سلسة مؤلفات ورسائل الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله رقم ( 28)
المفيد
في
مجالس شهر رمضان
من
كلام الإمام ابن باز
إعداد
بندر بن عتيق المطيري
almotaire@naseej.com
راجعه فضيلة الشيخ
احمد بن راشد العرفج
(طبع بإشراف اللجنة العلمية بمؤسسة الشيخ عبد العزيز بن باز الخيرية)
في هذا الكتاب
معالم ومنارات في طريق التجديد وإصلاح المجتمع ونهضة الأمة وعلاج لمشكلات الواقع وتعقيدات الساحة وفق منهج مستمد من الكتاب والسنة
في هذا الكتاب معالم يجتمع عليها الدعاة ويصطلح عليها المصلحون وعلى ضوئها يسير المسلمون ، فيه الموعظة الحية والكلمة الصادقة والدعوة الصافية والمنهج الوسطي
ارجوا أن ينتفع به المسلمون ، ورحم الله الإمام عبدالعزيز بن باز واسكنه فسيح جناته
بندر المطيري
مطبوعات مدار الوطن للنشر
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا
" يأيها الذين امنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون " " يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا " " يأيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما "
أما بعد(1/1)
فشهر رمضان شهر فضيل كريم . يحبه المؤمنون الصادقون لما فيه من نفحات ربانية ، وحلاوة إيمانية، يجدها كل مؤمن صدق في حبه لله ورسوله . ففي رمضان تقبل القلوب ، ويكثر الخير ، ويقل الشر ، ويتسابق فيه المسلمون على فعل الطاعات من تلاوة للقران وصلاة وذكر وصدقة وغير ذلك من سبل الخير والطاعة. ولهذا أحببت أن أضع للمسلم كتابا يشتمل على المواعظ والدروس والفوائد التي يستعين بها على معرفة الأحكام المهمة المتعلقة بالصيام ويكون حافزا له على الإكثار من فعل الخيرات ويدله على ما ينبغي أن يكون عليه المسلم في رمضان وحتى يؤدي الواجب الذي عليه على بصيرة وعلم . فوقع الاختيار على مختارات من كلمات الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله التي تتسم بالسهولة والوضوح والاستناد على الدليل من الكتاب والسنة وتنبعث منها روح الصدق والشفقة والنصح للمسلمين . فجمعت مسائل الصيام بعضها إلى بعض وسقتها في سياق واحد لتشكل موضوع مترابط وكأنه قيل في مناسبة واحدة واخترت من المواعظ والرقائق المناسبة والجامعة ، التي قالها الشيخ في مناسبات مختلفة وقد تختلف في الأسلوب فيما بينها لان بعضها محاضرات وبعضها رسائل مكتوبة . وما يلقى في المحاضرات يختلف في طريقته وأسلوبه عما يكتب ويؤلف وحرصت في جميعها أن تكون مختصرة حتى يمكن قراءتها في المساجد والمنازل والمجالس دون إملال أو تطويل كما أنني حرصت ان يكون في هذه المواضيع المنتقاة علاجا لما تمر به الامة الاسلامية من محن وفتن ولاشك أن الأمة الإسلامية تمر بمرحلة حرجة وهي بحاجة إلى معرفة المخرج مما تعيشه من ضعف وتفرق وبحاجة إلى معرفة كيف تبني مجتمعا مسلما يتمثل الإسلام في كل شئونه ولذلك فقد اجتهدت في اختيار معالم في طريق التجديد والنهضة والإصلاح يهتدي بها الدعاة والمصلحون والمسلمون عامة وهي معالم مدعمة بكلام الإمام ابن باز رحمه الله الذي سار بالأمة الإسلامية سيرا حكيما بوسطية ومنهجية مستمدة من(1/2)
الكتاب والسنة وهي في نفس الوقت مواضيع عامة يحتاج إليها كل مسلم وقد رتبت هذه المعالم حسب ترتيبها المرحلي في بناء المجتمع المسلم وتبتدي هذه المعالم من المجلس العاشر إلى آخر الكتاب مع بعض المواضيع العارضة التي جاءت لمناسبة معينة او هي من المواضيع المتممة والمكملة لهذه المعالم والى القاري الكريم توضيح ذلك فالمواضيع الأولى من الكتاب الى المجلس التاسع تتعلق بأحكام الصيام و آدابه وهي تشتمل على أهم أحكام الصيام التي ينبغي على المسلم معرفتها ثم تأتي المواضيع العامة والتي قصدنا من خلالها رسم معالم التجديد وخطواته وأول هذه المعالم جعلته عن الإسلام والشريعة الإسلامية وضرورة البشر إليها ويمثل هذا المعلم التعريف بالإسلام وسماحته وشموليته وانه الدين الحق الذي يجب على البشرية اعتناقه ثم جعلت المعلم الثاني عن الإخلاص وتحقيق التوحيد ونبذ الشرك إشارة إلى أن هذا هو حقيقة الإسلام وانه بدون ذلك لا يكون العبد مسلما ثم اتبعت هذا المعلم بمعلمين آخرين يتعلقان بإصلاح الباطن وتزكية النفس وتنقيتها لان إصلاح الباطن واستقامة القلوب وطهارتها هو الأصل الأصيل والركيزة العظيمة لإصلاح العبد من جميع الوجوه وتأهيله لتحمل الشريعة ثم جعلت المعلم الخامس طلب العلم الشرعي لان النفس إذا زكت وطهرت أصبحت مهيأة لتحمل العلم ولأنه لا يمكن للعبد أن يعبد الله ويدعو إليه إلا بالعلم ثم جعلت المعلم السادس فضل القران وقيام الليل وجعلت هذا المعلم بعد طلب العلم وقبل الدعوة إلى الله لان طالب العلم لابد ان يكون قدوة في نفسه عاملا بعلمه وايضا لابد له من زاد يقويه على الدعوة الى الله وتحمل أعباء ذلك وهذا الزاد هو تلاوة القران وقيام الليل وهو ما أوصى الله به نبيه صلى الله عليه وسلم قبل ان ينهض بالدعوة في قوله تعالى ( يا أيها المزمل قم الليل الا قليلا نصفه او انقص منه قليلا او زد عليه ورتل القران ترتيلا انا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) ثم(1/3)
جعلت المعلم السابع الدعوة الى الله لان الدعوة إلى الله تأتي بعد العلم فهي زكاة العلم ولا دعوة بدون علم والعلماء هم الدعاة على وجه الحقيقة ثم جعلت المعلم الثامن الجهاد في سبيل الله إشارة إلى أن الجهاد يكون بعد الدعوة والتبليغ وعند القدرة عليه وهو لمقاتلة من يقف في وجه الدعوة ونشر الإسلام واقامت دولته ثم اتبعت هذا المعلم بموضوع الغزو الفكري لانه نوع من الحرب على الإسلام ويحتاج الى جهاد من نوع اخر وهو جهاد الحجة والبيان وله مناسبة برمضان اذ في رمضان يشتد هذا الغزو عبر الفضائيات و الاذاعاة والصحف وغيرها ثم جعلت المعلم العاشر عن المرأة ومكانتها في الإسلام اذ المرأة هي من أكثر ما يستهدفه الغزو الفكري ودعاة الشر لإفسادها ومن ثم إفساد المجتمع المسلم ثم لما كان المجتمع المسلم قد يتأثر بما يحاك له من خطط الإفساد والإغواء جعلت المعلم الحادي عشر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليكون حصنا حصينا للمجتمع وسببا في اصلاح ما فسد منه ثم جعلت المعلم الثاني عشر أخلاق المؤمنين والمؤمنات لان المجتمع متى نبلت أخلاقه وعلت أصبح مجتمعا صالحا والأخلاق هي من أهم عوامل نهضت المجتمعات ورقيها وأيضا فيه إشارة إلى ضرورة الأخلاق الحسنة عند الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وكذلك عند المأمورين بالمعروف والمنهيين عن المنكر حتى ينتفع المسلمون بهذه الشعيرة وهي شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم اتبعت هذا المعلم بمعلم آخر يعتبر من أهم عوامل إصلاح المجتمع وهو وجوب التعاون على البر والتقوى ثم جعلت المعلم الرابع عشر من معاني الإخوة الإسلامية تأكيدا على أهمية التعاون على البر والتقوى وتذكيرا بحال المستضعفين من المسلمين في شتى بقاع الأرض ثم ختمت هذه المعالم بمعلم وجوب التوبة الى الله وجعلته في ختام هذا المعالم وفي ختام الشهر أيضا لان كل ما يقوم به العبد من أعمال صالحة من جهاد وصلاة وصيام ودعوة وغير ذلك هو من(1/4)
فضل الله ويجب على العبد أن يتوب من ذنوبه وتقصيره في طاعة الله ولذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وللصحابة الكرام بعد هجرتهم وجهادهم ودعوتهم ( وتوبا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون ) فهذه خمسة عشر معالما يهتدي بها المصلحون والدعاة والمسلمون عامة في طريق الإصلاح والدعوة إلى الله . ومن تأمل كلمات الشيخ رحمه الله في وصاياه وندآته ظهرت له قيمة هذه الكلمات وانتفع بها . لان المواعظ والدروس متى أتت من عالم عامل بعلمه صادق في نصحه فإنها بحول الله تقع في القلوب وينتفع بها الناس انتفاعا عظيما . واني لأشكر الله جل وعلا الذي وفق لإعداد الكتاب وارجوه عز وجل أن يجعل فيه الخير والبركة والنفع انه جواد كريم. وأحب أن أنبه القارئ الكريم بأنني قد ميزت عبارات الشيخ وكلماته وجعلتها بين شرطتين وأشرت في الحاشية إلى ما اختصرته من كلامه وميزت العبارة التي ليست من كلامه وجعلتها بين قوسين
وفي الختام أتوجه بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ احمد بن راشد العرفج الذي قام بمراجعة الكتاب أكثر من مرة وشجعني على إعداده وأبدا لي ملاحظاته واستفدت من توجيهاته وأفكاره فجزاه الله عني وعن المسلمين خيرا كما اشكر اللجنة العلمية في مؤسسة الشيخ عبدالعزيز بن باز الخيرية الذين اتحفوني بملاحظاتهم وتنبيهاتهم فجزاهم الله خيرا .
هذا و اسأل الله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان وان يردهم إلى دينه ردا جميلا ويصلح ولاة أمورهم وان يولي على المسلمين خيارهم ويكفيهم شرارهم اسأل الله أن ينصر دينه وان يعلي كلمته انه على كل شي قدير وبالإجابة جدير وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه
وكتب
بندر بن عتيق المطيري
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل رمضان
تحري هلال رمضان ))
" بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وبعد(1/5)
يثبت هلال رمضان بالرؤية عند جميع أهل العلم ؛لقول النبي صلى الله وعليه وسلم "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " وفي اللفظ الآخر : "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين " وفي اللفظ الآخر :"فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً "
والمقصود أنه يصام بالرؤية ويفطر بالرؤية ، فإن لم ير وجب إكمال شعبان ثلاثين ثم يصومون ،ويجب إكمال رمضان ثلاثين ثم يفطرون ، إذا لم تحصل الرؤية ،أما إذا ثبتت الرؤية فالحمد لله .
فالواجب أن يصوم المسلمون بالرؤية ، رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان ويصير شعبان ناقصاً ويصومون ،وهكذا لو رأوا الهلال ليلة الثلاثين من رمضان أفطروا لتسع وعشرين .أما إذا لم يروا الهلال كملوا شعبان ثلاثين يوماً وكملوا رمضان ثلاثين عملا ًبالأحاديث "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة" وهذا النص يعم شعبان ويعم رمضان ،وفي اللفظ الآخر:" فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين " .والهلال يثبت بشاهد واحد في دخول رمضان ، شاهد عدل عند جمهور أهل العلم ؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :"تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته ،فصام وأمر الناس بالصيام "، ولما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أعرابيا ًشهد عنده بأنه رأى الهلال ،فقال صلى الله عليه وسلم:" أتشهد أن لا إله إلا الله ،وأني رسول الله " قال : نعم ،فأمر بالصيام .
فالهلال إذا رآه عدل في الدخول وجب الصيام به. أما الخروج فلا بد من شاهدين عدلين ، وهكذا بقية الشهور لا تثبت إلا بشهادة عدلين ، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا " وثبت عن الحارث بن حاطب رضي الله عنه أنه قال: "عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشاهدتهما " .(1/6)
والمقصود أن شهادة العدلين لابد منها في الخروج وفي جميع الشهور، أما رمضان في الدخول فيكتفى فيه بشهادة واحد عدل للحديثين السابقين .
واختلف العلماء في المرأة هل تقبل شهادتها في الدخول كالرجل ؟ على قولين :
منهم من قبلها كما تقبل روايتها في الحديث الشريف إذا كانت ثقة .
