحث ، ومثاله قوله تعالى
:( وإنك لعلى خلق عظيم ((34).
و) النصيب : ومنه قوله تعالى :( ما له في الآخرة من خلاق ((35).
ز) الدِّين والعادة : ومنه قوله تعالى :( إن هذا إلا خلق الأولين ((36)، أي دينهم وعادتهم كما رجّحه الطبري .
المطلب الثاني : تأصيل المنهج الأخلاقي في القرآن :
لقد تقدم بيان المقصود بالمنهج الأخلاقي وما يتضمنه هذا المصطلح من معان ، وتطبيقاً لذلك المعنى على ما ورد في القرآن الكريم ، نجد أن هناك نصوصاً قرآنية كثيرة ، تضمنت ذكر صفات مهمة وقواعد ومبادئ أساسية ، تهدف إلى تنظيم حياة الإنسان من حيث علاقته بغيره ، كما تبين هذه النصوص ارتباط المنهج الأخلاقي بالعقيدة والعبادة والمعاملات وغيرها ، وتشمل أيضاً أنواع الأخلاق وبيان آثارها العملية ، ونحو ذلك ، وكل هذا تأصيل لهذا المنهج الأخلاقي المتكامل ، ويمكن تفصيل شيء من ذلك على النحو الآتي :
أولاً: الآيات الجامعة لمكارم الأخلاق :
وردت في عدة مواضع من القرآن الكريم آيات جوامع ، تضمنت في كل موضع منها بعضاً من المبادئ والصفات والقواعد المكوِّنة للمنهج الأخلاقي في القرآن ، من ذلك :
1) مقدمة سورة "المؤمنون" وهي قوله تعالى :( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ? والذين هم عن اللغو معرضون ? والذين هم للزكاة فاعلون ? والذين هم لفروجهم حافظون ? إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ? فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ? والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ? والذين هم على صلواتهم يحافظون ? أولئك هم الوارثون ? الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ? ((37).(1/10)
فهذه الآيات تشمل صفات عديدة ، تؤسس قواعد ومبادئ تنظم علاقة الإنسان بغيره ، لتشكّل في مجملها "المنهج الأخلاقي في القرآن" إذا جمعت مع مثيلاتها ، وقد راعت الجوانب المختلفة من حياة الإنسان : فتضمنت في الناحية التعبدية المحضة : إقامة الصلاة وإتمامها والمحافظة عليها ، مع الخشوع فيها الذي يشمل: التواضع والخوف والتذلل ، ومع أن الصلاة علاقة بين العبد وربه ، لكن أداؤها على الوجه الذي شرعه الله بخشوعها وأركانها وشروطها وواجباتها وسننها وآدابها ، يحقق قيماً أخلاقية عظمى : فهي تمنع صاحبها عن فعل الفواحش وتكفُّه عن المنكرات ، قال تعالى :( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ((38)، كما أن أداءها في الجماعة ، يحقق إحياء روح الأخوة الإسلامية ، والالتزام بوقتها يغرس في النفس الحرص على الوقت والدقة في المواعيد ، ونحو ذلك من الصفات الخلقية الحميدة(39) .
- وتضمنت الآيات أداء الزكاة ، وهي عبادة عملية ، لكن لها علاقة بالجانب الاجتماعي والمالي من جهة الإحسان إلى الفقراء والمساكين ، وسد حاجات المعوزين ، وبالجانب الأخلاقي لما فيها تزكية النفس من أدناس الأخلاق ومساوئ الأعمال(40)، قال تعالى :( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ((41) إضافة إلى التربية على جملة من المكارم : كالإحسان والبذل والبر والإنفاق والرحمة والمودة والأخوة ، ونبذ الشح والبخل والتقتير ونحوه .
ومما تضمنته الآيات أيضاً في الجانب الاجتماعي لتنظيم علاقات الناس : أداء الأمانات ، وحفظ العهود والوفاء بالوعود ، وفي الجانب الشخصي : الإعراض عن اللغو بجميع صوره ، والمحافظة على العفاف بحفظ الفروج ونحوه .
وهكذا ترسم الآيات منهجاً أخلاقياً فريداً ، يشمل تنظيم جوانب متعددة من حياة الإنسان وعلاقته بغيره .(1/11)
2) ومن الآيات المشابهة أيضاً: ما جاء في صفات عباد الرحمن في آخر سورة الفرقان ، قال تعالى :( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ? والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً ? والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ? إنها ساءت مستقراً ومقاما ? والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ? والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ? يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً ? إلا من تاب وءامن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ? ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً ? والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً ? ((42) الآيات .
فهذه الآيات تذكر جملة من الصفات والمبادئ الأخلاقية ، التي تنظم علاقة المسلم بغيره ، منها(43): وصفهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده ؛ أخذاً من قوله :( الذين يمشون على الأرض هوناً ( ، ومنها: وصفهم بالحلم والصبر ومقابلة المسيء بالإحسان ، والعفو عن الجاهل ، ورزانة العقل ؛ أخذاً من قوله :( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ( ، ومنها: العدل والقصد والتوازن(1/12)
:( .. وكان بين ذلك قواماً ( ، ومنها: حفظ النفوس والأعراض مع العفاف :( ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ( ، ومنها: اجتناب كل موقع ومجلس مشتمل على قول أو فعل محرم ، كالغيبة والنميمة والكذب والجدال بالباطل والسب والقذف والاستهزاء وشرب الخمر وشهادة الزور ، وغير ذلك :( والذين لا يشهدون الزور ( وإذا كانوا لا يشهدون الزور ، فمن باب أولى ، أن لا يقولوه ولا يفعلوه ابتداءً ، بل إنهم ينزهون أنفسهم ويكرمونها عن الخوض في اللغو الذي لا إثم فيه أيضاً ، لما فيه من سفهٍ ونقص للإنسانية وضعف في المروءة :( وإذا مروا باللغو مروا كراماً ( .
- إنه منهج أخلاقي عجيب متكامل ، تسطره هذه النصوص القرآنية المباركة ، لتؤصل تلك المبادئ والقواعد الأصيلة .
3) ومن الآيات التي تضمنت بعض تلك المعاني والصفات ، قوله تعالى :( إن الإنسان خلق هلوعاً ? إذا مسه الشر جزوعاً ? وإذا مسه الخير منوعاً ? إلا المصلين ? الذين هم على صلاتهم دائمون ? والذين في أموالهم حق معلوم ? للسائل والمحروم ? والذين يصدقون بيوم الدين ? والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ? إن عذاب ربهم غير مأمون ? والذين هم لفروجهم حافظون ? إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ? فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ? والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ? والذين هم بشهاداتهم قائمون ? والذين هم على صلاتهم يحافظون ? أولئك في جنات مكرمون ? ((44).
- ولا حاجة لإعادة التعليقات عليها ، فقد اشتملت على مجمل الصفات المذكورة سابقاً .
* وهناك جملة من المواضع القرآنية المشابهة لما ذكر ، لا داعي لسردها ، ولكن أشير إلى بعضها باختصار ، فمنها :
4) قوله تعالى :( ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر .... ((45) الآية .
5) قوله تعالى :( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ... ((46) الآية .(1/13)
إلى غير ذلك من الآيات الجامعة ، إضافة إلى الآيات المفردة في ذكر خلق معين أو مبدأ أو قاعدة أخلاقية ، وهي كثيرة جداً ، منها على سبيل المثال :
- آيات "الصبر" وقد تكرر بمعناه الاصطلاحي في أكثر من (90) موضعاً(47) .
- آيات "الإحسان" وقد ذكر بمعناه الخاص المتعلق بالآخرين وهو :( الإنعام على الغير )(48) في (67) موضعاً(49) .
- ومثلها : آيات البر والعدل والصدق والعفو والجود والعفاف ونحوها(50) .
ثانياً: آية "الخُلُق" بمعناه الاصطلاحي : وهي قوله تعالى :( وإنك لعلى خلق عظيم ((51) فهذه الآية الوحيدة التي جاء فيها لفظ (الخُلُق) بمعنى السجية أو الهيئة الراسخة في النفس ، التي تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر ، وهو تعريفه في اصطلاح العلماء كما تقدم .
وهي آية عظيمة بليغة ، تحمل شهادة وتزكية وتكريماً لخلق الرسول
-(- ، وتتضمن في طياتها هديه وسيرته وسمته وشمائله وصفاته ، أي تتضمن المنهج الأخلاقي المتكامل لهذا الدين القويم ، خاصة وأن هذا "الخُلُق العظيم" ؛ هو القرآن الكريم ، كما بينت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، حين سئلت عن خلقه ، فأجابت :( كانت خلقه القرآن )(52) .
إذاً فأخلاق النبي -(- كانت مقتبسة من مشكاة القرآن ، فكان كلامه مطابقاً للقرآن ، تفصيلاً له وتبييناً ، وعلومه علوم القرآن ، وإرادته وأعماله ما أوجبه وندب إليه القرآن ، وإعراضه وتركه لما منع من القرآن ، وكذا رغبته فيما رغب فيه ، وزهده فيما زهد فيه ، وكراهته لما كرهه ، ومحبته لما أحبه ، وسعيه في تنفيذ أوامره ، وتبليغه ، والجهاد في إقامته(53) .
إذاً فهذه الآية وحدها تؤصل المنهج الأخلاقي في القرآن ، فكل خلق محمود جاء في القرآن ، فهو من الخلق العظيم الذي كان عليه النبي -(- ، والذي أكده بقوله :( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ) ، وفي رواية :( مكارم الأخلاق )(54) .(1/14)
ثالثاً: ومن خلال الآيات السابقة وغيرها ، يتبين لنا مدى ارتباط المنهج الأخلاقي في القرآن ، بجانب العقيدة والعبادة والمعاملات ، والعلاقات الأسرية والاجتماعية والدولية ، والأحوال الشخصية وغيرها ، فالعنصر الأخلاقي سمة بارزة في جميع تلك الجوانب ، تقوم عليه أصولها التشريعية والتهذيبية على
السواء(55) .
وأمثلة هذا في القرآن والسنة لا تحصر ، فكم آية قرنت بين التوحيد والإيمان من جهة ، وبين أنواع من الأخلاق من جهة أخرى ؛ كالإحسان قوله تعالى :( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ... ((56) الآية ، وكالبر في قوله :( ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن
السبيل ... ((57) الآية .
- وهناك آيات وضحت الصلة بين العبادة والأخلاق ، كما تقدم في الكلام عن الصلاة والزكاة ، ومن ذلك أيضاً: ارتباط الصيام بالتقوى التي هي جماع الأخلاق الفاضلة ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ((58)، ومثله في الحج وعلاقته بالتقوى وبيان أثر تجنب الأخلاق السيئة في قبول الحج ومغفرة الذنوب :( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ((59) .
وهكذا سائر العبادات وكذا المعاملات والعلاقات ، ترتبط بالمنهج الأخلاقي في القرآن ، وتنطلق من قواعده وأسسه(60) .
رابعاً: إن مما يؤصل المنهج الأخلاقي في القرآن الكريم ، ارتباطه بمقاصد الشريعة وبحفظ الضرورات الخمس التي اجتمعت الشرائع والرسالات عليها ، وهي "الدين والنفس والعقل والنسل والمال" . ذلك أن جميع الشرائع جاءت بمكارم الأخلاق ومحاسن العادات ، مع اختلافها في الفروع والأحكام كما قال تعالى :( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ((61).(1/15)
- وإذا تأملنا الآيات التي وردت في حفظ تلك الضرورات ، نجد أنها تحفظ أنواعاً من الخلق القويم ، وتحرم أخلاقاً مذمومة قبيحة ، كقوله تعالى :( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ((62) .
فتحريم الفواحش والنهي عن الإثم والبغي والظلم ، فيه حفظ لتلك الضرورات ، مع حفظ الأخلاق وصيانتها .
- ومما يؤكد هذا أيضاً ، أن أعظم ما جاءت الشرائع بحفظه هو الدين ، فقد أجمعت رسالات الله على الأمر بالتوحيد وتحريم الشرك ، قال تعالى :( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )(63) ، وهذا التوحيد مبني على أنواع من الأخلاق كالصدق في عبادة الله والعدل والإحسان والتقوى، ومرتبط أيضاً بتحريم الفحشاء والمنكر ، كما قال تعالى :( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ((64) .
خامساً: إن مما يؤصل المنهج الأخلاقي في القرآن ، تنوع الأخلاق التي تضمها، فهي أصناف وأقسام ، وقبل بيان أنواع الأخلاق في القرآن ، أذكر تقسيماً عاماً لها دلت عليه السنة النبوية ، وهو قِسمتها إلى:
1) أخلاق جبلية : أي فُطر عليها الإنسان ، وخلقها الله فيه ، كما دل على ذلك حديث أشج عبدالقيس ، الذي قال له النبي ( :( إن فيك خلتين يحبهما الله : الحِلْم والأناة ) قال: يا رسول الله ، أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما ؟ قال :( بل الله جبلك عليهما ) قال: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله
ورسوله(65) .
2) أخلاق مكتسبة : يمكن تحصيلها بالتعلم والتعود عليها ، كما دل على ذلك قول النبي ( :( إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلم )(66) .
* أما مجمل الأخلاق الواردة في القرآن ، فيمكن تقسيمها إلى :(1/16)
1) أخلاق فردية (شخصية) : وهي الأخلاق المتعلقة بالفرد ، ونفعها لازم له ويعود عليه خاصة ، كالإخلاص والاستقامة والعفة والحلم والحياء والصدق والصبر والتواضع ، والآيات في هذه الأخلاق كثيرة معلومة .
2) أخلاق جماعية ، (اجتماعية) : وهي المتعلقة بالآخرين ، ويتعدّى نفعها إليهم، كالوفاء بالعهد ، والإحسان إلى الوالدين ، والعطف على الفقراء ، والعفو عن المسيء ، وكظم الغيظ ، والأخوة ، والجود والكرم ، ونحوها .
- وكذلك فإن الآيات الدالة عليها كثيرة معلومة .
* وقد فصّل بعضهم في التقسيم ، فجعل الأخلاق خمسة أنواع(67)، وهي :
1) الأخلاق الفردية : مثل: العفة والاستقامة والصدق ونحوها .
2) الأخلاق الأسرية : مثل: الإحسان إلى الوالدين ، معاشرة الزوجة بالمعروف، صلة الرحم ، ونحوها .
3) الأخلاق الاجتماعية : مثل: أداء الأمانة ، والوفاء بالوعد ، إصلاح ذات البين، الإحسان إلى الفقراء ، ونحوها .
4) أخلاق الدولة : مثل: الشورى والعدالة والوفاء بالمعاهدات ونحوها .
5) الأخلاق الدينية : مثل: طاعة الله وشكره ، والرضا بقضائه وقدره ، ومحبته والخوف منه ، والتوكل عليه ، ونحوها .
- وأدله هذه الأنواع في القرآن معروفة أيضاً ، وقد تقدم ذكر بعضها .
* والخلاصة: أن القرآن الكريم ، قد عني بتأصيل المنهج الأخلاقي ، من خلال تلك الآيات الجامعة لمكارم الأخلاق ، والآيات المفردة الخاصة ببعضها ، وارتباط الأخلاق القرآنية بالجوانب العقدية والعبادية والاجتماعية وغيرها ، إضافة إلى كثرة أقسامها وتعدد أنواعها .
