المقالات والمحاضرات(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
مجموعة من مقالات صاحب المعالي
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - عضو هيئة كبار العلماء
حفظه الله
في جريدة الجزيرة
القول بعدم تخطئة المخالف
العدد 11672 الأحد 27 رجب 1425
12 سبتمبر 2004.
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمّد وآله وصحبه.. وبعد:
فقد كثر على ألسنة بعض الكتاب أنه لا تجوز تخطئة المخالف، وأنه يجب احترام الرأي الآخر، وأنه لا يجوز الجزم بأن الصواب مع أحد المختلفين دون الآخر.(1/1)
وهذا القول ليس على إطلاقه؛ لأنه يلزم عليه أن جميع المخالفين لأهل السنة والجماعة على صواب ولا تجوز تخطئتهم، وهذا تضليل؛ لأنه يخالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قيل: مَن هي يا رسول الله؟ قال: هم مَن كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي). ويلزم على هذا القول أيضا أن المخالف للدليل في مسائل الاجتهاد لا يقال له مخطئ، ولا يردّ عليه، وهذا يخالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران. وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد)؛ فدل على أن أحد المجتهدين المختلفين مخطئ، لكن له أجر على اجتهاده ولا يتابع عليه؛ لأن اجتهاده خالف الدليل، وإنما يصحّ اعتبار هذا القول، وهو عدم الجزم بتخطئة المخالف، في المسائل الاجتهادية التي لم يتبين فيها الدليل مع أحد المختلفين، وهو ما يعبر عنه بقولهم: (لا إنكار في مسائل الاجتهاد)، و(الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد)، وهذا من اختصاص أهل العلم وليس من حق المثقفين والمفكرين الذين ليس عندهم تخصص في معرفة مواضع الاجتهاد وقواعد الاستدلال أن يتكلموا ويكتبوا فيه. ولو كان لا يُخطأ أحد من أصحاب الأقوال والمذاهب لكانت كتب الردود والمعارضات التي ردّ بها العلماء على المخالفين كلها مرفوضة، ولما كان لقوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} فائدة ولا مدلول؛ لأنه لا تجوز تخطئة المخالف، وهذا لازم باطل؛ فالملزوم باطل، وما نقرؤه وما نسمعه من اتهام للعلماء الذين يردّون على المخالفين بأنهم يحتكرون الصواب لهم، ويخطئون مَن خالفهم، وأنهم يصادرون الآراء والأفكار.. إلى آخر ما يقال؛ فهو اتهام باطل؛ فإن العلماء المعتبرين لا يحتكرون الصواب في أقوالهم، وإنما يخطئون مَن خالف الدليل، وأراد قلب الحقائق؛ فيردّون على مَن هذه صفته عملاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم(1/2)
-: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). وقد ردّ الله - سبحانه وتعالى - على أهل الضلال في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، وشرع لنا الردّ عليهم؛ إحقاقاً للحق، وإزهاقاً للباطل. ولولا ذلك لشاع الضلال في الأرض، وخفي الحق، وصار المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، بل شرع الله لنا ما هو أعظم من ذلك، وهو جهاد أهل الباطل بالسيف والسنان، وبالحجة والبيان؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ}.
وإذا كان حصل من بعض المتعالمين سوء أدب مع المخالفين، وتجاوز للحدود المشروعة في الردّ فهذا لا ينسب إلى العلماء، ولا يتخذ حجّة في السكوت عن بيان الحق، والردّ على المخالف.
هذا ما أحببت التنبيه عليه؛ {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}، وصلى الله وسلم على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه.
الحوار يراد منه بيان الأحكام الشرعية وترسيخها
العدد 11622
السبت 7 جمادى الثانية 1425 هـ
24 يوليو 2004
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد:(1/3)
لا شك أن الحوار بين المختلفين في أمر من الأمور يراد به بيان الصواب وتجنب الخطأ، ومن هنا شرع الله سبحانه المجادلة بالتي هي أحسن وشرع الشورى وشرع المناظرة والمباهلة. قال تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وقال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}، وقال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، وقال تعالى: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}، إذاً فالمقصود من الحوار والمناظرة والشورى والمباهلة استبيان الحق ومعرفة الخطأ وإقامة الحجة على المخالف، وهذه البلاد السعودية - ولله الحمد - قامت دولتها على الكتاب والسنَّة وتحكيم الشريعة والتمسك بالعقيدة الصحيحة وضمنت هذه المقاصد العظيمة في مناهج تعليمها وسياستها الداخلية والخارجية. والتزمت بإقامتها. فمن كانوا يتوقَّعون من الحوارات أن تتغيَّر هذه الثوابت فإنهم واهمون ويظهر هذا التوقّع وهذا التوهم من تعليقاتهم في الصحف وغيرها بعد نهاية كل حوار بأن هذه الحوارات لم تأت على المستوى الذي كانوا يتوقَّعونه منها.(1/4)
ونحن نقول: هناك مسلَّمات لا مجال للحوار فيها كأمور العقيدة وأحكام الشريعة والحقوق الواجبة بالكتاب والسنَّة لله سبحانه ولعباده، قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}. وحقوق الزوج على زوجته وحقوق الزوجة على زوجها وحقوق المسلمين عموماً وحقوق المرأة سواء أكانت زوجة أو أماً أو أختاً أو قريبةً أو أختاً مسلمة غير قريبة، وحقوق المستأمنين وأهل الذمة من الكفار. وحقوق المواطنين. كل هذه حقوق قررها الإسلام وأمر بإعطائها لمستحقيها. يبقى النظر في المشاكل التي قد تعترض هذه الحقوق ويرجع فيها إلى المحاكم الشرعية قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}، وقال سبحانه: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}. وأما الأمور المستجدة في المعاملات وغيرها فالنظر فيها لهيئة كبار العلماء والمجامع الفقهية. وأمور السياسة والأحكام السلطانية مردها إلى أولي الأمر. كما قال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}. وأما الأمور الفكرية والثقافية فيرد النظر فيها إلى مؤتمرات الحوار الفكري للاستفادة من الفكر المستقيم والبعد عن الفكر المنحرف الذميم. وأما الحقوق الوطنية فيرجع فيها إلى الدوائر(1/5)
المتخصصة بالنظر فيها وإلى الوزارات ذات العلاقة، وهكذا نجد أن الإسلام - ولله الحمد - قد نظَّم شؤوننا وأمر برد الأمور إلى نصابها كل في اختصاصه. وأما أن يرضى الناس كلهم عنا فهذا مستحيل، ولكن حسبنا أن نرضي الله ونقيم العدل بين الناس ما استطعنا ولو سخط من سخط.
قال الشاعر:
إن نصف أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل
وقال آخر:
لو أنصف الناس استراح القاضي ومال الجميع إلى التراضي
هذا وبالله التوفيق وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وصحبه.
كيد الشيطان للمسلمين بواسطة المرأة
العدد 11612
الأربعاء 26 جمادى الأولى 1425
14 يوليو 2004(1/6)
إن عداوة الشيطان للإنسان قديمة منذ عهد أبيه آدم عليه السلام فهو ما زال يكيد لهذا الإنسان لإهلاكه كما قال لربه: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً}، ومن أعظم ما يكيد به الشيطان للإنسان كشف العورات لما يجر إليه من الوقوع في الفاحشة وفساد الأخلاق وضياع الحياء والحشمة، فكاد لآدم وزوجه بالأكل من الشجرة التي نهيا عن الأكل منها: {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا}، فحصلت من آدم عليه السلام الخطيئة ولما عاتبه الله في ذلك تاب إلى الله فتاب الله عليه وقطع خط الرجعة على الشيطان لكن بقيت آثار المعصية بإخراجه من الجنة فزاد ذلك من توبة آدم إلى ربه واجتهاده في طاعته {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}، ففات على الشيطان غرضه وحصل لآدم من الإكرام وحسن العاقبة ما لم يتوقعه الشيطان وصار كما قيل: (رب ضارة نافعة) ثم إن الله سبحانه وجَّه النداء لبني آدم محذِّراً لهم من كيد هذا العدو الذي فعل مع أبيهم ما فعل أن لا يفتنهم ويوقعهم في الهلاك عن طريق التساهل في كشف العورات وامتن عليهم بلباسين يستران عوراتهم: اللباس الذي يواري سوءاتهم ويجمِّل هيئاتهم وهو اللباس المحسوس الذي يلبسونه على أبدانهم، واللباس الذي يواري سيئاتهم ويجملهم ظاهراً وباطناً وهو لباس التقوى الذي تتحلَّى به قلوبهم قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ}، {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا}، وما حذَّر الله عباده هذا التحذير إلا لأن الشيطان سيعيد عليهم الكرة فيأمرهم بالعري وخلع الستر ولباس الحشمة لما له في ذلك من المآرب الخبيثة(1/7)
والمطامع الدنيئة وقد عمل هذه المكيدة مع أهل الجاهلية فأمرهم أن يطوفوا بالبيت عراة رجالاً ونساءً وقال لهم: لا تطوفوا في أثواب قد عصيتم الله فيها فأطاعوه محتجين على ذلك أنهم وجدوا عليه آباءهم (وأن الله أمرهم بهذا) وهكذا احتجوا بالتقليد الأعمى وبالكذب على الله، وهما حجتان داحضتان ولكن صاحب الباطل يتعلَّق بخيط العنكبوت.
ولما بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أنكر هذا العمل ومنعه لما فتح الله له مكة وجعل له السلطة على أهلها فقال: (لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان) وبعد هذا دبَّ الشيطان وأعوانه من شياطين الجن والإنس في هذا الزمان إلى المسلمين مطالبين بكشف العورات وخلع لباس الحشمة، طالبوا بإخراج المرأة عن الآداب الشرعية إلى الآداب الكافرة الإفرنجية وطالبوها بخلع الحجاب وإظهار الزينة وطالبوها بالخروج من البيت ومشاركة الرجال في أعمالهم التي لا تليق بالمرأة، طالبوا باختلاطها مع الرجال في مجالات العمل وفي مجالات اللهو واللعب في المسارح والمراقص ودور اللهو، طالبوها بأن تداوم في الوظيفة كدوام الرجال رغم ما يعتريها من حمل وولادة وحيض ونفاس، طالبوا أن تتولَّى المرأة أعمالاً لا يتحقق لها القيام بها إلا بالتنازل عن حيائها وحشمتها، بل طالبوا أن تقوم بأعمال لا تطيق القيام بها خلقة وطبيعة أن تكون وزيرة وسفيرة ومديرة ورئيسة أعمال متناسين أنها أنثى خُلقت لأعمال النساء لا لأعمال الرجال {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى}، إن الكفار حينما ينادون بذلك يريدون أن يسلبوا المرأة كرامتها ومكانتها اللائقة بها حتى ما تمتع به المرأة المسلمة من عزة وكرامة ومكانة عالية، ومن ينعق بأفكارهم ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا في الصحف والمجلات والمؤلفات إنما ينعقون بما لم يدركوا عواقبه الوخيمة أو يدركوا ذلك ولكن يريدون أن يرضوا أسيادهم أو يريدون أن تكون المرأة ألعوبة بأيديهم يستمتعون بما(1/8)
يتمكنون من الاستمتاع به منها، والعجيب أن بعض النساء المخدوعات ينعقن بهذه الأفكار دون أن يدركن ما يحاك ضدهن فهن كما قال الشاعر:
فكانت كعنز السوء قامت بظلفها إلى مدية تحت التراب تثيرها
إننا نريد من أمتنا رجالاً ونساءً حكومةً وشعباً أن يقفوا ضد هذه الحملة الشرسة المركَّزة على المرأة المسلمة التي إن نجحت (ونعوذ بالله) نكبت المجتمع في أعز ما لديه لأن المرأة قاعدة الأسرة قال الشاعر:
والأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
وإذا انهارت الأسر انهار المجتمع، لأن الأسر هن لبناته فاتقوا الله يا من تنادون بتمرد النساء وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالمرأة خيراً وحذَّر من خطرها فقال: (واتقوا النساء فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).
لما علم شياطين الإنس والجن ما للمرأة من مكانة في المجتمع ركَّزوا عليها وزعموا أنها مظلومة ومهضومة الحقوق وفي الحقيقة هم الذين يريدون سلب حقوقها وإخراجها عن طورها وخصائصها، يريدونها أن تكون كادة كادحة مضيعة لمسئوليتها فهي ربة بيت وراعية أسرة ومربية أجيال وسكن زوج، فأعمال الرجال للرجال وأعمال النساء للنساء هكذا فطر الله الناس وخلقهم {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
مناهجنا الدراسية واختلاف المفاهيم حولها
العدد 11487
الخميس 20 محرم 1425
11 مارس 2004
الحمد لله الذي أنزل الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبلغ عن الله ما أنزل إليه من ربه، وعلى آله وصحبه، وبعد:(1/9)
فما يزال أهل الأهواء في نظرتهم إلى الحق في أمر مريج و(في قول مختلف، يؤفك عنه من أفك).. قالوا عن القرآن إنه سحر، وإنه أساطير الأولين، وإنه شعر لأنهم في معارضتهم للحق ليس عندهم برهان يستندون إليه في معارضتهم فاختلفت بهم الأهواء، وتعددت منهم الآراء، وهكذا من أعرض عن الحق فإنه يكون في ضلال مبين، (فماذا بعد الحق إلا الضلال). واليوم كثرت الصيحات حول المناهج الدراسية في مدارس المسلمين عموماً، وفي مدارس هذه البلاد خصوصاً للمطالبة بتغييرها، ولو كانت هذه الصيحات والمناداة من الكفار لهان الأمر، لأن ذلك ليس غريباً منهم فهم يريدون اجتثاث الإسلام من أصله، كما قال الله تعالى فيهم: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء} وقال تعالى: {وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} وقال تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}.. ولكن الغريب والمؤسف حقاً أن تأتي هذه الصيحات من بعض بني الإسلام الذين يفترض فيهم الغيرة لدينهم والمحافظة على مناهجهم والرد على دعوات أعدائهم. فمنهم من يقول: إنها تعلم الإرهاب لأنها بزعمهم تعلم الولاء والبراء اللذين أمر الله بهما في كتابه وسنة رسوله، فلا دين إلا بولاء وبراء، كما قال بعض العلماء:
وما الدين إلا الحب والبغض والولا كذاك البرا من كل غاد وآثم(1/10)
والولاء معناه محبة الدين الإسلامي وأهله، والبراء معناه بغض الكفر وأهله، لكن هم فهموا أن الولاء والبراء معناهما الاعتداء على الناس في دمائهم وأموالهم بغير حق، وربما يستشهدون بفعل بعض الفئات الضالة التي قامت بالتفجيرات في البلاد وروعت العباد وأفسدت في الأرض، وهذه الفئات ليست حجة على المسلمين فهي فئات ضالة يحذر منها ومن عملها الإسلام ويبرأ منها المسلمون وهي لا تمثل المسلمين ولم تتخرج على مناهج المسلمين وإنما تخرجت على أفكار منحرفة تلقتها من هنا وهناك من ضلال البشر ووحوش العالم.
وعقيدة الولاء والبراء لا تجيز الاعتداء على الناس، قال الله تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، أي لا يحملكم بغض الكفار وبغض دينهم على الاعتداء عليهم والجور في حقهم وعدم إنصافهم، ومنع حقوقهم. كما أن عقيدة الولاء والبراء في الإسلام لا تحرم التعامل مع الكفار في البيع والشراء والمعاهدات وتبادل المنافع والخبرات وعقد الصلح وعقد الأمان والهدنة بيننا وبينهم، وإنما مقتضى الولاء والبراء الاحتفاظ بديننا والحذر من دين الكفار، ومن شرهم.(1/11)
ومنهم من يقول: إن المناهج الدراسية عندنا تعلم التشدد والغلو.. وهذا على العكس فمناهجنا تعلم الوسطية والاعتدال وتنهى عن الإفراط والتفريط، لكن هؤلاء فهموا أن بيان العقيدة الصحيحة والعقيدة الباطلة وبيان الحلال والحرام والسلوك الطيب المعتدل والنهي عن الانحلال أنه تشدد وغلو، وهذا مفهوم خاطىء لأن الله سبحانه أمر بعبادته وحده ونهى عن عبادة ما سواه، وأحل الطيبات وحرم الخبائث وحث على الصدق في القول والعمل، فمن تعلم هذا ودرسه وأمر به فهو معتدل لا متشدد، وإنما الغالي والمتشدد والمفرط هو من خالف هذا المنهج، ولهذا قال بعض السلف: دين الله بين الغالي والجافي، وإذا وجد متشدد ومتطرف فهذا لا يمثل الإسلام وليس حجة على المناهج الدراسية لأنه لم يتلق ذلك عنها، وإنما تلقاه من خارجها وبعيداً عنها فهو من الشاردين في فكره وعقله ودينه، قد اعتزل المسلمين وعاش متوحشاً.(1/12)
وقال بعضهم: إن المناهج تعلم التكفير، لأنها تبين نواقض الإسلام وتبين أنواع الشرك والكفر والنفاق وتحذر من البدع والمحدثات، وتعليم هذه الأمور -عندهم وبزعمهم- تكفير للمسلمين.. ونقول: حاشى وكلا، فمناهجنا -والحمد لله- لم تكفر مسلماً ولم تبدع سنياً، وإنما تحذر من أسباب الردة وتحذر من الكفر والشرك والابتداع في الدين حماية للإسلام والمسلمين وتبصيرا للناس، وهذا شيء موجود في الكتاب والسنة. والمسلم إذا درس هذه الأمور وتعلمها ليس معناه أنه يحكم على الناس بالكفر والشرك والتبديع دون مبرر، وإنما معناه أن يعرف هذه الأمور ليتجنبها ويحذر منها ولا يطبقها إلا على من تنطبق عليه حقيقة لا توهماً. ثم إن هذه الأمور لها مراجعها العلمية، وليس من حق كل طالب علم أن يحكم بها على الناس دون تثبت وبصيرة، أرأيتم لو ترك بيان هذه الأمور ولم تدرس للطلاب في المناهج على بصيرة وعلى أيدي علماء متخصصين، أليس الخطر أشد إذا تلقوها عن الكتب المجردة أو عن أصحاب الأفكار المنحرفة، فكونهم يبصرون بها عن طريق المناهج الدراسية والتعليم المنضبط أسلم عاقبة وأضمن نتيجة.
