بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الحاجة:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا، و من سيئات أعمالنا،{ من يهد الله فهو المهتد}، {ومن يضلل فلا هادي له }، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}،{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا }،{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}، أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، و شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
مقدمة الرسالة:(1/1)
إخوة الدين والملة : لقد التزمت في هذا المبحث المتواضع يعلم الله تعالى منهج الوسطية والاعتدال الذي من سلكه كان من القائمين بالقسط والإنصاف بين الناس علما وعملا على وفق ضوابط وقواعد النقل عند أهل العلم من غير ميول إلى رأي دون الأخر إلا فيما كان ولا بد مما هو من أصول أهل السنة والجماعة الذين ليسوا بالخوارج الغلاة ولا بالمرجئة الجفاة في المقابل، ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إذ يقول : " وهذه الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة هم وسط في النحل كما أن ملة الإسلام وسط في الملل "، كما أخبر طلبة العلم أني أردت من خلال هذه الرسالة المتواضعة : أن أبين فيها بفضل الله تعالى أهم الملامح العامة للفرقة الناجية الطائفة المنصورة والمميزات الرائعة لأهل السنة والجماعة وفضا منهجهم على منهج غيرهم من طوائف الضلال والهلاك، وقد ذكرت كلام الأئمة الأعلام في الباب، ونقلت النصوص من غير تصرف وعزوت الفوائد إلى أصحابها بأمانة، وعززت ما نقله هؤلاء الأعلام الأساطين بكلام غيرهم من العلماء الفحول مع اختلاف مذاهبهم في دائرة السنة والجماعة، وسقت كلام الشراح على طريقة اهل الحديث بما يوضح معتقد وأصول أهل السنة والجماعة في الفرقة الناجية الطائفة المنصورة، وقسمت البحث إلى فصول وأقسام ، كل قسم منه جعلت له عناوين تشرح ما في فقرته من المسائل العلمية، ففي الفصل الأول تكلمت عن : أهم مميزات الطائفة المنصورة من علم نافع وعمل صالح وتجديد للدين، وبينت أقدمية الفرقة الناجية وبقاءها ما بقيت السماوات والأرض حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، وبينت منزلة أهل الحديث الأخيار في هذه الزمرة الربانية، وما تحتوي عليه هذه الأمة من أنواع الصالحين والعلماء والعابدين والمجاهدين والمرابطين، ثم أعطيت نبذة عن أصحاب البدع ورؤوس الضلال وأئمة الشرك المخالفين لأهل النجاة والفكاك من البدع و الكفر والردة والإشراك،(1/2)
وأعترف أنني ما أعطيت البحث حقه لعظمة الموضوع وقلة الوقت، والله الهادي إلى طريق الرشاد والصلاح والسداد، ثم تكلمت عن هذا الامتداد السني المبارك للفرقة الناجية المتواصل من زمن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين إلى آخر من يقاتل الدجال من هذه الأمة المباركة الميمونة، ولقد شرحت من خلال نقل كلام العلماء ما نقله العلماء والفقهاء في أقوال الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، و وضحت المعالم الكبرى للطائفة المنصورة وما اتصفت به هذه الفرقة الربانية الناجية من الصفات كالقهر لعدوهم والغلبة عليه والانتصار على أمم الشرك والكفر ، وبينت فضلهم وذكرت نصوص العلماء فيهم أنهم هم الأخيار الأبرار ما كان و لا يكون مثلهم من لدن الصحابة إلى قيام الساعة كل عصر برجاله، ثم بينت المواطن بالدليل التي تتمركز فيه هذه الطائفة المنصورة عبر العصور والأزمان، وبيت كذلك أن الطائفة المنصورة هي كل طائفة من أهل السنة والجماعة لها اعتقاد على السنة سليم، ومنهج على مذهب أهل الحديث قويم، وذكرت كذلك في المبحث فضائل الشام المباركة وأنها هي عقر دار المؤمنين في آخر الزمن، وأن الله يجمع شمل المسلمين والصالحين والمجاهدين والمرابطين في تلك الديار المحروسة قبل نزول عيسى عليه السلام، وختمت البحث المتواضع بما سيعز الله به الإسلام والمسلمين عند خروج المهدي والرجل الصالح القحطاني، ونزول عيسى صلى الله عليه وسلم وتحكيمه للكتاب الكريم والسنة الميمونة على منهج النبوة، وبما سيعز الله تعالى دينه وفضل المجاهدين الأطهار في آخر الزمن الذين يجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وليكون الدين كله لله، ثم تحدثت عن الفساد في آخر الزمن وعودة غربة الدين، وكذلك تكلمت عن بقاء الحثالة من الناس الذين لا يعدلون ولا يزنون مثقال ذرة ولا حبة ولا شعيرة في الميزان عند الله، ولقد اخترت هذا الموضوع النفيس : لما رأيت من كثرة الانحراف عن العقيدة(1/3)
الصحيحة في الأمة الإسلامية إلا ممن عصم الله بالسنة النبوية على الطريقة السلفية التي نعتز بالانتماء إلى أمة الحق والدين منها، وهم أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة الفرقة الناجية والجماعة الربانية التي نسأل الله أن يحشرنا في زمرتها تحت لواء نبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه وحسن أولئك رفيقا، وفي الختام أقول كما قال الأولون من أهل السنة والجماعة رضي الله عنهم أجمعين ، ورحم الله من أعان على الحق تأليفا ونشرا وتدوينا وتصحيحا وتقويما، فإن البناء متين بفضل الله تعالى، والصرح قويم بمنه إن شاء الله تعالى والمنطلق سليم، كيف لا وقد نقلت معتقد أهل السنة والجماعة لا زلل فيه ولا خلل، ولكن النقص في العقل البشري الضعيف، فسبحان من أبى أن يجعل العصمة إلا لنبيه صلى الله عليه وسلم، فكل بشر مهما كانت مرتبته ومنزلته وإن كان من الأئمة الأعلام يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي الكريم الأمين صلى الله عليه وسلم، فرحم الله من سد الخلل وأزال اللبس والغموض عن المجمل وأصلح ما قصر عن إدراكه عقلي، أو زل فيه حفظي وفكري ونقلي وخطي، أو لم يخطر على بالي أو ما زلّ به قلمي و لم تثبت فيه قدمي، وليعلم كل من أعانني على الخير ونشر العلم له مني خالص الشكر والعرفان : المدح العاطر والثناء الواجب والدعاء الصالح أوقات الاستجابة المنصوص عليها في السنة، والله نسأل أن يوفق الجميع لما فيه الصلاح للأمة ونصر الإسلام والمسلمين، فكل عامل على ثغر الإسلام، هذا في العلم والتوجيه والتربية، وذاك في الأمر والنهي والآخر في الرباط والدفاع والجهاد الصحيح، وكل ميسر لما خلق له هذا، فاللهم انصر الفرقة الناجية الطائفة المنصورة وأتباعهم وأنصارهم وجنودهم و علماءهم وصالحيهم على العموم واجعلهم أصحاب علم نافع وعمل صالح ودعاة إلى الإسلام والملة، وحماة السنة حقا وصدقا، واجعلنا نستظل تحت ظل رايتهم ومنهجهم ودعوتهم في الدنيا والآخرة واحشرنا يا(1/4)
ربنا في زمرتهم واجعلنا من أنصارهم وجنودهم وخدّام منهجهم [منهج النبوة] آمين يا رب العالمين، وفي خاتمة هذه المقدمة أقول : لا ينبغي للمسلم السني العامل في حقل الدعوة والإصلاح أن ييأس ويقنط ويترك العمل ويتخلى عن نصر الدين و بالقليل من العمل، ولا ينبغي كذلك أن يعتزل الخير والعمل الصالح إذا كان قادرا على نصر الإسلام وإعانة المسلمين فإن فعل فهو خاذل مخذول وسيذيقه الله تعالى وبال خذلانه وتقاعسه إلا فيحالات معلومة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم عند وقوع الفتن، فالواجب على كل مسلم أن يستقيم على السنة الميمونة وان يحمل غيره على لزوم طريق النبوة واجتناب طريق الغواية والضلال، و رحم الله تعالى السلف الصالح المباركين عليهم الرضوان والغفران من ربنا العلي المنان إذ قالوا وصدقوا في قولهم وعلمهم وعملهم كما نقل العلامة الشاطبي (كتاب الاعتصام1/135) : عن الفضيل بن عياض : " عليك بطريق الحق ولا تستو حش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين"، فليس العجب ممن هلك كيف هلك لأن سبل الهلاك كثيرة وأهلها أكثر، وإنما العجب كل العجب ممن نجا كيف نجا، و في ختام الختام أقول : هذا ما جادت وتطوعت به نفسي على حسب قدرتي وطاقتي ومعرفتي فالأصل في العمل بما ثبت عند المرء من النصوص الصحيحة والفهوم المستقيمة : { وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}، وقال تعالى :{ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ...}، وقال كذلك سبحانه وتعالى :{ فنعم أجر العاملين}، وصلى الله وسلم وبارك على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأزواجه وذريته.
1: ملامح الفرقة الناجية الطائفة المنصورة:(1/5)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النبي الأمين ، ثم أما بعد : إن الطائفة المنصورة هم زبدة أهل السنة والجماعة اعتقادا وقولا وعلما وعملا وخلقا وهديا ودعوة وجهادا، فاعتقادهم أسلم ومنهجهم أقوم، وعلمهم أحكم، وفقههم أفهم، وإنهم صفوة الله من خلقه بعد الرسل والأنبياء، فهم أنصار الله ورسوله، وهم أتباع النبيين، هم أولياء الله الأخيار، دعوتهم الصلاح والإصلاح بالتوحيد والسنة ومنهج النبوة، هم أهل الحق والطاعة، ويبذلون النصيحة لكل مسلم مهما كانت منزلته بالضوابط الشرعية والقواعد السنية، والطائفة المنصورة هم في الحقيقة ملح البلاد لا يحلو العيش بدونهم لأنهم أهل الله تعالى وخاصته، أينما يحلون أو يرتحلون ينزل عليهم الخير وتحيط بهم وطلبتهم البركة، وتصحبهم السلامة، وتظلهم العافية، فهم العاملون بالكتاب والسنة فهم الأبرار حقا والأطهار صدقا، بهم تستنصر الأمة على الأعداء لأنهم أهل التوحيد والمعتقد الصحيح، وهم المقدمون في صلاة الاستسقاء عند القحط والبلاء، لأنهم أهل استقامة وتقوى، ودعاءهم مستجاب ( كما قدم عمر العباس رضي الله عنهما)، فهم أعلم الناس بأسماء الله وصفاته وذاته وأفعاله وأقواله، وهم زينة المجالس، كلامهم يسطع منه نور العلم لأنه مقتبس من مشكاة النبوة، مازال الناس بخير ما صاحبوهم وكانوا معهم، وتعلموا منهم، وعرفوا منزلتهم ومكانتهم، وأخذوا عنهم في العلم والعمل والهدي والسمت، والطائفة المنصورة هم المستمسكون بالشرع القويم والقائمون بالحق المبين، فحجج الهدى منبعهم ، والعلم النافع والعمل الصالح طريقهم، والدعوة إلى الله وحده سبيلهم، وتحكيم شرعه وإقامة أمره ونهيه سجيتهم، والأخذ بأيدي الخلق إلى الجنة هدفهم، و رضا الله مبتغاهم، يقولون الحق بالبرهان، ولا يخافون في الله لومة لائم، ويجاهدون الأعداء المحاربين للدين والملة، ويستبسلون في مواطن البلاء بعد علمهم أن الفتن ستنجلي، ولا يثبت في الختام(1/6)
إلا الحق، و ما سوى ذلك يذهب جفاء وهباء منثورا، فشجاعة الطائفة المنصورة لا يضاهيها مثيل في التضحية على الدين بالغالي والنفيس، فالنبي صلى الله عليه وسلم قدوتهم، والسنة منهجهم، والصحابة رضي الله عنهم أئمتهم ، فهم سيوف الله المسلولة على الكفار والمنافقين والأعداء المحاربين، وهم أبطال الإسلام في مواطن النزال، ومقارعة الشجعان والأقران، فإصلاح الفساد وإزالة الظلم والعناد والعدوان بالحكمة سبيلهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعارهم، هم أسدُ الله المدافعون عن الملة بالعلم والعمل، و هم الحامون للبِيضة والديار الإسلامية، وهم الناصرون للمؤمنين المستضعفين المقهورين في الأرض بالدعاء والنصرة، هم بأكناف بيت المقدس وما حوله وغيرها من الديار، وأهل هم بأس الله الذي لا يرد عن القوم المجرمين ( كما عقبة بن نافع رضي الله عنه : هم المجاهدون في سبيل الله )، فإذا نزلوا إلى ساحة الوغى ترى ما لا يخطر على بال من إقدام في غير إحجام ولا إدبار، هم في الصف الأول في كل محنة، فالعمل في سبيل الله قرة أعينهم والشهادة في سبيل الله بالنسبة لهم فضل وشرف منه سبحانه وخاتمة حسنة يتكرم بها الله جل جلاله عليهم بعد طول عمر في التمكين لدين الله بالعلم والعمل، فهم الفاتحون في كل زمان وعصر و دهر، وقد جعل الله ثناء الناس عليهم علامة الرضا والقبول في حياتهم قبل مماتهم، يموتون ويبقى ذكرهم كما قيل : " تمضي الرجال ويبقى الأثر"، لأن الله خلّد أعمالهم التي لا يمكن أن تنسى لكثرة حسناتهم، فمواقفهم النبيلة، وإصلاحاتهم الرفيعة و معاملاتهم الحميدة، وخصالهم الكريمة، فسرائرهم أصفى وأطهر وخير من علانيتهم، وحبهم للخير عظيم، لهم سهم في كل خير وعمل، وهم السابقون السبّاقون إلى كل خير، وهم المتنافسون من غير حقد على كل بر وتقوى وفلاح، فهم منارات العلم، ومنابر الهدى، منهم يقتبس نمط الحياة، هم أعلم الخلق بالنبي صلى الله عليه وسلم وسنته(1/7)
وهديه، فهم القوم لا يشقى جليسهم، سيمات الصلاح على وجوههم النيرة كالمصابيح في الظُلم ظاهرة، مثلهم في الأمة كالأعمدة الرواسي ، والجبال الشامخات الثابتة، لا يقطع برأي دونهم، بهم يثبت كل بناء، ويستنير كل تائه، ويهتدي كل ضال، هم أولوا البصائر والألباب والرشاد والسداد، لا يقدمون على عمل حتى يعلموا حكم الشرع فيه، فاجتهادهم في القضايا أقرب إلى الحق من غيرهم، أقوالهم حميدة وأفعالهم حسنة وأخلاقهم مقبولة، ولا يداهنون أحدا في دين الله تعالى ولو كان ذا مال وسلطان، يقولون للمحق أصبت ولو كان عدوا، ويقولون للمبطل أخطئت و لو كان قريبا صديقا حميما، و لقد وعد الله الطائفة المنصورة بالنصر و الظفر على اليهود والنصارى والمجوس والمشركين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم أهل الله وحزبه المنصور الفالح الغالب حتى لو اجتمع عليها العدو من داخل بلاد الإسلام وخارجها من بين أقطار الدنيا، فالأيام عندهم دول بين الناس، وللحق والباطل صولة، والعاقبة للأتقى والبقاء للأصلح، وأهل الحق والأثر يدركون تماما هذه السنن الربانية فيتعاملون معها وفق الشرع المبين، والحكمة العاقلة، فهم في الحقيقة أهل النفس العميق بفضل الله ، لا تجزعهم الأحداث والقوة بالنسبة لهم لا تجعل الباطل حقا ولا الحق باطلا، فالباطل باطل عندهم ولو أشرقت الشمس الزور بين طرفي جبين مدعيه والحق حق بالنسبة لهم ولو وضع السيف على عنق أحدهم فعلماءهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة لا يقرون باطلا وإن جُعل أحدهم في غياهب السجون و ظلمتها تحت القمع والتعذيب فالسيرة مملوءة بقصص هؤلاء الأبطال، لا يضرهم انقلاب الناس عليهم لأنهم يعلمون إن العامة تدور مع القوة والمصلحة أينما كانت ومن كان صاحبها، أما الفرقة الناجية الطائفة المنصورة فهم لا يدورون إلا مع الحق الأبلج المبين.
2: الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هي أهل السنة والجماعة
وأهل الحق والإتباع"(1/8)
إن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة وهم سواد الأمة الأكبر الذين لم ينحرفوا مع المنحرفين، ولم يخوضوا مع المبتدعين ولم يبتدعوا في الدين، ولم يغيروا منهج المسلمين، ولقد سئل شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية قدس الله روحه مجموع الفتاوى 3/354 : عن قوله صلى الله عليه و سلم : [ تفترق أمتي ثلاثة وسبعين فرقة] ما الفِرق ؟ وما معتقد كل فرقة من هذه الصنو ؟ فأجاب : الحمد لله الحديث صحيح مشهور في السنن والمساند، كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم و لفظه : [ افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة]، وفي لفظ: [على ثلاث وسبعين ملة]، وفي رواية :[ قالوا : يا رسول الله من الفرقة الناجية ؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي]، وفي رواية قال : [ هي الجماعة يد الله على الجماعة]، ولهذا وصف الفرقة الناجية بأنها أهل السنة والجماعة وهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم"، و بهذه الجماعة حفظ الله للإسلام نقاءه وبياضه وصفاءه، ولو لا أن الله جعل أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة سببا لصيانة الدين من لعبث به أهل الأهواء، لذهبت هيبته وللعب به المبتدعة والخونة وأهل النفاق والطغيان، ولسخروه لأغراضهم الشخصية ومصالحهم الدنيوية والحمد لله حمد على كرمه بأهل الدين، فسبيل الفرقة الناجية والطائفة المنصورة سبيل الإقتداء والإتباع، وأما سبيل أهل البدع المخالفين للفرقة الناجية الطائفة المنصورة الخلاف والشذوذ والتفرقة، وما خالفت فرقة منهج السنة والجماعة إلا سلت السيف على أهل السنة المخالفين لهم ولبدعهم، ولهذا كان أيوب السختياني يقول : " المرجئة هم الخوارج"، وكما جاء في السنة عن أبي داود (11/489 مع عون المعبود) والترمذي (6/466) وقال:(1/9)
هذا حديث صحيح عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، و لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان ]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : <مجموع الفتاوى 3/345 >: " وأما الفرق الباقية فإنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والأهواء، ولا تبلغ الفرقة من هؤلاء قريبا من مبلغ الفرقة الناجية فضلا عن أن تكون بقدرها بل قد تكون الفرقة منها في غاية القلة، وشعار هذه الفرق مفارقة الكتاب والسنة والإجماع، فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة، وأما تعيين هذه الفرق فقد صنف الناس فيهم مصنفات وذكروهم في كتب المقالات، لكن الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة هي إحدى الثنتين والسبعين لا بد له من دليل، فإن الله حرم القول بلا علم عموما وحرم القول عليه بلا علم خصوصا"، فأهل السنة والجماعة هم أهل الحق والجماعة، وهم أهل الطاعة والسنة والإنابة، وهم أهل التوحيد والسنة الذين ليس لهم منهج إلا منهج أهل السنة والجماعة، ولا يتعصبون لشخص يوالون ويعادون عليه، فمن وافقهم فيه وعلى ما هو عليه ويدعو إليه جعلوه من أهل السنة والجماعة، ومن خالفهم فيه ، ولم يتبعه و لم يوافقه على ما هو عليه ويدعو إليه جعلوه من أهل البدعة والضلالة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في < مجموع الفتاوى 3/346-347> : " فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، و طاعته في كل ما أمر، و ليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة ، بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن جعل شخصا من الأشخاص غير رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحبه و وافقه كان من أهل السنة و الجماعة ومن خالفه كان من أهل البدعة(1/10)
والفرقة كما يوجد ذلك في الطوائف من اتباع أئمة في الكلام في الدين وغير ذلك كان من أهل البدع والضلال والتفرق "، ولا بد من وضع الملامح والعلامات حتى تستبين سبيل أهل الضلال من أهل الحق والإتباع، وهذه الأصول هي التي أصل لها أهل السنة والجماعة قديما منذ زمن السلف الصالح رضي الله عنهم، فكل من خرج عن الأصول و بني مذهبه على غير ما عليه منهج أهل السنة والجماعة فقد خرج من زمرة أهل السنة والجماعة، وكان من أهل البدع والفرقة والضلالة كما قال ابن تيمية < مجموع الفتاوى3/347-48> : " وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية أهل الحديث والسنة، الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله وأعظمهم تمييزا بين صحيحها وسقيمها وأئمتهم فقهاء فيها " وأهل" معرفة بمعانيها واتباعا لها تصديقا وعملا وحبا وموالاة لمن والاها ومعاداة لمن عاداها الذين يروون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه".
3: مميزات الفرقة الناجية والطائفة المنصورة:(1/11)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ورضي الله تعالى عمن اتبعه ووالاه، ثم أما بعد : إن الطائفة المنصورة هم أهل الحق والعدل، وأهل التقوى والصلاح، والاستقامة والعلم النافع والعمل الصالح، قد يقلون وقد يكثرون عبر الأزمان والأماكن وحتى في بعض الأماكن المملوءة العامرة بالمسلمين، و ربما قد يكثرون في مكان ويقلون في آخر، وهذه هي سنة الله تعالى في عباده المؤمنين، وإن قلة عددهم في بعض الأماكن لا يدل على استضعافهم حتما أو قلة نفعهم لغيرهم من المسلمين، بل هم أهل الحق والأثر ، وهم الثقات العدول وهم الأعلون والأكرمون حقا وإن كانوا قلة كما قال العلامة صالح الفوزان في كتاب محاضرات في العقيدة والدعوة ص187 : " أهل السنة والجماعة قد يقلون في بعض الأزمان وقد يكثرون، وقد لا يكون منهم إلا عدد قليل، لكن فيهم البركة والخير، لأنهم على الحق، ومن كان على الحق فإنه لا يخاف من القلة، ولا يخشى من كثرة الأعداء قال الله تعالى :{ و من يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا }، فمن كان رفقة هؤلاء الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فمم يخاف إذن ؟ " ، واستمرارية هذه الطائفة المنصورة من أهل الحق والأمانة ماض إلى قيام الساعة ، وإن كان يدل هذا الأمر على شيء فإنما يدل على صدقها مع الله وشرعية انتماءها ومطالبها وأحقيتها لما تدعو إليه من علم نافع وعمل صالح ونصرة مباركة، وما نصر الله لها كذلك على أعدائها وخصومها إلا بسبب شرعيتها النقية التي لا تخفى حتى على البليد الجاهل، فبقاءها لا يدل إلا عما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في النصوص النبوية الشريفة أن الله تعالى ينصر بهم الدين، ويمكن بهم للمسلمين، ويدافع بهم عن أمر دينه وسنة نبيه وشريعة حكمه وأوامره ونواهيه، وقد جاءت النصوص السنية بذلك كما روى ابن ماجه (1/4 رقم :6) :(1/12)
عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ]، وبقاء هذه الطائفة المباركة عبر الأزمان لدليل صدق على بقاء الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، وهذه الزمرة الميمونة منصورة في كل زمان ومكان لأنها على الحق المبين و رغم ما يحاك ضد أهل السنة والجماعة من مكر وخديعة فالله ناصر دينه وكتابه ورسوله ولو كره الكافرون والمشركون، كما روى أبو داود ( رقم : 4252) عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ] قال ابن عيسى : [ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ]، وفي رواية عنده في السنن والحاكم وصححه الألباني : عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى ]وفي رواية ابن حبان (1/89) : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة](1/13)
قال العلامة الحافظ ابن كثير : البداية والنهاية ج10 ص22 : " وقد كان أهل الحق في الصدر الأول هم أكثر الأمة، فكان لا يوجد فيهم مبتدع لا في الأقوال و لا الأفعال، وفي الأعصار المتأخرة فقد يجتمع الجم الغفير على البدعة،وقد يخلو الحق في بعض الأزمان المتأخرة عن عصابة يقومون به "، وإن أهل الحق من الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم من بلغ دين الله وفتح البلدان وكسر راية الشرك والكفران، وهؤلاء الكرام هم من حمل لواء الدين وراية السنة المباركة، وإن استمرار هذه الفرقة الطيبة لخير دليل واضح وأحسن برهان قاطع على أنهم هم أنصار الدين وحماة العقيدة الصحيحة، وهذه الطائفة الربانية ظاهرة باقية حتى تكون هي الحجة على غيرها من أهل الكفر والضلال ، كما روى البخاري في كتاب الإعتصام ( رقم:6881): [ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ]، فما كان للطائفة المنصورة أن تبقى إلى قيام الساعة ظاهرة منصورة لو لا تأييد الله لها بالنصر والتمكين ، وهذه الأمة السنية المباركة قائمة بحق الله تعالى في نفسها وفي نفس الوقت هي قائمة بأمر الله تعالى على غيرها من الناس مهما كانت مشاربهم ومآربهم وأجناسهم، وهذه القوامة هي شرط من شروط التمكين لهذه الطائفة السنية، وهذا القيام المبارك بأمر الدين يكون في جميع شعائر الدين في العبادة وشرائعه في الحكم والقضاء والسياسة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنها جمعت صفات أهل منهج النبوة كما روى ابن ماجه في السنن (1/5 رقم:7) عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها]، وإن من هذه القوامة بأمر الدين إظهاره والدعوة إليه ، ويكون ذلك بالعمل بالسنن المهجورة وتارة بمخالفة الكفار والمبتدعة المضلين والفسقة الفاجرين والمنحرفين المبطلين وأهل الباطل على العموم ممن ليسوا على الحق سواء(1/14)
كانوا من الطوائف البدعية أو الملل الكفرية، ولا هؤلاء الكرام لا يحقرون أي عمل مهما كان صغيرا أو كبيرا، فإحياء السنن المحمدية الواجبة والمستحبة من الأسباب التي أظهرت الدين رفعت راياته الميمونة، كما روى أبو داود(2/763رقم:2353) وابن ماجه(1/541رقم:1698)والحاكم(1/431) : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر لأن اليهود و النصارى يؤخرون ] .
فإذا كان التعجيل قبل الصلاة من أسباب ظهور الدين فكيف لو أحيت الأمة سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم كلها عقيدة وعبادة وحكما ومعاملة، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( كتاب اقتضاء الصراط المستقيمص131) : و إذا كان مخالفتهم سببا لظهور الدين ، فإنما المقصود بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله فيكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة".
