الحقُّ الرابع
الرضاعة إلى الحولين والفطام
أرضعت الأم:كأن لها ولد ترضعه. والولد جعلته يرضع، فهي مرضع ومرضعه والجمع مراضع (1) ، وفي التنزيل العزيز:{ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} (12) سورة القصص
والرضاع:هو مص الطفل اللبن من ثدي المرأة في أول حولين بعد الولادة.
وأفضل الرضاعة ما كانت حولين كاملين لقول الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (233) سورة البقرة.
" يُرشدُ اللهُ تَعَالَى الوَالِدَاتِ إلى أنَّ كَمَالَ مُدَّةِ الرَّضَاعَةِ لِلطفْلِ هِيَ سَنَتَانِ.وَعَلَى وَالِدِ الطِّفْلِ نَفَقَةُ الوَالِدَاتِ المُطَلَّقَاتِ، وَكِسْوَتُهُنَّ بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أمْثَالِهِنَّ، مِنْ غَيْرِ إِسْرافٍ وَلا إقْتَارٍ، بِحَسَبِ قُدْرَةَ الزَّوْجِ وَيَسَارِهِ.وَيُنَبِّهُ اللهُ الوَالِدَاتِ والآباءَ إلى ضَرُورَةِ عَدَمِ التَّصَرُّفِ تَحْتَ شُعُورِ الرَّغْبة فِي الإِضْرارِ، فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أنْ تَتْرُكَ رَضَاعَة ابْنِها إلى مُدَّتِهَا ( سَنَتَينِ ) لِلإِضْرَارِ بِالزَّوْجِ.وَلَيْسَ لِلْزَّوْجِ أنْ يَنْتَزِعَ الوَلَدَ مِنْ أمِّهْ قَبْلَ أنْ تَتِمَّ مُدَّةَ رَضَاعَتِهِ لِلإِضْرَارِ بِهَا وَإيذَائِها.وَعَلَى وَارِثِ الطِّفْلِ - إنْ كَانَ وَالِدُهُ قَدْ مَاتَ، أَوْ كَانَ فَقِيراً، أَوْ عَاجِزاً عَنِ الكَسْبِ - أنْ يَقُومَ بِالإِنْفَاقِ عَلَى الطِّفْلِ وَأمِّهِ، وَعَليهِ عَدَمُ الإِضْرَارِ بِهَا.أمَّا إذا أرَادَ أبَوا الطِّفْلِ فِطَامَهُ، قَبْلَ مُضِيِّ الحَوْلَيْنِ، وَرَأيَا فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُ، وَتَشَاوَرا فِي ذَلِكَ، وَاتَّفَقَا عَلَيهِ، فَلاَ جُنَاحَ عَلَيهِما، وَلاَ حَرَجَ وَلاَ بَأْسَ فِي ذَلِكَ .
__________
(1) - إبراهيم مصطفى وآخرون،المعجم الوسيط، ص374(1/520)
وَإذا اتَّفَقَ الوَالِدَانِ عَلَى أنْ يَسْتَلِمَ الوَالدُ الوَلَدَ مِنْهَا، إمَّا لِعُذْرٍ مِنْهَا، أوْ لِعُذْرٍ مِنْهُ فلا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِي عَرْضِهِ عَلَيْها، وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهَا فِي قَبُولِهَا مِنْهُ، إذا دَفَعَ إليها أجْرَتَها عَنِ المُدَّةِ المَاضِيَةِ بِالمَعْرُوفِ، وَقَامَ بِدَفْعِ الوَلدِ إلى مُرْضِعَةٍ أُخْرَى.وَيَحُثُّ اللهُ المُؤْمِنينَ عَلَى التَّقْوى فِي جَميعِ الأحْوالِ، وَعَلَى تَرْكِ التَّصَرُّفِ بِرغبَةِ المضَارَّةِ وَالإِيذَاءِ، وَأنْ يَعْلَمُوا أنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَهُ، وَلاَ يَخْفَى عَليهِ مِنْهُ شَيءٌ، وَأنَّهُ سَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيهِ ." (1)
إن على الوالدة المطلقة واجبا تجاه طفلها الرضيع. واجبا يفرضه اللّه عليها ولا يتركها فيه لفطرتها وعاطفتها التي قد تفسدها الخلافات الزوجية، فيقع الغرم على هذا الصغير. إذن يكفله اللّه ويفرض له في عنق أمه.
فاللّه أولى بالناس من أنفسهم، وأبر منهم وأرحم من والديهم. واللّه يفرض للمولود على أمه أن ترضعه حولين كاملين لأنه سبحانه يعلم أن هذه الفترة هي المثلى من جميع الوجوه الصحية والنفسية للطفل .. «لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ» وتثبت البحوث الصحية والنفسية اليوم أن فترة عامين ضرورية لينمو الطفل نموا سليما من الوجهتين الصحية والنفسية. ولكن نعمة اللّه على الجماعة المسلمة لم تنتظر بهم حتى يعلموا هذا من تجاربهم.
فالرصيد الإنساني من ذخيرة الطفولة لم يكن ليترك يأكله الجهل كل هذا الأمد الطويل، واللّه رحيم بعباده.
وبخاصة بهؤلاء الصغار الضعاف المحتاجين للعطف والرعاية.
وللوالدة في مقابل ما فرضه اللّه عليها حق على والد الطفل:أن يرزقها ويكسوها بالمعروف والمحاسنة فكلاهما شريك في التبعة وكلاهما مسؤول تجاه هذا الصغير الرضيع، هي تمده باللبن والحضانة وأبوه يمدها بالغذاء والكساء لترعاه وكل منهما يؤدي واجبه في حدود طاقته:«لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها» ..
ولا ينبغي أن يتخذ أحد الوالدين من الطفل سببا لمضارة الآخر:«لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها، وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ» ..
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 240)(1/521)
فلا يستغل الأب عواطف الأم وحنانها ولهفتها على طفلها، ليهددها فيه أو تقبل رضاعه بلا مقابل. ولا تستغل هي عطف الأب على ابنه وحبه له لتثقل كاهله بمطالبها ..
والواجبات الملقاة على الوالد تنتقل في حالة وفاته إلى وارثه الراشد:«وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» ..
فهو المكلف أن يرزق الأم المرضع ويكسوها بالمعروف والحسنى. تحقيقا للتكافل العائلي الذي يتحقق طرفه بالإرث، ويتحقق طرفه الآخر باحتمال تبعات المورث.
وهكذا لا يضيع الطفل إن مات والده. فحقه مكفول وحق أمه في جميع الحالات.
وعند ما يستوفى هذا الاحتياط .. يعود إلى استكمال حالات الرضاعة ..
«فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما» ..
فإذا شاء الوالد والوالدة، أو الوالدة والوارث، أن يفطما الطفل قبل استيفاء العامين لأنهما يريان مصلحة للطفل في ذلك الفطام، لسبب صحي أو سواه، فلا جناح عليهما، إذا تم هذا بالرضى بينهما، وبالتشاور في مصلحة الرضيع الموكول إليهما رعايته، المفروض عليهما حمايته.كذلك إذا رغب الوالد في أن يحضر لطفله مرضعا مأجورة، حين تتحقق مصلحة الطفل في هذه الرضاعة، فله ذلك على شرط أن يوفي المرضع أجرها، وأن يحسن معاملتها:«وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ» ..فذلك ضمان لأن تكون للطفل ناصحة، وله راعية وواعية.
وفي النهاية يربط الأمر كله بذلك الرباط الإلهي .. بالتقوى .. بذلك الشعور العميق اللطيف الذي يكل إليه ما لا سبيل لتحقيقه إلا به:«وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» ..فهذا هو الضمان الأكيد في النهاية. وهذا هو الضمان الوحيد. (1)
ولقد أثبتت البحوث العلمية والصحية أن فترة عامين ضرورية لينمو الطفل نموا طبيعيا سليما من الوجهتين الصحية والنفسية.
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 253)(1/522)
وأكد الطبيب ابن سينا أهمية الرضاعة الطبيعية بقوله: " "أما كيفية إرضاعة وتغذيبته فيجب أن يرضع ما أمكن بلبن أمه فإنه أشبه الأغذية بجوهر ما سلف من غذائه وهو في الرحم أعني طمث أمه فإنه بعينه هو المستحيل لبناً وهو أقبل لذلك وآلف له حتى إنه قد صح بالتجربة أن لقامه حلمة أمه عظيم النفع جداً في دفع ما يؤذيه ويجب أن يُكتفى بإرضاعه في اليوم مرتين أو ثلاثاً ولا يبدأ في أول الأمر في إرضاعه بإرضاع كثير على أنه يستحب أن تكون من ترضعه في أول الأمر غير أمه حتى يعتدل مزاج أمه والأجود أن يلعق عسلاً ثم يرضع " (1) .
خصائص لبن الأم :
" في حديث مع الأستاذ الدكتور:فتحي الزيات رئيس قسم الفسيولوجي بكلية الطب جامعة الأزهر :
أبان أن لبن الأم يفوق الألبان الحيوانية والألبان الصناعية من زوايا عديدة منها ما يلي :
-إن لبن الأم يحتوي على نسب متوازنة من غذاء الرضيع تتلاءم مع احتياجاته، وتلتقي مع احتياجات الرضيع في فترات الرضاعة المختلفة تمشية مع نموه .
-أنه يحتوي على مواد بروتينية تكسب الرضيع قوة ومناعة ضد بعض الأمراض التي تحصنه منها الأم في الشهور الأولى من عمره.
-أن هذا اللبن لا يتعرض للتلوث حيث أنه يخرج من الأم إلى الطفل مباشرة.
- إنه يقرب الاتصال النفسي بين الأم والطفل الرضيع، وبهذا ترشح عاطفة الأمومة والبنوة بالرباط المتين الصادق الصحيح.
- أن لبن المسمار الذي تفرزه الأم في الأيام الأولى من الرضاع يعمل على تنشيط الأمعاء لدى الطفل، فيحدث اللبن المناسب لدى الطفل ويساعد على عملية الإخراج الطبيعية." (2)
__________
(1) - القانون لابن سينا 1/277
(2) - عمارة ،محمود محمد،تربية الأولاد في الإسلام، ص 102-103. وانظر إلى مجموعة من المؤلفين، موسوعة سفير لتربية الأبناء، المجلدالثاني/321(1/523)
- "يعد حليب الأم الحليب المثالي للنمو العقلي للطفل، ولوحظ انخفاض في نسبة الإصابة بالأمراض النفسية واضطرابات السلوك لدى الأطفال الذين رضعوا من أثداء أمهاتهم بالمقارنة مع الذين رضعوا من الرضاعة الصناعية " (1)
- وعلى الأم أن تغذي نفسها جيداً حتى يتوفر الحليب الجيد.
من فوائد الرضاعة للأم :
-" الإرتباط النفسي والعاطفي بين الأم وطفلها أثناء الرضاعة، من العوامل الهامة لاستقرار الطفل والأم نفسياً.
- عودة الرحم إلى وضعه وحجمه الطبيعي بسرعة أثناء الرضاعة ولولا ذلك لأصيب الرحم بسرعة بالإنتان، ذلك أن امتصاص الثدي يؤدي إلى إفراز هرمون الأوكسيتوسين الذي يؤدي إلى عودة الرحم إلى حالته الطبيعية. " (2)
- " يحمي الإرضاع من الثدي من الإصابة بسرطان الثدي " (3)
- وإن لم يتمكن الطفل الرضاعة من أمه لأي سبب من الأسباب كوفاة الأم وضع العلماء شروط للمرضعة كأن تكون شابة قوية ذات أخلاق حسنة وبعيدة عن الانفعالات النفسية. (4)
الرضيع والفطام تربويا ً:
" رأى بعض علماء النفس أن أول موقف صدمي إحباطي يتعرض له الطفل في حياته هو موقف الصدام، وقد اعتاد هذا الطفل أن يحصل على غذائه من أمه، بكل ما يعنيه من ارتباطه بها سيكيولوجياً، ثمّ فجأة يجد أن هذا الوضع قد تغير، وعليه أن يقبل وضعاً جديداً فيه ابتعاد نفسي عن الأم، فأمام هذه الحالة دعا علماء النفس إلى الفطام التدريجي ليخفضوا
__________
(1) - محمد مرعي مرعي، محمد جهاد السعيد، دليل تربية الطفل صحياً وسلوكياً، ص31، سوريا، دار ربيع.
(2) - ابراهيم الخطيب ،زهدي محمد عيد، تربية الطفل في الإسلام،ص 47
(3) - المصدر السابق، ص32
(4) - انظر إلى حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً،ص66(1/524)
من وطأة الصدمة المباشرة عن الطفل، ولكي يجدوا الظروف المساعدة على التكيف مع الحياة الجديدة، المعبر عنها بالانتقال من الطعام على ثدي الأم إلى الطعام الخارجي." (1)
" وتؤثر طريقة الفطام على شخصية الطفل ومشاعره تجاه أمه وتجاه المجتمع فيما بعد، فخبراته قد تكون إيجابية، ويعتمد ذلك على أسلوب الأم في الفطام.
ولا شك أن التبكير في الفطام له مساوئ كثيرة، تشعر الطفل بالحرمان من الحب والحنان، لذلك تنعكس على الطفل في مص الأصابع، أو النكوص فيما بعد، لذلك حرص الإسلام أن تكون مدة الرضاعة مناسبة؛وليس معنى ذلك تأجيل عملية الفطام إلى وقت متأخر جداً، وتدليله مما قد يؤدي إلى تثبيت عادات طفلية يتمسك بها الطفل فيما بعد، وتعيق اعتماده على نفسه، وانفصاله عن أمه." (2)
- - - - - - - - - -
__________
(1) - حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً،ص 70-71
(2) - ابراهيم الخطيب ،زهدي محمد عيد، تربية الطفل في الإسلام،ص 50-51(1/525)
الحقُّ الخامس
أن تحضن الأم ابنها
" الحضانة:الولاية على الطفل لتربيته وتدبير شؤونه، ودور الحضانة:مدارس ينشأ فيها صغار الأطفال " (1)
" وتربية الطفل في أحضان والديه تهيئ له كل أسباب النمو الصالح جسمياً وعقلياً، وتعدُّه نفسياً لاستقبال الحياه والنجاح فيها " (2)
الْحَضَانَةُ وَاجِبَةٌ شَرْعًا، لأَِنَّ الْمَحْضُونَ قَدْ يَهْلِكُ، أَوْ يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ، فَيَجِبُ حِفْظُهُ عَنِ الْهَلاَكِ، مُحْكِمُهَا الْوُجُوبُ الْعَيْنِيُّ إِذَا لَمْ يُوجَدْ إِلاَّ الْحَاضِنُ، أَوْ وُجِدَ وَلَكِنْ لَمْ يَقْبَل الصَّبِيُّ غَيْرَهُ، وَالْوُجُوبُ الْكِفَائِيُّ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْحَاضِنِ. (3)
وتَثْبُتُ الْحَضَانَةُ عَلَى الصَّغِيرِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - بِالنِّسْبَةِ لِلْبَالِغِ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْحَضَانَةَ تَنْقَطِعُ فِي الذُّكُورِ بِالْبُلُوغِ وَلَوْ كَانَ زَمِنًا أَوْ مَجْنُونًا . (4)
ومُقْتَضَى الْحَضَانَةِ حِفْظُ الْمَحْضُونِ وَإِِمْسَاكُهُ عَمَّا يُؤْذِيهِ، وَتَرْبِيَتُهُ لِيَنْمُوَ، وَذَلِكَ بِعَمَل مَا يُصْلِحُهُ، وَتَعَهُّدِهِ بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، وَغُسْلِهِ وَغَسْل ثِيَابِهِ، وَدَهْنِهِ، وَتَعَهُّدِ نَوْمِهِ وَيَقِظَتِهِ . (5)
حَقُّ الْحَضَانَةِ :
لِكُلٍّ مِنَ الْحَاضِنِ وَالْمَحْضُونِ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ، فَهِيَ حَقُّ الْحَاضِنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ عَنِ الْحَضَانَةِ لاَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، لأَِنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِيهَا سَقَطَ، وَإِِذَا أَرَادَ الْعَوْدَ وَكَانَ أَهْلاً لَهَا عَادَ إِلَيْهِ حَقُّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لأَِنَّهُ حَقٌّ يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ .
__________
(1) - إبراهيم مصطفى وآخرون،المعجم الوسيط، ص203
(2) - سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص163
(3) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (17 / 300) والفواكه الدواني 2 / 102،والمغني 7 / 612 .
(4) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (17 / 301)
(5) - البدائع 4 / 40،ومغني المحتاج 3 / 452،وكشاف القناع 5 / 496،الشرح الصغير 2 / 755 .(1/526)
وَهِيَ حَقُّ الْمَحْضُونِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَل الْمَحْضُونُ غَيْرَ أُمِّهِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلأَْبِ وَلاَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ، تَعَيَّنَتِ الأُْمُّ لِلْحَضَّانَةِ وَتُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ يَقُول الْحَنَفِيَّةُ:لَوِ اخْتَلَعَتِ.الزَّوْجَةُ عَلَى أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا عِنْدَ الزَّوْجِ صَحَّ الْخُلْعُ وَبَطَل الشَّرْطُ .
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَيُوَافِقُهُمُ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ الْجُمْهُورَ فِي عَوْدَةِ الْحَقِّ بَعْدَ الإِِْسْقَاطِ، فَعِنْدَهُمْ إِذَا أَسْقَطَ الْحَاضِنُ حَقَّهُ فِي الْحَضَانَةِ دُونَ عُذْرٍ بَعْدَ وُجُوبِهَا سَقَطَ حَقُّهُ وَلاَ يَعُودُ إِلَيْهِ الْحَقُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ أَرَادَ، وَمُقَابِل الْمَشْهُورِ يَعُودُ إِلَيْهِ حَقُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا حَقُّ الْمَحْضُونِ (1) .
والْحَضَانَةُ تَكُونُ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَال مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا، إِلاَّ أَنَّ النِّسَاءَ يُقَدَّمْنَ عَلَى الرِّجَال، لأَِنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَرْفَقُ، وَبِهَا أَلْيَقُ وَأَهْدَى إِِلَى تَرْبِيَةِ الصِّغَارِ، ثُمَّ تُصْرَفُ إِِلَى الرِّجَال لأَِنَّهُمْ عَلَى الْحِمَايَةِ وَالصِّيَانَةِ وَإِِقَامَةِ مَصَالِحِ الصِّغَارِ أَقْدَرُ . (2)
وَحَضَانَةُ الطِّفْل تَكُونُ لِلأَْبَوَيْنِ إِذَا كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا بَيْنَهُمَا، فَإِِنِ افْتَرَقَا فَالْحَضَانَةُ لأُِمِّ الطِّفْل بِاتِّفَاقِ. (3)
ومن ثم فلا يجوز للأم أن تترك طفلها للخادمات والمربيات؛وذلك لأن الأم مع رضاعة وليدها بالحليب ترضعه العطف والحنان الذي لا يملكه غيرها، ومن هنا كانت حكمة الله سبحانه وتعالى في إرجاع موسى إلى أمه كي تقرَّ عينها ولا تحزن قال الله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (13) سورة القصص .
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو:أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي ؟ قَالَ:أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي. (4)
__________
(1) - ابن عابدين 2 / 636،والدسوقي 2 / 532،ونهاية المحتاج 7 / 219،ومغني المحتاج 3 / 456،وكشاف القناع 5 / 496،498،والمغني 7 / 624 .
(2) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (17 / 301)
(3) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (17 / 302)
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 638) (6707) صحيح
حواء : حويت الشيء : إذا ضممته إلى نفسك.(1/527)
ويرى العلماء أن الطفل يحسُّ بالأمن كلما ألصقته الأم إلى صدرها.
مَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ:
الْحَضَانَةُ مِنَ الْوِلاَيَاتِ وَالْغَرَضُ مِنْهَا صِيَانَةُ الْمَحْضُونِ وَرِعَايَتُهُ، وَهَذَا لاَ يَتَأَتَّى إِلاَّ إِذَا كَانَ الْحَاضِنُ أَهْلاً لِذَلِكَ، وَلِهَذَا يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ شُرُوطًا خَاصَّةً لاَ تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ إِلاَّ لِمَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ ثَلاَثَةٌ:شُرُوطٌ عَامَّةٌ فِي النِّسَاءِ وَالرِّجَال، وَشُرُوطٌ خَاصَّةٌ بِالنِّسَاءِ، وَشُرُوطٌ خَاصَّةٌ بِالرِّجَال .
أَمَّا الشُّرُوطُ الْعَامَّةُ فَهِيَ :
1 - الإِِْسْلاَمُ.وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَحْضُونُ مُسْلِمًا، إِذْ لاَ وِلاَيَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَلِلْخَشْيَةِ عَلَى الْمَحْضُونِ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهِ، وَهَذَا شَرْطٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، وَمِثْلُهُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَاضِنِ الذَّكَرِ ...
2 - الْبُلُوغُ وَالْعَقْل، فَلاَ تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لِطِفْلٍ وَلاَ لِمَجْنُونٍ، أَوْ مَعْتُوهٍ، لأَِنَّ هَؤُلاَءِ عَاجِزُونَ عَنْ إِدَارَةِ أُمُورِهِمْ وَفِي حَاجَةٍ لِمَنْ يَحْضُنُهُمْ، فَلاَ تُوكَل إِلَيْهِمْ حَضَانَةُ غَيْرِهِمْ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ حَيْثُ إِنَّ لِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلاً فِي شَرْطِ الْبُلُوغِ .
3 - الأَْمَانَةُ فِي الدِّينِ، فَلاَ حَضَانَةَ لِفَاسِقٍ، لأَِنَّ الْفَاسِقَ لاَ يُؤْتَمَنُ، وَالْمُرَادُ:الْفِسْقُ الَّذِي يَضِيعُ الْمَحْضُونُ بِهِ، كَالاِشْتِهَارِ بِالشُّرْبِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالزِّنَى وَاللَّهْوِ الْمُحَرَّمِ، أَمَّا مَسْتُورُ الْحَال فَتَثْبُتُ لَهُ الْحَضَانَةُ.
4 - الْقُدْرَةُ عَلَى الْقِيَامِ بِشَأْنِ الْمَحْضُونِ، فَلاَ حَضَانَةَ لِمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ لِكِبَرِ سِنٍّ، أَوْ مَرَضٍ يَعُوقُ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ عَاهَةٍ كَالْعَمَى وَالْخَرَسِ وَالصَّمَمِ، أَوْ كَانَتِ الْحَاضِنَةُ تَخْرُجُ كَثِيرًا لِعَمَلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتَتْرُكُ الْوَلَدَ ضَائِعًا، فَكُل هَؤُلاَءِ لاَ حَضَانَةَ لَهُمْ إِلاَّ إِذَا كَانَ لَدَيْهِمْ مَنْ يُعْنَى بِالْمَحْضُونِ، وَيَقُومُ عَلَى شُؤُونِهِ، فَحِينَئِذٍ لاَ تَسْقُطُ حَضَانَتُهُمْ .
5 - أَلاَّ يَكُونَ بِالْحَاضِنِ مَرَضٌ مُعْدٍ، أَوْ مُنَفِّرٌ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إِِلَى الْمَحْضُونِ، كَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ وَشَبَهِ ذَلِكَ مِنْ كُل مَا يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إِِلَى الْمَحْضُونِ .(1/528)
6 - الرُّشْدُ:وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، فَلاَ حَضَانَةَ لِسَفِيهٍ مُبَذِّرٍ لِئَلاَّ يُتْلِفَ مَال الْمَحْضُونِ .
7 - أَمْنُ الْمَكَانِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَحْضُونِ الَّذِي بَلَغَ سِنًّا يُخْشَى عَلَيْهِ فِيهِ الْفَسَادُ، أَوْ ضَيَاعُ مَالِهِ، فَلاَ حَضَانَةَ لِمَنْ يَعِيشُ فِي مَكَان مَخُوفٍ يَطْرُقُهُ الْمُفْسِدُونَ وَالْعَابِثُونَ.وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الشَّرْطِ الْمَالِكِيَّةُ .
8 - عَدَمُ سَفَرِ الْحَاضِنِ أَوِ الْوَلِيِّ سَفَرَ نُقْلَةٍ ...
أَمَّا الشُّرُوطُ الْخَاصَّةُ بِالْحَاضِنِينَ مِنَ الرِّجَال فَهِيَ :
أ - أَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا لِلْمَحْضُونِ إِذَا كَانَتِ الْمَحْضُونَةُ أُنْثَى مُشْتَهَاةً فَلاَ حَضَانَةَ لاِبْنِ الْعَمِّ لأَِنَّهُ لَيْسَ مَحْرَمًا، وَلأَِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا فَلاَ يُؤْتَمَنُ عَلَيْهَا، فَإِِنْ كَانَتِ الْمَحْضُونَةُ صَغِيرَةً لاَ تُشْتَهَى، وَلاَ يُخْشَى عَلَيْهَا فَلاَ تَسْقُطُ حَضَانَةُ ابْنِ عَمِّهَا .
ب - يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ لِثُبُوتِ الْحَضَانَةِ لِلذَّكَرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْحَضَانَةِ كَزَوْجَةٍ، أَوْ أَمَةٍ، أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ لِذَلِكَ، أَوْ مُتَبَرِّعَةٍ .
وَأَمَّا الشُّرُوطُ الْخَاصَّةُ بِالْحَوَاضِنِ مِنَ النِّسَاءِ فَهِيَ :
أَوَّلاً - أَلاَّ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ مُتَزَوِّجَةً مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ، لأَِنَّهَا تَكُونُ مَشْغُولَةً بِحَقِّ الزَّوْجِ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي، فَلاَ حَضَانَةَ لِمَنْ تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ، وَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَبِالدُّخُول عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لاِبْنِ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي .
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِزَوَاجِ الْحَاضِنَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَحْضُونِ، فَإِِنْ تَزَوَّجَتْ بِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَحْضُونِ كَالْجَدَّةِ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِجَدِّ الصَّبِيِّ، أَوْ تَزَوَّجَتْ بِقَرِيبٍ وَلَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَحْضُونِ كَابْنِ عَمِّهِ فَلاَ تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا، وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ - الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - فِي الأَْصَحِّ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ يَسْقُطُ حَقُّهَا لاِشْتِغَالِهَا بِالزَّوْجِ.وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنْ يَكُونَ مَنْ نَكَحَتْهُ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ، لأَِنَّ شَفَقَتَهُ تَحْمِلُهُ عَلَى رِعَايَتِهِ فَيَتَعَاوَنَانِ عَلَى ذَلِكَ.كَمَا اشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ رِضَا الزَّوْجِ، وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ بَقَاءَ الْحَضَانَةِ بِمَا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ رَحِمًا مَحْرَمًا، فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا.(1/529)
ثَانِيًا - أَنْ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَحْضُونِ كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ، فَلاَ حَضَانَةَ لِبَنَاتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ، وَالْخَال وَالْخَالَةِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَلَيْسَ هَذَا شَرْطًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ..
ثَالِثًا - أَلاَّ تُقِيمَ الْحَاضِنَةُ بِالْمَحْضُونِ فِي بَيْتِ مَنْ يُبْغِضُ الْمَحْضُونَ وَيَكْرَهُهُ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتِ الأُْمُّ وَأَخَذَتْهُ أُمُّ الأُْمِّ، وَأَقَامَتْ بِالْمَحْضُونِ مَعَ الأُْمِّ فَحِينَئِذٍ تَسْقُطُ حَضَانَةُ أُمِّ الأُْمِّ إِذَا كَانَتْ فِي عِيَال زَوْجِ الأُْمِّ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .
رَابِعًا - أَلاَّ تَمْتَنِعَ الْحَاضِنَةُ عَنْ إِرْضَاعِ الطِّفْل إِذَا كَانَتْ أَهْلاً لَهُ، وَكَانَ مُحْتَاجًا لِلرَّضَاعِ وَهَذَا فِي الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (1) .
" إن موضوع الحضانة ليس صراعاً بين الأب والأم حول حضانة الطفل بل هو اختيار أفضل السبل لتأمين مناخ تربوي ينشأ فيه الطفل بعناية وود وحب كل من أبويه معاً" (2)
" لقد تقرر أن الأم أحق من الأب في الحضانة لقدرتها على ذلك على نحو يفوق الأب أما الولاية، أي إدارة شؤون الأولاد من الجانب المالي والتأديبي وتوجيههم إلى مهن أو حرف اوتعليم تخصص وغير ذلك فإن الرجال أقدر لما فطروا فيه على جوانب القوة والتحلل والثبات (3)
- - - - - - - - - -
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (17 / 305) فما بعدها
(2) - سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص 165-166 بواسطة محمد أبي زهره،الحضانة : مجلة العربي : ص57 : العدد 33
(3) - حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً، ص76(1/530)
الحق السادس
الاهتمام بالطفل في السنوات الست الأولى من حياته
إن المرحلة الأولى من حياة الطفل (السنوات الست الأولى) من أخطر المراحل وأهمها، حيث إن لها أبلغ الأثر في تكوين شخصيته فكل ما يطبع في ذهن الطفل في هذه المرحلة تظهر آثاره بوضوح علي شخصيته عندما يصبح راشدا.
لذا يجب على المربين أن يهتموا كثيرا بتربية الطفل في هذه المرحلة.
ويمكن أن نلخص الجوانب الواجب مراعاتها من قبل الوالدين بما يلي:
أولا: منح الطفل ما يحتاجه من حبٍّ وحنانٍ من قبل الوالدين وخاصة الأم:
وهذا ضروري لتعلم الطفل محبة الآخرين، فإذا لم يشعر الطفل بهذه المحبة فسوف ينشأ محباً لنفسه فقط كارها لكل من حوله، (فالأم المسلمة عليها أن تدرك أنه لا شيء على الإطلاق ينبغي أن يحول بينها وبين منح الطفل حاجته الطبيعية من الحب والحنان والرعاية، وأنها تفسد كيانه كله إنْ هي حرمته من حقه في هذه المشاعر، التي أودعها الله برحمته وحكمته في كيانها بحيث تتفجر تلقائيا لتفي بحاجة الطفل).
فينبغي أن تحرص الأم على هذا الأمر، ولا تنشغل عنه بأي شاغل من عمل خارج المنزل أو خلافات مع الزوج أو غير ذلك.
ثانيا: أن يعوَّد الطفل الانضباط من أول حياته (منذ الأشهر الأولى):
ولا نظن أن هذا أمر غير ممكن فقد ثبت أن تعويد الطفل على أوقات محددة وثابتة للرضاعة، وكذلك قضاء الحاجة في أوقات محددة أمر ممكن مع المحاولة المتكررة، حيث إن الجسم يتعود على هذا وينضبط به.
وينمو الانضباط ويزداد بنمو الطفل حتى يصبح قادرا على التحكم في مطالبه واحتياجاته مستقبلا.
ثالثا: أن يمثل الوالدان قدوة صالحة للطفل من بداية حياته:(1/531)
فيلتزمان منهج الإسلام في سلوكهما عامة وتعاملهما مع الطفل خاصة، ولا يظنان أن هذا الطفل صغير ولا يعي ما يحيط به فيتصرفان تصرفات خاطئة أمامه، فإن لهذا أعظم الأثر على نفسيه الطفل (حيث إن قدرة الطفل على الالتقاط الواعي وغير الواعي كبيرة جدا أكبر مما نظن عادة، ونحن ننظر إليه على أنه كائن صغير لا يدرك ولا يعي. " نعم " حتى وهو لا يدرك كل ما يراه فإنه يتأثر به كله! .
فهناك جهازان شديدا الحساسية في نفسه هما جهاز الالتقاط وجهاز المحاكاة، وقد يتأخر الوعي قليلا أو كثيرا. ولكن هذا لا يغير شيئا من الأمر. فهو يلتقط بغير وعي، أو بغير وعي كامل. وهو يقلد بغير وعي أو بغير وعي كامل كل ما يراه حوله أو يسمعه).
رابعا: يعوَّد الطفل على آداب عامة يلزمها في تعامله منها:
* أن يعوَّد الأخذ والإعطاء والأكل والشرب بيمينه، فإذا أكل بشماله يذكَّر ويحوَّل الأكل إلى يده اليمنى برفق.
* أن يعودَّ التيامن في لبسه، فعندما يلبس الثوب أو القميص أو غيرهما يبدأ باليمين وعندما ينزع ملابسه يبدأ بالشمال. عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي التَّرَجُّلِ وَالاِنْتِعَالِ. (1)
* أن يُنهَى عن النوم على بطنه ويعوَّد النوم على شقه الأيمن. عَنْ يَعِيشَ بْنِ طِخْفَةَ بْنِ قَيْسٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ:كَانَ أَبِي مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِهِمْ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْقَلِبُ بِالرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ بِالرَّجُلَيْنِ، حَتَّى بَقِيتُ خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : انْطَلِقُوا فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ إِلَى بَيْتِ عَائِشَةَ، فَقَالَ:يَا عَائِشَةُ أَطْعِمِينَا، فَجَاءَتْ بِجَشِيشَةٍ، فَأَكَلْنَا، ثُمَّ جَاءَتْ بِحَيْسَةٍ مِثْلَ الْقَطَاةِ، فَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَالَ:يَا عَائِشَةُ اسْقِينَا فَجَاءَتْ بِعُسٍّ فَشَرِبْنَا، ثُمَّ جَاءَتْ بِقَدَحٍ صَغِيرٍ فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنْ شِئْتُمْ بِتُّمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ انْطَلَقْتُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقُلْتُ:لاَ بَلْ نَنْطَلِقُ إِلَى الْمَسْجِدِ، قَالَ:فَبَيْنَا أَنَا مِنَ السَّحَرِ مُضْطَجِعٌ عَلَى
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (12 / 271)(5456) صحيح(1/532)
بَطْنِي، إِذَا رَجُلٌ يُحَرِّكُنِي بِرِجْلِهِ، فَقَالَ:إِنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يَبْغُضُهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - . " (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارَهُ، فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ، وَيُسَمِّي اللَّهَ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ عَلَى فِرَاشِهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنَ، وَلْيَقُلْ:سُبْحَانَكَ رَبِّي، بِكَ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا حَفِظْتَ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ. (2)
* أن يجنَّب لبس القصير من الثياب والسراويل، لينشأ على ستر العورة والحياء من كشفها، ولاسيما الأنثى.
* أن يمنعَ من مصِّ أصابعه وعضِّ أظفاره.
* أن يعوَّد الاعتدال في المأكل والمشرب ومجانبة الشره. عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:كُلُوا، وَاشْرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا، غَيْرَ مَخِيلَةٍ، وَلاَ سَرَفٍ، وَقَالَ يَزِيدُ مَرَّةً:فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلاَ مَخِيلَةٍ. (3)
* أن ينهَى عن اللعب بأنفه.
* أن يعوَّد أن يسميَّ الله عند البدء بالطعام.
* أن يعوَّد الأكل مما يليه وألا يبادرَ إلى الطعام قبل غيره.
* ألا يحدق النظر إلى الطعام ولا إلى من يأكل. عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ:قَالَ لِي، يَعْنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ، فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ طُعْمَتِي بَعْدُ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ. (4)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 351)(15543) 15628- حسن
بِجَشِيشَة،بالجيم،هي أن تُطْحَن الحِنْطَة طَحنًا جَلِيلاً،ثم تُجْعَل في القُدُور،ويُلقَى عليها لَحْم،أو تَمْر،وتُطْبَخ،وقد يُقال لها دَشِيشَة بالدَّال.وفي بعض النسخ : بِحشِيشَة،بالحاء،وكلاهما بمعنىً واحدٍ.
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7067 ) وصحيح ابن حبان - (12 / 344) (5534)
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 635) (6695) صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 591)(16332) 16442- وصحيح البخارى- المكنز - (5376) وصحيح مسلم- المكنز - (5388)(1/533)
* ويعوَّد ألا يسرع في الأكل وأن يجيد مضغ الطعام.
* أن يعوَّد أن يأكل من الطعام ما يجد ولا يتشهي ما لا يجدُ. عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: نَزَلَ بِجَابِرٍ ضَيْفٌ، فَجَاءَهُمْ بِخُبْزٍ وَخَلٍّ، فَقَالَ: كُلُوا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ، هَلَاكٌ بِالْقَوْمِ أَنْ يَحْتَقِرُوا مَا قُدِّمَ إِلَيْهِمْ، وَهَلَاكٌ بِالرَّجُلِ أَنْ يَحْتَقِرَ مَا فِي بَيْتِهِ يُقَدِّمُهُ إِلَى أَصْحَابِهِ " (1)
* أن يعوَّد نظافة فمه باستعمال السواك أو باستعمال فرشة الأسنان المعروفة بعد الأكل وقبل النوم وبعد الاستيقاظ. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ عَائِشَةَ تُحَدِّثُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ (2) .
وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ مَعَ الْوُضُوءِ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ (3) .
* أن يحببَ إليه الإيثار بما يحبُّ من المأكل والألعاب، فيعوَّد إكرام إخوانه وأقاربه الصغار، وأولاد الجيران إذا رأوه يتمتع بشيء منها. قال تعالى:{.. وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (9) سورة الحشر
* أن يعوَّد النطق بالشهادتين وتكرارها في كل يوم مرات.
* أن يعوَّد حمد الله بعد العطاس وتشميت العاطس بعد أن يحمد الله.
* أن يكظم فمه عند التثاؤب وأن يغطي فيه، ولا يحدث صوتاً عند التثاؤب. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا تَثَاءَبَ
__________
(1) - شعب الإيمان - (12 / 132)(9162 ) حسن لغيره
(2) - صحيح ابن حبان - (3 / 349)(1067) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 351)(1069) صحيح(1/534)
أَحَدُكُمْ، فَلْيَرُدَّ مَا اسْتَطَاعَ، وَلاَ يَقُلْ:هَاوْ، فَإِنَّهُ إِذَا، قَالَ:هَاوْ، ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، فقَالَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ فَحَقٌّ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ:يَرْحَمُكَ اللَّهُ. (1)
* أن يعوَّد الشكر على المعروف إذا أسدى إليه مهما كان يسيراً. عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنِ اسْتَعَاذَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا اللَّهَ لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ. (2)
* أن لا ينادي أمَّه وأباه باسميهما، بل يعود أن يناديهما بلفظ: أمي، وأبي. قال تعالى:{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (4) سورة يوسف.
وقال تعالى:{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا} (42) سورة مريم
وقال تعالى:{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } (26) سورة القصص
وقال تعالى:{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (116) سورة المائدة
وقال تعالى:{وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} (32) سورة مريم
وعَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ بنتُ أَسَدِ بن هَاشِمٍ أُمُّ عَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ، دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهَا، فَقَالَ:رَحِمَكِ اللَّهُ يَا أُمِّي، كُنْتِ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي، وتُشْبِعِينِي وتَعْرَيْنَ، وتُكْسِينِي، وتَمْنَعِينَ نَفْسَكِ طَيِّبًا، وتُطْعِمِينِي تُرِيدِينَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، ثُمَّ أَمَرَ أَنْ تُغَسَّلَ ثَلاثًا، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاءُ الَّذِي فِيهِ الْكَافُورُ سَكَبَهُ رَسُولُ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6226) وصحيح مسلم- المكنز - (7679) وصحيح ابن حبان - (2 / 359)(598)
(2) - صحيح ابن حبان - (8 / 199)(3408) صحيح(1/535)
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ، ثُمَّ خَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَمِيصَهُ، فَأَلْبَسَهَا إِيَّاهُ وَكَفَّنَهَا بِبُرْدٍ فَوْقَهُ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُسَامَةَ بن زَيْدٍ، وَأَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ، وَعُمَرَ بن الْخَطَّابِ، وَغُلامًا أَسْوَدَ يَحْفُرُونَ فَحَفَرُوا قَبْرَهَا، فَلَمَّا بَلَغُوا اللَّحْدَ حَفَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ، وَأَخْرَجَ تُرَابَهُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : فَاضْطَجَعَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ:اللَّهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، اغْفِرْ لأُمِّي فَاطِمَةَ بنتِ أَسَدٍ، ولَقِّنْهَا حُجَّتَها، وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا، بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَالأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي، فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، وأَدْخَلُوها اللَّحْدَ هُوَ وَالْعَبَّاسُ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ" (1)
* أن لا يمشي أمام أبويه أو من هو أكبر منه في الطريق ولا يدخل قبلهما إلى المكان تكريما لهما. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ فِي بِرِّ أَبِيهِ:" لَا تَمْشِ أَمَامَ أَبِيكَ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلَا تَدَعُوهُ بِاسْمِهِ، وَلَا تَسْتَسِبَّ لَهُ " (2)
وعن أَبي هُرَيْرَةَ أنه أَبْصَرَ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا:مَا هَذَا مِنْكَ ؟ فَقَالَ:أَبِي، فَقَالَ:لَا تُسَمِّهِ بِاسْمِهِ، وَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ " (3)
* أن يعوَّد السير على الرصيف لا في وسط الطريق. ولاسيما البنت، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَيْسَ لِلنِّسَاءِ وَسَطُ الطَّرِيقِ. (4)
* أن لا يرمي الأوساخ في الطريق بل يميط الأذى عنه. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ:كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَيُعِينُ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (18 / 82)(20324 ) فيه لين
(2) - الْجَامِعُ فِي الْحَدِيثِ لِابْنِ وَهْبٍ (138) حسن لغيره
البر : اسم جامع لكل معاني الخير والإحسان والصدق والطاعة وحسن الصلة والمعاملة
(3) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (45 ) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (12 / 416)(5601) صحيح
قَالَ الشَّيْخُ : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : لَيْسَ لِلنِّسَاءِ وَسَطُ الطَّرِيقِ لَفْظَةُ إِخْبَارٍ مُرَادُهَا الزَّجْرُ عَنْ شَيْءٍ مُضْمَرٍ فِيهِ،وَهُوَ مُمَاسَّةُ النِّسَاءِ الرِّجَالَ فِي الْمَشْيِ،إِذْ وَسَطُ الطَّرِيقِ الْغَالِبُ عَلَى الرِّجَالِ سُلُوكُهُ،وَالْوَاجِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَتَخَلَّلْنَ الْجَوَانِبَ حَذَرَ مَا يُتَوَقَّعُ مِنْ مُمَاسَّتِهِمْ إِيَّاهُنَّ.(1/536)
الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ، وَيَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، وَيَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ. (1)
* ألا يتبول أو يتغوط في الطريق أو الأمكنة العامة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ:قَالَ رَجُلٌ لأَبِي هُرَيْرَةَ:قَدْ أَفْتَيْتَنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ، يُوشِكُ أَنْ تُفْتِيَنَا فِي الْخَرَءِ، فَقَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ:مَنْ سَلَّ سَخِيمَةً عَلَى طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةُ وَالنَّاسُ أَجْمَعِينَ" (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ، قَالُوا:وَمَا اللَّعَّانَانِ ؟ قَالَ:الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طُرُقِ النَّاسِ وَأَفْنِيَتِهِمْ. (3)
* أن يسلِّم بأدب على من لقيه بقوله: السلام عليكم ويرد السلام على من سلَّم. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ " (4)
* أن يلقَّن الألفاظ الصحيحة ويعوَّد النطق باللغة الفصحى.
* أن يعوَّد الطاعة إذا أمره أحد الأبوين أو من هو أكبر منه بأمر مباح.
* أن يعالجَ فيه العنادُ، ويردَّ إلى الحق طوعاً إن أمكن وإلا أكره على الحق، وهذا خيرٌ من البقاء على العِناد والمكابرة.
* أن يشكره أبواه على امتثال الأمر واجتناب المنهي عنه، وأن يكافئاه أحياناً على ذلك بما يحبُّ من مأكل أو لعبة أو نزهة.
* ألا يحرمَ من اللعب مادام آمنا، فيمكَّن من اللعب بالرمال والألعاب المباحة حتى ولو اتسخت ملابسه، فإنَّ اللعب في هذه المرحلة ضروريٌّ لتكوين الطفل جسميا وعقليا.
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2989 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2382) وصحيح ابن حبان - (8 / 174)(3381)
(2) - المعجم الصغير للطبراني - (2 / 77) (811) حسن
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (641) وصحيح ابن حبان - (4 / 262)(1415) - يتخلى : يتغوط
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (6231 )(1/537)
* أن يحببَ إليه الألعاب المباحة، مثل الكرة أو السيارة الصغيرة والطائرة الصغيرة وغيرها ويكره إليه الألعاب ذوات الصور المحرمة من إنسان وحيوان.
* أن يعوَّد احترام ملكية غيره، فلا يمدَّ يده إلى ما لغيره من ألعاب ومأكولات، ولو كانت لعبة أخيه. (1)
خامسا- تنمية جانب الثقة في النفس وتحمل المسئولية عند الطفل
إن أطفال اليوم هم رجال ونساء الغد، فلابد من إعدادهم وتدريبهم على تحمل المسئوليات والقيام بالأعمال التي لابد لهم من القيام بها في المستقبل.
ويمكن أن تحقق ذلك في نفوس الأطفال عن طريق بناء ثقتهم في أنفسهم واحترام ذواتهم، وإعطاء الطفل الفرصة للتعبير عن آرائه وما يدور في خلده، وتشجيعه على القيام بشؤونه الخاصة، بل وتكليفه بما يناسبه من أعمال البيت، مثل أن يكلف بشراء بعض مستلزمات البيت من البقالة المجاورة للمنزل، وتكليف البنت بتنظيف بعض الأواني أو العناية بأخيها الصغير، ويتدرج مع الأطفال في التكاليف شيئا فشيئا حتى يتعوَّدوا على تحمل المسؤوليات والقيام بالأعمال المناسبة لهم.
(ومن تحميل الطفل المسئولية) أن يتحمل تبعة ما يقوم به من أعمال فيعلم أنه هو المسئول عما يرتكبه من أخطاء ويطالب بإصلاح ما قد أفسده والاعتذار عن أخطائه.
وهذه بعض الأمثلة التاريخية والأحاديث النبوية التي تعطي للمربين جميعاً القدوة الصالحة في تربية السلف الصالح أبناءهم على الجرأة، ومعالجة ظاهرة الخجل في نفوسهم:
__________
(1) - انظر :
http://www.al-raqi.net/showthread.php?p=2463547
وhttp://74.125.153.132/search?q=cache:7Hx2T008Ha8J:www.geocities.com/boraie_eg/waqez.doc+%22%D8%A3%D9%86%D9%92+%D9%8A%D8%B9%D9%88%D9%91%D9%8E%D8%AF%D9%8E+%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85+%D9%85%D9%84%D9%83%D9%8A%D8%A9+%D8%BA%D9%8A%D8%B1%D9%87%D8%8C+%22&cd=5&hl=ar&ct=clnk(1/538)
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مِثْلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي.قَالَ عَبْدُ اللهِ:وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا:حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ:هِيَ النَّخْلَةُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَقَالَ:لأَنْ تَكُونَ قُلْتَ:هِيَ النَّخْلَةُ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. (1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِىَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِى مَا هِىَ » .فَوَقَعَ النَّاسُ فِى شَجَرِ الْبَادِيَةِ، وَوَقَعَ فِى نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ .قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَاسْتَحْيَيْتُ .فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا بِهَا .فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هِىَ النَّخْلَةُ » .قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَحَدَّثْتُ أَبِى بِمَا وَقَعَ فِى نَفْسِى فَقَالَ لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِى كَذَا وَكَذَا . (2)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِىَ بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ « أَتَأْذَنُ لِى أَنْ أُعْطِىَ هَؤُلاَءِ » .فَقَالَ الْغُلاَمُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِى مِنْكَ أَحَدًا .قَالَ فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى يَدِهِ (3) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ:كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِى مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا، وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ.قَالَ فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ، وَدَعَانِى مَعَهُمْ قَالَ وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ لِيُرِيَهُمْ مِنِّى فَقَالَ مَا تَقُولُونَ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ) حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ، إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا.وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ نَدْرِى.أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا.فَقَالَ لِى يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَذَاكَ تَقُولُ قُلْتُ لاَ.قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ (إِذَا جَاءَ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (61) وصحيح مسلم- المكنز - (7276 ) وصحيح ابن حبان - (1 / 481) (246)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (131 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7280 )
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (2451 ) وصحيح مسلم- المكنز - (5412 ) -تله:دفعه إليه(1/539)
نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) قَال عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ. (1)
وحكي أن البادية قحطت في أيام هشام، فقدمت عليه العرب، فهابوا أن يكلموه، وكان فيهم درواس بن حبيب، وهو ابن ست عشرة سنة، له ذؤابة، وعليه شملتان، فوقعت عليه عين هشام، فقال لحاجبه:ما شاء أحد أن يدخل علي إلا دخل حتى الصبيان، فوثب درواس حتى وقف بين يديه مطرقاً فقال:يا أمير المؤمنين إن للكلام نشراً وطياً، وإنه لا يعرف ما في طيه إلا بنشره، فإن أذن لي أمير المؤمنين أن أنشره نشرته، فأعجبه كلامه، وقال له:أنشره لله درك، فقال:يا أمير المؤمنين إنه أصابتنا سنون ثلاث سنة أذابت الشحم وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، وفي أيديكم فضول مال، فإن كانت لله ففرقوها على عباده، وإن كانت لهم، فعلام تحبسونها عنهم، وإن كانت لكم، فتصدقوا بها عليهم، فإن الله يجزي المتصدقين، فقال هشام:ما ترك الغلام لنا في واحدة من الثلاث عذراً، فأمر للبوادي بمائة ألف دينار، وله بمائة ألف درهم، ثم قال له:ألك حاجة؟ قال:ما لي حاجة في خاصة نفسي دون عامة المسلمين، فخرج من عنده وهو من أجل القوم. (2) .
فيؤخذ من هذه الأمثلة التي سردناها أن أبناء السلف كانوا يتربون على التحرر التام من ظاهرة الخجل، ومن بوادر الانكماش والانطوائية، وذلك بسبب تعويدهم على الجرأة، ومصاحبة الآباء لهم حضور المجالس العامة، وزيارة الأصدقاء، ثم بالتالي تشجيعهم على التحدث أمام الكبار، ثم دفع ذوي النباهة والفصاحة منهم لمخاطبة الخلفاء والأمراء، ثم استشارتهم في القضايا العامة، والمسائل العلمية في مجمع من المفكرين والعلماء.
وهذا كله مما ينمّي في الأولاد الجراءة الأدبية ويغرس في نفوسهم أنبل معاني الفهم والوعي، ويهيب بهم في أن يتدرجوا في مدارج الكمال وتكوين الشخصية، والنضج الفكري والاجتماعي..وإذا تربى الأطفال على الثقة بالنفس أمكنهم تحمل المسئوليات الجسام كما كان أبناء الصحابة يسعون جاهدين ليكونوا مع المجاهدين في سبيل الله ويبكي أحدهم لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجزه ليقاتل مع الجيش فيرق الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحاله ويجيزه فيكون في النهاية من شهداء المعركة،
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (4294)
(2) - المستطرف في كل فن مستظرف - (1 / 46)(1/540)
ويؤمِّر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسامة ابن زيد على جيش فيه أبو بكر وعمر مع صغر سنِّه لأنه كفؤا لهذه الإمارة. فأين أبناؤنا اليوم من هذه القمم الشامخة (1) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - http://vb.arabsgate.com/showthread.php?t=450103(1/541)
الحقُّ السابع
الاهتمام بالطفل فيما بعد السنوات الست الأولى من حياته
في هذه المرحلة يصبح الطفل أكثر استعداداً للتعلم المنظم فهو يتقبل التوجيه بشكل أكثر، ويكون أكثر انسجاماً مع أقرانه في اللعب، فيمكننا القول بأنه أكثر إدراكاً وحرصاً على التعلم واكتساب المهارات فيمكن توجيهه بشكل مباشر لذا فإن هذه الفترة من أهم الفترات في تعليم الطفل وتوجيهه.
وسوف نتحدث بمشيئة الله تعالى عن أهم الجوانب التي لابد للمربين من الحرص عليها في هذه المرحلة وهي:
أولا: تعريف الطفل بخالقه بشكل مبسط:
فيعرف الطفل بالله عز وجل بطريقة تناسب إدراكه ومستوى تفكيره.
- فيعلم أن الله واحد لا شريك له. قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (19) سورة محمد .
- ويعلم أنه الخالق لكل شيء فهو الخالق للأرض والسماء والناس والحيوانات والأشجار والأنهار وغيرها، ويمكن أن يستغلَّ المربي بعض المواقف فيسأل الطفل وهم في نزهة في بستان أو في البرية عن خالق الماء والأنهار والأرض والأشجار وغيرها ليلفت نظره إلى عظمة الله.قال تعالى :{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (64) سورة غافر
وقال تعالى:{أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (61) سورة النمل
وقال تعالى :{وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (11) سورة فاطر(1/542)
- ويعلَّمُ الطفلَ محبة الله ويرغبه فيها، وذلك بلفت نظره إلى ما أسبغه الله عليه وعلى ذريته من النعم، فيقال له مثلاً :من الذي أعطاك السمع والبصر والعقل؟ من الذي أعطاك القوة والقدرة على الحركة؟ من الذي أعطالك وأسرتك الرزق والطعام؟ وهكذا يلفت نظره للنِّعم الظاهرة ويحثه على محبة الله وشكره على هذه النعم الغامرة، وهذا الأسلوب ورد في القرآن حيث أن الله في آيات عديدة يلفت نظر العباد إلى نعمه عز وجل مثل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} (20) سورة لقمان.
وقوله عز من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (3) سورة فاطر .
وقوله تعالى: { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (73) سورة القصص.
ويعلم كذلك محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ:أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُوقَدَ لَهُ نَارٌ فَيُقْذَفَ فِيهَا. (1)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ » (2) .
ثانياً: تعليم الطفل بعض الأحكام الواضحة ومن الحلال والحرام:
فيعلم الطفل ستر عورته والوضوء وأحكام الطهارة ويعلم أداء الصلاة، وينهى عن المحرمات والكذب والنميمة والسرقة والنظر إلى ما حرَّم الله، وبالجملة يؤمر بما يؤمر به
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (16) وصحيح مسلم- المكنز - (174 ) وصحيح ابن حبان - (1 / 474) (238)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (15 ) وصحيح مسلم- المكنز - (178)(1/543)
الكبار من التزام شرع الله وينهى عما ينهى عنه الكبار مما لا يحلُّ، حتى يشبَّ على ذلك ويألفه، ومن شبَّ على شيء شاب عليه. عَنْ مُحَمَّدٍ - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِى فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كِخْ كِخْ ارْمِ بِهَا أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ». (1)
ويحرص على تعليمه العلم، قال أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ: " يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُكْرِهَ وَلَدَهُ عَلَى طَلَبِ الْحَدِيثِ، يَقُولُ: فَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْهُ ". (2)
ثالثا: تعليم الطفل تلاوة القرآن:
فإن القرآن هو النهج القويم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالخير كل الخير أن يعوَّد الطفلُ قراءة القرآن بصورة صحيحة، ويبذل الجهد والطاقة في تحفيظه إياه أو جزء كبير منه، ويشجع على ذلك بشتى الوسائل، فليحرص الوالدان على أن يلتحق الطفل ولدا كان أو بنتا بأحد مدارس تحفيظ القرآن، فإنْ لم يتيسر ذلك فليحرص على التحاقه بأحد حلقات تحفيظ القرآن المنتشرة- ولله الحمد-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" سَبعةٌ يُظلهمُ اللهُ تَحتَ ظِلهِ يَومَ لاَ ظِلَّ إِلا ظِلّهُ:إِمامٌ مُقسطٌ، وَرجلٌ لَقيتهُ امرأةٌ ذَاتُ جَمالٍ وَمنصبٍ فَعرضتْ نَفسهَا عَليهِ فَقالَ:إِنى أَخافُ اللهَ رَب الْعالمينَ، وَرجلٌ قَلبهُ مُتعلقٌ بِالمساجدِ، وَرجلٌ تَعلمَ الْقرآنَ فِي صِغرهِ فَهوَ يَتلوهُ فِي كِبرهِ، وَرجلٌ تَصدقَ بِيمينهِ فَأخفاهَا عَنْ شِمالهِ، وَرجلٌ ذَكرَ اللهَ فِي بَرِّيَّةٍ فَفاضتْ عَيناهُ خَشيةً مِنَ اللهِ، وَرجلٌ لَقيَ رَجلاً فَقالَ: إِِنى أُحبكَ فِي اللهِ، فَقالَ لَهُ الرجلُ:وَأنَا أُحبكَ فِي اللهِ" (3) .
والوالدان اللذان يهتمان بتعليم أولادهما القرآن لهما الثواب العظيم أخرج أبو داود عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِىِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (2522 )
(2) - شعب الإيمان - (11 / 133)(8292 ) صحيح
(3) - شعب الإيمان للبيهقي (807 ) صحيح غريب(1/544)
فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْؤُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِى بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِى عَمِلَ بِهَذَا » (1) .
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:ذُكِرَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِخَيْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :أَوَلَمْ تَرَوْهُ يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ." (2)
ولا شك أن تربية الأطفال على القرآن الكريم منذ نعومة أظفارهم من شأنه أن يوسع مداركهم ويزودهم بالحكمة والهداية والنور قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء.
وقد أدرك المسلمون السابقون أهمية التربية على القرآن فتسابقوا في هذا الميدان وتنافسوا، فعَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:كَانَ عَلِيُّ فِي الْمَسْجِدِ أَحْسِبُهُ قَالَ:مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فَسَمِعَ ضَجَّةً شَدِيدَةً فَسَأَلَ مَا هَؤُلاَءِ ؟ فَقَالُوا:قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ أَوْ يَتْلُونَ الْقُرْآنَ، فَقَالَ:أَمَا أَنَّهُمْ كَانُوا أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - . (3)
وقال ابن عَبّاس " سَلُونِي عَن التَّفسِير فَإِنِّي حَفِظت القُرآن وأَنا صَغِير" (4)
ويقول الإمام الشافعي رحمه الله: " حَفِظْتُ القُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِيْنَ، وَحَفِظْتُ (المُوَطَّأَ) وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ " (5) .
وَقَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ: يقصد (قَاضِي المَرَسْتَانِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّدٍ) كَانَ إِمَاماً فِي فُنُوْنٍ، وَكَانَ يَقُوْلُ: حفظتُ القُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعٍ، وَمَا مِنْ علمٍ إِلاَّ وَقَدْ نَظرتُ فِيْهِ، وَحصَّلْتُ مِنْهُ الكُلَّ أَوِ البَعْضَ، إِلاَّ هَذَا النَّحْوَ، فَإِنِّي قَلِيْلُ البِضَاعَةِ فِيْهِ، وَمَا أَعْلَمُ أَنِّي ضَيَّعْتُ سَاعَةً مِنْ عُمُرِي فِي لَهْوٍ أَوْ لَعِبٍ ". (6)
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (1455 ) حسن
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 91)(24374) 24878- حسن
(3) - مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (3 / 95)(874) فيه ضعف
(4) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (9 / 84) صحيح
(5) - سير أعلام النبلاء - (10 / 11) وتاريخ الإسلام للإمام الذهبي - موافقة للمطبوع - (14 / 308) فيه جهالة
(6) - سير أعلام النبلاء - (20 / 26)(1/545)
وذكر لي وليّ الله الشيخ ياسين بن يوسف المرّاكشي قال: رأيت الشيخ وهو ابن عشر سنين بنوى، والصبيان يكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، قال: فوقع في قلبي محبته، وكان قد جعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال: فأتيت معلّمه فوصيته به، وقلت له: إنه يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال لي: أمنجِّم أنت؟ فقلت: لا، وإنما أنطقني الله بذلك. قال: فذكر المعلّم ذلك لوالده، وحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الحلم. (1)
- - - - - - - - - -
__________
(1) - المنهل العذب الروي - (1 / 2)(1/546)
الحقُّ الثامن
ألا يرزقه إلا طيباً من الكسب الحلال
عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ ». رواه الترمذي (1) .
وما يغذى به الأولاد ينبغي أن يكون حلالاً فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:تُلِيَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا فَقَامَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :" يَا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ .." (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ } [المؤمنون: 51] وَقَالَ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ " (3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ " (4) .
فيعوَّدُ الطفلُ على أكل الحلال وكسب الحلال وإنفاق الحلال حتى ينشأ على التوسط والاعتدال بعيدا عن الإسراف والتقتير.
- - - - - - - - - -
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2602 ) صحيح
(2) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (6683 ) ضعيف
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (2393) وشعب الإيمان - (2 / 388)(1118 )
(4) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (3059 ) حسن لغيره(1/547)
الحقُّ التاسع
أن يعلِّمه الصلاة ويعوِّده عليها
لقول الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (132) سورة طه .
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِإِقَامَةِ الصَّلاَةِ فِي أَوْقَاتِهَا، لِتُنْقِذَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَاصْبِرْ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأَدِّهَا كَامِلَةً حَقَّ أَدَائِهَا، فَالوَعْظُ بِالفِعْلِ أَشَدُّ أَثَراً مِنْهُ بِالقَوْلِ.وَإِذَا أَقَمْتَ الصَّلاَةَ أَتَاكَ الرِّزْقُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَحْتَسِبْ، وَلَمْ تُكَلَّفْ أَنْتَ رِزْقَ نَفْسِكَ.وَكَانَ الأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ أَمْرٌ فَزِعُوا إِلَى الصَّلاَةِ (1) .
فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ، وَإِذَا أَنْكَحَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ، أَوْ أَجِيرَهُ، فَلاَ يَنْظُرَنَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ، فَإِنَّ مَا أَسْفَلَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ عَوْرَتِهِ." (2)
فيؤمر الصبي بالصلاة في سِنِّ السابعة وهي بداية مرحلة التعليم التي نبَّه إليها الإسلام ويؤخذ بالنصح والتوجيه إذا قصَّر في صلاته حتى سنِّ العاشرة، فإنْ تهاون في هذه المرحلة جاز لوالده استخدام الضرب تأديباً له على ما فرط في جنب الله.ويشجع الطفل في هذه السِّن على صلاة الجماعة وحضور صلاة الجمعة والعيدين ومن أنجح الوسائل في تحبيب الأطفال لصلاة الجماعة اصطحاب الأب لأبنائه وأخذهم معه لأداء صلاة الجماعة في المسجد.من أمثلة ذلك ما كان من فعله - صلى الله عليه وسلم - مع علي بن أبي طالب حينما دعاه إلى الإسلام وعمره لم يتجاوز العاشرة فأسلم ولازمه في الخروج إلى الصلاة مستخفياً في شعاب مكة حتى عن أهله وأبيه.
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2441)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 648)(6756) حسن(1/548)
الحقُّ العاشر
أن يدربه على الصوم
وهذا من العمل المستحب إذ يرى جمهور العلماء أنه لا يجب على من دون سن البلوغ ولكن يستحب للتمرين.. أخرج البخاري ومسلم عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ:أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ، الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ:" مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ " " فَكُنَّا، بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ " (1)
وعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ:أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ:مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ذَلِكَ، قَالَتْ:فَكُنَّا نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ وَنَذْهَبُ بِهِمْ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ." (2)
قال الحافظ ابن حجر معلقاً: " وفِي الحَدِيث حُجَّة عَلَى مَشرُوعِيَّة تَمرِين الصِّبيان عَلَى الصِّيام كَما تَقَدَّمَ لأَنَّ مَن كانَ فِي مِثل السِّنّ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذا الحَدِيثِ فَهُو غَير مُكَلَّف، وإِنَّما صَنَعَ لَهُم ذَلِكَ لِلتَّمرِينِ.
وأَغرَبَ القُرطُبِيُّ فَقالَ:لَعَلَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَم يَعلَم بِذَلِكَ، ويَبعُد أَن يَكُونَ أَمَرَ بِذَلِكَ لأَنَّهُ تَعذِيب صَغِيرٍ بِعِبادَةٍ غَيرِ مُتَكَرِّرَةٍ فِي السَّنَةِ، وما قَدَّمناهُ مِن حَدِيث رَزِينَةَ يَرُدُّ عَلَيهِ.
مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ عِند أَهل الحَدِيث وأَهل الأُصُول أَنَّ الصَّحابِيّ إِذا قالَ فَعَلنا كَذا فِي عَهد رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ حُكمُهُ الرَّفعَ لأَنَّ الظّاهِر اطِّلاعُهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ذَلِكَ، وتَقرِيرهم عَلَيهِ مَعَ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (2725 )
(2) - صحيح ابن حبان - (8 / 385)(3620) صحيح(1/549)
تَوفُّرِ دَواعِيهم عَلَى سُؤالهم إِيّاهُ عَن الأَحكام، مَعَ أَنَّ هَذا مِمّا لا مَجالَ لِلاجتِهادِ فِيهِ فَما فَعَلُوهُ إِلاَّ بِتَوقِيفٍ، والله أَعلَمُ. " (1)
والصوم من الوجهة التربوية يغرس في النفس البشرية حقيقة الإخلاص لله تعالى ومراقبته في السر وتقوية الإرادة وكبح جماح الشهوات ويؤمر به الأطفال عند طاقتهم منذ السابعة وبالتدريج (2) .
- - - - - - - - - -
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (4 / 201)
(2) - انظر كتاب كيف نربي أبنائنا تربية صالحة(1/550)
الحقُّ الحادي عشر
تربية البنات على الحجاب
تعوَّد البنت على لبس الحجاب منذ الطفولة ليكون لها شرفاً وحفظاً ويرى العلماء أن تعود البنت على لبس الحجاب في سِن السابعة قياساً على حديث الأمر بالصلاة. ومن فوائد الحجاب للبنت صيانتها والحفاظ، على عفتها وشرفها ويدخل في دائرة الحجاب إبعاد البنت عن الاختلاط بالأجانب.. قال الله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النور.
" وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلمُؤْمِنَاتِ أَنْ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبَصَارِهِنَّ عَنِ النَّظَرِ إِلَى مَا لاَ يَحِلُّ لَهُنَّ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنْ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ، وأَنْ يَغْضُضْنَ بَصَرَهُنَّ عَنِ النَّظَرِ إِلى الرِّجَالِ الأَجَانِبِ عَنْهُنَّ، لأَنَّهُ أَوَلى بِهِنَّ وَأَلْيَقُ، وَأَنْ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ عَنْ الفَوَاحِشِ، وَعَمَّا لاَ يَحِلُّ لَهُنَّ، وَعَنْ أن يَراهُنَّ، أَحَدٌ، وَأَنْ لاَ يُظْهِرْنَ شَيئْاً مِنَ الزِّينَةِ للأَجَانِبِ إِلاَّ مَا لاَ يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ كالرِّدَاءِ والثِّيَابِ والخلخَالِ ( وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ:الوَجْهِ والكَفَّيْنِ والخَاتَمِ )، وأَنْ يُلْقِينَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى فَتْحَاتِ ثِيَابِهِنَّ عِنْدَ الصُّدُورِ ( جُيُوبِهِنَّ ) لِيَسْتُرْنَ بِذَلِكَ شُعُورَهُنَّ وَأَعْنَاقُهُنَّ وَصُدُورَهُنَّ حَتَّى لاَ يُرى مِنْهَا شَيءٌ، وَأَنْ لاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ( كالسِّوارِ والخَاتَمِ والكُحْلِ والخِصَابِ...) إِلاَّ للأَزْوَاجِ وآبَاءِ الأَزْوَاجِ والإخْوَةِ وأَبْنَائِهِمْ، وَأبْنَاءِ الأَخَوَاتِ، وأَبْنَاءِ الأَزْوَاجِ، وَبَقِيةِ المَحَارِمِ الذينَ عَدَّدهُمْ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ، أو لِلنِّسَاءِ المُسْلِمَاتِ ( نِسَائِهِنَّ - وَقِيلَ إِنَّ نِسَاءَهُنَّ تَعْنِي النِّسَاءَ المَخْتَصَّاتِ بِصُحْبَتِهِنَّ وخِدْمَتِهِنَّ )، أو لِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ مِنْ عَبِيدَ مُسْلِمِينَ ( وَقِيلَ حَتَّى لِغَيْرِ المُسْلِمِينَ )، أو الاتباع المُغَفَّلِينَ وَفِي(1/551)
عُقُولِهِمْ وَلَهٌ، وَلاَ يَشْتَهُونَ النِّسَاءَ ( وَهُمْ التَّابِعُونَ غَيْرُ أوْلِي الإِرْبَةِ مِن الرِّجَالِ )، أو لِلأَطْفَالِ الصِّغَارِ الذين لاَ يَفْهَمُونَ أَحْوَالَ النِّسَاءِ وَعَوْرَاتِهِنَّ، أَمَّا إذَا كانَ الطِّفْلُ مُرَاهِقاً أَوْ قَرِيباً مِنْهُ، يَعْرِفُ ذَلِكَ وَيَدْرِيهِ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّوْهَاءِ والحَسْنَاءِ فَلاَ يُسْمَحُ لَهُ بالدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ)
كَمَا أَمَرَهُنَّ بِأَنْ لاَ يَمْشِينَ فِي الطُّرُقَاتِ وَفِي أَرْجُلِهِنَّ الخَلاَخِيلُ فَيَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ الأَرْضَ ليُسمَعَ صَوْتُ مِشْيَتِهِنَّ، وَلِتَلْتَفِتَ الأَنْظَارُ إِلَيْهِنَّ، كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ نِسَاءُ الجَاهِلِيَّةِ .
وارْجِعُوا تَائِبينَ إِلَى طَاعَةِ اللهِ يا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ، وافْعَلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ ربُّكُم مِنَ التَّخَلُّقِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الجَمِيلَةِ والأَخْلاقِ الحَمِيدَةِ، واتْرُكُوا مَا كَانَ عَلَيْهِ أهلُ الجَاهِلِيَّةِ مِنَ الصِّفَاتِ والأْخْلاقِ الذَّمِيمَةِ، فإِنَّ الفَلاَحَ فِي فِعْلِ ما أَمَرَ اللهَ وَرَسُولُه بِهِ، وَتَرْكِ مَا نَهَيا عَنْهُ ." (1)
ومع الأسف لما أهمل الحجاب وسمح بالاختلاط بين الجنسين وقع ما حذر منه الإسلام من هتك الأعراض وضياع الشرف وانتشار الفساد والوقوع في الحرام.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَمْ أَرَهُمَا:قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ رُؤُوسُهُنَّ مِثْلُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدُونَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا." (2)
وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَلْقَمَةَ حَلِيفٌ فِي بَنِي هَاشِمٍ، فَتَتَابَعْتُ إِلَيْهِ أَنَا وَعَلِيٌّ الْأَزْدِيُّ، فَكَانَ مِمَّا حَدَّثَنَا أَنْ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :" إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالشُّحُّ، وَيُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنَ الْأَمِينُ، وَتَظْهَرَ ثِيَابٌ كَأَفْوَاجِ السَّحَرِ، يَلْبَسُهَا نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، وَيَعْلُو التُّحُوتُ الْوُعُولَ " أَكَذَاكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ سَمِعْتَهُ مِنْ حِبِّي رَسُولِ
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2704)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (5704 ) وصحيح ابن حبان - (16 / 500)(7461)(1/552)
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ: نَعَمْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قُلْتُ: وَمَا التُّحُوتُ الْوُعُولَ ؟ قَالَ: فُسُولُ الرِّجَالِ، وَأَهْلُ الْبُيُوتَاتِ الْغَامِضَةِ، يُرْفَعُونَ فَوْقَ صَالِحِيهِمْ وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ " (1)
وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى سُرُوجٍ كَأَشْبَاهِ الرِّجَالِ، يَنْزِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، عَلَى رُؤُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ، لَوْ كَانَ وَرَاءَكُمْ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ خَدَمَهُنَّ نِسَاؤُكُمْ، كَمَا خَدَمَكُمْ نِسَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ. (2)
ويخاطب الله المؤمنات جميعاً فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (59) سورة الأحزاب.
" يَأْمُرُ اللهُ تَعَالى رَسُولَه - صلى الله عليه وسلم - بأَنْ يَأْمُرَ نِسَاءَهُ وَبَنَاتِهِ والنِّسَاءَ المُؤْمِنَاتِ، بِأَنْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ، وَأَن يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِنَّ، وَأَنْ يُغَطِّينَ ثَغْرَةَ نُحُورِهِنَّ بِالجَلابِيبِ التِي يُدْنِينَهَا عَلَيهِنَّ.وَالغَايَةُ مِنْ ذَلِكَ التَّسَتُّرُ، وَأَن يُعْرَفْنَ بِأَنَّهُنَّ حَرَائِرُ فَلا يُؤْذِيهِنَّ أَحَدٌ، وَلا يَتَعَرَّضُ لَهُنَّ فَاسِقٌ بِأَذى وَلا رِيبَةٍ، وَرَبُّكُمْ غَفَّارٌ لِمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ صَدرَ مِنَ الإْخْلاَلِ بالسِّتْرِ، كَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِمَنِ امْتَثَلَ أَمْرَهُ، وَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ عَمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَصَّرَ فِي مُرَاقَبَتِهِ فِي أُمُورِ التَّسَتُّرِ يُدْنِينَ عَلَيهِنَّ - يُرْخِينَ وَيُسْدِلْنَ عَلَيْهِنّ ." (3)
وينهى الله المؤمنات عن التبرج :{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (33) سورة الأحزاب
وَلاَ تُبِديَنَّ زِينَتَكُنَّ وَمَحَاسِنَكُنَّ لِلرِّجَالِ، كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ نِسَاءُ الجَاهِلِيَّةِ، وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ عَلَى الوَجهِ الأَكْمَلِ، وأَدِّينَ الزَّكَاةَ عَنْ أَموَالِكُنَّ كَمَا أَمَرَ اللهُ، فَاللهُ تَعالى يُريدُ أَنْ يُطَهِّرَ أَهلَ بَيْتِ
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (10 / 79)(3933 ) حسن
(2) - صحيح ابن حبان - (13 / 64) (5753) صحيح
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3473)(1/553)
رَسُولِهِ تَطهيراً لا تُخَالِطُهُ شُبْهَةٌ مِنْ دَنَسِ الفِسْقِ والفُجُورِ، وأَنْ يُذْهِبَ عَنْهُم السُّوءَ والفَحْشَاءَ . (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3447)(1/554)
الحقُّ الثاني عشر
أن يعلَّم الأطفال آداب الاستئذان في الدخول
وقد جاء هذا التوجيه في القرآن الكريم بأسلوب تربوي متدرج فطلب من الأطفال وهم صغار أن يستأذنوا في ثلاث أوقات مهمة:
1- من قبل صلاة الفجر 2- ووقت الظهيرة عند القيلولة 3- وبعد صلاة العشاء. فإذا بلغ الأولاد سنَّ البلوغ وجب عليهم الاستئذان في البيت للدخول على والديهم في كل وقت، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)} سورة النور.
" يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه مُروا عبيدكم وإماءكم، والأطفال الأحرار دون سن الاحتلام أن يستأذنوا عند الدخول عليكم في أوقات عوراتكم الثلاثة: من قبل صلاة الفجر؛لأنه وقت الخروج من ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة، ووقت خلع الثياب للقيلولة في الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء؛لأنه وقت للنوم، وهذه الأوقات الثلاثة عورات لكم، يقل فيها التستر، أما فيما سواها فلا حرج إذا دخلوا بغير إذن؛لحاجتهم في الدخول عليكم، طوافون عليكم للخدمة، وكما بيَّن الله لكم أحكام الاستئذان يبيِّن لكم آياته وأحكامه وحججه وشرائع دينه. والله عليم بما يصلح خلقه، حكيم في تدبيره أمورهم.(1/555)
وإذا بلغ الأطفال منكم سن الاحتلام والتكليف بالأحكام الشرعية، فعليهم أن يستأذنوا إذا أرادوا الدخول في كل الأوقات كما يستأذن الكبار، وكما يبيِّن الله آداب الاستئذان يبيِّن الله تعالى لكم آياته. والله عليم بما يصلح عباده، حكيم في تشريعه." (1)
فالخدم من الرقيق، والأطفال المميزون الذين لم يبلغوا الحلم يدخلون بلا استئذان. إلا في ثلاثة أوقات تنكشف فيها العورات عادة، فهم يستأذنون فيها. هذه الأوقات هي: الوقت قبل صلاة الفجر حيث يكون الناس في ثياب النوم عادة أو أنهم يغيرونها ويلبسون ثياب الخروج. ووقت الظهيرة عند القيلولة، حيث يخلعون ملابسهم في العادة ويرتدون ثياب النوم للراحة. وبعد صلاة العشاء حين يخلعون ملابسهم كذلك ويرتدون ثياب الليل ..
وسماها «عورات» لانكشاف العورات فيها. وفي هذه الأوقات الثلاثة لا بد أن يستأذن الخدم، وأن يستأذن الصغار المميزون الذين لم يبلغوا الحلم، كي لا تقع أنظارهم على عورات أهليهم. وهو أدب يغفله الكثيرون في حياتهم المنزلية، مستهينين بآثاره النفسية والعصبية والخلقية، ظانين أن الخدم لا تمتد أعينهم إلى عورات السادة! وأن الصغار قبل البلوغ لا ينتبهون لهذه المناظر. بينما يقرر النفسيون اليوم - بعد تقدم العلوم النفسية - أن بعض المشاهد التي تقع عليها أنظار الأطفال في صغرهم هي التي تؤثر في حياتهم كلها وقد تصيبهم بأمراض نفسية وعصبية يصعب شفاؤهم منها.
والعليم الخبير يؤدب المؤمنين بهذه الآداب وهو يريد أن يبني أمة سليمة الأعصاب، سليمة الصدور، مهذبة المشاعر، طاهرة القلوب، نظيفة التصورات.
ويخصص هذه الأوقات الثلاثة دون غيرها لأنها مظنة انكشاف العورات. ولا يجعل استئذان الخدم والصغار في كل حين منعا للحرج. فهم كثيرو الدخول والخروج على أهليهم بحكم صغر سنهم أو قيامهم بالخدمة: «طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ» .. وبذلك يجمع بين الحرص على عدم انكشاف العورات، وإزالة الحرج والمشقة لو حتم أن يستأذنوا كما يستأذن الكبار.فأما حين يدرك الصغار سن البلوغ، فإنهم يدخلون في حكم
__________
(1) - التفسير الميسر - (6 / 262)(1/556)
الأجانب، الذين يجب أن يستأذنوا في كل وقت، حسب النص العام، الذي مضت به آية الاستئذان. (1)
وفي تربية الأولاد على هذه الآداب تعويد لهم على غض البصر عن العورات وحفظ لهم من أسباب الإثارات التي قد تسبب لهم بعض الأضرار النفسية والاجتماعية والخلقية (2) .
- - - - - - - - - -
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2532)
(2) - http://www.ro2yak.com/vb/showthread.php?t=27881(1/557)
الحقُّ الثالث عشر
أن يعدِل الوالدان بين أولادهم
فلا يفضل أحد على أحد ولا يميز الذكور على الإناث، والعدل بين الأولاد مطلوب في جميع الحالات سواء كان في العطاء أو في المحبة والقبلة أو في تقديم الهدايا والهبات والوصية أو في المعاملة فإنه يلزم الوالدين معاملة أولادهم بالعدل والمساواة.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا - قَالَ يَعْنِى الذُّكُورَ - أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ». وَلَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانُ يَعْنِى الذُّكُورَ. (1) .
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ انْطَلَقَ بِى أَبِى يَحْمِلُنِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّى قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِى. فَقَالَ « أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ ». قَالَ لاَ. قَالَ « فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِى - ثُمَّ قَالَ - أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِى الْبِرِّ سَوَاءً ». قَالَ بَلَى. قَالَ « فَلاَ إِذًا» (2) .
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: انْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَنَحَلَنِي نُحْلًا لِيُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ: " أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ " فَقَالَ: لَا، قَالَ: " أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ كُلُّهُمْ سَوَاءً ؟ " قَالَ: بَلَى، قَالَ: " فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي " (3)
وبهذا العدل يستقيم أمر الأسرة وتنشأ المحبة بين الجميع وتغرس الثقة بين أفراد الأسرة فلا مكان للأحقاد والبغضاء عندئذ، فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ تَصَدَّقَ عَلَىَّ أَبِى بِبَعْضِ مَالِهِ فَقَالَتْ أُمِّى عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَانْطَلَقَ أَبِى إِلَى
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (5148 ) فيه ضعف
يئدها : من الوأد،وهو دفن الرجل ابنته حية،كما كانوا يفعلون في الجاهلية،وهي الموؤدة التي ذكرها الله - عزَّ وجلَّ - فقال: {وإذا الموؤدة سُئلت بأيِّ ذنب قُتلت } [التكوير: 8،9] .جامع الأصول في أحاديث الرسول - (1 / 414)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (4272 )
(3) - شرح مشكل الآثار - (13 / 71)(5072 ) صحيح(1/558)
النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ ». قَالَ لاَ. قَالَ « اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِى أَوْلاَدِكُمْ ». فَرَجَعَ أَبِى فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ. (1) .
وعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: إِنَّ أَبَاهُ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ أَعْطَاهُ عَطِيَّةً، قَالَتْ أُمُّهُ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: أَشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَتَاهُ أَبِي لِيُشْهِدَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :أَكُلَّ وَلَدِكَ أَعْطَيْتَ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: لا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا فِي أَوْلادِكُمْ." (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (4267 )
(2) - مسند أبي عوانة (4600 ) صحيح(1/559)
الحقُّ الرابع عشر
تخيِّرُ الصحبة الصالحة لهم
حث الإسلام على صحبة الصالحين والأخيار وحذر من صحبة الأشرار، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ، قَالَ:لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا، وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ. (1)
وقال تعالى مبينا آثار الصحبة السيئة:{ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) } [الزخرف:36 - 39]
ومن يُعْرِض عن ذكر الرحمن، وهو القرآن، فلم يَخَفْ عقابه، ولم يهتد بهدايته، نجعل له شيطانًا في الدنيا يغويه; جزاء له على إعراضه عن ذكر الله، فهو له ملازم ومصاحب يمنعه الحلال، ويبعثه على الحرام.
وإن الشياطين ليصدون عن سبيل الحق هؤلاء الذين يعرضون عن ذكر الله، فيزيِّنون لهم الضلالة، ويكرِّهون لهم الإيمان بالله والعمل بطاعته، ويظن هؤلاء المعرضون بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلال أنهم على الحق والهدى.
حتى إذا جاءنا الذي أعرض عن ذكر الرحمن وقرينُه من الشياطين للحساب والجزاء، قال المعرض عن ذكر الله لقرينه: وددت أن بيني وبينك بُعْدَ ما بين المشرق والمغرب، فبئس القرين لي حيث أغويتني. (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ. " (3)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (2 / 314)(554) صحيح
(2) - التفسير الميسر - (9 / 2)
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 195)(8028) 8015- صحيح(1/560)
وعَنْ أَبِى مُوسَى - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً » (1) .
وعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَمَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ، إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً. (2)
وفي تخير الأصحاب الصالحين للأبناء حماية لهم من الوقوع في الانحراف والبعد بهم عن مزالق السوء ومهاوي الردى. ولقد أحسن من قال:
واختر من الأصحاب كل مرشد إن القرين بالقرين يقتدي
فصحبة الأخيار للقلب دواء تزيد للقلب نشاطاً وقوى
وصحبة الأشرار داء وعمى تزيد للقلب السقيم سقماً (3)
- - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2101 ) وصحيح مسلم- المكنز -(6860)
(2) - صحيح ابن حبان - (2 / 321) (561) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ - رضي الله عنهم - : فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الْمُقَايِسَاتِ فِي الدِّينِ.
(3) - http://www.ro2yak.com/vb/showthread.php?t=27881(1/561)
الحقُّ الخامس عشر
توفير أسباب اللهو واللعب المفيد
من سباحة ورماية وركوب الخيل وما جرى مجراهم في النفع، فعَنِ ابْنِ جُدْعَانَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَمِعَا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ قَالَ عَلِىٌّ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَاهُ وَأُمَّهُ لأَحَدٍ إِلاَّ لِسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ « ارْمِ فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى ». وَقَالَ لَهُ « ارْمِ أَيُّهَا الْغُلاَمُ الْحَزَوَّرُ » ارْمِ فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى » (1) .
وعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ - رضي الله عنهم - قَالَ مَرَّ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « ارْمُوا بَنِى إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِى فُلاَنٍ ».قَالَ فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ ».قَالُوا كَيْفَ نَرْمِى وَأَنْتَ مَعَهُمْ.قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ » (2) .
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ:خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ بِالسُّوقِ، فَقَالَ:ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ لأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، فَأَمْسَكُوا أَيْدِيَهُمْ، فَقَالَ:مَا لَكُمُ ارْمُوا، قَالُوا:كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَ بَنِي فُلاَنٍ ؟ قَالَ:ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلُّكُمْ. (3)
وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ:دَخَلَ عَلَيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَلْعَبُ بِاللُّعَبِ، فَرَفَعَ السِّتْرَ، وَقَالَ:مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ ؟ فَقُلْتُ:لُعَبٌ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ:مَا هَذَا الَّذِي أَرَى بَيْنَهُنَّ ؟ قُلْتُ:فَرَسٌ يَا رَسُولَ
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (3063 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
الحزور : الغلام إذا اشتد وقوى
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (2899 )
(3) - صحيح ابن حبان - (10 / 547) (4693) صحيح(1/562)
اللهِ، قَالَ:فَرَسٌ مِنْ رِقَاعٍ لَهُ جَنَاحٌ ؟ قَالَتْ:فَقُلْتُ:أَلَمْ يَكُنْ لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ خَيْلٌ لَهَا أَجْنِحَةٌ ؟ فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - . (1)
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:سَابَقَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَبَقْتُهُ، فَلَبِثْنَا حَتَّى إِذَا أَرْهَقَنِي اللَّحْمُ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :هَذِهِ بِتِلْكَ. (2)
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأنا خَفِيفَةُ اللَّحْمِ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:" تَقَدَّمُوا " ثُمَّ قَالَ لِي:" تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ فَسَابَقَنِي فَسَبَقْتُهُ " ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي سَفَرٍ آخَرَ، وَقَدْ حَمَلْتُ اللَّحْمَ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:" تَقَدَّمُوا " ثُمَّ قَالَ لِي:تَعَالَيْ أُسَابِقُكِ " فَسَابَقَنِي فَسَبَقَنِي فَضَرَبَ بِيَدِهِ كَتِفِي وَقَالَ:" هَذِهِ بِتِلْكَ " (3) .
وعَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ قَالَ:قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفَرٍ فَاسْتَقْبَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنْهُمَا (فَجَعَلَ - صلى الله عليه وسلم - أَكْبَرَهُمَا) خَلْفَهُ، وَحَمَلَ أَصْغَرَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ." (4) .
ولهذا الجانب أهمية بالغة في التربية فهو يكسب الأطفال الثقة بأنفسهم فيشبوا على تعلم مهارات كثيرة تكون أساساً لكثير من الأنشطة الحياتية إذا كبروا. وهناك فائدة أخرى مهمة في توفير الوالدين والمربين الألعاب بين يدي الأطفال وهي تفريغ طاقاتهم المكبوتة وتوجيهها الوجهة الصحيحة وصرفهم عن اللهو الحرام والسلوك الخاطئ (5) .
- - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (13 / 174) (5864) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (10 / 545) (4691) صحيح
(3) - عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة - (1 / 64)(54-7709) وأبو داود برقم(2580) وأحمد برقم(27031) والببيهقي في السنن برقم ( 20252 و20253) والحميدي برقم (278) صحيح
(4) - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (11 / 639)(2636 ) حسن
(5) - http://www.rowadarab.com/vb/t3597.html(1/563)
الحق السادس عشر
أن يعوله حتى سن الرشد
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بَنِي أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، وَلَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ، وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ كَذَا وَلاَ كَذَا، أَفَلِي أَجْرٌ إِنْ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ لَكِ أَجْرَ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ. " (1)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِى مِنْ أَجْرٍ فِى بَنِى أَبِى سَلَمَةَ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ، وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا؟، إِنَّمَا هُمْ بَنِىَّ.قَالَ: « نَعَمْ لَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ » . (2)
وعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِي بَنِي أَبِي سَلَمَةَ ؟ فَإِنِّي أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ، فَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا تَقُولُ:كَانَ لِي أَجْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :نَعَمْ لَكِ فِيهِمْ أَجْرٌ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ." (3)
وعَنْ رَيْطَةَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أُمِّ وَلَدِهِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً صَنَاعًا، وَلَيْسَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَالٌ، وَكَانَتْ تُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ مِنْ ثَمَرَةِ صَنْعَتِهَا، وَقَالَتْ:وَاللَّهِ لَقَدْ شَغَلْتَنِي أَنْتَ وَوَلَدُكَ عَنِ الصَّدَقَةِ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَصَدَّقَ مَعَكُمْ، فَقَالَ:مَا أُحِبُّ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكِ فِي ذَلِكَ أَجْرٌ أَنْ تَفْعَلِي، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ وَهِيَ، فَقَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ وَلِيَ صَنْعَةٌ فَأَبِيعُ مِنْهَا، وَلَيْسَ لِي، وَلاَ لِزَوْجِي، وَلاَ لِوَلَدِي شَيْءٌ، وَشَغَلُونِي فَلاَ أَتَصَدَّقُ، فَهَلْ لِي فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْرٍ ؟ فَقَالَ:لَكِ فِي ذَلِكَ أَجْرٌ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ، فَأَنْفِقِي عَلَيْهِمْ. (4)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 623)(26642) 27177- صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5369 ) وصحيح مسلم- المكنز -(2367)
(3) - صحيح ابن حبان - (10 / 56)(4246) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (10 / 57) (4247) صحيح(1/564)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لأَصْحَابِهِ:تَصَدَّقُوا، فَقَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللهِ عِنْدِي دِينَارٌ، قَالَ:أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ، قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ، قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى زَوْجَتِكَ، قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ، قَالَ:أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ، قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ، قَالَ:أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ، قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ، قَالَ أَنْتَ أَبْصَرُ." (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِى دِينَارٌ فَقَالَ :« أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ ».
قَالَ:عِنْدِى آخَرٌ. قَالَ :« أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ ». قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِى آخَرُ. قَالَ :« أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ ». قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِى آخَرُ. قَالَ :« أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ ». قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِى آخَرُ. قَالَ :« أَنْتَ أَعْلَمُ ». قَالَ سَعِيدٌ:ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ:يَقُولُ وَلَدُكَ أَنْفِقْ عَلَىَّ إِلَى مَنْ تَكِلُنِى؟ تَقُولُ زَوْجَتُكَ:أَنْفِقْ عَلَىَّ أَوْ طَلِّقْنِى، يَقُولُ خَادِمُكَ:أَنْفِقْ عَلَىَّ أَوْ بِعْنِى." (2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ. (3)
وعَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ:قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:" كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ " (4)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (8 / 126)(3337) صحيح
(2) - مسند الحميدي - المكنز - (1229) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (10 / 51) (4240) صحيح
(4) - عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة - (1 / 196)(279-7933 ) صحيح
وفي فيض القدير، شرح الجامع الصغير - 6237 - (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) أي من يلزم قوته قال الزمخشري: قاته يقوته إذا أطعمه قوتاً ورجل مقوت ومقيت وأقات عليه أقاته فهو مقيت إذا حافظ عليه وهيمن ومنه {وكان اللّه على كل شيء مقيتاً} وحذف الجار والمجرور من الصلاة هنا نظير حذفهما في الصفة من قوله تقدس {واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً} إلى هنا كلامه وهذا صريح في وجوب نفقة من يقوت لتعليقه الإثم على تركه لكن إنما يتصور ذلك في موسر لا معسر فعلى القادر السعي على عياله لئلا يضيعهم فمع الخوف على ضياعهم هو مضطر إلى الطلب لهم لكن لا يطلب لهم إلا قدر الكفاية لأن الدنيا بغيضة للّه وسؤال أوساخ الناس قروح وخموش يوم القيامة قال الحرالي: والضيعة هو التقريظ فيما له غناء وثمرة إلى أن لا يكون له غناء ولا ثمرة.(1/565)
وعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ رَجُلاً مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَرَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ جَلَدِهِ وَنَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ لِيَعِفَّهَا فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَهْلِهِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى تَفَاخُرًا وَتَكَاثُرًا فَفِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ". (1)
ولا يخفى ما في ذاك من فوائد تربوية إذ فيه حسن إعداد الأطفال ليتجاوبوا مع التربية في سن الصغر فلا ينشغلوا عن ذلك بطعامهم وشرابهم. ومن أجل ذلك قال العلماء: ويلزم الوالدين إن كانا أغنياء أن ينفقا على أولادهما حتى ما بعد الرشد إن كانوا فقراء. (2)
- - - - - - - - - -
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (13 / 491)(15619) حسن
(2) - انظر عشرة النساء للنسائي كاملة -بتحقيقي - ط2 - (1 / 253) والفتاوى الكبري لابن تيمية - (4 / 434) ومجموع الفتاوى لابن تيمية - (34 / 105) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 4702) -رقم الفتوى 24713 النفقة على الابن الفقير واجبة على الأب(1/566)
الحقُّ السابع عشر
الرحمة وما يتفرع عنها من حب وحنان وعطف
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ:سَمِعْتُ أَبِي بُرَيْدَةَ، يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُنَا، إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:صَدَقَ اللَّهُ:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن] نَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَلَمْ أَصْبِرْ، حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي فَرَفَعَتْهُمَا. (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ أَبْصَرَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ إِنَّ لِى عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ ». (2)
وعَنْ سَعْدٍ، قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، يَلْعَبَانِ عَلَى بَطْنِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولِ اللهِ:أَتُحِبُّهُمَا ؟ فَقَالَ:وَمَالِي لاَ أُحِبُّهُمَا رَيْحَانَتَايَ." (3)
وعَنِ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِنَا، وَكَانَ الْحَسَنُ يَجِيءُ وَهُوَ صَغِيرٌ فَكَانَ كُلَّمَا سَجَدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَثَبَ عَلَى رَقَبَتِهِ وَظَهْرِهِ، فَيَرْفَعُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسَهُ رَفَعًا رَقِيقًا حَتَّى يَضَعَهُ، فَقَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تَصْنَعُ بِهَذَا الْغُلاَمِ شَيْئًا مَا رَأَيْنَاكَ تَصْنَعُهُ بِأَحَدٍ، فَقَالَ:إِنَّهُ رَيْحَانَتِي مِنَ الدُّنْيَا، إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ، فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ، أَخَذَهُمَا بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ أَخْذًا رَفِيقًا، فَيَضَعُهُمَا عَلَى
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (13 / 403)(6039) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6170 )
(3) - مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (3 / 286)(1078) صحيح لغيره
الريحانة : النبت طيب الرائحة،والمراد شدة الحب
(4) - صحيح ابن حبان - (15 / 418) (6964) صحيح لغيره(1/567)
الأَرْضِ، فَإِذَا عَادَ عَادَا، حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ، أَقْعَدَهُمَا عَلَى فَخِذَيْهِ، قَالَ:فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ، أَرُدُّهُمَا، فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ، فَقَالَ لَهُمَا:الْحَقَا بِأُمِّكُمَا.قَالَ:فَمَكَثَ ضَوْؤُهَا حَتَّى دَخَلاَ. (1)
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْجُدُ، فَيَجِيءُ الْحَسَنُ أوِ الْحُسَيْنُ فَيَرْكَبُ ظَهْرَهُ، فَيُطِيلُ السُّجُودَ، فَيُقَالُ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَطَلْتَ السُّجُودَ ! فَيَقُولُ:" ارْتَحَلَنِيَ ابْنِي ; فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ ".رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى (2)
وعَنْ عُمَرَ قَالَ:رَأَيْتُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا عَلَى عَاتِقَيِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ:نِعْمَ الْفَرَسُ تَحْتَكُمَا قَالَ:وَنِعْمَ الْفَارِسَانِ هُمَا. (3)
وروى أحمد في مسنده عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ:بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِي يَوْمًا إِذْ قَالَتِ الْخَادِمُ:إِنَّ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ بِالسُّدَّةِ، قَالَتْ:فَقَالَ لِي:قُومِي فَتَنَحَّيْ لِي عَنْ أَهْلِ بَيْتِي قَالَتْ:فَقُمْتُ فَتَنَحَّيْتُ فِي الْبَيْتِ قَرِيبًا، فَدَخَلَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَمَعَهُمَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَهُمَا صَبِيَّانِ صَغِيرَانِ، فَأَخَذَ الصَّبِيَّيْنِ، فَوَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ، فَقَبَّلَهُمَا.قَالَ:وَاعْتَنَقَ عَلِيًّا بِإِحْدَى يَدَيْهِ، وَفَاطِمَةَ بِالْيَدِ الأُخْرَى، فَقَبَّلَ فَاطِمَةَ وَقَبَّلَ عَلِيًّا، فَأَغْدَفَ عَلَيْهِمْ خَمِيصَةً سَوْدَاءَ، فَقَالَ:اللَّهُمَّ إِلَيْكَ، لاَ إِلَى النَّارِ، أَنَا وَأَهْلُ بَيْتِي قَالَتْ:فَقُلْتُ:وَأَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ فَقَالَ:وَأَنْتِ." (4) .
وفي الحديث فوائد تربوية عظيمة منها:
ضرب المثل الحسن في معاملة الأب لأولاده وأحفاده وزوج بنته ومنها أن الرحمة مع أفراد الأسرة ولاسيَّماالصغار مصدر سدادة وسرور.
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 749)(10659) 10669- حسن
(2) - مسند أبي يعلى الأسد - (2 / 415)(3428) والفوائد لتمام 414 - (2 / 457)(1788) حسن لغيره
(3) - مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (1 / 417) (293) والمطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (16 / 203)(3968) صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 594)(26540) 27075- فيه جهالة(1/568)
ومنها: أن العطف على الصغار يولد فيهم حب آبائهم والسير على منهاجهم وطريقتهم ويجنبهم مخاطر العقوق والتمرد.
ومنها: الحرص بين أفراد الأسرة على التهادي ودعاء رب الأسرة لأهله وأولاده وأحفاده بالخير وسؤال الجنة لهم وإعاذتهم من النار.
ومنها أن تقبيل الأطفال له أثر فعال في تحريك مشاعرهم وتسكين غضبهم وهو دليل رحمة ومحبة للطفل ودليل تواضع من المربي معهم (1) .
- - - - - - - - - -
__________
(1) - http://www.ro2yak.com/vb/showthread.php?t=27881(1/569)
الحقُّ الثامن عشر
من حق الأولاد التأديب
عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ نُحْلاً أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ (1) . ونحل أعطى.
وعَنْ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَوَالِدِي، إِلَى أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، فَقَالَ أَيُّوبُ: ابْنُكَ هَذَا ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَحْسِنْ أَدَبَهُ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ: " مَا نَحِلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ " (2)
وعَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ." (3)
وروى الطبراني عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: " لَأَنْ يُؤَدِّبَ أَحَدُكُمْ وَلَدَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ كُلَّ يَوْمٍ بِنِصْفِ صَاعٍ " (4)
ومن هنا قال العلماء: إذا بلغ الولد ست سنين أدب فإذا بلغ تسع سنين عزل فراشه فإذا بلغ ثلاث عشرة سنة يضرب على الصلاة فإذا بلغ ست عشرة سنة زوجه أبوه.
وقَالَ عُثْمَانُ الْحَاطِبِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لِرَجُلٍ: " أَدِّبِ ابْنِكَ، فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْ وَلَدِكَ، مَاذَا أَدَّبْتَهُ ؟ وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ، وَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ " (5) .
وقَال النَّوَوِيُّ:إِنَّ عَلَى الأَْبِ تَأْدِيبَ وَلَدِهِ وَتَعْلِيمَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ وَظَائِفِ الدِّينِ، وَهَذَا التَّعْلِيمُ وَاجِبٌ عَلَى الأَْبِ وَسَائِرِ الأَْوْلِيَاءِ قَبْل بُلُوغِ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ (6) .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 716)(16710) 16830- وشعب الإيمان - (11 / 130) (8285 ) وسنن الترمذى- المكنز - (2079 ) حسن لغيره
(2) - شعب الإيمان - (11 / 131) (8286 ) حسن لغيره
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (10 / 458) (13056) حسن لغيره
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (2 / 352) (2000) وشعب الإيمان - (11 / 131)(8288 ) ضعيف
(5) - شعب الإيمان - (11 / 135)(8295 ) حسن
(6) - شرح النووي على صحيح مسلم 8 /44(1/570)
فَالطِّفْل كَمَا قَال الْغَزَالِيُّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ، وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُل نَقْشٍ وَصُورَةٍ، وَهُوَ قَابِلٌ لِكُل نَقْشٍ، وَقَابِلٌ لِكُل مَا يُمَال بِهِ إِلَيْهِ، فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ، وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، يُشَارِكُهُ فِي ثَوَابِهِ أَبَوَاهُ وَكُل مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِل إِهْمَال الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ، وَكَانَ الْوِزْرُ فِي رَقَبَةِ الْقَيِّمِ عَلَيْهِ وَالْوَالِي لَهُ (1) .
بَل ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَسْأَل الْوَالِدَ عَنْ وَلَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَبْل أَنْ يَسْأَل الْوَلَدَ عَنْ وَالِدِهِ . (2)
وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالنَّظَرِ وَالاِعْتِبَارِ أَنَّهُ مَا أَفْسَدَ الأَْبْنَاءَ مِثْل إِهْمَال الآْبَاءِ فِي تَأْدِيبِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ مَا يُصْلِحُ دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتَهُمْ، وَتَفْرِيطِهِمْ فِي حَمْلِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَزَجْرِهِمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَإِعَانَتِهِمْ عَلَى شَهَوَاتِهِمْ، يَحْسَبُ الْوَالِدُ أَنَّهُ يُكْرِمُهُ بِذَلِكَ وَقَدْ أَهَانَهُ، وَأَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَقَدْ ظَلَمَهُ وَحَرَمَهُ، فَفَاتَهُ انْتِفَاعُهُ بِوَلَدِهِ، وَفَوَّتَ عَلَيْهِ حَظَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ . (3)
من صور تأديب الأولاد:
من واجب الآباء والأمهات والمربين تعليم الأطفال منذ الصغر النطق بكلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله " وإفهامهم معناها عندما يكبرون: لا معبود بحق إلا الله قال الإمام ابن القيم رحمه الله في أحكام المولود: "فإذا كان وقت نطقهم أي الأطفال فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وليكن أول ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم ويسمع كلامهم وهو معهم أينما كانوا" (4) .
ومن أساليب التأديب غرس محبة الله ورسوله، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ:أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا،
__________
(1) - إحياء علوم الدين 3/ 62،وانظر المدخل لابن الحاج 4/ 295
(2) - تحفة المودود لابن القيم ص 137 .
(3) - تحفة المودود ص 147.وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (45 / 169)
(4) - موسوعة كتب ابن القيم - (235 / 3)(1/571)
وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُوقَدَ لَهُ نَارٌ فَيُقْذَفَ فِيهَا (1) .
وتعويدهم أن يسألوا الله وحده ويستعينوا به وحده، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: " يَا غُلَامُ أَوْ يَا بُنَيَّ أَوَ لَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ ؟ " قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: " احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللهُ لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَاعْمَلْ لِلَّهِ بِالشُّكْرِ فِي الْيَقِينِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا " (2) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، كَذَا قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: " يَا غُلَامُ، أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِنَّ ؟ " قُلْتُ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَمْ يَسْتَطِيعُوا، وَلَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَمْ يَسْتَطِيعُوا، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ بِالرِّضَا وَالْيَقِينِ فَافْعَلْ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا " (3)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (16) وصحيح مسلم- المكنز - (174) و صحيح ابن حبان - (1 / 474) (238)
(2) - شعب الإيمان - (2 / 350) (1043 ) صحيح
(3) - شعب الإيمان - (12 / 354)(9528) صحيح(1/572)
ومن تأديب الأولاد تعويدهم على الصدق قولاً وعملاً بأن لا نكذب عليهم ولو مازحين وإذا وعدناهم فلنوف بوعدنا، لما ورد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ » (1) .
ومن صور التأديب غرس العقيدة الصحيحة في الله وأسمائه وصفاته والتأكيد على قضية الإيمان والتوحيد، والتحذير من الشرك لأنه الظلم العظيم، قال تعالى:{ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) } [لقمان:13 - 19]
ولقد أعطينا عبدًا صالحًا من عبادنا(وهو لقمان) الحكمة، وهي الفقه في الدين وسلامة العقل والإصابة في القول، وقلنا له: اشكر لله نِعَمَه عليك، ومَن يشكر لربه فإنما يعود نَفْع ذلك عليه، ومن جحد نِعَمَه فإن الله غني عن شكره، غير محتاج إليه، له الحمد والثناء على كل حال.
واذكر -أيها الرسول- نصيحة لقمان لابنه حين قال له واعظًا: يا بنيَّ لا تشرك بالله فتظلم نفسك؛إن الشرك لأعظم الكبائر وأبشعها.
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (33 ) وصحيح مسلم- المكنز - (220)(1/573)
وأَمَرْنا الإنسان ببرِّ والديه والإحسان إليهما، حَمَلَتْه أمه ضعفًا على ضعف، وحمله وفِطامه عن الرضاعة في مدة عامين، وقلنا له: اشكر لله، ثم اشكر لوالديك، إليَّ المرجع فأُجازي كُلا بما يستحق.
وإن جاهدك- أيها الولد المؤمن- والداك على أن تشرك بي غيري في عبادتك إياي مما ليس لك به عِلم، أو أمراك بمعصية مِن معاصي الله فلا تطعهما؛لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وصاحبهما في الدنيا بالمعروف فيما لا إثم فيه، واسلك- أيها الابن المؤمن- طريق مَن تاب من ذنبه، ورجع إليَّ وآمن برسولي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ثم إليَّ مرجعكم، فأخبركم بما كنتم تعملونه في الدنيا، وأجازي كلَّ عامل بعمله.
يا بنيَّ اعلم أن السيئة أو الحسنة إن كانت قَدْر حبة خردل- وهي المتناهية في الصغر- في باطن جبل، أو في أي مكان في السموات أو في الأرض، فإن الله يأتي بها يوم القيامة، ويحاسِب عليها. إن الله لطيف بعباده خبير بأعمالهم.
يا بنيَّ أقم الصلاة تامة بأركانها وشروطها وواجباتها، وأْمر بالمعروف، وانْه عن المنكر بلطفٍ ولينٍ وحكمة بحسب جهدك، وتحمَّل ما يصيبك من الأذى مقابل أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر، واعلم أن هذه الوصايا مما أمر الله به من الأمور التي ينبغي الحرص عليها.
ولا تُمِلْ وجهك عن الناس إذا كلَّمتهم أو كلموك؛احتقارًا منك لهم واستكبارًا عليهم، ولا تمش في الأرض بين الناس مختالا متبخترًا، إن الله لا يحب كل متكبر متباه في نفسه وهيئته وقوله.
وتواضع في مشيك، واخفض من صوتك فلا ترفعه، إن أقبح الأصوات وأبغضها لصوت الحمير المعروفة ببلادتها وأصواتها المرتفعة. (1)
ومن معاني التأديب غرس عقيدة الإيمان بالقدر خيره وشره وغرس عقيدة اليوم الآخر وما فيه من حساب وصراط وجنة ونار، قال تعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ
__________
(1) - التفسير الميسر - (7 / 256)(1/574)
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة .
وعَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ، قَالَ:أَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ:وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ الْقَدَرِ، فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّهُ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ قَلْبِي، فقَالَ:إِنَّ اللَّهَ لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا، لَدَخَلْتَ النَّارَ، قَالَ:ثُمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ، ثُمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، فقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ، ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ ذَلِكَ. (1)
ومن وسائل التأديب: تعويد الأطفال على الآداب الاجتماعية كآداب الطعام والشراب وآداب السلام وآداب المجلس وآداب العطاس والتثاؤب وآداب النوم والآداب مع الوالدين والأخوة والآداب مع الجيران. (2)
فعن وَهْبَ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْتُ غُلاَمًا فِى حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِى الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ».فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِى بَعْدُ (3) .
- ومن أدب البنين والبنات تحذيرهم من تشبه البنات بالرجال وتشبه الأولاد بالنساء سواء كان في الملبس أو في الحركة فإن ذلك من الاسترجال المنافي للأنوثة عند الفتيات ومن الميوعة والتخنث المنافي للرجولة عند الأولاد.
روى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ (4) . .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (2 / 506) (727) صحيح
(2) - انظر كتاب الآداب الإسلامية للناشئة
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5376 )
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (5885 )(1/575)
وعَنِ الْحَسَنِ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:لُعِنَ مِنَ الرِّجَالِ الْمُتَشَبِّهُ بِالنِّسَاءِ وَلُعِنَ مِنَ النِّسَاءِ الْمُتَشَبِّهَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ." (1)
وعَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ:الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ، لَيْسَتْ مِنَّا وَلَسْنَا مِنْهَا. (2)
الخلاصة في عقوبة الأطفال :
العقوبة في مفهوم التربية الإسلامية عقوبة هادفة وموجهه فليس المقصود منها الانتقام من المخطئ أو إلحاق الضرر به أو إقامة الحد عليه، كما أنها ليست هي الوسيلة الوحيدة في تقويم اعوجاج الأبناء.. العقوبة وسيلة واحدة من وسائل التربية الإسلامية المتعددة وهي تستهدف خير الأبناء وصلاحهم وتكون مشفوعة بالرحمة والشفقة ومنضبطة بضوابط مشروعة لا تنفصل عنها وهي في حالة التطبيق تأخذ شكل التدرج والبدء بالعقوبة الأخف فالأشد. ومن هذه العقوبات:
1- النصح والإرشاد والتنبيه:
وقد مارس الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الأسلوب تجاه أحد الأبناء المخالفين فقد رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - غلاما تطيش يده في الطعام فقال له يعلمه طريقة الأكل: فعن وَهْبَ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْتُ غُلاَمًا فِى حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِى الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ».فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِى بَعْدُ . (3)
2- الإعراض:
فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا كَانَ مِنْ خُلُقٍ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْكَذِبِ، وَمَا اطَّلَعَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ فَيَخْرُجُ مِنْ قَلْبِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ تَوْبَةً. (4) .
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 485)(27025) صحيح لغيره
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 486)(27026) صحيح مرسل
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5376 )
(4) - كشف الأستار - (1 / 108)(193) صحيح(1/576)
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْكَذِبِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَكْذِبُ عِنْدَهُ الْكَذْبَةَ فَمَا تَزَالُ فِي نَفْسِهِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْهَا تَوْبَةً. (1)
3- التعبيس:
قد يفيد بعض النفوس فيردعها عن أخطائها. فعن عَبْدِ اللَّهِ بِن مَسْعُودٍ:"لَقِيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلا مِنَ الْجِنِّ فَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ الإنْسِيُّ، فَقَالَ لَهُ الْجِنِّيُّ: عَاوِدْنِي، فَعَاوَدَهُ فَصَرَعَهُ، فَقَالَ لَهُ الإنْسِيُّ: إِنِّي لأَرَاكَ ضَئِيلا شَحِيبًا كَانَ ذُرَيِّعَتَيْكَ ذُرَيِّعَتَا كَلْبٍ، فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ مَعْشَرَ الْجِنِّ أَوْ أَنْتَ مِنْهُمْ كَذَلِكَ، قَالَ: لا وَاللَّهِ إِنِّي مِنْهُمْ لَضَلِيعٌ، وَلَكِنْ عَاوِدْنِي الثَّالِثَةَ فَإِنْ صَرَعْتَنِي عَلَّمْتُكَ شَيْئًا يَنْفَعُكَ فَعَاوَدَهُ فَصَرَعَهُ، قَالَ: هَاتِ عَلِّمْنِي، قَالَ: هَلْ تَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَقْرَأَهَا فِي بَيْتٍ إِلا خَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ لَهُ خَبَجٌ كَخَبَجِ الْحِمَارِ لا يَدْخُلُهُ حَتَّى يُصْبِحَ"، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ: فَعَبَسَ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَنْ يَكُونُ هُوَ إِلا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. (2)
4- الزجر:
ومثاله زجر الرسول - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي رضي الله عنهما فعَنْ مُحَمَّدٍ - وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ - سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِى فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كِخْ كِخْ ارْمِ بِهَا أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ». (رواه مسلم) (3) .