وختاماً.. نسأل الله أن يهدينا وجميع المسلمين لمعرفة الحق والعمل به وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
في مضامين كلمة ولي العهد حفظه الله
العدد 11452
الخميس 14 ذو الحجة 1424
5 فبراير 2004
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وآله وأصحابه ومن اتبع سنته ووالاه.(1/13)
وبعد: فقد استمعت وقرأت كما استمع وقرأ غيري كلمة سمو ولي العهد الأمير:عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله التي ألقاها سموه في وسائل الإعلام ونشرتها الصحف والمجلات وهي بمنزلة منهج يسير عليه الحوار الوطني الذي أقيم ويقام في المملكة العربية السعودية والذي يكون الغرض منه إتاحة الفرصة لإبداء الآراء في حل المشكلات التي تعترض سير البلاد نحو الأصلح والمفيد وإيصال كلمة الحق إلى المخالف بطريقة مقنعة حكيمة على حد قوله تعالى: (فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى) وكان من ضمن كلمته حفظه الله:ألا تمس العقيدة باسم حرية الرأي وأن الغلو كما يكون في الزيادة في الدين يكون في التساهل والتفريط فيه والتمرد على أحكامه.. وهما نقطتان مهمتان تعنيان أنه لا مساومة على عقيدة التوحيد وأحكامها بل تبقى كما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار عليها خلفاؤه الراشدون وصحابته الأكرمون والقرون المفضلة والأئمة الأربعة وأتباعهم من أهل السنة والجماعة من التمسك بالعقيدة كما جاءت في الكتاب والسنة بأقسام التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية.. وتوحيد الأسماء والصفات.. وما يتبع ذلك من محبة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والترضي عنهم والاقتداء بهم والثناء عليهم كما أثنى الله عليهم ورضي عنهم وأمر باتباعهم حيث قال جل وعلا: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين يها أبداً ذلك الفوز العظيم) وما يتبع هذه العقيدة من موالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله عملاً بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق). إن هذه العقيدة قد جرى عليها وعلى أهلها من الامتحان ما جرى ويجري في مختلف العصور كما هو واقع ومشاهد الآن من خصومها ولكن قد قيض الله الأئمة(1/14)
المصلحين والمجددين يذبون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين..من أمثال الأئمة الأربعة.
وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه والإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب..وقيض لها من السلاطين والملوك من قام إلى جانب هؤلاء العلماء المجددين المصلحين بالحماية لدعوتهم والجهاد في سبيلها من أمثال الأئمة والملوك من آل سعود الذين ناصروا دعوة الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله والذين لا يزالون, والحمد لله, يناصرون الحق ويقمعون الباطل فمكن الله لهم في الأرض كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقداكم) وقال تعالى: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز, الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) إن كلمة سمو ولي العهد - حفظه الله - بعثت الثقة في نفوس المؤمنين وطمأنتهم أن هذه الدولة بمشيئة الله ستحافظ على عقيدة التوحيد في مناهج الدراسة وفي جميع المجالات ولا تلتفت إلى أهواء المغرضين والمعرضين عن الحق الذين يتربصون بالمؤمنين الدوائر كأسلافهم من المنافقين. وصدق سمو ولي العهد - حفظه الله - حينما قال إن الغلو كما يكون في الزيادة في الدين يكون في التساهل فيه, فالتسامح في الدين إنما يكون بالعمل بالرخص الشرعية وقت الحاجة إليها وفي حدود الحاجة وليس معناه التحلل من أحكام الدين والتمرد على الشريعة وترك الواجبات وارتكاب المحظورات باسم التيسير وترك التزمت كما يقولون.(1/15)
أما العقيدة فلا مجال للتلاعب بها باسم حرية الرأي كما قال حفظه الله لأن العقيدة توقيفية لا مجال للاجتهاد فيها لأنها مبنية على الكتاب والسنة, فما لم يرد في الكتاب والسنة من الآراء والاجتهادات فهو مردود ومرفوض وصاحبه مخطىء ضال ولهذا رد الأئمة قديماً وحديثاً على أصحاب العقائد الباطلة والأفكار المنحرفة وبينوا العقيدة الصحيحة المأخوذة من الكتاب والسنة لا من الآراء والأفكار وهذا من حفظ الله لهذا الدين كما قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى) ولما أخبر صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة قال: (كلها في النار إلا واحدة قيل: من هي يا رسول الله قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) إذاً العقيدة الصحيحة هي عقيدة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلا مجال للآراء المختلفة والمخالفة لهذه العقيدة وهذه العقيدة - ولله الحمد - محفوظة ومدونة في كتب أهل السنة - وهي تدرس الآن في مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا وتقوم عليها مناهجنا الدراسية ولا مجال لانتقادها والطعن فيها باسم حرية الرأي كما قال سمو ولي العهد حفظه الله (إن هذه الدولة السعودية المباركة قامت على العقيدة الصحيحة وإن من يريد اجتثاث هذه العقيدة إنما يريد اجتثاث الدولة) ولكن: (يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون) وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الأسماء لا تغير الحقائق
العدد 11590
الثلاثاء 4 جمادى الأولى 1425
22 يونيو 2004(1/16)
إن من المغالطات المكشوفة تسمية الأشياء بغير اسمها تلبيسا على الناس وتغريراً بالجهال، ومن ذلك تسمية التخريب والاعتداء على الناس وسفك الدماء المحرمة وإتلاف الممتلكات مما تقوم به تلك الفئة الضالة ويسمون ذلك جهادا في سبيل الله ويسمون الانتحار استشهاداً، وربما ينخدع بعض الناس خصوصاً صغار السن بهذا التضليل وينخرطون معهم في الإفساد في الأرض ونقول لهؤلاء ومن اغتر بهم:
أولاً: الجهاد في سبيل الله هو قتال الكفار والمشركين لإزالة الشرك ونشر التوحيد بعد دعوتهم إلى الله وامتناعهم من قبول الدعوة، وتنظيم الجهاد والإشراف عليه من صلاحيات إمام المسلمين، لأن الذي تولاه في عصور الإسلام كلها هم ولاة الأمور، ابتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه ومن جاء بعدهم من ولاة أمور المسلمين، وليس الجهاد فوضى، كل يقوم به ويأمر به، والله تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ } (38) سورة التوبة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وإذا استنفرتم فانفروا) فلا يجوز للمسلم أن يجاهد إلا إذا استنفر للجهاد والذي يستنفر هو ولي أمر المسلمين، إذا توفرت شروط الجهاد وزالت موانعه.
ثانياً: الجهاد لا يكون بقتل المسلمين والمستأمنين، وإنما يكون مع الكفار المحاربين، وأما قتل المسلمين والكفار المستأمنين فإنه عدوان وظلم، والله قد حرم العدوان والظلم في حق المسلم والكافر، وليس هذا العدوان جهادا في سبيل الله، وإنما هو جهاد في سبيل الشيطان، والمسلم لا يرضى أن يكون من جند الشيطان ومن أولياء الشيطان.(1/17)
ثالثاً: لا يجوز قتل الكافر المستأمن والمعاهد والذمي بحجة أن الكفار الآن يقتلون المسلمين كما يحتج بذلك الجهال، لأن الله تعالى يقول: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (164) سورة الأنعام، وهذا من فعل الجاهلية الذين كانوا يقتلون البريء بحجة الانتقام من المجرم، وأيضا هذا قتل لمن يحرم قتله.
رابعاً: الانتحار ليس استشهاداً لأن المنتحر يتعمد قتل نفسه، ومن قتل نفسه فهو متوعد بالنار كما صحت بذلك الأحاديث والله تعالى يقول:{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا } (169) سورة آل عمران، ولم يقل قتلوا أنفسهم، والمقتول في سبيل الله مأجور، وقاتل نفسه آثم ففرق بين الحالتين، ولا يسوي بينهما إلا ملبس أو جاهل.. فنصيحتي لهؤلاء الذين غُرِّر بهم وخدعوا بهذا الفكر المنحرف أن يرجعوا إلى صوابهم، ويتوبوا إلى ربهم ويلقوا سلاحهم ويضعوا أيديهم بأيدي إخوانهم، وولاة الأمور - حفظهم الله - قد وعدوا من سلم نفسه تائباً أنه سيعامل معاملة خاصة.. والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
نصيحة للشباب
العدد 11651
الأحد 6 رجب 1425
22 أغسطس 2004
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه وبعد:(1/18)
فإنه لما حدثت التفجيرات في الرياض وغيرها وقد قام بها ثلة من شباب المسلمين استغرب الناس هذا الحدث واختلفوا في تعليلاته وأسبابه. وكل أدلى برأي. والذي أراه سببا وحيدا لذلك هو تربية الشباب منذ صغرهم على مناهج دعوية وافدة تخالف المنهج السليم الذي كانت تسير عليه البلاد ويتلقون أفكارا من خلال تلك المناهج أدت بالكثير منهم إلى ما لا تحمد عقباه. لقد كان صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين والقرون المفضلة يسيرون على منهج الكتاب والسنة الذي تركهم عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأوصاهم بالتمسك به فقال: (إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي) وقال - عليه الصلاة والسلام -: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي؛ تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). والله تعالى قد أوصانا باتباع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان فقال - سبحانه وتعالى -: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ومنهج هؤلاء الذين أوصانا الله باتباعهم يحتاج منا إلى معرفته وتعلمه ومعرفة ما يخالفه ويضادّه؛ حتى نتجنبه إذ لا يمكن لنا اتباع منهج السلف إلا بمعرفته؛ ولهذا قال سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَان} أي باعتدال من غير غلوّ ومن غير تساهل ولا تفريط، ولا يمكن ذلك إلا بتعلم هذا المنهج وعلم ما يخالفه ويضاده؛ ولذلك ألف الأئمة كتب العقائد التي فيها بيان منهج السلف وبيان منهج المخالفين لهم من شيعة وقدرية وخوارج وجهمية ومعتزلة ومشتقاتهم من الفرق الضالة(1/19)
التي أخبر عنها - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي).
واليوم شبابنا تتخطفهم مناهج مختلفة فيحتاجون إلى دراسة عقيدة السلف الصالح بعناية تامة وتحذيرهم من الانقسامات تبعاً للمناهج الوافدة عملا بقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. وكثير ممّن ينتمون لمنهج السلف يجهلونه ولذلك اختلفوا بينهم؛ كلٌّ يزعم أن الصواب معه؛ فحصلت بينهم صراعات مريرة، بل وصل الأمر ببعضهم إلى التكفير لغيرهم أو التفسيق والتبديع نتيجة للجهل بمنهج السلف؛ فلم يتبعوه بإحسان، بينما فرق أخرى من الحزبيين تزهد بمنهج السلف وتتبع رموزاً من حركيين ومنظرين أبعدوهم عن منهج السلف فاعتنقوا أفكاراً غريبة عن منهج السلف. وكلا الفريقين من هؤلاء وهؤلاء على طرفي نقيض وفي صراع مرير أفرحوا به أعداء الإسلام، ولا ينجي من هذا الصراع والاختلاف بين صفوف شباب الأمة إلا الرجوع الصادق إلى الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة وأئمتها؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته. وهذا لا يحصل ولا يتحقق إلا بتعلم العقيدة الصحيحة المأخوذة من الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة وأئمتها، وهذا - ولله الحمد - مضمّن في مناهج الدراسة وكتب العقيدة المقررة في مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا ومساجدنا؛ فيا أيها المدرسون الكرام ونحن في بداية العام الدراسي.. الله.. الله عليكم الجدّ والاجتهاد في توضيح هذه(1/20)
العقيدة الصحيحة السليمة لأبنائكم الطلاب حتى تكون لهم حصناً منيعاً - بإذن الله - يقيهم من الانحراف الفكري، وربوهم على التآخي في الحق وعفة القول فيما بينهم بدلاً من التراشق فيما بينهم بالاتهامات الجارحة والوقيعة في أعراض العلماء والدعاة؛ قال تعالى: {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
وحينما أقول: إن الشباب على طرفي نقيض حول منهج السلف فلست أعني كل الشباب؛ لأن هناك كثيراً من الشباب - ولله الحمد - على منهج سليم ومنهج وسط معتدل هو منهج السلف الصالح وهم قدوة صالحة لشباب الأمة نرجو الله أن يثبتهم ويرزقهم الفقه في دينه، لكننا نخاف عليهم التأثر بالتيارات المضللة التي اجتاحت فئات من شبابنا والحي لا تؤمن عليه الفتنة - كما قال بعض السلف: (من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة)؛ فيا شباب الأمة خذوا عن العلماء الربانيين الذين يدعون إلى كتاب الله وسنة رسوله ويعلمونكم العلوم النافعة في المدارس والمساجد، وإياكم والأخذ عن أهل الضلال والجهال وأصحاب الأهواء، وخذوا عمن تثقون بعلمه ودينه وعقيدته كما قال بعض السلف: (إن هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم) فأقبلوا على طلب العلم الصحيح واحذروا من التفرق والتنابز بالألقاب؛ قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، وقال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}؛ وذلك بسبب تفرقهم واختلافهم وخذوا بوصية نبيكم - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) وخوّفوا مما خاف منه النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما قال:(1/21)
(وإنما أخاف على أمتي الأئمة المصلين)؛ إنه ليس لنا إمام وقدوة سوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ}. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (من قال هناك شخص يجب اتباعه غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل). ومعنى هذا أن غير الرسول لا يتبع إلا إذا اتبع الرسول. ومن خالف الرسول حرم اتباعه. وأبو بكر - رضي الله عنه - يقول: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا تطيعوني)؛ ومعنى هذا أنه ليس هناك متبوع معصوم غير الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وعليكم معشر الشباب بتوقير العلماء والمدرسين حتى تستفيدوا من علمهم، فإن احتقرتموهم حرمتم من علمهم. وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح.
هناك من يدعو إلى البقاء على التفرق في الآراء كما نقرأ لهم في الصحف والمجلات، ويقولون: إن هذا من يسر الإسلام في قبول الرأي والرأي الآخر ومن الأخذ بالاجتهاد. وهذا من المغالطة والتضليل؛ لأن الله لم يرضَ لنا البقاء على الاختلاف، بل حذرنا من ذلك؛ فقال سبحانه: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}؛ قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل الفرقة والإضاعة.(1/22)
والأخذ بأقوال المجتهدين، وهو الذي يعبر عنه بقولهم: لا إنكار في مسائل الاجتهاد؛ فذلك حينما لا يتبين الدليل مع أحد المختلفين، فإذا تبين وجب الأخذ بما قام عليه الدليل وترك ما خالفه، وهو معنى قوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}، وأصحاب هذه الفكرة يقولون: لا تردون مسائل النزاع إلى الله والرسول وإنما كلّ يبقى على قوله، ويجوز لنا الأخذ بأي قول دون نظر إلى مستنده. نحن لا نتعصب لإمام معين؛ لا نأخذ إلا بقوله، وإنما نتبع الدليل مع أي إمام كما أمرنا الله ورسوله بذلك. قال الإمام أبو حنيفة - رحمه الله -: إذا جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلى الرأس والعين، وإذا جاء الحديث عن الصحابة فعلى الرأس والعين. وإذا جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال؛ أي هم مجتهدون ونحن مجتهدون؛ حيث لا دليل. وقال الإمام الشافعي - رحمه الله: (أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد). وقال - رحمه الله -: (إذا خالف قولي قول رسول الله فاضربوا بقولي عرض الحائط)، وقال الإمام مالك - رحمه الله -: (أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد لجدل هؤلاء؟). وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}). وقبل هؤلاء الأئمة يقول ابن عباس - رضي الله عنهما - لما خالفه أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - في مشروعية فسخ الحج إلى العمرة مع أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضحة في مشروعية الفسخ؛ قال: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقولون: قال أبو بكر وعمر).(1/23)
أقول: فكيف بالذين يقولون الآن: قال المفكر الفلاني والكاتب والفلاني ممّا يخالف كلام الله وكلام رسوله، ويسر الإسلام ليس باتباع الأقوال وإنما هو بالأخذ بالرخص الشرعية.