4: الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم المجددون للدين:(1/15)
إن أمة الطائفة المنصورة والفرقة الناجية هم أهل التوحيد والسنة فراية التوحيد ترفرف فوق رؤوسهم، والسنة المنيرة يعمل بها في سلطانهم وقومهم، يعيش الناس في ظل استقامتهم وعدالتهم، فهم إخوان الصدق في الله ولله وعلى دين الله وهم إخوان متآخون على دين الله، فالأرزاق بالحلال عليهم دّارة والعيش في أكنافهم رحمة ومنة، فهم عدة عند عظيم البلاء، وزينة في الرخاء، ثباتهم نصر للإسلام، و تمكين للدين ، وعصمة للأمة من الزيغ والانحراف، ومواقف الأئمة منهم كابن المبارك، والفضيل بن عياض، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل ، وابن تيمية و محمد بن عبد الوهاب ، وعبد الحميد بن باديس : " مشرفة ومشرقة " بنور العلم والفقه والثبات والنصرة للمسلمين، ومن أمثالهم ممن سوف يأتون إلى يوم الدين، حتى يخرج الإمام المهدي الذي يصلح الله به الأرض بالقسط ، ويؤيده الله بنزول نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام، فيقاتلون أعداء الله و رسوله حتى يهلك الله الملل كلها فلا تبقى إلا ملة التوحيد والإسلام التي رضيها الله لعباده، والفرقة الناجية والطائفة منصورة منصورة في الدنيا قبل الآخرة، وهي ناجية بفضل الله تعالى و رحمته من الوعيد في الدنيا والآخرة، و لقد سمي أهل السنة والجماعة بالطائفة المنصورة والفرقة الناجية لوجوه منها: أنها تعتقد ما جاء في صحاح السنة، وتقول به وتدعو إليه شرعة ومنهاجا سبيلا وسنة، وتعمل بها كما أمر الله ورسوله في العقيدة والعبادة والحكم والتشريع والأمر والنهي والأخلاق والمعاملات، وتقيم الحدود على الوجه الصحيح والمراد السني الصريح، وتوالي أولياء الله المؤمنين مهما اختلف أجناسهم وألوانهم وأشكالهم وألسنتهم ، وتعادي أعداء الله على أصل التوحيد والسنة، ومنهج سلف الأمة، وإن كل مسلم محب للسنة عامل بمقتضى منهجها الرباني يعتبر منها ومن أهلها، والطائفة المنصورة فيهم كل من تقر به العين ويطمئن إليه البال وترتاح له النفس وينشرح له(1/16)
الصدر من علماء و فقهاء، و صلحاء و دعاة و ربانيين من أمثال المشايخ الجلاء كالشيخ محمد رشيد رضا ، و الشيخ المحدث أحمد شاكر، والعلامة محمد بن إبراهيم والشيخ البشير الإبراهيمي ، و الشيخ ابن باز ، والشيخ ابن العثيمين، والشيخ المحدث الألباني ، والشيخ المحدث الأرناؤوط من أهل زماننا وغيرهم من العلماء الفحول الربانين الذين هم بهاء كل طليعة على سبيل الله المستقيم، فكل مسلم موحد إلى علمهم وفقههم ومنهجهم التربوي فقير، لأنهم عصبة الإسلام، وعدة أهل الإيمان في السراء و الضراء تحت راية الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة، إن علماء الفرقة الناجية هم المجددون حقا للعلم إذا اندرس، لأن الله تعالى أكرمهم بالعلم النافع على منهج الأنبياء، فهم الحافظون للدين والذابون عن حياضه، والمدافعون عن ملته، فيجدد الله بهم ما ترك منه، ويصفون ما أدخل فيه من البدع و ما دسه الأعداء من سم ليشوهوا به بياض الدين ونقاءه كما روى أبو داود في كتاب الملاحم(24/280رقم:291) والحاكم في كتاب الفتن و الملاحم(4/522 ) وقال العلامة ابن باز : صححه ابن حجر والحافظ العراقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها]، وقد اختلف علماء السنة في هؤلاء المجددين على أقوال، فمنهم من قال هم : أهل الحديث، ومنهم من قال هم : الفقهاء ومنهم من قال هم : هم طائفة أهل العلم والجهاد، ومنهم من رجح : أنهم هم العلماء العاملون على العموم باختلاف أصنافهم في فنون العلم والفقه ، قال العلامة المجاهد ابن كثير : [البداية والنهاية باب افتراق الأمم ج 10 ص24] : " و قد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث، والظاهر والله أعلم أنه يعم حملة العلم العاملين به من كل طائفة، ممن عمله مأخوذ عن الشارع أو ممن هو موافق من كل طائفة، و كل صنف من أصناف العلماء، من مفسرين ومحدثين وقراء(1/17)
وفقهاء ونحاة ولغويين إلى غير ذلك من أصناف العلوم النافعة والله أعلم"، ولا يشترط في العالم المجدد أن يكون كاملا في كل أمور الدين، فقد يجدد العالم في بعض فنونه وبعض جوانبه ولا يكون مجددا في جوانب أخرى، وقليل من العلماء من جدد في كل جوانب الدين أو في العلم و العمل جميعا فجمع بين العلم والجهاد مثلا ، أو بين العلم والحكم أو بين العلم والقضاء أو بين العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكفي المشايخ شرفا أنهم جددوا في بعض جوانب الدين أو معظمه، فسبحان من جعل الكمال عزيزا في بعض دون بعض، ولله في خلقه شؤون وهو العليم الخبير الحكيم ، قال الحافظ : [ كتاب بفتح الباري ج13 ص 359-361] : " أنه لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحدة فقط، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة، وهو متجه فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد إلا أن يدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز، فإنه كان القائم بالأمر على رأس كل المائة الأولى، باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها و من ثم أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه، وأما من جاء بعده فالشافعي وإن كان متصفا بالصفات الجميلة إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل، فعلى هذا كل من كان متصفا بشيء من ذلك عند رأس المائة هو المراد سواء تعدد أم لا ".(1/18)
وفي المقابل قد يفسد بعض علماء المسلمين و يكون فسادهم على حسب زيغهم وانحرافهم، فيكون فسادهم تارة في العلم وتارة في العبادة وتارة في العمل، وتارة في ترك العمل بما علموا، وتارة بالإعوجاج عن الصراط المستقيم، وتارة في المداهنة وكتم الحق، وتارة في ترك قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترك الجهاد في سبيل الله بالحق بالعلم والعمل، فسبحان جعل العصمة منة منه يمن بها على من شاء من عباده ، والمعصوم من عصمه الله تعالى من الزيغ والانحراف، فاللهم إنا نعوذ بك أن نرد على أعقابنا أو نفتن في ديننا، قال العلامة الرباني ابن تيمية : [اقتضاء الصراط المستقيم ص 83] : " وقد يبتلى بعض المنتسبين إلى العلم وغيرهم بنوع من الحسد لمن هداه الله بعلم نافع أو عمل صالح ، وهو خلق مذموم مطلقا، وهو في هذا الموضوع من أخلاق المغضوب عليهم ، وقال الله سبحانه :{ إن الله لا يحب من كان مختلا فخورا ...}...، فإنهم تارة يكتمون العلم بخلا به، وكراهة لأن ينال غيرهم من الفضل ما نالوه، وتارة اعتياضا عنه برئاسة أو مال، فيخاف من إظهاره انتقاص رئاستة أو نقص ماله، وتارة يكون قد خالف غيره في مسألة أو اعتزى إلى طائفة قد خولفت في مسألة، فيكتم من العلم ما فيه حجة لمخالفه وإن لم يتيقن أن مخالفه باطل، و لهذا قال عبد الرحمن بن مهدي وغيره : " أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم ، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم ".
وقال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى : " من فسد من علماءنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى"، فنسأل الله تعالى العصمة من الزلل والخلل والضلال.
قال الشاطبي رحمه الله في كتاب الإعتصام للشاطبي 1/135 : عن الفضيل بن عياض أنه قال : " عليك بطريق الحق ولا تستو حش لقلة السالكين، وإياك و طريق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين".
5: الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هي أمة الاستجابة والإتباع(1/19)
من عقاب الله العدل للمبتدعة أن يحرمهم من العلم النافع والعمل الصالح على منهج النبوة في الدنيا فتراهم يتخبطون في أودية الضلال والبدع، واما في الآخرة فيحرمهم من الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ويتبرأ منهم النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة ويقول : لهم سحقا سحقا بعدا بعدا كما جاء في صحيح البخاري ( رقم:6587) : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ بينا أنا قائم على الحوض، إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال : هلم فقلت : أين ؟ قال : إلى النار و الله، قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال : هلم قلت : أين ؟ قال : إلى النار و الله قلت : وماشأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى فلا أراه يخلص منهم همل النعم ]، وأما الفرقة الناجية والطائفة المنصورة فهم أولى المسلمين ورودا على الحوض، وفي رواية في صحيح مسلم ( رقم:2302) عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة من الإبل]، وفي رواية عند البخارى (6586)(فتح الباري 11/473) : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي، فيحلئون عن الحوض فأقول : يا رب أصحابي فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى]، واختلف العلماء في هؤلاء المحرومين على قولين فمن أهل العلم من قال هم المرتدون الذين ارتدوا على أدبارهم ورجعوا القهقرى، ونكصوا عن الإسلام و تخلوا عنه، ومنهم من قال هم أهل البدع المخالفون لمذهب أهل السنة والجماعة على العموم ممن بدعتهم كفرية أو غير مكفرة، وفي رواية عند البخاري : عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [(1/20)
ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونى ثم يحال بيني وبينهم فأقول : إنهم مني ! "في رواية : [ إنهم من أمتي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: " سحقا سحقا لمن غير بعدي]، قال ابن عباس رضي الله عنه: [ سحقا : أي : بعدا]، وفي رواية عند البزار : [ ويؤتى بأقوام فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب أحسبه قال : أصحابي، فيقال:مازالوا بعدك يرتدون على أعقابهم ] وعند البخاري :[ منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح :{ وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم }] ، و روى البخاري : عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجال منكم، ثم ليختلجن دوني، فأقول: يا رب أصحابي، يقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك]، وروى البخاري (رقم:6593):عن أسماء رضي الله عنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إني على الحوض، حتى أنظر من يرد على منكم، وسيؤخذ ناس من دوني فأقول : يا رب مني و من أمتي فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم] ، فكان ابن أبي مليكة يقول :[ اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أونفتن عن ديننا ]، وروى مسلم (رقم:2294): عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بين ظهراني أصحابه : [ إني على الحوض أنتظر من يرد منكم، فوالله ليقتطعن دوني رجال فلأ قولن: أيا رب مني ومن أمتي فيقول : إنك لا تدرى ما عملوا بعد،مازالوا يرجعون على أعقابهم]، و روى مسلم ( رقم:2295) : عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إني لكم فرط على الحوض فإياى ! لايأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الضال فأقول فيم هذا ؟ فيقال : إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك، أقول : سحقا]، وإن لكل أمة نبي ولكل نبي صلى الله عليه وسلم حوضا خاصا به و بأمته ويتباهون أيهم أكثر واردة عليه كما روى ابن ماجه (رقم:3470)(1/21)
وصححه الألباني و ابن أبي شيبة و ابن أبي شيبة :عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة إلى البيت المقدس، أشد من اللبن آنيته عدد النجوم، وكل نبي يدعو أمته، ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام، ومنهم من يأتيه العصبة، ومنهم من يأتيه النفر، ومنهم من يأتيه الرجلان والرجل،ومنهم من لا يأتيه أحد، فيقال : لقد بلغت وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة]، وفي رواية عند الترمذي والطبراني و حسنه الألباني في صحيح الجامع (رقم:1586)والسلسلة الصحيحة (حديث رقم: 1589) :[ إن لكل نبي حوضا، وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة ،وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة]، وعند ابن أبي الدنيا وذكره الألباني في الصحيحة(4/119) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [إذا فقدتموني، فأنا فرطكم على الحوض، إن لكل نبي حوضا، وهو قائم على حوضه، بيده عصا يدعو من عرف من أمته،ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا والذي نفسي بيده:إني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا]، والمبتدعة الذين غيروا منهج النبوة وبدلوا السنن بالبدع يوم القيامة لا تنالهم الشفاعة بنص الحديث الذي رواه الطبراني وصححه الألباني : عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي : كل غال مارق، وإمام ظلوم غشوم]، وفي رواية لا يردوا عليه صلى الله عليه وسلم الحوض كما جاء في مسند أحمد :عن عن عبد الرحمن ب أبي ليلة عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ صنفان من أمتي لن يردا علي الحوض : القدرية والمرجئة] صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وأهل السنة والجماعة هم أهل العلم والهداية الذين يردون المسائل إلى الله ورسوله عند الخلاف كما قال ابن تيمية مجموع الفتاوى3/348-349: " و ما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهي عن(1/22)
المنكر وغير ذلك يردونه إلى الله ورسوله ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف فما كان من معانيها موافقا للكتاب والسنة أثبتوه، وماكان منها مخالفا للكتاب والسنة أبطلوه، ولا يتبعون الظن وماتهوى الأنفس فإن اتباع الظن جهل واتباع هوى النفس بغير هدى من الله ظلم وجماع الشر الجهل والظلم "، وأهل السنة والجماعة هم أهل العدل والقسط والإنصاف الذين يعدلون في الناس ويحكمون على المقالات وأهلها بالقسط والإنصاف فلا يستوي عندهم من أخطا في مسألة كمن رد على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يستوي عندهم من خالف أهل السنة والجماعة في مسائل بسيطة كمن خالف أهل السنة والجماعة في مسائل كبرى كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى مجموع الفتاوى(3/349-350): " ومما ينبغي أيضا أن يعرف أن الطوائف المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدين والكلام على درجات منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة ،ومن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه،فيكون محمودا فيما رده من الباطل وقاله من الحق، لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث جحد بعض الحق وقال بعض الباطل فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها، ورد بالباطل باطلا بباطل أخف منه وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة و الجماعة ومثل هؤلاء إذالم يجعلوا ما ابتدعوه قولا يفارقون به جماعة المسلمين يوالون عليه ويعادون كان من نوع الخطأ، والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك ولهذاوقع في مثل هذاكثيرمن سلف الأمة وأئمتهالهم مقالات قالوها باجتهاد وهي تخالف ماثبت في الكتاب والسنة بخلاف من والى موافقه وعادى مخالفه وفرق بين جماعة المسلمين وكفر وفسق مخالفه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات واستحل قتال مخالفه دون موافقه فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات"(1/23)
6: منزلة أهل الحديث عند الطائفة المنصورة:
الحمد لله الواحد الأحد، والصلاة والسلام على النبي أحمد، ثم أما بعد : لقد رفع الله منزلة أهل الحديث لأنهم صفوة العلماء وخيرة المناء هم المدافعون عن السنة والمنافحون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملهم جهاد في سبيل الله لأنهم يصفون الحديث مما ادخل فيه من الغلط والضعيف والموضوع قال يحيى بن يحيى : " الدفاع عن السنة جهاد في سبيل الله تعالى "، وكما جاء وصف أهل الحديث في السنة المباركة : [ يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين] ، فهم من يحمل علم السنة رواية ودراية، ويعقبهم العلماء الأفذاذ من كل خلف وعصر و زمن، وهم الثقات العدول الأمناء على وحي الله تعالى ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم هم على رأس الفرقة الناجية والطائفة المنصورة كما بوب لذلك البخاري باب : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق] : وهم أهل العلم : قال الحافظ: (كتاب بفتح البارى ج13 ص 359-361) : < و هم أهل العلم > : وهو من كلام المصنف، وأخرج الترمذي حديث الباب، ثم قال : سمعت محمد بن إسماعيل هو البخاري يقول : سمعت علي بن المديني يقول : < هم أصحاب الحديث > ، وذكر في كتاب خلق أفعال العباد عقب حديث أبي سعيد في قوله تعالى :{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا }( البقرة :143) : هم الطائفة المذكورة في حديث : [ لا تزال طائفة من أمتي]، ثم ساقه، و قال جاء نحو عن أبي هريرة ومعاوية وجابر وسلمة بن نفيل وقرة بن إياس "، وأخرج الحاكم في علوم الحديث بسند صحيح عن أحمد: < إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدرى من هم >، ومن طريق يزيد بن هارون مثله و زعم بعض الشراح أنه يستفاد ذلك من حديث معاوية لأن فيه : [ من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ] وهو في غاية البعد، وقال الكرماني : " يؤخذ من الاستقامة المذكورة في الحديث الثاني أن(1/24)
جملة الاستقامة أن يكون التفقه لأنه الأصل" قال : و بهذا ترتبط الأخبار المذكورة في حديث معاوية لأن الاتفاق لابد منه أي : المشار إليه بقوله :[ و إنما أنا قاسم ويعطي الله عز وجل] ، فقوله : [ لا تزال] : بالمثناة أوله ، وفي رواية مسلم من طريق مروان الفزارى عن إسماعيل : [ لن تزال قوم]، وهذه التحتانية والباقي مثله لكن زاد: [ ظاهرين على الناس] وقوله : [ حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ] :أي :على من خالفهم: أي : غالبون، أو المراد بالظهور أنهم غير مستترين بل المشهور والأول أولى، وقد وقع عند مسلم من حديث : [ لن يبرح هذا الدين قائما، تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى يقوم الساعة] ، وله في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه : [ لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تاتيهم الساعة ] ، وقد ذكرت الجمع بينه وبين حديث : [ لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ] ، في أواخر "كتاب الفتن"، والقصة التى أخرجها مسلم أيضا من حديث: عبد الله بن عمرو رضي الله عنه : [ لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشي إلا رده عليهم ] ، ومعارضة عقبة بن عامر رضي الله عنه بهذا الحديث : فقال عبد الله أجل: [ ثم يبعث الله ريحا كريح المسك فلا تترك نفسا إلا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضه ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة ]، وقد أشرت إلى هذا قريبا في الكلام على حديث :[قبض العلم ] ، وقد يتمسك به في الجمع بين الحديثين المذكورين، وذكرت ما نقله ابن بطال عن الطبرى في الجمع بينهما أن : [ شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة]، يكونون بموضع مخصوص، و إن موضعا آخر يكون به :[ بطائفة يقاتلون على الحق لا يضرهم من خالفهم]، ثم أورد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه نحو حديث الباب و زاد فيه :[ قيل يا رسول الله : و أين هم ؟ قال : ببيت المقدس]، وأطال في تقرير ذلك وذكرت أن(1/25)
المراد بأمر الله :< هبوب تلك الريح >، وأن المراد بقيام الساعة (ساعتهم)، وأن الذين يكونون ببيت المقدس الذين يحصرهم الدجال، إذا خرج فينزل عيسى عليه السلام إليهم فيقتل الدجال،و يظهر الدين في زمن عيسى عليه السلام، ثم يموت عيسى فتهب الريح المذكورة ، فهذا هو المعتمد في الجمع و العلم عند الله تعالى، قوله : [ ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله ]، و في رواية عمير بن هانىء: [ لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله]، وتقدم بعد بابين من باب علامات النبوة من هذا الوجه بلفظ : [ لا يزال من أمتى أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك]، وزاد قال عمير فقال مالك بن يخامر قال معاذ :[ وهم بالشام ]، وفي رواية يزيد بن الأصم : [ و لا تزال عصابة من المسلمين ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة ]، وقال صاحب المشارق في قوله : " لا يزال أهل الغرب ": يعنى الرواية التي في بعض طرق مسلم وهي بفتح الغين المعجمة ، وسكون الراء ذكر يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني قال : المراد بالغرب "الدلو" : أي الغرب بفتح المهملتين لأنهم أصحابها لا يسقي بها أحد غيرهم لكن في حديث معاذ وهم أهل الشام ، فالظاهر : أن المراد بالغرب البلد ،لأن الشام غربي الحجاز، كذا قال وليس بواضح، ووقع في بعض طرق الحديث :"المغرب" بفتح الميم وسكون المعجمة وهذا يرد تأويل الغرب بالعرب لكن يحتمل أن يكون بعض رواته نقله بالمعنى الذي فهمه أن المراد الإقليم لا صفة بعض أهله، وقيل : المراد بالغرب أهل القوة والاجتهاد في الجهاد يقال في لسانه غرب بفتح، ثم سكون أي حدة ، و وقع في حديث أبي أمامة عند أحمد : "إنهم ببيت المقدس "، وأضاف بيت إلى المقدس، وللطبراني من حديث الهدى ونحوه وفي حديث أبي هريرة في الأوسط للطبراني :"يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم من خذلهم(1/26)
ظاهرين إلى يوم القيامة".
قلت [ أي الحافظ ] : و يمكن الجمع بين الأخبار بأن المراد قوم يكونون ببيت المقدس وهي شامية ويسقون بالدلو وتكون لهم قوة في جهاد العدو وحدة وجدّ.
تنبيه : اتفق الشراح على أن معنى قوله : [ على من خالفهم] أن المراد علوهم : عليهم بالغلبة، وأبعد من أبدع فرد على من جعل ذلك منقبة لأهل الغرب أنه مذمة لأن المراد بقوله :"ظاهرين على الحق " : أنهم غالبون له، وأن الحق بين أيديهم كالميت، وأن المراد بالحديث ذم الغرب وأهله لا مدحهم ، وصدق صلى الله عليه وسلم إذ قال : " و يبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة" رواه مسلم (18/70 مع شرح النووي).
وقال النووي : (قلت): " ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد ، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونوا متفرقين في أقطار الأرض، وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة، فإن هذا الوصف مازال بحمد الله تعالى من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن، ولا يزال حتى يأتي أمر الله المذكور في الحديث، وفيه : دليل لكون الإجماع حجة، وهو أصح ما استدل به له من الحديث وأما الحديث : " لا تجتمع أمتي على ضلالة "، فضعيف والله أعلم، قوله : صلى الله عليه وسلم : " ظاهرين على من ناوأهم ": هو بهمزة بعد الواو أي : عاداهم و هو مأخوذ من ناى إليهم، ونأوا إليه أي : نهضوا للقتال ".
7: أوصاف الفرقة الناجية والطائفة المنصورة :(1/27)
لقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم أهل الباطل و الضلال أنهم يخوضون فيما ليس لهم به علم ، فقال صلى الله عليه وسلم : [ ما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل، ثم قرأ: {ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون } أخرجه أحمد (2/252) والترمذي (رقم : 3253) وابن ماجه (رقم :48) و ابن أبي عاصم في السنة ( رقم:101) و الطبراني في الكبير(8/333 وإسناده حسن)، ووصف أهل الحق أنهم يتبعون الكتاب والسنة اللذين هما المصدرين الشرعيين الأصيلين لهذه الزمرة المباركة، واللذان لا التباس فيهما على أحد إلا من اعوجت فطرته، وفسد منطقه، واختلط عليه أمره، ومن امتزج علمه بالجهل، واستشكل عليه الهدى من الضلال ، والحق من الباطل والسنة من البدعة، والفضيلة من الرذيلة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد حذر أمته من البدع المضلة كما جاء في مستدرك الحاكم وأصل الحديث في الصحيحين : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ يا أيها الناس أني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به، فلن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله و سنة نبيه ]، وفي رواية عند الحاكم : [ إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله و سنتي]، وروى ابن ماجه في سننه (1/4 رقم:5) : عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك]، وإن القيام بأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم علما وعملا من أعظم أوصاف الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، وهو شرط من شروط النصر والتمكين في الأرض بالاستخلاف والغلبة على الأعداء، وإن النصر المستحق لا ينال إلا بنصر الدين والعمل بأحكامه والنصرة له ولأهله، وهذه الفرقة الناجية والطائفة المنصورة كما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس ]، إن من صفات(1/28)
الفرقة الناجية الطائفة المنصورة أنهم أهل العلم النافع فكل فرقة إلى علمها فقيرة، وكل طائفة إلى فهمها محتاجة، وما من أمة إلا وهي تعترف بفضل الله على هذه الأمة المباركة، فلو جمعت كل علوم الأمم ما عدلت علم هذه الأمة كما قال ابن تيمية : في اقتضاء الصراط المستقيم ص 75 : " فهدى الله الناس ببركة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من البينات والهدى، هداية جلت عن وصف الواصفين، وفاقت معرفة العارفين، حتى حصل لأمته المؤمنين عموما، ولأولي العلم منهم خصوصا، من العلم النافع، والعمل الصالح، والأخلاق العظيمة والسنن المستقيمة، ما لو جمعت حكمة سائر الأمم علما وعملا، الخالصة من كل شوب، إلى الحكمة التي بعث بها لتفاوتا يمنع معرفة قدر النسبة بينهما، فلله الحمد كما يحب ربنا و يرضى "، وفي صحيح البخاري (7312مع الفتح 13/363): وعن معاوية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول صلى الله عليه وسلم : [من يرد الله به خيرا يفقه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله]، وفي رواية عند البخاري ( رقم:6882) : [ من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، و إنما أنا قاسم ويعطي الله، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله]، ومن أهم ملامح هذه الزمرة الطيبة بعد الكتاب والسنة والمنهج الصحيح الاجتماع على السنة والعمل على نصرها وإظهارها و نشرها بين المسلمين حتى يعملوا بها، كما قال العلامة الرباني عبد الرحمن بن ناصر السعدي: ( كتاب تيسير الكريم الرحمن ج 3 ص 122 ): قال الله تعالى :{ وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } أي : و من جملة من خلقنا أمة فاضلة كاملة في نفسها، مكملة لغيرها يهدون أنفسهم و غيرهم بالحق، فيعملون الحق، ويعملون به ويعلمونه ويدعون إليه، وإلى العمل به :{ وبه يعدلون }: بين الناس في أحكامهم إذا حكموا في(1/29)
الأموال و الدماء والحقوق والمقالات وغير ذلك وهؤلاء أئمة الهدى ومصابيح الدجا، وهم الذين أنعم الله عليهم بالإيمان والعمل الصالح و التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وهم الصديقون الذين مرتبتهم تلى مرتبة الرسالة، وهم في أنفسهم مراتب متفاوتة،كل بحسب حاله وعلو منزلته،فسبحان من يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم"، وهذا الغرس الصالح يتمثل في العلماء وأهل الثغور المدافعين عن ثغور بلاد الإسلام، والقائمين على أمر الدين والدعوة إليه سبحانه وتعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود على المعتدين على شريعة رب العالمين، وهؤلاء في الحقيقة هم القوم الصالحون من أمة النبي صلى الله عليه وسلم المتمسكون بحبله المتين وشرعه القويم كما قال ابن تيمية : (في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ص58): " فعلم بخبره الصدق أنه في أمته قوم مستمسكون بهديه الذي هو دين الإسلام محضا"، وقد ثبت عند أحمد (4/200) وابن ماجه (1/5رقم:8) : عن أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ولا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته]، وهذا الغرس الطيب فيه رجال مدرسة السنة وأهل منهج النبوة علما وعملا ...(1/30)
وهذا الغرس الطيب والبذرة الصالحة والزرع الطاهر يؤتي ثماره كل حين بإذن ربه، فتارة تظهر هذه الثمرة في العلم وأهله ، وتارة في العبادة وأهلها، وتارة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأهله، وتارة في الرباط وأهله، وتارة في الجهاد وأهله، وتارة في السلطان وحاشيته، وتارة في الأمة جمعاء بسبب جهود الجميع في نصر الدين والتمكين له، فأهل الصلاح موجودون في كل أمة، ولاسيما أهل الاستقامة منهم على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيهم : [ على مثل ما أنا عليه وأصحابي]، فالأمة المتكاتفة المتعاونة تثمر جهودها وتنمو أعمالها ويترعرع أنصارهم وفق هذا العمل الخيري على ما جرت عليه سنن الله الربانية، فكل واحد منهم على ثغر، فهذا في الدعوة إلى الله تعالى، وذاك في العبادة والطاعة، والآخر في الأمر والنهي، وذاك السلطنة والقضاء والآخر في النصرة في سبيل الله، والكل متعاون مع الكل، والكل يكمل الكل، والكل يرشد ويقوم ويوجه الكل، والكل ينصر الكل، كل واحد في موضعه، ومركز عمله علما وعبادة وإصلاحه.