المطلب الثالث : خصائص المنهج الأخلاقي في القرآن :(1/17)
تبين لنا مما تقدم أن الأخلاق في القرآن ، تمثل منهجاً متكاملاً ، له مميزاته وخصائصه التي يتفرد بها دون سائر المناهج والأنظمة والقوانين ، ذلك أن القرآن كلام الله تعالى ، الذي قال :( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ((68)، وغيره من المناهج والمبادئ كلام البشر ، الموصوفين بقول الله تعالى :( إنه كان ظلوماً جهولاً ((69) .
ولذا فتتلخص خصائص المنهج الأخلاقي في القرآن فيما يلي(70):
1) أن مصدره الوحي ، واستمداده من القرآن والسنة ، فهو محفوظ من كل نقص أو عيب أو خلل :( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )(71) .
2) أنه شامل لجميع أنواع الأخلاق ، وجميع جوانب الحياة ، فهو مرتبط بجانب العقيدة والعبادة والمعاملات ونحوها -كما تقدم- ويصدِّق هذا قوله تعالى :( ما فرطنا في الكتاب من شيء ((72).
3) أنه عام لجميع البشر ، صالح لكل زمان ومكان ، ولكل فرد ومجتمع وأمة ، لأنه الدين الذي ارتضاه الله للعالمين ، قال تعالى :( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ((73) . وقال :( تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ((74) .
4) أنه منهج وسطي ، فهو يراعى مصلحة الفرد والجماعة ، ويلبي حاجات الروح والجسد والعقل ، ويوازن بين طلب الآخرة وعمارة الأرض في الدنيا ، وهكذا ، دون تغليب لجانب على آخر ، وتصوّر هذه الوسطية آيات كثيرة من كتاب الله ، كقوله تعالى :( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ((75)، وقوله تعالى :( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً ((76) .(1/18)
5) أنه منهج ثابت القيم ، أصيل المبادئ ، لا تتغير قواعده المنهجية ، ولا تقبل التبديل أو الاجتهاد ، ولا تخضع للمصالح الشخصية والأهواء الفردية ، ومع ذلك فهو منهج مرن بما تقضيه المصلحة الشرعية ، قال تعالى :( فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ((77) .
6) أن المسئولية فيه لها جانبان : مسؤولية شخصية ، قال تعالى :( كل امرئ بما كسب رهين ((78) ومسئولية جماعية ، قال تعالى :( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ((79) .
7) أنه يترتب عليه جزاء دنيوي وأخروي ، وعقاب في الحياتين للمخالفين ، قال تعالى في جزاء الأبرار :( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ((80)، وقال سبحانه في عقاب الفجار :( ... فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ((81) .
8) أن الرقابة منه رقابة إلهية ربانية ، فالرقيب على أداء هذه الأخلاق ، هو الله عز وجل ، الذي قال :( وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ((82)، وقال :( ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه ((83).
9) أنه منهج واقعي ، يمكن تطبيقه في حياة الناس ، والعمل به دون عنت أو مشقة ، ولا يطلب من البشر ما لا يطيقون قال تعالى :( لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ((84) .
10) أنه سهل ميسر في الجانب العملي ، غايته التخفيف ورفع الحرج عن الناس، قال تعالى :( وما جعل عليكم في الدين من حرج ((85) وقال :( يريد الله أن يخفف عنكم ((86) .
المبحث الثاني :
حقوق الإنسان في القرآن الكريم(87)
المطلب الأول: مفهوم "حقوق الإنسان" في القرآن :
أولاً: تعريف "الحقوق" في اللغة :(1/19)
"الحقوق" : جمع "حق" وهو مصدر قولهم :(حق الشيء) : أي وجب ، مأخوذ من مادة (ح ق ق) ، وهو خلاف الباطل(88)، ويطلق في اللغة على عدة معانٍ ، منها: الأمر الواجب ، والموجود الثابت ، قال الجوهري :( وحق الشيء يحق بالكسر ، أي وجب ، وأحققت الشيء ، أي أوجبته )(89) .
وقال الفيومي :( الحق: خلاف الباطل ، وهو مصدر حق الشيء ، من بابي ضرب وقتل ، إذا وجب وثبت )(90) .
وقال المناوي :( الحق لغة : الثابت الذي لا يسوغ إنكاره )(91)، وقال الراغب
:( أصل الحق: المطابقة والموافقة )(92) . وهذا المعنى اللغوي -كما يظهر- يتضمن معنى الوجوب والإلزام والثبات والإحكام والصحة ، وهو قريب لموضوع البحث كما سيأتي بيانه .
ثانياً: تعريف "الحقوق" اصطلاحاً:
اختلفت عبارات العلماء والمصنفين ، وتعددت تعريفاتهم لمفهوم "الحقوق" في الاصطلاح ، فمن تلك التعريفات :
1) تعريف الجرجاني: قال :( الحق في اللغة هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره ، وفي اصطلاح أهل المعاني: هو الحكم المطابق للواقع . يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك )(93) اهـ .
2) تعريف العيسوي : قال هو :( مصلحة ثابتة للشخص على سبيل الاختصاص والاستئثار يقررها الشارع الحكيم )(94) .
3) تعريف مصطفى الزرقا : ( هي مجموعة القواعد والنصوص التشريعية التي تنظم على سبيل الإلزام علائق الناس من حيث الأشخاص والأموال .
4) تعريف آخر له : هو المطلب الذي يجب لأحد على غيره(95) .
ومن خلال التعريفات السابقة يمكن استنباط أبرز ما يتضمنه مفهوم "الحقوق" اصطلاحاً ، ملخصة في الآتي:
1) النصوص الشرعية من الكتاب والسنة .
2) القواعد والمبادئ التي تضمنتها هذه النصوص .
3) تنظيم علاقات الناس .
4) الوجوب والإلزام في تطبيق تلك القواعد .
ثالثاً: معاني "الحق" في القرآن :(1/20)
ورد لفظ "الحق" في القرآن (288) مرة(96)، أطلق في بعضها على المعنى اللغوي المتعلق بموضوع البحث : (الوجوب والثبات) ، كما في قوله تعالى
:( حقاً على المحسنين ((97). ونحوه .
كما أطلق على معانٍ أخر ، أشار إلى بعضها الفيروز أبادي في القاموس فقال :( الحق: من أسماء الله تعالى أو صفاته ، والقرآن ، وضد الباطل ، والأمر المقضي ، والعدل والإسلام ، والمال ، والملك ، والموجود الثابت ، والصدق ، والموت ، والحزم ، وواحد الحقوق )(98) .
وذكر الراغب الأصفهاني : أن الحق في القرآن يقال على أوجه(99):
1) يقال لموجِد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة ، ولهذا قيل في الله تعالى : هو الحق ، قال تعالى :( ورُدّوا إلى الله مولاهم الحق ((100).
2) يقال للشي الموجَد بحسب مقتضى الحكمة ، ولهذا يقال: فعل الله كلُّه حق ، ومنه قولنا: الموت حق ، والبعث حق ، ومنه ما جاء في قوله تعالى :( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق ((101).
3) يطلق على الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه ، كقولنا: اعتقاد فلان في البعث حق ، ومثّل له بقوله تعالى :( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق ((102).
4) إطلاقه على القول أو الفعل الواقع بحسب ما يجب ، ويقدر ما يجب ، وفي الوقت الذي يجب ، كقولنا: فعلك حق ، وقولك حق ، ومثاله قوله تعالى
:( كذلك حقت كلمة ربك ((103).
رابعاً: مفهوم "الإنسان" في اللغة والقرآن :
قال صاحب المصباح المنير :( والإنسان من الناس : اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والواحد والجمع ، واختلف في اشتقاقه مع اتفاقهم على زيادة النون الأخيرة ، فقال البصريون: من الأنس ، فالهمزة أصل ووزنه فعلان ، وقال الكوفيون: مشتق من النسيان ، فالهمزة زائدة ووزنه أفعان على النقص ، والأصل: إنسان على إفعلان ، ولهذا يرد إلى أصله في التصغير ، فيقال:
أنيسيان )(104) .(1/21)
وقال في القاموس المحيط :( الإنس: البشر ، كالإنسان )(105) .
وهذا اللفظ المفرد : (الإنسان) تكرر في القرآن (65) مرة(106)، أطلق في أكثرها على عموم جنس البشر ، كقوله تعالى :( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ((107)، وقوله :( بل الإنسان على نفسه بصيرة ((108) ونحو ذلك .
كما أطلق على أفراد بأعيانهم ، كقوله تعالى :( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن ((109)، فقد نزلت في شأن سعد بن أبي وقاص -((110)- مع أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معلوم .
ومثله قوله تعالى :( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة .. ((111) الآية ، فقد نزلت في شأن العاص بن وائل السهمي(112) .
- وكما جاء اللفظ مفرداً :( الإنسان ) ، فقد جاء مجموعاً في عدة إطلاقات ، منها :
1) الناس : وهو جمع إنسان من غير لقطه(113)، وتكرر (241) مرة في القرآن(114) .
2) أناسي : وهو جمع إنسان(115)، وجاء مرة واحدة في قوله تعالى :( ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيراً ((116).
3) أُناس : هو جمع لا واحد له من لفظه ، وواحده "إنسان"(117)، وتكرر خمس مرات في القرآن(118) .
خامساً: خلاصة معنى "حقوق الإنسان" في القرآن :
سبق ذكر عدة تعريفات للحقوق في معناها الاصطلاحي ، وتبين أن مفهوم "الحقوق" يتضمن أربعة أمور أساسية هي: النص الشرعي ، والقواعد أو المبادئ ، وتنظيم العلاقات ، والوجوب أو الإلزام .(1/22)
وبتطبيق هذه الأسس على ما جاء من آيات الحقوق في القرآن الكريم ، نجد أن مفهوم "حقوق الإنسان" في القرآن ، يشتمل على هذه الأمور نفسها ، ولنأخذ مثالاً لذلك ، آيات الحقوق في آخر سورة الأنعام ، قال تعالى :( قل تعالوا أتلوا ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ? ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلك وصاكم به لعلكم تذكرون .. ((119) الآيات .
وتطبيق الأسس الأربعة على النحو الآتي :
1) النص الشرعي : وهو هذه الآيات القرآنية الجامعة .
2) القواعد والمبادئ التي تتضمنها النصوص : فالآيات تتضمن : الإحسان إلى الوالدين ، وحق الأولاد في الحياة ، وحفظ النفس التي حرم الله ، وحفظ مال اليتيم ، والوفاء في الكيل والميزان بالقسط ، والعدل في القول ، والوفاء بالعهد . ونحوها .
3) تنظيم علاقات الناس : فهذه القواعد والمبادئ جاءت لضبط حياة الناس في علاقة بعضهم ببعض ، فهي تنظم علاقة الفرد بوالديه وأولاده وسائر فئات المجتمع ، بل حتى مع المخالف في الدين ، فله حق الوفاء بالعهد ونحوه .
4) الوجوب والإلزام في تطبيق هذه المبادئ : فهذه المطالب جاءت بصيغة الأمر من الله تعالى ، وهو في الأصل يقتضي الوجوب كما قرره أهل العلم(120)، إضافة إلى أن الآيات الثلاث تضمنت في خاتمة كل واحدة منها ؛ تأكيد الوجوب بقوله تعالى :( ذلكم وصاكم به ( : أي أمركم به وأوجبه عليكم(121) .
قال ابن كثير :( يقول تعالى : هذا أوصاكم به وأمركم به وأكد عليكم فيه )(122)، وقال ابن عطية :( و "الوصية": الأمر المؤكد المقرر ) اهـ ، وكذا قال
القرطبي(123) .(1/23)
* إذاً فمما سبق ذكره يمكن أن نعرّف مفهوم "حقوق الإنسان" في القرآن بأنه : مجموعة القواعد والمطالب التي جاءت بها آيات القرآن لتنظيم علاقات الناس ببعضهم ، على جهة الوجوب والإلزام .
المطلب الثاني : تأصيل "حقوق الإنسان" في القرآن الكريم :
من خلال مفهوم "حقوق الإنسان" في القرآن الذي تقدم ذكره في المطلب السابق ، يتأكد لدينا أن القرآن قد عني بهذا المبدأ عناية متميزة ، تأصيلاً لقواعده وتأكيداً على وجوبه ، وفصلت السّنّة ذلك قولاً وفعلاً وتطبيقاً . ويمكن تلخيص مظاهر هذه العناية ، وذلك التأصيل في الآتي :
أولاً: تكريم الله للإنسان :
ذلك أن "حقوق الإنسان" التي أمرنا بها ، قائمة على أن الإنسان مكرم ، لتكريم الله تعالى له ، ومنحه إياه ذلك التكريم(124). والتكريم المقصود هو : ما جعله الله له من الشرف والفضل والمحاسن(125) .
وقد ذكر أهل العلم بعض مظاهر هذا التكريم ، تعليقاً على قوله تعالى
:( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ((126).
فقال الطبري :[ ( ولقد كرمنا بني آدم ( : بتسليطنا إياهم على غيرهم من الخلق ، وتسخيرنا سائر الخلق لهم ](127) اهـ .
وقال ابن كثير :( يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إياهم ، في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها ، ... وجعل له سمعاً وبصراً وفؤاداً ، يفقه بذلك كله وينتفع به ، ويفرق بين الأشياء ، ويعرف منافعها وخواصها ومضارها في الأمور الدينية والدنيوية )(128) اهـ ، إلى غير ذلك من الأقوال .
- ويتأمل الآيات الواردة في هذه المسألة ، يمكن استنباط مظاهر هذا التكريم ، ومنها:
1) أن الله اختصه بأن خلقه بيديه ، ونفخ فيه من روحه ، وسوى خلقه وأحسن صورته ، وأسجد له ملائكته ، قال تعالى :( إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين ? فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ((129).(1/24)
2) منحه العقل والنطق والتمييز ، قال تعالى :( الرحمن ? علم القرآن ? خلق الإنسان ? علمه البيان ((130).
3) تسخير ما في السموات والأرض له : قال تعالى :( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ((131).
4) حفظ الله له ورعايته إياه : قال تعالى :( إن كل نفس لما عليها حافظ ((132)، وقال :( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ((133).
5) تحميله الأمانة وإعطاؤه حرية الاختيار : قال تعالى :( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً ((134).
6) إرسال الرسل إليه لهدايته وإنقاذه : قال تعالى :( كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ((135) وقال :( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ((136).
- إلى غير ذلك من صور التكريم التي تؤصل قضية "حقوق الإنسان" من خلال آيات القرآن(137) .
ثانياً: من تأصيل "حقوق الإنسان" في القرآن :
تلك الآيات الجامعة لأنواع من الحقوق ، والتي وردت على سبيل الإلزام والوجوب المؤكد ، منها: آيات الحقوق في آخر سورة الأنعام ، التي تقدم الكلام عنها قريباً .
- ومنها: الآيات الجامعة لجملة من الحقوق في أول سورة الإسراء ، بدءً من قوله تعالى :( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً .. ( إلى قوله
:( ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً ((138).
فإذا طبقنا الأسس الأربعة لمفهوم "حقوق الإنسان" في القرآن ، التي سبق ذكرها ، نجد أن هذه نصوص شرعية محكمة ، تضمنت عدداً من القواعد والمبادئ المنظمة لعلاقة الإنسان بغيره مثل:
- حق الوالدين ( وبالوالدين إحساناً ( .