اللهم إنا نبرأ إليك من هذا القول ونسألك الثبات على الحق ونعوذ بك من اتباع الهوى. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
تصحيح مفاهيم
العدد 11602
الأحد 16 جمادى الأولى 1425
4 يوليو 2004
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:(1/24)
في مقالات مضت تناولت بالبيان بعض الشبهات التي يتعلق بها هؤلاء الذين غرر بهم من أبناء المسلمين فأساءوا إلى دينهم ومجتمعاتهم بسببها، ولا شك أن الفتن على قسمين فتن شبهات وتكون في العقيدة والدين، وفتن شهوات وتكون في الأفعال والسلوك والأخلاق، ويروج هذه الشبهات بقسميها أعداء الإسلام والمسلمين، كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} وقال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} والمسلم على خطر من هذه الشبهات أن تؤثر عليه وتضله، فهذا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام خاف على نفسه من فتن الشبهات فقال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ) ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك) والراسخون في العلم يقولون: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} ولا شك أن هذه الشبهات يجب أن تعرض على أهل العلم ليكشفوا زيفها ويبيّنوا بطلانها حتى يسلم المسلمون من شرها وشر أهلها ولا تعرض على الجهال وأنصاف المتعلمين أو تعرض على علماء الضلال فإن هؤلاء لا يزيدونها إلا شراً، ونحن الآن في فتن عارمة استهوت كثيراً من شباب المسلمين فنتج عنها التخريب في بلاد المسلمين وقتل الأبرياء من المسلمين والمستأمنين وإتلاف الأموال والممتلكات. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام)(1/25)
وقال عليه الصلاة والسلام: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) ودماء المستأمنين من الكفار وأموالهم كدماء المسلمين وأموالهم فلا يجوز قتل المستأمن عمداً وإن قتل خطأ فإنه على القاتل الدية والكفارة، قال صلى الله عليه وسلم في قتله عمداً: (من قتل معاهداً لم يُرح رائحة الجنة) وقال تعالى في قتله خطأ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} وهذا يدل على وجوب وفاء المسلمين بالعهود وتحريم الغدر بها حتى مع الكفار (إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) وهؤلاء الذين يقتلون الكفار في بلاد المسلمين قد خالفوا الكتاب والسنّة وعصوا الله ورسوله وعملهم هذا غدر وخيانة وإن سموه جهاداً فهو جهاد في سبيل الشيطان وشبهتهم في ذلك عموم حل دم الكافر وماله ولم يعلموا أن هذا الحكم خاص بالكافر الحربي دون الكافر المعاهد والمستأمن والذمي، كذلك من شبهتهم في قتل رجال الأمن المسلمين أن الصائل يقتل دفعاً لشره. ولم يعلموا أنهم هم الذين ينطبق عليهم حكم الصائل لأنهم يصولون على المسلمين والمستأمنين، ورجال الأمن هم الذين يدفعون الصائل في هذه الحالة ولو أنهم كفوا أذاهم عن المسلمين ولم يشهروا السلاح في وجوه المسلمين لما تعرض لهم رجال الأمن، ففي الحقيقة هم الصائلون الذين يجب دفع شرهم عن المسلمين ورجال الأمن لهم الأجر في ذلك ومن قُتل من رجال الأمن فإنه(1/26)
ترجى له الشهادة في سبيل الله لأنه يدفع الصائل عن نفسه وعن المسلمين.
ومن شبه هؤلاء المخربين أنهم يقولون إن دول الكفر تقتل المسلمين وتشردهم ونحن نقتل هؤلاء الكفار الذين يقيمون في بلاد المسلمين انتقاماً من الدول الكافرة التي تقتل المسلمين، ونقول لهؤلاء أولا: هؤلاء الكفار المقيمون في بلادنا بالأمان والعهد يحرم قتلهم بموجب العهد والأمان (من قتل معاهداً لم يُرح رائحة الجنة) رواه البخاري وغيره وهذا وعيد شديد لأن هذا العمل غدر وخيانة.
ثانياً: هذا العمل من قتل الأبرياء الذين لم تحصل منهم إساءة في حق المسلمين والله تعالى يقول: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وإنما هذا من فعل الجاهلين وإذا كنتم تزعمون أن هذا العمل انتقام من الكفار فأنتم تمشون في مخططاتهم فهم الذين يزرعون التخريب في بلاد المسلمين ويدربون المخربين، أليسوا يؤون المطاردين أمنياً من بلاد المسلمين ويحمونهم ويفسحون لهم المجال في بث الدعايات السيئة ضد المسلمين ويسمونهم بالمعارضين، فلا تكونوا عوناً للكفار على المسلمين وجنداً لهم.
وختاماً: أحذرُ شباب المسلمين من الانخداع بهذا الفكر المنحرف وادعو من انخدعوا به إلى التوبة والرجوع إلى الصواب والانضمام إلى إخوانهم وبلدانهم فالرجوع إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
حكم الانتخابات والمظاهرات
العدد 11358
الاثنين 8 رمضان 1424
3 نوفمبر 2003
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين وبعد:
فقد كثر السؤال عن حكم الانتخابات والمظاهرات بحكم أنهما أمر مستجد ومستجلب من غير المسلمين، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
1- أما الانتخابات ففيها تفصيل على النحو التالي:(1/27)
أولاً: إذا احتاج المسلمون إلى انتخاب الإمام الأعظم، فإن ذلك مشروع بشرط أن يقوم بذلك أهل الحل والعقد في الأمة والبقية يكونون تبعا لهم، كما حصل من الصحابة رضي الله عنهم حينما انتخب أهل الحل والعقد منهم أبا بكر الصديق رضي الله عنه وبايعوه، فلزمت بيعته جميع الأمة، وكما وكَّل عمر بن الخطاب رضي الله عنه اختيار الإمام من بعده إلى الستة الباقين من العشرة المبشرين بالجنة فاختاروا عثمان بن عفان رضي الله عنه وبايعوه فلزمت بيعته جميع الأمة.
ثانياً: الولايات التي هي دون الولاية العامة فإن التعيين فيها من صلاحيات ولي الأمر بأن يختار لها الأكفياء الأمناء ويعينهم فيها، قال الله تعالى: { (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) }، وهذا خطاب لولاة الأمور، والأمانات هي الولايات والمناصب في الدولة جعلها الله أمانة في حق ولي الأمر وأداؤها اختيار الكفء الأمين لها، وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه وولاة أمور المسلمين من بعدهم يختارون للمناصب من يصلح لها ويقوم بها على الوجه المشروع.
وأما الانتخابات المعروفة اليوم عند الدول فليست من نظام الإسلام وتدخلها الفوضى والرغبات الشخصية وتدخلها المحاباة والأطماع ويحصل فيها فتن وسفك دماء ولا يتم بها المقصود، بل تصبح مجالا للمزايدات والبيع والشراء والدعايات الكاذبة.
2- وأما المظاهرات فإن الإسلام لا يقرها لما فيها من الفوضى واختلال الأمن وإتلاف الأنفس والأموال والاستخفاف بالولاية الإسلامية، وديننا دين النظام والانضباط ودرء المفاسد وإذا استخدمت المساجد منطلقا للمظاهرات والاعتصامات فهذا زيادة شر وامتهان للمساجد وإسقاط لحرمتها وترويع لمرتاديها من المصلين والذاكرين الله فيها، فهي إنما بنيت لذكر الله والصلاة والعبادة والطمأنينة.(1/28)
فالواجب على المسلمين أن يعرفوا هذه الأمور ولا ينحرفوا مع العوائد الوافدة والدعايات المضللة والتقليد للكفار والفوضويين. وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
حكم رفع الصوت بالبكاء عند القنوت
3 نوفمبر 2003
العدد 11358
الأثنين 8 ,رمضان 1424
سُئل فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان سؤالاً فحواه:
ما حكم رفع الصوت بالبكاء عند دعاء القنوت، وقد يظهر ذلك المصلي الخشوع وربما تمر عليه الآيات ولا يتأثر بها؟
فأجاب فضيلته بقوله:
يكره رفع الصوت بالبكاء في الصلاة، لما فيه من خشية الرياء، ولما فيه من التشويش على المصلين.
كما تكره المبالغة في دعاء القنوت من قبل الإمام وإطالته، لما في ذلك من المشقة على المأمومين، فالواجب التوسط في ذلك.(1/29)
بسم الله الرحمن الرحيم
الإجابات العلمية والتوجيهات المنهجية
لفضيلة الشيخ : صالح الفوزان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء
س1: يقول السائل : ما قولكم فيمن يقول إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله سلفياً في العقيدة ولكنه ليس بسلفي في الفقه هل هذا القول صحيح وجزاكم الله خيرا ؟
ج1: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيناً محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد :
فإنه من المعلوم أنه في زماننا هذا وجد من يزهد في علماء السلف ويقلل من شأنهم ويحث على الاتجاه بما يسمونهم المفكرين المعاصرين ، ومن ذلك هذه الفرية التي تسألون عنها ، وهي أن الشيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله سلفياً في العقيدة ليس بسلفي في الفقه ، لا أدري ما وجه هذا التقسيم ، فكيف يكون الإنسان مشكل ، سلفي وليس بسلفي ، هذا لا يقوله أحد ، بل الشيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله سلفي في العقيدة وفي الفقه ، لأنه في العقيدة على منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم من الأئمة ، وفي الفقه على مذهب الإمام أحمد الذي هو من أئمة السلف ، وهو لا يأخذ أقوال الإمام أحمد مجرد تقليد بل أنه يأخذ ما ترجح من مذهب الإمام أحمد بالدليل ، فهو ليس مقلداً من دون اختيار لما قام عليه الدليل ، بل أنه يعتبر من المجتهدين في المذهب الحنبلي ، على نمط شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم والمحقيقين لمذهب الإمام أحمد رحم الله الجميع ، فالشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب سلفي في العقيدة وسلفي وفي الفقه ، لأنه يأخذ بفقه السلف ويأخذ من فقه السلف ما قام عليه الدليل من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أقوال هذا من عندي ، من أراد أن ينظر إلى صدق هذا فليراجع فتاوى هذا الإمام ومؤلفاته في الفقه سيجد أنه رحمه الله يختار القول الذي يؤديه الدليل حتى ولو كان أحياناً من غير مذهب الإمام أحمد، لأنه رجل(2/1)
يطلب الدليل ويعمل به ، ولا يأخذ أقوال الفقهاء مجرد تقليد لهم من غير معرفة أدلتهم فهو يعتبر مجدداً في العقيدة ومجدداً في الفقه والفتوى أيضاً .
***************************
س2: يقول السائل : ما حكم من يوقر أهل البدع ويحترمهم ويثني عليهم ، بأنهم يطبقون حكم الإسلام مع علمه عن ببدعهم ، وفي بعض الأحيان عندما يذكرهم في الدروس العامة يقول : "مع التحفظ على بعض المواقف عند هؤلاء " يقصد بذلك هؤلاء المبتدعة ، أو يقول : " بغض النظر عن ما عند هؤلاء من أخطاء " ونحو ذلك من التهوين من شأن بدعهم مع العلم أيضاً أن بعض هؤلاء المبتدعة الذين يحترمهم هذا القائل ويثني عليهم ويدافع عنهم لهم كلام مكتوب ومسجل يعرفه فيه طعن للسنة وتجهيل للصحابة وغمز للنبي - صلى الله عليه وسلم - فما حكم هذا القائل ؟ وهل يحذر من أقواله هذه؟(2/2)
ج2: لا يجوز تعظيم المبتدعة والثناء عليهم ولو كان عندهم شيء من الحق ، لأن مدحهم والثناء عليهم يروج بدعتهم، ويجعل المبتدعة في صفوف المقتدى بهم من رجالات هذه الأمة ، والسلف حذرونا من الثقة بالمبتدعة ومن الثناء عليهم ومن مجالستهم ، وفي بعض أقوالهم يقولون : [ من جلس إلى مبتدع فقد أعان على هدم السنة ] ، فالمبتدعة يجب التحذير منهم ويجب الابتعاد عنهم ولو كان عندهم شيء من الحق ، فإن غالب الضُلال لا يخلون من شيء من الحق ، ولكن ما دام عندهم ابتداع وعندهم مخالفات ، وعندهم أفكار سيئة فلا يجوز الثناء عليهم ولا يجوز مدحهم ولا يجوز التغاضي عن بدعتهم لأن في هذا ترويج للبدعة وتهويلاً من أمر السنة ، وبهذه الطريقة يظهر المبتدعة ،ويكونون قادة للأمة لا قدر الله ، فالواجب التحذير منهم ، وفي أئمة السنة الذين ليس عندهم ابتداع في كل عصر ولله الحمد فيهم الكفاية للأمة ، وهم القدوة ، فالواجب اتباع المستقيم على السنة ، الذي ليس عنه بدعة وأما المبتدع فالواجب التحذير منه ، والتشنيع عليه ، حتى يحذره الناس وحتى ينقمع هو واتباعه ، وإما كون عنده شيء من الحق فهذا لا يبرر الثناء عليه ، لأن المضرة التي تحصل بالثناء عليه أكثر من المصلحة لما عنده من الحق ، ومعلوم أن قاعدة الدين {أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح }، وفي معادة المبتدع درء مفسدة عن الأمة ترجح على ما عنده من المصلحة المزعومة إن كانت ، ولو أخذنا بهذا المبدأ لم يُضلل أحد ولم يُبدَّع أحد لأنه ما من مبتدع إلا وعنده شيء من الحق وعنده شيء من الالتزام ، المبتدع ليس كافراً محضاً ، ولا مخالفاً للشريعة كلها ، وإنما هو مبتدع في بعض الأمور أو في غالب الأمور ، وخصوصاً إذا كان الابتداع في العقيدة وفي المنهج فإن الأمر خطير لأن هذا يصبح قدوة ومن حينئذٍ تنتشر البدع في الأمة وينشط المبتدعة في ترويج بدعهم ، فهذا الذي يمدح المبتدعة ويشَّبه على الناس بما عندهم من الحق(2/3)
هذا أحد أمرين :
إما أنه جاهل ، جاهل بأمر البدعة وجاهل بأمر السلف وموقفهم من المبتدعة وهذا الجاهل لا يجوز أن يتكلم ولا يجوز للمسلمين أن يستمعوا له .
وإما أنه مغرض : يعرف خطر البدعة ويعرف خطر المبتدعة ولكنه مغرض يريد أن يروج للبدعة ، فعلى كل حال هذا أمر خطير وهذا أمر لا يجوز ولا يجوز التساهل في البدعة وأهلها مهما كانوا .
*****************************
س3: ما قولكم يا شيخ حفظكم الله في هذه المقولة : { أن الذي لا يأتي ببدعة مكفرة لا يُخرج من مسمى أهل السنة ، بل الذي يُخرج من مسمى أهل السنة الذي يقع في بدعة مكفرة فقط } ؟
ج3: يا سبحان الله ! الذي يأتي ببدعة مكفرة هذا ليس من المسلمين أصلاً ، ما يكفي أنه يقال أنه ليس من أهل السنة ، الذي يأتي ببدعة مكفرة يقال أنه ليس من المسلمين ، ولا يقال أنه ليس من أهل السنة فقط ، لأنه إذا قيل ليس من أهل السنة فُهم أنه مسلم لكنه مخالف لمذهب أهل السنة فيكون كسائر المبتدعة ، إما من جاء ببدعة غير مكفرة فهذا هو الذي ليس من أهل السنة ، فالمبتدعة إذاً على قسمين :
مبتدع كافر ليس من المسلمين أصلا ، وهو الذي عنده بدعة مكفرة .
ومبتدع يُعد من المسلمين ولكنه ليس من أهل السنة ، فلا يمكن لمبتدع أن يقال أنه من أهل السنة أبدأ ،بل يقال إما أنه كافر خارج من الملة ، وإما أن يقال أنه مبتدع من غير أهل السنة والجماعة كالمعتزلة والجهمية ، والخوارج وغيرهم من الفرق .
*********************
س4: وهذا سؤال عن التكفير بالمعاصي : يتكون من عدة فقرات : أولاً : هل يكُفر المجاهر بالمعصية مثل الغناء أو الزنا أو الربا ؟!(2/4)
ج4: المعاصي على قسمين :كبائر وصغائر ، والكبائر على قسمين : كبائر مخرجه من الملة ، وكبائر لا تخرج من الملة . الكبائر المخرجة من الملة : كالشرك بالله عز وجل ، والكفر بالله ، هذه كبائر مخرجة من الملة ، والدعاء لغير الله والاستغاثة بغير الله ، وعبادة القبور والذبح للقبور ، وتعلمُه وتعلِميه وترك الصلاة متعمداً ولو لم يجحد وجوبها على الصحيح ، فهذه كبائر مخرجة من الملة ,وهناك كبائر دون ذلك وهي على قسمين : 1. كبائر اعتقاديه ، 2. وكبائر عمليه .
الكبائر الاعتقاديه : مثل مقولة المعتزلة والخوارج والأشاعرة وغيرهم مما ينفون أسماء الله وصفاته ،أو ينفون أسماء الله دون الصفات ،أو ينفون بعض الصفات ويثبتون بعضاً ، فإن هذه كبائر ، وصاحبها فاسق فسق اعتقادياً ، وإما النوع الثاني والتي هي الكبائر العملية : مثل شرب الخمر ، والزنا، والسرقة ،وقتل النفس بغير حق ، فهذه كبائر عمليه ومثل، قذف المحصنات هذه كبائر عمليه ،يُفَسَّقُ صاحبها فسقاً عملياً ،ولا يخرج من الملة ، الكبائر الاعتقادية التي دون الشرك .(2/5)
والكبائر العملية أيضاً كلها يُفَسَّقُ صاحبها ، لكن ! الذي عنده كبائر في العقيدة هذا يقال فاسق فسقاً أعتقادياً ، والذي عنده كبائر في العمل دون العقيدة هذا يقال فاسق فسقاً عملياً كشارب الخمر والزاني والسارق وغير ذلك ، والنوع الأول أشد من الثاني ، الذي عنده فسق أعتقادي أشد من الذي عنده فسق عملي ، ولكن كلاً من الفاسقين لا يخرجون من الملة ، إلا في حالة الفاسق المبتدع إذا كان يدعوا إلى بدعته وينادي عليها فهذا يُكفره السلف كما كفروا دعاة الجهمية ودعاة المعتزلة الذين يدعون إلى هذه المذاهب ، إما أن كان يعتنقها دون أن يدعو إليها ظناً أنها حقاً وظنها صواباً وأغتر بمن قال بها ، فهذا لا يُكفر ولكنه يضَّلل ، يقال أنه ضال وفاسق فسقاً اعتقادياً ، إذن لا يُخرج من الملة إلا الكبائر الكفرية الشركية كما قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء:48) ، والله سبحانه وتعالى أوجب الحدود على شارب الخمر والسارق والزاني ولو كانوا كفارً لأمر بقتلهم، فأقامت الحدود عليهم دليل على إسلامهم والله تعالى جعل المتقاتلين أخوة في الإيمان قال تعالى : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا .....إلى أن قال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات:10) ، فسمى القاتل مؤمناً وأخاً للمقتول ،وأمر بالإصلاح بين المتقاتلين واعتبرهم من المؤمنين : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) دل على أن الكبيرة التي دون الشرك لا تُخرج من الملة ، ولكن يُحكم على صاحبها بالفسق كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(2/6)
(النور:4) ، فسماهم فاسقين ، وأمر برد شهادتهم إلا أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) هذا هو الفاسق الذي لا يخرج من الملة .