5- الكف عن العمل:
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (13 / 45) (5736) صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (8 / 80) (8738 ) حسن لغيره
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (2522 )
كِخْ كِخْ : زجر للصبيان،وردع عما يلابسونه من الأفعال.(1/577)
فقد طلب الرسول المربي - صلى الله عليه وسلم - من الشخص الذي تجشأ في حضرته أن يدع ذلك، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِى الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ » (1) .
وعَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَكَلْتُ ثَرِيدَ بُرٍّ وَلَحْمًا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَنَا أَتَجَشَّأُ فَقَالَ: " اكْفُفْ أَوِ احْبِسْ عَنَّا مِنْ جُشَائِكَ يَا أَبَا جُحَيْفَةَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا، أَطْوَلُكُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " قَالَ: فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ مِلْءَ بَطْنِهِ، حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، كَانَ إِذَا تَعَشَّى، لَمْ يَتَغَدَّ، وَإِذَا تَغَدَّ لَمْ يَتَعَشَّ (2) .
6- الهجر:
إذا احتاج إليه المربي كأن يترك الولد الصلاة أو تصدر منه بعض الكلمات المخلة بالآداب، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ قَرِيبًا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ، فَنَهَاهُ، وَقَالَ:إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - :نَهَى عَنِ الْخَذْفِ وَقَالَ:إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا، وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوًّا، وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ قَالَ:فَعَادَ، فَقَالَ:أُحَدِّثُكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْهُ، ثُمَّ عُدْتَ، لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَدًا. (3)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:دَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ:مَا يُبْكِيكِ ؟ لَعَلَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَلَّقَكِ ؟ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - طَلَّقَكِ وَرَاجَعَكِ مِنْ أَجْلِي وَاللَّهِ لئِنْ طَلَّقَكِ لا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا " (4)
وعَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ وَهُوَ يُؤَذِّنُ فَقَالَ يَا أَبَا مَرْيَمَ أَتُؤَذِّنُ إِنِّى لأَرْغَبُ بِكَ عَنِ الأَذَانِ. فَقَالَ زِرٌّ أَتَرْغَبُ عَنِ الأَذَانِ وَاللَّهِ لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَدًا. (5)
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2666 ) حسن
تجشأ : خرج من فمه ريح مع صوت من الشبع
(2) - شعب الإيمان - (7 / 443) (5256 ) حسن لغيره
(3) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (4 / 378) (3226) صحيح
(4) - الآحاد والمثاني - (5 / 221)(3051) وصحيح مسلم- المكنز - (5165 )
(5) - سنن الترمذى- المكنز - (3674 ) صحيح(1/578)
وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ:حَدَّثَ ابْنُ سِيرِينَ رَجُلاً بِحَدِيثٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَجُلٌ:قَالَ فُلاَنٌ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ:أُحَدِّثُكَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ قَالَ فُلاَنٌ؟ لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَداً. (1)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جِبْرِيلٍ، مَوْلَى أَبِي لُبَابَةَ، وَيَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنَتَهِ لُبَابَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا صَاحَبْتَهُ، فَكَانَ يَقُولُ: شُدِّي وَثَاقَ عَدُوِّ اللهِ الَّذِي خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَمَرَّ بِهِ أَبُو رِفَاعَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ فَنَادَاهُ: يَا أَخِي، هَلُمَّ أُكَلِّمْكَ ؟ فَقَالَ: لَا وَاللهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا حَتَّى يَرْضَى الله عَنْكَ وَرَسُولُهُ، فَسَأَلَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالُوا: هُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَخْبَرُوهُ بِخَبَرِهِ، فَقَالَ: " لَوْ جَاءَنِي لَكَانَ لِي فِيهِ أَمْرٌ " فَنَزَلَتْ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ } [الأنفال: 27] الْآيَةُ، وَنَزَلَتِ الْآيَةُ الْأُخْرَى فِيهِ: { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ } [التوبة: 106] " (2)
وقال النووي رحمه الله:"فِيهِ:هِجْرَان أَهْل الْبِدَع وَالْفُسُوق وَمُنَابِذِي السُّنَّة مَعَ الْعِلْم.وَأَنَّهُ يَجُوز هِجْرَانه دَائِمًا، وَالنَّهْي عَنْ الْهِجْرَان فَوْق ثَلَاثَة أَيَّام إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ هَجَرَ لِحَظّ نَفْسه وَمَعَايِش الدُّنْيَا، وَأَمَّا أَهْل الْبِدَع وَنَحْوهمْ فَهِجْرَانهمْ دَائِمًا، وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يُؤَيِّدهُ مَعَ نَظَائِر لَهُ كَحَدِيثِ كَعْب بْن مَالِك وَغَيْره " (3)
7- التوبيخ :
وهو عبارة عن شدة في القول يفعله المربي لمن لا يقبل النصح. فعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :أَنَّهُ خَرَجَ فِى جَنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا خُرُوجًا عَلَى دَوَابِّهِمْ رُكْبَانًا فَقَالَ لَهُمْ ثَوْبَانُ:أَلاَ تَسْتَحْيُونَ، مَلاَئِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ رُكْبَانٌ." (4)
وعَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ فِي جَنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا عَلَى الدَّوَابِّ فَقَالَ أَلاَ تَسْتَحْيُونَ ؟ مَلاَئِكَةُ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ رُكُوبٌ عَلَى ظُهُوَرِ الدَّوَابِّ. (5)
__________
(1) - سنن الدارمى- المكنز - (449) حسن
(2) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (6 / 3438) (7828 ) فيه ضعف
(3) - شرح النووي على مسلم - (6 / 444)
(4) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (4 / 23)(7103) فيه ضعف
(5) - مسند الشاميين 360 - (1 / 273)(476) حسن(1/579)
وعن عَوْنَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ، " لَمَّا رَأَى مَا أَحْدَثَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْغَوْطَةِ مِنَ الْبُنْيَانِ وَنَصْبِ الشَّجَرِ، قَامَ فِي مَسْجِدِهِمْ فَنَادَى:يَا أَهْلَ دِمَشْقَ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:أَلَا تَسْتَحْيُونَ ؟ أَلَا تَسْتَحْيُونَ ؟، تَجْمَعُونَ مَا لَا تَأْكُلُونَ، وَتَبْنُونَ مَا لَا تَسْكُنُونَ، وَتَأْمَلُونَ مَا لَا تُدْرِكُونَ، قَدْ كَانَتْ قَبْلَكُمْ قُرُونٌ يَجْمَعُونَ فَيُوعُونَ وَيَبْنُونَ فَيُوثِقُونَ وَيَأَمِّلُونَ فَيُطِيلُونَ فَأَصْبَحَ أَمَلُهُمْ غُرُورًا وَأَصْبَحَ جَمْعُهُمْ بُورًا وَأَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ قُبُورًا، أَلَا إِنَّ عَادًا مَلَكَتْ بَيْنَ عَدْنَ وَعُمَانَ خَيْلًا وَرِكَابًا، مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي مِيرَاثَ عَادٍ بِدِرْهَمَيْنِ ؟ " (1)
وعَنْ عَلِيٍّ قال:أَمَا تَغَارُونَ أَنْ تَخْرُجَ نِسَاؤُكُمْ ؟ وَقَالَ هَنَّادٌ فِي حَدِيثِهِ:أَلاَ تَسْتَحْيُونَ، أَوْ تَغَارُونَ ؟ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءَكُمْ يَخْرُجْنَ فِي الأَسْوَاقِ يُزَاحِمْنَ الْعُلُوجَ. (2)
8- تعليق العصا أو السوط:
يستحب للمربي أباً كان أو مدرسا أن يعلق السوط على الجدار ليراه الأولاد فينزجروا، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ لَهُمْ أَدَبٌ (3) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :عَلِّقْ سَوْطَكَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُكَ. (4)
فالضرب وسيلة لاستقامة الولد، لا أنه مرادٌ لذاته، بل يصار إليه حال عنت الولد وعصيانه.
والشرع جعل نظام العقوبة في الإسلام وذلك في الإسلام كثير كحد الزاني والسارق والقاذف وغير ذلك، وكلها شرعت لاستقامة حال الناس وكف شرهم .
فتربية الأولاد تكون ما بين الترغيب والترهيب، وأهم ذلك كله إصلاح البيئة التي يعيش بها الأولاد بتوفير أسباب الهداية لهم وذلك بالتزام المربيين المسؤولين وهما الأبوان (5) .
__________
(1) - تَفْسِيرُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ (14786) وشعب الإيمان - (13 / 237)(10255 ) حسن
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 377)(1118) حسن
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 153) (10523 ) صحيح لغيره
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 153) (10524 ) صحيح لغيره
(5) - فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 13) وفيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (9 / 392)(1/580)
ولتنويع هذه الأساليب في العقوبة حكمة تتناسب مع اختلاف النفوس وتنوعها فنفس ينفع معها النصح ولا يجدي معها الزجر وأخرى يردعها الزجر ولا تقبل الهجر ونفس لا تنصاع للحق وترعوي عن الشر إلا بالتخويف والترهيب والضرب.. وهكذا الناس مشارب مختلفة.. وكل ميسر لما خلق له (1) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - http://www.airssforum.com/98584-16-post.html(1/581)
الحقُّ التاسع عشر
تعليم الطفل حقوق الوالدين
لم يقرن الله تعالى إلى عبادته وحده شيئا سوى الإحسان إلى الوالدين، ولم يعطف شكر أحد إلى شكره وهو مصدر كل نعمة وخير وفضل وعطاء سوى شكر الوالدين: قال تعالى:{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} (36) سورة النساء
وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (14) سورة لقمان.
وأَمَرْنا الإنسان ببرِّ والديه والإحسان إليهما، حَمَلَتْه أمه ضعفًا على ضعف، وحمله وفِطامه عن الرضاعة في مدة عامين، وقلنا له: اشكر لله، ثم اشكر لوالديك، إليَّ المرجع فأُجازي كُلا بما يستحق. (1)
وليس بعد ذلك الشرف العظيم، والوسام الكريم، والحكم الالهي الحكيم تفصيل لمتكلم، ولا تعقيب لمعقب، ولا زيادة لمستزيد.
إنها وصية الله جلّ ذكره {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (8) سورة العنكبوت.
ووصية نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْكَبَائِرُ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ ».رواه البخاري (2) .
وعن أَبِى بَكْرَةَ - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ - ثَلاَثًا - أَوْ قَوْلُ الزُّورِ ».فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ (3) .
__________
(1) - التفسير الميسر - (7 / 258)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6675 )
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6919 )(1/582)
ومن واقع الحياة ننظر إلى الموقفين الصالحين المحبوبين المرزوقين فنجدهم بارين بوالديهم وننظر إلى الأشقياء المحرومين وإلى غلاظ القلوب والمرذولين فنجدهم عاقين لوالديهم.
أهم الآداب الإسلامية مع الوالدين:
العلم بأن الله تعالى أوصى ببرهما، وحسن صحبتهما، والإحسان إليهما، وقرن ذلك بعبادته، وتعظيما لشأنهما، وتكريما لقدرهما، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى بصلتهما وطاعتهما وخدمتهما، وجعل عقوقهما من أكبر الكبائر.
قال تعالى:{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24)} الإٌسراء.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِى قَالَ « أُمُّكَ ».قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمُّكَ ».قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمُّكَ ».قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ أَبُوكَ » البخاري (1) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ:أُمُّكَ، قَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:أُمُّكَ، قَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:أَبُوكَ، قَالَ:فَيَرَوْنَ أَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَيِ الْبِرِّ. (2)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ».ثَلاَثًا.قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ « الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ».وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ « أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ ».قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ . (3)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5971 )
(2) - صحيح ابن حبان - (2 / 176) (433) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (2654 )(1/583)
السلام عليهما عند الدخول عليهما والخروج من عندهما، وقرن السلام بتقبيل يديهما. عَن جَهْمٍ، أَنَّهُ قَالَ: جِئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ: " هَلْ مِنْ أَبَوَيْكَ مِنْ حَيٍّ ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ أُمِّي، قَالَ: " فَالْزَمْ رِجْلَهَا " قَالَ: فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَقَالَ: " وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا، فَثَمَّ الْجَنَّةُ " (1)
تعظيم قدرهما، وإكرام شأنهما وإجلال مقامها، والوقوف لهما احتراما عند دخولهما.
التأدب عند مخاطبتهما، ولين القول لهما، وعدم رفع الصوت فوق صوتهما.
تلبية ندائهما، والمسارعة لقضاء حوائجهما، وطاعة أمرهما، وتنفيذ وصاياهما، وعدم الاعتراض على قولهما، إلا إذا أمرا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال تعالى:{ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)} لقمان.
إدخال السرور على قلبيهما بالإكثار من برّهما، وتقديم الهدايا لهما، والتودد لهما بفعل كل ما يحبانه ويفرحان به. فعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِمَا مَعَ صَلاَتِكَ، وَأَنْ تَصُومَ عْنهُمَا مَعَ صِيَامِكَ، وَأَنْ تَصَدَّقَ عَنْهُمَا مَعَ صَدَقَتِك." (2)
المحافظة على أموالهما وأمتعتهما، وعدم أخذ شيء منهما إلا بإذنهما.المحافظة على سمعتهما، والحذر من التسبب في شتمهما. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ « نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ » (3) .
__________
(1) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (2 / 634)(1703 ) حسن
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (3 / 387) (12210) معضل
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (273 )(1/584)
تفقد مواضع راحتهما، وتجنب إزعاجهما أثناء نومهما، أو الدخول عليهما في غرفتهما إلا بإذنهما.تجنب مقاطعتهما في كلامهما، أو مجادلتهما، أو معاندتهما، أو لومهما، أو السخرية منهما، أو الضحك والقهقهة بحضرتهما.تجنب مد اليد إلى الطعام قبلهما، أو الاستئثار بالطيبات دونهما.تجنب التقدم في المشي عليهما، أو الدخول أو الخروج أو الجلوس قبلهما.
تجنب الاضطجاع أو مد الرجل أمامهما، أو الجلوس في مكان أعلى منهما.استشارتهما في جميع الأمور، والاستفادة من رأيهما وتجربتهما وقبول نصائحهما.الإكثارمن الدعاء لهما، والطلب من الله تعالى أن يجزيهما كل خير على فضلهما وإحسانهما وتربيتهما.الإكثارمن زيارة قبريهما إن توفيا، والإكثارمن ذكرهما والترحم عليهما.العمل بوصيتهما، وصلة أرحامهما، وخدمة أحبابهما من بعدهما، عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِىِّ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِىَ مِنْ بِرِّ أَبَوَىَّ شَىْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا قَالَ « نَعَمِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِى لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا ».. رواه أبو داود (1) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَبَرُّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبِيهِ » (2) .
تجنّب الأمور المؤدية إلى العقوق ومنها:
الغضب منهما، والنظر شزر لهما، والإعراض بالوجه عنهما، والتأفف من قولهما أو فعلهما، والتضجر منهما، ورفع الصوت عليهما، وقرعهما بكلمات مؤذية أو جارحة، وجلب الإهانة لهما، والاستعلاء عليهما، واعتبار الولد نفسه مساويا لأبيه أو أفضل من والديه، والحياء من الانتساب إليهما لفقرهما بعد أن يصبح ذا مركز أو نعمة أو جاه،
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (5144 ) حسن
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6678 )(1/585)
والبخل عليهما ونسيان فضلهما، وتفضيل غيرهما عليهما، ومصاحبة إنسان غير بار بوالديه (1) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
http://www.nupty.co.uk/showid.php?start=11(1/586)
الحق العشرون
ربط الطفل بالقدوات العظيمة في الإسلام
إن قدوتنا الأولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم شخصيات الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم ومن تبعهما بإحسان ممن ضربوا أروع الأمثلة في مناحي الحياة المختلفة، فيربط الطفل بهم ويعلَّم من أخبارهم وقصصهم ليقتدي بجميل فعالهم ويتأسى بصفاتهم الحسنة من شجاعة وفداء وصدق وصبر وعزة وثبات على الحق وغيرها من الصفات.
وينبغي أن تتناسب القصة أو الموقف الذي يروَى للطفل مع إدراكه، وأن لا تكون مملة وأن يركز فيها على الجوانب الحسنة فتبرز وتوضح ليسهل على الطفل استيعابها.
فمثلا لو روي للطفل قصة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع ذلك اليهودي الذي كان يطالب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدين كمثال على حسن خلقه:
فعَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ سُعْنَةَ كَانَ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِثَمَانِينَ دِينَارًا، ثُمَّ قَالَ: أُعْطِيكَهَا عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي وُسُوقًا مُسَمَّاةً مِنْ حَائِطٍ مُسَمًّى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا آخَذُهَا مِنْكَ عَلَى وُسُوقٍ مُسَمَّاةٍ مِنْ حَائِطٍ مُسَمًّى، وَلَكِنْ آخَذُهَا مِنْكَ عَلَى وُسُوقٍ مُسَمَّاةٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " ثُمَّ إِنَّ زَيْدَ بْنَ سُعْنَةَ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَقَاضَاهُ، فَجَبَذَ ثَوْبَهُ عَنْ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَصْحَابُ مَطْلٍ، وَإِنِّي بِكُمْ لَعَارِفٌ، فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَنَا وَهُوَ كُنَّا إِلَى غَيْرِ هَذَا أَحْوَجَ مِنْكَ: أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْقَضَاءِ، وَتَأْمُرَهَ بِحُسْنِ التَّقَاضِي، انْطَلِقْ يَا عُمَرُ إِلَى حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ فَأَوْفِهِ حَقَّهُ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ أَجَلِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَزِدْهُ ثَلَاثِينَ صَاعًا لِرَدِّكَ عَلَيْهِ " (1)
وهذه قصة في الشجاعة وقوة التحمل،قَالَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ: " سَمِعْتُ الْقَوْمَ، وَأَبُو جَهْلٍ فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ وَهُمْ يَقُولُونَ: أَبَا الْحَكَمِ لَا تَخْلُصْ إِلَيْهِ قَالَ:
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (11 / 107) (4330 ) حسن(1/587)
فَلَمَّا سَمِعْتُهَا جَعَلْتَهُ مِنْ شَأْنِي، فَصَمَدْتُ نَحْوَهُ، فَلَمَّا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً أَطَنَّتْ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ، فَوَاللهِ مَا شَبَّهْتُهَا حِينَ طَاحَتْ، إِلَّا بِالنَّوَاةِ حِينَ تَطِيحُ مِنْ تَحْتِ مِرْضَحَةِ النَّوَى حِينَ يُضْرَبُ بِهَا قَالَ: وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ عَلَى عَاتِقِي، فَطَرَحَ يَدَيَّ، فَتَعَلَّقَتْ بِجِلْدَةٍ مِنْ جَنْبِي، وَأَجْهَضَنِي الْقِتَالُ عَنْهُ، وَلَقَدْ قَاتَلْتُ عَامَّةَ يَوْمِي، وَإِنِّي لَأَسْحَبُهَا خَلْفِي، فَلَمَّا آذَتْنِي وَضَعْتُ عَلَيْهَا قَدَمَيَّ، ثُمَّ تَمَطَّيْتُ بِهَا حَتَّى طَرَحْتُهَا - قَالَ: ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى كَانَ زَمَنُ عُثْمَانَ - ثُمَّ مَرَّ مُعَوِّذُ ابْنُ عَفْرَاءَ بِأَبِي جَهْلٍ وَهُوَ عَقِيرٌ، فَضَرَبَهُ حَتَّى أَثْبَتَهُ، فَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ، وَقَاتَلَ مُعَوِّذٌ حَتَّى قُتِلَ، فَمَرَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِأَبِي جَهْلٍ حِينَ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا بَلَغَنِي: " انْظُرُوا إِنْ خَفِيَ عَلَيْكُمْ فِي الْقَتْلَى إِلَى أَثَرِ جُرْحٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَإِنِّي ازْدَحَمْتُ أَنَا وَهُوَ عَلَى مَأْدُبَةٍ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ، وَنَحْنُ غُلَامَانِ، وَكُنْتُ أَشَفَّ مِنْهُ بِيَسِيرٍ، فَدَفَعْتُهُ، فَوَقَعَ عَلَى رُكْبَتِهِ، فَجُحِشَ فِي إِحْدَيْهِمَا جُحْشًا لَمْ يَزَلْ أَثَرُهُ بِهِ بَعْدُ " قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَأَدْرَكْتُهُ بِآخِرِ رَمَقٍ، فَعَرَفْتُهُ، فَوَضَعْتُ رِجْلَيَّ عَلَى عُنُقِهِ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ ضَبِثَ بِي مَرَّةً بِمَكَّةَ، فَآذَانِي وَلَكَزَنِي، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ أَخْزَاكَ اللهُ يَا عَدُوَّ اللهِ ؟ قَالَ: وَبِمَا أَخْزَانِي أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَخْبِرْنِي لِمَنِ الدَّبْرَةُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: للَّهِ وَلِرَسُولِهِ"
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: قَالَ لِي: لَقَدِ ارْتَقَيْتَ يَا رُوَيْعِيَّ الْغَنَمِ مُرْتَقًى صَعْبًا، ثُمَّ حَزَزْتُ رَأْسَهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقُلْتُ: هَذَا رَأْسُ عَدُوِّ اللهِ أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ " ؟ - وَكَانَتْ يَمِينَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، ثُمَّ أَلْقَيْتُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَحَمِدَ اللهَ " (1) .
وتاريخ المسلمين مليء بالشخصيات العظيمة والقصص الرائعة المعبرة أصدق تعبير عن الفضائل والمعاني الجميلة (2) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (5 / 2442)(5970 ) حسن
(2) - الوجيز في التربية(1/588)
الحقُّ الواحد والعشرون
تعليم الطفل الآداب الاجتماعية العامة
ومما لا شك فيه، ولا جدال معه أن الفضائل الخلقية والسلوكية والوجدانية هي ثمرة من ثمرات الإيمان الراسخ، والتنشئة الدينية الصحيحة...
فالطفل منذ نعومة أظفاره حين ينشأ على الإيمان بالله، ويتربّى على الخشية منه، والمراقبة له، والاعتماد عليه، والاستعانة به، والتسليم لجنابه فيما ينوب ويروع..تصبح عنده الملكة الفطرية، والاستجابة الوجدانية لتقبل كل فضيلة ومكرمة، والاعتياد على كل خلق فاضل كريم..لأن الوازع الديني الذي تأصل في ضميره، والمراقبة الإلهية التي ترسخت في أعماق وجدانه، والمحاسبة النفسية التي سيطرت على تفكيره وإحساساته..كل ذلك بات حائلاً بين الطفل وبين الصفات القبيحة والعادات الآثمة المرذولة، والتقاليد الجاهلية الفاسدة..بل إقباله على الخير يصبح عادة من عاداته، وتعشقه المكارم والفضائل يصير خُلقاً أصيلاً من أبرز أخلاقه وصفاته...
وحينما تكون التربية للطفل بعيدة عن العقيدة الإسلامية، مجردة من التوجيه الديني، والصلة بالله عز وجل..فإن الطفل - لا شك - يترعرع على الفسوق والانحلال، وينشأ على الضلال والإلحاد، بل سيُتبع نفسه هواها، ويسير خلف نوازع النفس الأمارة، ووساوس الشيطان، وفقاً لمزاجه وأهوائه وأشواقه الهابطة.
فلا عجب بعد الذي ذكرناه أن تُولي شريعة الإسلام اهتمامها البالغ بتربية الأولاد من الناحية الخُلقية، وأن تصدر توجيهاتها القيمة في تخليق الولد على الفضائل والمكارم، وتأديبه على أفضل الأخلاق، وأكرم العادات!.
عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ نُحْلاً أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ. (1)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 716) (16710) 16830- صحيح(1/589)
وعن الْحَارِثَ بْنِ النُّعْمَانِ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « أَكْرِمُوا أَوْلاَدَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ » (1) .
وعَنْ أَبِي الضُّحَى، قَالَ:كَانَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ يَقُولُ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلِّمُوا أَوْلاَدَكُمْ وَأَهْلِيكُمَ الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَاكْتَنَفَاهُ فَقَالاَ لَهُ:اقْرَأْ وَارْتَقِ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَنْزِلوا بِهِ حَيْثُ انْتَهَى عَمَلُهُ مِنَ الْقُرْآنِ. (2)
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:{ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } [التحريم:6] قَالَ:" عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ " (3)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:"حَافِظُوا عَلَى أَبْنَائِكُمْ فِي الصَّلاةِ، وَعَوِّدُوهُمُ الْخَيْرَ فَإِنَّ الْخَيْرَ عَادَةٌ".
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:"تَعَوَّدُوا الْخَيْرَ فَإِنَّمَا الْخَيْرُ بِالْعَادَةِ". (4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِنَّ مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُحْسِنَ اسْمَهَ، وَأَنْ يُحْسِنَ أَدَبَهُ. (5)
فيؤخذ من مجموعة هذه الأحاديث التربوية على المربين - ولاسيما الآباء والأمهات - مسؤولية كبرى في تأديب الأولاد على الخير، وتخليقهم على مبادئ الأخلاق.
فيؤخذ من مجموعة هذه الأحاديث التربوية على المربين - ولاسيما الآباء والأمهات - مسؤولية كبرى في تأديب الأولاد على الخير، وتخليقهم على مبادئ الأخلاق.
ومسؤوليتهم في هذا المجال مسؤولية شاملة بكل ما يتصل بإصلاح نفوسهم، وتقويم اعوجاجهم، وترفّعهم عن الدنايا، وحسن معاملتهم للآخرين..فهم مسؤولون عن تخليق الأولاد منذ الصغر على الصدق، والأمانة، والاستقامة، والإيثار، وإغاثة الملهوف، واحترام الكبير، وإكرام الضيف، والإحسان إلى الجار، والمحبة للآخرين..
__________
(1) - سنن ابن ماجه- المكنز - (3802) ضعيف
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 375) (35938) صحيح
(3) - شعب الإيمان - (11 / 156) (8331 ) صحيح
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (8 / 165) (9054 و9055) صحيح
(5) - كشف الأستار - (2 / 411)(1984) حسن لغيره(1/590)
ومسؤولون عن تنزيه ألسنتهم من السباب، والشتائم والكلمات النابية القبيحة، وعن كل ما ينبئ عن فساد الخلق، وسوء التربية..
ومسؤولون عن ترفعهم عن دنايا الأمور، وسفاسف العادات، وقبائح الأخلاق، وعن كل ما يحط بالمروءة والشرف والعفة..ومسؤولون عن تعويدهم على مشاعر إنسانية كريمة، وإحساسات عاطفية نبيلة، كالإحسان إلى اليتامى، والبر بالفقراء، والعطف على الأرامل والمساكين..إلى غير ذلك من هذه المسؤوليات الكبيرة الشاملة التي تتصل بالتهذيب، وترتبط بالأخلاق..
وترتبط الآداب بالعقيدة الإسلامية ارتباطاً وثيقاً، ذلك أن العقيدة هي التي تحفز الإِنسان نحو السلوك الطيب، وأن انتفاء العقيدة عنده سيقود إلى كل الاحتمالات السلبية والتفكك والانحراف، وبناء على ذلك فإن الآداب الإسلامية هي وليدة العقيدة التي تستقر في قلب الإنسان، وهي العامل المحرك المؤثر وبدون ذلك لا مكانة للآداب بغير عقيدة.ولهذا تنقلب الآداب إلى نتائج عكسية تتمثل في السلوك الذميم كالرذائل والفواحش مثلا، ذلك إذا لم يكن هناك عقيدة ثابتة صحيحة تتهذب معها النفس ويتقوم بها الاعوجاج. (1)
والآداب هي مثل آداب السلام والاستئذان وآداب البصر والأكل والشرب وآداب الحديث والمعاملة مع الآخرين، فيعلم كيفية يعامل والديه الكبار وأصدقاء والده ومعلميه وأقرانه ومن يلعب معهم.
ويعلم كذلك ترتيب غرفته والمحافظة على نظافة البيت، وترتيب ألعابه، وكيف يلعب دون أن يزعج الآخرين، وكيف سلوكه في المسجد وفي المدرسة. وكل هذه الأمور وغيرها إنما يعتمد في أخذها على سنَّة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الدرجة الأولى، ومن سيره السلف الصالح رحمهم الله تعالى ثم من كتابات المتخصصين في التربية والسلوك. (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - - معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه
(2) - انظر كتاب الوجيز في التربية وكتابي الخلاصة في أصول التربية الإسلامية - (1 / 142) وكتابي المهذب في الآداب الإسلامية(1/591)
الحقُّ الواحد والعشرون
تعليم الولد أحكام المراهقة والبلوغ
في هذه المرحلة يسرع نمو الجسم ويأخذ العقل في الاتساع وتقوى عواطف الناشئ وتشتد اشتدادا كبيرا وتتيقظ الغريزة الجنسية. وتعتبر هذه المرحلة تمهيد لمرحلة البلوغ.
فيعلم الولد هذه الأحكام أو ما يسمَى بالثقافة الجنسية سواء كان الولد ذكراً أم أنثى، فيعرف الصبي إذا بلغ الحلم وهو السن الذي يتراوح ما بين 12 إلى 15 سنة أنه إذا نزل منه مني ذو دفق وشهوة فقد أصبح بالغاً ومكلفاً شرعاً يجب عليه ما يجب على الرجال الكبار من مسؤوليات وتكاليف، ويجب على الأم أن تصارح ابنتها إذا بلغت سن التاسعة فما فوق وتذكرت احتلاماً ورأت الماء الرقيق الأصفر على ثوبها بعد الاستيقاظ أصبحت بالغة ومكلفة شرعاً يجب عليها ما يجب على النساء الكبار من مسؤوليات وتكاليف.
وعلى المربي أن يهتم بالأمور التالية في تعامله مع المراهق:
1- أن يشعر الناشئ أو المراهق بأنه قد أصبح كبيرا سواء كان صبيا أو فتاة ؛لأنه يطالب بأن يعامل معاملة الكبار/ وأن لا يعامل على أنه صغير.
2- يعلَّم الناشئ أحكام البلوغ، ويروى له بعض القصص التي تنمي جانب التقوى والابتعاد عن الحرام في نفسه.
3- يشجع الناشئ على أن يشارك في تحمل بعض أعباء البيت كممارسة عملية تشعره بأنه قد أصبح كبيرا.
4- يحرص المربي على مراقبة المراهق وإشغال وقته بما ينفع وربطه بأقران صالحين.
عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ حَدَّثَتْ أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِى مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا رَأَتْ ذَلِكِ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِلْ ». فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِكَ قَالَتْ وَهَلْ يَكُونُ هَذَا فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ -(1/592)
- صلى الله عليه وسلم - « نَعَمْ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلاَ أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ ». (1)
روى الإمام أحمد عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ، أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ ؟ فَقَالَ:لَيْسَ عَلَيْهَا غُسْلٌ حَتَّى يَنْزِلَ الْمَاءُ كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ حَتَّى يُنْزِلَ. (2) .
وعَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ قَالَتْ:دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَكَ الْمَرْأَةَ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ ؟ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:فَضَحْتِ النِّسَاءَ، قَالَتْ:إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْكُنَّ فَلْتَغْتَسِلْ (3) .
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ:جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ ؟ قَالَ:نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ. (4)
وعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ ؟ قَالَ:إِذَا أَنْزَلَتِ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِلْ. (5)
ويعلَّم الولد أن نزول المني على سبيل الدفق والشهوة يوجب الغسل وتعلم الفتاة أن انقطاع مدة الحيض والنفاس يوجب الغسل على المرأة ويعلم كل منهما فرائض الغسل وسننه وكيفيته.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:قَالَ لِى جَابِرٌ: أَتَانِى ابْنُ عَمِّكَ يُعَرِّضُ بِالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ :كَيْفَ الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ ؟ فَقُلْتُ:كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذُ ثَلاَثَةَ أَكُفٍّ وَيُفِيضُهَا
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (736)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 821)(27312) 27855- صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 757)(27114) 27655- صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (3 / 440)(1165) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (3 / 439) (1164) صحيح(1/593)
عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ.فَقَالَ لِى الْحَسَنُ إِنِّى رَجُلٌ كَثِيرُ الشَّعَرِ.فَقُلْتُ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَكْثَرَ مِنْكَ شَعَرًا . (1)
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ إِذَا وَضَعْتُ لَهُ غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ أَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ حَتَّى يَرَى أَنْ قَدِ اسْتَبْرَأَ الْبَشَرَةَ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ" (2)
وعَنْ مَيْمُونَةَ، قَالَتْ:سَتَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَاغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ فَبَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى شِمَالِهِ بِيَمِينِهِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْحَائِطِ أَوِ الأَرْضِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ إِلا رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، ثُمَّ نَحَّى قَدَمَيْهِ فَغَسَلَهُمَا" (3)
وجانب التربية الجنسية جانب مهم يكمل صورة التربية الشاملة التي دعا إليها الإسلام والتي تستوعب الإنسان في كل جزئياته. (4)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (256 )
(2) - مسند أبي عوانة (670 ) صحيح
(3) - مصنف عبد الرزاق(998) صحيح
(4) - انظر بحث التحرش الجنسي .. خطوات وقائية -عادل بن عبدالله باريان
و انظر كتابنا (( الفتاوى المعاصرة في الحياة الزوجية ))(1/594)
الحقُّ الثاني والعشرون
تزويجه إذا بلغ امرأة صالحة
أن يبحث الوالدان لولدهما عن الزوجة الصالحة، ولبنتهما عن الزوج الصالح وينفقا على زواجهما إن كانا غنيين .فقد حثُّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على زواج الشباب في سن مبكرة فقال في الحديث الصحيح عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ لِى إِلَيْكَ حَاجَةً.فَخَلَيَا فَقَالَ عُثْمَانُ هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِى أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا، تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ، فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا أَشَارَ إِلَىَّ فَقَالَ يَا عَلْقَمَةُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ » ..رواه البخاري (1) .
وينصح الشيخ عبد الله ناصح علوان رحمه الله الآباء في كتابه القيم تربية الأولاد في الإسلام فيقول:" إن كنت ميسوراً أيها الأب من الناحية المادية فينبغي أن تساهم مساهمة فعالة في تسهيل أسباب الزواج لولدك لتنقذه من الهواجس النفسية والتأملات الجنسية التي تسيطر على عقله وتفكيره وتقف عائقاً في طريق غايته أو تعلمه وتنقذه أيضاً من الانحلال الخلقي الذي يفتك بصحته ويسيء إلى سمعته ولا يأتي هذا إلا بتيسير أسباب الزواج من ناحية وإمداده بالنفقة من ناحية أخرى وكل تهاون أو تقصير في هذه السبيل يعرِّضُ ولدك الشاب إلى أوخم النتائج وأخطر العواقب".
والواقع أن عدداً كبيراً من الشباب أصبح يعاني من مشكلات كثيرة وعلى رأسها المشكلة الجنسية نتيجة للجهل بأحكام البلوغ والأخذ بفكرة الزواج المتأخر التي وفدت إلى مجتمعاتنا (2) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5065 ) -الباءة : النكاح -الوجاء : الحماية
(2) - http://el-magd.net/vb/showthread.php?p=4416(1/595)
الفصل الرابع
أسس الأساليب المخاطب بها الوالدان والمربون والالتزام بها
الأساس الأول - القدوة الحسنة
الأساس الثاني - تحين الوقت المناسب للتوجيه
الأساس الثالث - العدل والمساواة بين الأطفال
الأساس الرابع - الاستجابة لحقوق الأطفال وتلبيتها
الأساس الخامس- الدعاء
الأساس السادس- شراء اللعب لهم
الأساس السابع - مساعدة الأطفال على البر والطاعة
الأساس الثامن - الابتعاد عن كثرة اللوم والعتاب(1/596)
الأساس الأول
القدوة الحسنة
للقدوة الحسنة أثر كبير في نفس الطفل، إذ كثيراً ما يقلِّد الطفل والدليه، حتى إنهما يطبعان فيه أقوى الآثار، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ. (1)
ويحث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الوالدين أن يكونا قدوة حسنة في خلق الصدق أثناء تعاملهم مع الأطفال، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ لِصَبِيٍّ: تَعَالَ هَاكَ، ثُمَّ لَمْ يُعْطِهِ فَهِيَ كَذْبَةٌ. (2)
وعَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، أَنَّ رَجُلاً مِنْ مَوَالِي عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ بن رَبيعة العدوي، حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيك، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَمَا أَرَدْت أَنْ تُعْطِيَهُ ؟ قَالَتْ: تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَا إنَّك لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ. (3)
والأطفال بمراقبتهم لسلوك الكبار، فإنهم يقتدون بهم، فإن وجدوا أبو يهما صادقيين سينشؤون على الصدق، وهكذا في باقي الأمور .
ويَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانُ مِنّا عَلَى مَا كَانَ عَوّدَهُ أَبُوهُ وكن به رحيمًا
وهذا الطفل ابن عباس رضي الله عنهما عندما شاهد أمامه من يقوم الليل، فإنه يسارع لذلك، ويلحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِى مَيْمُونَةَ ذَاتَ لَيْلَةً، فَلَمَّا كَانَ فِى بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا - يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ جِدًّا - ثُمَّ قَامَ يُصَلِّى، فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ ثُمَّ قُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (1 / 336) (128) وصحيح البخارى- المكنز - (1359 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6926 )
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 589)(9836) 9835- صحيح
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 405) (26122) حسن لغيره(1/597)
فَحَوَّلَنِى فَجَعَلَنِى عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ جَاءَهُ الْمُنَادِى فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً أُخْرَى: ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى بِنَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قَالَ سُفْيَانُ قُلْنَا لِعَمْرٍو: إِنَّ أُنَاسًا يَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ. قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْىٌ. وَقَرَأَ (إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ) (1)
فقد توضأ على نحو ما رآه ن ثم وقف يصلي، وهكذا تكون القدوة الحسنة المؤثرة في الطفل، وفي مطالبة الوالدين بالقدوة الحسنة، فإن الطفل الناشئ يراقب سلوكهما، وكلامهما، ويتساءل عن سبب ذلك، فإن كان خيرا فخيراً، فهذا الطفل عبد الله بن أبي بكرة يراقب أدعية والده، ويسأله عن ذلك، ويجيبه والده دليل فعله هذا: فعن جَعْفَرَ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكَرَةَ، أَنَّهُ قَالَ لأَبِيهِ: يَا أَبَهْ، إِنِّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ: اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ تُعِيدُهَا ثَلاَثًا حِينَ تُصْبِحُ، وَثَلاَثًا حِينَ تُمْسِي، وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، تُعِيدُهَا حِينَ تُصْبِحُ ثَلاَثًا، وَثَلاَثًا حِينَ تُمْسِي، قَالَ: نَعَمْ يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو بِهِنَّ، فَأُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ." (2)
فالوالدان مطالبان بتطبيق أوامر الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - سوكاً وعملاً، والاستزادة من ذلك ما وسعهم ذلك، لأن أطفالهم في مراقبة مستمرة لهم صباح مساء، وفي كل آن، فقدرة الطفل على الالتقاط الواعي، وغير الواعي كبيرةٌ جدا، أكبر مما نظن عادة، ونحن ننظر إليه على أنه كائن صغير لا يدرك ولا يعي (3) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (1 / 122) (612) وصحيح البخارى- المكنز - (138) وصحيح مسلم- المكنز - (1829)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 830)(20430) 20701- حسن
(3) - منهج التربية الإسلامية محمد قطب 2/117(1/598)
الأساس الثاني
تحين الوقت المناسب للتوجيه
إن لاختيار الوالدين للوقت المناسب في توجيه ما يريدان، وتلقين أطفالهم ما يحبان دوراً فعالاً في أن تؤتي النصيحة أكلها، وإن اختيار الوقت المناسب المؤثر في الطفل، يسهِّلُ ويقلل من جهد العملية التربوية، فإن القلوب تُقبل وتُدبر، فإن استطاع الوالدان - زمن إقبال قلوب أطفالهم - توجيههم، فإنهم سيحققون - بلا ريب- فوزاً كبيراً بعملهم التربوي.
وإن الرسول المربي - صلى الله عليه وسلم - كان دقيق النظر إلى تحين الزمان والمكان المناسبين لتوجيه وبناء سلوك سليم صحيح .
وقد قدَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا أوقاتا أساسية في توجيه الطفل، فما هي هذه الأوقات ؟
1- النزهة والطريق والمركب:
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ ؛ أَنَّهُ رَكِبَ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا غُلامُ، إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فاَسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ (1) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَغْلَةً أَهْدَاهَا لَهُ كِسْرَى، فَرَكِبَهَا بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ، ثُمَّ أَرْدَفَنِي خَلْفَهُ، ثُمَّ سَارَ بِي مَلِيًّا، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَقَالَ: يَا غُلامُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، قَدْ مَضَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ جَهَدَ النَّاسُ أَنْ يَنْفَعُوكَ بِمَا لَمْ يَقْضِهِ اللَّهُ لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 753)(2669) صحيح(1/599)
عَلَيْهِ، وَلَوْ جَهَدَ النَّاسَ أَنْ يَضُرُّوكَ بِمَا لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْمَلَ بِالصَّبِرِ مَعَ الْيَقِينِ فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَاصْبِرْ، فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعَ الصَّبْرِ النَّصْرَ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعَ الْكَرْبِ الْفَرَجِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعَ الْعُسْرِ الْيَسَرَ " (1)
فهذا يدل على أن التوجيهات كانت في الطريق، ولم تكن في غرفة محددة، وإنما في الهواء الطلق، حيث نفس الطفل أشد استعداداً للتلقي، وأقوى على قبول النصائح والتوجيهات.
حتى إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليحمِّلُ أحد الأطفال في الطريق سرًّا من أسراره لكي يحفظه، وما ذلك إلا لقوة تأثر الطفل للتلقي في مثل هذه الأوقات .
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ أَرْدَفَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ فَأَسَرَّ إِلَىَّ حَدِيثًا لاَ أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ. يَعْنِى حَائِطَ نَخْلٍ." (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّثُهُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ، قَالَ: فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَمَسَحَ سَرَاتَهُ وَذِفْرَيْهِ فَسَكَنَ، فَقَالَ: مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: هُوَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ ." (3)
2- وقت الطعام :
ففي هذا الوقت يحاولُ الطفل أن ينطلق على سجيته، ويضعف أمام شهوة الطعام، فيقوم بأفعال شائنة أحياناً، ويخلُّ بالآداب أحياناً أخرى، وإذا لم يجلس الوالدان معه باستمرار أثناء الطعام، ويصححا له أخطاءه، فإن الطفل سيبقى في براثن العادات السيئة المنفرة،
__________
(1) - المستدرك للحاكم (6303) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (800 )
(3) - مسند أبي عوانة(373 ) صحيح(1/600)
كذلك فإن عدم الجلوس معهم في أثناء طعامهم، سُيفقد الوالدين وقتاً مناسباً لتلقي الطفل وتعلمه:
وقد أكل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مع الأطفال، وشاهد، ولاحظ جملة من الأخطاء، فقدمها بأسلوب حيوي أثار به عقل ونفس الطفل إلى التصحيح، وهكذا كان .
فعن وَهْبَ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ غُلَامًا يَتِيمًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَكَلْتُ مَعَهُ فَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا غُلَامُ إذَا أَكَلْتَ فَسَمِّ اللهَ وَإِذَا أَكَلْتَ فَكُلْ بِيَمِينِكَ وَإِذَا أَكَلْتَ فَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ "، قَالَ: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طُعْمَتِي بَعْدُ " (1)
وعن أبي وَجْزَةَ السَّعْدِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: دَعَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: ادْنُ يَا بُنَيَّ، فَسَمِّ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ." (2)
وعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ - رضي الله عنهم - ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ادْنُ يَا بُنَيَّ، فَسَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ " (3)
وعَنْ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ يَأْكُلُهُ فَقَالَ: ادْنُ فَسَمِّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ." (4)
فأنت تجد في هذه الرواية دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - الطفل إلى الطعام معه، وذلك بكل رفق ((ادنُ)) ثم وجهه إلى طريقة الطعام وآدابه .
وغدا الصحابة يصطحبون معهم أطفالهم إلى الولائم ن وخاصة التي يحضرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيتعلمون في هذه الولائم علماً نافعاً، وآداباً جامعة، فيكتسبون قوة الرجولة شيئاً فشيئاً .
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (1 / 147) (157 ) وصحيح البخارى- المكنز - (5376 ) وصحيح مسلم- المكنز - (5388)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 592)(16340/1) 16450- صحيح
(3) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (4 / 1942) (4893 ) صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 592)(16339) 16449- صحيح(1/601)
فعن عَاصِمَ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى جَنَازَةٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى الْقَبْرِ يُوصِى الْحَافِرَ :« أَوْسَعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ أَوْسَعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ». فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِى امْرَأَةٍ فَجَاءَ وَجِىءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا فَنَظَرَ آبَاؤُنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَلُوكَ لُقْمَةً فِى فَمِهِ ثُمَّ قَالَ :« أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا ». فَأَرْسَلَتِ الْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَرْسَلْتُ إِلَى الْبَقِيعِ يُشْتَرَى لِى شَاةٌ فَلَمْ تُوجَدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَارٍ لِى قَدِ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِلْ بِهَا إِلَىَّ بِثَمَنِهَا فَلَمْ يُوجَدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَرْسَلَتْ إِلَىَّ بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« أَطْعِمِيهِ الأُسَارَى ». (1)
وعَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: دُعِينَا إِلَى طَعَامٍ، وَفِيهَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، ومِقْسَمٌ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَلَمَّا وُضِعَ الطَّعَامُ، قَالَ سَعِيدٌ: كُلُّكُمْ بَلَغَهُ مَا قِيلَ فِي الطَّعَامِ ؟ قَالَ مِقْسَمٌ: حَدِّثْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا وُضِعَ الطَّعَامُ، فَلاَ تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ وَسَطَهُ، وَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ، أَوْ حَافَتَيْهَا. (2)
وعَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنَّا إِذَا دُعِينَا إِلَى طَعَامٍ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَنَا، لَمْ نَضَعْ أيْدِيَنَا حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ، قَالَ: فَأُتِينَا بِجَفْنَةٍ، فَكَفَّ يَدَهُ، فَكَفَفْنَا أيْدِيَنَا، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُطْرَدُ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهَا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ، فَأَجْلَسَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ جَارِيَةٌ فَوَقَعَتْ بِهَا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ طَعَامَ الْقَوْمِ إِذَا لَمْ يَذْكُرُوا عَلَيْهِ اسْمَ اللَّهِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَمَّا رَآنَا كَفَفْنَا أيْدِيَنَا جَاءَ بِهَذَا الرَّجُلِ وَهَذِهِ الْجَارِيَةِ يَسْتَحِلُّ بِهِمَا طَعَامَنَا، وَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ يَدَهُ لَمَعَ أَيْدِيهِمَا فِي يَدِي " (3)
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (5 / 335)(11140) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 908)(3438) صحيح
(3) - مصنف عبد الرزاق(19564) صحيح(1/602)
وعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: دُعِينَا إِلَى وَلِيمَةٍ وَهُوَ مَعَنَا، فَلَمَّا شَبِعَ مِنَ الطَّعَامِ قَامَ فَقَالَ: أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُومُ مَقَامِي هَذَا خَطِيبًا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا شَبِعَ مِنَ الطَّعَامِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ. " (1)
3- وقت المرض:
المرض - عادة - يليِّنُ قلوب الكبار القساة، فما بلك بالأطفال الذين ما زالت فلوبهم عامرة باللين، وحسن الاستقبال"!
فالطفل عندما يمرض يجمع بين سجيتين عظيمتين في تصحيح أخطائه، وسلوكه، وحتى معتقده: سجية فطرية الطفولة، وسجية رقة القلب والنفس في أثناء المرض، والنفس .
وقد وجهنا إلى هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فزار طفلاً يهوديا مريضاً، ودعاه إلى الإسلام، وكانت الزيارة مفتاح عهد النور لذاك الطفل .
فعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِىٌّ يَخْدُمُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ « أَسْلِمْ » . فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - . فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَقُولُ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ » (2) .
وفيه فوائد :
الأولى: حُسنُ خُلقه - صلى الله عليه وسلم - .
الثانية: حرصه - صلى الله عليه وسلم - على هداية الخلق
الثالثة: أن اليهود إذا مات على يهوديته كافر مخلد في النار وهذا لا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم
الرابعة: عيادة اليهودي إذا رجيت المصلحة . قال أبو داود رحمه الله سمعت الإمام أحمد سئل عن عيادة اليهودي والنصراني ؟ قال إن كان يريد أن يدعوه إلى الإسلام فنعم .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 432)(22301) 22657- صحيح لغيره
المكفي : المردود المقلوب - مودع : متروك ومهجور
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1356 )(1/603)
كما عاد النبي - صلى الله عليه وسلم - الغلام اليهودي فعرض عليه الإسلام . (1)
أرأيت كيف كان هذا الطفل يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يدعه إلى الإسلام بعد، إلى أن وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - الوقت المناسب فأتاه وعاده، إلى مثل دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - الأطفال أدعو نفسي وأدعوك، وإلى الصبر والحلم في الدعوة ن وتحين الوقت المناسب، لإلقاء بذرة الإيمان في التربة الصالحة وفي الوقت المناسب .
4- أوقات مختلفة :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِغُلاَمٍ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ: تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ، فَإِنِّي لاَ أَرَاكَ تُحْسِنُ تَسْلُخُ، قَالَ: فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الإِبْطِ، ثُمَّ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : هَكَذَا يَا غُلاَمُ فَاسْلُخْ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً. (2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنْتُ يَافِعًا فِي غَنَمٍ لِعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ أَرْعَاهَا، فَأَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ هَلْ مَعَكَ مِنْ لَبَنٍ ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ. قَالَ: ائْتِنِي بِشَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ، فَأَتَيْتُهُ بِعَنَاقٍ، فَاعْتَقَلَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ الضَّرْعَ، وَيَدْعُو حَتَّى أَنْزَلَتْ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَاحْتَلَبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: اشْرَبْ، فَشَرِبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ شَرِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: اقْلِصْ، فَقَلَصَ، فَعَادَ كَمَا كَانَ. قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - : فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْكَلاَمِ أَوْ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ، فَمَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّكَ غُلاَمٌ مُعَلَّمٌ. قَالَ: فَلَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً، مَا نَازَعَنِي فِيهَا بَشَرٌ." (3)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا غُلاَمٌ فَقَالَ لِي: يَا غُلاَمُ، هَلْ مِنْ لَبَنٍ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ، قَالَ: فَهَلْ مِنْ شَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ ؟ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَمَسَحَ - صلى الله عليه وسلم - ضَرْعَهَا، فَنَزَلَ اللَّبَنُ فَحَلَبَهُ فِي إِنَاءٍ، فَشَرِبَ وَسَقَى
__________
(1) - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (4 / 64) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 1285)
(2) - صحيح ابن حبان - (3 / 438) (1163) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (14 / 432) (6504) صحيح(1/604)
أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ، قَالَ لِلضَّرْعِ: انْقَلِصِي فَانْقَلَصَتْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ إِنَّكَ غُلاَمٌ مُعَلَّمٌ. (1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا يَافِعًا أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ بِمَكَّةَ فَأَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَقَدْ فَرَّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: يَا غُلاَمُ عِنْدَكَ لَبَنٌ تَسْقِينَا ؟ قُلْتُ: إِنِّي مُؤْتَمَنٌ وَلَسْتُ بِسَاقِيكُمَا قَالاَ: فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ جَذَعَةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ بَعْدُ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ فَأَتَيْتُهُمَا بِهَا فَاعْتَقَلَهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الضَّرْعَ فَدَعَا فَحَفَلَ الضَّرْعُ وَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِصَخْرَةٍ مُنْقَعِرَةٍ فَحَلَبَ فِيهَا ثُمَّ شَرِبَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ ثُمَّ سَقَيَانِي ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: اقْلِصْ، فَقَلَصَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الطَّيِّبِ يَعْنِي الْقُرْآنَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّكَ غُلاَمٌ مُعَلَّمٌ، فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً مَا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ. (2)
وعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَجَّ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَجَجْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا طَافَ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّى عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ مَرَّ بِزَمْزَمَ وَهُوَ خَارِجٌ إِلَى الصَّفَا فَقَالَ: " انْزِعْ لِي مِنْهَا دَلْوًا يَا غُلَامُ، قَالَ: فَنَزَعَ لَهُ مِنْهَا دَلْوًا، فَأَتَى بِهِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَصَبَّ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: " زَمْزَمُ شِفَاءٌ، هِيَ لِمَا شُرِبَ لَهُ " (3)
وعَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ لِلْحَلَّاقِ: " يَا غُلَامُ أَبْلِغِ الْعَظْمَيْنِ " قَالَ: فَلَمَّا حَلَقَهُ أَعْطَاهُ ذِرَاعَيْهِ وَصَدْرَهُ فَحَلَقَ شَعْرًا عَلَيْهِمَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: يَا أَبَةِ، إِنَّ النَّاسَ يَحْسَبُونَ أَنَّهَا سُنَّةٌ ؟ قَالَ:" فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ، وَلَكِنَّ ابْنَ عُمَرَ آذَاهُ شَعْرُهُ فَأَرَادَ أَنْ يُخَفِّفَهُ عَنْهُ " (4)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (15 / 537) (7061) صحيح
(2) - مسند الطيالسي - (351) صحيح
(3) - أخبار مكة للفاكهي - (2 / 37) (1096 ) حسن
(4) - الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (78 ) حسن(1/605)
وعَنْ رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كُنْتُ أَرْمِى نَخْلَ الأَنْصَارِ فَأَخَذُونِى فَذَهَبُوا بِى إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَافِعُ لِمَ تَرْمِى نَخْلَهُمْ ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْجُوعُ. قَالَ لاَ تَرْمِ وَكُلْ مَا وَقَعَ أَشْبَعَكَ اللَّهُ وَأَرْوَاكَ ». (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى خَالَتِى مَيْمُونَةَ وَمَعَنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقَالَتْ لَهُ مَيْمُونَةُ: أَلاَ نُقَدِّمُ إِلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَيْئًا أَهْدَتْهُ لَنَا أُمُّ عُفَيْقٍ فَأَتَتْهُ بِضِبَابٍ مَشْوِيَّةٍ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَفِلَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا، وَأَمَرَنَا أَنْ نَأْكُلَ، ثُمَّ أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِإِنَاءٍ فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبَ وَأَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَخَالِدٌ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« الشَّرْبَةُ لَكَ يَا غُلاَمُ، وَإِنْ شِئْتَ آثَرْتَ بِهَا خَالِدًا ». فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِسُؤْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدًا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَبْدِلْنَا مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ. فَإِنِّى لاَ أَعْلَمُ شَيْئًا يُجْزِئُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ غَيْرَهُ ». (2)
وعن ذَيَّالَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي، يَقُولُ: قَالَ أَبُوهُ حِذْيَمٌ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي ذُو بَنِينَ وَهَذَا أَصْغَرُ بَنِيَّ فَسَمِّتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ تَعَالَ يَاغُلَامُ فَأَخَذَ بِيَدِي وَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: " بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيهِ " قَالَ: فَرَأَيْتُ حَنْظَلَةَ يُؤْتَى بِالْإِنْسَانِ الْوَارِمِ فَيَمْسَحُ يَدَهُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ بِسْمِ اللهِ فَيَذْهَبُ الْوَرَمُ " (3)
وعَنْ رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ، قَالَ: كُنْتُ وَأَنَا غُلاَمٌ أَرْمِي نَخْلاً لِلأَنْصَارِ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقِيلَ: إِنَّ هَاهُنَا غُلاَمًا يَرْمِي نَخْلَنَا، فَأُتِيَ بِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ، لِمَ تَرْمِي النَّخْلَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: آكُلُ، قَالَ: فَلاَ تَرْمِ النَّخْلَ، وَكُلْ مَا يَسْقُطُ فِي أَسَافِلِهَا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ. " (4)
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (1335 ) وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
(2) - مسند الحميدي - المكنز - (510) حسن
السؤر : البقية -الضباب : جمع الضب وهو حيوان معروف
(3) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (2286) حسن
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 805)(20343) 20609- حسن لغيره(1/606)
وعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو وَعِنْدَهُ غَنَمٌ لَهُ، فَكَانَ يَسْقِينَا لَبَنًا سُخْنًا، فَسَقَانَا يَوْمًا لَبَنًا بَارِدًا، فَقُلْنَا: مَا شَأْنُ اللَّبَنِ بَارِدًا ؟ قَالَ: إِنِّي تَنَحَّيْتُ عَنِ الْغَنَمِ ; لِأَنَّ فِيهَا الْكَلْبَ، وَغُلَامُهُ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ: يَا غُلَامُ، إِذَا فَرَغْتَ فَابْدَأْ بِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ عَرَفَهُ مُجَاهِدٌ: كَمْ تَذْكُرُ الْيَهُودِيَّ، أَصْلَحَكَ اللهُ ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - " يُوصِي بِالْجَارِ حَتَّى خَشِينَا أَوْ رِبْنَا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ " (1)
وعن مُحَمَّدَ بْنِ عُقْبَةَ ؛ قَالَ: أَرْسَلَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنْ يَكْتُبَ فِي دَارِهِ شَيْئًا يَتَبَرَّكُ بِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ الدَّارَ ؛ قَالَ: يَا غُلَامُ ! اكُتُبْ: تَبْنُونَ مَا لَا تَسْكُنُونَ، وَتَجْمَعُونَ مَا لَا تَأْكُلُونَ، وَتَأْمَلُونَ مَا لَا تَبْلُغُونَ، وَاللهِ ! لَا أَزِيدُكَ ." (2)
وعَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ ,قَالَ: جَاءَ غُلامٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ هَذِهِ النَّاحِيَةَ الْحَجَّ، قَالَ: فَمَشَى مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَالَ:يَا غُلامُ زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى، وَوَجَّهَكَ فِي الْخَيْرِ، وَكَفَاكَ الْهَمَّ, فَلَمَّا رَجَعَ الْغُلامُ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ:يَا غُلامُ، قَبِلَ حَجَّكَ، وَكَفَّرَ ذَنْبَكَ، وَأَخْلَفَ نَفَقَتَكَ. " (3)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (7 / 220) (2792) صحيح
(2) - المجالسة وجواهر العلم - (3 / 171) (808 ) فيه ضعف
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (10 / 432) (12973 ) حسن(1/607)
الأساس الثالث
العدل والمساواة بين الأطفال
وهذا ركن ثالث مخاطب به الوالدان للالتزام به، ليستطيعا تحقيق ما يريدان، ألا وهو: العدل والمساواة بين الأطفال، غذ لهما كبير الأثر في مسارعة الأبناء إلى البر والطاعة .
ويكفي أن نعلم أن شعور الطفل بأن أحد والديه يميل إلى أخيه، ويكرمه، ويدلِّله أكثر منه، إن مجرد هذا الشعور - لا سمح الله- سيجعل في هذا الطفل شراسة ن لا يقوى الأبوان على الصمود أمامها، وحسدا لا يستطيع الوالدان كبح جماحه، فهؤلاء أخوة يسوف - عليه السلام - لما علموا من ابيهم ميل القلب إلى يوسف رموا أباهم بالخطأ {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} (8) سورة يوسف.
فكانت نتيجة فناعتهم هذه أن يقدموا على عمل مشين في حق الأخوة وحق الأبوة: {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} (9) سورة يوسف .
وهكذا حبكوا هذه المؤامرة على أخيهم الطفل الصغير، الذي لم يبلغ الحلم، ولا ذنب له إلا إظهار والده حبه له أكثر من إخوته، فكان هذا الحسد وذاك الكيد، لذلك مهما قدَّم الوالدان من نصائح وتوجيهات، وترغيب وترهيب، فلن تكون له أيُّ جدوى ما لم يلتزما بالعدل والمساواة بين الأطفال، ماديًّا ومعنويًّا، ولا يظهرا ميلهم القلبي أمام أطفالهم، وأبائهم .
وقد وضح لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدة عظيمة في طريقة بر الأطفال، وخضوعهم لوالديهم ... إنه العدل والمساواة، وإليك بيان هذا :
فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ هَذَا؟(1/608)
قَالَ: لا، قَالَ: فَأَشْهِدْ هَذَا غَيْرِي، أَلَيْسَ يَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا لَكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلا إِذًا. (1)
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ تَصَدَّقَ عَلَىَّ أَبِى بِبَعْضِ مَالِهِ فَقَالَتْ أُمِّى عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَانْطَلَقَ أَبِى إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ ». قَالَ لاَ. قَالَ « اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِى أَوْلاَدِكُمْ ». فَرَجَعَ أَبِى فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ. (2)
وعَنِ النُّعْمَانِ أَنَّ أُمَّهُ أَرَادَتْ بَشِيرًا أَبَاهُ عَلَى أَنْ يُعْطِىَ النُّعْمَانَ ابْنَهُ حَائِطًا مِنْ نَخْلٍ فَفَعَلَ فَقَالَ مَنْ أُشْهِدُ لَكِ فَقَالَتِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - . فَأَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَلَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ « فَأَعْطَيْتَهُمْ كَمَا أَعْطَيْتَهُ ». قَالَ لاَ. قَالَ « لَيْسَ مِثْلِى يَشْهَدُ عَلَى مِثْلِ هَذَا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ أَنْفُسِكُمْ » (3) .
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: طَلَبَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ، إِلَى بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، أَنْ يَنْحِلَنِيَ، نَحْلاً مِنْ مَالِهِ، وَإِنَّهُ أَبَى عَلَيْهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ حَوْلٍ، أَوْ حَوْلَيْنِ، أَنْ يَنْحَلَنِيهِ، فَقَالَ لَهَا: الَّذِي سَأَلْتِ لاِبْنِي كُنْتُ مَنَعْتُكِ، وَقَدْ بَدَا لِي، أَنْ أَنْحَلَهُ إِيَّاهُ، قَالَتْ: لاَ وَاللَّهِ، لاَ أَرْضَى، حَتَّى تَأْخُذَ بِيَدِهِ، فَتَنْطَلِقَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَتُشْهِدَهُ، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : هَلْ لَكَ مَعَهُ وَلَدٌ غَيْرَهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ آتَيْتَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي آتَيْتَ هَذَا ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى هَذَا، هَذَا جَوْرٌ أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ، فِي النَّحْلِ كَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يَعْدِلُوا بَيْنَكُمْ فِي الْبِرِّ، وَاللُّطْفِ. (4)
__________
(1) - مسند أبي عوانة (4586 ) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (4267 )
(3) - سنن الدارقطنى- المكنز - (3007 ) صحيح لغيره
(4) - صحيح ابن حبان - (11 / 503)(5104) صحيح(1/609)
قال ابن بطال: " اختلف العلماء فى الرجل ينحل بعض ولده دون البعض، فكرهه طاوس، وقال: لا يجوز ذلك، ولا رغيف محرق، وهو قول عروة، ومجاهد، وبه قال أحمد، وإسحاق، قال إسحاق: فإن فعل فالعطية باطلة، وإن مات الناحل فهو ميراث بينهم.
واحتجوا بأن النبى، عَلَيْهِ السَّلام، رد عطية النعمان، وقال له: « اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم »، وبقوله: « لا أشهد على جور »، وأجاز ذلك مالك فى الأشهر عنه، وهو قول الكوفيين، والشافعى، وإن كانوا يستحبون أن يسوى بينهم ذكرانًا كانوا أو إناثًا.
وقال عطاء وطاوس: يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، كما قسم الله بعد موته، وهو قول الثورى، ومحمد بن الحسن، وأحمد، وإسحاق. وقال سحنون: إذا تصدق بجل ماله ولم يكن فيما استبقى ما يكفيه، ردت صدقته، وإن أبقى من ذلك ما يكفيه جازت صدقته. وقد قال مالك: لم يكن لبشير مال غير الغلام الذى نحله ابنه.
ومن حجة الذين أبطلوا ذلك أن إعطاء بعضهم دون بعض يؤدى إلى قطع الرحم والعقوق، فيجب أن يكون محرمًا ممنوعًا منه؛ لأنه لا يجوز عليه - صلى الله عليه وسلم - أن يحث على صلة الرحم ويجيز ما يؤدى إلى قطعها، قالوا: وقد كان النعمان وقت ما نحله أبوه صغيرًا، وكان أبوه قابضًا له لصغره عن القبض، فلما قال له، عَلَيْهِ السَّلام: اردده، بعدما كان فى حكم ما قبض، دل على أن النحل لبعض ولده لا ينعقد ولا يملكه المنحول." (1)
وقال الحافظ في الفتح: " وَاخْتِلَاف الْأَلْفَاظ فِي هَذِهِ الْقِصَّة الْوَاحِدَة يَرْجِع إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ أَوْجَبَ السَّوِيَّة فِي عَطِيَّة الْأَوْلَاد، وَبِهِ صَرَّحَ الْبُخَارِيّ، وَهُوَ قَوْل طَاوُسٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق، وَقَالَ بِهِ بَعْض الْمَالِكِيَّة . ثُمَّ الْمَشْهُور عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهَا بَاطِلَة . وَعَنْ أَحْمَد تَصِحُّ، وَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ . وَعَنْهُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ إِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ، كَأَنْ يَحْتَاجَ الْوَلَد لِزَمَانَتِهِ وَدَيْنه أَوْ نَحْو ذَلِكَ دُون الْبَاقِينَ . وَقَالَ أَبُو يُوسُف: تَجِب التَّسْوِيَة إِنْ قَصَدَ بِالتَّفْضِيلِ الْإِضْرَار . وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّ التَّسْوِيَة مُسْتَحَبَّة، فَإِنْ فَضَّلَ بَعْضًا صَحَّ وَكُرِهَ . وَاسْتُحِبَّتْ الْمُبَادَرَة إِلَى التَّسْوِيَة أَوْ الرُّجُوع، فَحَمَلُوا الْأَمْر عَلَى النَّدْب
__________
(1) - شرح ابن بطال - (13 / 98)(1/610)
وَالنَّهْي عَلَى التَّنْزِيه . وَمِنْ حُجَّة مَنْ أَوْجَبَهُ أَنَّهُ مُقَدَّمَة الْوَاجِب لِأَنَّ قَطْع الرَّحِم وَالْعُقُوق مُحَرَّمَانِ فَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِمَا يَكُون مُحَرَّمًا وَالتَّفْضِيل مِمَّا يُؤَدِّي إِلَيْهِمَا . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي صِفَة التَّسْوِيَة فَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَبَعْض الشَّافِعِيَّة وَالْمَالِكِيَّة . الْعَدْل أَنْ يُعْطِيَ الذَّكَر حَظَّيْنِ كَالْمِيرَاثِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ حَظُّهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَال لَوْ أَبْقَاهُ الْوَاهِب فِي يَده حَتَّى مَاتَ .
وَقَالَ غَيْرهمْ: لَا فَرْق بَيْن الذَّكَر وَالْأُنْثَى، وَظَاهِر الْأَمْر بِالتَّسْوِيَةِ يَشْهَد لَهُ . وَاسْتَأْنَسُوا بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس رَفَعَهُ " سَوُّوا بَيْن أَوْلَادكُمْ فِي الْعَطِيَّة، فَلَوْ كُنْت مُفَضِّلًا أَحَدًا لَفَضَّلْت النِّسَاء " أَخْرَجَهُ سَعِيد بْن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقه وَإِسْنَاده حَسَن ." (1)
ومن شدة يقظة السلف الصالح أنهم كانوا يعدلون بين أبنائهم حتى في القبلة، استجابة لنداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتنفيذاً لأمره،
فعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَجَاءَ بُنَيٌّ لَهُ، " فَأَخَذَهُ فَقَبَّلَهُ وَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ جَاءَتْ بُنَيَّةٌ لَهُ، فَأَخَذَهَا وَأَجْلَسَهَا إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " فَمَا عَدَلَتْ بَيْنَهُمَا " (2)
فأي منهاج في العالم كله، وأي مدرسة تربوية على الكرة الأرضية تستطيع أن تنبه إلى العدل في القبلة والجلوس في الحجر والجوار ؟! إنها مشكاة النبوة .
ولكن متى يجوز التفضيل ؟
يرى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله حرمة التفضيل بين الأولاد ما لم يكن هناك داع، أو مقتض للتفضيل، فإنه لا مانع منه، قال ابن قدامة في المغني: " فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (8 / 72)
وانظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (5 / 8734) رقم الفتوى 39797 عدم العدل بين الأولاد يورث الضغائن وفتاوى يسألونك لعفانة1-12 - (1 / 154) الميل لأولاده من إحدى زوجتيه دون أولاد الأخرى
(2) - شعب الإيمان - (11 / 154) (8327 ) حسن(1/611)
يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة والعطية في معناه ويحتمل ظاهر لفظه المنع من التفضيل والتخصيص على كل حال لكون النبي صلى الله عليه و سلم لم يستفصل بشيرا في عطيته والأول أولى إن شاء الله لحديث أبي بكر ولأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية فجاز أن يختص بها كما لو اختص القرابة وحديث بشير قضية في عين لا عموم لها وترك النبي صلى الله عليه و سلم الاستفصال يجوز أن يكون لعلمه بالحال " (1)
- - - - - - - - - -
__________
(1) - المغني لابن قدامة - موافق للمطبوع - (6 / 298) وانظر : فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 3705) سؤال رقم 36872- هل يعطي بعض أولاده دون الآخرين إذا كان فقيراً ؟ وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (3 / 5891) رقم الفتوى 19673 حرمان بعض الأولاد من العطية لعارض...نظرة شرعية وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 3105) رقم الفتوى 23103 الوصية لبعض الأولاد دون بعض...نظرة شرعية وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 5259) رقم الفتوى 25211 إذا اختص المعاق بعطية دون إخوانه فهل يجوز ؟ وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 9431) رقم الفتوى 29000 الإنفاق على أحد الأولاد للدراسة هل ينافي العدل وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 9629) رقم الفتوى 29186 حكم هدية الوالد لابنه الحاصل على شهادة تعليمية وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (8 / 6567) رقم الفتوى 57882 حكم تفضيل الابن المتفوق في العطية عن سائر الأبناء وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (9 / 381) رقم الفتوى 60450 العدل بين الأبناء في الهبة والمنافع وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (9 / 592) رقم الفتوى 60689 حرمان بعض الأبناء من العطية لغرض شرعي وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (9 / 5930) رقم الفتوى 67068 من أسس العدل بين الأبناء في الهبة وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (10 / 1034) رقم الفتوى 71212 إعطاء الأولاد ما يتزوجون به إذا تفاوت المقدار وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (16 / 341) تفضيل بعض الأولاد مكافأةً له، وفتاوى يسألونك لعفانة1-12 - (12 / 185) إنصاف الابن الذي يعمل في تجارة أبيه دون إخوته(1/612)
الأساس الرابع
الاستجابة لحقوق الأطفال وتلبيتها
إن إعطاء الطفل حقه، وقبول الحق منه يغرس في نفسه شعوراً إيجابيًّا نحو الحياة، ويتعلم أنَّ الحياة أخذٌ وعطاءٌ، كذلك فإنه تدريب للطفل على الخضوع للحق، فيرى أمامه قدوة حسنة، وإن تعوده العدل في قبول الحق، ورضوخه له تتفتح طاقته لترسم طريقها في التعبير عن نفسه، ومطالبته بحقوقه، وعكس هذا يؤدي إلى كبتها وضمورها.
فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستأذن غلاماً على يمينه لكي يتنازل عن حقه ليعطيه للكبير، الذي على يساره، فإذا بالطفل لا يؤثر سؤر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نفسه لأحد أبداً، فيعطيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإناء ليشرب، ويهنأ في الاستمتاع بحقه، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِشَرَابٍ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ ؟ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ، لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي يَدِهِ. (1)
وعندما يتقدم أحد الأطفال معترضاً - لشعوره بغبن حقه- إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل معركة أحد ويقول لحبيبه ومصطفاه: يا رسول الله ! لقد قبلت ابن عمي في دخول المعركة، وأنا إن صارعته صرعته، فيأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهما بالمصارعة أمامه، وإذا به يفوزُ على ابن عمه، ويصرعه، فما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن أذن له ليكون جنديا مسلماً في قتال المشركين . (2)
فهل هناك شخص في الدنيا أعلى مكانة ن وأسمى منزلة ن وأرفع جاهاً، وأكثر جنوداً وتابعبن أفضل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ كلا وألف كلا .. فهو قبل الحق من الصغير، وهو
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2451 ) وصحيح ابن حبان - (12 / 152) (5335)
(2) - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - (4 / 187) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 1883) رقم الفتوى 4336 حكم المصارعة والملاكمة(1/613)
علَّمنا ووجَّهنا أن نقبل الحق من الصغير دون تكبر، أو او استعلاء، أو تعجرف على الصغير .
لذلك لا يجوز التهرب من الاستجابة لحقوق الأطفال، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ جَوَامِعَ نَوَافِعَ . فَقَالَ: " نَعَمْ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتَزُولُ مَعَ الْقُرْآنِ أَيْنَمَا زَالَ، وَمَنْ جَاءَكَ بِصِدْقٍ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، وَإِنَّ كَانَ بَعِيدًا بَغِيضًا، فَاقْبَلْهُ مِنْهُ، وَمَنْ جَاءَكَ بِكَذِبٍ وَإِنْ كَانَ حَبِيبًا قَرِيبًا فَارْدُدْهُ عَلَيْهِ " (1)
ومن حق الطفل أن يصبح إماماً وقائداً، إذا كان عالماً قارئاً على من يكبره بالعلم والمعرفة، عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ حَبِيبٍ الزُّبَيْدِيِّ قَالَ: اجْتَمَعَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فَقَالَ سَعِيدٌ لِأَبِي سَلَمَةَ: حَدِّثْ فَإِنَّا سَنَتْبَعُكَ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَهُمْ، فَإِذَا أَمَّهُمْ فَهُوَ أَمِيرُهُمْ " قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: " فَذَاكُمْ أَمِيرٌ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " (2)
ومعلوم أن معنى: اقرؤهم: اي أفقههم في أحكام الصلاة، وتلاوة القرآن.
روى مسلم عن عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ أَبَا مُوسَى، اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ ثَلاَثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَكَأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولاً، فَرَجَعَ أَبُو مُوسَى، فَفَرَغَ عُمَرُ، فَقَالَ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ؟ ائْذَنُوا لَهُ، قِيلَ: إِنَّهُ قَدْ رَجَعَ، فَدَعَا بِهِ فَقَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: لَتَأْتِيَنِّي عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسِ الأَنْصَارِ، فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: لاَ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ أَصْغَرُنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، فَانْطَلَقَ بِأَبِي سَعِيدٍ، فَشَهِدَ لَهُ، فَقَالَ خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَلَكِنْ سَلِّمْ مَا شِئْتَ. (3)
وفي رواية عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ كُنْتُ جَالِسًا بِالْمَدِينَةِ فِى مَجْلِسِ الأَنْصَارِ فَأَتَانَا أَبُو مُوسَى فَزِعًا أَوْ مَذْعُورًا. قُلْنَا مَا شَأْنُكَ قَالَ إِنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ
__________
(1) - فَضَائِلُ الْقُرْآنِ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ (33 ) والمعجم الكبير للطبراني - (7 / 499)(8459 ) وأخرجه ابن عساكر (36/ 269) حسن لغيره موقوف
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (3 / 191)(3476) ومُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (8985 ) حسن لغيره
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (5757 ) وصحيح ابن حبان - (13 / 123) (5807)(1/614)
إِلَىَّ أَنْ آتِيَهُ فَأَتَيْتُ بَابَهُ فَسَلَّمْتُ ثَلاَثًا فَلَمْ يَرُدَّ عَلَىَّ فَرَجَعْتُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنَا فَقُلْتُ إِنِّى أَتَيْتُكَ فَسَلَّمْتُ عَلَى بَابِكَ ثَلاَثًا فَلَمْ يَرُدُّوا عَلَىَّ فَرَجَعْتُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ ». فَقَالَ عُمَرُ أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ وَإِلاَّ أَوْجَعْتُكَ. فَقَالَ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ لاَ يَقُومُ مَعَهُ إِلاَّ أَصْغَرُ الْقَوْمِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ قُلْتُ أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ. قَالَ فَاذْهَبْ بِهِ. (1)
وفي رواية عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا مُوسَى، اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَرَجَعَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَقَالَ: مَا رَدَّكَ ؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَلْيَرْجِعْ، فَقَالَ: لِتَجِئْنِي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ، وَإِلاَّ، قَالَ حَمَّادٌ: تَوَعَّدَهُ قَالَ: فَانْصَرَفَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَأَتَى مَجْلِسَ الأَنْصَارِ فَقَصَّ عَلَيْهِمُ الْقِصَّةَ: مَا قَالَ لِعُمَرَ، وَمَا قَالَ لَهُ عُمَرُ، فَقَالُوا: لاَ يَقُومُ مَعَكَ إِلاَّ أَصْغَرُنَا، فَقَامَ مَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، فَشَهِدَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّا لاَ نَتَّهِمُكَ، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَدِيدٌ " (2)
أرأيت أخي المسلم ! كيف أن أمير المؤمنين يقبلُ شهادة الحق من الصغير أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما؟ فهلا نقتدي به ؟!
وقد سار السلفُ الصالحُ على قبول الحق من الصغير مهما كان نوعه.
فهذا أبو حنيفة - رحمه الله- اتَّعظ بمقالة طفلٍ صغير، حينما رأى الإمام الطفل يلعب بالطين، فقال للطفل: إياك والسقوط في الطين، فقال الغلام الصغير للإمام الكبير: إياك أنت السقوط، لأن سقوط العالِم سقوطُ العالَم، فما كان من أبي حنيفة إلا أن تهتزَّ نفسُه لهذه المقولة، فكان لا يخرِّج فتوى- بعد سماعه هذه المقالة من الطفل الصغير - إلا بعد مدارستها شهراً كاملاً مع تلامذته (3) .
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (5751 )
(2) - صحيح ابن حبان - (13 / 122) (5806) صحيح
(3) - انظر الدر المختار -موافق للمطبوع (1 / 71) ورد المحتار -موقع الإسلام (1 / 157)(1/615)
قال مسعر: كنت أمشي مع أبي حنيفة، فوطئ على رجل صبي لم يره، فقال الصبي لأبي حنيفة: يا شيخ! ألا تخاف القصاص يوم القيامة ؟ قال: فغشي على أبي حنيفة ن فاقمت عليه حتى أفاق، فقلت له: يا أبا حنيفة ! ما أشد ما أخذ بقلبك قول هذا الصبي ! قال: فقال: أخاف أنه لقن. (1)
دخل الحسن بن الفضل على بعض الخلفاء وعنده كثير من أهل العلم، فأحب الحسن أن يتكلم، فزجره وقال: يا صبي تتكلم في هذا المقام؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن كنت صبياً، فلست بأصغر من هدهد سليمان ولا أنت بأكبر من سليمان عليه السلام حين قال: أحطت بما لم تحط به، ثم قال: ألم تر أن الله فهم الحكم سليمان ولو كان الأمر بالكبر لكان داود أولى. ولما أفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز، أتته الوفود، فإذا فيهم وفد الحجاز، فنظر إلى صبي صغير السن، وقد أراد أن يتكلم فقال: ليتكلم من هو أسن منك، فإنه أحق بالكلام منك، فقال الصبي: يا أمير المؤمنين لو كان القول كما تقول لكان في مجلسك هذا من هو أحق به منك، قال: صدقت، فتكلم، فقال: يا أمير المؤمنين، إنا قدمنا عليك من بلد تحمد الله الذي من علينا بك، ما قدمنا عليك رغبة منا ولا رهبة منك، أما عدم الرغبة، فقد أمنا بك في منازلنا، وأما عدم الرهبة، فقد أمنا جورك بعدلك، فنحن وفد الشكر والسلام. فقال له عمر - رضي الله عنهم - : عظني يا غلام. فقال: يا أمير المؤمنين إن أناساً غرهم حلم الله وثناء الناس عليهم، فلا تكن ممن يغره حلم الله وثناء الناس عليه، فتزل قدمك وتكون من الذين قال الله فيهم: " ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون " . فنظر عمر في سن الغلام فإذا له اثنتا عشرة سنة، فأنشدهم عمر رضي الله تعالى عنه:
تعلم فليس المرء يولد عالماً ... وليس أخو علم كمن هو جاهل
فإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل
وحكي أن البادية قحطت في أيام هشام، فقدمت عليه العرب، فهابوا أن يكلموه، وكان فيهم درواس بن حبيب، وهو ابن ست عشرة سنة، له ذؤابة، وعليه شملتان، فوقعت عليه
__________
(1) - ص (406) مناقب أبي حنيفة للإمام الموفق بن أحمد المكي المتوفى سنة (568 هـ)(1/616)
عين هشام، فقال لحاجبه: ما شاء أحد أن يدخل علي إلا دخل حتى الصبيان، فوثب درواس حتى وقف بين يديه مطرقاً فقال: يا أمير المؤمنين إن للكلام نشراً وطياً، وإنه لا يعرف ما في طيه إلا بنشره، فإن أذن لي أمير المؤمنين أن أنشره نشرته، فأعجبه كلامه، وقال له: أنشره لله درك، فقال: يا أمير المؤمنين إنه أصابتنا سنون ثلاث سنة أذابت الشحم وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، وفي أيديكم فضول مال، فإن كانت لله ففرقوها على عباده، وإن كانت لهم، فعلام تحبسونها عنهم، وإن كانت لكم، فتصدقوا بها عليهم، فإن الله يجزي المتصدقين، فقال هشام: ما ترك الغلام لنا في واحدة من الثلاث عذراً، فأمر للبوادي بمائة ألف دينار، وله بمائة ألف درهم، ثم قال له: ألك حاجة؟ قال: ما لي حاجة في خاصة نفسي دون عامة المسلمين، فخرج من عنده وهو من أجل القوم. (1)
أرأيت هذه النفوس العظيمة، والرؤوس المليئة بالعلم والمعرفة، تتقبل النصح والإرشاد من الأطفال، وتسمع إليهم بتواضع، وتستفيد من آرائهم، فيصححون من أفكارهم وطريقتهم؟! جعلنا الله وإياكم من السائرين على هداهم، وأن نقبل الحق من الصغير والكبير .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - المستطرف في كل فن مستظرف - (1 / 45)(1/617)
الأساس الخامس
الدعاء للولد لا عليه
الدعاء من الأركان الرئيسة التي يخاطب بها الوالدان للالتزام به .. وتحين لحظات الإجابة التي بينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إذ دعاء الوالدين مستجاب عند الله تعالى ن فالبدعاء تزداد شحنة العاطفة وقوداً، وتتمكن الرحمة والرافة من قلبي الوالدين، فيضرعان إلى الله تعالى، ويبتهلان إليه في إصلاح الطفل ومستقبله .. وهذه شنُّة النبياء والمرسلين، قال تعالى :{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74) سورة الفرقان، وقال تعالى :{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} (38) سورة آل عمران.
ولهذا نجد خطورة من يدعو على ولده، فهو عملٌ خطير جدا، ومهما قلنا عن خطورته، لما فيه من دمار للطفل، ولمستقبله ن ومن دمار للأبوين كذلك .
وقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الآباء والأمهات أن يدعوا على أولادهم؛لأن هذا منافٍ للخلق الإسلامي، ومخالف للتربية النبوية، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَطْلُبُ الْمَجْدِيَّ بْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِيَّ، وَكَانَ النَّاضِحُ يَعْتَقِبُهُ مِنَّا الْخَمْسَةُ، وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ، فَدَنَا عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ، فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ، ثُمَّ بَعَثَهُ، فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ، فَقَالَ: شَأْ لَعَنَكَ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ هَذَا اللاَّعِنُ بَعِيرَهُ ؟ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: انْزِلْ عَنْهُ، فَلاَ تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ، لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لاَ تُوَافِقُوا مِنَ السَّاعَةِ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ. (1)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ ». (2)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7705 ) وصحيح ابن حبان - (13 / 52) (5742)
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (1534 ) صحيح(1/618)
حتى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يدعُ على مشركي الطائف وقد آذوه، فعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْكَ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ قَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمَكِ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكُ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. (1)
فبدلاً من أن تكون سبباً في إفساد الطفل بالدعاء عليه ن فلتكن سبباً في صلاح الطفل، فتدعو له، كما فعل الرسول الله صلى الله علسه وسلم، فبارك الله في مستقبلهم بالعمل والمال والولد، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ. (2)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، فَوَضَعْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَهُورًا، فَقَالَ: مَنْ وَضَعَ هَذَا ؟ قَالَتْ مَيْمُونَةُ: عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ. (3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ضَمَّنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ « اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ » (4) .
وبفضل دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصبح ابن عباس في كبره ن حبر الأمة ن وترجمان القرآن.
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3231 ) وصحيح مسلم- المكنز - (4754) وصحيح ابن حبان - (14 / 516) (6561)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (3756 ) وصحيح ابن حبان - (15 / 530) (7054)
(3) - صحيح ابن حبان - (15 / 531) (7055) صحيح
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (75 )(1/619)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمِيرَةَ الْمُزَنِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ وَقِهِ الْعَذَابَ. (1)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمِيرَةَ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لِمُعَاوِيَةَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِهِ وَاهْدِ بِهِ. (2)
وانظروا أثر دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - له، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ: وَهُوَ كَانَ أَسْوَدَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَكَانَ هُوَ أَسْوَدَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ . قَالَ: قُلْتُ: أَهُوَ كَانَ أَسْوَدَ مِنْ عُمَرَ ؟ قَالَ: عُمَرُ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَهُوَ اللَّهِ كَانَ أَسْوَدَ مِنْ عُمَرَ . قَالَ: قُلْتُ: هُوَ كَانَ أَسْوَدَ مِنْ عُثْمَانَ ؟ قَالَ: وَاللَّهِ إِنْ كَانَ عُثْمَانُ لَسَيِّدًا، وَمُعَاوِيَةُ وَاللَّهِ كَانَ أَسْوَدَ مِنْهُ . قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَيْشِ مَعْنَى السَّيِّدِ ؟ قَالَ: السَّيِّدُ: الْحَلِيمُ، وَالسَّيِّدُ: الْمُعْطِي، أَعْطَى مُعَاوِيَةُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ عَطَايَا مَا أَعْطَاهَا خَلِيفَةٌ كَانَ قَبْلَهُ. (3)
وعَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ، فَقِيلَ: وَلاَ أَبُوكَ ؟ قَالَ: أَبِي عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ خَيْرٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَسْوَدَ مِنْهُ. (4)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ أَحْلَمَ النَّاسِ . قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَبُو بَكْرٍ ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ خَيْرٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَمُعَاوِيَةُ مِنْ أَحْلَمِ النَّاسِ، قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عُمَرُ ؟ قَالَ: عُمَرُ خَيْرٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَمُعَاوِيَةُ مِنْ أَحْلَمِ النَّاسِ. (5)
__________
(1) - مسند الشاميين 360 - (1 / 190) (333) حسن
(2) - مسند الشاميين 360 - (1 / 190) (334) حسن
(3) - السنة لأحمد بن محمد الخلال - (2 / 442)(679) صحيح
(4) - السنة لأحمد بن محمد الخلال - (2 / 443)(680) صحيح
(5) - السنة لأحمد بن محمد الخلال - (2 / 443)(681) صحيح(1/620)
وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبع اسلوب الدعاء للطفل لإنقاذه من أن يختار أمه النصرانية على أبيه المسلم، وفي ذلك عبرة وعظة لأهمية هذا الأسلوب النبوي، الذي تفتقده الأساليب غير الإسلامية اليوم .
فعَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: " أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ، فَجَاءَ بِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ لَمْ يَبْلُغْ، فَأَجْلَسَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْأُمَّ هَاهُنَا وَالْأَبَ هَاهُنَا، ثُمَّ خَيَّرَهُ وَقَالَ: " اللهُمَّ اهْدِهِ " . فَذَهَبَ إلَى أَبِيهِ " (1)
فالعقوق أقل بكثير من الكفر، ومع ذلك كان علاج النبي - صلى الله عليه وسلم - له هو الدعاء، وبذلك يمكن القول إن الدعاء يقتلع جذور العقوق، إذا أخلص الوالدان في دعائهما، واستمرا به حتى في السفر، فعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَلِيًّا الأَسَدِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ عَلَّمَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاَثًا، وَقَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف]، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ، فَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ، وَزَادَ فِيهِنَّ: آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ. (2)
فهذه أم سليم الأنصارية- والدة أنس- تطلب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدعاء لأنس، فيدعو له، فعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَتْ أُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ خَادِمُكَ أَنَسٌ ادْعُ اللَّهَ لَهُ . قَالَ « اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ » (3) .
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ دَخَلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا وَمَا هُوَ إِلاَّ أَنَا وَأُمِّى وَأُمُّ حَرَامٍ خَالَتِى فَقَالَتْ أُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ خُوَيْدِمُكَ ادْعُ اللَّهَ لَهُ - قَالَ - فَدَعَا لِى بِكُلِّ خَيْرٍ وَكَانَ فِى آخِرِ مَا دَعَا لِى بِهِ أَنْ قَالَ « اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ ». (4)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 838)(23759) 24160- وسنن النسائي- المكنز - (3508 ) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (3339) وصحيح ابن حبان - (6 / 413)(2696) - الوعثاء : الشدة والمشقة
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6344 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6527)
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (6530 )(1/621)
وعن أَنَسٍ قَالَ: جَاءَتْ بِى أُمِّى أُمُّ أَنَسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ أَزَّرَتْنِى بِنِصْفِ خِمَارِهَا وَرَدَّتْنِى بِنِصْفِهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِى أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ فَادْعُ اللَّهَ لَهُ. فَقَالَ « اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ ». قَالَ أَنَسٌ فَوَاللَّهِ إِنَّ مَالِى لَكَثِيرٌ وَإِنَّ وَلَدِى وَوَلَدَ وَلَدِى لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ. (1)
وعَنْ أَبِى خَلْدَةَ قَالَ قُلْتُ لأَبِى الْعَالِيَةِ سَمِعَ أَنَسٌ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ خَدَمَهُ عَشْرَ سِنِينَ وَدَعَا لَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ لَهُ بُسْتَانٌ يَحْمِلُ فِى السَّنَةِ الْفَاكِهَةَ مَرَّتَيْنِ وَكَانَ فِيهَا رَيْحَانٌ يَجِدُ مِنْهُ رِيحَ الْمِسْكِ. (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايِعْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " هُوَ صَغِيرٌ "، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَدَعَا لَهُ، فَكَانَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ " (3)
وعن حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قال: سَأَلْتُ أَبِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَيُّ شَيْءٍ تَذْكُرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَقَالَ: أَذَكُرُ أَنَّهُ أَخَذَنِي وَأَنَا خُمَاسِيٌّ أَوْ سُدَاسِيٌّ فَأَجْلَسَنِي فِي حِجْرِهِ، وَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي وَلِذُرِّيَّتِي بِالْبَرَكَةِ " (4)
وقد يقول قائل: إن الطفل عاقٌّ، ولا يستجيبُ لنداء والدايه؟ فالجواب على ذلك سماحة سيدنا يعقوب عليه السلام مع أبنائه: {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)} [يوسف: 97، 98]
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6531 )
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (4204 ) قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
(3) - المستدرك للحاكم (5921) والإصابة في معرفة الصحابة - (2 / 177) وحديث أبي محمد الفاكهي - (110 ) صحيح
(4) - المستدرك للحاكم (5127) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم - (3 / 1736) (4395) فيه جهالة(1/622)
الأساس السادس
شراء اللعب لهم
إن إقرار الرسول - صلى الله عليه وسلم - للعبة عائشة رضي الله عنها التي كانت تعلب بها، يدلنا على حاجة الطفل للألعاب، وحبه للمجسمات الصغيرة . فعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَلْعَبُ بِاللُّعَبِ، فَرَفَعَ السِّتْرَ، وَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ ؟ فَقُلْتُ: لُعَبٌ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى بَيْنَهُنَّ ؟ قُلْتُ: فَرَسٌ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَرَسٌ مِنْ رِقَاعٍ لَهُ جَنَاحٌ ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَلَمْ يَكُنْ لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ خَيْلٌ لَهَا أَجْنِحَةٌ ؟ فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - . (1)
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ. (2)
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَتْ: فَكُنَّ يَأْتِينِي صَوَاحِبِي، فَكُنَّ إِذَا رَأَيْنَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْقَمِعْنَ مِنْهُ، فَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ يَلْعَبْنَ مَعِي. (3)
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ، وَتَجِيءُ صَوَاحِبِي فَيَلْعَبْنَ مَعِي، فَإِذَا رَأَيْنَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قُمْنَ مِنْهُ، فَكَانَ يُدْخِلُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي. (4)
وإن مشاهدة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعصفور أبي عمير وهو يلعب به، دليل آخر على حاجة الطفل للعب تكون بيديه، فيتسلى بها، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَلِي أَخٌ صَغِيرٌ يُكَنَّى أَبَا عُمَيْرٍ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟. (5)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (13 / 174) (5864) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (13 / 175) (5865) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6130 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6441 ) وصحيح ابن حبان - (13 / 173) (5863)
(4) - صحيح ابن حبان - (13 / 176) (5866) صحيح
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (6129 ) وصحيح ابن حبان - (1 / 313) (109)
النغير : تصغير نغر وهو طائر يشبه العصفور أحمر المنقار(1/623)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخَالِطُنَا كَثِيرًا حَتَّى إِنْ كَانَ لَيَقُولُ لأَخٍ لِي صَغِيرٍ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟ وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَنَضَحْنَا بُسَاطًا لَنَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ. (1)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا وَكَانَ لِى أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ - قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ - كَانَ فَطِيمًا - قَالَ - فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَآهُ قَالَ « أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ». قَالَ فَكَانَ يَلْعَبُ بِهِ. (2)
وإن الحسين رضي الله عنه كان عنده جرو يتسلى به، فعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كَانَتْ لِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاعَةٌ مِنَ السَّحَرِ آتِيهِ فِيهَا، فَكُنْتُ إِذَا أَتَيْتُ اسْتَأْذَنْتُ، فَإِنْ وَجَدْتُهُ يُصَلِّي سَبَّحَ، فَدَخَلْتُ وَإِنْ وَجَدْتُهُ فَارِغًا أَذِنَ لِي، فَأَتَيْتُهُ لَيْلَةً فَأَذِنَ لِي، فَقَالَ: أَتَانِي الْمَلَكُ، أَوْ قَالَ: جِبْرِيلُ، فَقُلْتُ: ادْخُلْ، فَقَالَ: إِنَّ فِي الْبَيْتِ مَا لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدْخُلَ، قَالَ: فَنَظَرْتُ، فَقُلْتُ: لا أَجِدُ شَيْئًا، فَطَلَبْتُ، فَقَالَ لِي: انْظُرْ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا جَرْوٌ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ مَرْبُوطٌ بِقَائِمِ السَّرِيرِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ، أَوْ إِنَّا مَعْشَرَ الْمَلائِكَةِ، لا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تِمْثَالٌ، أَوْ كَلْبٌ، أَوْ جُنُبٌ " (3)
ولكن من يأتي للطفل بهذه الألعاب ؟ إنه الوالدان ... فيشتريان له من اللعب ما يناسب عمره وقدرته، ويضعونها بين يديه وفي متناوله، وذلك ليبدأ بتشغيل عقله وحواسه، وتنمو شيئاً فشيئاً، وحتى تكون اللعبة مفيدة وجيدة للطفل لا بد للوالدين أن يطرحا على أنفسهما التساؤلات التالية حين شراء الألعاب لأطفالهم :
س1: هل اللعبة التي ستحضرها من النوع الذي يستثير نشاطاً جسديًّا وصحيًّا مفيداً للطفل؟.
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6203 ) وصحيح ابن حبان - (6 / 252) (2506)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ - رضي الله عنهم - : قَوْلُ أَنَسٍ : وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، أَرَادَ بِهِ وَقْتَ صَلاَةِ السُّبْحَةِ ، إِذِ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لاَ يُصَلِّي صَلاَةَ الْفَرِيضَةِ جَمَاعَةً فِي دَارِ أَنْصَارِيٍّ دُونَ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ.
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (5747 )
(3) - مسند أبي يعلى الموصلي (592) صحيح(1/624)
س2: أهي من النوع الذي يرضي الحاجة للاكتشاف، والتحكم في الأشياء ؟
س3: أهي من النوع الذي يتيح التفكيك والتركيب ؟
س4: أهي من النوع الذي يشجع تقليد سلوك الكبار وطرائق تفكيرهم ؟
فإذا كانت الإجابة بنعم كانت اللعبة مناسبة ومفيدة تربويًّا. (1)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - انظر مقال للدكتورة صالحة سنقر في مجلة المعلم العربي السورية (ص 763) عدد (11و12) عام 1979(1/625)
الأساس السابع
مساعدة الأطفال على البر والطاعة
إن تهيئة الأسباب للطفل حتى يبر والدليه، ويطيع أوامر الله تعالى، يساعد الطفل على البر والطاعة، وينشطه للاستجابة والعمل، وإن تهيئة الأجواء المناسبة يستدعي من الطفل أن يسير سيراً محموداً من تلقاء نفسه، وبالتالي يكون الوالدان قد قدَّما له أكبر هدية في مساعدته على النجاح في الحياة .
ومن شدة أهمية تهيئة الأجواء والأسباب ليكون الطفل بارًّا بوالديه، جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو للآباء، أن ينزل الله تعالى عليهم رحماته ورضوانه لمساعدة أطفالهم، فعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : رَحِمَ اللَّهُ وَالِدًا أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ. (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَعِينُوا أَوْلَادَكُمْ عَلَى الْبِرِّ، مَنْ شَاءَ اسْتَخْرَجَ الْعُقُوقَ لِوَلَدِهِ " . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (2)
فإذاً هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على كاهل الوالدين في إعانة طفلهم على برهم، وإن لديهم القدرة في استخراج العقوق منهم، وذلك بالحكمة، والموعظة الحسنة، وطول الزمن .
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 357)(25924) ضعيف
البر : اسم جامع لكل معاني الخير والإحسان والصدق والطاعة وحسن الصلة والمعاملة
(2) - المعجم الأوسط للطبراني - (4224) فيه جهالة
البر : اسم جامع لكل معاني الخير والإحسان والصدق والطاعة وحسن الصلة والمعاملة
العقوق : الاستخفاف بالوالدين وعصيانهما وترك الإحسان إليهما(1/626)
الأساس الثامن
الابتعاد عن كثرة اللوم والعتاب
نلاحظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان يكثر العتاب على تصرفات وأعمال الطفل، أو يلجأ كثيراً إلى التوبيخ والتأنيب، فهذا أنس رضي الله عنه يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين متوالية، فيصف تربية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصفاً دقيقاً .
فعَنِ أَنَسٍ قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، عَشْرَ سِنِينَ، لاَ وَاللَّهِ مَا سَبَّنِي سَبَّةً قَطُّ، وَلاَ قَالَ لِي: أُفٍّ قَطُّ، وَلاَ قَالَ لِي لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ، وَلاَ لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: أَلاَّ فَعَلْتَهُ. (1)
وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ، فَلا وَاللَّهُ مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَهُ ؟ وَلا لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ: أَلا صَنَعْتَهُ وَلا لامَنِي، فَإِنْ لامَنِي بَعْضُ أَهْلِهِ قَالَ: دَعْهُ، مَا قُدِّرَ فَهُوَ كَائِنٌ، أَوْ مَا قُضِي فَهُوَ كَائِنٌ " (2)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ فَتَوَانَيْتُ عَنْهُ، أَوْ ضَيَّعْتُهُ، فَلاَمَنِي، فَإِنْ لاَمَنِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلاَّ قَالَ: دَعُوهُ، فَلَوْ قُدِّرَ، أَوْ قَالَ: لَوْ قُضِيَ، أَنْ يَكُونَ كَانَ. (3)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سِنِينَ فَمَا سَبَّنِي سَبَّةً قَطُّ، وَلَا ضَرَبَنِي ضَرْبَةً، وَلَا انْتَهَرَنِي، وَلَا عَبَسَ فِي وَجْهِي وَلَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ فَتَوَانَيْتُ فِيهِ فَعَاتَبَنِي عَلَيْهِ فَإِنْ عَاتَبَنِي عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ قَالَ: دَعُوهُ فَلَوْ قِدِّرَ شَيْءٌ كَانَ " (4)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، فَانْطَلَقَتْ بِي أُمِّي فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ مِنَ الْأَنْصَارِ امْرَأَةٌ وَلَا رَجُلٌ إِلَّا قَدْ أَتْحَفَكَ غَيْرِي، وَإِنِّي لَا أَجِدُ شَيْئًا أُتْحِفُكَ بِهِ إِلَّا ابْنِي هَذَا، فَأُحِبُّ أَنْ تَقْبَلَهُ مِنِّي يَخْدُمُكَ، قَالَ: فَخَدَمْتُ رَسُولَ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 508)(13034) 13065- صحيح
(2) - مصنف عبد الرزاق(17948) صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 593)(13418) 13451- صحيح لغيره - توانى : قصّر وتهاون
(4) - أَخْلَاقُ النَّبِيِّ لِأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ (41 ) حسن(1/627)
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ، مَا ضَرَبَنِي ضَرْبَةً قَطُّ، وَلَا سَبَّنِي سَبَّةً، وَلَا انْتَهَرَنِي وَلَا عَبَسَ فِي وَجْهِي، وَقَالَ: " يَا بُنَيَّ اكْتُمْ سِرِّي تَكُنْ مُؤْمِنًا "، وَكَانَتْ أُمِّي تَسْأَلُنِي عَنْ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أُخْبِرُهَا بِهِ، وَإِنْ كُنَّ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلْنَنِي عَنْ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَا أُخْبِرُهُنَّ بِهِ، وَمَا أَنَا بِمُخْبِرِ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَمُوتَ " (1)
وهذا الأسلوب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زرع في نفس الطفل دقة الملاحظة، وروح الحياء، مما جعله يلحظ هذه الملاخظة، من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
بل إن هناك أثراً يدلُّ، ويوجه الاباء والأمهات إلى الابتعاد عن اللوم والعتاب، وإظهار عيوب الطفل بكثرة، فعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ، أَوْ قَالَ عُمَرُ، لِرَجُلٍ عَابَ عَلَى ابْنِهِ شَيْئًا مَنَعَهُ: ابْنُكَ سَهْمٌ مِنْ كِنَانَتِكَ " (2)
فعندما يعيبُ الأب على ابنه، إنما يعيب على نفسه، لأنه هو الذي خرَّج هذا الولد، وكان حريًّا به أن يسارع إلى تربيته .
قال ابن الإتبابي في رسالته (رياضة الصبيان وتعليمهم وتأديبهم ) :" ولا يكثر عليه الملامة في كل وقت؛ فإنه يهوِّن عليه الملامة، وركوب القبائح" (3)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مُعْجَمُ أَسَامِي شُيُوخِ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ (239 ) حسن لغيره
(2) - مصنف عبد الرزاق (16628) ومصنف ابن أبي شيبة - (7 / 160) (23153) صحيح مرسل
(3) - التربية في الإسلام (ص 130)(1/628)
الفصل الخامس
أسس الأساليب الفكرية المؤثرة في عقل الطفل
الأساس الأول: رواية القصص
الأساس الثاني: الخطاب المباشر
الساس الثالث: خطاب الطفل على قدر عقله
الأساس الرابع: الحوار الهادئ
الأساس الخامس: الطريقة العملية التجريبية
الأساس السادس: شد الطفل إلى قدوة ثابتة هي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1/629)
الأساس الأول
رواية القصص
تلعب القصة دوراً كبيراً في شد انتباه الطفل، ويقظته الفكرية والعقلية، وتحتل المركز الأول في الأساليب الفكرية المؤثرة في عقل الطفل، لما لها من متعة ولذة، ونجد وفرة في القصص النبوي تجاه الأطفال، حكاها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه الحاضرين منهم الكبير والصغير، فكانوا يُصغون إليه بكل انتباه ؛ لما يقصه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حوادث وقعت في زمن مضى، ليتعظ بها الحاضرون، ومن بعدهم إلى يوم القيامة .
وثمة ملاحظة هامة، وهي أن القصص النبوي يعتمد على حقائق ثابتة وقعت في غابر الزمن، وهي بعيدةٌ عن الخرافات والأساطير، وإنما هي قصص تبعث في الطفل الثقة بهذا التاريخ، كما تضفي على روحه الاندفاع والانطلاق، وتبني فيه الشعور الإسلامي المتدفق الذي لا يجف نبعه، والإحساس العميق الذي لا يعرف البلادة.
" وإن أخبار العلماء العاملين، والنبهاء الصالحين من خير الوسائل التي تغرس الفضائل في النفوس، وتدفعها إلى تحمل الشدائد والمكاره في سبيل الغايات النبيلة، والمقاصد الجليلة، وتبعثها إلى التأسي بذوي التضحيات والعزمات، لتسمو إلى أعلى الدرجات، وأشرف المقامات.
وَعَنْ الْجُنَيْدِ حِينَ سُئِلَ عَنْ مُجَارَاةِ الْحِكَايَاتِ أَنَّهُ قَالَ :الحكايات جند من جنود الله تعالى، يقوي بها قلوب المريدين.، فقيل له: فهل لك في ذلك شاهد؟ فقال: نعم، قوله عزّ وجلّ: {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (120) سورة هود . (1)
وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: " الْحِكَايَاتُ عَنِ الْعُلَمَاءِ وَمِجَالَسَتُهُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْفِقْهِ ؛ لِأَنَّهَا آدَابُ الْقَوْمِ وَأَخْلَاقُهُمْ " (2)
__________
(1) - الرسالة القشيرية - (1 / 93) وبريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية - (4 / 219)
(2) - جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر - (595 ) والمدخل لابن الحاج - (1 / 164)(1/630)
يجب أن تكون أساليب التربية مستفادة من الوحي العظيم الكتاب والسنة فهذه الشريعة جاءت بكل ما يصلح به البشر شؤونهم، ومن تلك الأساليب المستقاة منها تربية الأبناء بل المجتمع بالقصة فالتربية بالقصة وتوصيل المعنى بالإحساس وتحقيق الهدف بالمثال من أفضل الأساليب وأكثرها نجاحاً وأنجعها نتيجة إن شاء الله.
فنحن نجد بأن الموعظة بالقصة تكون مؤثرة وبليغة في نفس الطفل، وكلما كان القاصْ ذا أسلوب متميز جذاب؛ استطاع شد انتباه الطفل والتأثير فيه؛ وذلك لما للقصة من أثر في نفس قارئها أو سامعها، ولما تتميز به النفس البشرية من ميل إلى تتبع المواقف والأحداث رغبة في معرفة النهاية التي تختم بها أي قصة، وذلك في شوق ولهفة.
فممّا لا شكّ فيه أنّ القصة المحكمة الدقيقة تطرق السامع بشغف، وتنفذ إلى النفس البشرية بسهولة ويسر... ولذا كان الأسلوب القصصي أجدى نفعاً وأكثر فائدة؛ فالقصة أمر محبب للناس، وتترك أثرها في النفوس والمعهود حتى في حياة الطفولة أن يميلَ الطفل إلى سماع الحكاية، ويصغي إلى رواية القصة...
هذه الظاهرة الفطرية ينبغي للمربّين أن يفيدوا مِنها في مجالات التعليم خاصة وأن إعلامنا أجرم عندما جعل من العاهرة بطلة ومن العاهر بطلا، وإعلامنا أجرم كثيرا في حق أبنائنا فلم يترك عاهرة إلا وصورها وعقد معها لقاء.
لذلك لابد أن يربط الولد بأنبياء الله عز وجل: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ )(الأنعام: من الآية90) وبرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(الأحزاب: من الآية21)
وتربيتهم على ما كان عليه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *إن التشبه بالكرام فلاح
والقصة خير وسيلة للوصول إلى ذلك ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيراً ما يقص على أصحابه قصص السابقين للعظة والاعتبار وقد كان ما يحكيه مقدَّماً بقوله: " كان فيمن قبلكم " ثم يقص - صلى الله عليه وسلم - على مسامعهم القصة وما انتهت إليه.(1/631)
لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمثل منهجاً ربانياً (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(لأعراف: من الآية176).
وتلك القصص كانت قصصاً تتميز بالواقعية والصدق، لأنها تهدف إلى تربية النفوس وتهذيبها، وليس لمجرد التسلية والإمتاع حيث كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يأخذون من كل قصة العظة والعبرة، كما يخرجون منها بدرس تربوي سلوكي مستفاد ينفعه وينفع من بعدهم في الدارين: في دار الدنيا والآخرة.
· ولكن هل الإعلام الموجه للطفل عموماً استفاد من هذا الأسلوب " التربية بالقصة " لتحصيل أسباب تربوية أم أنه إعلام هدّام أو سلبي على أقل وصف ؟ للأسف كثيرٌ منه سلبي فالقصص التي تعرض في أفلام الكرتون فيها محاذير ومنكرات عديدة منها:
1- قصص تثير الفزع والرعب والرهبة
القصص التي يغلب عليها طيف الفزع والرهبة، تترك في الذائقة اشتياقاً ممزوجاً بالجزع، وفي النفس جبناً وعقداً، وأمثال ذلك: قصص (أمناً الغولة، وقصص المردة، والعفاريت) هذه القصص تهدم الشخصية، وتقتل الحس الفكري لدى الطفل، ولا تؤسس الطفل الشجاع، ولكنها تؤسس الطفل الجبان المتخاذل، الذي يتملك الخوف من فرائسه.
فالطفل يظل معايش الفكرة حتى بعد الانصراف، من لحظة المعايشة الفكرية للقصة، يتخيل بالفعل أن هناك عفاريت تحاصره بالظلام، وأن هناك (أمنا الغولة عند البئر) إلخ...، ولو نظر كل منا لنفسه، لوجد أنه لا يزال يعيش بوجدانه قصصاً قرأها في صباه، فيجب أن نؤسس الطفل على الشجاعة، لكي نبني أمة شجاعة، لا أن نؤسس الطفل على الجبن فنبني أمة ضعيفة.
2- القصص الشعبية التي تحتوي على مواقف منافية للأخلاق:
وأمثلة ذلك: قصص (طرزان- وسوبرمان- والجاسوسية)، التي لا تحتوي على قيم إنسانية أو أخلاقية، بقدر ما تمجد العنف كوسيلة لحل المشاكل، وتجعل القوة البدنية، هي العامل الأقوى في حسم المواقف.(1/632)
مثال: طرح شخصية (طرزان)، الذي تربى بين الحيوانات، ولا يعرف وسيلة لحل مشاكله إلا بالقوة البدنية، هذه الفكرة تسقط سلوك الطفل العقلاني، إلى السلوك العدواني، دون استخدام العقل، فيجب طرح قصص تدرب الناشئة على حل المشاكل بإحلال العقل محل القوة.
3- قصص تثير العطف على قوى الشر أو تمجيدها:
القصص، التي تثير العطف على قوى الشر، وتمجده مثل انتصار الشر على الخير، .. الظالم على المظلوم...الشرير على الشرطي.