- حق ذوي القربى ( وآت ذا القربى حقه ( ، ومن حقه: صلة الرحم والإحسان إليه .(1/25)
- حق المساكين وابن السبيل :( والمسكين وابن السبيل ( .
- حق الأولاد :( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ( .
- حق الحياة :( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ( .
- حق اليتيم :( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ( .
- الوفاء بالعهد :( وأوفوا بالعهد ( .
- العدل في الكيل والقسط في الميزان :( وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ( .
ثم إن هذه الحقوق والمبادئ جاءت على سبيل الوجوب والإلزام ، الذي يدل عليه :
1) قوله تعالى في أول الآيات :( وقضى ربك ( . أي: حكم وأمر أمراً
جازماً(139) . قال القرطبي :( أي أمر وألزم وأوجب )(140) اهـ .
2) صيغة الأمر الذي يقتضي الوجوب ، والنهي الذي يقتضي التحريم ، مثل :( وآت ، وأوفوا ، وزنوا ، ولا تقتلوا ، ولا تقربوا ، ... ) ونحوها .
3) التعقيب الوارد في آخر بعض الآيات : كقوله :( إن قتلهم كان خطئاً
كبيراً ( ، وقوله :( إن العهد كان مسئولاً ( .
* ومن الآيات الجامعة التي تؤصل بعض مبادئ "حقوق الإنسان" في القرآن : آية الحقوق من سورة النساء :( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ((141).
- فهذا نص شرعي ، تضمن الأمر بأداء حقوق أصناف من الناس :( الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين والجيران والأصحاب والمسافر المنقطع وملك اليمين من العبيد والإماء ) ، وهو تنظيم واضح لعلاقات الإنسان بتلك الأصناف المذكورة .
إلى غير ذلك من الآيات المشابهة ، والتي تؤكد مفهوم "حقوق الإنسان" في القرآن الكريم ، وتؤصله وتضع أسسه وقواعده .(1/26)
ثالثاً: ومما يؤصل مبادئ "حقوق الإنسان" في القرآن ؛ ارتباطها الوثيق بجوانب الحياة الأخرى ، كالعقيدة والعبادة والمعاملات والعلاقات الاجتماعية ونحوها ، وهذا ظاهر من الآيات السابقة التي اقترن فيها الأمر بتوحيد الله مع الأمر بحقوق العباد :( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً .. ((142)، ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ((143).
كما أن هذه الحقوق هي واجبات شرعية ملزمة ، فهي عبادات يؤجر على فعلها ، ويحاسب على تضييعها ، وهي تنظم في مجموعها علاقات الناس ومعاملاتهم وحياتهم الاجتماعية ، فأصحاب هذه الحقوق هم فئات مختلفة من المجتمع مثل: الآباء والأمهات ، الأيتام ، الجيران ، الأبناء ، المرأة ، وهكذا .
- ومن جهة أخرى : ترتبط هذه الحقوق بالضرورات الخمس ، التي جاءت الشرائع والرسالات بحفظها ، ذلك أن مصالح الناس الدنيوية والأخروية ، إنما تكون بحفظ مقاصد الشريعة ومنها هذه الضرورات ، فهي من الدين المشترك بين الأنبياء جميعاً ، يدل على هذا قول الله تعالى :( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين .... ((144) الآية ، وقوله :( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً ? وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل ((145).
- وفي هذا دلالة واضحة على أن كافة الشرائع ، جاءت بحفظ تلك الضرورات، وهي قاعدة عظيمة لحفظ حقوق الأفراد والمجتمعات العامة والخاصة(146)، ففي حفظ الدين مثلاً ، إعطاء لحق التدين والعبادة ، وفي حفظ النفس منح لحق الإنسان في الحياة ، وفي حفظ النسل ، تأكيد لحق الإنسان في التزوج ، وحفظ المال يتضمن حق الإنسان في التملك والسعي في الأرض وممارسة أنواع المعاملات كالبيع والشراء والشراكة والتجارة ، ونحوها ، وحفظ العقل فيه حق الحرية في التفكير والتدبر ، وهكذا .(1/27)
وإذا تأملنا ما تقدم من آيات الحقوق وغيرها ، نجد أنها تجمع بين مراعاة "حقوق الإنسان" وبين حفظ هذه الضرورات(147) .
رابعاً: ومما يؤصل "حقوق الإنسان" في القرآن ، كثرة الفئات التي راعى القرآن حقوقها ، إضافة إلى تعدد أنواع الحقوق(148)، وسأذكر بعض تلك الفئات وحقوقها كما وردت في القرآن :
1) ولاة الأمور : ومن حقوقهم ؛ الطاعة في المعروف ، قال تعالى :( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ((149).
2) الأصناف التسعة الواردة ذكرهم في آية سورة النساء ، حيث قال تعالى
:( وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ((150).
3) المستضعفون من النساء والولدان واليتامى : كما قال تعالى في شأنهم
:( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط ((151).
4) الطفل المولود: ومن حقه الرضاع ، قال تعالى :( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ((152)، إضافة إلى حقه في الحياة ، قال تعالى :( قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم .. ((153) الآية ، وقال
:( ولا يقتلن أولادهن ((154).
5) النساء : وقد نص القرآن على حقوقهن عموماً ، كما ذكر فئات منهن كالمطلقات والزوجات والأمهات وغيرهن ، قال تعالى :( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ((155) أي: أعطوهن مهورهن عطية واجبة ، وفريضة لازمة(156)، وقال تعالى :( ... وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ((157).
وهذا في حق الميراث ، وقال في شأن الزوجات :( وعاشروهن بالمعروف ((158) .(1/28)
6) الأعداء: من الكفار ومن في حكمهم ، وهم أصناف: المشركون وأهل الكتاب والمنافقون ، ومع مخالفتهم لنا ديناً وعقيدة ، فقد أعطاهم القرآن حقوقاً متعددة ، منها: الوفاء لهم بالعهود والمواثيق ، كما قال تعالى:( .. إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم حصرت صدروهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً ((159)، فهذا نهي من الله عن قتال طائفتين : الداخلين في العهد المتمسكين به ، والمعتزلين للحرب الراغبين في عقد الصلح بينهم وبين المسلمين(160) .
وقال تعالى :( ... وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ((161)، أي :( إن طلب منكم المؤمنون النصرة لهم على المشركين ، فواجب عليكم النصر ، إلا إذا استنصروكم على قوم لهم عهد وميثاق بينكم وبينهم فلا تنصروهم ولا تنقضوا العهد الذي بينكم وبين أولئك القوم حتى تنقضي مدته )(162) اهـ .
ومن حقوقهم أيضاً: البر والإحسان إلى غير المقاتلين منهم ، قال تعالى :( لا ينهاكم الله من الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ((163) . وهي آية عامة في جميع الكفرة ، قال الطبري :( عني بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ، من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم ، وتقسطوا إليهم ، لأن الله عز وجل عم بقوله :( الذي لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ( جميع من كان ذلك صفته ، فلم يخصص به بعضاً دون بعض ، ولا معنى لقول من قال : ذلك منسوخ ، لأن بر المؤمن من أهل الحرب ممن بينه قرابة نسب ، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب ، غير محرم ولا منهي عنه ، إذا لم يكن في ذلك دلالة له ، أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام ، أو تقوية لهم بكراعٍ أو سلاح )(164) اهـ .(1/29)
- إلى غير ذلك من أنواع الحقوق وأصناف الفئات ، والتي تؤكد عناية القرآن بمبدأ حقوق الإنسان .
المطلب الثالث: خصائص "حقوق الإنسان" في القرآن :
من خلال ما سبق بيانه في مفهوم "حقوق الإنسان" وتأصيله في القرآن الكريم ، يمكن أن نستشف معالم مهمة ، وخصائص مميزة ، لمبادئ "حقوق الإنسان في القرآن" ، فمن ذلك:
1) أن مصدرها الوحي المتمثل في القرآن والسنة النبوية ، فهي منحة ربانية ، أوجبها الله للإنسان ، فهي ليست من مخلوق لبشر مثله ، يمنّ بها عليه متى شاء ، أو يمنعها إذا شاء(165)، كلاّ ، بل هي فرض لازم وحق واجب ، من الخالق سبحانه لبني الإنسان . وقد أشارت الآيات إلى هذا في عدة مواضع كما تقدم في مثل قوله تعالى :( ذلكم وصاكم به ((166) وقوله :( فريضة من الله ((167) وقوله
:( وقضى ربك ((168) وغيرها .
2) أنها تنبع من التكريم الإلهي للإنسان ، الذي أكدته النصوص القرآنية الصريحة الواضحة ، كقوله تعالى :( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ((169)، وغيرها . ولذا فإن القيام بهذه الحقوق ، هو جزء من دين المسلم وعبوديته لله تعالى ، وأمر مستقر في فطرة الإنسان التي فطره الله عليها(170) .
3) أنها شاملة لجميع أنواع الحقوق : الاجتماعية والمالية والسياسية والشخصية وغيرها ، كما أنها عامة لكل أصناف المجتمع ، ولجميع أفراده ، حتى المخالفين منهم ، كما تقدم ذكره آنفاً .
4) أنها ثابتة لا تقبل الإلغاء ولا التبديل ولا التغيير ، لأنها جزء من الدين ، ولأنها فرض من رب العالمين ، الذي حفظ دينه عامة ، قال تعالى :( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ((171) فهو باقٍ إلى قيام الساعة ، وهو صالح لكل زمانٍ ومكان ، بينما وثائق البشر عرضة للنقض والتعديل في كل وقت وحين .(1/30)
5) أنه يترتب على أدائها الجزاء والثواب ، وعلى التقصير فيها : الحساب والعقاب ، ذلك أنها واجبة ملزمة ، يؤكد ذلك بجلاء : قول النبي ( :( لتؤدّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة ، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء )(172) .
6) أنها أحيطت بضمانات لحمايتها من الانتهاك(173)، تتلخص في :
أ) إقامة الحدود الشرعية ، التي من مقاصدها : المحافظة على حقوق الأفراد ، وحفظ الضرورات الخمس .
ب) تحقيق العدالة المطلقة التي أوجبها الله على العبادة في جميع الحالات :( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ((174).
إلى غير ذلك من الخصائص التي تميز منهج "حقوق الإنسان" في القرآن ، وتؤكد تفرده بالصلاحية المطلقة ، والعصمة من كل خلل :( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون ((175).
المبحث الثالث :
العلاقة بين المنهج الأخلاقي وحقوق الإنسان في القرآن الكريم
المطلب الأول :
مقارنة بين المنهج الأخلاقي وحقوق الإنسان في القرآن الكريم :
لقد ظهر من خلال المبحثين السابقين مدى الارتباط الوثيق بين قضية "الأخلاق" وقضية "حقوق الإنسان" في القرآن الكريم . فهناك أوجه شبه واضحة ، وعلاقة حميمة ، ترجع في أصلها إلى أن كلتا القضيتين هي جزء من الدين الإلهي ، والمنهج الرباني ، وعليه فلابد أن تكون لهما تلك السمات والمزايا التي اختص بها الإسلام ، وتفرد بها هدي القرآن ، ذلك أن الله حكم -وهو أحكم الحاكمين- بما قاله في محكم كتابه الكريم :( إن الدين عند الله
الإسلام ((176)، وقال أيضاً :( ومن يتبع غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ((177).
- وفي هذا المطلب سأجري مقارنة في الجانب النظري التأصيلي بين القضيتين ، ليتبين لنا من خلالها حقيقة العلاقة والصلة بينهما ، وذلك من خلال النقاط الآتية:
أولاً: أوجه الشبه :(1/31)
1) من ناحية المفهوم الاصطلاحي : حيث تبين مما سبق أن كلا من : مفهوم "المنهج الأخلاقي" و "حقوق الإنسان" يتضمن الأمور المشتركة التالية :
أ) النص الشرعي من الكتاب والسنة .
ب) الصفات والقواعد والمبادئ .
ج) تنظيم علاقة الإنسان بغيره .
2) من ناحية التأصيل القرآني لهما: إذ يتشابهان في عدة أشياء منها :
أ) الآيات الجامعة : فقد وردت جملة من الآيات التي تجمع مكارم الأخلاق ؛ كآيات سورة "المؤمنون" وآخر الفرقان ، ونحوهما ، كما وردت جملة من آيات الحقوق ؛ كآيات سورة الإسراء وآخر الأنعام ونحوهما .
ب) ارتباطهما بجوانب الحياة الأخرى : من ناحية الاعتقادات والعبادات والمعاملات والعلاقات الأسرية والاجتماعية والدولية وغيرها .
ج) علاقتهما بمقاصد الشريعة وحفظ الضرورات الخمس .
د) تعدد أنواعهما وأقسامهما ، خاصة وأن كلا منهما يشمل ناحيتين رئيستين : الناحية الشخصية ، والناحية الاجتماعية .
هـ) تعدد الفئات وأصناف الناس التي روعيت لهم تلك الأخلاق والحقوق .
3) من ناحية الخصائص والمزايا :
يتفق "المنهج الأخلاقي" و "حقوق الإنسان" في عموم الخصائص ، للسبب الذي تقدم ذكره -وهو أن كليهما جزء من الدين- فهما يشتركان في الآتي :
أ) المصدر: وهو الوحي المتمثل في الكتاب والسنة .
ب) الشمول لجميع الأنواع ، والتوازن بين جميع الجوانب .
ج) العموم لجميع الأصناف والفئات .
د) الصلاحية لكل زمان ومكان .
هـ) الثبات والأصالة .
و) ترتب الجزاء والثواب عليهما .
- إلى غير ذلك من الخصائص والمزايا والمعالم .
ثانياً: أوجه الاختلاف (الفرق بينهما) :
لقد ظهر لي من خلال تأمل مفهومي "المنهج الأخلاقي" و "حقوق الإنسان" في اللغة والقرآن ، وكذا أنواع وخصائص كل منهما ، أنه رغم الاشتراك وأوجه الشبه الكثيرة بينهما ، إلا أن هناك فروقاً دقيقة ألمحها ، وألخص ما يتعلق بها في الآتي :(1/32)
1) من حيث حقيقة كل منهما ، والعامل المؤثر فيهما : فإن المؤثر الأكبر في "الأخلاق" أصلاً: هو السجية والطبع ، فالدافع النفسي فيها أقوى ، ولذا فإنه يقبل فيها (العفو) أي ما فضل من أخلاق الناس وسمحت به نفوسهم ، وسهل تناوله ، من غير إجهاد لهم ، ومع مراعاة طبائعهم وإعذارهم وترك الإغلاظ عليهم ، فلا يكلّفوا ما لا تسمح به طبائعهم ، بل يشكر من كل أحد ما لديه من خلق جميل ، ويتجاوز عن تقصيرهم ، ويغض الطرف عن نقصهم(178) . ذلك مع حثهم ومطالبتهم بالتعود على المكارم ، كما تقدم في حديث ( وإنما الحلم بالتحلم ) ، وحديث ( ومن يتصبر يصبره الله )(179) .
يدل على ذلك قول الله تعالى :( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ((180) .
قال الطبري :( معناه : خذ العفو من أخلاق الناس -وهو الفضل وما لا يجهدهم- واترك الغلظة عليهم )(181) .
ونقل هذا المعنى عن ابن الزبير ومجاهد وعروة ، ومن ذلك قول ابن الزبير :( ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس )(182) .
وقال الزمخشري :( العفو: ضد الجهد: أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم ، وما أتى منهم وتسهل من غير كلفة ، ولا تداقهم ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لا ينفروا ... ) إلى أن قال :( .. وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها )(183) اهـ .