س4: الفقرة الثانية من السؤال : هل يُكفر المستخف بهذه المعاصي بحيث لم يصرح باستحلالها إنما يستخف بها ويقع فيها مع علمه بحُرمتها ؟
ج: إذا كان يعتقد حرمتها فإنه لا يكفر وإما استخفافه بها فهذا دليل على ضعف إيمانه ، استخفافه بها يدل على ضعف إيمانه ولا يدل على كفره مادام أنه يعتقد أنها حرام .
س4: الفقرة الثالثة من السؤال : يقول السائل هل الإصرار على الكبيرة وعدم التوبة منها يجعلها كفراً مخرجاً من الملة ، أم أن صاحبها يشمله الوعيد أو يدخل تحت الوعيد أن شاء الله عذبه وأن شاء غفر له ؟
ج: الإصرار على الكبيرة التي هي دون الشرك لا يصير المصر عليها كافرا ، لأنها مادامت دون الشرك ودون الكفر فإنه يعتبر فاسقا ولا يخرج من الملة ولو أصر عليها .
س4: الفقرة الرابعة : ما هي الضوابط التي ينبغي لطالب العلم أن يعرفها لكي يحكم على فلان من الناس بأنه مستحلاً بالمعصية المجمع على تحريمها بحيث يُكفر المستحل لهذه المعصية ؟
ج: الضوابط التي تدل على استحلال المعصية : أن يصرح الشخص بأنها حلال، إما بلسانه وإما بقلمه ،يعني يكتب أنها حلال أو يقول أنها حلال حينئذٍ يحكم عليه أنه مستحل لها ، وبدون ذلك لا يحكم على استحلاله لها ، حتى يثبت عليه إما بالقول أن يصرح بلسانه وإما بالكتابة وإما بأن يشهد عليه شاهدان عدلان من المسلمين فأكثر لأنه يقول بحل الزنا وحل الخمر أو حل الربا وما أشبه ذلك ، حينئذٍ يحكم عليه بالاستحلال ، أما بإقراره كلامياً أو كتابياً وإما بالشهادة عليه .
******************************(2/7)
س5: ما هي نصيحتكم لبعض الأخوة الذين يُخدعون في بعض المطبوعات المغرضة والتي تصدر خارج الجزيرة مثل مجلة السنة الذي يصدرها ما يسمى بمركز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية والذي يقوم عليه شخص حاقد على هذا البلد الآمن وأهله مع العلم أن هذه المجلة لا تحمل من السنة إلا الاسم ؟
ج: معلوم أن المغرضين يدسون على المسلمين الشر بمختلف الوسائل ومن هذه الوسائل الخبيثة أن يسموا إصداراتهم من المجلات أو الكتب أن يسموها بأسماء مغرية ، [مثل مجلة السنة ]وغير ذلك من الأسماء وهذا كمن يدس السم في العسل ، أو يُسمي الخمر بأنها شراب روحي ، أو غير ذلك من الأسماء الخداعه ، والواجب على المسلمين أن لا ينخدعوا بالأسماء وإنما ينظرون إلى المحتويات ، فإذا كان المحتوى خبيثاً فالكتاب أو المجلة من الخبائث ولو كانت أسمائهم أسماء حسنه أو مغرية ، فالواجب على شباب الأمة وعلى المسلمين وعلى العلماء خاصة أن يحاربوا هذه المجلات الخبيثة ، وهذه الإصدارات الخبيثة التي تخدع شباب المسلمين بأسمائها وتزييفها ، لأنها خطر على عقائد المسلمين وخطر على جماعة المسلمين تهدف إلى تفرقة الكلمة وإلى إثارة الفتنة وإلى ترويج الباطل فهي أسلحة فتاكة أنا عندي أن هذه المجلات الخبيثة وهذه الإصدارات الخبيثة أشد خطراً على الأمة من المخدرات التي ضج العالم من خطرها ، هذه الكتب الخبيثة وهذه المجلات الخبيثة وخصوصاً إذا تسمت باسم الإسلام وباسم السنة هذه أشد على الأمة من المخدرات ،وأشد على الأمة من الأسلحة الفتاكة ،بل أشد على الأمة من الأوبئة التي أزعجت العالم الأوبئة المرضية التي أزعجت العالم هذه الكتب الخبيثة وهذه المجلات الخبيثة أشد على الأمة من الأوبئة الخطيرة ، الواجب على المسلمين أن يحاربوها وإن يُحذروا منها وأن يردوا عليها بالحق وأن يسكتوها بالحق ،كما قال الله سبحانه وتعالى : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ(2/8)
زَاهِقٌ) (الأنبياء:18) ، وقال سبحانه وتعالى : (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) (الإسراء:81) ، والله أخبرنا أن المنافقين لهم ألسنة تُعجب من يسمعهم ، قال تعالى : ( وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ)(المنافقون: من الآية4) ، وهذا من الابتلاء والامتحان والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر رجال الفتنة في آخر الزمان وحذر منهم قيل له - صلى الله عليه وسلم - صِفْهُمْ لَنَا يا رسول الله ؟ فَقَالَ : " هُمْ قوماً مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا " فهذا ينطبق على هؤلاء المضَّللين في هذا العصر، إنهم ينتمون إلى المسلمين وإنهم يغارون على المسلمين وإنهم يريدون الخير للمسلين في حين إنهم يطعنون فيهم من الباطن ، الواجب الحذر من هؤلاء التحذير من هؤلاء ، وإقامة الحرب ضدهم، وإذا رأوا من المسلمين يقظة فإنهم بإذن الله سينهزمون ، لأن الحق لا يقوم في وجهه شيء والباطل لا يقاوم الحق مهما كان .
س6: يقول السائل : يوجد عند قبر البدوي صناديق وتبرعات تُوزع هذه التبرعات على الفقراء فما حكم من يقول أنا نذري لله ، أو أنا أنذر لله أن وفقت في هذا العمل مثلاً ؟ أن أضع المبلغ الفلاني في هذه الصناديق أو في صناديق البدوي ؟ وهل هذا من الشرك جزاكم الله خيرا ؟!(2/9)
ج: هذا العمل لا يجوز لأن هذا مما فيه تعظيم لهذا القبر لأن وضع النذور ولو كانت النذور لله إذا وضعت في صناديق القبور فهذا فيه تعظيمٌ للقبور من ناحية ، وفيه أيضا تغريرٌ بالعوام إذا راو النذور توضع في هذه الصناديق تعلقت قلوبهم بالقبر ، فهذا فيه دعاية لعبادة القبور وإن كان واضُعها يزعم أنه لا يعبد القبر وإنما يُعبد الله بوضعها ، النبي - صلى الله عليه وسلم - نهي عن الصلاة عند القبور وإن كان المصلي يصلي لله عز وجل ،ولكن هذا من باب سد الطرق المفضية إلى الشرك فوضع النذور وأن كانت لله في صناديق القبور هذا من وسائل الشرك التي نهى عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - فنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة عند القبور وعن الطواف بالقبور وأن كان المصلي والطائف لا يقصد إلا الله عز وجل ، الصلاة مشروعة ولكن الطواف هذا لا يشرع إلا عند الكعبة أما أن يُطاف بغير الكعبة فهذا ليس له أصل في شريعة الإسلام لكن الصلاة ، الصلاة يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " فكل الأرض صالحة للصلاة ما عدا الأمكنة التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة فيها ، ومن أعظمها الصلاة عند القبور لأن ذلك وسيلة إلى الشرك ، وكذلك الذبح عند القبور الذابح لا يقصد إلا الله عز وجل ويريد التقرب إلى الله لكن ذبحها عند القبر هذا وسيلة إلى عبادة القبر ، فكونه عبد الله عند قبرٍ يكون ذلك وسيلة إلى عبادة القبر ولو على المدى البعيد ، والإسلام جاء بسد الطرق المفضية إلى الشرك ، والوسائل المفضية إلى الشرك ، نهى عن البناء على القبور ونهي عن الصلاة عند القبور كل ذلك من أجل سد الطرق المفضية إلى الشرك .
**********************************(2/10)
س6: فضيلة الشيخ أحسن الله إليكم : نطلب منكم كلمة توجيهية ختامية لطلبة العلم بخصوص الأحزاب والجماعات المغرضة التي بدأت تظهر الدعوة إليها بين صفوف الشباب وجزاكم الله خيرا ؟
ج: هذه البلاد ولله الحمد كانت جماعة واحدة وأمة واحدة على الحق ، كانوا جماعة واحدة لا يُعرف فيهم انقسام ولم توجد فيهم أحزاب ولا انقسامات وأفكار متفرقة ، وإنما فكرهم واحد واتجاههم واحد عقيدتهم التوحيد وأخلاقهم على الإسلام ولله الحمد ،واتباعهم لمنهج السلف الصالح لجميع أمورهم ، حاكمهم ومحكومهم ، غنيهم وفقيرهم ، كبيرهم وصغيرهم ، ذكور هم وإناثهم كلهم جماعة واحدة ، من أقصى البلاد إلى أقصاها ، فهذه البلاد لا تسمح بقبول مناهج وافدة ، أو مذاهب وافدة أو أفكار وافدة ، لأنها ولله الحمد غنية بما عندها من الحق ، ومن الاجتماع على الكتاب والسنة مما لا يوجد له نظيرٌ في دول العالم اليوم هذه البلاد ولله الحمد هي أمثل دول العالم في الأمن والاستقرار في العقيدة في الأخلاق والسلوك في جميع الأمور وذلك ببركة أتباع الكتاب والسنة ثم ببركة دعوة الشيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ومناصريها من حكام هذه البلاد وفقهم الله .(2/11)
فلا يجوز لهذه البلاد أن تقبل أي فكرٍ وافد أو أي مذهب وافد أو أي منهج وافد لأن عندها ولله الحمد ما يغني عن ذلك ، ليس هذا من باب قبول رفض الحق لا ، بل لأن الحق موجود ولله الحمد فماذا يأتي به الوافد إلينا أن كان يريد الحق فليأخذ مما عندنا من الحق ولله الحمد ,وإن كان يريد التفرقة ويريد الهدم فنحن نقول لا ، نحن لا نسمح للأي مبدأ أو للأي مذهب أو للأي حزب أن يدخل بيننا لأن ذلك يفرق جماعتنا ويزيل نعمتنا ويردنا إلى ما كانت عليه هذه البلاد قبل هذه الدعوة من أمور الجاهلية والتفرق ، والله تعالى نهى عن التفرق قال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا )(آل عمران: من الآية103)، وقال تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران:105) وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)(الأنعام: من الآية159) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فأنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كبيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار "(2/12)
الله تعالى يقول : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )(الأنعام: من الآية153) ، ماذا يريد هؤلاء ؟ يريدون صلاح العقيدة هذا موجود عندنا ولله الحمد ، يريدون الحكم بما أنزل الله هذا موجود عندنا ولله الحمد يردون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا موجود عندنا ولله الحمد ، يريدون إقامة الحدود هذا موجود عندنا ولله الحمد ، أنا لا أقول أننا كاملون من كل وجهه ، أقول عندنا نقص ولكن هذا النقص يمكننا إصلاحه بإذن الله ، إذا أخلصنا لله عز وجل وتناصحنا فيما بيننا بالطريقة الشرعية كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الدين لنصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : " لله ورسوله وللأمة المسلمين." فبإمكاننا أن نصلح ما عندنا من الخلل والنقص وإن كان شيئاً يسيراً ولله الحمد ،وربما يكون كثيراً ولكن لا يخل بالعقيدة ولا يخل بالمنهج السليم ، نعم وجد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من يزني ووجد من يسرق ووجد من يقتل النفوس بغير حق ، ولكن تقام عليهم الحدود ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، كذلك في وقتنا هذا تقام الحدود ولله الحمد ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر وأن كان النقص موجود ، إما أن يقال لابد من تأسيس جديد ولابد من إقامة أمة جديدة فهذا من الباطل الذي يراد به إزالة هذه النعمة في البلاد .
****** ****** ******** ******** ********(2/13)
أيها الأخوة : أن طلب العلم كما علمتم وكما عرفتم مكانته وأهميته ولكن ! جاءت الأحاديث أنها في آخر الزمان يقل الفقهاء ويكثر القرأ ، وجاء في الحديث : " أن الله سبحانه وتعالى لا يقبض هذا العلم ......" ، هذا يحذرنا من القول على الله بغير علم ، وإنه لا يكفي للمفتي أن يكون قارئاً فقط بل لابد أن يكون فقيهاً وعالماً ، حتى إذا لما عالماً [وفيه فرق بين العالم والقارئ ] ، يقل الفقهاء ويكثر القرأ ، إذا لم يبقى عالم أتخذ الناس رؤوس جُهال سماهم جُهال مع أنهم قرا [ لأنه ما هو المقصود أن تقرأ في الكتاب الفلانِ وفتوى الشيخ فلان وكذا ، ما أظن هذا هو العلم ] ، العلم أن تتفقه أنت ، تتفقه يعني تفهم العلم ، الفقه معناه الفهم معناه أن تفهم حكم الله وحكم رسوله من كتاب الله ومن سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - هذا هو العلم الصحيح .
وقد ذكر الإمام ابن القيم أن قبض العلم أنواع : في مفتاح دار السعادة تكلم عن العلم بكلام طويل مفيد جداً وذكر أن قبض العلم أنواع : النوع الأول : قبض العلم من القلوب ، بمعنى إنها تذهب خشية الله عز وجل من قلوب العلماء ، ويبقى العلم على الألسنة فقط ، لأن العلم علمان : علم على اللسان ، وعلم في القلب ، وهو معرفة الله وخشية : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )(فاطر: من الآية28) .
أول ما ينزع من العلم العلم الذي في القلوب وهو علم الخشية لله سبحانه وتعالى ، وإن كان اللسان عالماً ، فعلم اللسان إنما يكون حجة على الإنسان ، إما العلم الذي ينفع فهو علم القلوب ، ينزع الخشوع في آخر الزمان أو يقل وهذا نزع للعلم .(2/14)
النوع الثاني : من نزع العلم / نزع العلم بموت العلماء : انقراض العلماء حتى يقل أو يفقد في بعض الأقطار ، الآن فيه بلاد كثيرة ما فيها علماء ، الآن فيه بلاد إسلامية كثيرة وفيها شباب متعطشون للإسلام ولكن ما عنهم علماء ، تعلمون هذا ، وهذا مصداق ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - ، من قلة العلماء وقبض العلماء ، وهذا مما يؤكد علينا أن تهتم بطلب العلم قبل أن يفوت وقبل أن يقبض ، ومادام العلماء موجودين قبل أن يقبضوا يجب على الشباب على كل من عنده الإمكان إن ينتهز فرصة وجودهم قبل أن ينقرضوا ، الآن العالم في الغالب ماله قيمة عند الناس ولا في البلدان إنسان عادي ، ما يطلب منه العلم ما يسأل ، يلح عليه بأن يعقد دروس وتعليم ، إذا سكتوا عنه وسكت ، وكلاً سكت على ما هو عليه هذا سبب في ضياع العلم ، فلابد من التحرك من علمائنا ولابد من ، حتى ولو أدى ذلك إلى السفر إليهم ، والسفر اليوم ولله الحمد سهل جداً وسائل النقل السريعة متوفرة فلقاء بالعلماء أين ما كانوا اليوم متوفر فعلينا أن ننتهز الفرصة . القبض الثاني /قبض العلم بموت العلماء ، وهو ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله : " ولكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يبقى عالماً أتخذ الناس رؤوس جهال فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " . والله هذا هو الواقع الآن رؤوس جهال يتكلمون بإحكام الشريعة ويوجهون الناس ويحضرون ويخطبون ولا عندهم من العلم شيء ، إنما عندهم تهريج وتهييج وقال فلان وقال فلان ، شغلوا الناس بالقيل والقال ، هذا مصداق ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أتخذ الناس رؤوس جهال " ومع الآسف يسمون هم العلماء ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فحين لو إنك تسأله في نازلة من النوازل أو حكم شرعي ما يستطيع أن يجاوب جواب صحيح ، لأنه يقول هذا ما هو العلم العلم هو الثقافة وفقه الواقع هو العلم ، فحرم العلم والعياذ بالله نسأل الله العافية .(2/15)
القبض الثالث : يقبض العلم برفع القرآن الكريم ، في آخر الزمان حينما ينقرض العلماء ويفقد العلم يرفع القرآن ، يسرى به من المصاحف ومن صدور الرجال ، يرفع في آخر الزمان ، وعند ذلك يخرب العالم لأنه لا يبقى العالم إلا بوجود العلم النبوي العلم الشرعي وبوجود العلماء ، فإذا فقد العلم وفقدوا العلماء ولم يبقى في الأرض لا علم ولا علماء حينئذ تخرب الدنيا وتقوم الساعة ، لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول الله الله ، إنما تقوم الساعة على شرار الناس ، : " أن من أشر الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يبنون المساجد على القبور " ، فهذا هو النذير الذي يحفزنا إلى طلب العلم مادام موجوداً ، الرسول - صلى الله عليه وسلم - يخبرنا بهذه الأمور ليس من باب الإطلاع فقط ، بل من باب الحث على أن نأخذ حذرنا وأن نبادر إلى استبقاء العلم وتشييع العلماء حتى يبقى الخير في الأرض ، نسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً للعلم النافع والعمل الصالح وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
****** ******* ********
س1: هل وسائل الدعوة إلى الله توقيفية أم اجتهادية بينوا لنا أثابكم الله ؟(2/16)
ج: الدعوة إلى الله توقيفية على ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، نمشى على خطوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذلك كما في قوله تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (يوسف:108) ، لأبد من أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة ومناهجها وخطواتها وكيف دعا الناس ومنهج جميع الرسل ، منهجهم واحد في الدعوة إلى الله ، أول ما يبدؤون في التوحيد وإصلاح العقيدة ، ثم تعليم الناس أحكام الشريعة ، هذه الدعوة ، أما أننا نأتي بطرق جديدة ، نقول هذه من طرق الدعوة هذا لا يصلح ، ولا يصلح أخر هذه الآمة ألا ما صلح أوله ، الذي أصلح أول هذه الأمة دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومنهج الرسول ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، إما أننا نأتي بالتمثيليات والأناشيد والبلاوي هذه ، نقول هذه من طرق الدعوة ، هذه من طرق الدعوة عند الغرب ، ليس من طرق الدعوة عند المسلمين .