ويطرحونها بحجة أنهم يكشفون السلوك الخاطئ للطفل كمن يكذب على أولاده ثم يقول هذا كذب أبيض وفي الحقيقة الولد يتربى على الكذب فليس هناك كذب أبيض ولا أسود، أما عن إثارة العطف على قوى الشر والانتصار له في النهاية قد تجعل الولد يسلك السلوك الخاطئ، ليبقى ضمن طائفة الأقوياء المنتصرين.
مثال ذلك:(قصص الرجل الخارق، وسوبر مان، الرجل الحديدي، جلاندايزر )
4- قصص تعيب الآخرين وتسخر منهم:
القصص القائمة على السخرية من الآخرين وتدبير المقالب لهم وإيقاع الأذى بهم، منها السخرية من علة المعاق أو عيب خلقي في نطق البعض وتدبير المقالب للكبير مثلاً وإيقاع الأذى بالأعمى، بإيقاعه في فخ ما أو غيرها، دون تعظيم الأثر الواقع على المخطئ أو مدبر المقلب، ومن الأمثلة الشهيرة لهذا الفكر الخاطئ تربوياً: الأفلام المتحركة في قصة " توم وجيري "، وهذه القصة رغم ما بلغته من شهرة جماهيرية لدى الأجيال إلا أنها فاسدة تربوياً، ترسِّب هذه الأفلام في وعي الطفل نمطاً سلوكياً خاطئاً، يقلده الطفل ويتمثل به ليحقق ذات المتعة والشقاوة الفكرية على من حوله، ويحس بالتفوق على الآخرين، وكذلك تلك الأفلام التي تسخر من الأسود وتؤدي إلى نبذ الجنس الآخر الأسود فهذا يرسب الضغينة والحقد في نفوس الأطفال، ويؤسس التفرقة والتشرذم لا الوحدة والتآلف.
فتلك مقتطفات من واقع القصص المقدمة للأطفال والتي كان يفترض أن تكون تربوية.(1/633)
ربما يقول البعض إن القصص المناسب طرحها للأطفال قليلة وغير مفيدة وهذا كلام غير صحيح ففي الكتاب والسنة الكثير من القصص المفيد وكل قصص الكتاب والسنة مفيد.
فمن القصص المناسبة للأطفال والتي سنتاول بعضها:
1. قصة يونس في بطن الحوت
2. قصة أبي هريرة مع الشيطان
3. قصة خشبة المقترض
4. قصة الثلاثة أصحاب الغار
5. قصة أصحاب الأخدود
6. قصة أنس مع سر النبي - صلى الله عليه وسلم -
7. قصة عبد الله بن عمر مع الراعي .. " قل له أكلها الذئب "
8. قصة أم موسى
9. قصة عمر واللبن
10. قصة يوسف
11. قصة معاذ ومعوذ
12. قصة القُبّرة
13. قصة الجمل
14. قصة صاحبة الوشاح " ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا "
15. قصة ابن عمر والنخل.
وإليك بعضاً منها مع بيان لكيفية الاستفادة منها وتطبيقها على الواقع ؟
1- قصة إبراهيم وإسماعيل وأمه عليهم السلام :
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّىَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ، وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهْىَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ، فَوْقَ زَمْزَمَ فِى أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَ وَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ(1/634)
قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِى الَّذِى لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَىْءٌ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ آللَّهُ الَّذِى أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ . قَالَتْ إِذًا لاَ يُضَيِّعُنَا . ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) [إبراهيم: 37، 38]) . وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِى السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى - أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ - فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِى الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِىَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ، الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِىَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْىَ الإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ، حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِىَ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « فَذَلِكَ سَعْىُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا » . - فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ صَهٍ . تُرِيدَ نَفْسَهَا، ثُمَّ تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ قَدْ أَسْمَعْتَ، إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ . فَإِذَا هِىَ بِالْمَلَكِ، عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ - أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ - حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِى سِقَائِهَا، وَهْوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ - أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ - لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا » . - قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ، يَبْنِى هَذَا الْغُلاَمُ، وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ . وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ، تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ، حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ - أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ - مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ فَنَزَلُوا فِى أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا . فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ، لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِى وَمَا فِيهِ مَاءٌ، فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَرَجَعُوا(1/635)
فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ، فَأَقْبَلُوا، قَالَ وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ فَقَالُوا أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ فَقَالَتْ نَعَمْ، وَلَكِنْ لاَ حَقَّ لَكُمْ فِى الْمَاءِ . قَالُوا نَعَمْ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، وَهْىَ تُحِبُّ الإِنْسَ » فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ، فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الْغُلاَمُ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ، وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ، بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِى لَنَا . ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِى ضِيقٍ وَشِدَّةٍ . فَشَكَتْ إِلَيْهِ . قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِى عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَقُولِى لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ . فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا، فَقَالَ هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِى كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِى جَهْدٍ وَشِدَّةٍ . قَالَ فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَىْءٍ قَالَتْ نَعَمْ، أَمَرَنِى أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ . قَالَ ذَاكِ أَبِى وَقَدْ أَمَرَنِى أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِى بِأَهْلِكِ . فَطَلَّقَهَا، وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى، فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ، فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَسَأَلَهَا عَنْهُ . فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِى لَنَا . قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ، وَهَيْئَتِهِمْ . فَقَالَتْ نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ . وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ . فَقَالَ مَا طَعَامُكُمْ قَالَتِ اللَّحْمُ . قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ قَالَتِ الْمَاءُ . فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِى اللَّحْمِ وَالْمَاءِ . قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ » . قَالَ فَهُمَا لاَ يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلاَّ لَمْ يُوَافِقَاهُ . قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِى عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِى عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِى كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ . قَالَ فَأَوْصَاكِ بِشَىْءٍ قَالَتْ نَعَمْ، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ . قَالَ ذَاكِ أَبِى، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِى أَنْ أُمْسِكَكِ . ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِى نَبْلاً لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ، فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، ثُمَّ قَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِى بِأَمْرٍ . قَالَ فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ . قَالَ وَتُعِينُنِى قَالَ وَأُعِينُكَ . قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ(1/636)
أَمَرَنِى أَنْ أَبْنِىَ هَا هُنَا بَيْتًا . وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا . قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِى بِالْحِجَارَةِ، وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِى، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهْوَ يَبْنِى، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولاَنِ { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (127) سورة البقرة . قَالَ فَجَعَلاَ يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ، وَهُمَا يَقُولاَنِ ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) . (1)
المنطق : هو ما تشد به المرأة وسطها عند عمل الأشغال لترفع ثوبها، وهو أيضا النطاق.
شنة : الشنة : القربة البالية يكون فيها الماء.
دوحة، الدوحة : الشجرة العظيمة، وجمعها الدوح.
قفى الرجل : إذا ولاك قفاه راجعا عنك.
الثنية : الطريق في العقبة، وقيل : هو المرتفع من الأرض فيها.
التلبط : الاضطراب والتقلب ظهرا لبطن.
صه : اسكت، وقوله : تريد : تعني نفسها ،معناه : لما سمعت الصوت سكتت نفسها لتتحققه.
غواث، الغواث والغياث والغوث : المعونة، وإجابة المستغيث.
تحوضه : أي تجعل له حوضا يجتمع فيه الماء.
معينا، المعين : الماء الظاهر الجاري الذي لا يتعذر أخذه.
الضيعة : الضياع والحاجة.
كداء، بالفتح والمد : الثنية من أعلى مكة مما يلي المقابر، وبالضم والقصر : من أسفلها مما يلي باب العمرة. عائفا، العائف : المتردد حول الماء.
الجري : الرسول والوكيل.
وأنفسهم : صار عندهم نفيسا مرغوبا فيه.
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3364 )(1/637)
تركته : التركة : بسكون الراء ولد الإنسان، وهو في الأصل : بيضة النعام ،هكذا قاله الزمخشري في الفائق، ولو روى بكسر الراء، لكان وجها، والتركة : اسم للشيء المتروك.
يبتغي لنا : قولها : يبتغي لنا : يطلب لنا الرزق ويسعى فيه.
آنس شيئا أي : أبصر شيئا، وأراد : كأنه رأى أثر أبيه وبركة قدومه.
أكمة، الأكمة : ما ارتفع من الأرض كالرابية.
النشغ : الشهيق، حتى يكاد يبلغ له الغشي، يقال : نشغ ينشغ نشغا، وإنما يفعل الإنسان ذلك أسفا على صاحبه وشوقا إليه، وقيل : نشغ الصبي : إذا امتص بفيه.
انبثاق، الماء : انفتاحه وجريه.
2- قصة ذي الكفل:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً، يَقُولُ: كَانَ ذُو الْكِفْلِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ، فَهَوِيَ امْرَأَةً، فَرَاوَدَهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا، فَلَمَّا جَلَسَ مِنْهَا، بَكَتْ وَأُرْعِدَتْ، فقَالَ لَهَا: مَا لَكِ ؟ فَقَالَتْ: إِنِّي وَاللَّهِ لَمْ أَعْمَلْ هَذَا الْعَمَلَ قَطُّ، وَمَا عَمِلْتُهُ إِلاَّ مِنْ حَاجَةٍ، قَالَ: فَنَدِمَ ذُو الْكِفْلِ، وَقَامَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، وَجَدُوا عَلَى بَابِهِ مَكْتُوبًا: إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ. (1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: " كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ أَرْعَدَتْ وَبَكَتْ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ أَكْرَهْتُكِ ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ هَذَا عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطُّ، وَإِنَّمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ الْحَاجَةُ، قَالَ: فَتَعْمَلِي هَذَا وَلَمْ تَفْعَلِيهِ
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2684 ) وصحيح ابن حبان - (2 / 112) (387) حسن
لا ينزع ، فلان عما هو فيه : أي لا يقلع ولا يترك.(1/638)
قَطُّ، فَاذْهَبِي فَهُوَ لَكِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَا أَعْصِي اللهَ أَبَدًا، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِهِ: قَدْ غَفَرَ اللهُ لِلْكِفْلِ " (1)
3- قصة الأقرع والبرص والأعمى :
عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ: إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ، فقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ: الإِبِلُ، فَمَسَحَهُ، فَذَهَبَ عَنْهُ، قَالَ: وَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا.
قَالَ: وَأَتَى الأَقْرَعَ، فقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ: شَعْرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، وَأُعْطِيَ شَعْرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ: الْبَقَرُ، قَالَ: فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَافِلَةً، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا.
قَالَ: وَأَتَى الأَعْمَى، فقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ: أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ، فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ: الْغَنَمُ، قَالَ: فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا، وَأُنْتِجَ هَذَانِ، وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الإِبِلِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ.
قَالَ: ثُمَّ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ بِيَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ، وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ بِهِ فِي سَفَرِي، فقَالَ: الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ، فقَالَ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ الْمَالَ ؟ فقَالَ: إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، فقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ.
قَالَ: ثُمَّ أَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ، فقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا، قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ هَذَا، فقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ.
__________
(1) - شعب الإيمان - (9 / 319) (6707 ) حسن
يتورع : يتحرج ويحترز ويمتنع - الوطء : الجماع والنكاح والزواج - الارتعاد : الرجفة والاضطرب من الخوف(1/639)
وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ بَصَرِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، وَدَعْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رُضِيَ عَنْكَ، وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ. (1)
ناقة عشراء، إذا كانت حاملا، وقيل : إذا أتى عليها لحملها عشرة أشهر.
شاة والدا، الشاة الوالد : هي التي قد عرف منها كثرة الولد والنتاج.
فأنتج، أنتجها : أي قبلها وافتقدها عند الولادة، هكذا جاء لفظ الحديث أنتج، وإنما يقال : نتجت الناقة أنتجها، والناتج للنوق كالقابلة للنساء وقوله : وولد هذا أي فعل في شاته كما فعل ذلك في إبله وبقره.
الحبال : جمع حبل، وهو العهد والذمام والأمان، والوسيلة، وكل ما يرجو منه خيرا أو فرجا، أو يستدفع به ضررا، والحبل : السبب، فكأنه قال : انقطعت بي الأسباب.
فلا بلاغ : أي ليس لي ما أبلغ به غرضي.
كابرا عن كابر : أي ورثته عن آبائي وأجدادي.
لا أجهدك : أي لا أشق عليك في الأخذ والامتنان.
وقد جاءت أخبار كثيرة عن بني إسرائيل وهي ثلاثة أقسام الأول ما جاء في القرآن والثاني ما جاء في صحيح السنة والثالث ما جاء عن أخبارهم وعن علمائهم فأما الأول والثاني فلا شك في أنه حق ولا شك في قبوله مثل قوله تعالى :{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (246) سورة البقرة .
ومن السنَّة مثل هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3464 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7620) وصحيح ابن حبان - (2 / 13)(314)(1/640)
وأما ما روى عن أحبارهم وعلمائهم فإنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما شهد الشرع ببطلانه، فهذا باطل يجب رده وهذا يقع كثيرا فيما نقل من الإسرائيليات في تفسير القرآن فإنه ينقل في تفسير القرآن كثير من الأخبار الإسرائيلية التي يشهد الشرع ببطلانها .
والثاني: ما شهد الشرع بصدقه، فهذا يقبل لا لأنه من أخبار بني إسرائيل ولكن لأن الشرع شهد بصدقه وأنه حق .
والثالث: ما لم يكن في الشرع تصديقه ولا تكذيبه: فهذا يتوقف فيه لا يصدقون ولا يكذبون، لأننا إن صدقناهم فقد يكون باطلا فيكون قد صدقناهم بباطل، وإن كذبناهم فقد يكون حقا فقد كذبناهم بحق، ولهذا نتوقف فيه ولا حرج من التحديث به، فيما ينفع في ترغيب أو ترهيب . (1)
وفِي الحَدِيث جَواز ذِكر ما اتَّفَقَ لِمَن مَضَى لِيَتَّعِظ بِهِ مَن سَمِعَهُ ولا يَكُون ذَلِكَ غِيبَة فِيهِم، ولَعَلَّ هَذا هُو السِّرّ فِي تَرك تَسمِيَتهم، ولَم يُفصِح بِما اتَّفَقَ لَهُم بَعد ذَلِكَ، والَّذِي يَظهَر أَنَّ الأَمر فِيهِم وقَعَ كَما قالَ المَلَك.
وفِيهِ التَّحذِير مِن كُفران النِّعَم والتَّرغِيب فِي شُكرها والاعتِراف بِها وحَمد الله عَلَيها.
وفِيهِ فَضل الصَّدَقَة والحَثّ عَلَى الرِّفق بِالضُّعَفاءِ وإِكرامهم وتَبلِيغهم مَآرِبهم، وفِيهِ الزَّجر عَن البُخل، لأَنَّهُ حَمَلَ صاحِبه عَلَى الكَذِب، وعَلَى جَحد نِعمَة الله تَعالَى. (2)
4- قصة المقترض ألف دينار :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ ذَكَرَ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسَلِّفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، قَالَ: ائْتِنِي بِشُهَدَاءَ أُشْهِدُهُمْ، قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، قَالَ: ائْتِنِي بِكَفِيلٍ، قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً، قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا، يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ، وَصَحِيفَةً مَعَهَا إِلَى صَاحِبِهَا، ثُمَّ
__________
(1) - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (1 / 312)
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (6 / 503)(1/641)
زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا الْبَحْرَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي اسْتَسْلَفْتُ فُلاَنًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلاً، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً، فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَإِنِّي قَدْ جَهِدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ بِالَّذِي أَعْطَانِي، فَلَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا، وَإِنِّي اسْتَوْدَعْتُكَهَا، فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَطْلُبُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا يَجِيئُهُ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ، فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا كَسَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ، وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ تَسَلَّفَ مِنْهُ، فَأَتَاهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لآتِيَكَ بِمَالِكَ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ، قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ ؟ قَالَ: أَلَمْ أُخْبِرْكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ هَذَا الَّذِي جِئْتُ فِيهِ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ بِهِ فِي الْخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِأَلْفِكَ رَاشِدًا.. (1)
وَفِي الحديث من الفوائد:
· فَضْل التَّوَكُّل عَلَى اللَّه وَأَنَّ مَنْ صَحَّ تَوَكُّله تَكَفَّلَ اللَّه بِنَصْرِهِ وَعَوْنه .فما أحوج الإنسان في زمن طغت فيه المادة، وتعلق الناس فيه بالأسباب إلا من رحم الله, إلى أن يجدد في نفسه قضية الثقة بالله، والاعتماد عليه في قضاء الحوائج، وتفريج الكروب، فقد يتعلق العبد بالأسباب، ويركن إليها، وينسى مسبب الأسباب الذي بيده مقاليد الأمور، وخزائن السماوات والأرض، ولذلك نجد أن الله عز وجل يبين في كثير من المواضع في كتابه هذه القضية، كما في قوله تعالى: {وكفى بالله شهيدا} (الفتح 28)، وقوله: {وكفى بالله وكيلا } (الأحزاب 3)، وقوله: { أليس الله بكاف عبده } (الزمر 36)، كل ذلك من
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 318)(8587) 8571- وصحيح البخارى- المكنز - (1498،2063 ، 2291 ، 2404 ، 2430 ، 2734 ، 6261 )
زجج موضعها : أي سوى موضع النقر وأصلحه ، من تزجيج الحواجب ، وهو حذف زوائد الشعر ، ويحتمل أن يكون مأخوذا من الزج بأن يكون النقر في طرف الخشبة ، فيشد عليه زجا ليمسكه ويحفظ ما في جوفه.(1/642)
أجل ترسيخ هذا المعنى في النفوس، وعدم نسيانه في زحمة الحياة، وجاءتنا السنة بقصة هذين الرجلين من الأمم السابقة، اللذين ضربا أروع الأمثلة لهذا المعنى .
· إن هذه القصة تدل على عظيم لطف الله وحفظه، وكفايته لعبده إذا توكل عليه وفوض الأمر إليه، وأثر التوكل على الله في قضاء الحاجات، فالذي يجب على الإنسان أن يحسن الظن بربه على الدوام، وفي جميع الأحوال، والله عز وجل عند ظن العبد به، فإن ظن به الخير كان الله له بكل خير أسرع، وإن ظن به غير ذلك فقد ظن بربه ظن السوء .
·إذا بلغ العبد الغاية من الزهد، أخرجه ذلك إلى التوكل
فإذا اتكلت فكن بربك واثقاً لا ما تحصل عندك الموثوق
فعن أبي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ، قالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، أَلاَ تَرَوْنَ أَنَّهَا تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا. (1) . (...وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (الطلاق:3)
وَفِي الحديث فَضْل التَّوَكُّل عَلَى اللَّه وَأَنَّ مَنْ صَحَّ تَوَكُّله تَكَفَّلَ اللَّه بِنَصْرِهِ وَعَوْنه .
فما أحوج الإنسان في زمن طغت فيه المادة، وتعلق الناس فيه بالأسباب إلا من رحم الله، إلى أن يجدد في نفسه قضية الثقة بالله، والاعتماد عليه في قضاء الحوائج، وتفريج الكروب، فقد يتعلق العبد بالأسباب، ويركن إليها، وينسى مسبب الأسباب الذي بيده مقاليد الأمور، وخزائن السماوات والأرض، ولذلك نجد أن الله عز وجل يبين في كثير من المواضع في كتابه هذه القضية، كما في قوله تعالى: ( وكفى بالله شهيدا ) الفتح/28، وقوله: ( وكفى بالله وكيلا ) الأحزاب/3، وقوله: ( أليس الله بكاف عبده ) الزمر/36، كل ذلك من أجل ترسيخ هذا المعنى في النفوس، وعدم نسيانه في زحمة الحياة ,وجاءتنا السنة بقصة هذين الرجلين من الأمم السابقة، اللذين ضربا أروع الأمثلة لهذا المعنى .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 187)(373) صحيح لغيره(1/643)
إن هذه القصة تدل على عظيم لطف الله وحفظه، وكفايته لعبده إذا توكل عليه وفوض الأمر إليه، وأثر التوكل على الله في قضاء الحاجات، فالذي يجب على الإنسان أن يحسن الظن بربه على الدوام، وفي جميع الأحوال، والله عز وجل عند ظن العبد به، فإن ظن به الخير كان الله له بكل خير أسرع، وإن ظن به غير ذلك فقد ظن بربه ظن السوء . (1)
5- قصة جرة الذهب :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا، فَوَجَدَ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةَ ذَهَبٍ، فقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ عَنِّي، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ أَرْضًا وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ ذَهَبًا، وَقَالَ الَّذِي بَاعَ الأَرْضَ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا، قَالَ: فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ ؟ فقَالَ أَحَدُهُمَا: غُلاَمٌ، وقَالَ الآخَرُ: جَارِيَةٌ، فقَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلاَمَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، وَتَصَدَّقَا. (2)
من فوائد القصة
- أداء الأمانة مطلوب لقول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (58) سورة النساء.
-القناعة كنز لا يفنى تعود بالخير والبركة على صاحبها .
-مشروعية الاحتكام إلى عالم بالكتاب والسنة، دون الذهاب إلى المحاكم المدنية التي تضيع الأموال والأوقات عملاً بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء.
__________
(1) - فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 2456)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (3472) وصحيح مسلم- المكنز - (4594 ) وصحيح ابن حبان - (2 / 496) (720)(1/644)
- من رضي بما أعطاه الله كان من أغنى الناس، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي خَمْسَ خِصَالٍ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ؟ قَالَ: قُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ.. (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ. (2)
-الرزق مقسوم، لا بد أن يصل إليك في وقته ومقداره فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَهْرُبُ مِنَ الْمَوْتِ لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ " (3) .
-على المسلم أن يقنع بالحلال، ويترك الحرام والطمع فيما ليس له، ويأخذ بالأسباب المشروعة للرزق، وأن العمل الصالح يكفل له السعادة في الدنيا والآخرة، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، وَأَنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِيَ أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ اللهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ " (4) .
- الحكم العادل يرضي المحتكمين .
-عدم الطمع فيما ليس للإنسان .
6- قصة ابن عمر والراعي :
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 213)(8095) 8081- صحيح لغيره
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6446) وصحيح مسلم- المكنز - (2467) وصحيح ابن حبان - (2 / 454)(679) -العَرض : متاع الدنيا وحطامها
(3) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (10003 ) والصحيحة (952) وصحيح الجامع (5240) حسن
(4) - شعب الإيمان - (13 / 19)(9891 ) صحيح لغيره(1/645)
عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: خَرَجَ ابْنُ عُمَرَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَصْحَابُ لَهُ، وَوَضَعُوا سَفْرَةً لَهُ، فَمَرَّ بِهِمْ رَاعِي غَنَمٍ، قَالَ: فَسَلَّمَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " هَلُمَّ يَا رَاعِي، هَلُمَّ "، فَأَصِبْ مِنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " أَتَصُومُ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الْحَارِّ شَدِيدٍ سُمُومُهُ وَأَنْتَ فِي هَذِهِ الْجِبَالِ تَرْعَى هَذَا الْغَنَمَ ؟ " فَقَالَ لَهُ: أَيْ وَاللهِ أُبَادِرُ أَيَّامِي الْخَالِيَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ يُرِيدُ يَخْتَبِرُ وَرَعَهُ: " فَهَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ هَذِهِ فَنُعْطِيكَ ثَمَنَهَا وَنُعْطِيكَ مِنْ لَحْمِهَا فَتُفْطِرَ عَلَيْهِ ؟ " فَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي بِغَنَمٍ، إِنَّهَا غَنَمُ سَيِّدِي، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: " فَمَا عَسَى سَيِّدُكَ فَاعِلًا إِذَا فَقْدَهَا، فَقُلْتَ: أَكْلَهَا الذِّئْبُ " فَوَلَّى الرَّاعِي عَنْهُ وَهُوَ رَافِعٌ أُصْبُعَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يَقُولُ: أَيْنَ اللهُ، قَالَ: فَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ يُرَدِّدُ قَوْلَ الرَّاعِي وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ الرَّاعِي: فَأَيْنَ اللهُ ؟ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعَثَ إِلَى مَوْلَاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ الْغَنَمَ وَالرَّاعِي فَأَعْتَقَ الرَّاعِيَ، وَوَهَبَ لَهُ الْغَنَمَ " (1)
فهذه القصة احتوت على كثير من الفوائد والعبر منها:
الحث على الكرم فعبد الله بن عمر لم يستأثر بالسفرة مع أصحابه دون الراعي وقد مر بهم بل دعاه ليأكل معهم وهكذا فإن الولد الكريم إذا أحضر طعاماً إلى المدرسة أو الرحلة فإنه يضيّف أصحابه ويعرض عليهم مشاركته فيه .
وكذلك الصيام وأن الراعي على الرغم من أنه يعمل عملاً شاقاً وفي يوم حار لكنه يحتسب ذلك ليوم الحساب والجزاء .
وكيف أن ابن عمر رضي الله عنهما أحب أن يختبر أمانة الراعي فأعجبه جوابه وقيل أنه بكى لقول الراعي وهو رافع إصبعيه إلى السماء فأين الله
وهنا درس عظيم الآخر وهو تنمية الصلة بالله وخشيته في الغيب والشهادة وغرس روح المراقبة في النفوس كالشاعر الذي قال:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعةً ولا أن ما تُخفي عليه يغيب
__________
(1) - شعب الإيمان - (7 / 223)(4908 ) صحيح لغيره(1/646)
وفي القصة العاقبة الحميدة لمن نال هذه الصفات، فالراعي الذي سمعنا عنه في هذه القصة كان عاملاً يأكل من تعب يده برعي الغنم، وكان مع ذلك عابداً يصوم في النهار حتى في الأيام الحارة، وكان أميناً في عمله يراقب الله عز وجل في نفسه، وأن مطلع عليه فصلته بالله قوية ولذلك رفض المكسب الحرام مع أنه قادر عليه ومتمكن منه، ولم يستغل عمله وأمانته ولم يسرق منها فأعقبه الله الحسنى، فعندما رأى عبد الله بن عمر تلك الصفات أعتقه واشترى له الغنم ووهبه له، فمن عبدٍ يرعى غنم صاحبه إلى حرٍّ يملك حلالاً كثيراً
وإنه سنَّة عظيمة يجب تربية الأبناء عليها (( من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه ))
إنها قاعدة لو شربها أطفالنا منذ الصغر لجنبتهم الكثير من الحرام والمنكرات في الكبر
وهكذا يعيشُ الطفل مع القصص النبوي، ومع قصص السيرة النبوية، ومع القصص القرآني، فيعيش في أجواء الإيمان، وحرارته، فيزداد ثباتاً ورسوخاً (1) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - انظر كتاب التربية بالقصة للمنجد ففيه فوائد كثيرة(1/647)
الأساس الفكري الثاني
الخطاب المباشر للطفل
إن الخطاب المباشر في مخاطبة عقل الطفل، وتبيين الحقائق له، وترتيب المعلومات الفكرية ليحفظها مع فهمها، يجعل من الطفل أشد قبولاً، وأكثر استعداداً للتلقي، أما اللف والدوران فليس له في التعامل مع الطفل نصيب، وهكذا علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتوجه إلى الطفل في كثير من المناسبات بالخطاب المباشر بصراحة ووضوح.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ رَكِبَ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا غُلامُ، إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فاَسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ." (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا غُلامُ، أَوْ يَا غُلَيِّمُ، أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ ؟ فَقُلْتُ: بَلَى . فَقَالَ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا." (2)
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يباشر إلى الموضوع الذي يريده، فيقول للطفل :"إني أعلمك" فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلم الطفل "كلمات " مختصرة مفيدة، لا طول فيها، ولاملل، وذلك انسجام مع طبيعة الطفل الفكرية، التي تتطلب الكلمات القصيرة، الموجزة، الجامعة، الغنية بالمعاني والأفكار .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 753) (2669) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 784)(2803) 2804- صحيح لغيره(1/648)
وإذا تأملنا في طبيعة الكلمات التي وحهها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجدناها تشكِّلُ للطفل قواعد فكرية عقدية، أساسية في حياته الحاضرة الطفلية، وفي شبابه المرتقب بعد حين.
أرايت إلى جمال هذا الخطاب المباشر الذي ابتدأ في شد انتباه الطفل بكلمة :" (يا غلام) التي تثير انتباه الطفل، وتشعره بنشوة اهتمام الآخرين به، مثلما يشعر الشباب عندما يسمعون النداء :(( يا معشر الشباب )).
ثم هل رأيت بياناً جامعاً شاملاً، يخاطب عقل الطفل مثل هذا الخطاب؟!وهل قرأت أو سمعت مثل هذه القواعد الكلية التي تؤسس فكر وعقل الطفل ؛لتكون مرتكزاً له في مواجهة أعباء الحياة؟ كذلك فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليرشد الطفل بخطابه المباشر إلى طريقة عملية، ليتخلصمن أدران أمراض القلب كالحسد والبغضاء والحقد والكيد، وذلك بتسلسل فكري عجيب .
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ فَافْعَلْ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ." (1)
وهنا استخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - عبارة (( يا بني )) وذلك لإثارة مشاعر الطفل ن وشد انتباهه له، واستيقاظه إلى سماع الحديث .
وفي استعراض بيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا نجد طريقة الإقناع التي استخدمها مع الطفل، وكيف رتب له المعلومات ليحفظها، وتسلسل معه في الحديث ليفهمه، ويستفيد منه في خطاب مباشر له، وفي جو هادئ مريحٍ، وفي إثارة عجيبة بكلمة: (( يا بني )) .
ومثلها في القرآن الكريم: { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2894) حسن(1/649)
تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) }[يوسف: 4-6]
اذكر -أيها الرسول- لقومك قول يوسف لأبيه: إني رأيت في المنام أحد عشر كوكبًا، والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين. فكانت هذه الرؤيا بشرى لِمَا وصل إليه يوسف عليه السلام من علوِّ المنزلة في الدنيا والآخرة.
قال يعقوب لابنه يوسف: يا بني لا تذكر لإخوتك هذه الرؤيا فيحسدوك، ويعادوك، ويحتالوا في إهلاكك، إن الشيطان للإنسان عدو ظاهر العداوة.
وكما أراك ربك هذه الرؤيا فكذلك يصطفيك ويعلمك تفسير ما يراه الناس في منامهم من الرؤى مما تؤول إليه واقعًا، ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب بالنبوة والرسالة، كما أتمها من قبل على أبويك إبراهيم وإسحاق بالنبوة والرسالة. إن ربك عليم بمن يصطفيه من عباده، حكيم في تدبير أمور خلقه. (1)
وقال تعالى: { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) }[لقمان: 13 - 19]
__________
(1) - التفسير الميسر - (4 / 104)(1/650)
واذكر -أيها الرسول- نصيحة لقمان لابنه حين قال له واعظًا: يا بنيَّ لا تشرك بالله فتظلم نفسك؛ إن الشرك لأعظم الكبائر وأبشعها.
وأَمَرْنا الإنسان ببرِّ والديه والإحسان إليهما، حَمَلَتْه أمه ضعفًا على ضعف، وحمله وفِطامه عن الرضاعة في مدة عامين، وقلنا له: اشكر لله، ثم اشكر لوالديك، إليَّ المرجع فأُجازي كُلا بما يستحق.
وإن جاهدك- أيها الولد المؤمن- والداك على أن تشرك بي غيري في عبادتك إياي مما ليس لك به عِلم، أو أمراك بمعصية مِن معاصي الله فلا تطعهما؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وصاحبهما في الدنيا بالمعروف فيما لا إثم فيه، واسلك- أيها الابن المؤمن- طريق مَن تاب من ذنبه، ورجع إليَّ وآمن برسولي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ثم إليَّ مرجعكم، فأخبركم بما كنتم تعملونه في الدنيا، وأجازي كلَّ عامل بعمله.
يا بنيَّ اعلم أن السيئة أو الحسنة إن كانت قَدْر حبة خردل- وهي المتناهية في الصغر- في باطن جبل، أو في أي مكان في السموات أو في الأرض، فإن الله يأتي بها يوم القيامة، ويحاسِب عليها. إن الله لطيف بعباده خبير بأعمالهم.
يا بنيَّ أقم الصلاة تامة بأركانها وشروطها وواجباتها، وأْمر بالمعروف، وانْه عن المنكر بلطفٍ ولينٍ وحكمة بحسب جهدك، وتحمَّل ما يصيبك من الأذى مقابل أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر، واعلم أن هذه الوصايا مما أمر الله به من الأمور التي ينبغي الحرص عليها.
ولا تُمِلْ وجهك عن الناس إذا كلَّمتهم أو كلموك؛ احتقارًا منك لهم واستكبارًا عليهم، ولا تمش في الأرض بين الناس مختالا متبخترًا، إن الله لا يحب كل متكبر متباه في نفسه وهيئته وقوله. (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - التفسير الميسر - (7 / 257)(1/651)
الأساس الفكري الثالث
مخاطبة الطفل على قدر عقله
الطفل كأي كائن حيٍّ، له حدود لا يستطيع تجاوزها، وعقله وفكره ما زال في ريعان النمو والتوسع، وإدراك الوالدين والمربين إلى درجة نمو عقل الطفل التي وصل غليها، يسهِّل عليهم حلَّ كثير من المشاكل التي تعترضهم أثناء تربيته، إذ عندما يعرفون متى يخاطبونه، والكلمات التي يستعملونها، والأفكار التي يقدمونها.
ودليل هذا ما ورد عَنْ أَنَسٍ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا، قَالَ: فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ.قَالَ: فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا وَرَدَتْ عَلَيْهِمْ رَوَايَا قُرَيْشٍ، وَفِيهِمْ غُلاَمٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ، فَأَخَذُوهُ، فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُونَهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ، فَيَقُولُ: مَا لِي عِلْمٌ بِأَبِي سُفْيَانَ، وَلَكِنْ هَذَا أَبُو جَهْلٍ، وَعُتْبَةُ، وَشَيْبَةُ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ، فَإِذَا ضَرَبُوهُ، قَالَ: نَعَمْ، أَنَا أُخْبِرُكُمْ، هَذَا أَبُو سُفْيَانَ، فَإِذَا تَرَكُوهُ، قَالَ: مَا لِي بِأَبِي سُفْيَانَ عِلْمٌ، وَلَكِنْ هَذَا أَبُو جَهْلٍ، وَعُتْبَةُ، وَشَيْبَةُ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فِي النَّاسِ، فَإِذَا قَالَ هَذَا أَيْضًا ضَرَبُوهُ.وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ انْصَرَفَ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَتَضْرِبُونَهُ إِذَا صَدَقَكُمْ، وَتَتْرُكُونَهُ إِذَا كَذَبَكُمْ، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : هَذَا مَصْرَعُ فُلاَنٍ، يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، فَمَا مَاطَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - . (1)
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ اجْتَوَيْنَاهَا، وَأَصَابَنَا فِيهَا وَعْكٌ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَبَّرُ عَنْ قُرَيْشٍ، فَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ قَدْ نَزَلُوا بَدْرًا، وَهِيَ بِئْرٌ، فَأَرْسَلَ رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (14 / 378) (37863) وصحيح مسلم- المكنز - (4721)(1/652)
الزُّبَيْرُ، وَالآخَرُ: يَرَى أَبُو إِسْحَاق أَنَّهُ عَلِيٌّ، فَأَصَابُوا رَجُلَيْنِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَوْلًى لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَانْفَلَتَ الْقُرَشِيُّ وَجَاءُوا بِالْمَوْلَى، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ: كَمِ الْقَوْمُ ؟ أَوْ كَمْ هُمْ ؟ فَيَقُولُ: هُمْ وَاللَّهِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، وَشَدِيدٌ بَأْسُهُمْ، حَتَّى أَتَوْا بِهِ رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ ذَلِكَ، فَقَالَ: كَمْ يَنْحَرُ الْقَوْمُ كُلَّ يَوْمٍ ؟ قَالَ: عَشْرُ جَزَائِرَ، قَالَ: جَزُورٌ لِمِائَةٍ، الْقَوْمُ أَلْفٌ، قَالَ: فَأَصَابَنَا مِنَ اللَّيْلِ طَشٌّ، فَتَفَرَّقْنَا تَحْتَ الشَّجَرِ وَالْجَحَفِ، وَبَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَتَهُ يَدْعُو، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكَ هَذِهِ الْعُصَابَةَ لا تُعْبَدُ فِي الأَرْضِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، قَالَ: الصَّلاةَ عِبَادَ اللَّهِ، فَأَقْبَلْنَا مِنْ تَحْتِ الشَّجَرِ وَالْجَحَفِ، فَحَثَّ أَوْ حَطَّ عَلَى الْقِتَالِ، فَقَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى صَرْعَاهُمْ، فَلَمَّا دَنَا الْقَوْمُ إِذَا رَجُلٌ يَسِيرُ فِي الْقَوْمِ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلزُّبَيْرِ: نَادِ بَعْضَ أَصْحَابِكَ، فَسَلْهُ مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ الأْحَمْرِ ؟ فَإِنْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ يَأْمُرُ بِخَيْرٍ فَهُوَ، فَسَأَلَ الزُّبَيْرُ: مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ الأَحْمَرِ ؟ قَالُوا: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَهُوَ يَنْهَى عَنِ الْقِتَالِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا قَوْمُ، إِنِّي أَرَى قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ، وَاللَّهِ مَا أَظُنُّ أَنْ تَصِلُوا إِلَيْهِمْ حَتَّى تَهْلِكُوا، قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا جَهْلٍ مَا يَقُولُ أَقْبَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مُلِئَتْ رِئَتُكَ رُعْبًا حِينَ رَأَيْتَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ لَهُ عُتْبَةُ: إِيَّايَ تَعْنِي يَا مُصَفَّرَ اسْتِهِ ؟ سَتَعْلَمُ أَيُّنَا أَجْبَنُ، فَنَزَلَ عَنْ جَمَلِهِ، وَاتَّبَعَهُ أَخُوهُ شَيْبَةُ، وَابْنُهُ الْوَلِيدُ، فَدَعَوْا إِلَى الْبَرَازِ، فَابْتَدَرَتْ لَهُمْ شَبَابٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ ؟ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: لا حَاجَةَ لَنَا فِيكُمْ، إِنَّمَا أَرَدْنَا بَنِي عَمِّنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : قُمْ يَا حَمْزَةُ، قُمْ يَا عَلِيُّ، قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ، قَالَ: فَأَقْبَلَ حَمْزَةُ عَلَى عُتْبَةَ، وَأَقْبَلْتُ عَلَى شَيْبَةَ، وَأَقْبَلَ عُبَيْدَةُ عَلَى الْوَلِيدِ، قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ حَمْزَة صَاحِبه أَنْ فَرَغَ مِنْهُ، قَالَ: وَلَمْ أَلْبَثْ صَاحِبِي، قَالَ: وَاخْتَلَفَتْ بَيْنَ الْوَلِيدِ وَعُبَيْدَةَ ضَرْبَتَانِ، وَأَثْخَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَحَمْزَةُ إِلَيْهِمَا فَفَرَغْنَا مِنَ الْوَلِيدِ، وَاحْتَمَلْنَا عُبَيْدَة " (1)
__________
(1) - كشف الأستار - (2 / 311) (1761) حسن
اجتوى : أصابه الجوَى : وهُو المَرض ودَاء الجَوْف إذا تَطاولَ، وذلك إذا لم يُوَافِقْه هَواء البلد واسْتَوْخَمه، ويقال : اجْتَوَيْتُ البَلَدَ إذا كَرِهْتَ المُقام فيه وإن كُنْت في نعْمَة
تخبر : استعلم
الجَزُور : البَعِير ذكرا كان أو أنثى، إلا أنَّ اللَّفْظة مُؤنثة، تقول الجَزُورُ، وَإن أردْت ذكَرا، والجمْع جُزُرٌ وجَزَائر
الطش والطشاش : من المطر دون الوابل وفوق الرذاذ(1/653)
فحينما قبض الصحابة على غلام راع لقريش، سألوه عن عدد الجيش، فإذا به لا يحسن الإجابة فضربوه، حتى أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عالم النفس الحقيقي بلا منازع، فإذا به يسأل الغلام: كم ينحر القوم من الإبل ؟ قال :عَشْرُ جَزَائِرَ، قَالَ: جَزُورٌ لِمِائَةٍ، الْقَوْمُ أَلْفٌ، فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الغلام لا يعرف عدد الألوف، ولكن طاقته العقلية تدرك عدد العشرات .. عشرات أي شيء ؟ إنها عشرات الإبل التي يسهل عدّها على كل طفل، لما لها من الحجم الكبير .
وهذا مثال آخر، حيث نادى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنتاً صغيرة باللغة الحبشية التي تفهمها، ولو كلمها بغير ذلك لما فهمت قصده، فعن أُمِِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ قَالَتْ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِثِيَابٍ فِيهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ، فَقَالَ: " مَنْ تَرَوْنَ أَكْسُوهَذِهِ ؟ " فَسَكَتِ الْقَوْمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ " قَالَتْ: فَأُتِيَ بِي فَأَلْبَسَنِيهَا بِيَدِهِ وَقَالَ: " أَبْلِي وَأَخْلِقِي " يَقُولَهُمَا مَرَّتَيْنِ وَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمٍ فِي الْخَمِيصَةِ أَصْفَرَ وَأَحْمَرَ وَيَقُولُ: " يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سِنًّا وَالسَّنَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْحَسَنُ " (1)
وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُغَنِّيَانِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسَجًّى بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ وَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ، قَالَتْ: وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَأَنَا جَارِيَةٌ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْعَرِبَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ." (2)
وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، دَخَلَ عَلَيْهَا فِي أَيَّامِ عِيدٍ وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ، وَتُدَفِّفَانِ، وَتَضْرِبَانِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ: دَعْهُنَّ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ، وَتِلْكَ أَيَّامُ مِنًى، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَرَأَيْتُ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5845) وشعب الإيمان - (8 / 312) (5876 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5236) وصحيح مسلم- المكنز - (2100) وصحيح ابن حبان - (13 / 177) (5868)(1/654)
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا جَارِيَةٌ. (1)
وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِدُفَّيْنِ، وَتُغَنِّيَانِ فِي أَيَّامِهِمَا، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَتِرٌ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَوْبَهُ وَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَمَّا قَدِمَ وَفْدُ الْحَبَشَةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامُوا يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَسْأَمُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ. (2)
وعَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: دَخَلَ الْحَبَشَةُ الْمَسْجِدَ يَلْعَبُونَ فَقَالَ لِي: يَا حُمَيْرَاءُ أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ فَقُلْتُ: " نَعَمْ، فَقَامَ بِالْبَابِ وَجِئْتُهُ فَوَضَعْتُ ذَقَنِي عَلَى عَاتِقَهُ فَأَسْنَدْتُ وَجْهِي إِلَى خَدِّهِ " قَالَتْ: " وَمِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمَئِذٍ أَبَا الْقَاسِمِ طَيِّبًا " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " حَسْبُكِ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ، فَقَامَ لِي ثُمَّ قَالَ: " حَسْبُكِ " فَقُلْتُ: " لَا تَعْجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ " قَالَتْ: " وَمَا لِي حُبُّ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْلُغَ النِّسَاءَ مَقَامُهُ لِي وَمَكَانِي مِنْهُ " (3)
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا فَسَمِعْنَا لَغَطًا وَصَوْتَ الصِّبْيَانِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ " تَعَالَيْ فَانْظُرِي، فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ ذَقَنِي عَلَى مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ إِلَى رَأْسِهِ فَقَالَ لِي: " أَمَا شَبِعْتِ ؟ " فَجَعَلْتُ أَقُولُ: " لَا، لِأَنْظُرَ مَنزِلَتِي عِنْدَهُ إِذْ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (13 / 180) (5871) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (2101 ) وصحيح ابن حبان - (13 / 186) (5876)
(3) - عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة - (1 / 69)62-7717- ومشكل الآثار برقم(254) والصحيحية برقم(3277) صحيح(1/655)
طَلَعَ عُمَرُ فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الْجِنِّ، وَالْإِنْسِ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ " قَالَتْ: " فَرَجَعْتُ " (1)
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :جَاءَ السُّودَانُ يَلْعَبُونَ بَيْنَ يَدَىِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى يَوْمِ عِيدٍ فَدَعَانِى، فَكُنْتُ أَطَّلِعُ إِلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِ عَاتِقِهِ، فَمَا زِلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِى انْصَرَفْتُ. (2)
ومن الأمثلة الحياتية: أنه حينما كان يقصِّر أنس رضي الله عنه في خدمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو ينسى أمراً، فيعاقبه أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدرك لحدود طاقة الطفل، يمنعهم من ذلك، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ فَتَوَانَيْتُ عَنْهُ، أَوْ ضَيَّعْتُهُ، فَلاَمَنِي، فَإِنْ لاَمَنِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلاَّ قَالَ: دَعُوهُ، فَلَوْ قُدِّرَ، أَوْ قَالَ: لَوْ قُضِيَ، أَنْ يَكُونَ كَانَ. (3)
فهذا يعني أن الطفل ذو طاقة فكرية وحسمية محدودة، فمطالبته بأعمال تفوق قدرته يعني: استنبات البذور في الهواء، وحتى في الممازحة، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يمازح الأطفال على قدر طاقتهم العقلية والفكرية، فيمازحهم بأشياء يحسونها ويدركونهاوتعرفونها، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَلِي أَخٌ صَغِيرٌ يُكَنَّى أَبَا عُمَيْرٍ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟. (4)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخَالِطُنَا كَثِيرًا حَتَّى إِنْ كَانَ لَيَقُولُ لأَخٍ لِي صَغِيرٍ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟ وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَنَضَحْنَا بُسَاطًا لَنَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ. (5)
__________
(1) - عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة - (1 / 72)68-7723- وأخرجه الترمذي برقم (4055) صحيح
(2) - سنن النسائي- المكنز - (1605 ) صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 593)(13418) 13451- صحيح لغيره
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (6129 ) وصحيح مسلم- المكنز - (5747) وصحيح ابن حبان - (1 / 313)(109)
النغير : تصغير نغر وهو طائر يشبه العصفور أحمر المنقار
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (6203 ) وصحيح ابن حبان - (6 / 252) (2506)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ - رضي الله عنهم - : قَوْلُ أَنَسٍ : وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، أَرَادَ بِهِ وَقْتَ صَلاَةِ السُّبْحَةِ ، إِذِ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لاَ يُصَلِّي صَلاَةَ الْفَرِيضَةِ جَمَاعَةً فِي دَارِ أَنْصَارِيٍّ دُونَ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ.(1/656)
وإذا خاطبنا الطفل فوق طاقته الفكرية، سنجد عندها التمرد والمشاكسة، والعناد، والبلادة أحياناً، أرأيت لو أن رجلاً يأمرك بأمر بغير لغة تعرفها، فلا تستجيب له، فينهال عليك ضرباً ولكماً، هل هذا من العدل بمكان ؟ وهكذا الطفل .
- - - - - - - - - - - - -(1/657)
الأساس الفكري الرابع
الحوار الهادئ
إن الحوار الهادئ ينمي عقل الطفل، ويوسع مداركه، ويزيد من نشاطه في الكشف عن حقائق الأمور، ومجريات الحوادث والأيام، وإن تدريب الطفل على المناقشة والحوار يقفز بالوالدين إلى قمة التربية والبناء، وعندها يستطيع الطفل أن يعبر عن حقوقه، وبإمكانه أن يسأل عن مجاهيل لم يدركها، وبالتالي تحدث الانطلاقة الفكرية له، فيغدو في مجالس الكبار، فإذا لوجوده أثرٌ، وإذا لآرائه الفكرية صدىً في نفوس الكبار؛ لأنه تدرب في بيته مع والديه على الحوار، وأدبه وطرقه وأساليبه ..، واكتسب خبرة الحوار من والديه .
أما ما يفعله بعضُهم بإلزام الطفل السكوت الدائم، ليدل على التذيب الأخلاقي، والصمت التام، والأدب الرفيع، فإن هذا طيب وجيد بشرط أن تكون للطفل القدرة على التعبير عن أفكاره، واستطاعته الحوار بأدب، وخلُقٍ جمٍّ .
وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاور الطفل بهدوء، وروية عمدما سأله عن عدد الجيش - كما تقدم - أما الصحابة فكانوا يضربونه فلا يجيبهم .
وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاور الفتى المقبل على طلب الزنى بشكل هادئ، فقام الفتى وقد أبغض الزنى بغضاً شديداً، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ . مَهْ . فَقَالَ: ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا . قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ . قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ . قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ . قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ . قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ(1/658)
جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاَتِهِمْ . قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. (1)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَجُلًا، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي الزِّنَا، فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَقِرُّوهُ، فَدَنَا حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: وَكَذَلِكَ النَّاسُ لاَ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ، فَقَالَ: أَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: وَكَذَلِكَ النَّاسُ لاَ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ كَفِّرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ. (2)
وهذا مثال آخر، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَقُمْتُ وَرَاءَهُ، فَأَخَذَنِي فَأَقَامَنِي حِذَاءَهُ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ انْخَنَسْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: مَا لَكَ ؟ أَجْعَلُكَ حِذَائِي فَتَخْنِسُ، قُلْتُ: مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّي حِذَاءَكَ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَأَعْجَبَهُ فَدَعَا اللَّهَ أَنْ يَزِيدَنِي فَهْمًا وَعِلْمًا " (3)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ كُرَيْبًا، أخْبَرَهُ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَجَرَّنِي، فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ، فَلَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى صَلاتِهِ، خَنَسْتُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِي: مَا شَأْنِي أَجْعَلُكَ حِذَائِي فَتَخْنِسُ ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَيَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ حِذَاءَكَ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ ؟ قَالَ: فَأَعْجَبْتُهُ، فَدَعَا اللَّهَ لِي أَنْ يَزِيدَنِي عِلْمًا وَفَهْمًا، قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَامَ حَتَّى سَمِعْتُهُ يَنْفُخُ، ثُمَّ أَتَاهُ بِلالٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، الصَّلاةَ . فَقَامَ فَصَلَّى، مَا أَعَادَ وُضُوءًا. (4)
ويحاور - صلى الله عليه وسلم - طفلا يريد الدخول في المعركة بكل هدوء وروية، ويسمع رأيه، وينصفه، فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنهم - قَالَ: أَتَتْ بِى أُمِّى فَقَدِمَتِ الْمَدِينَةَ فَخَطَبَهَا النَّاسُ فَقَالَتْ: لاَ أَتَزَوَّجُ
__________
(1) -مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 407)(22211) 22564- صحيح
(2) - مسند الشاميين 360 - (2 / 373)(1523) صحيح لغيره
(3) - المستدرك للحاكم (6279) صحيح - حذاءَ الشيء : بموازاته وجانبه ومحاذاته
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 834) (3060) 3061- صحيح(1/659)
إِلاَّ بِرَجُلٍ يَكْفُلُ لِى هَذَا الْيَتِيمَ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِضُ غِلْمَانَ الأَنْصَارِ فِى كُلِّ عَامٍ فَيُلْحِقُ مَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمْ قَالَ وَعُرِضْتُ عَامًا فَأَلْحَقَ غُلاَمًا وَرَدَّنِى فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أَلْحَقْتَهُ وَرَدَدْتَنِى وَلَوْ صَارَعْتُهُ لَصَرَعْتُهُ قَالَ :« فَصَارِعْهُ ». فَصَارَعْتُهُ فَصَرَعْتُهُ فَأَلْحَقَنِى." (1)
وعن عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أُمَّ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَتَرَكَ ابْنَهُ سَمُرَةَ حَتَّى يَبْلُغَ، فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ: فَكَانَ مِنْهُ فِي الدَّارِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِضُ غِلْمَانَ الْأَنْصَارِ كُلَّ عَامٍ، وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ بَعَثَهُ قَالَ: فَعَرَضَهُمْ ذَاتَ عَامٍ، فَمَرَّ بِهِ غُلَامٌ فَأَجَازَهُ فِي الْبَعْثِ، وَعُرِضَ عَلَيْهِ سَمُرَةُ مِنْ بَعْدِهِ فَرَدَّهُ قَالَ سَمُرَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَجَزْتَ هَذَا وَرَدَدْتَنِي وَلَوْ صَارَعْتُهُ لَصَرَعْتُهُ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " فَدُونَكَ فَصَارِعْهُ " قَالَ: فَصَارَعْتُهُ فَصَرَعْتُهُ، فَأَجَازَنِي فِي الْبَعْثِ " (2)
وكان عمر - رضي الله عنهم - يحاور الصبيان، حتى إنه يستشيرهم في الأمور الهامة، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَسْأَلُنِي مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ: تَسْأَلُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ مَنْ حَيْثُ تَعْلَمُ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ"[النصر آية 1]، فَقُلْتُ:إِنَّمَا هُوَ أَجَلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - :، وَقَرَأَ السُّورَةَ إِلَى آخِرِهَا إِلَى "كَانَ تَوَّابًا"[النصر آية 3]، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ . (3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا، وَلَنَا أَبْنَاءُ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ، قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي، وَمَا رَأَيْتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا"[النصر آية 1,2]، حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَرَنَا أَنْ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا نَحْمَدَ اللَّهَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا نَدْرِي، وَلَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، كَذَلِكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ:لا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (9 / 22) (18267) صحيح
(2) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (3 / 1416)(3578 ) صحيح مرسل
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 128) (10469 ) صحيح(1/660)
قُلْتُ:هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، عَلَّمَهُ اللَّهُ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلامَةُ أَجَلِكَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلا مَا تَعْلَمُ. (1)
أرأيت يا أخي ! خليفة المسلمين، ورئيس أكبر دولة في العالم، وعمر وما أدراك ما معر بقوته في الحق ؟! يستشير في الأمور المهمة، هؤلاء الذين لا تأبه لهم بالاً، وتنظر إليهم من علٍ، هؤلاء الأطفال الذين يحاورهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويناقشهم أمير المؤمنين، فهلمَّ إلى الحوار الهادئ مع طفلك تناقشه في ودٍّ، وتسمع إلى رأيه بأناة وحلم، كما سمع وحاور الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فقد ذكر بعضُ الرُواة أنه لما اسْتُخْلِفَ عمرُ بن عبد العزيز، - رضي الله عنهم - ، قَدِمَ عليه وُفُودُ أهلِ كلِّ بلد؛ فتقدَّم إليه وَفْدُ أهلِ الحجاز، فأشْرَأب منهم غلامٌ للكلام، فقال عمر: يا غلام، ليتكلمْ مَنْ هو أَسَن منك! فقال الغلام: يا أمير المؤمنين، إنّما المرءُ بأَصغريه، قلبهِ ولسانِهِ، فإذا مَنَح اللَّهُ عبدَه لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً، فقد أجاد له الاختيار؛ ولو أن الأمور بالسن لكان هاهنا مَنْ هو أحق بمجلسك منك.
فقال عمر: صدقت، تكلّم؛ فهذا السحْرُ الحلال! فقال: يا أمير المؤمنين، نحن وفد التهنئة لا وَفْدُ الْمَرْزِئة، ولم تُقْدِمْنا إليك رغبةٌ ولا رهبة؛ لأنا قد أمِنا في أيامك ما خِفْنا، وأدركْنا ما طلبنا! فسأل عمر عَنْ سِنّ الغلام، فقيل: عشر سنين. (2)
وعَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بن سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي إِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ تَجَوَّزَ وَأَتَمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، وَإِذَا صَلَّى فِي الْبَيْتِ أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَالصَّلاةَ، قُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ إِذَا صَلَّيْتَ فِي الْمَسْجِدِ جَوَّزْتَ، وَإِذَا خَلَوْتَ فِي الْبَيْتِ أَطَلْتَ، قَالَ: يَا بنيَّ، إِنَّنَا أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بنا. (3)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (4294 و4970) والمعجم الكبير للطبراني - (9 / 129) (10470 )
(2) - تاريخ دمشق - (68 / 195) والرسالة القشيرية - (1 / 82) وتربية الأولاد في الإسلام لعلوان - (1 / 235) وصور من ابتلاء العلماء مفهرس - (1 / 7) وزهر الآداب وثمر الألباب - (1 / 3)
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (1 / 140) (321) صحيح(1/661)
وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى فِي بَيْتِ ابْنَةِ أُمِّ الْفَضْلِ، فَعَطَسْتُ وَلَمْ يُشَمِّتْنِي، وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا، فَلَمَّا جَاءَهَا قَالَتْ: عَطَسَ ابْنِي عِنْدَكَ فَلَمْ تُشَمِّتْهُ، وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَّهَا فَقَالَ: إِنَّ ابْنَكِ عَطَسَ فَلَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ تَعَالَى ؛ فَلَمْ أُشَمِّتْهُ، وَإِنَّهَا عَطَسَتْ فَحَمَدَتِ اللَّهَ تَعَالَى فَشَمَّتُّهَا، وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلاَ تُشَمِّتُوهُ فَقَالَتْ: أَحْسَنْتَ . أَحْسَنْتَ." (1)
وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا مُوسَى، وَهُوَ فِي بَيْتِ أُمِّ الْفَضْلِ، فَعَطَسَتْ، فَشَمَّتُّهَا، وَعَطَسْتُ فَلَمْ يُشَمِّتْنِي، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى أُمِّي، أَخْبَرْتُهَا، فَلَمَّا جَاءَهَا أَبُو مُوسَى، قَالَتْ لَهُ: عَطَسَ عِنْدَكَ ابْنِك، فَلَمْ تُشَمِّتْهُ، وَعَطَسَتِ امْرَأَةٌ فَشَمَّتُّهَا، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَكِ عَطَسَ، فَلَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ، فَلَمْ أُشَمِّتْهُ، وَإِنَّهَا عَطَسَتْ، فَحَمِدَتِ اللَّهَ، فَشَمَّتُّهَا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ، فَشَمِّتُوهُ، وَإِذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ، فَلا تُشَمِّتُوهُ قَالَتْ: أَحْسَنْتَ أَحْسَنْتَ " (2)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 638)(19696) 19932- وصحيح مسلم- المكنز - (7679 )
(2) - المستدرك للحاكم (7690) صحيح(1/662)
الأساس الفكري الخامس
تدريب حواس الطفل بالتجارب العملية
إن تدريب حواس الطفل يكسبه معرفة وعلماً، فعندما يبدأ بالنمو، ويبتدئ بتشغيل يديه في عمل من الأعمال، فإن ذلك يثير في عقله اليقظة، فيشاهد أمامه كيف يدرب حواسه، ويعيد هو بنفسه ذلك العمل، وهكذا يتقن العمل، ويتطلع إلى إجادة العمل خطوة خطوة .
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى طفلاً يسلخ شاة، وما يحسِنُ، فما كان منه - صلى الله عليه وسلم - إلا أن شمَّر عن ساعديه، وبدأ بسلخ الشاة أمام الطفل، وراح الطفل يتأمل الكيفية، ويعمل عقله في ذلك، ويركز ذهنه في التعليم في التعليم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِغُلاَمٍ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ: تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ، فَإِنِّي لاَ أَرَاكَ تُحْسِنُ تَسْلُخُ، قَالَ: فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الإِبْطِ، ثُمَّ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : هَكَذَا يَا غُلاَمُ فَاسْلُخْ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً." (1)
بمثل هذه التجارب العملية في تدريب الطفل يمكن أن تتفتح آفاق معرفته، وتتوسع مدارك ذهنه وعقله .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (3 / 438) (1163) صحيح
قوله حتى أريك معناه أعلمك ومنه قوله تعالى {وأرنا مناسكنا} [البقرة : 128] وقوله فدحس بها إلى الإبط أي أدخل ملئ يده بذراعها إلى الإبط والدحس كالدس ويقال للسنبلة إذا امتلأت واشتد حبها قد دحست ، ومعنى الوضوء في هذا الحديث غسل اليد والله أعلم .معالم السنن للخطابي 288 - (1 / 68)(1/663)
الأساس الفكري السادس
شد الطفل إلى شخصية ثابتة قدوة له هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلاَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطُرِحَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وِسَادَةٌ فَنَامَ فِي طُولِهَا وَنَامَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الآيَاتِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ حَتَّى خَتَمَ، ثُمَّ قَامَ، فَأَتَى شَنًّا مُعَلَّقًا، فَأَخَذَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِي فَجَعَلَ يَفْتِلُهَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ." (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَتَتَبَّعْتُ كَيْفَ يُصَلِّي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، وَقَالَ: فَأَخَذَنِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ " (2)
إن ربط الطفل بشخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء به، وغرس حبه، والاهتداء بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أدبوا أولادكم على ثلاث خصال حب نبيكم، وحب أهل بيته، وعلى قراءة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل الله، يوم لا ظل إلا ظله، مع أنبيائه وأصفيائه. (3) .
إن تعلق الطفل بالرسول - صلى الله عليه وسلم - يجعل منه إنساناً سويًّا، ويفتح ذهنه ومداركه على سيرة إمام الرسل، وقائد البشرية، وحبيب الرحمن، ويتوقد عقله بالنور الإيماني، ويفهم هذا التاريخ المجيد، فيرفع راسه عالياً بانتمائه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 895) (3372) صحيح
(2) - صحيح ابن خزيمة - (2 / 387) صحيح
(3) - فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 1926) -سؤال رقم 21215- ترسيخ محبة النبي في نفس الطفل واتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - (8 / 68)[7753] ضعيف(1/664)
وإذا علمنا سخافة الغرب بتنشئة الطفل على التمسك بالشخاص الخياليين مثل (سوبرمان) وغيره أدركنا عظم أهمية ربط عقل الطفل بشخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ويكفي أن تقدم سيرته وسلوكه وغزواته أمام الأطفال ليسارع الطفل إلى حب نبيه والاقتداء به، والتمسك بسلوكه - صلى الله عليه وسلم - ، والابتعاد عن الشرذمة الفاجرة التي تريد أن تصنع من أنفسها أبطالاً وفاتحين، وما هم بأبطال ولا فاتحين، بل خونة متآمرين (1) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - انظر كتاب منهج التربية النبوية للطفل ص( 109) فما بعد(1/665)
الفصل السادس
أسس الأساليب النفسية المؤثرة في نفس الطفل
الأساس الأول: صحبة الطفل .
الأساس الثاني: إدخال السرور والفرح إلى نفس الطفل .
الأساس الثالث: زرع التنافس البنَّاء بين الأطفال، ومكافأة الفائز.
الأساس الرابع: مبدأ تشجيع الأطفال .
الأساس الخامس: المدح والثناء .
الأساس السادس: تنمية ثقة الطفل بنفسه .
الأساس السادبع :حسن النداء .
الأساس الثامن: الاستجابة لميولهم وترضيتهم .
الأساس التاسع: أثر التكرار في نفس الطفل .
الأساس العاشر: التدرج في الخطوات .
الأساس الحادي عشر: الترغيب والترهيب .(1/666)
الأساس النفسي الأول
صحبة الطفل
تلعب الصحبة دوراً كبيراً في التأثير على نفس الطفل، وهي مرآة الصديق لصديقه، وهي أشبه بعملية التقليح بين الصديقين، فيتعلمان من بعضهما البعض.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ وَقَالَ مُؤَمَّلٌ: مَنْ يُخَالِلُ. (1)
وكان صى الله عليه وسلم يصحب الطفال في كافة الميادين، فتارة بصحب ابن عباس، ويسيران في الطريق، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ الله، - صلى الله عليه وسلم - ، يَوْمًا فَقَالَ: يَا غُلأَمُ، اِنِّي اُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، اِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَاذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الامَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَئءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ اِلا بِشَئءٍ قَدْكَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَئءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ الا بِشَئءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الاقْلأَمُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ." (2)
وتارة يصحب أطفال ابن عمه جعفر، فعَنْ أُمِّ عَوْنٍ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أُصِيبَ جَعْفَرُ وَأَصْحَابُهُ غَدَوْتُ عَلَى دَبِيغٍ لِي فَدَبَغْتُ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ عَجَنْتُ عَجِينِي، ثُمَّ قَدِمْتُ إِلَى بَنِيِّ، فَغَسَلْتُ وُجُوهَهُمْ، وَدَهَنْتُهُمْ، فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَدَخَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: " ائْتِينِي بِبَنِي أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أُمِّ عِيسَى، عَنْ أُمِّ عَوْنٍ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أُصِيبَ جَعْفَرُ وَأَصْحَابُهُ غَدَوْتُ عَلَى دَبِيغٍ لِي فَدَبَغْتُ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ عَجَنْتُ عَجِينِي، ثُمَّ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 195)(8028) 8015- صحيح
معناه لا تخالل إلا من رضيت دينه وأمانته فإنك إذا خاللته قادك إلى دينه ومذهبه ، ولا تغرر بدينك ، ولا تخاطر بنفسك ، فتخالل من ليس مرضيا في دينه ومذهبه .العزلة للخطابي - (1 / 119)
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (2706) صحيح(1/667)
قَدِمْتُ إِلَى بَنِيِّ، فَغَسَلْتُ وُجُوهَهُمْ، وَدَهَنْتُهُمْ، فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَدَخَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: " ائْتِينِي بِبَنِي جَعْفَرٍ "، فَأَتَيْتُهُ بِهِمْ، فَأَخَذَهُمْ وَضَمَّهُمْ إِلَيْهِ وَشَمَّهُمْ، فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَعَلَّكَ بَلَغَكَ عَنْ جَعْفَرٍ شَيْءٌ ؟ فَقَالَ: " نَعَمْ، قُتِلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ "، فَقُمْتُ أَصِيحُ وَأَجْمَعُ عَلَيَّ النَّاسَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَدَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ: " لَا تَغْفَلُوا عَنْهُمْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا، فَإِنَّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِشَأْنِ صَاحِبِهِمْ " (1)
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ دَبَغْتُ أَرْبَعِينَ مَنِيئَةً، وَعَجَنْتُ عَجِينِي، وَغَسَّلْتُ بَنِيَّ وَدَهَنْتُهُمْ وَنَظَّفْتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ائْتِينِي بِبَنِي جَعْفَرٍ، قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ بِهِمْ فَشَمَّهُمْ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا يُبْكِيكَ ؟ أَبَلَغَكَ عَنْ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ، أُصِيبُوا هَذَا الْيَوْمَ، قَالَتْ: فَقُمْتُ أَصِيحُ وَاجْتَمَعَ إِلَيَّ النِّسَاءُ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ: لاَ تُغْفِلُوا آلَ جَعْفَرٍ مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا فَإِنَّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ. (2)
وأخرى يصاحب أنساً، وهكذا يصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - الطفل معه من غير تأفف ولا استكبار ن ومن غير تعجرف ولا استعلاء، فهذا حق الطفل أن يصحب الكبار ليتعلم منهم ن فتتهذب نفسه، ويتلقح عقله، وتتحسن عاداته .
عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَأَخَذَهُ، فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ قَلْبَهُ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، فَجَاءَهُ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ - يَعْنِي ظِئْرَهُ - فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ مُنْتَقِعَ اللَّوْنِ.
قَالَ أَنَسٌ: كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - . (3)
__________
(1) - ُمسْنَدُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ (1923) فيه جهالة
الغُدُو : السير أول النهار - الدباغ : معالجة الجلد بمادةٍ ليَلِينَ ويزول ما به من رطوبة ونتن
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 745)(27086) 27626- فيه جهالة
(3) - صحيح ابن حبان - (14 / 249) (6336) وصحيح مسلم- المكنز - (431 )
المخيط : الإبرة -الظئر : المرضعة غير ولدها ويقع على الرجل والمرأة -العلقة : الدم الغليظ المنعقد -لأمه : ضم بعضه إلى بعض -المنتقع : المتغير اللون(1/668)
وعن جَعْفَرَ بْنِ خَالِدِ بْنِ سَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: لَوْ رَأَيْتَنِى وَقُثَمَ وَعُبَيْدَ اللَّهِ ابْنَىِ الْعَبَّاسِ نَلْعَبُ إِذْ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى دَابَّةٍ فَقَالَ :« احْمِلُوا هَذَا إِلَىَّ ». فَجَعَلَنِى أَمَامَهُ، ثُمَّ قَالَ لِقُثَمَ :« احْمِلُوا هَذَا إِلَىَّ ». فَجَعَلَهُ وَرَاءَهُ مَا اسْتَحْيَى مِنْ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ أَنْ حَمَلَ قُثَمَ وَتَرَكَ عُبَيْدَ اللَّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِى ثَلاَثًا كُلَّمَا مَسَحَ قَالَ :« اللَّهُمَّ أَخْلِفْ جَعْفَرًا فِى وَلَدِهِ ». قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: مَا فَعَلَ قُثْمُ؟ قَالَ: اسْتُشْهِدَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَانَ أَعْلَمَ بِالْخِيَرَةِ قَالَ: أَجَلْ. (1)
وهذا الطفل الصحابي يحدِّث كيف اصطحبه قومه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما جعله يعد ذلك يروي الأحاديث النبوية، ويحدث عما رآه، وسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إنه أبو جحيفة رضي الله عنه، فعَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بِالأَبْطَحِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا، أَنْتُمْ مِنِّي، فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلاةُ خَرَجَ بِلالٌ فَأَذَّنَ، وَجَعَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَجَعَلَ يَسْتَدِيرُ فِي أَذَانِهِ، فَلَمَّا أَقَامَ غَرَزَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنَزَةً فَصَلَّى إِلَيْهَا " (2)
وهكذا فعل الصحابة رضوان الله عليهم، فعمر رضي الله عنه كان يصحب ابنه، وابن عباس، والزبير يصحب طفله إلى المعركة ليعلم فنون القتال، فينشأ قويًّا صلباً، وقد ركز - صلى الله عليه وسلم - على صحبة الطفل للطفل، فكان - صلى الله عليه وسلم - في طفولته يلعب مع الأطفال، ويعيش معهم، فيغدو ويروح معهم، وهكذا نشأ .
ويشاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مجموعة من الأطفال يلعبون، فلا يفرقهم، ولا يفسد عليهم لعبهم، بل غنه يشجعهم على هذه الروح الجماعية، والمتابعة في اللعب، فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى نَاسٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ قَالَ :« حَسَنٌ ». لِهَذَا اللَّهْوِ مَرَّتَيْنِ :« ارْمُوا فَإِنَّهُ كَانَ لَكُمْ أَبٌ يَرْمِى ارْمُوا وَأَنَا مَعَ ابْنِ الأَدْرَعِ ». قَالَ فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ فَقَالَ :« مَا لَكُمْ؟ ». فَقَالُوا لاَ وَاللَّهِ لاَ نَرْمِى
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (4 / 60) (7344) حسن
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي(894) حسن(1/669)
وَأَنْتَ مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا يَنْضُلَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ جَمِيعًا ». قَالَ فَقَالَ رَمَوُا عَامَّةَ يَوْمِهِمْ ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَلَى السَّوَاءِ مَا نَضَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. (1)
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ بِالسُّوقِ، فَقَالَ: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ لأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، فَأَمْسَكُوا أَيْدِيَهُمْ، فَقَالَ: مَا لَكُمُ ارْمُوا، قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَ بَنِي فُلاَنٍ ؟ قَالَ: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلُّكُمْ. (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَسْلَمُ يَرْمُونَ، فَقَالَ: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، وَارْمُوا وَأَنَا مَعَ ابْنِ الأَدْرَعِ، فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ قِسِيَّهُمْ، وَقَالُوا: مَنْ كُنْتَ مَعَهُ غَلَبَ، قَالَ: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلُّكُمْ (3) .
فلا بد للطفل من صحبة الأكفال في عمره، والصدقاء في طفولته، فغذا أحسن الوالدان اختيار الصديق الصالح لطفلهما، وراقبا سلوك هذه المجموعة من الصدقاء، ورعوها برعايتهم، واجتمع الآباء لمدارسة أحوال اطفالهم، واجتمعت الأمهات في مدارسة سلوك أطفالهم ن فإن هذا سيأتي بالخير كله .
لأنه كما أن الوالدين مطالبان بتأمين الطعام الحلال للطفل، لينشأ جسمه بالحلال، وينبت لحمه بعيداً عن السحت، فإن الوالدين مطالبان بتأمين الصديق الصالح لطفلهما ن يحادثه ويسامره ويلعب معه .
والحذر الحذر من أطفال السوء أن يلتقطوا طفلك، فيهووا به إلى مهاوي الرذيلة، وارتكاب الجرائم، وأنت في غيك لاهٍ، وفي الدنيا منهمك، والأم في استمتاعها بالزيارات لصديقاتها ذاهبة عائدة، والطفل يعيش بين براثن أطفال السوء، وما الجرائم وسجون الأحداث إذا زرتها أو سمعت عنها، إلا من أطفال السوء سرقوا طفلك في غفلة منك .
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (10 / 17) (20249) حسن
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (3373 ) وصحيح ابن حبان - (10 / 547) (4693)
(3) - صحيح ابن حبان - (10 / 549) (4695) صحيح(1/670)
فهل تريد أن تشاهد طفلك في سجون الأحداث، أم في بيوت الله والمساجد ؟! فلتسارع في البحث عن طفل صالح يصادق طفلك، ويصاحبه في غدوِّه ورواحه، فإن لم تجد الطفل الصالح، فسارع إلى أستاذ صالح يرشدك إلى الطفال الصالحين، ويضم طفلك معهم .
أما آن للوالدين أن يستيقظا من سهادهما ؟! فلقد استيقظ الأعداء على سرقة طفلكم من بين أحضانكم، وذلك بالمنظمات الكافرة، والاتحادات الفاجرة، والنوادي المشبوهة .
- - - - - - - - - - - - -(1/671)
الأساس النفسي الثاني
إدخال السرور والفرح إلى نفس الطفل
السرور والفرح يعملان في نفس الطفل شيئا عجباً، ويؤثران في نفسه تأثيراً قويًّا، فالأطفال -وهم براعم البراءة والصفاء- يحبون الفرح، بل هم أداة الفرح للكبار، ويحبون الابتسامة أن يشاهدوها على وجوه الكبار، وبالتالي فإن تحريك هذا الوتر المؤثر في نفس الطفل سيورث الانطلاق والحيوية في نفسه، كما أنه يجعله على أهبة الاستعداد لتلقي أي أمر، أو ملاحظة أو إرشاد.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يدخل السرور والفرح إلى نفوس الأطفال، ويتبع في ذلك شتى الأساليب، فمن ذلك :
الاستقبال الجيد لهم، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنْتُ فِي سَرِيَّةٍ مِنْ سَرَايَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً، وَكُنْتُ فِيمَنْ حَاصَ فَقُلْنَا: كَيْفَ نَصْنَعُ ؟ وَقَدْ فَرَرْنَا مِنَ الزَّحْفِ، وَبُؤْنَا بِالْغَضَبِ، ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ فَبِتْنَا، ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ عَرَضْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ تَوْبَةٌ، وَإِلاَّ ذَهَبْنَا فَأَتَيْنَاهُ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ فَخَرَجَ، فَقَالَ: مَنِ الْقَوْمُ ؟ قَالَ: فَقُلْنَا: نَحْنُ الْفَرَّارُونَ، قَالَ: لاَ بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ، أَنَا فِئَتُكُمْ وَأَنَا فِئَةُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ حَتَّى قَبَّلْنَا يَدَهُ. " (1)
وتقبيلهم وممازحتهم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبَّلَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسٌ، فَقَالَ: الأَقْرَعُ: إِنَّ لِيَ عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا قَطُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ. (2)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 386)(5384) حسن
فيه يزيد بن زياد الكوفِي مختلف فيه والراجح فيه أنه صدوق ساء حفظه بآخره ورواية الكبار عنه موثوقة ، وهذا من رواية سفيان وغيره ، راجع التهذيب 11/329-331 والكاشف (6417) والديوان (4723)
حاص الناس : جالوا جولة يطلبون الفرار -العكارون : العائدون للقتال
(2) - صحيح ابن حبان - (12 / 407) (5594) صحيح(1/672)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَلِي أَخٌ صَغِيرٌ يُكَنَّى أَبَا عُمَيْرٍ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟. (1)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ، كَانَ يُهْدِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْهَدِيَّةَ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ زَاهِرًا بَادِينَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ، قَالَ: فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَالرَّجُلُ لاَ يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي مَنْ هَذَا ؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ ؟ فَقَالَ زَاهِرٌ: تَجِدُنِي يَا رَسُولَ اللهِ كَاسِدًا، قَالَ: لَكِنَّكَ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ، أَوْ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : بَلْ أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ. (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا، قَالَ: إِنِّي لاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقًّا. (3)
ومسح رؤوسهم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلاً، شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ، فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ.. (4)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنهم - كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَسْوَةَ قَلْبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلينَ قَلْبُكَ فَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمْهُ ». (5)
حملهم ووضعهم في حجره - صلى الله عليه وسلم - ، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إِلَى النَّخْلِ، فَوَجَدَ فِيهِ إِبْرَاهِيمَ ابْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: " يَا بُنَيَّ مَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا " فَقُلْتُ لَهُ:
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (1 / 313) (109) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (13 / 106) (5790) صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 348)(8723) 8708- صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 98)(7576) 7566- وفتح الباري لابن حجر - (18 / 130) وَسَنَده حَسَن لغيره
(5) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (4 / 60) (7346) والصحيحة (854) وعبد بن حميد(1426) والشعب (11034و11035) وصحيح الجامع (1410) صحيح لغيره(1/673)
يَا رَسُولَ اللهِ، تَبْكِي ؟ أَوَ لَمْ تَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ ؟ قَالَ: " إِنَّمَا نُهِيتُ عَنِ النَّوْحِ، عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ لَعِبٍ وَلَهْوٍ وَمَزَامِيرِ شَيْطَانٍ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ، وَشَقِّ جُيُوبٍ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ، وَهَذَا رَحْمَةٌ، وَمَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ، يَا إِبْرَاهِيمُ لَوْلَا أَنَّهُ أَمْرُ حَقٍّ وَوَعْدُ صِدْقٍ، وَإِنَّهَا سَبِيلٌ مَأْتِيَّةْ لَا بُدَّ مِنْهَا حَتَّى يَلْحَقَ آخِرُنَا أَوَّلَنَا لَحَزِنَّا عَلَيْكَ حُزْنًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا، وَإِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ تَبْكِي الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ " (1)
وعَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: حَمَلْتُ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَتْ قُبَاءَ فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءَ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ وَدَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفِهِ رِيقُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلامِ " (2)
وعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، أَنَّهُمَا قَالا: خَرَجَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، حِينَ هَاجَرَتْ وَهِيَ حُبْلَى بِعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَدِمَتْ قُبَاءَ فَنُفِسَتْ بِعَبْدِ اللهِ بِهَا، ثُمَّ خَرَجَتْ حِينَ نُفِسَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُحَنِّكَهُ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهَا، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ فَدَعَا بِتَمْرَةٍ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَمَكَثْنَا سَاعَةً نَلْتَمِسُهَا قَبْلَ أَنْ تَجِدَهَا فَمَضَغَهَا، ثُمَّ وَضَعَهَا فِي فِيهِ، وَإِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ بَطْنَهُ لَرِيقُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ أَسْمَاءُ: ثُمَّ مَسَحَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ سَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ، لِيُبَايِعَ رَسُولَ اللهِ أَمْرَهُ بِذَلِكَ الزُّبَيْرُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَآهُ مُقْبِلا إِلَيْهِ فَبَايَعَهُ " (3)
تقديم الأطعمة الطيبة لهم، فعَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعِي رَجُلانِ مِنْ أَصْحَابِي، فَطَلَبْنَا هَلْ يُضِيفُنَا أَحَدٌ ؟ فَلَمْ يُضِفْنَا أَحَدٌ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَابَنَا جُوعٌ وَجَهْدٌ، وَإِنَّا تَعَرَضَّنْا هَلْ يُضِيفُنَا أَحَدٌ ؟ فَلَمْ
__________
(1) - شعب الإيمان - (12 / 431) (9684 ) حسن
(2) - الآحاد والمثاني - (1 / 471)(575) صحيح
(3) - الآحاد والمثاني - (1 / 470) (574) صحيح(1/674)
يُضِفْنَا أَحَدٌ، فَدَفَعَ إِلَيْنَا أَرْبَعَةَ أَعَنُزٍ فَقَالَ: يَا مِقْدَادُ، خُذْ هَذِهِ فَاحْتَلِبْهَا، فَجَزِّئْهَا أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءًا لِي، وَجُزْءًا لَكَ، وَجُزْءًا لِصَاحِبَيْكَ فَكُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ شَرِبْتُ جُزْئِي، وَشَرِبَ صَاحِبَايَ جُزْئَيْهِمَا، وَجَعَلْتُ جُزْءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْقَعْبِ، وَأَطْبَقْتُ عَلَيْهِ، فَاحْتُبِسَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَتْ لِي نَفْسِي: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ دَعَاهُ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَتَعَشَّى مَعَهُمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لا يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا اللَّبَنِ، فَلَمْ تَزَلْ نَفْسِي تُدِيرُنِي حَتَّى قُمْتُ إِلَى الْقَعْبِ، فَشَرِبْتُ مَا فِيهِ، فَلَمَّا تَقَارَّ فِي بَطْنِي أَخَذَنِي مَا قَدُمَ، وَمَا حَدَثَ، فَقَالَتْ لِي نَفْسِي: يَجِيءُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ جَائِعٌ ظَمْآنُ، فَيَرْفَعُ الْقَعْبَ، فَلا يَجِدُ فِيهِ شَيْئًا، فَيَدْعُو عَلَيْكَ، فَتَسَجَّيْتُ كَأَنِّي نَائِمٌ، وَمَا كَانَ بِي نَوْمٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ، فَسَلَّمَ تَسْلِيمَةً أَسْمَعَ الْيَقْظَانَ، وَلَمْ يُوقِظِ النَّائِمَ، فَلَمَّا لَمْ يَرَ فِي الْقَعْبِ شَيْئًا رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنَا وَاسْقِ مَنْ سَقَانَا، قَالَ: فَاغْتَنَمْتُ دَعْوَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَخَذْتُ الشَّفْرَةَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَذْبَحَ بَعْضَ تِلْكَ الأَعَنْزِ، فَأُطْعِمَهُ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي، فَوَقَعَتْ عَلَى ضَرْعِهَا، فَإِذَا هِيَ حَافِلٌ، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَيْهِنَّ جَمِيعًا، فَإِذَا هُنَّ حُفَّلٌ، فَحَلَبْتُ فِي الْقَعْبِ، حَتَّى امْتَلأَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْتَسِمُ، فَقَالَ: هِيهِ بَعْضَ سَوْآتِكَ يَا مِقْدَادُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اشْرَبْ، ثُمَّ أُخْبِرُ، فَشَرِبَ، ثُمَّ شَرِبْتُ مَا بَقِيَ، ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: يَا مِقْدَادُ، هَذِهِ بَرَكَةٌ كَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُعْلِمَنِي حَتَّى نُوقِظَ صَاحِبَيْنَا، فَنَسْقِيَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْبَرَكَةِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا شَرِبْتَ أَنْتَ الْبَرَكَةَ وَأَنَا فَمَا أُبَالِي مَنْ أَخْطَأَتْ " (1)
الأكل معهم، فعَنْ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ يَأْكُلُهُ فَقَالَ: ادْنُ فَسَمِّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ. (2)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أبي يعلى الموصلي (1517) صحيح ،الأعنز : جمع عنز وهي الأنثى من المعز والظباء - القعب : قدح وإناء يروي رجلا واحدا -احتبس : تأخر - تسجى : تغطى -الشفرة : السكين العريضة -الحافل : الكثيرة اللبن -الحُفَّل : جمع حافل وهي الكثيرة اللبن-هيه : معناها : طلب الاستزادة من الحديث - السَّوْأَةُ : في الأصل الفَرْج والعورة، ثم نُقِل إلى كُلّ ما يُسْتَحْيا منه إذا ظَهَر من قول أو فعل
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 592)(16339) 16449- صحيح(1/675)
الأساس النفسي الثالث
زرع التنافس البنَّاء بين الأطفال، ومكافأة الفائز
إن التنافس يحرك في الإنسان عامة، فضلاً عن كون الطفل ذي مشاعر، وطاقات مكنونة، لا يعرفها الإنسان إلا عندما يضع في نفسه منافسة فلان أو فلان، للفوز عليه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثيرُ في نفس الطفل روحَ المنافسة، ليحرك هذه الطافة الهائلة في الإنسان، فمن أمثلة ذلك، المنافسة الفكرية ن حينما طرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سؤالا على أصحابه، وكان من بين الحاضرين ابن عمر رضي الله عنهما، وكان أصغر القوم، فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مِثْلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي. قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَقَالَ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَ: هِيَ النَّخْلَةُ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا." (1)
وعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الثَّنِيَّةِ فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ حَدِيثًا وَاحِدًا، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأُتِىَ بِجُمَّارٍ فَقَالَ :« إِنِّى لأَعْلَمُ شَجَرَةً مَثَلُهَا كَمَثَلِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ». فَوَقَعَ فِى نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، ثُمَّ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَسَكَتُّ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - :« هِىَ النَّخْلَةُ ». (2)
وعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحَدِيثٍ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأُتِىَ بِجُمَّارٍ فَقَالَ :« إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَراً مِثْلَ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ». فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِىَ النَّخْلَةُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَسَكَتُّ، فَقَالَ عُمَرُ: وَدِدْتُ أَنَّكَ قُلْتَ وَعَلَىَّ كَذَا." (3)
فالأسئلة تنبه عقل الطفل، وتفتح مغاليق فهمه، وتوقظُ حركة الذاكرة الجامدة ..
__________
(1) -صحيح البخارى- المكنز -(61) وصحيح مسلم- المكنز -(7276 ) وصحيح ابن حبان -(1 / 481) (246)
(2) - مسند الحميدي - المكنز - (710) صحيح -الجمار : جمع الجمارة وهى شحم النخل
(3) - سنن الدارمى- المكنز - (288) صحيح(1/676)
فهذا الطفل ابن عمر نافس الكبار في المعرفة والجواب، إلا أنه التزم بالأدب لصغر سنِّه.
ومن الأمثلة كذلك: التنافس الرياضي بين الأطفال، حيث كان - صلى الله عليه وسلم - يجري مسابقة الجري بين الأطفال، لتنمو عضلاتهم، ويقوى جسمهم، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُفُّ عَبْدَ اللهِ، وَعُبَيْدَ اللهِ، وَكُثَيَّرًا بَنِي الْعَبَّاسِ، ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا قَالَ: فَيَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ فَيَقَعُونَ عَلَى ظَهْرِهِ وَصَدْرِهِ، فَيُقَبِّلُهُمْ وَيَلْتَزَمُهُمْ." (1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَصِفُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَكَثِيرَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَهُمْ صِبْيَانُ، ثُمَّ يَقُولُ: " مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ يَسْتَبِقُونَ فَيُقَبِّلُهُمْ " (2) .
فالمنافسة والمسابقة أسلوب بيد الوالدين والمربين يستخدمونه في الأوقات المناسبة فتنشط نفوس الأطفال، ويرتفع منسوب همتهم ونشاطهم، وتنمو مواهبهم، ويقدِّمون للفائز منهم الهدايا والعطايا، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيشعر الطفل باللذة، ونشوة السعادة، ويسارع كل طفل أن يقدم كل طاقاته، ويبذل كل وسعه في الوصول إلى الفوز، ويستعد ليوم المسابقة، فيغدو إلى البيت، ويهيئ نفسه، ويتدرب، ويتعلم، ويسأل، وينقب عن المعرفة، ويري والديه إلى أي درجة وصل، وهكذا تتفجر الطاقة المكنونة .
وهناك فائدة أخرى لهذا الأسلوب حيث ينمي فيه روح الجماعة، والابتعاد عن الفردية، ويتدرب على فهم الحياة، فتارة يربح، وأخرى يخسر، ومرة يعرف الجواب، وأخرى يُغلق عليه، ومرة يصيب، وتارة يخطئ، وهكذا ...
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 569) (1836) حسن
(2) - فَضَائِلُ الصِّحَابَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (1863 ) حسن(1/677)
الأساس النفسي الرابع
مبدأ تشجيع الأطفال
إن التشجيع الحسيَّ أو المعنويَّ خير كله، وعنصر ضروري من عناصر التربية، لا غنى عنه، ولكن دون إفراط ولا تفريط . (1)
وللتشجيع دور كبير في نفس الطفل، وفي تقدم حركته الإيجابية البناءة، وفي كشف طاقاته الحيوية، وأنواع هواياته، كما أنه يزيد في استرارية العمل، ودفعه قدُماً نحو الأمام بمردود جيِّدٍ.
وما الحديث الذي تقدم في صف النبي - صلى الله عليه وسلم - للأطفال وتشجيعهم على السباق، وأنه "مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا قَالَ: فَيَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ فَيَقَعُونَ عَلَى ظَهْرِهِ وَصَدْرِهِ، فَيُقَبِّلُهُمْ وَيَلْتَزَمُهُمْ" إلا دليل على ذلك .
وهذا عمر رضي الله عنه يخرج من مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصحبة ابنه عبد الله ؛ الذي قال لأبيه عمر عندما خرجا: "فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِى قُلْتُ يَا أَبَتَاهْ وَقَعَ فِى نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ . قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا . قَالَ مَا مَنَعَنِى إِلاَّ أَنِّى لَمْ أَرَكَ وَلاَ أَبَا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُمَا، فَكَرِهْتُ" (2)
قال الحافظ ابن حجر معلقاً على الحديث: " وكَأَنَّهُ أَشارَ بِإِيرادِهِ إِلَى أَنَّ تَقدِيم الكَبِير حَيثُ يَقَع التَّساوِي، أَمّا لَو كانَ عِندَ الصَّغِير ما لَيسَ عِندَ الكَبِير فَلا يُمنَع مِنَ الكَلام بِحَضرَةِ الكَبِير ؛ لأَنَّ عُمَر تَأَسَّفَ حَيثُ لَم يَتَكَلَّم ولَده مَعَ أَنَّهُ اعتَذَرَ لَهُ بِكَونِهِ بِحُضُورِهِ وحُضُور أَبِي بَكر ومَعَ ذَلِكَ تَأَسَّفَ عَلَى كَونه لَم يَتَكَلَّم." (3)
وقال ابن القيم: " ففى هذا الحديث إلقاءُ العالِمُ المسائلَ على أصحابه، وتمرينُهم، واختبارُ ما عندهم.
__________
(1) - انظر منهج التربية الإسلامية لمحمد قطب 2/141
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6144 )
(3) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (10 / 536)(1/678)
وفيه ضربُ الأمثال والتشبيه.
وفيه ما كان عليه الصحابةُ من الحياء من أكابرهم وإجلالهم وإمساكهم عن الكلام بين أيديهم. وفيه فرحُ الرجل بإصابة ولده، وتوفيقه للصوابوفيه أنه لا يُكره للولد أن يُجيبَ بما يَعْرِفُ بحضرة أبيه، وإن لم يَعرفه الأبُ، وليس فى ذلك إساءةُ أدب عليه.وفيه ما تضمنه تشبيهُ المسلم بالنخلة من كثرة خيرها، ودوامِ ظلها، وطيبِ ثمرها، ووجودِهِ على الدوام.
وثمرُها يؤكل رطباً ويابساً، وبلحاً ويانعاً، وهو غذاء ودواء وقوت وحَلْوى، وشرابٌ وفاكهة، وجذُوعها للبناء والآلات والأوانى، ويُتخَذ مِن خُوصها الحُصُر والمكاتِل والأوانى والمراوح، وغير ذلك، ومن ليفها الحبالُ والحشايا وغيرها، ثم آخر شىء نواها علفٌ للإبل، ويدخل فى الأدوية والأكحال، ثم جمالُ ثمرتها ونباتها وحسنُ هيئتها، وبهجةُ منظرها، وحسنُ نضد ثمرها، وصنعته وبهجته، ومسرَّةُ النفوس عند رؤيته، فرؤيتها مذكِّرة لفاطرها وخالقها، وبديع صنعته، وكمالِ قدرته، وتمامِ حكمته، ولا شىء أشبَهُ بها من الرجل المؤمن، إذ هو خيرٌ كُلُّهُ، ونفعٌ ظاهرٌ وباطن.
وهى الشجرة التى حَنَّ جِذعُها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فارقه شوقاً إلى قُربه، وسماع كلامه، وهى التى نزلتْ تحتها مريمُ لما ولدتْ عيسى عليه السلام. (1)
وهذا مثال آخر لاهتمام عمر رضي الله عنه، وتشجيعه للأطفال أن يتكلموا في مجلس الكبار، وتقديم آرائهم وأفكارهم، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَخَاهُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (266) سورة البقرة ؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: " قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لاَ نَعْلَمُ "، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ عُمَرُ: " يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلاَ تَحْقِرْ نَفْسَكَ "، قَالَ
__________
(1) - زاد المعاد في هدي خير العباد - (4 / 397)(1/679)
ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: " أَيُّ عَمَلٍ ؟ " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: " لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ " (1)
وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قال: سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَالَ: " فِيمَا تَرَوْنَ أُنْزِلَتْ أ{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (266) سورة البقرة ؟ " فَقَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ، وَقَالَ: " قُولُوا نَعْلَمُ، أَوْ لَا نَعْلَمُ " فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْئًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ: " قُلْ يَا ابْنَ أَخِي وَلَا تُحَقِّرْ نَفْسَكَ " فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، فَقَالَ عُمَرُ: " أَيُّ عَمَلٍ ؟ " فَقَالَ: لِعَمَلٍ، فَقَالَ عُمَرُ: " رَجُلٌ عُنِيَ بِعَمَلِ الْحَسَنَاتِ ثُمَّ بُعِثَ إِلَيْهِ شَيْطَانٌ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ كُلَّهَا " (2)
فليكن شعار الوالدين والمربين في تشجيع الأطفال :" يا بن أَخِي، قُلْ ولا تَحْقِرْ نفْسَكَ" .
ومن التشجيع الحسن: تشجيع الأطفال على الأمور الحسنة، ومن بينها شراء الكتب النافعة، ليصبح للطفل مكتبة علمية تنمو مع نموه، فهذا ابن عابدين - العالم الكبير- يحدثابنه عن نشأته فيقول :" وكان السبب في جمعه لهذه الكتب العديمة النظير: والده، فإنه كان يشتري له كل كتاب أراده، ويقول له: اشتر ما بدا لك من الكتب، وأنا أدفع لك الثمن، فإنك أحييت ما أمتُّه أنا من سيرة سلفي، فجزاك الله تعالى خيراً يا ولدي" وأعطاه كتب أسلافه الموجودة عنده من أثرهم، الموقوفة على ذراريهم . (3)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (4538 )
(2) - الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ (1548 ) صحيح
(3) - حاشية ابن عابدين 1/7 ط 2(1/680)
الأساس النفسي الخامس
المدح والثناء
لا شك أن لمدح الطفل أثراً فعالاً في نفسه، فيحرك مشاعره، وأحاسيسه، فيسارع الطفل إلى تصحيح سلوكه وأعماله، وترتاح نفسه، وتزهو لهذا الثناء، وتتابع في النشاط، وتستمر به، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عالم النفس الحقيقي-ينبِّهُ على هذا الوتر الحساس في نفس الغلام، فإذا به تتحرك نفسه نحو الاستجابة والتطبيق، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا فَأَقُصَّهَا عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا أَعْزَبَ، فَكَنْتُ أَنَامُ فِى الْمَسْجِدِ - قَالَ - فَرَأَيْتُ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَتَيَانِى، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: انْطَلِقْ بِهِ إِلَى النَّارِ. قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ. قَالَ: فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِى: لَمْ تُرَعْ. قَالَ: فَانْطَلَقُوا بِى حَتَّى وَقَفْنَا عَلَى النَّارِ، فَإِذَا هِى مَطْوِيَّةٌ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَىِ الْبِئْرِ قَالَ وَرَأَيْتُ فِيهَا رِجَالاً أَعْرِفُهُمْ قَالَ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهَا، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ ». قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً. رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ (1)
هكذا أثر مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :« نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ » فنبهه إلى امر غفل عنه، و بأسلوب رائع ن محبب إلى النفس « لَوْ كَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ » .
وهكذا المدح والثناء في مكانه المناسب، وزمنه المناسب، وباعتدال من غير مراء ولا تبجيل، يؤتي ثماره في كل حين .
وعَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: كَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثَ وَأَنَا ابْنُ سِتِّ سِنِينَ، وَكَانَتْ قَبْلَ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِخَمْسِ سِنِينَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَكْتُبُ الْكِتَابَيْنَ جَمِيعًا كِتَابَ الْعَرَبِيَّةِ، وَكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّةِ،
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1121 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6525 ) والسنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (2 / 501) (4826) -ترع : تخف(1/681)
وَأَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْخَنْدَقُ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ فِيمَنْ يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَئِذٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَمَا إِنَّهُ نِعْمَ الْغُلَامُ " وَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ يَوْمَئِذٍ، فَرْقَدَ، فَجَاءَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، فَأَخَذَ سِلَاحَهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا أَبَا رُقَادٍ نِمْتَ حَتَّى ذَهَبَ سِلَاحُكَ "، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِسِلَاحِ هَذَا الْغُلَامِ ؟ "، فَقَالَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذْتُهُ فَرَدَّهُ، " فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرَوَّعَ الْمُؤْمِنُ، وَأَنْ يُؤْخَذَ مَتَاعُهُ لَاعِبًا وَجَدًّا "، وَكَانَتْ رَايَةُ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ فِي تَبُوكَ مَعَ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ فَأَدْرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذَهَا مِنْهُ فَدَفَعَهَا إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَقَالَ عُمَارَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَكَ عَنِّي شَيْءٌ ؟ قَالَ: " لَا، وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ يُقَدَّمُ، وَكَانَ زَيْدٌ أَكْثَرَ أَخْذًا مِنْكَ لِلْقُرْآنِ " (1)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ (5806 ) فيه جهالة(1/682)
الأساس النفسي السادس
ملاعبة الطفل والتصابي له
مصاباة الطفل وملاعبته تنمي من نفسه، وتساعده على إظهار مكنوناتها، ومن ذلك ملاعبة النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن والحسين، وركوبهما على ظهره، والمسير بهما، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَعَلَى ظَهْرِهِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ يَقُولُ: " نِعْمَ الْجَمَلُ جَمَلُكُمَا، وَنِعْمَ الْعِدْلَانِ أَنْتُمَا " . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ (1)
وعن عمر - رضي الله عنهم - قَالَ: " رَأَيْتُ الحسن والحسين رَضِيَ الله عَنْهما على عاتقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: نِعْمَ الْفَرَسُ تَحْتَكُمَا . فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " وَنِعْمَ الْفَارِسَانِ هُمَا " (2) .
وكذلك اللعب مع أولاد العباس، كل ذلك يدلُّ على أهمية ملاعبة الوالدين للطفل .
ومن شدة اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بتصابي الوالدين لأطفالهم فإنه يوجه نداءً عامًّا لكل والدين أن يتصابيا لطفلهما: فعن أبي كَامِلٍ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَإِذَا مُعَاوِيَةَ قَدْ جَثَى عَلَى أَرْبَعٍ وَفِي عُنُقِهِ حَبْلٌ وَهُوَ بِيَدِ ابْنِهِ يَلْعَبُ مَعَهُ صَغِيرًا فَلَمَّا دَخَلْنَا سَلَّمْنَا عَلَيْهِ اسْتَحْيَا مِنِّي ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " مَنْ كَانَ لَهُ صَبِيٌّ فَلْيَتَصَابَا لَهُ " (3)
وفي البخاري باب مَنْ تَرَكَ صَبِيَّةَ غَيْرِهِ حَتَّى تَلْعَبَ بِهِ أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ مَازَحَهَا، وعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ أَبِي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " سَنَهْ سَنَهْ " قَالَ عَبْدُ اللهِ وَهِيَ بِالْحَبَشَةِ: حَسَنَةٌ، قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (3 / 87) (2595) حسن لغيره
(2) - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (16 / 203)(3968 ) ومسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (1 / 417)(293) حسن لغيره - العاتق : ما بين المنكب والعنق
(3) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (230 ) وتاريخ دمشق - (66 / 272) ضعيف
الجثو : الجلوس على الركبتين واليدين(1/683)
النُّبُوَّةِ فَزَبَرَنِي أَبِي، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " دَعْهَا " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ: " أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي " (1)
قال ابن التين: ليس في الخبر المذكور في الباب للتقبيل ذكر، فيحتمل أن يكون لما لم ينهها عن مس جسده صار كالتقبيل، وإلى ذلك أشار ابن بطال، والذي يظهر لي أن ذكر المزح بعد التقبيل من العام بعد الخاص؛ وأن الممازحة بالقول والفعل مع الصغيرة إنما يقصد به التأنيس، والتقبيل من جملة ذلك. (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُدْلِعُ لِسَانَهُ لِلْحُسَيْنِ، فَيَرَى الصَّبِيُّ حُمْرَةَ لِسَانِهِ، فَيَهَشُّ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ بَدْرٍ: أَلاَ أَرَى تَصْنَعُ هَذَا بِهَذَا، وَاللَّهِ لَيَكُونُ لِيَ الاِبْنُ قَدْ خَرَجَ وَجْهُهُ وَمَا قَبَّلْتُهُ قَطُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ. (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْلَعُ لِسَانَهُ لِلْحُسَيْنِ، فَيَرَى الصَّبِيُّ حُمْرَةَ لِسَانِهِ، فَيَهَشُّ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ: أَلاَ أَرَاهُ يَصْنَعُ هَذَا بِهَذَا، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَكُونُ لِيَ الْوَلَدُ قَدْ خَرَجَ وَجْهُهُ، وَمَا قَبَّلْتُهُ قَطُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ. (4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ حَسَنًا قَطُّ إِلَّا فَاضَتْ عَيْنَايَ دُمُوعًا، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمًا، فَوَجَدَنِي فِي الْمَسْجِدِ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَمَا كَلَّمَنِي حَتَّى جِئْنَا سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعٍ، فَطَافَ فِيهِ وَنَظَرَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَأَنَا مَعَهُ، حَتَّى جِئْنَا الْمَسْجِدَ، فَجَلَسَ فَاحْتَبَى ثُمَّ قَالَ: " أَيْنَ لَكَاعٌ ؟ ادْعُ لِي لَكَاعًا "، فَجَاءَ حَسَنٌ يَشْتَدُّ فَوَقَعَ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي لِحْيَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْتَحُ فَاهُ فَيُدْخِلُ فَاهُ فِي فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ، فَأَحْبِبْهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ " (5)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3071 )
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار الفكر - (10 / 425)
(3) - صحيح ابن حبان - (12 / 409) (5596) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (15 / 431) (6975) صحيح
(5) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (1225 ) صحيح
الاحْتبَاء : هو أن يَضُّمّ الإنسان رجْلَيْه إلى بَطْنه بثَوْب يَجْمَعَهُما به مع ظَهْره، ويَشُدُّه عليها. وقد يكون الاحتباء باليَدَيْن عوَض الثَّوب(1/684)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا ذَا الأُذُنَيْنِ. (1)
وعن أنس بن مالك قال: كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُلاعبُ زَينبَ بِنتَ أُمِّ سَلمةَ وهو َيقولُ: يا زُوَينبُ يا زُوَينبُ مِراراً " (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلَّى، فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَمْنَعُوهُمَا أَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ دُعُوهُمَا، فَلَمَّا أَنْ صَلَّى وَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ هَذَيْنِ. (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ، فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ، أَخَذَهُمَا بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ أَخْذًا رَفِيقًا، فَيَضَعُهُمَا عَلَى الأَرْضِ، فَإِذَا عَادَ عَادَا، حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ، أَقْعَدَهُمَا عَلَى فَخِذَيْهِ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرُدُّهُمَا، فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ، فَقَالَ لَهُمَا: الْحَقَا بِأُمِّكُمَا . قَالَ: فَمَكَثَ ضَوْؤُهَا حَتَّى دَخَلاَ. (4)
وعَنِ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكَرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي، فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَعَلَى عُنُقِهِ، فَيَرْفَعُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَفْعًا رَفِيقًا لِئَلاَّ يُصْرَعَ، قَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَ بالْحَسَنِ شَيْئًا مَا رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَهُ، قَالَ: إِنَّهُ رَيْحَانَتِي مِنَ الدُّنْيَا، وَإِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (5)
وفي سير أعلام النبلاء: " أَبُو عَمْرٍو بنُ مَنْدَةَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدٍ العَبْدِيُّ، الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، المُسْنِدُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الوَهَّابِ ابْنُ الحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 301)(12164) 12188- صحيح
(2) - الصحيحة (2141) وصحيح الجامع (5025) والضياء5/109(1733) صحيح
(3) - مسند الشاشي 335 - (1 / 307) (627) صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 749)(10659) 10669- حسن
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 853)(20516) 20790- صحيح لغيره(1/685)
إِسْحَاقَ ابْنِ الحَافِظِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ العَبْدِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، أَحَدُ الإخوَة، وَكَانَ أَصْغَر مِنْ أَخويه الحَافِظ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبيدِ الله .
قال أبو عمرو: كَانَ أَبِي رُبَّمَا أَنَامنِي إِلَى جَنْبِهِ فِي الفِرَاش، وَكَانَ أَسْمَرَ، وَكُنْت أَبيضَ، فَكَانَ يُمَازحنِي، وَيُعَانقنِي." (1)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - سير أعلام النبلاء - (18 / 441)(1/686)
الأساس النفسي السابع
تنمية ثقة الطفل بنفسه
اتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتنمية ثقة الطفل بنفسه عدداً من الطرق، وذلك لينشأ الطفل فويًّا، وذلك بالطرق التالية :
1- تقوية إرادة الطفل: وذلك بتعويده على أمرين اثنين وهما :
ا- تعويده حفظ الأسرار: كما فعل أنس رضي الله عنه، وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهما، إذ عندما يتعلم الطفل كتم الأسرار، ولا يفضحها، فإن إرادته تنمو وتقوى، وبالتالي تكبر ثقته بنفسه.
ب- تعويده الصيام: عندما يصمد أمام الجوع والعطش في الثوم يشعر الطفل بنشوة الظفر، والانتصار على النفس، وبالتالي فإن إرادته تقوى على مواجهة الحياة، مما يزيد في ثقته بنفسه .
2- تنمية الثقة الاجتماعية: عندما يقضي الطفل حاجيات المنزل، وأوامر الوالدين، ويجالس الكبار، ويجتمع مع الصغار، فإنه تنمو ثقته الاجتماعية بنفسه .
3- تنمية الثقة العلمية: وذلك بتعلمه للقرآن الكريم، ولسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وسيرته العظيمة، فينشأ الطفل، وقد حمل علماً غزيراً في صغره، فتنمو ثقته العلمية بنفسه ؛ لأنه يحمل حقائق العلم النافع بعيداً عن الخرافات والأساطير .
4- تنمية الثقة الاقتصادية والتجارية: وذلك بتعويد الطفل البيع والشراء، والتجول في الأسواق بصحبة والديه، وقضاء حاجتهما.
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ فَنِىَ عَلَفُ دَابَّتِهِ فَقَالَ لِغُلاَمِهِ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ طَعَامًا فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلاَ تَأْخُذْ إِلاَّ مِثْلَهُ. (1)
__________
(1) - موطأ مالك- المكنز - (1344 ) صحيح(1/687)
وعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْعَدَوِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلامًا لَهُ، فَقَالَ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ فَابْتَعِ لَنَا بِهَا شَعِيرًا، وَلا تَأْخُذَنَّ إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ، فَذَهَبَ الْغُلامُ، فَأَخَذَ صَاعًا وَبَعْضَ صَاعٍ، فَلَمَّا رَجَعَ أَخْبَرَهُ، فَقَالَ: وَلِمَ فَعَلْتَ ؟ ارْدُدْهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ: الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلا بِمِثْلٍ، يَدًا بَيْدٍ، وَكَانَ طَعَامَنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارِعَ " (1)
وعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلاَمَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ، فَقَالَ: بِعْهُ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا، فَذَهَبَ الْغُلاَمُ، فَأَخَذَ صَاعًا وَزِيَادَةَ بَعْضِ صَاعٍ، فَلَمَّا جَاءَ مَعْمَرًا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ ؟ انْطَلِقْ فَرُدَّهُ، وَلاَ تَأْخُذَنَّ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، فَإِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ. قَالَ: وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ، قِيلَ لَهُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِهِ، قَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارِعَ " (2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشًا، اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَتَى خَبَرُهُمِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: إِنَّ إِخْوَانَكُمْ لَقُوا الْعَدُوَّ، وَإِنَّ زَيْدًا أَخَذَ الرَّايَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْهَلَ، ثُمَّ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ، ثَلاثًا، أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: لاَ تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ ادْعُوا إلِي ابْنَيِ أخِي قَالَ: فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: ادْعُوا إِلَيَّ الْحَلاقَ، فَجِيءَ بِالْحَلاقِ فَحَلَقَ رُؤُوسَنَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَشَالَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ
__________
(1) - الآحاد والمثاني - (1 / 633) (766) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (4164) - يضارع : يشابه والمعنى أخاف أن يشبه الربا(1/688)
لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ، قَالَهَا ثَلاثَ مِرَارٍ، قَالَ: فَجَاءَتِ أمُّنَا فَذَكَرَتْ لَهُ يُتْمَنَا، وَجَعَلَتْ تُفْرِحُ لَهُ، فَقَالَ: الْعَيْلَةَ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ." (1)
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَهُوَ يَبِيعُ بَيْعَ الْغِلْمَانِ - أَوِ الصِّبْيَانِ - قَالَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي بَيْعِهِ " . أَوْ قَالَ: " فِي صَفْقَتِهِ " . رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى (2)
وهكذا نجد حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تنمية ثقة الطفل بنفسه .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 545) (1750) صحيح
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي(1467) والإصابة(4594) وش (36963) صحيح(1/689)
الأساس النفسي الثامن
حسن النداء للطفل
نلاحظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطابه للأطفال كان ينوع في ذلك، لإثارة انتباه الطفل، ووضعه في حالة استعداد لتلقي الكلام .
فتارة يخاطب الطفل باسمه فيداعبه بقوله: يا أبا عمير، فعَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ لِأَبِي طَلْحَةَ ابْنٌ، يُدْعَى أَبَا عُمَيْرٍ، فَكَانَ لَهُ نُغَيْرٌ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ قَالَ: " يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ " (1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنْتُ يَافِعًا فِي غَنَمٍ لِعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ أَرْعَاهَا، فَأَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ هَلْ مَعَكَ مِنْ لَبَنٍ ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ. قَالَ: ائْتِنِي بِشَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ، فَأَتَيْتُهُ بِعَنَاقٍ، فَاعْتَقَلَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ الضَّرْعَ، وَيَدْعُو حَتَّى أَنْزَلَتْ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَاحْتَلَبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: اشْرَبْ، فَشَرِبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ شَرِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: اقْلِصْ، فَقَلَصَ، فَعَادَ كَمَا كَانَ. قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - : فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْكَلاَمِ أَوْ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ، فَمَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّكَ غُلاَمٌ مُعَلَّمٌ. قَالَ: فَلَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً، مَا نَازَعَنِي فِيهَا بَشَرٌ. (2)
وعن وَهْبَ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " يَا غُلَامُ، سَمِّ اللهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ " (3)
وعَنْ عَمِّ أَبِي: رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ، قَالَ: كُنْتُ وَأَنَا غُلاَمٌ أَرْمِي نَخْلاً لِلأَنْصَارِ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقِيلَ: إِنَّ هَاهُنَا غُلاَمًا يَرْمِي نَخْلَنَا، فَأُتِيَ بِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ، لِمَ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6129 ) وشرح معاني الآثار - (4 / 194) (6327 )
(2) - صحيح ابن حبان - (14 / 432) (6504) صحيح
(3) - شرح مشكل الآثار - (1 / 147) (158 ) صحيح(1/690)
تَرْمِي النَّخْلَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: آكُلُ، قَالَ: فَلاَ تَرْمِ النَّخْلَ، وَكُلْ مَا يَسْقُطُ فِي أَسَافِلِهَا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ (1) .