ومنهم من لم يقبلها . والأرجح عدم قبولها في هذا الباب ؛لأن هذا المقام من مقام الرجال ومما يختص به الرجال ويشاهده الرجال ، ولأنهم اعلم بهذا الأمر وأعرف به"(1)" ويوم الثلاثين من شعبان إذا لم تثبت رؤية الهلال فانه يوم شك لا يجوز صومه في اصح قولي العلماء سواء كان صحوا أو غيما " (2)" لان الرسول صلى الله عليه وسلم قال " صوموا لرؤيته فان غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما " وقال صلى الله عليه وسلم " لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه "(3) ( و) " الواجب على من رأى الهلال ليلة الثلاثين من شعبان أو ليلة الثلاثين من رمضان أو ليلة الثلاثين من شوال أو ليلة الثلاثين من ذي القعدة أن يبلغ المحكمة التي في بلده ، إلا أن يعلم أن الهلال ثبت برؤية غيره ، عملاً بقول الله سبحانه وتعالى : " وتعاونوا على البر والتقوى " ، وقوله تعالى " فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا"
1)مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (15/59)
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (15/408)
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (15/408)(1/7)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم :" على المرء المسلم السمع والطاعة " الحديث، وقوله صلى الله عليه وسلم :" أوصيكم بتقوى الله و السمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد" الحديث ، ومعلوم أن ولي الأمر يطلب من خلال مجلس القضاء الأعلى من المسلمين أن على من رأى الهلال أن يبلغ المحاكم ، وقد قال النبي : صلى الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته " يعني الهلال " وأفطروا لرؤيته ،وانسكوا لها ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة "ولا سبيل إلى العمل بهذه الأحاديث إلا بتوفيق الله ،ثم بالتعاون بين المسلمين بترائي الهلال وإبلاغ الجهات المسئولة ممن رآه ، وبذلك يحصل الامتثال للأوامر الشرعية والتعاون على البر والتقوى والله ولي التوفيق. (1)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (15/71)
قبل رمضان
كيف نستقبل رمضان))
" إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه وأتباعه بإحسان
يأيها الذين امنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون ))
( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )
( يأيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع (1) الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما "
أما بعد
" أيها المسلمون لقد أضلكم شهر عظيم مبارك ألا وهو شهر رمضان , شهر الصيام(1/8)
و القيام، شهر العتق والغفران , شهر الصدقات والإحسان ، شهر تفتح فيه أبواب الجنات وتضاعف فيه الحسنات ، وتقال فيه العثرات , شهر تجاب فيه الدعوات ، وترفع فيه الدرجات , وتغفر فيه السيئات ، شهر يجود فيه الله سبحانه على عباده بأنواع الكرامات ، ويجزل فيه لأوليائه العطايات , شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام , فصامه المصطفى عليه الصلاة والسلام وأمر الناس بصيامه وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من صامه إيماناً واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه, ومن قامه إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, شهر فيه ليلة خير من ألف شهر , من حرم خيرها فقد حرم , فاستقبلوه رحمكم الله بالفرح والسرور والعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه , والمسابقة فيه إلى الخيرات
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 7/213)
والمبادرة فيه إلى التوبة النصوح من سائر الذنوب والسيئات ، والتناصح والتعاون على البر والتقوى ، والتواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعوة إلى كل خير. لتفوزوا بالكرامة والأجر العظيم"(1) . " ثبت عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بمجيء شهر رمضان و يخبرهم عليه الصلاة والسلام أنه شهر تفتح فيه أبواب الرحمة وأبواب الجنة وتغلق فيه أبواب جهنم وتغل فيه الشياطين ويقول صلى الله عليه وسلم ( إذا كانت أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وغلقت أبواب جهنم فلم يفتح منها باب وصفدت الشياطين وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة )
ويقول عليه الصلاة والسلام ( جاءكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه
فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته
(2) فأرو الله من أنفسكم خيراً فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله "(1/9)
"فيا معشر المسلمين . اغتنموا هذا الشهر العظيم ، وعظموه رحمكم الله بأنواع العبادات والقربات، وسارعوا فيه إلى الطاعات . فهو شهر عظيم جعله الله ميداناً لعباده ، يتسابقون فيه بالطاعات ، ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات . فأكثروا فيه رحمكم الله من الصلاة والصدقات ، وقراءة القرآن الكريم بالتدبر والتعقل ، والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير و الاستغفار والإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان . فاقتدوا به رحمكم الله في مضاعفة الجود والإحسان ، واحتسبوا أجر ذلك عند الملك العلام ، واحفظوا صيامكم عما حرم الله عليكم من الأوزار والآثام فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)
وقال عليه الصلاة والسلام ( الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه يصخب فإن امرؤ سابه أحد فليقل إني امرؤ صائم) ) وخرج قال( ليس الصيام عن الطعام والشراب وإنما الصيام من اللغو والرفث)
ابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه كفر ما قبله ) وقال جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنهما- ( إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة ولا تجعل يوم
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/38)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (15/11)
(1صومك ويوم فطرك سواء "
( أيها المسلمون إن الصوم عمل صالح عظيم و ثوابه جزيل ولا سيما صوم
فعظموه رحمكم الله بالنية الصالحة والاجتهاد في حفظ صيامه وقيامه)رمضان " (2)(1/10)
والمسابقة فيه إلى الخيرات والمبادرة فيه إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب
والسيئات "(3) " "واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره ، وتواصوا بذلك وتعاونوا عليه ، وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر . لتفوزوا بالكرامة والسعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة(4) " نسال الله أن يبلغنا وجميع المسلمين صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا , نسال الله أن يمنحنا وجميع المسلمين في كل مكان الفقه في الدين والاستقامة عليه والسلامة من أسباب غضب الله وعقابه ، كما نسأله سبحانه أن يوفق جميع ولاة أمر المسلمين وجميع أمراء المسلمين وان يهديهم وان يصلح أحوالهم وان يوفقهم لتحكيم شريعة الله في جميع أمورهم في عباداتهم وأعمالهم وجميع شئونهم ، نسال الله أن يوفقهم لذلك عملا بقوله جل وعلا " وأن احكم بينهم بما انزل الله" وعملا بقوله جل وعلا " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " وعملا بقوله سبحانه " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " وعملا بقوله سبحانه " يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شي فردوه إلى الله والرسول أن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا " وعملا بقوله سبحانه " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " هذا هو الواجب على جميع المسلمين وعلى أمرائهم يجب على أمراء المسلمين وعلى علمائهم وعلى عامتهم أن يتقوا الله وان ينقادوا لشرع الله الذي به الصلاح والهداية والعاقبة الحميدة وبه رضا الله وبه الوصول إلى الحق الذي شرعه الله وبه الحذر من الظلم
نسال الله للجميع التوفيق و الهداية وصلاح النية والعمل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وأصحابه" (5)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/30) بتصرف(1/11)
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/25)
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/23)
4 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز) ( 15/36)
5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/54)
المجلس الأول
فضائل شهر رمضان:
"الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا الظالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي العربي المكي ثم المدني وعلى اله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين" (1)
أما بعد
" أيها المسلمون إنكم في شهر عظيم مبارك ألا وهو شهر رمضان ، شهر الصيام
والقيام وتلاوة القرآن ، شهر العتق والغفران ، شهر الصدقات والإحسان ، شهر تفتح فيه أبواب الجنات وتضاعف فيه الحسنات وتقال فيه العثرات ، شهر تجاب فيه الدعوات وترفع الدرجات وتغفر فيه السيئات ، شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات ويجزل فيه لأوليائه العطايات ، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام فصامه المصطفى عليه الصلاة والسلام وأمر الناس بصيامه وأخبر عليه الصلاة السلام أن من صامه إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قامه إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، شهر فيه ليلة (2 خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم "
" ففضائل رمضان وخصائصه كثيرة ومنها ما رواه الإمام احمد عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أعطيت أمتي في رمضان خمس خصال
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 2/8)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/22)(1/12)
لم تعطها أمة قبلها :خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ، وتصفد فيه مردة الجن فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره ويزين الله كل يوم جنته فيقول يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ويصيروا إليك . ويغفر لهم في آخر ليله قيل أهي ليلة القدر؟ قال: لا ولكن "
" ويقول صلى الله عليه وسلم ( إذا كانت(1) العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله""
أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منه باب ، وغلقت أبواب جهنم فلم يفتح منها باب ، وصفدت الشياطين ، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ) ويقول عليه الصلاة والسلام ( جاءكم شهر رمضان ، شهر بركة يغشاكم الله فيه ، فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء فينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته ، فأروا الله من أنفسكم خيراً فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله ) ويقول عليه الصلاة والسلام( من صام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, ومن قام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) ويقول عليه الصلاة والسلام: يقول الله عز وجل ( كل عمل بني آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف 'إلا الصيام فانه لي وأنا أجزي به ، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي: للصائم فرحتان فرحة عند فطره , وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) . والأحاديث في فضل صيام رمضان وقيامه وفضل جنس الصوم كثيرة . فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذه الفرصة وهي ما من الله به عليه من أدراك شهر رمضان فيسارع إلى الطاعات ويحذر السيئات ويجتهد في أداء ما أفترض الله عليه "(2)(1/13)
( واحذروا رحمكم الله كل ما يجرح الصوم وينقص الأجر ويغضب الرب عز وجل من سائر المعاصي . كالربا والزنا والسرقة وقتل النفس بغير حق وأكل أموال اليتامى وأنواع الظلم في النفس و المال و العرض ، والغش في المعاملات والخيانة للأمانات وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/7) بتصرف
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/11)
والشحناء والتهاجر في غير حق الله سبحانه ، وشرب المسكرات وأنواع المخدرات كالقات والدخان . والغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور والدعاوى الباطلة والأيمان الكاذبة وحلق اللحى وتقصيرها وإطالة الشوارب والتكبر وإسبال الملابس واستماع الأغاني والآت الملاهي وتبرج النساء وعدم تسترهن من الرجال والتشبه بنساء الكفرة في لبس الثياب القصيرة وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم . وهذه المعاصي التي ذكرناها محرمة في كل زمان و مكان ولكنها في رمضان أشد تحريماً وأعظم إثماً لفضل الزمان وحرمته . فاتقوا الله أيها المسلمون واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره وتواصوا بذلك وتعاونوا عليه وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر لتفوزوا بالكرامة والسعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة . والله المسئول أن يعيذنا وإياكم و سائر المسلمين من أسباب غضبه وأن يتقبل منا جميعا صيامنا وقيامنا وأن يصلح ولاة أمر المسلمين وأن ينصر بهم دينه ويخذل بهم أعداءه وأن يوفق الجميع للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه في كل شيء إنه على كل شيء قدير وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين ." (1)1
1 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز) ( 15/36)
المجلس الثاني
(وجوب الصوم وأحكام النية)(1/14)
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه وأتباعه بإحسان
" يأيها الذين امنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون "
" يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا"
" يأيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما "
أما بعد
فإليك أخي المسلم بعض الأحكام المهمة للصائمين )
أولا وجوب الصوم )
" يجب صوم رمضان على كل مسلم مكلف من الرجال والنساء ويستحب لمن بلغ سبعاً فأكثر وأطاقه من الذكور والإناث ويجب على أولياء أمورهم أمرهم بذلك إذا أطاقوه كما يأمرونهم بالصلاة والأصل في هذا قول الله عز وجل ( يآ أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ) إلى إن قال سبحانه ( شهر رمضان الذي أنزل فيه
القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان
(1) وحج البيت ) متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما"
ثانيا: تبييت النية))
"" الأصل وجوب صوم رمضان وتبييت النية له من جميع المكلفين من المسلمين وأن يصبحوا صائمين إلا من رخص لهم الشارع بأن يصبحوا مفطرين وهم المرضى والمسافرون ومن في(1/15)
معناهم "(2) " أما من لم يعلم بدخول شهر رمضان إلا بعد طلوع الفجر فعليه أن يمسك عن
المفطرات بقية يومه لكونه يوماً من رمضان لا يجوز للمقيم الصحيح أن يتناول فيه شيئاً من
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/245)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/167)
المفطرات و عليه القضاء لكونه لم يبيت الصيام قبل الفجر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له ) رواه الدار قطني بإسناده عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها وقال إسناده كلهم ثقات ونقله الموفق ابن قدامه رحمه الله في المغني وهو قول عامة الفقهاء والمراد بذلك صيام الفرض لما ذكرنا من الحديث الشريف أما صيام النفل فيجوز أثناء النهار إذا لم يتناول شيئاً من المفطرات بعد الفجر لأنه
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم مايدل على ذلك " (1)
(ثالثا : الإخلاص)
" الواجب على المسلم أن يصوم إيماناً واحتسابا لا رياء ولا سمعة ولا تقليداً للناس أو متابعة لأهله أو أهل بلده بل الواجب عليه أن يكون الحامل له على الصوم هو إيمانه بأن الله قد فرض عليه ذلك واحتسابه الأجر عند ربه في ذلك وهكذا قيام رمضان يجب أن يفعله المسلم إيماناً واحتسابا لا لسبب آخر ولهذا قال عليه الصلاة والسلام ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) " (2)(1/16)
"فاتقوا الله عباد الله وعظموا أمره ونهيه وبادروا بالتوبة إليه من جميع ذنوبكم واعتمدوا عليه وحده وتوكلوا عليه فانه خالق الخلق ورازقهم ونواصيهم بيده سبحانه لا يملك احد منهم لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وقدموا رحمكم الله حق ربكم وحق رسوله على حق غيره وطاعة غيره كائنا من كان وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر وأحسنوا الظن بالله وأكثروا من ذكره واستغفاره وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان وخذوا على أيدي سفهائكم وألزموهم بما أمرهم الله به وامنعوهم عما نهى الله عنه وأحبوا في الله وأبغضوا في الله ووالوا أولياء الله وعادوا أعداء الله واصبروا وصابروا حتى تلقوا ربكم فتفوزوا بغاية السعادة و الكرامة والعزة والمنازل العالية في جناة النعيم والله المسئول أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه وان يصلح قلوب الجميع ويعمرها بخشيته ومحبته وتقواه والنصح له ولعباده وان يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وان يوفق ولاة أمرنا وسائر ولاة أمر المسلمين لما يرضيه وان ينصر بهم الحق ويخذل بهم الباطل وان يعيذ الجميع من مضلات الفتن انه ولي ذلك والقادر عليه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه وسلم " (3)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/251) بتصرف
2 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز) ( 15/16)
3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 2/153)
المجلس الثالث
(فوائد الصيام)?