****** ********* ********
س2: ما حكم المظاهرات ؟
ج: المظاهرات فوضى ، والإسلام ينهى عن الفوضى ، والمظاهرات فوضى والعياذ بالله .
******* ******** ******
س3: فإنني كأي شاب مسلم يسمع هذه الأيام كثيراً ما هو مدعاة للتشكيك بالدين وسبب من أسباب تحير الشباب وتوقفهم في كثير من الأحيان عن مجالسة الشباب الملتزم وذلك لما يسمعه عن الجماعات التي لا يعلمها كثير من الشباب سؤالي أسألكم بالله ما هي هذه الجماعات ؟وماذا يجب ؟وإلى أي جماعة يجب ينتمي الشاب المسلم ؟ وما حكم التحزب في الإسلام ؟ نرجو أفادتنا مشكورين ؟(2/17)
ج : هذا أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى ، قال : " فمن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي " وقال - صلى الله عليه وسلم - : " ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، قالوا من هي يا رسول الله ؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " ، فعليك بلزوم أهل السنة والجماعة ، وهذه البلاد ولله الحمد ولا نزكى على الله أحدا ، تسيير على منهج أهل السنة والجماعة ـ، منذ أكثر من مأتي سنة ، من ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، دعوة ناجحة تعاقب عليها قرون وقام عليها دولة إسلامية ، فهي دعوة ناجحة وجماعة ولله الحمد مستقيمة فكن معها والحمد لله .
******* ******* *******
س4: البعض يأخذ العلم من المبتدعة والبعض يقول أن أبا هريرة استفاد من الشيطان فما الحكم ؟(2/18)
ج : يعني يجلس على الشيطان ، يعن أبا هريرة جلس يدرس على الشيطان ، ما هذا الكذب والافتراء ، أبا هريرة إنما قصته مع الشيطان أن أبا هريرة كان يحرس تمر فجاء الشيطان وهو يحثوا التمر فيمسكه ثم يعده أنه ما يعود لها مرة ثانية ، في المرة الأخيرة لما أمسكه قال له ، كم مرة قلت أنك لن تعود فقال إلا أعلمك شيء ينفعك الله به وتطلقني ولا أعود ، فعلمه قرأءة آية الكرسي عند النوم ، لأن الذي سبب مجيئه والله أعلم إلى أبي هريرة أنه ما كان يقرأ آية الكرسي ولو قرأها ما أتاه الشيطان . فلما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صدق وهو كذوب ، آية الكرسي إذا قرأها الإنسان عند النوم فإنه لا يقربه شيطان حتى يصبح ، لا يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح ، فالشياطين قد تصدق الشياطين التي تنزل عل الكهان قد يأتون بالكلمة التي سمعوها من السماء فيكذب مع الكهان مائة كذبه ، من أجل إغواء الناس ، فالشيطان قد يصدق للفتنة ، وأما مع أبي هريرة فقد أخبره بأمر واقع وهو أن هذه الآية العظيمة فيها حفظ له من الشيطان وليس هذا من باب التعلم ، أبو هريرة لم يتعلم من الشيطان وإنما تعلم هذا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما قال له صدقك وهو كذوب أبو هريرة تعلم من الرسول فهو تلذي بين صدق هذا القول ، والشيطان ما قصد الصدق وليس هو بصادق ولا ناصح لبني آدم وإنما يريد التخلص من أبي هريرة لما أمسكه ، هذا يريد الافتداء وهو التخلص .
******* ****** ********
س5: هذا سائل يقول : إذا سلمت على شخص يخالفني في المنهج والمعتقد وتعاملت معه فهل معاملتي هذه تقدح في مسألة الولاء والبراء ؟(2/19)
ج: إذا كانت بدعته مكفرة فلا يجوز لك أن تسلم عليه ، أما إذا كانت بدعته مفسقة فلا بأس أن تسلم عليه لكن مع النصيحة له بأن يترك البدعة وهذا إذا لم تقصده ، إذا لقيته أو مر بك ، أما أن تذهب إليه وتجلس عنده وتزوره وهو مبتدع فهذا لا يجوز لأن هذا تشجيع له على الابتداع لكن لو مر بك بالطريق وبدعته ليست مكفرة فلا بأس أن تسلم عليه أو إذا بدأك بالسلام ترد عليه .والبدعة الكفرة مثل دعاء الموتى والاستغاثة بالأموات هذه بدعة مكفرة مثل بدعة الجهمية في قولهم أن القرآن مخلوق وليس كلام الله هذه بدعة مكفرة .
س6: من سب الصحابة هل يدخل من ضمن البدعة المكفرة ؟(2/20)
ج: هذه معصية كبيرة لا يخرج بها من الدين هذه ليست مكفرة ولكنها تعتبر كبيرة من كبائر الذنوب لأن مسبة المسلم العادي كبيرة فكيف بمسبة صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحكم مثل أحد ذهباً " هذا الجبل الذي ترونه أمامكم لو واحد أنفق مثل جبل أحد ذهب ما بلغ مد أحد الصحابة ولا نصيفه ، يعني الذهب الذي مثل جبل أحد ما يساوي المد الذي يتصدق به الصحابي لفضل الصحابة رضي الله عنهم ومكانتهم وسبقهم إلى الإسلام وصحبتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - محبتهم من الدين ولا يبغضهم إلا منافق بل أن الإمام مالك أستدل على كفره في قوله تعالى لما ذكر (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ......إلى أن قال ( لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) (الفتح:29) قال : فدل على أن الذي يغتاظ من صحابة الرسول أنه كافر ، إما كفر أكبر يخرج من الملة أو كفراً أصغر ، المهم أنه يكفر بهذا كفراً أصغر أو أكبر ذلك لأنهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما إذا أنضاف إلى سب الصحابة ، دعاء الموتى والاستغاثة بالأموات والسادة والأئمة والأولياء فهذا كفر صريح والعياذ بالله .
******* ******** ********* س7: يقول السائل : فضيلة الشيخ كثر في هذه الأيام الدعوة إلى الجماعات المختلفة جماعة تبليغ ، جماعة أخوان جماعات مختلفة فما نصيحتك لهؤلاء الأخوة ؟(2/21)
ج : النصيحة ما قاله الله وما قاله رسوله - صلى الله عليه وسلم - الله تعالى يقول : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران:103) ، وقال تعالى : (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (لأنفال:46) ، وقال سبحانه وتعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران:105) إلى غير ذلك ، التفرق بين المسلمين إلى جماعات أو إلى أحزاب هذا ممنوع ، المطلوب من المسلمين أن يكونوا على كلمة واحدة على كتاب الله وعلى سنة رسوله ، والمخطئ يتراجع عن خطأه ، ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(النساء: من الآية59) فنحن نعرض مناهجنا ونعرض مذاهبنا ونعرض أرأنا نعرضها على كتاب الله وسنة لرسوله وهدي السلف الصالح فما كان موافقاً لذلك أخذنا به وما كان مخالفاً له فإننا نرجع عنه والرجوع إلى الحق فضيلة ، أما إذا تمسك كلاً برأيه وكل جماعة برأيها فهنا يحصل الخسار ويحصل الدمار ويحصل الشتات وحينئذ يفرح أعداء هذه الأمة في إنها تفرقت بعد وحدتها واجتماعها وضعفت بعد قوتها لا يمكن أن هذه الأمة تقوم بوجه الأمم الكافرة إلا إذا توحدت على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ورجع المخطئ إلى صوابه كما قال تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (الأنعام:153) فما كان مخالفاً للسنة وإن كان مذهب فلان أو منهج الجماعة الفلانية خطأ ، يجب الرجوع عنه وما كان من صواب فذلك هو المطلوب والحمد لله .
******* ********* ********(2/22)
س8: يقول السائل : من هي الفرقة الناجية المنصورة في هذا العصر وماهي صفاتها وسماتها ؟
ج : الفرقة الناجية المنصورة في هذا العصر أو في غيرها إلى قيام الساعة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة " ،هنا سئلوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - من هي هذه الواحة الناجية ؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " ، هذه هي الجماعة الناجية ، قال سبحانه وتعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100) أتباع المهاجرين والأنصار هذا سبب للهداية ولرضوان الله ولدخول الجنة ، قال تعالى لما ذكر المهاجرين والأنصار في سورة الحشر قال : (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10)
من صفات هذه الفرقة :
أولاً : أنها تتمسك على ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ،
ثانياً : تصبر على الحق ولا تلتفت إلى أقوال المخالفين ولا تأخذها بالله لومه للأم .(2/23)
أسباب نجاة الأمة (1)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد،
فإن الله سبحانه وتعالى حكمته أجرى الامتحان والابتلاء على بني آدم من أول الخلق إلى أخره أولهم أبوهم أدم عليه السلام وما جرى له من المحنة والابتلاء مع عدوه إبليس الذي حسده وتكبر عليه ماذا حصل لآدم عليه السلام وزوجه حواء عليها السلام ثم إن الله سبحانه وتعالى وفق الأبوين للتوبة والرجوع على الله عزّ وجل فال ربنا ظلمنا نفسنا وإن لم تغفر لنا فارحمنا لنكونن من الخاسرين تاب الله عليهما تلقى آدم من ربه كلمات وتاب عليه إنه هو التواب الرحيم لكن بعد الابتلاء والامتحان وكذلك توالت المحن على بني آدم عبر القرون بين الرسل وأتباعهم وبين أعدائهم من الكفار والمنافقين شياطين الإنس والجن وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفا بربك هادياً ونصيراً ولكن الرسل وأتباعهم من المؤمنين ثبتوا على الحق فأنجاهم الله سبحانه وتعالى ثم ننجي رسلنا والذين امنوا كذلك حق علينا ننجي المؤمنين ننجي رسلنا والذين امنوا غير الرسل لا ينجوا إلا بالإيمان ثم أكد ذلك بقوله تعالى وكذلك ننجي المؤمنين قال تعالى :
__________
(1) - محاضرة بثت في قناة المجد بتاريخ 27 /11/2004(3/1)
وكان حقاً علينا نصر المؤمنين بهذا الوصف وصف الإيمان فإذا تمسك المؤمنون بإيمانهم وثبتوا على دينهم نجاهم الله سبحانه وتعالى من الفتن وجعل العاقبة لهم على مدار الأزمان إلى أن تقوم الساعة والدنيا دول والحق منصور وممتحن فلا تعجب فهذه سنة الرحمن وهذه حكمة الله جلّ وعلا من أجل أن يتميز أهل الإيمان من أهل النفاق وحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم وليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم يا أيها الذين امنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم فلا نعجب في هذه الأيام من تطاول الكفار والمنافقين على أهل الإيمان وعلى أهل الإسلام لا نعجب هذه سنة الله جلّ وعلا في خلقه ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون لا نعجب إذا حصل للمسلمين في هذا الزمان من أعداء الله من الكفار اختلال في توجهاتهم ومحنهم ومن المنافقين والذين في قلوبهم مرض من الذين يدعون الإسلام أن حصل على المسلمين ما ترونه وتسمعونه من الابتلاء والامتحان ولكن لابد من الصبر ولابد من الاحتساب والعاقبة للمتقين لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذاً كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور وفي آية أخرى وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيء إن الله بما يعملون محيط بهذا الشرط صبر والثبات وعدم التنازل عن شيء من الدين لأجل إرضاء الكفار والمنافقين مهما كلف الأمر ومهما بلغ الثمن لابد من الثبات ولابد من الصبر كما قال جلّ وعلا وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون.(3/2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عند هذه الآية بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين بالصبر واليقين لما صبروا وكانوا بآياتنا يقيمون بالصبر واليقين تنال الإمامة والدين أما بدون صبر بدون يقين فإن الإمامة صعب منالها ونبينا صلى الله عليه وسلم في أخر حياته وعظ الناس كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وزرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإن من يعش منكم فسيرى اختلاف كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم بمحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الوصية أوصانا بتقوى الله وهي كلمة جامعة تجمع خصال الخير كلها والتقوى معناها أن تجعل بينك وبين من تخاف وقاية تقيك منه وقاية تقيك من المحذور فاجعلوا بينك وبين الرمضا وقاية تقي رجلك وبينها و بين الشوك وقاية تجعل بينك وبين السلاح وقاية تقيك منه تجعل بينك وبين الحر والبرد وقاية تقيك منه هذا في الأمور المحسوسة وكذلك تجعل بينك وبين غضب الله وعقابه وبين النار وقاية لتقوى الله جلّ وعلا بفعل أوامره وترك نواهيه لا يقيك من عذاب الله ومن غضب الله ومن النار لا تقيك الدروع والحصون والجنود والثياب وإنما يقيك تقوى الله سبحانه وتعالى بفعل أوامره وترك نواهيه ثم قال و السمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد من أسباب النجاة أن الأمة تطيع وتسمع لولي أمرها حتى يكون لها جماعة يكون لها دولة يكون لها قوة يكون لها جنة تتقي بها الأعداء الجماعة والاجتماع بين المسلمين واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ولا تتم الجماعة إلا بقيادة إلا بإمامة ولا تتم الإمامة والقيادة إلا بسمع وطاعة لولي الأمر ما لم يأمر بمعصية الله وإن تأمر(3/3)
عليكم عبد مهما كان هذا الأمير حتى ولو كان ليس له نسب عربي ونسب قبلي ولو كان عبداً مملوكاً أو معتقاً أو ليس له نسب عربي العبرة ليست هي بالنسب العبرة بالمنصب فولي الأمر يطاع ولي أمر المسلمين يطاع مهما كان لأن هذا من مصلحة المسلمين من جمع الكلمة السمع والطاعة السمع لولي الأمر والطاعة لولي الأمر إلا ما استثناه الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله صلى الله عليه وسلم :
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فهو لا يطاع في المعصية وإنما يطاع في ما عدى المعصية ليس معنى أنه إذا أمر بمعصية إننا نخرج عليه ونشق العصا لا لا نطيعه في تلك المعصية ولكن نطيعه في الأمور الأخرى التي ليس فيها معصية ثم بينت صلى الله عليه وسلم بين صلى الله عليه وسلم ما يكون في المستقبل وأن الأمة بحاجة إلى هذه الوصية وهي السمع والطاعة لولي الأمر فقال فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين هذا سبب أخر من أسباب النجاة السبب الأول السمع والطاعة لولي الأمر ولأمر المسلمين السبب الثاني التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم تمسك في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وقال اختلافاً كثيراً وليس اختلافاً يسيراً وإنما كثير وكثير ولا ينجي الأمة من هذا الخلاف إلا التمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه خلفائه الراشدون بل وما كان عليه المهاجرون والأنصار والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار هذا هو السبب الثاني التمسك لما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولما أخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيحصل اختلاف وافتراق قال افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة افترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستختلف هذه الأمة على ثلاثاً وسبعين(3/4)
فرقة أكثر من الأمم السابقة ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قلنا من هي يا رسول الله قال:
من كان على ما أنا عليه وأصحابي ما أنا عليه وأصحابي فلا ينجي من فتنة الاختلاف في كل وقت ولا سيما في أخر الزمان لا ينجي إلا التمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وما كان عليه صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه هذا هو الذي ينجي من النار ولذلك سمت فرقة أهل السنة والجماعة سميت الفرقة الناجية من أي شيء من الفتن والناجية من النار يوم القيامة هي الناجية وما عداها فإنه لا ينجوا كلها في النار إلا واحدة كلها في النار لمخالفتها وافتراقها إلا من ثبت إلا من ثبت على الحق ولا يحصل الثبات على الحق وعلى سنة الرسول الصحابة إلا بالعلم النافع كيف تثبت على شيء وأنت تجهله لا بد نتعلم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه هو وأصحابه حتى نثبت عليه ونتمسك به وقال حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني شوف كنت أسأله عن الشر مخالفة أن يدركني يطلب من الرسول أن يبين له ما يحصل من الشر في المستقبل حتى يكون على علم منه وحتى يسلم منه وهذا لا يحصل عفواً يحصل إلا بالعلم أسأله تعلم هذا أسأله عن الشر مخالفة أن يدركني فلما بين له صلى الله عليه وسلم ما يحصل بعده من الاختلافات المتكررة قال له حذيفة ما تأمرني يا رسول الله إن أدركني ذلك قال أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ولا تذهب مع الفرق تطير مع الفرق الطائشة بل عليك بالثبات عليك بالتأني عليك بالفقه في دين الله عليك بالنظر إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فتأخذ به عليك بالسمع والطاعة لولي أمر المسلمين وتكون مع جماعة المسلمين قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت يا رسول(3/5)
الله فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام فاعتزل تلك الفرق كلها اعتزل كل الفرق كلها ما دام ليس لهم جماعة ولا إمام ثابتون على كتاب الله وسنة رسوله فاعتزلها كلها لأن كلها على ضلال ولا تكن معها ولو أن تغض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت حتى يأتيك الموت أما ما دام يوجد للمسلمين جماعة وإمام فلا تنفرد كن مع المسلمين مع جماعة المسلمين حتى تنجوا وتسلم كذلك من أسباب النجاة التمسك بعقيدة التوحيد وإفراد الله جل وعلا بالعبادة وتجنب الشرك تجنب الشرك الأكبر والأصغر هذا هو أصل العقيدة وهذا هو أصل النجاة من النار لن تمسك به قال تعالى :(3/6)
الذين أمنوا ولم يلمسوا إيمانهم بظلم أولائك لهم الأمن وهم مهتدون أمنوا الإيمان هو التوحيد لعبادة الله وترك عبادة ما سواه ولم يلبسوا إيمانهم أي توحيدهم بظلم أي بشرك لأن الشرك إذا خالط التوحيد أفسده لا يستقيم التوحيد مع وجود الشرك أبداً ضدان لا يجتمعان لا يجتمع توحيد وشرك أكبر أما شرك أصغر يمكن لكن توحيد وشرك أكبر لا يمكن أن يجتمع أبداً ولم يخلطوا إيمانهم توحيدهم بشيء بظلم بشرك كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم لما أشكلت هذه الآية على الصحابة وقالوا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه قال إنه ليس بالذي تعنون إنه الشرك أما سمعتم قول العبد الصالح إن الشرك لظلم عظيم يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم فالمراد في الظلم في هذه الآية الشرك فمن سلم من الشرك حصل له الأمان في الآخرة والدينا وحصلت له الهدايا بأن يكون على الحق قال سبحانه وتعالى وعد الله الذين أمنوا منكم وعلموا الصالحات أمنوا شوف أمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ولا يمكن لهم يدنهم الذي أرتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا بهذا الشرط لا تحصل هذه المطالب العظيمة إلا بهذا الشرط يعبدونني ولا يشركون بي شيئا فإذا حصل هذا الشرط وهو عبادة الله وترك عبادة ما سواه حصلوا على هذه الوعود الكريمة من الله سبحانه وتعالى يستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم يبدلنهم من بعد خوفهم أمنا مقاصد عظيمة التحصل إلا بالتوحيد وهو عبادة الله جل وعلا وترك عبادة ما سوا هذا هو التوحيد إفراد الله جل وعلا بالعبادة وكذلك تجنب البدع لأن البدع بريد التوحيد بريد الشرك البدع بريد الشرك توصي إلى الشرك ولهذا قال صلى الله عليه وسلم وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وفي رواية وكل بدعة وكل ضلالة في النار فكما نتجنب الشرك نتجنب البدع وتجنب الشرك(3/7)
هو معنى لا آله إلا الله لا آله إلا الله معناها إفراد الله جل وعلا بالعبادة وترك عبادة ما سوا هذا هو معنى لا آله إلا الله ومعنى محمد رسول الله ترك البدع لأن الرسول هو الذي جاءنا ببيان الحق والدين فنحن نعبد الله على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم ما ترك لنا شيء فيه خير إلا بينه لنا ما ترك شيئاً فيه شر إلا بينه لنا عليه الصلاة والسلام .