وكذا قال السعدي :( هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس ، وما ينبغي في معاملتهم )(184) اهـ .(1/33)
- أما بالنسبة "للحقوق" فإن المؤثر الأصلي فيها هو: الوجوب والإحكام والمطابقة والموافقة . فالدافع الخارجي -وهو الإلزام الشرعي- فيها أقوى ، ولذا فقد جاءت مؤكدة بالأمر بها ، والتحذير من التفريط فيها ، والنهي عن ضدها ، والوعيد الشديد لمن انتهكها ، والقصاص في الآخرة ممن اعتدى على حق منها ، كما في حديث "لتؤدن الحقوق إلى أهلها" المتقدم ، إضافة إلى الضمانات التي أحيطت بها لحمايتها من الانتهاك ، ومنها: الحدود الشرعية الحازمة ، التي لا مجال للتهاون في تطبيقها بحال ، يدل على ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها-
:( أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله -(- ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله ( ؟ فكلم رسول الله ( فقال: أتشفع في حد من حدود الله ؟ ثم قام فخطب فقال: يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها )(185).
2) من حيث الحكم الشرعي: فالفارق هنا أوضح ، إذ أن جميع "الحقوق" واجبة وملزمة شرعاً ، والآيات الواردة فيها ، جاءت مؤكدة بصيغة الأمر وغيرها ، كما تقدم مثاله في آيات الأنعام والإسراء والنساء ونحوها .
أما "الأخلاق" فهي على ضربين :
الأول: أخلاق واجبة شرعاً ، مثل: العدل ، والصدق ، وبر الوالدين ، ونحو ذلك.
الثاني: أخلاق مستحبة شرعاً ، مثل: العفو عمن ظلم ، وكظم الغيظ ، والسخاء، ونحوها .
- ويمكن الاستدلال على ذلك بالآيات التي جاءت بذكر تلك الأخلاق على جهة الحث والندب ، كآيات سورة "المؤمنون" والفرقان والمعارج ونحوها ، فقد تضمنت بعضاً من الأخلاق الواجبة ، وشيئاً من الأخلاق المستحبة .(1/34)
3) يظهر من خلال ما سبق ، أن هناك تلازماً بين "الأخلاق" و "الحقوق" ، وبينهما عموم وخصوص ، فالأخلاق أعم من جهة اشتمالها على أكثر الحقوق اللازمة ، وعليه فإن كل حق واجب ، هو خلق حسن ، وهو من النوع الأول (الأخلاق الواجبة) ، وليس كل خلق حسن هو حق واجب وملزم .
فهما يجتمعان من حيث المدح والترغيب فيهما ، ويفترقان من حيث الوجوب والإلزام بهما .
4) أمثلة تطبيقية لما سبق :
أ) من الحقوق الملزمة شرعاً: بر الوالدين ، وهو خلق جميل حسن ، نظراً لوجوبه فلا يقبل التهاون فيه ، ويحرم عقوقهما ، ولا يعذر فيه بحجة السجية والطبع لمن كان في خلقه سوء وشدة مثلاً ، بل المطلوب فيه غاية البر والتذلل ، كما قال تعالى :( فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً ? واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ... ((186) الآية .
وكذا فإنه يترتب على التفريط فيه العقاب الشديد ، كما دلت على ذلك النصوص الشرعية الكثيرة ، ومن أصرحها قول النبي ( :( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ .. إلى أن قال :( الإشراك بالله وعقوق الوالدين .. )(187) الحديث .
إذاً: فبر الوالدين جمع بين كونه حقاً شرعياً ملزماً ، وبين كونه خلقاً حسناً واجباً .
ب) من الأخلاق الحسنة المستحبة : العفو عمن ظلم والصفح عنه ، لكنه ليس بحق واجب على المظلوم ، بل مطلوب منه على جهة الحث والترغيب ، كما قال تعالى في وصف المتقين :( الذي ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ((188)، وقال أيضاً :( وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله ((189).
وقال ( :( ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله )(190) .
المطلب الثاني :
أثر تطبيق "المنهج الأخلاقي في القرآن" في احترام حقوق الإنسان :(1/35)
إن ذلك التداخل والتشابه بين المنهج الأخلاقي وحقوق الإنسان في القرآن الكريم، لابد وأن يترك أثراً كبيراً في الجانب التطبيقي العملي ، فالالتزام بذلك المنهج الأخلاقي الفريد ، الذي هو القرآن كله ، يقتضي حتماً احترام "حقوق الإنسان" بصفة خاصة ، وغيرها من الواجبات الدينية والأحكام الشرعية بصفة عامة .
وتوضيحاً للآثار المترتبة على تطبيق المنهج الأخلاقي في القرآن في احترام مبادئ حقوق الإنسان ، ألخصها في الآتي :
1) أن الأخلاق الواجبة في أداء للحقوق بكمالها وتمامها ، وهذا أعظم احترام لحقوق الإنسان ، حيث جعل "المنهج الأخلاقي في القرآن" تطبيق هذه الأخلاق وممارستها واقعاً ؛ جزءاً من الدين ، يترتب عليه الجزاء والحساب ، والثواب والعقاب(191) .
2) أن الأخلاق المستحبة بعمومها ، تدعم وتقوي جانب احترام الحقوق وتزيدها قيمة واعتباراً ، فلئن كانت الأخلاق الواجبة تفرض الحد الأدنى الذي يلزم اداؤه، فإن المستحب منها يضيف أضعاف ذلك الحد المفروض ، ويعمق تطبيعها ، حتى يتلذذ المسلم بأدائها ، ويسعى للوصول إلى أقصى درجاتها ، فعلى سبيل المثال : من الحقوق المفروضة في منهج القرآن :"حق المسكين" ، وربما كان الحد الأدنى منه الإنفاق عليه ، ووجوب دفع الزكاة إليه ، لكن آيات المنهج الأخلاقي في القرآن ، جاءت بالحث على مطلق "الإحسان" إليه ، من غير تحديد لنوع الإحسان ، ولذا فإن أداء خلق "الإحسان" نحوه ، يفتح للمحسن أبواباً من البر والخير لا تقف عند حد ، وكلما كان الإحسان إليه أكثر ، كان الأجر أعظم ، وتعمق أداء الحق بصورة أكبر .
3) أن الالتزام بالمنهج الأخلاقي القرآني يضبط سلوك الفرد ، فيتصرف في ضوئه وعلى هديه(192)، وبالتالي يوجهه هذا المنهج إلى عدم الاعتداء على حقوق الغير ، وإلى احترامها وتقديرها ، حتى يصبح هذا الانضباط السلوكي الداخلي ، هدياً له وسمتاً .(1/36)
4) أن تطبيق المنهج الأخلاقي هذا ، يصلح الفرد نفسياً ، ويوجهه نحو الخير والإحسان الواجب -وهو أداء الحقوق المفروضة للآخرين- كما يوجهه إلى كافة مكارم الأخلاق التي توفر حياة نظيفة سليمة ، يضمن فيها الفرد احترام حقوقه كاملة غير منقوصة(193) .
5) أن أداء الأخلاق القرآنية ، يرفع الإنسان عن النقص البشري الذي يقع نتيجة لبعض صفات النقص ، التي منها الاستهتار بحقوق الآخرين ، واللامبالاة نحوهم ، وغيرها . فتأتي هذه الأخلاق لتكمل هذا النقص ، وتسد الخلل ، وتجبر الضعف، فينشأ الفرد المسلم راقياً في أخلاقه ، كاملاً في صفاته ، محترماً لنفسه ، ومراعياً لحقوق غيره .
6) أن الاتصاف بمنهج الأخلاق القرآني ، يحفظ على المجتمع تماسكه ويضمن له الاستقرار والثبات ، ويربط بين أجزائه من الجوانب المختلفة : ثقافياً واجتماعياً وخلقياً ، ونحوه .
وهذا الترابط والتماسك يورث احتراماً حقيقياً للحقوق بأنواعها ، كما أنه بقي المجتمع -بإذن الله- من الأنانية المفرطة والنزعات والأهواء الطائشة ، التي غالباً ما تكون سبباً في انتهاك الحقوق والاعتداء على الحريات وغيرها(194) .
7) أن تطبيق القيم الأخلاقية الواردة في القرآن الكريم ، يتجاوز أثرها حفظ حقوق الفرد والمجتمع ، إلى إطار أرحب وأوسع ، وهو مجال العلاقات الدولية العامة ، فهناك حقوق عامة مشتركة بين أمم الأرض ، ينبغي أن يراعيها ويحترمها جميع العالم بدوله وشعوبه وأممه وأفراده ، مما يوجبه العرف ، ويمليه منطلق الفطرة والعقل السليم ، كالعدل والمساواة ، والحرية وحفظ الأمن ، ونشر العلم والفضيلة ، ومحاربة الجهل والفساد والرذيلة ، وفتح باب الحوار لبيان الحق ، ونحو ذلك (195) .
وهذه الحقوق وغيرها لا يمكن تحقيقها واحترامها -وخاصة في المخالفين- إلا إذا انطلقت من منهج أخلاقي شرعي ، يعتبر أداءها قيمة وفضيلة ، كما هو الحال في منهج القرآن .(1/37)
8) وتبعاً لأثر الأخلاق في احترام للحقوق المتعلقة بجانب العلاقات الدولية الخارجية ، فإن هذا الأثر كما يظهر في حال المسلم ، فهو ثابت في حال الحرب أيضاً ، رغم اختلاف الدين والعقيدة ، ويتبين ذلك من خلال حقوق المحاربين ، التي منها :
أ) ترك المساس بأمن المحايدين(196): كما قال تعالى في شأنهم :( ... فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً ((197).
فهؤلاء المحايدون المستسلمون لا يجوز قتلهم ولا أسرهم ولا نهب أموالهم ، لأن استسلامهم يمنع من ذلك ويحرمه(198).
ب) احترام حقوق المعاهدين ، ووجوب الوفاء لهم بمعاهداتهم ومواثيقهم ، ماداموا محافظين عليها غير ناكثين لها ، قال تعالى :( إلا الذين عاهدتهم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ((199). أي فلا يجوز قتالهم ، مادام هذا حالهم .
ج) مراعاة حق المرأة والطفل والشيخ الكبير ، وعدم جواز الاعتداء عليهم أو قتلهم، ما لم يقاتلوا ، قال تعالى :( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا
تعتدوا ((200) ويبين هذا قوله ( في وصاياه للسرايا والبعوث :( اغزوا باسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً )(201) . وفي الحديث الآخر :( أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله ( مقتولة ، فأنكر رسول الله ( قتل النساء والصبيان ) . وفي رواية :( فنهى رسول الله ( عن قتل النساء والصبيان )(202) .
إذاً فهذه الحقوق المعتبرة شرعاً ، والمحترمة واقعاً ، هي نتيجة لتلك الأخلاقيات العالية ، التي جاءت في منهج القرآن .(1/38)
9) ونظراً للاشتراك المتقدم بين "الأخلاق" و "حقوق الإنسان" في القرآن ، من حيث ارتباطهما بجوانب الحياة المختلفة من ناحية العقيدة والعبادة والمعاملة والعلاقات الأسرية والاجتماعية وغيرها ، ومن حيث علاقتهما بمقاصد الشريعة ، وحفظ الضرورات الخمس ، فإن تطبيق المنهج الأخلاقي في هذه الجوانب ، سيحقق جزءاً كبيراً من الغاية التي فرضت من أجلها "الحقوق" ، وهذا من أعظم آثار المنهج الأخلاقي في القرآن ، في احترام حقوق الإنسان .
10) أن الأخلاق الفردية العملية ، التي حث عليها القرآن ، حين يلتزمها المسلم، فإنها لابد أن تقوده إلى احترام حقوق الآخرين ، وتمنعه من الاعتداء عليها ، فمثلاً: من هذه الأخلاق الفردية: خلق العفة والاحتشام وغض البصر ، كما قال تعالى
:( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى
لهم .. )(203) الآية .
وتطبيق المسلم لهذا الخلق ، يلزم منه حتماً : احترام حقوق الغير ، فلا يعتدي على أعراض الآخرين ، ولا ينتهك حرماتهم ، ومثل ذلك يقال في خلق التواضع حين يلتزمه المسلم ، فإنه يحترم بذلك أنواعاً من الحقوق الاجتماعية ، كحق الوالدين والإحسان إلى الفقراء والمساكين ، وحق الآخرين في التعبير عن الرأي ، وهكذا(204) .
11) وفي المقابل فإن الأخلاق الأسرية والاجتماعية ، التي رغب فيها القرآن ، فإنها سبب في احترام حقوق كثيرة ، فمن الأخلاق الأسرية المحمودة : خلق الرحمة والمودة المذكورة في قوله تعالى :( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ((205)، وكذا خلق المعاشرة بالمعروف ، قال تعالى :( وعاشروهن بالمعروف ((206)، وأداء هذه الأخلاق وتطبيقها في الواقع العملي ، يؤدي إلى احترام حقوق مفروضة للزوجة ، كحقها في النفقة والسكن وحسن العشرة ونحوها ، وهكذا في سائر الأخلاق .
المطلب الثالث :
العلاقة بين الانحراف الخلقي ومبادئ حقوق الإنسان في القانون الدولي :(1/39)
إن ما تقدم بيانه من أثر عظيم للمنهج الأخلاقي القرآني في احترام مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام ، يقابله في الجهة الأخرى بيان الأثر السلبي لتجاهل "الأخلاق" في مبادئ حقوق الإنسان التي تضمنتها مواثيق وإعلانات ومعاهدات القانون الدولي المعاصر .
وإذا كانت الاستقامة الخلقية تنتج طهارة ونظافة ونقاء في النفوس والسلوك والآداب عامة ، فإن إهمال الأخلاق القويمة يفرز -ولابد- انحرافاً سلوكياً ، وفوضى إباحية ، وفساداً خلقياً .
إنها النتيجة الحتمية التي حكم بها أحكم الحاكمين ، وقضي بها رب العالمين، حيث قال عز وجل :( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى .. ((207) الآيات .
- إن المنهج الأخلاقي في القرآن بما حواه من قيم عليا ، ومبادئ سامية ، أحيطت بضمانات شرعية متعددة ، حفظت من خلال تطبيقه الحقوق والواجبات ، في جميع الضرورات ، ومختلف المجالات ، كما سبق ذكره ، إن هذا المنهج الرباني القرآني بخصائصه الفريدة ، لا يمكن أن يقارن أصلاً ، بمناهج البشر الهزيلة ، التي لا بد وأن يعتريها النقص والضعف والاضطراب والخلل .