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لااله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه وإتباعه بإحسان
( يأيها الذين امنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون )(1/17)
( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )
( يأيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فواز فوزا عظيما )
أما بعد
" شهر رمضان هو أفضل شهور العام لأن الله سبحانه وتعالى اختصه بأن جعل صيامه فريضة وركنا رابعا من أركان الإسلام وشرع للمسلمين قيام ليله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت " متفق عليه
وقال عليه الصلاة والسلام (من قام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه " (1)
متفق عليه " وفي الصيام فوائد كثيرة وحكم عظيمة منها: تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة كالأشر والبطر والبخل وتعويدها الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه ومن فوائد الصوم أنه يعرف العبد نفسه وحاجته وضعفه وفقره لربه ويذكره بعظيم نعم الله عليه ويذكره أيضاً بحاجة إخوانه الفقراء فيوجب له ذلك شكر الله سبحانه والاستعانة
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/9)(1/18)
بنعمه على طاعته ومواساة إخوانه الفقراء والإحسان إليهم وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه الفوائد في قوله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) فأوضح سبحانه أنه كتب علينا الصيام لنتقيه سبحانه فدل ذلك على أن الصيام وسيلة للتقوى والتقوى هي : طاعة الله ورسوله بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه عن . إخلاص لله عز وجل ومحبة ورغبة ورهبة وبذلك يتقي العبد عذاب الله وغضبه فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوى وقربة إلى المولى عز وجل ووسيلة قوية إلى التقوى في بقية شئون الدين والدنيا وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض فوائد الصوم في قوله صلى الله عليه وسلم ( يا معشر الشباب من أستطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن الصوم وجاء للصائم ووسيلة لطهارته وعفافه وما ذاك إلا لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم والصوم يضيق تلك المجاري ويذكر بالله وعظمته فيضعف سلطان الشيطان ويقوى سلطان الإيمان وتكثر بسببه الطاعات من المؤمنين وتقل به المعاصي ومن فوائد الصوم أيضاً: أنه يطهر البدن من الأخلاط الرديئة ويكسبه صحة وقوة أعترف بذلك كثير من الأطباء وعالجوا به كثيرا من الأمراض"(1) " وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ( ما ملا ابن ادم وعاء شرا من بطنه بحسب ابن ادم لقيمات يقمن صلبه فان كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ) وهذا الحديث الصحيح يدل على أن الإسراف في الأكل والتوسع فيه أمر غير مرغوب فيه بل وخطير بحسب ابن ادم ما يقيم صحته ويقيم صلبه من اللقيمات التي تناسبه صباحا ومساء وفي غير ذلك من الأوقات التي يحتاج فيها إلى الطعام والشراب " (2)(1/19)
" فيا معشر المسلمين بادروا إلى تقوى الله عز وجل وسارعوا إلى مراضيه وجاهدوا نفوسكم لله عز وجل وألزموها بالتوبة النصوح من سائر الذنوب وحاربوا الهوى والشيطان والنفس الأمارة بالسوء وشمروا إلى الدار الآخرة وتضرعوا إلى ربكم عز وجل وأكثروا من دعائه وذكره واستغفاره يجب دعاءكم ويصلح أحوالكم وييسر أموركم ويغثكم من فضله ويكشف
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/23)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 4/ 111)
عنكم كل كربة ويعصمكم من كيد أعدائكم ويجركم من كل سوء في الدنيا والآخرة كما قال عز وجل وهو الصادق في وعده "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين " وقال سبحانه " وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا " الايه وقال عز وجل" وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط " وقال جل وعلا " إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم "(1/20)
ومن القربات المناسبة في هذا الوقت وفي كل وقت رحمة الفقراء والمحاويج والإحسان إليهم فان الصدقة من أعظم الأعمال التي يدفع الله بها البلاء وينزل بها الرحمة كما قال الله عز وجل " وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " وقال تعالى " إن رحمت الله قريب من المحسنين " وقال سبحانه " وان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون " وقال عز وجل " امنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين امنوا منكم وأنفقوا لهم اجر كبير " وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل " ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى " تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون . فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون " وقال عليه الصلاة والسلام " الراحمون يرحمهم الرحمن . ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " وقال صلى الله عليه وسلم " من لا يرحم لا يرحم "
والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين جميعا ويعمر قلوبهم بالتقوى ويصلح قادتهم ويمن على الجميع بالتوبة النصوح من جميع الذنوب والاستقامة على شريعة الله عز وجل في جميع الأمور وان يحفظهم من مكائد الأعداء انه على كل شئ قدير وصلى الله على عبده ورسوله محمد واله وصحبه وسلم " (1)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 3/ 153)
المجلس الرابع
صلاة التراويح))
" الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله صفوته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد وعلى اله وصحبه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين" (1)
أما بعد(1/21)
" لاريب أن صلاة التراويح قربة وعبادة عظيمة مشروعة والنبي صلى الله عليه وسلم فعلها ليالي بالمسلمين ثم خاف أن تفرض عليهم فترك ذلك وأرشدهم إلى الصلاة في البيوت ثم لما توفي صلى الله عليه وسلم وأفضت الخلافة إلى عمر بعد أبي بكر رضي الله عنهما و رأى الناس في المسجد يصلونها أوزاعاً هذا يصلي لنفسه وهذا يصلي لرجلين وهذا لأكثر قال: لو جمعناهم على إمامٍ واحد فجمعهم على أبي بن كعب وصاروا يصلون جميعاً وأحتج على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام (من صام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه) وأحتج أيضاً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليالي وقال: إن الوحي قد أنقطع وزال الخوف من فرضيتها فصلاها المسلمون جماعة في عهده صلى الله عليه وسلم ثم صلوها في عهد عمر واستمروا على ذلك والأحاديث ترشد إلى ذلك ولهذا جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليله ) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بأسانيد صحيحة فدل ذلك على شرعية القيام جماعة في رمضان وأنه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة
الخلفاء الراشدين من بعده وفي ذلك مصالح كثيرة في اجتماع المسلمين على الخير واستماعهم لكتاب الله وما قد يقع من المواعظ والتذكير في هذه الليالي العظيمة." (2)
":و من الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس ظن بعضهم أن التراويح لا يجوز نقصها عن عشرين ركعه وظن بعضهم أنه لا يجوز أن يزاد فيها على إحدى عشرة ركعه أو ثلاث عشرة ركعه وهذا كله ظن في غير محله بل هو خطأ مخالف للأدلة وقد دلت الأحاديث
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 5/5)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 11/318)(1/22)
الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن صلاة الليل موسع فيها فليس فيها حد محدود لا يجوز مخالفته بل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة وربما صلى ثلاث عشرة ركعة وربما صلى أقل من ذلك في رمضان وفي غيره ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل قال: ( مثنى مثنى فاذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ) متفق على صحته ولم يحدد ركعات معينة لا في رمضان ولا في غيره ولهذا صلى الصحابة رضي الله عنهم في عهد عمر رضي الله عنه في بعض الأحيان ثلاثا وعشرين ركعة وفي بعضها إحدى عشرة ركعة كل ذلك ثبت عن عمر رضي الله عنه وعن الصحابة في عهده . وكان بعض السلف يصلي في رمضان ستاً وثلاثين ركعة ويوتر بثلاث وبعضهم يصلي إحدى وأربعين ذكر ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم كما ذكر رحمة الله عليه أن الأمر في ذلك واسع وذكر أيضاً أن الأفضل لمن أطال القراءة والركوع والسجود أن يقلل العدد ومن خفف القراءة والركوع والسجود زاد في العدد هذا معنى كلامه رحمه الله " (1) " فمن أحب أن يصلي عشرين ويوتر(1/23)
بثلاث فلا بأس ومن أحب أن يصلي عشر ركعات ويوتر بثلاث فلا بأس ومن أحب أن يصلي ثمان ركعات ويوتر بثلاث فلا باس ومن زاد على ذلك او نقص عنه فلا حرج عليه والافضل ماكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالبا وهو أن يقوم بثمان ركعات يسلم من كل ركعتين ويوتر بثلاث مع الخشوع والطمأنينة وترتيل القراءة لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعه يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً ) وفي الصحيحين عنها رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل عشر ركعات يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة ) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى أنه كان يتهجد في بعض الليالي بأقل من ذلك وثبت عنه أيضاً صلى الله عليه وسلم أنه في بعض الليالي يصلي ثلاث عشرة ركعة يسلم من كل اثنتين فدلت هذه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الأمر في صلاة الليل موسع فيه بحمد الله وليس فيها حد محدود لا يجوز غيره وهو من فضل الله
1 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز) ( 15/18)
ورحمته وتيسيره على عباده حتى يفعل كل مسلم ما يستطيع من ذلك وهذا يعم رمضان وغيره" (1) " والأفضل لمن صلى مع الإمام في قيام رمضان أن لا ينصرف إلا مع الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليله " (2) "وفي اللفظ الأخر " بقية ليلته " فالأفضل للمأموم أن يقوم مع الإمام حتى ينصرف سواء صلى إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة أو ثلاثا وعشرين أو غير ذلك " (3)(1/24)
" وينبغي للإمام مراعاة حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح وفي الفرائض لقوله صلى الله عليه وسلم ( أيكم أم الناس فليخفف فان فيهم الضعيف والصغير وذا الحاجة ) فالإمام يراعي المأمومين ويرفق بهم في قيام رمضان وفي العشر الأخيرة وليس الناس سواء فالناس يختلفون فينبغي له أن يراعي أحوالهم ويشجعهم على المجئ وعلى الحضور فانه متى أطال عليهم شق عليهم و نفرهم من الحضور فينبغي له أن يراعي ما يشجعهم على الحضور ويرغبهم في الصلاة ولو بالاختصار وعدم التطويل فصلاة
يخشع فيها الناس ويطمأنون فيها ولو قليلا خير من صلاة يحصل فيها عدم الخشوع ويحصل فيها الملل والكسل "(4)
" وينبغي أن يعلم أن المشروع للمسلم في قيام رمضان وفي سائر الصلوات هو الإقبال على صلاته والخشوع فيها والطمأنينة في القيام والقعود والركوع والسجود وترتيل التلاوة وعدم العجلة لأن روح الصلاة هو الإقبال عليها بالقلب والقالب والخشوع فيها وأداؤها كما شرع الله بإخلاص وصدق ورغبة ورهبة وحضور قلب كما قال الله سبحانه: ( قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم(1/25)
( وجعلت قرة عيني في الصلاة ) وقال للذي أساء في صلاته ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم أستقبل القبلة فكبر ثم أقرأ ماتيسر معك من القرآن ثم أركع حتى تطمئن راكعاً ثم أرفع حتى تعتدل قائماً ثم أسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم أفعل ذلك في صلاتك كلها " وكثير من الناس يصلي في قيام رمضان صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها بل ينقرها نقراً وذلك لايجوز بل هو منكر لا تصح معه الصلاة لأن الطمأنينة ركن في الصلاة لابد منه كما دل عليه الحديث المذكور آنفا فالواجب الحذر من ذلك وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته ) قالوا يا رسول الله كيف يسرق صلاته قال: ( لا يتم ركوعها ولا سجودها ) وثبت عنه صلى عليه وسلم أنه أمر الذي نقر صلاته أن يعيدها .
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/27)
2 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/20)
3 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 11/325)
4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 11/336)(1/26)
فيا معشر المسلمين عظموا الصلاة وأدوها كما شرع الله واغتنموا هذا الشهر العظيم وعظموه رحمكم الله بأنواع العبادات والقربات وسارعوا فيه إلى الطاعات فهو شهر عظيم جعله الله ميدانا ًلعباده يتسابقون إليه فيه بالطاعات ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات" (1) " واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره وتواصوا بذلك وتعاونوا عليه وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر لتفوزوا بالكرامة والسعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة والله المسئول أن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين جميعاً من أسباب غضبه وأن يتقبل منا جميعاً صيامنا وقيامنا وأن يصلح ولاة أمر المسلمين. وأن ينصر بهم دينه ويخذل بهم أعداءه وأن يوفق الجميع للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه في كل شيء إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه. (2)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/29)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/36)
المجلس الخامس
(آداب الصيام الواجبة) *
" الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على الصادق الأمين وعلى اله وصحبه أجمعين أما بعد " (1)
" شهر رمضان هو أفضل شهور العام لأن الله سبحانه وتعالى اختصه بأن جعل صيامه فريضة وركنا رابعا من أركان الإسلام وشرع للمسلمين قيام ليله كما قال صلى الله عليه وسلم" بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت " متفق عليه وقال عليه الصلاة والسلام (من قام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه " ( 2 )(1/27)
" فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذه الفرصة وهي ما من الله به عليه من إدراك شهر رمضان فيسارع إلى الطاعات ويحذر السيئات ويجتهد في أداء ما افترض الله عليه ولا سيما الصلوات الخمس فإنها عمود الإسلام وهي أعظم الفرائض بعد الشهادتين فالواجب على كل مسلم ومسلمة المحافظة عليها وأداؤها في أوقاتها بخشوع وطمأنينة.