وقد يقول: يا غليم للتصغير، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا غُلامُ، أَوْ يَا غُلَيِّمُ، أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ ؟ فَقُلْتُ: بَلَى . فَقَالَ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. (2)
وقد يناديه باسمه الصريح، وهو كثير في السنة النبوية، وكثيرا ما يناديه بنداء العاطفة ( يا بني )
فعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا سَأَلَ أَحَدٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مَا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، وَمَا يُنْصِبُكَ لَهُ ؟ " (3)
وعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اجْلِسْ يَا بُنَيَّ وَسَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ أَكْلَتِي بَعْدُ. (4)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا بُنَىَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ ». (5)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 805) (20343) 20609- حسن لغيره
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 784)(2803) 2804- صحيح
(3) - الآحاد والمثاني - (3 / 61) (1546) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (12 / 10) (5211) صحيح
(5) - سنن الترمذى- المكنز - (2915 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.(1/691)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا بُنَىَّ إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِىَ لَيْسَ فِى قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ فَافْعَلْ ». ثُمَّ قَالَ لِى « يَا بُنَىَّ وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِى وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِى فَقَدْ أَحَبَّنِى. وَمَنْ أَحَبَّنِى كَانَ مَعِى فِى الْجَنَّةِ ». (1)
وَفِيهِ جَوَاز قَوْل الْإِنْسَان لِغَيْرِ اِبْنه مِمَّنْ هُوَ أَصْغَر سِنًّا مِنْهُ يَابْنِي، وَيَا بُنَيّ مُصَغَّرًا، وَيَا وَلَدِي، وَمَعْنَاهُ تَلَطَّفْ، وَإِنَّك عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ وَلَدِي فِي الشَّفَقَة، وَكَذَا يُقَال لَهُ وَلِمَنْ هُوَ فِي مِثْل سِنّ الْمُتَكَلِّم: يَا أَخِي لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَإِذَا قَصَدَ التَّلَطُّف كَانَ مُسْتَحَبًّا كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - . (2)
وعَنْ أَبِي عُبَيْدة بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: قُلْتُ لِلرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ صِفِي لِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ: لَوْ رَأَيْتَهُ رَأَيْتَ الشَّمْسَ طَالِعَةً " (3)
وعَنْ نِمْرَانَ بْنِ عُتْبَةَ الذِّمَارِيِّ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ وَنَحْنُ أَيْتَامٌ صِغَارٌ، فَمَسَحَتْ رُؤُوسَنَا، وَقَالَتْ: أَبْشِرُوا يَا بَنِيَّ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا فِي شَفَاعَةِ أَبِيكُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: الشَّهِيدُ يَشْفَعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ." (4)
وكان الصحابة - رضي الله عنهم - ينادون الطفل المسلم الذي أدرك والده الإسلام بالنداء (( يا بن أخي )) فعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فِيمَا تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (266) سورة البقرة ؟ فَقَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ، فقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . فَقَالَ: قُلْ يَا ابْنَ أَخِي وَلاَ تَحْقِرْ نَفْسَكَ . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلْعَمَلِ . فَقَالَ عُمَرُ: لأَيِّ عَمَلٍ ؟ . فَقَالَ عُمَرُ: لأَيِّ عَمَلٍ ؟ قَالَ: لِعَمَلٍ . قَالَ
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2894 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
(2) - شرح النووي على مسلم - (7 / 276)
(3) - الآحاد والمثاني - (5 / 491) (3335) حسن
(4) - صحيح ابن حبان - (10 / 517) (4660) حسن(1/692)
عُمَرُ: لِرَجُلٍ يَعْمَلُ الْحَسَنَاتِ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ كُلَّهَا . (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَخَاهُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ ؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: " قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لاَ نَعْلَمُ "، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ عُمَرُ: " يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلاَ تَحْقِرْ نَفْسَكَ "، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: " أَيُّ عَمَلٍ ؟ " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: " لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ " (2)
وعَنْ نَافِعٍ قَالَ: خَطَبَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَهُوَ فِي الطَّوَافِ فَلَمْ يَرُدَّ إِلَيْهِ شَيْئًا، فَقُضِيَ أَنْ خَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَتَاهُ عُرْوَةُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: " يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّكَ خَطَبْتَ إِلَيَّ ابْنَتِي فِي الطَّوَافِ وَنَحْنُ نَتَخَايَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ أَعْيُنِنَا، فَهَلْ لَكَ فِيهَا الْيَوْمَ رَغْبَةٌ ؟ " قَالَ: نَعَمْ، مَا كُنْتُ أَرْغَبَ فِيهَا مِنِّي الْيَوْمَ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: " يَا نَافِعُ ادْعُ لِي سَالِمًا وَعَبْدَ اللهِ ابْنَيْهِ "، قَالَ عُرْوَةُ: وَنَاسًا مِنْ آلِ الزُّبَيْرِ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ، قَالَ: " لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِمْ "، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِسَالِمٍ وَعَبْدِ اللهِ فَحَمِدَ اللهَ تَعَالَى، ثُمَّ قَالَ: هَذَا عُرْوَةُ هُوَ مَنْ قَدْ عَرَفْتُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ أُخْتَكُمَا فُلَانَةَ، وَقَدْ زَوَّجْتُهُ إِيَّاهَا عَلَى مَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى: { إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } " (3) ...
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَكَانَ الْفَتَى يُلَاحِظُ النِّسَاءَ . قَالَ: فَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ
__________
(1) - الزهد أبي داود 275 - (1 / 96) (85) صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (4538)
(3) - أخبار مكة للفاكهي - (1 / 204) (339 ) صحيح(1/693)
بَصَرَهُ وَيَقُولُ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ سَمْعَهُ إِلَّا مِنْ حَقٍّ، وَبَصَرَهُ إِلَّا مِنْ حَقٍّ، وَلِسَانَهُ إِلَّا مِنْ حَقٍّ ؛ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ " (1)
أما الطفل المسلم الذي لم يدرك والداه الإسلام فكانوا ينادونه: يا بنيَّ
فعَنِ الصَّعْبِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا ابْنَ أَخِي، ثُمَّ سَأَلَنِي فَانْتَسَبْت لَهُ، فَعَرَفَ، أَنَّ أَبِي لَمْ يُدْرِكَ الإِسْلاَمَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ يَا بُنَيَّ. (2)
مما تقدم نجد أن حسن نداء الطفل، تارة باسمه الصريح، وأخرى بيا غلام، وثالثة يا بن أخي، ورابعة يا بني ... كل هذا يوقظ غي نفس الطفل لتلقي النداء، ويشعره بمحبة المخاطب له .
ومن حسن نداء الطفل مناداته بكنيته، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؛ أَنَّهُ وَصَفَ أَخْلاقَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؛ فَقَالَ :إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لأَخٍ لِي صَغِيرٍ: « يَا أَبَا عُمَيْرٍ ! مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟ » قَالَ: وَكَانَ إذا حضرت الصَّلاةَ بَسَطْنَا بِسَاطًا لَنَا، فَقَامَ وَصَفَّنَا خَلْفَهُ " (3)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَنَّانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَنَا غُلاَمٌ بِبَقْلَةٍ كُنْتُ أَجْتَنِيهَا. (4)
وعَن أَنَسٍ، قال: كناني رسول الله صلي الله عليه وسلم ببقلة كنت أجتنيها، يعني أبا حمزة (5) .
وعَن حَمْزَةَ بْنِ صُهَيْبٍ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِصُهَيْبٍ: مَا لَكَ تَكْتَنِي بِأَبِي يَحْيَى وَلَيْسَ لَكَ وَلَدٌ ؟ قَالَ: كَنَّانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَبِي يَحْيَى. (6)
__________
(1) - أخبار مكة للفاكهي - (5 / 21) (2748 ) صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (9 / 82) (27085) صحيح لغيره
(3) - المجالسة وجواهر العلم - (6 / 412) (2836 ) صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 414)(12637) 12665- فيه ضعف
(5) - مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (13 / 105) (6473) صحيح لغيره
الكنية : ما يجعل علما على الشخص غير الاسم واللقب ، وتكون مصدرة بلفظ أب أو أم
البقلة : واحدة البقل وهو نبات عشبي يتغذى به الإنسان دون أن يصنع
(6) - مصنف ابن أبي شيبة - (9 / 13) (26816) حسن(1/694)
ومن حسن النداء كذلك للخادم الصغير والصغيرة، فتاي، فتاتي، غلامي، فعَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: أَطْعِمْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي وَمَوْلَايَ، وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي، وَلْيَقُلْ: فَتَاتِي وَفَتَايَ وَغُلَامِي " (1)
قوله: "لا يقل أحدكم أطعم ربك إلخ" هي أمثلة، وإنما ذكرت دون غيرها لغلبة استعمالها في المخاطبات، ويجوز في ألف "اسق" الوصل والقطع. وفيه نهي العبد أن يقول لسيده ربي، كذلك نهي غيره فلا يقول له أحد ربك، ويدخل في ذلك أن يقول السيد ذلك عن نفسه فإنه قد يقول لعبده اسق ربك فيضع الظاهر موضع الضمير على سبيل التعظيم لنفسه، والسبب في النهي أن حقيقة الربوبية لله تعالى، لأن الرب هو المالك والقائم بالشيء فلا توجد حقيقة ذلك إلا لله تعالى. قال الخطابي: سبب المنع أن الإنسان مربوب متعبد بإخلاص التوحيد لله وترك الإشراك معه، فكره له المضاهاة في الاسم لئلا يدخل في معنى الشرك، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد، فأما ما لا تعبد عليه من سائر الحيوانات والجمادات فلا يكره إطلاق ذلك عليه عند الإضافة كقوله رب الدار ورب الثوب. وقال ابن بطال: لا يجوز أن يقال لأحد غير الله رب، كما لا يجوز أن يقال له إله أ هـ. والذي يختص بالله تعالى إطلاق الرب بلا إضافة، أما مع الإضافة فيجوز إطلاقه كما في قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} . وقوله {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} وقوله عليه الصلاة والسلام في أشراط الساعة "أن تلد الأمة ربها" فدل على أن النهي في ذلك محمول على الإطلاق، ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه، وما ورد من ذلك فلبيان الجواز. وقيل هو مخصوص بغير النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يرد ما في القرآن، أو المراد النهي عن الإكثار من ذلك واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة، وليس المراد النهي عن ذكرها في الجملة. قوله: "وليقل سيدي مولاي" فيه جواز إطلاق العبد على مالكه سيدي، قال القرطبي وغيره: إنما فرق بين الرب والسيد لأن الرب من أسماء الله تعالى اتفاقا، واختلف في السيد، ولم يرد في
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2552 ) وشعب الإيمان - (11 / 102) (8248 )(1/695)
القرآن أنه من أسماء الله تعالى. فإن قلنا إنه ليس من أسماء الله تعالى فالفرق واضح إذ لا التباس وإن قلنا إنه من أسمائه فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب فيحصل الفرق بذلك أيضا وقال الخطابي: إنما أطلقه لأن مرجع السيادة إلى معنى الرياسة على من تحت يده والسياسة له وحسن التدبير لأمره، ولذلك سمي الزوج سيدا، قال: وأما المولى فكثير التصرف في الوجوه المختلفة من ولي وناصر وغير ذلك، ولكن لا يقال السيد ولا المولى على الإطلاق من غير إضافة إلا في صفة الله تعالى انتهى. وفي الحديث جواز إطلاق مولاي أيضا.."
فأرشد - صلى الله عليه وسلم - إلى العلة في ذلك لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى، ولأن فيها تعظيما لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه. قال الخطابي: المعنى في ذلك كله راجع إلى البراءة من الكبر والتزام الذل والخضوع لله عز وجل، وهو الذي يليق بالمربوب "
قوله: "وليقل فتاي وفتاتي وغلامي" زاد مسلم في الرواية المذكورة "وجاريتي" إلى ما يؤدي المعنى مع السلامة من التعاظم، لأن لفظ الفتى والغلام ليس دالا على محض الملك كدلالة العبد، فقد كثر استعمال الفتى في الحر وكذلك الغلام والجارية، قال النووي: المراد بالنهي من استعمله على جهة التعاظم لا من أراد التعريف " (1)
فأي رحمة وعطف وحنان، ورقة وعذوبة من تربية المجتمع أن يقولوا لخدامهم: فتاي وفتاتي، وغلامي، فيسوي بينهم وبين أولادهم في العطف برقة النداء وعذوبته، إنه فقط في المنهج النبوي الرفيع .
وفي رواية أخرى تعليل نبوي لطيف في تعريف السادة أنهم عبيد الله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلاَمِي، وَجَارِيَتِي، وَفَتَايَ، وَفَتَاتِي. (2)
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار الفكر - (5 / 179)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 617)(9964) 9965- وصحيح مسلم- المكنز - (6011 )(1/696)
وإنها التربية القرآنية التي ترسخ في نفوس المؤمنين، قول الله تعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات
يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالى في هذِهِ الآيةِ أنَّ النَّاسَ جَمِيعاً إخوةٌ لأمٍّ وأبٍ، وَلِذَلِكَ فَلَيسَ لأحَدٍ مْنهُمْ أنْ يَسْتَعْلِيَ عَلَى أحَدٍ مِنْ إخْوَتِهِ، وَلا أنْ يُسيءَ إليهِ، وَلا أنْ يَنْتَقِصَهُ، وَلا أنْ يَغْتَابَهُ . وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى البَشَرَ بالتَّكاثُرِ شُعُوباً وَقَبَائِلَ مُخْتَلِفَةً لِيتَمَكَّنَ بَعْضُهُم مِنْ مَعْرِفَةِ بَعْضٍ، كأنْ يُقَالَ هذا فُلانُ بنُ فَلاَنٍ مِنْ قَبيلَةِ كَذَا مِنْ بَطْنِ كَذَا . وَلاَ فَضْلَ لأحَدٍ عَلَى أحَدٍ إلا بالتَّقْوى، وَالأتْقَى هُوَ الأكْرِمُ عِنْدَ اللهِ، وَالأرْفَعُ مَنْزِلَةً، وَلاَ قِيمَةَ في مِيِزَانِ اللهِ لِلأمْوالِ والأحْسَابِ وَالأولادِ، وَإِنَّما القِيمَةُ للتُّقى وَالصَّلاحِ وَطَهَارَةِ القَلْبِ، وَالخَوفِ مِنَ اللهِ، وَالإِخْلاَصِ في مَحَبَّةِ النَّاسِ، وَالنُّصْح لَهُمْ . وَاللهُ عَلِيمٌ بِما تَنْطَوِي عَلَيهِ الصُّدُورُ، خَبيرٌ بأُمُورِ العِبَادِ . (1)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4504)(1/697)
الأساس النفسي التاسع
الاستجابة لميولهم وترضيتهم
من الأساليب الناجحة في كثير من الأحيان- وليس كلها- الاستجابة لميول الطفل، وترضيته حتى يرضى ... وذلك كلما كان أقرب إلى الضغر، فالصغير لا بد من ترضيته، ولا بد من تنفيذ مطالبه، وذلك لشعوره بالحاجة التي يطلبها، فإذا تمت الاستجابة انشرحت نفسه، وفرح، وانطلق بحيوية فائقة، وإذا لم يلبَّ طلبه ازداد غيظاً، وغضباً، وحمقاً، وتصرَّف بما لا يرضى، ولا يحب.
والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقرر قاعدة نفسية عظيمة جدًّا في حلِّ كثير من مشاكل الطفل النفسية، وقد استجاب الصحابة لهذه القاعدة، وغدوا إلى تطبيقها .
فعن واثلة بن الأسقع قال: خرج رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) وعلى بابه عثمان بن مظعون ومعه ابن له صغير فقال ابنك هذا قال نعم قال تحبه قال نعم قال ألا أزيدك له حبا قال بلى بأبي وأمي قال من ترضى صبيا له صغيرا من نسله ترضاه إلله يوم القيامة حتى يرضى "
وفي رواية عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) خرج على عثمان بن مظعون ومعه صبي له صغير يلثمه فقال: أتحبه يا عثمان؟ قال: أي والله يا رسول الله إني لأحبه، قال :أفلا أزيدك له حبا؟! قال: بلى فداك أبي وأمي، قال: إنه من ترضى له صغيرا من نسله حتى يرضى، ترضاه الله يوم القيامة حتى يرضى " (1)
وقد حدثت مناقشة بين معاوية والأحنف بن قيس، حيث بين الثاني للأول أهمية ترضية الولد، وتلبية طلبه: فعَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ؛ قَالَ: غَضِبَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى ابْنِهِ، فَهَجَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ رَحِمَهُ اللهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! أَوْلَادُنَا ثِمَارُ قُلُوبِنَا وَعِمَادُ ظُهُورِنَا، وَنَحْنُ لَهُمْ سَمَاءٌ ظَلِيلَةٌ وَأَرْضٌ ذَلِيلَةٌ، إِنْ غَضِبُوا ؛ فَأَرْضِهِمْ، وَإِنْ سَأَلُوا ؛ فَأَعْطِهِمْ، وَلَا تَكُنْ عَلَيْهِمْ قُفْلًا ؛ فَيَمَلُّوا حَيَاتَكَ وَيَتَمَنُّوا مَوْتَكَ . (2)
__________
(1) - تاريخ دمشق - (52 / 363) و(56 / 372) وجامع الأحاديث - (38 / 181)(41280) فيه جهالة
(2) - المجالسة وجواهر العلم - (3 / 484) (1094 ) حسن لغيره(1/698)
وعن أبي وَاثِلَةَ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ دَخَلَتْهُ مَوْجِدَةٌ عَلَى ابْنِهِ يَزِيدَ فَأَرِقَ لِذَلِكَ لَيْلَتَهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ بَعَثَ إِلَى الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ فَأَتَاهُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا بَحْرٍ، كَيْفَ رِضَاكَ عَلَى وَلَدِكَ ؟ وَمَا تَقُولُ فِي الْوَلَدِ ؟ قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا سَأَلَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ هَذِهِ إِلَّا لِمَوْجِدَةٍ دَخَلَتْهُ عَلَى يَزِيدَ فَحَضَرَنِي كَلَامٌ لَوْ كُنْتُ زَوَّقْتُ فِيهِ سَنَةً لَكُنْتُ قَدْ أَجَدْتُ فَقُلْتُ: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ ثِمَارُ قُلُوبِنَا وَعِمَادُ ظُهُورِنَا وَنَحْنُ لَهُمْ أَرْضٌ ذَلِيلَةٌ وَسَمَاءٌ ظَلِيلَةٌ وَبِهِمْ نَصُولُ إِلَى كُلِّ جَلِيلَةٍ فَإِنْ غَضِبُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَرْضِهِمْ وَإِنْ طَلَبُوكَ فَأَعْطِهِمْ يُمْحِضُوكَ وُدَّهُمْ وَيَلْطُفُونَ جُهْدَهُمْ وَلَا تَكُنْ عَلَيْهِمْ ثَقِلًا لَا تُعْطِيهِمْ إِلَّا نَزْرًا فَيَمَلُّوا حَيَاتَكَ وَيَكْرَهُوا قُرْبَكَ " قَالَ: لِلَّهِ دَرِّكُ، يَا أَحْنَفُ وَاللَّهِ لَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ مَوْجِدَةً عَلَى يَزِيدَ فَلَقَدْ سَلَلْتَ سَخِيمَةَ قَلْبِي، يَا غُلَامُ اذْهَبْ إِلَى يَزِيدَ فَقُلْ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَقَدْ أَمَرَ لَكَ بِمِائَتَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ ثَوْبٍ فَابْعَثْ مَنْ يَقْبِضُ ذَلِكَ فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: مَنْ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ: الْأَحْنَفُ فَبَعَثَ رَسُولًا يَأْتِيهِ بِالْمَالِ وَرَسُولًا يَأْتِيهِ بِالْأَحْنَفِ إِذَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَأَتَاهُ الْأَحْنَفُ وَأَتَاهُ الْمَالُ فَقَالَ: يَا أَبَا بَحْرٍ، كَيْفَ كَانَ رِضَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: لَا جَرَمَ لَأُقَاسِمَنَّكَ الْجَائِزَةَ فَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَمِائَةِ ثَوْبٍ " (1)
وعَنْ عَدِيِّ بن حَاتِمٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: هَذَا عَدِيُّ بن حَاتِمٍ وَكُنْتُ نَصْرَانِيًّا وَجِئْتُ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلا كِتَابٍ، فَلَمَّا دُفِعْتُ إِلَيْهِ أَخَذَ بِيَدِي وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ:"إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ يَدَهُ فِي يَدِي"، فَقَامَ بِي،
__________
(1) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (148 ) وتاريخ دمشق - (65 / 402و403) والعقد الفريد - (1 / 234) والمستطرف في كل فن مستظرف - (1 / 253) وشرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد1-20 - (10 / 186)
الجُهْد والجَهْد : بالضم هو الوُسْع والطَّاقة، وبالفَتْح : المَشَقَّة. وقيل المُبَالَغة والْغَايَة. وقيل هُمَا لُغتَان في الوُسْع والطَّاقَة، فأمَّا في المشَقَّة والْغَاية فالفتح لا غير
السخيمة : الحقد والضغينة
القَبْض : الأخْذُ بجميع الكَفّ ، والإمساك ، والمنع ، والتمكن من الشيء واستيفاء الحقوق، والضم
لا جرم : هذه كلمة تَرِد بمعْنى تَحْقِيق الشَّيء. وقد اخْتُلف في تقديرها، فقِيل : أصْلُها التَّبْرِئة بمعنى لا بُدَّ، ثم اسْتُعْمِلت في معْنى حَقًّا. وقيل جَرَم بمعْنى كسَبَ. وقيل بمعْنى وجَبَ وحُقَّ.(1/699)
فَلَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَصَبِيٌّ مَعَهَا، فَقَالا: إِنَّ لَنَا إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَامَ مَعَهَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، حَتَّى أَتَى دَارَهُ، فَأُلْقِيَتْ لَهُ وِسَادَةٌ، فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"لِمَ يَغُرُّكَ إِلا أَنْ يُقَالَ: إِلا اللَّهُ، فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّهُ؟"ثُمَّ تَكَلَّمَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ:"أَمَا يَغُرُّكَ أَوْ يَضُرُّكَ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَهَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا أَكْبَرَ مِنَ اللَّهِ؟"قُلْتُ: لا، قَالَ:"إِنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ النَّصَارَى ضُلالٌ"، قُلْتُ: فَإِنِّي حَنِيفٌ مُسْلِمٌ، فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ يَنْبَسِطُ فَرَحًا، ثُمَّ أَمَرَنِي فَنَزَلْتُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَجَعَلْتُ آتِيهِ طَرَفَيِ النَّهَارِ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ عَشِيَّةً إِذْ أَتَاهُ قَوْمٌ فِي ثِيَابٍ مِنْ صُوفٍ مِنْ هَذِهِ النِّمَارِ، فَصَلَّى، ثُمَّ قَامَ فَحَثَّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ:"بِصَاعٍ أَوْ نِصْفِ صَاعٍ أَوْ نَصِيفِهِ وَلَوْ بِبَعْضِ قَبْضَةٍ يَقِي أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ أَوِ النَّارِ، وَلَوْ بِشِقِّ التَّمْرَةِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاقِي اللَّهِ فَقَائِلٌ: مَا أَقُولُ لَكُمْ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ سَمْعًا وَبَصَرًا؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ مَالا وَوَلَدًا؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: أَيْنَ مَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَيَنْظُرُ أَمَامَهُ وَخَلْفَهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، فَلا يَجِدُ شَيْئًا يَقِي بِهِ وَجْهَهُ، فَوَقَي أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، فَإِنِّي لا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الْفَاقَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَاصِرُكُمْ وَمُعْطِيكُمْ حَتَّى تَسِيرَ الظَّعِينَةُ فِيمَا بَيْنَ يَثْرِبَ وَالْحِيَرَةِ، وَأَكْثَرُ مَا يُخَافُ عَلَى مَطِيَّتِهَا السَّرِقُ"، فَجَعَلْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي فَأَيْنَ لُصُوصُ طَيِّءٍ؟ . (1)
ما يفرك : أفررت الرجل : إذا فعلت به فعلا يفر منك لأجله، أي : ما يهربك من الإسلام ؟.
حنيف : الحنيف في الأصل : المائل، وهو في الوضع الشرعي : المائل عن الأديان كلها إلى دين الإسلام.
النمار : جمع نمرة، وهي كل شملة من مآزر الأعراب مخططة، وقيل : هي أكسية كان يلبسها الإماء.
الظعينة : المرأة ما دامت في الهودج، ثم سميت زوجة الرجل ظعينة توسعا.
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (3211 ) والمعجم الكبير للطبراني - (12 / 17) (13690) حسن(1/700)
السرق : السرقة : إلا أنه المصدر، سرق يسرق سرقا.
قلت :
ولكن لا يجاب الطفل إلى أي طلب أو حاجة إذا كان فيها ضرر عليه في دينه أو دنياه ؛ ذلك لأن الطفل لا يميز النافع من الضار، والذي يناسبه من الذي لا يناسبه .
- - - - - - - - - - - - -(1/701)
الأساس النفسي العاشر
أثر التكرار في نفس الطفل
الطفل كأي كائن بشري ينسى ويغفل، وقد خصه الله تعالى من بين جميع الكائنات الحية بهذه الطفولة الطويلة، وهي مرحلة غير تكليفية، وإنما هي تتهيأ للتكاليف .
والقلم عنها مرفوع، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ " (1)
إن استخدام أسلوب التكرار في التعليم له فوائد عظيمة النفع منها :
التأكيد على مسألة مهمة، أو حكم هام، ومنها تنبيه الغافل ومن به نعاس ونحوه، ومنها حفظ الشيء المكرر .والاقتصار على ثلاث مرات، أمر قد تكر كثيراً في أحاديث المصطفي - صلى الله عليه وسلم - ، فقدكان - صلى الله عليه وسلم - يُكرِّرُ حديثَه تأكيداً لمضمونِه، وتنبيهاً للمخاطب على أهمِّيَّته، وليفهَمَه السامعُ ويُتقِنَه، قال ابن التين: فيه أن الثلاث غاية ما يقع به الاعتذار والبيان . أهـ (2)
ومن تأمل ذلك وجده كما قال . وقد يزاد على الثلاث للحاجة كما ستراه من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - قريباً . والتكرار قد يكون في الكلمات والجمل، وقد يكون في الأسماء، وقد يكون في غيرهما .
فأولاً: تكرار الكلمات :
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهُا قَالَتْ: كَانَ كَلاَمُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَلاَمُا فَصْلاً، يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ (3) .
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثًا . (4)
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (10 / 151) (3987 ) صحيح
(2) - فتح الباري لابن حجر - (1 / 189)
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 407) (26821) حسن
(4) - - صحيح البخارى- المكنز - (95)(1/702)
ثانياً: تكرار الاسم :
وكان - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحيان يُكرِّرُ نداء المُخاطَب مع تأخير الجواب، لتأكيد الانتباه والاهتمام بما يُخبِرُه به، وليُبالِغَ تفهُّمِه وضبطِه عنه، فعَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قَالَ: " يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ "، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: " يَا مُعَاذُ "، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثَلاَثًا، قَالَ: " مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ "، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا ؟ قَالَ: " إِذًا يَتَّكِلُوا " وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا " (1)
فهذا النداءُ المكرَّر ثلاثاً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمُعاذ، مع تأخير جوابِ النداء، لتأكيد الاهتمام بما يُخبِره، وليَكْمُلَ انتباه معاذ فيما يَسمعُه، ليتَدبَّره ويَعيَه كما ينبغي .
ثالثا- تكرار الجواب، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْصِنِى . قَالَ « لاَ تَغْضَبْ » . فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ « لاَ تَغْضَبْ » . ... (2)
فإذا أدركنا هذا فإنه من السهل علينا أن نؤمن بمبدأ التكرار، أي: تكرار الأمر أكثر من مرة حتى يؤثر في نفس الطفل، فينصاع للأمر ويستجيب للنداء .
أما دليل مبدأ التكرار، فهو ما جاء عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ » (3) .
فقد خصص النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث سنوات متواصلة لتأصيل أمر هام في الإسلام، وهو أمر الصلاة، ومعلوم لدى الجميع أهمية الصلاة، لذلك جاء الخطاب القرآني :{وَأْمُرْ أَهْلَكَ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (128 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6116 ) - انظر كتابي (( الأساليب النبوية في التعليم )) ط1 ص 246 فما بعدها
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (495 ) صحيح(1/703)
بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (132) سورة طه.
أي: حث أهلك على الصلاة، وأزعجهم إليها من فرض ونفل. والأمر بالشيء، أمر بجميع ما لا يتم إلا به، فيكون أمرا بتعليمهم، ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها.
{ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } أي: على الصلاة بإقامتها، بحدودها وأركانها وآدابها وخشوعها، فإن ذلك مشق على النفس، ولكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك، والصبر معها دائما، فإن العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به، كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم، وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع (1)
هنا يعطينا الحق ـ تبارك وتعالى ـ منهجاً لإصلاح المجتمع وضمان انسجامه، منهج يبدأ بالوحدة الأولى وهو ربُّ الأسرة، فعليه أنْ يُصلح نفسه أولاً، ثم ينظر إلى الوحدة الثانية، وهي الخلية المباشرة له وأقرب الناس إليه وهم أهله وأسرته، فهو مركز الدائرة فإذا أصلح نفسه، فعليه أنْ يُصلح الدوائر الأخرى المباشرة له.
فقوله تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ } [طه: 132] لتستقيم الوحدة الأولى في بناء الكون، فإذا ما صلُحَتْ الوحدة الأولى في بناء الكون، فأمَر كل واحد أهله بالصلاة، واستقام الكون كله وصَلُح حال الجميع.
والمسألة هنا لا تقتصر على مجرد الأمر وتنتهي مسئوليته عند هذا الحدِّ إنما { وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } [طه: 132] لأن في الصلاة مشقة تحتاج إلى صبر، فالصلاة تحتاج إلى وقت تأخذه من حركة الحياة التي هي سبب الخير والنفْع لك، فلا بُدَّ ـ إذن ـ من صبر عليها.
وفَرْق بين اصبر واصطبر: اصبر الفعل العادي، إنما اصطبر فيها مبالغة أي: تكلَّف حتى الصبر وتعَمَّده.
ومن ذلك أن تحرص على أداء الصلاة أمام أولادك لترسخ في أذهانهم أهمية الصلاة، فمثلاً تدخل البيت فتجد الطعام قد حضر فتقول لأولادك: انتظروني دقائق حتى أُصلي، هنا
__________
(1) - تفسير السعدي - (1 / 517)(1/704)
يلتفت الأولاد إلى أن الصلاة أهمّ حتى من الأكل، وتغرس في نفوسهم مهابةَ التكليف، واحترامَ فريضة الصلاة، والحرص على تقديمها على أيِّ عمل مهما كان.
وهَبْ أن رب الأسرة غاب عنها لمدة شهر أو عام، ثم فجأة قالوا: أبوكم جاء، فترى الجميع يُهرولون إليه، وهكذا لله المثل الأعلى، إذا دعاك، فلا تتخلّف عن دعوته، بل هَرْول إليه، وأسرع إلى تلبية ندائه، ولك أنْ تتصوَّر واحداً يناديك وأنتَ لا تردّ عليه ولا تجيبه، أعتقد أنه شيء غير مقبول، ولا يرضاه صاحبك.
إذن: عليك أنْ تُعوِّد أولادك احترام هذا النداء، وبمجرد أن يسمعوا " الله أكبر " يُلبُّون النداء، ولا يُقدِّمون عليه شيئاً آخر، فالله لا يبارك في عمل ألهاك عن نداء (الله أكبر)؛ لأنك انشغلتَ بالنعمة عن المنعم عز وجل.
لذلك، إنْ أردتَ أنْ تعرف خير عناصر المجتمع فانظر إلى أسبقيتهم إلى إجابة نداء (الله أكبر)، فإنْ أردتَ أن تعرف مَنْ هو أعلى منه منزلةً، فانظر إلى آخرهم خروجاً من المسجد، وليس كذلك مَنْ يأتي الصلاة دُبُراً، وبمجرد السلام يسرع إلى الانصراف." (1)
فلا بد من الصبر في هذه السنوات، وتكرار طلب الصلاة من الطفل، ونظرة حسابية إلى هذه المدة نجد أنه خلال ثلاث سنوات، وفي كل صلاة يأمر الوالدان ابنهما بالصلاة، فيصبح لدينا رقم ضخم من أوامر التكرار وهو (5ضرب365) ضرب 3 = 5475 مرة .
وهو رقم إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أهمية التكرار، وأن نفس الطفل قد لا تستجيب للأمر في المرة الأولى، ولا الثانية، ولا الثالثة، فلا بدَّ من التكرار من غير يأس ولا قنوط .
وهذا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود يدرك مبدأ التكرار مع الأطفال، حيث قال في توجيهه للآباء نحو أبنائهم: "حَافِظُوا عَلَى أَبْنَائِكُمْ فِي الصَّلاةِ، وَعَوِّدُوهُمُ الْخَيْرَ فَإِنَّ الْخَيْرَ عَادَةٌ". (2)
__________
(1) - تفسير الشعراوي - ( / 2462)
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (8 / 165) (9054و9055 ) والسنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (3 / 84)(5297-5299) حسن(1/705)
ولهذا القول ما يؤيده في السنّة النبوية، فعَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: الْخَيْرُ عَادَةٌ، وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ، مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. (1)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ قَالَ قَالَ لِى أَبُو قِلاَبَةَ أَلاَ تَلْقَاهُ فَتَسْأَلَهُ، قَالَ فَلَقِيتُهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ مَا لِلنَّاسِ مَا لِلنَّاسِ مَا هَذَا الرَّجُلُ فَيَقُولُونَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ، أَوْ أَوْحَى اللَّهُ بِكَذَا . فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلاَمَ، وَكَأَنَّمَا يُغْرَى فِى صَدْرِى، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلاَمِهِمِ الْفَتْحَ، فَيَقُولُونَ اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهْوَ نَبِىٌّ صَادِقٌ . فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلاَمِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِى قَوْمِى بِإِسْلاَمِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَقًّا فَقَالَ « صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِى حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا كَذَا فِى حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا » . فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّى، لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ، سِنِينَ وَكَانَتْ عَلَىَّ بُرْدَةٌ، كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّى، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَىِّ أَلاَ تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ . فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِى قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَىْءٍ فَرَحِى بِذَلِكَ الْقَمِيصِ . (2)
وقد ورد في السنّة ما يدل على مشروعية تعويد الصغار على الصيام وصلاة الجماعة واصطحابهم للحج صغاراً ومن ذلك: ما جاء عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ أَرْسَلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ « مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ » . قَالَتْ فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ . (3)
وفي الفتح: " قوله: "باب صوم الصبيان" أي هل يشرع أم لا؟ والجمهور على أنه لا يجب على من دون البلوغ، واستحب جماعة من السلف منهم ابن سيرين والزهري وقال به
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (2 / 8) (310) صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (4302 )
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (1960 ) -العهن : الصوف المصبوغ(1/706)
الشافعي أنهم يؤمرون به للتمرين عليه إذا أطاقوه، وحده أصحابه بالسبع والعشر كالصلاة، وحده إسحاق باثنتي عشرة سنة، وأحمد في رواية بعشر سنين. وقال الأوزاعي: إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعا لا يضعف فيهن حمل على الصوم، والأول قول الجمهور، والمشهور عن المالكية أنه لا يشرع في حق الصبيان، ولقد تلطف المصنف في التعقب عليهم بإيراد أثر عمر في صدر الترجمة لأن أقصى ما يعتمدونه في معارضة الأحاديث دعوى عمل أهل المدينة على خلافها ولا عمل يستند إليه أقوى من العمل في عهد عمر مع شدة تحريه ووفور الصحابة في زمانه، وقد قال للذي أفطر في رمضان موبخا له "كيف تفطر وصبياننا صيام" (1) ، وأغرب ابن الماجشون من المالكية فقال: إذا أطاق الصبيان الصيام ألزموه. فإن أفطروا لغير عذر فعليهم القضاء. "
وفي الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام كما تقدم لأن من كان في مثل السن الذي ذكر في هذا الحديث فهو غير مكلف، وإنما صنع لهم ذلك للتمرين، وأغرب القرطبي فقال: لعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم بذلك، ويبعد أن يكون أمر بذلك لأنه تعذيب صغير بعبادة غير متكررة في السنة، وما قدمناه من حديث رزينة يرد عليه، مع أن الصحيح عند أهل الحديث وأهل الأصول أن الصحابي إذا قال فعلنا كذا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان حكمه الرفع لأن الظاهر اطلاعه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وتقريرهم عليه مع توفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام، مع أن هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه فما فعلوه إلا بتوقيف، والله أعلم. (2)
ومن هديه عليه الصلاة والسلام أيضاً ربط الأبناء بالمساجد وتوجيههم إليها، بل كان يذهب أكثر من ذلك فيتجوز في صلاته مراعاة لحال الصبية الذين تصطحبهم أمهاتهم إلى المسجد، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ
__________
(1) - مسند ابن الجعد - (504 ) صحيح
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار الفكر - (4 / 200)(1/707)
أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ. (1)
فالمسجد إذاً روضة يجتمع فيها الصغير والكبير ويرتادها الرجل والمرأة، وإن كان بيت المرأة خير لها، وقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم في ارتيادها يستبقون الخيرات فيذكرون ربهم، ويأخذون العلم عن نبيهم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: مَنْ جَاءَ مَسْجِدَنَا هَذَا يَتَعَلَّمُ خَيْرًا، أَوْ يُعَلِّمُهُ فَهُوَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ جَاءَ بِغَيْرِ هَذَا كَانَ كَالرَّجُلِ يَرَى الشَّيْءَ يُعْجِبُهُ وَلَيْسَ لَهُ وَرُبَّمَا، قَالَ: يَرَى الْمُصَلِّينَ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَيَرَى الذَّاكِرِينَ وَلَيْسَ مِنْهُمْ " (2)
لذلك كان المسجد المدرسة الأولى، والجامعة الأم التي تنشر العلم، وتشيع المعارف بين الناس، وهو المكان الأفضل والأمثل لهذا المقصد العظيم، وينبغي أن لا يعدل به شيءٌ في تعليم الناس والدعوة إلى الله إلا لضرورة.
وما تنكبت الأمة ولا امتهنت علوم الشريعة، ولا جفت منابعها إلا بعد أن أغفل دور المسجد في التعليم. (3)
وحتى يعتاد الطفل، فلا بد من تكرار الملاحظة أكثر من مرة ؛لأنه سيخطئ، فعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ حَدَّثَنَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مَعَهُ. (4)
فعندما يرى ويسمع الطفل السلام من الكبار عليه أكثر من مرة، يتعلم السلام، فما يلبث إلا أن تكون عادته .
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 520)(22602) 22974- وصحيح البخارى- المكنز - (707)
فأتجوز : التجوز في الأمر : التخفيف والتسهيل.-أشق : أمر شاق : أي شديد.
(2) - المستدرك للحاكم (309) حسن
(3) - انظر موسوعة خطب المنبر - (1 / 2257) -واجب الآباء نحو الأبناء في الغرب
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (6247) والفوائد لتمام 414 - (2 / 227) (1349)(1/708)
الأساس النفسي الحادي عشر
التدرج في الخطوات مع الطفل
كان - صلى الله عليه وسلم - يُراعي التدريجَ في التعليم، فكان يقدِّمُ الأهمَّ فالأهمَّ، ويُعلِّمُ شيئاً فشيئاً نَجْماً نجماً، ليكون أقربَ تَناولاً، وأثبتَ على الفُؤاد حفظاً وفهماً .
عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنَا الإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ، فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا. (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ « إِنَّكَ سَتَأْتِى قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ » (2)
ومن فوائد هذا الحديث الكثيرة: البدءُ بالاهمِّ فالأهمِّ في الدعوةِ والتعليم، إذ المطالبةُ بجميع الشرائع مرةً واحدةً توجبُ التَنفيرَ، وكذا إلقاءُ جميع العُلوم على المتعلِّم دفعةً واحدةً يؤدّي إلى تضييع الكلِّ . (3)
ومن الحديث السابق في المبحث الذي قبل هذا:« مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ ». نستفيد مبدءاً عظيماً مؤثراً في نفس الطفل، وهو التدرج، وعدم دفع القضايا جملة واحدة، وأن لكل مرحلة زمنها، فالصلاة - وهي ركن الدين وعموده- تمرُّ في ثلاث مراحل مع الطفل :
__________
(1) -سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (1 / 42)(61) صحيح - حزاورة جمعُ حَزْوَرٍ وحَزَوَّر ، وهو الذي قارَبَ البلوغ .- قَوْله ( فَازْدَدْنَا بِهِ ) أَيْ بِسَبَبِ الْقُرْآن
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (4347 ) -الكرائم : جمع كريمة وهى خيار المال وأفضله
(3) - الأساليب النبوية في التعليم - ط1 - (1 / 390)(1/709)
المرحلة الأولى: وهي من لحظة مسيره ووعيه إلى السابعة من عمره، وهي مرحلة المشاهدة، حيث يشاهد الطفل والديه يصليان، فيسارع إلى الصلاة، فإذا درَّبه والداه عليها كان له خيراً على خير .
المرحلة الثانية: مرحلة الأمر، وتمتدُّ من السابعة من عمره حتى العاشرة، حيث يوجه الوالدان الأوامر للطفل، ويطلبان منه الصلاة .
المرحلة الثالثة: مرحلة الضرب، وتبدأ من العاشرة إلى ما بعد، وفيه يضرب الطفل إن لم يؤدِّ الصلاة .
إن لهذا التدرج في الخطوات أثراً كبيراً في نفس الطفل واستجابته ؛لأنه ما زال غضًّا يافعاً، فلا بد من التدرج معه، ونقله من مرحلة إلى أخرى.
إن تخطيط أي قضية، أو هدفٍ يطلب فيه السرعة، يمرُّ بمراحل وخطواتٍ، يرسمها الوالدان، ويتعاونان على تنفيذها.
- - - - - - - - - - - - -(1/710)
الأساس النفسي الثاني عشر
الترغيب والترهيب
الترغيب والترهيب من الأساليب النفسية الناجحة في إصلاح الطفل، وهو أسلوب واضح ظاهر في التربية النبوية، وقد استخدمه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال في كثير من الحالات، وفي مقدمتها: بر الوالدين، فرغب في برهما، وأرهب من عقوقهما، وما ذاك إلا ليستجيب الطفل، ويتأثر، فيصلح من نفسه وسلوكه.
ومن أجلى أساليبه - صلى الله عليه وسلم - في التعليم الترغيبُ في الخير الذي يدعو إليه، والترهيبُ عن الشرِّ الذي يُحذِّر منه، فكان - صلى الله عليه وسلم - يُرغِّب في الخير بذكر ثوابِه والتنبيه على مَنافِعِه، ويُرهِّبُ عن الشرِّ بذكرِ عقابِه والتنبيه على مساويه .
وكان يَجمَع في أحاديثه بين الترغيب حيناً والترهيب حيناً آخر، وما كان يَقتَصِرُ على الترهيب فيُؤدّي إلى التنفير، ولا على الترغيب فيؤدي إلى الكَسَل وترك العمل .
وقد جَمَع أئمةُ الحديث رضوانُ الله تعالى عليهم (أحاديثَ الترغيب والترهيب) من السنة النبوية الشريفة، في كُتُبٍ مستقلةٍ، وأوفى تلك الكُتُب جمعاً لأحاديث هذا الصنف، وأكثرُها فائدةً، وأقربُها منالاً: كتابُ ((الترغيب والترهيب من الحديث الشريف)) للإمام الحافظ أبي محمد زكي الدين عبد العظيم المُنذِري رحمه الله تعالى، وهو مطبوع متداول (1) .
فمن باب الترغيب :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » (2) .
وعن عَائِشَةَ قالت قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِى آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثُلاَثِ مِائَةِ مَفْصِلٍ، فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَ اللَّهَ وَسَبَّحَ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَعَزَلَ
__________
(1) - الرسول المعلم - صلى الله عليه وسلم - وأساليبه في التعليم لأبي غدة - (1 / 155)
(2) - - صحيح البخارى- المكنز - (38 )(1/711)
حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ عَزَلَ شَوْكَةً عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاَثِ مِائَةٍ السُّلاَمَى فَإِنَّهُ يُمْسِى يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1)
وأما الترهيب فكثير جدا :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كُلُّ مُخَمِّرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا بُخِسَتْ صَلاَتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ». قِيلَ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ وَمَنْ سَقَاهُ صَغِيرًا لاَ يَعْرِفُ حَلاَلَهُ مِنْ حَرَامِهِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ » (2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ، قِيلَ: وَكَيْفَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ: يَتَعَرَّضُ لِلنَّاسِ فَيَسُبُّ وَالِدَيْهِ. (3)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ، قَالَ: وَكَيْفَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ: يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ. (4)
وهو أسلوب قرآني فريد، فما من مرة ذكرت الجنة إلا وذكرت النار وبالعكس، قال تعالى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} (35) سورة الرعد
وقال تعالى: { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ
__________
(1) - صحيح مسلم(2377) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 188)(8074)
(2) - - سنن أبى داود (3682) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (2 / 143) (411) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (2 / 144) (412) صحيح(1/712)
الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} (15) سورة محمد
وقال تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورة آل عمران
وقال تعالى: { لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} (20) سورة الحشر
وذلك لأن النفس البشرية تميل إلى حب الترغيب في العمل وثمرته، وتخاف من التحذير من فعل الخطأ ونتائجه، وليس معنى الترهيب هو التخويف المفزع والمقلق للنفس، وإنما تذكير الطفل بثواب الفعل وعقوبة المخالفة (1) .
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - انظر كتاب منهج التربية النبوية للطفل ص( 125) فما بعد
وانظر كتابي : ((الأساليب النبوية في التعليم)) - ط1 - (1 / 493)(1/713)
الفصل السابع
أسلوب الترغيب في بر الوالدين والترهيب من عقوقهما
أولا- أسس بر الوالدين في حياتهما :
الأساس الأول - ثواب البر في الدنيا والآخرة .
الأساس الثاني - تقديم بر الوالدين على الفروض الكفائية .
1- تقديم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله .
2- تقديم بر الوالدين على الزوجة والأصدقاء.
3- تقديم بر الوالدين على الحج .
4- تقديم بر الوالدين على زيارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
5- تقديم بر الوالدين على الأولاد .
6- تقديم بر الأم على النوافل .
7- تقديم بر الوالدين على الهجرة في سبيل الله .
8- نموذج من بر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بوالديه .
الأساس الثالث - لا طاعة للوالدين في معصية الخالق مع بقاء الإحسان إليهما .
الأساس الرابع -أحق الناس بحسن صحبتك والداك .
الأساس الخامس - تقديم بر الأم على الأب عند التعارض، بعد محاولة التوفيق بينهما .
الأساس السادس - أنت ومالك لأبيك .
الأساس السابع -عتق الوالدين من أي مال استحق بذمتهما .
الأساس الثامن - الدعاء المتبادل بين الأبوين وأبنائهم .
الأساس التاسع -ألا تستَسبَّ لوالديك.
الأساس العاشر - أشهر الانتساب لأبيك، واعتزَّ به .(1/714)
الأساس الحادي عشر -الحج عمن عجز منهما صحيا عن أدائه .
الأساس الثاني عشر- إنفاذ نذرهما .
الأساس الثالث عشر -العقوق من الكبائر، وجزاؤه في الدنيا والآخرة
ثانيا-أسس البر بعد وفاة أحدهما أو كليهما :
الأساس الأول -إنفاذ عهدهما، ووصيتهما .
الأساس الثاني- الدعاء والاستغفاء لهما .
الأساس الثالث -صلة رحمهما، وبر أصدقائهما.
الأساس الرابع - الصدقة عنهما .
الأساس الخامس - الحج عنهما .
الأساس السادس- المسارعة للعمل الصالح لإدخال السرور على الوالد المتوفى .
الأساس السابع- زيارة قبريهما .
الأساس الثامن - برُّ قسمهما، وألا تستسبَّ لهما .(1/715)
وصايا قرآنية
قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ} (83) سورة البقرة
واذكروا يا بني إسرائيل حين أخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا: بأن تعبدوا الله وحده لا شريك له، وأن تحسنوا للوالدين، وللأقربين، وللأولاد الذين مات آباؤهم وهم دون بلوغ الحلم، وللمساكين، وأن تقولوا للناس أطيب الكلام، مع أداء الصلاة وإيتاء الزكاة، ثم أَعْرَضْتم ونقضتم العهد -إلا قليلا منكم ثبت عليه- وأنتم مستمرون في إعراضكم.
وقال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} (36) سورة النساء
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَبِعَدَمِ الإشْرَاكِ بِهِ، وَبِالعَمَلِ بِمَا أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ أَوْصَاهُمْ بِالإِحْسَانِ إلَى الوَّالِدَينِ، فَقَدْ جَعَلَهُمَا اللهُ سَبباً لِخُرُوجِ الإِنْسَانِ مِن العَدَمِ . ثُمَّ أَمَرَ بِالإِحْسَانِ إلَى ذَوِي القُرْبَى، مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالإِحْسَانِ إلى اليَتَامَى الذِينَ فَقَدُوا آبَاءَهُمْ، وَمَنْ يُنْفِقُونَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ بِالإِحْسَانِ إلَى المَسَاكِينِ ( وَهُمُ المُحْتَاجُونَ الذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَنْ يَقُومُ بِكِفَايَتِهِمْ )، فَأَمَرَ اللهُ بِمُسَاعَدَتِهِمْ بِمَا تَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُمْ . ثُمَّ أَمَرَ بِالإِحْسَانِ إلى الجَارِ الجَنْبِ، وَهُوَ الجَارِ الذِي لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ، كَمَا أَمَرَ تَعَالَى بِالإِحْسَانِ إلَى الصَّاحِبِ بِالجَنْبِ، وَهُوَ الرَّفِيقُ الصَّالِحُ فِي الحِلِّ وَالسَّفَر، وَابْنِ السَّبِيلِ وَهُوَ الضَّيْفُ عَابِرُ السَّبِيلِ مَارّاً بِكَ فِي سَفَرٍ فَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِالإِحْسَانِ إِلَيْهِ . كَمَا أَمَرَ اللهُ النَّاسَ بِالإِحْسَانِ إلى الأَرِقَّاءِ الذِين تَحْتَ أَيْدِيهِمْ .
ثُمَّ أَضَافَ تَعَالَى إلى ذَلِكَ، أنَّهُ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فِي نَفْسِهِ، مُعْجَباً مُتَكَبِّراً فَخُوراً عَلَى النَّاسِ، يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُمْ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ وَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَقِيرٌ .(1/716)
وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (151) سورة الأنعام
قُلْ يَا مُحَمَّدُ، لِهَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ، الذِينَ عَبَدُوا غَيْرَ اللهِ، وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ، وَقَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ، وَهُمْ إِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ بِأَهْوَائِهِمْ، وَبِوَحي مِنَ الشَّيْطَانِ، قُلْ لَهُمْ: تَعَالَوْا أَقْرَأْ عَلَيْكُمْ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ حَقّاً وَصِدْقاً، لاَ تَخَرُّصاً وَلاَ ظَنّاً وَتَخْمِيناً، لَقَدْ وَصَّاكُمْ بِألاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَبِأَنْ تُحْسِنُوا إِلَى وَالِدَيْكُمْ، وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ، وَبِألاَّ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ الصِّغَارَ خَشْيَةَ الفَقْرِ فِي المُسْتَقْبَلِ، وَبِسَبَبِ فَقْرِكُم الحَاصِلِ، فَاللهُ تَعَالَى يَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ . وَأَوْصَاكُمْ رَبُّكُمْ بِألاَّ تَفْعَلُوا الفَوَاحِشَ، كَالزِّنَى وَقَذْفِ المُحْصَنَاتِ، سَوَاءٌ مَا كَانَ مِنْهَا فِي السِّرِّ أَوْ فِي العَلَنِ، وَألاَّ تَقْتُلوا النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ قَتْلَهَا إلاَّ إِذَا كَانَ القَتْلُ بِحَقٍّ تَنْفِيذاً لِحُكْمِ القَضَاءِ، وَهَذَا مَا أَمَرَكُمُ اللهِ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ عَنِ اللهِ مَا أَمَرَ بِهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ .
وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) }سورة الإسراء
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ( وَقَضَى رَبُّكَ - يَعْنِي أَمَرَ رَبُّكَ وَوَصَّى )، وَوَصَّى اللهُ المُؤْمِنِينَ بِالإِحْسَانِ إِلَى الوَالِدَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَا الكِبَرَ، أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا، عِنْدَ أَبْنَائِهِمَا، فَعَلَى الأَبْنَاءِ أَلاَّ يُسْمِعُوهُمَا قَوْلاً سَيِّئاً حَتَّى وَلاَ تَأَفُّفاً ( وَأُفٍّ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الضَّجَرِ وَالضِّيقِ )، وَيَجِبُ أَنْ لاَ يَنْتَهِرُوهُمَا، وَأَنْ لاَ يَصْدُرَ مِنْهُمْ إِلَيْهِمَا فِعْلٌ قَبِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سُوءِ الأَدَبِ . وَأَمَرَ اللهُ الأَبْنَاءَ بِالإِحْسَانِ فِي القَوْلِ إِلى الأَبَوَيْنِ وَتَوْقِيرِهِمَا، وَبِاسْتِعْمَالِ الكَلاَمِ الطَّيِّبِ الكَرِيمِ فِي مُخَاطَبَتِهِمَا ( فَلاَ نِعْمَةَ تَصِلُ إِلَى الإِنْسَانِ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ الخَالِقِ ثُمَّ نِعْمَةِ الأَبَوَيْنِ ) .(1/717)
وَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى الأَبْنَاءَ بِالتَّوَاضُعِ للأَبَوَيْنِ فِي تَصَرُّفِهِمْ مَعَهَمُا، حَتَّى يَبْدُو الأَبْنَاءَ وَكَأَنَّهُمْ أَذِلاَّءُ مِنْ شِدَّةِ الرَّحْمَةِ، لاَ يَرُدُّونَ لَهُمَا طَلَباً، وَلاَ يَرْفُضُونَ لَهُمَا أَمْراً . ثُمَّ أَمْرَ الأَبْنَاءَ بِالدُّعَاءِ لِلأَبَوَيْنِ، وَالتَّرَحُّمْ عَلَيْهِمَا، جَزَاءَ مَا احْتَمَلاَه فِي تَرْبِيَةِ الأَبْنَاءِ مِنْ عَنَاءٍ وَمَشَقَّةٍ وَعَنَتٍ .
رَبُّكُمْ أَيُّها النَّاسُ أَعْلَمُ مِنْكُمْ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ مِنْ تَعْظِيمِكُمْ أَمْرَ آبَائِكُمْ وَأُمَهَاتِكُمْ، وَالبِرِّ بِهِمْ، وَمِنَ الاسْتِخْفَافِ بِحُقُوقِهِمْ، وَالعُقُوقِ لَهُمْ، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى حَسَنِ ذلِكَ وَسَيِّئِهِ، فَاحْذَرُوا أَنْ تُضْمِروا لَهُمْ سُوءاً، أَوْ تَجْعَلُوا لَهُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عُقُوقاً، فَأَنْتُمْ إِنْ أَصْلَحْتُمْ نِيَّاتِكُمْ فِيهِمْ، وَأَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ البِرِّ بِهِمْ، بَعْدَ هَفْوَةٍ كَانَتْ مِنْكُمْ، أَوْ زَلَّةٍ فِي وَاجِبٍ لَهُمْ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لَكُمْ مَا فَرَطَ مِنْكُمْ، فَهُوَ غَفَّارٌ لِمَنْ يَتُوبُ مِنْ ذَنْبِهِ، وَيَرْجِعُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ إِلَى طَاعَتِهِ .
وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (8) سورة العنكبوت
يَأَمُرُ اللهُ تَعالى عِبَادَهُ المُؤْمِنينَ بالإِحسانِ إِلى الوَالِدينِ، لأَنَّهُما سَبَبُ وُجُودِ الإِنْسَانِ، وَلَهُمَا عَلَيهِ الفَضْلُ الكَبيرُ . وَلكِنْ إِذا كَانَ الوَالِدَانِ مُشْرِكَينِ وأَمَرا وَلدَهُما المُؤْمِنَ بِمَا فِيهِ كُفْرٌ وَمَعْصِيَةٌ للهِ تَعَالى، أَوْ أَمَراهُ بأَنْ يُشْرِكَ باللهِ مَا لا عِلمَ لَهُ بألُوهِيَّتِهِ ( مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )، فَعَلَيهِ أَنْ لاَ يُطِيعَهُما، لأَنّ حَقَّ اللهِ أَعظَمُ مِنْ حَقِّ الوَالِدينِ إِذْ " لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في مَعصِيَةِ الخَالِقِ " كَمَا جاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ .
ثُمَّ يُنَبِّهُ اللهُ تَعَالى عِبَاده المُؤمِنينَ إلى أَنَّهُمْ سَيرجِعُونَ إليهِ يومَ القِيَامةِ فَيجْزِيهِمْ بإِحْسَانِهِمْ إِلى وَالدَيهِمْ، وَبِصَبْرِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ، وَيَحْشُرُهُمْ مَعَ الصَّالِحينَ .
وقال تعالى :{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)} سورة لقمان(1/718)
وَبَعْدَ أًَنْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالى مَا وَصَّى بِهِ لُقْمَانُ ابْنَهُ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ تَعَالى وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لأنَّهُ المُنْعِمُ المُوجِدُ، أًَتْبَعَ ذَلِكَ بِمَا أَوْصَى بِهِ الوَلَدَ بِالوَالِدَينِ، لِكَونِهِما السَّبَلَ في وُجُودِهِ، فَقَالَ تَعَالى إِنَّهُ أَمَرَ ( وَصِّينَا ) الإِنسانَ بِبِرِّ وَالدَيهِ وطَاعَتِهِما، وَبِالقِيامِ بِمَا يَتَوجَّبُ عَليهِ نَحْوَهُما، وَذَكَّرَ اللهُ تَعَالى الإِنسانَ بصُورَةٍ خَاصَّةٍ بما تَحَمَّلَتْهُ أُمَّهُ مِنَ العَنَاءِ والجَهْدِ والمَشَقَّةِ في حَمْلِهِ وَوِلاَدَتِهِ، وإِرْضَاعِهِ وتَرِبِيتَهِ، فَقَدْ حَمَلَتْهُ في جَهْدٍ ( وَهْنٍ ) يَتَزَايدُ بِتَزَايُدِ ثِقَلِ الحَمْلِ، ثُمّ أَرْضَعَتْهُ في عَامَينِ كَامِلَينِ، وهيَ تُقَاسِي مِنْ ذَلِكَ ما تُقَاسِي مِنَ المَشَاقِّ .
ثُمَّ أَمرَ اللهُ تَعَالى الإِنسَانَ بِشُكْرِهِ تَعَالى عَلَى نِعَمِهِ عَلَيهِ، وبِشُكْرِ وَالِدَيهِ لأََنَّهُمَا كَانَا سَبَبَ وُجُودِهِ، ثُمَّ نَبَّهَ اللهُ الإِنسانَ إِلى أَنَّهُ سَيَرجِعُ إِِلى اللهِ فَيُجَازِيهِ عَلَى عَمَلِهِ إنْ خَيْراً فَخَيْراً، وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً .
وَإِذا أَلَحَّ عَلَيكَ وَالِدَاكَ لِيَحْمِلاَكَ عَلَى أَنْ تَكْفُرَ بِاللهِ رَبِّكَ، وَعَلى أَنْ تُشْرِكَ مَعَهُ بِالعِبَادَةِ غَيْرَهُ مِنْ أَصْنامٍ وَأَنْدَادٍ، وَأَنْتَ لا تَعْلَمُ لِهؤُلاءِ الأَصْنَامِ والأَندَادِ شَرِكَةً مَعَ اللهِ في الخَلْقِ والأُلُوهِيَّةِ، فَلا تُطِعْهُما فِيما أمَراك بهِ، ولكِنَّ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لا يَمْنَعَكَ مِنَ الإِحسَانِ إِليهِما، وَمُصَاحَبَتِهِما بِالمَعْرُوفِ خِلاَلَ أيامِ هذهِ الدُّنيا القَلِيلةِ الفَانِيَة كَإِطْعَامِهِمَا وكِسوَتِهِمَ، والعِنَايَةِ بِهِما إِذا مَرَضا . . . واتَّبعْ في أُمُورِ الدِّينِ سَبيلَ الذينَ أَخْلَصُوا العِبَادَةَ للهِ مِنَ المُؤْمِنينَ، وأَنَابُوا إِليهِ بدونِ وَهَنٍ وَلاَ تَرَدُّدٍ، فَإِنَّكُمْ رَاجِعُونَ إِليهِ تَعَالى جَمِيعاً يَومَ القِيَامَةِ، فَيُخبِرُكُمْ بِمَ كُنتُم تَعمَلُونَ مِنْ خَيرٍ وَشَرٍّ ويُجازِيكُمْ بِهِ .
وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (15) سورة الأحقاف
بَعْدَ أَنْ أَمَرَ اللهَ تَعَالى عِبَادَهَ بالإِيمانِ بِهِ وَبِتَصْدِيقِ رَسُولِهِ، وبما جاءَ بِهِ مِنْ كِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ، والاستِقَامَةِ عَلَى الإِيمانِ، حَثَّ النَّاسَ عَلَى الإِحسَانِ إِلى الوَالِدَينِ فأَخبَرَ تَعَالَى: أَنَّهُ أَمَرَ الإِنسَانَ بالإِحسَانِ إِلى وَالديْهِ، وَبِالحُنُوِّ عَلَيهِما، وَجَعَلَ برَّهُما مِنْ أَفْضَلِ القُرُبَاتِ إِلى اللهِ،(1/719)
وَجَعَلَ عُقُوقَهُما مِنَ كَبَائِرِ الذُّنوبِ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالى سَبَبَ تَوصِيَتِهِ الإِنسَانَ بِبِرِّ وَالدَيهِ، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ قَاسَتْ في حَمْلِهِ مَشَقَّةً وَتَعَباً، وَقَاسَتْ في وَضعِهِ مَشَقَّةً وأَلماً، وَكُلُّ ذَلِكَ يَسْتَدعي مِنَ الإِنسانِ الشكرَ، واستِحقَاقَ التَّكريمِ، وَجَميلَ الصُّحْبَةِ . وَمُدَّةُ حَمْلِ الطّفْلِ، وفِطَامِهِ، ثَلاثُونَ شَهْراً تَتَحَمَّلُ فِيها الأٌمُ أَعْظَمَ المَشَاقِّ . حَتَّى إِذَا بَلَغَ الطّفْلُ كَمَالَ قُوَّتِهِ وَعَقْلِهِ، وَبَلَغَ أَربَعِينَ سَنَةً مِنْ عُمْرِهِ قَالَ: رَبِّ أَلْهِمْنِي وَوَفِّقْنِي إِلى شُكْرِ نِعْمَتِكَ التِي أَنْعَمْتَ بِها عَلَيَّ، وَعَلَى وَالِدَيَّّ، مِنْ صِحَّةِ جِسْمٍ، وَسَعَةِ عَيْشٍ، واجْعْلَنْي أَعْمَل عَمَلاً صَالِحا يُرضِيكَ عَنِّي لأَنَالَ مَثُوبَتَهُ عِنْدَكَ، وَاجَعْلِ اللهُمَّ الصَّلاَحَ سَارِياً في ذُرِّيَّتِي، إِني تُبتُ إِليكَ مِنْ ذُنُوبِي التِي صَدَرتَ عَنِّي فِيما سَلَفَ مِنْ أَيَّامِي، وَإِنِّي مِنَ المُستَسلِمِينَ لأَمرِكَ وَقَضَائِكَ . (1)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - ايسر التفاسير لحومد(1/720)
تمهيد حول بر الوالدين
إن علاقة هذا الفصل بتربية الطفل، تبرز أهميته لارتباطه مباشرة بكل إنسان ذكر أو أنثى ؛ وذلك لما ورد من الأحاديث الشريفة التي توضح أن لبر الوالدين كبير الأثر في برِّ الأبناء، وبالتالي إذا أردنا من أطفالنا أن يبرونا، فهذا يتلطب منا - سواء كنا عزابا أم متزوجين - المسارعة إلى بر الوالدين، كما نصح بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : عِفُّوا عَنْ نِسَاءِ النَّاسِ، تَعِفَّ نِسَاؤُكُمْ، وَبَرُّوا آبَاءَكُمْ، تَبَرَّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ ..." (1)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : بَرُّوا آباءَكُمْ تَبَرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ، وَعِفُّوا تَعِفُّ نِسَاؤُكُمْ " (2)
فإذا اتضح لنا سبب عقوق الأبناء، وهم في مرحلة الطفولة، التي تتميز بقوة سيطرة الوالدين، وعمق فطربيهما، فإن الطريق السليم لتفويم الطفل، وسلوكه سلوك الأبرار، وسيره بشكل سوي، هو أن نعدِّل من سلوكنا، وأن نغير من علاقتنا مع والدينا، نحو: البر والطاعة، والابتعاد عن العقوق بشتى ألوانه وصوره، لذلك حال الوالدين جرى إلى الأبناء بالشعور، وبلا شعور، وهي سنة إلهية كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فعَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْبِرُّ لَا يَبْلَى، وَالْإِثْمُ لَا يُنْسَى، وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ، فَكُنْ كَمَا شِئْتَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ " (3)
__________
(1) - المستدرك للحاكم (7258) عنه والمستدرك للحاكم( 7259) عَنْ جَابِرٍ والمعجم الكبير للطبراني - (11 / 173) (252)عَنِ ابْنِ عُمَرَ، حسن لغيره
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (11 / 173) (252)عَنِ ابْنِ عُمَرَ، حسن لغيره وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب - (3 / 218) ( 3759)
(3) - جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ (874 ) صحيح مرسل(1/721)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: " اعْبُدُوا اللهَ كَأَنَّكُمْ تَرَوْنَهُ، وَعَدُّوا أَنْفُسَكُمْ فِي الْمَوْتَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ قَلِيلًا يَكْفِيَكُمْ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ يُلْهِيكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْبِرَّ لَا يَبْلَى، وَأَنَّ الْإِثْمَ لَا يُنْسَى " (1)
وعَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: الْبِرُّ لَا يُبْلَى وَالْإِثْمُ لَا يُنْسَى وَالدَّيَّانُ لَا يَنَامُ فَكُنْ كَمَا شِئْتَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ " (2)
وعَنِ أبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: كَمَا تَدِينُ تُدَانُ وَبِالْكَأْسِ الَّذِي تَسْقِي بِهِ تَشْرَبُ وَزِيَادَةً لِأَنَّ الْبَادِيَ لَا بُدَّ أَنْ يُزَادَ " (3)
ويؤيده قوله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (40) سورة الشورى.
وإذا تأمل الإنسان من حوله، وجد مصداق هذا القول، ورأى بأم عينيه أن الأب العاق لوالديه سينتج ولداً عاقًّا، في قاعدة مطردة منتظمة، لهذا قلنا: إنه لا بد من تعديل سلوك الآباء مع والديهم حتى يتم تعديل سلوك الأبناء معهم .
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - شعب الإيمان - (13 / 199) (10182 ) حسن
(2) - الزهْدُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (773) حسن
(3) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (8217 )(1/722)
المبحث الأول
أسس بر الوالدين في حياتهما
الأساس الأول - ثواب البر في الدنيا والآخرة :
إن لبر الوالدين كبيرَ الأثر في حياة الإنسان الدنيوية والأخروية ؛ لهذا نجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحدد معالم هذا البر، وأثره في حياة الفرد المسلم الذي إذا صلح أدى ذلك إلى صلاح المجتمع .
ويبين أن هذا البر حقٌّ واجب على الإنسان، وليس نفلاً يتبرع به، فعن بَهْزَ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَبَرُّ ؟ قَالَ: أُمَّكَ . قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمَّكَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: أُمَّكَ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ." (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَنْ أَبَرُّ ؟ قَالَ: " أُمُّكَ "، قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: " أُمُّكَ "، قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: " أُمُّكَ "، قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: " أَبُوكَ " (2)
وعَنْ كُلَيْبِ بْنِ مَنْفَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَبِرُّ ؟ قَالَ: " أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، وَمَوْلَاكَ الَّذِي يَلِي ذَاكَ، حَقًّا وَاجِبًا، وَرَحِمًا مَوْصُولَةً " (3)
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ. (4)
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ. (5)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 728)(20028) 20281- صحيح
(2) - شعب الإيمان - (10 / 253) (7454 ) صحيح
(3) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (5 / 2398) (5870و7012 ) حسن
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 854)(17187) 17319- صحيح
(5) - مسند الشاميين 360 - (1 / 116)(177) حسن(1/723)
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ مَرَّتَيْنِ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ. (1)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا حَقُّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى وَلَدِهِمَا ؟ قَالَ: هُمَا جَنَّتُكَ وَنَارُكَ. (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ " (3)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " رِضَا اللهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ " (4)
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ مَعَكَ فِي سَبِيلِ اللهِ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ قَالَ: " أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: " الْزَمْهَا " قُلْتُ: مَا أَرَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَهِمَ عَنِّي قَالَ: ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ: " أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: " الْزَمْهَا " قَالَ: قُلْتُ: مَا أَرَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَهِمَ عَنِّي قَالَ: ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ: " أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: " فَالْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ " (5)
وعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى أَبَا الدَّرْدَاءِ، فقَالَ: إِنَّ أَبِي لَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى تَزَوَّجْتُ، وَإِنَّهُ الآنَ يَأْمُرُنِي بِطَلاَقِهَا، قَالَ: مَا أَنَا بِالَّذِي آمُرُكَ أَنْ تَعُقَّ وَالِدَكَ، وَلاَ أَنَا بِالَّذِي آمُرُكَ أَنْ تُطَلِّقَ امْرَأَتَكَ، غَيْرَ أَنَّكَ إِنْ شِئْتَ، حَدَّثْتُكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،
__________
(1) - مسند الشاميين 360 - (1 / 243)(431) صحيح
(2) - سنن ابن ماجة- ط- الرسالة - (4 / 631)(3662) ضعيف
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (2020 ) صحيح
(4) - شعب الإيمان - (10 / 246) (7446 ) صحيح
(5) - سنن ابن ماجه- المكنز - (2886 ) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم - (3 / 1553)(3933 ) حسن(1/724)
سَمِعْتُهُ، يَقُولُ: الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَحَافِظْ عَلَى ذَلِكَ إِنْ شِئْتَ، أَوْ دَعْ، قَالَ: فَأَحْسِبُ عَطَاءً، قَالَ: فَطَلَّقَهَا. (1)
أثرُ برِّ الوالدين في الدنيا :
زيادة العمر والرزق، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُزَادَ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. (2)
وعَنْ سَهْلِ بن مُعَاذِ بن أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ طُوبَى لَهُ، زَادَ اللَّهُ فِي عُمُرِهِ" (3)
وعَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ، وَلاَ يُرَدُّ الْقَدْرُ إِلاَّ بِالدُّعَاءِ، وَلاَ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلاَّ الْبِرُّ. (4)
وعَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ " (5)
أثرُ برِّ الوالدين في الآخرة :
1- التكقير لذنوب الدنيا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِى مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ « هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ». قَالَ لاَ. قَالَ « هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ « فَبِرَّهَا » (6) .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (2 / 168) (425) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 679) (13811) 13847- صحيح
(3) - مسند أبي يعلى الموصلي(1494) والمعجم الكبير للطبراني - (15 / 128) (16845 ) حسن
(4) - صحيح ابن حبان - (3 / 152) (872) حسن
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْخَبَرِ لَمْ يُرِدْ بِهِ عُمُومَهُ ، وَذَاكَ أَنَّ الذَّنْبَ لاَ يَحْرِمُ الرِّزْقَ الَّذِي رُزِقَ الْعَبْدُ ، بَلْ يُكَدِّرِ عَلَيْهِ صَفَاءَهُ إِذَا فَكَرَّ فِي تَعْقِيبِ الْحَالَةِ فِيهِ. وَدَوَامُ الْمَرْءِ عَلَى الدُّعَاءِ يُطَيِّبُ لَهُ وُرُودَ الْقَضَاءِ ، فَكَأَنَّهُ رَدَّهُ لِقِلَّةِ حِسِّهِ بِأَلَمِهِ ، وَالْبِرُّ يُطَيِّبُ الْعَيْشَ حَتَّى كَأَنَّهُ يُزَادُ فِي عُمْرِهِ بِطِيبِ عَيْشِهِ ، وَقِلَّةِ تَعَذُّرِ ذَلِكَ فِي الأَحْوَالِ.
(5) - شرح مشكل الآثار - (8 / 78) (3068 ) صحيح لغيره
(6) - سنن الترمذى- المكنز - (2027 ) صحيح(1/725)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي خَطَبْتُ امْرَأَةً، فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَنِي، وَخَطَبَهَا غَيْرِي، فَأَحَبَّتْ أَنْ تَنْكِحَهُ، فَغِرْتُ عَلَيْهَا فَقَتَلْتُهَا، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ ؟ قَالَ: أُمُّكَ حَيَّةٌ ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: تُبْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَقَرَّبْ إِلَيْهِ مَا اسْتَطَعْتَ . فَذَهَبْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: لِمَ سَأَلْتَهُ عَنْ حَيَاةِ أُمِّهِ ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَا أَعْلَمُ عَمَلًا أَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بِرِّ الْوَالِدَةِ " (1)
2- دخول الجنة، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ فِيهَا قِرَاءَةً فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا: حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : كَذَلِكُمُ الْبِرُّ، كَذَلِكُمُ الْبِرُّ " " (2)
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نِمْتُ فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَسَمِعَتُ صَوْتَ قَارِئٍ يَقْرَأُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا: حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ "، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كَذَاكَ الْبِرُّ، كَذَاكَ الْبِرُّ، كَذَاكَ الْبِرُّ، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ " (3)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ». قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ ». (4)
وعَنْ أُبَيِّ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ، أَوْ أَحَدَهُمَا، ثُمَّ دَخَلَ النَّارَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ (5) .
وعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئِ، قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَاحْفَظْ ذَلِكَ الْبَابَ، أَوْ دَعْهُ. (6)
__________
(1) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (4 ) صحيح
(2) - الآحاد والمثاني - (3 / 458) (1959) والمستدرك للحاكم (4929) صحيح
(3) - شعب الإيمان - (10 / 262) (7467 ) صحيح
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (6675 )
(رغم أنفه) بالكسر أي لصق بالرغام أي التراب هذا أصله ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف من الظالم وقال القاضي: يستعمل رغم مجازاً بمعنى كره من باب إطلاق اسم السبب على المسبب
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 463)(19027) 19236- صحيح
(6) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 899)(27552) 28103- صحيح(1/726)
وعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: كَانَ فِينَا رَجُلٌ لَمْ تَزَلْ بِهِ أُمُّهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ حَتَّى تَزَوَّجَ، ثُمَّ أَمَرَتْهُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَرَحَلَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ بِالشَّامِ، فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي لَمْ تَزَلْ بِي حَتَّى تَزَوَّجْتُ، ثُمَّ أَمَرَتْنِي أَنْ أُفَارِقَ قَالَ: مَا أَنَا بِالَّذِي آمُرُكَ أَنْ تُفَارِقَ، وَمَا أَنَا بِالَّذِي آمُرُكَ أَنْ تُمْسِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ، أَوِ احْفَظْهُ قَالَ: فَرَجَعَ وَقَدْ فَارَقَهَا." (1)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، شَهِدْتُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَصَلَّيْتُ الْخَمْسَ، وَأَدَّيْتُ زَكَاةَ مَالِي، وَصُمْتُ شَهْرَ رَمَضَانَ . فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا، كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هَكَذَا، وَنَصَبَ إِصْبَعَيْهِ، مَا لَمْ يُعَقَّ وَالِدَيْهِ. (2)
ــــــــــــــ
الأساس الثاني - تقديم بر الوالدين على الفروض الكفائية:
إن بر الوالدين فرض على كل فرد مسلم، فرضه الله تعالى على عباده، فلا يوازي هذا الفرض إلا فرض مثله، وبقوته، أي: إن الفروض العينية على كل فرد، توازي فرض بر الوالدين، مثل صلاة الفرض، وصيام الفرض، والزكاة، وما علم من الدين بالضرورة، والجهاد في سبيل الله في حالة فرضه العيني( وهو النفير العام )، ففي مثل هذه الحالات يحاول الابن قدر الإمكان التوفيق بينهما، فإذا عجز عن ذلك - مع بذل قصارى جهده- يقدم فرض الله العيني على فرضية بر الوالدين، ولهذا قال الإمام الغزالي رحمه الله، بعد أن ساق أحاديث بر الوالدين: " أكثرُ العلماء على أن طاعة الأبوين واجبةٌ في الشبهات" (3)
أما في الفروض الكفائية؛ التي إذا أقامها البعض قيامً يكتفي منه المجتمع المسلم، سقط عن الباقين، فإن فرض بر الوالدين يتقدم عليها جميعاً، فما بالك إذا تعارض فرض بر الوالدين
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 888)(27511) 28061- صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 885)(24009/81) 24299- حسن
(3) - الإحياء (2/218)(1/727)
مع المباحات والمندوبات، لهذا قال بعض الأكابر: "من شغله الفرائض عن النفل فهو معذور، ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور ." (1)
فلتكن هذه الكلمة القيمة قاعدة أصيلة في حياة الإنسان ن يوازن بها المور، ويجريها عند التعارض، وسنأتي على ذلك بأمثلة :
1- تقديم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله:
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أسْتَشِيرُهُ فِي الْجِهَادِ، قَالَ: " أَلَكَ وَالِدَةٌ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: " اذْهَبْ فَأَكْرِمْهَا، فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلَيْهَا " وَفِي رِوَايَةِ إِنَّ جَاهِمَةَ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ فَجِئْتُكَ أَسْتَشِيرُكَ، فَقَالَ: " أَلَكَ وَالِدَةٌ ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: " اذْهَبْ فَالْزَمْهَا، فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلَيْهَا " (2)
وعن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى ؟ قَالَ: " الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا "، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: " بِرُّ الْوَالِدَيْنِ "، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: " الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ " (3)
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلاَةَ لِمَوَاقِيتِهَا، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. (4)
قال ابن التين: تقديم البر على الجهاد يحتمل وجهين: أحدهما: التعدية إلى نفع الغير، والثاني: أن الذي يفعله يرى أنه مكافأة على فعلهما، فكأنه يرى أن غيره أفضل منه، فنبهه على إثبات الفضيلة فيه. قلت: والأول ليس بواضح، ويحتمل أنه قدم لتوقف الجهاد عليه، إذ من بر الوالدين استئذانهما في الجهاد لثبوت النهي عن الجهاد بغير إذنهما " (5)
__________
(1) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (6 / 2592) -رقم الفتوى 43604 تتنفل ما شاءت على ألا تضيع حق زوجها وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (9 / 6924) -رقم الفتوى 68197 من وجد عملاً في غير تخصصه
(2) - شعب الإيمان - (10 / 248) (7448 -7450) صحيح
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (262 )
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 114)(3998) صحيح
(5) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار الفكر - (10 / 401)(1/728)
وفي الموسوعة الفقهية: " اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْجِهَادُ لِلْوَلَدِ فِي حَال كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ وَالِدَيْهِ إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ " (1) .
2- تقديم بر الوالدين على الزوجة والأصدقاء :
عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ وَكُنْتُ أُحِبُّهَا، وَكَانَ أَبِي يَكْرَهُهَا، فَأَمَرَنِي بِطَلاَقِهَا، فَأَبَيْتُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا عَبْدَ اللهِ طَلِّقْهَا. (2)
وعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ تُعْجِبُنِي، وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا، فَقَالَ لِي: طَلِّقْهَا، فَأَبَيْتُ، فَأَتَى عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَةً قَدْ كَرِهْتُهَا، فَأَمَرْتُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَأَبَى، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، طَلِّقِ امْرَأَتَكَ، وَأَطِعْ أَبَاكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَطَلَّقْتُهَا " (3)
قلت: لا بد أنها كانت مقصرة في حق الله تعالى حتى أمره بطلاقها .
وعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ رَجُلا أَمَرَهُ أَبَوَاهُ أَو أَحَدُهُمَا أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ، فَجَعَلَ أَلْفَ مُحَرَّرٍ، أَوْ مِائَةَ مُحَرَّرٍ، وَمَا لَهُ هَدْيًا إِنْ فَعَلَ، فَأَتَى أَبَا الدَّرْدَاءَ، فَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى الضُّحَى، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَقَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ، وَبَرَّ وَالِدَيْكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ: الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَحَافِظْ عَلَى الْبَابِ، أَوِ اتْرُكْ " (4)
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (6 / 261) ودر المنتقى في شرح الملتقى بهامش مجمع الأنهر 1 / 640 ، والشرح الصغير على ، أقرب المسالك 2 / 274 ، ومغني المحتاج 4 / 217 - 218 وكشف المخدرات ص 201 وحديث : " أحي والدك . . . . " أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه ( فتح الباري 6 / 140 ط السلفية ، وصحيح مسلم 4 / 1975 ط عيسى الحلبي )
(2) - صحيح ابن حبان - (2 / 170) (427) صحيح
(3) - المستدرك للحاكم (7253) صحيح
(4) - المستدرك للحاكم (7252) صحيح(1/729)
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ ؟ قَالَ: " زَوْجُهَا " قُلْتُ: فَأَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الرَّجُلِ ؟ قَالَ: " أُمُّهُ " (1)
3- تقديم بر الوالدين على حج التطوع:
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " " لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الْمُصْلِحِ أَجْرَانِ " "، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، لَوْلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ، قَالَ: وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أُمُّهُ لِصُحْبَتِهَا . (2)
وإِنَّما استَثنَى أَبُو هُرَيرَة هَذِهِ الأَشياء لأَنَّ الجِهاد والحَجّ يُشتَرَطُ فِيهِما إِذنُ السَّيِّدِ، وكَذَلِكَ بِرّ الأُمّ فَقَد يَحتاجُ فِيهِ إِلَى إِذن السَّيِّد فِي بَعض وُجُوهه، بِخِلافِ بَقِيَّة العِبادات البَدَنِيَّة.
ولَم يَتَعَرَّض لِلعِباداتِ المالِيَّة إِمّا لِكَونِهِ كانَ إِذ ذاكَ لَم يَكُن لَهُ مال يَزِيد عَلَى قَدر حاجَته فَيُمكِنُهُ صَرفُهُ فِي القُرُبات بِدُونِ إِذن السَّيِّد، وإِمّا لأَنَّهُ كانَ يَرَى أَنَّ لِلعَبدِ أَن يَتَصَرَّفَ فِي ماله بِغَيرِ إِذنِ السَّيِّد. (3)
قَوْله: ( وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة لَمْ يَكُنْ يَحُجّ حَتَّى مَاتَتْ أُمّه لِصُحْبَتِهَا )
الْمُرَاد بِهِ حَجُّ التَّطَوُّع، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ حَجَّ حَجَّة الْإِسْلَام فِي زَمَن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَدَّمَ بِرّ الْأُمّ عَلَى حَجّ التَّطَوُّع ؛ لِأَنَّ بِرّهَا فَرْض فَقُدِّمَ عَلَى التَّطَوُّع، وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب مَالِك أَنَّ لِلْأَبِ وَالْأُمّ مَنْع الْوَلَد مِنْ حَجَّة التَّطَوُّع دُون حَجَّة الْفَرْض . (4)
4- تقديم بر الوالدين على زيارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) - عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة - (1 / 170)251- 7906- وأخرجه الحاكم برقم (7244) وقال الحافظ فى " الفتح " 10 / 402 : صححه الحاكم واتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - ( 3205) وقال : هذا إسناد حسن.
وقد نص الحافظ في التقريب على أن أبي عتبة مجهول ، وذكر تصحيح الحاكم في الفتح والظاهر أنه كما قال البوصيري
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (2548) وصحيح مسلم- المكنز - (4410)
(3) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (5 / 176)
(4) - شرح النووي على مسلم - (6 / 66)(1/730)
هذا نموذج في غاية الروعة والجمال، اكتسب صاحبه شرف السبق في كل ميدان بفضل شغله ببر أمه، حتى إنه ما كان يستطيع زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومشاهدته ولو مرة، لينال شرف الصحبة، لاحتياج أمه إليه، إنه أويس القرني رحمه الله ورزقنا مثل بره، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا أَتَتْ عَلَيْهِ - وَفِي رِوَايَةِ الْمُقْرِئِ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ - أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرِئْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَلَكَ وَالِدَةٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ "، فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ . قَالَ: أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا . وَفِي رِوَايَةِ الْمُقْرِئِ: أَلَا أَكْتُبُ إِلَى عَامِلِهَا فَيَسْتَوْصُوا بِكَ خَيْرًا ؟ فَقَالَ: لَأَنْ أَكُونَ فِي غَمْرِ النَّاسِ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُقْرِئِ: فِي غِمَارِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَسَأَلَ عُمَرَ عَنْ أُوَيْسٍ، كَيْفَ تَرَكْتَهُ قَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ - وَفِي رِوَايَةِ الْمُقْرِئِ: رَثَّ الثِّيَابِ - قَلِيلَ الْمَتَاعِ . قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ " . فَلَمَّا قَدِمَ الرَّجُلُ أَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي . قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ . فَاسْتَغْفَرَ لِي وَقَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، قَالَ: فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ أُسَيْرٌ: فَكَسَوْتُهُ بُرْدًا فَكَانَ إِذَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هَذَا ؟ . (1)
البرص: بياض يصيب الجِلْد
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6656) ودَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (2661 )(1/731)
بَرَأَ أو بَرِئ: شفي من المرض
البر: اسم جامع لكل معاني الخير والإحسان والصدق والطاعة وحسن الصلة والمعاملة
أبر الله قَسَمَه: صدقه وأجابه وأمضاه
الرث: القديم الهالك البالي، والمراد سيئ الهيئة
المتاع: كل ما يُنْتَفَعُ به وَيُسْتَمْتَعُ، أو يُتَبَلَّغُ بِهِ ويتُزَوَدَّ من سلعة أو مال أو زوج أو أثاث أو ثياب أو مأكل وغير ذلك
البْرُدُ والبُرْدة: الشَّمْلَةُ المخطَّطة، وقيل كِساء أسود مُرَبَّع فيه صورٌ
5- تقديم بر الوالدين على الأولاد :
معنا الآن حادثة عجيبة في أمرها، عظيمة في بابها، رائعة في إخلاصها، قمة في معانيها، وفي بر صاحبها، تبين كيف أن الإخلاص في بر الوالدين ينجي صاحبه في الظلمات الحالكة، وفي الأزمات الصعبة عندما يبلغ آخر أنفاسه، فيأتيه الفرج الرباني لقاء بر الوالدين، جعلنا الله وإياكم من البررة، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ: " انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمَبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ وَاللهِ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ: اللهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا، فَنَاءَ بِيَ طَلَبُ السَّحَرِ يَوْمًا، فَلَمْ أَرُحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَجِئْتُهُمَا بِهِ، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، فَتَحَرَّجْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَقُمْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتِ انْفِرَاجًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا "، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " وَقَالَ الْآخَرُ: اللهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ، وَكَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي، حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ،(1/732)
فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النِّسَاءِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا "، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ثُمَّ قَالَ الثَّالِثُ: اللهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أُجُورَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ وَارْتَعَجَتْ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ، فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ اللهِ، أَدِّ لِي أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، لَا تَسْتَهْزِئْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا مِنَ الْغَارِ يَمْشُونَ " (1)
الغبوق: شراب آخر النهار، والمراد: إنني ما كنت أقدم عليهما في شراب حظهما من اللبن أحدا.
يتضاغون: أي يضجون ويصيحون من الجوع.
السنة: الجدب والقحط.
ألمت، بها: إذا قرب منها ودنا الجدب.
فأردتها: أي راودتها وطلبت منها أن تمكنني من نفسها.
تفض، الخاتم: كناية عن الجماع والوطء.
التحرج: الهرب من الحرج، وهو الإثم والضيق.
فرق، الفرق: مكيال يسع ستة عشر رطلا.
فانساحت: بالحاء المهملة، أي: انفسحت وتنحت.
6- تقديم بر الأم على النوافل :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " كَانَ جُرَيْجٌ يَتَعَبَّدُ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، أَنَا أُمُّكَ، كَلِّمْنِي " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " جَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصِفُ لَنَا صِفَتَهَا حِينَ قَالَتْ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2272) وشعب الإيمان - (9 / 315) (6704 ) ... ...(1/733)
هَكَذَا، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى جَبِينِهِ هَكَذَا "، وَقَالَ مُوسَى فِي حَدِيثِهِ: وَوَضَعَ سُلَيْمَانُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ، وَأَمَّا شَيْبَانُ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: وَوَصَفَ لَنَا أَبُو رَافِعٍ صِفَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ " حَيْثُ دَعَتْهُ كَيْفَ جَعَلَتْ كَفَّهَا فَوْقَ حَاجِبِهَا، ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا تَدْعُوهُ، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، أَنَا أُمُّكَ فَكَلِّمْنِي، فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي، قَالَ: اللهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ، فَرَجَعَتْ، ثُمَّ أَتَتْهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، أَنَا أُمُّكَ فَكَلِّمْنِي، قَالَ: فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي، قَالَ: اللهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ، ثُمَّ أَتَتْهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، أَنَا أُمُّكَ، كَلِّمْنِي، فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي، قَالَ: اللهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ، فَقَالَتِ: اللهُمَّ إِنَّ هَذَا جُرَيْجٌ، وَإِنَّهُ ابْنِي، وَإِنِّي قَدْ كَلَّمْتُهُ فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنِي، اللهُمَّ فَلَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ، قَالَ: وَلَوْ دَعَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتَنَ لَفُتِنَ، قَالَ: وَكَانَ رَاعِي ضَأْنٍ يَأْوِي إِلَى دَيْرِهِ، فَخَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْقَرْيَةِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَقِيلَ لَهَا: مِمَّنْ هَذَا ؟ قَالَتْ: مِنْ صَاحِبِ هَذِهِ الصَّوْمَعَةِ - وَقَالَ مُوسَى: مِنْ صَاحِبِ هَذَا الدَّيْرِ - فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ، قَالَ: فَجَاءُوا بِفُؤُوسِهِمْ، وَمَسَاحِيهِمْ فَنَادَوْهُ وَصَادَفُوهُ يُصَلِّي، فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ، فَأَخَذُوا يَهْدِمُونَ دَيْرَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَزَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: سَلْ هَذِهِ، فَمَسَحَ رَأْسَ الصَّبِيِّ، وَفِي حَدِيثٍ: فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَ الصَّبِيِّ وَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ ؟ قَالَ: أَبِي رَاعِي الضَّأْنِ، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ وَرَأَوْا مَا رَأَوْا قَالُوا: نَحْنُ نَبْنِي مَا هَدَمْنَا مِنْ دَيْرِكَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَعِيدُوهُ تُرَابًا كَمَا كَانَ " (1) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، قَالَ: وَكَانَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ عَابِدٌ يُقَالُ لَهُ: جُرَيْجٌ، فَابْتَنَى صَوْمَعَةً وَتَعَبَّدَ فِيهَا، قَالَ: فَذَكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَوْمًا عِبَادَةَ جُرَيْجٍ، فَقَالَتْ: بَغِيٌّ مِنْهُمْ: لَئِنْ شِئْتُمْ لأُفْتِنَنَّهُ فَقَالُوا: قَدْ شِئْنَا، قَالَ: فَأَتَتْهُ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَمْكَنَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَاعٍ كَانَ يَأْوِي غَنَمَهُ إِلَى أَصْلِ صَوْمَعَةِ جُرَيْجٍ، فَحَمَلَتْ، فَوَلَدَتْ غُلاَمًا، فَقَالُوا: مِمَّنْ ؟ قَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ، فَشَتَمُوهُ وَضَرَبُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ ؟ قَالُوا: إِنَّكَ زَنَيْتَ بِهَذِهِ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1206) وصحيح مسلم- المكنز - (6672) وشعب الإيمان - (10 / 279) (7494 )(1/734)
الْبَغِيِّ، فَوَلَدَتْ غُلاَمًا . قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالُوا: هَا هُوَ ذَا . قَالَ: فَقَامَ فَصَلَّى وَدَعَا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْغُلاَمِ فَطَعَنَهُ بِإِصْبَعِهِ، وَقَالَ: بِاللَّهِ يَا غُلاَمُ، مَنْ أَبُوكَ ؟ قَالَ: أَنَا ابْنُ الرَّاعِي . فَوَثَبُوا إِلَى جُرَيْجٍ فَجَعَلُوا يُقَبِّلُونَهُ، وَقَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ . قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، ابْنُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ . قَالَ: وَبَيْنَمَا امْرَأَةٌ فِي حِجْرِهَا ابْنٌ لَهَا تُرْضِعُهُ، إِذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذَا . قَالَ: فَتَرَكَ ثَدْيَهَا، وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، قَالَ: ثُمَّ عَادَ إِلَى ثَدْيِهَا يَمُصُّهُ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَحْكِي عَلَيَّ صَنِيعَ الصَّبِيِّ وَوَضْعَهُ إِصْبَعَهُ فِي فَمِهِ، فَجَعَلَ يَمُصُّهَا . ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ تُضْرَبُ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا . قَالَ: فَتَرَكَ ثَدْيَهَا، وَأَقْبَلَ عَلَى الأَمَةِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا . قَالَ: فَذَلِكَ حِينَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ، فَقَالَتْ: حَلْقَى مَرَّ الرَّاكِبُ ذُو الشَّارَةِ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، وَمُرَّ بِهَذِهِ الأَمَةِ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا، فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا فَقَالَ: يَا أُمَّتَاهْ إِنَّ الرَّاكِبَ ذُو الشَّارَةِ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأَمَةَ يَقُولُونَ: زَنَتْ، وَلَمْ تَزْنِ، وَسَرَقَتْ، وَلَمْ تَسْرِقْ، وَهِيَ تَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّهُ. " (1)
المومسات: الزواني، جمع مومسة، وهي الفاجرة، والمياميس كذلك.
البغي: الزانية أيضا.
يتمثل بحسنها: أي يعجب به، ويقال لكل من يستحسن: هذا مثل فلانة في الحسن.
والشارة الحسنة: جمال الظاهر في الهيئة والملبس والمركب ونحو ذلك.
الجبار: العاتي المتكبر القاهر للناس.
يابابوس: كلمة تقال للصغير، كذا قاله الحميدي، وقال الهروي: قال ابن الأعرابي: البابوس: الصبي الرضيع، قال: وقد جاء هذا الحرف في شعر ابن الأحمر، ولم يعرف في شعر غيره، والحرف غير مهموز.
ومساحيهم: المساحي جمع مسحاة،، وهي المجرفة التي رأسها من حديد.
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 206) (8071) 8057- صحيح(1/735)
قالَ ابن بَطّال: سَبَبُ دُعاء أُمّ جُرَيج عَلَى ولَدِها أَنَّ الكَلام فِي الصَّلاةِ كانَ فِي شَرعِهِم مُباحًا، فَلَمّا آثَرَ استِمراره فِي صَلاتِهِ ومُناجاتِهِ عَلَى إِجابَتِها دَعَت عَلَيهِ لِتَأخِيرِهِ حَقّها انتَهَى.
والَّذِي يَظهَرُ مِن تَردِيدِهِ فِي قَوله: "أُمِّي، وصَلاتِي " أَنَّ الكَلام عِندَهُ يَقطَعُ الصَّلاةَ فَلِذَلِكَ لَم يُجِبها.
وفِي رِوايَة أَبِي رافِع " فَصادَفَتهُ يُصَلِّي، فَوضَعَت يَدها عَلَى حاجِبها فَقالَت: يا جُرَيج، فَقالَ: يا رَبّ أُمِّي وصَلاتِي، فاختارَ صَلاته، فَرَجَعَت . ثُمَّ أَتَتهُ فَصادَفَتهُ يُصَلِّي فَقالَت: يا جُرَيج أَنا أُمّك فَكَلِّمنِي، فَقالَ مِثله " فَذَكَرَهُ . وفِي حَدِيث عِمران بن حُصَينٍ أَنَّها جاءَتهُ ثَلاث مَرّات تُنادِيه فِي كُلّ مَرَّة ثَلاث مَرّات.
وفِي رِوايَة الأَعرَج عِند الإِسماعِيلِيّ " فَقالَ أُمِّي وصَلاتِي لِرَبِّي، أُوثِر صَلاتِي عَلَى أُمِّي، ذَكَرَهُ ثَلاثًا " وكُلّ ذَلِكَ مَحمُول عَلَى أَنَّهُ قالَهُ فِي نَفسه لا أَنَّهُ نَطَقَ بِهِ، ويُحتَمَل أَن يَكُون نَطَقَ بِهِ عَلَى ظاهِره لأَنَّ الكَلام كانَ مُباحًا عِندهم، وكَذَلِكَ كانَ فِي صَدر الإِسلام " (1)
7- تقديم بر الوالدين على الهجرة في سبيل الله .
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا أُبَايِعُكَ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيْهِمَا فَتُضْحِكَهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا " (2) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، فقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُبَايِعَكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ، فقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِمَا، فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا. (3)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أُجَاهِدُ ؟ فقَالَ: لَكَ أَبَوَانِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ. (4)
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (3 / 78)
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (2530) وشرح مشكل الآثار - (5 / 367) (2124 ) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (2 / 163) (419) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (2 / 164) (420) صحيح(1/736)
قلت: الجهاد إذا كان الخارج فيه متطوعا فإن ذلك لا يجوز إلاّ بإذن الوالدين فأما إذا تعين عليه فرض الجهاد فلا حاجة به إلى إذنهما، وإن منعاه من الخروج عصاهما وخرج في الجهاد . وهذا إذا كانا مسلمين فإن كانا كافرين فلا سبيل لهما إلى منعه من الجهاد فرضاً كان أو نفلا وطاعتهما حينئذ معصية الله ومعونة للكفار وإنما عليه أن يبرهما ويطيعهما فيما ليس بمعصية. (1)
8- نموذج من بر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بوالديه وبر ابنته فاطمة له :
عن عُمَرَ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ جَالِسًا يَوْمًا فَأَقْبَلَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَوَضَعَ لَهُ بَعْضَ ثَوْبِهِ فَقَعَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَتْ أُمُّهُ فَوَضَعَ لَهَا شِقَّ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الآخَرِ فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَقَامَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. (2)
وعَن عُمَارَةَ بنِ ثَوبَانَ، قَالَ: حدثني أبو الطفَيلِ، قَالَ:رَأَيْتُ النبِيَّ، - صلى الله عليه وسلم - ، يَقْسِمُ لَحمًا بِالجِعرَانَةِ، وَأَنَا يَوْمَئذٍ غُلاَم، أَحْمِلُ عُضوَ البَعِيرِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَة، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ، قُلتُ: مَن هَذِهِ ؟ قِيلَ: هَذِهِ أُمهُ التِي أَرْضَعَتهُ (3) .البعير: ما صلح للركوب والحمل من الإبل، وذلك إذا استكمل أربع سنوات، ويقال للجمل والناقة
الرداء: ما يوضع على أعالي البدن من الثياب
وعن أبي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِى طَالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ قَالَتْ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ « مَنْ هَذِهِ » . فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِى طَالِبٍ . فَقَالَ « مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ » . فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ، مُلْتَحِفًا فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا
__________
(1) - معالم السنن للخطابي 288 - (2 / 245)
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (5147 ) فيه إعضال ، فلا يصح
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (5146) فيه جهالة(1/737)
انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّى أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ فُلاَنَ بْنَ هُبَيْرَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ » . قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَاكَ ضُحًى . (1)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: جُرِحَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - تَغْسِلُ الدَّمَ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْكُبُ الْمَاءَ عَلَيْهَا بِالْمِجَنِّ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الْمَاءَ لاَ يَزِيدُ الدَّمَ إِلاَّ كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ، فَأَحْرَقَتْهُ حَتَّى إِذَا صَارَ رَمَادًا أَلْصَقَتْهُ بِالْجُرْحِ فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ. (2)
ــــــــــــــ
الأساس الثالث - لا طاعة للوالدين في معصية الخالق مع بقاء الإحسان إليهما
إن الذي فرض طاعة الوالدين هو الله تعالى، فإذا أراد بعض الأبوين استغلال هذا الفرض في غير ما أمر سبحانه، فإن الله تعالى أذن للمسلم، وطالبه بعدم الطاعة، وفي ذلك إحسان لهما، وتنبيه للرجوع إلى أمر الله تعالى، فإن أصرَّا على المعصية، أو الكفر، فيبقى الابن محسناً لهما في غير المعصية .. وهذا خلق إسلامي رفيع في الإحسان إليهما، ومصاحبتهما بمعروف رغم انحرافهما عن الشريعة، ولكن دون أن يمسا العقيدة بأي طعنٍ، أو لمزٍ، أو غمزٍ، وكل ما يؤول إلى الكفر لا طاعة للوالدين فيه، وكل أمر فيه معصية ( كالحرام، والمكروه تحريماً ) لا طاعة للوالدين فيه، مع إبلاغهما شرع الله تعالى برفق، ولين وحكمة، وليس بفظاظة، وغلظة، وغضب، واستكبار .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (357 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (2911 ) وصحيح مسلم- المكنز - (4743 ) وصحيح ابن حبان - (14 / 541) (6579)
هشمت البيضة البيضة : الخوذة ،والهشم : الكسر. -المجن : الترس.(1/738)
قال تعالى: { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (15) سورة لقمان
وعَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ." (1)
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: كَيْفَ بِكَ يَا عَبْدَ اللهِ، إِذَا كَانَ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُضَيِّعُونَ السُّنَّةَ، وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلاَةَ عَنْ مِيقَاتِهَا ؟ قَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: تَسْأَلُنِي ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ، كَيْفَ تَفْعَلُ ؟ لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. (2)
وعَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: اسْتُعْمِلَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ عَلَى خُرَاسَانَ، فَتَمَنَّاهُ عِمْرَانُ حَتَّى قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَلاَ نَدْعُوهُ لَكَ ؟ فَقَالَ لَهُ: لاَ، ثُمَّ قَامَ عِمْرَانُ فَلَقِيَهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ عِمْرَانُ: إِنَّكَ قَدْ وُلِّيتَ أَمْرًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عَظِيمًا، ثُمَّ أَمَرَهُ وَنَهَاهُ، وَوَعَظَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَذْكُرُ يَوْمَ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ قَالَ الْحَكَمُ: نَعَمْ، قَالَ عِمْرَانُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. (3)
قال ابن بطال: واجب على المرأة ألا تطيع زوجها فى معصية، وكذلك كل من لزمته طاعة غيره من العباد، فلا تجوز طاعته له فى معصية الله تعالى (4)
وقد ورد عن الصحابة أمثلة حية من ذلك، فعن مُصْعَبَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ: حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ، قَالَتْ: زَعَمْتَ أَنَّ اللَّهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ، وَأَنَا أُمُّكَ، وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا . قَالَ: مَكَثَتْ ثَلَاثًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ، فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ، فَسَقَاهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 372)(1095) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 89) (3889) صحيح لغيره
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 889)(20656) 20932- صحيح
(4) - شرح ابن بطال - (13 / 324)(1/739)
تَعْمَلُونَ} (8) سورة العنكبوت، قَالَ: وَأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَنِيمَةً عَظِيمَةً، فَإِذَا فِيهَا سَيْفٌ فَأَخَذْتُهُ، فَأَتَيْتُ بِهِ الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْتُ: نَفِّلْنِي هَذَا السَّيْفَ، فَأَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْتَ حَالَهُ، فَقَالَ: " رُدُّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ " فَانْطَلَقْتُ، حَتَّى إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أُلْقِيَهُ فِي الْقَبَضِ لَامَتْنِي نَفْسِي، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: أَعْطِنِيهِ، قَالَ فَشَدَّ لِي صَوْتَهُ " رُدُّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ " قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (1) سورة الأنفال، قَالَ: وَمَرِضْتُ فَأَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَانِي، فَقُلْتُ: دَعْنِي أَقْسِمْ مَالِي حَيْثُ شِئْتُ، قَالَ فَأَبَى، قُلْتُ: فَالنِّصْفَ، قَالَ فَأَبَى، قُلْتُ: فَالثُّلُثَ، قَالَ فَسَكَتَ، فَكَانَ، بَعْدُ الثُّلُثُ جَائِزًا . قَالَ: وَأَتَيْتُ عَلَى نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَقَالُوا: تَعَالَ نُطْعِمْكَ وَنَسْقِكَ خَمْرًا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ، قَالَ فَأَتَيْتُهُمْ فِي حَشٍّ - وَالْحَشُّ الْبُسْتَانُ - فَإِذَا رَأْسُ جَزُورٍ مَشْوِيٌّ عِنْدَهُمْ، وَزِقٌّ مِنْ خَمْرٍ . قَالَ فَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ مَعَهُمْ، قَالَ فَذَكَرْتُ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرِينَ عِنْدَهُمْ . فَقُلْتُ: الْمُهَاجِرُونَ خَيْرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ . قَالَ فَأَخَذَ رَجُلٌ أَحَدَ لَحْيَيِ الرَّأْسِ فَضَرَبَنِي، بِهِ فَجَرَحَ بِأَنْفِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَخْبَرْتُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ - يَعْنِي نَفْسَهُ - شَأْنَ الْخَمْرِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (90) سورة المائدة . (1)
وقَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ قَالَ: كَانَ الْمُنَافِقُونَ يُسَمُّونَ الْمُهَاجِرِينَ: الْجَلَابِيبَ ؛ وَقَالَ: قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ: قَدْ أَمَرْتُكُمْ فِي هَؤُلَاءِ الْجَلَابِيبِ أَمْرِي، قَالَ: هَذَا بَيْنَ أَمَجٍ وَعُسْفَانَ عَلَى الْكَدِيدِ تَنَازَعُوا عَلَى الْمَاءِ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ قَدْ غَلَبُوا عَلَى الْمَاءِ ؛ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ أُبَيٍّ أَيْضًا: أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ لَقَدْ قُلْتُ لَكُمْ: لَا تُنْفِقُوا عَلَيْهِمْ، لَوْ تَرَكْتُمُوهُمْ مَا وَجَدُوا مَا يَأْكُلُونَ، وَيَخْرُجُوا وَيَهْرُبُوا ؛ فَأَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ ابْنُ أُبَيٍّ ؟ قَالَ: " وَمَا ذَاكَ ؟ " فَأَخْبَرَهُ وَقَالَ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ: "
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6391 )(1/740)
إِذًا تَرْعَدُ لَهُ آنَفٌ كَثِيرَةٌ بِيَثْرِبَ " . قَالَ عُمَرُ: فَإِنْ كَرِهْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَقْتُلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَمُرْ بِهِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَمُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَيَقْتُلَانِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ، ادْعُوا لِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ " . فَدَعَاهُ، فَقَالَ: " أَلَا تَرَى مَا يَقُولُ أَبُوكَ ؟ " قَالَ: وَمَا يَقُولُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ؟ قَالَ: " يَقُولُ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ " ؛ فَقَالَ: فَقَدْ صَدَقَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْتَ وَاللَّهِ الْأَعَزُّ وَهُوَ الْأَذَلُّ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ قَدِمْتَ الْمَدِينَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ أَهْلَ يَثْرِبَ لَيَعْلَمُونَ مَا بِهَا أَحَدٌ أَبَرَّ مِنِّي، وَلَئِنْ كَانَ يُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَنْ آتِيَهُمَا بِرَأْسِهِ لَآتِيَنَّهُمَا بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا " . فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ عَلَى بَابِهَا بِالسَّيْفِ لِأَبِيهِ ؛ ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ الْقَائِلُ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، أَمَا وَاللَّهِ لَتَعْرِفَنَّ الْعِزَّةُ لَكَ أَوْ لِرَسُولِ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَا يَأْوِيكَ ظِلُّهُ، وَلَا تَأْوِيهِ أَبَدًا إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ فَقَالَ: يَا لِلْخَزْرَجِ ابْنِي يَمْنَعُنِي بَيْتِي يَا لِلْخَزْرَجِ ابْنِي يَمْنَعُنِي بَيْتِي فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا تَأْوِيهِ أَبَدًا إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ ؛ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ فَكَلَّمُوهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: " اذْهَبُوا إِلَيْهِ، فَقُولُوا لَهُ خِلِّهِ وَمَسْكَنَهُ " ؛ فَأَتَوْهُ، فَقَالَ: أَمَا إِذَا جَاءَ أَمْرُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَعَمْ " (1)
وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَىِّ ابْنِ سَلُولَ لأَبِيهِ: وَاللَّهِ لاَ تَدْخُلُ الْمَدِينَةَ أَبَدًا حَتَّى تَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الأَعَزُّ وَأَنَا الأَذَلُّ. قَالَ وَجَاءَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَ أَبِى، فَوَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا تَأَمَّلْتُ وَجْهَهُ قَطُّ هَيْبَةً لَهُ، وَلَئِنْ شِئْتَ أَنْ آتِيَكَ بِرَأْسِهِ لأَتَيْتُكَ، فَإِنِّى أَكْرَهُ أَنْ أَرَى قَاتِلَ أَبِى. (2)
ويبقى الإحسان إليهما في أمور الدنيا مستمرًّا، وصلة رحمهما دائمة..فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ - رضي الله عنهم - قَالَتْ قَدِمَتْ عَلَىَّ أُمِّى وَهْىَ مُشْرِكَةٌ، فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،
__________
(1) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ (31647 ) صحيح مرسل
(2) - مسند الحميدي - المكنز - (1294) فيه إعضال، ويشهد له ما قبله(1/741)
فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ { إِنَّ أُمِّى قَدِمَتْ } وَهْىَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّى قَالَ « نَعَمْ صِلِى أُمَّكِ » . (1)
وعَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِى بَكْرٍ - رضي الله عنهم - قَالَتْ قَدِمَتْ عَلَىَّ أُمِّى وَهْىَ مُشْرِكَةٌ فِى عَهْدِ قُرَيْشٍ، إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمُدَّتِهِمْ، مَعَ أَبِيهَا، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّى قَدِمَتْ عَلَىَّ، وَهْىَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُهَا قَالَ « نَعَمْ، صِلِيهَا » (2) .
راغبة: الرغبة: الطلب، والمراد: أنها جاءت طامعة، تسألني شيئًا.
أفأصل أمي؟: الصلة: العطية والإنعام .