وما تقدم كافٍ في تأصيل هذا المنهج الأخلاقي في القرآن وبيان مفاهيمه وخصائصه وآثاره ، ولكن إتماماً للفائدة ، وتمييزاً للأشياء بضدها ، أضفت هذا المطلب المختصر ، وألخص الكلام عن العلاقة بين الانحراف الخلقي ومبادئ حقوق الإنسان في القانون الدولي -وقد اعتمدت "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"(208) كوثيقة رسمية رئيسة(209)- في جانبين :
أولاً: الجانب التأصيلي:
وأعني به هنا الإشارة إلى أن مبادئ "حقوق الإنسان" في القانون الدولي ، تؤصل الانحراف الخلقي في المجتمعات الغربية ، وتسن له الأنظمة والقوانين التي تؤيده وتحميه . ذلك أن هذه المبادئ تنطلق في تنظيمها لعلاقات الناس من منطلقات منحرفة أصلاً ، ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي :(1/40)
1) إن الإنسان كائن أخلاقي بطبعه ، أي أن أعماله وتصرفاته تحمل معها قيمة خلقية ، وهذه مسألة لا ينكرها ولا يشك فيها أحد ، حتى الماديون والملحدون ، لكن القضية الأساس هي "المعايير" التي نقيس بها الأخلاق . ما مصدرها ؟ ومن يضعها ؟
- أما في منهج القرآن ؛ فالإجابة معلومة محسومة ، لأن الله سبحانه وتعالى هو وحده صاحب الأمر ، كما قال تعالى :( ألا له الخلق والأمر ((210)، كما أن المنهج الأخلاقي القرآني ، هو بمثابة ميثاق مع الله ، يوفي به المؤمنون ، وينقضه غير المؤمنين ، وتلك هي الحقيقة في أمر الأخلاق في الإسلام(211) .
- وأما في مناهج "القانون الدولي" ومن يقف وراءها من الوضعيين والماديين والعقلانيين والتجريبيين وغيرهم ، فقد ذهبوا بها مذاهب شتى توافق أهواءهم ، وهي ترجع إلى أربعة مذاهب(212):
الأول: يرى أن مصدر الأخلاق ومقياسها هو عرف المجتمع .
الثاني: يذهب إلى أنه الضمير الإنساني .
الثالث: يزعم أنه اللذة والمنفعة .
الرابع: يعتقد أنه العقل البشري .
وتلكم المذاهب ظلمات بعضها فوق بعض ، ومبناها جميعاً على أن الإنسان هو المشرع ، وله خصائص الألوهية ، التي تمنحها إياه الحرية المطلقة ، التي تنص عليها المبادئ والقوانين والوضعية ، لذا فإن الغالبية العظمى من الأمريكيين -مثلاً- وتبلغ نسبتهم (93%) يرون :( أن الناس أنفسهم يقررون الشيء الأخلاقي في حياتهم ، ويقول بعض من شملتهم عينه هذه الدراسة : إن سلطتهم الشخصية وإرادتهم وأهواءهم هي أعلى من سلطة الإله )(213) .
- إن هذه النظرة وحدها هي أكبر غواية وأعظم ضلال تضله البشرية ، وهي مصدر التفلت والانحراف في سائر مجالات الحياة ، ولن تبقى للناس بعدها قيم منضبطة ، ولا أخلاق مستقيمة ، ولن تجني غير مزيد من التخبط والانحلال والانحراف ، تلكم هي "الجاهلية" الحقة(214)، قال تعالى :( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ((215).(1/41)
2) إن بعض قوانين ومبادئ حقوق الإنسان ، قد ألمحت إلى بعض الأخلاقيات ، وأشارت إلى شيء من القيم ، ولكن لأن منطلقها النظرة المتقدمة ، ومصدرها: العرف أو الضمير أو اللذة أو العقل ، على الاختلاف المذكور آنفاً بين المذاهب ، فإنه يلحظ عليها أنها مجرد أخلاق فلسفية ، من أبرز سماتها ما يلي(216):
أ) أنها أفكار نظرية ذهنية ، لا تكاد توجد في غير عقل صاحبها ، وليس لها من الواقع نصيب يذكر .
ب) أنه لم يتفق فلاسفة تلك الأخلاق على "مقياس أخلاقي" يزنون به السلوك البشري ، فليس هناك سبيل إلى "اليقين الأخلاقي" أو "المرجعية الأخلاقية" المنضبطة .
ج) أنها أخلاقيات جافة ، تركز على جانب العقل والمادة فقط ، مهملة جانب الروح والعاطفة والوجدان ، مع أن هذه الجوانب قد تكون أكثر تأثيراً في سلوك الإنسان وواقع حياته .
- إن تلك المبادئ التي تتضمن هذه "الأخلاقيات" ، المنطلقة من تلك النظرة ، المختلف في مصدرها ومقياسها ، الموصوفة بهذه الخصائص والسمات ، لا يمكن أن تنشئ منهجاً أخلاقياً عدلاً ، أو قيماً سلوكية مثلى ، بل إنها تعمق الانحراف الأخلاقي ، وتكرّس قيم الرذيلة والفساد ، قال تعالى :( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ((217).
3) إن تلك المبادئ والقوانين ، تنطلق من الفكر الغربي المادي ، الذي يحتقر الروحيات ، ولا يحفل بالمعنويات ، ولا يؤمن بالمثل العيا ، والقيم السامقة ، فهي مبادئ قائمة على عبادة المادة وتأليه الدولار ، يقول "ليوبولد فايس" النمساوي الذي أسلم وتسمى باسم "محمد أسد" :( إن الأوربي الحديث سواء عليه أكان ديمقراطياً أم فاشياً ، رأسمالياً أم بلشفياً ، صانعاً أم مفكراً .. يعرف ديناً إيجابياً واحداً هو التعبد للرقي المادي )(218) اهـ .
ويقول الصحفي الأمريكي المشهور "جون جنتر" في كتابه "في داخل أوروبا"(1/42)
:( إن الإنجليز إنما يعبدون بنك إنجلترا ستة أيام في الأسبوع ، ويتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة )(219) اهـ .
ويقول الأستاذ "جود" معلم الفلسفة وعلم النفس في جامعة لندن :( إن النظرية المهيمنة السائدة على هذا العصر هي النظرية الاقتصادية ، وأصبح البطن أو الجيب ميزاناً لكل مسألة ، فبمقدار اتصالها بالجيب وتأثيرها فيه يقبل الناس عليها ويعنون بها )(220) اهـ .
- إن مبادئ "حقوق الإنسان" في الغرب ، مهما ادعت التحرر والرقي بالإنسان ونحو ذلك ، فإنها لن تنفك عن التأثر بتلك النظرة المادية النفعية ، وقد اعترف الغرب بهذا الأمر علناً كما صرح كثير من مفكريه -كما تقدم- وكما قال "صموئيل بتلر" :( فنحن مشغوفون بحب المال ، وعقيدتنا أن الثروة هي المقياس الصحيح لعظمة الفرد والحكومة ) ، ثم ذكر أن هذه الحقيقة كانت سبباً لظهور مبدئين مهمين :
الأول: أن الإنسان يبني عمله على أعظم نفع يجلبه ، وأن الباعث على الأعمال هو التلذذ بالثروة .
والثاني: أن نظام الإنسان الاقتصادي يتأسس على حوائج الإنسان المالية ، وأن هذا النظام هو الذي يخلق الأدب والأخلاق والدين والمنطق ونظام الحكومة(221) .
إذاً مادام أن هذه النظرة المادية الأرضية ، هي التي تؤسس الأدب والأخلاق ، بل الدين ونظام الحياة كلها ، فهل ينتظر منها سوى ذلك الانحراف الخلقي ، والرذيلة والانحلال(222) .
ثانياً: الجانب التطبيقي :(1/43)
وفيه أورد بعض مواد "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" المنطلقة من الجانب التأصيلي السابق ، ثم أردفها بذكر نماذج من الانحراف الخلقي في واقع الحياة الغربية ، الذي نتج عن الالتزام بتلك المواد والمبادئ ، والتي أفضت بهم إلى حياة بهيمية ، يصدق على أصحابها قول الله تعالى :( أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ((223)، حتى قال قائلهم -وهو الكاتب الإنجليزي "أوسبورن"- :( نحن موتى ، مكدرون ، مضيعون ، نحن سكيرون مجانين ، نحن حمقى ، نحن تافهون )(224) اهـ .
وقال "برتراندرسل" :( إن حيوانات عالمنا يغمرها السرور والفرح ، على حين كان الناس أجدر من الحيوان بهذه السعادة ، ولكنهم محرومون من نعمتها في العالم الحديث ، واليوم أصبح من المستحيل الحصول على هذه النعمة
والسعادة )(225) اهـ.
وبيان هذا الجانب كما يلي :
أ) نصوص ومواد "مبادئ حقوق الإنسان" في القانون الدولي ، التي أورثت ذلك الإنحراف الخلقي ، فمنها :
1- المادة (2): ( لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان ، دون أي تمييز ، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر ، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر ، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء ) أهـ .(1/44)
- فهذا النص القانوني يعطي مطلق الحريات للفرد ، ويلغي قيمة "الدين" ويهمل التفاضل بين الناس من منطلق اعتقاداتهم ومناهجهم التشريعية ، فيساوي بين عابد الإله الحق ، وعابد الوثن والحجر والبقر ، وعابد الشيطان والدولار وغيره ، وكأنه يساوي بين المعبودات أيضاً ، وهو ضلال مبين ، بل هو أصل الشقاء والنكد والانحراف ، ولا تقره الأديان ولا الشرائع الحقة بأجمعها ، [فهو عداء للدين من اصله ، حيث جعل واضعوه للحرية الشخصية مساحة أكبر مما جعلته الشرائع السماوية التي جاء بها الرسل عليهم السلام ، والتي أمرت بتوحيد الله ونهت عن الشرك والفواحش والمحرمات ، لكن الموقف العدائي من الدين عند أولئك القانونين من الغرب واضعي هذه المبادئ ، جعلهم ينتقلون من دور المحافظة على بعض المفاهيم الأخلاقية إلى الانسلاخ منها بحجة العمل بمبادئ حقوق الإنسان وإعطائه حريته الشخصية ، على أن الالتزام بمنهج الأنبياء في تقرير الحقوق يعطي الإنسان حريته وكرامته ، مقيدة بالمحافظة على الحقوق الأخلاقية لأخيه الإنسان وكرامته ، ذلك أن منهج الأنبياء في المحافظة على "حقوق الإنسان" يتميز بمميزات فريدة ، لم تصل تلك القوانين ولا إلى بعضها ، منها:
1- أن التكريم الإلهي للإنسان مبني على كونه عابداً لله بفطرته وعقيدته وعمله .
2- أن إنسانيته مرتبطة ارتباطاً قوياً بالأخلاق .
3- أن المحافظة على الاعتقاد الصحيح والأخلاق الفاضلة ، هي مهمة الرسل عليهم السلام ، وهي واجبة على أتباعهم .
4- أن الدين عند الله الإسلام ، وهي دعوة الرسل جميعاً .(1/45)
- لكن الغرب بقوانينه كفر بكل ذلك ، وشرع نفسه تلك المبادئ ، وجعل من أسسها الحرية الفردية -ومنها الحرية الجنسية- التي لا تحرّم الزنا -مثلاً- إلا في حالات محدودة ، ومن هنا شاعت الفواحش في الغرب ، وحماها القانونيون بمبادئ "حقوق الإنسان" وبغيرها من القوانين الوضعية ، حتى صار من حق الإنسان أن يمارس رغباته الجنسية المنحرفة بعيداً عن الدين والأخلاق ، ويعتبر ذلك أمراً مباحاً وحقاً ثابتاً ، ولو كره المؤمنون بالدين والغيورون على الأخلاق](226) .
2) المادة (18): ( لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ..) الخ .
وهي تأكيد لما ذكر في المادة السابقة (2) .
3) المادة (5): ( لا يعرّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة ) اهـ .
- وهذه المادة هي الضمان والحماية للرذيلة والانحراف الخلقي بأنواعه ، إذ أنها تلغي الحدود الشرعية ، التي فرضت لحفظ الضرورات ، ولحماية الحقوق من الاعتداء والانتهاك ، حيث يصف أصحاب هذه المواد تلك الحدود بالقسوة والوحشية ، كقتل القاتل وقطع يد السارق ورجم الثيب الزاني ونحوها -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً(227)- ، وبالتالي فهي تتنافى مع قوانينهم وأنظمتهم ومبادئهم ، ونسي هؤلاء أو جهلوا كثيراً من الحكم الإلهية ، والمقاصد الشرعية ، التي شرعت الحدود لأجلها ، نسوا -مثلاً- أن في قتل القاتل حياة للآخرين ، قال تعالى :( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ((228).(1/46)
- إذاً فالعقوبات والحدود الشرعية في الإسلام ، ليست انتهاكاً لحقوق الإنسان -كما يزعمون- كلا . بل من أعظم مقاصد تشريعها : حفظ حقوق الإنسان الدينية والخلقية ، وكذا حفظ النسل والآداب للمجتمع ، كما أن في تنفيذها : تطهير للمكلف من ذنوبه ، وإرجاع له إلى الحالة السوية ، إذ يعود محافظاً على أخلاقه وعلى حقوق المجتمع كله ، وفيها أيضاً ردع لعموم الناس من انتهاك الحقوق والتعدي عليها(229) .
4) سبق في المادة (1) النص على حق الإنسان في التمتع بكافة الحقوق والحريات، وفي نهايتها: (دون أية تفرقة بين الرجال والنساء) اهـ .
وجاء في المادة (16): ( ولهما -أي للرجل والمرأة- حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله ) أهـ .
- وما جاء في هاتين المادتين من مساواة بين الرجل والمرأة ، إن كان المقصود به التساوي في أصل الكرامة الإنسانية ، وأن للمرأة من الحقوق مثل ما عليها من الواجبات في القضايا المشتركة(230)، فهذا لا اعتراض عليه .
- وأما إن كان المقصود به مطلق المساواة في جميع الحريات والحقوق ، دون اعتبار لطبيعة كل منهما وخصائصه النفسية والجسمية والعقلية وغيرها ، فهذا ظلم للمرأة وتكليف لها بما لا يطاق ، وهو مصادم للفطرة السوية ، وهو متأثر في منطلقه بالحركة النسوية أو المذهب الأنثوي ، القائم على أساس الصراع بين المرأة والدين من جهة ، والعداء بين الرجل والمرأة من جهة أخرى .
ولذا فقد قامت لدى الغرب حركة تحرير المرأة على أساس مادي بحث ، لا علاقة له بالدين ولا بالروح ولا بالأخلاق أبداً ، لأن المرأة ندٌ للرجل ومنافس، وخصم ومقاوم ، ولأن المجتمع يقوم على الفرد -رجلاً كان أو امرأة-، ولا فرق بينهما ، فهو فرد وهي فرد ، وهو حر وهي حرة ، وهو يعمل ويكسب ، وهي تعمل وتكسب ، وهو مسؤول عن نفسه ، وهي مسؤولة عن نفسها .(1/47)
وهذه النظرة كانت من أكبر أسباب انهيار الأخلاق والقيم ، وتفكك الأسر ، وانتشار الانحراف السلوكي بأنواعه : من اتخاذ الأخدان والعشاق ، ومن الخيانات الزوجية وارتكاب الفواحش بأنواعها ، وقد أكدتها المعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق المرأة على وجه الخصوص(231) .
ب) إحصاءات وأرقام :
والمقصود من ذكرها بيان الآثار العملية الواقعية ، وكشف مدى الانحراف الأخلاقي في الغرب ، الذي نتج عن تطبيق القانون الدولي ومبادئ "حقوق الإنسان" الصادرة عنه ، وهذه الإحصاءات هي أكبر دلالة على فشل تلك المبادئ ، وأنها لم ولن تحقق للبشرية السعادة يوماً من الأيام :( بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج ((232).