فهذا من أعظم أسباب نجاة الأمة تمسكها بالعقيدة تمسكها بالتوحيد تجنبها للشرك تجنبها للبدع والمحدثات هذه أسباب بل هو الأصل أصل الأسباب هو التوحيد وتجنب الشرك وتجنب البدع والمحدثات في الدين وكذلك من أسباب النجاة نجاة الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأمر المعروف والنهي عن المنكر هو أعظم أسباب نجاة الأمة فمادام الأمر بالمعروف لا يعني المنكر موجودين فإن الأمة تنجوا وإذا تركت الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هلكت كما ذكر الله لنا في قصة بني إسرائيل لما اعتدوا في السبت لما اعتدوا في السبت ونهاهم الصلحاء عن عدوانهم فلم يمتثلوا وسكت من جماعة من الصلحاء لم ينهوهم بل قالوا لما تعظون قوم الله مهلكهم أو معذبهم عذاباًَ شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون قال الله جل وعلا قال الله سبحانه وتعالى فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين قال سبحانه وتعالى وأسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذا يعدون في السبت اعتدوا في أي شيء في السبت يوم السبت على صيد الحيتان فقد نهاهم الله تعالى عنه لكن احتالوا عليه بوضع الشباك التي تمسكه لهم إلى يوم الأحد ثم يأخذونه يوم الأحد ويظنون أنهم ما اعتدوا عملوا حيلة على حرمات الله فقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين وأسألهم عن القرية التي كانت حاصرة في البحر إذا يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرع هذا من الابتلاء يوم السبت تكثر الحيتان يشوفنه فتغريهم في الصيد إبلاء(3/8)
وامتحان ويوم لا يثبتون لا تأتيهم إبلاء وامتحان كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون وإذ قالت أمة منهم لما تعظون قوماًُ الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به ما قبلوا النصيحة نسوا ما ذكروا به لما يقبلوا النصيحة فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلم ينج إلا الذين أنكروا المنكر فلا نجاة لهذه الأمة إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكما مثل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر والذين لا يأمرون ولا ينهون شبههم صلى الله عليه وسلم بقوم استهموا على سفينة استهموا يعني اقترعوا عملوا القرعة أيهم يكون في أعلى السفينة وأيهم يكون في أسفلها استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها فقال الذين في أسفل السفينة لو خرقنا في نصيبنا خرقاً نأخذ منه الماء ولا نؤذي من فوقنا سفاها يعني يخرقون السفينة وهي في عباب البحر لو خرقنا في جانبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ما هم راجعين لأهل العلم وأهل الفضل وأهل التقى بل يبون يمسون على رأيهم وهذا مثل من وقع في المنكر قال صلى الله عليه وسلم مثل القائم على حدود الله وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر مثل القائم على حدود الله والواقع فيها وهم الذين يعملون المنكرات كمثل قوم استهموا أي اقترعوا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها هذا هو الطيب هو الزين وأصاب بعضهم أسفلها وكان الذين في الأسفل إذا أرادوا الماء يصعدون ويأخذون الماء من فوق فقالوا ما هو لازم نرجع ونؤذي من فوقنا نخرق في نصيبنا حرقاً ونأخذ الماء من عندهم فلما خرقوه يعني لو خرقوه لخرقت السفينة بالجميع فإذا أخذ الذين في أعلى السفينة على يد الذين في أسفلها ومنعوهم من الخرق نجوا جميعاً ولو تركوهم يخرقون لهلكوا جميعاً كذلك هذا مثال(3/9)
واضح أن أهل المعاصي وأهل الفجور وأهل الشهوات لو تركوا لأهلكوا الأمة فلا بد أن أهل الحلم وأهل الرأي وأهل الدين لا بد أن يأخذوا على أيديهم حتى ينجوا المجتمع كله من عذاب الله فإن تركوهم في المعاصي والمخالفات والشهوات هلك الجميع الصالح والطالح واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وأعلموا أن الله شديد العقاب العقوبة إذا نزلت على العصاة فإنها تأخذ الصالح والطالح إلا من أنكر فإنه ينجوا وأما لم ينكر فإنه يهلك ولو كان صالحاً يهلك مع الهالكين كما سمعتم في قصة أصحاب السبت الذين سكتوا ما ذكر الله عنهم شيء إنما ذكر الذين ينهون عن السوء أنجينا الذين ينهون عن السوء أما الفريق الثاني الذي قالوا لماذا تنصحون أتركوهم الله جل وعلا سكت عنهم فلا يدرى هل هم من الناجين ولى مع الهالكين والظاهر أنهم مع الهالكين ولما قرأ رسول الله صلى الله علبيه وسلم قوله تعالى :(3/10)
لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون سبب اللعنة أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه فلعنهم الله جميعاً قال صلى الله عليه وسلم كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقصرنه على الحق قصراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم كثير من الناس يلقون بالمسؤولية على غيرهم الأمر بالمعروف يقولون الشرع على فلان فلان هو اللي الهيئة فلان نعم الهيئة عليها هيئة الأمر بالمعروف والنهي على المنكر عليها واجب عظيم وهذا عملها لكن أيضاً أنت عليك مسؤولية كل مسلم عليه مسؤولية من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقله وذلك أضعف الإيمان أما أن تقول أن هذا ما هو بعلي هذا على الهيئة فقط وتدلس تكون مع الناس ولا تنكر ولا تنهى ولا تنصح ولا تدعو إلى الله ولا تعظ ولا تذكر هذا هلاك من لم يستطع فبلسانه من لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ثم أنت عليك واجب أيضاً عليك أهل بيتك يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة الهيئة ما تدري عن الذي في بيتك ولي الأمر ما يدري عن الذي في بيتك أنت المسؤول عن الذين في بيتك من النساء والضيوف أنت المسؤول لأن الناس ما يدرون عن الذين في بيتك فأنت المسؤول قد قال صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الأمير راع ومسؤول عن رعيته وصاحب البيت راع ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشترك لا يعفى عنه مسلم لكنه بحسب الاستطاعة من رأى منكم منكراً فليغيره بيده صاحب البيت يغير باليد له اليد على أهل بيته له اليد على أهل بيته الله(3/11)
أعطاك اليد على أهل بيتك تغير بيدك تخرج المنكر من بيتك تضرب تؤدب في بيتك ولا أحد يعترض عليك لأنك راع على أهل بيتك تقول لا هذا على الهيئات تخلي بيتك يخرب وتقول هذا على الهيئات هذا غلط عظيم فعلى المسلمين أن يقوم كل منهم بما ولاه الله فراعي البيت مسؤول عن أهل بيته مدير المدرسة مسؤول عن مدرسته وما فيها من أسرة التدريس والطلاب مسؤول عنهم مدير الإدارة مسؤول عن الموظفين الذين يتبعون كل واحد عليه مسؤولية يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة أما أنه كل يسكت ويدلس ويقول الشرع على فلان لا يا أخي فلان نعم عليه مسؤولية لكن أنت عليك مسؤولية فلا بد من هذا الأمر هذا هو سبيل النجاة للأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن يقوم كل واحد من المسلمين بما يستطيع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتركه وهو يستطيع أبداً حتى ولو في قلبه ما أحد يعجز أن ينكر المنكر بقلبه أبداً يعني يكره المنكر ويبتعد عنه ويبتعد عن أهله ما أحد يعجز هذا نعم يعجز عن اليد يعجز عن اللسان لكن القلب ما أحد يعجز عن إنكار المنكر بقلبه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل فالذي لا ينكر المنكر بقلبه ليس بمؤمن ليس في قلبه ولا حبة خردل من الإيمان إذا رضي بالمنكر ولم ينه عنه ولكم يكرهه في قلبه فليس فيه إيمان ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل فهذه أسباب مجملة أسباب النجاة نجاة الأمة أولاً السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف ثانياً التمسك بالكتاب والسنة واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتغرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ثالثاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل بحسب استطاعته ومقدرته وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان كذلك من أسباب نجاة الأمة أيضاً التآخي والمحبة بين المسلمين المسلم للمسلم(3/12)
كالجسد الواحد المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى تناصح بين المسلمين الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال :
لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم المحبة بين المسلمين قال صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم الإصلاح بين المسلمين لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون وكذلك من أسباب نجاة الأمة زوال البغضاء بينها وزوال السخرية بعضهم من بعض يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم هذه أسباب النجاة أن يكون المجتمع نزيهاً متحاباً في ما بينه لا يغش المسلم لا يغش أخاه في المعاملة ولا يخدعه في البيع ولا يخطب على خطبته ولا يبع على بيعه ولا يشتري على شرائه يحترم أخاه المسلم أخو المسلم لا يحقره ولا يخذله بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه هكذا هذه أسباب النجاة .(3/13)
دعوة التوحيد وسهام المغرضين (1)
الحمد لله ...
العنوان كما سمعتم دعوة التوحيد وسهام المغرضين والتوحيد هو إفراد الله جل وعلا بالعبادة بأن يجعل المعبود واحداً هذا هو التوحيد وحد توحيداً أي جعل المعبود واحداً وهذا هو الذي خلق الله الخلق من أجله فالحكمة من خلقه سبحانه للخلق للجن والإنس ليأمرهم بعبادته إلا ليعبدون أي إلا لأمرهم بعبادتي ومصلحة ذلك راجعة إليهم فإنهم إذا عبدوا الله وحده فإن ذلك ينجيهم من عذاب الله ويدخلهم الجنة ويدر عليهم الخير في الدنيا والآخرة فمصلحة العبادة ليست راجعة إلى الله لأن الله غني عنهم وعن عبادتهم لو كفروا جميعاً ما نقصوا من ملكه شيئاً ولو أطاعوا جميعاً ما زادوا في ملكه شيئاً وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد وقال الله جل وعلى في الحديث القدسي يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وجنكم وأنسكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً ولو أن أولكم وأخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً فإن الله جل وعلا غني عنا وعن عبادتنا وإنما نحن المحتاجون إلى عبادة الله لتقربنا إليه ولأجل أن تصلنا بربنا عز وجل وتعرفنا به فنحصل على سعادة الدنيا والآخرة فالله جل وعلا أمرنا بعبادته لمصلحتنا ولدفع المضرة عنا هذه هي الحكمة من أمره بعبادته سبحانه وتعالى وضد التوحيد الشرك بالله عز وجل والشرك هو عبادة غير الله مع الله أن يجعل شيء من أنواع العبادة لغير الله جل وعلا كالذبح والنذر والدعاء والاستغاثة والخوف والخشية والرغبة والرجاء وغير ذلك فإذا جعل شيء من أنواع العبادة لغير الله فهذا هو الشرك لأنك جعلت لله شريكاً في عبادته وأول ما حدث الشرك في الأرض في قوم نوح حينما غلو في الصالحين كانوا في الأول على التوحيد من عهد آدم عليه السلام إلى قوم نوح كانوا على التوحيد
__________
(1) - محاضرة بثت في قناة المجد بتاريخ 13 /08/2005(4/1)
وكان فيهم رجال صالحون علماء عباد علماء صالحون يحبونهم حباً شديداً فماتوا في عام واحد مات هؤلاء الصالحون في عام واحد فحزن عليهم قومهم فجاء الشيطان إليهم وقال لهم صوروا صورهم وانصبوها على مجالسهم من أجل أن تتذكروا العبادة إذا رأيتم صورهم تذكرتم العبادة جاءهم من طريق النصيحة والتشجيع على الخير ولم ينظروا إلى العواقب ولم يفطنوا لكيد عدوهم فأطاعوه لأن هذا أمر ظاهره أنه خير يصورون صورهم وينصبونها على المجالس ويناظرونهم ويتذكرون أحوالهم وينشطون على العبادة فعلوا ذلك ولم يحدث شرك في أول نصب هذه الصور لأن فيهم العلماء ولم يتجاسر الشيطان على أن يقول لهم إن هذه الصور تنفع وتضر لأن العلماء ينكرون هذا فلما مضت مدة مات العلماء في قوم نوح ماتوا لم يبقى منهم علماء نسخ العلم ولم يبقى إلا جهلة فجاء الشيطان إليهم وقال إن أبائكم ما نصبوا هذه الصور إلا ليعبدوها وبها كانوا يسقون المطر فدخل ذلك في عقولهم لجهلهم ولم يكن هناك من العلماء من يرد هذه الشبهة وهذا الكيد فهذا أول سهام المغرضين على التوحيد فعبدوهم من دون الله عبدوا هذه الصور فبعث الله نوحاً عليه الصلاة والسلام فيهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة هذه الأصنام ليردهم إلى الأصل الذي خلقوا من أجله وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده أنه لا يتركهم بأيدي عدوهم بل يرسل إليهم من ينبههم وينقض الشبهات التي تروج بينهم هذا من رحمة الله جل وعلا بعباده أنه يرسل الرسل وينزل الكتب لبيان الطريق الصحيح الموصل إلى الله جل وعلا والذي يبين الشرك وطرقه ووسائله فلم يترك عباده هملاً ولم يتركهم للشيطان فأرسل الله نوحاً عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى الله عز وجل ويريد ردهم إلى الأصل الذي هو التوحيد الذي خلقوا من أجله ولبس فيهم كما قال الله جل وعلا ألف سنة إلا خمسين عاماً ألف سنة إلا خمسين عاماً شوف الشر إذا دخل في القلوب صعب إخراجه الشبه إذا تغلغلت صعب مقاومتها(4/2)
ألف سنة إلا خمسين عاماً ونبي الله ورسوله عليه الصلاة والسلام يعاني من هذه المشكلة ويعالجها ويدعو إلى الله عز وجل كما ذكر الله ذلك في كتابه ومن ذلك سورة نوح سورة كاملة في قصة نوح مع قومه ) بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( نوح ( الآية 1-2-3-4) .