ومن أهم واجباتها في حق الرجال أداؤها في الجماعة في بيوت الله التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه كما قال عز وجل "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين" وقال تعالى: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين" وقال عز وجل "قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون".. إلى أن قال عز وجل .". والذين هم على صلاتهم يحافظون. أولئك هم الوارثون، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون" وقال النبي صلى الله عليه وسلم "العهد الذي بيننا
---------------------------------------------------------------------------
(*) هناك آداب للصيام مستحبة منها 1-السحور لقوله صلى الله عليه وسلم (تسحروا فان في السحور بركة ) والسنة تأخيره مالم يخش طلوع الفجر 2- تعجيل الفطور إذا تحقق غروب الشمس بمشاهدتها أو غلب على ظنه الغروب بخبر موثوق به بأذان أو غيره لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) والسنة ان يفطر على رطب فان عدم فتمر فان عدم فماء. وغيرها من الآداب التي مر ذكرها في ثنايا الكتاب .انظر كتاب مجالس شهر رمضان صفحة (77) لفضيلة شيخنا محمد بن صالح العثيمين
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (5/166)
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (15/9)
وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"(1)(1/28)
"وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه "لقد رأينا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق" فاتقوا الله عباد الله في صلاتكم وحافظوا عليها في الجماعة وتواصوا بذلك في رمضان وغيره تفوزوا بالمغفرة ومضاعفة الأجر وتسلموا من غضب الله وعقابه ومشابهة أعدائه المنافقين".(2)
" وأهم الفرائض بعد الصلاة أداء الزكاة كما قال عز وجل "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة" وقال تعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون"(3) "فهي الركن الثالث من أركان الإسلام وهي قرينة الصلاة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم" فعظموها كما عظمها الله وسارعوا إلى إخراجها وقت وجوبها وصرفها إلى مستحقيها عن إخلاص لله عز وجل وطيب نفس وشكر للمنعم سبحانه واعلموا أنها زكاة وطهرة لكم ولأموالكم وشكر للذي أنعم عليكم بالمال ومواساة لإخوانكم الفقراء كما قال الله عز وجل" خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها" وقال سبحانه "اعملوا آل داود شكراً وقليلٌ من عبادي الشكور" وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه لليمن "إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" متفق على صحته. وينبغي للمسلم في هذا الشهر الكريم التوسع في النفقة والعناية بالفقراء والمتعففين وإعانتهم على الصيام والقيام تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم وطلباً لمرضاة الله سبحانه وشكرا لإنعامه وقد وعد الله سبحانه عباده المنفقين بالأجر العظيم والخلف الجزيل فقال(1/29)
سبحانه "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجرا" وقال تعالى: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين".(1)
" وأهم الأمور بعد الصلاة والزكاة صيام رمضان وهو أحد أركان الإسلام الخمسة المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم "بني الإسلام على خمس. شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت" ويجب على المسلم أن يصون صيامه وقيامه عما حرم الله عليه من الأقوال والأعمال؛ لأن المقصود بالصيام هو طاعة الله سبحانه وتعظيم حرماته وجهاد النفس على مخالفة هواها في طاعة مولاها وتعويدها الصبر عما حرم الله، وليس المقصود مجرد ترك الطعام والشرب وسائر المفطرات ولهذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم" وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"(2)
"واحذروا رحمكم الله كل ما يجرح الصوم وينقص الأجر ويغضب الرب عز وجل من سائر المعاصي كالربا والزنا والسرقة وقتل النفس بغير حق وأكل أموال اليتامى وأنواع الظلم في النفس والمال والعرض والغش في المعاملات والخيانة للأمانات وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم والشحناء والتهاجر في غير حق الله سبحانه. وشرب المسكرات وأنواع المخدرات كالقات والدخان والغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور والدعاوى الباطلة والأيمان الكاذبة وحلق اللحى وتقصيرها وإطالة الشوارب والتكبر وإسبال الملابس واستماع الأغاني وآلات الملاهي وتبرج النساء وعدم تسترهن من الرجال والتشبه بنساء الكفرة في لبس الثياب القصيرة"(1)(1/30)
و " مشاهدة الأفلام الخليعة التي يظهر فيها ما حرم الله من الصور العارية وشبه العارية، ومن المقالات المنكرة وهكذا ما يظهر في التلفاز مما يخالف شرع الله من الصور والأغاني وآلات الملاهي والدعوات المضللة كما يجب على كل مسلم صائماً كان أو غيره أن يحذر اللعب بآلات اللهو من الورق وغيرها من آلات اللهو لما في ذلك من مشاهدة المنكر وفعل المنكر ولما في ذلك أيضاً من التسبب في قسوة القلوب ومرضها واستخفافها بشرع الله والتثاقل عما أوجب الله من الصلاة في الجماعة أو غير ذلك من ترك الواجبات والوقوع في كثير من المحرمات" (1) " وهذه المعاصي التي ذكرناها محرمة في كل زمان ومكان ولكنها في رمضان أشد تحريماً وأعظم إثماً لفضل الزمان وحرمته" فاتقوا الله أيها المسلمون واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره وتواصوا بذلك وتعاونوا عليه لتفوزوا بالكرامة والسعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة والله المسئول أن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين جميعاً من أسباب غضبه وأن يتقبل منا جميعاً صيامنا وقيامنا وأن يصلح ولاة أمر المسلمين. وأن ينصر بهم دينه ويخذل بهم أعداءه وأن يوفق الجميع للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه في كل شيء إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ". (2)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (15/316)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (15/36)
المجلس السادس
(الأعذار المبيحة للفطر)
" الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين وعلى اله وصحبه أجمعين أما بعد " (1)
(فإليك أيها المسلم بيان الأعذار المبيحة للفطر في رمضان وهي كالتالي
أولا: المرض)
" المريض الذي يشق عليه الصيام , يشرع له الإفطار ومتى شفاه الله(1/31)
قضى ما عليه لقول الله سبحانه { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر" (2)
"وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته بشرط أن يكون المريض يشق عليه الصوم أما إذا لم يشق عليه فليس له الفطر , لانه لا يعتبر معذورا "(3)
" لكن إذا كان المريض لايرجى برؤه بشهادة الأطباء الثقات فلا يلزمه الصوم ولا القضاء وعليه أن يطعم مسكيناً عن كل يوم وهو نصف صاع بالصاع النبوي من قوت البلد ومقداره كيلو ونصف تقريبا " (4)
" ويجوز دفع الكفارة عن جميع رمضان دفعة واحدة في أول الشهر أو آخره أو في أثنائه لفقير واحد أو أكثر "(5)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 4/180)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/217)
3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/235)
4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/175)
5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/175)
ثانيا : الحمل والرضاعة))
" الحامل والمرضع حكمهما حكم المريض إذا شق عليهما الصوم شرع لهما الفطر وعليهما القضاء عند القدرة على ذلك كالمريض وذهب بعض أهل العلم إلى انه يكفيهما الإطعام عن كل يوم إطعام مسكين وهو قول ضعيف مرجوح والصواب أن عليهما القضاء كالمسافر والمريض لقول الله عزوجل ( فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من أيام أخر ) وقد دل على ذلك أيضا حديث انس بن مالك الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحبلى والمرضع الصوم ) رواه الخمسة "(1)
ثالثا : السفر(1/32)
"المسافر مخير بين الصوم والفطر وظاهر الأدلة الشرعية أن الفطر أفضل"(2) " وإن لم يشق عليه الصوم لقوله سبحانه وتعالى "ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم كانوا يفطرون في السفر ومن صام فلا حرج عليه لان النبي صلى الله عليه وسلم صام في السفر وأفطر وسأله حمزة بن عمرو الأسلمي عن ذلك فقال: " إن شئت فصم وان شئت فأفطر ""(3) "ولافرق في ذلك بين من سافر على السيارات أو على الجمال أو على السفن والبواخر وبين من سافر في الطائرات . فإن الجميع يشملهم أسم السفر ويترخصون برخصه و الله سبحانه شرع للعباد أحكام السفر والإقامة في عهده صلى الله عليه وسلم ولمن جاء بعده إلى يوم القيامه فهو سبحانه يعلم ما يقع من تغير الأحوال وتنوع وسائل السفر ولو كان الحكم يختلف لنبه عليه سبحانه كما قال عز وجل في سورة النحل " ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين" وقال سبحانه أيضا " والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لاتعلمون "(4)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/225)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/236)
3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/234)
4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/238)(1/33)
"ولكن إذا علم المسلم بأن فطره في السفر سيثقل عليه القضاء فيما بعد ويكلفه في المستقبل ويخشى أن يشق عليه فصام ملاحظة لهذا المعنى فذلك خير ولا حرج فيه سواء كانت وسائل النقل مريحة او شاقة لإطلاق الأدلة ""(1) "لكن إذا أشتد الحر وعظمت المشقة تأكد الفطر وكره الصوم للمسافر, لأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً قد ظلل عليه في السفر من شدة الحر وهو صائم قال عليه الصلاة والسلام" ليس من البر الصوم في السفر " ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته " وفي لفظ كما يحب أن تؤتى عزائمه "(2) "
(تنبيه)
"إذا مر المسافر ببلد غير بلده وهو مفطر , فليس عليه أن يمسك إذا كانت إقامته فيها أربعة أيام فأقل""(3) " وليس له أن يظهر تعاطي المفطرات بين المقيمين الذين لايعرفون
حاله بل عليه أن يستتر بذلك حتى لا يتهم بتعاطيه ما حرم الله عليه وحتى لا يجرؤ غيره على ذلك ""(4) " اما إن كان عزم على الإقامة فيها أكثر من أربعة أيام فإنه يمسك ذلك اليوم الذي قدم فيه مفطراً ويقضيه ويلزمه الصوم في بقية الأيام لأنه بنيته المذكورة . صار في حكم المقيمين لا في حكم المسافرين عند أكثر العلماء" "(5)
رابعا : الحيض))
" إذا حاضت المرأة تركت الصلاة والصيام فإذا طهرت قضت ما أفطرته من أيام رمضان ولا تقضي ما تركت من الصلوات لما رواه البخاري وغيره في بيان النبي صلى الله عليه وسلم لنقصان دين المرأة من قوله صلى الله عليه وسلم: " أليست إحداكن إذا حاضت لاتصوم ولا تصلي " ولما رواه البخاري ومسلم عن معاذة أنها سألت عائشة - رضي الله عنها-" ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت عائشة- رضي الله عنها- :
1 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز) ( 15/236)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/237)(1/34)
3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/244)
4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/256)
5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/244)
أحرورية أنتِ؟ قالت: لست بحرورية ولكني أسأل فقالت: كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ". رواه البخاري ومسلم وغيرهما وهذا من رحمة الله سبحانه بالمرأة ولطفه بها لما كانت الصلاة تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات ويتكرر الحيض كل شهر غالباً أسقط الله عنها وجوب الصلاة وقضاءها لما في قضائها من المشقة العظيمة أما الصوم فلما كان لا يتكرر إلا في السنة مرة واحدة أسقط الله عنها الصوم في حال الحيض رحمة بها وأمرها بقضائه بعد ذلك تحقيقاً للمصلحة الشرعية في ذلك." "(1)
( خامسا : النفاس)
"النفاس هو الدم الذي يخرج بسبب الولادة فما دامت المرأة ترى الدم في الأربعين فلا تصلي ولا تصوم ولا يحل لزوجها وطؤها حتى تطهر أو تكمل أربعين فإن أستمر الدم حتى كملت الأربعين وجب أن تغتسل عند نهاية الأربعين لأن النفاس لا يزيد عن أربعين يوما على الصحيح فتغتسل وتصلي وتحل لزوجها وتتحفظ من الدم بالقطن ونحوه حتى لا يصيب ثيابها وبدنها ويكون حكم هذا الدم حكم دم المستحاضة لا يمنع من الصلاة ولا من الصوم ولا يمنع زوجها منها وعليها أن تتوضأ لكل صلاة أما إن رأت الطهر قبل الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتصوم وتحل لزوجها مادامت طاهرة ولو لم يمض من الأربعين إلا أيام قليلة فان عاد عليها في الأربعين لم تصل ولم تصم ولم تحل لزوجها حتى تطهر أو تكمل الأربعين ""(2)
(تنبيه)(1/35)
"المستحاضة هي التي يكون معها دم لا يصلح أن يكون حيضا ولا نفاسا وحكمها حكم الطاهرات تصوم وتصلي وتحل لزوجها وتتوضأ لكل صلاة كأصحاب الحدث الدائم من بول أو ريح او غيرهما وعليها أن تتحفظ من الدم بقطن أو نحوه حتى لا يلوث بدنها ولا ثيابها كما صحت الأحاديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم." (3)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/183)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/196)
3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/195)
(سادسا: العجز لكبر السن )
" إذا كان الشيخ الكبير و العجوز الكبيرة يشق عليهما الصوم فلهما الإفطار ويطعمان عن كل يوم مسكيناً إما بتشريكه معهما في الطعام أو دفع نصف صاع من التمر أو الحنطة أو الأرز للمسكين كل يوم فإذا كانا مع ذلك مريضين بقرحة او غيرها تأكد عليهما الفطر ولا إطعام عليهما لأنهما حينئذ إنما أفطرا من أجل المرض لا من أجل الكبر فإذا شفيا قضيا عدد الأيام التي أفطراها. فإن عجزا عن القضاء بسبب الكبر أطعما عن كل يوم مسكيناً كما تقدم هكذا أفتى ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من أهل العلم وأدلة ذلك معلومة منها قوله تعالى{ ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) والعاجز الكبير لا يستطيع القضاء فوجب عليه الإطعام بدلاً من ذلك . وكان أنس أبن مالك - رضي الله عنه - خادم النبي صلى الله عليه وسلم لما كبرت سنه وشق عليه الصوم أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً " "(1) " أما إذا كان قد أختل شعوره فليس عليه شيء لاطعام ولا غيره "."(2)
" اسأل الله عز وجل أن يمنحنا وإياكم وسائر المسلمين الفقه في دينه والاستقامة عليه وان يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا انه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه " (3)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/202)(1/36)
2 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز) ( 15/209)
3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 6/ 241)
المجلس السابع
مفسدات الصيام))
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه وإتباعه بإحسان
( يأيها الذين امنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون )
( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )
( يأيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )
أما بعد
فإليك أيها المسلم الأمور التي تفسد الصوم وهي كالتالي)
الأكل والشرب: )-أولا
" الواجب على المسلم الذي يصوم صوم فرض أن يمسك عن الأكل إذا طلع الفجر فإن أكل بعد طلوع الفجر أو شرب بطل صومه . ووجب عليه القضاء لقول الله سبحانه(1/37)
" وكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل" (1) (و) "من أكل أو شرب شاكاً في طلوع الفجر فلا شيء عليه وصومه صحيح ما لم يتبين أنه أكل أو شرب بعد طلوع الفجر لأن الأصل بقاء الليل والمشروع للمؤمن أن يتناول السحور قبل وقت الشك احتياطا لدينه وحرصاً على كمال صيامه أما من أكل وشرب شاكاً في غروب الشمس فقد أخطأ وعليه القضاء لأن الأصل بقاء النهار ولا يجوز للمسلم أن يفطر إلا بعد التأكد من غروب الشمس أو غلبة الظن بغروبها " (2) " ومن رأى مسلماً يشرب في نهار رمضان أو يأكل أو يتعاط شيئاً من المفطرات الأخرى ناسياً أو متعمداً وجب إنكاره عليه لأن إظهار ذلك في نهار الصوم منكر ولو كان صاحبه معذورا في نفس الأمر حتى لا يجترئ الناس على إظهار ما حرم الله من المفطرات في نهار الصيام بدعوى النسيان وإذا كان من أظهر ذلك صادقاً في دعوى النسيان فلا قضاء عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم" من نسي وهو صائم فأكل او شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " (3) متفق على صحته
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/283)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/290)
3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/256)
ثانيا : ما كان في معنى الأكل والشرب وهو شيئان :-)