- وهذه الأرقام والإحصاءات رغم أنها مهولة مفزعة ، إلا أنها في تنامٍ وازديادٍ عجيب أيضاً ، بل لا أبالغ إن قلت إنها متغيرة على مدار الساعة ، متضاعفة على طول الطريق ، ولقد عنيت بجميع وتتبع بعض هذه الأرقام من خلال الكتب والمجلات والصحف وقواعد المعلومات ، واحتفظت بكثير من القصاصات ، لكن الواقع المؤلم أنه كلما مرت فترة من الزمن ، اعتُبرت تلك المعلومات قديمة ، والأرقام ضئيلة ، لأنها تكون قد تضاعفت عشرات المرات -أحياناً- ، وذلك يدل بحق على استحالة حصر أنواع الفساد الخلقي ، والانحراف السلوكي ، فضلاً عن عد أرقامه ، وجمع إحصاءاته ، ويدل على مدى الشقاء النكد الذي ترزح تحته مجتمعات "حقوق الإنسان" بتلك المبادئ الجاهلية .
- ونظراً لما ذكرت فسأقتصر على طرف يسير جداً من تلك الإحصاءات ، على سبيل التمثيل ، محاولاً إيراد آخر ما وقفت عليه من أرقام ما أمكن(233):
1) الخمور - المخدرات - التدخين :
- 76 مليون أمريكي يشربون الكحول في أجواء عائلية .
- 61 مليون أمريكي مدخن .
- 100 ألف أمريكي يموتون سنوياً بسبب تعاطي الكحول(234) .
- 90% من شباب هولندا ما بين سن 18-24 عاماً، يشربون الكحوليات(235).(1/48)
- 96% من تلاميذ المدارس اليونانية ، الذين تقل أعمارهم عن 16 عاماً ، اعترفوا باعتيادهم شرب الخمور ، و 60% منهم يمارسون التدخين ، و 18% يدمنون المخدرات(236) .
- 4 ملايين إنسان يموتون سنوياً في العالم ، بسبب أمراض مرتبطة بالتدخين ، ويتوقع أن يصل العدد إلى 10 ملايين سنوياً في عام 2030م (237) .
- ذكر تقرير أخير من الأمم المتحدة : أن هناك الآن (180) مليون مدمن مخدرات في العالم(238) .
- في اليوم العالمي لمكافحة التدخين ذكرت النتائج أن هناك ( 1.1 مليار ) مدمن للتدخين في العالم ، مما يؤدي إلى وفاة (3.5) مليون شخص سنوياً ، أي بمعدل
(10) آلاف حالة وفاة يومياً بسبب التدخين(239) .
- بلغ عدد الذين يتعاطون الخمر في السبعينات في أمريكا (96-97) مليون نسمة(240) .
- حسب تقرير اللجنة الدولية للمخدرات : يوجد في العالم الآن ما يزيد على
(300) مليون مدمن للحشيش ، يتركزون في أمريكا وأوروبا وبعض دول آسيا وأفريقيا(241) .
- 75% من النساء الغربيات يتعاطين المخدرات(242) .
2) الزنا والخيانات الزوجية :
- مليون فتاة من المراهقات والقاصرات يحملن سفاحاً كل عام في أمريكا ، منهن (300) ألف دون الخامسة عشرة ، (400) ألف يقدمن على الإجهاض(243) .
- بلغت نسبة الأسر الأمريكية -بدون زواج- (22%) عام 1990م ، ووصلت إلى (48%) عام 2000م ، وبلغت نسبة الآباء الذين لم يتزوجوا على الإطلاق
(35%) من الرجال ، (42%) من النساء(244) .
- حصد فيروس الإيدز ما بين عامي (1981-2001م) 22 مليون إنسان ، كما أصيب بفيروس الإيدز (5.3) مليون شخص عام 2001م ، أي بمعدل
(14500) شخص في اليوم(245) .
- (1.5) تريليون دولار سوق البغاء في أمريكا .
- ثلث المواليد في العالم الغربي يأتون من الزنا(246) .
- بلغ عدد حالات الإجهاض في أمريكا في سنة واحدة : مليون و 529 ألف حالة(247) .
- 79% من نساء بريطانيا يكتشفن خيانة أزواجهن لهن .
3) الشذوذ الجنسي :(1/49)
- (50%) من الذكور الأمريكيين قد مارسوا الجنس المثلي (اللواط) في حياتهم، كما أن عدد من يمارس السحاق بين النساء الأمريكيات بلغ (1.5) مليون امرأة وفتاة(248) .
- (42%) من سكان النمسا لم يمانعوا من إصدار قانون يسمح رسمياً للرجل بالزواج من رجل(249) .
- (40%) من الرهبان يمارسون الشذوذ الجنسي ، (80%) منهم زناة(250) .
- اعترف الرئيس الأمريكي السابق كارتر بحقوق (20مليون) أمريكي من الجنسين يمارسون الشذوذ الجنسي بكل أنواعه(251) .
- في عام 1974م وافق البرلمان السويدي على زواج الأشقاء من بعضهم ، وباركت الكنيسة هذا العمل(252) .
4) الجرائم :
- يقتل في أمريكا يومياً (65) شخصاً بسبب العنف وجرائمه ، ويجرح أكثر من (6) آلاف، أي ما يوازي (3725) قتيلاً في السنة، و(2.190.000) جريح(253).
- أعلنت المفوضية الأوروبية للشئون الاجتماعية أن امرأة من أصل خمس في أوروبا تقع ضحية للعنف(254) .
- (21-23%) من نساء أمريكا مورس في حقهن الاغتصاب(255) .
- 4 جرائم في كل ثانية ما بين خطف وسرقة في أمريكا(256) .
- في دراسة أمريكية عام 1417هـ :(79%) من الرجال الأمريكيين يضربون زوجاتهم ، (83%) من الزوجات المضروبات دخلن المستشفى للعلاج من آثار الضرب .
- (300) امرأة أمريكية تتعرض للاغتصاب يومياً .
- في بريطانيا تستقبل شرطة لندن وحدها (100ألف) مكالمة سنوياً من نساء يضربهن أزواجهن .
- (772) امرأة قتلهن أزواجهن في مدينة ساوباولوا البرازيلية وحدها - عام 1980م (257) .
- سجلت حوادث السرقة في لندن خلال شهر يوليو 2001م : (5427) حالة، أي بمعدل (175) حالة سرقة في اليوم الواحد(258) .
- أفاد تقرير رسمي أن عدد السجناء في الولايات المتحدة سجل رقماً قياسياً في بداية عام 2001م ، إذ بلغ أكثر من مليوني سجين ، موزعين على أكثر من 1500 سجن(259) .(1/50)
- قدرت وزارة الخارجية الأمريكية عدد النساء والأطفال الذين تتم المتاجرة بهم في أغراض الدعارة (700) ألف(260) .
- أكدت دراسة قامت بها جمعية حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة ، أنه خلال العشرة السنوات الأخيرة تم بيع (20) مليون طفل في ظل ظروف صعبة(261) .
5) انهيار عام :
- أكد (43%) من الأمريكيين أن زواجهم الأول انتهى بالطلاق ، كما أكد
(71%) من الأمريكيين الذين يرتبط بعضهم ببعض ويعيشون معاً منذ 1999م، أنهم لم يتزوجوا لإيمانهم بأن الزواج سيفشل(262) .
- 85% من الزيجات في الدول الغربية تنتهي بالطلاق ، ومليون حالة طلاق سنوياً في أمريكا(263) .
- هناك محاولة انتحار واحدة في كل 17 دقيقة ، يقوم بها أمريكي ، وقد مات فيها حوالي (30) ألف أمريكي ، فيما أخفقت (200) ألف محاولة(264) .
- (12) ألف ألماني يقررون الانتحار سنوياً(265) .
- أفاد بيان لمنظمة الصحة العالمية أن مليون شخص في العالم ينتحرون كل عام ، كما أن هناك (10) مليون يحاولون الانتحار سنوياً(266) .
- 73% من فتيات بريطانيا حاولن الانتحار(267) .
- (50) مليون أمريكي يعرضون أنفسهم على العيادات النفسية سنوياً(268) .
- كشف تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن (450) مليون شخص يعانون من الأمراض العقلية والعصبية في العالم ، و(43%) منهم في دول أوروبا(269) .
- 75% من طلبة المدارس في فرنسا يشكون من القلق الحاد والتوتر العصبي ، 75% من نساء أمريكا يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي(270) .
وبعد: فهذا نتاج الحرية ، وذلكم هو الجحيم الدنيوي الذي حققته الحرية المزعومة ، ومبادئ "حقوق الإنسان" في العالم الغربي ، وقد جنى ذلك العالم ضياعاً وتعاسة ، وكآبة وإحباطاً ، لم يشهد العالم لها مثيلاً ، تلخصها آخر هذه الأرقام :
- أظهرت دراسة إحصائية جديدة أن واحداً من كل خمسة أمريكيين ، يعاني من التعاسة والكآبة والإحباط(271) .(1/51)
- (22) مليون أمريكي يعتقدون أنهم سيدخلون جهنم بعد وفاتهم ، و(28%) من طلاب الجامعات مقتنعون بأن الحياة جحيم لا معنى لها(272) .
- (80%) من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية هي سبب الانحلال والعنف(273) .
وأخيراً: فلقد جربت البشرية تطبيق تلك المبادئ التي شرعها البشر في قوانينهم الدولية -على مدى خمس وخمسين عاماً- منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م- ولقيت بسببه العناء والعنت والمشقة ، وجمعت ركاماً هائلاً من الدمار النفسي والاجتماعي مع الانحراف الأخلاقي . وأثبتت تلك التجربة فشلها في واقع الحياة ، حين صادمت الفطرة البشرية ، وتعلقت بالمادة لدرجة العبودية ، فتقدمت في الجانب التقني والتكنلوجي ، ولكنها خسرت أعظم شيء حين ارتكبت تلك الجرائم في حق الإنسان ، لقد خسرت "إنسانية الإنسان" ، التي اعتبر ، الإسلام المحافظة عليها ، هدفاً أساساً في منهجه القويم .
إن منهج القرآن وحده ، هو الذي يقيم الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والتعليمية والتربوية المتكاملة ، التي تعيد للإنسان إنسانيته، بعد أن هوت به المناهج البشرية إلى أسفل سافلين ، ولن يرده إلى تقويمه إلا الذي خلقه في أحسن تقويم :( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ? ثم رددناه أسفل سافلين ? إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ((274).
إن الإنسانية تتردى في الهاوية ، وتنتحر بيدها ، وتختنق بقوانينها ومبادئها، وهناك منهج واحد لا يتعدد ، هو الذي يملك إنقاذها ، وهناك طريق واحد فقط، هو طريق الخلاص ، إنه منهج القرآن وطريق الإسلام(275) :( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ((276).
الخاتمة(1/52)
وبعد تأمل شيء يسير من آيات القرآن العظيم ، ومحاولة الكشف عن بعض أسرار المنهج القرآني واستخراج بعض كنوزه ، خاصة في الجانب الأخلاقي وعلاقته بقضية حقوق الإنسان ، انطلاقاً من القرآن وحده(277)، إيماناً بكفايته وغنائه ، وتأصيلاً لقضايانا المعاصرة ، وإرجاعاً لها إلى أصولها الشرعية ، ألخص أهم النتائج فيما يلي:
1) أن القرآن قد عني بالجانب الأخلاقي عناية مميزة ، وله في ذلك منهج أصيل يلمسه من تدبر آيات الأخلاق في القرآن الكريم .
2) أن المنهج الأخلاقي في القرآن الكريم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بجانب العقيدة والعبادة والمعاملات والعلاقات الاجتماعية والدولية وغيرها ، إضافة إلى ارتباطه بمقاصد الشريعة وحفظ الضرورات الخمس ، ذلك أن العنصر الأخلاقي سمة بارزة في كل تلك الجوانب .
3) للمنهج الأخلاقي في القرآن خصائص تفرد بها ، من حيث الربانية والشمول والوسطية ، والثبات واليسر والواقعية ، وترتب الجزاء الدنيوي والأخروي عليه .
4) عناية القرآن الكريم بتأصيل قضية حقوق الإنسان ، بدءاً بتكريم الإنسان ، ومروراً بفرض تلك الحقوق على سبيل الوجوب والإلزام ، وانتهاء بالضمانات وأوجه الحماية لتلك الحقوق من الاعتداء والانتهاك .
5) تميزت "حقوق الإنسان" في القرآن الكريم بخصائص شبيهة بخصائص المنهج الأخلاقي ، ذلك أن كليهما يخرج من مشكاة واحدة .
6) هناك ارتباط وثيق وعلاقة حميمة بين المنهج الأخلاقي وحقوق الإنسان في القرآن الكريم ، من حيث المفهوم والتأصيل والخصائص ، إلا أن المؤثر الأكبر في جانب الأخلاق هو السجية والطبع ، وفي جانب الحقوق هو الوجوب والإلزام ، مع وجود تلازم كبير بينهما .(1/53)
7) للمنهج الأخلاقي في القرآن الكريم أثر كبير في احترام "حقوق الإنسان" ، فالأخلاق الواجبة هي أداء للحقوق المشروعة ، وتطبيق هذا المنهج الأخلاقي يضبط سلوك الفرد ويصلحه ، ويحفظ تماسك الجميع ، ويتعدى أثره إلى الحقوق الدولية العامة ، ونتيجة ذلك كله ، تحقيق الاحترام والتقدير للحقوق بأنواعها وأصنافها .
8) إن إهمال الجانب الأخلاقي في مبادئ حقوق الإنسان في القانون الدولي ، أورث انحرافاً خلقياً كبيراً ، وفساداً سلوكياً كثيراً ، بل تعاسة وشقاء ونكداً ، لفساد منطلقاتها أصلاً ، ولأن واضعها الإنسان ، الموصوف بالجهل والظلم ( إنه كان ظلوماً جهولاً ((278).
9) إن ذلك الركام الهائل من الفساد والانحراف الذي تثبته الأرقام والإحصاءات يدل على مدى الهاوية التي تسير إليها الجاهلية المعاصرة ، ولا خلاص لها إلا بمنهج القرآن .
هذا والله أعلم وصلى اله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
المراجع والمصادر
1- الأشقر : محمد بن سليمان / "زبدة التفسير من فتح القدير" / وزارة الأوقاف - الكويت / ط الثانية 1408هـ .
2- الأصفهاني : الراغب ، حسين بن محمد / "مفردات ألفاظ القرآن" / ت: صفوان داوودي / دار القلم - دمشق / ط الثانية 1418هـ .
3- الألباني: محمد ناصر الدين / "سلسلة الأحاديث الصحيحة / المكتب الإسلامي / ط الثانية 1399هـ .
4- ابن الأثير : المبارك بن محمد / "النهاية في غريب الحديث والأثر"/ ت: طاهر الزاوي، محمود الطناحي / المكتبة العلمية - بيروت .
5- ابن حنبل : أحمد بن محمد / المسند / المكتب الإسلامي - بيروت /ط الرابعة .
6- ابن عاشور : محمد الطاهر / "التحرير والتنوير" / الدار التونسية / ط 1984م .
7- ابن فارس : أحمد / "مقاييس اللغة" / ت: عبدالسلام هارون / القاهرة 1969م .
8- ابن القيم : محمد بن أبي بكر / "مدارج السالكين" / ت: رضوان جامع رضوان / المكتب الثقافي - الأزهر 2001م .(1/54)
9- ابن كثير : إسماعيل ، الدمشقي / "تفسير القرآن العظيم" / دار إحياء الكتب العلمية / فيصل البابي الحلبي .