8: تصنيف أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة لأهل البدع
والضلال:(1/31)
لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء والملة الواضحة والشريعة السمحة والسنة الغراء وأمرنا صلى الله عليه وسلم أن نتمسك بها وأن نعض عليها بالنواجذ حتى نلقاه على الحض بإذن الله تعالى، ونهانا عن البدع وبين لنا أحكام أهلها كما قال تعالى : { و قدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}، وقال صلى الله عليه وسلم في أهل البدع كما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها : [من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ] ، وفي رواية لمسلم :[ من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد] أي : كما قال النووي رحمه الله : غير مقبول وهو رد على صاحبه، وبين صلى الله عليه و سلم قبح البدع فقال كما روى الطبراني بسند حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه :[ إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته]، و قال ابن تيمية مجموع الفتاوى (3/352-355): " فكان مبدأ البدع هو الطعن في الس نة بالظن والهوى كما طعن إبليس في أمر ربه برأيه وهواه، وأما تعيين الفرق الهالكة فأقدم من بلغنا أنه تكلم في تضليلهم يوسف بن أسباط، ثم عبد الله بن المبارك وهما إمامان جليلان من أجلاء أئمة المسلمين قالا : أصول البدع أربعة : الروافض والخوارج و القدرية والمرجئة، فقيل لابن المبارك : والجهمية ؟ فأجاب بأن أولئك ليسوا من أمة محمد وكان يقول : < إنا لنحكي كلام اليهود و النصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية>، وهذا الذي قاله اتبعه عليه طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم قالوا: < إن الجهمية كفار فلا يدخلون في الاثنتين والسبعين فرقة كما لا يدخل فيهم المنافقون الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام وهم الزنادقة>، وقال آخرون من أصحاب أحمد وغيرهم : < بل الجهمية داخلون في الاثنتين والسبعين فرقة وجعلوا أصول البدع خمسة > ، فعلى قول هؤلاء : يكون كل طائفة من المبتدعة الخمسة اثنا عشر فرقة وعلى قول الأولين : يكون كل طائفة من المبتدعة الأربعة(1/32)
ثمانية عشر فرقة وهذا يبنى على أصل آخر وهو تكفير أهل البدع فمن أخرج الجهمية منهم لم يكفرهم فإنه لا يكفر سائر أهل البدع بل يجعلهم من أهل الوعيد بمنزلة الفساق والعصاة ويجعل قوله هم في النار مثل ما جاء في سائر الذنوب مثل أكل مال اليتيم وغيره كما قال تعالى:{إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا}، ومن أدخلهم فيهم فهم على قولين : منهم من يكفرهم كلهم وهذا إنما قاله بعض المستأخرين المنتسبين إلى الأئمة أو المتكلمين وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير المرجئة والشيعة المفضلة ونحو ذلك ولم تختلف نصوص أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميع أهل البدع من هؤلاء وغيرهم خلافا عنه أو في مذهبه حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم وهذا غلط على مذهبه وعلى الشريعة، ومنهم من لم يكفر أحدا من هؤلاء إلحاقا لأهل البدع بأهل المعاصي قالوا : فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحدا بذنب فكذلك لا يكفرون أحدا ببدعة، والمأثور عن السلف والأئمة إطلاق أقوال بتكفير الجهمية المحضة الذين ينكرون الصفات و حقيقة قولهم أن الله لا يتكلم ولا يرى ولا يباين الخلق ولا له علم ولا قدرة ولا سمع ولا بصر ولا حياة، بل القرآن مخلوق وأهل الجنة لا يرونه كما لا يراه أهل النار وأمثال هذه المقالات، وأما الخوارج والروافض ففي تكفيرهم نزاع وتردد عن أحمد وغيره، وأما القدرية الذين ينفون "الكتابة" والعلم فكفروهم ولما يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال"، فلم يرى الناس مثل عدل أهل السنة والجماعة في أهل الضلال والبدع، فسبحان من جعل العدل قرين العلم ، والظلم قرين الجهل وإلى الله المصير.
9 : نجاة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة من الوعيد والهلاك :(1/33)
إن كثيرا من الأحاديث الواردة في باب بقاء الفرقة الناجية والطائفة المنصورة على السنة والأثر تدل على افترق هذه الأمة إلى طوائف وفرق يخالف ويفارق بعضها بعضا ويضلل ويبدع بعضها بعضا، وأهل السنة والجماعة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة لا يقولون على الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا الحق، ولا يكذبون على من يكذب عليهم ولا يفترون على من يفتري على منهجهم، وهذا الإفتراق لا يدل على اندثار الإسلام و زوال أهله، وإنما هو إخبار من الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى أن الأمة سيصيبها بلاء ومحن وفتن وافتراق واختلاف، ولقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن أهل الحق والمنهج الصحيح لا يفترقون وإن اختلفوا ولذلك سموا بأهل السنة والجماعة، لأنهم يجتمعون على التوحيد والسنة والقرآن ومنهج النبوة، روى الترمذي في كتاب الإيمان (5/26 رقم:26) والحاكم في كتاب العلم (1/128) والآجري في الشريعة (ص:15) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إذا كان منهم من أتى أمه علانية كان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلاّ ملة واحدة، قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه اليوم وأصحابي]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم ج1 ص89 : " وهذا الإفتراق مشهور عن النبي صلى الله عليه و سلم من حديث أبي هريرة و سعد ومعاوية و عمرو بن عوف و غيرهم، روى أبوداود(5/4رقم:4596)والترمذي(5/25رقم:2640)عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [تفرقت اليهود على إحدى و سبعين فرقة أو اثنين و سبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة]، والفرق البدعية المخالفة لأصول أهل السنة والجماعة دخلت في(1/34)
الطوائف كلها ضالة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم من حيث أنه أخبر عليه الصلاة والسلام أنها كلها في النار إلا أهل الحق وهم الفرقة الناجية، قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي في كتابه تيسير الكريم المنان : " قال الله تعالى : {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق و به يعدلون } أي جماعة يهدون الناس في تعليمهم إياهم وفتواهم لهم ويعدلون به في لحكم بينهم في ضاياهم، كما قال تعالى :{ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}،(1/35)
وفي الحقيقة الخلاف كله شر والفرقة عذاب من الله تعالى يعذب بها الأمة حينما تخرج عن أمره وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، كما روى البخاري : في باب قول الله تعالى :{ أو يلبسكم شيعا }(رقم: 6883): عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم : { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم قال أعوذ بوجهك أومن تحت أرجلكم قال أعوذ بوجهك فلما نزلت أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض قال هاتان أهون أوأيسر }، وروى ابن ماجه في كتاب الفتن (2/1322 رقم :3992) وابن أبي عاصم (1/32رقم:63) والأصبهاني في كتاب الحجة في بيان المحجة (رقم:19ص26): عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين، فرقة فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار قيل : يارسول الله من هم قال : الجماعة ]، والفرقة الربانية التي نجت من هذا الوعيد هم الجماعة، والافتراق في هذه الأمة أمر محتوم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الانحراف يكون من جهة الابتداع وترك الإقتفاء والإقتداء، وكلما تركت طائفة ما أمر به الشرع كانت أقرب إلى الهلاك و الزيغ، روى أحمد ( 4/102)و أبو داود في كتاب السنة(5/5رقم:4597) و ابن أبي عاصم (1/7رقم:1) والحاكم في المستدرك(1/128): عن معاوية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة/يعنى الأهواء/كلها في النار إلاّ واحدة : وهي الجماعة ، قال :"و إنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق و لا مفصل إلا دخله، والله يا معشر(1/36)
العرب لئن لم تقوموا بما جاء به محمد لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به]، قال الشاطبي : < 2/249> : " إن قوله عليه الصلاة والسلام "إلا واحدة" قد أعطى بنصه أن الحق واحد لا يختلف إذ لو كان للحق فرق لم يقل إلا "واحدة" ولأن الإختلاف منفي عن الشريعة بإطلاق"، عباد الله : إن اغلب رؤوس الفرق الضالة المنحرفة عن أصول أهل السنة والجماعة من أصحاب التأويل الباطل المقصود زنادقة ومنافقون دخلوا الإسلام من بابه ليهدموه ويشتتوا أهله الإسلام ، ولهم مقاصد خبيثة ونوايا مبيتة ليشغلوا أهل الإسلام بمقالات السفسطة، وكتابات الزندقة وآراء الفلسفة، قال ابن تيمية : " وفصل الخطاب في هذا الباب بذكر أصلين : أحدهما أن يعلم أن الكافر في نفس الأمر من أهل الصلاة لا يكون إلا منافقا فإن الله منذ بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن وهاجر إلى المدينة صار الناس ثلاثة أصناف : مؤمن به وكافر به مظهر الكفر ومنافق مستخف بالكفر ولهذا ذكر الله هذه الأصناف الثلاثة في أول سورة البقرة ذكر أربع آيات في نعت المؤمنين ، وآيتين في الكفار وبضع عشر آية في المنافقين ، وقد ذكر الله الكفار والمنافقين في غير موضع من القرآن كقوله:{ ولا تطع الكافرين والمنافقين}. وقوله :{ إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا} وقوله :{ فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا } وعطفهم على الكفار ليميزهم عنهم بإظهار الإسلام وإلا فهم في الباطن شرمن الكفار كما قال تعالى:{إن المنافقين في الدرك في الدرك الأسفل من النار}وكما قال:{ولا تصلى على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله...} وكما قال:{قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين}.{(1/37)
ومامنعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله و برسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون } وإذا كان كذلك فأهل البدع فيهم المنافق الزنديق فهذا كافر ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية فإن رؤساءهم كانوا منافقين زنادقة وأول من ابتدع الرفض كان منافقا ،وكذلك التجهم فإن أصله زندقة ونفاق ولهذاكان الزنادقة المنافقون من القرامطة الباطنية المتفلسفة وأمثالهم يميلون إلى الرافضة والجهمية لقربهم منهم ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان باطنا وظاهرا لكن فيه جهل وظلم حتى أخطأ ماأخطأمن السنة فهذا ليس بكافر ولا منافق ثم قد يكون منه عدوان وظلم يكون به فاسقا أو عاصيا،وقد يكون مخطئا متأولامغفورا له خطؤه وقد يكون مع ذلك معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه فهذا أحد الأصلين .
والأصل الثاني: أن المقالة تكون كفرا: كجحد وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج وتحليل الزنا والخمر والميسر ونكاح ذوات المحارم ثم القائل بها قد يكون بحيث لم يبلغه الخطاب وكذا لا يكفر به جاحده كمن هو حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه شرائع الإسلام فهذا لا يحكم بكفره بجحد شيء مما أنزل على الرسول إذا لم يعلم أنه أنزل على الرسول ومقالات الجهمية هي من هذا النوع فإنها جحد لما هو الرب تعالى عليه ولما أنزل الله على رسوله وتغلط مقالاتهم من ثلاثة أوجه أحدها:أن النصوص المخالفة لقولهم في الكتاب والسنة والإجماع كثيرة جدا مشهورة وإنما يردونها بالتحريف الثاني: أن حقيقة قولهم تعطيل الصانع وإن كان منهم من لا يعلم أن قولهم مستلزم تعطيل الصانع,فكما أن أصل الإيمان الإقرار بالله فأصل الكفر الإنكار لله .(1/38)
الثالث : أنهم يخالفون ما اتفقت عليه الملل كلها وأهل الفطر السليمة كلها لكن مع هذا قد يخفى كثير من مقالاتهم على كثير من أهل الإيمان حتى يظن أن الحق معهم لما يوردونه من الشبهات، ويكون أولئك المؤمنون مؤمنين بالله ورسوله باطنا وظاهرا، وإنما التبس عليهم واشتبه هذا كما التبس على غيرهم من أصناف المبتدعة فهؤلاء ليسوا كفارا قطعا بل قد يكون منهم الفاسق والعاصي وقد يكون منهم المخطئ المغفور له وقد يكون معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه به من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه ، وأصل قول أهل السنة الذي فارقوا به الخوارج والجهمية والمعتزلة والمرجئة أن الإيمان يتفاضل ويتبعض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [يخرج من النار من كان في قلبه م ثقال ذرة من إيمان]، وحينئذ فتتفاضل ولاية الله وتتبعض بحسب ذلك وإذا عرف أصل البدع فأصل قول الخوارج أنهم يكفرون بالذنب,ويعتقدون ذنبا ما ليس بذنب, ويرون اتباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب وإن كانت متواترة - ويكفرون من خالفهم ويستحلون منه لارتداده عندهم ما لا يستحلونه من الكافر الأصلي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم : [ يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الأوثان]، ولهذا كفروا عثمان وعليا وشيعتهماوكفروا أهل صفين الطائفتين في نحو ذلك من المقالات الخبيثة وأصل قول الرافضة :أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي نصا قاطعا للعذر، وأنه إمام معصوم ومن خالفه كفر وأن المهاجرين والأنصار كتموا النص وكفروا بالإمام المعصوم واتبعوا أهواءهم وبدلوا الدين وغيروا الشريعة وظلموا واعتدوا، بل كفروا إلا نفرا قليلا بضعة عشر أو أكثر ثم يقولون:إن أبا بكر وعمر ونحوهما ما زالا منافقين، وقد يقولون : بل آمنوا ثم كفروا وأكثرهم يكفر من خالف قولهم ويسمون أنفسهم المؤمنين ومن خالفهم كفارا ويجعلون مدائن الإسلام التي لا تظهر فيها أقوالهم دار ردة أسوأ حالا من مدائن المشركين والنصارى(1/39)
ولهذا يوالون اليهود والنصارى والمشركين على بعض جمهور المسلمين وعلى معاداتهم ومحاربتهم: كما عرف من موالاتهم الكفار المشركين على جمهور المسلمين;ومن موالاتهم الإفرنج النصارى على جمهور المسلمين ومن موالاتهم اليهود على جمهور المسلمين ومنهم ظهرت أمهات الزندقة والنفاق كزندقة القرامطة الباطنية وأمثالهم ولا ريب أنهم أبعد طوائف المبتدعة عن الكتاب والسنة ولهذا كانوا هم المشهورين عند العامة بالمخالفة للسنة فجمهور العامة لا تعرف ضد السني إلا الرافضي فإذا قال أحدهم : أنا سني فإنما معناه لست رافضيا،ولاريب أنهم شر من الخوارج لكن الخوارج كان لهم في مبدأ الإسلام سيف على أهل الجماعة وموالاتهم الكفار أعظم من سيوف الخوارج فإن القرامطة والإسماعيلية ونحوهم من أهل المحاربة لأهل الجماعة وهم منتسبون إليهم وأما الخوارج فهم معروفون بالصدق والروافض معروفون بالكذب،والخوارج مرقوا من الإسلام وهؤلاء نابذوا الإسلام،وأما القدرية المحضة فهم خير من هؤلاء بكثير وأقرب إلى الكتاب والسنة لكن المعتزلة وغيرهم من القدرية هم جهمية أيضا وقد يكفرون من خالفهم ويستحلون دماء المسلمين فيقربون من أولئك"..
10: الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هي امتداد للصحابة رضي الله عنهم إلى
يوم الدين(1/40)
إن جلالة الصحابة وعلو منزلتهم في الدنيا والآخرة معلومة، فلا ينكرها إلا مبغض لهم معاد لله ورسوله كالرافضة وغيرهم من الزنادقة، وخير دليل على خيريتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لهم بأنهم بالعدالة والأمانة كما روى مسلم في صحيحه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون]، فالأمة بخير وعافية ما دام فيهم أهل الخير، والناس في سعادة وهناء ما أخذوا العلم عنهم كما روى ابن المبارك في الزهد (رقم:815 ص 281) وعبد الرزاق (11/346): عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :[ لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم و من أكابرهم، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم، وتفرقت أهواءهم هلكوا]، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم النبراس النقي الذي ينبغي للأمة أن تقتبس منهم رضي الله عنهم في العلم والعمل فهم مفاتيح القلوب والبلدان والديار كما روى البخارى : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : [ يأتي على الناس زمان يغزون فيقولون فيكم من صحب الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : نعم فيفتح عليهم ثم يأتي زمان على الناس فيغزون فيقال لهم : فيكم من صاحب أصحاب، فيقولون : نعم فيفتح لهم،ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال : هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم]، و روى مسلم : عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث فيقولون : انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيوجد الرجل فيفتح لهم ثم يبعث البعث الثاني فيقولون : انظروا ]، و روى ابن أبي شيبة قال الحافظ إسناده حسن : عن واثلة رضي(1/41)
الله عنه مرفوعا : [ لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير مادام فيكم من رأي من رأني و صاحبني]، والصحابة رضي الله عنهم هم خير الناس للناس عبر القرون والعصور بلا منازع فلا كان ولا يكون مثلهم إلى يوم الدين روى البخارى :عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - قال عمران -: فلا أدري أذكر قرنه قرنين أو ثلاثة : ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يفون ويظهر فيهم السمن]، و في رواية : [ ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه و يمينه شهادته] ، قال الحافظ في < فتح البارى كتاب فضائل أصحاب النبي> : " واستدل بهذا الحديث على تعديل أهل القرون الثلاثة وإن تفاوتت منازلهم في الفضل وهذا محمول على الغالب و الأكثرية فقد وجد فيمن بعد الصحابة من القرنين من وجدت فيه الصفات المذكورة المذمومة لكن بقلة بخلاف من بعد القرون الثلاثة فإن ذلك كثر فيهم واشتهر>، و روى أحمد و الطبراني : عن النعمان بن بشير رضي الله عنه : [ قال رجل يا رسول الله أي الناس خير؟ قال :"أنا وقرني القرن الذي أنا منهم"، وفي رواية :"القرن الذي أنافيه ثم الثاني ثم الثالث]، قال الحافظ : [ ثم الذين يلونهم ]: أي الذي بعدهم وهم التابعون ، " ثم الذين يلونهم": وهم أتباع التابعين واقتضي هذا الحديث أن تكون الصحابة أفضل من التابعين، والتابعون أفضل من أتباع التابعين، و لكن هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو إلى الإفراد محل بحث، وإلى الثاني نحا الجمهور، والأول قول ابن عبد البر ، والذي يظهر :أن من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بأمره، أوأنفق شيئا من ماله،بسببه لا يعادله في الفضل أحد بعده كائنا من كان، وأما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث، والأصل في ذلك قوله تعالى: { لا يستوى منكم من(1/42)
أنفق من قبل الفتح و قاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا } واحتج ابن عبد البر بحديث :"مثل أمتي مثل
المطر"
قال الحافظ روى الطيالسي:من حديث عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ خير القرن الذي أنا منهم، ثم الثاني ثم الثالث]"، روى أحمد وأصله في الصحيح : عن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[خير هذه الأمة القرن الذي بعثت فيهم]، وفي رواية عند البخارى : عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [وبعثت في خير قرون بني آدم قرنا فقرنا، حتى كنت من القرن الذي كنت منه]، وروى أحمد و صححه الألباني في السلسلة(2286): عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره]، قال الحافظ حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة ، وقال : قال النووى : " أن المراد من يشتبه عليه الحال في ذلك من أهل الزمان الذين بدركون عيسى ابن مريم عليه السلام ويرون في زمانه من الخير والبركة وانتظام كلمة الإسلام ودحض كلمة الكفر،فيشتبه الحال على من شاهد ذلكم أيّ الزمانين خير وهذا الإشتباه مندفع بصريح قوله صلى الله عليه وسلم فتح البار ى باب فضل أصحاب النبي: [ خير القرون قرني] والله أعلم"، وقال شيخ الإسلام رحمه الله مجموع الفتاوى ج18/ص306 : أما قوله صلى الله عليه و سلم : [ مثل أمتي كمثل الغيث لا يدرى أوله خيرا أو آخره] فهذا قد رواه أحمد فى المسند و قد ضعفه بعض الناس و بعضهم لم يضعفه لكن قال معناه أنه يكون في آخر الأمة من يقارب أولهم فى الفضل، وإن لم يكن منهم حتى يشتبه على الناظر أيهما أفضل وإن كان الله يعلم أن الأول أفضل كما يقال فى الثوب المتشابه الطرفين هذا الثوب لا يدرى أى طرفيه خير مع العلم بأن أحد طرفيه خير من الآخر و ذلك لأنه قال لا يدرى أوله خير أو آخره ومن المعلوم أن الله(1/43)
يعلم أيهما خير إذا كان الأمر كذلك و إنما ينفى العلم عن المخلوق لا عن الخالق لأن المقصود التشابه والتقارب وما كان كذلك اشتبه على المخلوق أيهما خير "، و روى ابن أبي شيبة : من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ليدركن المسيح أقوام إنهم لمثلكم أو خير -ثلاثا-: ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها]،فطوبى لمن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وعمل بسنته واتبعه حتى اتباعه وعمل بما أمر وانتهى عما نهى عنه وزجر، وروى أحمد و ابن حبان والخطيب و صححه الألباني وأحمد شاكر و أصله في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أن رجلا قال : [ يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك " قال : طوبى لمن رآني و آمن بي، و طوبى، ثم طوبى، ثم طوبى ثلاث مرات لمن آمن بي و لم يرني]، وفي رواية : "طوبى سبع مرات لمن آمن بي و لم يرني" قال رجل :يارسول الله وما طوبى ؟ قال : "شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها]، وروى أحمد و الدارمي والطبراني وإسناده حسن وقد صححه الحاكم : عن أبي عبيدة رضي الله عنه قال يا رسول الله : [ أأحد خير منا ؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك ؟ قال : قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني]، وروى مسلم في الصحيح (تفسير ابن كثير 10/182): عن جابر رضي الله عنه قال :كنا يوم الحديبية ألفا و أربعمائة فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم :[ أنتم اليوم خير أهل الأرض]، قال الحافظ : قال ابن عبد البر : " بأن السبب في كون القرن الأول خير القرون،أنهم كانوا غرباء في إيمانهم، لكثرة الكفار حينئذ، و صبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم، قال : فكذلك أواخرهم، إذا أقاموا الدين و تمسكوا به وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن، وكانوا أيضا عند ذلك غرباء،وزكت أعمالهم في ذلك الزمان،كما زكت أعمال أولئك و يشهد له ما رواه مسلم عن أبي(1/44)
هريرة رفعه :[بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء]، وقد تعقب كلام ابن عبد البر بأن مقتضى كلامه أن يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من يكون أفضل من بعض الصحابة وبذلك صرح القرطبي، لكن كلام ابن عبد البر ليس على الإطلاق في حق جميع الصحابة، فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية، نعم والذي ذهب إليه الجمهور : " أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما من اتفق له الذب عنه والسبق إليه بالهجرة أو النصرة وضبط الشرع المتلقى عنه وتبليغه لمن بعده، فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده، لأنه مامن خصلة من الخصال المذكورة إلا وللذي سبق بها مثل أجرمن عمل بها من بعده،فظهر فضلهم، ومحصل النزاع يتمحض فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة كما تقدم، فإن جمع بين مختلف الأحاديث المذكورة كان متجها على أن حديث :"للعامل منهم أجر خمسين منكم" لا يدل على أفضلية غير الصحابة على الصحابة لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة،وأيضا فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل، فأما ما فاز به من شاهد النبي صل الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهد فلا يعدله فيها أحد، فبهذه الطريق يمكن تأويل الأحاديث المتقدمة،وأما حديث أبي جمعة فلم تتفق الرواة على لفظه فقد رواه بعضهم بلفظ الخيرية كما تقدم ورواه بعضهم بلفظ"قلنا يا رسول الله هل من قوم أعظم منا أجرا؟ ] الحديث أخرجه الطبراني وإسناد هذه الرواية أقوى من إسناد الرواية المتقدمة، وهي توافق حديث أبي ثعلبة وقد تقدم الجواب والله أعلم".