حقن الدم للصائم):
"يلزمه القضاء بسبب ما يزود به من الدم النقي فإن زود مع ذلك بمادة أخرى فهي مفطر
آخر "(1)
الإبر المغذية))
الإبر المغذية تفطر الصائم إذا تعمد استعمالها أما الإبر العادية فلا تفطر الصائم" (2)"
"
ثالثا: خروج دم الحيض أو النفاس): )(1/38)
" على الحائض والنفساء أن تفطرا وقت الحيض والنفاس . ولا يجوز لهما الصوم ولا الصلاة في حال الحيض والنفاس ولا يصحان منهما وعليهما قضاء الصوم دون الصلاة لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: هل تقضي الحائض الصوم والصلاة؟ فقالت: " كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة "(3) متفق على صحته
" ولو أحست المرأة بأعراض الحيض قبل الغروب من الوجع والتألم ولكنها لم تره خارجاً إلا بعد غروب الشمس فإن صومها صحيح لأن الذي يفسد الصوم إنما هو خروج دم الحيض وليس الإحساس به "(4)
رابعا: التقيؤ عمداً ): )
من تعمد القيء فسد صومه لقول النبي صلى الله عليه وسلم "
من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء "(5)
" اسأل الله بأسمائه الحسنى أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين لما يرضيه وان يرزق الجميع الاستقامة على الحق وان ينصر دينه ويعلي كلمته وان يصلح أحوال المسلمين جميعا في كل مكان وان يولي عليهم خيارهم وان يوفقهم لكل ما فيه رضاه ولكل ما فيه صلاح العباد والبلاد وان يعينهم على كل خير وان يصلح لهم البطانة ويجعلهم هداة مهتدين صالحين مصلحين وان
يوفقهم لتحكيم شريعة الله في عباده وإلزام الشعوب بها وان يعيذهم من نزغات الشيطان ومضلات الفتن انه ولي ذلك والقادر عليه وان يوفق المسلمين في كل مكان للفقه في الدين والاستقامة عليه والتعاون على البر والتقوى وان يعيننا وإياكم على ما فيه رضاه وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وأصحابه وأتباعه بإحسان " (6)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/275)
2) (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز 15/258)
3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/182)
4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/192)
5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/16)(1/39)
6) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 6/49)
المجلس الثامن
بقية مفسدات الصوم))
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لااله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه وإتباعه بإحسان
" يأيها الذين امنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون "
" يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا "
" يأيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما "
أما بعد
فإليك أيها المسلم بقية الأمور التي تفسد الصوم وهي كالتالي)
خامسا : إخراج الدم بالحجامة ):
" الدم المفسد للصوم هو الدم الذي يخرج بالحجامة لقول
ويقاس على الحجامة)النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم "
ما كان بمعناها مما يفعله الإنسان باختياره فيخرج منه دم كثير يؤثر على البدن ضعفاً فإنه يفسد الصوم كالحجامة لأن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين الشيئين المتماثلين كما أنها لا تجمع بين الشيئين المفترقين , أما ما خرج من الإنسان بغير قصد كالرعاف وكالجرح للبدن من السكين عند تقطيع اللحم أو وطئه على زجاجه أو ما أشبه ذلك . فإن ذلك لا يفسد الصوم ولو خرج منه دم كثير كذلك لو خرج دم يسير لا يؤثر كتأثير الحجامة كالدم الذي يؤخذ للتحليل لا يفسد الصوم أيضاً "(1)
- سادسا : الجماع وهو إيلاج الذكر في الفرج))(1/40)
" إذا جامع الرجل زوجته في نهار رمضان فعلى كل واحد منها كفارة وهي عتق رقبة مؤمنه فإن عجزا فعليهما صيام شهرين متتابعين على كل واحد منهما إذا كانت مطاوعه فإن عجزا فعليهما إطعام ستين مسكيناً فيكون عليهما إطعام ستين مسكيناً ثلاثين صاعاً على كل واحد
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/272)
منهما من قوت البلد . لكل فقير صاع نصفه عن الرجل ونصفه عن المرأة عند العجز عن
العتق والصيام . وعليهما قضاء اليوم الذي حدث فيه الجماع مع التوبة إلى الله والإنابة إليه
والندم والإقلاع والاستغفار لأن الجماع في نهار رمضان منكر عظيم لا يجوز من كل من يلزمه الصوم " (1) " أما إن كان مسافراً أو مريضاً مرضاً يبيح له الفطر فلا كفارة عليه ولا حرج عليه وعليه قضاء اليوم الذي جامع فيه لأن المريض والمسافر يباح لهما الفطر بالجماع وغيره كما قال الله سبحانه: " فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر " وحكم المرأة في هذا حكم الرجل إن كان صومها واجبا وجبت عليها الكفارة مع القضاء وإن كانت مسافرة أو مريضة مرضاً يشق معه الصوم فلا كفارة عليها""(2)
سابعا : خروج المني عن شهوة ))
"أما خروج المني عن شهوه فانه يبطل الصوم سواء حصل عن مباشرة أو قبلة أو تكرار نظر أو غير ذلك من الأسباب التي تثير الشهوة كالاستمناء ونحوه ""(3)
(تنبيه)
(أمور لا تفسد الصوم وهي كالتالي:
الكحل ) - 1
" الكحل لا يفطر النساء ولا الرجال في أصح قولي العلماء مطلقاً ولكن استعماله في الليل أفضل في حق الصائم وهكذا ما يحصل به تجميل الوجه من الصابون والأدهان وغير ذلك مما يتعلق بظاهر الجلد ومن ذلك الحناء والمكياج وأشباه ذلك. كل ذلك لا حرج فيه في حق الصائم مع أنه لا ينبغي استعمال المكياج إذا كان يضر الوجه." (4)
2(- استعمال معجون الأسنان)(1/41)
تنظيف الأسنان بالمعجون لا يفطر به الصائم كالسواك وعليه التحرز من ذهاب شيء منه إلى جوفه فإن غلبه شيء من ذلك بدون قصد فلا قضاء عليه. (5)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/302)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/308)
3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/268)
4 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز) ( 15/260)
5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/260)
3- (قطرة العين والأذن)
" قطرة العين والأذن لا يفطر بهما الصائم في أصح قولي العلماء فإن وجد طعم القطور في حلقه. فالقضاء أحوط ولا يجب. لأنهما ليسا منفذين للطعام والشراب أما القطرة في الأنف فلا تجوز لأن الأنف منفذ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" وعلى من فعل ذلك القضاء لهذا الحديث وما جاء في معناه إن وجد طعمها في حلقه." "(1)
4-(الاحتلام و التفكير)
"اما الاحتلام والتفكير فلا يبطل الصوم بهما ولو خرج مني بسببهما "(2) " وعليه أن يغتسل غسل الجنابة إذا رأى الماء وهو المني . ولو احتلم بعد صلاة الفجر وأخر الغسل إلى وقت صلاة الظهر فلا بأس وهكذا لو جامع أهله في الليل ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر لم يكن عليه حرج في ذلك فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح جنباً من جماع ثم يغتسل ويصوم. وهكذا الحائض والنفساء لو طهرتا في الليل ولم تغتسلا إلا بعد طلوع الفجر لم يكن عليهما بأس في ذلك وصومهما صحيح. ولكن لا يجوز لهما ولا للجنب تأخير الغسل أو الصلاة إلى طلوع الشمس بل يجب على الجميع البدار بالغسل قبل طلوع الشمس حتى يؤدوا الصلاة في وقتها ". (2)
5- (مداعبة الزوجة)(1/42)
" تقبيل الرجل امرأته ومداعبته لها ومباشرته لها بغير الجماع وهو صائم كل ذلك جائز ولا حرج فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم لكن إن خشي الوقوع فيما حرم الله عليه لكونه سريع الشهوة. كره له ذلك فإن أمنى لزمه الإمساك والقضاء ولا كفارة عليه عند جمهور أهل العلم، أما المذي فلا يفسد به الصوم في أصح قولي العلماء لأن الأصل السلامة وعدم بطلان الصوم ولأنه يشق التحرز منه " (4)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/260)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/268)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/277)
4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/315)
6- (بلع اللعاب)
" اللعاب لا يضر الصوم لأنه من الريق فان بلع فلا باس وان بصق فلا باس أما النخامة وهي ما يخرج من الصدر او من الأنف ويقال لها النخاعة وهي البلغم الغليظ الذي يحصل للإنسان تارة من الصدر وتارة من الرأس هذه يجب على الرجل والمرأة بصقه وإخراجه وعدم ابتلاعه "(1)
" أيها المسلمون إن الصوم عمل صالح عظيم و ثوابه جزيل ولا سيما صوم
فعظموه رحمكم الله بالنية الصالحة والاجتهاد في حفظ صيامه وقيامه)رمضان " (2)
والمسابقة فيه إلى الخيرات والمبادرة فيه إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب(1/43)
والسيئات "(3) " . واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره وتواصوا بذلك وتعاونوا عليه وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر لتفوزوا بالكرامة والسعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة والله المسئول أن يعيذنا وإياكم و سائر المسلمين من أسباب غضبه وأن يتقبل منا جميعا صيامنا وقيامنا وأن يصلح ولاة أمر المسلمين وأن ينصر بهم دينه ويخذل بهم أعداءه وأن يوفق الجميع للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه في كل شيء إنه على كل شيء قدير وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين (4)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/313)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/ 25)
3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/ 23)
4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/ 36)
المجلس التاسع
أحكام القضاء))
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لااله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه وإتباعه بإحسان
" يأيها الذين امنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون "
" يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا "
" يأيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما "
أما بعد
فإليك أيها المسلم بعض أحكام القضاء لمن افطر في رمضان))
" كل من عليه أيام من رمضان يلزمه أن يقضيها قبل رمضان القادم "(1)(1/44)
"فإذا أفطر يومين أو ثلاث أو أكثر وجب عليه القضاء ولا يلزمه التتابع إن تابع فهو أفضل وإن لم يتابع فلا حرج" (2) "وله أن يؤخر القضاء إلى شعبان فإن جاء رمضان الثاني ولم يقضها من غير عذر أثم بذلك وعليه القضاء مستقبلاً مع أطعام مسكين عن كل يوم كما أفتى بذلك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومقدار الطعام نصف صاع عن كل يوم من قوت البلد يدفع لبعض المساكين ولو واحدا . أما إن كان معذوراً في التأخير لمرض أو سفر فعليه القضاء فقط ولا إطعام عليه لعموم قوله سبحانه" ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر "
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/340)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/352)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/340)
تنبيه))
" إذا أفطر المسلم في رمضان لمرض ومات في مرضه فليس عليه شيء لا قضاء ولا إطعام لأنه معذور ولم يتمكن من القضاء " (1)
" وهكذا المسافر إذا مات في السفر أو بعد القدوم مباشرة فلا يجب القضاء عنه ولا الإطعام لأنه معذور شرعاً . أما من شفي من المرض وتساهل في القضاء حتى مات أو قدم من السفر وتساهل في القضاء حتى مات فإنه يشرع لأوليائهما وهم الأقرباء - القضاء عنهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم" من مات وعليه صيام صام عنه وليه" (2)(1/45)
" ولما روى الإمام أحمد رحمه بإسناد صحيح عن أبن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أمي ماتت وعليها صوم رمضان أفأصوم عنها؟ قال: " أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ أقضوا الله فالله أحق بالوفاء " فهذا الحديث والذي قبله و ما جاء في معناهما كلها تدل على أن الصوم يقضى عن الميت سواء كان نذراً أو صوم رمضان أو كفارة في أصح أقوال أهل العلم . "(3) " فإن لم يتيسر من يصوم عنهما أطعم عنهما من تركتهما عن كل يوم مسكين نصف صاع ومقداره كيلو ونصف على سبيل التقدير كالشيخ الكبير العاجز عن الصوم والمريض الذي لايرجى برؤه وهكذا الحائض والنفساء إذا تساهلتا في القضاء حتى ماتتا فإنه يطعم عنهما عن كل يوم مسكين إذا لم يتيسر من يصوم عنهما ومن لم يكن له تركه يمكن الإطعام منها فلا شيء عليه لقول الله عز وجل "لايكلف الله نفساً إلا وسعها" وقوله " فأتقو الله ما استطعتم"(4) " واسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وان يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وان يهدينا جميعا صراطه المستقيم وان يجعلنا وإياكم من المسارعين إلى كل خير والمتباعدين عن كل شر وان يوفق ولاة أمرنا لكل خير وان ينصر بهم دينه وان يصلح لهم البطانة وان يعينهم على كل خير وان يعيذهم من كل شر وان يوفق جميع المسئولين لكل ما فيه رضاه والى ما فيه صلاح العباد والبلاد كما اسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان وان يولي عليهم خيارهم وان يصلح قادتهم وان يمنحهم الفقه في الدين والثبات عليه انه سميع قريب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وأصحابه وإتباعه بإحسان " (5)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/368)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/367)(1/46)
3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/372)
4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/367)
5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 7/ 280)
المجلس العاشر
الشريعة الاسلامية ومحاسنها وضرورة البشر اليها
"الحمد لله الذي ارتضى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم دين الإسلام وجعل شريعة محمد صلى الله عليه وسلم خاتمة الشرائع وأكملها وأرسل بها أفضل خلقه محمدا صلى الله عليه وسلم وبعد" (1)(1/47)
(الشريعة الإسلامية) " شريعة التيسير وشريعة المسامحة وشريعة الرحمة والإحسان وشريعة المصلحة الراجحة وشريعة العناية بكل ما فيه نجاة العباد وسعادتهم وحياتهم الطيبة في الدنيا والآخرة . فالله جل وعلا بعث نبينا وإمامنا محمد عليه الصلاة والسلام بشريعة كاملة منتظمة للمصالح العاجلة والآجلة . فيها الدعوة إلى كل خير وفيها التحذير من كل شر وفيها توجيه العباد إلى أسباب السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة وفيها تنظيم العلاقات بين العباد وبين ربهم وبين أنفسهم تنظيماً عظيماً حكيماً وأهم ذلك وأعظمه ما جاءت به الشريعة العظيمة الكاملة من إصلاح الباطن وتوجيه العباد إلى ما فيه صلاح قلوبهم واستقامتهم على دينهم وإيجاد وازع قلبي إيماني يزعهم إلى الخير والهدى ويزجرهم عن أسباب الهلاك والردى وما ذلك إلا لأن صلاح الباطن واستقامة القلوب وطهارتها هو الأصل الأصيل والركيزة العظيمة لإصلاح العبد من جميع الوجوه وتأهيله لتحمله الشريعة وأداء الأمانة وإنصافه من نفسه ولأدائه الحق الذي عليه لإخوانه . ولهذا جاءت الآيات القرآنية الكريمة بالحث على خشية الله وخوفه ومراقبته ورجائه ومحبته والتوكل عليه سبحانه والإخلاص له والإيمان به و علق سبحانه على ذلك المغفرة والجنة والرضا والكرامة كما قال جل وعلا { إن الذين يخشون ربهم لهم مغفرة وأجر كبير } وقال عز وجل { ولمن خاف مقام ربه جنتان } وقال عز وجل { فاعبد الله مخلصاً له الدين . الا الله الدين الخالص } ثم إنه سبحانه وتعالى مع ذلك شرع للناس عبادات تصلهم بالله وتقربهم لديه وتزكيهم وتقوي في قلوبهم محبته والتوكل عليه والأنس بمناجاته وذكره والتلذذ بطاعته سبحانه وتعالى شرع لهم الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر لما في ذلك من
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 2/ 277)(1/48)
استشعار تعظيم الذي شرع هذه العبادة التي بها تطهيرهم من ذنوبهم وتطهيرهم من أحداثهم وتنظيفهم وتنشيطهم على العمل وجعل هذه الطهارة مفتاحا للصلاة التي هي أعظم عبادة وأكبر عبادة بعد الشهادتين وشرع لهم الصلاة وجعلها في أوقات متعددة حتى لا يغفل العبد عن ذكر ربه وحتى لا ينسى ربه ثم شرع الله للناس أيضاً زكاة وجعلها حقاً في أموالهم يربط الأغنياء بالفقراء ويصلهم بهم وفي ذلك فوائده كثيرة منها مواساة الفقراء والإحسان إليهم ومنها مواساة ابن السبيل ومنها مواساة المؤلفة قلوبهم وتقوية إيمانهم ودعوتهم إلى الخير ومنها مساعدة الرقاب على العتق وفك الاسارى ومنها أيضا مساعدة الغارمين على قضاء ديونهم ومنها مساعدة الغزاة على الجهاد في سبيل الله . أما الصوم فكلكم يعلم ما فيه من الخير العظيم والمصالح الكبيرة التي منها تطهير النفس من أشرها وبطرها وشحها وبخلها وكبرها ومنها تمرين العبد على مخالفة الهوى وتعويده الصبر على ما يشق على النفس إذا كان في ذلك طاعة ربه ورضاه ثم إن هذه الشريعة العظيمة أيضاً نظمت العلاقات بين الأسرة في نفسها ،أسرة الإنسان وقراباته بما شرع الله من صلة الرحم والمواريث والتعاون فيما بين الأسرة حتى تكون مرتبطة متعاونة على ما يرضي ربنا عز وجل وهكذا شرع العلاقات الطيبة بين المسلمين في جميع المعاملات فجعلهم إخوة يتحابون في الله ويتعاونون على الخير في جميع المجالات وأوجب عليهم أن يحب بعضهم لبعض الخير ويكره له الشر وأن يكونوا فيما بينهم متحابين متناصحين متعاونين حتى يكونوا كتلة واحدة وجماعة واحدة وصفاً واحداً وأمة واحدة { إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } ويقول جل وعلا { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم } ويقول عز وجل { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا }(1/49)