10- ابن مسكويه / "تهذيب الأخلاق" / دار الكتب العربية - بيروت / 1401هـ .
11- ابن مفلح : محمد المقدسي / "الآداب الشرعية" / ت: شعيب الأرناؤوط ، عمر القيام / مؤسسة الرسالة - بيروت / ط الثانية 1417هـ .
12- ابن منظور: محمد بن مكرم/ "لسان العرب"/ دار إحياء التراث العربي - بيروت /ط الثالثة 1413هـ .
13- أبو داود: سليمان بن الأشعث/ "سنن أبي داود" / ومعه "معالم السنن للخطابي"/ دار الحديث - بيروت / ط الأولى 1391هـ .
14- البخاري: محمد بن إسماعيل /"الأدب المفرد" / مكتبة الآداب - القاهرة .
15- البخاري: "الجامع الصحيح" - صحيح البخاري / دار المعرفة - بيروت .
16- بسيوني : عبدالسلام / "ماذا يريدون من المرأة" / مكتب مجلة الأسرة / ط الأولى 1996م .
17- بسيوني: د. محمود شريف / "الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان" / دار الشروق / ط الأولى 1423هـ .
18- الترمذي: محمد بن عيسى / "سنن الترمذي = الجامع الصحيح" / مطبعة مصطفى الحلبي / ت: إبراهيم عطوة / ط الثانية 1395هـ .
19- الجاحظ/ "تهذيب الأخلاق" / دار الصحابة للتراث - القاهرة .
20- الجرجاني: الشريف علي بن محمد/ "كتاب التعريفات"/ دار الكتب العلمية - بيروت 1416هـ .
21- جوهري: د. محمد ربيع / "أخلاقنا" / مكتبة دار الفجر الإسلامية - المدينة المنورة / ط الرابعة 1420هـ .
22- الجوهري: إسماعيل بن حماد/ "الصحاح" / دار العلم-بيروت /ط الثالثة 1404هـ.
23- الحاكم : أبو عبدالله النيسابوري / "المستدرك على الصحيحين" / دار المعرفة - بيروت .
24- الحقيل: د/ سليمان بن عبدالرحمن/ "حقوق الإنسان في الإسلام" / مطابع الفرزدق - الرياض /ط الأولى 1414هـ .(1/55)
25- الحنبلي : أبو يعلى ، محمد بن الحسين / "المسائل الأصولية" / ت: عبدالكريم اللاحم / مكتبة المعارف - الرياض / ط الأولى 1405هـ .
26- دراز : د. محمد عبدالله / "دستور الأخلاق في القرآن" / مؤسسة الرسالة - بيروت / ط الرابعة 1405هـ .
27- الزحيلي: د/ محمد / "حقوق الإنسان في الإسلام" / دار القلم - دمشق .
28- الزرقا: مصطفى أحمد/ "المدخل الفقهي العام" / دار الفكر ، ط التاسعة .
29- الزمخشري: محمود بن عمر/ "الكشاف" / ت: محمد الصادق قمحاوي / مطبعة مصطفى الحلبي - مصر .
30- زمزمي : يحيى محمد حسن / "حقوق الإنسان : مفهومه وتطبيقاته في القرآن الكريم" / بحث مقدم إلى مؤتمر "حقوق الإنسان في السلم والحرب" الذي تنظمه جمعية الهلال الأحمر السعودي / 1424هـ .
31- السحمراني : د. أسعد / "الأخلاق في الإسلام والفلسفة القديمة" / دار النفائس - بيروت / 1988م .
32- السعدي: عبدالرحمن بن ناصر/ "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" / دار المدني - جده / 1408هـ .
33- السفياني: د/ عابد بن محمد/ "حكم الزنا في القانون وعلاقته بمبادئ حقوق الإنسان في الغرب"/ مؤسسة المؤتمن - الرياض .
34- الشوكاني: محمد بن علي/ "فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير"/ دار الفكر - بيروت / 1403هـ .
35- الطبري: محمد بن جرير/ "جامع البيان في تأويل القرآن"/ دار الكتب العلمية - بيروت /ط الأولى 1412هـ .
36- عبدالباقي: محمد فؤاد/ "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم" / دار الحديث - القاهرة / 1407هـ .
37- العفاني : د. سيد بن حسين / "تثبيت أفئدة المؤمنين بذكر مبشرات النصر والتمكين" / دار ماجد عسيري / ط الأولى 1422هـ .
38- العلياني: علي بن نفيع/ "أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية"/ دار طيبة - الرياض /ط الأولى 1405هـ .
39- عيسوي : عيسوي أحمد / "المدخل للفقه الإسلامي" .(1/56)
40- غزال : مصطفى فوزي / "أفول شمس الحضارة الغربية" (3) (من نافذة الجرائم) / دار السلام - القاهرة / ط الأولى 1406هـ .
41- غزال : مصطفى فوزي / "أفول شمس الحضارة الغربية" (4) (من نافذة الخمور) / دار السلام - القاهرة / ط الأولى 1406هـ .
42- غزال : مصطفى فوزي / "أفول شمس الحضارة الغربية" (5) (من نافذة الشذوذ الجنسي) / دار السلام - القاهرة / ط الأولى 1406هـ .
43- غزال : مصطفى فوزي / "أفول شمس الحضارة الغربية" (6) (الحضارة الغربية على شفا جرف هار) / دار السلام - القاهرة / ط الأولى 1406هـ .
44- الغزالي : أبو حامد ، محمد بن محمد / "إحياء علوم الدين" / دار الكتب العلمية - بيروت م ط الأولى 1406هـ .
45- الغزالي : محمد / "خلق المسلم" / الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية / 1400هـ .
46- الفيروز آبادي: محمد بن يعقوب/ "القاموس المحيط"/ المؤسسة العربية للطباعة والنشر - بيروت .
47- الفيومي: أحمد بن محمد بن علي/ "المصباح المنير" / مكتبة لبنان - بيروت .
48- القرطبي: محمد بن أحمد/ "الجامع لأحكام القرآن" / دار الكتب العلمية - بيروت /ط الأولى 1408هـ .
49- قطامش : حسن / "العالم في عام: رصد رقمي لأحوال العالم" / مطابع أضواء المنتدى / ط الأولى 1423هـ .
50- قطب: سيد / "الإسلام ومشكلات الحضارة" / دار الشروق / الطبعة السادسة 1400هـ .
51- قطب : سيد / "في ظلال القرآن" / دار الشروق - القاهرة / الطبعة الحادي عشرة 1405هـ .
52- قطب : محمد /"الإنسان بين المادية والإسلام"/ دار الشروق/ط العاشرة 1409هـ.
53- قطب : محمد /"جاهلية القرن العشرين"/ دار الشروق/ط الثالثة عشرة 1413هـ .
54- قطب : محمد / "واقعنا المعاصر" / مؤسسة المدينة للصحافة / ط الثانية 1408هـ.
55- القطب: د/ القطب محمد/ "الإسلام وحقوق الإنسان : دراسة مقارنة"/ دار الفكر العربي /ط الثانية 1404هـ .(1/57)
56- الماوردي : أبو الحسن "تسهيل النظر وتعجيل الظفر" / ت: محي الدين السرحان / بيروت 1953م .
57- الماوردي : أبو الحسن / "النكت والعيون" / ت: السيد عبدالمقصود / دار الكتب العلمية - بيروت / 1992م .
58- معروف : محمد نايف / "المعجم المفهرس لمواضيع القرآن الكريم" / دار النفائس / ط الأولى 1420هـ .
59- محمد : يسري السيد / "بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية" / دار ابن الجوزي - السعودية / ط الأولى 1414هـ .
60- المقدسي : موفق الدين ، عبدالله بن أحمد / "روضة الناظر وجنة المناظر" / دار الكتب العلمية - بيروت / ط الأولى 1401هـ .
61- المناوي: عبدالرؤوف/ "التوقيف على مهمات التعريف" / ت: عبدالحميد صالح / عالم الكتب - القاهرة /ط الأولى 1410هـ .
62- موسوعة "نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم ( " / إعداد : مجموعة من المختصين / دار الوسيلة / ط الأولى 1418هـ .
63- الميداني : عبدالرحمن حسن حبنكة / "الأخلاق في الإسلام والفلسفة القديمة" / دار النفائس - بيروت / 1988م .
64- الندوي : أبو الحسن علي الحسني / "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" / الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية / ط الرابعة 1405هـ .
65 - نصيف : د. فاطمة عمر / "أخلاقنا في الميزان" / دار المحمدي - جده / ط الأولى 1422هـ .
66- النيسابوري: مسلم بن الحجاج/ "صحيح مسلم" / ت: محمد فؤاد عبدالباقي / دار الفكر - بيروت 1403هـ .
67- الوادعي: مقبل بن هادي/ "الصحيح المسند من أسباب النزول"/ دار الأرقم /ط الرابعة 1405هـ .
68- ونسنك: د/ أ.ي / "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي" / مكتبة بريل - ليدن 1936م .
69- يالجن : مقداد / "التربية الأخلاقية الإسلامية" / مكتبة الخانجي - القاهرة / ط الأولى 1977م .
مواقع على شبكة الإنترنت :
70- " الأمم المتحدة " www.un.org/arabic
71- "مكتبة حقوق الإنسان" / جامعة منيسوتا :(1/58)
www.umn.edu/humanrts/arab
72- "منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان" :
www.hrw.org/arabic
(1 ) أي من باب قول إبراهيم ( :( بلى ولكن ليطمئن قلبي ( ، البقرة : 260 .
(2 ) الإسراء : 9 .
(3 ) الصحاح : 4/ 1470-1471 .
(4 ) لسان العرب : 10/ 86 ، وانظره أيضاً في "النهاية في غريب الحديث لابن الأثير" : 2/ 70 .
(5 ) القاموس المحيط : 3/ 236 .
(6 ) مقاييس اللغة : 2/ 214 .
(7 ) انظر المفردات "بتصرف" ص: 296-297 .
(8 ) المصباح المنير : ص69 .
(9 ) الجامع لأحكام القرآن : 18/ 149 .
(10 ) النكت والعيون : 6/ 62 .
(11 ) انظر الصحاح : 5/ 1917 .
(12 ) انظر الصحاح: 1/ 73 ، الآداب الشرعية لابن مفلح : 2/ 195 .
(13 ) رواه مسلم : ك المساجد ، باب قضاء الصلاة الفائتة (برقم 681) .
(14 ) "تهذيب الأخلاق" للجاحظ : ص12 .
(15 ) "تسهيل النظر وتعجيل الظفر" للماوردي : ص5 .
(16 ) "إحياء علوم الدين" : 3/ 58 .
(17 ) انظر التعريفات : ص101 .
(18 ) مدارج السالكين : 2/ 63 ، وصاحب "المنازل" هو الشيخ أبو إسماعيل الهروي ، وكتابه "منازل السائرين" الذي شرحه ابن القيم في المدارج .
(19 ) بدائع التفسير : 4/ 509 .
(20 ) التحرير والتنوير : 19/ 171-172 .
(21 ) الأخلاق الإسلامية ، عبدالرحمن الميداني : 1/ 7 .
(22 ) تهذيب الأخلاق لابن مسكويه : ص16 .
(23 ) التربية الأخلاقية الإسلامية ، مقداد يالجين : ص75 .
(24 ) الأخلاق في الإسلام والفلسفة القديمة ، أسعد الحمراني : ص15 .
(25 ) انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن : ص241-245 .
(26 ) الأنعام : 1 .
(27 ) انظر المفردات : ص296 .
(28 ) النحل : 4 .
(29 ) المائدة : 110 .
(30 ) المؤمنون : 14 .
(31 ) انظر المفردات : ص296 ، الكشاف : 3/ 28 ، فتح القدير : 3/ 477 .
(32 ) العنكبوت : 17 .
(33 ) المفردات : ص296 .
(34 ) القلم : 4 .
(35 ) البقرة : 102 ، وانظر تفسير الطبري : 1/ 511 .
(36 ) الشعراء : 137 .(1/59)
(37 ) المؤمنون : 1-11 .
(38 ) العنكبوت : 45 .
(39 ) انظر "أخلاقنا في الميزان" ، د. فاطمة نصيف : ص39-40 .
(40 ) انظر تفسير السعدي : 3/ 346 .
(41 ) التوبة : 103 .
(42 ) الفرقان : 63-72 .
(43 ) ما سيأتي من تعليق على الآيات ، مقتبس بتصرف عن تفسير السعدي : 3/ 450-453 .
(44 ) المعارج : 19-35 .
(45 ) البقرة : 177 .
(46 ) الأحزاب : 35 .
(47 ) انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن : ص399-401 .
(48 ) انظر المفردات : ص236 .
(49 ) المعجم المفهرس : ص202-205 .
(50 ) انظر في ذلك المعجم المفهرس لمواضيع القرآن ، محمد نايف معروف .
(51 ) القلم : 4 .
(52 ) رواه مسلم : ك صلاة المسافرين ، باب صلاة الوتر :( 2/ 396 ) ، برقم 746 .
(53 ) انظر: بدائع التفسير : 4/ 509-510 ، الظلال : 6/ 3656 .
(54 ) رواه أحمد : 2/ 381 ، والحاكم وصححه : 2/ 613 ، والبخاري في الأدب المفرد برقم 273 ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 45 (1/ 75) .
(55 ) انظر: الظلال : 6/ 3657 ، أخلاقنا في الميزان : ص33 .
(56 ) النساء : 36 .
(57 ) البقرة : 177 .
(58 ) البقرة : 183 .
(59 ) البقرة : 197 .
(60 ) انظر مزيداً من التفضيل في "أخلاقنا" ، د. محمد جوهري : ص37-48 ، "خلق المسلم" ، محمد الغزالي : ص9-13 .
(61 ) المائدة : 48 .
(62 ) الأعراف : 33 .
(63 ) النحل : 36 .
(64 ) النحل : 90 .
(65 ) أخرجه مسلم : ك الإيمان برقم 25 ، أبو داود : ك الأدب ، باب في قبلة الرجل برقم 5225 واللفظ له ، الترمذي: ك البر والصلة ، باب ما جاء في التأني والعجلة برقم 2010 .
(66 ) رواه الخطيب البغدادي في "تاريخه" : 9/ 127 وغيره ، وهو حديث حسن ، ( انظر السلسلة الصحيحة ، للألباني : رقم 342 ) .
(67 ) انظر: دستور الأخلاق في القرآن ، د. عبدالله دراز : ص689-771 .
(68 ) الملك : 14 .
(69 ) الأحزاب : 72 .(1/60)
(70 ) انظر تفصيل هذه الخصائص في :( "نضرة النعيم" : 1/ 81-83 ، "أخلاقنا" ص30-36 ، "دستور الأخلاق" : ص53-96 ) وغيرها .
(71 ) الحجر : 9 .
(72 ) الأنعام : 38 .
(73 ) المائدة : 3 .
(74 ) الفرقان : 1 .
(75 ) القصص : 77 .
(76 ) الإسراء : 29 .
(77 ) الروم : 30 .
(78 ) الطور : 21 .
(79 ) الأنفال : 25 .
(80 ) النحل : 97 .
(81 ) البقرة : 85 .
(82 ) طه : 7 .
(83 ) يونس : 61 .
(84 ) الطلاق : 7 .
(85 ) الحج : 78 .