هكذا يدعوهم إلى الله بالحجج والبراهين وبالملاطفة واللين والموعظة لعلهم يستجيبون ثم إنهم زادوا شراً ) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ( نوح ( الآية 5 – 6 ) شوف الدعوة إلى الله عز وجل ) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( نوح ( آية 13 ) يعني ما لكم لا تعظمون الله عز وجل وتوحدونه لأن الشرك تنقص لله عز وجل حيث سويتم به من لا يساويه عبدتم معه من خلقه من هم مثلكم بل أنتم أحيا وهم أموات أنتم تمشون وتكتسبون وهم أموات أموات في القبور .(4/3)
) مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ( نوح ( الآية 13حتى 19 ) ذكرهم بآيات الله الكونية ونعمه الظاهرة والباطنة أما هؤلاء الأموات ماذا قدموا لكم خلقوا السماوات خلقوا الأرض أدروا عليكم الأرزاق أنزلوا عليكم المطر لأي شيء تتعلقون بهم والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم ) لتسلكوا منها سبلاَ فجاجة ( نوح (آية: 20 ) ما أجدى فيهم هذا كله المشركون الذين يعبدون الأصنام ما كانوا يعتقدون أنها تخلق أو ترزق أو تحي أو تميت لأن هم يعلمون أنها لا تقدر على ذلك وأن هذا لا يقدر عليه إلا الله ولأن سألتهم من خلق السموات والأرض يقولون أن الله لأن سألتهم من خلقهم يقولون الله قل من يرزقكم من السماء والأرض أما يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فهم يعترفون بتوحيد الربوبية وأنه لا يقدر على هذه الأمور إلا الله وأن أصنامهم لا تقدر على شيء من ذلك إذاَ لماذا عبدتموها لماذا عبدتموها قالوا شفعائنا عند الله ما عبدناهم أنهم يخلقون ويرزقون أو يدبرون لكن شفعائنا عند الله وسطاء يقولون وسطاء يتوسطون لنا عند الله الله أغلق بابه عن الدعاء وأغلق بابه عن عباده حتى يحتاج إلى وسطاء الله قد فتح بابه للسائلين ويجيب دعوة الداعي إذا دعاه يجيب المضطر ويعطي السائل ينزل كل لليلة إلى سماء الدنيا فيقول هل من سائل فأعطيه هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له هذا يحتاج إلى أنك تأخذ بينكم وبينه واسطة أن أنك تمد يديك إليه سبحانه وتعالى بلقب حاضر وتطلب منه ما تشاء تطلب(4/4)
منه الدنيا والآخرة لأنه غني كريم سبحانه وتعالى ما هو بحاجة إلى أن تجعل بينك وبينه واسطة هذا ملوك الدنيا فهو قاسوا الله على ملوك الدنيا ملوك الدنيا ما توصلوا إليهم إلا بواسطة وبشفعاء أما الله جل وعلا فإنه سميع مجيب قريب لمن دعاه ليلاَ ونهاراَ بابه مفتوح يسمع ويرى سبحانه وتعالى فليس بحاجة إلى أن تجعل بينك وبينه شفيع ويعبدون من دون الله من لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعائنا عند الله اشفعوا لنا عند الله والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا طيب لما ذا لا تتقرب أنت إلى الله لماذا لا تتقرب أنت إلى الله زلفا هل الله بعيد عنك لا يسمعك ولا يراك هل الله بخيل ما يعطيك إذا طلبت منه لماذا يقربون إلى الله الله أغلق بابه عنك فهذا من شبهات الشيطان التي يلقيها في قلوب هؤلاء وإذا تمكنت الشبهة من القلب صعب اقتلاعها في زماننا هذا مثل عباد القبور اليوم مثل مشركي الجاهلية سواء بسواء إلا أن مشرك الجاهلية أحذق وأذكى منهم لأن الرسول لما قال لهم قولوا لا إله إلا الله قالوا أجعل الآلهة إله واحدا إن هذا لشيء عجب فأبوا وانطلق الملأ منهم أمشوا واصبروا على ألهتكم إن هذا لشيء يراد فهم علموا معنى لا إله إلا الله أن معناه أن تترك عبادة غير الله وأن يفرد الله للعبادة وهم لا يريدون ذلك لا يريدون أن يفردوا الله بالعبادة بل يريدون أن يعبدوا معه غيره ممن يزعمون أنهم شفعاء وأنهم يقربونهم إلى الله زلفا أما عباد القبور اليوم ففيهم غباوة يقولون لا إله إلا الله المشركون أبوا أن يقولونها لأن لا يتناقضوا يقولون لا إله إلا الله ويدعون غيره هذا تناقض وهم لا يريدون أن يتناقضوا فصمدوا على الشرك خشية التناقض أما البلهاء والمغفلون في هذا الزمان فيعبدون الأموات والأضرحة ويقولون لا إله إلا الله لا إله إلا الله هو هو لا إله إلا الله ويذكرون الله بأنواع من الذكر والليل والنهار أذكار عظيمة(4/5)
ويقولون يا علي يا حسين يا عبد القادر يا نقش بندي يا فلان أغثني أعطني وهم يقولون لا إله إلا الله هذا تناقض كيف تقول لا إله إلا الله وتدعو غير الله تذبح لغير الله تنذر لغير الله هذا تناقض المشركون أبوا أن يقولوا لا إله إلا الله خشية التناقض وهؤلاء ما ألفوا من التناقض يقولون لا إله إلا الله بكثرة ولكن يشركون بكثرة والعياذ بالله ولهذا يقول شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله لما ذكر هذه المسألة قال لا خير في رجل كفار قريش أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله فكفار قريش عرفوا معنى لا إله إلا الله وأبوا أن يلتزموا وهؤلاء ما عرفوا معنى لا إله إلا الله قالوها ولم يعرفوا معناه ولذلك يدعون غير الله ويذبحون لغير الله ولا يسمون هذا بالشرك يسمونه بالتوسل توسل يقولون هذا توسل أيش التوسل قولوا نعم الله جل وعلا يقولوا ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون ( المائدة (آية:35) أولائك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة الوسيلة ما هي قالوا نعم الوسيلة الواسطة نجعل بيننا وبين الله واسطة هذه الوسيلة فسروها بغير تفسيرها وبغير مراد الله سبحانه وتعالى منها فسروا بأن الوسيلة معناه الواسطة وهذا لم يقل به أحد من المفسرين لم يقل به أحد من المفسرين أبداَ الوسيلة عند المفسرين هي ما يقرب إلى الله الوسيلة عند المفسرين هي ما يقرب إلى الله والذي يقرب إلى الله ما هو التوحيد والعمل الصالح هذا الذي يقرب إلى الله سبحانه وتعالى هذه الوسيلة الصحيحة عبادة الله وحده لا شريك له(4/6)
هي الوسيلة والتوسل إلى الشيء هو ما يوصل إليه والحبل يسمى وسيلة لأنه يستنبط به الماء إلى البئر فهو الوسيلة فالوسيلة ما يقرب إلى الله جل وعلا الذي يقرب إلى الله الشرك أو التوحيد الذي يقرب إلى الله جل وعلا هو التوحيد وعبادته وحده لا شريك له فمعنى { ابتغوا إليه الوسيلة } المائدة (آية:35) أي تقربوا إليه بالعبادة تقربوا إليه بالعبادة أولائك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أي التقرب إليه سبحانه وتعالى بالعبادة هذا معنى الوسيلة وليس معنى الوسيلة ما فسر به القبوريون أنه جعل الواسطة بينك وبين الله والتوسل ذكر العلماء أنه أنواع على قسمين التوسل على قسمين توسل مشروع توسل ممنوع تتوسل إليه بالأعمال الصالحة تتوسل إلى الله جلا وعلا بالأعمال الصالحة التي تقربك إليه والله جلّ وعلا يقول { ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين } يونس (آية:103) المؤمنين فينجيهم الله بإيمانهم وعبادتهم وطاعتهم لله عزّ وجل { فلولا أنّه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } الصافات (آية:143) هذا في قصة يونس عليه السلام لما ابتلعه الحوت وصار في الظلمات نادى ربه في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فتوسّل إلى الله بالتوحيد لا إله إلا أنت وتوسل إليه باعترافه بظلمه وذنبه فنجّاه الله سبحانه وتعالى وفي الآية الأخرى { لولا أنه كان } يعني كان في حالة الرخاء { كان من المسبحين } يعني من المصلين كان يونس عليه السلام كثير الصّلاة { لولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } الصافات (آية:143) فأنجاه الله بسبب أنه كان من المسبحين فهذا دليل على أن العمل الصالح ينجّي اله صاحبه إذا وقع في شدة وهذا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم تعرف إلى الله يف الرخاء يعرفك في الشدة توسل إلى الله بالأعمال الصالحة هذا هو المطلوب وهذا مشروع { ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع(4/7)
الشاهدين } آل عمران (آية:53) { ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا } آل عمران (آية:193) توسلوا إلى الله بإمامهم بالرسول صلى الله عليه وسلم فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة هذا ينفع صاحبه إذا وقع في شدة فإن الله يفرّج عنه شدته وليس الهتاف بالأموات ليس الهتاف بالأموات أو بالشياطين أو بالجن كما عليه الآن كثير من المشركين الذين يدعون الإسلام مع السف إذا أصابتهم شدة ما يقولون يا الله يقولون يا عبد القادر يا فلان يا حسين يا عليّ وينسون الله سبحانه وتعالى مع أن المشركين على شركهم في الجاهلية إذا وقعوا في الشدة أفردوا الله في الدعاء { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً } الإسراء (آية:67) فإذا وقعوا في الشدة عرفوا أنه لا يخلص من الشدة إلا الله فأخلصوا الدعاء لله فنجاهم الله عزّ وجل { قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين } الأنعام (آية:63) فالمشركون كانوا يخلصون الدعاء لله في الشدة أما الذين يزعمون أنهم مسلمون الآن من القرويين وغلاة الصوفية فإنهم إذا وقعوا في الشدة يدعون غير الله يدعون ويهتفون بأسماء الجن والشياطين والأموات يا علي يا فلان يا حسين يا عبد القادر وهذا شيء معروف لا ينكرونه ولهذا يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله شرك هؤلاء أغلظ من شرك الأوّلين لأن الأوّلين يشركون في الرّخاء وسيخلصون في الشدة وهؤلاء شركهم دائم في الرخاء والشدة بل إنهم في الشدة يزيد شركهم والعياذ بالله يزيد شركهم في الشدة وينسون الله سبحانه وتعالى لا يأتي لله ذكر على ألسنتهم في الشدة وإنّما يأتي ذكر معبوداتهم من دون الله عزّ وجل الأمر خطير جداً التوحيد الآن خفي على كثير من الناس(4/8)
والذي يدعو إليه يُنبذ ويُتهم ويُرمى بأنه من الخوارج لأن التوحيد عندهم هو عبادة القبور والذي ينكره هذا خارجي من الخوارج هكذا يقولون الخوارج ما هم بالذين يدعون إلى التوحيد الخوارج الذين يخرجون على ولي الأمر الخوارج الذين يكفرون المسلمين هؤلاء هم الخوارج أما الذين يدعون إلى التوحيد هذا هو الخوارج هؤلاء خلاصة عباد الله وأولياء الله هؤلاء هم الناصحون وما حملهم على هذا إلا الإخلاص والمحبة للخير والحرص على إنقاذ الناس من الهلاك يتحملون المشاق يتعرضون للأخطار ويصبرون على اللوم والتوبيخ والتهديد لأجل إنقاذ الناس من الظّلمات إلى النور هؤلاء يُقال لهم خوارج هؤلاء أتباع الرسل عليهم الصّلاة والسّلام قال عليه الصلاة والسلام والعلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا ديناراًَ ولا درهماً وإنما ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر كذلك من التوسل المشروع أن تذكر حالتك وضرورتك إلى الله عزّ وفقرك تذكر هذا في دعائك كما قال أيوب { وأيوب إذ نادى ربه أني يمسني الضر وأنت أرحم الراحمين } الأنبياء ( آية 83 ) توسل إلى الله بحالته وأنه مسه ضرّ الضرّ الشديد وأعرض عنه الناس لأنه أصبح أصبح لونه وجسمه منفّراً من شدة المرض وتهرّي جلده من الأمراض فعند ذلك نادى ربه أن يمسني الضرّ وأنت أرحم الراحمين فتوسل إلى الله بشيئين لأنه أرحم الراحمين وبحالته التي بلغت إلى هذا الحد كذلك من التوسل المشروع طلب الدعاء من الصالحين الحاضرين أن تطلب من عبد صالح أن يدعو الله لك أو يدعو الله للمسلمين فإن هذا من التوسل المشروع والدليل على ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا أجدبوا يعني انحبس المطر طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم وأن يدعو الله لهم فيسقون ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم وأجدبوا ذهبوا إلى العباس بن عبد المطلب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم وقال عمر رضي الله عنه اللّهم إنا كنا نتوسل بنبيّك فتسقينا(4/9)
وإننا نتوسل بعمّ نبيك فاسقنا فيدعو الله قم يا عباس فادع فيقوم العباس رضي الله عنه فيدعو الله وهم يؤمنون فينزل الله المطر عليهم هذا توسل بدعاء الصالحين فإذا كان عبداً صالحاً حاضراً عندك تطلب منه أن يدعو الله لك هذا توسل مشروع لا بأس به فهذه أنواع التوسل المشروع أما التوسل الممنوع فهو جعل الواسطة بين الدّاعي وبين الله في قضاء حاجته هذا ممنوع وهذا ينقسم إلى قسمين إن كان يتقرّب إلى هذه الواسطة ويذبح لها وينذر لها فهذا شرك أكبر هذا توسّل شرك أكبر يُخرج من الملة كالذين يذبحون للقبور وينذرون لها ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله كحالة المشركين الأوّلين أما إن كان لا يقرّب شيء من العبادة لهذه الوسيلة وإنما يزعم أنها تتوسّط له عند الله فهذا بدعة ووسيلة إلى الشّرك فلابد من هذا التفصيل فليس التوسل لغير الله التوسل غير المشروع ليس كله شركاً وليس كله مباحاً بل لابدّ من هذا التفصيل لأن كثيراً من المغرضين يلبسون الأمر ويقولون أنتم متشددون أنتم خوارج أنتم تشددون على الناس هذا من الأسباب هذا من التوسل والله أمر به وابتغوا إليه الوسيلة فينبغي أن يُعرف هذا وأن العلماء يبينون للناس هذه الأمور ولا يتركون المغرضين يلبسون عليهم .(4/10)
منهج الرسل في الدعوة إلى الله(1)
الحمد لله ...
لما كانت العبادات توقيفية على ما شرعه الله بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام تبين للناس كيف يعبدون ربهم وتبين للناس عقوبة من لم يعبد الله أو عبده وعبد معه غيره لأن العبادة لا تصلح إلا إذا كانت خالصة لوجه الله من الشرك ومتابعة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما جاء عليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مرابطة لما جاء به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لما كان الأمر كذلك بعث الله الرسل يدعون الناس إلى عبادة الله ويبينون لهم كيف يعبدون الله على الطريقة الصحيحة والمنهج السليم ويحذرونهم من الشرك بالله ) ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا آله إلا أنا فاعبدون ( الله سبحانه وتعالى بعث الرسل لهذا الغرض وهذا من رحمته سبحانه وتعالى وعنايته بخلقه حين أهبط آدم إلى الأرض قال :
) فإما يأتينكم مني هدى من اتبعه لا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكه نحشره يوم القيامة أعمى ( .