ويقول عز وجل { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب } فبهذا الاجتماع وهذا التعاون يحميهم الله من شر أعدائهم ومكائدهم ويجعل لهم الهيبة في قلوب الأعداء
ومن محاسن هذه الشريعة أيضاً أنها جعلت للمعاملات بين المسلمين نظاماً حكيماً يتضمن العدل والإنصاف وإقامة الحق فيما بينهم من دون محاباة لقريب أو صديق كما قال جل وعلا {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } وقال جل وعلا {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا} ومن محاسن هذه الشريعة وعظمتها وصلاحها لكل أمة ولكل زمان ومكان أن علق سبحانه وتعالى معاملاتهم على جنس العقود وجنس البيع وجنس الإجارة ونحو ذلك من دون أن يحدد لهذه العقود ألفاظاً معينة خاصة حتى يتعامل كل قوم وكل أمة بما تقتضيه عوائدهم وعرفهم ومقاصدهم ولغتهم وما يقتضيه النظر في العواقب . كما شرع لهم في أنكحتهم وطلاقهم ونفقاتهم ودعاواهم وخصوماتهم نظاماً حكيماً يتضمن الإنصاف والعدل وأن تراعى في ذلك العوائد والعرف والاصطلاحات والبينات والمقاصد والظروف والأزمنة والأمكنة في حدود الشريعة ومن محاسنها أيضاً أنها جعلت للناس الحرية في الكسب والأخذ والعطاء فيكتسب المسلم ويأخذ ويعطي في حدود الشريعة كما قال تعالى { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } وحرمت على الإنسان دم أخيه وماله وعرضه إلا بحق وهذا كله من محاسن هذه الشريعة وعظمتها ومن تأمل هذه الشريعة في مواردها ومصادرها ونظر ما جاءت به من الأحكام العادلة والإحسان إلى الخلق ورعاية الفقراء والمحاويج والصغار والكبار وغيرهم حتى البهائم اعتنت بها الشريعة وحرمت ظلمها والتعدي عليها عرف أنها شريعة من حكيم حميد خبير بأحوال عباده عليم بما يصلحهم وبذلك يتضح للبيب أن العباد جميعا في أشد الضرورة إلى هذه الشريعة لما فيها من(1/50)
حل مشاكلهم ولما فيها من أحكام عادلة ولما فيها من التوسط فهي وسط بين طرفين عدل بين جورين في جميع أمورها لا تطرف في غلو ولا تطرف في جفاء فمن تأمل هذا الأمر وعني به عرف أنها دين ودولة ومصحف وسيف عباده وحسن معامله جهاد وأعمال صالحة . إنفاق وإحسان وطاعة لله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم توبة من الماضي وعمل للمستقبل فيها كل خير فهي جمعت خير الدنيا والآخرة لا يجوز أن يفصل ديننا عن دنيانا ولا دنيانا عن ديننا بل ديننا ودنيانا مرتبطان ارتباطا وثيقاً في هذه الشريعة كما قال تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً } فهي حاكمه على الناس كلهم على الأمراء وغير الأمراء على الأفراد وعلى الجماعات عليهم جميعاً أن يكونوا تحت حكمها وتحت سلطانها في كل شيء ولهذا كانت هذه الشريعة العظيمة أعظم شريعة وأكمل شريعة وكان البشر في أشد الضرورة إلى أن يعتنقوها ويلتزموها ولا حل لمشاكلهم ولا سعادة لهم أبداً ولا نجاة للمسلمين مما وقعوا فيه اليوم من التفرق والاختلاف والضعف والذل إلا بالرجوع إليها والتمسك بها والسير على تعاليمها ومنهاجها
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً للفقه فيها والعمل بها وأن يهدينا جميعاً وسائر عباده للأخذ بها والسير على ضوئها والاهتداء بنورها إنه جواد كريم كما أسأله عز وجل أن يصلح ولاة المسلمين جميعاً وان يوفقهم للتمسك بهذه الشريعة والعمل بها والتحاكم إليها والحكم بها في كل شيء وأن يعيذنا وإياهم من بطانة السوء ومن دعاة الضلال إنه على كل شيء قدير وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين" (1)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 2/228) باختصار
المجلس الحادي عشر
وجوب إخلاص العبادة لله والحذر من الشرك(1/51)
" الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد : فهذه نصيحة أقدمها لإخواني في الله للتذكير بحقه والدعوة إلى طاعته عملا بقوله تعالى : وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ وقوله سبحانه : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وقوله سبحانه : وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وقول النبي صلى الله عليه وسلم : الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم رواه مسلم .(1/52)
وأعظم ما أوصيكم به ونفسي تقوى الله سبحانه في جميع الأحوال وهي وصية الله ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في خطب كثيرة : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وحقيقة التقوى فعل ما أوجب الله من الطاعة واجتناب ما حرم الله من المعصية وقد أمر الله بالتقوى ووعد أهلها بتفريج الكروب وتيسير الأمور وغفران السيئات وإعظام الأجر والرزق من حيث لا يحتسبون قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ وقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا وقال تعالى : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ وقال سبحانه : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا وقال تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ والآيات في الأمر بالتقوى والحث عليها وبيان ما أعد لأهلها من الخير الكثير كثيرة معلومة .(1/53)
فالواجب علينا وعليكم أيها الإخوة في الله تقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلانية والشدة والرخاء وذلك بفعل ما أوجب الله عليكم من الصلاة والزكاة وغير ذلك من الطاعات وترك ما حرم الله عليكم من جميع الذنوب والمنكرات فمن فعل ما أوجب الله عليه واجتنب ما نهاه الله عنه رغبة في ثواب الله وحذرا من عقابه فهو من المتقين الموعودين بالنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة .
وأعظم ما يجب على العبد إخلاص العبادة لله وحده وترك الشرك كله كما قال تعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وقال تعالى : فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وقال تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وهذا معنى لا إله إلا الله . لأن معناها بإجماع أهل العلم لا معبود حق إلا الله كما قال سبحانه في سورة الحج : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ فمن صلى لغير الله أو صام لغير الله أو سجد لغير الله أو دعا غير الله كالأموات والأشجار والأحجار ونحو ذلك فقد أشرك بالله وأبطل قول لا إله إلا الله كذلك من ذبح لغير الله كالذين يذبحون للأولياء والجن والزيران تقربا إليهم أو خوفا من شرهم فكل هذا من الشرك الذي حرمه الله وتوعد أهله بالنار كما قال تعالى : قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ والنسك هو الذبح قال تعالى : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ وقال تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وقال تعالى إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ وقال(1/54)
النبي صلى الله عليه وسلم من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار وقال النبي صلى الله عليه وسلم من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله من ذبح لغير الله ومن الشرك الأصغر الرياء والحلف بغير الله كالحلف بالكعبة والحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم والحلف بالأمانة وغير ذلك من المخلوقات لقول النبي صلى الله عليه وسلم أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا يا رسول الله ما هو ؟ قال الرياء وقال النبي صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت متفق عليه وقال عليه الصلاة والسلام من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بإسناد صحيح وروى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف بشيء دون الله فقد أشرك وقال صلى الله عليه وسلم من حلف بالأمانة فليس منا
والأحاديث في النهي عن الحلف بغير الله والترهيب في ذلك كثيرة فالواجب على جميع المسلمين الحذر والتحذير من ذلك وتخصيص الله سبحانه بالحلف مع تحري الصدق في ذلك ؛ لأن الحلف تعظيم للمحلوف به والله سبحانه هو المستحق لكل تعظيم وإجلال .(1/55)
ومن أنواع الشرك الأصغر قول (ما شاء الله وشئت يا فلان) ( وهذا من الله ومنك) ( لولا الله وأنت ) ( ولولا الله وفلان) وهذا كله من الشرك الأصغر لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان وقال ابن عباس في قول الرجل لصاحبه (ما شاء الله وشئت) ( ولولا الله وفلان) هذا كله بالله شرك وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت قال أجعلتني لله ندا ؟ ما شاء الله وحده فالواجب على كل مسلم أن يتفقه في دينه وأن يحذر الشرك كله قليله وكثيره وصغيره وكبيره وأن يتفقه في الدين ويسأل عما أشكل عليه لقول الله تعالى فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ وقال تعالى : وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين(1/56)
ومن المنكرات الشركية أيضا : السحر والكهانة والتطير وتعليق التمائم سواء كانت من القرآن أو غيره والرقى التي فيها شرك والتي لا يعرف معناها . وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : اجتنبوا السبع الموبقات قلنا وما هن يا رسول الله ؟ قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات وروى النسائي عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئا وكل إليه وقال صلى الله عليه وسلم : ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وروى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل صلاته أربعين ليلة وقال صلى الله عليه وسلم : إن الرقى والتمائم والتولة شرك وقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا رواه مسلم .(1/57)
والرقى التي لا يعرف معناها يجب تركها والنهي عنها مخافة أن يكون فيها شرك وروى الإمام أحمد رحمه الله عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له وفي رواية له ومن تعلق تميمة فقد أشرك وقال ابن مسعود رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الطيرة شرك الطيرة شرك وفي المسند عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك قالوا فما كفارة ذلك يا رسول الله ؟ قال أن تقول اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك والأحاديث في التحذير من الكهانة والسحر والطيرة والترهيب من سؤال الكهان والسحرة وتصديقهم كثيرة فالواجب على المسلم الحذر من هذه المنكرات وإنكارها على من تعاطاها حذرا من عقاب الله وطلبا لثوابه وامتثالا لأمره وامر رسوله صلى الله عليه وسلم .
. نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية والتوفيق لما يرضيه وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا وأن يمن علينا بخشيته ومراقبته وأن ينصر دينه ويخذل أعداءه وأن يوفق ولاة أمرنا وسائر أمراء المسلمين لما يرضيه ويصلح بطانتهم وأن يعيذ الجميع من مضلات الفتن آمين . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 6/66) باختصار
المجلس الثاني عشر
حقيقة التقوى))
الحمد لله والصلاة والسلام على من لانبي بعده , وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد. (1)(1/58)
: فالموجب لهذا هو النصيحة والتذكير عملا بقول الله تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) وقوله تعالى :( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) وقوله سبحانه : بسم الله الرحمن الرحيم ( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُواوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : "الدين النصيحة " قيل لمن يا رسول الله؟ . قال :" لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم .
ففي هذه الآيات المحكمات ، والحديث الشريف ، صريح الدلالة على مشروعية التذكير والتناصح ، والتواصي بالحق والدعوة إليه ، وذلك لما يترتب عليه من نفع المؤمنين ، وتعليم الجاهل ، وإرشاد الضال ، وتنبيه الغافل ، وتذكير الناسي ، وتحريض العالم على العمل بما يعلم ، وغير ذلك من المصالح الكثيرة .
والله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق ليعبدوه ويطيعوه ، وأرسل الرسل مذكرين بذلك ومبشرين ومنذرين ، كما قال تعالى :( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُون) ِ وقال تعالى : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِين) وقال تعالى : ( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل) وقال تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر)(1/59)
فالواجب على كل من لديه علم أن يذكر بذلك ، وأن يناصح في الله ، ويدعو إليه حسب الطاقة ، أداء لواجب التبليغ والدعوة ، وتأسيا بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام ، وحذرا من إثم الكتمان الذي قد أوعد الله عليه في محكم القرآن ، كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُون) َ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" من دل على خير فله مثل أجر فاعله" وقال عليه الصلاة
. 1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 1/130)
والسلام : "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا" رواهما مسلم في صحيحه(1/60)
إذا عرف ما تقدم فالذي أوصيكم به ونفسي تقوى الله سبحانه في السر والعلانية ، والشدة والرخاء ، فإنها وصية الله ، ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّه) َ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه : "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة" والتقوى كلمة جامعة ، تجمع الخير كله ، وحقيقتها أداء ما أوجب الله ، واجتناب ما حرمه الله على وجه الإخلاص له والمحبة والرغبة في ثوابه ، والحذر من عقابه ، وقد أمر الله عباده بالتقوى ووعدهم عليها بتيسير الأمور ، وتفريج الكروب ، وتسهيل الرزق ، وغفران السيئات والفوز بالجنات ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم) وقال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) وقال تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب ُ) وقال تعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) وقال تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) والآيات في هذا المعنى كثيرة .(1/61)
فيا معشر المسلمين : راقبوا الله سبحانه ، وبادروا إلى التقوى في جميع الحالات ، وحاسبوا أنفسكم عند جميع أقوالكم وأعمالكم ومعاملاتكم ، فما كان من ذلك سائغا في الشرع فلا بأس من تعاطيه ، وما كان منها محظورا في الشرع فاحذروه ، وإن ترتب عليه طمع كثير فإن ما عند الله خير وأبقى ، ومن ترك شيئا اتقاء الله عوضه الله خيرا منه ، ومتى راقب العباد ربهم واتقوه سبحانه بفعل ما أمر ، وترك ما نهى ، أعطاهم الله سبحانه ما رتب على التقوى من العزة والفلاح والرزق الواسع ، والخروج من المضايق والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة .
ولا يخفى على كل ذي لب وأدنى بصيرة ، ما قد أصاب أكثر المسلمين من قسوة القلوب والزهد في الآخرة ، والإعراض عن أسباب النجاة والإقبال على الدنيا ، وأسباب تحصيلها بكل حرص وجشع من دون تمييز بين ما يحل ويحرم ، وانهماك الأكثرين في الشهوات ، وأنواع اللهو والغفلة ، وما ذلك إلا بسبب إعراض القلوب عن الآخرة وغفلتها عن ذكر الله ومحبته ، وعن التفكر في آلائه ونعمه وآياته الظاهرة والباطنة ، وعدم الاستعداد للقاء الله ، وتذكر الوقوف بين يديه ، والانصراف من ذلك الموقف العظيم إما إلى الجنة ، وإما إلى النار .(1/62)
فيا معشر المسلمين ، تداركوا أنفسكم وتوبوا إلى ربكم ، وتفقهوا في دينكم وبادروا إلى أداء ما أوجب الله عليكم ، واجتنبوا ما حرم عليكم لتفوزوا بالعز والأمن والهداية والسعادة في الدنيا والآخرة . وإياكم والانكباب على الدنيا وإيثارها على الآخرة ، فإن ذلك من صفة أعداء الله وأعدائكم من الكفرة والمنافقين ، ومن أعظم أسباب العذاب في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى في صفة أعدائه : (إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا) وقال تعالى : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) ، وأنتم لم تخلقوا للدنيا ، وإنما خلقتم للآخرة ، وأمرتم بالتزود لها ، وخلقت الدنيا لكم ، لتستعينوا بها على عبادة الله الذي خلقكم سبحانه ، والاستعداد للقائه فتستحقوا بذلك فضله وكرامته ، وجواره في جنات النعيم ، فقبيح بالعاقل أن يعرض عن عبادة خالقه ومربيه ، وعما أعده له من الكرامة ، ويشتغل عن ذلك بإيثار شهواته البهيمية ، والجشع على تحصيل عرض الدنيا الزائل ، الذي قد ضمن الله له ما هو خير منه ، وأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة .
وليحذر كل مسلم أن يغتر بالأكثرين ، ويقول : إن الناس قد ساروا إلى كذا ، واعتادوا كذا ، فأنا معهم ، فإن هذه مصيبة عظمى ، قد هلك بها أكثر الماضين ، ولكن أيها العاقل ، عليك بالنظر لنفسك ومحاسبتها والتمسك بالحق وإن تركه الناس ، والحذر مما نهى الله عنه وإن فعله الناس ، فالحق أحق بالاتباع ، كما قال تعالى : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه) ِ وقال تعالى : (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) وقال بعض السلف رحمهم الله : ( لا تزهد في الحق لقلة السالكين ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين ) . (1)(1/63)
ونسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب ،وصلى الله و سلم على نبينا محمد وآله وصحبه. (2)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 2/144)
. 2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 1/130)
المجلس الثالث عشر
(صلاح القلوب)
" الحمد الله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وامينه على وحيه نبينا وامامنا وسيدنا محمد بن عبد الله امام المجاهدين خير الدعاة اجمعين وقائد الغر المحجلين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه جميعا وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد " (1)(1/64)
"فالموجب لهذا هو النصيحة والتذكير عملا بقوله سبحانه : وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ وقوله تعالى وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وقول النبي صلى الله عليه وسلم : الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وقوله صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه وقوله صلى الله عليه وسلم : مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر إذا عرف ذلك فلا يخفى عليكم ما قد أصاب المسلمين من الغفلة والإعراض عما خلقوا له ، وإقبال أكثرهم على عمارة الدنيا والتمتع بشهواتها ، وإشغال الأوقات بوسائل الحياة فيها ونسيان الآخرة والاستعداد لها حتى أفضى بهم ذلك إلى ما قد وقع من التفرق والاختلاف والشحناء والتباغض والموالاة والمعاداة لأجل الدنيا وحظوظها العاجلة وعدم رفع الرأس بأمر الآخرة والتزود لها ، فنتج عن ذلك أنواع من الشرور منها مرض القلوب وموت الكثير منها؛ لأن حياة القلوب وصحتها بذكر الله والاستعداد للقائه والاستقامة على أمره وخشيته ومحبته والخوف منه والرغبة فيما عنده ، كما قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وقال تعالى : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وقال تعالى أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا فحياة القلوب وصحتها ونورها(1/65)
وإشراقها وقوتها وثباتها على حسب إيمانها بالله ومحبتها له وشوقها إلى لقائه وطاعتها له ولرسوله وموتها ومرضها وظلمتها وحيرتها على حسب جهلها بالله وبحقه وبعدها عن طاعته
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 7/255)
وطاعة رسوله وإعراضها عن ذكره وتلاوة كتابه وبسبب ذلك يستولي الشيطان على القلوب فيعدها ويمنيها ويبذر فيها البذور الضارة التي تقضي على حياتها ونورها وتبعدها من كل خير وتسوقها إلى كل شر كما قال الله تعالى وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ(1/66)
وقال تعالى لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ وقال تعالى الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وقال تعالى وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا فالواجب علينا جميعا هو التوبة إلى الله سبحانه والإنابة إليه ، وعمارة القلوب بمحبته وخشيته وخوفه ورجائه والشوق إليه والإقبال على طاعته وطاعة رسوله ، والحب في ذلك والبغض فيه وموالاة المؤمنين ومحبتهم ومساعدتهم على الحق وبغض الكافرين والمنافقين ومعاداتهم والحذر من خداعهم ومكرهم والركون إليهم ومد النظر إلى ما متعوا به من زهرة الدنيا الزائلة عن قريب ، قال الله تعالى وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تنصرون * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وقال تعالى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ وقال تعالى : إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ وقال تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ(1/67)
فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله وجاء عنه صلى الله عليه وسلم قال من أحب في الله وأبغض في الله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان ومتى أناب العباد إلى ربهم وتابوا إليه من سالف ذنوبهم واستقاموا على طاعته وطاعة رسوله جمع الله قلوبهم وشملهم على الهدى ونصرهم على الأعداء وأعطاهم ما يحبون وصرف عنهم ما يكرهون وجعل لهم العزة والكرامة في الدنيا والآخرة كما قال تعالى إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وقال تعالى وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ * وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا وقال تعالى وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وقال تعالى وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وإني أنصحكم وأوصيكم ونفسي بأمور :
الأمر الأول(1/68)
النظر والتفكر في الأمر الذي خلقنا لأجله قال الله تعالى قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا وقال تعالى : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وقال تعالى : أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أي مهملا لا يؤمر ولا ينهى ، ولا شك أن كل مسلم يعلم أنه لم يخلق عبثا بل خلق لعبادة الله وحده وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم . قال الله تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ
فالواجب على من نصح نفسه أن يهتم بالأمر الذي خلق لأجله أعظم اهتمام وأن يقدمه على كل شيء وأن يحذر من إيثار الدنيا على الآخرة
الأمر الثاني :
من الأمور التي أوصيكم ونفسي بها هو الإقبال على تلاوة القرآن العظيم والإكثار منها ليلا ونهارا مع التدبر والتفكر والتعقل لمعانيه العظيمة المطهرة للقلوب ، المحذرة من متابعة الهوى والشيطان فإن الله سبحانه أنزل القرآن هداية وموعظة وبشيرا ونذيرا ومعلما ومرشدا ورحمة لجميع العباد فمن تمسك به واهتدى بهداه فهو السعيد الناجي ، ومن أعرض عنه فهو الشقي الهالك . قال الله تعالى : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وقال تعالى : وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وقال تعالى : قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ
الأمر الثالث :(1/69)
من الأمور هو تعظيم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والرغبة في سماعها والحرص على حضور مجالس الذكر التي يتلى فيها كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم فإن السنة ، هي شقيقة القرآن ، وهي المفسرة لمعانيه ، والموضحة لأحكامه الدالة على تفاصيل ما شرعه الله لعباده . فيجب على كل مسلم أن يعظم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن يحرص على حفظ وفهم ما تيسر منها ، وينبغي له أن يكثر من مجالسة أهلها فإنهم هم القوم لا يشقى بهم جليسهم وقد قال الله تعالى : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وقال تعالى : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال حلق الذكر قال أهل العلم "حلق الذكر" هي المجالس التي يتلى فيها كتاب الله وأحاديث رسوله عليه السلام ويبين فيها ما أحل الله لعباده وما حرمه عليهم وما يتصل بذلك من تفاصيل أحكام الشريعة وبيان أنواعها ومتعلقاتها فاغتنموا رحمكم الله حضور مجالس الذكر وعظموا القرآن والأحاديث واعملوا بما تستفيدون منها واسألوا عما أشكل عليكم لتعرفوا الحق بدليله فتعملوا به وتعرفوا الباطل بدليله فتحذروه وتكونوا بذلك من الفقهاء في الدين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وقال صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وقال صلى الله عليه وسلم من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه والله المسئول أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه وأن يمن على الجميع بالفقه في الدين والقيام بحق رب العالمين وأن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن(1/70)
يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن ومكائد الشيطان إنه سميع الدعاء قريب الإجابة (1)
." وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخليله وخيرته من خلقه امام الفاتحين وسيد المرسلين وخير عباد الله اجمعين وعلى اله واصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسيرته الى يوم الدين " (2)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 3/244) باختصار
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 2/413)
المجلس الرابع عشر
(طلب العلم)
" الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله إلى يوم الدين
أما بعد
أشرف شئ يطلبه الطالبون ويسعى في تحصيله الراغبون هو العلم الشرعي ,فإن العلم يطلق على أشياء كثيرة ولكن عند علماء الإسلام المراد بالعلم هو العلم الشرعي(*) وهو المراد في كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند الإطلاق وهو : العلم بالله وبأسمائه وصفاته والعلم بحقه على عباده وبما شرعه لهم سبحانه وتعالى والعلم بالطريق والصراط الموصل إليه و تفاصيله والعلم بالغاية والنهاية التي ينتهي إليها في الدار الأخرى
وقد شرف الله أهل هذا العلم ونوه بهم وعظم شأنهم سبحانه واستشهدهم على توحيده والإخلاص له حيث قال عز وجل "شهد الله انه لا اله إلا هو والملائكة و أولو االعلم قائما بالقسط لا اله إلا هو العزيز الحكيم". وبين جل وعلا أنهم لا يستوون مع غيرهم بقوله سبحانه وتعالى "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولى الألباب " ويقول عزوجل " افمن يعلم أنما انزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب"(1/71)
(*) قال الشيخ ابن باز رحمه الله ( اما العلوم الأخرى فلها شان آخر من استخراج المعادن وشئون الزراعة والفلاحة وسائر أنواع الصناعات النافعة وقد يجب منها ما يحتاجه المسلمون ويكون فرض كفاية ولولي الأمر فيها أن يأمر بما يحتاجه المسلمون ويساعد أهلها في ذلك أي بما يعينهم على نفع المسلمين والإعداد لعدوهم وعلى حسب نية العبد تكون أعماله عبادة لله عز وجل متى صلحت النية وخلصت لله وإذا فعلها بدون نية كانت من المباحات اعني أنواع الصناعات المباحة ) مجموع الفتاوى ( 2/314)(1/72)
وبين عزوجل أن أهل العلم هم الذين يخشونه على الحقيقة والكمال وان كانت الخشية موجودة من المؤمنين عموما ومن بعض الآخرين ولكن خشية الله على الكمال والحقيقة للعلماء وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام "إنما يخشى الله من عبادة العلماء " يعني الخشية الكاملة وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان فضل العلم وتكاثرت في ذلك فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة" خرجه مسلم في صحيحه رحمه الله فهذا يدلنا على أن طلاب العلم على خير عظيم وأنهم على طريق نجاة وسعادة لمن أصلح الله نيته في طلب العلم وابتغى به وجه الله عز وجل وقصد العلم لنفس العلم وللعمل لا لأجل الرياء والسمعة أو لأجل مقاصد أخرى من المقاصد العاجلة وإنما يتعلمه لمعرفة دينه والبصيرة بما اوجب الله عليه وليسعى في إخراج الناس من الظلمات إلى النور فيعلم ويعمل ويعلم غيره من المقاصد الحسنة التي أمر المسلم بها فكل طريق يسلكه في طلب العلم فهو طريق إلى الجنة ويعم ذالك جميع الطرق الحسية والمعنوية فسفره من بلاد إلى بلاد اخرى وانتقاله من حلقة إلى حلقة ومن مسجد إلى مسجد بقصد طلب العلم فهذا كله من الطرق لتحصيل العلم وهكذا المذاكرة في كتب العلم والمطالعة والكتابة كلها من الطرق أيضا فجدير بالطالب أن يعني بجميع الطرق الموصلة إلى العلم وان يحرص عليها قاصدا وجه ربه عزوجل يريد الله والدار الاخرة فهو حيثما تصرف على خير عظيم بهذه النية الصالحة بخلاف من ساءت نيته فهو على خطر عظيم جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم انه قال " من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة " رواه أبو داود رحمه الله بإسناد جيد(1/73)
وسبق أن العلم قال الله قال رسوله هذا هو العلم الشرعي فالواجب على اهل العلم أن يتمسكوا بهذا الأساس العظيم وان يدعوا الناس إليه وان يوجهوا طلابهم إليه وان يكون الهدف دائما العلم بما قال الله وقال رسوله والعمل بذلك ومن جهل الحق وجب عليه أن يسال أهل العلم المعروفين بالعلم والفضل وحسن العقيدة والسيرة ويتبصر في ذلك مع تقدير العلماء ومعرفة فضلهم والدعاء لهم بمزيد التوفيق وعظيم الأجر لأنهم سبقوا إلى الخير العظيم وعلموا وارشدوا وأوضحوا الطريق فرحمة الله عليهم فلهم فضل السبق وفضل علمهم ودعوتهم إلى الله من الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان فيعرف لهم قدرهم وفضلهم ويترحم عليهم ويتأسى بهم في النشاط في العلم والدعوة إلى الله وتقديم ما قاله الله ورسوله على غيره والصبر على ذلك والمسارعة إلى العمل الصالح ويتأسى بهم في هذه الفضائل العظيمة ويترحم عليهم ولكن لا يجوز أبدا أن يتعصب لواحد منهم مطلقا وان يقال قوله هو الصواب مطلقا بل يقال كل واحد قد يخطئ ويصيب والصواب في ماوافق ما قاله الله ورسوله وما دل عليه شرع الله من طريق الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم فإذا اختلفوا وجب الرد إلى الله ورسوله كما قال سبحانه وتعالى " فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول " وقال عزوجل " وما اختلفتم فيه من شي فحكمه إلى الله "أما العامة وأشباه العامة فيسالون أهل العلم ويتحرون في أهل العلم من هو اقرب إلى الخير واقرب إلى السداد والاستقامة يسألونه عن شرع الله وهو يعلمهم بذلك ويرشدهم إلى الحق حسب ما جاء في الكتاب والسنة واجمع عليه أهل العلم "(1) "ثم طالب العلم بعد ذلك حريص جدا أن لا يكتم شيئا مما علم حريص على بيان الحق والرد على الخصوم لدين الإسلام لا يتساهل ولا ينزوي فهو بارز في الميدان دائما حسب طاقته قال تعالى "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله(1/74)
ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم " وهنا أمر آخر يتعلق بطالب العلم أمام الله سبحانه أولا ثم بعد هذا أمام إخوانه وزملائه ومجتمعه وهو أن يتقي الله في نفسه فكلما علم شيئا بادر بالعمل لا يتساهل يعلم ويعمل فهو يحاسب نفسه أبدا ويجتهد في تطبيق أحكام الله على
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 2/301) باختصار
نفسه حتى يمثل العلم في أخلاقه وأعماله وسيرته و نبينا المصطفي عليه الصلاة والسلام كانت دعوته كاملة في القول والعمل فسيرته أحسن السير وكلامه أطيب
الكلام بعد كلام الله عز و جل وأخلاقه أحسن الأخلاق كما قال تعالي "وانك لعلى خلق عظيم " وكان خلقه القران كما قالت عائشة رضي الله عنها يأتمر بأوامره وينتهي عن نواهيه ويتأدب بآدابه ويعتبر بما فيه من الأمثال والقصص العظيمة ويدعو الناس إلى ذلك وأهل العلم عليهم أن يتأسوا به عليه الصلاة والسلام في