11: الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هي أمة النجاة والفكاك من الشرك
والبدع"(1/45)
لقد نجى الله تعالى بفضله أهل السنة والجماعة من حبال الشرك وشباك البدع وسلك بهم سبحانه طريق السنة فكانوا هم البرهان الصادق لنقاء منهج أهل الحق والمنبع المعين الذي يؤخذ منهم الدليل في لزوم الحق واتباعه، ولقد ظهرت عقيدتهم النقية بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي صافية راسخة لا تتزلزل ولا تتغير مع مرور الزمن، وأما أهل الأهواء والبدع فيجددون عقائدهم عند كل وصدق الإمام مالك رحمه الله تعالى : < لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها> ، فأهل السنة والجماعة هم أهل السنة والجماعة الذين لا ينتسبون لأحد إلا لأهل السنة والجماعة كما قال الشاطبي في الإعتصام [ 1/79] :< وقال عبد الرحمن بن مهدي قد سئل مالك بن أنس عن السنة قال : هي ما لا اسم له غير السنة وتلا : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله...(1/46)
}،وقال ابن القيم في مدارج السالكين [3/179] : < وقد سئل بعض الأئمة عن السنة قال ما لا اسم له سوى السنة يعني أن أهل السنة ليس لهم اسم ينسبون إليه سواها >، وقال ابن عبد البر في الإنتقاء [ص35] : < أن رجلا سأل مالكا فقال : من أهل السنة قال أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به لا جهمي ولا قدري ولا رافضي > ، وأما أهل الشقاق والمعاندة فقد وردت فيهم أحاديث كثيرة تخبر عن زيغهم وانحرافهم ومنها ما روى البخاري : (رقم7320) (من فتح الباري(13/300) ومسلم (رقم:2669) (4/2054وأحمد في المسند (4/125) قال الشيخ ناصر بن عبد الكريم العقل : هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة المستفيضة في الصحاح والسنن والمسانيد : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن]، ومن أكبر أسباب التمييع والخروج عن منهج الأنبياء، متابعة أهل الكتاب والمشركين المغضوب عليهم من أهل الضلال على الإطلاق، روى البخاري (رقم:7319) من فتح الباري (13/300) : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون قبلها شبرا بشبر، وذراعا بذراع ، قالوا : فارس والروم ؟ قال : فمن الناس إلا أولئك]، وروى ابن جرير(10/121) وله شواهد : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لتأخذن كما أخذت الأمم من قبلكم ذراعا بذراع، وشبرا بشبر وباعا بباع حتى لو أن أحدا من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه] قال أبو هريرة : إقرؤا إن شئتم : {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة } قالوا يا رسول الله كما صنعت فارس والروم وأهل الكتاب ؟ قال :فهل الناس إلاّ هم ]، روى أحمد (5/218) والترمذي (4/475رقم:2180) : عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال : [ خرجنا مع(1/47)
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى "حنين" ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها:ذات أنواط فمررنا بسدرة فقلنا:يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر!إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى:{ اجعل لنا إلها كما لهم ءالهة قال إنكم قوم تجهلون } لتركبن سنن سنة من كان قبلكم]،(1/48)
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/301) : " قال ابن بطال : والساعة لا تقوم إلا على شرار الناس، وأن الدين إنما يبقى قائما عند خاصة من الناس، قال : وقد وقع معظم ما أنذر به صلى الله عليه وسلم، وسيقع بقية ذلك"، وهذه الطوائف البدعية منهم من شره مستطير عريض غير منقطع ببلاء متتابع، ومنهم منهم من بدعهم ضعيفة تخبو تارة وتعود أخرى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى [ ج3 ص 345-358] : "وأما المرجئة فليسوا من هذه البدع المغلظة، بل قد دخل في قولهم طوائف من أهل الفقه والعبادة وما كانوا يعدون إلا من أهل السنة حتى تغلظ أمرهم بما زادوه من الأقوال المغلظة، ولما كان قد نسب إلى الإرجاء والتفضيل قوم مشاهير متبعون : تكلم أئمة السنة المشاهير في ذم المرجئة المفضلة تنفيرا عن مقالتهم كقول سفيان الثوري : < من قدم عليا على أبي بكر والشيخين فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار وما أرى يصعد له إلى الله عمل مع ذلك> أو نحو هذا القول قاله لما نسب إلى تقديم على بعض أئمة الكوفيين، وكذلك قول أيوب السختياني : < من قدم عليا علي عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار> قاله لما بلغه ذلك عن بعض أئمة الكوفيين وقد روي أنه رجع عن ذلك وكذلك قول الثوري ومالك والشافعي وغيرهم في ذم المرجئة لما نسب إلى الإرجاء بعض المشهورين وكلام الإمام أحمد في هذا الباب جار على كلام من تقدم من أئمة الهدى ليس له قول ابتدعه ولكن أظهر السنة وبينها وذب عنها وبين حال مخالفيها وجاهد عليها وصبر على الأذى فيها لما أظهرت الأهواء والبدع ، وقد قال الله تعالى :{ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون }، فالصبر واليقين بهما تنال الإمامة في الدين فلما قام بذلك قرنت باسمه من الإمامة في السنة ما شهر به وصار متبوعا لمن بعده كما كان تابعا لمن قبله وإلا فالسنة هي ما تلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقاه عنهم التابعون ثم(1/49)
تابعوهم إلى يوم القيامة وإن كان بعض الأئمة بها أعلم وعليها أصبر والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم "، فأعظم سبب للاستقامة لزوم طريقة أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية الطائفة المنصورة
وأعظم سبب للانحراف الخروج عن منهج أهل السنة والجماعة، والفرقة الناجية الطائفة المنصورة نجت من الأهواء والضلالات لتمسكها بالعقيدة السليمة والسنة النبوية المطهرة، كما قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في كتاب محاضرات في العقيدة والدعوة ص187 : " إذن فأصحاب العقيدة السليمة وأصحاب النجاة من الضلالة ومن النار و من الأهواء هم جماعة واحدة هم : " أهل السنة والجماعة "جعلنا الله وإياكم منهم وجمعنا بهم ورزقنا السير على نهجهم إلى يوم نلقاه "، وإن لزوم آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا من أعظم أسباب الإستقامة والتدين بدين الله الصحيح على الفهم الصحيح الذي لا يخالطه شوب ولا كدر ولا يعكر صفوه بدعة ولا فلسفة كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى [ ج 3 ص 157] : " ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار، واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال :"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ،وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"، ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله,وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤثرون كلام الله على كلام غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدي كل أحد، وبهذا سموا أهل الكتاب والسنة وسموا أهل الجماعة، لأن الجماعة هي الاجتماع وضدها الفرقة وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين، والإجماع : هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس(1/50)
من أقوال وأعمال باطنة أوظاهرة مما له تعلق بالدين، والإجماع الذي ينضبط هو : ما كان عليه السلف الصالح إذ بعدهم كثر الإختلاف و انتشرت الأمة"، وقال ابن حبان في صحيحه [ج1/ص180 ] : " قال أبو حاتم في قوله صلى الله عليه وسلم :"فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء ..." عند ذكره الاختلاف الذي يكون في أمته بيان واضح أن من واظب على السنن و قال بها ولم يعرج على غيرها من الآراء : < من الفرق الناجية في القيامة > جعلنا الله منهم بمنه"...
12: براءة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة من الإحداث والتغيير والتبديل"(1/51)
لقد تبرأ أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة من البدع المضلة وغلظوا في أمرها ونفروا من أهلها وكان أئمة السنة كالإمام أحمد وغيره من العلماء يحذرون من المبتدعة كالخوارج والمرجئة والقدرية والمعتزلة والجهمية والرافضة وغيرهم وجعلوا ذلك من الدين ونصر السنة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/97) : " إن الذين يعيبون أهل الحديث ويعدلون عن مذهبهم جهلة زنادقة منافقون بلا ريب ، ولهذا لما بلغ الإمام أحمد عن " ابن أبي قتيلة " أنه ذكر عنده أهل الحديث بمكة فقال : قوم سوء فقام الإمام أحمد وهو ينفض ثوبه ويقول : زنديق زنديق زنديق و دخل بيته فإنه عرف مغزاه، وعيب المنافقين للعلماء بما جاء به الرسول قديم من زمن المنافقين الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأما أهل العلم فكانوا يقولون : هم " الأبدال " لأنهم أبدال الأنبياء وقائمون مقامهم حقيقة ليسوا من المعدمين الذين لا يعرف لهم حقيقة كل منهم يقوم مقام الأنبياء في القدر الذي ناب عنهم فيه : هذا في العلم والمقال وهذا في العبادة والحال، وهذا في الأمرين جميعا وكانوا يقولون : < هم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة الظاهرون على الحق لأن الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسله معهم > وهو الذي وعد الله بظهوره على الدين كله وكفى بالله شهيدا "، وأهل السنة والجماعة طريقهم واحد، ومنهجهم واحد، وسبيلهم واحد وجماعتهم واحدة وإن اختلفت آراءهم لأن الحق الذي يجمعهم واحد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والطبراني والهيثمي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه : [ أيها الناس إن ربكم واحد ودينكم واحد وأباكم واحد الناس بنو آدم وآدم من تراب...(1/52)
] ، وقال الشيخ صالح الفوزان في كتاب محاضرات في العقيدة والدعوة [ ص199 ] : " فالمتمسك بعقيدة أهل السنة والجماعة يكون على بصيرة وعلى هدى ويكون قلبه مطمئنا وثابتا، لأنه عاش على الكتاب والسنة، وعاش على دليل واضح، مقتفيا للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته فهو على طمأنينة ،وعلى ثبات في أمر دينه، ويصيب من الخيرات والتثبيت والمزايا العظيمة ما لا يحصل لغيره، من المنحرفين الذين هم في هم دائم و قلق مقيم معهم أينما ذهبوا وأينما حلوا أما "أهل السنة والجماعة" : فهم ثابتون على الحق لا يتزعزعون ولا يتزحزحون، ولا يحدث عنهم أهواء وآراء واختلافات، لأن منهجهم واحد، وطريقتهم واحدة ودليلهم واحد،والمتمسكون بعقيدة أهل السنة والجماعة، قد أعد لهم من الكرامة و الجنة و الخلود في النعم المقيم الذي لا يفنى و لا يزول كما قال تعالى:{ فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى }"، والفرقة الناجية ليست من الزيغ في شيء، لأنها اتبعت سنة الأنبياء في طريق العلم والعمل والدعوة إلى الله تعالى، وسبب عصمة الله لها من الإنحراف أنها لم تحدث في دين الله ولم تفرق دينها ، كما قال الله تعالى في وصف أهل الضلال :{ إن الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا لست منهم في شيء }، قال العماد ابن كثير كتاب التفسير لابن كثير [ ج 2 ص244] : "والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله، وكان مخالفا له فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وشرعه واحد لا اختلاف فيه، ولا افتراق فمن اختلف فيه : { وكانوا شيعا} أي : فرقا كأهل الملل والنحل وهى الأهواء والضلالات، فالله قد برّأ رسوله مما هم فيه"، وهذا السبيل المستقيم هو منهج أهل السنة والجماعة الذين ليسوا خوارج ولا مرجئة وهو طريق الجماعة كما قال ابن القيم في مدارج السالكين ج 1 ص 350 : قال ابن مسعود رضي الله عنه : [عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به،وإن ما تكرهون في(1/53)
الجماعة و الطاعة خير مما تحبون في الفرقة]، فالسبيل المستقيم طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو طريق أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية الطائفة المنصورة هو السبيل الله المستقيم الذي ذكره الله في القرآن وأوصى به وأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة كما روى أحمد والنسائي وابن ماجه(1/6رقم :11) وابن حبان (1/181رقم 7) والدارمي(1/67) والحاكم (2/318) وصححه ووافقه الذهبي حسنه الألباني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : [ خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا كهذا أمامه بيده ثم قال : هذا سبيل الله مستقيما ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله، ثم قال : وهذه سبل الشيطان على كل سبيل منها، ليس منها سبيل إلا وعليه شيطان يدعو إليه :ثم قرأ:{ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرقوا بكم عن سبيله }] وقال المحدث الأرناؤوط في شرح السنة (1/198) إسناده حسن .
قال مجاهد : و لا تتبعوا السبل : البدع و الشهوات.(1/54)
وقال العلامة ابن القيم [ كما نقل صاحب فتح المجيد بتحقيق ابن باز ص 37] : " ولنذكر في الصراط المستقيم قولا وجيزا، فإن الناس قد تنوعت عباراتهم عنه بحسب صفاته ومتعلقاته وحقيقته شيء واحد و هو طريق الله الذي نصبه لعباده موصولا لهم إليه و لا طريق إليه سواه بل الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا طريقه الذي نصبه على ألسن رسله و جعله موصولا لعبادة الله ...(1/55)
يجب على المسلمين لزوم الجماعة لأن العصمة كل العصمة في الإجتماع والهزيمة كل الهزيمة في الإفتراق والشذوذ و الإختلاف"، و روى أحمد و ابن ماجه و صححه الألباني : عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ ثلاث لايغلّ عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم دعواهم تحيط من ورائهم ]، والمؤمن دائما وأبدا إذا اختلط بالناس أوخالطهم لمصلحة أوضرورة يجب عليه أن يحافظ على التزامه وطاعته لربه وسنة وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه وأدبه، فإن الشر والضرر ما لحق بأهله إلا بالصحبة السيئة والرفقة المذمومة ، فالواجب على المسلم الملتزم بالسنة والطاعة أن يخالط الناس في الخير كما قال ابن القيم في مدارج السالكين [ ج 1 ص346] : " أن يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعة والأعياد والحج وتعلم العلم و الجهاد والنصيحة و يعتزلهم في الشرو فضول المباحات"، وقال كذلك ابن القيم في مدارج السالكين [ ج1 ص77] : " أي لا يبقى فيه غل، ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة، بل تنفي عنه غلة وتنقيه، منه وتخرجه، عنه فإن القلب يغل على الشرك أعظم غل وكذلك يغل على الغش، وعلى خروجه على جماعة المسلمين بالبدعة والضلال،فهذه الثلاثة تملؤه غلا ودغلا،ودواء هذا الغل واستخراج أخلاطه بتجريد الإخلاص والنصح ومتابعة السنة"، وسبل أهل البدع طريق الشهوات والشبهات والإعراض عن السنة وفهم سلف الأمة، وأما الفرقة الناجية والطائفة المنصورة فهي أهل الصراط المستقيم والمنهج القويم والطريقة المستقيمة الذين لم يفترقوا ولم يفرقوا دينهم وأمتهم قال عبد الرحمن بن ناصر السعدى في كتاب تيسير الكريم الرحمن [ج2ص 510 ] : قال الله تعالى :{ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا...(1/56)
} يتوعد تعالى الذين فرقوا دينهم أي: شتتوه وتفرقوا فيه وكل أخذ نصيبا من الأسماء التى لا تفيد الإنسان في دينه شيئا، كاليهودية والنصرانية و المجوسية، أولا يكمل بها إيمانه بأن يأخذ من الشريعة شيئا، ويجعله دينه،ويدع مثله،أوما هو أولى منه، ودلت الآية الكريمة أن الدين يأمر بالإجتماع والائتلاف، وينهى عن التفرق والإختلاف في أهل الدين، وفي سائر مسائله الأصولية، و الفروعية، وأمره أن يتبرأ ممن فرقوا دينهم فقال:{ لست منهم في شيء} أي لست منهم و ليسوا منك، لأنهم خالفوك وعاندوك".
13: الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هي أهل الإسلام المحض والسنة النقية "(1/57)
لقد تلقت الأمة بالرضى والقبول أحاديث بقاء أهل الحق على الحق والسنة وأحاديث عدم اجتماعها كلها على الباطل لأنها موافقة للنصوص العامة التي تدل أن الأمة لا تجتمع كلها على الفساد والضلال، فروى الترمذي (رقم:2167) وابن أبي عاصم في السنة (رقم:80) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (رقم:1844) عن ابن عمر رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة]، في رواية : [ما كان الله ليجمع أمتي على ضلالة]، وفي رواية : [ لم يكن الله ليجمع أمتي على ضلالة، و يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار]، وعند أحمد(5/145) : عن أبي ذر الغفارى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [فإن الله عز وجل لن يجمع أمتى إلاّ على الهدى]، و قد سئل شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية في مجموع الفتاوى [ ج 4 ص 27] : ما قولكم في مذهب السلف في الاعتقاد ومذهب غيرهم من المتأخرين ؟ ما الصواب منهما ؟ وما تنتحلونه أنتم من المذهبين ؟ و في أهل الحديث هل هم أولى بالصواب من غيرهم ؟ وهل هم المرادون بالفرقة الناجية ؟ و هل حدث بعدهم علوم جهلوها وعلمها غيرهم ؟ فأجاب رحمه الله تعالى : " وإذا كانت "سعادة الدنيا والآخرة "هي باتباع المرسلين، فمن المعلوم أن أحق الناس بذلك هم أعلمهم بآثار المرسلين وأتبعهم لذلك فالعالمون بأقوالهم وأفعالهم المتبعون لها هم أهل السعادة في كل زمان ومكان وهم الطائفة الناجية من أهل كل ملة وهم أهل السنة والحديث من هذه الأمة، فإنهم يشاركون سائر الأمة فيما عندهم من أمور الرسالة ويمتازون عنهم بما اختصوا به من العلم الموروث عن الرسول ،مما يجهله غيرهم أو يكذب به والرسل صلوات الله وسلامه عليهم عليهم البلاغ المبين وقد بلغوا البلاغ المبين ، وخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم أنزل الله كتابه مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فهو الأمين على جميع الكتب وقد بلغ(1/58)
أبين البلاغ وأتمه وأكمله وكان أنصح الخلق لعباد الله وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده وعبد الله حتى أتاه اليقين فأسعد الخلق و أعظمهم نعيما وأعلاهم درجة أعظمهم اتباعا وموافقة له علما وعملا ، وأما غير أتباعه من أهل الكلام،فالكلام في أقيستهم التي هي حججهم وبراهينهم على معارفهم وعلومهم وهذا يدخل فيه كل من خالف شيئا من السنة والحديث من المتكلمين والفلاسفة ....(1/59)
كيف يليق بمثل هؤلاء أن ينسبوا (إلى الحشو) أهل الحديث والسنة ؟ الذين هم أعظم الناس علما ويقينا وطمأنينة وسكينة، وهم الذين يعلمون ويعلمون أنهم يعلمون، وهم بالحق يوقنون لا يشكون ولا يمترون، فأما ما أوتيه علماء أهل الحديث وخواصهم من اليقين والمعرفة والهدى : فأمر يجل عن الوصف، ولكن عند عوامهم من اليقين والعلم النافع ما لم يحصل منه شيء لأئمة المتفلسفة المتكلمين وهذا ظاهر مشهود لكل أحد"، فتشعب أهل الباطل إلى مذاهب وجماعات مما ساعد الفرق على الإختلاف والإفتراق، ثم تشعب هذا الخلاف إلى باطل ومذاهب وملل ونحل، ولكل فرقة دعاة وأنصار وأصحاب وأتباع لهم مناهج وأقوال وعقائد وعبادات يبنون عليها أصول مذاهبهم الفاسدة، كما قال الشيخ صالح الفوزان في كتاب محاضرات في العقيدة والدعوة ص186-187 : " الحق واحد لا يتجزأ، نعم تعددت الفرق وتعددت النّّحل والمذاهب وتعددت الأقوال، ولكن الحق " دائما وأبدا "واحد لا يتعدد، ولا يتشعب وهذا ديدن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله جل وعلا :{ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} (سورة الأنعام)، وصراط الله : هو الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وسار عليه صحابته الكرام والقرون المفضلة ومن اقتفى أثرهم من متأخرى هذه الأمة إلى أن تقوم الساعة، ذلكم هو صراط الله أما ما خالف هذا الصراط واختلف عنه فإنها سبل"، ودعاة المبتدعة هم رأس الفساد في هذه الأمة، وهذه الطوائف لها رؤوس أشرار يدعون إلى الباطل ويزينونه بالحق، ويزخرفونه بالأقوال المغرية ليلبسوا على الناس دينهم، ويموهون عليهم وهؤلاء الدعاة هم الدعاة الذين وصفهم رسول صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري (4/178) ومسلم(3/1475): عن حذيفة رضي الله عنه قال : [ كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر(1/60)
فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم قلت : و هل بعد هذا الشر من خير ؟ قال نعم وفيه دخن، قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يهتدون بغير هدي تعرف منهم وتنكر، قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت : يا رسول الله صفهم لنا فقال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وغمامهم، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة و لا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعضّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك]، قال الحافظ ابن كثير : البداية و النهاية [ ج 10 ص 22 ] : " وقد تقدم في حديث حذيفة أن الملخص من الفتن عند وقوعها اتباع الجماعة، ولزوم الإمام بالطاعة إذا كانوا على الحق واتباع الشرع وإذا فسدوا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فإنما الطاعة في المعروف " روى أحمد (5/386) وأبو داود(4/444) وحسنه الألباني : عن حذيفة رضي الله عنه قال : [كان أصحاب رسول الله يسألون عن الخير وأسأله عن الشر : هل بعد هذا الخير صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول من شر ؟ قال : نعم، قلت: فما العصمة منه ؟ قال :السيف، قلت : ثم ماذا ؟ قال : ثم تكون هدنة على دخن، قلت :ثم ماذا ؟ قال : ثم تكون دعاة ضلالة، فإن رأيت يومئذ خليفة في الأرض فالزمه وإن نهك جسمك وأخذ مالك، فإن لم تره فاهرب في الأرض ولو أن تموت وأنت عاض بجذل شجرة ، قلت : ثم ماذا ؟ قال : ثم يخرج الدجال]، ورواه ابن ماجه(2/1317رقم :3979) : بلفظ : [ تكون فتن على أبوابها دعاة إلى النار فأن تموت وأنت عاض على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحدا منهم]، إن الإلتزام بالعقيدة الصحيحة السنية السلفية سبب النجاة من الوعيد في الدنيا والآخرة، وسبب هلاك الطوائف الضالة عدم تمسكها بالشرع الحنيف، وكما قال صالح الفوزان في محاضرات في العقيدة والدعوة ص186 : " فمن وافق اعتقاده(1/61)
ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المعتقدات فإنه ينجو من عذاب الله و يدخل الجنة لذا سميتا لفرقة الملتزمة بهذه العقيدة والثابتة عليها "بالفرقة الناجية" وسبب تسميتها بهذا الإسم يرجع إلى كونها الناجية من عذاب الله، وذلك من بين ثلاث وسبعين فرقة وأما الفرق الباقية فهي في النار و العياذ بالله"، وإن سبب ضلال الفرق الهالكة الغلو في الباطل والتشدد في غير الحق و الابتداع مع ترك الإتباع ، روى أبو داود و ابن حبان و حسنه الألباني بالإسناد بالشواهد والمتابعة عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات، {ورهبانية ابتدعوها ماكتبناها عليهم }، واعلموا رحمكم الله تعالى أن العلم النافع والعمل الصالح هو طريق أهل السنة والجماعة، ولا ينجو العبد المسلم من كيد الشيطان ومكره الخبيث إلا بالتمسك بمنهج النبوة الذي فيه عصمة من الزلل والخطأ، وأي خطأ أكبر عباد وأي زيغ أقبح من مخالفة طريق الأنبياء والمرسلين في العلم والعمل والدعوة، فخير الناس على الإطلاق أشدهم تمسكا بالسنة عقيدة ومنهاجا وحكما وسلوكا وخلقا، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية [ في محموع الفتاوى 3/159] : " صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب : هم أهل السنة والجماعة، وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى، أولوا المناقب المأثورة والفضائل المذكورة، وفيهم الابدال الأئمة الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي : [لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة] ، فنسأل الله العظيم أن يجعلنا منهم وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ويهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب وصلى الله على محمد وآله(1/62)
صحبه وسلم تسليما كثيرا"
14: الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم أهل النصر التام والظفر الكامل
المستحق
لقد وعد الله تعالى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه الغر الميامين رضي الله عنهم بالنصر والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة ما ذلك إلا لقيامهم بأمره تعالى على لوجه الذي رضيه سبحانه فرضي عنهم وآتاهم الملك والتمكين والنصر والعلو والظفر كما ورد في مسند أحمد وصحيح ابن حبان والسنن الكبرى للبيهقي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ بشر هذه الأمة بالتيسير والسناء والدين والرفعة والتمكين في البلاد والنصر، فمن عمل عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب]، ولقد أجاب ابن القيم رحمه الله على السؤال الذي طرحه العلماء على الناس : لماذا انتصر الصحابة وانهزم غيرهم ؟ قال < في إغاثة اللهفان 2/182> : " وكذلك النصر والتأييد الكامل إنما هو لأهل الإيمان الكامل، قال تعالى :{ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}، وقال : { فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين }، فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد، ولهذا إذا أصيب العبد بمصيبة في نفسه أو بإدالة عدوه عليه فإنما هي بذنوبه، إما بترك واجب أو فعل محرم ، و هو من نقص إيمانه، وبهذا يزول الإشكال الذي يورده كثير من الناس على قوله تعالى : { و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا }، ويجيب عنه كثير منهم بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلا في الآخرة و يجيب آخرون بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلا في الحجة والتحقيق : أنها مثل هذه الآيات وأن انتفاء السبيل عن أهل الإيمان الكامل فإذا ضعف الإيمان صار لعدوهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيمانهم فهم جعلوا لهم عليهم السبيل بما تركوا من طاعة الله تعالى، فالمؤمن عزيز غالب مؤيد منصور مكفي مدفوع عنه بالذات أينما كان ولو اجتمع عليه من بأقطارها إذا(1/63)
قام بحقيقة الإيمان و واجباته ظاهرا وباطنا"، وبعد ذلك العز التام والنصر الكامل ظهرت الفرق المنحرفة والطوائف الضالة ففعلت فعلتها في الأمة ومزقت صفها بالشبهات والشهوات والضلالات فظهرت الفرق والنحل وانقسمت الأمة ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا واحدة وهي أهل الأثر والإتباع هم أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ولقد برزت هذه الفرقة على غيرها بهذه التسمية الربانية لما خرجت الخوارج والرافضة فلما ظهر الخوارج المارقون قال المسلمون : < نحن الجماعة>، ولما ظهرت الرافضة وانتسبوا إلى الشيعة قالت الجماعة نحن أهل السنة وكانت فرقة الخوارج أول نحلة ضالة ظهرت في الإسلام كما قال الشاطبي رحمه الله تعالى في كتابه الإعتصام ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مجموع الفتاوى < 3/350-351> : "ولهذا كان أول من فارق جماعة المسلمين من أهل البدع الخوارج المارقون وقد صح الحديث في الخوارج عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه خرجها مسلم في صحيحه وخرج البخاري منها غير وجه وقد قاتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فلم يختلفوا في قتالهم كما اختلفوا في قتال الفتنة يوم الجمل وصفين إذ كانوا في ذلك ثلاثة أصناف صنف قاتلوا مع هؤلاء وصنف قاتلوا مع هؤلاء وصنف أمسكوا عن القتال وقعدوا وجاءت النصوص بترجيح هذه الحال فالخوارج لما فارقوا جماعة المسلمين وكفروهم واستحلوا قتالهم جاءت السنة بما جاء فيهم كقول النبي صلى الله عليه وسلم :[ يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم،وصيامه مع صيامهم،وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة] وقد كان أولهم خرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى قسمة النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا محمد اعدل فإنك لم تعدل(1/64)
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : [ لقد خبت وخسرت إن لم أعدل فقال له بعض أصحابه دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال :[ إنه يخرج من ضئضئ هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم].