__________
(1) - محاضرة بثت في قناة المجد بتاريخ 30 /04/2005(5/1)
كان الناس على عقيدة التوحيد من عهد آدم عليه السلام وعلى دين أبيهم آدم إلى أن جاء قوم نوح بعد عشرة قرون كانوا يعبدون الله على التوحيد وعلى دين أبيهم آدم كما ذكر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رضي الله عنه قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على التوحيد ثم لما وقع الشرك في قوم نوح بسبب الغلو في الصالحين أرسل الله إليهم نبيه نوحاً عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى الرجوع إلى عبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة الأصنام ثم تتابعت الرسل من بعد نوح إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده فنوح هو أول رسول إلى الأرض بعد ما حصل الشرك يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك وكان هدي الرسل عليهم الصلاة والسلام ومنهجهم في الدعوة كما ذكره الله بالقرآن فهذا نوح عليه السلام لبس في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل قال تعالى :
) بسم الله الرحمن الرحيم إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعوه يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون قال ربي إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلن يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في أذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ( إلى أخر السورة...(5/2)
لكنه لم يجدي فيهم هذه الدعوة المباركة التي فيها كل الاستعطاف واللين والموعظة والتذكير لم يجدي فيهم لأن الكفر والعياذ بالله والشرك قد تغلغل فيهم في النهاية قالوا لا تذرن ألهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يروثا ويعوق ونسرى وقد أضلوا كثيرا مع أن نوحاً عليه السلام تلطف بهم وذكرهم ووعظهم وداوم على دعوتهم ليلاً ونهاراً وسراً وجهارا فلم يترك مجالاً من مجالات الدعوة إلا وقد طرقه عليه الصلاة والسلام هذا منهج الدعوة في نوح عليه الصلاة والسلام أول الرسل من بعده هود أرسله الله إلى عاد ) وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من آله غيره أفلا تتقون ( إلى أن قال ) ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ذكرهم بأن الله جل وعلا جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح وزادهم في الخلق بسطا وأمرهم أن يذكروا آلاء الله لعلهم يفلحون ( يذكر نعم الله عليهم لكن لم يجدي فيهم هذا المنهج العظيم الذي دعاهم به نبيهم هود عليه الصلاة والسلام ثم صالح عليه السلام كيف دعا قومه ) وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من آله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم واذكروا إن جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد أبائنا ( هذه مقابلتهم لدعوة نبي الله صالح عليه السلام مع أنه تلطف بهم ورق لهم في الخطاب ووعظهم وذكرهم ولكن قابلوا ذلك بالجحود والنكران فكانت عاقبتهم الهلاك ولوط عليه السلام بعثه الله إلى قومه لما تظاهروا بالجريمة النكراء التي لم يرتكبها أحد من العالمين وهي اللوطية ذكرهم بالله خوفهم بالله وبين لهم أن هذه الجريمة جريمة شنيعة تنفر منها الطباع(5/3)
ولم يرتكبها أحد من العالمين غيرهم ومع هذا أصروا وقالوا ) لئن لم تنتهي يا لوط لتكونن من المخرجين ( في الآية الأخرى ) أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ( هذا عيبهم أنهم يتطهرون عن الفاحشة ولا يقعون في هذه الفاحشة اعتبروا هذا عيباً وشعيب عليه السلام بعثه الله إلى مدين وكانوا مع الشرك بالله يظلمون الناس في أموالهم يبخسون المكاييل والموازين ويقطعون الطرق ويسلبون الناس أموالهم ذكرهم بالله عز وجل ) وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من آله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قومي أوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ( إلى أنهم تمردوا عليه ) أتنهانا أن نعبد ما يعبد أبائنا أو أن نفعل بأموالنا ما نشاء( يعني نهاهم عن الشرك ونهاهم عن نقص المكاييل والموازين أما الشرك فقالوا ) نعبد ما يعبد أبائنا ( هذه مقابلتهم لحجج الله وأما المكاييل والموازين أئن كنا لأموالنا نتصرف فيها كيف نشاء لا نتقيد بأوامر الحلال والحرام نحن أحرار في أموالنا كما يقول بعض العلمانيين اليوم والمغرورين فماذا كانت عاقبتهم وهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أبو الأنبياء :
)إذ قال لقومه أعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكاً إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكن رزقا فابتغوا عند الله رزقا واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون( .(5/4)
هكذا يخاطبهم بهذا الخطاب العظيم الملامس للقلوب ولكن قلوبهم لا يصل إليها نور هدّدوه بالإحراق فأنجاه الله من النار وجعل العاقبة له جعل العاقبة له ولمن اتبعه وهاجر من أرضهم إلى أرض مباركة إلى أرض الشام وأرض الحجاز وأمره ببناء البيت العتيق الله جل وعلا منّ عليه بنعم عظيمة لما صبر وتحمل في سبيل الله ما تحمل إن الله عوضه في الدنيا والآخرة ونتيجة لصدقه في الدعوة واتخذه خليلاَ وهذا موسى عليه السلام وهارون لما أمرهم الله جل وعلا بأن يذهب إلى فرعون ذهب إلى فرعون )اذهب إلى فرعون أنه طغى فقل له هل تغطى إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى فأراه الآية الكبرى فكذب وعصا ثم أدبر يسعى عشر فنداء قال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكاد الآخرة والأولى(.(5/5)
والله أمره هو وهارون فقال لهما )فقولا له قولاَ ليناَ( مع جبروته وكفره وادعائه الربوبية قال الله لهما )فقولا له قولاَ ليناَ لعله يتذكر أو يخشى( لعله يتذكر أو يخشى فدلّ على أن الدعوة يكون فيها أسلوب يرغّب المدعو ويجذبه إلى القبول إذا كان فيه بقية من حياة وإلا فإنها فتقوم عليه العدة تقرؤون دعوة إبراهيم لأبيه )يا أبت لما تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً يا أبتي لا تعبد لشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا يا أبتي أني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً( شوف يا أبت يا أبت يا أبت كل خطاب يبدؤه يا أببتي من باب الاستعطاف له ويبين له أنه مشفق عليه وأنه عنده علم من الله عز وجل يريد أن يهديه به إلى سعادته ولكنه لم يقبل لكن نحن نأخذ من هذا منهج الدعوة منهج الرسل في دعوتهم لأممهم حتى نقتدي بهم لأنا مكلفون بالدعوة إلى الله عز وجل فنحن نقرأ سيرة الرّسل في القرآن وأخبارهم لأجل أن نقتدي بهم وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما بعثه الله لما بعثه الله إلى العالمين الجن والأنس إلى العرب والعجم بعثه بشيراَ ونذيراَ وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاَ منيراً قابله المشركون أسوء مقابلة وهم أقرباؤه وبنو عمومته وأهل بلده أول من قابله هؤلاء قابلوه بالعنف والقسوة إلا من رحمة الله ولكنه صبر ولكنه صبر وانتظر كما سمعتم في الآيات التي قرأها الإمام وفقه الله أن الله قال له :(5/6)
)أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم فهو خير للصابرين وأصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليه ولا تك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذي اتقوا والذين هم محسنون( أدع إلى سبيل ربك قل هذه سبيلي أدعو إلى الله إلى سبيل ربك إلى الله وهذا يعطي الداعية أن يخلص الدعوة لله أن لا يكون قصده من الدعوة الرفعة على الناس أو الرياء والسمعة أو الطمع الدنيوي أو الظهور إنما يقصد بذلك وجه الله عز وجل أدعو إلى الله ادع إلى سبيل ربك هذا من أولويات صفات الداعية أن يخلص النية لله عز وجل في دعوته إلى سبيل ربك بالحكمة أول شيء بالحكمة والحكمة وضع الشيء في موضعه بأن يخاطب كلاً بحسبه بالخطاب المقبول الذي يتألفه به ويستميله به إلى الحق وإن كان مخطأ ومجرماَ ولكن يكون دعوته بالحكمة لأنه ربما يكون جاهلاَ بالأمر فإذا بُيّن له الحق قبله فهذا لا يحتاج إلى أكثر من أنه يُبيّن له الحق ولكن يبين بأسلوب مناسب لا بأسلوب منفر فإنه إذا كانت الدعوة بأسلوب منفر فإنها لا تجدي شيئاَ بل إنها ربما ينعكس الأمر فيها فتحصل ردة الفعل من المدعو لكن يكون بالحكمة وهي وضع الشيء في موضعه يخاطب العالم بما يليق به يخاطب السلطان بما يليق به يخاطب العامّي بما يليق به وهكذا يخاطب الأغنياء بما يليق بهم بخطاب يستميل بهم قلوبهم ويستجلبهم إلى الحق لا بأسلوب منفر وسمعتم ما قال الله لنبييه موسى وهارون لما أرسلهما إلى فرعون قال :(5/7)
فقولا له قولاَ ليناَ لعله يتذكر أو يخشى النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل معاذاً إلى اليمن داعياَ وقاضياَ ومعلماً قال له إنك تأت قوماَ من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعو إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله الشّاهد من قوله إنك تأتي قوماَ من أهل الكتاب أهل علم يحتاجون إلى استعداد لمخاطبتهم ليست مخاطبة العالم كمخاطبة العامي وهذه هي الحكمة أن الداعية يتوخى الأسلوب المناسب مع كل بحسبه فلا يخاطب العالم بخطاب العامي ولا يخاطب العامي بخطاب العالم ولا يخاطب أفراد الناس بما يخاطب به الملوك ولا يخاطب الملوك بما يخاطب به أفراد الناس وإنما يستعمل الحكمة في خطابه مع الناس وكذلك من الحكمة العلم كما في الآية الأخرى الحكمة يراد بها العلم والفقه أيضاَ كما في قوله تعالى:
)قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة( والبصير هي العلم فيكون معنى الحكمة العلم ومعناه الرفق أيضاًَ ووضع الأشياء في مواضعها والموعظة الحسنة لأن بعض المدعوين قد لا يستجيب في أول الأمر يصير عنده تكاسل بعد ما يبين له الحق لا يرده لكن يتكاسل عن امتثاله يحتاج إلى موعظة بأن يُخوّف من الله عز وجل عن التكاسل والتباطؤ في قبول الحق والتزام الحق لأن لا تأخذه العقوبة لأنه علم وعرف فلا يليق به أن يتكاسل في قبول الحق أو يتأخر فيحتاج إلى موعظة إلى تذكير المرتبة الثالثة قد يكون عنده تمرد وجدال بعض الناس لو تبين له الحق واتضح الحق يكون عنده ردة فعل يكون عنده جدال وعنده شبهات فهذا يجادل بالتي هي أحسن تُنقض شبهاته بالتي هي أحسن لا بالعنف وإنما يُبيّن أنه مخطي وأن هذه الشبهات ليست صحيحة وتبين بالعلم والمعرفة الحقيقية حتى يعرف أنه قد أخطأ وأنه ليس معه حجة ربما يقبل الحق :(5/8)
) جادلهم بالتي هي أحسن( الجدال إذا احتاجت الدعوة إلى جدال بين الداعية والمدعو فتقكون بالتي هي أحسن ما يكون في عنف ولا يبكون فيها قسوة وإنما يكون بيان للحق ورد للباطل وكشف للشبهات التي يدلي بها وجادلهم بالتي هي أحسن هذه بعض صفات الداعية ومنهج الدعوة مذكورة في هذه الآية العظيمة ) ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن( وفي الآية الأخرى أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول هذه سبيلي أي طريقتي أدعو إلى الله لا يريد بدعوته رياء ولا سمعةً ولا ترفّعاً ولا طمعاً دنيوياً وإنما هي دعوة خالصة إلى الله على بصيرة يعني على علم فيُشترط في الداعية أن يكون على علم لا يدعو وهو على جهل لأن الجاهل ربما يحُرّم حلالاً أو يُحلّ حراماً أو يقول على الله بغير علم فيكون نكشة على الدعوة وعلى أهلها أو يعرض عليه شبهات وأسئلة فلا يستطيع الجواب عنها إذا لم يكن عالماً لا يستطيع أن يرد على شبهات المغالطين فينتصرون عليه فيصير في هذا نقص على الدعوة الذي يريد أن يدعو إلى الله يستعد بالعلم قبل كل شيء حتى يستطيع مواجهة ما يعترضه من المدعوين ولا سيما الشبهات التي يتعلق بها كثير من الذين عندهم انحراف عن العقيدة كذلك من منهج الدعوة الصبر لا يعجل الإنسان إذا لم تحصل له استجابة فإنه لا يستعجل بل يصبر وينتظر من الله الفرج وأنها إذا لم تنفع مع هؤلاء تنفع مع آخرين وإذا لم تنفع في هذا البلد تنفع في بلد آخر والنبي صلى الله عليه وسلم كما تعلمون كان يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج مع ما يتعرض له من الأذى ومن الرد القبيح كان يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج ويدعوهم إلى الله ويبلّغهم القرآن وذهب إلى الطائف يدعوهم إلى الله ولكنهم ردوه ولم ييأس عليه الصلاة والسلام وفي مرة أصابه من قومه أذىً شديد تضايق عليه الصلاة والسلام مما أصابه منهم فجاءه ملك الجبال يستأذنه في أن يطبق عليهم الأخشبين الجبلين(5/9)
المحيطين بمكة فقال صلى الله عليه وسلم لا بل أستأني بهم لعل الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً مع صبره صلى الله عليه وسلم وتحمله وانتظاره في النهاية أشد أعدائه الذين عادوه صاروا هم أقرب الناس إليه بعد ما أسلموا وأقرب المناصرين له من أهل مكة وغيرهم وصاروا قادة في الفتوح نتيجة الصبر فصبر صلى الله عليه وسلم حتى إن الحق أخذ مجراه واستبانت دعوته الله عليه وسلم وتوالت انتصاراته فعند ذلك عرف خصومه أنه نبي الله وأنه لا مجال لاعتراضه فآمنوا بالله وصاروا من خواص أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وقاموا بالجهاد معه وقاموا بالجهاد من بعده كما هو معروف وهذا نتيجة الصبر في الدعوة ونتيجة الرفق ونتيجة الأسلوب الطيب والمنطق الصواب فالداعية لا ييأس مهما واجهه منها ولهذا قال الله له:(5/10)
) واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحرزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يلفظون ( أمره بالصبر وهكذا الدعاة يجب عليهم الصبر والانتظار وأن لا ييأسوا بل كلما اشتد الأمر فهو أقرب إلى الانفراج واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً والله جل وعلا جعل العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء مهمتهم في الدرجة الأولى الدعوة إلى الله عز وجل فليكن مهمة العلماء الدعوة إلى الله عز وجل كما هي مهمة الأنبياء يعني بالدرجة الأولى تكون مهمتهم الدعوة إلى الله في بلادهم ومع إخوانهم ومع كل من يصلون إليه ينشرون الخير وينشرون الدين بين الناس لا سيما في بلادهم وفي أقاربهم وأنذر عشيرتك الأقربين ) ولولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون( فأنتم في هذه الجامعة المباركة تتلقون العلم العلم الصافي من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجعون إن شاء الله إلى بلادكم بالسلامة فكونوا دعاة خير وحملة هداية للناس أجمعين ولأهل بلادكم خاصة هذا سبيل المؤمنين ولهذا الله جل وعلا قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: ) هذه سبيل أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ( فكل أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم يدعون إلى الله على بصيرة يعني على علم فإذا تحملتم العلم فإنكم تبلغونه للناس تنشرونه في الناس ) وإذا أخذ الله ميثاق الذين أتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا أولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ( فعلينا واجب عظيم كل من أعطاه الله شيئاً من العلم فإن العلم أمانة والله يقول:(5/11)
)إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها( فهو أمانة تبلغونه لإخوانكم ولا تحتفظون به في ذاكرتكم ومذكراتكم بل إنكم تبلغونه والعلم يزكو وينمو ويزيد كلما أُنفق منه وكلما نشر فإنه يزيد ويُبارك فيه ويتناقص وتذهب بركته إذا خزن ولم ينشر ولم يبلغ ينشر على الناس بالدعوة بالتعليم بالتأليف بالكتابة بكل وسيلة وسائل الإعلام التي تنشر المقالات والأصوات والخطب والمواعظ والدروس هذه وسيلة عظيمة يسّرها الله استغلوها في الدعوة إلى الله كان الصدر لهذه لأمة القرون المفضلة كلهم أو أغلبهم يدعون إلى الله يدعون إلى الله بالتعليم يدعون إلى الله بالدعوة يدعون إلى الله بالخطابة بالقضاء بكل وسيلة القرون المفضلة أغلبهم أو كلهم دعاة إلى الله لكن بعد القرون المفضلة اشتد الظلام وتلاطمت الشبهات والمذاهب والفرق بعد القرون المفضلة ظهرت الفرق وظهرت الاختلافات وظهرت المقالات السيئة فقيّض الله لها من العلماء والدعاة إلى الله من قاموا في وجهها وردوها في نحور أصحابها خذوا مثلاً الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية كان في عصره الأمر متلاطم من كل جهة من الصوفية ومن علماء الكلام ومن القبورية ومن الفرق الضالة كالشيعة والخوارج والمعتزلة والمعطّلة فقام رحمه الله في وجوه هذه الطوائف ونازلها وبيّن بطلان ما عندها من الشبهات ونصره الله وانتشر علمه ولا يزال علمه يتجدد والناس يستفيدون منه ويستنيرون به لو أنه سكت وخزن العلم في صدره ما حصلت هذه الآثار الطيبة وأقرب مثال أيضاً الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ظهر في بلاد نجد وهي قد أخذت قسطها من ما حصل في العالم الإسلامي من الخمول ومن الشبهات والشّركيات ومن أمور عظام كدرت وجه الدعوة ووجه الإسلام فقام رحمه الله على نور من ربه وعلى بصيرة وعلى علم قام ودعا إلى الله عز وجل وصدع بالحق ونصره الله عز وجل فأثمرت دعوته هذه الدولة المباركة وهذه الدعوة العظيمة في هذه البلاد وفي خارج هذه(5/12)
البلاد وهو شخص واحد لكن أعانه الله عز وجل وسدده لما صدق مع الله عز وجل ولما استعد بالعلم واستعد بالصبر والثبات نصره الله عز وجل وهو شخص واحد وأثمرت دعوته هذه الثمرات فليست العبرة بكثرة الدعاة ولكنّ العبرة بالداعية الحق الذي يتمثل بالعلم والعمل والصبر والاحتساب وانتظار الفرج فالعبرة بالنوعية لا بالكم وإن كنا نقول كثرة الدعاة تدل على خير إن شاء الله ولكن ما هو لازم أنه تكثر الدعاة بل إذا دعى الواحد من المسلمين من العلماء دعا بصدق وباحتساب وبصبر جعل الله لدعوته الخير الكثير فما بالك إذا كثر الدعاة وكثر الخير هذا زيادة خير إن شاء الله فعلى كل حال أنا لا أحب أن أطيل عليكم ولكن هذه الكلمات التي قلتها لعلها تكون نموذجاً إن شاء الله ينفع الله بها وإن كانت قليلة وضئيلة وقد تكون هزيلة أيضاً لكن هذا جهد المقل ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لصالح القول والعمل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .(5/13)