مُدَّتِهم: أراد بمدتهم: الزمان الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك قتالهم فيها وَوَادَعَهُم . (3)
وعن عَامِرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمَتْ قُتَيْلَةُ ابْنَةُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ أَسْعَدَ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حَسَلٍ، عَلَى ابْنَتِهَا أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ بِهَدَايَا، ضِبَابٍ، وَقِرظٍ، وَسَمْنٍ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَأَبَتْ أَسْمَاءُ أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا، وَتُدْخِلَهَا بَيْتَهَا، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (8) سورة الممتحنة، فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَأَنْ تُدْخِلَهَا بَيْتَهَا. (4)
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، من جميع أصناف الملل والأديان أن تبرُّوهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، إن الله عزّ وجلّ عمّ بقوله:( الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ) جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصصْ به بعضًا دون بعض، ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ، لأن برّ المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غير محرّم ولا منهيّ عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له، أو لأهل
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2620 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2372)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (3183 )
(3) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (1 / 406)
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 530)(16111) 16210- وفيه ضعف(1/742)
الحرب على عورة لأهل الإسلام، أو تقوية لهم بكُراع أو سلاح. قد بين صحة ما قلنا في ذلك، الخبر الذي ذكرناه عن ابن الزبيرفي قصة أسماء وأمها. (1)
إن المسلم يعيش في هذه الأرض لعقيدته، ويجعلها قضيته مع نفسه ومع الناس من حوله. فلا خصومه على مصلحة، ولا جهاد في عصبية - أي عصبية - من جنس أو أرض أو عشيرة أو نسب. إنما الجهاد لتكون كلمة اللّه هي العليا، ولتكون عقيدته هي المنهج في الحياة. (2)
ويبقى الابن المسلم حريصاً كل الحرص على إسلام والديه، ودعوتهم إلى الإيمان، وحثهم على التطبيق، بكل لهفة ن ورحمة، ولطف، وهدوء، وهذا مسلك الأنبياء والمرسلين، في دعوة آبائهم، فإبراهيم عليه السلام يقدِّمُ لنا نموذجاً في طريق الدعوة إلى الله، قال تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)} [مريم: 41 - 50]
واذكر - أيها الرسول - لقومك في هذا القرآن قصة إبراهيم - عليه السلام - إنه كان عظيم الصدق، ومِن أرفع أنبياء الله تعالى منزلة.
إذ قال لأبيه آزر: يا أبت لأي شيء تعبد من الأصنام ما لا يسمع ولا يبصر، ولا يدفع عنك شيئًا من دون الله؟
__________
(1) - تفسير الطبري - مؤسسة الرسالة - (23 / 323)
(2) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6 / 3544)(1/743)
يا أبت، إن الله أعطاني من العلم ما لم يعطك، فاقبل مني، واتبعني إلى ما أدعوك إليه، أرشدك إلى الطريق السوي الذي لا تضلُّ فيه.
يا أبت، لا تطع الشيطان فتعبد هذه الأصنام; إن الشيطان كان للرحمن مخالفًا مستكبرًا عن طاعة الله.
يا أبت، إني أخاف أن تموت على كفرك، فيمَسَّك عذاب من الرحمن، فتكون للشيطان قرينًا في النار.
قال أبو إبراهيم لابنه: أمعرض أنت عن عبادة آلهتي يا إبراهيم؟ لئن لم تنته عن سَبِّها لأقتلنَّك رميًا بالحجارة، واذهب عني فلا تلقني، ولا تكلمني زمانًا طويلا من الدهر.
قال إبراهيم لأبيه: سلام عليك مني فلا ينالك مني ما تكره، وسوف أدعو الله لك بالهداية والمغفرة. إن ربي كان رحيمًا رؤوفًا بحالي يجيبني إذا دعوته.
وأفارقكم وآلهتكم التي تعبدونها من دون الله، وأدعو ربي مخلصًا، عسى أن لا أشقى بدعاء ربي، فلا يعطيني ما أسأله.
فلما فارقهم وآلهتهم التي يعبدونها من دون الله رزقناه من الولد: إسحاق، ويعقوب بن إسحاق، وجعلناهما نبيَّين.
ووهبنا لهم جميعا من رحمتنا فضلا لا يحصى، وجعلنا لهم ذكرًا حسنًا، وثناءً جميلا باقيًا في الناس. (1)
بهذا اللطف في الخطاب يتوجه إبراهيم إلى أبيه، يحاول أن يهديه إلى الخير الذي هداه اللّه إليه، وعلمه إياه وهو يتحبب إليه فيخاطبه: «يا أَبَتِ»
ويسأله: «لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً؟»
والأصل في العبادة أن يتوجه بها الإنسان إلى من هو أعلى من الإنسان وأعلم وأقوى. وأن يرفعها إلى مقام أسمى من مقام الإنسان وأسنى. فكيف يتوجه بها إذن إلى ما هو دون الإنسان، بل إلى ما هو في مرتبة أدنى من مرتبة الحيوان، لا يسمع ولا يبصر ولا يملك ضرا
__________
(1) - التفسير الميسر(1/744)
ولا نفعا. إذ كان أبوه وقومه يعبدون الأصنام كما هو حال قريش الذين يواجههم الإسلام.
هذه هي اللمسة الأولى التي يبدأ بها إبراهيم دعوته لأبيه. ثم يتبعها بأنه لا يقول هذا من نفسه، إنما هو العلم الذي جاءه من اللّه فهداه. ولو أنه أصغر من أبيه سنا وأقل تجربة، ولكن المدد العلوي جعله يفقه ويعرف الحق فهو ينصح أباه الذي لم يتلق هذا العلم، ليتبعه في الطريق الذي هدي إليه :«يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا» ..
فليست هناك غضاضة في أن يتبع الوالد ولده، إذا كان الولد على اتصال بمصدر أعلى. فإنما يتبع ذلك المصدر، ويسير في الطريق إلى الهدى.
وبعد هذا الكشف عما في عبادة الأصنام من نكارة، وبيان المصدر الذي يستمد منه إبراهيم ويعتمد عليه في دعوة أبيه .. يبين له أن طريقه هو طريق الشيطان، وهو يريد أن يهديه إلى طريق الرحمن، فهو يخشى أن يغضب اللّه عليه فيقضي عليه أن يكون من أتباع الشيطان.
«يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ. إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا. يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا».
والشيطان هو الذي يغري بعبادة الأصنام من دون اللّه، فالذي يعبدها كأنما يتعبد الشيطان والشيطان عاص للرحمن. وإبراهيم يحذر أباه أن يغضب اللّه عليه فيعاقبه فيجعله وليا للشيطان وتابعا. فهداية اللّه لعبده إلى الطاعة نعمة وقضاؤه عليه أن يكون من أولياء الشيطان نقمة .. نقمة تقوده إلى عذاب أشد وخسارة أفدح يوم يقوم الحساب.
ولكن هذه الدعوة اللطيفة بأحب الألفاظ وأرقها لا تصل إلى القلب المشرك الجاسي، فإذا أبو إبراهيم يقابله بالاستنكار والتهديد والوعيد: «قالَ: أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ؟ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ. وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا».
أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم، وكاره لعبادتها ومعرض عنها؟ أو بلغ بك الأمر إلى هذا الحد من الجراءة؟! فهذا إنذار لك بالموت الفظيع إن أنت أصررت على هذا الموقف(1/745)
الشنيع: «لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ»! فاغرب عن وجهي وابعد عني طويلا. استبقاء لحياتك إن كنت تريد النجاة: «وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا» ..
بهذه الجهالة تلقى الرجل الدعوة إلى الهدى. وبهذه القسوة قابل القول المؤدب المهذب. وذلك شأن الإيمان مع الكفر وشأن القلب الذي هذبه الإيمان والقلب الذي أفسده الكفر.
ولم يغضب إبراهيم الحليم. ولم يفقد بره وعطفه وأدبه مع أبيه: « قالَ: سَلامٌ عَلَيْكَ. سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا. وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا».
سلام عليك .. فلا جدال ولا أذى ولا رد للتهديد والوعيد. سأدعو اللّه أن يغفر لك فلا يعاقبك بالاستمرار في الضلال وتولي الشيطان، بل يرحمك فيرزقك الهدى. وقد عودني ربي أن يكرمني فيجيب دعائي.
وإذا كان وجودي إلى جوارك ودعوتي لك إلى الإيمان تؤذيك فسأعتز لك أنت وقومك، وأعتزل ما تدعون من دون اللّه من الآلهة. وأدعو ربي وحده، راجيا - بسبب دعائي للّه - ألا يجعلني شقيا.
فالذي يرجوه إبراهيم هو مجرد تجنيبه الشقاوة .. وذلك من الأدب والتحرج الذي يستشعره. فهو لا يرى لنفسه فضلا، ولا يتطلع إلى أكثر من تجنيبه الشقاوة! وهكذا اعتزل إبراهيم أباه وقومه وعبادتهم وآلهتهم وهجر أهله ودياره، فلم يتركه اللّه وحيدا. بل وهب له ذرية وعوضه خيرا :«فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ. وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا. وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا، وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا» ..
وإسحاق هو ابن إبراهيم، رزقه من سارة - وكانت قبله عقيما - ويعقوب هو ابن إسحاق: ولكنه يحسب ولدا لإبراهيم لأن إسحاق رزقه في حياة جده، فنشأ في بيته وحجره، وكان كأنه ولده المباشر وتعلم ديانته ولقنها بنيه. وكان نبيا كأبيه.
«وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا» إبراهيم وإسحاق ويعقوب ونسلهم .. والرحمة تذكر هنا لأنها السمة البارزة في جو السورة، ولأنها هبة اللّه التي تعوض إبراهيم عن أهله ودياره، وتؤنسه في وحدته واعتزاله.(1/746)
« وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا» .. فكانوا صادقين في دعوتهم، مسموعي الكلمة في قومهم. يؤخذ قولهم بالطاعة وبالتبجيل. (1)
وهذا مثال آخر وقع مع الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ أَبُو كَثِيرٍ السُّحَيْمِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا سَمِعَ بِي أَحَدٌ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، إِلَّا أَحَبَّنِي، إِنَّ أُمِّي كُنْتُ أُرِيدُهَا عَلَى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى، فَقُلْتُ لَهَا، فَأَبَتْ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ لَهَا، فَدَعَا، فَأَتَيْتُهَا - وَقَدْ أَجَافَتْ عَلَيْهَا الْبَابَ - فَقَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنِّي أَسْلَمْتُ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ لِي وَلِأُمِّي، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ، عَبْدُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأُمُّهُ، أَحِبَّهُمَا إِلَى النَّاسِ " (2)
وعَنْ أَبِي كَثِيرٍ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ " فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ، فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ، فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَفَتَحَتِ الْبَابَ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا، قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا - يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ - وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمِ الْمُؤْمِنِينَ " فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي " (3)
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2311)
(2) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (35 ) صحيح
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (6551 )(1/747)
أجفت الباب: إذا أغلقته، فهو مجاف. -خشف قدَمَيّ: الخشف والخشفة: الصوت والحركة.
وقال أَبُو كَثِيرٍ السُّحَيْمِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا خَلَقَ اللَّهُ مُؤْمِنًا يَسْمَعُ بِي، وَيَرَانِي إِلاَّ أَحَبَّنِي، قُلْتُ: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ: إِنَّ أُمِّي كَانَتِ امْرَأَةً مُشْرِكَةً وَكُنْتُ أَدْعُوهَا إِلَى الإِسْلاَمِ، فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا، فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَبْكِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ، فَتَأْبَى عَلَيَّ وَأَدْعُوهَا، فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ اهْدِهَا، فَلَمَّا أَتَيْتُ الْبَابَ إِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، وَسَمِعْتُ خَشْفَ رَجُلٍ أَوْ رِجُلٍ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كَمَا أَنْتَ وَفَتَحَتِ الْبَابَ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَلَى خِمَارِهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ كَمَا بَكَيْتُ مِنَ الْحُزْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَبْشِرْ، فَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعَوْتَكَ، قَدْ هَدَى اللَّهُ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْهُمْ إِلَيْهِمَا " (1)
وهذا أبو بكر - رضي الله عنهم - يسارع بعد فتح مكة ليأخذ والده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - طمعاً في إسلامه وقد كان، فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَا طُوًى، قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لابْنَةٍ لَهُ وَكَانَتْ أَصْغَرَ وَلَدِهِ: أَيْ بُنَيَّةُ، أَشْرِفِي بِي عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ، فَأَشْرَفْتُ بِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ، مَاذَا تَرَيْنَ ؟ قَالَتْ: أَرَى سَوَادًا مُجْتَمِعًا وَأَرَى رَجُلا يَسْرِي بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ السَّوَادِ مُقْبِلا، فَقَالَ: تِلْكَ الْخَيْلُ يَا بُنَيَّةُ، ثُمَّ قَالَ: مَاذَا تَرَيْنَ ؟ قَالَتْ: أَرَى السَّوَادَ قَدِ انْتَشَرَ، فَقَالَ: إِذًا وَاللَّهِ دُفِعَتِ الْخَيْلُ، فَأَسْرِعِي بِي إِلَى بَيْتِي، فَخَرَجْتُ سَرِيعًا حَتَّى إِذَا هَبَطْتُ بِهِ إِلَى الأَبْطَحِ وَكَانَ فِي
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (16 / 107) (7154) صحيح(1/748)
عُنُقِهَا طَوْقٌ لَهَا مِنْ وَرِقٍ، فَاقْتَطَعَهُ إِنْسَانٌ مِنْ عُنُقِهَا، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْجِدَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى جَاءَ بِأَبِيهِ يَقُودُهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: هَلا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَجِيئَهُ، فَقَالَ: يَمْشِي هُوَ إِلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَقُّ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ إِلَيْهِ، فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَدْرَهُ، وَقَالَ: أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَأَسْلَمَ ..." (1)
ــــــــــــــ
الأساس الرابع -أحق الناس بحسن صحبتك والداك :
كثيراً ما يخطئ الإنسان في اتخاذ الصاحب والخليل، فلا يستطيع أن يجدَ المخلص الوفيَّ، ويركض في طلبه، فتتعثر قدماه، ويبحث هنا وهناك بجدٍّ ونشاط، لعله يجد المخلص الوفي، فيلمح من بعيد صديقاً، فيصادفه، حتى إذا صادفه وجده غير ذلك .
ولم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الإنسان وهذه حالته في التقلب، فدلَّه إلى طريق مختصر قصير جدًّا في الوصول إلى الصديق الوفي .. إنه الوالدان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: أَبُوكَ، قَالَ: فَيَرَوْنَ أَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَيِ الْبِرِّ. (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صُحْبَتِي ؟ قَالَ: أُمُّكَ، فقَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: أَبُوكَ. (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْبِئْنِي مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ، قَالَ: تُنَبِّئُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَالٌ
__________
(1) - المستدرك للحاكم (4363) حسن صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (2 / 176) (433) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5971) وصحيح مسلم- المكنز - (6664) وصحيح ابن حبان - (2 / 177) (434)(1/749)
أَتَصَدَّقُ بِهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ لَتُنَبَّأَنَّ: تَصَدَّقْ وَأَنْتَ صَحِيحٌ، شَحِيحٌ، تَأْمُلُ الْعَيْشَ، وَتَخَافُ الْفَقْرَ، وَلا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ نَفْسُكَ هَاهُنَا، وهاهنا، قُلْتُ: مَا لِي لِفُلانٍ، وَمَا لِي لِفُلانٍ، وَهُوَ لَهُمْ وَإِنْ كَرِهْتَ " (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ مِنِّي بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ: أُمُّكَ، ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ " (2)
وقد يقول قائل: أنا في غنى أن أتخذ صاحباً وصديقاً ؟ فالجواب: إذا أنت استغنيت فلا بأس، ولكن الوالدين لا يستغنيان عن صحبتك، ومحادثتك، ومشاورتك، وسماع رأيك في كثير من القضايا التي تستجد في حياتهما وحياة إخوتك .
وأنت لا يمكن أن تستغني عنهما وعن مشورتهما في أمور الحياة، فلهما تجربة سابقة، وهما حريصان على نصحك وإرشادك أكثر من حرصهما على أنفسهما، وقد أمر تعالى بصحبة الوالدين ولو كانا كافرين: { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (15) سورة لقمان .
ــــــــــــــ
الأساس الخامس - تقديم بر الأم على الأب عند التعارض، بعد محاولة التوفيق بينهما :
لَمَّا كَانَ حَقُّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الأَْوْلاَدِ عَظِيمًا، فَقَدْ نَزَل بِهِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَوَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ، وَيَقْضِي ذَلِكَ بِلُزُومِ بِرِّهِمَا وَطَاعَتِهِمَا وَرِعَايَةِ شُئُونِهِمَا وَالاِمْتِثَال لأَِمْرِهِمَا، فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ بَيَانُهُ .
وَنَظَرًا لِقِيَامِ الأُْمِّ بِالْعِبْءِ الأَْكْبَرِ فِي تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ اخْتَصَّهَا الشَّارِعُ بِمَزِيدٍ مِنَ الْبِرِّ، بَعْدَ أَنْ أَوْصَى بِبِرِّهِمَا، فَقَال تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (14) سورة لقمان
__________
(1) - مسند أبي يعلى الموصلي (6092) صحيح
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي (6094) صحيح(1/750)
وحديث أبي هريرة الآنف الذكر، ولحديث الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ. (1)
فَفِيمَا ذُكِرَ - وَغَيْرُهُ كَثِيرٌ - مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ دَلِيلٌ عَلَى مَنْزِلَةِ الأَْبَوَيْنِ، وَتَقْدِيمِ الأُْمِّ فِي الْبِرِّ عَلَى الأَْبِ فِي ذَلِكَ ؛ لِصُعُوبَةِ الْحَمْل، ثُمَّ الْوَضْعِ وَآلاَمِهِ، ثُمَّ الرَّضَاعِ وَمَتَاعِبِهِ، وَهَذِهِ أُمُورٌ تَنْفَرِدُ بِهَا الأُْمُّ وَتَشْقَى بِهَا، ثُمَّ تُشَارِكُ الأَْبَ فِي التَّرْبِيَةِ، فَضْلاً عَنْ أَنَّ الأُْمَّ أَحْوَجُ إِلَى الرِّعَايَةِ مِنَ الأَْبِ، وَلاَ سِيَّمَا حَال الْكِبَرِ . (2)
وَفِي تَقْدِيمِ هَذَا الْحَقِّ أَيْضًا: أَنَّهُ لَوْ وَجَبَتِ النَّفَقَةُ عَلَى الْوَلَدِ لأَِبَوَيْهِ، وَلَمْ يَقْدِرْ إِلاَّ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدِهِمَا، فَتُقَدَّمُ الأُْمُّ عَلَى الأَْبِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، (3) وَذَلِكَ لِمَا لَهَا مِنْ مَشَقَّةِ الْحَمْل وَالرَّضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ وَزِيَادَةِ الشَّفَقَةِ، وَأَنَّهَا أَضْعَفُ وَأَعْجَزُ . هَذَا مَا لَمْ يَتَعَارَضَا فِي بِرِّهِمَا .
فَإِنْ تَعَارَضَا فِيهِ، بِأَنْ كَانَ فِي طَاعَةِ أَحَدِهِمَا مَعْصِيَةُ الآْخَرِ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ: إِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَأْمُرُ بِطَاعَةٍ وَالآْخَرُ يَأْمُرُ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُطِيعَ الآْمِرَ بِالطَّاعَةِ مِنْهُمَا دُونَ الآْمِرِ بِالْمَعْصِيَةِ، فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ مَعْصِيَةٍ .
وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَاحِبَهُ بِالْمَعْرُوفِ لِلأَْمْرِ بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } (سورة لقمان / 15) وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي الأَْبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ، إِلاَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لاَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ .
أَمَّا إِنْ تَعَارَضَ بِرُّهُمَا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَحَيْثُ لاَ يُمْكِنُ إِيصَال الْبِرِّ إِلَيْهِمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَقَدْ قَال الْجُمْهُورُ: طَاعَةُ الأُْمِّ مُقَدَّمَةٌ ؛ لأَِنَّهَا تَفْضُل الأَْبَ فِي الْبِرِّ . (4)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 854)(17187) 17319- صحيح
(2) - فتح الباري بشرح صحيح البخاري 10 / 401 - 402 ، وشرح إحياء علوم الدين للغزالي 6 / 315 ، والزواجر عن اقتراف الكبائر للهيثمي 2 / 71 ط دائرة المعارف ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 14 / 63ـ 65 .
(3) - رد المحتار على الدر المختار 2 / 673 ، والفواكه الدواني 2 / 384 ، وروضة الطالبين 9 / 95 ، والمكتب الإسلامي والمغني لابن قدامة 7 / 594 ط الرياض الحديثة .
(4) - الفواكه الدواني 2 / 384 .(1/751)
وَقِيل: هُمَا فِي الْبِرِّ سَوَاءٌ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً قَال لِمَالِكٍ: وَالِدِي فِي السُّودَانِ، كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أَقْدُمَ عَلَيْهِ، وَأُمِّي تَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ، فَقَال لَهُ مَالِكٌ: أَطِعْ أَبَاكَ وَلاَ تَعْصِ أُمَّكَ . يَعْنِي أَنَّهُ يُبَالِغُ فِي رِضَى أُمِّهِ بِسَفَرِهِ لِوَالِدِهِ، وَلَوْ بِأَخْذِهَا مَعَهُ، لِيَتَمَكَّنَ مِنْ طَاعَةِ أَبِيهِ وَعَدَمِ عِصْيَانِ أُمِّهِ .
وَرُوِيَ أَنَّ اللَّيْثَ حِينَ سُئِل عَنِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا قَال: أَطِعْ أُمَّكَ، فَإِنَّ لَهَا ثُلُثَيِ الْبِرِّ . كَمَا حَكَى الْبَاجِيُّ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ لَهَا حَقٌّ عَلَى زَوْجِهَا، فَأَفْتَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ ابْنَهَا: بِأَنْ يَتَوَكَّل لَهَا عَلَى أَبِيهِ، فَكَانَ يُحَاكِمُهُ، وَيُخَاصِمُهُ فِي الْمَجَالِسِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الأُْمِّ . وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، قَال: لأَِنَّهُ عُقُوقٌ لِلأَْبِ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّمَا دَل عَلَى أَنَّ بِرَّهُ أَقَل مِنْ بِرِّ الأُْمِّ، لاَ أَنَّ الأَْبَ يُعَقُّ . وَنَقَل الْمُحَاسِبِيُّ الإِْجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الأُْمَّ مُقَدَّمَةٌ فِي الْبِرِّ عَلَى الأَْبِ . (1)
وقَال ابْنُ جَرِيرٍ: إِنَّ بِرَّ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَهْل الْحَرْبِ، مِمَّنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَرَابَةُ نَسَبٍ، أَوْ مَنْ لاَ قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَلاَ نَسَبَ، غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَلاَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةٌ لِلْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ دَلاَلَةٌ عَلَى عَوْرَةٍ لأَِهْل الإِْسْلاَمِ، أَوْ تَقْوِيَةٌ لَهُمْ بِكُرَاعٍ أَوْ سِلاَحٍ . (2)
وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نُقِل عَنِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ الْحَنْبَلِيِّ فِي الآْدَابِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلاَ يَخْتَلِفُ عَمَّا ذُكِرَ، وَاسْتَدَل لَهُ بِإِهْدَاءِ عُمَرَ الْحُلَّةَ الْحَرِيرِيَّةَ إِلَى أَخِيهِ الْمُشْرِكِ . وَبِحَدِيثِ أَسْمَاءَ، وَفِيهِمَا صِلَةُ أَهْل الْحَرْبِ وَبِرُّهُمْ وَصِلَةُ الْقَرِيبِ الْمُشْرِكِ . (3)
وَمِنَ الْبِرِّ لِلْوَالِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا ؛ لأَِنَّهُمَا لاَ يَرِثَانِ ابْنَهُمَا الْمُسْلِمَ . (4)
ــــــــــــــ
الأساس السادس - أنت ومالك لأبيك :
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (8 / 67) والفروق للقرافي 1 / 143 ، وتهذيب الفروق بهامشه ص 161 ، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري 10 / 402 - 403 .
(2) - جامع البيان للطبري 28 / 66 ط مصطفى الحلبي .
(3) - الآداب الشرعية 1 / 492 - 493 .
(4) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (8 / 69)(1/752)
عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يُخَاصِمُ أَبَاهُ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ، فقَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ. (1)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - ، زَجَرَ عَنْ مُعَامَلَتِهِ أَبَاهُ بِمَا يُعَامِلُ بِهِ الأَجْنَبِيِّينَ، وَأَمَرِ بِبِرِّهِ وَالرِّفْقِ بِهِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ مَعًا، إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ مَالُهُ، فقَالَ لَهُ: أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ، لاَ أَنَّ مَالَ الاِبْنِ يَمْلِكُهُ الأَبُ فِي حَيَاتِهِ عَنْ غَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنَ الاِبْنِ بِهِ.
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ إِنَّ لِى مَالاً وَوَلَدًا وَإِنَّ وَالِدِى يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِى.فَقَالَ :« أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ إِنَّ أَوْلاَدَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ ». (2)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ: أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِى مَالاً وَعِيَالاً وَإِنَّ لأَبِى مَالاً وَعِيَالاً يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِى فَيُطْعِمَهُ عِيَالَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ ». (3)
وعَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ أَبِي غَصَبَنِي مَالًا، قَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ . (4)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ لِرَجُلٍ: أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ" (5)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي مَالاً وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ. (6)
قال الطحاوي: " سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْعَبَّاسِ عَنِ الْمُرَادِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: الْمُرَادُ بِهِ مَوْجُودٌ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فِيهِ " أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ " فَجَمَعَ فِيهِ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (2 / 142) (410) صحيح
(2) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (7 / 480)(16166) صحيح
(3) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (7 / 480) (16168) صحيح مرسل
(4) - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (11 / 326)(2538 ) حسن
(5) - المعجم الصغير للطبراني - (1 / 24)(2) والمعجم الكبير للطبراني - (8 / 409)(9877 ) صحيح
(6) - سنن ابن ماجة- ط- الرسالة - (3 / 391)(2291) صحيح(1/753)
الِابْنَ وَمَالَ الِابْنِ فَجَعَلَهُمَا لِأَبِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ جَعْلُهُ إيَّاهُمَا لِأَبِيهِ عَلَى مِلْكِ أَبِيهِ إيَّاهُ، وَلَكِنْ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ قَوْلِ أَبِيهِ فِيهِ، فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: مَالُكَ لِأَبِيكَ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى تَمْلِيكِهِ إيَّاهُ مَالَهُ، وَلَكِنْ عَلَى مَعْنَى أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ قَوْلِهِ فِيهِ وَسَأَلْتُ ابْنَ أَبِي عِمْرَانَ عَنْهُ فَقَالَ: قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْحَدِيثِ " أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ " كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " إنَّمَا أَنَا وَمَالِي لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ " لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - " مَا نَفَعَنِي مَالٌ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ " يَعْنِي بِذَلِكَ ما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ " قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إنَّمَا أَنَا وَمَالِي لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَكَانَ مُرَادُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ هَذَا أَيْ أَنَّ أَقْوَالَكَ وَأَفْعَالَكَ نَافِذَةٌ فِي وَفِي مَالِي مَا تَنْفُذُ الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ مِنْ مَالِكِي الْأَشْيَاءِ فِي الْأَشْيَاءِ فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِسَائِلِهِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَاللهُ أَعْلَمُ وَقَدْ جَاءَ كِتَابُ اللهِ بِمَا كَشَفَ لَنَا عَنِ الْمُشْكِلِ فِي هَذَا الْجَوَابِ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا يُوجِبُ انْتِفَاءَ مِلْكِ الْأَبِ عَمَّا يَمْلِكُ الِابْنُ قَالَ اللهُ: { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } [المؤمنون: 6] فَكَانَ مَا يَمْلِكُهُ الِابْنُ مِنَ الْإِمَاءِ حَلَالًا لَهُ وَطْؤُهُنَّ وَحَرَامًا عَلَى أَبِيهِ وَطْؤُهُنَّ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ فِيهِنَّ مِلْكٌ تَامٌّ صَحِيحٌ وَأَنَّ أَبَاهُ فِيهِنَّ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ: { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ } [النساء: 11] فَجَعَلَ لِأُمِّهِ نَصِيبًا فِي مَالِهِ بِمَوْتِهِ، وَمُحَالٌ أَنْ تَسْتَحِقَّ بِمَوْتِ ابْنِهَا جُزْءًا مِنْ مَالٍ لِأَبِيهِ دُونَهُ، ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } [النساء: 11] فَاسْتَحَالَ أَنْ يَجِبَ قَضَاءُ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ مِنْ مَالٍ لِأَبِيهِ دُونَهُ أَوْ تَجُوزَ وَصِيَّةٌ مِنْهُ فِي مَالٍ لِأَبِيهِ دُونَهُ، قَالَ: وَفِيمَا ذَكَرْتُ مِنْ هَذَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْتُهُ فِيهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَكَانَ هَذَانِ الْجَوَابَانِ مِنْ هَذَيْنِ الشَّيْخَيْنِ سَدِيدَيْنِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَادٌّ لِصَاحِبِهِ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ " (1)
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (4 / 279)(1/754)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، رَجُلٌ لَهُ حَشَمٌ خَلْقًا، فَقَالُوا: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ ؟ وَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالُوا: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ ؟ فَقَالَ: " لَعَلَّهُ يَكُدُّ عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، لَعَلَّهُ يَكُدُّ عَلَى صِبْيَةٍ صِغَارٍ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، لَعَلَّهُ يَكُدُّ عَلَى نَفْسِهِ لِيُغْنِيَهَا عَنِ النَّاسِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ " (1)
وعَنْ كَعْبِ بن عُجْرَةَ، قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ". (2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ، إِلَّا الْوَالِدَ لِوَلَدِهِ " (3)
وعَنَ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ، إِلَّا الْوَالِدَ لِوَلَدِهِ " (4)
وعَنْ طَاوُسٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ، يَقُولاَنِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ هِبَةً، ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا، إِلاَّ الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي عَطِيَّةً، أَوْ هِبَةً، ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا، كَمَثَلِ الْكَلْبِ أَكَلَ، حَتَّى شَبِعَ، ثُمَّ قَاءَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى قَيْئِهِ. (5)
وذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْوَالِدَ لاَ يَأْخُذُ مِنْ مَال وَلَدِهِ شَيْئًا إِلاَّ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ (6) .
__________
(1) - شعب الإيمان - (10 / 264) (7469 ) صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (13 / 491) (15619) صحيح
(3) - شرح مشكل الآثار - (13 / 62) (5062 ) صحيح
(4) - شرح مشكل الآثار - (13 / 63) (5064 ) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (11 / 524) (5123) صحيح
(6) - حاشية ابن عابدين 4 513 ، والدسوقي 2 522 ، ومغني المحتاج 3 446 ، وأحكام القرآن لابن العربي 3 1391 .(1/755)
قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا احْتَاجَ الأَْبُ إِلَى مَال وَلَدِهِ، فَإِنْ كَانَا فِي الْمِصْرِ وَاحْتَاجَ الْوَالِدُ لِفَقْرِهِ أَكَل بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَا فِي الْمَفَازَةِ وَاحْتَاجَ إِلَيْهِ لاِنْعِدَامِ الطَّعَامِ مَعَهُ فَلَهُ الأَْكْل بِالْقِيمَةِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَابِدِينَ . (1)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لِلأَْبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَال وَلَدِهِ مَا شَاءَ وَيَتَمَلَّكُهُ مَعَ حَاجَةِ الأَْبِ إِلَى مَا يَأْخُذُهُ وَمَعَ عَدَمِهَا، صَغِيرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ كَبِيرًا بِشَرْطَيْنِ .
أَحَدُهُمَا: أَنْ لاَ يُجْحِفَ بِالاِبْنِ وَلاَ يَضُرَّ بِهِ، وَلاَ يَأْخُذَ شَيْئًا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ .
الثَّانِي: أَنْ لاَ يَأْخُذَ مِنْ مَال وَلَدِهِ فَيُعْطِيهِ وَلَدَهُ الآْخَرَ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيل بْنِ سَعِيدٍ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ وَلَدِهِ بِالْعَطِيَّةِ مِنْ مَال نَفْسِهِ فَلأََنْ يُمْنَعَ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِمَا أَخَذَ مِنْ مَال وَلَدِهِ الآْخَرِ أَوْلَى .
وللأحاديث الآنفة الذكر، وَلأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَل الْوَلَدَ مَوْهُوبًا لأَِبِيهِ فَقَال: { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } (سورة الأنعام 34 )، وَقَال: { وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى } ( سورة الأنبياء 90 )، وَقَال زَكَرِيَّا :{ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا } ) ( سورة مريم 5)، وَقَال إِبْرَاهِيمُ: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاقَ } (سورة إبراهيم 39 )، وَمَا كَانَ مَوْهُوبًا لَهُ كَانَ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ كَعَبْدِهِ . (2)
وَفِي مَسَائِل الإِْمَامِ أَحْمَدَ لاِبْنِ هَانِئٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُول: كُل شَيْءٍ يَأْخُذُ مِنْ مَال وَلَدِهِ فَيَقْبِضُهُ، فَلَهُ أَنْ يَأْكُل وَيَعْتِقَ، وَسُئِل أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَسْرِقُ الْوَالِدُ مِنْ مَال وَلَدِهِ عَلَيْهِ الْقَطْعُ ؟ قَال: لاَ يُقَال سَرَقَ، لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ وَلاَ يُقْطَعُ .
وَقَال أَيْضًا: يَأْخُذُ مِنْ مَال وَلَدِهِ مَا شَاءَ لِحَدِيثِ أَنْتَ وَمَالُكَ لأَِبِيكَ .
وَقَال أَيْضًا: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَال وَلَدِهِ مَا شَاءَ، وَلَيْسَ لِوَلَدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ . إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بِسَرَفٍ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْقُوتَ .
__________
(1) - حاشية ابن عابدين 4 /513 .
(2) - المغني 5 678 - 679، 236 .(1/756)
وَسُئِل عَنِ الْمَرْأَةِ تَتَصَدَّقُ مِنْ مَال ابْنِهَا ؟ قَال: لاَ تَتَصَدَّقُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ . (1)
ــــــــــــــ
الأساس السابع -عتق الوالدين من أي مال استحق بذمتهما :
وهذه صورة من صور البر العظيمة، ففي السابق أيام الرقيق، قد يصبح الابن حرًّا وله مال، والأب أو الأم رقيقين بلا مال يعتقان أنفسهما، أما صورتها في واقعنا المعاصر، فمثلاً حلت بأحد الوالدين ديونٌ كثيرة لأي سببٍ كان من الأسباب، فماذا كان موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الحالة ؟
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ، إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا، فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ. (2)
فيعتقه: قوله: فَيُعْتِقَهُ: ليس، معناه: استئناف العتق فيه بعد الملك؛ لأن الإجماع منعقد على أن الأب يعتق على الابن إذا ملكه في الحال، وإنما معناه: أنه إذا اشتراه فدخل في ملكه، عتق عليه. فلما كان الشراء سببًا لعتقه، أضيف العتق إلى عقد الشراء، وإنما كان هذا جزاء له؛ لأن العتق أفضل ما ينعم به أحدٌ على أحدٍ، إذ خلَّصَهُ بذلك من الرق، وجبر به النقص الذي فيه، وكمل له أحكام الأحرار في جميع التصرفات . (3)
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَقَالَ قَائِلٌ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ شِرَائِهِ أَبَاهُ مَمْلُوكًا لَهُ حَتَّى يُعْتِقَهُ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ الَّذِينَ تَدُورُ عَلَيْهِمُ الْفُتْيَا فِي الْأَمْصَارِ لَا يَقُولُونَ هَذَا مَعَ اسْتِقَامَةِ هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِمْ فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَوْهِينِهِمْ إِيَّاهُ وَرَغْبَتِهِمْ عَنْهُ . فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي تَوَهَّمَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِيهِ إِذْ كَانَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : " فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ " أَيْ: فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ شِرَاؤُهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ: فَهَلْ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: دَلِيلُنَا عَلَى
__________
(1) - مسائل الإمام أحمد لابن هانئ 2 11 ،12 .والموسوعة الفقهية الكويتية - (45 / 202) وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (2 / 48) هل الولد وماله لأبيه مطلقاً ؟!
(2) - صحيح ابن حبان - (2 / 167) (424) وصحيح مسلم- المكنز - (3872)
(3) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (1 / 401)(1/757)
ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ قَالَ: " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُشَرِّكَانِهِ " فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى تَهْوِيدِهِمَا إِيَّاهُ، وَلَا تَنْصِيرِهِمَا إِيَّاهُ تَهْوِيدًا وَتَنْصِيرًا يَسْتَأْنِفَانِهِ فِيهِ، وَلَكِنْ يَكُونُ كَذَلِكَ سَبَبٌ مِنْهُمَا يُوجِبُ ذَلِكَ فِيهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : " فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ " لَيْسَ عَلَى عَتَاقٍ يَسْتَأْنِفُهُ فِيهِ بَعْدَ شِرَائِهِ إِيَّاهُ، وَلَكِنَّ سَبَبَهُ مِنْهُ الَّذِي لَا يَجُوزُ مَعَهُ بَعْدَ مِلْكِهِ إِيَّاهُ بَقَاءُ مِلْكِهِ فِيهِ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ " (1)
وفي الموسوعة الفقهية: " مَنْ مَلَكَ قَرِيبًا لَهُ بِمِيرَاثٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ وَصِيَّةٍ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْقَرِيبِ الَّذِي يُعْتَقُ عَلَى مَنْ مَلَكَهُ .
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فَهُوَ حُرٌّ. (2)
وَهُمُ الْوَالِدَانِ وَإِنْ عَلَوْا مِنْ قِبَل الأَْبِ وَالأُْمِّ جَمِيعًا، وَالْوَلَدُ وَإِنْ سَفَل مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، وَالأَْخَوَاتُ وَالإِْخْوَةُ وَأَوْلاَدُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا، وَالأَْعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالأَْخْوَال وَالْخَالاَتُ دُونَ أَوْلاَدِهِمْ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَال بِهِ الْحَسَنُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ (3)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الَّذِي يُعْتَقُ بِالْقَرَابَةِ - الأَْبَوَانِ وَإِنْ عَلَوْا، وَالْمَوْلُودُونَ وَإِنْ سَفَلُوا، وَالأَْخُ وَالأُْخْتُ مُطْلَقًا شَقِيقَيْنِ أَوْ لأَِبٍ أَوْ لأُِمٍّ، وَعَلَى هَذَا فَاَلَّذِي يُعْتَقُ بِالْمِلْكِ عِنْدَهُمُ الأُْصُول وَالْفُرُوعُ وَالْحَاشِيَةُ الْقَرِيبَةُ فَقَطْ، فَلاَ عِتْقَ لِلأَْعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ، وَلاَ لِلأَْخْوَال وَالْخَالاَتِ (4) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الَّذِي يُعْتَقُ إِذَا مُلِكَ بِالْقَرَابَةِ - عَمُودُ النَّسَبِ أَيِ: الأُْصُول وَالْفُرُوعُ - وَيَخْرُجُ مَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الأَْقَارِبِ كَالإِْخْوَةِ وَالأَْعْمَامِ، فَإِنَّهُمْ لاَ يُعْتَقُونَ بِالْمِلْكِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الأُْصُول: { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّل مِنَ الرَّحْمَةِ } ( سورة الإسراء /
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (3 / 384)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 777) (20227) 20490- صحيح
(3) - بدائع الصنائع 4 / 49 ، والمغني 9 / 355 ، والمبسوط للسرخسي 7 / 69 .
(4) - حاشية الدسوقي 4 / 366 ، الشرح الصغير 4 / 521 .(1/758)
24 ) وَالأُْصُول وَالْفُرُوعُ يُعْتَقُونَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ مُلِكُوا اخْتِيَارًا أَوْ لاَ، اتَّحَدَ دِينُهُمَا أَوْ لاَ، لأَِنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْقَرَابَةِ، فَاسْتَوَى فِيهِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ (1) .
وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَل مِنَ الآْيَةِ: أَنَّهُ لاَ يَتَأَتَّى خَفْضُ الْجَنَاحِ مَعَ الاِسْتِرْقَاقِ، وَلِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا، إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا، فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ.أَيْ فَيُعْتِقَهُ الشِّرَاءُ، لاَ أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْمُعْتِقُ بِإِنْشَائِهِ الْعِتْقَ .... وَأَمَّا الْفُرُوعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُل مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنَ عَبْدًا } ( سورة مريم / 92 - 93 ) وَقَال تَعَالَى: { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل عِبَادٌ مُكْرَمُونَ } ( سورة الأنبياء / 26) تَدُل عَلَى نَفْيِ اجْتِمَاعِ الْوَلَدِيَّةِ وَالْعَبْدِيَّةِ. (2)
ومن صورها كذلك، أن يسجن أحد الوالدين لأي سبب كان، ولا يملكان مالاً لكفالتهما، فما على الولد إلا المسارعة لوضع ماله في خدمة والديه ؛ لأنه كما تقدم في الحديث ( أنت ومالك لأبيك ).
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ تُقُبِّلَ مِنْهُ وَمِنْهُمَا وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا فِى السَّمَاءِ وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بَرًّا » (3) .
ــــــــــــــ
الأساس الثامن - الدعاء المتبادل بين الأبوين وأبنائهم :
الدعاء ركن أساسي في البر، وهو مظهرُ القلب الذي يعبر عن الحب والود، وهو دليل البر القلبي، فالقلب المفعم بالحب يلحُّ بالدعاء، ويجري على اللسان مجرى النفس، وكلما ازدادت المحبة القلبية المتبادلة بين الوالدين والأبناء ازداد الدعاء، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ: ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لاَ شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ. (4)
__________
(1) - مغني المحتاج 4 / 499 ، روضة الطالبين 12 / 132 .
(2) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (29 / 268) ومغني المحتاج 4 / 499 .
(3) - سنن الدارقطنى- المكنز -2/260 (2638 ) فيه ضعف
(4) - صحيح ابن حبان - (6 / 416) (2699) صحيح(1/759)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، فَقَالَ: أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ. فَصَلَّى صَلاَةً غَيْرَ مَكْتُوبَةٍ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، فَدَعَا لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي خُوَيْصَةً، قَالَ: مَا هِيَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ. فَدَعَا لِي بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالاً وَوَلَدًا، وَبَارِكْ لَهُ، قَالَ: فَإِنِّي مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ وَلَدًا.قَالَ: وَأَخْبَرَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ أَنَّهَا دَفَنَتْ مِنْ صُلْبِي إِلَى مَقْدِمِ الْحَجَّاجِ الْبَصْرَةَ بِضْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً. (1)
وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، فَقَالَ: أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ، ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، فَصَلَّى صَلاَةً غَيْرَ مَكْتُوبَةٍ، وَدَعَا لِأُمِّ سُلَيْمٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهَا، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي خُوَيْصَةً، قَالَ: مَا هِيَ ؟ قَالَتْ: خُوَيْدِمُكَ أَنَسٌ فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ، وَلاَ دُنْيَا إِلاَّ دَعَا لِي بِهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالاً وَوَلَدًا وَبَارِكْ لَهُ، قَالَ: فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الأَنْصَارِ مَالاً، قَالَ: وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ، قَالَتْ: قَدْ دُفِنَ لِصُلْبِي إِلَى مَقْدَمِ الْحَجَّاجِ الْبَصْرَةَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةً. (2)
وعَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَسْتَخْلِفُهُ مَرْوَانُ، وَكَانَ يَكُونُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَكَانَتْ أُمُّهُ فِي بَيْتٍ وَهُوَ فِي آخَرَ . قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ وَقَفَ عَلَى بَابِهَا فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا أُمَّتَاهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَتَقُولُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا بُنَيَّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَيَقُولُ: رَحِمَكِ اللَّهُ كَمَا رَبَّيْتِنِي صَغِيرًا، فَتَقُولُ: رَحِمَكَ اللَّهُ كَمَا بَرَرْتَنِي كَبِيرًا، ثُمَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ صَنَعَ مِثْلَهُ " (3)
وعَنْ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ أَبَا مُرَّةَ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئِ ابْنَةِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ رَكِبَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى أَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ فَإِذَا دَخَلَ أَرْضَهُ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: عَلَيْكِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1982) وصحيح ابن حبان - (3 / 270) (990)
(2) - صحيح ابن حبان - (16 / 154) (7186) صحيح
(3) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (13 ) حسن(1/760)
يَا أُمَّتَاهُ، تَقُولُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، يَقُولُ: رَحِمَكِ اللَّهُ رَبَّيْتِنِي صَغِيرًا، فَتَقُولُ: يَا بُنَيَّ، وَأَنْتَ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا وَرَضِيَ عَنْكَ كَمَا بَرَرْتَنِي كَبِيرًا " (1)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِفَاطِمَةَ: ائْتِينِي بِزَوْجِكِ وَابْنَيْكِ . فَجَاءَتْ بِهِمْ، فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ كِسَاءً فَدَكِيًّا، قَالَ: ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلاَءِ آلُ مُحَمَّدٍ، فَاجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ . قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَرَفَعْتُ الْكِسَاءَ لأَدْخُلَ مَعَهُمْ، فَجَذَبَهُ مِنْ يَدِي، وَقَالَ: إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ. (2)
ــــــــــــــ
الأساس التاسع -ألا تستَسبَّ لوالديك:
من دلالات البر أن تحافظ على اسم والديك من السب والشتم بشتى صوره، وأشكاله، سواء من أنفسهما، فتفعل أعمالاً تغضبهما فيسبان ذاتهما، فتكون أنت سبب هذا الشتم، أو أن تسيء إلى أحد، فيسبَّ أحد والديك، أو يُسيء أحد إليك، فتسب بوالديه، فيسب والديك ... وهكذا . إن سبَّ الوالدين بأي صورة من الصور، أي شكل من اشكاله، ومهما كان سبب ذلك، ليس من البر، والمحافظة على اسم الوالدين من السب أكبرُ دليل على البر .
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ وَمَعَهُ شَيْخٌ فَقَالَ لَهُ: " يَا فُلَانُ مَنْ هَذَا مَعَكَ ؟ " . قَالَ: أَبِي . قَالَ: فَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ، وَلَا تَسْتَسِبَّ لَهُ " . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (3)
وعَنْ رَجُلٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَأَى رَجُلًا يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا هَذَا مِنْكَ ؟ قَالَ: أَبِي، قَالَ: " فَلَا تَمْشِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا تَجْلِسْ حَتَّى يَجْلِسَ، وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ، وَلَا تَستسبَّ لَهُ " (4)
__________
(1) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (15 ) حسن
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 649)(26746) 27282- صحيح لغيره
(3) - المعجم الأوسط للطبراني - (4309) وعمل اليوم والليلة لابن السني - (394 ) حسن لغيره
(4) - شعب الإيمان - (10 / 292) (7511 ) والجامع لابن وهب - (102) حسن لغيره(1/761)
معنى لا تستسب له: أي لا تفعل فعلا يتعرض فيه لأن يسبك أبوك زجرا لك تأديبا على فعلك القبيح.
وعن أبي الْمُخَارِقِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِرَجُلٍ مُغَيَّبٍ فِي نُورِ الْعَرْشِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا، مَلَكٌ ؟ قِيلَ: لَا، قُلْتُ: نَبِيٌّ ؟ قِيلَ: لَا، قُلْتُ: مَنْ هُوَ ؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ كَانَ فِي الدُّنْيَا لِسَانُهُ رَطِبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَقَلْبُهُ مُعَلَّقًا بِالْمَسَاجِدِ، وَلَمْ يَسْتَسِبَّ لِوَالِدَيْهِ قَطُّ " (1)
وعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَخَصَّكُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَيْءٍ ؟ قَالَ: مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَيْءٍ، لَمْ يُعَمِّمْ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً، إِلاَّ مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا، فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مَكْتُوبَةً: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الأَرْضِ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، لَعَنَ اللهِ مَنْ آوَى مُحْدِثًا. (2)
وعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب، أَخْبِرْنَا بِشَيْءٍ أَسَرَّهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَغَضِبَ عَلِيٌّ، وَقَالَ: مَا أَسَرَّ إِلَيَّ شَيْئًا كَتَمَهُ النَّاسَ، وَلَكِنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعًا، قَالَ:لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ"
وفي رواية قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! مَا كَانَ أَسَرَّ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسِرُّ إِلَيَّ شَيْئًا يَكْتُمْهُ النَّاسَ، إِلا أَنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمًا ذَكَرَ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، وَأَنَا مَعَهُ فِي الْبَيْتِ لَيْسَ مَعَنَا أَحَدٌ، فَقَالَ:لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ.
وفي رواية قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ: هَلْ خَصَّكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَيْءٍ؟ فَقَالَ: مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً، إِلا مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا، قَالَ: فَأَخْرَجَ
__________
(1) - كِتَابُ الْأَوْلِياءِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا(95 ) والترغيب والترهيب - (2 / 253) ( 2292 ) بصيغة الجزم وأعله بالإرسال، حسن مرسل
رطبا : طريا مشتغلا قريب العهد منه وهو كناية عن المداومة على الذكر
(2) - صحيح ابن حبان - (14 / 570) (6604) صحيح(1/762)
صَحِيفَةً مَكْتُوب فِيهَا:لَعَنِ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الأَرْضِ، لَعَنِ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، لَعَنِ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا." (1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ "، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ: " نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهَ " (2)
ــــــــــــــ
الأساس العاشر - أشهر الانتساب لأبيك، واعتزَّ به :
حرص الإسلام على إشهار نسب الابن من أول يوم يولد فيه، فأوصى بالعقيقة عنه، لإشهار نسب المولود، وكثيراً ما يحدث في المجتمعات البعيدة عن الإسلام العجب العجاب، ففي المجتمع الجاهلي القديم كان الابن يتنصل من نسبه لأبيه، وفي المجتمع الجاهلي الحديث يخجل الابنُ المثقف- وقد حصل على منصب اجتماعيٍّ مرموقٍ - يخجل هذا الأحمق أن يعترف بأبيه، وقد أتى لزيارته عابراً، أو غير ذلك من ألوان التهرب من إشهار اتصال الابن بأبيه التي يجيدها أبالسة هذا الزمان، والعياذ بالله .
والأمر خطير جدُّ خطيرٍ، عندما نعلم أن إنكار النسب يعني الكفر بعينه، وهذا هو الدليل على ذلك :
فعَنْ سَعْدٍ - رضي الله عنهم - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَهْوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ » (3) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالْمَلاَئِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. (4)
__________
(1) - مسند أبي عوانة (6320 -6322 ) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (273) وشعب الإيمان - (6 / 491) (4518 )
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6766 ) وصحيح مسلم- المكنز - (229 )
(4) - صحيح ابن حبان - (2 / 161) (417) صحيح(1/763)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: أَفْرَى الْفِرَى مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَأَفْرَى الْفِرَى مَنْ أَرَى عَيْنَيْهِ فِي النَّوْمِ مَا لَمْ تَرَ، وَمَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الأَرْضِ. (1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَلَنْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَرِيحُهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا. (2)
وعن عِرَاكَ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ: لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَإِنَّهُ مَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ كَفَرَ." (3)
وَالْكُفْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ لَهُ تَأْوِيلاَنِ ذَكَرَهُمَا النَّوَوِيُّ :
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِل، وَالثَّانِي: أَنَّهُ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَالإِْحْسَانِ وَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ أَبِيهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكُفْرُ الَّذِي يُخْرِجُ عَنْ مِلَّةِ الإِْسْلاَمِ (4)
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لِمَنْ يَنْفِي نَسَبَ ابْنِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ كَذِبَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: حِينَ أُنْزِلَتْ آيَةُ الْمُلاَعَنَةِ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤُوسِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ. (5) .
قالَ ابنُ بَطّالٍ: لَيسَ مَعنَى هَذَينِ الحَدِيثَينِ أَنَّ مَن اشتَهَرَ بِالنِّسبَةِ إِلَى غَيرِ أَبِيهِ أَن يَدخُلَ فِي الوعِيدِ كالمِقدادِ بن الأَسود، وإِنَّما المُراد بِهِ مَن تَحَوَّلَ عَن نِسبَتِهِ لأَبِيهِ إِلَى غَير أَبِيهِ عالِمًا عامِدًا مُختارًا، وكانُوا فِي الجاهِلِيَّة لا يَستَنكِرُونَ أَن يَتَبَنَّى الرَّجُلُ ولَدَ غَيرِهِ ويَصِير الولَد يُنسَب إِلَى الَّذِي تَبَنّاهُ حَتَّى نَزَلَ قَوله تَعالَى: {ادعُوهُم لآبائِهِم هُو أَقسَطُ عِند الله " وقَوله سُبحانه وتَعالَى: {وما جَعَلَ أَدعِياءَكُم أَبناءَكُم " فَنُسِبَ كُلُّ واحِدٍ إِلَى أَبِيهِ الحَقِيقِيِّ وتَرَكَ الانتِسابَ إِلَى مَن تَبَنّاهُ لَكِن بَقِيَ بَعضُهُم مَشهُورًا بِمَن تَبَنّاهُ فَيُذكَرُ بِهِ لِقَصدِ التَّعرِيفِ لا
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 498)(5998) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 664) (6834) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6768 ) وصحيح مسلم- المكنز - (227 ) وصحيح ابن حبان - (4 / 328) (1466)
(4) - شرح صحيح مسلم 1 / 249 ، 251 .
(5) - صحيح ابن حبان - (9 / 419) (4108) حسن والموسوعة الفقهية الكويتية - (34 / 210)(1/764)
لِقَصدِ النَّسَبِ الحَقِيقِيِّ كالمِقدادِ بن الأَسود، ولَيسَ الأَسودُ أَباهُ، وإِنَّما كانَ تَبَنّاهُ واسم أَبِيهِ الحَقِيقِيّ عَمرو بن ثَعلَبَة بن مالِك بن رَبِيعَة البَهرانِيّ، وكانَ أَبُوهُ حَلِيف كِندَة فَقِيلَ لَهُ الكِندِيّ، ثُمَّ حالَفَ هُو الأَسود بن عَبد يَغُوث الزُّهرِيّ فَتَبَنَّى المِقدادَ فَقِيلَ لَهُ ابن الأَسود، انتَهَى مُلَخَّصًا مُوضَّحًا. (1)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ دَعَى رَجُلاً بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ: عَدُوُّ اللَّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِلاَّ حَارَ عَلَيْهِ) (2) .
إلا حار عليه: أي إلا رجع عليه، حار يحور: إذا رجع.
وهذا التشديد يتمشى مع عناية الإسلام بصيانة الأسرة وروابطها من كل شبهة ومن كل دخل وحياطتها بكل أسباب السلامة والاستقامة والقوة والثبوت. ليقيم عليها بناء المجتمع المتماسك السليم النظيف العفيف. (3)
ــــــــــــــ
الأساس الحادي عشر -الحج عمن عجز منهما صحيا عن أدائه .:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجَّ عَنْهُ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. (4)
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (12 / 55)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (226) والسنة لأحمد بن محمد الخلال - (5 / 21)(1505)
(3) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 2826)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (1855) وصحيح مسلم- المكنز - (3315 ) وصحيح ابن حبان - (9 / 301) (3989)(1/765)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَهَلْ أَقْضِي عَنْهُ، أَوْ أَحُجُّ عَنْهُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : نَعَمْ. (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : نَعَمْ فَحُجَّ عَنْ أَبِيكَ. (2)
وعَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَالْعُمْرَةَ، وَالظَّعْنَ، فَقَالَ: حَجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ. (3)
ــــــــــــــ
الأساس الثاني عشر- إنفاذ نذرهما :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَدْرَكَ شَيْخًا يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا شَأْنُ هَذَا الشَّيْخِ؟، قَالَ ابْنَاهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ، فَقَالَ: ارْكَبْ أَيُّهَا الشَّيْخُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْكَ وَعَنْ نَذْرِكَ " (4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَدْرَكَ شَيْخًا يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : مَا شَأْنُ هَذَا الشَّيْخِ ؟ قَالَ ابْنَاهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ، فَقَالَ لَهُ: ارْكَبْ أَيُّهَا الشَّيْخُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَنِيٌّ عَنْكَ وَعَنْ نَذْرِكَ. (5)
ــــــــــــــ
الأساس الثالث عشر -العقوق من الكبائر، وجزاؤه في الدنيا والآخرة :
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ » . ثَلاَثًا . قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1854) وصحيح ابن حبان - (9 / 308) (3995)
(2) - صحيح ابن حبان - (9 / 310) (3997) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (9 / 304) (3991) صحيح
(4) - مسند أبي عوانة (4727 ) صحيح
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 379)(8859) 8846- وصحيح مسلم- المكنز - (4337 )(1/766)
» . وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ « أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ » . قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ . (1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَسَارٍ، سَمِعَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى." (2)
وعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ وَالدَّيُّوثُ وَثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى ». (3)
وعَنْ مُعَاذٍ قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ قَالَ: لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلاَ تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَلاَ تَتْرُكَنَّ صَلاَةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا ؛ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلاَةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ، وَلاَ تَشْرَبَنَّ خَمْرًا ؛ فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ، وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ ؛ فَإِنَّ بِالْمَعْصِيَةِ حَلَّ سَخَطُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ النَّاسُ، وَإِذَا أَصَابَ النَّاسَ مُوتَانٌ وَأَنْتَ فِيهِمْ فَاثْبُتْ، وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ مِنْ طَوْلِكَ، وَلاَ تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أَدَبًا وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ. (4)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْكَبَائِرُ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ » (5) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مِنْ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَحْلِفُ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ إِلاَّ كَانَتْ كَيَّةً فِي قَلْبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. (6)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2654 ) وصحيح مسلم- المكنز - (269 )
(2) - صحيح ابن حبان - (16 / 335) (7340) صحيح
(3) - سنن النسائي- المكنز - (2574 ) صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 366)(22075) 22425- رجاله ثقات ، وفيه انقطاع
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (6675)
(6) - صحيح ابن حبان - (12 / 374) (5563) صحيح(1/767)
وعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ. (1)
وعَنْ مَالِكِ بْنِ عَمْرٍو الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً، فَهِيَ فِدَاؤُهُ مِنَ النَّارِ قَالَ: عَفَّانُ: مَكَانَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِ مُحَرَّرِهِ بِعَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ضَمَّ يَتِيمًا مِنْ بَيْنِ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، قَالَ: عَفَّانُ: إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يُغْنِيَهُ اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ. (2)
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ مُجْتَمِعُونَ فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اتَّقُوا اللَّهَ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ثَوَابٍ أَسْرَعَ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْبَغْيَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُقُوبَةٍ أَسْرَعَ مِنْ عُقُوبَةِ بَغْيٍ، وَإِيَّاكُمْ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ، وَاللَّهِ لَا يَجِدُهَا عَاقٌّ، وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ، وَلَا شَيْخٌ زَانٍ، وَلَا جَارٌّ إِزَارَهُ خُيَلَاءَ، إِنَّمَا الْكِبْرِيَاءُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْكَذِبُ كُلُّهُ إِثْمٌ، إِلَّا مَا نَفَعْتَ بِهِ مُؤْمِنًا، وَدَفَعْتَ بِهِ عَنْ دِينٍ، وَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا مَا يُبَاعُ فِيهَا وَلَا يُشْتَرَى، لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الصُّوَرُ، فَمَنْ أَحَبَّ صُورَةً مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ دَخَلَ فِيهَا " . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (3)
وعَنْ أَبِي مُوسَى، قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - :لاَتَقُومُ السَّاعَةُ، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَه، وَأَخَاهُ، وَأَبَاهُ." (4)
أما العقوق في الدنيا :
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " كُلُّ الذُّنُوبِ تُؤَخَّرُ إِلَى مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّهُ يُعَجِّلُهُ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَيَاةِ قَبْلَ الْمَمَاتِ، وَمَنْ رَاءَ رَاءَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ " (5)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2408) وصحيح مسلم- المكنز - (4580 ) وصحيح ابن حبان - (12 / 366) (5555)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 464)(19030) 19239- صحيح لغيره
(3) - المعجم الأوسط للطبراني - (5825) ضعيف
(4) - الأدب المفرد للبخاري - ( 118 ) حسن
(5) - شعب الإيمان - (10 / 289) (7505 ) حسن
فيه بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة صدوق يهم التقريب (735) وقال ابن عدي : وقد حدث عنه الثقات جماعة من البصريين كأبي عاصم وغيره وأرجو أنه لا بأس به وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم 2/43(1/768)
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه فِي فَتَاوِيه: الْعُقُوق الْمُحَرَّم كُلّ فِعْل يَتَأَذَّى بِهِ الْوَالِد أَوْ نَحْوه تَأَذِّيًا لَيْسَ بِالْهَيِّنِ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنَ الْأَفْعَال الْوَاجِبَة . قَالَ: وَرُبَّمَا قِيلَ طَاعَة الْوَالِدَيْنِ وَاجِبَة فِي كُلّ مَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ . وَمُخَالَفَة أَمْرهمَا فِي ذَلِكَ عُقُوق . وَقَدْ أَوْجَبَ كَثِير مِنَ الْعُلَمَاء طَاعَتهمَا فِي الشُّبُهَات . قَالَ: وَلَيْسَ قَوْل مَنْ قَالَ مِنْ عُلَمَائِنَا: يَجُوز لَهُ السَّفَر فِي طَلَب الْعِلْم، وَفِي التِّجَارَة بِغَيْرِ إِذْنهمَا مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْته، فَإِنَّ هَذَا كَلَامٌ مُطْلَق، وَفِيمَا ذَكَرْته بَيَانٌ لِتَقْيِيدِ ذَلِكَ الْمُطْلَق . وَاَللَّه أَعْلَم . (1)
وفي الزواجر: " لَوْ فَعَلَ مَعَهُ مَا يَتَأَذَّى بِهِ تَأَذِّيًا لَيْسَ بِالْهَيِّنِ عُرْفًا كَانَ كَبِيرَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا لَوْ فَعَلَ مَعَ الْغَيْرِ كَأَنْ يَلْقَاهُ فَيَقْطِبُ فِي وَجْهِهِ أَوْ يَقْدُمُ عَلَيْهِ فِي مَلَأٍ فَلَا يَقُومُ لَهُ وَلَا يَعْبَأُ بِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْضِي أَهْلُ الْعَقْلِ وَالْمُرُوءَةِ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ بِأَنَّهُ مُؤْذٍ تَأَذِّيًا عَظِيمًا .. " (2)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - شرح النووي على مسلم - (1 / 189)
(2) - الزواجر عن اقتراف الكبائر - (2 / 408) ودليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - (2 / 489)(1/769)
المبحث الثاني
أسس البر بعد وفاة أحدهما أو كليهما
يشبُّ بعض الناس وقد فقد أحد والديه في الصغر، فيجب أن يقدِّم شيئاً لهما إكراماً وتعظيماً، أو قد يموت أحدهما في حياته، فيجب أن يتابع البر، فما هي أركان هذا البر بعد وفاة أحدهما أو كليهما ؟
نجده من خلال الأسس التالية :
الأساس الأول -إنفاذ عهدهما، ووصيتهما :
عَنِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي أَوْصَتْ أَنْ نُعْتِقُ عَنْهَا رَقَبَةً، وَعِنْدِي جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، قَالَ: ادْعُ بِهَا، فَجَاءَتْ، فَقَالَ: مَنْ رَبُّكِ ؟ قَالَتِ: اللَّهُ، قَالَ: مَنْ أَنَا ؟ قَالَتْ: رَسُولُ اللهِ، قَالَ: أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ. (1)
وعَنِ الشَّرِيدِ: أَنَّ أُمَّهُ أَوْصَتْ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهَا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: عِنْدِي جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، أَوْ نُوبِيَّةٌ، فَأَعْتِقُهَا ؟ فَقَالَ: ائْتِ بِهَا فَدَعَوْتُهَا، فَجَاءَتْ، فَقَالَ لَهَا: مَنْ رَبُّكِ ؟ قَالَتْ: اللَّهُ . قَالَ: مَنْ أَنَا ؟ فَقَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ. (2)
وعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ بَدْرِيًّا، وَكَانَ مَوْلاَهُمْ، قَالَ: قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَبَرُّهُمَا بِهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ خِصَالٌ أَرْبَعَةٌ: الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا، وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لاَ رَحِمَ لَكَ إِلاَّ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَهُوَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْ بِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا. (3)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (1 / 418) (189) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 157)(17945) 18109- صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 512)(16059) 16156- حسن(1/770)
وقد يجد الابن صعوبة في تنفيذ تنفيذ الوصية، ولكن صدق البر، واليقين بالله تعالى، القائل :{مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (96) سورة النحل، مما يساعده للمسارعة إلى التنفيذ، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعَانِي فَقُمْت إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ إِلاَّ ظَالِمٌ، أَوْ مَظْلُومٌ، وَإِنِّي لاَ أُرَانِي سَأُقْتَلُ الْيَوْمَ مَظْلُومًا، وَإِنَّ أَكْبَرَ هَمِّي لَدَيْنِي، أَفَتَرَى دَيْنَنَا يُبْقِي مِنْ مَالِنَا شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَي، بِعْ مَالَنَا وَاقْضِ دَيْنَنَا، وَأُوصِيك بِالثُّلُثِ وَثُلُثَيْهِ لِبَنِيهِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ مَالِنَا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَثُلُثُهُ لِوَلَدِكَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ وَيَقُولُ: يَا بُنَي، إِنْ عَجَزْت، عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ ؛ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلاَيَ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا دَرَيْت مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَتِ، مَنْ مَوْلاَك، قَالَ: اللَّهُ، قَالَ: فوَاللهِ مَا وَقَعْت فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلاَّ قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ، اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيهِ، قَالَ: وَقُتِلَ الزُّبَيْرُ فَلَمْ يَدَعْ دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِلاَّ أَرْضِينَ مِنْهَا الْغَابَةُ وَإِحْدَى عَشْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ، وَدَارَيْنِ بِالْبَصْرَةِ، وَدَارًا بِالْكُوفَةِ، وَدَارًا بِمِصْرَ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فَيَسْتَوْدِعُهُ إيَّاهُ، فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ: لاَ وَلَكِنَّهُ سَلَفٌ، إنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ ضَيْعَةً، وَمَا وَلِيَ وِلاَيَةً قَطُّ وَلاَ جِبَايَةً وَلاَ خَرَاجًا وَلاَ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي غَزْوٍ مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ." (1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الجَمَلِ دَعَانِي، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ: " يَا بُنَيِّ، إِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ اليَوْمَ إِلَّا ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وَإِنِّي لاَ أُرَانِي إِلَّا سَأُقْتَلُ اليَوْمَ مَظْلُومًا، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي، أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِنْ مَالِنَا شَيْئًا ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيِّ بِعْ مَالَنَا، فَاقْضِ دَيْنِي، وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ، وَثُلُثِهِ لِبَنِيهِ - يَعْنِي بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - يَقُولُ: ثُلُثُ الثُّلُثِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا فَضْلٌ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ، فَثُلُثُهُ لِوَلَدِكَ "، - قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ بَعْضُ وَلَدِ خَرَاجٍ، وَلاَ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ مَعَ بِالْغَابَةِ، فَأَتَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبَعُ مِائَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ، قَالَ وَنِصْفٌ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ بِخَمْسِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ، قَالَ: وَبَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ نَصِيبَهُ مِنْ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (15 / 278) (38969) صحيح(1/771)
مُعَاوِيَةَ بِسِتِّ مِائَةِ أَلْفٍ، فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، قَالَ بَنُو الزُّبَيْرِ: اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيرَاثَنَا، قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ لاَ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ حَتَّى أُنَادِيَ بِالْمَوْسِمِ أَرْبَعَ سِنِينَ: أَلاَ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ كُلَّ سَنَةٍ يُنَادِي بِالْمَوْسِمِ، فَلَمَّا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ قَسَمَ بَيْنَهُمْ، قَالَ: فَكَانَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَرَفَعَ الثُّلُثَ، فَأَصَابَ كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ، فَجَمِيعُ مَالِهِ خَمْسُونَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَمِائَتَا أَلْفٍ " (1)
وهذا من عظيم البر الذي يقدمه الابن لوالديه، مع اليقين، والثقة بالله تعالى في تيسير أمر البر، وتنفيذ عهدهما، جعلنا الله وإياكم من البررة.
ــــــــــــــ
الأساس الثاني- الدعاء والاستغفاء لهما :
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَيْلَةً، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِأُمِّي، وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُمَا قَالَ لِي مُحَمَّدٌ: فَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُ لَهُمَا حَتَّى نَدْخُلَ فِي دَعْوَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ" (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " (3)
قال الطحاوي: " فَالْمُسْتَثْنَى فِيهِ وَهُوَ أَعْمَالٌ تَحْدُثُ بَعْدَهُ مِنْ صَدَقَةٍ بِهَا عَنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ هُوَ سَبَبُهَا فِي حَيَاتِهِ، وَعِلْمٍ يُعْمَلُ بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ هُوَ سَبَبُهُ فِي حَيَاتِهِ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ هُوَ سَبَبُهُ فِي حَيَاتِهِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَلْحَقُهُ بِهَا ثَوَابٌ طَارِئٌ خِلَافَ أَعْمَالِهِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا... (4)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3129 )
(2) - الأدب المفرد للبخاري - (37) صحيح
(3) - شرح مشكل الآثار - (1 / 228) (246 ) صحيح
(4) - شرح مشكل الآثار - (6 / 89)(1/772)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّى لِي هَذِهِ ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ. (1)
ــــــــــــــ
الأساس الثالث -صلة رحمهما، وبر أصدقائهما:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ . وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً، كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّهُمُ الْأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ "
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: " أَبَرُّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبِيهِ "
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ، إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ، فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ، إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، قَالَ: بَلَى، فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ، وَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا وَالْعِمَامَةَ، قَالَ: اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَالَ لَهُ: بَعْضُ أَصْحَابِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَعْطَيْتَ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ " (2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ. (3)
وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَأَتَانِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، فقَالَ: أَتَدْرِي لِمَ أَتَيْتُكَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصِلَ أَبَاهُ فِي قَبْرِهِ،
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 738)(10610) 10618- حسن
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6677-6679 )
(3) - صحيح ابن حبان - (2 / 174) (431) صحيح(1/773)
فَلْيَصِلْ إِخْوَانَ أَبِيهِ بَعْدَهُ وَإِنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَبِي عُمَرَ وَبَيْنَ أَبِيكَ إِخَاءٌ وَوُدٌّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَصِلَ ذَاكَ. (1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ مَرَّ بِأَعْرَابِيٍّ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ أَبُو الْأَعْرَابِيِّ صَدِيقًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: أَلَسْتَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَأَمَرَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ بِحِمَارٍ لَهُ كَانَ يَعْتَقِبُ، وَنَزَعَ عِمَامَةً كَانَتْ لَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: شُدَّ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِي هَذَا دِرْهَمًا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: " احْفَظْ وُدَّ أَبِيكَ، وَلَا تَقْطَعْهُ، فَيُطْفِئُ اللهُ نُورَكَ " (2)
ــــــــــــــ
الأساس الرابع - الصدقة عنهما :
عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا - . أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ أُمِّى افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ » . (3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ أُمَّهُ تُوُفِّيَتْ أَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ » . قَالَ فَإِنَّ لِى مِخْرَافًا وَأُشْهِدُكَ أَنِّى قَدْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا (4) .
مخرفا المخرف: النخل، لأنها تخترف ثمارها، أي: تجتني.
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ الْعَاصِ بْنَ وَائِلٍ كَانَ يَأْمُرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ تُنْحَرَ مِئَة بَدَنَةٍ، وَإِنَّ هِشَامَ بْنَ الْعَاصِ نَحَرَ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (2 / 175) (432) صحيح
(2) - شعب الإيمان - (10 / 296) (7518 ) حسن
وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث مختلف فيه ، والراجح فيه أنه مستقيم الحديث له بعض الأغلاط التي لم يتعمدها وقد بينها العلماء انظر الكامل 4/206 -208 والتهذيب 5/256 - 261
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (1388) وصحيح مسلم- المكنز - (2373 )
افتلتت : ماتت فجأة وأخذت نفسها فلتة
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (2770 )(1/774)
حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسِينَ بَدَنَةً، أَفَأَنْحَرُ عَنْهُ، فَقَالَ: إنَّ أَبَاك لَوْ كَانَ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ فَصُمْت عَنْهُ، أَوْ تَصَدَّقْت عَنْهُ، أَوْ أَعْتَقْتَ عَنْهُ بَلَغَهُ ذَلِكَ. (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ سَعْدًا، قَالَ: إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَلَمْ تُوصِي، فَهَلْ يَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنَّ حَائِطِي صَدَقَةٌ عَلَيْهَا" (2)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ تَطَوُّعًا أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَهُ لِوَالِدَيْهِ إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَيَكُونُ لَهُمَا أَجْرُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا " (3)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأَبِي: " إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَتَصَدَّقَ صَدَقَةً فَاجْعَلْهَا عَنْ أَبَوَيْكَ، فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُمَا، وَلَا يُنْتَقَصُ مِنْ أَجْرِكَ شَيْئًا " (4)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: خَرَجَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ وَحَضَرَتْ أُمَّهُ الْوَفَاةُ بِالْمَدِينَةِ، فَقِيلَ لَهَا: أُوصِي، فَقَالَتْ: فَبِمَ أُوصِي، إِنَّمَا الْمَالُ مَالُ سَعْدٍ، فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْدِمَ سَعْدٌ، فَلَمَّا قَدِمَ سَعْدٌ ذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقُ عَنْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : نَعَمْ، فَقَالَ سَعْدٌ: حَائِطُ كَذَا وَكَذَا صَدَقَةٌ عَلَيْهَا، لِحَائِطٍ سَمَّاهُ." (5)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ أَبِي قَدْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ. (6)
وعَنِ الْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ عِبَادَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: " سَقْيُ الْمَاءِ "، أَوْ قَالَ: "
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (3 / 386) (12204) حسن
(2) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (6 / 3511)(7952 ) صحيح
(3) - طَبَقَاتُ الْمُحَدِّثِينَ بِأَصْبَهَانَ لِأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ (1065 ) حسن
(4) - شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (7672 ) حسن لغيره
(5) - صحيح ابن حبان - (8 / 141) (3354) حسن
(6) - سنن ابن ماجة- ط- الرسالة - (4 / 20) (2716) صحيح(1/775)
اسْقِ الْمَاءَ " قال فَسِقَايَةُ أُمِّ سَعْدٍ بِالْمَدِينَةِ الْيَوْمَ، قَالَ شُعْبَةُ: فقُلْتُ لِقَتَادَةَ: مَنِ الَّذِي قَالَ: سِقَايَةُ أُمِّ سَعْدٍ ؟ قَالَ: الْحَسَنُ" (1)
وعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ فَأَىُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ « الْمَاءُ ». قَالَ فَحَفَرَ بِئْرًا وَقَالَ هَذِهِ لأُمِّ سَعْدٍ. (2)
وعَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ أَخْبَرَنِي، قَالَ: سَمِعْتُ عِيَاضَ بْنَ مَرْثَدِ أَوْ مَرْثَدَ بْنَ عِيَاضٍ يُحَدِّثُ، عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، عَنْ عَمَلٍ يُدْخِلهُ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ: " هَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: " اسْقِ الْمَاءَ " قَالَ: كَيْفَ أَسْقِيهِ ؟ قَالَ: " تَكْفِيهِمْ الْآلَةُ إِذَا حَفَرُوا وَتَحْمِلُ إِلَيْهِمْ إِذَا غَابُوا عَنْهُ " (3)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: مَنْ حَفَرَ مَاءً لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ كَبِدٌ حَرِيٌّ مِنْ جِنٍّ وَلا إِنْسٍ وَلا طَائِرٍ إِلا آجَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ (4) .
الكبد: اللحمة السوْداءُ في البطن، المراد كل كائن حي له روح
حرَّى: تأنيثُ حَرَّانَ، وهُما لِلمبالغة، يُريد أنَّها لِشِدّة حَرِّها قد عطِشَتْ ويبِسَتْ من العطش، والمعنى أنَّ في سَقْيِ كلِّ ذي كَبِد حَرَّى أجْرًا
المفحص: الحفرة التي تحفرها القطاة في الأرض لتبيض وترقد فيها
القطاة: نوع من اليمام
ــــــــــــــ
الأساس الخامس - الحج عنهما :
عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَالْعُمْرَةَ، وَالظَّعْنَ، فَقَالَ: حَجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ. (5)
__________
(1) - شعب الإيمان - (5 / 68)(3107 ) فيه انقطاع
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (1683 ) حسن لغيره
(3) - شعب الإيمان - (5 / 66) (3103 ) صحيح
(4) - صحيح ابن خزيمة (2 / 255) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (9 / 304) (3991) صحيح(1/776)
وعَنْ أنَسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ تَقْضِينَهُ عَنْهُ ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ، فَاقْضِهِ. (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، أَفَأَحُجَّ عَنْهُ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوَ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: حُجَّ عَنْ أَبِيكَ. (2)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَبِيهَا مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ قَالَ « حُجِّى عَنْ أَبِيكِ ». (3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : أَرَأَيْتَ لَوَ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ. (4)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَتْ: إِنْ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا حَجَّةٌ، فَأَقْضِيهَا عَنْهَا ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ ؟ قَالَتْ: نَعَمْ: قَالَ: فَكَيْفَ صَنَعْتِ ؟ قَالَتْ: قَضَيْتُهُ عَنْهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاَللَّهُ خَيْرُ غُرَمَائِكِ. (5)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ أَبِى مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الإِسْلاَمِ فَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ « أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ أَبَاكَ تَرَكَ دَيْنًا عَلَيْهِ أَقَضَيْتَهُ عَنْهُ » قَالَ نَعَمْ. قَالَ « فَاحْجُجْ عَنْ أَبِيكَ ». (6)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ تُقُبِّلَ مِنْهُ وَمِنْهُمَا وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا فِى السَّمَاءِ وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بَرًّا ». (7)
__________
(1) - كشف الأستار - (2 / 36) (1145) حسن
(2) - صحيح ابن حبان - (9 / 305) (3992) صحيح
(3) - سنن النسائي- المكنز - (2646 ) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (9 / 306) (3993) صحيح
(5) - مصنف ابن أبي شيبة - (3 / 843) (15236) صحيح
(6) - سنن الدارقطنى- المكنز - (2640 ) حسن
(7) - سنن الدارقطنى- المكنز - 2/260(2638) ضعيف(1/777)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ حَجَّ عَنْ مَيِّتٍ فَلِلَّذِي حَجَّ عَنْهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، وَمَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، وَمَنْ دَعَا إِلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ " . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (1)
ــــــــــــــ
الأساس السادس- المسارعة للعمل الصالح لإدخال السرور على الوالد المتوفى :
وقد ورد: أن أعمال الأحياء تُعرَض على الأموات من الأقرباء والعشائر في البرزخ، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقَارِبِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا اسْتَبْشَرُوا بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُمْ، حَتَّى تَهْدِيَهُمْ كَمَا هَدَيْتَنَا. (2)
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ إِذَا قُبِضَتْ تَلَقَّاهَا أَهْلُ الرَّحْمَةِ مِنْ عَبَّادِ اللَّهِ كَمَا تَلْقَوْنَ الْبَشِيرَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُونَ: أَنْظِرُوا صَاحِبَكُمْ يَسْتَرِيحُ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي كَرْبٍ شَدِيدٍ، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ: مَا فَعَلَ فُلاَنٌ وَفُلاَنَةُ ؟ هَلْ تَزَوَّجَتْ ؟ فَإِذَا سَأَلُوهُ عَنِ الرَّجُلِ قَدْ مَاتَ قَبْلَهُ فَيَقُولُونَ هَيْهَاتَ قَدْ مَاتَ ذَاكَ قَبْلِي، فَيَقُولُونَ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} ذُهِبَ بِهِ إِلَى أَهْلِ الْهَاوِيَةِ، فَبِئْسَتِ الْأُمُّ وَبِئْسَتِ الْمُرَبِّيَةُ، إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقَارِبِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا، وَقَالُوا: اللَّهُمَّ هَذَا فَضْلُكَ وَرَحْمَتُكَ فَأَتْمِمْ نِعْمَتَكَ عَلَيْهِ وَأَمِتْهُ عَلَيْهَا، وَيُعْرِضُ عَلَيْهِمْ عَمَلُ الْمُسِيءِ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ أَلْهِمْهُ عَمَلًا تَرْضَى بِهِ عَنْهُ وَتُقَرِّبُهُ إِلَيْكَ " (3)
وقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَلاَ إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى عَشَائِرِكُمْ، فَمُسَاؤُونَ وَمُسَرُّونَ، فَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَعْمَلَ عَمَلاً يَخْزَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ . وَهُوَ أَخُوهُ مِنْ أُمِّهِ . (4)
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني - (5980 ) فيه جالهة
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 425)(12683) 12713- حسن لغيره
(3) - مسند الشاميين 360 - (2 / 383) (1544) ضعيف جدا
(4) - الزهد أبي داود 275 - (1 / 198)(220) فيه انقطاع(1/778)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، أَوْ وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهَرًا كَرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ " (1)
ــــــــــــــ
الأساس السابع- زيارة قبريهما :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي، فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَزُورُوَا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْمَوْتَ. (2)
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: انْتَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى رَسْمِ قَبْرٍ فَجَلَسَ، وَجَلَسَ النَّاسُ حَوْلَهُ كَثِيرٌ، فَجَعَلَ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ كَالْمُخَاطِبِ . قَالَ: ثُمَّ بَكَى، فَاسْتَقْبَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: " هَذَا قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي الِاسْتِغْفَارِ لَهَا فَأَبَى عَلَيَّ، وَأَدْرَكَتْنِي رِقَّتُهَا فَبَكَيْتُ " قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ سَاعَةً أَكْثَرَ بَاكِيًا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ " (3)
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ أَتَى جِذْمَ قَبْرٍ فَجَلَسَ إِلَيْهِ وَجَلَسَ النَّاسُ حَوْلَهُ، فَجَعَلَ - صلى الله عليه وسلم - كَهَيْئَةِ الْمُخَاطِبُ ثُمَّ قَامَ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَبْكِي فَاسْتَقْبَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَانَ مِنْ أَجْرَأِ النَّاسِ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي وَأُمِّي مَا الَّذِي أَبْكَاكَ ؟ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : " هَذَا قَبْرُ أُمِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِيَ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لِيَ، فَذَكَرْتُهَا فَوَقَفْتُ فَبَكَيْتُ " . قَالَ: فَلَمْ يُرَ بَاكِيًا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ " (4)
__________
(1) - شعب الإيمان - (5 / 121) (3174 ) وصحيح ابن خزيمة (3 / 441) حسن
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (2304 ) وصحيح ابن حبان - (7 / 440) (3169)
(3) - دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (101 ) صحيح
(4) - أخبار مكة للفاكهي - (4 / 57) (2377 ) صحيح(1/779)
قَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِلْعَبْدَرِيِّ وَالْحَازِمِيِّ وَغَيْرِهِمَا: اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ جَائِزَةٌ . قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ اِبْنَ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرَهُ رَوَى عَنْ اِبْنِ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا، فَلَعَلَّ مَنْ أَطْلَقَ أَرَادَ بِالِاتِّفَاقِ مَا اِسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بَعْدَ هَؤُلَاءِ وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَبْلُغْهُمْ النَّاسِخُ، وَمُقَابِلُ هَذَا الْقَوْلِ اِبْنُ حُزَمٍ: أَنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ وَاجِبَةٌ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ اِنْتَهَى . (1)
قَالَ الْقَاضِي: بُكَاؤُهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَا فَاتَهَا مِنْ إِدْرَاك أَيَّامه، وَالْإِيمَان بِهِ (2) .
ــــــــــــــ
الأساس الثامن - برُّ قسمهما، وألا تستسبَّ لهما :
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ بَرَّ قَسَمَهُمَا وَقَضَى دَيْنَهُمَا وَلَمْ يَسْتَسِبَّ لَهُمَا، كُتِبَ بَارًّا وَإِنْ كَانَ عَاقًّا فِي حَيَاتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَبَرَّ قَسَمَهُمَا وَيَقْضِي دَيْنَهُمَا وَاسْتَسَبَّ لَهُمَا، كُتِبَ عَاقًّا وَإِنْ كَانَ بَارًّا فِي حَيَاتِهِ " . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (3)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ أَبَّرَ قَسَمَهُمَا وَقَضَى دَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَسْتَسِبَّ لَهُمَا، كُتِبَ بَارًّا، وَإِنْ كَانَ عَاقًّا فِي حَيَاتِهِ . وَمَنْ لَمْ يَبَرَّ قَسَمَهُمَا وَيَقْضِ دَيْنَهُمَا، وَاسْتَسَبَّ لَهُمَا كُتِبَ عَاقًّا، وَإِنْ كَانَ بَارًّا فِي حَيَاتِهِ " (4) .
ــــــــــــــ
الأساس التاسع - الصوم عنهما :
__________
(1) - تحفة الأحوذي - (3 / 116)
(2) - شرح النووي على مسلم - (3 / 403) انظر حكم أبوي الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بكتابي (( الإيمان بيوم القيامة وأهواله )) ص (274) فما بعد
(3) - المعجم الأوسط للطبراني - (5981 ) فيه جالهة
(4) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ(5048 ) فيه جهالة(1/780)
عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ عَلَى أُمِّي صَوْمُ شَهْرَيْنِ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا ؟ قَالَ: صُومِي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ قَضَيْتِيهِ، أَكَانَ يُجْزِئُ عَنْهَا ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَصُومِي عَنْهَا. (1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، قَالَ: فَقَالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ.قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا ؟ قَالَ: صُومِي عَنْهَا.قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا ؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا. (2)
وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ. (3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ - قَالَ - فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى » . (4)
الصَّوْمُ الْوَاجِبُ شَرْعًا عَلَى صُنُوفٍ، فَمِنْهُ مَا يَجِبُ مُحَدَّدًا بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ، كَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ كُل عَامٍ، وَمِنْهُ مَا يَجِبُ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارَاتٍ أُخْرَى كَصَوْمِ الْكَفَّارَاتِ بِأَنْوَاعِهَا - كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ - وَصَوْمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ وَالْمُتْعَةِ فِي الْحَجِّ، وَمِنْهُ مَا يَجِبُ عَلَى سَبِيل الْبَدَل، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَمِنْهُ مَا يَجِبُ بِغَيْرِ ذَلِكَ .
وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْل الْعِلْمِ - كَمَا قَال ابْنُ قُدَامَةَ - إِلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِأَحَدِ الأَْسْبَابِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَدَائِهِ إِمَّا لِضِيقِ الْوَقْتِ، أَوْ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ عَجْزٍ عَنِ الصَّوْمِ، وَدَامَ عُذْرُهُ إِلَى أَنْ مَاتَ، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ شَرْعًا، وَلاَ يَجِبُ عَلَى وَرَثَتِهِ صِيَامٌ وَلاَ فِي تَرِكَتِهِ إِطْعَامٌ، وَلاَ غَيْرُ ذَلِكَ . (5)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (14 / 169) (37274) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (2753 )
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (1952) وصحيح مسلم- المكنز - (2748 ) وصحيح ابن حبان - (8 / 334) (3569)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (1953 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2749 )
(5) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (39 / 290) والمغني 4 / 398 ، والمجموع 6 / 368 ، 369 ، والمبسوط 3 / 89 ، 90 .(1/781)
أَمَّا إِذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنَ الصِّيَامِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُؤَدِّهِ حَتَّى مَاتَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي سُقُوطِهِ عَنْهُ بِالْمَوْتِ عَلَى قَوْلَيْنِ .
الْقَوْل الأَْوَّل: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْجَدِيدِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ نَحْوُهُمَا مِنَ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ، سَقَطَ عَنْهُ الصَّوْمُ فِي الأَْحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَلاَ يَلْزَمُ وَلِيَّهُ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ، لأَِنَّ فَرْضَ الصِّيَامِ جَارٍ مَجْرَى الصَّلاَةِ، فَلاَ يَنُوبُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فِيهِ (1) .
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ هَذَا الرَّأْيِ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى مَذْهَبَيْنِ .
الْمَذْهَبُ الأَْوَّل: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَوِ الْوَرَثَةِ أَنْ يُطْعِمُوا عَنْهُ شَيْئًا إِلاَّ إِذَا أَوْصَى بِذَلِكَ، فَإِنْ أَوْصَى بِهِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ كَسَائِرِ الْوَصَايَا .
الْمَذْهَبُ الثَّانِي: لِلْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ لِكُل يَوْمٍ مِسْكِينًا، سَوَاءٌ أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَال اللَّيْثُ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ عَلِيَّةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ (2) .
وَالْقَوْل الثَّانِي: لِلشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ وَاجِبٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ عَلَى سَبِيل الْجَوَازِ دُونَ اللُّزُومِ، مَعَ تَخْيِيرِ الْوَلِيِّ بَيْنَ الصِّيَامِ عَنْهُ وَبَيْنَ الإِْطْعَامِ (3) .
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - فتح القدير والعناية 2 / 351 ، 352 ، 358 ، 359 ، والمجموع 6 / 368 - 372 ، والمغني 4 / 398 ، ونهاية المحتاج 3 / 184 ، وبداية المجتهد 1 / 299 ، وإعلام الموقعين 4 / 390 ، والمنتقى 2 / 63 .
(2) - المغني 4 / 398 ، وبداية المجتهد 1 / 299 ، 300 ، والمجموع 6 / 368 ، 369 ، 371 ، والمنتقى 2 / 63 ، وفتح القدير مع العناية 2 / 352 ، 353 ، 357 ، 358 ، والموافقات 2 / 174 .
(3) - المجموع 6 / 368 ، 369 ، 372 ، والمغني 4 / 398 ، ونهاية المحتاج 3 / 184 .و انظر كتاب منهج التربية النبوية للطفل ص( 142) فما بعد(1/782)
الفصل الثامن
أسلوب تأديب الطفل
تمهيد :
الأساس الأول: التديب ضرورة تربوية
الأساس الثاني: تصحيح خطأ الطفل فكريا ثم عمليًّا
الأساس الثالث: التدرج في تأديب الطفل
المرحلة الأولى: رؤية الأطفال السوط
المرحلة الثانية: شد أذن الطفل
المرحلة الثالثة: الضرب وقواعده
القاعدة الأولى: ابتداء الضرب من سن العاشرة
القاعدة الثانية: أقصى الضربات للتأديب ثلاثة، وللقصاص عشرة
القاعدة الثالثة: الالتزام بمواصفات أداة الضرب وطريقته ومكانه
القاعدة الرابعة: لا ضرب مع الغضب
القاعدة الخامسة: ارفع يدك عن الضرب إذا ذكر الطفل الله تعالى
الأساس الخامس: مضار القسوة في الضرب
الأساس السادس: تضمين المعلم إذا تجاوز في العقوبة(1/783)
تمهيد :
تقدم معنا في الباب السابق الأساليب التربوية النبوية سواء منها الفكرية أو النفسية، فإذا لم تجدِ أية وسيلة مع الطفل، فهذا يعني: أن الطفل بحاجة إلى علاج بالتأديب، لكي يحسَّ بأن الأمر جدٌّ لا هزل فيه، فيذوق ألم التأديب، فيعرف قيمة الحنان والعاطفة التي تدفقت عليه من والديه قبل التأديب، ويشعر بضرورة الانقياد والطاعة، وحسن الخلق والسيرة .
ولكن ما هي أسس التأديب، وكيف سيؤدب الأب ابنه، فيحقق حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ، أَوْ أَحَدُكُمْ وَلَدَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ كُلَّ يَوْمٍ بِنِصْفِ صَاعٍ. (1)
ولابد قبل الشروع في هذا الموضوع أن نعرف المفهوم الفقهي للتأديب، حيث يقول الكاساني في بدائع الصنائع :" َيُعَزَّرُ كُلُّ عَاقِلٍ ارْتَكَبَ جِنَايَةً لَيْسَ لَهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ، سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ، إلَّا الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ تَأْدِيبًا لَا عُقُوبَةً ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْدِيبِ، أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: { مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلاَةِ، إِذَا بَلَغُوا سَبْعًا وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، إِذَا بَلَغُوا عَشْرًا، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ } (2) ، وَذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ وَالتَّهْذِيبِ لَا بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَدْعِي الْجِنَايَةَ، وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ جِنَايَةً، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ التَّأْدِيبِ ." (3)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 33)(20900) 21206- ضعيف
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 634) (6689) صحيح
(3) - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع - (15 / 145)(1/784)
الأساس الأول: التأديب ضرورة تربوية :
إن التأديب ليس عملاً انتقاميا من الطفل، وإنما هدفه تربوي، ووسيلته تربوية .
وقد قرر ابنُ الجزار القيرواني ضرورة تأديب الطفل في الصغر فقال: " الصغير أسلس قيادة، وأحسن مؤاتاة وقبولاً ؛ فإن قال لنا قائل: قد نجد من الصبيان من يقبل الأدب قبولاً سهلاً، ونجد منهم من لا يقبل ذلك، وكذلك نجد من الصبيان من لا يستحي، ونجد منهم من هو كثير الحياء، ونجد منهم من يعنَى بما يعلَّمه، ويتعلمه بحرصٍ واجتهاد، ونجد منهم من هو يملُّ التعليم ويبغضه، وقد نجد أيضاً في ذوي العناية منهم، وذوي العلم من إذا مدحَ تعلَّم علماً كثيراً، ومنهم من يتعلم إذا عاتبته، أو عاتبه المعلم، ووبخه، ومنهم من لا يتعلم إلا للفرق من الضرب، وكذلك نجد اختلافاً كثيراً، ومطرداً في الذين يملُّون التعلم، ويبغضونه .
وقد نرى من الصبيان محبًّا للكذب، ونرى منهم محبًّا للصدق، ويُرى منهم اختلاف في الأخلاق، ومضادة كثيرة بالطبع، فما معنى قولك: ويحبَّذ في أن يؤخذ الأطفال بالأدب منذ الصغر، وأنت منهم مثل هذا بالطبع من غير تعليم، ولا تأديب، أفترى الأدب ينقل بالطبع المذموم إلى الطبع المحمود ؟.
فنقول لقائل هذه المقالة: أما ما ذكرت من طبائع الصبيان واختلافهم، وقولك: أفترى الأدب ينقل الطبع المذموم إلى الطبع المحمود؟ فلعمري إنه لكذلك، وإنما أوتي صاحب الطبع المذموم من قبل الإهمال في الصبا، وتركه ما يعتاد مما تميل إليه طبيعته فيما هي مذمومة، أو يعتاد أشياء مذمومة أيضاً، لعلها ليست في غريزته، فإن أُخذ في الأدب بعد غلبة تلك الأشياء عسُرَ انتقاله، ولم يستطيع مفارقة ما اعتاده في الصبا، وقد قال أحد الفلاسفة: "إن أكثر الناس إنما أُتوا في سوء مذاهبهم من عادات الصبا إذا لم يتقدمهم تأديب، وإصلاح أخلاقهم، وحسن سياستهم "
فلذلك أمرنا نحن أن نؤدب الصبيان، وهم صغار ؛ لأنهم ليس لهم عزيمةٌ تصرفهم لما يؤمر به من المذاهب الجميلة، والأفعال الحميدة، والطرائق المثلى، إذ لم تغلب عليهم بعد عادة رديئة تمنعهم من اتباع ما يراد بهم من ذلك، فمن عوَّد ابنه الأدب، والأفعال الحميدة،(1/785)
والمذاهب الجميلة في الصغر حاز بذلك الفضيلة، ونال المحبة والكرامة، وبلغ غاية السعادة، ومن ترك فعل ذلك، وتخلَّى عن العناية به أداه ذلك إلى عظيم النقص والخساسة، ولعله يعرف فضيلة ذلك في وقت لا يمكنه تلافيه، واستدراك ما فاته منه، فتحصل له الندامة التي هي ثمرة الخطأ، وذلك أنَّا قد نرى من الناس من يعلم أن مذاهبه رديئة، ولا تخفى عليه الطريق المحمود، ويعسر عليه النزوع إليه لتقدم العادة المعتادة فيهم .
وإن حملوا أنفسهم على بعض تلك الحالات تصنُّعاً، وحياء من الناس في الظهار لم يعدموا إذا خلوا أن يرجعوا إلى المذاهب المتمكنة في غرائزهم، وإنما أصل العادة أن الإنسان إلى العادة أميلُ، وعليها أحرصُ، وبها أشدُّ تمسُّكاً، فليس إذاً من الأسباب الذميمة شيء أقوى سبباً إذا كان في طبيعته من مثل ذلك الشيء الذي تعوَّده، فإنْ لم يعنَ في ذلك الطبع، فإن العادة وحدها تبلغ في ذلك إذا استحكمت، وتمكنت مبلغاً قويًّا، وكذلك فعل العادة وحدها في الأشياء المحسوسة الفاضلة، فإن رأيت صبيا في طبيعة جيدة، وعادة صالحة، فإنه لا تفارقه الخصال المحمودة الشريفة ؛لأنه طُبع عليها من جهتين قويتين، كما أن ذلك لا تفارقه الخصال المذمومة الدنيئة؛ لأنه طُبعا عليها من هاتين الجهتين، أعني جهة العادة والطبيعة، مع أن بعض الحكماء قال: "العادة طبيعة ثانية" فلموقع العادة هذا الموقع وجب أن يؤدب الأطفال، ويعوَّدوا بالأشياء الجميلة، وتربيتهم تربية فاضلة ليكونوا -إن قبلت طبعائهم منفعة التأديب والتعاهد- أخياراً فضلاء، فإن أمكن أن يكون من الصبيان من لا يقبل ذلك لزمنا نحن التواني، وإغفال ما يجب في حين يمكن فيه تأديبهم، فنرجع على أنفسنا باللوم فنقول: " إنا قد أخطأنا إذ لم تعاتبهم في حين يمكن فيه تأديبهم وقبولهم، وقد علمنا أن صغير الخطأ في أوائل الأشياء وأصولها ليس بيسير الضرر في العاقبة، كذلك فإن العاقبة في الصواب، كأنَّ الأشياء لتنبئ عن الأصول، فقد بيَّنا بياناً شافياً، وأوضحنا إيضاحاً كافياً، وتبين لمن فهم عنا قولنا: إن الصواب أن يؤدَّب الصبيٌّ، فإن كانت طبيعته طبيعة من ليس بأديب ولا لبيب، أعني: أن يكون مطبوعاً على الحياء، وحب الكرامة، والألفة، محبًّا للصدق، فإن تأديبه يكون سهلاً، وذلك أن المدح والذم يبلغان منه الإحسان أو الإساءة ما تبلغه العقوبة من غيره، فإن كان الصبيُّ قليل الحياء، مستخفًّا للكرامة، قليل(1/786)
الألفة، محبًّا للكذب، عسُرَ تأديباً، ولا بد لمن كان كذلك من إرهاب وتخويفٍ عند الإساءة، ثم يحقق ذلك بالضرب إذا لم ينجح التخويف، وينبغي أن يتفقد الصبي في كلامه وقعوده بين الناس، وحركته، ونومه، وقيامه، معطمه، ومشربه، ويُلزَم في جميع ذلك ما ألزمه العقلاء أنفسهم، حتى صاروا وأمثالهم طبيعة من طبائهم " (1)
فإذا تقرر معنا أن التأديب ضرورة تربوية تهذيبية تقويمية للطفل، فهذا يعني ضرورة يقظة الوالدين والمربين في تعاملهم مع الطفل، وفهم طبيعته، واختيار نوع العقوبة ن وطريقتها.
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - سياسة الصبيان وتدبيرهم (ص 134) ت : الدكتور محمد الحبيب السهيلة ط الدار التونسية(1/787)
الأساس الثاني: تصحيح خطأ الطفل فكريا ثم عمليًّا:
مما لا شك فيه أن استئصال الخطأ من جذوره وأصوله يعدُّ نجاحاً باهراً، ونصراً كبيرا في العملية التربوية، وإذا تأملنا طبيعة أي خطأ وجدنا أن أصوله تعتمد على ثلاثة أشياء، فإما أن يكون سببه فكريًّا، أي أن الطفل لا يملك فكرة صحيحة عن الشيء، فتصرف من عنده فأخطأ، وإما أن يكون السبب عمليًّا، أي: أن الطفل لا يستطيع أن يتقن عملاً ما، وتعمده الخطأ، أو من ذوي الطبائع العنيدة؛ لذلك يصرُّ على الخطأ؛ لهذا فإن تحديد أصل الخطأ يسهِّل كثيراً في تلافيه.
أولا - التصحيح الفكري لخطأ الطفل:
إن الطفل كأي كائن حي يجهل أكثر مما يعلم، فإذا علم فعل الصواب سار سيراً محموداً، وحيث إن الإنسان عدو ما يجهل ؛ لذلك تكون مرحلة تعليمه الصحيح من السقيم أولى الخطوات في تقويمه، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصحح البُنَى الفكرية للطفل إذا أخطأ، وكان يتبع في ذلك شتى الأساليب المحببة التي تمتاز بالرفق واللين، وذلك لتصحيح فكر الطفل، وإليك بيان ذلك:
عَنِ الْفَارِسِيِّ مَوْلَى بَنِي مُعَاوِيَةَ ؛ أَنَّهُ ضَرَبَ رَجُلاً يَوْمَ أُحُدٍ فَقَتَلَهُ، وَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا الْغُلاَمُ الْفَارِسِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا مَنَعَك أَنْ تَقُولَ: الأَنْصَارِي وَأَنْتَ مِنْهُمْ ؟ إِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ. (1)
وعَنْ أَبِي عُقْبَةَ وَكَانَ مَوْلًى مِنْ أَهْلِ فَارِسَ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ فَضَرَبْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقُلْتُ: خُذْهَا مِنِّي، وَأَنَا الْغُلاَمُ الْفَارِسِيُّ فَبَلَغَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: هَلاَّ قُلْتَ: خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا الْغُلاَمُ الأَنْصَارِيُّ. (2)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُقْبَةَ مَوْلَى جَبْرِ بْنِ عَتِيكٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ أُحُدًا مَعَ مَوْلايَ، فَضَرَبْتُ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا قَتَلْتُهُ، قُلْتُ: خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا الرَّجُلُ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (20 / 350)(37916) وسنن أبي داود - المكنز - (5125) حسن
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 495)(22515) 22882- حسن(1/788)
الْفَارِسِيُّ، فَبَلَغَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: أَلا قَالَ: خُذْهَا وَأَنَا الرَّجُلُ الأَنْصَارِيُّ ؟ فَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" (1)
فما أروع هذا التعليم في وسط المعركة؟! ثم ماذا؟ التعليم بوضع قاعدة له يسير عليها في حياته " ابن أخت القوم منهم " وكيف كان العلاج؟ إنه اللطف، والرفق ن ولين الجناح " هلا قلت " يا لروعة التواضع في التعليم ! .. الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول للغلام بهذه الصيغة " هلا" فصلى الله عليك يا سيدي ومرشدي ومعلمي وقدوتني .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: " أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَأَدْخَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : كِخْ كِخْ أَلْقِهَا أَلْقِهَا، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ " (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَأَلْقَاهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : كَخْ كَخْ، أَلْقِهَا، فَأَلْقَاهَا، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ؟، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ " (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِتَمْرٍ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَتَنَاوَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً، فَلاَكَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : كِخْ كِخْ، إِنَّا لاَ تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ. (4)
وعن مُحَمَّدَ بْنِ زِيَادٍ، قال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: أَتَى أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - تَمْرٌ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَأَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً فَلاَكَهَا، فَأَدْخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِصْبَعَيْهِ فِي فِيهِ فَأَخْرَجَهَا، وَقَالَ: كِخْ أَيْ بُنَيَّ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لاَ تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ. (5)
وعن مُحَمَّدَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِتَمْرٍ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ فِيهِ بِأَمْرٍ، فَحَمَلَ الْحَسَنَ أَوِ الْحُسَيْنَ عَلَى عَاتِقِهِ، فَجَعَلَ لُعَابُهُ يَسِيلُ عَلَيْهِ،
__________
(1) - مسند أبي يعلى الموصلي (910) حسن
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (2522 ) وشرح معاني الآثار - (2 / 9)(2976 )
كِخْ كِخْ : زجر للصبيان ، وردع عما يلابسونه من الأفعال.
(3) - مسند أبي عوانة (2109 ) صحيح
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (2523) وصحيح ابن حبان - (8 / 89)(3294)
(5) - صحيح ابن حبان - (8 / 90) (3295) صحيح(1/789)
فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ يَلُوكُ تَمْرَةً، فَحَرَّكَ خَدَّهُ، وَقَالَ: أَلْقِهَا يَا بُنَيَّ، أَلْقِهَا يَا بُنَيَّ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لاَ يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ. (1)
قَولُهُ: "كَخ" ؛ بِفَتحِ الكافِ وكَسرِها وسُكُونِ المُعجَمَةِ مُثَقَّلاً ومُخَفَّفًا وبِكَسرِ الخاءِ مُنَوَّنَةٌ وغَيرُ مُنَوَّنَةٍ فَيَخرُجُ مِن ذَلِكَ سِتُّ لُغاتٍ، والثّانِيَةُ تَوكِيدٌ لِلأُولَى، وهِيَ كَلِمَةٌ تُقالُ لِرَدعِ الصَّبِيِّ عِندَ تَناوُلِهِ ما يُستَقذَرُ، قِيلَ عَرَبِيَّةٌ وقِيلَ أَعجَمِيَّةٌ، وزَعَمَ الدّاوُدِيُّ أَنَّها مُعَرَّبَةٌ، وقَد أَورَدَها البُخارِيُّ فِي "بابِ مَن تَكَلَّمَ بِالفارِسِيَّةِ.
قَولُهُ: "لِيَطرَحها" ؛ زادَ مُسلِمٌ " ارمِ بِها " وفِي رِوايَةِ عِندَ أَحمَدَ: "فَنَظَرَ إِلَيهِ فَإِذا هُو يَلُوكُ تَمرَةً فَحَرَّكَ خَدَّهُ وقالَ: أَلقِها يا بُنَيَّ أَلقِها يا بُنَيَّ " ويُجمَعُ بَينَ هَذا وبَينَ قَوله: "كَخ كَخ " بِأَنَّهُ كَلَّمَهُ أَوَّلاً بِهَذا فَلَمّا تَمادَى قالَ لَهُ كَخ كَخ إِشارَةً إِلَى استِقذارِ ذَلِكَ لَهُ، ويَحتَمِلُ العَكسُ بِأَن يَكُونَ كَلَّمَهُ أَوَّلاً بِذَلِكَ فَلَمّا تَمادَى نَزَعَها مِن فِيهِ.
وأَمّا قَولُهُ: "أَما شَعَرت " وفِي رِوايَةِ البُخارِيِّ فِي الجِهادِ " أَما تَعرِفُ " ولِمُسلِمٍ " أَما عَلِمت " فَهُو شَيءٌ يُقالُ عِندَ الأَمرِ الواضِحِ وإِن لَم يَكُن المُخاطَبُ بِذَلِكَ عالِمًا أَي كَيفَ خَفِيَ عَلَيك هَذا مَعَ ظُهُورِهِ، وهُو أَبلَغُ فِي الزَّجرِ مِن قَولِهِ لا تَفعَل.
وفِي الحَدِيثِ دَفعُ الصَّدَقاتِ إِلَى الإِمامِ، والانتِفاعُ بِالمَسجِدِ فِي الأُمُورِ العامَّةِ، وجَوازُ إِدخالِ الأَطفالِ المَساجِدَ وتَأدِيبُهُم بِما يَنفَعُهُم ومَنعُهُم مِمّا يَضُرُّهُم ومِن تَناوُلِ المُحَرَّماتِ وإِن كانُوا غَيرَ مُكَلَّفِينَ لِيَتَدَرَّبُوا بِذَلِكَ. واستَنبَطَ بَعضُهُم مِنهُ مَنعَ ولِيِّ الصَّغِيرَةِ إِذا اعتَدَّت مِنَ الزِّينَةِ، وفِيهِ الإِعلامُ بِسَبَبِ النَّهيِ ومُخاطَبَةِ مَن لا يُمَيِّزُ لِقَصدِ إِسماعِ مَن يُمَيِّزُ لأَنَّ الحَسَنَ إِذ ذاكَ كانَ طِفلاً. (2)
وعَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى عَلَى أَزْوَاجِهِ وَسَوَّاقٌ يَسُوقُ بِهِنَّ، يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ.
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 467)(9267) 9256- صحيح
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (3 / 355) وشرح النووي على مسلم - (4 / 33)(1/790)
قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: تَكَلَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ، يَعْنِي قَوْلَهُ: سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ. (1)
وعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنهم - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِى سَفَرٍ، وَكَانَ غُلاَمٌ يَحْدُو بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ، سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ » . قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ يَعْنِى النِّسَاءَ . (2)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَسَائِقٌ يَسُوقُ، فَأَتَى عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدًا سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ. (3)
الحادي: منشد ينشد شعرا وغناء تطرب له الإبل فتسرع في سيرها
القوارير: الأواني الزجاجية وشبه النساء بها لرقتهن وضعفهن
رويدك سوقك بالقوارير: رويدك بمعنى أمهل وتأن وارفق. قد جاء في الحديث أنه أراد بالقوارير النساء، وشبههن بالقوارير لأنه أقل شيء يؤثر فيهن. كما أن أقل شيء من الحداء والغناء يؤثر في النساء، أو أراد: أن النساء لا قوة لهن على سرعة السير، والحداء مما يهيج الإبل، ويبعثها على السير وسرعته، فيكون ذلك إضرارا بالنساء اللواتي عليهن. (4)
قالَ أَبُو قِلابَةَ: فَتَكَلَّمَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَلِمَةٍ لَو تَكَلَّمَ بِها بَعضكُم لَعِبتُمُوها عَلَيهِ: "سَوقك بِالقَوارِيرِ" قالَ الدّاوُدِيُّ: هَذا قالَهُ أَبُو قِلابَةَ لأَهلِ العِراق لِما كانَ عِندَهم مِنَ التَّكَلُّف ومُعارَضَة الحَقّ بِالباطِلِ.
وقالَ الكَرمانِيُّ: لَعَلَّهُ نَظَرَ إِلَى أَنَّ شَرط الاستِعارَة أَن يَكُون وجه الشَّبَه جَلِيًّا، ولَيسَ بَينَ القارُورَة والمَرأَة وجه لِلتَّشبِيهِ مِن حَيثُ ذاتهما ظاهِر، لَكِن الحَقّ أَنَّهُ كَلام فِي غايَة الحُسن والسَّلامَة عَن العَيب ؛ ولا يَلزَم فِي الاستِعارَة أَن يَكُون جَلاء وجه الشَّبَه مِن حَيثُ ذاتهما، بَل يَكفِي الجَلاء الحاصِل مِنَ القَرائِن الحاصِلَة، وهُو هُنا كَذَلِكَ . قالَ: ويَحتَمِل أَن يَكُون
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 481)(12935) 12966- وصحيح البخارى- المكنز - (6149 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6210 )
(3) - صحيح ابن حبان - (13 / 117)(5800) صحيح
(4) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (5 / 173)(1/791)
قَصَدَ أَبِي قِلابَةَ أَنَّ هَذِهِ الاستِعارَة مِن مِثل رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فِي البَلاغَة، ولَو صَدَرَت مِن غَيره مِمَّن لا بَلاغَة لَهُ لَعِبتُمُوها . قالَ وهَذا هُو اللاَّئِق بِمَنصِبِ أَبِي قِلابَةَ.