15: الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم عصبة الإسلام
وطائفة الإيمان إلى قيام الساعة"(1/65)
لم يهدأ حقد الكفار على بلاد الإسلام منذ بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد سعى النصارى الصليبيون الحاقدون منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إخراج المسلمين من دينهم بشتى الطرق و الوسائل الحربية والسياسية والإقتصادية، وذلك لدعوة المسلمين أن يعتنقوا الدين بأساليب الإغراء والترغيب بالمال والمناصب كما حاول عظيم الروم مع كعب بن مالك رضي الله عنه في أيام محنته لما تخلف عن غزوة تبوك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك حاولوا تنصير المسلمين وبلاد الإسلام بالقوة كما حاول المنافق النصراني أبو عامر الراهب تنسيقا مع الروم لغزو المدينة عسكريا فأنزل الله تعالى في كشف مكرهم : { والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين و إرصادا لمن حارب الله ورسوله}، ولم يهدأ لهم بال فحريض القبائل العربية الضاربة حول جزيرة العرب للتطويق على الدعوة المحمدية لحصرها في بلاد العرب فقط فلم ينجحوا بفضل الله، ثم لجوا في أيام أصحابه رضي الله عنهم وخلفاءه الراشدين إلى محاولة الزحف نحو بلاد الإسلام ومنع الناس من الدخول في دين الله تعالى، ولكن الصحابة رضي الله عنهم كسروا تلك الحواجز ونشروا التوحيد ودين الحق، ولقد كان كثير من الرهبان الفسقة والأحبار الكفرة يحرضون الناس ضد النبي صلى الله عليه وسلم ويستعملون أسلوب التلفيق والتزوير في عدم معرفة رسول الله صلى الله عليه و سلم بأساليب بالإرهاب الفكري والتضييق المعنوي والمادي على كل شخص من يحاول الدخول في دين الله أو دعوة الناس إلى الإسلام، ثم ما توقفوا عن القتال وحمل المسلمين بالقوة على التنصير بسياسة القوة والإكراه حتى حرضوا التتر المغول على غزو بلاد المسلمين ومحاربة أهله، ثم تتابعت الحملات المتتالية على بلاد المسلمين حتى اقتسموها كقطعة أرض صغيرة، ثم تركوها خاوية على عروشها بعد أن خرجوا ونشروا سمومهم القاتلة وأدواءهم الفاتكة وأمراضهم المميتة(1/66)
وأهواءهم المدمرة وشبهاتهم القاتلة وأفكارهم المنحرفة وأذواقهم المتعفنة وثقافتهم العرجاء ولغتهم العمياء فماذا بقي للدبابات بعد هذا الغزو المدمر الجارف الذي يعصف بالقيم والأصول ويزلزل الثوابت ويخسف بالبنيان والحصون، ولكن الله تعالى من فضله ولطفه بديار الإسلام سخر دائما من يدافع عن الدين ويحمي بيضة المسلمين وبلادهم من الغزو الأجنبي وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (ج4/ص 9-10) : "فالراد على أهل البدع مجاهد حتى كان يحيى بن يحيى يقول: <الذب عن السنة أفضل من الجهاد> والمجاهد قد يكون عدلا في سياسته، وقد لا يكون وقد يكون فيه فجور، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم ]، ولهذا مضت السنة بأن يغزى مع كل أمير برا كان أو فاجرا والجهاد عمل مشكور لصاحبه في الظاهر لا محالة، وهو مع النية الحسنة مشكور باطنا وظاهرا ووجه شكره نصره للسنة والدين فهكذا المنتصر للإسلام والسنة يشكر على ذلك من هذا الوجه، فحمد الرجال عند الله ورسوله وعباده المؤمنين بحسب ما وافقوا فيه دين الله وسنة رسوله وشرعه من جميع الأصناف إذ الحمد إنما يكون على الحسنات والحسنات هي ما وافق طاعة الله ورسوله من التصديق بخبر الله والطاعة لأمره وهذا هو السنة فالخير كله باتفاق الأمة هو فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما يذم من يذم من المنحرفين عن السنة والشريعة وطاعة الله ورسوله إلا بمخالفة ذلك"، فسبب ضياع الأمة وتسلط الأعداء عليها من كل ناحية ووجهة كما كان الحال قبل قرون : ترك الفريضة الواجبة التي أعز الله بها الصحابة بعد الدعوة وهي فريضة الجهاد للدفاع عن فلسطين وسائر البلاد المحتلة، ولكن الطائفة المنصورة قامت بالفريضة على الوجه الصحيح الذي أراد الله تعالى، فلقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن العصابة المنصورة والفرقة الناجية قاهرة(1/67)
لعدوها من يهود محاربين ونصارى صليبين معتدين على الإسلام والمسلمين، ومشركين معادين في الملاحم حتى يحكم الله تعالى بينها وبين أعدائها كما وقع ذلك في كثير من البقاع البلدان الإسلامية كالجزائر التي احتلتها القوات الصليبية الفرنسية لمدة 130سنة ثم خرجوا بفضل الله تعالى وكذا المسجد الأقصى الذي وقع أسيرا في يد النصارى أكثر من 90سنة فحرره الأخيار الأبرار على يد صلاح الدين رحمه الله تعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى (ج28/ص 531) : " والعياذ بالله لو استولى هؤلاء المحاربون لله ورسوله المحادون لله ورسوله المعادون لله ورسوله على أرض الشام ومصر في مثل هذا الوقت لأفضى ذلك إلى زوال دين الإسلام ودروس شرائعه أما الطائفة بالشام ومصر ونحوهما فهم في هذا الوقت المقاتلون عن دين الإسلام وهم من أحق الناس دخولا في الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الأحاديث الصحيحة المستفيضة عنه : [ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة] ، وفي رواية لمسلم : [ لا يزال أهل الغرب] والنبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهذا الكلام بمدينته النبوية فغربه ما يغرب عنها وشرقه ما يشرق عنها، فإن التشريق والتغريب من الأمور النسبية إذ كل بلد له شرق وغرب، ولهذا إذا قدم الرجل إلى الإسكندرية من الغرب يقولون : سافر إلى الشرق وكان أهل المدينة يسمون أهل الشام : أهل الغرب ويسمون أهل نجد والعراق : أهل الشرق كما في حديث ابن عمر قال : [ قدم رجلان من أهل المشرق فخطبا] وفي رواية من أهل نجد - ولهذا قال أحمد بن حنبل : [ أهل الغرب] هم أهل الشام : يعني هم أهل الغرب كما أن نجدا والعراق أول الشرق وكل ما يشرق عنها فهو من الشرق وكل ما يغرب عن الشام من مصر وغيرها فهو داخل في الغرب ، وفي الصحيحين : أن معاذ بن جبل قال : في الطائفة المنصورة : [ وهم بالشام] فإنها أصل المغرب(1/68)
وهم فتحوا سائر المغرب كمصر والقيروان والأندلس وغير ذلك، وإذا كان غرب المدينة النبوية ما يغرب عنها فالبيرة ونحوها على "مسامتة" المدينة النبوية كما أن حران والرقة وسميساط ونحوها على مسامتة مكة فما يغرب عن البيرة فهو من الغرب الذين وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم لما تقدم، وقد جاء في حديث آخر في صفة الطائفة المنصورة :[أنهم بأكناف البيت المقدس]، وهذه الطائفة هي التي بأكناف البيت المقدس اليوم، ومن يتدبر أحوال العالم في هذا الوقت يعلم أن هذه الطائفة هي أقوم الطوائف بدين الإسلام : علما وعملا وجهادا عن شرق الأرض وغربها، فإنهم هم الذين يقاتلون أهل الشوكة العظيمة من المشركين و أهل الكتاب و مغازيهم مع النصارى و مع المشركين من الترك ومع الزنادقة المنافقين من الداخلين في الرافضة وغيرهم كالإسماعيلية ونحوهم من القرامطة معروفة معلومة قديما وحديثا، والعز الذي للمسلمين بمشارق الأرض ومغاربها هو بعزهم ولهذا لما هزموا سنة تسع وتسعين وستمائة دخل على أهل الإسلام من الذل والمصيبة بمشارق الأرض ومغاربها ما لا يعلمه إلا الله، والحكايات في ذلك كثيرة ليس هذا موضعها، و ذلك أن سكان اليمن في هذا الوقت ضعاف عاجزون عن الجهاد أو مضيعون له وهم مطيعون لمن ملك هذه البلاد حتى ذكروا أنهم أرسلوا بالسمع والطاعة لهؤلاء وملك المشركين لما جاء إلى حلب جرى بها من القتل ما جرى، وأما سكان الحجاز فأكثرهم أو كثير منهم خارجون عن الشريعة وفيهم من البدع والضلال والفجور ما لا يعلمه إلا الله وأهل الإيمان والدين فيهم مستضعفون عاجزون وإنما تكون القوة والعزة في هذا الوقت لغير أهل الإسلام بهذه البلاد فلو ذلت هذه الطائفة والعياذ بالله تعالى لكان المؤمنون بالحجاز من أذل الناس لاسيما وقد غلب فيهم الرفض وملك هؤلاء التتار المحاربين لله ورسوله الآن مرفوض فلو غلبوا لفسد الحجاز بالكلية، وأما بلاد إفريقية فأعرابها غالبون عليها وهم من شر(1/69)
الخلق، بل هم مستحقون للجهاد والغزو، وأما المغرب الأقصى فمع استيلاء الإفرنج على أكثر بلادهم لا يقومون بجهاد النصارى هناك بل في عسكرهم من النصارى الذين يحملون الصلبان خلق عظيم، لو استولى التتار على هذه البلاد لكان أهل المغرب معهم من أذل الناس لاسيما والنصارى تدخل مع التتار فيصيرون حزبا على أهل المغرب فهذا وغيره مما يبين أن هذه العصابة التي بالشام ومصر في هذا الوقت هم كتيبة الإسلام وعزهم عز الإسلام وذلهم ذل الإسلام ، فلو استولى عليهم التتار لم يبق للإسلام عز ولا كلمة عالية ولا طائفة ظاهرة عالية يخافها أهل الأرض تقاتل منه"، ولقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعداء الإسلام سيجتمعون على غزو الأمة المحمدية، ولكن الله تعالى سيجعل العاقبة روى مسلم وأبو داود(رقم:4297) والطبراني والتبريزي(5369)عن ثوبان رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، و لينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم و ليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : [حب الدنيا وكراهية الموت]، و في رواية : [ كراهية القتال ]، و روى الطبراني في المعجم الكبير(17/314 رقم:869) : عن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا : [ لا تزال عصابة من أمتي على أمر الله، قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك]، و رواه مسلم في كتاب الإمارة(3/1524 رقم:176) والحاكم في كتاب الفتن والملاحم (4/456) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك]، وهذه الأمة الطاهرة تقاتل على الكتاب والسنة من اعتدى على دين الله(1/70)
وبلاد الإسلام ولا تبالي بمن خالفها أو خذلها لأن الله تعالى مؤيدها ومظهر منهجها وبلاد الإسلام ولو بعد حين، و روى أحمد(4/429) وأبو داود(3/11 رقم:2484) والحاكم في كتاب الفتن والملاحم(4/450): عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال ]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (ج28/ص 642) : " قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة]، وكل من عرف سير الناس وملوكهم رأى كل من كان أنصر لدين الإسلام وأعظم جهادا لأعدائه وأقوم بطاعة الله ورسوله أعظم نصرة وطاعة وحرمة من عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإلى الآن".
16: الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ظاهرة عالية منتصرة على من ناوأها"(1/71)
إن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم أقرب و أولى وأدنى الناس إلى الحق إذا اختلف المسلمون فيما بينهم أو مع غيرهم، ولقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الأثر بالنصر والتمكين على غيرهم، و وعدهم بالظفر على كل من عادى الإسلام وحارب المسلمين واحتل بلادهم واعتدى على دماءهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم، ومنهم هؤلاء أقوام يأتون في آخر الزمن من أهل " عدن أبين" فأخبرنا أنهم منصورون وهم من خير الناس علما وعملا، وسوف يظهر منهم اثنا عشرة ألفا من الموحدين الصالحين يمكنون للدين كما روى أحمد و البزار وصححه الحافظ العراقى والسخاوى عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفا ينصرون الله ورسوله، هم خير من بيني وبينهم ]، وهذا الخبر ذكر فيه عدد اثنا عشر ألفا وهو نفس العدد الذي جاء في الحديث الذي رواه الترمذي في السنن و قال حديث حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ خير الصحابة أربعة وخير السرايا أربعة مائة و خير الجيوش أربعة آلاف ولن تغلب اثنا عشر ألف من قلة] رياض الصالحين للنووي رقم: 311ص 116) إن هذا العدد إذا كان أصحابه على التوحيد السليم والسنة المباركة فلن يقهره أحد من أعداء الملة، و لو اجتمع عليها من بين أقطارها وإن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة لا يضرهم خذلان أهل الباطل لأنهم يعلمون يقينا أنهم على الحق المبين من الله رب العالمين فيما ينتهجون من أمر دينهم، وهم على بصيرة من الله في العلم و العمل، روى الشيخان عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم حتى تقوم الساعة]، روى مسلم : عن المغيرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى(1/72)
يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون]، والطائفة المنصورة عالية على من ناوأها من الطوائف الكفرية الشركية، وكذا البدعية والفجورية، ويكون هذا الظهور بالحجة والمحجة والبيان واللسان دائما وأبدا، وبالظهور والتمكين والسلطان تارة أخرى، وإن الأيام دول والحروب سجال بين الحق والباطل وأهل الكفر والإيمان والطاعة والعصيان والسنة والبدعة، ولكن مهما طال الزمان فلابد للحق أن ينتصر ويعلو على المنكر والكفر والشرك، ولابد للباطل أن يتحطم ويندثر، فالعاقبة إذا للأتقى والبقاء للأصلح وروى مسلم (3/1525رقم:177) وأبوعوانة (5/109):عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة]، والفرقة الناجية والطائفة المنصورة عزيزة كريمة يعز الله بها دينه وكتابه وشريعته وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأولياءه المؤمنين، و روى اللالكائي في " شرح أصول الإعتقاد" (1/111رقم :170): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الدين عزيزة إلى يوم القيامة]، روى أحمد(5/103) ومسلم (3/1524رقم:172): عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [لا يزال الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة]، وفي رواية : [ لن يبرح هذا الدين قائما ...]، وعند أحمد : [لا يزال هذا الأمر..(1/73)
]، فهؤلاء القوم المؤمنين الذين يقاتلون الكافرين المحاربين للدين وبلاد الإسلام قد يكونون أقلة وهم حماة الدين حقا وقد ينصر الله تعالى الأمة بسبب صدقهم وتضحياتهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 28/428 : " و واطأتها قلوب الذين هم في هذه الأمة محدثون كما تواطأت عليه المبشرات التي أريها المؤمنون و تبين فيها الطائفة المنصورة الظاهرة على الدين الذين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى يوم القيامة حيث تحزبت الناس ثلاثة أحزاب حزب مجتهد في نصر الدين و آخر خاذل له وآخر خارج عن شريعة الإسلام وانقسم الناس ما بين مأجور ومعذور وآخر قد غره بالله الغرور وكان هذا الامتحان تمييزا من الله وتقسيما : {ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما} ووجه الاعتبار في هذه الحادثة العظيمة : أن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وشرع له الجهاد إباحة له أولا ثم إيجابا له ثانيا لما هاجر إلى المدينة وصار له فيها أنصار ينصرون الله ورسوله فغزا بنفسه صلى الله عليه وسلم مدة مقامه بدار الهجرة وهو نحو عشر سنين بضعا وعشرين غزوة"(1/74)
والفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم أهل ثبات على الدين والنصر للإسلام فهم الصابرون على مجالدة الأعداء المحاربين وإن كانوا أقل عددا وعدة، وهذه المة المحمدية الربانية لا توالي الكفار وتدافع عن بلاد الإسلام وتصبر على مر القضاء تفتح الله عليها الفتح الموعود كما روى أحمد(5/44) وأبو داود (رقم:3618) و حسنه الألباني في صحيح أبي داود عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ينزل أناس من أمتي "بغائط" يسمونه "البصرة"عند نهر يقال له : الدجلة يكون عليه جسر يكثر أهلها وتكون من أمصار المهاجرين، فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطرة عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شط النهر، فيفترق المهاجرون ثلاثة فرق فرقة تأخذ بأذناب البقر و البرية فهلكوا و فرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا]، وفي رواية: [ كفرت ، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم فقتلاهم شهداء ويفتح الله عليهم]، والطائفة المنصورة الباقية إلى قيام الساعة منتصرة في كل زمان ومكان حتى يفتح الله لها القسطنطينية(1/75)
بلا سلاح ولا قتال إنما بالتكبير والتهليل ولله الحمد والمنة على هذا الفتح المبارك المبين، روى مسلم (18/43-44 مع شرح النووي):عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بنى إسحاق، فإذا جاءوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم ، قالوا : لا إله إلا الله و الله أكبر فيسقط أحد جانبها، قال ثور :- لا أعلمه إلا قال - : " الذي في البحر ثم يقولوا الثانية لا إله إلا الله، والله أكبر، فيسقط جانبها الآخر ، ثم يقولوا الثالثة : لا إله إلا الله، والله أكبر،فيفرج عنهم فيدخلوها، فيغنموا فبينما هم يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ فقال : إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء و يرجعون]، ولا تزال طائفة الإيمان وعصبة الإسلام تدافع عن بلاد الإسلام من صائل أهل الكفر المعتدين حتى يفتح الله عليها فتوحا ربانية روى مسلم(18/26 مع شرح النووي) : عن نافع بن عتبة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ،ثم تغزون فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله ، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/417) : " واعلموا أصلحكم الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه من وجوه كثيرة أنه قال : [لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة] وقد ثبت أنهم بالشام فهذه الفتنة قد تفرق الناس فيها ثلاث فرق : الطائفة المنصورة وهم المجاهدون لهؤلاء القوم المفسدين و الطائفة المخالفة وهم هؤلاء القوم ومن تحيز إليهم من خبالة المنتسبين إلى الإسلام والطائفة المخذلة وهم القاعدون عن جهادهم، وإن كانوا صحيحي الإسلام، فلينظر الرجل أيكون من الطائفة المنصورة أم من الخاذلة(1/76)
أم من المخالفة ؟ فما بقي قسم رابع : واعلموا أن الجهاد فيه خير الدنيا و الآخرة، وفي تركه خسارة الدنيا والآخرة"، والفرقة الناجية الطائفة المنصورة التي فتحت الهند عصمها الله من النار وهي مبشرة بالجنة وكذا الطائفة التي تغزو مع عيسى صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان روى النسائي في باب غزوة الهند (3173) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الهند فإن أدركتها أنفق فيها نفسي ومالي فإن أقتل كنت من أفضل الشهداء وإن أرجع فأنا أبو هريرة المحرر]، وفي الحديث الذي رواه النسائي في السنن ج6/ص42 (رقم:3175) عن ثوبان (مولى) رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار عصابة تغزو الهند وعصابة تكون مع عيسى بن مريم عليهما السلام]، وفي حديث آخر رواه أحمد(2/369) وحسنه أحمد شاكر(8809) : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ يكون في هذه الأمة بعث إلى السند والهند] ، وهذه الأحاديث عظيمة وتدل على فضل أهل الثغور من المسلمين المدافعين عن الإسلام وبلاد المسلمين والفرقة الناجية والطائفة المنصورة يفتح الله عليها فتوحا ربانية في الدفاع عن الدين وجهاد المعتدين للملة لما فيهم من صدق النية وحسن المقصد في إظهار الدين وتبليغ الرسالة ودحض الكفر وإبطاله، وكذا الأمة المباركة التي فتحت القسطنطينية مغفور لها ومبشرة بالخير والنصر وقد أوجبوا الجنة كما روى البخاري (رقم:2788) ومسلم (1912): عن أم حرام رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا، قالت أم حرام : قلت يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : أنت فيهم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم، قلت : أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال : لا ] ، وفي رواية عند(1/77)
البخاري : عن ابن عمر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه و سلم : [ أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له ]، فهؤلاء القوم هم المنصورون المفتوح عليهم المحقون فيما هم فيه من الخير والصلاح كما قال ابن القيم في مدارج السالكين ج1ص387 : قال الأوزاعي وابن المبارك : "إذا اختلف الناس في شيء، فانظروا ما عليه أهل الثغر ".
و بوب النووي : وبيان الدليل على أن هذه الملة لا تنسخ، وأنه لا تزال طائفة منها ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة:(1/78)
وهذه الفرقة الناجية والطائفة المنصورة باقية حتى يقاتل آخرهم الدجال كما روى أحمد (4/244) ومسلم (3/7137رقم:247) والدارمي (2/132رقم:3437) عن جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :[ لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة قال : فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم : تعال صلّ لنا فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة]، وهذه الأمة المباركة تبقى حاملة لواء الإسلام حتى ينزل عيسى عليه السلام مؤيدا لها على ما هي عليه من الحق والنصرة لدين الله تعالى ورد الكفار والأعداء إلى يوم الدين، و رواه البخاري في التاريخ الكبير(5/451رقم:1468): [ حتى ينزل عيسى]، وعند الطبراني(20/402 رقم:959): [حتى تقوم الساعة]، وقد ورد كثير من الأحاديث بألفاظ عدة في روايات مختلفة نذكر منها : ما أخرج مسلم (1920) والترمذي ( 2230) وابن ماجه (10) من حديث ثوبان رضي الله عنه وأخرجه احمد (4/244 و248 و252) والبخاري (3640)، و(3711)و(7459) ومسلم (1921) والطبراني (20/402رقم: 905) و(960)و(961) و(962) من حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ] وأخرجه البخاري(3641) و(7312) و(7460) ومسلم (3/15/24)، وأحمد(4/101) والطبراني (19/429 رقم :755) و(840) و(869)و(870)و(893) (899) و( 905) و(906) و(817) من حديث معاوية قال :[ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس]، وأخرجه من حديث جابر بن سمرة بلفظ : [ لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة]، وأخرج مسلم (1923):[ لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة] وهو في المنتقى (1031)لابن(1/79)
الجارود وشرف أصحاب الحديث للبغدادي(51)، وأخرجه أيضا (1924)، والطبراني في الكبير (17/314 رقم :870) من حديث عقبة بن عامر بلفظ : [ لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك] وفي الباب عن عمر بن الخطاب عند الحاكم (4/ 449) وصححه والطيالسي (ص9) والدارمي (2/213) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عند ابن ماجه(رقم:7) وعن قرة بن إياس عند الترمذي (2192) وابن ماجه (رقم:6) وأحمد (3/436) و(5/34-35) والخطيب في شرف أصحاب الحديث (11)و(44)و(50)وصححه ابن حبان (61) وقال الترمذي :حسن صحيح،وعن عمران بن حصين عند أحمد (4/437) وأبي داود (2484) والخطيب (46) والطبراني (18/111رقم: 211) (228) والحاكم (4/450) وصححه ووافقه الذهبي ولفظه: [ لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال]، وعن أبي أمامة عند أحمد (5/269) ولفظه: [ لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك قالوا : يا رسول الله وأين هم ؟ قال :ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس]،و روى البخاري في كتاب الإعتصام (4/187) ومسلم(3/1523رقم :171) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم: [ لا يزال ناس من أمتي ظاهرين،حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون]، وفي رواية عند البخاري(8/ 189):"لا يزال قوم من أمتي...(1/80)
]، وفي رواية عنده :(8/139) [ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون]، قد وردت أحاديث الباب في كثير من الكتب الصحاح والسنن والمساند والمعاجم والمصنفات لأهل الحديث رضي الله عنهم من لدن الصحابة إلى آخر الزمان، ومن أراد أن يتفقه فيما هم فيه من الخير والعلوم والمعارف فليرجع إلى ما كتبه الأئمة الأعلام والمشايخ الكرام في كتبهم، و ما علقوا عليها بالشروح و الفهوم السليمة ومن هؤلاء الأفذاذ الفحول شيخ الإسلام وسيف التوحيد وحامل لواء السنة وراية المنهج السني الصحيح العلامة ابن تيمية في المجموع، وهذه أرقام المجلدات وصفحاتها التي تحدث فيها عن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة : مجموع الفتاوى (ج3/ص129) و(ج3/ص141)و(ج3/ص148) و(ج3/ص 168)
و(ج3/ص 177) و(ج3/ص179)(ج3/ص 204)و(ج3/ص 346) و(ج3/ص347)و(ج3/ص370) و( ج5/ص20) (ج16/ص 568 و (ج19/ص306)و(ج22/ص 360) و( ج24/ص 172
17: انتصار الفرقة الناجية والطائفة المنصورة على أهل الملل والنحل"(1/81)
لقد تكالبت أمم الكفر والشرك على المسلمين الموحدين وبلادهم الغنية بالخيرات واجتمعوا على حربها ومحاربتها، وقد تداعت عليهم الشعوب من كل حدب وصول لاستئصالها من جذورها الصلبة واجتثاثها من عروقها العميقة، وليستغلوا ثروات بلادها العريقة، ولكن الله تعالى كان لهم بالمرصاد ولمخططاتهم الرهيبة فأخرج لهم سبحانه ليوث الإسلام وأبطال الإيمان من أهل الحق والعدل، الذين هم أنصار الله وحماة العقيدة، وجند التوحيد فردوا كيدهم في نحرهم، وطردوهم إلى بلادهم خائبين خاسئين خاسرين وأبطلوا مكرهم اللعين وشرهم الدفين، ولم ييأس هؤلاء الكفار في معاودة الكرة على بلاد الإسلام كلما تهيأ لهم الجو اللائق، وسمحت لهم الفرص الثمينة الذهبية التي لا تعوض، كما فعلت يهود بني قينقاع وبني النظير وبني قريظة وخيبر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يزالون إلى يوم الناس ذا يكررون فعلتهم بأهل فلسطين، ولكن الله تعالى لطيف بعباده المؤمنين يبطل مكرهم في كل مرة وكلما أوقدوا نارا للحرب ضذ الإيمان وأهله، وسوف تشتعل عليهم نهائيا لملاقاة مصيرهم المحتوم المقدر بعدل وحق قبل قيام الساعة كما روى البخاري (3/232) ومسلم (4/2238) والترمذي (4/508رقم :2236) : عن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر : يا مسلم هذا يهوديّ ورائي فاقتله]، و روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ينزل الدجال هذه السبخة أي خارج المدينة ثم يسلط الله عليه المسلمين فيقتلون شيعته] أي اليهود، و روى أحمد(5/16) البخارى(6/103) ومسلم (18/44 مع شرح النووي) :عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا تقوم الساعة حتى تقاتلون اليهود حتى يختبىء أحدهم وراء الحجر حتى يقول فيقول الحجر وراءه اليهودي يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله]،(1/82)
وقال الحافظ في فتح الباري كتاب الجهاد والسير(6/103): [ تقاتلون] : مخاطبة للمسلمين، ويستفاد منه أن الخطاب الشفاهي يعم المخاطبين ومن بعدهم، و هو متفق عليه من جهة الحكم، وإنما وقع الاختلاف فيه في حكم الغائبين هل وقع بتلك المخاطبة نفسها أوبطريق الإلحاق و هذا الحديث يؤيد من ذهب إلى الأول، وفيه إشارة إلى بقاء دين الإسلام إلى أن ينزل عيسى عليه السلام فإنه الذي يقاتل الدجال و يستأصل اليهود الذين هم تبع الدجال"، ولقد توالت حملات الكفار المحاربين على بلاد الإسلام ولم تنقطع باختلاف الأساليب والطرق كما فعل التتر في امة المسلمين ببغداد وما جاورها روى أحمد (5/70) البخاري (6/604 مع الفتح) و[ 6/104] مع الفتح) وغيرهما : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، وحتى تقاتلوا الترك صغار العين : "كأن أعينهم حدق الجراد" حمر الوجوه ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة، وتجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر حتى يدخل فيه، والناس معادن ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، وليأتين على أحدهم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله]، في لفظ عند البخاري(3590):"حتى تقاتلوا خوز وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه، فطس الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة] [نعالهم الشعر]، في رواية عند أحمد(3/31) وابن ماجه (رقم:4099) حسنها الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (رقم:3309) : [ويتخذون الدرق حتى يربطوا خيولهم بالنخل]، وأهل الإسلام تجري عليهم سنن الله تعالى الربانية العادلة كسائر البشر، فالموحدون لا ينتصرون دائما في حروبهم مع أعدائهم الكفرة تارة يذيقهم الله النصر المبين وحلاوته ونشوته، وتارة الهزيمة ومرارتها لحكمة يعلمها الله تعالى ، فعلى العبد أن يرضى بحلو القضاء ومره، وهذا مقام شريف من مقامات العبودية لله، ومن الناس من يتشاءم دائما(1/83)
ويظن أن الغلبة للسيف دون التقوى، كما قال العلامة ابن القيم كتاب إغاثة اللهفان [ج2]: "من الناس يظن أن أهل الدين الحق في الدنيا يكونون أذلاء مقهورين مغلوبين دائما بخلاف من فارقهم إلى سبيل أخرى وطاعة أخرى فلا يثق بوعد الله بنصر دينه وعباده بل إما أن يجعل ذلك خاصا بطائفة دون طائفة أو بزمان دون زمان أو يجعله معلقا بالمشيئة وإن لم يصرح بها وهذا من عدم الوثوق بوعد الله تعالى ومن سوء الفهم في كتابه والله سبحانه بين في كتابه أنه ناصر المؤمنين في الدنيا والآخرة قال تعالى :{ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}، وقال تعالى :{ و من يتول الله ورسوله و الذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون }، وقال تعالى { إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين كتب الله لأغلبن أنا ورسلي}، وهذا كثير في القرآن..."