(86 ) النساء : 28 .
(87 ) تقدمت الإشارة في المقدمة إلى أني أعددت بحثاً سابقاً بعنوان "حقوق الإنسان: مفهومه وتطبيقاته في القرآن الكريم" ، ولذا فسأختصر هذا المبحث من جهة ، والخص بعض ما ذكرته في البحث الأول من جهة أخرى ، وأضيف ما لم أذكره هناك ، منعاً للتكرار .
(88 ) انظر: الصحاح : 4/ 1460 ، اللسان : 3/ 255 ، مقاييس اللغة : 2/ 17 .
(89 ) الصحاح : 4/ 1461 .
(90 ) المصباح المنير : ص55 .
(91 ) التوقيف على مهمات التعريف : ص287 ، وسبقه إليه الجرجاني كما سيأتي .
(92 ) المفردات : ص246 .
(93 ) التعريفات : ص89 .
(94 ) "المدخل للفقه الإسلامي" ، للشيخ عيسوي أحمد عيسوي : ص338 ، وانظر: "الإسلام وحقوق الإنسان" ، د. القطب محمد : ص38 .
(95 ) انظر "المدخل الفقهي العام" : 3/ 9-10 .
(96 ) انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن : ص208-212 .
(97 ) البقرة : 236 ، وانظر تفسير الطبري : 2/ 553 .
(98 ) القاموس المحيط : 3/ 228 .
(99 ) ملخصة بتصرف عن "المفردات" : ص246-247 .
(100 ) يونس : 30 .
(101 ) يونس : 5 .
(102 ) البقرة : 213 .
(103 ) يونس : 33 .
(104 ) المصباح المنير : ص10 .
(105 ) القاموس المحيط : 2/ 205 .
(106 ) انظر المعجم المفهرس : ص93-94 .
(107 ) ق: 16 .
(108 ) القيامة : 14 .
(109 ) لقمان : 14 .(1/61)
(110 ) أخرج سبب نزولها هذا : الطبري في التفسير : 10/ 211 ، والبخاري في الأدب المفرد برقم 24 ، وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد : ص40" .
(111 ) يس : 77 .
(112 ) أخرجه الطبري: 10/ 464 ، والحاكم في المستدرك: 2/ 429 ، وصححه الوادعي في (الصحيح المسند من أسباب النزول : ص125) .
(113 ) انظر تفسير الطبري : 1/ 149 ، المصباح المنير : ص241 .
(114 ) المعجم المفهرس : ص726-729 .
(115 ) تفسير الطبري: 9/ 397 .
(116 ) الفرقان : 49 .
(117 ) انظر تفسير الطبري : 1/ 149 .
(118 ) المعجم المفهرس : ص94 .
(119 ) الأنعام : 151-153 .
(120 ) انظر: المسائل الأصولية للقاضي أبي يعلى: ص39 ، روضة الناظر لابن قدامة: ص100 .
(121 ) انظر زبدة التفسير من فتح القدير ، للأشقر : ص189 .
(122 ) تفسير ابن كثير : 2/ 190 .
(123 ) انظر المحرر الوجيز : 2/ 362 ، تفسير القرطبي : 7/ 88 .
(124 ) انظر نضرة النعيم : 4/ 1145 .
(125 ) انظر تفسير القرطبي : 10/ 293 .
(126 ) الإسراء : 70 .
(127 ) تفسير الطبري : 8/ 115 .
(128 ) تفسير ابن كثير : 3/ 51 .
(129 ) ص~: 71-72 .
(130 ) الرحمن : 1-4 .
(131 ) النحل : 12 .
(132 ) الطارق : 4 .
(133 ) الرعد : 11 .
(134 ) الأحزاب : 72 .
(135 ) البقرة : 151 .
(136 ) الحديد : 25 .
(137 ) ذكرت بعض المظاهر الأخرى في بحثي الأول ، وانظر مزيداً من التفصيل في "نضرة النعيم" : 4/ 1135-1175 .
(138 ) الإسراء : 23-39 .
(139 ) انظر: تفسير الطبري: 8/ 57 ، فتح القدير: 3/ 218 .
(140 ) تفسير القرطبي: 10/ 155 .
(141 ) النساء : 36 .
(142 ) الإسراء : 23 .
(143 ) النساء : 36 .
(144 ) المائدة : 45 .
(145 ) النساء : 160-161 .
(146 ) انظر: "حكم الزنا في القانون وعلاقته بمبادئ حقوق الإنسان في الغرب" ، د. عابد السفياني : ص100-102
(147 ) فصلت شيئاً من ذلك في بحثي الأول ، مبحث :( أنواع الحقوق التي راعاها القرآن ) .(1/62)
(148 ) سأختصر في هذه الفقرة منعاً للتكرار لأنها أخذت عدة مطالب في بحثي الأول ، كما أني سأذكر فيها بعض ما لم أذكره في البحث الأول .
(149 ) النساء : 59 .
(150 ) النساء : 36 .
(151 ) النساء : 127 .
(152 ) البقرة : 233 .
(153 ) الأنعام : 140 .
(154 ) الممتحنة : 12 .
(155 ) النساء : 4 .
(156 ) انظر: تفسير الطبري : 3/ 583 .
(157 ) النساء : 7 .
(158 ) النساء : 19 .
(159 ) النساء : 90 .
(160 ) انظر: زبدة التفسير من فتح القدير : ص116 .
(161 ) الأنفال : 72 .
(162 ) انظر زبدة التفسير : ص238 .
(163 ) الممتحنة : 8 .
(164 ) تفسير الطبري : 12/ 63 .
(165 ) انظر "حقوق الإنسان في الإسلام" ، د. سليمان الحقيل : ص53 .
(166 ) الأنعام : 151 .
(167 ) النساء : 11 .
(168 ) الإسراء : 23 .
(169 ) الإسراء : 70 .
(170 ) انظر "حقوق الإنسان في الإسلام" ، د. محمد الزحيلي : ص132-133 .
(171 ) الحجر : 9 .
(172 ) أخرجه مسلم : ك البر ، باب تحريم الظلم ، برقم 2582 .
(173 ) انظر حقوق الإنسان ، للحقيل : ص89 .
(174 ) النحل : 90 .
(175 ) البقرة : 138 .
(176 ) آل عمران : 19 .
(177 ) آل عمران : 85 .
(178 ) انظر تفسير الطبري: 6/ 152 ، المفردات: ص574 ، تفسير السعدي: 2/ 182 .
(179 ) أخرجه البخاري : ك الزكاة برقم 1469 ، ومسلم : ك الزكاة برقم 1053 وغيرهما .
(180 ) الأعراف : 199 .
(181 ) تفسير الطبري : 6/ 152-153 بتصرف .
(182 ) نفس المصدر : 6/ 152 .
(183 ) الكشاف : 2/ 138-139 .
(184 ) تفسير السعدي : 2/ 182 .
(185 ) أخرجه البخاري : ك الحدود برقم 6788 ، الفتح: 12/ 87 ، ومسلم : ك الحدود برقم 1688 وغيرهما .
(186 ) الإسراء : 23-24 .
(187 ) أخرجه البخاري : ك الأدب برقم 5976 ، ومسلم : ك الإيمان برقم 87 .
(188 ) آل عمران : 134 .
(189 ) الشورى : 40 .
(190 ) أخرجه مسلم : ك البر والصلة ، باب استحباب العفو والتواضع ، برقم 2588 .(1/63)
(191 ) انظر فصل ( الجريمة والعقاب ) من كتاب "الإنسان بين المادية والإسلام" لمحمد قطب : ص 141 .
(192 ) انظر: نضرة النعيم : 1/85 ، بتصرف .
(193 ) نفس المصدر : 1/ 85 ، بتصرف .
(194 ) نفس المصدر : 1/ 86 ، باختصار وتصرف .
(195 ) انظر مبحث (أنواع الحقوق) في بحثي الأول : "حقوق الإنسان : مفهومه وتطبيقاته في القرآن" : ص47048.
(196 ) انظر "دستور الأخلاق في القرآن" : ص755 .
(197 ) النساء : 90 .
(198 ) انظر فتح القدير : 1/ 496 .
(199 ) التوبة : 7 .
(200 ) البقرة : 190 .
(201 ) أخرجه مسلم : ك الجهاد برقم 1731 ، والترمذي : ك السير برقم 1617 ، وأبو داود : ك الجهاد برقم 2613 .
(202 ) انظر صحيح مسلم : ك الجهاد ، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب ، برقم 1744 .
(203 ) النور : 30 .
(204 ) انظر: "دستور الأخلاق" : ص693 .
(205 ) الروم : 21 .
(206 ) النساء : 19 .
(207 ) طه : 124 .
(208 ) انظره في ملحقات البحث ، نقلاً من موقع الأمم المتحدة على شبكة الإنتر نت : www.un.org/arabic
(209 ) وإنما اقتصرت عليه لأن "الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان" كثيرة جداً ، ولقد جمعها د/ محمود شريف بسيوني ، في مجلدين ضخمين تزيد صفحاتهما عن (1500صفحة) تتضمن آلاف المواد ومئات المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات ، ودراسة تلك المواد أو نقدها يؤلف مجلدات من آلاف الصفحات .
(210 ) الأعراف : 54 .
(211 ) انظر "واقعنا المعاصر" لمحمد قطب : ص74-75 ، بتصرف .
(212 ) انظرها بشيء من التفصيل في "أخلاقنا" ، د/ محمد جوهري : ص10-21 .
(213 ) انظر كتاب "تثبيت أفئدة المؤمنين" لسيد بن حسين العفاني : ص236 ، نقلاً عن كتاب "يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة" لمؤلفيه: جيمس باترسون وبيتر كيم .
(214 ) انظر تفصيل هذا في: (جاهلية القرن العشرين) ، لمحمد قطب : ص42-54 .
(215 ) المائدة : 50 .
(216 ) انظر هذه السمات في "أخلاقنا" : ص7 ، بتصرف .(1/64)
(217 ) الرعد : 25 .
(218 ) انظر "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" ، للندوي: ص258 ، "تثبيت أفئدة المؤمنين" : ص187 ، نقلاً عن "الإسلام في مفترق الطرق" ، لمحمد أسد : ص41 .
(219 ) انظر "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" : ص263 .
(220 ) نفس المصدر : ص247 .
(221 ) نفس المصدر : ص262 ، بتصرف .
(222 ) قد يعترض معترض علينا بأن الفرد الغربي يتمتع بحقوق وحريات لا توجد حالياً في كثير من بلاد الإسلام ، وهذا صحيح ، لكن ليس لأن الإسلام منع هذه الحقوق والحريات ، بل لأن المسلمين لم يطبقوا في واقعهم منهج الإسلام .
(223 ) الأعراف : 179 .
(224 ) انظر "تثبيت أفئدة المؤمنين" : ص211 ، نقلاً عن "فوضى العالم في المسرح الغربي المعاصر" ، لعماد الدين خليل .
(225 ) نفس المصدر : ص208 ، نقلاً عن :"الإسلام يتحدى" لوحيد الدين خان .
(226 ) ملخصاً بتصرف عن "حكم الزنا في القانون" : ص58-59 .
(227 ) انظر "أهمية الجهاد" ، للعلياني : ص446 .
(228 ) البقرة : 179 .
(229 ) انظر "حكم الزنا في القانون" : ص42-56 .
(230 ) انظر المادة (5) من إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام ، نقلاً عن موقع "مكتبة حقوق الإنسان"، جامعة مينسوتا : www.umm.edu/humanrts/arabic .
(231 ) انظر في ذلك "الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان" ، د/ محمود بسيوني ، القسم الثاني من الباب الثاني :( منع التمييز ضد المرأة ) : 1/ 431-464 .
(232 ) ق : 5 .
(233 ) من آخر ما صدر في ذلك :( العالم في عام ) لحسن قطامش ، وهو رصد رقمي لأحوال العالم ، ويغطي أحداث عام 1422هـ ، وما يوافقه من عامي 2001-2002م . وسأنقل كثيراً من الإحصاءات عنه ، إضافة إلى ما اجتمع لدي ، مشيراً إلى المصادر الأصلية للمعلومات .
(234 ) ما سبق عن مجلة "المجتمع" : العدد 1486 .
(235 ) صحيفة "الوطن" : 17/3/1423هـ .
(236 ) صحيفة "الأهرام" : العدد 41748 .
(237 ) نفس المصدر : العدد 41698 .(1/65)
(238 ) نفس المصدر : العدد 41856 .
(239 ) مجلة "الأهرام العربي" : العدد 223 .
(240 ) مجلة المجتمع : العدد 406 .
(241 ) نفس المصدر : العدد 627 .
(242 ) صحيفة النخبة : عدد محرم 1424هـ .
(243 ) مجلة المجتمع : العدد 1486 .
(244 ) مجلة النيوز ويك : العدد 52 .
(245 ) نفس المصدر : العدد 53 .
(246 ) مجلة الأسرة : العدد 51 .
(247 ) مجلة البيان : العدد 138 .
(248 ) مجلة المجتمع : العدد 1486 .
(249 ) صحيفة الفرقان : العدد 151 .
(250 ) "أفول شمس الحضارة الغربية / من نافذة الشذوذ الجنسي" ، لمصطفى غزال : ص24 .
(251 ) مجلة المجتمع : العدد 503 .
(252 ) نفس المصدر : العدد 209 ، (من نافذة الشذوذ الجنسي) : ص77 .
(253 ) نفس المصدر : العدد 1486 .
(254 ) صحيفة الحياة : العدد 4217 .
(255 ) مجلة المجتمع : العدد 1486 .
(256 ) صحيفة النخبة : عدد محرم 1424هـ .
(257 ) انظر ما سبق في (ماذا يريدون من المرأة) ، لعبدالسلام بسيوني : ص63-65 .
(258 ) صحيفة الاقتصادية : العدد 2880 .
(259 ) صحيفة القدس العربي : العدد 3811 ، وانظر مجلة البيان : العدد 138 .
(260 ) موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الإنترنت : www.usinfo.state.gov .
(261 ) مجلة الدعوة : العدد 1783 .
(262 ) صحيفة الحياة : العدد 13949 .
(263 ) مجلة الأسرة : عدد 43 .
(264 ) مجلة المجتمع : العدد 1486 .
(265 ) صحيفة الأهرام : العدد 41882 .
(266 ) صحيفة الشرق الأوسط : العدد 8437 .
(267 ) مجلة الأسرة : العدد 51 .
(268 ) مجلة المجتمع : العدد 1486 .
(269 ) صحيفة الشرق الأوسط : العدد 8437 .
(270 ) مجلة الأسرة : العدد 51 ، صحيفة النخبة : محرم 1424هـ .
(271 ) صحيفة القدس العربي : العدد 3581 .
(272 ) مجلة الكوثر : العدد 18 .
(273 ) صحيفة النخبة : محرم 1424هـ .
(274 ) التين : 4-6 .
(275 ) انظر فصل (كيف الخلاص) في "الإسلام ومشكلات الحضارة" ، لسيد قطب : ص163 .(1/66)
(276 ) المائدة : 50 .
(277 ) أعني ما أشرت إليه في المقدمة : أن منطلق الدراسة كان هو الآيات القرآنية غير متأثر بالكتابات الأخرى ، وأستعين بما أحتاج إليه من السنة النبوية .
(278 ) الأحزاب : 72 .
??
??
??
??
16(1/67)