قُلت: ولَيسَ ما قالَهُ الدّاوُدِيُّ بَعِيدًا ولَكِنَّ المُراد مَن كانَ يَتَنَطَّع فِي العِبارَة ويَتَجَنَّب الأَلفاظ الَّتِي تَشتَمِل عَلَى شَيء مِنَ الهَزل . وقَرِيب مِن ذَلِكَ قَول شَدّاد بن أَوس الصَّحابِيّ لِغُلامِهِ: ائتِنا بِسُفرَةٍ نَعبَث بِها، فَأَنكَرت عَلَيهِ.
أَخرَجَهُ أَحمَد والطَّبَرانِيُّ . قالَ الخَطّابِيُّ: كانَ أَنجَشَة أَسود وكانَ فِي سَوقه عُنف، فَأَمَرَهُ أَن يَرفُق بِالمَطايا . وقِيلَ: كانَ حَسَن الصَّوت بِالحُداءِ فَكَرِهَ أَن تَسمَع النِّساء الحُداء فَإِنَّ حُسن الصَّوت يُحَرِّك مِنَ النُّفُوس، فَشَبَّهَ ضَعف عَزائِمهنَّ وسُرعَة تَأثِير الصَّوت فِيهِنَّ بِالقَوارِيرِ فِي سُرعَة الكَسر إِلَيها.
وجَزَمَ ابن بَطّال بِالأَوَّلِ فَقالَ: القَوارِير كِنايَة عَن النِّساء اللاَّتِي كُنَّ عَلَى الإِبِل الَّتِي تُساق حِينَئِذٍ، فَأَمَرَ الحادِي بِالرِّفقِ فِي الحُداء لأَنَّهُ يَحُثُّ الإِبِل حَتَّى تُسرِع فَإِذا أَسرَعَت لَم يُؤمَن عَلَى النِّساء السُّقُوط، وإِذا مَشَت رُويدًا أُمِنَ عَلَى النِّساء السُّقُوط، قالَ: وهَذا مِنَ الاستِعارَة البَدِيعَة ؛ لأَنَّ القَوارِير أَسرَع شَيء تَكسِيرًا، فَأَفادَت الكِنايَة مِنَ الحَضّ عَلَى الرِّفق بِالنِّساءِ فِي السَّير ما لَم تُفِدهُ الحَقِيقَة لَو قالَ اُرفُق بِالنِّساءِ. (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ الْفَضْلَ، رَدِفَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَجَعَلَ يَلْحَظُ إِلَى امْرَأَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : مَهْ يَا غُلاَمُ، فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ حَفِظَ فِيهِ بَصَرَهُ غُفِرَ لَهُ. (2)
وهذا تصحيح مع منادة الاسم
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (10 / 545)
(2) - مسند الطيالسي - (4 / 455)(2857) صحيح
وفيه دليل على أن إحرام المرأة في وجهها وهذا ما لم يختلف فيه الفقهاء وفيه دليل على أن المرأة تحج وإن لم يكن معها ذو محرم لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للخثعمية حجي عن أبيك ولم يقل إن كان معك ذو محرم وفي ذلك دليل على أن المحرم ليس من السبيل والله أعلم"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (9 / 124)(1/792)
وعَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَتَاهَا ذُو قَرَابَتِهَا غُلاَمٌ شَابٌّ ذُو جُمَّةٍ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَسْجُدَ، نَفَخَ، فَقَالَتْ: لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ لِغُلاَمٍ لَنَا أَسْوَدَ: يَا رَبَاحُ، تَرِّبْ وَجْهَكَ. (1)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: رَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غُلَامًا لَنَا يُقَالُ لَهُ أَفْلَحُ، يَنْفُخُ إِذَا سَجَدَ، فَقَالَ: " يَا أَفْلَحُ، تَرِبَ وَجْهُكَ " (2)
أي في الأرض ليزول عنها التراب فيسجد فقال يا أفلح ترب وجهك أي أوصله إلى التراب فإنه أقرب إلى التضرع وأعظم للثواب وهو كناية عن عدم النفخ لأنه يستلزم علوق التراب بالوجه أي أفضله وهو الجبهة وذلك غاية التواضع (3)
قَالَ الْعِرَاقِيُّ: إنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى التُّرَابِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَمْكِينَ الْجَبْهَةِ مِنْ الْأَرْضِ وَكَأَنَّهُ رَآهُ يُصَلِّي وَلَا يُمَكِّنُ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ لَا أَنَّهُ رَآهُ يُصَلِّي عَلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ الْأَرْضِ فَأَمَرَهُ بِنَزْعِهِ" (4)
وقد فعل الصحابة رضي الله عنهم مثل ذلك، فعَنْ عَمِّ أَبِي رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ، قَالَ: كُنْتُ وَأَنَا غُلامٌ أَرْمِي نَخْلَ الأَنْصَارِ، فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ هَاهُنَا غُلامًا يَرْمِي نَخْلَنَا، قَالَ: يَرْمِي النَّخْلَ، قَالَ: فَأُتِيَ بِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا غُلامُ، لا تَرْمِ النَّخْلَ، قَالَ: قُلْتُ: آكُلُ، قَالَ: لا تَرْمِ النَّخْلَ كُلْ مَا سَقَطَ قَالَ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ " (5)
وعَنْ عَمِّ أَبِي: رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ، قَالَ: كُنْتُ وَأَنَا غُلاَمٌ أَرْمِي نَخْلاً لِلأَنْصَارِ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقِيلَ: إِنَّ هَاهُنَا غُلاَمًا يَرْمِي نَخْلَنَا، فَأُتِيَ بِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ، لِمَ تَرْمِي النَّخْلَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: آكُلُ، قَالَ: فَلاَ تَرْمِ النَّخْلَ، وَكُلْ مَا يَسْقُطُ فِي أَسَافِلِهَا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ. (6)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (5 / 241)(1913) حسن
(2) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (1 / 335)(1052 ) حسن لغيره
(3) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (4 / 93)
(4) - تحفة الأحوذي - (1 / 360)
(5) - مسند أبي يعلى الموصلي (1482) حسنن لغيره
(6) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 805)(20343) 20609- حسن لغيره(1/793)
قال ابن القيم: يدل على إباحة الأكل، وأن الإباحة عند الجوع أولى، وقال غيره: إنما الإباحة للجوع والضرورة، ويكون إباحة الأكل فقط لا الحمل. (1)
فنرى مع التصحيح الفكري للطفل، طريقة تعرفه للوصول إلى غرضه، فهو يريد أن يأكل من التمر، فدلَّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على طريقة شرعية صحيحة، وهي أن يأكل مما سقط من الشجرة على الأرض، بدلاً من ضرب الأشجار، وإسقاط التمر من على الشجرة بغير إذن صاحبها، ثم أتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك التعليم بالمسح على رأسه، والدعاء له، فهذا أسلوب فريد، خرج من مشكاة النبوة .
وفي هذا الإستاد لطائف: وهي تحديث الجدة عن العم للسبط، فهذا دليل ما أكدناه في السابق من تفاعل الأسرة المسلمة كلها، ومشاركتها في تربية الأحفاد والأسباط، وابن الأخ وابن الأخت، وهذا طريق حفظ العلم، فالراوي أحد الأحفاد للجدة، فروى الحديث عنها، فكان الخير كل الخير للمشتركين في التحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وهذا أنس رضي الله عنه يصحح لابنته فكرتها، فعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ، وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ، قَالَ أَنَسٌ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَكَ بِي حَاجَةٌ ؟.فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا، وَاسَوْأَتَاهْ، وَاسَوْأَتَاهْ . قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا. (2)
وعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَعْرِضُ نَفْسَهَا، فَقَالَ: " لَيْسَ لِي فِي النِّسَاءِ حَاجَةٌ "، فَقَالَتِ ابْنَةٌ لِأَنَسٍ: مَا كَانَ أَصْلَبَ وَجْهَهَا، قَالَ أَنَسٌ: كَانَتْ خَيْرًا مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ " (3)
وعَنْ أَنَسٍ: " أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " فَضَحِكَتِ ابْنَةُ أَنَسٍ، فَقَالَتْ: مَا كَانَ أَقَلَّ حَيَاءَهَا فَقَالَ أَنَسٌ: " هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " (4)
__________
(1) - حاشية ابن القيم ج7 ص203
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5120 )
(3) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي(10036 ) صحيح
(4) - سنن النسائي- المكنز - (3263 ) صحيح(1/794)
وهذا تطبيق عملي للحديث السابق من أمير المؤمنين غمر بن الخطاب رضي الله عنه، فعَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، حَدَّثَنَا سِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ، بِالْبَحْرَيْنِ قَالَ: كُنْتُ فِي غِلْمَةٍ بِالْمَدِينَةِ تَلْتَقِطُ الْبَلَحَ فَأَبْصَرْنَا عُمَرَ وَسَعَى الْغِلْمَانُ وَقُمْتُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا هُوَ مَا أَلْقَتِ الرِّيحُ قَالَ: " أَرِنِي أَنْظُرْ " فَلَمَّا أَرَيْتُهُ قَالَ: " انْطَلِقْ " قَالَ: قُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِّ هَؤُلَاءِ الْغِلْمَانَ إِنَّكَ لَوْ تَوَارَيْتَ انْتَزَعُوا مَا مَعِي قَالَ: فَمَشَى مَعِي حَتَّى بَلَغْتُ مَأْمَنِي " (1)
وعَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: إِنِّي لَغُلَامٌ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَنَا مَعَ أُغَيْلِمَةٍ نَلْتَقِطُ الْبَلَحَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْخَلَالُ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَشَدَّ عَلَيْنَا، وَفَرَّ الْغِلْمَانُ، وَبَقِيَتُ أَنَا، فَقُلْتُ: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هُوَ مِمَّا أَلْقَتِ الرِّيحُ، فَقَالَ: أَرِنِي، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيَّ . فَأَرَيْتُهُ، قَالَ: صَدَقْتَ . قُلْتُ: تَرَى هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانَ ؟ لَوِ انْطَلَقْتُ أَخَذُوا مَا مَعِي، فَمَشَى مَعِي حَتَّى بَلَّغَنِي أُمِّي " (2)
وعَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ الْأُسَيِّدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ - وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْبَحْرَيْنِ - قَالَ: " كُنَّا أُغَيْلِمَةً بِالْمَدِينَةِ فِي أُصُولِ النَّخْلِ نَلْتَقِطُ الْبَلَحَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْخَلَالُ، فَخَرَج إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَتَفَرَّقَ الْغِلْمَانُ وَثَبَتُّ مَكَانِي، فَلَمَّا غَشِيَنِي قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا هَذَا مَا أَلْقَتِ الرِّيحُ قَالَ: " أَرِنِي أَنْظُرْ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيَّ "، فَنَظَر فِي حِجْرِي، فَقَالَ: " صَدَقْتَ " فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، تَرَى هَؤُلَاءِ الْآنَ، وَاللَّهِ لَئِنِ انْطَلَقْتُ لَأَغَارُوا عَلَيَّ، فَانْتَزَعُوا مَا مَعِي، قَالَ: فَمَشَى حَتَّى بَلَّغَنِي مَأْمَنِي" (3)
فهاهنا نرى اهتمام خليفة المسلمين بالأطفال، وتحريه معهم، وحرصه على معرفة الحقيقة، واستجوابه للطفل بلين وحكمة، ونرى فقه الغلام، مما دل على أن الآباء بلَّغوا أبناءهم حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جواز التقاط البلح الساقط من الشجر على الأرض، ثم جرأة الطفل في طلب المعونة من أمير المؤمنين للوصول إلى بيته بأمان، حتى يتخلص من إيذاء رفقائه وأصحابه .
__________
(1) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا(245 ) صحيح
(2) - تَهْذِيبُ الْآثَارِ لِلطَّبَرِيِّ (1652 ) صحيح
(3) - الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ (8434 ) صحيح لغيره(1/795)
وهذا بن عمر رضي الله عنهما يصحح للأطفال خطأهم، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ مَنْزِلِهِ، فَمَرَرْنَا بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فَقَالَ: ابْنُ عُمَرَ مَنْ فَعَلَ هَذَا ؟ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا. (1)
وعَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: مَرَرْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ، فَإِذَا فِتْيَةٌ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، لَهُمْ كُلُّ خَاطِئَةٍ، قَالَ: فَغَضِبَ، وَقَالَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا ؟ قَالَ: فَتَفَرَّقُوا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ يُمَثِّلُ بِالْحَيَوَانِ. (2)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ، فَمَرَرْنَا بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَلَمَّا بَصُرُوا بِابْنِ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَعَنِ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْلَعَنْ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ مَرَّ مَعَهُ، فَإِذَا غِلْمَانٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، لَيْسَتْ لَهُمْ خَاطِئَةٌ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَغَضِبَ، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ مَثَّلَ بِالْبَهَائِمِ"
وعَنْ سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، قَالَ: دَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغُلامٌ مِنْ بَنِي يَحْيَى رَابَطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا، فَمَشَى إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى حَلِّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا وَبِالْغُلامِ، فَأَتَى بِهَا يَحْيَى، فَقَالَ: ازْجُرُوا غُلامَكُمْ هَذَا أَنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَّيْرَ لِلْقَتْلِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ، أَو ْغَيْرُهَا لِلْقَتْلِ، فَإِذَا أَرَدْتُمْ ذَبْحَهَا، فَاذْبَحُوهَا. (3)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 547)(6259) وصحيح مسلم- المكنز - (5174 )
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 850)(3133) صحيح
(3) - مسند أبي عوانة (6246 -6248) صحيح(1/796)
وهذا صحابي يصحح لطفله صلاته، فعَنِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي، وَأَنَا أَقُولُ: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِيَّاكَ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَبْغَضَ إِلَيْهِ حَدَثًا فِي الإِِسْلاَمِ مِنْهُ، فَإِنِّي قَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَعَ عُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُهَا، فَلاَ تَقُلْهَا، إِذَا أَنْتَ قَرَأْتَ فَقُلْ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. (1)
وعَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ، أَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ لِي: أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ إِيَّاكَ وَالحَدَثَ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَبْغَضَ إِلَيْهِ الحَدَثُ فِي الإِسْلَامِ - يَعْنِي مِنْهُ - قَالَ: " وَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَمَعَ عُمَرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُهَا، فَلَا تَقُلْهَا، إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ فَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ " . " حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَغَيْرُهُمْ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: لَا يَرَوْنَ أَنْ يَجْهَرَ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالُوا: وَيَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ " (2)
وتقدم في أدب الطعام كيف صحح النبي - صلى الله عليه وسلم - طريقة طعام الغلام بالتوجيه الفكري، وهكذا وجدنا أن التصحيح الفكري، وتعليم الطفل، والحوار معه، والشرح له، وتعليل الأمور له، ركن قويٌّ في تقليل الخطأ، وتصحيح مسار الطفل .
ثانيا- التصحيح العملي في الواقع الميداني لخطأ الطفل :
كثيراً ما يُطلب من الطفل القيام بأعمال لم يسبق له عملها، أو شاهد من عملها، لذلك يبقى في جهل، فإذا طلب منه العمل وقع في أخطاء تحتاج إلى تصحيح، فإذا عوقب على خطئه هذا كان ظلماً وحيفاً .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 738)(16787) 16909- حسن لغيره
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (245) حسن -الحدث : الأمر الحادث الذي لم تأت به سنة.(1/797)
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما يتعرض لمثل هذه المشاهد، لا يلبث أن يفهمَ الطفل بالطريقة العملية، فيشمِّر عن يديه، ويري الطفل كيف يحسن العمل، وفي هذا تعليم للوالدين والمربين، وأي تعليم .
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِغُلاَمٍ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ: تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ، فَإِنِّي لاَ أَرَاكَ تُحْسِنُ تَسْلُخُ، قَالَ: فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الإِبْطِ، ثُمَّ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : هَكَذَا يَا غُلاَمُ فَاسْلُخْ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً. (1)
قوله حتى أريك معناه أعلمك ومنه قوله تعالى {وأرنا مناسكنا} [البقرة: 128] وقوله فدحس بها إلى الإبط أي أدخل ملئ يده بذراعها إلى الإبط والدحس كالدس ويقال للسنبلة إذا امتلأت واشتد حبها قد دحست، ومعنى الوضوء في هذا الحديث غسل اليد والله أعلم . (2)
فليكن شعار المربين والوالدين في تعاملهم مع أطفالهم ((تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ ))، فإنه أدعى للعلم الصحيح، والعمل البناء الموجه، والطريقة السليمة في العملية التربوية .
وقد سار الصحابة رضوان الله عليهم بعد ذلك على هذا المنوال، يعلمون الكبار والصغار والرجال والنساء، بالتدريب العملي الواقعي، والمشاهد الحسيَّة، فعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ، أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ جَمَعَ قَوْمَهُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَشْعَرِيِّينَ اجْتَمِعُوا وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ، وَأَبْنَاءَكُمْ أُعَلِّمْكُمْ صَلاَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي صَلَّى لَنَا بِالْمَدِينَةِ فَاجْتَمَعُوا، وَجَمَعُوا نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ، فَتَوَضَّأَ وَأَرَاهُمْ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ، فَأَحْصَى الْوُضُوءَ إِلَى أَمَاكِنِهِ حَتَّى لَمَّا أَنْ فَاءَ الْفَيْءُ، وَانْكَسَرَ الظِّلُّ قَامَ، فَأَذَّنَ فَصَفَّ الرِّجَالَ فِي أَدْنَى الصَّفِّ، وَصَفَّ الْوِلْدَانَ خَلْفَهُمْ، وَصَفَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الْوِلْدَانِ، ثُمَّ أَقَامَ الصَّلاَةَ، فَتَقَدَّمَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَكَبَّرَ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ يُسِرُّهُمَا، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَاسْتَوَى قَائِمًا، ثُمَّ كَبَّرَ، وَخَرَّ سَاجِدًا، ثُمَّ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (3 / 438) (1163) صحيح
(2) - معالم السنن للخطابي 288 - (1 / 68)(1/798)
كَبَّرَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَانْتَهَضَ قَائِمًا، فَكَانَ تَكْبِيرُهُ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ سِتَّ تَكْبِيرَاتٍ، وَكَبَّرَ حِينَ قَامَ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ أَقْبَلَ إِلَى قَوْمِهِ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: احْفَظُوا تَكْبِيرِي، وَتَعَلَّمُوا رُكُوعِي وَسُجُودِي ؛ فَإِنَّهَا صَلاَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي كَانَ يُصَلِّي لَنَا كَذَي السَّاعَةِ مِنَ النَّهَارِ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ أَقْبَلَ إِلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا وَاعْقِلُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ، النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللهِ . فَجَثَى رَجُلٌ مِنَ الأَعْرَابِ مِنْ قَاصِيَةِ النَّاسِ، وَأَلْوَى بِيَدِهِ إِلَى نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللهِ انْعَتْهُمْ لَنَا حَلِّمْهُمْ لَنَا، يَعْنِي صِفْهُمْ لَنَا، شَكِّلْهُمْ لَنَا فَسُرَّ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، لِسُؤَالِ الأَعْرَابِيِّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : هُمْ نَاسٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ وَنَوَازِعِ الْقَبَائِلِ لَمْ تَصِلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ تَحَابُّوا فِي اللهِ وَتَصَافَوْا، يَضَعُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا فَيَجْعَلُ وُجُوهَهُمْ نُورًا، وَثِيَابَهُمْ نُورًا، يَفْزَعُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَفْزَعُونَ، وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللهِ الَّذِينَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ." (1)
وعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؛ أَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ الأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ، وَيَجْعَلُ الرَّكْعَةَ الأُولَى هِيَ أَطْوَلُهُنَّ لِكَيْ يَثُوبَ النَّاسُ، وَيَجْعَلُ الرِّجَالَ قُدَّامَ الْغِلْمَانِ، وَالْغِلْمَانَ خَلْفَهُمْ، وَالنِّسَاءَ خَلْفَ الْغِلْمَانِ، وَيُكَبِّرُ كُلَّمَا سَجَدَ، وَكُلَّمَا رَفَعَ وَيُكَبِّرُ كُلَّمَا نَهَضَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ إِذَا كَانَ جَالِسًا. (2)
وهكذا تنطبع الصورة الصحيحة في ذهن الطفل بتعريفه عمليًّا الأحكام، وخاصة مما هو أصله عمل حسيٌّ، مقل الصلاة والحج والعمرة والصوم وغيرها .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 606)(22906) 23294- حسن
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 608)(22911) 23299- حسن(1/799)
الأساس الثالث: التدرج في تأديب الطفل :
فإذا لم تجد الوسيلتان السابقتان، وأصر الطفل على ارتكاب الخطأ، كان التأديب حقًّا لازماً عليه، ويتَّبعُ معه العقوبات بالخطوات التالية :
المرحلة الأولى - رؤية الطفل للسوط، والخوف منه :
كثير من الأطفال يردعهم رؤية السوط، وأداة العقوبة، فبمجرد إظهارها لهم يسارعون إلى التصحيح، ويتسابقون إلى الالتزام، وتتقوم أخلاقهم وسلوكهم .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِتَعْلِيقِ السَّوْطِ فِي الْبَيْتِ" (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " عَلِّقْ سَوْطَكَ حَيْثُ يَرَاهُ الْخَادِمُ " (2)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ لَهُمْ أَدَبٌ. (3)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ آدَبُ لَهُمْ " (4) ...
وعَنْ مُعَاذٍ قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ قَالَ: لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلاَ تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَلاَ تَتْرُكَنَّ صَلاَةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا ؛ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلاَةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ، وَلاَ تَشْرَبَنَّ خَمْرًا ؛ فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ، وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ ؛ فَإِنَّ بِالْمَعْصِيَةِ حَلَّ سَخَطُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ النَّاسُ، وَإِذَا أَصَابَ النَّاسَ مُوتَانٌ وَأَنْتَ فِيهِمْ فَاثْبُتْ، وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ مِنْ طَوْلِكَ، وَلاَ تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أَدَبًا وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ. (5)
__________
(1) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (1270 ) صحيح
(2) - تَهْذِيبُ الْآثَارِ لِلطَّبَرِيِّ (1129 ) صحيح
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 153)(10523 ) صحيح
(4) - المعجم الأوسط للطبراني - (4535) والصحيحة (1446 و 1447) وصحيح الجامع (4022) صحيح لغيره
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 366)(22075) 22425- صحيح لغيره(1/800)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتِسْعٍ: لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا ؛ وَإِنْ قُطِّعْتَ أَوْ حُرِّقْتَ، وَلَا تَتْرُكَنَّ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ مُتَعَمِّدًا، وَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلَا تَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، وَأَطِعْ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دُنْيَاكَ فَاخْرُجْ لَهُمَا، وَلَا تُنَازِعَنَّ وُلَاةَ الْأَمْرِ وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّكَ أَنْتَ، وَلَا تَفْرُرْ مِنَ الزَّحْفِ، وَإِنْ هَلَكْتَ وَفَرَّ أَصْحَابُكَ، وَأَنْفِقْ مِنْ طَوْلِكَ عَلَى أَهْلِكَ، وَلَا تَرْفَعْ عَصَاكَ عَنْ أَهْلِكَ، وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " (1)
فلا بدَّ من وجود السوط أو العصا في البيت، ليخاف الطفل من أن يتعمد الخطأ، والمعاندة .
المرحلة الثانية: شد أذن الطفل:
وهي أول عقوبة جسدية للطفل .. إذ بهذه المرحلة يتعرف على ألم المخالفة، وعذاب الفعل الشنيع الذي ارتكبه، واستحق عليه شد أذنه، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ الْمَازِنِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَتْنِي أُمِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقِطْفٍ مِنْ عِنَبٍ، فَأَكَلْتُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ أُبَلِّغَهُ إِيَّاهُ، فَلَمَّا جِئْتُ بِهِ أَخَذَ أُذُنِي وَقَالَ: " يَا غُدَرُ " (2)
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مَعَهُ بِقَطْفَيْنِ: وَاحِدٍ لَهُ، وَالآخَرُ لِأُمِّهِ عَمْرَةَ، فَلَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَمْرَةَ فَقَالَ: أَرْسَلْتُ لَكِ مَعَ النُّعْمَانِ بِقِطْفٍ مِنْ عِنَبٍ، فَقَالَتْ: لاَ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلُدَّتِهِ، فَقَالَ: يَا غُدَرُ. (3)
وعَنْ بِشْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ الْمُزَنِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأُذُنِي فَقَالَ: " يَا ابْنَ أَخِي، لَعَلَّكَ تُدْرِكُ فَتْحَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَإِيَّاكَ إِنْ أَدْرَكْتَ فَتْحَهَا أَنْ تَتْرُكَ غَنِيمَتَكَ مِنْهَا، فَإِنَّ بَيْنَ فَتْحِهَا وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ سَبْعَ سِنِينَ " (4)
__________
(1) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (19 ) حسن
(2) - عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِابْنِ السُّنِّيِّ ( 400 ) حسن لغيره
(3) - مسند الشاميين 360 - (2 / 355)(1487) ضعيف
(4) - الْفِتَنُ لِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (1310 ) حسن(1/801)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلاَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطُرِحَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وِسَادَةٌ فَنَامَ فِي طُولِهَا وَنَامَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الآيَاتِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ حَتَّى خَتَمَ، ثُمَّ قَامَ، فَأَتَى شَنًّا مُعَلَّقًا، فَأَخَذَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِي فَجَعَلَ يَفْتِلُهَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ. (1)
وعَنْ أَبِي يَحْيَى الْكَلَاعِيِّ سُلَيْمٍ، قَالَ: قُلْنَا لِلْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ: يَا أَبَا كَرِيمَةَ، إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ، وَلَقَدْ أَخَذَ بِأُذُنِي، وَإِنِّي لَأَمْشِي مَعَ عَمِّي، ثُمَّ قَالَ: " أَتَرَى أُمَّهُ تَذْكُرُهُ ؟ "، قُلْنَا: يَا أَبَا كَرِيمَةَ، حَدِّثْنَا بِمَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " يُحْشَرُ مَا بَيْنَ السِّقْطِ إِلَى الشَّيْخِ الْفَانِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَبْنَاءُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ فِي خَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَحُسْنِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَلْبِ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، جُرْدٌ مُرْدٌ مُكَحَّلُونَ، أُولُوا أَفَانِينَ "، قُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِالْكَافِرِ ؟، قَالَ: " يُعَظَّمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَصِيرَ غِلَظُ جِلْدِهِ أَرْبَعِينَ بَاعًا، حَتَّى يَصِيرَ النَّابُ مِنْ أَنْيَابِهِ مِثْلَ أُحُدٍ " (2)
وعن سُلَيْمَ بْنِ عَامِرٍ الْكَلَاعِيِّ، قَالَ: قُلْنَا لِلْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبٍ الْكِنْدِيِّ: يَا أَبَا كَرِيمَةَ، إِنَّ النَّاسَ يَدَّعُونَ أَنَّكَ لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ، وَلَقَدْ أَخَذَ بِشَحْمَةِ أُذُنِي هَذِهِ وَإِنِّي لَأَمْشِي مَعَ عَمٍّ لِي، ثُمَّ قَالَ لِعَمِّي: " أَتَرَى أَنَّهُ يَذْكُرُهُ " ؟ قُلْنَا: يَا أَبَا كَرِيمَةَ حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " يُحْشَرُ مَا بَيْنَ السِّقْطِ إِلَى الشَّيْخِ الْفَانِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي خَلْقِ آدَمَ، وَقَلْبِ أَيُّوبَ، وَحُسْنِ يُوسُفَ مُرْدًا مُكَحَّلِينَ " قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِالْكَافِرِ ؟ قَالَ: " يَعْظُمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَصِيرَ غِلَظُ جِلْدِهِ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، وَقَرِيضَةُ النابِ مِنْ أَسْنَانِهِ مِثْلُ أُحُدٍ " (3)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 895) (3372) وصحيح البخارى- المكنز - (4570)
(2) - الْمُنْتَقَى مِنْ كِتَابِ الطَّبَقَاتِ لِأَبِي عَرُوبَةَ الْحَرَّانِيِّ (66 ) حسن لغيره
(3) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (16449 ) حسن لغيره(1/802)
وقد يرى البعض أن الغلام ربما اشتهى العنب فأكل منه فليست مشكلة؛ وهذا هو الظاهر مما حدث أنه اشتهاه، ولكن رغم هذا هل يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الموقف يمرُّ ولا يستفيد الطفل تعلُّم الأمانة والصبر وتوصيل الأمانات إلى أهلها؟ كلا، إن إشفاق النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك الصبي أن يكون أمينًا أعظم من إشفاقه على بطن الطفل وشهوة طعامه، ولعل هذا الالتباس هو الذي غرَّ كثيرًا من الناس، حتى أن أحدهم يكره أن يوقظ ولده لصلاة الفجر إشفاقًا عليه، ليذهب إلى المدرسة مستريحًا بعد أن أخذ قسطًا من النوم كافيًا، والبعض لا يرده عن أكل حرام أو سرقة لأنه يراه صغيرًا لا لوم عليه ولا عتاب!!
فلماذا أخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - التمرة من فم الحسن إِذن وقال له: " كِخْ كِخْ "؟ إن المتأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يكون عُرْضةً لهذه الأخطاء التي تؤثر سلبًا في الطفل.
المرحلة الثالثة: الضرب وقواعده :
إذا لم يُجد مشاهدة العصا، ولا شد أذن الطفل، وما زال مصرًّا على المشاكسة والعناد، كانت المرحلة الثالثة هذه كفيلة بكسر هذا العناد
، ولكن هل الضرب يمشي هكذا بلا ضوابط، وحسبما تهوى أنفس الوالدين، والمربين ؟ أم له قواعد تتبع لكي يسير في مساره الصحيح القويم . فما هي هذه القواعد؟
القاعدة الأولى: ابتداء الضرب من سن العاشرة :
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ » (1) .
فإن ابتداء الضرب يكون في سن العاشرة، وذلك لأنه التقصير في عمود الدين، وركنه الأساسي، والذي يحاسب فيه المرء يوم القيامة أولاً بعد العقيدة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم بأذن بضرب الطفل على التقصير به قبل سن العاشرة، فمن الأولى في باقي الأمور الحياتية، والسلوكية، والتربوية التي لا تساوي مكانة الصلاة أهمية، ومنزلة عند الله تعالى .
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (495 ) صحيح(1/803)
وعَنْ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَتْنِي شُمَيْسَةُ، قَالَتْ: سَمِعْت عَائِشَةَ، وَسُئلت عَنْ أَدَبِ الْيَتِيمِ فَقَالَتْ: إنِّي لأَضْرِبُ أَحَدَهُمْ حَتَّى يَنْبَسِطَ. (1)
وعَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : مِمَّ أَضْرِبُ يَتِيمِي ؟ قَالَ: اضْرِبْهُ مِمَّا كُنْت ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ. (2)
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، أَنَّ أَبَاهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، أَوْ قَالَ: أَرْسِلْ مَوْلًى لَهُ وَأَنَا مَعَهُ يَسْأَلُهُ: مِمَّ يَضْرِبُ الرَّجُلُ يَتِيمَهُ ؟ قَالَ: مِمَّ يَضْرِبُ الرَّجُلُ وَلَدَهُ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَسَأَلَ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ فَقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ. (3)
أما قبل العاشرة فتتبع المراحل السابقة بكل دفة وأناة وصبر، وحلم على الطفل، وفي هذا لفتة نبوية رائعة في تقرير سنِّ الضرب .
قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ سَأَلْت أَحْمَدَ عَمَّا يَجُوزُ فِيهِ ضَرْبُ الْوَلَدِ قَالَ: الْوَلَدُ يُضْرَبُ عَلَى الْأَدَبِ، قَالَ: وَسَأَلْت أَحْمَدَ هَلْ يُضْرَبُ الصَّبِيُّ عَلَى الصَّلَاةِ؟ قَالَ :إذَا بَلَغَ عَشْرًا، وَقَالَ حَنْبَلٌ :إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :الْيَتِيمُ يُؤَدَّبُ وَيُضْرَبُ ضَرْبًا خَفِيفًا .
وَقَالَ الْأَثْرَمُ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصِّبْيَانَ، فَقَالَ: عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ وَيَتَوَقَّى بِجَهْدِهِ الضَّرْبَ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ فَلَا يَضْرِبُهُ " (4)
لهذا فإن الوالدين والمربين مدعوون إلى استخدام الفكر والروية في معالجة تصرفات الطفل، وإذا علمنا أن الطفل ما زال في مرحلة نموه الجسمي والعقلي، فإن كثرة الضرب قد تؤذي أحد أعضائه .. وأحياناً تؤدي إلى إيذاء نفسي وفكري، أي: يمكن القول إن الضرب للتأديب كالملح يوضع بشكل قليل، فيغير من طعم الطعام، ويحسنه، فكذلك، الضرب
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 576)( 27222) صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 576)( 27223) صحيح لغيره
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 577)(27224) صحيح
(4) - الآداب الشرعية - (2 / 61) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 4773) -رقم الفتوى 24777 حكم ضرب الأطفال(1/804)
القليل المفيد المثمر هو المطلوب في العملية التربوية، لأن الهدف كما ذكرنا أن الضرب ضرورة تربوية، وليست انتقامية، أو لتفريغ شحنة غضب الوالدين أو المربين .
ولا ننسى أن كثرة الضرب واستخدامه تقلل من هيبته، وتفقده مفعوله، بالإضافة لما يولده من آثار سلبية في النمو النفسي والفكري للطفل .
القاعدة الثانية: أقصى الضربات للتأديب ثلاثة، وللقصاص عشرة :
إن أقصى عدد الضربات لا يتجاوز في أي حال من الأحوال في العملية التربوية عن عشر ضربات، فعَنْ أَبِي بُرْدَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لاَ يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ، إِلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ تَعَالَى. (1)
وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لاَ يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ، إِلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. (2)
وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ عُقُوبَةَ فَوْقَ عَشْرِ ضَرَبَاتٍ إِلاَّ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ » . (3)
وينبغي التنبه إلى أنه لا يجوز للمعلم أن يقسوَ في ضربه ولا أن يزيد على عشرة أسواط إلا أن يتعدى الطالب على شرع الله، أما فيما يتعلق بدراسته وتحضيره لها: فلا ينبغي له أن يزيد على ذلك القدر . (4)
وقال ابن القيم: " إِنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ، بَلْ هُوَ بِحَسَبِ الْجَرِيمَةِ فِي جِنْسِهِ وَصِفَتِهَا وَكِبَرِهَا وَصِغَرِهَا، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدْ تَنَوَّعَ تَعْزِيرُهُ فِي الْخَمْرِ: فَتَارَةً بِحَلْقِ الرَّأْسِ، وَتَارَةً بِالنَّفْيِ، وَتَارَةً بِزِيَادَةِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ضَرَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ، وَتَارَةً بِتَحْرِيقِ حَانُوتِ الْخَمَّارِ، وَكَذَلِكَ تَعْزِيرُ الْغَالِّ وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِتَحْرِيقِ مَتَاعِهِ، وَتَعْزِيرُ مَانِعِ الصَّدَقَةِ بِأَخْذِهَا وَأَخْذِ شَطْرِ مَالِهِ مَعَهَا، وَتَعْزِيرُ كَاتِمِ الضَّالَّةِ الْمُلْتَقَطَةِ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 438)(15832) 15926- وصحيح البخارى- المكنز - (6848 )
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 439)(15835) 15929- صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6849)
(4) - فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 4949)(1/805)
بِإِضْعَافِ الْغُرْمِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ عُقُوبَةُ سَارِقِ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ يُضَعِّفُ عَلَيْهِ الْغُرْمَ، وَكَذَلِكَ قَاتِلُ الذِّمِّيِّ عَمْدًا أَضْعَفَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ دِيَتَهُ، وَذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : { لَا يُضْرَبُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ } .
قِيلَ: نَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، فَإِنَّ الْحَدَّ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ أَعَمُّ مِنْهُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ ؛ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِالْحُدُودِ عُقُوبَاتِ الْجِنَايَاتِ الْمُقَدَّرَةِ بِالشَّرْعِ خَاصَّةً، وَالْحَدُّ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ؟ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ تَارَةً وَيُرَادُ بِهِ نَفْسَ الْجِنَايَةِ تَارَةً، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا } وَقَوْلُهُ: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا } فَالْأَوَّلُ حُدُودُ الْحَرَامِ، وَالثَّانِي حُدُودُ الْحَلَالِ .
وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : { إنَّ اللَّهَ حَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا } وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَالسُّورَانُ حُدُودُ اللَّهِ، وَيُرَادُ بِهِ تَارَةً جِنْسُ الْعُقُوبَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُقَدَّرَةً، فَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : { لَا يُضْرَبُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ } يُرِيدُ بِهِ الْجِنَايَةَ الَّتِي هِيَ حَقٌّ لِلَّهِ .فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ تَكُونُ الْعَشَرَةُ فَمَا دُونَهَا إذْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ الْجِنَايَةُ ؟ .قِيلَ: فِي ضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَعَبْدَهُ وَوَلَدَهُ وَأَجِيرَهُ، لِلتَّأْدِيبِ وَنَحْوَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ ؛ فَهَذَا أَحْسَنُ مَا خُرِّجَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ " (1)
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَكْتُبُ إِلَى الْأَمْصَارِ: لَا يَقْرِنُ الْمُعَلِّمُ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنَّهَا مَخَافَةٌ لِلْغُلَامِ " (2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ " كَانَ يَضْرِبُ بَنِيهِ عَلَى اللَّحْنِ " (3)
فإذا حدد الحديث عدم جواز زيادة الضرب علي عشر إلا في ثبوت حدٍّ من حدود الله تعالى، ولما كان الطفل لم يدخل سن الاحتلام والتكليف، فإن معاصيه يعزَّر فيها ويؤدب .
__________
(1) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (2 / 87)
(2) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (348 ) حسن -المصر : البلد أو القرية - قرن : جَمَعَ أو وَصَلَ
(3) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (331 ) صحيح(1/806)
فاتضح لدينا أن تأديب الطفل يكون بثلاث ضريات وأقل، والقصاص أكثر من الثلاث إلى العشر، وما فوق العشر ففي الحدود .
وجهل المربي والوالدين بكيفية الضرب، وماصفات أداته، ومكان الضرب، وطريقة الضرب يجعل منه وسيلة للتشفي، والانتقام، لا للتربية والتقويم، والبناء، لهذا نحن بحاجة إلى هذه المواصفات.
القاعدة الثالثة: الالتزام بمواصفات أداة الضرب وطريقته ومكانه :
إن الالتزام بمواصفات أداة الضرب، ومكانه، وطريقته، يجعل منه ضابطاً لحماقة بعض الوالدين والمربين، ويعضهم في مواجهة الجقيقة مع أنفسهم عندما لا يلتزمون بها، فإن هذا يعني منهم الانتقام لا التربية، والغضب لا الرحمة، وسنتعرف إلى هذه المواصفات من خلال معرفة مواصفات إقامة حد من حدود الله .
وبالتالي فإن عملية التأديب والتربية تكون أخف بكثير من مواصفات إقامة الحد الشرعي .
ويمكن القول إن كثيراً من الآباء والمربين يقومون بضرب الأطفال بشكل أعنف، وأقسى من إقامة حد من حدود الله، لهذا وجبت علينا المعرفة والبيان، لنرى أين نحن من تربية الإسلام الرفيعة .
أولا- مواصفات أداة الضرب( السوط أو العصا):
يقول العلامة أبو الأعلى المودودي رحمه الله في نوعية السوط في حد الزنى " أو إشارة عن كيفية ضرب السوط تتضمنها حكمة ( فاجلدوا ) من آية القرآن نفسه، فإن الجلد مأخوذ من الجِلد، وهو ظهر البشرة من جسد الإنسان، ومن ثم قد اتفق أصحاب المعاجم وعلماء التفسير على أن الضرب بالسوط ينبغي أن يصيب الجلد فقط، ولا يعدوه إلى اللحم، فكل ضرب يقطع اللحم، أو ينزع الجلد، ويجرح اللحم مخالف لحكم القرآن الكريم .
ويجب ألا يكون كل سوط أو عصا يستعمل للضرب شديداً جدا، ولا رقيقاً ليناً جدا، بل يجب أن يكون بين اللين والشدة والغلظة والدقة، فعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ رَجُلاً اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَوْطٍ فَأُتِىَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ :« فَوْقَ(1/807)
هَذَا ». فَأُتِىَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ :« بَيْنَ هَذَيْنِ ». فَأُتِىَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ فَلاَنَ فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ ثُمَّ قَالَ :« أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَةِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ » (1) . ...
وعَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ قَالَ: أُتِىَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - بِرَجُلٍ فِى حَدٍّ فَأُتِىَ بِسَوْطٍ فِيهِ شِدَّةٌ فَقَالَ: أُرِيدُ أَلْيَنَ مِنْ هَذَا ثُمَّ أُتِىَ بِسَوْطٍ فِيهِ لِينٌ فَقَالَ: أُرِيدُ أَشَدَّ مِنْ هَذَا. فَأُتِىَ بِسَوْطٍ بَيْنَ السَّوْطَيْنِ فَقَالَ: اضْرِبْ وَلاَ يُرَى إِبْطُكَ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ (2) . وكذلك لا يجوز أن يستعمل في الضرب سوط فيه العقد، أو له فرعان، أو ثلاثة فروع " (3) ...
ثانياً - مواصفات طريقة الضرب :
" يجب أن يكون الضرب بين الضربين، وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله يقول للضارب :"اضْرِبْ وَلاَ يُرَى إِبْطُكَ " أي: لا تضرب ضرباً بكل قوة يدك، والفقهاء متفقون على أن الضرب لا ينبغي أن يكون مبرحا، أي موجعاً " (4)
ولخص الشيخ الفقيه ( شمس الدين الإنباني) طريقة ضرب تأديب الطفل في كتابه: " رسالة رياضة الصبيان " فقال في كيفية ضرب الصبي :
1- أن يكون مفرقاً لا مجموعاً في محل واحد.
2- أن يكون بين الضربتين زمن يخف به ألم الأول .
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (8 / 326) (18029) صحيح مرسل
قَالَ الشَّافِعِىُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ لَيْسَ مِمَّا يَثْبُتُ بِهِ هُوَ نَفْسُهُ حُجَّةٌ وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا مَنْ يَعْرِفُهُ وَيَقُولُ بِهِ فَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ. ...
القاذورة : كل فعل أو قول قبيح يُستقذر بين الناس.
من يبد لنا صفحة وجهه : أي من يظهر لنا فعله الذي يخفيه ، كأن وجهه قد غطاه ، فكشفه فرأيناه.
لم تقطع ثمرته : ثمرة السوط : عذبته ، أراد أنه جديد فيه قوة وجفاء ، لأنه لم يستعمل.
(2) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (8 / 326) (18030) صحيح
(3) - تفسير سورة النور للمودودي (ص : 73)
(4) - التربية في الإسلام ( ص :135)(1/808)
3-ألا يرفع الضارب ذراعه لينقل السوط لأعضده حتى يرى بياض إبطه، فلا يرفعه لئلا يعظم ألمه " (1)
فأنت تلاحظ أن هذه الضوابط لكي يؤتي الضرب ثمراته التربوية في التأديب، والتهذيب، فيتقدم الطفل نحو الأحسن لا الأسوأ، ونحو الأعلى لا الأسفل، ونحو الكمال لا النقصان، ونحو القمة الأخلاقية والسلوكية لا الحضيض.
ثالثاً- مواصفات مكان الضرب
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُجْلَدُ الصَّحِيحُ الْقَوِيُّ فِي الْحُدُودِ، بِسَوْطٍ مُعْتَدِلٍ، لَيْسَ رَطْبًا، وَلاَ شَدِيدَ الْيُبُوسَةِ، وَلاَ خَفِيفًا لاَ يُؤْلِمُ، وَلاَ غَلِيظًا يَجْرَحُ . وَلاَ يَرْفَعُ الضَّارِبُ يَدَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ بِحَيْثُ يَبْدُو بَيَاضُ إِبِطِهِ، وَيَتَّقِي الْمَقَاتِل، وَيُفَرِّقُ الْجَلَدَاتِ عَلَى بَدَنِهِ (2)
واتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُضْرَبُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْمَذَاكِيرِ وَالْمَقَاتِل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ.. (3)
وعَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: أُتِيَ بِرَجُلٍ سَكْرَانَ، أَوْ فِي حَدٍّ، فَقَالَ: اضْرِبْ، وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ، وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ. (4)
ثُمَّ إِنَّ الْوَجْهَ أَشْرَفُ أَعْضَاءِ الإِْنْسَانِ وَمَعْدِنُ جَمَالِهِ فَلاَ بُدَّ مِنْ تَجَنُّبِهِ خَوْفًا مِنْ تَجْرِيحِهِ وَتَقْبِيحِهِ .
وَأَمَّا عَدَمُ ضَرْبِ الْمَقَاتِل فَلأَِنَّ فِي ضَرْبِهَا خَطَرًا ؛ وَلأَِنَّهَا مَوَاضِعُ يُسْرِعُ الْقَتْل إِلَى صَاحِبِهَا بِالضَّرْبِ عَلَيْهَا، وَالْقَصْدُ مِنَ الْحَدِّ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ لاَ الْقَتْل . (5)
__________
(1) - منهج تربية الطفل ص 198
(2) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (15 / 247) وابن عابدين 3 / 147 - 178 ، والزرقاني 8 / 114 ، وروضة الطالبين 10 / 172 ، والمغني 8 / 313 - 315 .
(3) - صحيح ابن حبان - (12 / 420)(5605) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ - رضي الله عنهم - : يُرِيدُ بِهِ صُورَةَ الْمَضْرُوبِ ، لأَنَّ الضَّارِبَ إِذَا ضَرَبَ وَجْهَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ضَرَبَ وَجْهًا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ.
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (14 / 502) (29268) حسن
(5) - فتح القدير 4 / 126 - 127 ، وتبين الحقائق 3 / 198 ، والدسوقي 4 / 354 ، ومغني المحتاج 4 / 190 ، والمغني 8 / 317 ، وعون المعبود 12 / 200 .(1/809)
وَقَدْ أَلْحَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الرَّأْسَ بِالْوَجْهِ بِالْمَعْنَى، وَاعْتَبَرُوهُ مِنَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فِي الضَّرْبِ، لأَِنَّهُ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ، وَبِعَدَمِ ضَرْبِهِ جَزَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ كَالْبُويطِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ .
وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ الرَّأْسَ لاَ يُسْتَثْنَى مِنَ الضَّرْبِ ؛ لأَِنَّهُ مُعَظَّمٌ ( أَيْ يُحْوَى بِالْعَظْمِ ) وَمَسْتُورٌ بِالشَّعْرِ فَلاَ يُخَافُ تَشْوِيهُهُ، بِخِلاَفِ الْوَجْهِ، لِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْقَاسِمِ ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اضْرِبْ الرَّأْسَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِي الرَّأْسِ (1) .
وَلاَ شَكَّ أَنَّ هَذَا ( أَيْ مَنْعَ ضَرْبِ الْوَجْهِ ) لَيْسَ مُرَادًا عَلَى الإِْطْلاَقِ لأَِنَّا نَقْطَعُ أَنَّهُ فِي حَال قِيَامِ الْحَرْبِ مَعَ الْكُفَّارِ لَوْ تَوَجَّهَ لأَِحَدٍ ضَرْبُ وَجْهِ مَنْ يُبَارِزُهُ وَهُوَ فِي مُقَابَلَتِهِ حَال الْحَمَلَةِ لاَ يَكُفُّ عَنْهُ، إِذْ قَدْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَقْتُلُهُ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ إِلاَّ مَنْ يُضْرَبُ صَبْرًا فِي حَدٍّ (2) .
وَقَال بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِاتِّقَاءِ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ أَيْضًا (3) .
وَلاَ يُلْقَى الْمَجْلُودُ عَلَى وَجْهِهِ، وَلاَ يُمَدُّ، وَلاَ يُجَرَّدُ عَنِ الثِّيَابِ، وَلاَ يُتْرَكُ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُ الأَْلَمَ مِنْ جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ وَفَرْوَةٍ، وَيُجْلَدُ الرَّجُل قَائِمًا، وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً عِنْدَ الأَْئِمَّةِ: أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ (4) .
وعَنْ عَامِرٍ ؛ قَالَ: النِّسَاءُ لاَ يُجَرَّدْنَ، وَلاَ يُمْدَّدْنَ، يُضْرَبْنَ ضَرْبًا دُونَ ضَرْبٍ، وَسَوْطًا دُونَ سَوْطٍ، وَتُتَّقَى وُجُوهُهُنَّ. (5)
وعَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي عَزَّةَ، قَالَ: شَهِدْتُ الشَّعْبِيَّ وَنَهَى عَنْ ضَرْبَ رَأْسِ رَجُلٍ افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ، وَهُوَ يُجْلَدُ. (6)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (14 / 608) (29641) حسن مرسل
(2) - فتح القدير 4 / 127 .
(3) - فتح القدير 4 / 127 ، والإقناع 4 / 246 .
(4) - ابن عابدين 3 / 147 ، والزرقاني 8 / 114 ، والروضة 10 / 172 ، والمغني 8 / 313 - 315 .
(5) - مصنف ابن أبي شيبة - (14 / 608) (29640) صحيح لغيره
(6) - مصنف ابن أبي شيبة - (14 / 609)(29642) صحيح(1/810)
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الجصاص :" اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى تَرْكِ ضَرْبِ الْوَجْهِ وَالْفَرْجِ .
وَإِذَا لَمْ يَضْرِبِ الْوَجْهَ فَالرَّأْسُ مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّ الشَّيْنَ الَّذِي يَلْحَقُ الرَّأْسَ بِتَأْثِيرِ الضَّرْبِ كَاَلَّذِي يَلْحَقُ الْوَجْهَ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِاجْتِنَابِ الْوَجْهِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَلِئَلَّا يَلْحَقَهُ أَثَرٌ يَشِينُهُ أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ مُسْتَحَقٌّ بِالْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ . (1)
ويفضل سحنون الضرب على الرجلين، كما نقل القابسي عنه في رسالته" أحوال المتعلمين، وأحكام المعلمين والمتعلمين " فيقول: " وليجتنب أن يضرب رأس الصبي أو جهه، فإن سحنون قال فيه: لا يجوز له أن يضربه، وضرر الضرب فيهما بيِّنٌ قد يوهن الدماغ، أو تطرف العين ـ أو يؤثر أثراً قبيحاً، فليجتنبا، فالضرب في الرجلين آمن، وأحمل للألم في سلامة " (2)
ويضيف (شمس الدين الإنباني) فيقول: " وأن يكون في غير وجه ومقتل"
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْلَةَ، قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ سَعْدٍ يُؤَدِّبُ الْوَلِيدَ وَسُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: " يَا سُلَيْمَانُ لَا تَضْرِبْ وُجُوهَ بَنِيَّ " وَكَانَ فِي خُلُقِ سُلَيْمَانَ شِدَّةٌ " (3)
وعَنْ مَرْوَانَ بْنِ شُجَاعٍ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ يُؤَدِّبُ وَلَدَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ الْوَلِيدُ يَوْمًا وَقَدْ حَمَلَ جَارِيَةً عَلَى ظَهْرِ غُلَامٍ وَهُوَ يَضْرِبُهَا فَقَالَ لَهُ: مَهْ يَا إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ الْجَوَارِيَ لَا يُضْرَبْنَ عَلَى أَعْجَازِهِنَّ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْقَدَمِ وَالْكَفِّ (4)
ومن خلال ما تقدم نجد أن أفضل مكان للتأثير: الدين والرجلين .
القاعدة الرابعة: لا ضرب مع الغضب :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْصِنِى . قَالَ « لاَ تَغْضَبْ » . فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ « لاَ تَغْضَبْ » . (5)
__________
(1) - أحكام القرآن للجصاص - (8 / 18)
(2) - التربية في الإسلام ( ص 270)
(3) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا(343 ) صحيح - الشدة : التعب والإرهاق والضيق والعسر
(4) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (344 ) فيه انقطاع
جارية : المراد : أنثى -مه : كلمة زجر بمعنى كف واسكت وانته - العجز : مؤخرة الإنسان
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (6116 )(1/811)
وإن علامة الغضب بذاءة اللسان في السب، والشتم، وتقبيح الطفل، ولهذا أوصى القابسي برسالته المذكورة بالابتعاد عن ذلك، فقال عندما يكثر خطأ الطفل " ولم يغن فيه العذل، والتقريع بالكلام الذي فيه القواعد من غير شتم، ولا سب لعرض، كقول من لا يعرف لأطفال المؤمنين حقا: فيقول: يا مسخ، يا قرد!، فاستغفر الله منها، ولتنته عن معاودتها، وإنما تجري الألفاظ القبيحة من لسان من تمكن الغضب من نفسه، وليس هذا مكان الغضب، وقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يقضي القاضي وهو غضبان، فعن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قال، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي بَكَرَةَ، أَنَّ أَبَاهُ أَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى ابْنٍ لَهُ، وَكَانَ قَاضِيًا بِسِجِسْتَانَ: أَمَّا بَعْدُ، فَلاَ تَحْكُمَنَّ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لاَ يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ (1) .
وينبغي لمعلم الأطفال أن يراعي منهم، حتى يخلص أدبهم لمنافعهم، وليس لمعلمهم في ذلك شفاء من غضبه، ولا شبء يريح قلبه من غيظه، فإن ذلك إنْ أصابه، فإنما يضرب أولاد المسلمين لراحة نفسه، وليس هذا من العدل " (2)
القاعدة الخامسة: ارفع يدك عن الضرب إذا ذكر الطفل الله تعالى:
بسم اللَّه الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم. اللَّه جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه؛ ينبغي على عباده إذا ذُكر اسم اللَّه عندهم أن يخشعوا ويهجعوا، ويستحيوا ويرجعوا، فإذا ضُرب الطفل فاستغاث باللَّه، فينبغي لمؤدبه ومربيه أن يستجيب، وأن يوقف الضرب؛ تقديسًا لاسم اللَّه وتعظيمًا لشأنه جل وعلا، ورحمةً بالطفل، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنِ اسْتَعَاذَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 841)(20467) 20741- وصحيح مسلم- المكنز - (4587 )
فيه أنه يحرم على القاضي أن يحكم بين الخصمين وهو غضبان. قال في [العدة شرح العمدة]: لا نعلم بين أهل العلم خلافا في ذلك.تيسير العلام شرح عمدة الحكام- للبسام - (2 / 191)
(2) - التربية في الإسلام (ص : 270)(1/812)
سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا اللَّهَ لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ (1) .
قال المباركفوري: قال الطيبي: هذا إذا كان الضرب لتأديبه، وأما إذا كان حدًا فلا، وكذا إذا استغاث مكرًا." (2) .
وفي هذا لفتة رائعة، فإن هذا الطفل وصل إلى قناعة بخطئه، وسيصلحه، أو وصل إلى مرحلة الألم التي لم يعد يتحملها، أو وصل إلى مرحلة الانهيار النفسي، أو الخوف الشديد .
وإن الاستمرار في الضرب وحالة الطفل هذه تعدُّ جريمة في حق تربية الطفل، وهو دليل على حب الانتقام والتشفي من هذا الطفل المسكين، الذي وقع في الظلم، وأحضان الوالد الظالم .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ. (3)
ولا عبرة بقول أهل الجدل أن الطفل سيتخذها حيلة ومخرجًا من العقوبة في كل مرة. لأن البركة والتوفيق والهداية كلها في طاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (54) سورة النور.
ولما فيه من تعظيم الله تعالى في نفس الطفل، وهو كذلك علاج للضارب من أن حالته الغضبية كبيرة جدا ن مما استدعى من الطفل ذكر الله تعالى، والاستغاثة به .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (8 / 199) (3408) صحيح
(2) - تحفة الأحوذي (ج 6، ص 68).
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (2077 ) والفوائد لتمام 414 - (1 / 386)(686) ضعيف
وفيه أبو هارون العبدي عمارة بن جوين ، قال ابن عدي: له أحاديث صالحة عن أبي سعيد الخدري وغيره وقد حدث عنه عبد الله بن عون بغير حديث ، والحمادان وهشيم وشريك وعبد الوارث والثوري وغيرهم من ثقات الناس ، وقد حدث أبوهارون عن أبي سعيد بحديث المعراج بطوله، وقد حدث عنه الثوري بحديث المعراج ، ولم يذكر عنه شيئا من التشيع والغلو فيه ، وقد كتب الناس حديثه ا هـ 5/79(1/813)
وصحيح أنه يمكن أن يحتال بذلك بعض الأطفال، لكن مَن الذي أوْصلهم إلى هذه الدرجة واضطرهم إلى الدهاء والمكر؟ فلا بد من التراجع من المربِّي، ومراجعة الأخطاء، والانطلاق من قاعدة شرعية تربوية علمية صحيحة؛ حتى لا يحدث التعارض والتصادم في الجانب التربوي (1) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - انظر كتاب منهج التربية النبوية للطفل ص( 181) فما بعد(1/814)
الأساس الخامس: مضار القسوة في الضرب:
إن الغرض من العقوبة في التربية الإسلامية إنما هو الإرشاد والإصلاح، لا الانتقام والتشفِّي. ولهذا ينبغي أن يراعَي طبيعة الطفل ومزاجه قبل الإقدام على معاقبته، ويُشجع على أن يشترك بنفسه في تفَهُّم وإصلاح الخطأ الذي أخطأه، وتُغفر أخطاؤه وهفواته بعد إصلاحها.
يذكر ابن خلدون رحمه اللَّه في مقدمته ما يفيد أنه ضد استعمال الشدة والقسوة في تربية الأطفال، يقول: "مَن كان مُربَّاه (أي تربيته) بالعسف والقهر من المتعلمين والمماليك أو الخدم؛ سطا (أي سيطر) به القهر، وضيق القهر على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعاه إلى الكسل، وحمله على الكذب والخُبْث خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلَّمه القهر المكر والخديعة، فصارت له هذه عادةً وخُلُقًا، وفسدت معاني الإنسانية التي له". اهـ (1) .
كما يجب ألا يمس نوع العقوبة كرامة الطفل، وألا يكون فيها إهانة له، كأن يُضرب أمام الناس، أو يُعلن عندهم أنه سرق أو نحو هذا، فإن للطفل شخصية يجب أن تُراعى، وكرامة يجب أن تُصان. كثيرًا ما أخطأ المربون الغرض من العقوبة فضلوا السبيل، وظنوا مخلصين أن الشدة على البنين والبنات؛ قد تأتي في ظنهم بخير ما يرجون، وذلك لقلة يقظتهم للحقيقة المؤلمة، فقد أدت الشدة إلى كثير من البلايا التي ولَّدت بعض المشاكل الاجتماعية التي يتألم منها المجتمع الإنساني، فجعلت الطفل كائنًا ميت النفس، ضعيف الإرادة نحيف الجسم، مضطرب الأعصاب خائر العزيمة، قليل النشاط والحيوية. وإن كثرة الضرب وشدته لا تزيد الطفل إلا بلادة وجمودًا، على أن الطفل إذا وجد بجانبه من يبصِّره بالواجب بالحكمة والموعظة الحسنة، ويستميله دائمًا إلى العمل؛ لم تكن هناك حاجة إلى هذه العقوبات القاسية، وإذا كان الغرض من العقوبة الإصلاح فالضرب ليس بوسيلة
__________
(1) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (5 / 5121) وأطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين صلي الله عليه وسلم - (1 / 4) ونضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - (1 / 168) ومقدمة ابن خلدون - (1 / 347) الفصل الأربعون -في أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم(1/815)
للإصلاح، وإن التفاهم على انفراد يؤدي إلى نتيجة أحسن من نتيجة السوط والعصا، ومن الخطأ أن تهدد الطفل بعقاب لن تقوم بتنفيذه، أو لا يمكنك تنفيذه، فقد يعود الطفل إلى الخطأ؛ فتزداد الخطورة والمشكلة). أقول: وإن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك هو أكمل الهَدي، وإن تطيعوه تهتدوا {سورة النور: 54}.)
فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ خَادِمًا إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَىْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلاَّ أَنْ يُنْتَهَكَ شَىْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. (1)
وهذا شيء لا يفعله إلا أولو العزم وأولو الصبر، فلِكَي يكظم الإنسان غيظه عن ولده أو خادمه أو امرأته، فهذا لا يقدر عليه إلا الأقوياء الأشداء، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ » (2) .
أما عن قواعد الضرب فهي:
1- ألا يكون قبل سن العاشرة، وهذا في شأن الصلاة التي هي الركن الأعظم بعد الشهادتين، فلا شك أن ما هو دون الصلاة من الأمور الحياتية والسلوكية والتربوية فلا يُضرب الطفل عليها قبل ذلك السن، إلا ضربًا هو أيضًا دون الضرب من أجل الصلاة، من باب التهذيب حتى لا يترك الطفل يميع إلى سن العاشرة ويراعى الاعتدال قدر الإمكان.
2- أن يقلل منه ما أمكن، بحيث يكون كالملح في الطعام، وهو قليل، لكنه يصلح الطعام، فإذا كثُر أفسد، وكذلك فإن كثرة الضرب تقلل من هيبته ومفعوله، وتعوِّد الطفل عليه ثم على البلادة .
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6195 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6114 ) - الصرعة :الذي يصرع الناس بقوته.(1/816)
وعليه فإن أقصى الضرب عشر ضربات، وهذا في حق البالغ المكلف؛ فما بالنا بمن لم يبلغ سن التكليف؟ لا شك أنه لن يُضرَب إلى العشرة. والضرب هنا يسمى تأديبًا وليس عقوبة.
3- علماء التفسير على أن الضرب بالسوط ينبغي أن يصيب الجلد فقط، ولا يعدوه إلى اللحم، فكل ضرب يقطع اللحم أو ينزع الجلد، أو يجرح اللحم فهو مخالف لحكم القرآن، والمقصود من قوله: "فَاجْلِدُواْ" وهو ظاهر البشرة من جسم الإنسان. (وهو أن يُجلد، أي يُضرب على جلده مائة جلدة عقوبة لما صنع) (1)
وهذا العدد بخصوص البالغين عند إقامة الحد عليهم.
4- ألا يكون السوط غليظًا أو به عُقَد لورود النهي عن ذلك.
5- ألاَّ يرفع الضارب يده رفعًا عاليًا، والمقصود في هذا ألاَّ يكون الضرب مبرِّحًا أي قويًا وشديدًا؛ لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.
ويأمر - صلى الله عليه وسلم - بوقف الضرب عن الطفل إذا استغاث باللَّه، كما مر بالحديث ..
وأعود فأقول: إنه لا ينبغي الإكثار من العقوبة لما يترتب على ذلك من الآثار السيئة "فالشدة المستمرة مع الأطفال مضرة بهم جسميًا، وخلقيًا، ووجدانيًا، ولا بد إذًا من الأخذ بالحكمة القائلة: (الوقاية خير من العلاج)، فالمربي الحازم هو الذي يبعد الطفل عن البيئة التي تشجعه على الأخطاء..." (2)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - محاسن التأويل للقاسمي ( سورة النور ص 249).
(2) - كتاب: الأولاد وتربيتهم في ضوء الإسلام ص 164، ينقله عن كتاب: الطفل في الشريعة الإسلامية لمحمد الصالح. وانظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 4773) -رقم الفتوى 24777 حكم ضرب الأطفال وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (5 / 63)(1/817)
الأساس السادس: تضمين المعلم إذا تجاوز في العقوبة
أولا- جواز الضَّرْبِ لِلتَّعْلِيمِ :
لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَتَعَلَّمُ عِنْدَهُ لِلتَّأْدِيبِ (1) .
وَبِتَتَبُّعِ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ يُقَيِّدُونَ حَقَّ الْمُعَلِّمِ فِي ضَرْبِ الصَّبِيِّ الْمُتَعَلِّمِ بِقُيُودٍ مِنْهَا :
أ - أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ مُعْتَادًا لِلتَّعْلِيمِ كَمًّا وَكَيْفًا وَمَحَلًّا، يَعْلَمُ الْمُعَلَّمُ الأَْمْنَ مِنْهُ، وَيَكُونُ ضَرْبُهُ بِالْيَدِ لاَ بِالْعَصَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَ الثَّلاَثَ ..
ب - أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، لأَِنَّ الضَّرْبَ عِنْدَ التَّعْلِيمِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَإِنَّمَا الضَّرْبُ عِنْدَ سُوءِ الأَْدَبِ، فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ التَّعْلِيمِ فِي شَيْءٍ، وَتَسْلِيمُ الْوَلِيِّ صَبِيَّهُ إِلَى الْمُعَلِّمِ لِتَعْلِيمِهِ لاَ يُثْبِتُ الإِْذْنَ فِي الضَّرْبِ، فَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ الضَّرْبُ، إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ نَصًّا .وَنُقِل عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلُهُمْ: الإِْجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ مُطَّرِدٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ بِدُونِ إِذْنِ الْوَلِيِّ (2) .
ج - أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ يَعْقِل التَّأْدِيبَ، فَلَيْسَ لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ مَنْ لاَ يَعْقِل التَّأْدِيبَ مِنَ الصِّبْيَانِ، قَال الأَْثْرَمُ: سُئِل أَحْمَدُ عَنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصِّبْيَانَ، قَال: عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ، وَيَتَوَقَّى بِجَهْدِهِ الضَّرْبَ وَإِذَا كَانَ صَغِيرًا لاَ يَعْقِل فَلاَ يَضْرِبُهُ (3) .
ثانيا- ضَمَانُ ضَرْبِ التَّعْلِيمِ :
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُعَلِّمَ إِذَا أَدَّبَ صَبِيَّهُ الأَْدَبَ الْمَشْرُوعَ فَمَاتَ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ (4) .
__________
(1) - مواهب الجليل 2 / 472 ، ومغني المحتاج 4 / 193 نشر دار إحياء التراث العربي ، والمغني لابن قدامة 5 / 537 ط الرياض ، وابن عابدين 5 / 363 .
(2) - المبسوط للسرخسي 16 / 13 ، وابن عابدين 5 / 363 ، وبدائع الصنائع 7 / 305 ، ومغني المحتاج 4 / 193 ، وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية 10 / 23 .
(3) - المغني لابن قدامة 5 / 237 ، والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 506 ، وغاية المنتهى 3 / 285 .و الموسوعة الفقهية الكويتية - (13 / 13)
(4) - المغني لابن قدامة 5 / 237 ، وغاية المنتهى 3 / 285 ، وجواهر الإكليل 2 / 296 والميزان الكبرى للشعراني 2 / 172 .(1/818)
وَبِهَذَا قَال الْحَنَفِيَّةُ . إِلاَّ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ لِنَفْيِ الضَّمَانِ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ قَدْ حَصَل بِإِذْنِ الأَْبِ أَوِ الْوَصِيِّ، فَضْلاً عَنْ كَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ كَمًّا وَكَيْفًا وَمَحَلًّا، فَإِذَا ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ صَبِيًّا يَتَعَلَّمُ مِنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الأَْبِ أَوِ الْوَصِيِّ ضَمِنَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأَِنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الضَّرْبِ، وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ مَاتَ الْمُتَعَلِّمُ مِنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَكَانَ مِثْلُهُ مُعْتَادًا لِلتَّعْلِيمِ، لأَِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِسَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ ؛ إِذِ الْمَقْصُودُ التَّأْدِيبُ لاَ الْهَلاَكُ، فَإِذَا حَصَل بِهِ هَلاَكٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ (2) .
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - ابن عابدين 5 / 363 ، وبدائع الصنائع 7 / 305 ، وحاشية الطحطاوي على الدر 4 / 275 ، والمبسوط للسرخسي 16 / 13 .
(2) - مغني المحتاج 4 / 199 ، ونهاية المحتاج ، وحاشية الشبراملسي 5 / 308 ط الحلبي .و الموسوعة الفقهية الكويتية - (13 / 14)(1/819)
الفصل التاسع
قضايا تربوية هامة
المبحث الأول
الأسباب التي تؤدي إلى انحراف الأولاد وعلاجها
كثيراً ما يشتكي بعض الآباء والأمهات من جنوح أبنائهم ووقوعهم في المعاصي والدنايا وميلهم إلى الانحراف وعدم طاعة الوالدين والتمرد على القيم والأخلاق ورفض العادات الحسنة التي كان عليها آباؤهم.
والواقع أن هناك أسباباً تدفع أمثال هؤلاء الأبناء للانحراف ومن أهم ذلك:
1- الفقر الذي يخيم على بعض البيوت إذ تدفع حاجة الأولاد الذين لا يجدون ما عليه أقرانهم وأصدقاؤهم من نعمة وغنى، فيلجأون إلى البحث عن احتياجاتهم من خارج البيت إما عن طريق السرقة أو صحبة الأشرار فيقعون في طريق الانحراف.
والإسلام بتشريعه العادل قد عالج هذه المشكلة ووضع من التشريعات ما يؤمِّن لكل فرد الحد الأدنى من مسكن ومطعم وكساء، ورسمَ للمجتمع الإسلامي مناهج عملية للقضاء على الفقر نهائيا كتأمين سبل العمل لكل مواطن وإعطاء مرتبات شهرية من بيت المال لكل عاجز، وسن قوانين للتعويض العائلي لكل أب له أسرة وأولاد وأمر برعاية اليتامى والأرامل والشيوخ بشكل يحفظ لهم كرامتهم الإنسانية ويبعدهم عن أسباب الانحراف والتفكير فيه. (1)
فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلاَ صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ نَذِيرُ جَيْشٍ، يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، وَيَقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةِ كَهَاتَيْنِ يُفَرِّقُ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ
__________
(1) - انظر كتاب مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام للقرضاوي(1/820)
الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ. (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَنْ تَرَكَ مَالاً، فَلأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا، فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ. (2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشًا، اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَتَى خَبَرُهُمِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: إِنَّ إِخْوَانَكُمْ لَقُوا الْعَدُوَّ، وَإِنَّ زَيْدًا أَخَذَ الرَّايَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْهَلَ، ثُمَّ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ، ثَلاثًا، أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: لاَ تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ ادْعُوا إلِي ابْنَيِ أخِي قَالَ: فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: ادْعُوا إِلَيَّ الْحَلاقَ، فَجِيءَ بِالْحَلاقِ فَحَلَقَ رُؤُوسَنَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَشَالَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ، قَالَهَا ثَلاثَ مِرَارٍ، قَالَ: فَجَاءَتِ أمُّنَا فَذَكَرَتْ لَهُ يُتْمَنَا، وَجَعَلَتْ تُفْرِحُ لَهُ، فَقَالَ: الْعَيْلَةَ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ." (3)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (1 / 186)(10) وصحيح مسلم- المكنز - (2042)
(2) - صحيح ابن حبان - (11 / 438)(5054) وصحيح البخارى- المكنز - (2398 ) وصحيح مسلم- المكنز - (4246) -الكَل : العيال والدين مما يثقل على صاحبه
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 545)(1750) صحيح(1/821)
وعَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِى الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِى إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُمْ » . (1)
وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَضِيلَة الْأَشْعَرِيِّينَ، وَفَضِيلَة الْإِيثَار وَالْمُوَاسَاة، وَفَضِيلَة خَلْط الْأَزْوَاد فِي السَّفَر، وَفَضِيلَة جَمْعهَا فِي شَيْء عِنْد قِلَّتهَا فِي الْحَضَر، ثُمَّ يَقْسِم، وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهَذَا الْقِسْمَة الْمَعْرُوفَة فِي كُتُب الْفِقْه بِشُرُوطِهَا، وَمَنَعَهَا فِي الرِّبَوِيَّات، وَاشْتِرَاط الْمُوَاسَاة وَغَيْرهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَاد هُنَا إِبَاحَة بَعْضهمْ بَعْضًا وَمُوَاسَاتهمْ بِالْمَوْجُودِ (2)
2- إهمال النفقة على الأولاد أو التقتير عليهم وهذا من شأنه أن يدفع بالأولاد إلى استكمال هذا النقص لمحاكاة الآخرين فيلجأون إلى أسهل الطرق في تحصيل مرادهم وهو العدوان على غيرهم وارتكاب الجرائم والمخالفات في سبيل ذلك، وهذا ما يسمى بجنوح الأولاد.
والإسلام بأسلوبه الحكيم قد حذَّر أشد التحذير من تضييع الرجل من يعول، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ » (3) .
وعَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: أَعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّا يَمْلِكُ قُوتَهُمْ." (4)
وعَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: أَفْضَلُ دِينَارٍ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى عِيَالِهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2486 ) وصحيح مسلم- المكنز -(6564)
أرمل : فنى زادهم
(2) - شرح النووي على مسلم - (8 / 270)
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (1694 ) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (10 / 52)(4241) صحيح(1/822)
أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، - قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: بَدَأَ بِالْعِيَالِ - ثُمَّ قَالَ: وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ لَهُ صِغَارٍ يُعِفُّهُمُ اللَّهُ بِهِ وَيُغْنِيهِمُ اللَّهُ بِهِ. (1)
3- النزاع والشقاق بين الآباء والأمهات أمام الأولاد ولا شك أن هذا الأمر مذموم شرعا وعقلا وعرفا والفتنة نائمة تستيقظ بالإشاعة والإذاعة وفي الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا، أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ. (رواه أبو داود) (2) .
وقد نبه الإسلام إلى خطورة إشاعة مقالة السوء فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (19) سورة النور.
إِنَّ الذين يَرْمُونَ المُحْصنَاتِ، وَبِخَاصَّةِ أُوْلَئِكَ الذين يَتَجِرَّؤوُنَ عَلَى رَمِي بَيْتِ النُّبُوَّةِ الكَرِيمِ، إِنَّمَا يَعْمَلُونَ عَلَى زَعْزَعَةِ ثِقَةِ الجَمَاعَةِ المُسْلِمَةِ بالخَيْرِ والعِفَّةِ، وَعَلَى إِزَالَةِ التَّحَرُّجِ مِنْ ارْتِكَابِ الفَاحِشَةِ، وَذَلِكَ، عَنْ طَرِيقِ الإِيْحَاءِ بأَنَّ الفَاحِشَةَ شَائِعَةٌ فِيهَا، وَبِذَلِكَ تَشِيعٌ الفَاحِشَةُ فِي النُّفُوسِ، ثُمَّ تَشِيعُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الوَاقِعِ، فَهَؤُلاءِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ عَنْدَ اللهِ: فِي الدُّنْيَا بِإِقَامَةِ الحَدِّ عَلَيْهِم، واللَّعْنِ والذَّمِّ مِنَ النَّاسِ، وَفِي الآخِرَةِ بِعَذَابِ النَّارِ . وَمَنْ ذا الذي يَرَى الظَّاهِرَ والبَاطِنَ، وَلاَ يَخْفَى عَلَيْه شَيءٌ غَيْرُ اللهِ تَعَالَى العَلِيمِ الخَبِيرِ؟ فَرُدُّوا الأُمُورَ إِلَى الله تَرْشُدُوا، وَلا َ تَْروُوا مَا لاَ علْمَ لَكُمْ بِهِ . (3)
4- حالات الطلاق وما يصاحبها من ضياع الحقوق، إذ أن الطلاق لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة، وإذا توفرت الأسباب الداعية إليه، وقد أساء البعض استخدام حق الطلاق حتى كثرت حالات المطلقات من النساء الأمر الذي يؤدي إلى تشرد الأبناء ووقوعهم في أوحال الرذيلة والجريمة.
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (10 / 53)(4242) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (1 / 213)(30) وسنن أبي داود - المكنز -(4994) صحيح
(3) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2692)(1/823)
ولو اتبعوا منهج القرآن في ذلك ما حصل الطلاق إلا نادرا، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } (35) سورة النساء.
مِنْ شَأْنِ الرَّجُلِ أنْ يَقُومَ عَلَى المَرْأَةِ بِالحِمَايَةِ وَالرِّعَايَةِ، وَلِذَلِكَ فَرَضَ اللهُ تَعَالَى الجِهَادَ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَالجِهَادُ مِن أخَصِّ شُؤُونِ الحِمَايَةِ . وَقَدْ فَضَّلَ اللهُ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ فِي الخِلْقَةِ، وَأعْطَاهُمْ مَا لَمْ يُعْطَ النِّسَاءُ مِنَ الحَوْلِ وَالقُوَّةِ، كَمَا فَضّلَهُمْ بِالقُدْرَةِ عَلَى الإِنْفَاقِ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ أَمْوالِهِمْ، فَإِنَّ فِي المُهُورِ تَعْوِيضاً لِلْنِّسَاءِ، وَمُكَافَأَةً لَهُنَّ عَلَى الدُّخُولِ تَحْتَ رِئَاسَةِ الرَّجُلِ، وَقَبُولِ القِيَامَةِ عَلَيْهِنَّ . وَالقِيَامَةُ تَعْنِي الإِرْشَادَ وَالمُرَاقَبَةَ فِي تَنْفِيذِ مَا تُرْشِدُ إلَيْهِ النِّسَاءُ، وَمُلاَحَظَةَ أَعْمَالِهِنَّ، وَمِنْ ذَلِكَ حِفْظُ المَنْزِلِ، وَعَدَمِ مُفَارَقَتِهِ إلاَّ بِإِذْنٍ، وَالانْصِرَافَ إلى وَظِيفَتِهِنَّ الفِطْرِيَّةِ مِنْ حَمْلٍ وَرَضَاعٍ وَتَرْبِيَّةٍ . وَالنِّسَاءُ الصَّالِحَاتُ مُطِيعَاتٌ لأَزْوَاجِهِنَّ، حَافِظَاتٌ لِمَا يَجْرِي بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ فِي خِلْوَاتِهِمْ، لاَ يُطْلِعْنَ عَلَيهِ أَحَداً، وَيَحْفَظْنَّ أَنْفُسَهُنَّ مِنْ أَيْدِي العَابِثِينَ، وَعَلَيْهِنَّ أنْ يَحْفَظَنَّ أَمْوَالَ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الضَيَاعِ، وَهَذا الصِنْفُ مِنَ النِّسَاءِ لَيْسَ لِلْرِّجَالِ عَلَيِهِنَّ سُلْطَانُ التَّأديب . أمَّا اللَّوَاتِي تَخْشَوْنَ مِنْهُنَّ أنْ لاَ يَقُمْنَ بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ عَلَى الوَجْهِ الذِي تَرْضَونَ، فَعَلَى الرِّجَالِ مُعَامَلَتُهُنَّ، مُبْتَدِئِينَ بِالوَعْظِ وَالإِرْشَادِ، وَالتَّذْكِيرِ بِوَاجِبَاتِهِنَّ، فَقَدْ يَكْفِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ، فَجَرِّبُوا الهَجْرَ فِي المَضْجَعِ، وَالإِعْرَاضِ عَنْهُنَّ، فَقَدْ يُفِيدُهُنَّ ذَلِكَ فَيَفِئْنَ إلى الصَّوَابِ . وَإذَا لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ فَجَرِّبُوا الضَّرْبَ غَيْرَ المُبَرِّحِ وَغَيْرَ المُؤْذِي، وَهَذا لاَ يَلْجَأُ إلَيْهِ إلاَّ إذَا يَئِسَ الرَّجُلُ مِنْ رُجُوعِ المَرْأَةِ عَنْ نُشُوزِهَا إلاَّ بِهِ .
وَإذَا أَطَاعَتِ المَرْأَةُ زَوْجَهَا فِيمَا يُرِيدُهُ مِنْهَا، مِمَّا أَبَاحَهُ اللهُ لَهُ مِنْها، فَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْها، وَلَيْسَ لَهُ ضَرْبَهَا، وَلاَ هُجْرَانَها، وَلاَ إِسَاءَةُ مُعَامَلَتِهَا .(1/824)
وَيُهَدِّدُ اللهُ تَعَالَى الرِّجَالَ إذا بَغَوْا عَلَى النِّسَاءِ بَغْيِرِ سَبَبٍ، وَيُعْلِمُهُمْ بِأنَّهُ وَليُّهُنَّ، وَأنَّهُ سَيَنْتَقِمُ مِمَّنْ يَبْغِي عَلَيْهِنَّ .
فإذَا وَقَعَ الشِقَاقُ بَيْنَ الزَّوْجِينِ، أَسْكَنَ القَاضِي الزَّوْجَةَ إلَى جَنْبِ ثِقَةٍ يَنْظُرُ فِي أَمْرِهَا، وَيَمْنَعُ مِنْهُمَا الظاًَّلِمَ مِنْ ظُلْمِهِ، فَإنْ تََفَاقَمَتِ الخُصُومَةُ بَيْنَهُما، وَصَارَتْ تُهَدِّدُ بِالانْفِصَالِ، بَعَثَ القَاضِي ثِقَةً مِنْ أَهْلِ الزَّوْجَةِ وَثِقَةً مِنْ أَهْلِ الزَّوْجِ، لِيَجْتَمِعَا وَيَنْظُرا فِي أَمْرِهِمَا، وَيَفْعَلا مَا فِيهِ المَصْلَحَةُ مِمَّا يَرَيَانِهِ مِنَ التَّفْرِيقِ أوْ التَّوْفِيقِ، وَالشَّارِعُ أَمْيَلُ إلَى التَّوْفِيقِ، لِذَلِكَ قَالَ إنْ يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما، فَهَذِهِ الأَحْكَامُ إنَّمَا شَرَعَهَا اللهُ العَلِيمُ بِأَحْوالِ العِبَادِ وَأَخْلاَقِهِمْ، وَالخَبِيرُ بِمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ وَبِأَسْبَابِهِ . (1)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« أَبْغَضُ الْحَلاَلِ إِلَى اللَّهِ الطَّلاَقُ ». (2)
وعَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: لا تُطَلَّقُ النِّسَاءُ إِلا مِنْ رِيبَةٍ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يُحِبُّ الذَّوَّاقِينَ وَالذَّوَّاقَاتِ. (3)
والإسلام بمنهجه المتميز والفريد قد دعا إلى حسن العلاقة الزوجية وجعل المعاملة الحسنة السبيل الأمثل لاستقرار الأسرة وسعادتها فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" (4) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 527)
(2) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (7 / 322)(15292) وصوبوا إرساله
(3) - كشف الأستار - (2 / 192)(1497) حسن
(4) - صحيح ابن حبان - (9 / 485)(4177) صحيح
http://www.islamlight.net/index.php?option=content&task=view&id=9617(1/825)
المبحث الثاني
من أسباب انحراف الأولاد
1- الفراغ الذي يتحكم في الأطفال والمراهقين وهو سبب مهم في زيغ الأبناء وانحرافهم، والطفل من طبيعته يحب اللهو واللعب فإذا لم تهيأ له فرصة اللهو المباح واللعب البريء فإنه في الغالب سيبحث عن بدائل أخرى وربما لا يجد هذه البدائل إلا عند رفقاء السوء الذين سيقعون به حتماً إلى الانحراف والفساد.
والإسلام قد وجَّه إلى معالجة هذا الأمر في حياة الناشئين والناس فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ، شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلُكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ " رواه الحاكم والبيهقي (1) .
وعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ لِرَجُلٍ: اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَفَرَاغَك قَبْلَ شَغْلِكَ، وَغِنَاك قَبْلَ فَقْرِكَ، وَشَبَابَك قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ (2) . .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ " . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ (3)
2- الخلطة الفاسدة ورفقاء السوء وهو عامل خطير في هدم أخلاق الناشئين وإفسادهم، ويتحمل الوالدان المسؤولية الكبرى في ترك أبنائهم يصاحبون رفقاء الشر إذ من مسؤولية الأبوين اختيار الرفقة الصالحة لأبنائهم ليكتسبوا منهم كل خلق كريم وأدب رفيع. قال الله تعالى: محذراً من رفقاء السوء {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (67) سورة الزخرف.
__________
(1) - شعب الإيمان - (12 / 476)(9767 ) والمستدرك للحاكم (7846) صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (19 / 58)(35460) صحيح لغيره
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6412) وشعب الإيمان - (6 / 301)(4223 )(1/826)
يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى أَنَّ كُلَّ صََدَقَةٍ وَصُحْبَةٍ فِي الدُّنْيَا تَنْقَلِبُ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَى عَدَاوَةٍ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْهَا فِي اللهِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَإِنَّهَا تَبْقَى فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ دَائِمَةً بِدَوَامِ اللهِ تَعَالَى . (1)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ، قَالَ: لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا، وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ. (2)
وعَنْ أَبِى مُوسَى - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً » (3) .
3- ومن أسباب انحراف الأولاد سوء معاملة الأبوين للولد فينال منهما القسوة والتحقير والازدراء والسخرية، ولهذه المعاملة الأثر السيئ على نفسية الولد وعلى سلوكه وتصرفاته مما قد ينشأ عنده ردود فعل تكون عواقبها وخيمة.
والإسلامُ بمنهجه الحكيم يدعو المربين ولا سيما الآباء والأمهات إلى أن يتحلَّوا بالأخلاق العالية والمعاملة الحسنة التي تفيض بالرحمة والشفقة والحنان حتى ينشأ الأولاد على الاستقامة ويتربوا على الجرأة واستقلال الشخصية وبالتالي حتى يشعروا بكرامتهم واحترامهم عند آبائهم.
وقد وجه الإسلام إلى حسن المعاملة مع كل الناس ولاسيما الأقربين فقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (90) سورة النحل.
إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَأْمُرُ فِي كِتَابِهِ الذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالعَدْلِ وَالإِنْصَافِ، وَيَنْدُبُ إِلَى الإِحْسَانِ وَالفَضْلِ، وَيَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحْمِ وَإِعْطَاءِ ذَوِي القُرْبَى مَا هُمْ بِحَاجَةٍ إِلَيْهِ، وَيَنْهَى عَنِ ارْتِكَابِ المُحَرَّمَاتِ وَالمُنْكَرَاتِ وَالفَوَاحِشِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، مِمَّا يَأْتِيهِ العَبْدُ سِرّاً
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 4271)
(2) - صحيح ابن حبان - (2 / 314)(554) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (2101 ) وصحيح مسلم- المكنز -( 6860 )(1/827)
وَخِفْيَةً وَاللهُ تَعَالَى إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالخَيْرِ، وَيَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَالشَّرِّ، لَعَلَّكُمْ تَتَذَكَّرُونَ مَا أَوْدَعَهُ اللهُ فِي الفِطْرَةِ مِنْ وَحْيٍ قَوِيمٍ أَصِيلٍ، فَتَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ . (1)
وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ} (83) سورة البقرة .
يُذَكِّرُ اللهُ تَعَالَى بَني إَسْرَائِيلَ بِأَوَامِرِهِ إِلَيهِمْ، وَبِالمِيثَاقِ الذِي أَخَذَهُ عَلَيهِمْ عَلَى لِسَانِ مُوسَى وَغَيرِهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ أَلاَّ يَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ وَحْدَهُ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَلاَّ يُشْرِكُوا بِهِ شَيئاً، وَأَنْ يُحْسِنُوا مُعَامَلَةَ الوَالِدَينِ، وَأَنْ يُحسِنُوا إِلَى ذَوِي قُربَاهُمْ، وَإِلَى اليَتَامَى الذِين مَاتَ آبَاؤُهُمْ، وإِلى المَسَاكِينِ الذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعِيَالِهِمْ، وَأَنْ يُحْسِنُوا مُعَامَلَةَ النَّاسِ وَمُعَاشَرَتَهُمْ، وَأَنْ يَقُولُوا لَهُمْ كَلِمَاتٍ طَيِّبَاتٍ ( وَيدخُلُ فِي ذلِكَ الأَمرُ بِالمَعْروفِ والنَّهيُ عَنْ المُنْكَرِ ) وَأَنْ يُقِيموا الصَّلاَةَ، وَأَنْ يُؤَدُّوا الزَّكَاةَ . وَلكِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَوَلَّوْا عَنْ ذلِكَ، وَأَعْرَضُوا عَنْهُ عَنْ عَمْدٍ، بَعْدَ العِلْمِ بِهِ، وَلَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ بِأَمْرِ اللهِ إِلاَّ قَلِيلُونَ، أَقَامُوا الشَّرِيعَةَ عَلَى وَجْهِهَا الصَّحِيحِ فِي زَمَنِ مُوسَى وَبَعْدَهُ، وَدَخَلُوا فِي الإِسْلامِ حِينَمَا أَدْرَكُوهُ كَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَّمٍ وَثَعْلَبَةَ بْنِ سعيدٍ . (2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: " الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ " (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُدْلِعُ لِسَانَهُ لِلْحُسَيْنِ، فَيَرَى الصَّبِيُّ حُمْرَةَ لِسَانِهِ، فَيَهَشُّ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ بَدْرٍ: أَلاَ أَرَى تَصْنَعُ هَذَا بِهَذَا، وَاللَّهِ لَيَكُونُ لِيَ الاِبْنُ قَدْ خَرَجَ وَجْهُهُ وَمَا قَبَّلْتُهُ قَطُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ. (4)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1991)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 90)
(3) - شعب الإيمان - (13 / 401)(10537 ) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (12 / 409) (5596) صحيح(1/828)
وعَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْبِرُّ لَا يَبْلَى، وَالْإِثْمُ لَا يُنْسَى، وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ، فَكُنْ كَمَا شِئْتَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ " (1) .
ومن حسن معاملة الأولاد مخاطبتهم بأطيب الكلام وملاطفتهم في الحديث. ومن حسن معاملتهم غرس الثقة في نفوسهم وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن رغباتهم وطموحاتهم وإشعارهم بأهميتهم كأعضاء صالحين في دائرة الأسرة والمجتمع (2) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ (874 ) صحيح مرسل
(2) - انظر كتاب :كيف نربي أبناءنا تربية صالحة(1/829)
المبحث الثالث
الحذر من إهمال تربية الأولاد
لإهمال تربية الأولاد عواقبُ وخيمةٌ تتحدث عنه الأخبار ويتذاكرها الناس، ولعل من أخطر ما يواجه الأولاد ويسبب في انحرافهم مشاهدتهم لأفلام الجنس والجريمة، تلك الأفلام التي تقود إلى الميوعة والانحلال ويتحمل الوالدان المسؤولية التامة تجاه انحراف أبنائهم في هذا السبيل إذا لولا موافقة الأبوين وتيسيرهما لسبل هذه المشاهدات لما أقدم الأولاد على هذا الفعل المهدم للأخلاق والإسلام بمبادئه التربوية يضع أمام الآباء والمربين والمسؤولين المنهج القويم في توجيه الأبناء وتربيتهم.
ويكفي في الدلالة على هذه المسؤولية قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه البخاري عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ أَهْلِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعَيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. (1)
ومن مظاهر الإهمال في تربية الأولاد تخلي الأبوين عن تربية أولادهما إما غفلة منهما أو انصرافا عن هذه المسؤولية أو إهمالا لهذه الأمانة.
ولهذا الإهمال نتائج خطيرة منها: إتاحة الفرصة لرفقاء السوء أن يصطادوا الأبناء المهملين من قبل آبائهم. ومنها سرعة انجذاب الأولاد لداعي الفساد ومنها شيوع الجريمة في المجتمع ومن أجل ذلك كانت توجيهات الإسلام حاسمة وصريحة في هذا الميدان قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم.
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (10 / 342) (4490) وصحيح البخارى- المكنز - (893)(1/830)
وفي الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: أَكْرِمُوا أَوْلاَدَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ. (1) .
فإلى الآباء والأمهات والمربين بادروا في الاهتمام بتربية أبنائكم واسعوا في إصلاحهم ما استطعتم، فإن أعظم ما تتوجه إليه الجهود وتنفق فيه الأموال إصلاح الأبناء (2) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (4 / 636) (3671) ضعيف
(2) - http://www.airssforum.com/showpost.php?p=112938&postcount=11(1/831)
المبحث الرابع
من الأخطاء الشائعة في تربية الأولاد
هناك أخطاء وممارسات شائعة في تربية البنين والبنات تقع أحياناً عن جهل وأحيانا عن غفلة وأحيانا عن عمد وإصرار، ولهذه الممارسات الخاطئة آثار سلبية على استقامة الأبناء وصلاحهم من ذلك:
- تحقير الولد وتعنيفه على أي خطأ يقع فيه بصورة تشعره بالنقص والمهانة، والصواب هو تنبيه الولد على خطئه إذا أخطأ برفق ولين مع تبيان الحجج التي يقتنع بها في اجتناب الخطأ.
- إذا أراد المربي زجر الولد وتأنيبه ينبغي ألا يكون ذلك أمام رفقائه وإنما ينصحه منفرداً عن زملائه.
- الدلال الزائد والتعلق المفرط بالولد وخاصة من الأم يؤدي إلى نتائج خطيرة على نفس الولد وتصرفاته وقد يكون من آثاره زيادة الخجل والانطواء وكثرة الخوف وضعف الثقة بالنفس والاتجاه نحو الميوعة والتخلف عن الأقران.
- فكرة استصغار الطفل وإهمال تربيته في الصغر فكرة باطلة والصواب أن تبدأ التربية ويبدأ التوجيه منذ الصغر من بداية الفطام حيث يبدأ التوجيه والإرشاد والأمر والنهي والترغيب والترهيب والتحبيب والتقبيح.
- من مظاهر التربية الخاطئة عند الأم عدم السماح لولدها بمزاولة الأعمال التي أصبح قادرا عليها، اعتقادا منها أن هذه المعاملة من قبيل الشفقة والرحمة للولد، ولهذا السلوك آثار سلبية على الولد.. من هذه الآثار فقدان روح المشاركة مع الأسرة في صناعة الحياة وخدمات البيت ومنها الاعتماد على الغير وفقدان الثقة بالنفس ومنها تعود الكسل والتواكل.
- ومن مظاهر التربية الخاطئة أن لا تترك الأم وليدها يغيب عن ناظريها لحظة واحدة مخافة أن يصاب بسوء، وهذا من الحب الزائد الذي يضر بشخصية الولد ولا ينفعه.(1/832)
- ومن الأخطاء تفضيلُ بعض الأولاد على بعض سواء كان في العطاء أو المعاملة أو المحبة، والمطلوب العدل بين الأولاد وترك المفاضلة.
- ومن ذلك احتقار الأولاد وإسكاتهم إذا تكلموا والسخرية بهم وبحديثهم مما يجعل الولد عديم الثقة بنفسه قليل الجرأة في الكلام والتعبير عن رأيه، كثير الخجل أمام الناس وفي المواقف الحرجة.
- ومن الأخطاء الشائعة فعل المنكرات أمام الأولاد كشرب الدخان أو سماع الأغاني أو مشاهدة الأفلام الساقطة مما يجعل من الوالدين والمربين قدوة سيئة.
- ومن الأخطاء الفاحشة ترك الولد يفعل ما يريد دون محاسبة، أو يخرج من البيت، ولا يعرف الأهل إلى أين خرج، فهذا كذلك من التهاون في تربية الولد، ومراقبته .
- ومن الأخطاء الفاحشة التي يرتكبها الأبوان الدفاع عن الولد، إذا أخطأ مع غيره أو ارتكتب معصية، إما حبه به، أو جهلاً بتصرفاته التي لا يرونها، فمهما ارتكب من أخطاء لا يحاسب، ولاسيما إذا لم يكن عندهم ولد غيره .
وبالتالي سيكون مصيبة على أهله وعلى غيرهم في المستقبل (1) ..
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - http://www.taif1.com/vb/showthread.php?t=1608
http://www.startimes2.com/f.aspx?t=16118184(1/833)
المبحث الخامس
ما أهمية الحبِّ في تربية الأولاد
حب الأبوين لأبنائهما عاطفة فطرية لا بد من إظهارها في العملية التربوية، وبما أن الأطفال الصغار تغلب عليهم العاطفة لزم فيمن يتصدَّر لتربيتهم من الآباء والمربين أن يراعوا هذا الجانب ويغرسوا مفهوم الحب بينهم وبين أبنائهم وطلابهم، وأن يكون هذا الحب عاطفة متبادلة بين الفريقين، فإن الحب يثمر الحب كما يقولون وإذا وجد الحب تمت عملية التربية بسهولة "لأن المحب لمن يحبُّ مطيع " ولهذه الحكمة أمر الله سبحانه وتعالى نبيه بمعاملة الناس بالحب والشفقة واللين {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران .
فالمربي الغليظ القاسي يبغضُه الأطفال ويبغضون معه كل فكرة وعلم وأخلاق، ولا يقبلون منه أي نصح وتوجيه لفظاظته وشدته.
ولكي لا يخرج الحب عن حد الاعتدال والتوازن ويميل إلى الإفراط والدلال لا بد للمربي من الوقوف عند هذه الضوابط:
الضابط الأول: الالتزام بشرع الله القاضي بأن يكون الله ورسوله أحب إليه من نفسه وولده والناس أجمعين، فعَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. (1) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ » (2) .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (1 / 405)(179) وصحيح البخارى- المكنز -(15 ) وصحيح مسلم- المكنز - (178 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (14 )(1/834)
الضابط الثاني: ألا يكون حبُّ الولد مانعاً للخير أو صاداً عن سبيل الله و، ذلك فيما نبه عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الذي رواه الحاكم عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ حُسَيْنًا فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ، مَجْبَنَةٌ، مَجْهَلَةٌ، مَحْزَنَةٌ " (1)
وعَنْ يَعْلَى الْعَامِرِيِّ ؛ أَنَّهُ جَاءَ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ يَسْتَبِقَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَضَمَّهُمَا إِلَيْهِ، وَقَالَ: إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ ..." (2)
والمعنى أن الولد والحرص عليه يصرف والديه عن الجود والكرم والإنفاق في أعمال الخير ويقصران المال للنفقة عليه ويحول الولد أحيانا بين الوالدين وصفة الشجاعة والإقدام فيبعث فيهما روح الخوف والبقاء على رعايته.. وكذلك يفعل الولد فيساهم في تجهيل والديه بصرفهما عن طلب العلم وإنشغالهما بشؤونه، ويبعث الولد أيضا مشاعر الأسى والحزن عند والديه لضر يصيبه.. والمطلوب هو التوازن في المحبة وإيثار محبة الله ورسوله في حالة التعارض.
الضابط الثالث: الصبر على وفاة الطفل واحتسابه عند الله تعالى من غير جزع ولا عويل ولا صياح، وقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي جَسَدِهِ، وَفِي مَالِهِ وَوَلَدِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ. (3)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنهم - قَالَ مَرَّ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِامْرَأَةٍ تَبْكِى عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ « اتَّقِى اللَّهَ وَاصْبِرِى » . قَالَتْ إِلَيْكَ عَنِّى، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِى، وَلَمْ تَعْرِفْهُ . فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - . فَأَتَتْ بَابَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ لَمْ أَعْرِفْكَ . فَقَالَ « إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى » (4) .
__________
(1) - المستدرك للحاكم(5284) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 34)(17562) 17705- صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (7 / 187) (2924) صحيح
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (1283)(1/835)
وعَنِ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلاَمٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِأَبِي إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى امْرَأَةِ قَيْنٍ بِالْمَدِينَةِ، فَأَتْبَعَهُ، فَانْتَهَى إِلَى أَبَى سَيْفٍ وَهُوَ يَنْفُخُ فِي كِيرِهِ، وَالْبَيْتُ مَمْتَلِئٌ دُخَانًا، فَأَسْرَعْتُ الْمَشْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَيْفٍ جَاءَ رَسُولُ اللهِ، فَأَمْسَكَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ بِالصَّبِيِّ، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَعَيْنَاهُ تَدْمَعُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبَّنَا وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ. (1)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِي، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّخْلِ، فَوَجَدَ فِيهِ إِبْرَاهِيمَ ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ، فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ إِنِّي لا أَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَبْكِي أَوَلَمْ تَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ ؟ قَالَ: إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنِ النَّوْحِ، عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ، صَوْتٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ لَعِبٍ، وَلَهْوٍ، وَمَزَامِيرِ شَيْطَانٍ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ، وَشَقِّ جُيُوبٍ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ، إِنَّهُ لا يُرْحَمُ مَنْ لا يَرْحَمُ، لَوْلا أَنَّهُ حَقٌّ، وَوَعْدُ صِدْقٍ، وَأَنَّهَا سَبِيلٌ مَأْتِيَّةٌ لا بُدَّ مِنْهَا، حَتَّى يَلْحَقَ آخِرُنَا بِأَوَّلِنَا لَحَزِنَّا حُزْنًا أَشَدَّ مِنْ هَذَا يَعْنِي: عَلَيْهِ وَإِنَّا بِهِ لَمَحْزُونُونَ، تَبْكِي الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ . (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (7 / 162) (2902) وصحيح البخارى- المكنز - (
1303) وصحيح مسلم- المكنز - (6167 )
(2) - كشف الأستار - (1 / 380) (805) حسن
http://www.startimes2.com/f.aspx?t=16118585(1/836)
المبحث السادس
البرنامج الصحي للأولاد
تعتبر التربية الصحية من أبرز الجوانب التي تشكل شخصية الطفل؛ وذلك لما لها من دور بارز في بناء قدرته على كسب عيشة والدفاع عن نفسه ووطنه من جهة، ولارتباطها الوثيق بثقافة الأسرة والمجتمع من جهة أخرى. فما المقصود بالتربية الصحية؟ وما مبررات العناية بها؟ وكيف يمكن أن نضمن لأبنائنا تربية صحية سوية؟
يتبادر إلى أذهان كثير من الناس أن التربية الصحية تقتصر على العناية بجسم الإنسان وحمايته من الأمراض والعلل، غير أن المفهوم الدقيق يتسع ليشمل حاله الطفل النفسية، فإن بين الحالتين ارتباط وثيق؛ فكلاهما تؤثر في الأخرى سلباً وإيجاباً، يضاف إلى ذلك الآثار التي تترتب على القيم والتقاليد السائدة في المجتمع، لذلك فإنه يمكن تعريف التربية الصحية بأنها '' بناء شخصية، الطفل من جميع الجوانب، المكونة لها بناء سليماً من خلال العناية بمتطلبات هذا البناء وتوفير أسباب الوقاية والعلاج.
وبناء عليه فإنه يمكن بلورة نتاجات التربية الصحية بما يلي :
بناء جسد الطفل بناءً سوياً.
العناية بنفس الطفل من خلال تنمية وجدانه بناءً سليماً.
تنمية ثقة الطفل بنفسه.
تنمية الشعور بالمسؤولية لديه.
تسليحه بمهارات حياتية نافعة.
تزويده بالقيم والمبادئ السامية التي من شأنها أن تساعده على المحافظة على صحته.
تمكينه من الصمود ومواجهة المشكلات الحياتية والتغلب عليها.
تبصيره بكيفية الحفاظ على صحته من خلال توفير بيئة معرفية ملائمة.
توفير العلاج اللازم في حالة المرض.
ويمكن إيجاد بيئة صحية سليمة بتوفير المتطلبات الآتية :(1/837)
المسكن الصحي الملائم.
الغذاء المتوازن.
الرعاية الصحية.
الوعي الصحي.
تنمية القدرات الجسدية والنفسية.
تحصين الجسم بالمطاعيم المختلفة.
وتظل التربية الصحية هي الخطوة الأولى التي لابد منها لتربية الجوانب الأخرى المكونة لشخصية الطفل معرفياً ووجدانياً ومهارياً واجتماعياً، فإن وجد الجسم السليم، فإنه سيسهل على المربي تنمية الجوانب الأخرى. لذلك قالت الحكماء :'' العقل السليم في الجسم السليم ''. (1)
من الأسباب الواقية لصحة الأولاد:
- تعويدهم على سلوك الرياضة وتمارين الأعضاء ولا سيما السباحة والرمي وركوب الخيل والمصارعة وقد ثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يجري مسابقات الجري بين الأطفال لقبولهم في دخول الجيش وملاقاة العدو.
فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى نَاسٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ قَالَ :« حَسَنٌ ». لِهَذَا اللَّهْوِ مَرَّتَيْنِ :« ارْمُوا فَإِنَّهُ كَانَ لَكُمْ أَبٌ يَرْمِى ارْمُوا وَأَنَا مَعَ ابْنِ الأَدْرَعِ ». قَالَ فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ فَقَالَ :« مَا لَكُمْ؟ ». فَقَالُوا لاَ وَاللَّهِ لاَ نَرْمِى وَأَنْتَ مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا يَنْضُلَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ جَمِيعًا ». قَالَ فَقَالَ رَمَوُا عَامَّةَ يَوْمِهِمْ ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَلَى السَّوَاءِ مَا نَضَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا." (2)
__________
(1) - http://vb.arabseyes.com/t94197.html
http://www.q8castle.com/vb/showthread.php?p=6689777
(2) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (10 / 17) (20249) حسن(1/838)
- ومن الأسباب الواقية تعويذهم من العين والسحر والجان فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعَوِّذُ حَسَنًا وَحُسَيْنًا: أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ، ثُمَّ يَقُولُ - صلى الله عليه وسلم - : كَانَ إِبْرَاهِيمُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ يُعَوِّذُ بِهِ ابْنَيْهِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ (1) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ « إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ » (2) .
- ومن ذلك إبعاد الأولاد عن الأمراض المعدية، لأن تأثر الصغار الأصحاء بالمرضى يكون أكثر من غيرهم فعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لاَ عَدْوَى، وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لاَ يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ.
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ بِهِمَا كِلَيْهِمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ صَمَتَ أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ: لاَ عَدْوَى، وَأَقَامَ عَلَى أَنْ: لاَ يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ذِئَابٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ: كُنْتُ أَسْمَعُكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ تُحَدِّثُنَا مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثًا آخَرَ قَدْ سَكَتَّ عَنْهُ، كُنْتَ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ عَدْوَى فَأَبِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ، وَقَالَ: لاَ يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ.
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لاَ عَدْوَى، وَلاَ أَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَوْ نَسَخَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الآخَرَ (3) .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (3 / 291) (1012) صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (3371 )
اللامة : العين اللامة التى تصيب بسوء -الهَامة : بتشديد الميم واحدة الهوام وهى الحيات وكل ذى سم يقتل سمه
(3) - صحيح ابن حبان - (13 / 482) (6115) وصحيح مسلم- المكنز - (
5923)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ - رضي الله عنهم - : لَيْسَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ تَضَادٌّ ، وَلاَ أَحَدُهُمَا نَاسِخٌ لِلآخَرِ ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ عَدْوَى سُنَّةٌ تُسْتَعْمَلُ عَلَى الْعُمُومِ ، وَقَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ أَرَادَ بِهِ أَنْ لاَ يُورِدَ الْمُمْرِضُ عَلَى الْمُصِحِّ ، وَيُرَادُ بِهِ الاِعْتِقَادُ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَدْوَى أَنْ تَضُرَّ بِأَخِيهِ فِي الْقَصْدِ ، وَإِنْ لَمْ تَضُرَّ الْعَدْوَى.(1/839)
- ومن ذلك تعويد الأولاد على التقشف وعدم الإغراق في التنعم وقد جاء الحث على ذلك في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونصائح الصحابة رضي الله عنهم.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بَعَثَ بِهِ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ ؛ فَإِنَّ عِبَادَ اللهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ (1) .
وقَالَ مُرِيحُ بْنُ مَسْرُوقٍ الْهَوْزَنِيُّ: آخِرُ شَيْءٍ أَوْصَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ أَنْ قَالَ لَهُ: لاَ تَتَنَعَّمَنَّ فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ. (2)
وعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ . قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: " اخْشَوْشِنُوا، وَاخْشَوْشِبُوا، وَاخْلَوْلِقُوا، وَتَمَعْدَدُوا كَأَنَّكُمْ مَعَدٌّ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ الْعَجَمِ " (3)
وقد ثبت طبيا أن الترف والتنعم سبيلان إلى فساد الجسم وإحاطته بمختلف الأمراض.
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} (34) سورة سبأ
- وقاية الأولاد من أسباب الحوادث والكوارث: فيوصى الأطباء بعدم رمي الأدوية الفائضة عن الحاجة وعدم تركها في متناول الأطفال وأخذ الحيطة والحذر من مصادر الخطر على الأولاد كالسموم الخاصة بالحشرات والمواد القابلة للاشتعال والأواني الخاصة بغلي الماء والألعاب النارية وأدوات الكهرباء وأسلاكها والآلات الحادة والأجهزة
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 375)(22105) 22456- حسن
وأخطأ الشيخ شعيب عفا الله عنه عندما ضعف هذا الحديث بحجة تدليس بقية وفاته أنه لا يدلس عن أهل الشام أهل بلده بل عن غيرهم ، كما بين ابن عدي في ترجمته المطولة .
وكذلك لم ينشط للنظر هل صرح بالتحديث في مكان آخر أم لا ؟ وقد صرح بالتحديث عند الطبراني في مسند الشاميين .
(2) - مسند الشاميين 360 - (2 / 307) (1395) حسن
(3) - شَرْحُ مَعَانِي الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ (4562 ) صحيح(1/840)
الكهربائية. ويمكن أن تندرج هذه النصائح وغيرها في القاعدة الذهبية التي دعا إليها الإسلام "لا ضرر ولا ضرار". فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ، وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَجْعَلَ خَشَبَةً فِي حَائِطِ جَارِهِ، وَالطَّرِيقُ الْمِيتَاءُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ. (1)
- ومن توجيهات الصحة والسلامة في الإسلام مداواة الأولاد عند المرض فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ: لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِنْ أَصَابَ الدَّاءَ الدَّوَاءُ، بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " (2)
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِنَا الرَّخَمَ، مَا يَتَكَلَّمُ مِنَّا مُتَكَلِّمٌ، إِذْ جَاءَهُ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفْتِنَا فِي كَذَا، أَفْتِنَا فِي كَذَا، فقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ عَنْكُمُ الْحَرَجَ، إِلاَّ امْرَأً اقْتَرَضَ مِنْ عِرْضِ أَخِيهِ فَذَاكَ الَّذِي حَرِجَ وَهَلَكَ قَالُوا: أَفَنَتَدَاوَى يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ، قَالُوا: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: الْهَرَمُ، قَالُوا: فَأَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا. (3)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، فَعَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ، فَإِنَّهَا تَرُمُّ مِنْ كُلِّ الشَّجَرِ. (4)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ دَاءٍ، إِلا قَدْ أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، عَلِمَ ذَلِكَ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَ ذَلِكَ مَنْ جَهِلَهُ، إِلا السَّامَ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا السَّامُ، قَالَ: الْمَوْتُ. (5)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 797)(2865) 2867- صحيح لغيره
(2) - المستدرك للحاكم(7434) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (2 / 236) (486) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (13 / 439) (6075) صحيح
(5) - كشف الأستار - (3 / 386) (3016) صحيح(1/841)
- ومما يلحق بالمداواة ويدخل في مسؤولية الوالدين والمربين وقاية الأطفال من الأمراض المعدية والسارية منذ الأيام الأولى لولادتهم وأهم الأمراض الخطيرة التي ينبغي تحصين الأولاد منها:
مرض السل- الجدري- الدفتريا- السعال الديكي- والتيتانوس- الحصبة- شلل الأطفال- التيفوئيد عند الحاجة. وذلك وفق الجدول الزمني لمراكز الصحة المختصة (1) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - http://al-sumaidaie.com/vb/showthread.php?p=39556(1/842)
المبحث السابع
كيف نحصن أبناءنا من الانحرافات الخلقية؟
من أخطر الانحرافات الخلقية عند المراهقين والشباب وقوعهم في رذيلة الزنا واللواط، وقد أجمع الفقهاء على حرمة هاتين الفاحشتين تحريما قطعيا وذلك للأدلة الشرعية الصريحة من الكتاب والسنة. أما دليل الكتاب فيما يتعلق بحرمة الزنا فلقول الله تعالى {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} (32) سورة الإسراء.