عباد الله : إن الرباط على بلاد الإسلام وثغورها شريعة ربانية كتبها الله تعالى على المسلمين الموحدين دفاعا وحماية على بيضة أهل الإيمان، وفي نفس هو الوقت هو دفاع عن الإسلام ودعوته السمحة وشريعته الغراء، وأهل السنة والجماعة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هي التي قامت بهذا الواجب المقدس على وجه الكامل، وجمعت بين الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وإقامة الحجة وإزالة التأويل وإبلاغ الرسالة الإلهية إلى الخلق أجمعين ودافعت عنها دفاع الأبطال بالنصرة والسلطان والتمكين حتى فتح الله عليها الدنيا شرقا وغربا ، فلا زال المسلمون يعيشون تحت راية ذلك الفتح المبين من رب العالمين إلى يوم الناس ذا، وهم ينعمون بخيرات بلاد الإسلام، ولن يعود للإسلام مجده الأول إلا بالعودة إلى ما كان عليه سلف الأمة رضي الله عنهم من التوحيد السليم والمنهج القويم وأخلاقه النبيلة وأحكامه العادلة شرعة ومنهاجا، وآدابه ومعاملاته السامية...(1/84)
18: أعظم وصف الفرقة الناجية والطائفة المنصورة العلم والنصرة لدين الله:
إن أكبر وصف عرفت به الفرقة الناجية والطائفة المنصورة العلم النافع والعمل الصالح بأحكام الإسلام والسنة، وهذه الأوصاف الربانية دليل على قوة البصيرة والعلوم والمعرفة بالله تعالى ودينه وشريعته وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقوة النشاط في العمل بجد وحزم وجزم وعزم كما وصف الله تعالى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام :{ أولي الأيدي والأبصار}، والفرقة الناجية والطائفة المنصورة هي الأمة المقتدية بالرسول الممتثلة لأوامر الله تعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (ج1/ص1) : "والطائفة المنصورة لا يزالون ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى حين الحساب وحفظ لهم الذكر الذي أنزله من الكتاب المكنون كما قال تعالى :{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }، فلا يقع في كتابهم من التحريف والتبديل كما وقع من أصحاب التوراة والإنجيل وخصهم بالرواية والإسناد الذي يميز به بين الصدق والكذب الجهابذة النقاد وجعل هذا الميراث يحمله من كل خلف عدوله أهل العلم والدين ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين لتدوم بهم النعمة على الأمة ويظهر بهم النور من الظلمة ويحيا بهم دين الله الذي بعث به رسوله، وبين الله بهم للناس سبيله، فأفضل الخلق أتبعهم لهذا النبي الكريم المنعوت في قوله تعالى :{ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم }"، فهذه الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هي في الحقيقة أوعية العلم، وحملة الفقه، وحماة الحديث، وأنصار العلماء، قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث أحمد والبيهقي بسند صحيح : [يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين]، فهي من ينفي عن الإسلام الأحاديث الموضوعة المكذوبة، والأقوال المشبوهة ،(1/85)
والتأويلات الخاطئة الباطلة، وهي من يجمع صف المؤمنين ويوحد جماعة المسلمين، وهي من ترد على حملات الجاهلين المتطاولين على السنة وأهلها العاملين، والدعاة المخلصين، فهي التي جمعت بين العلم وجهاد الكفار المحاربين للدين وبلاد الإسلام كما قال الله تعالى في وصفهم :{ و ما كان المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون، يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين}، ولقد قرن الله لهم بين فضيلتين وشرفين وسهمين عظيمين من سهام الإسلام، وما ذلك إلا لكبير قدرهم وجليل منزلتهم في أهل الإسلام ، قال القرطبي تفسير القرطبي (8/298) : وروى الدارمي أبو محمد في مسنده قال : حدثنا أبو المغيرة حدثنا الأوزاعي عن الحسن قال : [ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجلين كانا في بني إسرائيل أحدهما كان عالما يصلي المكتوبة ثم يجلس فيعلم الناس الخير والآخر يصوم النهار ويقوم الليل أيهما أفضل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فضل هذا العالم الذي يصلي المكتوبة ثم يجلس فيعلم الناس الخير على العابد الذي يصوم النهار ويقوم الليل كفضلي على أدناكم]، أسنده أبو عمر في كتاب بيان العلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ فضل العالم على العابد كفضلي على أمتي] وقال ابن عباس : أفضل الجهاد من بنى مسجدا يعلم فيه القرآن والفقه والسنة رواه شريك عن ليث بن أبي سليم عن يحيى بن أبي كثير عن علي الأزدي قال : أردت الجهاد فقال لي ابن عباس ألا أدلك على ما هو خير لك من الجهاد تأتي مسجدا فتقريء فيه القرآن وتعلم فيه الفقه وقال الربيع سمعت الشافعي يقول : "طلب العلم أوجب من الصلاة النافلة"، وقوله عليه السلام : [ إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع]، الحديث يحتمل وجهين : أحدهما(1/86)
أنها تعطف عليه وترحمه كما قال الله تعالى فيما وصى به الأولاد من الإحسان إلى الوالدين بقوله : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة }أي : تواضع لهما والوجه الآخر أن يكون المراد بوضع الأجنحة فرشها لأن في بعض الروايات : [ وإن الملائكة تفرش أجنحتها] أي : إن الملائكة إذا رأت طالب العلم يطلبه من وجهه ابتغاء مرضات الله وكان سائر أحواله مشاكلة لطلب العلم فرشت له أجنحتها في رحلته وحملته عليها فمن هناك يسلم فلا يخفى إن كان ماشيا ولا يعيا وتقرب عليه الطريق البعيدة ولا يصيبه ما يصيب المسافر من أنواع الضرر كالمرض وذهاب المال وضلال الطريق وقد مضى شيء من هذا المعنى في آل عمران عند قوله تعالى : { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}، روى عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة]، قال يزيد بن هارون : " إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم "، قلت : وهذا قول عبد الرزاق في تأويل الآية إنهم أصحاب الحديث ذكره الثعلبي سمعت شيخنا الأستاذ المقريء النحوي المحدث أبا جعفر أحمد بن محمد بن محمد القيسي القرطبي المعروف بابن أبي حجة رحمه الله يقول في تأويل قوله عليه السلام : [لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة] إنهم العلماء ...،(1/87)
أي لا يزال أهل فيض الدمع من خشية الله عن علم به وبأحكامه ظاهرين الحديث قال الله تعالى : {إنما يخشى الله من عباده العلماء قلت : وهذا التأويل يعضده قوله عليه السلام في صحيح مسلم : [ من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة]، وظاهر هذا المساق أن أوله مرتبط بآخره والله أعلم، فيه مسألة واحدة وهو أنه سبحانه عرفهم كيفية الجهاد وأن الابتداء بالأقرب فالأقرب من العدو، ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرب فلما فرغ قصد الروم وكانوا بالشام وقال الحسن : نزلت قبل أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين فهي من التدريج الذي كان قبل الإسلام وقال ابن زيد : المراد بهذه الآية وقت نزولها العرب فلما فرغ منهم نزلت في الروم وغيرهم : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله}، وقد روي عن ابن عمر أن المراد بذلك الديلم وروي عنه أنه سئل بمن يبدأ بالروم أو بالديلم فقال بالروم وقال الحسن : هو قتال الديلم والترك والروم وقال قتادة : الآية على العموم في قتال الأقرب فالأقرب والأدنى فالأدنى".
19: الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هي حامية البيت المقدس وما حوله
بالشام وغيرها من ديار الإسلام"(1/88)
عباد الله إن الشام لم تقل كلمتها بعد، وسوف يأتي اليوم إن شاء الله تعالى الذي تقف فيه هذه البلدة وقفة ربانية للإسلام وأهله، لأنها كما جاء في حديث النسائي عن نفيل الكندي مرفوعا : [ وعقر دار المؤمنين الشام]، وما ذلك إلا أن الله تعالى بارك في هذه الديار، ولقد سئل ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى [ج27 ص 40-44 ] : ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين ؟ هل تفضل الإقامة في الشام على غيره من البلاد ؟ وهل جاء في ذلك نص في القرآن أو الأحاديث أم لا ؟ أجيبونا مأجورين، فقال رحمه الله تعالى : " فدين الإسلام بالشام في هذه الأوقات وشرائعه أظهر منه بغيره هذا أمر معلوم بالحس والعقل وهو كالمتفق عليه بين المسلمين العقلاء الذين أوتوا العلم والإيمان، وقد دلت النصوص على ذلك مثل ما روى أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ستكون هجرة بعد هجرة فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم]، وفي سننه أيضا عن عبد الله بن خولة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [إنكم ستجندون أجنادا جندا بالشام وجندا باليمن وجندا بالعراق فقال ابن خولة : يا رسول الله اختر لي فقال : عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من خلقه فمن أبى فليلحق بيمنه وليتق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله"، وكان الخوالي يقول : من تكفل الله به فلا ضيعة عليه]، وهذان نصان في تفضيل الشام ، وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ لا يزال أهل المغرب ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة]، قال الإمام أحمد : "أهل المغرب هم أهل الشام " وهو كما قال، فإن هذه لغة أهل المدينة النبوية في ذاك الزمان كانوا يسمون أهل نجد والعراق أهل المشرق ويسمون أهل الشام أهل المغرب، لأن التغريب والتشريق من الأمور النسبية فكل مكان له غرب وشرق، فالنبي صلى الله عليه وسلم(1/89)
تكلم بذلك في المدينة النبوية فما تغرب عنها فهو غربة وما تشرق عنها فهو شرقة ومن علم حساب البلاد - أطوالها وعروضها - علم أن المعاقل التي بشاطئ الفرات - كالبيرة ونحوها - هي محاذية للمدينة النبوية كما أن ما شرق عنها بنحو من مسافة القصر كحران وما سامتها مثل الرقة وسميساط فإنه محاذ أم القرى مكة . شرفها الله، ولهذا كانت قبلته هو أعدل القبل فما شرق عما حاذى المدينة النبوية فهو شرقها وما يغرب ذلك فهو غربها ،وفي الكتب المعتمد عليها مثل "مسند أحمد"وغيره عدة آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأصل مثل وصفه أهل الشام بأنه : [ لا يغلب منافقوهم مؤمنيهم]، وقوله صلى الله عليه وسلم : [رأيت كأن عمود الكتاب - وفي رواية - عمود الإسلام أخذ من تحت رأسي فأتبعته نظري فذهب به إلى الشام]، وعمود الكتاب والإسلام ما يعتمد عليه وهم حملته القائمون به ، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم : [عقر دار المؤمنين الشام ]، ومثل ما في الصحيحين عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة]، وفيهما أيضا عن معاذ بن جبل قال : [ وهم بالشام] وفي تاريخ البخاري قال : [ وهم بدمشق]، وروي :[ وهم بأكناف بيت المقدس]، وفي الصحيحين أيضا عن ابن عمر:عن النبي صلى الله عليه وسلم :[أنه أخبر أن ملائكة الرحمن مظلة أجنحتها بالشام]، والآثار في هذا المعنى متعاضدة ولكن الجواب ليس على البديهة على عجل وقد دل الكتاب والسنة وما روي عن الأنبياء المتقدمين عليهم السلام مع ما علم بالحس والعقل وكشوفات العارفين أن الخلق والأمر ابتدآءا من مكة أم القرى فهي أم الخلق وفيها ابتدئت الرسالة المحمدية التي طبق نورها الأرض وهي جعلها الله قياما للناس : إليها يصلون ويحجون ويقوم بها ما شاء الله من مصالح دينهم ودنياهم .(1/90)
فكان الإسلام في الزمان الأول ظهوره بالحجاز أعظم ودلت الدلائل المذكورة على أن " ملك النبوة " بالشام والحشر إليها فإلى بيت المقدس وما حوله يعود الخلق والأمر وهناك يحشر الخلق والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام وكما أن مكة أفضل من بيت المقدس فأول الأمة خير من آخرها، وكما أنه في آخر الزمان يعود الأمر إلى الشام كما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فخيار أهل الأرض في آخر الزمان ألزمهم مهاجر إبراهيم عليه السلام وهو بالشام فالأمر مساسه كما هو الموجود والمعلوم وقد دل القرآن العظيم على بركة الشام في خمس آيات قوله: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها }، والله تعالى إنما أورث بني إسرائيل أرض الشام ، وقوله :{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} وقوله :{ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها} وقوله :{ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها} وقوله تعالى :{وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة } الآية فهذه خمس آيات نصوص و" البركة "تتناول البركة في الدين والبركة في الدنيا،وكلاهما معلوم لا ريب فيه فهذا من حيث الجملة والغالب وأما كثير من الناس فقد يكون مقامه في غير الشام أفضل له كما تقدم، وكثير من أهل الشام لو خرجوا عنها إلى مكان يكونون فيه أطوع لله ولرسوله لكان أفضل لهم ، وقد كتب أبو الدرداء إلى سلمان الفارسي رضي الله عنهما يقول له : [هلم إلى الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان : إن الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس الرجل عمله]، وهو كما قال سلمان الفارسي فإن مكة حرسها الله تعالى أشرف البقاع وقد كانت في غربة الإسلام دار كفر وحرب يحرم المقام بها وحرم بعد الهجرة أن يرجع إليها المهاجرون فيقيموا بها"، روى البخاري (4/187)ومسلم(3/1524):عن معاوية رضي الله(1/91)
عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :[ لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، ما يضرهم من كذبهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك ] "وهم بالشام "، وأخرج البخاري في التاريخ الكبير(9/78رقم:752)الطبراني في الكبير(2/317 رقم :754): عن أبي أمامة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناوأهم وهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتي أمر الله و هم كذلك، قلنا يا رسول الله : وأين هم ؟ قال : بالبيت المقدس و بأكناف البيت المقدس]، وروى الترمذى(4/485) وابن ماجه(3/178) وأحمد(3/436) عن قرة المزني رضي الله عنه قال : وقال صًلى الله عليه وسلم : [ إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتى منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة]، ومن هذه الأحاديث ما في صحيح البخاري (13/45 مع الفتح ) عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا]، ولقد امتازت الشام على غيرها من البلدا وارتقت إلى هذه المرتبة بسبب مكانة البيت المقدس فيها ، ولأنها كذلك أرض المحشر والمنشر، ودليل مكانة الشام وارد في الحديث عن ميمونة بنت سعد رضي الله عنها كما جاء في فتح الباري (11/380) وتفسير ابن كثير (8/84) قالت : [ يا نبي الله أفتنا في البيت المقدس ! فقال : أرض المحشر و المنشر]، و روى الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه : عن أبي ذر رضي الله عنه قال : [ تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما الأفضل :مسجد رسول الله أم البيت المقدس ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا قال :أو خير من الدنيا وما فيها]، و لقد ثبت أن نبي الله سليمان عليه السلام(1/92)
سأل الله أن لا يأتيه أحد يريد الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كما جاء في سنن النسائي وعند ابن ماجه بسند صحيح : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لما فرغ سليمان بن داوود عليه السلام من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثا:حكما يصادف حكمه، وملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أما اثنان فقد أعطيهما وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة]، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/449) : " وقد كان معاوية والمغيرة وغيرهما رضي الله عنهم يحتجون لرجحان الطائفة الشامية بما هو في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة] ، فقام مالك بن يخامر فقال : سمعت معاذ بن جبل يقول : [ وهم بالشام] فقال معاوية : وهذا مالك بن يخامر يذكر أنه سمع معاذا يقول : [ وهم بالشام] وهذا الذي في الصحيحين من حديث معاوية فيهما أيضا نحوه من حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ لا تزال من أمتي أمة ظاهرة على الحق حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك]، وهذا يحتجون به في رجحان أهل الشام بوجهين : " أحدهما " : أنهم الذين ظهروا وانتصروا وصار الأمر إليهم بعد الاقتتال والفتنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ لا يضرهم من خالفهم]، وهذا يقتضي أن الطائفة القائمة بالحق من هذه الأمة هي الظاهرة المنصورة فلما انتصر هؤلاء كانوا أهل الحق، والثاني : أن النصوص عينت أنهم بالشام كقول معاذ وكما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [لا يزال أهل الغرب ظاهرين] قال الإمام أحمد : وأهل الغرب هم أهل الشام .(1/93)
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مقيما بالمدينة فما يغرب عنها فهو غربه وما يشرق عنها فهو شرقه وكان يسمي أهل نجد وما يشرق عنها أهل المشرق كما قال ابن عمر : قدم رجلان من أهل المشرق فخطبا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إن من البيان لسحرا] وقد استفاضت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشر أن أصله من المشرق : كقوله :[ الفتنة من هاهنا الفتنة من هاهنا]، ويشير إلى المشرق وقوله صلى الله عليه وسلم :[ رأس الكفر نحو المشرق]، ونحو ذلك، فأخبر أن الطائفة المنصورة القائمة على الحق من أمته بالمغرب وهو الشام وما يغرب عنها والفتنة ورأس الكفر بالمشرق وكان أهل المدينة يسمون أهل الشام أهل المغرب ويقولون عن الأوزاعي: أنه إمام أهل المغرب ويقولون عن سفيان الثوري ونحوه : إنه مشرقي إمام أهل المشرق وهذا لأن منتهى الشام عند الفرات هو على مسامتة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم طول كل منهما وبعد ذلك حران والرقة ونحوهما على مسامتة مكة ولهذا كانت قبلتهم أعدل القبلة بمعنى أنهم يستقبلون الركن الشامي ويستدبرون القطب الشامي من غير انحراف إلى ذات اليمين كأهل العراق ولا إلى ذات الشمال :كأهل الشام قالوا : فإذا دلت هذه النصوص على أن الطائفة القائمة بالحق من أمته التي لا يضرها خلاف المخالف ولا خذلان الخاذل هي بالشام كان هذا معارضا لقوله :[ تقتل عمارا الفئة الباغية]، ولقوله [تقتلهم أولى الطائفتين بالحق] وهذا من حجة من يجعل الجميع سواء والجميع مصيبين أو يمسك عن الترجيح وهذا أقرب، وقد احتج به من هؤلاء على أولئك لكن هذا القول مرغوب عنه وهو من أقوال النواصب فهو مقابل بأقوال الشيعة والروافض هؤلاء أهل الأهواء وإنما نتكلم هنا مع أهل العلم والعدل ولا ريب أن هذه النصوص لا بد من الجمع بينها والتأليف فيقال : أما قوله صلى الله عليه وسلم : [ لا يزال أهل الغرب ظاهرين]، ونحو ذلك مما يدل على ظهور أهل الشام وانتصارهم(1/94)
فهكذا وقع وهذا هو الأمر فإنهم ما زالوا ظاهرين منتصرين وأما قوله عليه السلام : [لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله] ومن هو ظاهر فلا يقتضي أن لا يكون فيهم من فيه بغي ومن غيره أولى بالحق منهم بل فيهم هذا وهذا . وأما قوله : [ تقتلهم أولى الطائفتين بالحق] فهذا دليل على أن عليا ومن معه كان أولى بالحق إذ ذاك من الطائفة الأخرى وإذا كان الشخص أو الطائفة مرجوحا في بعض الأحوال لم يمنع أن يكون قائما بأمر الله وأن يكون ظاهرا بالقيام بأمر الله عن طاعة الله ورسوله وقد يكون الفعل طاعة وغيره أطوع منه، وأما كون بعضهم باغيا في بعض الأوقات مع كون بغيه خطأ مغفورا أو ذنبا مغفورا فهذا أيضا لا يمنع ما شهدت به النصوص وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن جملة أهل الشام وعظمتهم ولا ريب أن جملتهم كانوا أرجح في عموم الأحوال وكذلك عمر بن الخطاب كان يفضلهم في مدة خلافته على أهل العراق حتى قدم الشام غير مرة وامتنع من الذهاب إلى العراق واستشار فأشار عليه أنه لا يذهب إليها وكذلك حين وفاته لما طعن أدخل عليه أهل المدينة أولا وهم كانوا إذ ذاك أفضل الأمة ثم أدخل عليه أهل الشام ثم أدخل عليه أهل العراق وكانوا آخر من دخل عليه هكذا في الصحيح وكذلك الصديق كانت عنايته بفتح الشام أكثر من عنايته بفتح العراق حتى قال : [ لكفر من كفور الشام أحب إلي من فتح مدينة بالعراق] والنصوص التي في كتاب الله وسنة رسوله وأصحابه في فضل الشام وأهل الغرب على نجد والعراق وسائر أهل المشرق أكثر من أن تذكر هنا بل عن النبي صلى الله عليه وسلم من النصوص الصحيحة في ذم المشرق وأخباره : [ بأن الفتنة ورأس الكفر منه] ما ليس هذا موضعه وإنما كان فضل المشرق عليهم بوجود أمير المؤمنين علي وذاك كان أمرا عارضا ولهذا لما ذهب علي ظهر منهم من الفتن والنفاق والردة والبدع : ما يعلم به أن أولئك كانوا أرجح، وكذلك أيضا لا ريب أن في أعيانهم من العلماء(1/95)
والصالحين من هو أفضل من كثير من أهل الشام كما كان علي وابن مسعود وعمار وحذيفة ونحوهم أفضل من أكثر من بالشام من الصحابة لكن مقابلة الجملة وترجيحها لا يمنع اختصاص الطائفة الأخرى بأمر راجح والنبي صلى الله عليه وسلم ميز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائما إلى آخر الدهر وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر فهو إخبار عن أمر دائم مستمر فيهم مع الكثرة والقوة وهذا الوصف ليس لغير الشام من أرض الإسلام فإن الحجاز التي هي أصل الإيمان نقص في آخر الزمان منها العلم والإيمان والنصر والجهاد وكذلك اليمن والعراق والمشرق، وأما الشام فلم يزل فيها العلم والإيمان ومن يقاتل عليه منصورا مؤيدا في كل وقت فهذا هذا والله أعلم، وهذا يبين رجحان الطائفة الشامية من بعض الوجوه مع أن عليا كان أولى بالحق ممن فارقه ومع أن عمارا قتلته الفئة الباغية كما جاءت به النصوص فعلينا أن نؤمن بكل ما جاء من عند الله ونقر بالحق كله ولا يكون لنا هوى ولا نتكلم بغير علم بل نسلك سبل العلم والعدل وذلك هو اتباع الكتاب والسنة فأما من تمسك ببعض الحق دون بعض فهذا منشأ الفرقة والاختلاف".