يَنْهَى اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ عَنْ مُقَارَفَةِ الزِّنَى، وَمُبَاشَرَةِ أَسْبَابِهِ وَدَوَاعِيهِ، فَهُوَ فِعْلَةٌ ظَاهِرَةُ القُبْحِ ( فَاحِشَةً )، وَبِئْسَ طَرِيقاً وَمَسْلَكاً ( سَاءَ سَبِيلاً )، لِمَا فِيهِ مِنِ اخْتِلاَطِ الأَنْسَابِ، وَفَسَادِ العَلاَقَةِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، لِضَيَاعِ الثِّقَةِ الوَاجِبِ تَوَفُّرُهَا لاطْمِئْنَانِ الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ . (1)
ومن السنة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَزْنِي الزَّانِي، حِينَ يَزْنِي، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ، حِينَ يَسْرِقُ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، حِينَ يَشْرَبُهَا، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ. " (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرُ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهَا أَبْصَارَهُمْ وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ فَقُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ مَا هَذَا ؟ فَقَالَ: عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْبَلاَغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ. (3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ » . (4)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2062)
(2) - صحيح ابن حبان - (11 / 576)(5173) وصحيح البخارى- المكنز - (
2475) وصحيح مسلم- المكنز - (211 )
(3) - صحيح ابن حبان - (1 / 414)(186) صحيح
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (6782 )(1/843)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ. (1)
وفيما يتعلق بحرمة اللواط يقول الله تعالى: { أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) } [الشعراء: 165، 166].
فكأنها مسألة وخصلة تفردوا بها دون العالم كله.
لذلك قال في موضع آخر:{ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ }[الأعراف: 80].
أي: أن هذه المسألة لم تحدث من قبل لأنها عملية مستقذرة؛ لأن الرجل إنما يأتي الرجل في محل القذارة، ولكنهم فعلوها، فوَصْفه لها بأنها لم يأتها أحد من العالمين جعلها مسألة فظيعة للغاية.
كان عندكم مندوحة عن هذه الفِعْلة النكراء بما خلق الله لكم من أزواجكم من النساء، فتصرفون هذه الغريزة في محلها، ولا تنقلونها إلى الغير.
أو { وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } [الشعراء: 166] أي: أنهم كانوا يباشرون هذه المسألة أيضاً مع النساء في غير محلِّ الاستنبات، فقوله تعالى:{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىا شِئْتُمْ }[البقرة: 223].
البعض يظنها على عمومها وأن{ أَنَّى شِئْتُمْ }[البقرة: 223] تعطيهم الحرية في هذه المسألة، إنما الآية محددة بمكان الحَرْث واستنبات الولد، وهذا محله الأمام لا الخلف. لذلك قال بعدها: { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } [الشعراء: 166] والعادي هو الذي شُرع له شيء يقضي فيه إربته، فتجاوزه إلى شيء آخر حرَّمه الشرع. (2)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (12 / 371)(5561) وصحيح البخارى- المكنز - (2766) وصحيح مسلم- المكنز - (272)
(2) - تفسير الشعراوي - ( / 3044)(1/844)
فقد برأ اللّه الذكر والأنثى وفطر كلا منهما على الميل إلى صاحبه لتحقيق حكمته ومشيئته في امتداد الحياة عن طريق النسل، الذي يتم باجتماع الذكر والأنثى. فكان هذا الميل طرفا من الناموس الكوني العام، الذي يجعل كل من في الكون وكل ما في الكون في حالة تناسق وتعاون على إنفاذ المشيئة المدبرة لهذا الوجود. فأما إتيان الذكور الذكور فلا يرمي إلى هدف، ولا يحقق غاية، ولا يتمشى مع فطرة هذا الكون وقانونه. وعجيب أن يجد فيه أحد لذة. واللذة التي يجدها الذكر والأنثى في التقائهما إن هي إلا وسيلة الفطرة لتحقيق المشيئة. فالانحراف عن ناموس الكون واضح في فعل قوم لوط. ومن ثم لم يكن بد أن يرجعوا عن هذا الانحراف أو أن يهلكوا، لخروجهم من ركب الحياة، ومن موكب الفطرة، ولتعريهم من حكمة وجودهم، وهي امتداد الحياة بهم عن طريق التزاوج والتوالد. (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَلْعُونٌ مَنْ سَبَّ أَبَاهُ، مَلْعُونٌ مَنْ سَبَّ أُمَّهُ، مَلْعُونٌ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، مَلْعُونٌ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الأَرْضِ، مَلْعُونٌ مَنْ كَمَّهَ أَعْمَى عَنِ الطَّرِيقِ، مَلْعُونٌ مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ، مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ قَالَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِرَارًا ثَلاثًا فِي اللُّوطِيَّةِ." (2)
ولخطورة هذه الجرائم في الإسلام فقد جاءت عقوبة الزنى مائة جلدة مع التغريب للزاني غير المحصن أما الزاني المحصن فعقوبته الرجم حتى الموت.
فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ. (3)
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَرْبٌ لِذَلِكَ، وَتَرَبَّدَ لَهُ وَجْهُهُ، فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ، قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 2613)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 806)(2914) 2916- حسن
(3) - صحيح ابن حبان - (10 / 271) (4425) وصحيح مسلم- المكنز - (4509)(1/845)
سَبِيلاً الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ رَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ نَفْيُ سَنَةٍ " (1)
أما عقوبة اللوطي فقد أجمع العلماء على أن اللواط زنى واختلفوا في تحديد العقوبة فجمهور الفقهاء والمجتهدين ذهبوا إلى قتل الفاعل والمفعول به ويرى آخرون أن حد الفاعل هو حد الزنى، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ » (2) .
وحكمة الإسلام ظاهرة في اتخاذ هذا الموقف المتشدد من هاتين الفاحشتين.فالزنى واللواط لهما أضرار صحية وجسمية ونفسية واجتماعية من ذلك: يسبب الزنى واللواط مرض الزهري ومرض السيلان والأمراض المعدية الفتاكة ويؤدي الزنى إلى اختلاط الأنساب وكثرة أبناء الحرام وضياع النسل وفصم أواصر الزوجية وتفكك وحدة الأسرة والانطلاق في حمأة الرذيلة والفساد وقتل الشهامة والمروءة وفقدان الرجولة والكرامة.
وعلاج ظاهرة الزنى واللواط إنما تتم من خلال التربية الصحيحة التي تقوم على أساس الإيمان والأخلاق وتيسير سبل الزواج المبكر للشباب والبعد بهم عن مهيجات الشهوة من تبرج واختلاط (3) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (10 / 291) (4443) وصحيح مسلم- المكنز - (4511)
(2) - سنن الدارقطنى- المكنز - (3282) صحيح لغيره
(3) - انظر كتاب :كيف نربي أبناءنا تربية صالحة(1/846)
المبحث الثامن
حكم اللعب بالميسر واليانصيب
ويدخل من ضمن المحرمات اللعب بالميسر واليانصيب لقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) }[المائدة :90، 91].
يَنْهَى اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ عَنْ تَعَاطِي الخَمْرِ وَلَعْبِ القِمَارِ ( المَيْسِر )، وَعَنْ ذَبْحِ القَرَابِينِ عِنْدَ الأَنْصَابِ، ( وَهِيَ حِجَارَةٌ كَانَتْ تُحِيطُ بِالْكَعْبَةِ )، كَمَا يَنْهَاهُمْ عَنِ الاسْتِقْسَامِ بِالأَزْلاَمِ ( وَالأَزْلاَمِ ثَلاَثَةُ قِدَاحٍ أَوْ سِهَامٍ يُجِيلُونَهَا ثُمَّ يُلْقُونَهَا، وَقَدْ كُتِبَ عَلَى أَحَدِهَا ( افْعَلْ )، وَعَلى الأخَرِ ( لاَ تَفْعَلْ )، وَالثَّالِثُ غُفْلٌ مِنَ الكِتَابَةِ . فَإِذَا خَرَجَ السَّهْمُ الذِي كُتِبَ عَلَيْهِ ( افْعَلْ ) فَعَلَ . وَإذَا خَرَجَ السَّهْمُ الذِي كُتِبَ عَلَيْهِ ( لاَ تَفْعَلْ ) لَمْ يَفْعَلْ . وَإذا خَرَجَ السَّهْمُ الغُفْلُ مِنَ الكِتَابَةِ أَعَادَ الاسْتِقْسَامَ .
وَيَقُولُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ إنَّ هَذِهِ المُنْكَرَاتِ: الخَمْرَ وَالمَيْسِرَ . . إنَّمَا هِيَ شَرٌّ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ( رِجْسٌ ) فَاجْتَنِبُوا هَذَا الرِّجْسَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَتَفُوزُونَ بِرِضْوَانِ اللهِ .
إنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ لَكُمْ شُرْبَ الخَمْرِ، وَلَعِبَ المَيْسِرِ، لِيُعَادِيَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَيَبْغُضَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، فِيِتَشَتَّتَ أمْرُكُمْ بَعْدَ أنْ ألَّفَ اللهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ بِالإيمَانِ، وَجَمَعَ بِأخُوَّةِ الإسْلاَمِ، ويُرِيدُ الشَّيْطَانُ أنْ يَصْرِفَكُمْ بِالسُّكْرِ وَالاشْتِغَالِ بِالمَيْسِرِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ الذِي بِهِ صَلاَحُ أمْرِكُمْ، فِي دُنْيَاكُمْ وَآخِرَاتِكُمْ، وَعَنِ الصَّلاَةِ التِي فَرَضَهَا اللهُ عَلَيْكُمْ، تَزْكِيَةً لِنُفُوسِكُمْ، وَتَطْهِيراً لِقُلُوبِكُمْ .
وَالخَمْرُ تٌفْقِدُ الإِنْسَانَ عَقْلَهُ الذِي يَمْنَعُهُ عَنْ إتْيَانِ الأفْعَالِ القَبِيحَةِ، وَعَنْ تَوْجِيهِ الأقْوَالِ الشَّائِنَةِ إلى النَّاسِ، فَإِذَا شَرِبَهاَ الإِنْسَانُ أقْدَمَ عَلَى مَا لاَ يُقْدِمُ عَلَيهِ وَهُوَ صَاحٍ مَتَمَالِكٌ قِواهُ فَيُسِيءُ إلى أصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ، وَيُؤذِيهِمْ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلى الشَّحْنَاءِ وَالبَغْضَاءِ .(1/847)
وَالمَيْسِرُ يُثِيرُ البَغْضَاءَ وَالشَحْنَاءَ بَيْنَ اللاعِبِينَ وَالحَاضِرِينَ، وَكَثِيراً مَا يُفرِّطُ المُقَامِرُ فِي حُقُوقِ الوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالأوْلاَدِ، حَتَّى يُوشِكُ أنْ يَمْقُتَهُ كُلُّ وَاحِدٍ .
ثُمَّ يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأنْ يَنْتَهُوا عَنْ هَذِهِ المُنْكَرَاتِ ليُفَوِّتُوا عَلَى إبْلِيسَ غَرَضَهُ . (1)
فقد نهى الله عن لعب الميسر وما شابهه من اليانصيب لأنه يؤدي للقمار والحكمة في تحريم هذا النوع من اللهو لأنه يؤدي إلى إيقاع العداوة والبغضاء والصد عن سبيل الله وعن الصلاة كما يورث الشجار بين اللاعبين. وقد حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من ذلك أشد تحذير فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَدَمِهِ " (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 760)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6033 )(1/848)
المبحث التاسع
الأولاد.. والعادات الخاطئة
من الأمراض المتفشية عند بعض الأولاد البالغين والمراهقين ظاهرة العادة السرية.. وهي سلوك خاطئ ومضر وأكثر ما تنتشر هذه العادة في الوسط المليء بالفتن والاختلاط والتبرج وخروج النساء سافرات في الطرقات والمنتزهات وأماكن العمل، وتساهم المجلات الخليعة والأفلام الهابطة والقصص الغرامية في إثارة الشباب وتهييج الناحية الجنسية لديهم، مما يلجئهم إلى إشباع شهواتهم عن طريق الحرام أو العادة السرية. ولخطورة استعمال العادة السرية فقد أكد العلماء والأطباء أنها تسبب أضرارا جسمية وجنسية وعقلية على صحة الإنسان.
من الأضرار الجسمية: إنهاك في القوى- ونحول في الجسم وارتعاش بالأطراف وخفقان بالقلب- وضعف بالبصر والذاكرة وإخلال بالجهاز الهضمي وإصابة الرئتين بالالتهابات التي تؤدي إلى السل في أغلب الأحيان وقد تؤثر على الدورة الدموية في الجسم وتسبب فقر الدم. ومن الأمراض الجنسية مرض العنة وهو عدم قدرة الشباب على الزواج. ومن الأمراض النفسية والعقلية: الذهول والنسيان وضعف الإرادة وضعف الذاكرة والميل إلى العزلة وكثرة الخجل والشعور بالخوف والكسل والكآبة والحزن والتفكير بارتكاب الجرائم والانتحار. (1)
وقد استدل العلماء على حرمة ممارسة العادة السرية بقول الله تعالى في سورة المؤمنون:{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ
__________
(1) - انظر :
http://arb3.maktoob.com/vb/arb11473/
http://forum.jsoftj.com/t1306.html
http://www.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa2&task=view&Itemid=35&catid=1459&id=3906(1/849)
فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) } [المؤمنون: 5 - 8] فيدخل في عموم هذه الآية {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} كل تفريغ للشهوة عن غير طريق الزواج وملك اليمين كالزنى واللواط والاستمناء باليد (العادة السرية).
والعلاج الناجح في استئصال هذه الظاهرة هو الشروع في الزواج المبكر وتيسير أسبابه، فإن لم يتيسر مبكرا فيوجه الأبناء إلى صوم النفل للحديث المتفق عليه عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ لِى إِلَيْكَ حَاجَةً . فَخَلَيَا فَقَالَ عُثْمَانُ هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِى أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا، تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ، فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا أَشَارَ إِلَىَّ فَقَالَ يَا عَلْقَمَةُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ » (1) .
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: عَكَّافُ بْنُ بِشْرٍ التَّمِيمِيُّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا عَكَّافُ، هَلْ لَكَ مِنْ زَوْجَةٍ ؟ قَالَ: لاَ . قَالَ: وَلاَ جَارِيَةٍ ؟ قَالَ: وَلاَ جَارِيَةَ . قَالَ: وَأَنْتَ مُوسِرٌ بِخَيْرٍ ؟ قَالَ: وَأَنَا مُوسِرٌ بِخَيْرٍ . قَالَ: أَنْتَ إِذًا مِنْ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ، لَوْ كُنْتَ فِي النَّصَارَى كُنْتَ مِنْ رُهْبَانِهِمْ، إِنَّ سُنَّتَنَا النِّكَاحُ، شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ، وَأَرَاذِلُ مَوْتَاكُمْ عُزَّابُكُمْ، أَبِالشَّيْطَانِ تَمَرَّسُونَ مَا لِلشَّيْطَانِ مِنْ سِلاَحٍ أَبْلَغُ فِي الصَّالِحِينَ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ الْمُتَزَوِّجُونَ، أُولَئِكَ الْمُطَهَّرُونَ الْمُبَرَّؤُونَ مِنَ الْخَنَا، وَيْحَكَ يَا عَكَّافُ، إِنَّهُنَّ صَوَاحِبُ أَيُّوبَ وَدَاوُدَ، وَيُوسُفَ وَكُرْسُفَ . فَقَالَ لَهُ بِشْرُ بْنُ عَطِيَّةَ: وَمَنْ كُرْسُفُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: رَجُلٌ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ بِسَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ الْبَحْرِ ثَلاَثَ مِئَةِ عَامٍ، يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، ثُمَّ إِنَّهُ كَفَرَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ فِي سَبَبِ امْرَأَةٍ عَشِقَهَا، وَتَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ، ثُمَّ اسْتَدْرَكَ اللَّهُ بِبَعْضِ مَا كَانَ مِنْهُ فَتَابَ عَلَيْهِ، وَيْحَكَ يَا عَكَّافُ تَزَوَّجْ،
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5065 ) وصحيح مسلم- المكنز - (3464 )
الباءة : النكاح -الوجاء : الحماية(1/850)
وَإِلاَّ فَأَنْتَ مِنَ الْمُذَبْذَبِينَ قَالَ: زَوِّجْنِي يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكَ كَرِيمَةَ بِنْتَ كُلْثُومٍ الْحِمْيَرِيِّ. " (1) .
ومن تمام العلاج إبعاد الأولاد عن المثيرات الجنسية وملء فراغهم بما ينفع وإيجاد الصحبة الصالحة لهم، والحرص على ممارسة الأنشطة الثقافية والرياضية، وتوجيههم لرحلات الحج والعمرة وتشجيعهم على ممارسة الهوايات النافعة (2) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 190)(21450) 21781- ومسند أبي يعلى الموصلي مشكل - (6856) حسن لغيره
(2) - انظر كتاب :كيف نربي أبناءنا تربية صالحة(1/851)
المبحث العاشر
تحصين الأبناء من خطر المخدرات
ظاهرة انتشار المسكرات والمخدرات بين الصغار والشباب والكبار ظاهرة خطيرة تنذر بشرٍّ كبير وهي تنتشر في الوسط الذي لا يهتم بالدين ولا بالأخلاق الإسلامية، وأكثر من يتعرض لها الأولاد المشرَّدون والعاقُّون لآبائهم وأمهاتهم والمبتلون برفقة السوء والذين فقدوا الرقابة والإشراف من أهليهم.
والمتعاطون للمخدرات والمسكرات واقعون في الإثم والمعصية لأن خطر هذه السموم على النفس والمجتمع واضحٌ وبيِّن، وكل ما من شأنه الضرر بصحة الإنسان كان محرما في دين الله..
وقد أثبت الطب ضرر هذه السموم فهي: تسبب الجنون والأمراض العصبية والمعوية والمعدية وتشلُّ حدة الفكر والذهن، وتحدث آلاما في الجهاز الهضمي، وتفقد الشهية في الطعام، وتسبب سوء التغذية والهزال والخمول والضعف الجنسي، وتؤدي إلى تصلب الأنسجة والشرايين فضلا عن الخسائر المادية التي يترتب عليها إفلاس المدمنين وخراب بيوتهم.
والدليل على حرمة هذه السموم من خمر ومخدرات بمختلف أنواعها ومسمياتها قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) } [المائدة: 90 - 92].
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إنما الخمر: وهي كل مسكر يغطي العقل، والميسر: وهو القمار، وذلك يشمل المراهنات ونحوها، مما فيه عوض من الجانبين، وصدٌّ عن ذكر الله، والأنصاب: وهي الحجارة التي كان المشركون يذبحون عندها تعظيمًا لها، وما ينصب للعبادة تقربًا إليه، والأزلام: وهي القِداح التي يستقسم بها الكفار قبل(1/852)
الإقدام على الشيء، أو الإحجام عنه، إن ذلك كله إثمٌ مِن تزيين الشيطان، فابتعدوا عن هذه الآثام، لعلكم تفوزون بالجنة.
إنما يريد الشيطان بتزيين الآثام لكم أن يُلقِي بينكم ما يوجد العداوة والبغضاء، بسبب شرب الخمر ولعب الميسر، ويصرفكم عن ذكر الله وعن الصلاة بغياب العقل في شرب الخمر، والاشتغال باللهو في لعب الميسر، فانتهوا عن ذلك. (1)
وأما السنة فعَنْ أَبِى عَلْقَمَةَ مَوْلاَهُمْ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَافِقِىِّ أَنَّهُمَا سَمِعَا ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ » (2) ..
وتحريم كل أنواع المخدرات يندرج في عموم قول الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (157) سورة الأعراف.
إِنَّهُمْ الذِينَ يَتَّبِعُونَ مُحَمَّداً النَّبيِّ الأُمِّيَّ، الذِي لاَ يَكْتُبُ وَلاَ يَقْرَأُ، وَقَدْ جَاءَ وَصْفُهُ وَالبِشَارَةُ بِهِ فِي التَّورَاةِ وَالإِنْجِيلِ، وَهُوَ يَأْمُرُهُمْ بِفِعْلِ الخَيْرَاتِ، وَبِالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ فِعْلِ المُنْكَرِ، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، وَيَضَعُ عَنْهُمُ التَّكَالِيفَ الشَّاقَّةَ، كَاشْتِرَاطِ قَتْلِ النَّفْسِ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ، وَالقِصَاصِ فِي القَتْلِ العَمْدِ أَوِ الخَطَإِ، مِنْ غَيْرَ شَرْعٍ لِلدِّيَةِ، وَقَطْعِ الأَعْضَاءِ الخَاطِئَةِ، وَقَطْعِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ مِنَ الثَّوْبِ، وَتَحْرِيمِ السَّبْتِ . . . فَقَدْ جَاءَ مُحَمَّدٌ بِمَا هُوَ يُسْرٌ وِسَمَاحَةٌ .
فَالذِينَ آمَنُوا بِالرَّسُولِ النَّبِيِّ الأُميِّ، حِينَ بُعِثَ، مِنْ قَومِ مُوسَى وَعِيسَى، وَمِنْ كُلِّ أُمَّةٍ، وَعَزَّرُوهُ بِأَنْ مَنَعُوهُ وَحَمَوْهُ مِنْ كُلِّ مَنْ يُعَادِيهِ، مَعَ التَّعْظِيمِ وَالإِجْلاَلِ، وَنَصَرُوهُ بِاللِّسَانِ
__________
(1) - التفسير الميسر - (2 / 264)
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (3676 ) صحيح(1/853)
وَاليَدِ، وَاتَّبَعُوا النُّورَ الأَعْظَمَ الذِي أُنْزِلَ مَعَ رِسَالَتِهِ، وَهُوَ القُرآنُ . . فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ، الفَائِزُونَ بالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ . (1)
وفي السنة أحاديث كثيرة، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِى الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِى الآخِرَةِ ». (2)
ما رواه الإمام أحمد عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ، تَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ. (3)
والمنهج السليم للتخلص من ظاهرة انتشار المسكرات والمخدرات إنما يكون بمنع تداول هذه السموم وتجفيف أوكار بيعها، وسن القوانين الصارمة للمخالفين وتوقيع العقوبات الزاجرة لمرتكبيها، وتوجيه الأولاد لاستغلال أوقاتهم فيما يعود عليهم بالنفع وتربيتهم التربية الصالحة القائمة على الدين والأخلاق لينالوا الحصانة التامة من هذه السموم. (4)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1112)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (5336 )
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 621)(26634) 27169- حسن
(4) - انظر الدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (15 / 66) والفقه الإسلامي وأدلته - (4 / 177) والفقه على المذاهب الأربعة - (2 / 8) والموسوعة الفقهية الكويتية - (11 / 34) وفتاوى الأزهر - (7 / 206) -المخدرات محرمة شرعا وفتاوى الأزهر - (7 / 224) تعاطى المخدرات بالحقن محرم شرعا وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 5525) سؤال رقم 66227- حكم تناول المخدرات وهل تأخذ أحكام الخمر ؟ وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 564) -رقم الفتوى 1994 المخدرات محرمة دون أدنى شك.وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (8 / 147) الحشيش والخمر وفتاوى يسألونك لعفانة1-12 - (11 / 162) مصرف المال الحرام
وانظر حول أضرار المخدرات :
http://www.moh.gov.kw/hotline/drug.htm
http://www.elaana.com/vb/t178770
http://www.alrakb.com/vb/showthread.php?p=1153
http://www.tawyeen.com/Drag/D16.htm(1/854)
المبحث الحادي عشر
ما يهمُّ الآباءَ والمربين
س: هل يجوزُ للأم اصطحاب رضيعها إلى المسجد؟
ج: يجوز للام أن تحمل رضيعها للذهاب إلى المسجد وتصلي في جماعة إذا رغبت وأذن لها زوجها، حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفف صلاته ويسرع فيها رأفة ورحمة بالصغير مخافة أن تفتن أمه بالصلاة وهي تسمع بكاءه، ورد في صحيح البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنِّى لأَدْخُلُ فِى الصَّلاَةِ فَأُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِىِّ، فَأَتَجَوَّزُ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ » (1) .
س: متى تغلَّب مصلحة الإسلام على حب الولد؟
ج: مع أهمية العاطفة المتأججة نحو الأولاد من حب وعطف ورحمة إلا أن هذه المشاعر ينبغي ألا تطغى على الجهاد في سبيل الله وتبليغ دعوة الله في الأرض ؛لأن مصلحة الإسلام فوق كل المصالح والاعتبارات.
قال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَ (2) اللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (24) سورة التوبة
قل -يا أيها الرسول- للمؤمنين: إن فَضَّلتم الآباء والأبناء والإخوان والزوجات والقرابات والأموال التي جمعتموها والتجارة التي تخافون عدم رواجها والبيوت الفارهة التي أقمتم فيها، إن فَضَّلتم ذلك على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقاب الله ونكاله بكم. والله لا يوفق الخارجين عن طاعته.
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (710 ) -الوجد : الحزن
(2) - التفسير الميسر - (3 / 266)(1/855)
وقد روى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ » (1) ..
س: ما هو ثواب الصابر على موت ولده؟
ب: على المسلم أن يؤمن بقضاء الله وقدره وأن لله ما أعطى ولله ما أخذ وقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي يرويه البخاري عَنْ أَبِى سَعِيدٍ - رضي الله عنهم - أَنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا . فَوَعَظَهُنَّ، وَقَالَ « أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَ لَهَا ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ كَانُوا حِجَابًا مِنَ النَّارِ » . قَالَتِ امْرَأَةٌ وَاثْنَانِ . قَالَ « وَاثْنَانِ » (2) .
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ النِّسَاءَ، فَقَالَ لَهُنَّ: مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ يَمُوتُ لَهَا ثَلاَثَةٌ، إِلاَّ أَدْخَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ، فَقَالَتْ أَجَلُّهُنَّ امْرَأَةً: يَا رَسُولَ اللهِ، وَصَاحِبَةُ الاِثْنَيْنِ فِي الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: وَصَاحِبَةُ الاِثْنَيْنِ فِي الْجَنَّةِ. (3)
فمن صبر واحتسب كان ثوابه الجنة وكان ولده المتوفى حجابا له من النار.
س: ما حكم ختان الولد؟
ج: الختانُ رأس الفطرة وشعار الإسلام وهو واجب على الذكور ومن لم يبادر إليه في إسلامه ولم يقم على تنفيذه قبل بلوغه فإنه يكون آثما مرتكبا المعصية لكون الختان شعارا من شعائر الإسلام، وبه يتميز المؤمن عن الكافر وبسببه يتمتع المختتن بصحة جيدة ويتحرر من كثير من الأمراض الفتاكة.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ. (4)
س: ما حكم ختان البنت؟
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (14)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1249 )
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 114)(3995) صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 498)(9408) 9398- صحيح
وانظر فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (15 / 176) حكم الختان للذكر والأنثى(1/856)
ج: أجمع الفقهاء والأئمة المجتهدون على أن الختان مستحب للأنثى وليس بواجب (1) ، وحجتهم في ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما شرع لأمة الإسلام الختان كان يخص الرجال دون الإناث ولم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام أمر امرأة بالاختتان إلا ما ورد على سبيل الاستحباب فيما رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ، مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ. (2) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسِ، قَالَ: الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ " (3)
وعَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ امْرَأَةٌ تَخْفِضُ النِّسَاءَ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ عَطِيَّةَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اخْفِضِي وَلَا تَنْهَكِي، فَإِنَّهُ أَنْضَرُ لِلْوَجْهِ، وَأَحْظَى عِنْدَ الزَّوْجِ " (4)
س: كيف تغتسلُ الفتاة؟
ج: على الأم والمربية أن تعلم فتاتها أحكام الغسل من الحيض والجنابة لتكون على علم بأمور دينها، فقد لوحظ جهل بعض الفتيات والفتيان بأمور الاغتسال من
__________
(1) - انظر : فتاوى الأزهر - (2 / 208) -ختان البنات وفتاوى الأزهر - (2 / 209) -ختان البنات وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 4472) سؤال رقم 45528- الفوائد الطبية من ختان البنات وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 5280) -سؤال رقم 60314- ختان البنات وإنكار بعض الأطباء له وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 1952) -رقم الفتوى 4487 التفصيل في حكم الختان للذكور والإناث وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 2691) رقم الفتوى 6245 مدى مشروعية ختان الأنثى وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (4 / 7775) رقم الفتوى 27517 هل يجب الختان على الكبير وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (5 / 1998) رقم الفتوى 31783 الحكمة من ختان الأنثى وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (5 / 7381) رقم الفتوى 38122 ختان البنات مشروع في الجملة وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (7 / 1452) رقم الفتوى 48958 شبهات حول ختان الإناث وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (5 / 262) س: حكم ختان البنات هل هو مستحب أم مكروه؟
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 910)(20719) 20994- حسن لغيره
(3) - مسند الشاميين 360 - (4 / 48) (2697) حسن
(4) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (3 / 1537) (3898 ) وصحيح الجامع (336) والصحيحة (722) حسن لغيره
أي إذا ختنت المرأة فلا تبالغي في استقصاء محل الختان بالقطع ، بل أبقي بعض ذلك الموضع(1/857)
الجنابة وقد تستمر الفتاة زمنا طويلا فلا تعرف شيئا من هذه الأحكام وكذلك الفتى يقع في الجنابة ولا يعرف كيف يغتسل.. وإذا فقد الماء كيف يتصرف.
أولا: أحكام غسل الفتاة من الحيض والجنابة:
1- أن تنوي الغسل بالقلب دون النطق بالنية.
2- أن تذكر اسم الله بقولها بسم الله ثم تغسل اليدين ثلاثاً بالماء.
3- أن تتوضأ وضوءاً كاملاً.
4- أن تصب الماء على رأسها وليس شرطاً أن تنقض رأسها إن كان مشدوداً وإن كان النقض هو الأفضل والأحوط..
5- غسل سائر البدن بدءا بالجهة اليمنى.
فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ « تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ. ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا ». فَقَالَتْ أَسْمَاءُ وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا فَقَالَ « سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِينَ بِهَا ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِى ذَلِكَ تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَالَ « تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ - أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ - ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِى الدِّينِ. (1)
س: وكيف يغتسل الفتى من الجنابة؟
ج: هي نفس شروط الغسل للفتاة مع ملاحظة أن ينثر الرجل شعره إن كانت له ظفائر ويخلل شعر رأسه ولحيته بالماء. وإذا لم يجد من يجب عليه الغسل الماء لبعده أو
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (776 )
السدرة : شجرة النبق -الفرصة : قطعة من قطن أو صوف(1/858)
خاف زيادة المرض باستعمال الماء أو ما وجد ما يسخن به الماء في البرد وخاف عدوا أو عطشا فله أن يتيمم.
وطريقة التيمم ضربتان على كل طاهر من جنس الأرض كالرمل والحجر والتراب ضربة لمسح وجهه وضربة ليديه مع مرفقيه لما روي عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْكَفَّيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ (1) .
س: ما حكم الشرع في التدخين؟
ج: أثبت الطب أن الدخان يخدِّر العقل ويفتر الجسم وأنه يضر بالصحة فيورث السل وسرطان الرئة، ويضعف الذاكرة ويقلل الشهية ويسبب اصفرار الوجه والأسنان ويضيق التنفس ويهيج الأعصاب ويحدث انحطاطا عاما في الجسم، ويميع الخلق ويعود على الكسل والاسترخاء، فضلا عن إضاعة المال. لهذه الأضرار وغيرها فإن شرب الدخان حرام، وقد أجمع الفقهاء والمجتهدين أن ما يؤدي إلى الضرر ويوقع في المهالك فاجتنابه واجب وفعله حرام لعموم قول الله تعالى: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (195) سورة البقرة.
ولا يشك أحد من الناس أن الدخان يدخل في دائرة الخبائث لما اشتمل عليه من الأضرار والرائحة الكريهة والله سبحانه وتعالى جعل من مهمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (157) سورة الأعراف.
وعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ، تَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ. (2) .
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (1 / 207) (1035) والمستدرك للحاكم(634) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 621)(26634) 27169- حسن(1/859)
أي مخدر والدخان يخدر العقل ويفتر الجسم كما ذكر (1) .
الأمور المعينة على ترك التدخين ؟!
1- استحضار أضرار التدخين واستحضار حرمته في الدين: فلا يِغِبْ عن بالك أضرار التدخين، ولا يعزب عنك حرمة التدخين في الدين؛ فإن ذلك يقودك إلى تركه والإقلاع عنه.
ثم إيّاك ـ أخي الحبيب ـ أن تكابر في ضرره، أو حرمته، فتنفي ضرره، وتدعي حله وإباحته؛ فإن هذا أقبح من مجرد شربه.
2- التوبة النصوح: فبعد أن استبان لك الدليل، واتضحت لك السبيل، وتيقنت من ضرر التدخين على الصحة والدين ـ تُبْ إلى ربك، وعد إلى رشدك، قبل أن يُتْلِفَ التدخين جسدك، وقبل أن يفجأك الموت على غرة منك، فأقدم غير هياب ولا وَجِلٍ ولا متردد، وإيّاك والتسويفَ والتأجيلَ؛ فإن تسويفَك وتأجيلك ذنبٌ يجب عليك أن تتوبَ منه.
3- الإخلاص لله ـ عزّ وجلّ ـ: فالإخلاص أنفع الأدوية في هذا الشأن وفي غيره؛ فإذا أخلصت لربك، وصدقت في توبتك، وتركت ما تهواه؛ رغبةً في رضا الله،
__________
(1) - انظر : الدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (15 / 70) [ جواب الشيخ السعدي عن حكم شرب الدخان والإتجار به ] والفقه الإسلامي وأدلته - (7 / 438) والموسوعة الفقهية الكويتية - (10 / 101) وفتاوى الأزهر - (7 / 193) شرب التمباك والدخان بالمسجد وفتاوى الأزهر - (7 / 247) حكم شرب الدخان وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 109) سؤال رقم 10204- المتاجرة بالسجائر وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 479) سؤال رقم 11286- حكم شرب الدخان وإتيان المسجد وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 1535) سؤال رقم 1812- حكم الجلوس مع المدخّن أثناء تدخينه وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 442) رقم الفتوى 1819 يحرم التدخين لاشتماله على أضرار كثيرة ومفاسد عظيمة وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 1580) رقم الفتوى 3822 التدخين بكل أنواعه حرام وانظر كتاب :كيف نربي أبناءنا تربية صالحة(1/860)
وخشية من سخطه وأليم عقابه ـ فإن الله سيقبلك، ولن يخذلك، فسييسرك لليسرى، وسيجنبك العسرى، وسيسهِّل عليك طرقَ الخيرِ كلَّها.
4- امتلاء القلب من محبة الله ـ عزّ وجلّ ـ: فهذا تابع للإخلاص، وهو من أعظم ما يقي من الفساد والانحراف؛ فمِنَ المتقرر أن في القلب فقرًاذاتيَّاً، واضطرارًا، وجوعة، وشعثاً، وتفرُّقاً.
ولا يغني القلب، ولا يكفي ضرورته، ولا يشبع جوعته، ولا يلم شعثه وتفرقه ـ إلا محبة الله، وإخلاص العبادة له.
ومن هنا يحصل له الأنس والسرور، ويتسلى عن كل محبوب تتعلق به النفس.
فإذا قلَّت تلك المحبة في القلب أصاب الإنسان ما أصابه من الهمّ والغمّ بقدر نقص تلك المحبة.
أما إذا خلا القلب من محبة الله ـ عزّ وجلّ ـ فلا تسل عن شقائه وعذابه، فستتسلط عليه سائر المحبوبات، فتفرقه، وتشتته، وتَذْهَبُ به كل مَذْهَب.
فما أحرى بمن وقع في شَرَك التدخين أن يملأ قلبه من محبة الله، وأن يفرغه من محبة ما سواه، فحينئذٍ سيجد الفرح، والأنس، والسرور، وسيسلو عن كل محبة تضعف القلب، أو تصرفه عن اعتداله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: " فالقلب لا يَصْلُح، ولا يُفْلِح، ولا يتلذذ، ولا يُسَرُّ، ولا يطيب، ولا يسكن، ولا يطمئن ـ إلا بعبادة ربه، وحبه، والإنابة إليه.
ولو حصل له كلُّ ما يتلذذ به من المخلوقات لم يطمئن، ولم يسكن؛ إذ فيه فقر ذاتيٌّ إلى ربه، ومن حيث هو معبوده ومطلوبه.
وبذلك يحصل له الفرح، والسرور، واللذة، والنعمة، والسكون، والطمأنينة ".(1/861)
فإذا وضعت ـ أيها الحبيب ـ حبَّ ربِّك نصب عينيك، واستحضرت مراقبته لك في سرك وعلانيتك ـ فإنك بإذن الله ستنتصر على شهواتك، وستغالب نفسك وشيطانك.
هذا ومما يعين على محبة الله أن تتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، وأن تكثر من ذكر الله على كل حال.
وسيأتي ـ إن شاء الله ـ مزيد بيان للأمور التي تعين على رسوخ تلك المحبة في القلب.
إذا تبين لك ذلك فهل تُؤْثِرُ محبة ما يضر على محبة ما ينفع ؟ !
5- الاستعانة بالله: وذلك بأن تأخذ بالأسباب المعينة على ترك التدخين، والتي سيأتي ذكر لشيء منها، ثم بعد ذلك تُفَوِّضُ أمرك إلى ربِّك، وتلتمس منه العون والمدد؛ فإنه ـ عزَّ وجلَّ ـ يُمِدُّك بإعانات متنوعة، وألطاف لا تخطر لك على بال؛ فإنه نعم المعين، ونعم الناصر، ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) [الطلاق: 3].
6- استحضار الثمرات الحاصلة بترك التدخين: فإن معرفة ثمرات الأشياء، واستحضار حسن عاقبتها من أعظم ما يعين على تمثلها والسعي إليها.
فكلما تَصَعَّبَتِ النَّفْسُ، وعزَّ عليها ترك التدخين ـ فذكِّرها بالثمار اليانعة التي تُجْنيها بتركه؛ فإنها حينئذٍ تلين، وتنقاد طائعة منشرحة.
فَتَذَكَّرْ أن من ترك لله شيئًا عوَّضَه الله خيرًا منه، والعوض أنواع مختلفة، وأجلُّ ما يُعوَّض به: الأنس بالله، ومحبته، وطمأنينة القلب بذكره، وقُوَّتُه، ونشاطه، وفرحه، ورضاه عن ربِّه ـ تعالى ـ.
وتذكر الأجرَ المترتبَ على ترك التدخين؛ فكما أن ثوابَ الطاعةِ الشاقة أعظم مما لا مشقة فيه ـ فكذلك ترك المعصية إذا شق وصعب أعظم أجرًا.(1/862)
وتذكر أنك بترك التدخين تنقذ نفسك من ضرر محقق.
وتذكر لذة الانتصار على النفس ومخالفة الهوى؛ فإن تلك اللذة أعظم من لذة عابرة.
7- مقارنة اللذة الموهومة بالضرر البالغ: فقارن بين لذة التدخين ـ إن كان فيه من لذة ـ بالضرر البالغ الذي يحصل من جرَّائه، حينها يتبين لك الغبن، وتظهر لك الخسارة؛ فكيف إذاً تُقْدِم على لذة موهومة سريعة الزوال والاضمحلال يكون بعدها همُّك، وغمُّك، وهلاكك، وعَطَبُك ؟ !!
8- العزيمة الصادقة: فمهما كان لديك من رغبة في ترك التدخين، ومهما كان عندك من علم في أضراره وآثاره ـ فإنك لن تسلك الطريق الموصل إلى تركه ما لم يكن لديك عزيمة صادقة، وسعي حثيث، وإلا فلن تتركه ما حييت، فستشربه إذا غضبت، وستشربه إذا رضيت، وستشربه إذا فرحت، وستشربه إذا حزنت، وستشربه إذا كنت وحيدًا، وستشربه إذا كنت في جماعة وهكذا. . (1) ..
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - http://www.toislam.net/files.asp?order=3&num=712&per=686&kkk=(1/863)
المبحث الثاني عشر
كيف نغرس قيمة الوقت عند أبنائنا؟
كثيرا ما يتكلم المربون والمدرسون عن قيمة الوقت وأنه كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وأن الوقت هو الحياة. وأن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة. ولكن قلما يهتدي الأبناء والمنصوحون إلى الطريقة المثلى في حفظ الأوقات والانتفاع بالساعات.. وإنك ترى بعض الناس تمرُّ بهم الساعات والأيام والسنون وهم هم إن لم ينقصوا لم يزيدوا ولم يزدادوا علما ولم يؤسسوا مجدا ولم ينالوا خيرا ولم يحققوا فخرا.
وأول توجيه ينبغي أن يغرسه المربي في نفوس طلابه وأبنائه الاهتمام بقيمة الوقت والغيرة على فواته أو تضييعه؛ لأن المضيع لوقته مضيع لحياته كلها وفي الحديث عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ ». (رواه الترمذي) (1) ..
وعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ يَأْتِي عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلَّا يُنَادَى فِيهِ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا خَلْقٌ جَدِيدٌ وَأَنَا فِيمَا تَعْمَلُ عَلَيْكَ غَدًا شَهِيدٌ فَاعْمَلْ فِيَّ خَيْرًا أَشْهَدْ لَكَ بِهِ غَدًا فَإِنِّي لَوْ قَدْ مَضَيْتُ لَمْ تَرَنِي أَبَدًا قَالَ: وَيَقُولُ اللَّيْلُ مِثْلَ ذَلِكَ " (2) .
وثاني توجيه لحفظ الأوقات التذكير بسيرة العظماء والنبلاء والعلماء الذين ما بلغوا ذرى المجد والرفعة إلا باستغلال أوقاتهم والحرص على عدم تضييعها، قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: " كما أنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَعْمَلَانِ فِيكَ، فَاعْمَلْ فِيهِمَا " (3)
وعن كَهْمَسَ بْنِ الْمِنْهَالِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُصُّ، يَقُولُ لِصَاحِبٍ لَهُ: " أَيْ أُخَيَّ، إِنَّمَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ خِزَانَتَانِ مَنْ أَوْدَعَهُمَا شَيْئًا وَجَدَهُ فِيهِمَا " (4)
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2602 ) قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(2) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (2562 ) ضعيف
(3) - مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (43)
(4) - مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (44 )(1/864)
وقال الشاعر :
لَعَمْرُكَ مَا الْأَيَّامُ إِلَّا مُعَارَةٌ فَمَا اسْتَطَعْتَ مِنْ مَعْرُوفِهَا فَتَزَوَّدِ
وقال آخر :
عُمُرٌ يَنْقَضِي وَذَنْبٌ يَزِيدُ وَرَقِيبٌ مُحْضَرٌ عَلَيَّ شَهِيدٌ
وَاقْتِرَابٌ مِنَ الْحِمَامِ وَتَأْ مِيلٌ لِطُولِ الْبَقَا عَصْرٌ جَدِيدُ
أَنَا لَاهٍ وَلِلْمَنِيَّةِ حَتْمٌ حَيْثُ يَمَّمْتُ مَنْهَلٌ مَوْرُودُ
كُلَّ يَوْمٍ يَمُوتُ مِنِّي جُزْءٌ وَحَيَاتِي تَنَفُّسٌ مَعْدُودُ
كَمْ أَخٍ قَدْ رُزِئْتُهُ فَهْوَ وَإِنْ أَضْحَى قَرِيبَ الْمَحِلِّ مِنِّي بَعِيدُ
خَلَسَتْهُ يَدُ الْمَنُونُ فَمَا لِي خُلْفٌ مِنْهُ فِي الْوَرَى مَوْجُودُ
كَانَ لِي مُؤْنِسًا فَغُودِرَ فِي نَهَارٍ عَقِيمٍ صَفِيحُهُ مَنْضُودٌ
وقال ابن كثير: " وخصال التائب قد ذكرها الله في آخر سورة براءة، فقال: (التائبون العابدون) [ التوبة: 113 ] فلا بد للتائب من العبادة والاشتغال بالعمل للآخرة، وإلا فالنفس همامة متحركة، إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل، فلا بد للتائب من أن يبدل تلك الاوقات التي مرت له في المعاصي بأوقات الطاعات، وأن يتدارك ما فرط فيها وأن يبدل تلك الخطوات بخطوات إلى الخير، ويحفظ لحظاته وخطواته، ولفظاته وخطراته. " (1)
وثالث توجيه للأبناء في حفظ أوقاتهم يأتي من حفظ العبادات فالمسلم يصلي الصلاة لوقتها لقوله تعالى: {.. إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} (103) سورة النساء, أي فرضا مكتوبا وموقوتا بأوقات محددة. وبالمحافظة على الصلاة لوقتها يغرس المسلم في نفسه بنفسه حب الحفاظ على الوقت.
وعَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قاَلَ: أَخْبَرنا صَاحِبُ هَذِه ِالدَّارِ، وَأَوْمَأَ بِيَدِه إِلَى دَارِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - : أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ ؟ قَالَ: الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: ثُمَّ
__________
(1) - البداية والنهاية لابن كثير - موافقة للمطبوع - (9 / 185)(1/865)
بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. (1)
ورابع توجيه للأبناء في حفظ أوقاتهم واستثمارها فيما يعود بالنفع عليهم إشغالهم بالطاعات والأعمال الصالحة كحفظ القرآن وحفظ الأحاديث الشريفة ولاسيما كتاب رياض الصالحين، وحضور مجالس العلم والتسامي بالطاعات من صلاة وصيام والاهتمام بتربية الجسم بممارسة الرياضة المفيدة. ويجمع ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ، شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلُكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ " (2)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (527)
(2) - شعب الإيمان - (12 / 476)(9767 ) صحيح
انظر كتاب :كيف نربي أبناءنا تربية صالحة
http://www.kozama.com/vb/showthread.php?p=683(1/866)
الفصل العاشر
وصايا لقمان لابنه
المبحث الأول
التفسير العام للآيات
قال الله تعالى: { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) } [لقمان: 13 - 19].
وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ قِصذَةَ لُقْمَانَ حِينَ قَالَ لابْنِهِ، وَهُوَ أَحَبُّ النَّاسِ إِليهِ، وَهُوَ يَعِظُهُ وَيَنْصَحُهُ: يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِعِبَادَةِ اللهِ شَيئاً، لأًَنَّ الشِّرْكَ أعظَمُ الظُّلْمِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالى خَلَقَ النَّاسَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَأَنْعَمَ عَلَيهِمْ بِنِعَمٍ لا تُحْصَى، فَإِذا عَبَدَ الإِنْسَانُ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرَ اللهِ فإِنَّهُ يَكُونُ ظَالِماً نَاكِراً لِلْجَمِيلِ .
وَبَعْدَ أًَنْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالى مَا وَصَّى بِهِ لُقْمَانُ ابْنَهُ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ تَعَالى وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لأنَّهُ المُنْعِمُ المُوجِدُ، أًَتْبَعَ ذَلِكَ بِمَا أَوْصَى بِهِ الوَلَدَ بِالوَالِدَينِ، لِكَونِهِما السَّبَلَ في وُجُودِهِ، فَقَالَ تَعَالى إِنَّهُ أَمَرَ ( وَصِّينَا ) الإِنسانَ بِبِرِّ وَالدَيهِ وطَاعَتِهِما، وَبِالقِيامِ بِمَا يَتَوجَّبُ عَليهِ نَحْوَهُما، وَذَكَّرَ اللهُ تَعَالى الإِنسانَ بصُورَةٍ خَاصَّةٍ بما تَحَمَّلَتْهُ أُمَّهُ مِنَ العَنَاءِ والجَهْدِ والمَشَقَّةِ(1/867)
في حَمْلِهِ وَوِلاَدَتِهِ، وإِرْضَاعِهِ وتَرِبِيتَهِ، فَقَدْ حَمَلَتْهُ في جَهْدٍ ( وَهْنٍ ) يَتَزَايدُ بِتَزَايُدِ ثِقَلِ الحَمْلِ، ثُمّ أَرْضَعَتْهُ في عَامَينِ كَامِلَينِ، وهيَ تُقَاسِي مِنْ ذَلِكَ ما تُقَاسِي مِنَ المَشَاقِّ .
ثُمَّ أَمرَ اللهُ تَعَالى الإِنسَانَ بِشُكْرِهِ تَعَالى عَلَى نِعَمِهِ عَلَيهِ، وبِشُكْرِ وَالِدَيهِ لأََنَّهُمَا كَانَا سَبَبَ وُجُودِهِ، ثُمَّ نَبَّهَ اللهُ الإِنسانَ إِلى أَنَّهُ سَيَرجِعُ إِِلى اللهِ فَيُجَازِيهِ عَلَى عَمَلِهِ إنْ خَيْراً فَخَيْراً، وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً .
وَإِذا أَلَحَّ عَلَيكَ وَالِدَاكَ لِيَحْمِلاَكَ عَلَى أَنْ تَكْفُرَ بِاللهِ رَبِّكَ، وَعَلى أَنْ تُشْرِكَ مَعَهُ بِالعِبَادَةِ غَيْرَهُ مِنْ أَصْنامٍ وَأَنْدَادٍ، وَأَنْتَ لا تَعْلَمُ لِهؤُلاءِ الأَصْنَامِ والأَندَادِ شَرِكَةً مَعَ اللهِ في الخَلْقِ والأُلُوهِيَّةِ، فَلا تُطِعْهُما فِيما أمَراك بهِ، ولكِنَّ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لا يَمْنَعَكَ مِنَ الإِحسَانِ إِليهِما، وَمُصَاحَبَتِهِما بِالمَعْرُوفِ خِلاَلَ أيامِ هذهِ الدُّنيا القَلِيلةِ الفَانِيَة كَإِطْعَامِهِمَا وكِسوَتِهِمَ، والعِنَايَةِ بِهِما إِذا مَرَضا . . . واتَّبعْ في أُمُورِ الدِّينِ سَبيلَ الذينَ أَخْلَصُوا العِبَادَةَ للهِ مِنَ المُؤْمِنينَ، وأَنَابُوا إِليهِ بدونِ وَهَنٍ وَلاَ تَرَدُّدٍ، فَإِنَّكُمْ رَاجِعُونَ إِليهِ تَعَالى جَمِيعاً يَومَ القِيَامَةِ، فَيُخبِرُكُمْ بِمَ كُنتُم تَعمَلُونَ مِنْ خَيرٍ وَشَرٍّ ويُجازِيكُمْ بِهِ .
وَتَابَعَ لُقمَانُ وَعْظَةُ لاِبْنِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ خَطِيئَةَ الإِنسَانِ وَفعْلَتَهُ وَلَوْ كَانَتْ وَزْنَ ( مِثْقَالَ ) حَبَّةِ الخَرْدَلِ الصَّغِيرَةِ، مُخَبَّأَةً في صِخْرَةٍ، أَو فِي السَّمَاوَاتِ، أَوْ في الأََرضِ يُحْضِرُها اللهُ يومَ القِيَامة، لِيَضَعَها فِي مِيزَانِ أًَعمَالِ الإِنسانِ، ليُحَاسِبَهُ عَلَيها، وَكَذَلِكَ الحَالُ بِالنِّسْبَةِ لِحَسَناتِ الإِنسَانِ، فإِنَّ الله تَعَالَى يأتِي بهَا يومَ القِيَامَةِ ويُحَاسِبُهُ عَليهَا . واللهُ لَطِيفٌ يَصِلُ عِلمُهُ إٍلى كُلِّ خَفِيٍّ، وَهُوَ تَعَالى خَبيرٌ يَعْلَمُ ظَواهِرَ الأُمُورِ وَخَوافِيَهَا .
ثُمَّ قَالَ لُقمَانُ لابنِهِ، يَا بُنَيَّ أَدِّ الصَّلاَة في أَوْقَاتِها، وَأَتْمِمْهَا بِرُكُوعِها وَسُجُودِها وَخُشُوعِها، لأَنَّ الصَّلاةَ تُذَكِّرُ العَبْدَ بِرَبِّهِ، وَتَحْملُهُ عَلَى فِعْلِ المَعْرُوفِ، والانْتِهَاءِ عَنْ فِعْلِ المُنْكَرِ، وإِذا فَعَلَ الإنسَانُ ذلِكَ تَصْفُو نَفْسُهُ وَتَسْمُو، وَيَسْهُلُ عَلَيها احْتِمَالُ الصِّعَابِ في اللهِ، ثمَّ حَثَّ لُقْمَانُ ابْنَهُ عَلَى احتِمَالِ أَذَى النَّاسِ إِذا قَابَلُوه بِالسُّوءِ والأَذى عَلَى حَثِّهِ إِيًَّاهُمْ(1/868)
عَلَى فِعْلِ الخَيرِ، والانْتِهَاءِ عَنْ فِعْلِ المُنْكَرِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ هذا الذي أَوْصَاهُ بِهِ هُوَ مِنَ الأمُورِ التي يَنْبَغِي الحِرْصُ عَليها، والتَّمَسُّكُ بِهَا ( مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) (1) .
إنها لعظة غير متهمة فما يريد الوالد لولده إلا الخير وما يكون الوالد لولده إلا ناصحا. وهذا لقمان الحكيم ينهى ابنه عن الشرك ظلم عظيم. ويؤكد هذه الحقيقة مرتين. مرة بتقديم النهي وفصل علته. ومرة بإنّ واللام .. وهذه هي الحقيقة التي يعرضها محمد - صلى الله عليه وسلم - على قومه، فيجادلونه فيها ويشكون في غرضه من وراء عرضها ويخشون أن يكون وراءها انتزاع السلطان منهم والتفضل عليهم! فما القول ولقمان الحكيم يعرضها على ابنه ويأمره بها؟ والنصيحة من الوالد لولده مبرأة من كل شبهة، بعيدة من كل ظنة؟ ألا إنها الحقيقة القديمة التي تجري على لسان كل من آتاه اللّه الحكمة من الناس يراد بها الخير المحض، ولا يراد بها سواه .. وهذا هو المؤثر النفسي المقصود.
وفي ظل نصيحة الأب لابنه يعرض للعلاقة بين الوالدين والأولاد في أسلوب رقيق ويصور هذه العلاقة صورة موحية فيها انعطاف ورقة. ومع هذا فإن رابطة العقيدة مقدمة على تلك العلاقة الوثيقة: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ، حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ، وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ، أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ، إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما، وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً، وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ. ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ..
وتوصية الولد بالوالدين تتكرر في القرآن الكريم، وفي وصايا رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ولم ترد توصية الوالدين بالولد إلا قليلا. ومعظمها في حالة الوأد - وهي حالة خاصة في ظروف خاصة - ذلك أن الفطرة تتكفل وحدها برعاية الوليد من والديه. فالفطرة مدفوعة إلى رعاية الجيل الناشئ لضمان امتداد الحياة، كما يريدها اللّه وإن الوالدين ليبذلان لوليدهما من أجسامهما وأعصابهما وأعمارهما ومن كل ما يملكان من عزيز وغال، في غير تأفف ولا شكوى بل في غير انتباه ولا شعور بما يبذلان! بل في نشاط وفرح وسرور كأنهما هما
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3363)(1/869)
اللذان يأخذان! فالفطرة وحدها كفيلة بتوصية الوالدين دون وصاة! فأما الوليد فهو في حاجة إلى الوصية المكررة ليلتفت إلى الجيل المضحي المدبر المولّى الذاهب في أدبار الحياة، بعد ما سكب عصارة عمره وروحه وأعصابه للجيل المتجه إلى مستقبل الحياة! وما يملك الوليد وما يبلغ أن يعوّض الوالدين بعض ما بذلاه، ولو وقف عمره عليهما. وهذه الصورة الموحية: «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ» ترسم ظلال هذا البذل النبيل. والأم بطبيعة الحال تحتمل النصيب الأوفر وتجود به في انعطاف أشد وأعمق وأحنى وأرفق .. روى الحافظ أبوبكر البزار في مسنده - بإسناده - عن بريد عن أبيه أن رجلا كان في الطواف حاملا أمه يطوف بها، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - هل أديت حقها؟
قال: «لا. ولا بزفرة واحدة». هكذا .. ولا بزفرة .. في حمل أو في وضع، وهي تحمله وهنا على وهن.
وفي ظلال تلك الصورة الحانية يوجه إلى شكر اللّه المنعم الأول، وشكر الوالدين المنعمين التاليين ويرتب الواجبات، فيجيء شكر اللّه أولا ويتلوه شكر الوالدين .. «أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ» .. ويربط بهذه الحقيقة حقيقة الآخرة: «إِلَيَّ الْمَصِيرُ» حيث ينفع رصيد الشكر المذخور.
ولكن رابطة الوالدين بالوليد - على كل هذا الانعطاف وكل هذه الكرامة - إنما تأتي في ترتيبها بعد وشيجة العقيدة. فبقية الوصية للإنسان في علاقته بوالديه: «وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما» .. فإلى هنا ويسقط واجب الطاعة، وتعلو وشيجة العقيدة على كل وشيجة. فمهما بذل الوالدان من جهد ومن جهاد ومن مغالبة ومن اقناع ليغرياه بأن يشرك باللّه ما يجهل ألوهيته - وكل ما عدا اللّه لا ألوهية له فتعلم! - فهو مأمور بعدم الطاعة من اللّه صاحب الحق الأول في الطاعة.
ولكن الاختلاف في العقيدة، والأمر بعدم الطاعة في خلافها، لا يسقط حق الوالدين في المعاملة الطيبة والصحبة الكريمة: «وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً» فهي رحلة قصيرة على الأرض لا تؤثر في الحقيقة الأصيلة:(1/870)
«وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ» من المؤمنين «ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ» بعد رحلة الأرض المحدودة «فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ولكل جزاء ما عمل من كفران أو شكران، ومن شرك أو توحيد.
روي أن هذه الآية نزلت هي وآية العنكبوت المشابهة وآية الأحقاف كذلك في سعد بن أبي وقاص وأمه (كما قلت في تفسيرها في الجزء العشرين في سورة العنكبوت). وروي أنها نزلت في سعد بن مالك.
ورواه الطبراني في كتاب العشرة - بإسناده - عن داود بن أبي هند. والقصة في صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص. وهو الأرجح. أما مدلولها فهو عام في كل حال مماثلة، وهو يرتب الوشائج والروابط كما يرتب الواجبات والتكاليف. فتجيء الرابطة في اللّه هي الوشيجة الأولى، ويجيء التكليف بحق اللّه هو الواجب الأول. والقرآن الكريم يقرر هذه القاعدة ويؤكدها في كل مناسبة وفي صور شتى لتستقر في وجدان المؤمن واضحة حاسمة لا شبهة فيها ولا غموض.
وبعد هذا الاستطراد المعترض في سياق وصية لقمان لابنه، تجيء الفقرة التالية في الوصية، لتقرر قضية الآخرة وما فيها من حساب دقيق وجزاء عادل. ولكن هذه الحقيقة لا تعرض هكذا مجردة، إنما تعرض في المجال الكوني الفسيح، وفي صورة مؤثرة يرتعش لها الوجدان، وهو يطالع علم اللّه الشامل الهائل الدقيق اللطيف: «يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ، أَوْ فِي السَّماواتِ، أَوْ فِي الْأَرْضِ، يَأْتِ بِهَا اللَّهُ. إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» ..
وما يبلغ تعبير مجرد عن دقة علم اللّه وشموله، وعن قدرة اللّه سبحانه، وعن دقة الحساب وعدالة الميزان ما يبلغه هذا التعبير المصور. وهذا فضل طريقة القرآن المعجزة الجميلة الأداء، العميقة الإيقاع .. حبة من خردل. صغيرة ضائعة لا وزن لها ولا قيمة. «فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ» .. صلبة محشورة فيها لا تظهر ولا يتوصل إليها. «أَوْ فِي السَّماواتِ» .. في ذلك الكيان الهائل الشاسع الذي يبدو فيه النجم الكبير ذو الجرم العظيم نقطة سابحة أو ذرة تائهة. «أَوْ فِي الْأَرْضِ» ضائعة في ثراها وحصاها لا تبين. «يَأْتِ بِهَا اللَّهُ» .. فعلمه(1/871)
يلاحقها، وقدرته لا تفلتها. «إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» .. تعقيب يناسب المشهد الخفي اللطيف.
ويظل الخيال يلاحق تلك الحبة من الخردل في مكامنها تلك العميقة الوسيعة ويتملى علم اللّه الذي يتابعها.
حتى يخشع القلب وينيب، إلى اللطيف الخبير بخفايا الغيوب. وتستقر من وراء ذلك تلك الحقيقة التي يريد القرآن إقرارها في القلب. بهذا الأسلوب العجيب.
ويمضي السياق في حكاية قول لقمان لابنه وهو يعظه. فإذا هو يتابع معه خطوات العقيدة بعد استقرارها في الضمير. بعد الإيمان باللّه لا شريك له واليقين بالآخرة لا ريب فيها والثقة بعدالة الجزاء لا يفلت منه مثقال حبة من خردل .. فأما الخطوة التالية فهي التوجه إلى اللّه بالصلاة، والتوجه إلى الناس بالدعوة إلى اللّه، والصبر على تكاليف الدعوة ومتاعبها التي لا بد أن تكون: «يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ. إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» ..
وهذا هو طريق العقيدة المرسوم .. توحيد للّه، وشعور برقابته، وتطلع إلى ما عنده، وثقة في عدله، وخشية من عقابه. ثم انتقال إلى دعوة الناس وإصلاح حالهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر. والتزود قبل ذلك كله للمعركة مع الشر، بالزاد الأصيل. زاد العبادة للّه والتوجه إليه بالصلاة. ثم الصبر على ما يصيب الداعية إلى اللّه، من التواء النفوس وعنادها، وانحراف القلوب وإعراضها. ومن الأذى تمتد به الألسنة وتمتد به الأيدي. ومن الابتلاء في المال والابتلاء في النفس عند الاقتضاء .. «إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» ..
وعزم الأمور: قطع الطريق على التردد فيها بعد العزم والتصميم.
ويستطرد لقمان في وصيته التي يحكيها القرآن هنا إلى أدب الداعية إلى اللّه. فالدعوة إلى الخير لا تجيز التعالي على الناس والتطاول عليهم باسم قيادتهم إلى الخير. ومن باب أولى يكون التعالي والتطاول بغير دعوة إلى الخير أقبح وأرذل: «وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ، وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً. إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ. وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ، وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ. إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» ..(1/872)
والصعر داء يصيب الإبل فيلوي أعناقها. والأسلوب القرآني يختار هذا التعبير للتنفير من الحركة المشابهة للصعر. حركة الكبر والازورار، وإمالة الخد للناس في تعال واستكبار! والمشي في الأرض مرحا هو المشي في تخايل ونفخة وقلة مبالاة بالناس. وهي حركة كريهة يمقتها اللّه ويمقتها الخلق. وهي تعبير عن شعور مريض بالذات، يتنفس في مشية الخيلاء! «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ» ..
ومع النهي عن مشية المرح، بيان للمشية المعتدلة القاصدة: «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ» .. والقصد هنا من الاقتصاد وعدم الإسراف. وعدم إضاعة الطاقة في التبختر والتثني والاختيال. ومن القصد كذلك. لأن المشية القاصدة إلى هدف، لا تتلكأ ولا تتخايل ولا تتبختر، إنما تمضي لقصدها في بساطة وانطلاق.
والغض من الصوت فيه أدب وثقة بالنفس واطمئنان إلى صدق الحديث وقوته. وما يزعق أو يغلظ في الخطاب إلا سيء الأدب، أو شاك في قيمة قوله، أو قيمة شخصه يحاول إخفاء هذا الشك بالحدة والغلظة والزعاق! والأسلوب القرآني يرذل هذا الفعل ويقبحه في صورة منفرة محتقرة بشعة حين يعقب عليه بقوله: «إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» .. فيرتسم مشهد مضحك يدعو إلى الهزء والسخرية، مع النفور والبشاعة.
ولا يكاد ذو حس يتصور هذا المشهد المضحك من وراء التعبير المبدع، ثم يحاول .. شيئا من صوت هذا الحمير ..! (1)
وقال تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (133) سورة البقرة
إِنَّ اليَهُودَ الذِينَ كَانُوا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُجَادِلُونَهُ، وَيَجْحَدُونَ نُبُوَّتَهُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ إِنَّما يَسِيرُونَ عَلَى الدِّينِ الذِي مَاتَ عَلَيهِ يَعْقُوبَ، مَعْ أَنَّهُم لَمْ يَكُونُوا حَاضِرِينَ ( شُهَدَاءَ ) حِينَمَا حَانَتْ مَنِيَّةُ يَعْقُوبُ، وَجَاءَهُ المَوْتُ، وَلَكِنَّ اللهَ كَانَ شَاهِداً عَلَى ذلِكَ . وَيُقَرِّرُ
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 2788)(1/873)
سُبْحَانَهُ: إِنَّ يَعقُوبَ سَأَلَ بَنِيهِ عَمَّا يَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِهِ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ إِلهَهُ وَإِلهَ آبَائِهِ، الوَاحِدَ الأَحَدَ، الذِي لا شَرِيكَ لَهُ، وَسَيُسَلِّمُونَ أَمْرَهُمْ إِليهِ .
( هذِهِ الآيَةُ تُرشِدُ إلى أَنَّ دِينَ اللهِ وَاحدٌ فِي كُلِّ أُمَّةٍ، وَعَلَى لِسَانِ كُلِّ نَبِيٍّ، وَرُوحُهُ التَّوحِيدُ وَالاسْتِسْلاَمُ للهِ، وَالإِذْعَانُ لِهَدْيِ الأَنْبِيَاءِ ) . (1)
إن هذا المشهد بين يعقوب وبنيه في لحظة الموت والاحتضار لمشهد عظيم الدلالة، قوي الإيحاء، عميق التأثير .. ميت يحتضر. فما هي القضية التي تشغل باله في ساعة الاحتضار؟ ما هو الشاغل الذي يعني خاطره وهو في سكرات الموت؟ ما هو الأمر الجلل الذي يريد أن يطمئن عليه ويستوثق منه؟ ما هي التركة التي يريد أن يخلفها لأبنائه ويحرص على سلامة وصولها إليهم فيسلمها لهم في محضر، يسجل فيه كل التفصيلات؟ ..
إنها العقيدة .. هي التركة. وهي الذخر. وهي القضية الكبرى، وهي الشغل الشاغل، وهي الأمر الجلل، الذي لا تشغل عنه سكرات الموت وصرعاته: «ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي؟» ..
هذا هو الأمر الذي جمعتكم من أجله. وهذه هي القضية التي أردت الاطمئنان عليها. وهذه هي الأمانة والذخر والتراث ..
«قالُوا: نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ. إِلهاً واحِداً. وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» ..
إنهم يعرفون دينهم ويذكرونه. إنهم يتسلمون التراث ويصونونه. إنهم يطمئنون الوالد المحتضر ويريحونه.
وكذلك ظلت وصية إبراهيم لبنيه مرعية في أبناء يعقوب. وكذلك هم ينصون نصا صريحا على أنهم «مُسْلِمُونَ».
والقرآن يسأل بني إسرائيل: «أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ؟» .. فهذا هو الذي كان، يشهد به اللّه، ويقرره، ويقطع به كل حجة لهم في التمويه والتضليل ويقطع به كل صلة حقيقية بينهم وبين أبيهم إسرائيل! (2)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 140)
(2) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 116)(1/874)
وعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: يَا بُنَيَّ، إِيَّاكَ وَالتَّقَنُّعَ، فَإِنَّهَا مَخْوَفَةٌ بِاللَّيْلِ مَذَلَّةٌ بِالنَّهَارِ " (1)
وعَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ لُقْمَانُ ِابْنِهِ: " يَا بُنَيَّ ارْجُ اللهَ رَجَاءً لَا تَأْمَنْ فِيهِ مَكْرَهُ، وَخَفِ اللهَ مَخَافَةً لَا تَيْأَسُ فِيهَا مِنْ رَحْمَتِهِ " قَالَ: يَا أَبَتَاهُ، وَكَيْفَ أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ ؟ وَإِنَّمَا لِي قَلْبٌ وَاحِدٌ، قَالَ: " الْمُؤْمِنُ كَذَا لَهُ قَلْبَانِ: قَلْبٌ يَرْجُو بِهِ، وَقَلَبٌ يَخَافُ بِهِ " (2)
وعَنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: " يَا بُنَيَّ أَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، فَإِنَّ لِلَّهِ سَاعَاتٍ لَا يُرَدُّ فِيهَا سَائِلٌ " (3)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: " لَا يَنْزِلَنَّ بِكَ أَمْرٌ رَضِيتَهُ أَوْ كَرِهْتَهُ إِلَّا جَعَلْتَ فِي الضَّمِيرِ مِنْكَ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكَ . قَالَ: أَمَّا هَذِهِ فَلَا أَقْدِرُ أَنْ أَعْطِيَكَهَا دُونَ أَنْ أَعْلَمَ مَا قُلْتَ أَنَّهُ كَمَا قُلْتَ قَالَ: يَا بُنَيَّ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ نَبِيًّا، هَلُمَّ حَتَّى نَأْتِيَهُ فَعِنْدَهُ بَيَانُ مَا قُلْتُ لَكَ قَالَ: اذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ قَالَ: فَخَرَجَ وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ وَابْنُهُ عَلَى حِمَارٍ وَتَزَوَّدُوا مَا يُصْلِحُهُمْ مِنْ زَادٍ ثُمَّ سَارَا أَيَّامًا وَلَيَالِيَ حَتَّى تَلَقَّتْهُمَا مَفَازَةٌ فَأَخَذَا أُهْبَتَهُمَا لَهَا فَدَخَلَاهَا فَسَارَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسِيرَا حَتَّى ظَهَرَا وَقَدْ تَعَالَى النَّهَارُ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ ونَفَدَ الْمَاءُ وَالزَّادُ وَاسْتَبْطَآ حِمَارَيْهِمَا فَنَزَلَ لُقْمَانُ وَنَزَلَ ابْنُهُ فَجَعَلَا يَشْتَدَّانِ عَلَى سُوقِهِمَا فَبَيْنَمَا هُمَا كَذَلِكَ إِذْ نَظَرَ لُقْمَانُ أَمَامَهُ فَإِذَا هُوَ بِسَوَادٍ وَدُخَانٍ فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: السَّوَادُ شَجَرٌ وَالدُّخَانُ عُمْرَانٌ وَنَاسٌ فَبَيْنَمَا هُمَا كَذَلِكَ يَسَيرانِ إِذْ وَطِئَ ابْنُ لُقْمَانَ عَلَى عَظْمٍ نَاتِئٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَدَخَلَ فِي بَاطِنِ الْقَدَمِ حَتَّى ظَهَرَ مِنْ أَعْلَاهَا فَخَرَّ ابْنُ لُقْمَانَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَحَانَتْ مِنْ لُقْمَانَ الْتِفَاتَةٌ فَإِذَا هُوَ بِابْنِهِ صَرِيعٌ فَوَثَبَ إِلَيْهِ فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَاسْتَخْرَجَ الْعَظْمَ بِأَسْنَانِهِ وَاشْتَقَّ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَيْهِ فَلَاثَ بِهَا رِجْلَهُ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى وَجْهِ ابْنِهِ فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَقَطَرَتْ قَطْرَةً مِنْ دُمُوعِهِ عَلَى خَدِّ الْغُلَامِ فَانْتَبَهَ لَهَا فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ يَبْكِي فَقَالَ: يَا أَبَتِ أَنْتَ تَبْكِي وَأَنْتَ تَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ لِي ؟ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا خَيْرًا لِي وَأَنْتَ تَبْكِي وَقَدْ نَفَدَ الطَّعَامُ وَالْمَاءُ وَبَقِيتُ أَنَا
__________
(1) - المستدرك للحاكم (3543) صحيح
(2) - شعب الإيمان - (2 / 338)(1015 ) صحيح مقطوع
(3) - شعب الإيمان - (2 / 389) (1120 )(1/875)
وَأَنْتَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فإِنْ ذَهَبْتَ وَتَرَكْتَنِي عَلَى حَالِي ذَهَبْتَ بِهَمٍّ وَغَمٍّ مَا بَقِيَتَ وَإِنْ أَقَمْتَ مَعِي مُتْنَا جَمِيعًا ؟ فَكَيْفَ عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا خَيْرًا لِي وَأَنْتَ تَبْكِي ؟ قَالَ: أَمَّا بُكَائِي يَا بُنَيَّ فَوَدِدْتُ أَنِّي أَفْتَدِيكَ بِجَمِيعِ حَظِّي مِنَ الدُّنْيَا وَلَكِنِّي وَالِدٌ وَمِنِّي رِقَّةُ الْوَالِدِ وَأَمَّا مَا قُلْتَ: كَيْفَ يَكُونُ هَذَا خَيْرًا لِي ؟ فَلَعَلَّ مَا صُرِفَ عَنْكَ يَا بُنَيَّ أَعْظَمُ مِمَّا ابْتُلِيتَ بِهِ وَلَعَلَّ مَا ابْتُلِيتَ بِهِ أَيْسَرُ مِمَّا صُرِفَ عَنْكَ، فَبَيْنَا هُوَ يُحَاوِرُهُ إِذْ نَظَرَ لُقْمَانُ هَكَذَا أَمَامَهُ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ الدُّخَانَ وَالسَّوَادَ فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: لَمْ أَرَ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ وَلَكِنْ لَعَلَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَحْدَثَ رَبِّي بِمَّا رَأَيْتُ شَيْئًا فَبَيْنَا هُوَ يَتَفَكَّرُ فِي هَذَا إِذْ نَظَرَ أَمَامَهُ فَإِذَا هُوَ بِشَخْصٍ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بَيَاضٌ وَعِمَامَةٌ بَيْضَاءُ يَمْسَحُ الْهَوَاءَ مَسْحًا فَلَمْ يَزَلْ يَرْمُقُهُ بِعَيْنِهِ حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَرِيبًا فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ صَاحَ بِهِ فَقَالَ: أَنْتَ لُقْمَانُ ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: أَنْتَ الْحَكِيمُ ؟ قَالَ: كَذَلِكُ يُقَالُ وَكَذَلِكَ نَعَتَنِي رَبِّي قَالَ: مَا قَالَ لَكَ ابْنُكَ هَذَا السَّفِيهُ ؟ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَنْ أَنْتَ ؟ أَسْمَعُ كَلَامَكَ وَلَا أَرَى وَجْهَكَ قَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ لَا يَرَانِي إِلَّا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ نَبِيُّ مُرْسَلٌ، لَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَيْتَنِي فَمَا قَالَ لَكَ ابْنُكَ هَذَا السَّفِيهُ ؟ قَالَ: قَالَ لُقْمَانُ فِي نَفْسِهِ: إِنْ كُنْتَ أَنْتَ جِبْرِيلُ فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَهُ ابْنِي مِنِّي فَقَالَ جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - : مَا لِي بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِكُمَا عَلَى أَنْ حَفِظْتُكُمَا ائْتِينِي فَقَدْ أَمَرَنِي رَبِّي بِخَسْفِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَمَا يَلِيهَا وَمَنْ فِيهَا فَأَخْبَرُونِي أَنَّكُمَا تُرِيدَانِ هَذِهِ الْمَدِينَةَ فَدَعَوْتُ رَبِّي أَنْ يَحْبِسَكُمَا عَنِّي بِمَا شَاءَ فَحَبَسَكُمَا اللَّهُ عَنِّي بِمَا ابْتَلَى بِهِ ابْنَكَ وَلَوْلَا مَا ابْتُلِيَ بِهِ ابْنُكَ لَخَسَفْتُ بِكُمَا مَعَ مَنْ خَسَفْتُ . قَالَ: ثُمَّ مَسَحَ جِبْرِيلُ يَدَهُ عَلَى قَدِمِ الْغُلَامِ فَاسْتَوَى قَائِمًا وَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى الَّذِي كَانَ فِيهِ الطَّعَامُ فَامْتَلَأَ طَعَامًا وَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمَاءُ فَامْتَلَأَ مَاءً ثُمَّ حَمَلَهُمَا وَحِمَارَيْهِمَا فَزَجَلَ بِهِمَا كَمَا يُزْجَلُ الطَّيْرُ فَإِذَا هُمَا فِي الدَّارِ الَّتِي خَرَجَا مِنْهَا بَعْدَ أَيَّامٍ وَلَيَالٍ " (1)
وقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: " قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: مَنْ كَذَبَ ذَهَبَ مَاءُ وَجْهِهِ، وَمَنْ سَاءَ خُلُقُهُ كَثُرَ غَمُّهُ، وَنَقْلُ الصخُورِ مِنْ مَوَاضِعِهَا أَيْسَرُ مِنْ إِفْهَامِ مَنْ لَا يَفْهَمُ " (2)
__________
(1) - الرِّضَا عَنِ اللَّهِ بِقَضَائِهِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (29 ) فيه ضعف
(2) - شعب الإيمان - (6 / 457)(4474 )(1/876)
وعَنِ الْحَسَنِ: " أَنَّ لُقْمَانَ قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ حَمَلْتُ الْجَنْدَلَ وَالْحَدِيدَ وَكُلَّ شَيْءٍ ثَقِيلٍ، فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا هُوَ أَثْقَلَ مِنْ جَارِ السَّوْءِ، وَذُقْتُ الْمَرَارَ، فَلَمْ أَذُقْ شَيْئًا هُوَ أَمَرَّ مِنَ الْفَقْرِ . يَا بُنَيَّ لَا تُرْسِلْ رَسُولَكَ جَاهِلًا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ حَكِيمًا، فَكُنْ رَسُولَ نَفْسِكَ . يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّهُ شَهِيٌّ كَلَحْمِ الْعُصفُورِ عَمَّا قَلِيلٍ يَقْلِي صَاحِبَهُ . يَا بُنَيَّ احْضُرِ الْجَنَائِزَ، وَلَا تَحْضُرِ الْعُرْسَ، فَإِنَّ الْجَنَائِزَ تُذَكِّرُكَ الْآخِرَةَ، وَالْعُرْسَ يُشْجِيكَ الدُّنْيَا . يَا بُنَيَّ لَا تَأْكُلْ شِبَعًا عَلَى شِبَعٍ، فَإِنَّكَ إِنْ تُلْقِهِ لِلْكَلْبِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَأْكُلَهُ . يَا بُنَيَّ لَا تَكُنْ حُلْوًا فَتُبْلَعَ، وَلَا مُرًّا فَتُلْفَظَ " (1)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - شعب الإيمان - (6 / 513) (4548 ) صحيح مقطوع(1/877)
المبحث الثاني
الجوانب التربوية لوصايا لقمان
أولا: الدعوة إلى غرس عقيدة التوحيد:
إن المتدبر لكتاب الله سبحانه وتعالى والمتأمل في آياته البينات يتضح له تميز المنهاج الرباني بمفاهيم تربوية لا يجد لها مثيلا في المناهج والنظم والنظريات التربوية البشرية تستهدف تلك المفاهيم الربانية خير الإنسان في الدنيا والآخرة جميعاً، وينطلق المنهاج الرباني نحو بناء القيم الإسلامية التي تتظافر للوصول بالإنسان إلى الصلاح والإصلاح وشجب كل صور الفساد في النفس والمجتمع لتحقق له بذلك كماله الإنساني.
إن المنهاج الرباني واضح في أهدافه وغاياته ليتمكن المسلم من اتباع هديه، وهو مؤمن بمقاصده العظيمة، وموقن بالخير الذي يعود عليه نتيجة التمسك به والعمل بأوامره واجتناب نواهيه، ومن هنا فإن منهاج التربية الإسلامية يركز على غرس الحق والعدل والإحسان والإخاء والمساواة والعفو والرحمة والمعروف والاستقامة والصبر... وغير ذلك من أفعال الخير وصالح الأعمال.
والأسرة المسلمة هي المدرسة الأولى التي تقوم بتوجيه وتربية الأبناء تربية صالحة.
فالأبناء أمانة في أعناقهم يسألون عنهم أمام الله تعالى، قال الله عز وجل:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم .
وبناء على ما سبق وجب على الآباء أن يوضحوا لأبنائهم معالم التربية الصحيحة، ويبينوا لهم الصالح من الضار، والحق من الباطل، فإن غفلوا أو قصروا في أداء ذلك نشأ أبناؤهم نشأة لا تحمد عقباها ولا يرجى خيرها وكان الإثم على الآباء أولا.
فالأبوان هما المسؤولان في الدرجة الأولى عن انحراف أبنائهم خلقياً واجتماعياً وعقدياً، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ،(1/878)
كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ » . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - {..فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (30) سورة الروم (1) ..
وفي هذا دلالة واضحة على أن المولود يولد على فطرة الإِسلام، لكن تأثير الأبوين وأسلوب تربيتهما هما اللذان يوجهان عقيدة هذا الطفل نحو اليهودية أو النصرانية أو غيرهما. ومن هنا كانت مهمة الأبوين في التربية من الأهمية بمكان فالطفل يحاكي أبويه في جميع سلوكهما ومعتقداتهما وأخلاقهما.
فأول واجب يجب على الأبوين القيام به والاهتمام بأمره دون كلل، هو غرس عقيدة التوحيد في نفس الطفل وتوجيه عواطفه نحو حب الله ورسوله وإخباره بأن الله يجب أن يكون أحب إليه من أمه وأبيه ونفسه، والإِيمان بالله الذي لا إله غيره وبملائكته ورسله، وتوحيد الله في الألوهية والربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية لأن الإيمان بالله هو الموجه لسلوك الإنسان والدافع له إلى اتجاه الخير، والنصير له من حيث العناية والرعاية والتوفيق، كما أنه الذي يصرفه عن طريق الشر ويجعله متحلياً بالفضائل وحسن الخلق والمقصود بالإيمان أي الإِيمان بما أوجب الله تعالى في قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة. وكذلك قوله تعالى:{ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (177) سورة البقرة.
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1359)(1/879)
وأما السنة فقد ذكرت أركان الإيمان مجتمعة في حديث جبريل عليه السلام، فعَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَُرَ، سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لاَ يُرَى، قَالَ يَزِيدُ: لاَ نَرَى، عَلَيْهِ أَثَرَ السَّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِِسْلامِ، مَا الإِِسْلامُ ؟ فَقَالَ الإِِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قَالَ: صَدَقْتَ . قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ، يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ . قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِِيمَانِ . قَالَ: الإِِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ: صَدَقْتَ . قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِِحْسَانِ، مَا الإِِحْسَانُ ؟ قَالَ يَزِيدُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ بِهَا مِنَ السَّائِلِ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا . قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبِنَاءِ قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ، قَالَ: فَلَبِثَ مَلِيًّا، قَالَ يَزِيدُ: ثَلاثًا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ" (1) .
إن الإيمان بالله هو الموجه للسلوك والضابط له والمتصل اتصالا وثيقاً بالأعمال الصادرة من الإِنسان فإن التربية الإِسلامية تربط دائما بين العمل والسلوك ثم بين العمل الصادر من هذا الإيمان وبين الجزاء، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} (107) سورة الكهف.
ويقول تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} سورة العصر .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 185) (367) وصحيح مسلم- المكنز - (102 )(1/880)
وهناك آيات كثيرة تقرن الإيمان بالعمل، فالإيمان الحق هو الإيمان الذي يصدر عنه السلوك وينبع منه العمل الصالح ويخرج منه الخلق الكريم، فحسن الخلق والإخاء والمودة واجتناب الكبائر والتمسك بالفضائل يجب أن تصدر عن هذه العقيدة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ فِي الْخُطْبَةِ: لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ. (1) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلاَ يُؤْذِي جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ. (2) .
كما يتحدث عن أثر الإيمان في تجنب الرذائل وارتباط الإيمان بالسلوك ساعة فعل العمل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَرْفَعُهُ، قَالَ: لاَ يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ. (3) .
وعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنهم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ » (4) .
فالعقيدة لابد أن تنعكس على الإنسان وسلوكه، فإذا آمن إيمانا يقينياً بالله سبحانه وبعلمه ومراقبته الدائمة لعبده كان هذا الإيمان محدداً لسلوك المسلم كفرد وسلوك الجماعة كأمة مسلمة. فالعقيدة لابد أن تترجم في حياة الفرد الذي يعلم بأن الله يطلع على سره ونجواه وأن أفعاله مكتوبة وهو محاسب عليها، ولابد أن تترجم في حياة الجماعة فتبني نظام حياتها وفق هذه العقيدة التي آمنت بها من كل ما سبق يتقرر أنه لا سعادة لهذه النفس الإِنسانية ولا استقامة لها إلا إذا ارتبطت كافة جوانبها بعقيدة التوحيد، ومن هنا يجب على المربي المسلم أن يربط كل جوانب التربية بهذا الأصل الاعتقادي لما له من أهمية كبرى في حياة
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (1 / 423)(194) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (183) وصحيح ابن حبان - (2 / 259)(506)
(3) -مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 389)(8895) 8882- وصحيح البخارى- المكنز - (2475)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (13 ) وصحيح مسلم- المكنز - (179)(1/881)
الإنسان النفسية، وتوحد نوازعه وتفكيره وأهدافه وتجعل كل عواطفه، وسلوكه وعاداته قوى متضافرة متعاونة ترمي كلها إلى تحقيق هدف واحد هو الخضوع لله وحده والشعور بألوهيته وحاكميته ورحمته وعلمه لما في النفوس وقدرته وسائر صفاته .
ثانيا: بر الوالدين:
إن عطف الآباء على الأبناء من أبرز صور الرحمة، وهو يفرض على الأبناء أن يقابلوا رحمة والديهم لهم بأن يرعوهم-كباراً فيخفضوا لهم جناح الذل من الرحمة، والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة بهم.
إن عطف الوالدين على أولادهم عطاء لا يقدر بثمن ولا ينتظر منه العوض، إنه فطرة فطر الله الوالدين عليها، ولذلك كان برهما من أعظم الواجبات وفي مقدمة الصلات الاجتماعية، كما كان عقوقهما من الكبائر المقاربة للشرك بالله، ولهذا ورد الأمر بالإحسان إليهما في مواضع كثيرة من كتاب الله عز وجل عقب الأمر بعبادة الله وحده، والنهي عن الإشراك به.
فمن ذلك قوله تعالى: { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} (36) سورة النساء
ففي الآية الكريمة يأمر الله تعالى بعبادته وينهى عن الشرك به ثم يتبعه الأمر بالإحسان للوالدين وبرهما لما لهما من الفضل على الابن منذ أن كان نطفة في رحم أمه حتى صار كبيراً يعتمد على نفسه.
ويعرض لقمان الحكيم في وصيته لابنه العلاقة بين الوالدين والأولاد في أسلوب رقيق، وفي صورة موحية بالعطف والرقة، ومع هذا فإن رابطة العقيدة مقدمة على تلك العلاقة الوثيقة .
ولهذا كان شكر الوالدين بعد شكر الله عز وجل لأنه المنعم الأول .(1/882)
ووصية الإنسان بوالديه تتمثل في طاعتهما مما لا يكون شركا ومعصية لله تعالى . وبمعنى آخر أن طاعة الوالدين لا تكون في ركوب كبيرة، ولا في ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المباحات .
مما سبق يمكن القول أن علاقة الأبناء بالوالدين يجب أن تكون علاقة قوية مبنية على التقدير والاحترام ذلك أن فضلهم على أبنائهم لا يدرك مداه ولا يستطيع أحد أن يقدره، ومن هنا كان توصية الأبناء بآبائهم تتكرر في القرآن الكريم، والسنة المطهرة لما في ذلك من حاجة لتذكيرهم بواجب الجيل الذي نفق رحيقه كله حتى أدركه الجفاف، ولهذا يجيء الأمر بالإِحسان إلى الوالدين في صورة قضاء من الله يحمل معنى الأمر المؤكد بعد الأمر المؤكد بعبادة الله، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} الإسراء 23- 24 .
وفي قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} ما يفيد أن أول مرتبة من مراتب الرعاية والأدب ألا يَنِدَّ من الولد ما يدل على الضجر والضيق، وما يمشي بالإِهانة وسوء الأدب...{وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} وهي مرتبة أعلى إيجابية أن يكون كلامه لهما بالإكرام والاحترام.
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} وهنا يشف التعبير ويلطف، ويبلغ شغاف القلب وحنايا الوجدان فهي الرحمة ترق وتلطف حتى وكأنها الذل الذي لا يرفع عينا ولا يرفض أمراً وكأنما للذل جناح يخفضه إيذاناً بالسلام و الاستسلام.
{وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} فهي الذكرى الحانية ذكرى الطفولة الضعيفة يرعاها الولدان، وهما اليوم في مثلها من الضعف والحاجة إلى الرعاية والحنان .
ومما لاشك فيه أن الإنسان لا يفي والديه حقهما عليه مهما أحسن إليهما، لأنهما كانا يحسنان إليه حينما كان صغيراً وهما يتمنيان له كل خير ويخشيان عليه من كل سوء ويسألان الله له السلامة وطول العمر، ويهون عليهما من أجله كل بذل مهما عظم(1/883)
ويسهران على راحته دون أن يشعر بأي تضجر من مطالبه، ويحزنان عليه إذا آلمه أي شيء، أما الولد فإذا قام بما يجب عليه من الإحسان لوالديه فإن مشاعره النفسية نحوهما لا تصل إلى مثل مشاعر أنفسهما التي كانت نحوه ولا تصل إلى مثل مشاعره هو نحو أولاده إلا في حالات نادرة جداً .
ويتحقق حق الوالدين على الأولاد بطاعتهما ماداما يأمران بالخير، فإن أمرا بمعصية الله فلا تجوز طاعتهما، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولكن لا يسقط حقهما في المعاملة الطيبة والصحبة الكريمة .
فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ - رضي الله عنهم - قَالَتْ قَدِمَتْ عَلَىَّ أُمِّى وَهْىَ مُشْرِكَةٌ، فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ { إِنَّ أُمِّى قَدِمَتْ } وَهْىَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّى قَالَ « نَعَمْ صِلِى أُمَّكِ » (1) .
وعن أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِى بَكْرٍ - رضي الله عنهم - قَالَتْ أَتَتْنِى أُمِّى رَاغِبَةً فِى عَهْدِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - آصِلُهَا قَالَ « نَعَمْ » . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (8) سورة الممتحنة (2) .
من الحديثين السابقين يتبين أن حق الأبوين قائم ولو كانا الكافرين، وعلى الابن أن يحسن صحبتهما دون أن يطيعهما في معصية الله عز وجل، فطاعة الله لا تقدم عليها طاعة لأحد مهما كان ذا حق .
من البيان السابق للوصية الثانية والتي تتعلق ببر الوالدين يتقرر أن من أول الواجبات التي يجب على الطفل المسلم أن يتعلمها الشكر للوالدين ويكون هذا بعد الإِيمان بالله سبحانه وتعالى وحده والشكر له، ولهذا جعل لقمان شكر الوالدين بعد شكر الله عز وجل والإيمان به اعترافاً بحقوقهما ووفاء بمعروفهما.
ثالثًا: التربية على الإِيمان بقدرة الله عز وجل:
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2620 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5978 )(1/884)
قال تعالى: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} .
في الآية الكريمة يعلم لقمان ابنه مدى قدرة الله تعالى، حيث قيل: إن الحس لا يدرك للخردلة ثقلا، إذ لا ترجح ميزاناً. أي لو كان للإنسان رزق مثقال حبة خردل في هذه المواضع جاء الله بها حتى يسوقها إلى من هي رزقه، أي لا تهتم للرزق حتى تشتغل به عن أداء الفرائض، وعن إتباع سبيل من أناب إليّ .
والآية الكريمة السابقة توجه الإنسان إلى قدرة الله الواسعة وأن الله قد أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا، فسبحانه وتعالى لا شريك له. وهناك آيات بينات من كتاب الله عز وجل تدل على سعة علم الله وقدرته العظيمة فمن ذلك قوله تعالى:{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (59) سورة الأنعام .
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (11) سورة فاطر .
وكان توجيه لقمان لابنه بقدرة الله سبحانه وتعالى وإطلاعه على سعة علمه عزوجل عندما قال ابن لقمان لأبيه: يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله؟ فقال لقمان: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ...} فمازال ابن لقمان يضطرب حتى مات .
وفي قوله تعالى: {حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَل}، إشارة إلى دقة الحساب وعدالة الميزان ما يبلغه هذا التعبير المصور حبة من خردل، صغيرة ضائعة لا وزن لها ولا قيمة {فَتَكُنْ فِي صَخْرَة} أي صلبة محشورة فيها لا تظهر ولا يتوصل إليها {أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ...} في ذلك الكيان الهائل الشاسع الذي يبدو فيه النجم الكبير ذو الجرم العظيم نقطة سابحة أو ذرة تائهة {أَو ْفِي الأَرْض} ضائعة في ثراها وحصاها لا تبين {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} فعلمه يلاحقها وقدرته لا(1/885)
تفلتها . ويراد من ذلك الأعمال، المعاصي و الطاعات، أي إنْ تك الحسنة أو الخطيئة مثقال حبة يأت بها الله، أي لا تفوت الإنسان المقدر وقوعها منه، وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة الترجية والتخويف .
ويدرك الإنسان من معرفته لقدرة الله عز وجل مراقبة الله الدائمة له في كل تصرف، مراقبة الله له في الصغيرة والكبيرة، وفي الجهر والخفاء.
ولذا فهو يراقب الله وهم يعمل... فلا يعمل شيئاً بغير إخلاص، لا يعمل شيئاً يقصد الشر... لا يعمل مستهتراً ولا مستهينا بالعواقب، ولا يعمل شيئا لغير الله، فالله سبحانه وتعالى يحاسبه على النية بعد العمل وعلى الإخلاص فيه.
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ (1) .
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلاً غَزَا يَلْتَمِسُ الأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَا لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ شَىْءَ لَهُ ». فَأَعَادَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ شَىْءَ لَهُ ». ثُمَّ قَالَ « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِىَ بِهِ وَجْهُهُ » (2) .
وكذلك يراقبه وهو يفكر ويحس... فالله يعلم السر وما أخفى من السر الهاجسة في باطن النفس لم يطلع عليها أحد لأنها مطمورة في الأعماق يراقبه فلا يحس بإحساس غير نظيف، يراقبه فينظف مشاعره أولا بأول لا يحسد ولا يحقد، ولا يكره للناس الخير، ولا يتمنى أن يحرمهما منه ويستحوذ هو عليه، ولا يشتهى الشهوات الباطلة والمتاع الدنس، وحين توجد في القلب هذه الحساسية المرهفة تجاه الله، لتستقيم النفس ويستقيم المجتمع وتستقيم جميع الأمور، ويعيش المجتمع نظيفاً من الجريمة، نظيفاً من الدنس، نظيفاً من الأحقاد لأنه
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (54) وصحيح مسلم- المكنز - (5036) وصحيح ابن حبان - (2 / 113)(388)
(2) - سنن النسائي- المكنز - (3153 ) صحيح(1/886)
لا يتعامل في الحقيقة بعضه مع بعض وإنما يتعامل أولا مع الله . وبناء على ما سبق ذكره ينبغي على الآباء والأمهات وكذلك العاملين في مجال التربية والتعليم أن يغرسوا في قلوب أبنائهم وتلاميذهم مراقبة الله تعالى في أعمالهم وسائر أحوالهم، لتصبح هذه المراقبة الإلهية سلوكا لازماً لهم في كل تصرفاتهم ويتم ذلك بترويض الولد على مراقبة الله وهو يعمل فيتعلم الإخلاص لله عز وجل في كل أقواله وأعماله وسائر تصرفاته ويكون ممن شملهم القرآن بقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة .
وكذلك ترويضه على مراقبة الله وهو يفكر ليتعلم الأفكار التي تقربه من خالقه العظيم والتي بها ينفع نفسه ومجتمعه والناس أجمعين.
وأيضاً ترويضه على مراقبة الله وهو يحس. فيتعلم كل إحساس نظيف وليتربى على كل شعور طاهر.. وهذا النمط من التربية والمراقبة قد وجه إليه المربي الأول عليه الصلاة والسلام في إجابته السائل عن الإحسان: " أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " (1) .
وهذه الظاهرة من الترويض والتعليم كانت ديدن السلف الصالح في ترويضهم لأولادهم وتأديبهم عليها .
وحينما ينهج المربون في تربية الأولاد هذا النهج ويسير الآباء والأمهات في تأديب الأبناء على هذه القواعد يستطيعون بإذن الله تعالى في فترة يسيرة من الزمن أن يكوّنوا جيلاً مسلماً مؤمناً بالله معتزاً بدينه، مفتخراً بتاريخه وأمجاده، ويستطيعون كذلك أن يكوّنوا مجتمعاً نظيفاً من الإلحاد والميوعة والحقد، ونظيفاً من الجريمة .
رابعًا: التوجه إلى الله تعالى بالصلاة، والتوجه إلى الناس بالدعوة إليه تعالى والصبر في سبيل الدعوة ومتاعبها:
أ- الأمر بإقامة الصلاة:
__________
(1) -أحرجه الجماعة المسند الجامع - (13 / 964)(10441)(1/887)
يقول لقمان لابنه كما ورد في قول الحق تبارك وتعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} .
فرض الله سبحانه وتعالى على عباده عبادات لها أثرها في تهذيب سلوك الإنسان، وإصلاح القلوب ومن هذه العبادات الصلاة، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام وعموده الذي لا يقوم إلا به فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله" الحديث .
والصلاة هي أول ما أوجبه الله تعالى على عباده من العبادات، وفد فرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به من مكة إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السماء، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلَوَاتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ خَمْسِينَ، ثُمَّ نُقِصَتْ حَتَّى جُعِلَتْ خَمْسًا، ثُمَّ نُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُ لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، وَإِنَّ لَكَ بِهَذِهِ الْخَمْسِ خَمْسِينَ (1) .
وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة وقد ثبت عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلاَتُهُ فَإِنْ وُجِدَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَىْءٌ قَالَ انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ يُكَمِّلُ لَهُ مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَةٍ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ سَائِرُ الأَعْمَالِ تَجْرِى عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ » (2) .
وقد بلغ من عناية الإسلام بالصلاة أن أمر بالمحافظة عليها في الحضر والسفر، والأمن والخوف قال تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ (238) فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } (239) سورة البقرة.
إن المتمعن بالعبادات التي فرضها الله سبحانه وتعالى - على الناس - عموماً، والصلاة خصوصاً يدرك أثرها التربوي في إشراقة النفوس، وطمأنينة القلوب، وإصلاح الفرد والجماعة، ومن هذه الآثار التربوية ما يلي:
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 415)(12641) 12669- صحيح
(2) - سنن النسائي- المكنز - (470 ) صحيح(1/888)
1- إقامة الصلاة دليل على صدق الإيمان، وعلى تقوى الله، وعلى ما يتمتع به صاحبها من بره بعهده وقيامه على الحق وإخلاصه لله، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} المؤمنون1- 2 .
2- الصلاة منهج متناسق لتربية الرفد والمجتمع يصل بهما إلى قمة السمو الأخلاقي، قال تعالى:{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (45) سورة العنكبوت .
3- الصلاة تمد المؤمن بقوة روحية تعينه على مواجهة المشقات والمكاره في الحياة الدنيا، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } (153) سورة البقرة.
4- الصلاة غذاء روحي للمؤمن يعينه على مقاومة الجزع والهلع عند مسه الضر، والمنع عند الخير والتغلب على جوانب الضعف الإنساني، قال تعالى: {إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} سورة المعارج .
5- إن الصلاة سبب لمحو الخطايا وغفران الذنوب فقد ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ مَا تَقُولُونَ ؟ هَلْ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا ؟ قَالُوا: لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: ذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا" (1) .
6- إن في الصلاة غذاء للروح لا يغني عنه علم ولا أدب فالصلوات الخمس هي وجبات الغذاء اليومي للروح كما أن للمعدة وجباتها اليومية يناجي المصلي فيها ربَّه فتكاد تشف روحه وتصفوا نفسه فتسمع كلام الله،
فعَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَهِيَ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (528 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1554) وصحيح ابن حبان - (5 / 14)(1726)(1/889)
خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ، غَيْرُ تَمَامٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ، قَالَ: فَغَمَزَ ذِرَاعِي، وَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا يَا فَارِسِيُّ فِي نَفْسِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ: قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اقْرَؤُوا يَقُولُ الْعَبْدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، يَقُولُ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، يَقُولُ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، يَقُولُ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَهَذِهِ الآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فَهَذِهِ الآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، يَقُولُ الْعَبْدُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}، فَهَؤُلاَءِ لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ (1) .
7- في الصلاة تدريب للمسلم على النظام وتعويد له على الطاعة ويظهر هذا واضحا في صلاة الجماعة إذ يقف المسلمون في صفوف مستقيمة متلاصقة فلا عوج ولا فرج، المنكب إلى المنكب، والقدم إلى القدم، فإذا كبّر الإمام كبّروا، وإذا قرأ أنصتوا، وإذا ركع اركعوا، وإذا سجد اسجدوا، وإذا سلم سلموا.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ " (2) .
8- في صلاة الجماعة دعم لعاطفة الأخوة وتقوية لروابط المحبة وإظهار للقوة فبالاجتماع تذهب الضغائن وتزول الأحقاد و تتآلف القلوب وتتحد الكلمة، قال تعالى: { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (11) سورة التوبة.
ب- أمره بالقيام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر
لما في ذلك من آثار حب الفضيلة وأساس من أسس صلاح المجتمع الإنساني بالإضافة إلى أن
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (904 ) وصحيح ابن حبان - (5 / 84)(1784)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (691) وصحيح ابن حبان - (6 / 59)( 2282)(1/890)
ممارسته يوقظ الشعور وينبه الضمير ويخيف المقدم على المنكر، وإذا تضامن الناس في ذلك - كما هو الواجب شرعاً - ووجد تضامن الناس على الفضيلة فلا تضيع بينهم، ووجد تضامنهم على استنكار الرذيلة فلا توجد بينهم .
لا شك أن الله عز وجل جعل هذه الأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس، كما جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مناط هذه الخيرية مع الإِيمان بالله عز وجل، قال تعالى: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } (110) سورة آل عمران.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنَّ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ (1) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّتِهِ إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يَقُولُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ " (2) .
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاولة تغيير المنكر بالنصيحة وبالطرق العملية المثمرة مساهمة جليلة في صيانة المجتمع وتقويمه وإصلاحه، وكل مساهمة في إصلاح المجتمعات الإنسانية وتقويمها وصيانتها أعمال أخلاقية فاضلة.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنكاره ومحاولة تغييره من مكارم الأخلاق الإيمانية لما فيها من خدمة اجتماعية، وصيانة للمجتمعات عن الانزلاق في مزالق الانحراف، ولذلك حرص الإسلام حرصا شديداً على جعل كل المسلمين والمسلمات حرّاساً لأسوار الفضائل
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (186) وصحيح ابن حبان - (1 / 542) (307)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (188)(1/891)
وتعاليم الدين الحنيف فمن جاهد منهم المنحرفين بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
فوظيفة حراسة المجتمع لحمايته من الانحراف وظيفة اجتماعية لا يجوز التخلي عنها في أي حال من الأحوال فإذا حدث ذلك تعرضت الأمة كلها للعقوبة العامة .
وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لَكُمْ. (1) .
جـ- تتطلب الدعوة إلى الله تعالى الصبر من الداعي في سبيل ما يلقاه من أعداء دعوته، ذلك لأن الناس أعداء لما جهلوا، وتحويلهم من عقيدة اعتنقوها فترة من الزمن، ولو كانت باطلة إلى عقيدة أخرى لم يألفوها وإن كانت هي الحق، أمر صعب على النفوس، ولهذا أوصى لقمان ابنه بالصبر يقول الحق تبارك وتعالى على لسان لقمان {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}، لأن الإنسان عندما يتعرض لدعوة الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا بدَّ أن يتصدى له أهل الشر، ويناله منهم أذى ولو كان قليلا، فأمر لقمان ابنه بالصبر عليه.
يتكرر ذكر الصبر في القرآن كثيرا ذلك أن اللّه سبحانه يعلم ضخامة الجهد الذي تقتضيه الاستقامة على الطريق بين شتى النوازع والدوافع والذي يقتضيه القيام على دعوة اللّه في الأرض بين شتى الصراعات والعقبات والذي يتطلب أن تبقى النفس مشدودة الأعصاب، مجندة القوى، يقظة للمداخل والمخارج ..
ولا بد من الصبر في هذا كله .. لا بد من الصبر على الطاعات، والصبر عن المعاصي، والصبر على جهاد المشاقين للّه، والصبر على الكيد بشتى صنوفه، والصبر على بطء النصر، والصبر على بعد الشقة، والصبر على انتفاش الباطل، والصبر على قلة الناصر، والصبر على
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 708)(23301) 23690- صحيح(1/892)
طول الطريق الشائك، والصبر على التواء النفوس، وضلال القلوب، وثقلة العناد، ومضاضة الإعراض ..
وحين يطول الأمد، ويشق الجهد، قد يضعف الصبر، أو ينفد، إذا لم يكن هناك زاد ومدد. ومن ثم يقرن الصلاة إلى الصبر فهي المعين الذي لا ينضب، والزاد الذي لا ينفد. المعين الذي يجدد الطاقة، والزاد الذي يزود القلب فيمتد حبل الصبر ولا ينقطع. ثم يضيف إلى الصبر، الرضى والبشاشة، والطمأنينة، والثقة، واليقين.
إنه لا بد للإنسان الفاني الضعيف المحدود أن يتصل بالقوة الكبرى، يستمد منها العون حين يتجاوز الجهد قواه المحدودة. حينما تواجهه قوى الشر الباطنة والظاهرة. حينما يثقل عليه جهد الاستقامة على الطريق بين دفع الشهوات وإغراء المطامع، وحينما تثقل عليه مجاهدة الطغيان والفساد وهي عنيفة. حينما يطول به الطريق وتبعد به الشقة في عمره المحدود، ثم ينظر فإذا هو لم يبلغ شيئا وقد أوشك المغيب، ولم ينل شيئا وشمس العمر تميل للغروب. حينما يجد الشر نافشا والخير ضاويا، ولا شعاع في الأفق ولا معلم في الطريق ..
هنا تبدو قيمة الصلاة .. إنها الصلة المباشرة بين الإنسان الفاني والقوة الباقية. إنها الموعد المختار لالتقاء القطرة المنعزلة بالنبع الذي لا يغيض. إنها مفتاح الكنز الذي يغني ويقني ويفيض. إنها الانطلاقة من حدود الواقع الأرضي الصغير إلى مجال الواقع الكوني الكبير. إنها الروح والندى والظلال في الهاجرة، إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود .. ومن هنا كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في الشدة قال: «أرحنا بها يا بلال» .. ويكثر من الصلاة إذا حزبه أمر ليكثر من اللقاء باللّه.
إن هذا المنهج الإسلامي منهج عبادة. والعبادة فيه ذات أسرار. ومن أسرارها أنها زاد الطريق. وأنها مدد الروح. وأنها جلاء القلب. وأنه حيثما كان تكليف كانت العبادة هي مفتاح القلب لتذوق هذا التكليف في حلاوة وبشاشة ويسر .. إن اللّه سبحانه حينما انتدب محمدا - صلى الله عليه وسلم - للدور الكبير الشاق الثقيل، قال له :«يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا .. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا» .. فكان الإعداد للقول الثقيل، والتكليف الشاق، والدور العظيم هو قيام الليل(1/893)
وترتيل القرآن .. إنها العبادة التي تفتح القلب، وتوثق الصلة، وتيسر الأمر، وتشرق بالنور، وتفيض بالعزاء والسلوى والراحة والاطمئنان.
ومن ثم يوجه اللّه المؤمنين هنا وهم على أبواب المشقات العظام .. إلى الصبر وإلى الصلاة ..
ثم يجيء التعقيب بعد هذا التوجيه: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» ..
معهم، يؤيدهم، ويثبتهم، ويقويهم، ويؤنسهم، ولا يدعهم يقطعون الطريق وحدهم، ولا يتركهم لطاقتهم المحدودة، وقوتهم الضعيفة، إنما يمدهم حين ينفد زادهم، ويجدد عزيمتهم حين تطول بهم الطريق ..
وهو يناديهم في أول الآية ذلك النداء الحبيب: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» .. ويختم النداء بذلك التشجيع العجيب :«إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ». (1) .
والصبر في اللغة: يعني الحبس والكف .
أما في الاصطلاح: فهو قوة خلقية من قوى الإرادة تمكن الإنسان من ضبط نفسه لتحمل المتاعب والمشقات والآلام وضبطها عن الاندفاع بعوامل الضجر والجزع والسأم والملل والعجلة والرعونة والغضب والطيش والخوف والطمع والأهواء والشهوات والغرائز .
وبالصبر يتمكن الإنسان بطمأنينة وثبات أن يضع الأشياء في مواضعها، ويتصرف في الأمور بعقل واتزان وينفذ ما يريد من تصرف في الزمن المناسب، بالطريقة المناسبة الحكيمة، وعلى الوجه المناسب الحكيم، بخلاف عدم الصبر الذي يدفع إلى التسرع والعجلة فيضع الإِنسان الأشياء في غير مواضعها، ويتصرف برعونة فيخطئ في تحديد الزمان، ويسيء في طريقة التنفيذ، وربما يكون صاحب حق أو يريد الخير فيغدو جانياً أو مفسداً ولو أنه اعتصم بالصبر لَسلِم من كل ذلك .
لهذا أوصى لقمان ابنه بالصبر، لأن الصبر على المصائب يبقى للفعل نوره، ويبقى للشخص وقاره، ولذا كان الصبر من الآداب الرفيعة والأخلاق القويمة، و صفة من صفات المؤمن،
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 141)(1/894)
وسمة من سمات المبشرين بالأجر العظيم من الله عز وجل قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (10) سورة الزمر .
نخلص مما سبق أن لقمان وصيته هذه رتب الأمور بحسب أهميتها للداعية حيث بدأها بتربية النفس على طاعة الله {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاة} ثم ثنى بدعوة الآخرين {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} ثم أمر بالصبر على ما يصيبه وتحمل ما يتعرض له من الأذى {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك}.
وهكذا يربَّي لقمان ابنه على منهج العبادة، حيث أن العبادة في الإسلامِ تربي الإنسان المسلم على الوعي الفكري الدائم، وهذا ما يجعله إنسانا منطقياً واعياً في كل أمور حياته، ومنهجياً لا يقوم بعمل إلا ضمن خطة ووعي وتفكير، إلى جانب ذلك فهو في يقظة دائمة يراقب الله في كل أعماله .
وإضافة إلى ما سبق فإن العبادة تربي في الإِنسان المسلم الشعور بالعزة والكرامة، قال تعالى: {..وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (8) سورة المنافقون .
فضلاً عن تربيته على قدر من الفضائل الثابتة المطلقة، لا تقف عند حدود الأرض أو القوم والمصلحة القومية، إنها أخلاق الإسلام التي تصلح لكل زمان ومكان، وبهذا المنهج الرباني المرسل للعبادة يرتبط الإنسان المسلم بإخوانه المسلمين ارتباطاً واعياً منظماً قوياً مبنياً على عاطفة صادقة، وثقة بالنفس عظيمة .
خامسًا: الآداب الاجتماعية:
يستطرد لقمان في وصيته التي يحكيها القرآن هنا إلى آداب الداعية إلى الله، فالدعوة إلى الخير لا تجيز التعالي على الناس والتطاول عليهم باسم قيادتهم إِلى الخير، ومن باب أولى يكون التعالي والتطاول بغير دعوة إلى الخير أقبح وأرذل .(1/895)
ولهذا لما أمر لقمان ابنه بأن يكون كاملا في نفسه، مكملا لغيره، كان يخشى بعدها من أمرين، أحدهما: التكبر على الغير بسبب كونه مكملا به. والثاني: التبختر في النفس بسبب كونه كاملا في نفسه .
يقول تعالى حكاية عن لقمان وهو يعظ ابنه: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (18) سورة لقمان .
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (19) سورة لقمان.
فمن الآيتين الكريمتين السابقتين يتضح أن الآداب المتضمنة في تلك الموعظة هي كالتالي:
1) {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاس} ينهى لقمان ابنه عن الكبر، والمعنى أن لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم، أو كلموك احتقاراً منك لهم واستكباراً عليهم، ولكن ألن جانبك وابسط وجهك إليهم . والصعر داء يصيب الإبل فيلوي أعناقها والأسلوب القرآني يختار هذا التعبير للتنفير من الحركة المشابهة للصعر حركة الكبر والازورار وإمالة الخد للناس في تعال واستكبار .
يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: "هو أن تلوي شدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره، فالمعنى: أقبل عليهم متواضعاً مؤنسا مستأنسا، وإذا حدثك أصغرهم فأصغ إليه حتى يكمل حديثه، وكذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل . (1) .
وبناء على ما تقدم يمكن القول بأن التكبر ليس من أخلاق المؤمن، فلو عرف المتكبر حقيقة نفسه أي أن أوله نطفة قذر، وآخره جيفة منتنة يخجل من نفسه، ووقف عند حده، وأخلص العبادة لربه وتواضع لخالقه، لأن الإِنسان كلما تواضع لله رفعه الله، وكلما تكبر عليه وضعه وقصمه، وفد أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى، فعَنْ أَوْسِ بْنِ خَوْلِيٍّ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: " يَا أَوْسُ، مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللهُ، وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللهُ " (2) .
__________
(1) - تفسير القرطبي ـ موافق للمطبوع - (14 / 69)
(2) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (1 / 302)(977) صحيح لغيره(1/896)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهْوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ، فَيَقُولُ اللَّهُ الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِى، كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ » (1) .
كما يظهر من العرض السابق أن أولى الأخلاق التي يرغب لقمان في غرسها في ابنه عدم التكبر على الناس، والتواضع لهم.
2) {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً...} المرح يأتي في اللغة بمعنى شدة الفرح والنشاط . حتى يجاوز قدره، ويأتي أيضا بمعنى التبختر والإختيال فقوله: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً} هو بمعنى ولا تمش في الأرض مشية تبختر واختيال ولذلك ختم الله الآية بما يناسب هذا المعنى فقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} أي لا يحب كل مختالٍ على الناس مستكبر عليهم بمشيته بينهم أو بإعراضه عنهم، ولا يحب كل فخور على الناس بنفسه أو بما أتاه الله من قوة أو مالٍ أو نسبٍ أو جاهٍ أو ذكاء قلب أو جمال وجه وحسن طلعة .
ولو عقل المستكبرون الذين يختالون ويمشون في الأرض مرحاً لعرفوا إن هذا العمل يصغرهم، ويقلل من شأنهم عند الله وعند الناس فالله لا يحب الذين يستكبرون على عباده ولا يحب الذين يريدون علواً في الأرض والناس أيضا يكرهون من يستكبر عليهم ويكرهون كل ظاهرة تدل على الكبر في الأنفس إذا رأوها من غيرهم .
3) {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ...} بعدما نهى لقمان ابنه عن مشيه المرح وصعر الخد أمره بالمشية المعتدلة القاصدة، فقال تعالى على لسان لقمان: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} والقصد هنا من الاقتصاد وعدم الإِسراف وعدم إضاعة الطاقة في التبختر والتثني والاختيال ومن القصد كذلك لأن المشية القاصدة إلى هدف لا تتلكأ ولا تتخايل ولا تتبختر، إنما تمضي لقصدها في بساطة وانطلاق .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (2369 ) وصحيح مسلم- المكنز - (306 )(1/897)
ولقد نهى الله تعالى المسلم أن يسير مسرع الخطى وهو يلهث، كما نهاه أن يبطئ في مشيه وهو خامل كسول، إنما عليه أن يتوسط في مشيه فخير الأمور أوسطها.
فإذا وضعت أسس التربية على أساس من التوازن والاعتدال كما أوضحتها النظرة الإسلامية لعتدل الأمر وما تحولت الوسائل إلى غايات، وما انحرفت بنا الطريق بين غلو وتقصير وإفراط وتفريط. والتربية الإِسلامية تهتم بالتركيز على التوازن بين إشباعات النفس ومطالبها وبين عفتها وقناعتها، وهذا وارد في قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ...} الآية .
وسياسة الاعتدال في العملية التربوية إنما تتركز على علم النفس من الأهواء والشهوات، فإذا مالت إلى الاغترار عولجت بالتواضع حتى يتم الاعتدال أو يتم التوازن، وإذا مالت إلى الهوى كان عالجها الاستقامة، فأي من العيوب والآفات النفسية إنما هي تمرة فجة للتربية الخاطئة والنقص في الأدب و الأخلاق، وكل شيء في هذا الوجود يسير على هدي من الاعتدال والتوازن والاتساق والتناسب والتناسق ماعدا الإنسان. فالإنسان وإن كان في الأصل في خلقه على الفطرة السليمة إلا أنه يبتعد عن هذه الفطرة إذا افتقد إلى التربية الإسلامية الصحيحة، وهنا يخلط بين اشباعاته ومطالبه فيطالب بحقوقه ويتغافل عن واجباته وبذلك ينحرف عن طريق القوامة والاستقامة التي جعلها الله تعالى أساساً لشريعة الإسلام ومنهاجه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} الآية .
فالوسط الإسلامي هو التوازن في الفكر والسلوك والتطبيق .
من أجل ذلك طلب لقمان ابنه أن يتوسط في مشيته، والمراد من ذلك أن تكون مشيته ما بين الإسراع والبطء أي لا تدب دبيب المتماوتين ولاتثب وثب الشطار .
4) {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}، أغضض من صوتك أي أنقص منه، أي لا تتكلف رفع صوتك وخذ منه ما تحتاج إليه، فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي، والمراد بذلك التواضع .(1/898)
وغض الصوت فيه أدب وثقة بالنفس واطمئنان إلى صدق الحديث وقوته، وما يزعق أو يغلظ في الخطاب إلا سيئ الأدب أو شاك في قيمة قوله، أو قيمة شخصه، يحاول إخفاء هذا الشك بالحدة والغلظة والزعاق .
والأسلوب القرآني يرذل هذا الفعل ويقبحه في صورة منفرة محتقرة بشعة حين يعقب عليه بقوله:{إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.
فيرتسم مشهد مضحك يدعو إلى الهزء والسخرية، مع النفور والبشاعة ولا يكاد ذو حس يتصور هذا المشهد المضحك من وراء التعبير المبدع، ثم يحاول شيئاً من صوت هذا الحمير .
يقول القرطبي: في هذه الآية دليل على تعريف قبح ردع الصوت في المخاطبة، والملاحاة بقبح أصوات الحمير لأنها عالية، وفي الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: إِذَا سَمِعْتُمْ أَصْوَاتَ الدِّيَكَةِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، فَاسْأَلُوا اللَّهَ، وَارْغَبُوا إِلَيْهِ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نُهَاقَ الْحَمِيرِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَانًا، فَاسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا رَأَتْ. (1) ...
وقد روي: إنه ما صاح حمار ولا نبح كلب إلا أن يرى شيطاناً.
وقال سفيان الثوري: صياح كل شيء تسبيح إلا نهيق الحمير.
وقال عطاء: نهيق الحمير دعاء على الظلمة. (2) .
وهذه الآية أدب من الله تعالى بترك الصياح في وجوه الناس تهاوناً بهم أو بترك الصياح جملة.
وكانت العرب تفخر بجهارة الصوت الجهير وغير ذلك، فمن كان منهم أشد صوتاً كان أعز، ومن كان أخفض كان أذل حتى قال شاعرهم:
جهير الكلام جهير العطاس ... جهير الرواء جهير النعم
ويعدو على الأين عدوى الظليم ويعلو الرجال بخلق عمم
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7096 ) وصحيح ابن حبان - (3 / 285)(1005)
(2) - تفسير القرطبي ـ موافق للمطبوع - (14 / 71)(1/899)
فنهى الله سبحانه وتعالى عن تلك الخلق الجاهلية بقوله: {إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } أي لو أن شيئاً يهاب صوته لكان الحمار، فجعلهم في المثل سواء .
يتضح من الوصايا التي وصى بها لقمان ابنه أنها تجمع أمهات الحكم، وتستلزم ما لم يذكر منها، وكل وصية يقرن بها ما يدعو إلى فعلها إن كانت أمراً وإلى مرتكبها إن كانت نهياً. فأمره بأصل الدين وهو التوحيد، ونهاه عن الشرك وبين له الموجبة لتركه. وأمره ببر الوالدين وبين له السبب الموجب لبرهما وأمره بشكره وشكرهما ثم احترز بأن محل برهما وامتثال أوامرهما مالم يأمرا بمعصية ومع ذلك فلا يعقهما بل يحسن إليهما، وإن كان لا يطيعهما إذا جاهداه على الشرك. وأمر بمراقبة الله وخوّفه القدوم عليه وأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر إلا أتى بها. وأمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وبالصبر اللذين يسهل بهما كل أمر كما قال تعالى: { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}.
ونهاه عن التكبر وأمره بالتواضع، ونهاه عن البطر والأشر والمرح وأمره بالسكون في الحركات والأصوات، ونهاه عن ضد ذلك .
فحقيق من أوصى بهذه الوصايا أن يكون مخصوصاً بالحكمة، مشهورا بها، ولهذا من منّة الله تعالى على عباده أن قصر عليهم من حكمته ما يكون لهم به أسوة حسنة .
فالوصايا السابقة هي منهج الآداب السامية التي يؤدب الله عباده ذلك لأن في امتثالها سعادتهم وفلاحهم دنيا وآخرة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنهم يرون آثارها التربوية في توجيه وتهذيب سلوكهم، وتعمل على زيادة الألفة و المحبة بينهم كما يؤدي هذا إلى تماسك مجتمعهم. (1) .
فحري بالآباء والمربين أن يستفيدوا من تلك الوصايا في تربية أبنائهم، وتوجيه تلاميذهم، فهي بلا شك المنهاج الصحيح لأصول التربية الحسنة الناجحة، والطريقة المثلى لإِعداد
__________
(1) - انظر كتاب معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه -د./ عبد الرحمن بن محمد عبد المحسن الأنصاري(1/900)
جيل صالح على أساس قوي من عقيدة التوحيد، يعرف حقوق ربه، وحقوق والديه، وحقوق مجتمعه (1) ..
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - http://www.muslm.net/vb/showthread.php?t=347719&page=2(1/901)
الفصل الحادي عشر
وصايا تربوية عامة
المبحث الأول
وقفات هامة في تربية الأبناء
1. إن تربية الأبناء في الإسلام مرتبطة بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
2. إن تربية الأبناء من أعظم الأمور التي يجب أن تُصرف فيها الطاقاتُ والأموال والأوقات
3. إن تربية الأبناء الصحيحة تتسم بالعلم والعمل، ولا يُمكن أن تكون بالمزاج والتقليد .
4. التربية الصحيحة للأبناء متكاملةٌ، لأنها تُعنى بالروح والعقل والجسد، فهي دائماً في توازنٍ متميزٍ وفريد .
5. إذا أردت أن تقرَّ عينك ويرتاح أبناؤك فربِّهم على مراقبة الله وحده بعيداً عن تربية الرياء .
6. معرفُتك القيم والمعتقداتِ ومراحل النمو عند الأطفال تفتح أمامك آفاقاً لتربية رائعة وممتعة بإذن الله .
7. أبناء اليوم رجال الغد، وما نبذله اليوم في تربيتهم إنما هو إسهام منا رائعٌ في نصر أمتنا وعِزها في المستقبل .
8. ينبغي علينا محاولة التعرف على ما يفكر فيه أبناؤنا لأنّ الفكر الإيجابي يقود إلى الشُّعور والسلوك الإيجابيين، بعون الله تعالى .
9. ينبغي علينا فصلُ الفعل عن الفاعل، وهذا يعني أن نُوجه نقدنا عندما ننتقد إلى فعل الطفل لا إلى الطفل .
10. ينبغي احترامُ مشاعر الأبناء، فهم كيان مستقل، لهم مشاعرُ تختِلف عن مشاعرنا .
11. جاهدْ نفسك لتُسمِع أبناءك أحسن وأجمل وأطيب الكلمات، واحتسب الأجر في ذلك .(1/902)
12. اعترفْ بمعاناة ابنك عندما يشتكي إليك، أو يتضايقُ من أحدٍ فمثلاً، يشتكي من مُدرسه بأنه أهانه فقل له: صحيحٌ أن هذا يزعج، ولو كنتُ مكانك لأصابني ما أصابك، أو: هذا أمر مزعج وسوف أنظر في الأمر، وتفاعل مع قضية ابنك لكي يفضي لك عما في صدره وقلبه دائماً، ولا تكن سبباً في إبعاده عنك لعدمِ الاعتراف بُمعاناته، وإن كنت لا تُوافقه أحياناً .
13. إن أبناءك هُم أحقُّ الناس بالرفق واللين والرحمة والمحبة والوفاء والصدق والعدل والإحسان .
14. ينبغي أن تتقبل أبناءك على ما هُم عليه، ثم تتأهل بالقراءة والاستماع والسؤال والاستشارة، لتتمكن بعد مطمئنةٍ، وتربيةٍ بعيدة عن تربية المتُشدّدين أو المتساهلين .
15. تقبلُ مشاعرِ الأولاد يجعلهم مُستعدين لقبول تلك الحدود التي تريد أن يقفوا عندها .
16. من آفات التربية الاستعجالُ، والصابرون هم الفائزون .
17. اختر الطريقة المناسبة والكلماتِ المعبرّة، لتفهم مشاعر الأبناء وقبولهم واحترامهم .
18. ينبغي للآباء أن يتعرفوا على مبادئ التربية الصحيحة ثم يبذلوا الجهد والمال والوقت في تطبيق هذه المبادئ .
19. الأبناء يختلفون فيما بينهم، سواءً في الأمور الوراثية أو غيرها، وجميلٌ أن تتعرف على ملكات ومؤهلات كل واحدٍ منهم، حيث أن كلاً منهم يحتاج إلى علاج خاص أو طريقة خاصة وهذا يحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد والمال . ولكنه ليس بكثير على من جعلهم الله يثقلون كفة حسناتك بعد موتك .
20. الكلماتُ، ونبرات الصوت، وملامح الوجه، كلُّ ذلك له أبلغ الأثر في إيصال الأبناءِ إلى نفسيةٍ طيبةٍ إيجابيةٍ، أو نفسيةٍ مُتعبة قلقة .
21. ازرع في أبنائك روح التفاؤل، وحُسن الظن بالله، فإن ذلك يجعل الحياة أكثر سعادةً ومتعةً وراحةً وبهجةً .
22. ينبغي أن تتخلص من الغضب والتوتر، ولا تسلم بأن ما تفعله من غضبٍ وتوترٍ وإحباطٍ صحيحٌ، ويتساءل الإنسان عن حال رجلين يمران بظرفٍ واحد أو يتعرضان(1/903)
لحادث واحدٍ، فيغضب أحدُهم أشدّ الغضب ويتقبل الآخرُ الأمر بابتسامة، ورضى نفس، لماذا ؟ ربما التصورات الذهنية عند الشخص الغاضب كانت غير صحيحة، لذا يتوجب علينا أن نراجع أنفسنا ونصحح مسارنا إذا واجهنا ما يغضبنا، ولا نتمادى في التقدم نحو أمراض العصر مثل السكر والضغط بسبب الغضب والتوتر . ولم يكن يغضب - صلى الله عليه وسلم - ، إلى إذا انتهكت محارم الله .
23. ينبغي أن نتجنب اللَّوم والاتهام والشتائم والتّهديداتِ والأوامر والتحذيراتِ، والمقترناتِ والسخرية ... إلخ ولا تنس أن أكثر فساد الأبناء من الآباء، والله المستعان .
24. تزوّدْ من فنون تربية الأبناء والاتصال المحترم مع أبنائك، ويمكنُ أن نسأل أنفسنا هل تربيتُنا لأبنائنا الآن هي أفضل ما يمكن أن نصل إليه ؟ وتذكّرْ أن ما لم نعلمه أكثرُ مما علمناه قال تعالى: { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} .
25. أفْصِح عن مشاعرك لأبنائك دون مناسبة، أخبرهم بحبك العظيم لهم، أخبرهم بمشاعرك تِجاههم، ورُبّما كان البخلُ بالمشاعر أعظم من البخل بالمال .
26. الإخفاقُ في تربية الأجيال بعد عمل الأسباب أمر طبيعي، يمكن تعويضه مراتٍ قادمةً، وليست المشكلة في الإخفاق، ولكن المشكلة أحياناً في عدم الأخذ بالأسباب، والإخفاقُ بعد بذْل الأسباب يُعدّ مجداً .
27. لا أظنه يخفى على الآباء أن حاجاتهم تختلف عن حاجات الأبناء، فهناك فرق في السن، وفي جميع النواحي النفسية، والبدنية، والاجتماعية .... وينبغي علينا أن نبحث في تلك الفروق ونراعيها لنساعد أنفسنا بقلّة التوترات والغضب ونساعد أبناءنا باستقرارهم النفسي .
28. الطرقُ والأساليب في تربية الأبناء كثيرةٌ جداً، وعليك أن تتلمس الأسلوب الأمثل الذي يُناسب ابنك .
29. سبب أخطاء الأطفال يرجع في أصوله على ثلاثة أشياء:
الأول: فكري .والثاني: عملي . والثالث: إلى ذات الطفل .(1/904)
إما لا يحمل فكرة صحيحة عن الشيء، فيخطئ ؛ أو لا يستطيع أن يُتقن العمل، ولم يتدرب عليه فيخطئ ؛ أو أن يتعمد الخطأ، ويكون من ذوي الطباع العنيدة ؛ لذلك يُصرّ على الخطأ وضروري تحديد أصل الخطأ لتسهل معالجته .
30. الدعابة مع الأبناء تُبهج المزاج، وتشرح الصدر، وتدفع الأولاد للعمل والمبادرة .
31. ربما تعرف أن احترامك مشاعر أبنائك يجعلهم يميلون لاحترام مشاعر الآخرين .
32. يحتاج الآباء إلى قليلٍ من الهدوء، وبعضِ الوقت للتفكير في تربيتهم أبناءهم .
33. يحتاج الآباء إلى تخطيط مُسبقٍ لتربية أبنائهم، فإن لم تخطط لتربية أبنائك فربما خططت للفشل في ذلك الأمر العظيم .
34. العِقابُ يمكن أن يُؤدّي إلى مشاعر الكُره والانتقام، وكثير من المشاعر السلبية ؛ ويمكن استخدم العِقاب بعد بذل كل الوسائل الممكنة وكذلك بعد معرفة ضوابط العقاب .
35. أبرِزْ إيجابيات ابنك، وحاول أن تتغافل عن سيئاته وتخفيها قدر المستطاع .
36. يجدُر بك أن تزرع في أبنائك الثقة بأنفسهم، فهذا من أعظم أسباب إحراز التفوق في دنياهم وآخرتهم .
37. ينبغي أن تعلم وتُدرب طفلك كيف يتحمل المسؤولية .
38. ينبغي أن تعلِّم ابنك اتخاذ القرارات، ولو أخفق فإن ذلك يجعله إيجابياً في حياته، فكما قيل: في كل إخفاق يوجد بذرة نجاح ما لم يكن هذا الإخفاق فيما حرم الله .
39. الأبناء لديهم قدرةٌ لحل مشاكلهم ووضع البدائل والحلول المتنوعة، علِّمهم آداب الحوار بالاستماع لآرائهم مهما كانت .
40. ينبغي للآباء الاعترافُ بالخطأ عند حدوثه، فهذا يربي الأبناء على الاعتراف بالأخطاء والرجوع للحقّ والصواب عندما يخطئون .
41. أطفالنا لهم كرامتهم التي منحهم الله إياها، فلا تُصادرْ كرامته، ولا تظلمه فإن الظلم ظلمات يوم القيامة .(1/905)
42. عند أخطاء الأبناء ينبغي أن يعرفون أن هذا خطأ، وينبغي لنا أن نتعلم كيف نتعامل مع تلك الأخطاء، وأكثرُ أخطاء الأبناء ليست متعمدة، ولا يخفى عليك كم أخطأنا ونحن صغار .
43. ينبغي أن نترك الأطفال يُمارسون حياتهم، يُواجهون مشاكلهم، يتعلمون من أخطائهم، يعتمدون على أنفسهم، يقومون بأعمالهم، يختارون لأنفسهم مع تشجيعِنا لهم بضوابط الشرع، وذلك لنزرع في أبنائنا الثقة بالنفس .
44. المدحُ أو الثناءُ زادٌ لأولادنا، له ضوابط ينبغي ألا يبالغ فيه، ولا يغفلُ عنه ومن الضروري الانتباه في الثناء للعمر ودرجة كفايته، كما ينبغي تكرار الثناء وتنويعُه معنوياً ومادياً .
45. عِشْ مع أبنائك بقلبك، وتحمل أذاهم، فتلك سمات جوهرية في التربية .
46. ينبغي أن تفهم أبناءك، وتحترمهم بعيداً عن المجادلة والكلام العقيم .
47. الفوزُ الحقيقي للآباء هو الفوز بالآخرة .
48. خلال تربيتك لأبنائك حاول أن تحسب الآثار والعواقب لعمليات التربية القولية والفعلية .
49. جميلٌ أن نُنمي الخيال لدى أبنائنا وأن نتدرج في تنمية الإرادة لديهم .
50. حاول أن تُحفز الأبناء للمزيد من التساؤلات والحصول على الأجوبة الصحيحة .
51. وجودُ الأخطاء وعدمُ معرفة الخطأ والصواب أمرٌ طبيعيٌّ لدى الأبناء، وهذا يقلُّ مع تقدم السن .
52. ينبغي أن نكون واضحين، وأن نُطْلع الأبناء على ما في أنفسنا، لأن هذا يُولد الثقة بين الآباء والأبناء ويُنتج نفسيةً مستقرة بإذن الله .
53. على الأبوين أن يحذرا الكلمات السيئة فالأبناء يُقلدون آباءهم .
54. اللُّطف والرفق والرحمة والحنان والمحبة والعطاء والبذل بوابةُ الدخول إلى نفوس الأبناء وعُقولهم، ومن ثمّ تستطيع التأثير فيهم وهم من أحق الناس بذلك .(1/906)
55. امنح أولادك جميع معاني الحب بلمساته وكلماته قبل أن يبحثوا عنه لدى الآخرين، فربما أزعجهم ذلك .
56. ابتعدْ عن التدخل في شؤون الأبناء الخاصة قدر المستطاع .
57. ينبغي ألا يستفيد الأطفال من بكائهم في تلبية رغباتهم .
58. الرفض والعناد والكذب أمورٌ قد تكون عند الأطفال إلى حدود سن الخامسة .
59. الفراغ أو الوحدة قد تكون سبباً في العناد، وينبغي توفير بعض الألعاب وإشغال الأطفال بما ينفعهم، ووجود الأصدقاء الطيبين نافعٌ وهام للأبناء .
60. ينبغي أن نُربي الأبناء على تنمية مهارات التفكير الإيجابي والحوار البناء .
61. ينبغي أن نزرع في الأبناء التفاؤل والإيجابية وحسن الظن بالله تعالى .
62. توفير بيئة آمنة وتجهيزات متكاملة للأبناء يجعلهم يتطورون في مستوى التفكير والتعليم .
63. يقول د. تاد جميس، (( بأن 90% من الاعتقادات والقيم قد تخزنت في عقولنا في فترة ما قبل السابعة من العمر )) .
64. يذكر ( برايان ترايسي )، أن الإنسان يقضي الـ30 أو 40 سنة من عمره في التغلب على مشكلات الخمس سنوات الأولى .
65. تخيل أبناءك وهم يفُارقون ذلك البيت الذي طالما عاشوا فيه، وتزوجوا ثم فارقْتهم، ولم يبق في البيت إلا ذكرياتُهم، فاستمتعْ بحياتك معهم قبل فراقهم، ودعهم يتذكرون تلك الأيام الجميلة التي عاشوها معك .
66. عامل أبناءك كما تحب أن يُعاملك أبناؤك .
67. لا تتحدَّ استقلالية أبنائك، فإن ذلك يُولد تكرار السلوك غير المرغوب فيه .
68. ينبغي أن نبني علاقتنا مع أبنائنا على الثقة المتبادلة وحسن الظن .
69. ينبغي ألا تجعل المنزل مكاناً للصراع، بل اجعله سلماً وسلاماً ووُداً ورفقاً وليناً .
70. يحتاج الأبناء إلى المحبّة والاحترامِ والقبول والتفهم والاستماع العاطفي .(1/907)
71. لا تنزعج من مشاجرة الأبناء ما لم يصل الأمر إلى الأذى البدني، والتزام الهدوء التام وقد يكون هذا الأمر غير مُريح لكنّه مُفيدٌ .
72. المساواةُ والعدلْ في الأقوال والأفعال – بل في كل صغير وكبير – بين جميع الأبناء، تلك من صفات الآباء الأوفياء .
73. تمتّع بالجلوس مع أبنائك، والتحدُّث معهم، ومُشاورتِهم وأخذ آرائهم، واحترامِها مهما كانت، وذلك لزرع الثقة بالنفس، وتخفيفِ مُعاناة الأبناء من ضغوط الحياة .
74. احذرْ المقارنة بين أبنائك بأي شكل من الأشكال، ولأي سببٍ كان .
75. ازرعْ المحبة بين الأبناء بالهدايا والاعتذار والتأسف عند الخطأ .
76. الخوف مُكتسبٌ ويزرعه في الطفل من حوله من الأبوين، والإخوان، والأقارب، والمجتمع، والزملاء، والإعلام ... إلخ .
77. التقدير المتدنّي للذات قد يكون وراء كثيرٍ من السُّلُوكيات المنحرفة .
78. النقدُ السلبي يْنتُج عنه الإحساسُ بالذنب والخجل، وضعفِ التقدير للذات .
79. تقديرُ الأبناء لذواتهم مرتبط إلى حدٍّ ما بتقدير الأهل لهم، واهتمامهم بهم .
80. الأبناءُ بشرٌ غيرُ كاملين ومن الضروريّ أن نجعل علاقتنا مع أبنائنا علاقة صداقةٍ، وذلك بالحوار والتفاهم والاحترام والاستماع والقبول، بعيداً عن الأوامر والنواهي، وهذا سر عظيم في التربية .
81. استغلال الأحداث بزرع العقيدة في نفوس الأبناء .
82. عرف أبناءك بأن لهم حدوداً وضوابطاً .
83. ساعد أبناءك على اختيار الأصدقاء واحترام أصدقاءهم، وتعرّفْ عليهم، وعلى أسرهم .
84. إن ضعف الوازع الديني وضعف الرعاية الأسرية هما من أسباب الانحراف الذي ظهر في استبانةٍ أُجريتْ للمدخنين .
85. الهِدايةُ بيد الله، وإذا عمِل الإنسان الأسباب فإن الغالب أن نتائج تربية الأبناء إيجابيةٌ.(1/908)
86. ينبغي أن تترك الأبناء يتمتعون بالأمان، ولا تضطرَّهم إلى الكذب والخداع بسبب الخوف منك .
87. ينبغي الابتعاد عن الرسائل السلبية التي ترسلها للأبناء، فإن لها أبعد الأثر في حياة الأبناء .
88. التدليل والاستجابة لكل ما يُريده الأبناء يعود الطفل عدم المبالاة .
89. القسوة والغِلظة سببٌ في خوف الأبناء وتردُّدهم وضعف الثقة بالنفس .
90. التمييز بين الأبناء يُولد بين الأبناء الغيْرة والكراهية وحب الانتقام .
91. الخصومات بين الوالدين تُولّد للأبناء تشتت الذهن، والضعف الدراسي، وتثير المخاوف والاضطرابات والإزعاج وعدم التمتع بالحياة، وقد يُصبح الأولاد أكثر عُدوانيةً ومشاكل .
92. لا يُمكن للتربية الطيبة أن تتم بدون حُب، فإن الأبناء ينجذبون لمن يهتم بهم ويحبهم.
93. وراء كل سلوكٍ تصورٌ ذهنيّ، حاولْ معرفة أسباب السلوك .
94. هناك أمر مهم وإسهام رائع وهو أن تجعل الأبناء على وعيٍ كامل بما يفعلونه، وأن يدركوا أنهم لو عملوا شيئاً آخر سيكون أفضل .
95. في خِضم الحياة ينبغي أن لا تنشغل بتحقيق طموحاتك وتنسى مشاكل أبنائك .
96. مشاركة الآباء الأمهات في تربية الأبناء ترسم أسلوباً ناجحاً في التربية .
97. ينبغي أن نقضي، وقتاً كافياً مع أبنائنا، ونعيش أحاسيسهم ومشاكلهم .
98. حاول تنمية الإحساس بالنجاح في نفوس الأبناء، واجعلهم يلتفتون إلى الجوانب الإيجابيّة في حياتهم وتصرفاتهم الحسنة .
99. حينما تكون في منزلك عش حياتك مع أبنائك بتفكيرك ومشاعرك، وتلك مزيةٌ رائعة في الآباء .
100. لا تحاول أن تصوغ أبناءك لتجعلهم نسخةً منك، فربّما قتلْت فيهم الإبداع .
101. المدحُ والذمّ يكونان للسلوك بعيداً عن الذات .(1/909)
102. من أفضل ما تُقدّمه للأبناء في حياتهم بث روح العدالة والمحبة بينهم واحرص على الدقة في العدل .
103. ينبغي أن تجمع بين الحزم والحب في تربيتك لأبنائك .
104. يقال إن الطفل لا يتقن الترتيب والتنظيم إلا بعد سن العاشرة .
105. تذكرْ أن هناك آباءً يُضحون بأبنائهم بسبب أمور دنيوية، وأقول هذا على مضض .
106. يحتاج أطفالنا تصحيح السلوكيات الخاطئة بطريقة علمية تربوية مع تلبيه حاجاتهم حتى يحدث لهم التوازن .
107. يقال إن العناد من سن 4- 7 سنوات يُعتبر طبيعياً .
108. من أكثر آفات التربية ( الاستعجال، والمبالغة في الحرص، والخوف الزائد ) .
109. أشعِرْ ابنك بعد عِقابه بأنك عاقبته لمصلحته، وأخبْره بحبك له .
110. فكّرْ ملياً في غضبك، فربما لا ينفع في تأديب ولدك، بل ربما يضرك أنت، ويزيده تمرداً .
111. التربية ليست صعبه، ولكنها تحتاج إلى جهد ووقت ومال ونية .
112. كلما زاد العقاب قل تأثيره على الطفل، وربما زاد من تمرده في المستقبل .
113. ينبغي على الوالدين أن يتفقا في تربية أبنائهم، ولا يختلفا .
114. ينبغي المكافأة على السلوك الإيجابي غالباً، وتنويع الثواب، وذلك حتى لا ينشأ الابن نفعياً .
115. المكافأة على السّلوك البديل حتى يقوى، وبذلك يضعف السلوك غير المرغوب فيه .
116. ينبغي إيضاحُ السلوك الخاطئ بهدوء وعلمٍ، بعيداً عن جرح الكرامة وذم الذات.
117. ينبغي أن تحذر من نقد الأطفال أمام الآخرين .
118. اشكر أولادك عندما يعملون شيئاً متقناً، كالتزام بالوقت .(1/910)
119. يحتاج أبناؤك أن تهتم بكل ما يشغل بالهم، أو يختلج في نفوسهم من مشاعر وأحاسيس .
120. نحن نستطيع أن نزرع الفضائل في أبنائنا عن طريق القدوة بما يرونه منّا وما يسمعونه ويشعرون به .
121. لا يمكن للطفل أن يثق بنفسه إلا حين نثق به، ونعهدُ إليه بالأعمال التي يستطيع القيام بها بهدوء .
122. ينبغي أن نعطي الأبناء بعض الأسرار، ونُشاورهم .
123. إذا كان ابنُك مشغولاً بلعبة يُحبها فلا تأمره إن أمكن .
124. حاول ألا تُكثر من الطلبات دفعة واحدة .
125. كثير من المشاكل سببها سلوك الآباء دون قصد .
126. تذكر أن الطلب بلطف أقوى وأعظم تأثيراً من التأنيب والتوبيخ .
127. تعلمِ الإصغاء لأبنائك وانزل إلى مستواهم .
128. غضب الطفل قد يكون بسبب فرضِ رغبات عليه، أو بسببٍ صحّي، أو أرقٍ، أو لنيل مطالبه، أو لشيء آخر، ابحث عن السبب جيداً .
129. تمرُّد الأبناء يحتاج إلى احتضانٍ، وتقبيلٍ، وضم، ولمسٍ .
130. تذكر أن إجبار الطفل على الطاعة العمياء يخمد نفسه، ويقتل شخصيته، ويعوِّده الغش والكذب، وعدم الثقة بالنفس .
131. ينبغي للوالدين أن يكون مصدر أمن وتشجيع لأبنائهم .
132. ينبغي أن تقوم التربيةُ على رِقابة الله وحده بعيداً عن مُلاحظة الخلْق والرياء .
133. الصحبة لها أثرها الكبير في حياة الأبناء، وهي ضروريةٌ جداً، وتساعد على التنشئة الاجتماعية أو ما يسمى بالذكاء العاطفي والاجتماعي . وما أجمل أن تربط أبناءك بصحبة صالحة، فالمرءُ على دين خليله .
134. ينبغي اختيار السكن المناسب، والجار المناسب، والمدرسة المناسبة .
135. قُم بمراقبة الأبناء دون أن تُشعرهم بذلك .(1/911)
136. ازرع في الأبناء دائماً أن الله يراهم ويسمعهم ويعلم سرهم ونجواهم .
137. عوِّده المبادرة والعطاء، وحمله المسؤولية وعوده على اتخاذ القرار ولو أخفق في ذلك .
138. وفّر للأبناء المكتبة الصوتية، والكتب المناسبة، والقصص المؤثرة، والمجلات الهادفة .
139. لا تُسرف في إعطاء الأبناء المال، وكذلك لا تبخل .
140. شجّعْه على أن يستخدم عقله في نقد ما يرى أو يسمع بعيداً عن الغِيبةٍ والنميمة
141. لا تعِدْ أبناءك بشيء لا تستطيع الوفاء به .
142. لا تفعل لأبنائك الأشياء التي يستطيعون أن يفعلوها .
143. اترك لأبنائك أوقاتاً ليعيشوا طفولتهم وتنمو قدراتهم .
144. ينبغي إبعاد الأبناء عن أفلام العنف والرعب والقصص المخيفة وكل ما يزرع فيهم السلبية .
145. خطط مع أبنائك في شؤون العائلة .
146. لا تجعل ابنك يشعر أنك تحملُ تجاهه حقداً أو ضغينة .
147. ازرعْ في أبنائك التخطيط، ووجود الأهداف، لأن ذلك قد يغيِّر حياتهم .
148. لا تستغربْ إذا سمعت أبناءك يتلفظون بما يسمعونه منك .
149. عانق طفلك بحنان كل يوم .
150. علم الأبناء الطرق الإيجابية كي يتغلبوا على التوتر ويحافظوا على هدوئهم بإذن الله .
151. لا تتوقع من الأبناء أن يتعلموا من أول مرة تتكلم معهم .
152. لا تنْهِ يومك بخلاف مع ابنك، فإن ذلك يتعبه كثيراً .
153. ابتعد عن المبالغة في المثالية، فإن ذلك يقلل الضغوط عليك وعلى أبنائك .
154. تقبل طفلك كما هو، وطور نفسك، واقرأ واسمع وتغير ثم غيّر طفلك بعون الله .
155. ابتسمْ كثيراً لأبنائك، وتمتع بالأجر والتربية الطيبة .
156. لا تنس أبداً أنك أول وأهم مُدرس في حياة أطفالك .(1/912)
157. لاحظ الأشياء التي يؤديها أطفالك بطرقة جيدة وشجعهم .
158. إن الأشياء التي يتكلم بها الأبناء كثيراً ويعملونها تجعلك تتعرّف على القِيم المهمة عندهم .
159. لا تجعل معاملتك لأصدقائك أفضل من معاملتك لأطفالك .
160. علم أبناءك بعض ألعاب الدفاع عن النفس مثل الكاراتيه .
161. لا تعتمد على المدرسة أن تفعل كل شيء عنك .
162. لا تبالغ في أمراض أبنائك وإصاباتهم الخفيفة .
163. ساعد أبناءك على تذكُّر نِعم الله عليهم والشكر للواهب سبحانه .
164. كُن متفائلاً وإيجابياً في نظرتك للحياة، فإن ذلك يزرع في الأبناء التفاؤل والإيجابية .
165. أسْرِعْ في التسامح مع أبنائك وإعادة البسمة إليهم .
166. لا تفترض أن أبناءك سوف يتبعون نفس خطاك وطبائعك .
167. حاول أن تضع نظاماً للبيت ( مواعيد للنوم والاستيقاظ ... الخ ) .
168. ما رأيك لو أن أباك يعاتبك ويلومك دائماً ؟!
169. حاول أن تكون كالنحلة تسقُط على الأشياء الحلوة، وانظر إلى إيجابيات وسلوكيات أبنائك الطيبة .
170. انشر الأمن والسلام بين أفراد عائلتك وادع لهم في غيابهم وحضورهم .
171. ادعُ أبناءك بأحب الأسماء والكُنى إليهم .
172. تكلم مع أبنائك عن اهتماماتهم مهما كانت، إلا أن تكون حراماً حتى تقترب منهم .
173. مصارحتُك أبناءك طريقٌ لمصارحتهم إياك بما يدور في خواطرهم وحياتهم، وهذا هام للغاية .
174. شارك أبناءك في أفراحهم وألعابهم وكذلك أحزانهم .(1/913)
175. إذا ساعدت أبناءك بتهيئة الاستقرار النفسي وتقدير ذواتهم فإنهم سيحققون بإذن الله مجداً عظيماً .
176. ازرع في أبنائك العقيدة الصافية، والأساس المتين لقيام حياة آمنة مطمئنة طيبة .
177. ازرع في أبنائك ما زرعه لقمان في ابنه كما في سورة لقمان .
178. الجبنُ لا يؤخّر الموت، والإقدامُ والشجاعة لا يُقدمانه قال ابن القيم: (( السعادة حرام على كل جبان )) .
179. علاقة الطفل بربه وعلاقته، بوالديه تُحددان غالباً كيفية استقراره في مرحلة البلوغ .
180. راجع أساليبك في التعامل مع أبنائك . ما تأثيرها الحقيقي ؟ وما الحصيلة التربية التي تحصل عليها ؟ وهل هذا أحسن ما يمكن التوصل إليه ؟
181. العمل بالأخلاق التي جاءت في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أروع تربية وجدت في الكون، والأبناء أولى الناس بها .
182. حاول أن تتفق مع أبنائك في حالة الخطأ ماذا يترتب على ذلك ؟ وحاورهم في ذلك وتوصل معهم إلى اتفاقيات يقترحونها، ولابد من تطبيق الاتفاقيات بحزم ورفق .
183. عدوانية الآباء تجعل من الأبناء مطيعين بسبب خوفهم، وعندما يكبرون فربما أصبحوا جبناء أو مهانين أو متمردين أو تحت تأثير مزيج من كل هذه المشاعر السلبية .
184. علم أبناءك كيف يتصرفون ؟ وكيف يُميزون الصحيح من السقيم ؟ وكيف يفكرون ؟
185. لا تحاول إيجاد مبررات لأخطاء أطفالك، بل عوِّدهم أن يتحملوا عواقب أعمالهم
مرحلة البلوغ
186. توعية الأبناء بنموِّهم الجسدي، والجنسي، والتغيرات التي ستطرأ عليهم في مرحلة البلوغ هي مسؤولية الوالدين، مثل شعر العانة، والاحتلام، ونمو الثديين والدورة الشهرية عند البنت ... كل ذلك يجب أن يعرفوه بأسلوب بسيط دون الدخول في التفاصيل الدقيقة .(1/914)
187. علم الابن أن جسده مِلك له فقط، وأنه ليس لأحد غيره أن يلمس جسده إلا والديه عند الحاجة .
188. الأبناء في مرحلة البلوغ يمر تغيرُّ عضوي سريع ومتتابع في وقت قصير، وقد يستغرب بعض الآباء والأمهات من هذا وهو أمر طبيعي .
189. الجدال والنقاش، وإظهار الاستقلال، والانفراد في اتخاذ القرار، والانفعالات المصاحبة لذلك، وعدم قبول رأي الآخرين بسهولةٍ، بل ورفضه أحياناً، كلُّ ذلك من صفات معظم البالغين .
190. أحياناً يخاف المراهقُ من الفشل، ويتساءل عن مستقبله، وكيف يواجه الحياة .
191. المراهقُ لا يستطيع التحكم في انفعالاته، فهو إذا أحب أسرف وبالغ، وكذلك إذا كره .
192. يشعرُ بعض البالغين أحياناً بأن الآخرين لا يفهمونهم، ولا يعرفون مشاعرهم ؛ وأحياناً ينقم البالغ على والديه، وعلى الناس، وقد يردد لا أحد يفهمني وقد يميل المراهق إلى الوحدة .
193. يميل المراهقُ إلى تحقيق الذات، وإثبات وجوده، ولذا لابد للآباء والأمهات من وضع تلك المشاعر محلّ الاهتمام والتفكير .
194. البالغُ يرغب في تحقيق ذاته من خلال استغلال طاقاته، ومنحه المسؤولية والأعمال المناسبة، ويجبُ ألا يُترك البالغ دون تحمل مسؤولية إلى أن يصطدموا بمتطلبات المجتمع وحاجاته الطبيعية .
195. ينبغي أن تعالج مشكلاتُ المراهق بالجلوس معه والتزام الرفق واللين وعدم الزجر وأشعره بالأمان وبضوابط الحوار وآداب الاستماع، واترك له الاختيار، وحفزه عند الإنجاز، وحمله أثر أخطائه عند التقصير، ولا تواجهه بالأخطاء وادع له .
196. المراهق قد يبتكر وسائل يؤكد من خلالها استقلاليته، ويحاول اكتشاف طرق جديدة للتعامل مع الآخرين .
197. قد يُصبح المراهق فجأة مثالياً، وقد ينتقد الآخرين والأوضاع من حوله .(1/915)
198. قد يكون المراهق أحياناً ساخراً ومستهزئاً، وقد يسخر أحياناً من أفكار والديه وأهله .
199. قد يشعر المراهق بالتحدي والمُجادلة والمخالفة للآخرين .
200. يهتم المراهق بمظهره، وقد يقلق المراهق من مظهره، وخاصة عند ظهور بعض علامات البلوغ .
201. قد يُصاب المراهق بالخجل الشديد وقد يميل إلى الانطواء والعُزلة والنوم الكثير .
202. ينبغي على الوالدين أن يُشعرا المراهقين بثقتهم بهم، وبقدراتهم، وأن يؤكد لهم بأن من حقهم أن يكونوا مستقلين في شخصياتهم .
203. لا تجبر المراهق، بل اطلب منه المساعدة .
204. ينبغي على الآباء أن يتغيروا ويتعرفوا على حاجات المراهقين .
205. حاول متابعة الأبناء المراهقين بطريقة غير مباشرة .
206. الحوارُ والنقاش الهادئ هما من أفضل الطرق للتعامل مع المراهقين .
207. تجنب السخرية وجرح المشاعر، وانتقاد المراهق، وأسلوب الاستبداد والصرامة.
208. ينبغي أن تقلل من الأوامر والنواهي الموجهة إليهم .
209. ينبغي أن تكون واضحاً في تعاملك مع المراهق، وأن تتجنب التردد والازدواجية.
210. احترم أصدقاء أبنائك، وأكرمهم، وادعهم إلى منزلك .
211. عن طريق الحوار الهادئ يمكن مناقشة الأبناء عن صفات رفقاء الخير والشر .
212. يحتاج المراهقون إلى الأمن والاطمئنان والراحة .
213. يشعر المراهق أحياناً بالضعف والخوف والإحساس بالذنب، وهو كثير التفكير والتأمل .
214. خاطب عواطف المراهق ومشاعره بالعقل والحوار الهادئ والاحترام .
215. تكلم بقدر الحاجة، وبالإجمال عن الأمور الجنسية عند سؤاله، واجبه حتى لا ينصرف إلى صديق سيّئ .
216. امنحه الاستقلالية، ولا تكن عليه رقيباً في كل صغيرة وكبيرة .(1/916)
217. اجعله يتحمل تبعات أخطائه .
218. ابتعد عن طريقة التحقيق والاستجواب، وعامله بلطف عندما يقوم بأعمال لا ترغب فيها، واحترم ذاته .
219. أشعِره بالثقة التامة، واستمع له استماعاً تعاطفياً عندما يخطئ فقد يكون هناك مبررات .
220. لا تخجل من إظهار عواطفك وحبك لمجرد شعورك بإنهم قد أصبحوا كباراً .
221. علم ابنك أن الشخص الوحيد الذي يستطيع تغييره هو نفسه .
222. حاول أن تتكلم مع أبنائك المراهقين كصديق لهم، وعبّر عن حبّك لهم دون مناسبة .
223. عندما يبلغ الأبناء فإنهم يحتاجون إلى الاستقلال عن الآباء .
224. المُراهقون لا يحبون كثرة النصائح، وكثرة الأسئلة، وكثرة الكلام .
225. يقول سفيان الثوري لا يزال التغافل من شيم الكرام .
ويقول الشاعر:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً *** صديقك لم تلق الذي تعاتبه
226. من الطبيعي أن يكون لابنك المراهق أسرارٌ خاصة به .
227. المراهق يميل بطبيعته إلى التدين، والتربية المتميزة تزيد التدين ثباتاً واستمراراً بتوفيق الله .
228. يمر الأبناء بمرحلة تغيرات كثيرة في سن البلوغ، وإذا لم تفهم تلك التغيرات والحاجات الجديدة في حياتهم ربما عشت في صراعاتٍ ومتاعب ومواجهاتٍ، وربما خسرت ابنك .
229. قد تكون مرحلةُ البلوغ مرحلةً مزعجةً للآباء بسبب تصرفات الأبناء، وعندما يتذكر الآباء أنها مرحلة مؤقتة فإنهم يزدادون صبراً وحلماً وكظماً للغيظ .(1/917)
230. كلُّ ما سبق ذكره إن لم يوافق كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو مردود مرفوض . (1)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - الإجمال في تربية الأطفال(1/918)
المبحث الثاني
أهم التوصيات المتعلقة بتربية الأولاد
يؤكد علماء الدين والتربية والسلوك بضرورة الأخذ بهذه التوصيات التي تمثل الأساس في العملية التربوية لدى الأولاد وبقدر الأخذ بهذه التوصيات تأتي نتائج التربية وأهم هذه التوصيات:
1- للقدوة الحسنة أثر كبير في نفس الطفل، فعَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ » . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) (1) . .
2- للمنزل والأسرة الأثر البالغ في حياة الطفل فينبغي أن يحاط بكل ما يغرس في نفسه روح الدين والفضيلة.
3- قيام المرأة بتربية أطفالها وقيامها على خدمة زوجها يعدل جهاد الرجل في المعركة وصلاة الجمعة في المساجد، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا وَافِدَةُ النِّسَاءِ إِلَيْكَ، هَذَا الْجِهَادُ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى الرِّجَالِ، فَإِنْ نُصِبُوا أُجِرُوا، وَإِنْ قُتِلُوا كَانُوا أَحْيَاءَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَنَحْنُ مَعْشَرَ النِّسَاءِ نَقُومُ عَلَيْهِمْ، فَمَا لَنَا مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَبْلِغِي مَنْ لَقِيتِ مِنَ النِّسَاءِ، أَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ وَاعْتِرَافًا بِحَقِّهِ يَعْدِلُ ذَلِكَ، وَقَلِيلٌ مِنْكُنَّ مَنْ يَفْعَلُهُ. (2)
4- الأبوان مفطوران على محبة الولد فلا يحرم الولد منها ومن أهم مظاهر المحبة: الرحمة بالولد والشفقة عليه والاهتمام بأمره.
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1359 )
(2) - كشف الأستار - (2 / 181) (1474) فيه ضعف(1/919)
5- على المسلم أن يتقي الله في أولاده جميعا فيسوي بينهم في الحقوق ويعاملهم على سواء ويعدل بينهم وليحذر من كراهية البنات فإنها جاهلية بغيضة حرمها الإسلام.
6- للإسلام طريقته الخاصة في إصلاح الولد وتربيته فإن كان ينفع مع الولد الملاطفة بالوعظ فلا يجوز للمربي أن يلجأ إلى الهجر وإن كان ينفع الهجر أو الزجر فلا يجوز له أن يلجأ إلى الضرب، وإذا عجز عن جميع الوسائل الإصلاحية ملاطفة ووعظا وزجرا وهجرا فلا بأس بعد هذا أن يلجأ إلى الضرب غير المبرح.
7- يحرص الإسلام على نفسية الطفل حرصا شديدا فيطلب من الأبوين تسمية أبنائهم بالأسماء الحسنة حتى لا يحصل كدر عند مناداتهم.
8- من مسؤولية الآباء والمربين ربط الولد منذ تعقله بأصول الإيمان وتعويده منذ تفهمه أركان الإسلام وتعليمه من حين تميزه مبادئ الشريعة الغراء.
وحينما تكون تربية- الطفل بعيدة عن العقيدة الإسلامية مجردة من التوجيه الديني والصلة بالله عز وجل فإن الطفل يترعرع على الفسوق والانحلال والانحراف.
9- الصحبة الصالحة وسيلة فاعلة من وسائل تربية الأولاد، لأن الصبي عن الصبي ألقن وهو عنه آخذ وبه آنس والقرين بالمقارن يقتدي، فعلى الأبوين اختيار الرفقاء الصالحين لأبنائهم.
10- في غيبة التربية الإسلامية والتهذيب الأخلاقي تنشأ النفس البشرية لدى الأطفال وفق الأهواء والرغبات والأمزجة.
فمن كان مزاجه من النوع الهادي عاش في الحياة غافلا بليدا حيا كميت وموجودا كمفقود، ومن كان يغلب على نفسه الجانب "البهيمي " جرى وراء الشهوات والملذات يطلبها بكل وسيلة.
ومن كان مزاجه من النوع العصبي جعل همه العلو في الأرض والاستكبار على الناس. وإن كان يغلب عليه الجانب الشيطاني دبر المكائد وفرق بين الأحبة ولا يصلح ذلك كله إلا التربية على الإيمان والأخلاق.(1/920)
11- التربية الإيمانية للأولاد بمثابة الأساس للبناء والتربية الأخلاقية هي ثمرة من ثمرات التربية الإيمانية الراسخة. وقد أجمع علماء التربية على أن حياة الترف والنعيم والانغماس في الشهوات والملذات من أفتك الأوبئة في إضعاف الذاكرة وتحطيم الشخصية وتمييع الخلق وقتل الرجولة ونشر الأمراض والقضاء على فضيلة الشرف والعفاف.
12- من واجب الآباء والأمهات العناية بأجسام الأولاد والنفقة عليهم بسخاء وأخذهم بالقواعد الصحية في المأكل والمشرب والنوم والتحرز من الأمراض السارية والمعدية ومعالجة الأمراض بالتداوي والعمل بمبدأ لا ضرر ولا ضرار.
وتعويد الأولاد على ممارسة الرياضة وألعاب الفروسية وحملهم على حياة التقشف والخشونة وإبعادهم عن حياة الترف والميوعة وأن ينمي المربي فيهم الجرأة الأدبية والاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية.
13- البعد بالأولاد عن الفراغ والخلوة، لأن الفراغ يشغل النفس بالباطل والخلوة تجلب الهواجس وتستقبل خواطر الشيطان.
14- الأصل في تربية الأبناء اللين وحسن المعاملة، فإن احتاج الأمر إلى عقوبة جاز استخدامها بشرط ألا تكون ناشئة عن سورة جهل أو ثورة غضب، وألا يلجأ إليها إلا في أضيق الحدود وألا يؤدب الولد على خطأ ارتكبه للمرة الأولى وألا يؤدبه على خطأ أحدث له ألما وألا يكون أمام الآخرين.
ومن أنواع العقوبة العقاب النفسي كقطع المديح أو إشعار الولد بعدم الرضا أو توبيخه أو غير ذلك ومنها العقاب البدني الذي يؤلمه ولا يضره.
15- من الضروري أن يرسم الأبوان منهاجا ثقافيا تربويا لأبنائهم منذ الصغر والطفولة يلقنونهم الآيات والمفاهيم الإسلامية كالشهادتين وشيء من سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرة أهله وأصحابه على شكل قصص وموضوعات مختصرة.
16- ومما يعين الأولاد على التربية تعويدهم على ذكر الله والتعلق به كالتسمية عند البدء بالطعام والشراب والحمد لله عند الانتهاء منهما والاستعانة به عند وصول الشدائد والشكر له عند قضاء الحوائج وحصول الخير، والحرص على تعليمهم الصلاة واصطحابهم(1/921)
إلى المساجد وتعليمهم تلاوة القرآن الكريم، وتعريفهم بالمناسبات الإسلامية. كليلة القدر والبعثة النبوية وتاريخ المعارك الإسلامية.
17- على الأبوين أن يحذرا سلوك التفريق في التعامل بين الأبناء فإن ذلك كثيرا ما يدفعهم إلى الكراهية فيما بينهم وإلى النفور من الأبوين.
18- الحذر من سلوك الانطواء والعزلة في جو العائلة عن الأهل والجيران والمجتمع، فإن ذلك يترك أثره السلبي في حياة الأبناء، أما إذا وجد الأبناء آباءهم يعيشون علاقات طيبة مع الأرحام والأقارب والجيران والأصدقاء كالزيارات وتبادل الهدايا والضيافة والاهتمام بحوائجهم فإنهم يتلقون هذه الأخلاق والعادات الحسنة ويتأثرون بها.
19- على الأبوين أن يحرصا على تربية الطفل على مفهوم الاعتذار والتوبة إذا أخطأ وأساء فيطلب منه أن يقول: (اعتذر أو عفواً أو استغفر الله.. إلخ) مع توجيهه وإرشاده.
20- التركيز على تعليم الأولاد الأخلاق المتعلقة بالغير كالعناية بحسن المظهر وآداب التحية والحديث والمجلس واحترام الآخرين والصدق في القول وترك الضحك الكثير والمزاح الكثير.
21- توجيه الأولاد لاستثمار أوقات الفراغ والمساهمة في الأعمال العامة التي تضم أقرانهم كالألعاب الرياضية والتدريب على الخط والنجارة.
22- تحبيب العلم إليهم وتوسيع أفق تفكيرهم في المستقبل وتوجيههم توجيها صحيحا في هذا المجال.
23- إبعادهم عن أصدقاء السوء وتوجيههم لاختيار الأصدقاء الصالحين الذين يستفاد منهم ومراقبة سلوكهم وإسداء النصائح لهم عندما تظهر عليهم بعض الآثار غير السليمة.
24- تعريفهم مفهوم الحلال والحرام وتدريبهم على الالتزام به.
25- محاولة نقل التجارب الاجتماعية النافعة لهم من خلال الحديث العائلي وسرد الحكم والقصص التاريخية وتحذيرهم من الأخطاء والأخطار.
26- أن يحرص الأبوان على تكوين علاقة طيبة بينهما، فإن عدم الانسجام والخلاف أو التصرفات غير السليمة بين الأبوين في البيت تنعكس على سلوك الأطفال والأبناء، فالأب(1/922)
الذي لا يحترم الأم أو الأم التي لا تحترم الأب أو ما يحصل بينهما من مشاجرة أو حالة من السخط وعدم الرضا أو جو الكآبة والكراهية كل ذلك ينعكس سلبا على الأبناء ويؤثر تأثيرا مخربا في سلوكهم وأخلاقهم وحالاتهم النفسية، كما أن علاقة الأبوين بالأبناء وأسلوب التعامل معهم يترك أثره الحسن أو السيئ في نفوسهم وعلاقتهم المستقبلية بالأبوين وعلاقتهم بالمجتمع.
فالطفل الذي لا يشعر بالحب والحنان والرعاية من أبويه قد ينشأ طفلا غير سوي عدواني السلوك والنزعة وربما ساقه ذلك التعامل إلى التشرد والكراهية أو أصيب بعقد نفسية سلبية.
وسوء المعاملة مع الطفل المراهق وعدم احترام شخصيته قد يقوده إلى الإساءة إلى والديه وإلى الآخرين وتتكون لديه عقدة النقص.
27- من الخطأ تحقير الولد وتعنيفه على أي تصرف خاطئ بصورة تشعره بالنقص والمهانة.. والصواب هو تنبيه الولد على خطئه إذا أخطأ برفق ولين مع تبيان الحجج التي يقتنع بها في اجتناب الخطأ.
28- إذا أراد المربي زجر الولد وتأنيبه ينبغي ألا يكون ذلك أمام رفقائه وإنما ينصحه منفردا عن زملائه.
29- الدلال الزائد والتعلق المفرط بالولد وخاصة من الأم يؤدي إلى نتائج خطيرة على نفس الولد وتصرفاته وقد يكون من آثاره زيادة الخجل والانطواء نحو الميوعة والتخلف عن الأقران.
30- فكرة استصغار الطفل وإهمال تربيته في الصغر فكرة باطلة والصواب أن تبدأ التربية ويبدأ التوجيه منذ الصغر من بداية الفطام حيث يبدأ التوجيه والإرشاد والأمر والنهي والترغيب والترهيب والتحبيب والتقبيح.
31- على الأبوين أن لا يستهينا بسن المراهقة لدى أبنائهما فإن لهذه السن خصوصية من المعاملة ومن هذه الخصوصية: القرب منهم ومراقبتهم بعناية وإشغالهم بشيء من المباح وإبعادهم عن أسباب الانحراف والصبر على بعض تصرفاتهم.(1/923)
32- إذا بلغ الناشئ سن الزواج وأظهر رغبة فيه فينبغي أن يختار له أبواه الزوجة الصالحة.. وإذا بلغت البنت سن النكاح واشتهت الرجال فينبغي أن يختار لها أبوها الزوج الصالح، ولا ينتظر من يأتيها من الخاطبين فقد يغفل عنها الخاطب الصالح ويخطبها غير الصالح.
33- وعلى الوالدين أن يرشدا أولادهم بعد الزواج إلى الخير ولا يتدخلا في شؤونهم الزوجية الخاصة وأن لا تضعف رابطة الأبوة بعد الزواج (1) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - انظر كتاب كَيْفَ نرَبّي أبْناءَنا تَرْبيَة صَالحَة -حمد حسن رقيط(1/924)
المبحث الثالث
من أخطاء المربين
وهذه بعض الأخطاء التي تصدر عن كثير من المربين أسأل الله أن يعيننا على تجنبها ويهدينا للصواب:
1- مخالفة قول المربي لفعله:
وهي من أهم الأخطاء حيث يتعلم الطفل من أبويه أمورا ثم يجد أنهما يخالفان ما علماه وهذا السلوك له أثره السيئ على نفس الطفل وسلوكه، ويكفينا قول الله عز وجل في إنكار هذا الأمر: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) } [الصف: 2 - 4]، فكيف يتعلم الصدق من يرى والده يكذب؟ وكيف يتعلم الأمانة من يرى والده يغش؟ وكيف يتعلم الطفل حسن الخلق وهو يرى من حوله يسبُّ ويفحش في القول ويسيء خلقه؟
2- عدم اتفاق الوالدين على منهج محدد في تربية الطفل:
فقد يتصرف الطفل أمام والديه تصرفا معينا فتكون النتيجة أن الأم تمدح وتشجع والأب يحذر ويتوعد فيحتار الطفل أيهما على صواب وأيهما على خطأ، فهو لا يستطيع بإدراكه المحدود أن يتعرف على الصواب من الخطأ فتكون نتيجة ذلك تذبذب الطفل وعدم وضوح الأمور بالنسبة له.
في حين أنه لو كان الوالدان متفقين على منهج موحد ولم يظهرا للطفل هذا الاختلاف لما كان هذا الخلل.
3- ترك الأطفال فريسة لجهاز التلفاز:
إن لوسائل الإعلام تأثيرا بالغا في سلوكيات الطفل ومكتسباته، ومن أخطر هذه الوسائل التلفاز الذي لا يكاد يخلو منه بيت وله تأثير واسع على الصغار والكبار والمثقفين ومحدودي الثقافة.(1/925)
يقول الباحث (بلومري): إن أغلب الأطفال، وكثير من الكبار يميلون إلى أن يقبلوا دون أي تساؤل جميع المعلومات التي تظهر في الأفلام، وتبدو واقعية ويتذكرون تلك المواد بشكل أفضل... فتتغذى أفكارهم بتلك القيم الهابطة....
إن كثيرا من المربين لا يكترثون لإدمان صغارهم مشاهدة التلفاز مع أن لهذا الأمر أثرا بالغا على أخلاقهم وفطرتهم حتى ما يسمى ببرامج الأطفال فإنها مليئة بالغث من الأفكار التي يستقيها الطفل من خلال مشاهدتها (فإن كثيرا من أفلام الرسوم المتحركة (الكارتون) تتضمن قصص الحب والغرام... حتى بين الكلاب أو الحيوانات الأخرى، ألم تر القطة- في تلك البرامج- على أعلى مستوى من الأناقة... تتزين برموش طويلة وعيون كحيلة جميلة .... وكعب عال... تتمايل لتخطف قلب القط).
والتركيز في إظهار الاقتتال لأجل أنثى، والسكر- أيضا- والتدخين واللصوصية والاحتيال والكذب وغيرها من الصفات غير الأخلاقية... كل تلك العروض تقتحم عالم الصغار وتلطخ الفطرة البريئة تلطيخا بحجة أنها (برامج أطفال).
إذا فلابد من حماية أبنائنا من هذا الجهاز المدمر، ولاشك أن هذا الأمر ليس سهلا ولكنه ليس مستحيلا أيضا إذا أردنا أن نحافظ على أخلاق أبنائنا ونعدَّهم لحمل رسالة دينهم وأمتهم، أعاننا الله على ذلك.
4- ترك مسؤولية التربية للخادمة أو المربية:
إن من أخطر الأخطاء وأكثرها شيوعا في مجتمعاتنا ظاهرة تشاغل الأم عن دورها الأساسي وهو رعاية بيتها وأطفالها واشتغالها بأمور هي لاشك أقل أهمية من أمر تربية الأولاد، مثل اشتغالها بالعمل خارج المنزل أو الإسراف في الزيارات وحضور الحفلات أو مجرد التكاسل وعدم مباشرة شؤون الأطفال بنفسها، مع أن لهذا أثرا كبيرا على نفسية الطفل والقيم التي يتلقاها إذ أن (الأطفال الصغار هم أول من يتضرر بخروج الأم للعمل خارج المنزل، إنهم يفقدون الحنان والعطف، فالأم إما أن تتركهم في رعاية امرأة أخرى كالخادمة وإما أن تذهب بهم إلى دور الحضانة، وفي جميع الحالات فهم يفقدون عطف الأمومة، وفي ذلك خطر كبير على نفسية الطفل وعلى مستقبله، إذ ينمو وهو فاقد(1/926)
للحنان، وفاقد الشيء لا يعطيه، فيقسو على أفراد مجتمعه فيعيش المجتمع الضياع والتفكك والقسوة، ولا يخفى أن الآخرين لا يهتمون بتهذيب الطفل وتعويده على الأخلاق الفاضلة كما يهتم به أهله، وفي ذلك ما فيه من البلاء على الطفل وعلى مجتمعه.
وقد تكون هذه الخادمة كافرة فيتلقى الطفل ما عندها من انحراف عقدي، أو أنها منحرفة أخلاقيا فيتأثر الطفل كذلك.
فلنحرص إذا اضطررنا لجلب الخادمة على أن تكون مسلمة طيبة وأن نحرص على أن لا تمكث مع الطفل إلا فترات قصيرة جدا عند الاضطرار.
5- إظهار المربي عجزه عن تربية الطفل:
وهذا يقع كثيرا عند الأمهات مع وقوعه عند الآباء أحيانا. فتجد أن الأم مثلا تقول: إن هذا الولد أتعبني، أنا لا أقدر عليه، لا أدري ماذا أصنع معه، والطفل يستمع إلى هذا الكلام فيشعر بالفخر لإزعاجه والدته ويتمادى في هذا الأمر لأنه يشعر أنه يثبت وجوده بهذه الطريقة.
6- الإسراف في العقاب والثواب:
أ- العقاب: إن العقاب أمر مشروع وهو من وسائل التربية الناجحة والتي قد يحتاجها المربي أحيانا ولكن هناك من يصرف في استخدام هذه الوسيلة إسرافا كبيرا مما يجعل هذه الوسيلة ضارة تعطي نتائج عكسية، فنسمع عمن يحبس أطفاله في غرفة مظلمة إذا أخلى والساعات طويلة، ومن الآباء من يربط أبناءه ويقيدهم إذا ارتكبوا ما يزعجه.
والعقوبة تتدرج من النظرة ذات المعنى إلى العقوبة بالضرب وقد لا يحتاج المربي إلى أكثر من نظرة فيها شيء من الاستياء أو كلمة عاتبة وقد يضطر إلى العقاب بالضرب ولكن هذا هو العلاج الأخير فلا يلجأ إليه إلا إذا استنفدت بقية الوسائل.
وهناك ضوابط لعملية العقاب بالضرب منها:
- أن لا يلجأ للضرب إلا بعد استنفاد الوسائل الأخرى.
- أن لا يضرب وهو في حالة غضب شديد مخافة الإضرار بالولد.
- أن يتجنب الضرب في الأماكن المؤذية كالوجه والرأس والصدر.(1/927)
- أن يكون الضرب في المرات الأولى من العقوبة غير شديد وغير مؤلم وأن لا يزيد على ثلاث ضربات إلا للضرورة وحيث لا تتجاوز عشر ضربات.
- أن لا يضرب الطفل قبل أن يبلغ العاشرة.
- إذا كان الخطأ للمرة الأولى يعطى الطفل فرصة ليتوب ويعتذر عما فعل ويتاح المجال لتوسط الشفعاء ليحولوا- ظاهرا- دون العقوبة مع أخذ العهد عليه.
- أن يقوم المربي بضرب الولد بنفسه ولا يترك، هذا الأمر لأحد الأخوة أو لأحد رفاق الولد لأن هذا يتسبب في كراهية الطفل لمن يتولى عقابه من الأطفال الآخرين وأن يحقد عليه.
- إذا ناهز الولد سن البلوغ والاحتلام، ورأى المربي أن العشر ضربات غير كافية لردعه فله أن يزيد عليها.
ب- الثواب: وهو كذلك من وسائل التربية، ولكن ينبغي أن يكون بقدر أيضا وأن لا يسرف في استخدامه؛ لأن ذلك الطفل سيصبح ماديا لا يفعل الأشياء الحسنة إلا بشرط المكافأة فينبغي أن يعود على فعل الخير لذاته ويشجع على ذلك أحيانا.
7- محاولة ضبط الطفل أكثر من اللازم:
بحيث لا تتاح له الفرصة للعب والمرح والحركة. وهذا يتعارض مع طبيعة الطفل وقد يضر بصحته إذ أن هذا اللعب مهم لنمو الطفل بصورة جيدة إذ أن (اللعب في المكان الطلق الفسيح من أهم الأمور التي تساعد على نمو جسم الطفل وحفظ صحته) فينبغي أن يتجنب الأب زجر الأولاد عند مبالغتهم في اللعب بالتراب أثناء النزهة على شاطئ البحر أو في الصحراء. وذلك لأن الوقت وقت ترفيه ولعب وليس وقت انضباط، وليس ثمة وقت ينطق فيه الأولاد بلا قيود إلا في مثل هذه النزهات البريئة، فلابد من التغافل عنهم بعض الشيء.
8- تربية الطفل على عدم الثقة بنفسه واحتقار ذاته:(1/928)
وهذا حادث عند كثير من الآباء للأسف، مع أن له أثرا سيئا على مستقبل الطفل ونظرته للحياة فإن من يتربى على عدم الثقة بنفسه واحتقار ذاته سوف ينشأ على الجبن والخور وعدم القدرة على مواجهة أعباء الحياة وتحدياتها حتى بعد أن يصبح راشدا.
فينبغي إذا أن نعدَّ أبناءنا للقيام بأمور دينهم ودنياهم وذلك لن يكون إلا بتربيتهم على الثقة بالنفس والاعتزاز بالذات بدون غرور أو تكبر، والحرص على ربط الولد بمعالي الأمور وإبعاده عن سفاسفها وإليكم نموذجاً يبين ما كان عليه أولاد السلف من أدب الكلام، وحسن الخطاب، وجمال القول، لتعلموا - أيها الآباء - كيف كان الأولاد في الماضي يتحدثون ويتكلمون:
قَحطتِ البادية في أيام هشام بن عبد الملك، فقدمت القبائل إلى هشام، ودخلوا عليه، وفيهم "درواس بن حبيب" وعمره أربع عشرة سنة، فأحجم القوم، وهابوا هشاماً، ووقعت عين هشام على "درواس" فاستصغره، فقال لحاجبه: ما يشاء أحد أن يصل إليّ إلا وصل، حتى الصبيان؟!. فعلم "درواس" أنه يريده، فقال: يا أمير المؤمنين! إن دخولي لم يُخلّ بك شيئاً ولقد شرّفني، وإن هؤلاء القوم قدموا لأمر أحجموا دونه، وإن الكلام نشر، والسكوت طيّ، ولا يُعرف الكلام إلا بنشره، فقال هشام: فانشر لا أبّا لك!!.. وأعجبه كلامه.
فقال: يا أمير المؤمنين! أصابتنا ثلاث سنين: فسنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة نقّت العظم، وفي أيديكم فضول أموال إن كانت لله ففرقوها على عباد الله المستحقين لها.. وإن كانت لعباد الله فعلامَ تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين، ولا يضيع أجر المحسنين.
واعلم يا أمير المؤمنين: أن الوالي من الرعية كالروح من الجسد، لا حياة للجسد إلا به.
فقال هشام: ما ترك الغلام في واحدة من الثلاث عذراً، وأمر أن يقسم في باديته مائة ألف درهم، وأمر لدرواس بمائة ألف درهم.(1/929)
فقال يا أمير المؤمنين: ارددها إلى أعطية أهل باديتي فإني أكره أن يعجز ما أمر لهم به أمير المؤمنين عن كفايتهم، فقال: فما لك من حاجة تذكرها لنفسك؟ قال: مالي من حاجة دون عامة المسلمين! (1) ..
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - تربية الأولاد في الإسلام لعلوان - (1 / 141) ولباب الآداب لأسامة بن منقذ - (1 / 100)(1/930)
أهم المصادر
1. أيسر التفاسير لأسعد حومد
2. التفسير الميسر
3. تفسير ابن أبي حاتم
4. تفسير ابن كثير - دار طيبة
5. تفسير الطبري - مؤسسة الرسالة
6. تفسير القرطبي ـ موافق للمطبوع
7. فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع
8. أخبار مكة للفاكهي (272)
9. اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة
10. الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم
11. الأحاديث المختارة للضياء
12. الأدب المفرد للبخاري
13. الترغيب والترهيب
14. التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان
15. السنن الصغرى للبيهقي
16. السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة
17. السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد
18. السنن الكبرى للبيهقي- المكنز
19. الشمائل المحمدية للترمذي
20. الفوائد لتمام 414
21. المجالسة وجواهر العلم (333)
22. المدخل إلى السنن الكبرى
23. المستدرك للحاكم مشكلا
24. المسند الجامع
25. المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية (852)
26.(1/931)
المعجم الأوسط للطبراني
27. المعجم الصغير للطبراني
28. المعجم الكبير للطبراني
29. تهذيب الآثار للطبري
30. جامع الأحاديث
31. جامع الأصول في أحاديث الرسول
32. دلائل النبوة للبيهقي
33. سنن أبي داود - المكنز
34. سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة
35. سنن ابن ماجه- المكنز
36. سنن الترمذى- المكنز
37. سنن الدارقطنى- المكنز
38. سنن الدارمى- المكنز
39. سنن النسائي- المكنز
40. شرح مشكل الآثار (321)
41. شرح معاني الآثار (321)
42. شعب الإيمان (458)
43. صحيح ابن حبان
44. صحيح ابن خزيمة مشكل
45. صحيح البخارى- المكنز
46. صحيح مسلم- المكنز
47. عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة
48. غاية المقصد فى زوائد المسند 1
49. غاية المقصد فى زوائد المسند 2
50. كشف الأستار
51. مجمع الزوائد
52. مسند أبي عوانة مشكلا
53.(1/932)
مسند أبي يعلى الموصلي
54. مسند أحمد (عالم الكتب)
55. مسند احمد بن حنبل ( بأحكام شعيب الأرنؤوط)
56. مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار
57. مسند الحميدي - المكنز
58. مسند الشاشي 335
59. مسند الشاميين 360
60. مسند الطيالسي
61. مسند عبد بن حميد
62. مصنف ابن أبي شيبة
63. مصنف عبد الرزاق مشكل
64. معرفة السنن والآثار للبيهقي
65. معرفة الصحابة لأبي نعيم (430)
66. موسوعة السنة النبوية
67. موطأ مالك- المكنز
68. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد
69. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم
70. بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار للكلاباذي
71. جامع العلوم والحكم محقق
72. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين
73. شرح ابن بطال
74. شرح النووي على مسلم
75. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين
76. عمدة القاري شرح صحيح البخاري
77. عون المعبود
78. فتح الباري لابن حجر
79. فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين
80.(1/933)
فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري
81. فيض الباري شرح صحيح البخاري
82. فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2
83. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
84. مشارق الأنوار على صحاح الآثار
85. معالم السنن للخطابي 488
86. الموسوعة الفقهية الكويتية
87. فتاوى الإسلام سؤال وجواب
88. فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة
89. فتاوى واستشارات الإسلام اليوم
90. فتاوى يسألونك لعفانة1-12
91. مجموع الفتاوى لابن تيمية
92. أدب الدنيا والدين
93. أقباس روحانية موافق للمطبوع
94. إحياء علوم الدين
95. الآداب الشرعية
96. الأذكار للنووي
97. الرسالة القشيرية
98. الزواجر عن اقتراف الكبائر
99. المدخل لابن الحاج
100. بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية
101. تربية الأولاد في الإسلام النابلسي
102. تربية الأولاد في الإسلام لعلوان
103. تربية الطفل في الإسلام
104. لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية
105. مدارج السالكين
106. موسوعة خطب المنبر - الإصدار الثاني
107.(1/934)
موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية
108. الأساليب النبوية في التعليم - ط1
109. السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث
110. حياة الصحابة للكاندهلوى
111. زاد المعاد في هدي خير العباد
112. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد
113. منهاج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تصحيح الأخطاء
114. نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم
115. الإصابة في تمييز الصحابة
116. تاريخ دمشق
117. سير أعلام النبلاء (748)
118. لسان الميزان للحافظ ابن حجر
119. ميزان الاعتدال في نقد الرجال
120. وفيات الأعيان
121. البداية والنهاية لابن كثير - موافقة للمطبوع
122. تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - موافقة للمطبوع
123. تاريخ الرسل والملوك
124. تاريخ بغداد
125. إحياء علوم الدين ومعه تخريج الحافظ العراقي
126. شرح مسند أبي حنيفة
127. موسوعة كتب ابن القيم
128. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل أن الحديث بهذه الطرق سيرة ابن هشام
129. الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ لِلْبَيْهَقِيِّ
130. أَمَالِي ابْنِ بِشْرَانَ
131. أنباء نجباء الأبناء
132. المستطرف في كل فن مستظرف
133.(1/935)
العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية
134. شَرَفُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ
135. الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ
136. طبقات ابن سعد
137. التاريخ الكبير للبخاري
138. تهذيب الكمال للمزي
139. تهذيب التهذيب لابن حجر
140. تذكرة الحفاظ للذهبي
141. شذرات الذهب لابن خلكان
142. الرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ
143. الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب
144. وترتيب المدارك وتقريب المسالك
145. مدخل لدراسة السيرة، د. يحيى اليحيى
146. الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ
147. فَضَائِلُ الْقُرْآنِ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ
148. جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ
149. أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين صلي الله عليه وسلم
150. منهج التربية النبوية للطفل لسويد
151. تاريخ آداب العرب
152. طبقات الحفاظ للسيوطي
153. المنهل العذب الروي
154. طبقات الشافعية الكبرى
155. الْكِفَايَةُ فِي عِلْمِ الرِّوَايَةِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ
156. الفرج بعد الشدة - التنوخي -
157. الأعلام للزركلي
158. العبر في خبر من غبر
159. الوافي بالوفيات
160.(1/936)
مقدمة ابن خلدون
161. سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية السُّنَّةُ لِلْمَرْوَزِيِّ
162. حجة الله البالغة
163. عمل اليوم والليلة لابن السني
164. المغني لابن قدامة
165. كشاف القناع
166. حاشية ابن عابدين
167. الطحطاوي على مراقي الفلاح
168. الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية
169. جواهر الإكليل
170. المجموع للنوي
171. روضة الطالبين للنووي
172. تحفة الراكع والساجد للجراعي
173. التويجري، محمد بن إبراهيم بن عبد الله، مختصر الفقه الإسلامي، بيت الأفكار الدولية، ط4، 1423هـ -2002م
174. مختصر الفقه الإسلامي
175. حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً
176. الزنتاني، عبد الحميد الصيد، فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة،
177. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
178. الِاعْتِقَادُ لِلْبَيْهَقِيِّ
179. الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ لِلْبَيْهَقِيِّ
180. حَدِيثُ ابْنِ الْقَاصِّ
181. فتح الغفار بشرح المنار لابن نجيم الحنفي .
182. السعادة العظمى
183. تهذيب الأخلاق لابن مسكويه
184. تنبيه المغترين للشعراني
185.(1/937)
نصيحة الملوك للماوردي
186. أنوار البروق في أنواع الفروق
187. المهذب في الآداب الإسلامية للمؤلف
188. الأمثال للرامهرمزي
189. بداية الهداية
190. حاشية الجمل على شرح المنهج
191. تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ
192. المعجم الوسيط
193. حسان شمسي باشا، كيف تربي أبناءك في هذا الزمان،
194. مَعْرِفَةُ عُلُومِ الْحَدِيثِ لِلْحَاكِمِ
195. النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا
196. طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني
197. http://www.ikhwanonline.net/print.asp?ArtID=4807&SecID=0
198. تحفة المودود في أحكام المولود
199. المنتقى - شرح الموطأ
200. بستان العارفين
201. فضائل الرمي لإسحاق القراب
202. أَمْثَالُ الْحَدِيثِ لِلرَّامَهُرْمِزِيِّ
203. أسنى المطالب وحاشية الرملي
204. نهاية المحتاج
205. المقاصد الحسنة للسخاوي
206. مُسْنَدُ الشِّهَابِ الْقُضَاعِيِّ
207. http://www.omandaily.com/05/dini/eshraqat1.htm
208. الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ
209. الْكِفَايَةُ فِي عِلْمِ الرِّوَايَةِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ
210. جواهر الأدب
211.(1/938)
أدب الدنيا والدين
212. الخلاصة في شرح حديث الولي للمؤلف
213. البيان والتبيين للجاحظ
214. الطبقات الكبرى للشعراني
215. http://www.mousastar.com/vb/showthread.php?t=13791
216. الغارة على العالم الإسلامي
217. أجنحة المكر الثلاثة للحبنكة
218. http://www.balagh.com/mosoa/tablg/ug0wx65v.htm
219. الهداية الإسلامية
220. شرح الآجرومية - حسن حفظي -
221. http://www.ishim.net/islam/childcare.htm
222. الرسول المعلم - صلى الله عليه وسلم - وأساليبه في التعليم لأبي غدة مجلة الوعي العربي سنة أولى عدد (1) عام 1977
223. الحيوان للجاحظ
224. أثر التربية في حياة الأفراد والأمم، محاضرةٌ ألقاها الإمام "حسن البنا" في جمعية الشبان المسلمين عام 1927م..
225. http://www.almarefa.net/showthread.php?t=3865
226. حياة الحيوان الكبرى
227. رجال الفكر والدعوة للندوي
228. http://www.fustat.com/bibliography/ibn_hanbal_4.shtml
229. http://www.naseh.net/vb/showthread.php?t=29281
230. http://www.sonnaonline.com/SubMosanfeen.aspx?FileID=mosanefo&ID=12
231. صيد الخاطر لابن الجوزي
232. http://www.rayah.info/browse.php?comp=viewArticles&file=article&sid=45
233.(1/939)
صفحات من صبر العلماء لأبي غدة
234. http://www.mor3ben.com/forum/archive/index.php/t-150435.html
235. http://forum.alrowadschool.com/showthread.php?t=11185
236. http://www.schoolsolympic.com/vb/showthread.php?t=1363
237. http://www.syrianmeds.net/forum/topic3359.html
238. الزُّهْدُ لِوَكِيعٍ
239. http://www.shababsyria.org/vb/showthread.php?t=23743
240. http://www.hdrmut.net/vb/t274443.html
241. http://www.qatralnada.com/vb/t3500.html
242. http://www.quranway.net/index.aspx?function=Item&id=1145&lang=
243. :http://www.moudir.com/vb/archive/index.php/t-103970.html
244. الشاملة 3
245. برنامج قالون
246. الكامل في اللغة والأدب
247. زهر الأكم في الأمثال و الحكم
248. محاضرات الأدباء
249. http://www.islamweb.net/media/index.php?page=article?=A&id=31374
250. http://www.alukah.net/articles/1/1890.aspx
251. كتاب العلم،للشيخ محمد بن عثيمين
252.(1/940)
أصول التربية الإسلامية،لعبد الرحمن النحلاوي
253. تيسير العلي القدير،لحمد نسيب الرفاعي
254. تفسير الشعراوي
255. كيف نربي أطفالنا،لمحمود الاستانبولي
256. تربية البنات،لخالد الشتنوت
257. صيد الخاطر
258. أربعون نصيحة لإصلاح البيوت،لمحمد المنجد
259. أخلاق المسلم،لمحمد مبيض
260. المشكلات النفسية عند الأطفال،لزكريا الشربيني
261. "كيف تربي ولدك" تأليف ليلى بنت عبد الرحمن الجريبة
262. الإنسان بين علو الهمة وهبوطها للمؤلف
263. http://www.alukah.net/articles/1/1890.aspx
264. الرسول والعلم،مؤسسة الرسالة،بيروت ط (5) 1991م د.يوسف القرضاوي
265. أَخْبَارُ أَصْبَهَانَ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ
266. وجُزْءُ الْأَلْفِ دِينَارٍ لِلْقَطِيعِيِّ
267. أ.صالح عبد العزيز ود.عبد العزيز عبد المجيد:التربية وطرق التدريس
268. د.محمد أحمد عبد الهادي:المربي والتربية الإسلامية دار البيان العربي،جدة ط (1) 1984 م
269. سيرة ابن هشام
270. الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ لِلْبَيْهَقِيِّ
271. أَمَالِي ابْنِ بِشْرَانَ
272. أنباء نجباء الأبناء
273. المستطرف في كل فن مستظرف
274. العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية
275. شَرَفُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ
276. النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا
277. عمارة محمود محمد،تربية الأولاد في الإسلام من الكتاب والسنة
278.(1/941)
عشرة النساء للنسائي كاملة -بتحقيقي - ط2 -
279. مناقب أبي حنيفة للإمام الموفق بن أحمد المكي المتوفى سنة (568 هـ)
280. أَخْلَاقُ النَّبِيِّ لِأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ
281. مُعْجَمُ أَسَامِي شُيُوخِ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ
282. شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد1-20 -
283. الزهْدُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
284. الزواجر عن اقتراف الكبائر
285. الزهد أبي داود
286. سياسة الصبيان وتدبيرهم ت : الدكتور محمد الحبيب السهيلة ط الدار التونسية
287. إعلام الموقعين عن رب العالمين
288. تفسير سورة النور للمودودي
289. الدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية
290. مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا
291. كتاب كَيْفَ نرَبّي أبْناءَنا تَرْبيَة صَالحَة -حمد حسن رقيط
292. لباب الآداب لأسامة بن منقذ
293. الإجمال في تربية الأطفال
294. البحر المديد ـ موافق للمطبوع
295. تفسير أبي السعود
296. تفسير الألوسي
297. تفسير البيضاوي
298. مفردات ألفاظ القرآن ـ نسخة محققة
299. الدر المنثور للسيوطي -موافق للمطبوع
300. تفسير الخازن ـ موافق للمطبوع -
301. تفسير الفخر الرازى ـ موافق للمطبوع -
302. تراجم شعراء موقع أدب
303. المحاسن والمساوئ
304. لباب الآداب لأسامة بن منقذ(1/942)
الفهرس العام
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.(1/943)
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.(1/944)
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
الأساس العقدي الثاني: حب الله تعالى والاستعانة به ومراقبة الله, والإيمان بالقضاء والقدر: ... 63
الأساس العقدي الثالث: ترسيخ حب النبي - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته الأطهار وأصحابه الكرام: ... 71
1- ما ورد في ترسيخ محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله الأطهار، وصحابته الأخيار : ... 72
2- كيف ترسخ محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأطفال ؟ ... 73(1/945)
أ- السرعة في الاستجابة لندائه، وتنفيذ أوامره : ... 73
ب- قتال الأطفال لمن يؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 76
ج- حب أطفال الصحابة لما يحبُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكراهيتهم للجاهلية : ... 79
د- حفظ أطفال الصحابة والسلف للأحاديث النبوية : ... 80
هـ -دراسة الأطفال للسيرة النبوية، ومدى تأثيرها فيهم : ... 92
و- حرص الأمهات على آثار الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليكون بركة على أطفالهم : ... 93
الأساس العقدي الرابع: تعليم الطفل القرآن الكريم: ... 95
1- ما ورد في تعليم الأطفال القرآن : ... 96
2- أجر الوالدين في تعليم القرآن : ... 98
3- فهم الطفل للقرآن : ... 100
4- كيف يؤثر القرآن في نفس الطفل : ... 101
5- بماذج من حفظة القرآن من الأطفال : ... 104
6- طفولة عجيبة في حفظ القرآن : ... 105
7- متى يبدأ الطفل بتعلم القرآن ؟ ... 105
8- مكافأة للمقرئ والطفل : ... 106
9- المدارس الإسلامية في البلاد الإسلامية : ... 106
الأساس العقدي الخامس: تربية الثبات على العقيدة والتضحية من أجلها: ... 109
1- غلام الأخدود قدوة للأطفال: ... 111
2- نماذج من تضحيات الصحابة والسلف الصالح : ... 112
الأساس العقدي السادس- تعليم الأطفال أحكام الحلال والحرام: ... 116
المبحث الثاني ... 118
البناءُ العباديُّ ... 118
تمهيد : ... 119
الأساس العبادي الأول ... 120
الصلاة ... 120
1- مرحلة الأمر بالصلاة : ... 120
2- مرحلة تعليم الطفل الصلاة : ... 121(1/946)
3- مرحلة الأمر بالصلاة والضرب عليها : ... 126
4- تدريب الأطفال على حضور صلاة الجامعة : ... 127
5- نموذج للأطفال في قيام الليل : ... 128
6- تعويد الطفل على صلاة الاستخارة : ... 129
7- اصطحاب الأطفال لصلاة العيد : ... 130
الأساس العبادي الثاني ... 131
الطفل والمسجد ... 131
1- أخذ الطفل إلى المسجد : ... 131
2- ربط الطفل بالمسجد : ... 134
الأساس العبادي الثالث ... 141
الصوم ... 141
الأساس العبادي الرابع ... 146
الزكاة ... 146
الأساس العبادي الخامس ... 149
الحج ... 149
ماورد في حج أطفال الصحابة : ... 153
محاسن وأسرار الحج : ... 154
المبحث الثالث ... 156
البناءُ الاجتماعيُّ ... 156
تمهيد : ... 157
الأساس الأول - اصطحاب الطفل لمجالس الكبار : ... 157
الأساس الثاني - إرسال الطفل لقضاء الحاجات : ... 162
الأساس الثالث- تعويد الطفل سنَّة السلام : ... 164
الأساس الرابع - عياة الطفل إذا مرض : ... 166
الأساس الخامس - اتخاذ الطفل أصدقاء من الأطفال : ... 168
الأساس السادس - تعويد الطفل البيع والشراء: ... 171
الأساس السابع - حضور الأطفال للحفلات المشروعة : ... 172(1/947)
الأساس الثامن - مبيت الطفل عند أقربائه الصالحين : ... 173
خاتمة - نموذج عملي من اجتماعية الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال : ... 174
المبحث الرابع ... 184
البناءُ الأخلاقيُّ ... 184
تمهيد : ... 185
الأساسُ الخلُقيُّ الأول- خلق الأدب : ... 186
ما ورد في غرس الأدب في الأطفال : ... 186
نماذج من حياة السلف الصالح : ... 189
أنواع الآداب النبوية للأطفال : ... 190
1- الأدب مع الوالدين : ... 190
2- الأدب مع العلماء : ... 196
3- أدب الاحترام والتوقير : ... 200
4- أدب الأخوَّة : ... 201
5- أدب الجار : ... 202
6-أدب الاستئذان : ... 203
7-أدب الطعام: ... 206
8- أدب مظهر الطفل: ... 207
9-أدب استماع القرآن: ... 214
الأساسُ الخلُقيُّ الثاني- خلُق الصدق: ... 216
الأساسُ الخلُقيُّ الثالث- خلُق كتم الأسرار : ... 219
الأساسُ الخلُقيُّ الرابع- خلُق الأمانة : ... 220
الأساسُ الخلُقيُّ الخامس -خلُق سلامة الصدر من الأحقاد : ... 222
الأساس الخلقي السادس - التحذير من الأخلاق الهابطة: ... 224
1- خلق الكذب: ... 224
2- خلق السرقة: ... 227
3- خلق السباب والشتائم: ... 234
4- خلق الميوعة والانحلال: ... 242(1/948)
خاتمة: مثال عمليٌّ من خلُق الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال : ... 245
المبحث الخامس ... 248
البناء العاطفي والنفسي ... 248
تمهيد : ... 249
الأساس الأول- القبلة والرأفة والرحمة بالأطفال : ... 249
الأساس الثاني - المداعبة والممازحة مع الأطفال : ... 253
الأساس الثالث- الهدايا والعطايا للأطفال: ... 260
الأساس الرابع - مسح رأس الطفل : ... 262
الأساس الخامس -حسن استقبال الطفل: ... 264
الأساس السادس-تفقد حال الطفل والسؤال عنه : ... 266
الأساس السابع - الرعاية الخاصة بالبنت واليتيم : ... 268
1- رعاية تربية البنت : ... 269
القاعدة الأولى - النهي عن كراهية البنات : ... 270
القاعدة الثانية - المساواة بين الذكر والأنثى وعدم المفاضلة بينهما: ... 278
القاعدة الثالثة-أجر التربية والإحسان والصبر تربية البنات وتزويجهن : ... 283
2- تربية اليتيم واليتيمة : ... 285
القاعدة الأولى - أجر رعاية اليتيم وتربيته: ... 285
القاعدة الثانية - حفظ مال اليتيم والتجارة له : ... 288
القاعدة الثالثة -أجر الأم التي تربي أيتامها ولا تتزوج: ... 291
القاعدة الرابعة- معاملة اليتيم مثل الابن في التربية والتعليم والتأديب : ... 292
الأساس الثامن - التوازن في حب الطفل بلا إفراط ولا تفريط : ... 294
القاعدة الأولى - أن تلزم نفسك وولدك بشرع الله تعالى : ... 295
القاعدة الثانية - أن تكون مضيافاً كريماً : ... 301
القاعدة الثالثة - الصبر على مرض ووفاة الطفل، واحتساب الأجر عند الله : ... 307
1- ... الصبر على مرض الولد: ... 307
2- ... أجر الصبر على وفاة الطفل : ... 308
المبحث السادس ... 324(1/949)
البناء الجسميُّ ... 324
تمهيد : ... 325
الأساس الأول - حق الطفل في تعلم السباحة، والرماية، وركوب الخيل: ... 327
الأساس- الأساس الثاني- إجراء المسابقات الرياضية بين الأطفال: ... 329
الأساس الثالث- لعب الكبار مع الأطفال: ... 330
الأساس الرابع- لعب الأطفال مع الأطفال : ... 334
خاتمة- فوائد الرياضة للأطفال: ... 339
أنواع اللعب: ... 339
من الناحية الجسمية : ... 340
من الناحية العقلية : ... 340
من الناحية الاجتماعية : ... 341
من الناحية النفسية: ... 341
فوائد اللعب كعلاج لنفسية الطفل: ... 342
من الناحية الذاتية : ... 343
من الناحية الخلُقية: ... 344
من الناحية الإبداعية : ... 344
من الناحية التربوية : ... 344
فوائد اللعب الجماعي: ... 344
فوائد اللعب بالتراب: ... 345
المبحث السابع ... 346
البناء العلمي والفكري ... 346
تمهيد : ... 347
الأساس الأول - حق الطفل في التعلم، وغرس حب العلم وآدابه في الطفل . ... 348
الأساس الثاني - حفظ الطفل لقسمٍ من القرآن والسنَّة، وإخلاص النية بحفظهما . ... 355
الأساس الثالث - اختيار المدرِّس الصالح، والمدرسة الصالحة للطفل . ... 380
الأساس الرابع - إتقان الطفل للغة العربية . ... 389
الأساس الخامس - إتقان الطفل اللغة الأجنبية . ... 393(1/950)
الأساس السادس - توجيه الطفل وفق ميوله العلمية . ... 398
الأساس السابع - المكتبة المنزلية الصالحة، وأثرها في بناء الطفل. ... 399
الأساس الثامن -رواية طفولة علماء السلف الصالح أمام الأطفال. ... 408
خاتمة- نموذج من أطفال الصحابة ممن جمع بين العلم والقرآن والجهاد ... 416
المبحث الثامن ... 417
البناءُ الصحيُّ ... 417
تمهيد : ... 418
المبحث الأول-أسس البناء الصحي : ... 419
الأساس الأول -رياضة الطفل للسباحة والرماية وركوب الخيل والمصارعة والجري . ... 419
الأساس الثاني- تعود الطفل سنَّة السواك. ... 421
الأساس الثالث -اهتمام الطفل بالنظافة وتقليم الأظافر . ... 424
الأساس الرابع - اتباع السنن النبوية في الأكل والشرب. ... 428
الأساس الخامس- نوم الطفل على شقه الأيمن . ... 431
الأساس السادس -تعلم الطفل للعلاج الطبيعي . ... 433
الأساس السابع- النوم بعد العشاء والاستيقاظ المبكر لصلاة الفجر . ... 437
الأساس الثامن - إبعاد الأطفال عن الطفل المريض مرضاً معدياً . ... 439
الأساس التاسع - رقية الأطفال من العين الحاسدة والجنِّ. ... 440
المبحث الثاني - العلاجات النبوية : ... 441
1- السرعة في معالجة المريض . ... 441
2-عيادة وزيارة الطفل المريض. ... 441
3- العلاج باستخدام العود الهندي. ... 442
4- العلاج بالحجامة . ... 444
5- العلاج بالدعاء والرُّقى . ... 451
6- العلاج من إصابة العين الحاسدة . ... 454
7-النهي تعليق شيء على الطفل ما لم يكن قرآناً أو حديثاً نبويًّا أو أثراً. ... 460
المبحث التاسع ... 463(1/951)
تهذيب الدافع الجنسي للطفل ... 463
تمهيد : ... 464
الأساس التهذيبي الأول – استئذان الطفل في الدخول : ... 464
حكم الطفل غير المميز: ... 467
الأساس التهذيبي الثاني – تعويد الطفل غض البصر، وحفظ العورة : ... 470
الأساس التهذيبي الثالث – التفريق في المضاجع بين الأطفال : ... 473
الأساس التهذيبي الرابع – نوم الطفل على شقه الأيمن، وابتعاده عن النوم على بطنه : ... 474
الأساس التهذيبي الخامس – ابتعاد الطفل عن الاختلاط والمهيجات الجنسية : ... 476
الأساس التهذيبي السادس – تعلم الطفل المميز فروض الغسل، وسننه . ... 477
الأساس التهذيبي السابع- شرح مقدمة سورة النور، وتحفيظها للطفل المميز : ... 478
الأساس التهذيبي الثامن- المصارحة الحنسية والتحذير من الفاحشة: ... 480
الأساس التهذيبي التاسع- الزواج المبكر : ... 484
الفصل الثالث ... 488
حقوق الولد على والديه ... 488
المبحث ... 488
حقوق المولود قبل الولادة ... 488
الحقُّ الأول ... 488
اختيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح ... 488
أسس اختيار الزوجة من أجل طفل أفضل : ... 489
الحقُّ الثاني ... 495
اتباع السنَّة في المعاشرة الزوجية وطلب الولد الصالح ... 495
الحق الثالث ... 497
حقوق الجنين ... 497
جَوَازُ الْفِطْرِ لِلْحَامِل وَالْمُرْضِعِ فِي رَمَضَانَ: ... 497
الاعتناء بصحة الحامل : ... 498
مَنْعُ الإِْجْهَاضِ: ... 498(1/952)
أ - حُكْمُ الإِْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ : ... 499
ب - حُكْمُ الإِْجْهَاضِ قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ : ... 500
بَوَاعِثُ الإِْجْهَاضِ وَوَسَائِلُهُ : ... 502
عُقُوبَةُ الإِْجْهَاضِ : ... 502
تأجيل إقامة الحد على المرأه الحامل حتى تضع حملها: ... 503
المبحث الثاني ... 505
حقوق المولود منذ الولادة حتى البلوغ ... 505
الحق الأول ... 505
استحباب البشارة بالمولود ... 505
الحق الثاني ... 506
اتباع السنَّة في استقبال المولود ... 506
سنن المولود والحكم التربوية : ... 509
من فوائد العقيقة : ... 511
تسميته باسم حسن : ... 511
الحكمة من الختان : ... 514
الحقُّ الثالث ... 517
الرضا بقسمة الله من الذكور والإناث وعدم تسخط البنات ... 517
الحقُّ الرابع ... 520
الرضاعة إلى الحولين والفطام ... 520
خصائص لبن الأم : ... 523
الرضيع والفطام تربويا ً: ... 524
الحقُّ الخامس ... 526
أن تحضن الأم ابنها ... 526
حَقُّ الْحَضَانَةِ : ... 526
مَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ: ... 528
الحق السادس ... 531(1/953)
الاهتمام بالطفل في السنوات الست الأولى من حياته ... 531
أولا: منح الطفل ما يحتاجه من حبٍّ وحنانٍ من قبل الوالدين وخاصة الأم: ... 531
ثانيا: أن يعوَّد الطفل الانضباط من أول حياته (منذ الأشهر الأولى): ... 531
ثالثا: أن يمثل الوالدان قدوة صالحة للطفل من بداية حياته: ... 531
رابعا: يعوَّد الطفل على آداب عامة يلزمها في تعامله منها: ... 532
خامسا- تنمية جانب الثقة في النفس وتحمل المسئولية عند الطفل ... 538
الحقُّ السابع ... 542
الاهتمام بالطفل فيما بعد السنوات الست الأولى من حياته ... 542
أولا: تعريف الطفل بخالقه بشكل مبسط: ... 542
ثانياً: تعليم الطفل بعض الأحكام الواضحة ومن الحلال والحرام: ... 543
ثالثا: تعليم الطفل تلاوة القرآن: ... 544
الحقُّ الثامن ... 547
ألا يرزقه إلا طيباً من الكسب الحلال ... 547
الحقُّ التاسع ... 548
أن يعلِّمه الصلاة ويعوِّده عليها ... 548
الحقُّ العاشر ... 549
أن يدربه على الصوم ... 549
الحقُّ الحادي عشر ... 551
تربية البنات على الحجاب ... 551
الحقُّ الثاني عشر ... 555
أن يعلَّم الأطفال آداب الاستئذان في الدخول ... 555
الحقُّ الثالث عشر ... 558
أن يعدِل الوالدان بين أولادهم ... 558
الحقُّ الرابع عشر ... 560
تخيِّرُ الصحبة الصالحة لهم ... 560
الحقُّ الخامس عشر ... 562(1/954)
توفير أسباب اللهو واللعب المفيد ... 562
الحق السادس عشر ... 564
أن يعوله حتى سن الرشد ... 564
الحقُّ السابع عشر ... 567
الرحمة وما يتفرع عنها من حب وحنان وعطف ... 567
الحقُّ الثامن عشر ... 570
من حق الأولاد التأديب ... 570
من صور تأديب الأولاد: ... 571
الخلاصة في عقوبة الأطفال : ... 576
1- النصح والإرشاد والتنبيه: ... 576
2- الإعراض: ... 576
3- التعبيس: ... 577
4- الزجر: ... 577
5- الكف عن العمل: ... 577
6- الهجر: ... 578
7- التوبيخ : ... 579
8- تعليق العصا أو السوط: ... 580
الحقُّ التاسع عشر ... 582
تعليم الطفل حقوق الوالدين ... 582
أهم الآداب الإسلامية مع الوالدين: ... 583
تجنّب الأمور المؤدية إلى العقوق ومنها: ... 585
الحق العشرون ... 587
ربط الطفل بالقدوات العظيمة في الإسلام ... 587
الحقُّ الواحد والعشرون ... 589
تعليم الطفل الآداب الاجتماعية العامة ... 589
الحقُّ الواحد والعشرون ... 592(1/955)
تعليم الولد أحكام المراهقة والبلوغ ... 592
الحقُّ الثاني والعشرون ... 595
تزويجه إذا بلغ امرأة صالحة ... 595
الفصل الرابع ... 596
أسس الأساليب المخاطب بها الوالدان والمربون والالتزام بها ... 596
الأساس الأول ... 597
القدوة الحسنة ... 597
الأساس الثاني ... 599
تحين الوقت المناسب للتوجيه ... 599
1- النزهة والطريق والمركب: ... 599
2- وقت الطعام : ... 600
3- وقت المرض: ... 603
4- أوقات مختلفة : ... 604
الأساس الثالث ... 608
العدل والمساواة بين الأطفال ... 608
الأساس الرابع ... 613
الاستجابة لحقوق الأطفال وتلبيتها ... 613
الأساس الخامس ... 618
الدعاء للولد لا عليه ... 618
الأساس السادس ... 623
شراء اللعب لهم ... 623
الأساس السابع ... 626
مساعدة الأطفال على البر والطاعة ... 626
الأساس الثامن ... 627
الأساس الثامن ... 627
الابتعاد عن كثرة اللوم والعتاب ... 627(1/956)
الفصل الخامس ... 629
أسس الأساليب الفكرية المؤثرة في عقل الطفل ... 629
الأساس الأول ... 630
رواية القصص ... 630
1- قصة إبراهيم وإسماعيل وأمه عليهم السلام : ... 634
2- قصة ذي الكفل: ... 638
3- قصة الأقرع والبرص والأعمى : ... 639
4- قصة المقترض ألف دينار : ... 641
5- قصة جرة الذهب : ... 644
6- قصة ابن عمر والراعي : ... 645
الأساس الفكري الثاني ... 648
الخطاب المباشر للطفل ... 648
الأساس الفكري الثالث ... 652
مخاطبة الطفل على قدر عقله ... 652
الأساس الفكري الرابع ... 658
الحوار الهادئ ... 658
الأساس الفكري الخامس ... 663
تدريب حواس الطفل بالتجارب العملية ... 663
الأساس الفكري السادس ... 664
شد الطفل إلى شخصية ثابتة قدوة له هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... 664
الفصل السادس ... 666
أسس الأساليب النفسية المؤثرة في نفس الطفل ... 666
الأساس النفسي الأول ... 667
صحبة الطفل ... 667
الأساس النفسي الثاني ... 672
إدخال السرور والفرح إلى نفس الطفل ... 672(1/957)
الأساس النفسي الثالث ... 676
زرع التنافس البنَّاء بين الأطفال، ومكافأة الفائز ... 676
الأساس النفسي الرابع ... 678
مبدأ تشجيع الأطفال ... 678
الأساس النفسي الخامس ... 681
المدح والثناء ... 681
الأساس النفسي السادس ... 683
ملاعبة الطفل والتصابي له ... 683
الأساس النفسي السابع ... 687
تنمية ثقة الطفل بنفسه ... 687
الأساس النفسي الثامن ... 690
حسن النداء للطفل ... 690
الأساس النفسي التاسع ... 698
الاستجابة لميولهم وترضيتهم ... 698
الأساس النفسي العاشر ... 702
أثر التكرار في نفس الطفل ... 702
الأساس النفسي الحادي عشر ... 709
التدرج في الخطوات مع الطفل ... 709
الأساس النفسي الثاني عشر ... 711
الترغيب والترهيب ... 711
الفصل السابع ... 714
أسلوب الترغيب في بر الوالدين والترهيب من عقوقهما ... 714
وصايا قرآنية ... 716
تمهيد حول بر الوالدين ... 721
المبحث الأول ... 723
أسس بر الوالدين في حياتهما ... 723(1/958)
الأساس الأول - ثواب البر في الدنيا والآخرة : ... 723
أثرُ برِّ الوالدين في الدنيا : ... 725
أثرُ برِّ الوالدين في الآخرة : ... 725
الأساس الثاني - تقديم بر الوالدين على الفروض الكفائية: ... 727
1- تقديم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله: ... 728
2- تقديم بر الوالدين على الزوجة والأصدقاء : ... 729
3- تقديم بر الوالدين على حج التطوع: ... 730
5- تقديم بر الوالدين على الأولاد : ... 732
6- تقديم بر الأم على النوافل : ... 733
7- تقديم بر الوالدين على الهجرة في سبيل الله . ... 736
8- نموذج من بر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بوالديه وبر ابنته فاطمة له : ... 737
الأساس الثالث - لا طاعة للوالدين في معصية الخالق مع بقاء الإحسان إليهما ... 738
الأساس الرابع -أحق الناس بحسن صحبتك والداك : ... 749
الأساس الخامس - تقديم بر الأم على الأب عند التعارض، بعد محاولة التوفيق بينهما : ... 750
الأساس السادس - أنت ومالك لأبيك : ... 752
الأساس السابع -عتق الوالدين من أي مال استحق بذمتهما : ... 757
الأساس الثامن - الدعاء المتبادل بين الأبوين وأبنائهم : ... 759
الأساس التاسع -ألا تستَسبَّ لوالديك: ... 761
الأساس العاشر - أشهر الانتساب لأبيك، واعتزَّ به : ... 763
الأساس الحادي عشر -الحج عمن عجز منهما صحيا عن أدائه .: ... 765
الأساس الثاني عشر- إنفاذ نذرهما : ... 766
الأساس الثالث عشر -العقوق من الكبائر، وجزاؤه في الدنيا والآخرة : ... 766
المبحث الثاني ... 770
أسس البر بعد وفاة أحدهما أو كليهما ... 770
الأساس الأول -إنفاذ عهدهما، ووصيتهما : ... 770
الأساس الثاني- الدعاء والاستغفاء لهما : ... 772
الأساس الثالث -صلة رحمهما، وبر أصدقائهما: ... 773(1/959)
الأساس الرابع - الصدقة عنهما : ... 774
الأساس الخامس - الحج عنهما : ... 776
الأساس السادس- المسارعة للعمل الصالح لإدخال السرور على الوالد المتوفى : ... 778
الأساس السابع- زيارة قبريهما : ... 779
الأساس الثامن - برُّ قسمهما، وألا تستسبَّ لهما : ... 780
الأساس التاسع – الصوم عنهما : ... 780
الفصل الثامن ... 783
أسلوب تأديب الطفل ... 783
تمهيد : ... 784
الأساس الأول: التأديب ضرورة تربوية : ... 785
الأساس الثاني: تصحيح خطأ الطفل فكريا ثم عمليًّا: ... 788
أولا - التصحيح الفكري لخطأ الطفل: ... 788
ثانيا- التصحيح العملي في الواقع الميداني لخطأ الطفل : ... 797
الأساس الثالث: التدرج في تأديب الطفل : ... 800
المرحلة الأولى - رؤية الطفل للسوط، والخوف منه : ... 800
المرحلة الثانية: شد أذن الطفل: ... 801
المرحلة الثالثة: الضرب وقواعده : ... 803
القاعدة الأولى: ابتداء الضرب من سن العاشرة : ... 803
القاعدة الثانية: أقصى الضربات للتأديب ثلاثة، وللقصاص عشرة : ... 805
القاعدة الثالثة: الالتزام بمواصفات أداة الضرب وطريقته ومكانه : ... 807
القاعدة الرابعة: لا ضرب مع الغضب : ... 811
القاعدة الخامسة: ارفع يدك عن الضرب إذا ذكر الطفل الله تعالى: ... 812
الأساس الخامس: مضار القسوة في الضرب: ... 815
الأساس السادس: تضمين المعلم إذا تجاوز في العقوبة ... 818
أولا- جواز الضَّرْبِ لِلتَّعْلِيمِ : ... 818
ثانيا- ضَمَانُ ضَرْبِ التَّعْلِيمِ : ... 818
الفصل التاسع ... 820(1/960)
قضايا تربوية هامة ... 820
المبحث الأول ... 820
الأسباب التي تؤدي إلى انحراف الأولاد وعلاجها ... 820
المبحث الثاني ... 826
من أسباب انحراف الأولاد ... 826
المبحث الثالث ... 830
الحذر من إهمال تربية الأولاد ... 830
المبحث الرابع ... 832
من الأخطاء الشائعة في تربية الأولاد ... 832
المبحث الخامس ... 834
ما أهمية الحبِّ في تربية الأولاد ... 834
المبحث السادس ... 837
البرنامج الصحي للأولاد ... 837
المبحث السابع ... 843
كيف نحصن أبناءنا من الانحرافات الخلقية؟ ... 843
المبحث الثامن ... 847
المبحث الثامن ... 847
حكم اللعب بالميسر واليانصيب ... 847
المبحث التاسع ... 849
الأولاد.. والعادات الخاطئة ... 849
المبحث العاشر ... 852
تحصين الأبناء من خطر المخدرات ... 852
المبحث الحادي عشر ... 855
ما يهمُّ الآباءَ والمربين ... 855
س: هل يجوزُ للأم اصطحاب رضيعها إلى المسجد؟ ... 855
س: متى تغلَّب مصلحة الإسلام على حب الولد؟ ... 855(1/961)
س: ما هو ثواب الصابر على موت ولده؟ ... 856
س: ما حكم ختان الولد؟ ... 856
س: ما حكم ختان البنت؟ ... 856
س: كيف تغتسلُ الفتاة؟ ... 857
س: وكيف يغتسل الفتى من الجنابة؟ ... 858
س: ما حكم الشرع في التدخين؟ ... 859
المبحث الثاني عشر ... 864
كيف نغرس قيمة الوقت عند أبنائنا؟ ... 864
الفصل العاشر ... 867
الفصل العاشر ... 867
وصايا لقمان لابنه ... 867
المبحث الأول ... 867
التفسير العام للآيات ... 867
المبحث الثاني ... 878
الجوانب التربوية لوصايا لقمان ... 878
أولا: الدعوة إلى غرس عقيدة التوحيد: ... 878
ثانيا: بر الوالدين: ... 882
ثالثًا: التربية على الإِيمان بقدرة الله عز وجل: ... 884
رابعًا: التوجه إلى الله تعالى بالصلاة، والتوجه إلى الناس بالدعوة إليه تعالى والصبر في سبيل الدعوة ومتاعبها: ... 887
أ- الأمر بإقامة الصلاة: ... 887
خامسًا: الآداب الاجتماعية: ... 895
الفصل الحادي عشر ... 902
وصايا تربوية عامة ... 902
المبحث الأول ... 902
وقفات هامة في تربية الأبناء ... 902(1/962)
المبحث الثاني ... 919
أهم التوصيات المتعلقة بتربية الأولاد ... 919
المبحث الثالث ... 925
من أخطاء المربين ... 925
1- مخالفة قول المربي لفعله: ... 925
2- عدم اتفاق الوالدين على منهج محدد في تربية الطفل: ... 925
3- ترك الأطفال فريسة لجهاز التلفاز: ... 925
4- ترك مسؤولية التربية للخادمة أو المربية: ... 926
5- إظهار المربي عجزه عن تربية الطفل: ... 927
6- الإسراف في العقاب والثواب: ... 927
7- محاولة ضبط الطفل أكثر من اللازم: ... 928
8- تربية الطفل على عدم الثقة بنفسه واحتقار ذاته: ... 928(1/963)