20: الشام المباركة ستكون معقلا الإسلام والمسلمين والفرقة الناجية والطائفة
المنصورة في آخر الزمن:(1/96)
لقد لعبت الشام دورا فعلا في الفتوحات الإسلامية أثناء التوسع الإسلامي لنشر التوحيد والعلم وسماحة أهل الإيمان في ربوع المعمورة وستبقى هذه الديار المباركة بإذن الله تعالى معقلا قويا وحصنا منيعا في حفظ التوحيد وأهله، والشام معقل فهي دار الإيمان وعقر دار الإسلام ودار منعة المسلمين من أهل الكفر و الطغيان، يحفظ الله تعالى للإسلام نقاءه وبهاءه، ويمكن له عن طريقهم بالدفاع عن بلاد المسلمين كما جاء في النصوص الكثيرة في فضل الشام روى أحمد(4/104) والنسائي (6/214)والبخاري في التاريخ الكبير (4/70رقم:1990) عن سلمة بن نفيل الكندي رضي الله عنه قال : [كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل : يا رسول الله ! أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح، وقالوا : لا جهاد قد وضعت الحرب أوزارها فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال :كذبوا الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحي إليَّ أني مقبوض غير ملبث وأنتم تتبعوني أفنادا يضرب بعضكم رقاب بعض وعقر دار المؤمنين الشام]، فالشام عقر دار المؤمنين عند تكالب أعداء الإسلام على المسلمين وديارهم وأموالهم ، وقد روى الطبراني وابن عساكر وأبو نعيم وصححه الألباني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن الله استقبل بي الشام، وولى ظهر اليمن وقال : يا محمد إني جاعل ما اتجاهك غنيمة ورزقا، وما خلفك مددا ثم قال : [ ولا يزال الله يزيد الإسلام وأهله و ينقص الشرك وأهله] وفي رواية :[ و لا يزال الله يعز الإسلام وأهله،و يذل الشرك وأهله]، ومعلوم عند من له أدنى مسكة علم وفهم أن الدفاع عن بلاد الإسلام ومقدساتهم وديار المسلمين من أهم الواجبات الشرعية في دين الله، وهذه الفريضة العادلة الربانية(1/97)
ماضية مذ بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إلى حين نزول عيسى عليه السلام لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر، فنسأل الله تعالى أن يمكن لإخواننا المظلومين بفلسطين المكلومة وأهل بيت المقدس المأسور، كما قال العلامة ابن باز رحمه الله في رسالته فضل الجهاد والمجاهدين ص6 الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد : " فإن الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات، بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين، وقمع الكافرين والمنافقين، وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفزُ الهمم العالية...(1/98)
"، فنسأل الله تعالى أن يمكن لأهل فلسطين حتى يهزموا اليهود وغيرهم من المحتلين لبلاد الإسلام والمسلمين، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ج1/ص4 : "فلم يزل صلى الله عليه وسلم يجتهد في تبليغ الدين وهدي العالمين وجهاد الكفار والمنافقين حتى طلعت شمس الإيمان، وأدبر ليل البهتان، وعز جند الرحمن، وذل حزب الشيطان، وظهر نور الفرقان، واشتهرت تلاوة القرآن، وأعلن بدعوة الآذان، واستنار بنور الله أهل البوادي والبلدان، وقامت حجة الله على الإنس والجان، لما قام المستجيب من معد بن عدنان صلى الله عليه و على آله و أصحابه والتابعين لهم بإحسان صلاة يرضى بها الملك الديان وسلم تسليما مقرونا بالرضوان "، وسوف تقع ملحمة كبيرة بدمشق بين الطائفة المنصورة الفرقة الناجية والروم وستكون الغلبة فيها لجند الإسلام وأنصار التوحيد والإيمان بعد طول صبر وحسن بلاء كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روى أبو داود في كتاب الملاحم (11/406) و الحديث صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/218): عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الأرض] وأبو داود (3/21 رقم2767 ) والحاكم (4/420): عن ذي مخمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [تصالحون الروم صلحا آمنا، وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائهم فتسلمون وتغنمون، ثم تنزلون بمرج ذي تلول، فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول: ألا غلب الصليب، فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله، فعند ذلك تغدر الروم وتكون الملاحم فيجتمعون لكم، فيأتونكم في ثمانين غاية، مع كل غاية راية عشرة آلاف]، وفي رواية : [ فعند ذلك تغدر الروم و يجتمعون للملحمة]، وفي رواية في صحيح البخاري: [ فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا]، و روى أحمد ومسلم (18/24مع شرح النووي):عن أسير(1/99)
بن جابر قال : [ هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل .....يا عبد الله بن مسعود : جاءت الساعة، قال و كان متكئا فجلس فقال : إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة، قال : عدو يجتمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل الإسلام، ونحا بيده نحو الشام قلت : الروم ؟ قال : نعم وتكون عند ذاكم القتال رَدة شديدة قال : فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفىء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفىء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يمسوا، فيفىء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة ،فإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام، فيجعل الله الدبرة عليهم فيقتتلون مقتلة " -إما قال- :" لا يرى مثلها، وإما قال : لم ير مثلها حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر فيتعاد بنو الأب كانوا مائة فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد فبأي غنيمة يفرح ؟ أو : أي ميراث يقاسم ؟]، قال : [فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك قال : فجاءهم الصريخ : إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم فيرفضون ما في أيديهم و يقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم أسماءهم و أسماء آبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ]، فدأب أهل الكفر دائما وأبدا لن يهدأ حتى يقاتلوا أهل الإسلام في عقر دارهم وهذه هي سنن الحياة : " إن لم تغزو تُغزى ، وإن لم تقاتل تُقاتل ، وإن لم تَفتح تُفتح"، وروى مسلم (4/2221 رقم:34) وابن ماجه (2/1369رقم:4089):عن أبي هريرة رضي الله عنه : [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار(1/100)
أهل الأرض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم:خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون : لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا، فيفتتحون القسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم ، قد علقوا سيوفهم بالزيتون ،إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح قد خلفكم في أهاليكم، فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم فأمهم فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته]، وهكذا المعارك بين الكفر والإيمان والشرك والإسلام وبين المؤمنين الصابرين والكافرين المحاربين تهدأ وتعود حتى تضع الحرب أوزارها، وسيستمر هذا العراك والنزال والقتال إلى قيام الساعة، لأن الصراع صراع عقائدي ديني بين حق وباطل وتوحيد وشرك.
21: الطائفة المنصورة والفرقة الناجية تقيم الدين في آخر الزمان عند نزول
عيسى عليه السلام :(1/101)
إن العراك بين الكفر والإيمان والشرك والإسلام مستمر إلى قيام الساعة، فلا يجوز للمؤمن الصادق أن يلتمس لنفسه الأعذار في التخلف عن نصرة الدين والدعوة إليه وخاصة أهل فلسطين المحاصرين بدعوى خروج المهدي ونزول عيسى عليه السلام في آخر الزمن، فيجب على أهل البيت المقدس العمل بكل وسيلة شرعية لتحرير الأقصى من أيدي الصهاينة ولو بالدعاء عند العجز، وكما قال الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله في : <رسالة فضل الجهاد والمجاهدين ص 9 إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد >: " قال الله تعالى :{ عفا الله عنك لم أذنت لهم }(سورة التوبة43) : ويبين عز وجل أن في عدم الإذن لهم تبيين للصادق وفضيحة للكاذب، ثم يذكر عز و جل أن المؤمن بالله واليوم الآخر لا يستأذن في ترك الجهاد بغير عذر شرعي، لأن إيمانه الصادق بالله واليوم الآخر يمنعه من ذلك، ويحفزه إلى المبادرة إلى الجهاد والنفير مع أهله، ثم يذكر سبحانه أن الذي يستأذن في ترك الجهاد هو عادم الإيمان بالله واليوم الآخر المرتاب فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك أعظم حث وأبلغ تحريض على الجهاد في سبيل الله، والتنفير من التخلف عنه"، وفي آخر الزمن ينزل عيسى صلى الله عليه وسلم مؤيدا للطائف المنصورة المجاهدة على الحق لرفع راية التوحيد والسنة ضد الدجال العور الكذاب ومن معه من اليهود والمشركين والنصارى والمنافقين والنساء كما جاء في الأحاديث الكثيرة في الباب، فينتصر على هؤلاء القردة والخنازير وعبدة الطاغوت والجبت، وقد بوب العلامة النووي : باب نزول عيسى بن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإكرام الله تعالى هذه الأمة وكما جاء في الصحيحين عند البخاري في (6/491-490 مع الفتح) (رقم:3264) ومسلم (2/189مع شرح النووي) : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [والذي نفسي بيده والله لينزلن ] وفي رواية : [ ليوشكن أن(1/102)
ينزل فيكم ابن مريم صلى الله عليه وسلم حكما مقسطا ]، في رواية : [عدلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص فلا يُسعى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد ويفيض المال حتى فلا يقبله أحد وحتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها]، وقال النووي في شرح صحيح مسلم ج1 ص 469 : [ليوشكن] معناه : ليقربن، وقوله : [فيكم] أي : في هذه الأمة وإن كان خطابا لبعضها ممن لا يدرك نزوله، وقوله : [حكما] : أي ينزل حاكما بهذه الشريعة لا ينزل نبيا برسالة مستقلة وشريعة ناسخة، بل هو حاكم من حكام هذه الأمة، والمقسط العادل : يقال أقسط يقسط إقساطا : فهو مقسط إذا عدل، والقِسط : بكسر القاف العدل، وقسط يقسط قسطا : بفتح القاف فهو قاسط : إذا جار، وقوله صلى الله عليه وسلم فيكسر الصليب معناه يكسره حقيقة ويبطل ما يزعمه النصارى من تعظيمه، وفيه دليل للمختار من مذهبنا ومذهب الجمهور : أنا إذا وجدنا الخنزير في دار الكفر أو غيرها وتمكنا من قتله قتلناه، وإبطال لقول من شذ من أصحابنا وغيرهم فقال : يترك إذا لم يكن فيه ضراوة، وأما قوله : [ويضع الجزية] فالصواب في معناه : أنه لا يقبلها ولا يقبل من الكفار إلا الإسلام ومن بذل منهم الجزية لم يكف عنه بها، بل لا يقبل إلا الإسلام أو القتل، هكذا قال الإمام أبو سليمان الخطابي وغيره من العلماء رحمهم الله تعالى، و حكى القاضي عياض رحمه الله : عن بعض العلماء معنى هذا ثم قال : وقد يكون فيض المال هنا من وضع الجزية وهو ضربها على جميع الكفرة، فإنه لا يقاتله أحد فتضع الحرب أوزارها، وانقياد جميع الناس له إما بالإسلام وإما بإلقاء يد، فيضع عليه الجزية و يضربها "، قال النووي : هذا وكلام القاضي ليس بمقبول، والصواب ما قدمناه وهو أنه لا يقبل منه إلا الإسلام فعلى هذا قد يقال : هذا خلاف حكم الشرع اليوم، فإن الكتابي إذا بذل الجزية وجب قبولها ولم يجز قتله ولا إكراهه على(1/103)
الإسلام ؟ وجوابه : " أن هذا الحكم ليس بمستمر إلى يوم القيامة بل هو مقيد بما قبل عيسى عليه السلام وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث الصحيحة بنسخه وليس عيسى عليه السلام هو الناسخ بل نبينا صلى الله عليه وسلم هو المبين للنسخ، فإن عيسى يحكم بشريعنا، فدل على أن الامتناع من قبول الجزية في ذلك الوقت هو شرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم"، وقال الحافظ بن حجر في فتح الباري كتاب أحاديث الأنبياء : [حكما ] : حاكما والمعنى أنه ينزل حاكما بهذه الشريعة، وعند مسلم : [حكما مقسطا] وله من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب : [إماما مقسطا] والمقسط : العادل بخلاف القاسط : فهو الجائر وللطبراني من حديث عبد الله بن المغفل رضي الله عنه : [ينزل عيسى ابن مريم مصدقا بمحمد على ملته]، وقال في باب آخر في فتح البارى باب نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام (6/491): [ فيكسر الصليب ويقتل الخنزير] أي : يبطل دين النصرانية بأن يكسر الصليب حقيقة، ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه، ويستفاد منه تحريم اقتناء الخنزير، وتحريم أكله، وأنه نجس لأن الشيء المنتفع به لا يشرع إتلافه، ووقع للطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه : [ فيكسر الصليب ويقتل الخنزير والقرد]"، وينصر الله تعالى عيسى عليه السلام والطائفة المنصورة عند نزوله نصرا مؤزرا مبينا، فيهلك الله تعالى جميع الملل ويبقى ملة الإسلام وحدها كما روى أحمد وأبو داود بإسناد صحيح :عن أبي هريرة مرفوعا: [ نزل عيسى عليه ثوبان ممصران، فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، وتقع الأمنة في الأرض] ، و روى أحمد (2/406) والحاكم (2/595) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصححه أحمد شاكر (عمدة التفاسير 4/36) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه]، و روى مسلم :(1/104)
8/234 مع شرح النووي) عن حنظلة الأسلمي قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنّينهما]، فسينزل عليه الصلاة والسلام كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وستتبعه المة المحمدية وتصره الفرقة الناجية والطائفة المنصورة على القوم الكافرين المشركين من اليهود والنصارى والمجوس وأعداء الدين، وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن قوم من الفرقة الناجية يبشرهم عيسى عليه السلام بدرجاتهم في الجنة عند خروج الدجال لن الله تعالى عصمهم من منه، وهذه العصمة في هذا الحديث يقصد بها عصمة من الله لهم على عدم اتباع الدجال الكذاب والقتال معه، بل سيكفرون به وبما جاء به من الكذب والكفر والبهتان، فيعصمهم الله منه فلا يجعل الله له عليهم سلطانا، فيقاتلونه يغلبونه وينتصرون عليه مع عيسى صلى الله عليه وسلم ، ومن حسن إيمان هؤلاء القوم وتمام صدقهم وإخلاصهم اتباع عيسى صلى الله عليه وسلم فيما جاء به والدفاع عنه، والقتال في صفه ضد الدجال الكذاب، وهذا من كمال تقواهم، فيبشرهم عند ذلك بمنازلهم ودرجاتهم الرفيعة في الجنة، كما روى مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة (18/67 مع شرح النووي): عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ إذا بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين واضعا كفييه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدّر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه (أي يطلب الدجال) حتى يدركه بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه فيمسح وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة]، و روى البخاري (6/491 مع الفتح) ومسلم (2/193 مع شرح النووي) : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه(1/105)
وسلم : [ كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم] ، قال النووي كما جاء في الشرح كتاب الإيمان (2/193 مع شرح النووي): " قال الوليد بن مسلم لابن أبي ذئب : إن الأوزاعي حدثنا عن الزهري عن نافع عن أبي هريرة رضي الله عنه : [وإمامكم منكم]، وقال ابن أبي ذئب : تدري ما أمّكم ؟ قلت : تخبرني ؟ قال فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم "، و روى مسلم :(2/193-194 مع شرح النووي) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال فيقول أميرهم : تعالى صلّ بنا، فيقول : لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة]، ومن كمال إعزاز الإسلام في آخر الزمان أن الله تبارك وتعالى يظهر دينه بالرجل القحطاني الذي يحمل الناس على الدين بالعصا، ويصلح به سبحانه من شاء من عباده في الأرض، ويقوم الله عز وجل به فساد الناس، ويكون هذا الرجل صالحا في نفسه مصلحا لغيره كما جاء في الآثار فروى أحمد (18/103 رقم : 9395) البخاري (13/76 مع الفتح) ومسلم (18/36 مع شرح النووي) : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه]، وقال الحافظ في < فتح الباري كتاب المناقب> : [ يسوق الناس بعصاه] هو : كناية عن الملك، شبهه بالراعي وشبه الناس بالغنم، ونكتة التشبيه التصرف الذي يملكه الراعي في الغنم، وهذا الحديث يدخل في علامات النبوة من جملة ما أخبر به صلى الله عليه وسلم قبل وقوعه ولم يقع بعد، وقد روى نعيم بن حماد في الفتن من طريق أرطأة بن المنذر أحد التابعين من أهل الشام : [ أن القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرة المهدي]، وأخرج أيضا من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوعا : [ يكون بعد المهدي القحطاني والذي(1/106)
بعثني بالحق ما هو دونه] وهذا الثاني مع كونه مرفوعا ضعيف الإسناد والأول مع كونه موقوفا أصلح إسنادا منه فإن ثبت ذلك فهو في زمن عيسى ابن مريم لما تقدم : [ أن عيسى عليه السلام إذا نزل يجد المهدي إمام المسلمين] ، و في رواية بن أرطأة بن المنذر : [ أن القحطاني يعيش في الملك عشرين سنة]، واستشكل ذلك كيف يكون في زمن عيسى يسوق الناس بعصاه والأمر إنما هو لعيسى؟ ويجاب: بجواز أن يقيمه عيسى نائبا عنه في أمور مهمة عامة"، وقال القرطبي في < التذكرة ص 635>: " قوله : [يسوق الناس بعصاه] كناية عن استقامة الناس وانعقادهم إليه واتفاقهم عليه ولم يرد نفس العصا، وإنما ضري بها مثلا لطاعتهم له واستلائه عليهم، إلا أن في ذكرها دليلا على خشونته عليهم، وعنفه بهم"، وهل القحطاني هو جهجاه ؟ جاء في رواية أحمد (16/156 رقم: 8346) ومسلم (18/36) :عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا يذهب الليل والنهار حتى يملك رجل من الموالى يقال الله :جهجاهى ]، و في رواية :[جهجاه]، قال الحافظ في < فتح البارى باب ذكر قحطان >: " وجوز القرطبي أن يكون : أي : القحطاني جهجاه"، وقال كذلك في الفتح (6/535) : روى نعيم بن حماد من وجه قوي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه ذكر الخلفاء ثم قال : [ و رجل من قحطان]، وعن ابن عباس رضي الله عنه بسند جيد أنه قال : [ورجل قحطان كلهم صالح]، فنسال الله تعالى أن يصلح حال المسلمين آمين يا رب، فهؤلاء قوم يعز الله بهم الدين حينما يكون المسلمون بأمس الحاجة للنصرة في آخر الزمن، والأمة ستكون من وراءهم لنصرهم على عدوهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم روى البخاري : عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : [وإنما الإمام جنة يّقاتل من ورائه ويتقى به]، قال الحافظ في < فتح الباري باب يقاتل من وراء الإمام> : " لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويكف أذى بعضهم بعضا".(1/107)
22: حال الفرقة الناجية والطائفة المنصورة عند عودة غربة دين الإسلام في
آخر الزمن :
إن غربة الأمة الصالحة بين الأمم الفاسدة أمر محتوم جرى عليه القضاء والقدر، ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي الشريف ما سوف تلقى هذه الأمة في آخر الزمان من العناء الشديد والحصار والحرب عليها من طرف أمم الكفر والجهل، وهذه الغربة التي أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم تختلف من زمن إلى زمن ومن بلد إلى آخر، وقد بدأت هذه الغربة عندما كثر سواد المبتدعة المنحرفين الخارجين عن السنة والجماعة فأصبحوا يعادون أهل السنة ويحاربونهم بشتى الطرق والسبل والوسائل، وسبب ظهور هذه الغربة افتراق الأمة المحمدية إلى فرق وجماعات كل واحدة تعادي الأخرى وترميها بالبدعة فذهبت هيبتهم وتشتت شملهم وانخارت قوتهم فتسلط العدوالمحارب عليها قال الشيخ ناصر بن عبد الكريم العقل في كتاب مقدمات في الأهواء والإفتراق والبدع (1/61): " ومما يدل على حتمية وقوع الافتراق وأن وقوعه حق وصدق لا محالة وأن أهل الحق هم الأقلون وطائفة من طوائف الأمة وفرقة من فرقها الكثيرة أحاديث الغربة"، وهذه الغربة أقسام منها غربة أهل التوحيد بين أهل الشرك، وغربة أهل السنة في أهل البدعة، وغربة أهل الطاعة في أهل المعصية، وغربة الصالحين بين المفسدين، وقد روى مسلم في كتاب الإيمان (رقم:421)(146) :عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبي للغرباء]، وفي رواية عند أحمد (1/184) صححها أحمد شاكر ( رقم:1604) : [ إن الإيمان بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى يومئذ للغرباء إذا فسد الناس...(1/108)
]، وفي رواية عند أحمد(1/398) وأخرجها البغوي (1/118) والترمذي (رقم:2120) وصححها الحافظ : [هم النزاع من القبائل]،في رواية عند الطبراني 3077 بسند صحيح : [الذين يصلحون إذا فسد الناس]، وفي رواية عند أحمد (2/222)وصححها الألباني في الجامع الصغير(رقم:3816) : [أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم]، وعند أبي يعلى 3435، وفي رواية عند ابن وضاح : [ من يبغضهم أكثر ممن يحبهم]، وفي رواية : [الذين يتمسكون بكتاب الله حين يترك ويعملون بسنتي حين تطفى]، و هذه الزيادة ضعيفة كما قال المحققون ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن السنة تطفى ويعمل الناس بالبدع في أحاديث أخرى رواها أحمد وابن ماجه والطبراني و البيهقى : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ سيلي أموركم بعدى رجال يطفئون السنة بالبدعة ويعملون بالبدع ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها فقلت: يا رسول الله: وإن أدركتهم كيف أفعل ؟ قال : لا طاعة لمن عصى الله]، وقال الإمام مالك : " بلغني أن أبا هريرة رضي الله عنه تلى :{ إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا} فقال : والذي نفسي بيده إن الناس ليخرجون اليوم من دينهم أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا] ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الألباني في ضعيف الجامع (رقم:1796)، وهذه الغربة نعيشها في هذه الأيام من قلة التوحيد في الأرض وغلبة اليهودية والنصرانية والمجوسية الإلحادية على زمام الأمور ومقاليد الحكم، وما سوف يكون قبل نزول نزول عيسى عليه السلام أكبر وأكثر وأدهى وأطم كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال عبد الرحمن بن حسن : " وقد اشتدت غربة الإسلام حتى عاد المعروف منكرا والمنكر معروفا فنشأ على هذا الصغير وهرم عليه الكبير ويصل الأمر إلى أنه يأتي زمان وليس على وجه الأرض [ من يقول : الله الله] رواه مسلم "، وقال ابن القيم :(1/109)
" الإسلام في زماننا أغرب منه في أول ظهوره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان : [وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها]، و في رواية عند مسلم : [ إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها]، وجاء في النهاية في غريب الحديث:(1/37): " يأرز ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض"، قال النووي شرح صحيح مسلم (1/353): طوبي : قال الفراء فيها : لغتان تقول العرب : طوباك وطوبى لك،أما معنى "طوبى ": واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى:{ طوبي لهم وحسن مآب } روى ابن عباس رضي الله عنهما : فرح و قرة عين، قال عكرمة: نعم ما لهم ، قال الضحاك : غبطة لهم، قال قتادة : حسنى لهم، وقال إبراهيم : خير لهم و كرامة، وقال ابن عجلان : دوام خير، وقيل : الجنة، وقيل : شجرة في الجنة، وقال النووي في شرح صحيح مسلم ج1 ص 353 – 354 : " وكل هذه الأقوال محتملة في الحديث " وقال كذلك : "ليأرز": ينضم و يجتمع وهذا هو المشهور عند أهل اللغة والغريب بين المسجدين : أي مسجد < مكة > و< المدينة >"، قال مالك أن معناه : المدينة و أن الإسلام بدأ بها غريبا و سيعود إليها، وقال القاضي : " وظاهر الحديث العموم وأن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة ثم انتشر وظهر ثم سيلحقه النقص والإخلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضا كما بدأ وجاء في الحديث تفسير الغرباء : [ وهم النزاع من القبائل] رواه أحمد (1/398) والترمذي(رقم:2120) والبغوي (1/118) وابن ماجه (رقم : 3221-3222)، وقال الهروى : " أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا أوطانهم إلى الله تعالى"، وقال القاضي وقوله صلى الله عليه وسلم : [ وهو يأرز إلى المدينة]، معناه أن الإيمان أولا وآخرا بهذه الصفة لأنه في أول الإسلام كان كل من خلص إيمانه وصح إسلامه أتى المدينة إما مهاجرا مستوطنا وإما متشوقا إلى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتعلما منه ومتقربا ثم بعده هكذا في زمان الخلفاء كذلك و(1/110)
لأخذ سيرة العدل منهم والإقتداء بجمهور الصحابة رضوان الله عليهم فيها ثم من بعدهم العلماء الذين كانوا سرج الوقت وأئمة الهدى لأخذ السنن المنتشرة بها عنهم فكان كل ثابت في الإيمان منشرح الصدر به يرحل إليها بعد ذلك في كل وقت"، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أخبار ما قبل قيام الساعة عند عودة غربة الدين فنسوق بعضها روى مسلم (1/131رقم :234): عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : الله الله]، و في رواية : [ لا تقوم الساعة على أحد يقول : الله الله]، وعند مسلم في باب ذهاب الإيمان آخر الزمان (2/178) :[ على أحد يقول : لا إله إلا الله]، و روى مسلم : عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى، قالت : فقلت : يا رسول الله : إن كنت لأظن حين أنزل الله :{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله } أن ذلك تاما، قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله]، و روى أبو داود (4/450رقم:4252) والترمذي (رقم :2202) وابن ماجه ( 2/1304): [ ولا تقوم الساعة حتى تعبد أمتي الأوثان وحتى يلحق فئام من أمتي بقبائل المشركين]، وفي آخر الأمر تبقى حثالة من الناس لا وزن لهم ولا قيمة عند الله تعالى ولا يبالي سبحانه في أي واد هلكوا فيقبض الله تعالى الصالحين وعلى شرار الخلق تقوم الساعة روى أحمد (2/220) وأبو داود (4/513رقم:4342) وابن ماجه (2/1307) وصحح أحمد شاكر هذه الرواية : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ كيف بكم وبزمان -أو- يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وخفت وأمانتهم واختلفوا فكانوا هكذا وشبك بين أصابعه، فقالوا : كيف بنا يا رسول الله ؟ تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون تقبلون على أمر(1/111)
خاصتكم وتذرون أمر عامتكم]، وفي رواية : [ فقمت إليه فقلت : كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك ؟ قال : ألزم بيتك وأملك عليك لسانك وخذ بما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العام]، و روى البخاري (7/147) وأحمد (4/193): عن مرادس الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [يذهب الصالحون الأول فالأول، ويبقى حفالة كحفالة الشعير أو التمر لا يباليهم الله باله] ، وفي حديث آخر ليس فيه التصريح برفعه ولكن له حكم المرفوع عن الفزارية رضي الله عنها : [ تذهبون الخيّر فالخيّر حتى لا يبقى منكم إلا حثالة كحثالة التمر ينزو بعضهم على بعض نزور المعز ] روى أحمد وأبو يعلى والطبراني انظر ما قاله الحافظ في (فتح البارى13/39) : عن علبة السلمي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :[ لا تقوم الساعة إلا على حثالة من الناس] وروى أحمد (11/181) وصححه الشيخ شاكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض ][ من الناس ] فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفا ولا يتكرون منكرا]، روى أحمد وصححه الألباني على شرط الشيخين : عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول :[ يا عائشة قومك أسرع أمتى لحاقا بي، قالت : فلما جلس قلت يا رسول الله جعلني الله فداك لقد دخلت وأنت تقول كلاما أذعرني ، قال : وما هو ؟ قالت : تزعم أن قومي أسرع أمتك بك لحاقا، قال : نعم قالت : وعم ذاك ؟ قال : تستحلهم المنايا فتنفس عليهم أمتهم، قالت : فقلت : فكيف الناس بعد ذلك، قال : دبا يأكل شداده ضعافه حتى تقوم عليهم الساعة]، <والدبا : الجنادب الجراد التي لم تنبت>، قال العماد ابن كثير البداية والنهاية (10/23) : " يأتي على الناس زمان شديد لا يكون فيه للمسلمين جماعة قائمة بالحق، إما في(1/112)
جميع الأرض أو في بعضها"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى(18/300-305) : " وكما أن الله نهى نبيه أن يصيبه حزن أو ضيق ممن لم يدخل في الإسلام في أول الأمر فكذلك في آخره فالمؤمن منهي أن يحزن عليهم أو يكون في ضيق من مكرهم وكثير من الناس إذا رأى المنكر أو تغير كثير من أحوال الإسلام جزع وكل وناح كما ينوح أهل المصائب وهو منهي عن هذا، بل هو مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين الإسلام وأن يؤمن بالله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وأن العاقبة للتقوى، وأن ما يصيبه فهو بذنوبه فليصبر إن وعد الله حق وليستغفر لذنبه وليسبح بحمد ربه بالعشي والإبكار وقوله صلى الله عليه وسلم : [ ثم يعود غريبا كما بدأ] يحتمل شيئين أحدهما أنه في أمكنة وأزمنة يعود غريبا بينهم ثم يظهر كما كان في أول الأمر غريبا ثم ظهر ولهذا قال سيعود غريبا كما بدأ وهو لما بدأ كان غريبا لا يعرف ثم ظهر وعرف فكذلك يعود حتى لا يعرف ثم يظهر ويعرف فيقل من يعرفه في أثناء الأمر كما كان من يعرفه أولا ويحتمل أنه في آخر الدنيا لا يبقى مسلما إلا قليل وهذا إنما يكون بعد الدجال ويأجوج ومأجوج عند قرب الساعة وحينئذ يبعث الله ريحا تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة ثم تقوم القيامة وأما قبل ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم : [ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة] وهذا الحديث في الصحيحين ومثله من عدة أوجه فقد أخبر الصادق المصدوق أنه لا تزال طائفة ممتنعة من أمته على الحق أعزاء لا يضرهم المخالف ولا خلاف الخاذل فأما بقاء الإسلام غريبا ذليلا في الأرض كلها قبل الساعة فلا يكون هذا وقوله صلى الله عليه وسلم: [ثم يعود غريبا كما بدأ] أعظم ما تكون غربته إذا ارتد الداخلون فيه عنه وقد قال تعالى : { من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا(1/113)
يخافون لومة لائم }، فهؤلاء يقيمونه إذا ارتد عنه أولئك وكذلك بدأ غريبا ولم يزل يقوى حتى انتشر فهكذا يتغرب في كثير من الأمكنة والأزمنة ثم يظهر حتى يقيمه الله عز وجل كما كان عمر بن عبد العزيز لما ولي قد تغرب كثير من الإسلام على كثير من الناس حتى كان منهم من لا يعرف تحريم الخمر فأظهر الله به في الإسلام ما كان غريبا".
23: أهم نتائج البحث في الفرقة الناجية والطائفة المنصورة :(1/114)
يا أمة التوحيد والسنة : إن الطائفة المنصورة امتداد رباني لأهل السنة والجماعة الذين هم صفوة الخلق بعد الرسل والأنبياء والصحابة الكرام فعلى رأس هذه الزمرة الطيبة العلماء العاملون والصادقون الربانيون، وإن استمرار هذه الجماعة السنية المستقيمة على نهج نبيها صلى الله عليه وسلم يعتبر نصرا مبينا للإسلام والمسلمين فبثباتهم ونصرتهم يع الدين ويكرم المسلمون، فلا تنقضي هذه الطائفة المنصورة مادامت السماوات والأرض حتى تقوم الساعة وهم صابرون على دينهم مجاهدون بالعلم والعمل على منهج النبوة حتى يفتح الله تعالى عليهم وعلى المسلمين بالفتح الميمون وهو خير الفاتحين، وفي حاصل القول لقد جمعت الفرقة الناجية الطائفة المنصورة كل الصفات الحسنة والخصائص الطيبة والمميزات الحميدة الظاهرة والعلامات الكريمة البارزة الواضحة لطليعة الإسلام المنيرة من لدن الصحابة رضي الله تعالى عنهم إلى قيام الساعة فنقول وبالله التوفيق : إن الطائفة المنصورة هم أصحاب الاعتقاد السليم والمنهج القويم على المهاجرين والأنصار ومن جاء بعدهم من أهل الخير والإتباع إلى يوم الدين، ففضلهم واضح ملحوظ مشهود لمن له عينان تبصران، وهذا دليل بذاته على صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه من أخبار الغيب التي لا تعرف إلا بالوحي، فالطائفة المنصورة والفرقة الناجية باقية مستمرة يدافعون عن الحق وينصرون الحق الذي هو الكتاب والسنة، وويرفضون الباطل الذي هو كل ما خالف الكتاب والسنة، فكل من كان منهم وانتمى إلى مذهب الحق الذي هم عليه بالحق وعلى الحق وللحق فهو منها كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " من قال بالكتاب والسنة فهو من أهل السنة الجماعة"، فتارة يكثر عددهم ويقل، وقد وردت ألفاظ في أحاديث كالعصابة فهذا الإختلاف يكون على حسب البلدان والشعوب والأمم، وعدد العصابة كما جاء في لغة العرب كما قال أبو بكر السختياني ما بين اثنا عشر وأربعين، وقد يزيد عددهم(1/115)
إلى أن يكونوا أمة عظيمة بالملايين كما هو حال أهل السنة والجماعة ي زماننا ولله الحمد عددهم كثير بالملايين في البلدان الإسلامية ولله الحمد كما هو الحال عندنا في بلادنا، فالسنة ومنهج أهل الأثر غالب على كل المذاهب الباطلة ولله الحمد والمنة على هذه النعم، وقد يكون في بعض البلدان عكس ما ذكرنا كظهور بدع الرفض والزندقة كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود في السنن (7/160رقم:2466) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير(3/214رقم :3553) عن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودا مجندة : جند بالشام وجند باليمن، وجند بالعراق، قال ابن حوالة : خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، قال عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إذا أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقوا من غدركم، فإن الله توكل لي بالشام وأهله]، والطائفة المنصورة يكونون أمة وجماعة وعصابة فرقة وناس وأناس وقوما يخدمون الإسلام ويدافعون عن المسلمين ويجاهدون مع كل بر و فاجر من هذه الأمة ويقاتلون على الحق المبين الكفار المحاربين المعتدين، وأهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية من الزيغ والضلال في الدنيا والنجاة في الآخرة وهم الأمة الظاهرة على الحق الناصع الساطع بالدليل والبرهان، فهم القائمون بأمر الله تعالى عقيدة ومنهاجا بالقول والعمل بالدعوة والنصرة لدين التوحيد والسنة كما قال محمد بن عبد الوهاب كتاب الدرر السنية ص 72: "والعامي من الموحدين يغلب ألفا من علماء هؤلاء المشركين، كما قال تعالى :{ وإن جندنا لهم الغالبون} فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان،وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح"، سبيلهم الحجة والمحجة ولا يضرهم من خالفهم و لو كان أقرب قريب ولا من خذلهم ولو انسلخ(1/116)
من بين صفهم، فإن الدنيا محن وبلاء وهم يعلمون أن المحن تنجلي وتزول ولا يبقى في الواد إلا أحجاره بعد هدأ السيل، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر في الأحاديث الثابتة أن هذه الفرقة أمة من أمته الربانية أي ليسوا من الأجانب عنها ولا من الدخلاء في صفها، بل هم من زبدتهم وهم النزاع من القبائل العاملين بأحكام الملة والسنة المحمدية، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأمة أنه مستقيم أمرها وأي شهادة أكبر من شهادة نبي الأمة صلى الله عليه وسلم على صفاء ونقاء وبهاء هذه الطليعة المنيرة من أمته الغالية العزيزة، فالاستقامة على الدين وصفهم وهذا اللفظ شامل عام يجمع كمال الدين بشعائره التعبدية والعقدية وشرائعه الإيمانية والتشريعية، وهذه الأمة لا تسلم من المحن والابتلاء كما ابتلي قبلهم الرسل والأنبياء ، فالفتن والملاحم مع الكفرة وغيرهم لا يزيدها إلا تباتا ورسوخا على منهجها السني، فهم الحواريون لهذا الدين حقا، والناصرون له صدقا كما روى أبو داود (رقم:3598) عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون اثنا عشر خليفة]، وفي رواية :ب لا تزال هذه الأمة مستقيما أمرها ظاهرة على عدوها حتى يمضي منهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش كلهم تجتمع عليه الأمة]، والطائفة المنصورة تتبع الجماعة ولا تخالف الأمة المحمدية ولا تشذ عن سوادها إلا إذا زاغت عنه فإن الحق ما وافق طاعة الله و لو كنت وحدك كما قال ابن مسعود رضي الله عنه قال ابن كثير في (البداية والنهاية ج10/ص22) : " و قد تقدم في حديث حذيفة أن المخلص من الفتن عند وقوعها اتباع الجماعة ولزوم الإمام بالطاعة إذا كانوا على حق واتباع الشرع، وإذا فسدوا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فإنما الطاعة في المعروف"، كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : [ أطيعوني ما أطعت الله عزوجل، فإذا خالفت فلا طاعة لي عليكم ]،(1/117)
فهذا هو وصف الفرقة الناجية كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : في (مجموع الفتاوى24/172). "فوصف النبي صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية بأنهم المستمسكون بسنته وأنهم هم الجماعة"، وهذه الطائفة الربانية يظهر الله بهم الدين الإسلامي على منهج النبوة على سائر الأديان فدين الله تعالى لن يبرح قائما مستقيما بهم لأنهم أهله وهم المدافعون عنه الناصرون له، فإن وقعت الردة فهم المقومون لها، وإن وقع الشرك فهم المبطلون له، وإن وقعت البدعة فهم العلماء القامعون لها والمذلون لأهلها المعوجين ، وإن وقع الفساد فهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وإن انتهكت محارم الله فهم أول من يقول الحق ولا يخافون في الله لومة لائم، وكل هذه المميزات الربانية تدخل ضمن أحاديث الاستقامة فأهل الحديث لهم الحظ الأوفر والنصيب الأكبر من هذه الخصائص قال ابن المبارك في الطائفة المنصورة : " هم أهل الحديث"، وكل من كان على مذهب أهل الحديث كما قال ابن تيمية في (محموع الفتاوى 3/179) : " الفرقة الناجية هي التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالنجاة في حديث : [ ما أنا عليه وأصحابي] فهذا الاعتقاد المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن اتبعهم الفرقة الناجية"، فأمة الخير والتقى والصلاح من أهل السنة والجماعة الأبرار في الحجاز المميمون الباقي على التوحيد إلى يوم الدين يدخلون ابتداء في هذه الطائفة الصالحة، لأن التوحيد ما ظهر في الأرض إلا بهم بفضل الله تعالى، وهم أهله الداعون إليه، والمدافعون عن الإسلام بالعلم النافع والعمل الصالح والنصرة المباركة في كل مكان ممن لهم الوصف السني في الأحاديث الصحيحة والحسنة الإسناد هم أولى الناس دخولا في الطائفة النقية المنصورة كما قال أهل العلم في كتبهم : " أيما طائفة أذلت الكفار وضربت عليهم الجزية وأقامت عليهم أحكام الدين فهي من طائفة منصورة"، وقالوا رحمهم الله : " والطائفة التي(1/118)
فتحت الشام ومصر والقيروان والمغرب والأندلس أقوى دخولا في الطائفة المنصورة" والملحوظ من كلام العلماء : " أن المحدثين والمجاهدين والفاتحين هم على رأس هذه الزمرة" ، وقال البيضاوي في كتاب فيض القدير6/ص396 : " والطائفة هم المجتهدون في الأحكام الشرعية والعقائد الدينية أو المرابطون في الثغور والمجاهدون لإعلاء الدين"، ومن أراد أن يتوسع في باب الطائفة المنصورة والفرقة الناجية والبحث في أوصافها وملامحها الربانية وما يتعلق بها من خصائص ومميزات فليبحث في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية : (ج3/ص159) و(ج4/ص97)و(ج4/446) و(ج4/ص 449) و(ج18/ص300) و(ج28/ص 416) و(ج28/ص18) و(ج28/ص 428) و(ج/28/ص 531)و(ج28/532 ، و(ج28/ص 552) و (ج28/ص 644)، فإنه رحمه الله تعالى أفاد وأجاد وفصل ودقق في الباب، ومن أوصاف هذه الجماعة الصالحة و مما يميزها عن أهل الضلال والجحيم من الطوائف الكافرة وغيرهم من ضلال أهل القبلة ممن حق عليهم القول ما قال ابن تيمية في (ج22/ص 360) : " ولهذا كان امتياز أهل النجاة عن أهل العذاب من هذه الأمة بالسنة والجماعة، ويذكرون في كثير من السنن والآثار في ذلك ما يطول ذكره"، وكذلك من أعظم ما تتصف به الفرقة الربانية أنها على أمر الله ماضية، لا تبالى بمحاربة الناس لهم لها لأنهم يعلمون أن الله ناصرهم عليه كما قال ابن القيم :
"والله ناصر دينه وكتابه.. ورسوله في سائر الأزمان
لكن بمحنة حزبه من حزبه... ذا حكمه مذ كانت الطائفتان".(1/119)
ولهذا نقول لكل من تبنى ما ليس له ولا هو من أهله : حنانيك يا مسكين هلا شمرت عن جد وكد كما شمر الرجال من السلف الصالح رضي الله عنهم حتى تكون منهم كما تزعم، فرحم الله ابن القيم إذ يقول : " فأي دين وأي خير فيمن يرى الله يعصى ومحارمه تنتهك وهو بارد القلب ساكت اللسان"، فالطائفة المنصورة ظاهرة على الحق وظاهرة على الناس بأوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم وهم ظاهرون على من خالفهم كما يظهرون على من خذلهم وعلى من ناوأهم وحاربهم وعاداهم حتى يقاتل آخرهم الدجال الأعور الكذاب ومن معه من اليهود والمشركين حتى تقوم الساعة، فالطائفة التي نالت الحظ الأوفر من هذا التأييد الرباني والنفحة الإلهية هم أهل الشام المباركين الطيبين، وقد وردت فيهم هذه الآثار كما روى أحمد (5/198-199) وقال الحافظ سنده صحيح (الفتح 12/402) عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فاتبعته بصري فعمد به إلى الشام ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام]، وفي رواية عند الطبراني قال الحافظ في الفتح (12:ص403) سنده حسن عن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ رأيت ليلة أسري بي عمودا أبيض كأنه لواء تحمله الملائكة ،فقلت : ما تحملون ؟ قالوا : عمود الكتاب، أمرنا أن نضعه بالشام]، ومنها حديث البخاري : عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ طوبى للشام، طوبى للشام، طوبى للشام، قلنا لما يا رسول الله ؟ قال : ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها ]، و روى البخاري في التاريخ الكبير (3/35 رقم: 7) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ لا تزال عصابة بدمشق ظاهرين ]، وفي رواية عند أبي يعلى (4/336 رقم: 4542) :[ يقاتلون على أبوا دمشق وما حولها، على أبواب بيت المقدس وما حوله ]،(1/120)
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (ج10/ص192) : " فمن كان محبا لله لزم أن يتبع الرسول فيصدقه فيما أخبر ويطيعوه فيما أمر ويتأسى به فيما فعل ومن فعل هذا فقد فعل ما يحبه الله فيحبه الله فجعل الله لأهل محبته علامتين اتباع الرسول و الجهاد في سبيله، وذلك لأن الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق و العصيان و قد قال تعالى :{ قل إن كان آباؤكم و أبناؤكم و إخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم...(1/121)
} فتوعد من كان أهله و ماله أحب إليه من الله و رسوله والجهاد في سبيله بهذا الوعيد"، فوضوح سبيل الفرقة الناجية بالهداية والمحجة الناصعة لا يخفى إلا على البليد أعمى البصيرة ممن لم يرد الله أن يشرح صدره للعلم النافع والعمل الصالح، فكتب السلف مشحونة بالحجج والبرهان فكل من أخلص نيته لله تعالى علم الحق وتبصر في دينه فكتب السلف جواهر ميمونة ودرر مكنونة وخزائن معمورة بالعلم والفقه والنور والضياء، وأيم الله إن علم الأولين والآخرين مفصل في منهج الفرقة الناجية والطائفة المنصورة وما من شارة وواردة إلا وأشاروا إليها أوعلقوا عليها إما بالإيجاب أو السلب وبينوا حكمها في الشريعة المحمدية كما قال عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي مقدمة الدرر السنية في الأجوبة النجدية (ج1/ ص11) : " الحمد لله الذي خص بالهداية في زمن الفترات من شاء من عباده نعمة منه وفضلا، وألهمهم الحكمة مع ما جباهم عليه من الفطرة فتفجرت ينابيعها على ألسنتهم، فنطقوا بالصواب عقلا ونقلا وفتح بصائرهم ن وهداهم إلى الصراط المستقيم ،علما وعملا وهجرة وجهادا ، فأعادوا نشأة الإسلام في الصد ر الأول، و يسر لهم من معالم الدين ومواهب اليقين ما فضلهم واصطفاهم به من المعاصرين، فحاكوا السلف المفضل، وفتح لهم من حقائق المعارف ومعارف الحقائق ما امتازوا به على غيرهم، عند من سبر وتأمل، ساروا على المنهج السوي، وشمروا إلى علم الهدى حتى لحقوا بالرعيل الأول"، و رحم الله العلامة ابن القيم إذ قال في كتاب إعلام الموقعين (ج1/ص9-10) : " ولما كانت الدعوة إلى الله والتبليغ عن رسوله شعار حزبه المفلحين وأتباعه من العالمين كما قال تعالى :{ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين } وكان التبليغ عنه من عين تبليغ ألفاظه وما جاء به وتبليغ معانيه كان العلماء من أمته منحصرين في قسمين أحدهما حفاظ الحديث(1/122)
وجهابذته، والقادة الذين هم فقهاء الإسلام ومنزلتهم هم أئمة الأنام و زوامل الإسلام الذين حفظوا على الأئمة معاقد الدين وعاقله وحموا من التغيير والتكدير موارده ومناهله حتى ورد من سبقت له من الله الحسنى تلك المناهل صافية من الأدناس لم تشبها الآراء تغييرا ووردوا فيها عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا وهو الذين قال فيهم الإمام أحمد في خطبته المشهورة في كتابه في الرد على الزنادقة والجهمية الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله تعالى الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتنة المضلين، والقسم الثاني فقهاء الإسلام ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام الذين خصوا باستنباط الأحكام وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء بهم يهتدي الحيران في الظلماء وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}، قال عبد الله بن عباس في إحدى الروايتين عنه وجابر بن عبد الله والحسن البصري وأبو العالية وعطاء بن أبي رباح والضحاك ومجاهد في إحدى الروايتين عنه أولو الأمر هم(1/123)
العلماء وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد وقال أبو هريرة وابن عباس في الرواية الأخرى وزيد بن أسلم هم الأمراء: وهو الرواية الثانية عن أحمد، والتحقيق أن الأمراء إنما يطاعون إذ أمروا بمقتضى العلم فطاعتهم تبع لطاعة العلماء فإن الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء ولما كان قيام الإسلام بطائفتي العلماء والأمراء وكان الناس كلهم لهم تبعا كان صلاح العالم بصلاح هاتين الطائفتين وفساده بفسادهما"، فنسأل الله تعالى أن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان وزمان، وأن يمكن للعلماء والمرابطين الذين يدافعون في سبيله عن الإسلام لإعلاء كلمته وإعزاز شريعته وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في مشارق الأرض ومغاربها، كما نسأله سبحانه أن يصلح قادة المة الإسلامية حتى ينصروا الدين الحنيف والملة المحمدية الربانية كي تصلح الأمة بصلاح رجالها العلماء العاملين الربانيين والدعاة والمرابطين والمجاهدين وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا المصطفى المختار نبي المرحمة نبي الملحمة وعلى آله الطاهرين.
خاتمة:
دعاء وابتهال لله من علماء السنة بالنصر لأهل السنة والجماعة الفرقة الناجية
والطائفة المنصورة:
هذا ونصر الدين فرض لازم....لا للكفاية بل على الأعيان
إما بيد وإما باللسان فإن عجزت ........فبالتوجه والدعاء بجنان
ما بعد ذا والله للإيمان حبة خردل....... يا ناصر الإيمان
بحياة وجهك خير مسؤول به.....وبنور وجهك يا عظيم الشان
وبحق نعمتك التي أوليها........من غير ما عوض ولا أثمان
وبحق رحمتك التي وسعت جميع.......الخلق محسنهم والجاني
وبحق أسماء لك الحسنى معا....فيها نعوت المدح للرحمن
وبحق حمدك وهو حمد واسع الأكوان....بل أضعاف ذي الأكوان
وبأنك الله الإله الحق معبود ....الورى متقدس عن ثان(1/124)
بل كل معبود سواك فباطل...من دون عرشك للثرى التحتاني
وبك الملاذ ولا ملاذ سواك .....غياث كل ملدد لهفان
من ذاك للمضطر يسمعه سواك...... يجيب دعوته مع العصيان
إنا توجهنا اليك لحاجة......ترضيك طالبها أحق معان
فاجعل قضاها بعض أنعمك التي .....سبغت علينا منك كل زمان
أنصر كتابك والرسول ودينك..........الذي أنزلت بالبرهان
واخترته دينا لنفسك واصطفيت......مقيمه من جهلتم الإنسان
ورضيته دينا لمن ترضاه......من هذا الورى هو قيم الأديان
وأقر عين رسلك المبعوث.......بالدين الحنيف بنصره المتداني
وانصره بالنصر العزيز كمثل ما....قد كنت تنصره بكل زمان
يا رب وانصر خير حزبينا على..حزب الضلال وعسكر الشيطان
يا رب واجعل شر حزبينا فدا....لخيارهم ولعسكر القرآن
يا رب واجعل حزبك المنصور.......أهل تراحم وتواصل وتدان
يا رب واحمهم من البدع التي.....قد أحدثت في الدين كل زمان
يا رب جنبهم طرائقها التي.......تفيض بسالكها إلى النيران
يا رب واهدهم بنور الوحي كي.......يصلوا الك فيظفروا بجنان
يا رب كن لهم وليا ناصرا.......واحفظهم من فتنة الفتان
وانصرهم يا رب بالحق الذي......أنزلته منزل لقرآن
يارب إنهم هم الغرباء......قد لجؤوا اليك وأنت ذو الاحسان
يا رب قد عادوا لأجلك......كل هذا الخلق إلا صادق الإيمان
قد فارقوهم فيك أحوج ما..هم دينا اليهم في رضى الرحمن
ورضوا ولاتيك التي من نالها......نال الأمان ونال كل أمان
ورضوا بوحيك من سواه وما..ارتضوا بسواه من آراء ذي الهذيان
يا رب ثبتهم على الإيمان....واجعلهم هداة التائه الحيران
وانصر على حزب النفاة....عساكر الإثبات أهل الحق والعرفان
وأقم لأهل السنة النبوية......الأنصار وانصرهم بكل زمان
واجعلهم للمتين أئمة ......وارزقهم صبرا مع الإيقان
نهدي بأمرك لا بما قد أحدثوا...ودعوا إليه الناس بالعدوان
وأعزهم بالحق وانصرهم به.......نصرا ذو السلطان(1/125)
واغفر ذنوبهم وأصلح شأنهم...فلأنت أهل العفو والغفران
ولك المحمد كلها حمدا كما.......يرضيك لا يفى على الأزمان
ملء السماوات العلى والأرض...والموجود بعد ومنتهى الأمكان
مما تشاء وراء ذلك كله...حمدا بغير نهاية بزمان
وعلى رسولك أفضل.....الصلوات والتسليم منك وأكمل الرضوان
وعلى صحابته جما والألى.....تبعوهم من بعد بالإحسان
وصلى الله على محمد عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده وسلم.
ولقد تم الفراغ من هذه الرسالة بفضل الله تعالى بمكة المكرمة بعد صلاة الظهر من يوم الإثنين 27 من شهر شعبان الخير من سنة1425من تاريخ الهجرة النبوية الشريفة ببلاد الحرمين الشريفين المقدسة من أرض الحجاز الطيبة الميمونة بالمملكة العربية السعودية.(1/126)