هذا الخلق العظيم وان يصدقوا الله في أقوالهم وأعمالهم وان يبلغوا عن الله أمره ونهيه وان يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر حسب الطاقة وان يبذلوا المستطاع والنصائح لولاة الأمور بالتوجيه والإرشاد والتنبيه ولأهلهم ولجيرانهم
ولسائر مجتمعهم وللناس جميعا بكل وسيله حسب الطاقة لا يجوز التساهل في هذه الأمور ولاسيما في عصرنا هذا لقلة العلماء وانتشار الشرور وكثرة الرذائل والمنكرات في أرجاء الدنيا وفي الدول الإسلامية وغيرها فلا يليق بطالب العلم أن ينزوي ويقول حسبي نفسي .لا فان عليه واجبات حسبه نفسه من جهة عمله أن يعمل وعليه واجبات من جهة البلاغ والبيان والدعوة
وأسال الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين إلى ما يرضيه وان يسلك بنا جميعا صراطه المستقيم وان يرزقنا(1/75)
جميعا العلم النافع والعمل به والتأدب بالآداب الشرعية والخلق العظيم الذي أثنى الله به على نبيه عليه الصلاة و السلام.ونسأله سبحانه أن يوفق الجميع لما يرضيه وان يتوفانا مسلمين وان يصلح أحوال المسلمين في كل مكان وان يول عليهم خيارهم ويصلح قادتهم وان يكثر بينهم دعاة الهدى وان يرزقهم جميعا وفي كل مكان الفقه في دينه والعمل بسنتة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والله اعلم
وصلى الله وسلم على محمد(1)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 7/219) باختصار
المجلس الخامس عشر
فضل قيام الليل وتلاوة القران))
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه وإتباعه بإحسان
" يأيها الذين امنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون "
" يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا "
" يأيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما "
أما بعد(1/76)
"يشرع لجميع المسلمين الاجتهاد في أنواع العبادة في هذا الشهر الكريم من صلاة النافلة وقراءة القران بالتدبر والتعقل والإكثار من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار والدعوات الشرعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عز وجل ومواساة الفقراء والمساكين والاجتهاد في بر الوالدين وصلة الرحم وإكرام الجار وعيادة المريض وغير ذلك من أنواع الخير لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث " ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته فاروا الله من أنفسكم خيرا فان الشقي من حرم فيه رحمة الله " ولما روي عنه عليه الصلاة والسلام انه قال " من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه " ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح " عمرة في رمضان تعدل حجة أو قال حجة معي " والأحاديث والآثار الدالة على شرعية المسابقة والمنافسة في أنواع الخير في هذا الشهر الكريم كثيرة "(1) (ومن ذلك) "صلاة الليل فانها سنة مؤكدة لقول الله
" والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً "سبحانه في صفة عباد الرحمن :
وفي سورة الذاريات في صفة المتقين" كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون: وبالأسحار هم يستغفرون"ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل " رواه مسلم في صحيحه وصلاة الليل لها شان عظيم كما قال الله جل وعلا في وصف عباد
: " والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً " الرحمن ،(1/77)
وقال سبحانه في وصف المتقين " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون . وبالأسحار هم يستغفرون . " وقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم " يا أيها المزمل . قم الليل إلا قليلا . نصفه أو انقص منه قليلا . أو زد عليه ورتل القران ترتيلا " وقال سبحانه وتعالى " تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومن رزقناهم ينفقون . فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون"(2)
والآيات الدالة على فضل قيام الليل كثيرة والنبي عليه الصلاة والسلام كان كثيراً ما يتهجد بالليل ويقول : " أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " وكان النبي صلى الله عليه وسلم في الأغلب يصلي إحدى عشرة ركعة يسلم من كل اثنين ويوتر بواحدة وربما أوتر بتسع أو بسبع أو خمس ولكن الأغلب أنه يصلي إحدى عشرة وربما صلى ثلاث عشرة يطيل في قراءته وركوعه وسجوده عليه الصلاة والسلام " (3) ":ومن الأمور التي أوصيكم ونفسي بها الإقبال على تلاوة القرآن العظيم والإكثار منها ليلاً ونهاراً مع التدبر والتفكر والتعقل لمعانيه العظيمة المطهرة للقلوب ، المحذرة
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/20)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 11/296)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 11/302)
من متابعة الهوى والشيطان فإن الله سبحانه أنزل القرآن هداية وموعظة وبشيراً ونذيراً ومعلماً ومرشداً ورحمة لجميع العباد فمن تمسك به واهتدى بهداه فهو
السعيد الناجي ، ومن أعرض عنه فهو الشقي الهالك . قال الله تعالى : إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم"
وقال تعالى :" وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ."وقال تعالى
" ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين "و قال تعالى " قل هو للذين امنوا هدى وشفاء "(1/78)
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ا أنه قال: " إني تارك فيكم
ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به ،
ثم قال "وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي "، فحث على كتاب الله ورغب فيه ،وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع :" إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به:كتاب الله ،وسنتي "، وقال صلى الله عليه وسلم "خيركم من تعلم القرآن وعلمه "وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه "أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق فيأتي بناقتين كوماوين في غير إثم أو قطع رحم ؟،فقالوا كلنا يا رسول الله نحب ذلك ،قال : أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث و أربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل " وكل هذه الأحاديث أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم .والآيات و الأحاديث في فضل القرآن والترغيب في تلاوته وتعلمه وتعليمه كثيرة معلومة .والمقصود من التلاوة هو التدبر والتعقل للمعاني ثم العمل بمقتضى ذلك كما قال تعالى "
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها "ا " "
كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب" " وقال تعالى(1/79)
فبادروا رحمكم الله إلى تلاوة كتاب ربكم وتدبر معانيه وعمارة الأوقات والمجالس بذلك . والقرآن الكريم هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم الذي من تمسك به وصل إلى الله وإلى دار كرامته ومن أعرض عنه شقي في الدنيا و الآخرة .واحذروا رحمكم الله ما يصدكم عن كتاب الله ويشغلكم عن ذكره من الصحف والمجلات وما أشبهها من الكتب التي ضررها أكثر من نفعها. وإذا دعته الحاجة إلى مطالعة شيء من ذلك فليجعل لذلك وقتاً مخصوصاً ،وليقتصر على قدر الحاجة ، وليجعل لتلاوة كتاب الله وسماعه ممن يتلوه وقتاً مخصوصاً يستمع فيه كلام ربه،ويداوي بذلك أمراض قلبه ويستعين به على طاعة خالقه ومربيه المالك للضر والنفع والعطاء والمنع لا إله غيره ولا رب سواه.ومما ينبغي الحذر منه حضور مجالس اللهو والغناء وسماع الإذاعات الضارة،ومجالس القيل والقال ،والخوض في أعراض الناس .وأشد من ذلك وأضر حضور مجالس السينما وأشباهها ومشاهدة الأفلام الخليعة الممرضة للقلوب الصادة عن ذكر الله وتلاوة كتابه ،الباعثة على اعتناق الأخلاق الرذيلة وهجر الأخلاق الحميدة، إنها والله من أشد آلات اللهو ضرراً وأعظمها قبحا وأخبثها عاقبة فاحذروها رحمكم الله واحذروا مجالسة أهلها والرضا بعملهم القبيح .ومن دعا الناس إليها فعليه إثمها ومثل آثام من ضل بها ،وهكذا كل من دعا إلى باطل أو زهد في حق يكون عليه إثم ذلك ومثل آثام من تبعه على ذلك .وقد صح بذلك الحديث عن النبي النبي صلى الله عليه وسلم ،ونسأل الله أن يهدينا وجميع المسلمين صراط المستقيم إنه سميع قريب" (1)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد واله وصحبه.
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 3/249)
المجلس السادس عشر
الدعوة إلى الله))
" الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين واشهد إلا اله إلا الله وحده لا شريك له اله الأولين والآخرين وقيوم السموات و الارضين(1/80)
واشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه أرسله الله إلى الناس كافه بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بأذنه وسراجا منيرا صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه الذين ساروا على طريقته في الدعوة إلى سبيله وصبروا على ذلك وجاهدوا فيه حتى اظهر الله بهم دينه وأعلى كلمته ولو كره المشركون وسلم تسليما كثيرا . أما بعد " (1)
" فلقد رفع الله الدعاة إليه وابلغ في الثناء عليهم حيث يقول سبحانه وتعالى"ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين"ولا ريب أن هذا الثناء يحفز الهمم ويلهب الشعور ويخفف عبء الدعوة ويدعو إلى الانطلاق في سبيلها بكل نشاط وقوه وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري يرحمه الله انه تلا هذه الآية الكريمة"ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله" الآية فقال :هذا حبيب الله هذا ولي الله هذا صفوة الله هذا خيرة الله هذا أحب أهل الأرض إلى الله أجاب الله في دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحا في إجابته وقال إنني من المسلمين هذا خليفة الله.انتهى
ولا ريب أن الرسل عليهم الصلاة والسلام هم سادة الناس في الدعوة وهم أولى الناس بهذه الصفات الجليلة التي ذكرها الحسن رحمه الله وأولاهم بذلك وأحقهم به
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 1/324)(1/81)
على التمام والكمال إمامهم وسيدهم وأفضلهم وخاتمهم نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وصبر على الدعوة إلى ربه أتم صبر وأكمله حتى اظهر الله به الدين وأتم به النعمة ودخل الناس بسبب دعوته في دين الله أفواجا ثم سار أصحابه الكرام بعده على هذا السبيل العظيم والصراط المستقيم فصدقوا الدعوة ونشروا لواء الإسلام في غالب المعمورة لكمال صدقهم وعظيم جهادهم وصبرهم على الدعوة والجهاد صبرا لا يعتريه ضعف أو فتور. وتحقيقهم الدعوة والجهاد بالعمل في جميع الأحوال . فضربوا بذلك للناس بعد الرسل أروع الأمثال وأصدقها في الدعوة والجهاد والعلم النافع والعمل الصالح. وبذلك انتصروا على أعدائهم وبلغوا مرادهم وحازوا قصب السبق في كل ميدان وهم أولى الناس بعد الرسل بالثناء والصفات السابقة التي ذكرها الحسن وكل من سار على سبيلهم وصبر على الدعوة إلى الله وبذل فيها وسعه فله نصيبه من هذا الثناء الجزيل الذي دلت عليه الآية الكريمة والصفات الحميدة التي وصف بها الحسن الدعاة إلى الحق وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال"من دل على خير فله مثل اجر من فاعله"
وقال عليه الصلاة والسلام"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجرهم شيئا" خرجهما مسلم في صحيحه وقال لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر"فوالله لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم"متفق على صحته " . (1)
" فالدعوة إلى الله شأنها عظيم وهي من أهم الفروض و الواجبات على المسلمين عموما وعلى العلماء بصفة خاصة. وهي منهج الرسل عليهم الصلاة والسلام وهم الأئمة فيها عليهم الصلاة والسلام فالدعوة إلى الله طريق الرسل وطريق أتباعهم إلى يوم القيامة والحاجة إليها بل الضرورة معلومة فالأمة كلها من أولها إلى آخرها بحاجه شديدة بل في ضرورة(1/82)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 2/345)
إلى الدعوة إلى الله والتبصير في دين الله والترغيب في التفقه فيه والاستقامة عليه
والتحذير مما بضاده أو يضاد كماله الواجب آو ينقص ثواب أهله ويضعف إيمانهم
فالواجب على أهل العلم بشريعة الله أينما كانوا أن يقوموا بمهمة الدعوة لان الناس في اشد الضرورة إلى ذلك في مشارق الأرض ومغاربها ونحن في غربه من الإسلام وقله من علماء الحق وكثرة من أهل الجهل والباطل والشرور والفساد"(1) "وفي وقتنا الحاضر يسر الله عز وجل أمر الدعوة أكثر بطرق لم تحصل لمن قبلنا. فأمور الدعوة اليوم متيسرة أكثر وذلك بواسطة طرق كثيرة وإقامة الحجة على الناس اليوم ممكنه بطرق متنوعة مثلا عن طريق الإذاعة وعن طريق التلفزة وعن طريق الصحافة وهناك طرق شتى" (2). وانجح الطرق في هذا العصر وانفعها استعمال وسائل الإعلام لأنها ناجحة وهي سلاح ذو حدين فإذا استعملت هذه الوسائل في الدعوة إلى الله وإرشاد الناس إلى ما جاء به الرسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق الإذاعة والصحافة والتلفاز فهذا شئ كبير ينفع الله به الأمة أينما كانت وينفع الله به غير المسلمين أيضا حتى يفهموا الإسلام وحتى يعقلوه ويعرفوا محاسنه ويعرفوا انه طريق النجاح في الدنيا والآخرة والواجب على الدعاة وعلى حكام المسلمين أن يساهموا في هذا بكل ما يستطيعون من طريق الإذاعة ومن طريق الصحافة ومن طريق التلفاز ومن طريق الخطابة في المحافل و من طريق الخطابة في الجمعة وغير الجمعة وغير ذلك من الطرق التي يمكن إيصال الحق بها إلى الناس وبجميع اللغات المستعملة حتى تصل الدعوة والنصيحة إلى جميع العالم بلغاتهم .هذا هو الواجب على جميع القادرين من العلماء وحكام المسلمين والدعاة إلى الله عز وجل حتى يصل البلاغ إلى كافة العالم في جميع المعمورة باللغات التي يستعملها الناس وهذا هو البلاغ الذي أمر الله به قال الله سبحانه وتعالى لنبيه(1/83)
"يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" فالرسول صلى الله عليه وسلم عليه البلاغ وهكذا الرسل جميعا عليهم البلاغ صلوات الله وسلامه عليهم وعلى أتباع
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 6/410)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 5/256)
الرسل أن يبلغوا قال النبي صلى الله عليه وسلم "بلغوا عني ولو آية " وكان إذا خطب الناس يقول "فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع "(1)(1/84)
"أما أسلوب الدعوة فبينه الرب جل وعلا وهو الدعوة بالحكمة أي بالعلم والبصيرة بالرفق واللين لا بالشدة والغلظة هذا هو الأسلوب الشرعي في الدعوة إلا من ظلم .فمن ظلم يعامل بما يستحق لكن من يتقبل الدعوة ويصغي إليها أو ترجو أن يتقبلها لأنه لم يعارض ولم يظلمك فأرفق به يقول جل وعلا في كتابه العظيم "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه وجادلهم بالتي هي أحسن" فالحكمة هي العلم قال الله قال رسوله والموعظة الحسنه الترغيب والترهيب تبين ما في طاعة الله من الخير العظيم وما في الدخول في الإسلام من الخير العظيم وما عليه إذا استكبر ولم يقبل الحق إلى غير ذلك أما الجدال بالتي هي أحسن فمعناها بيان الأدلة من غير عنف عند وجود الشبهة لأزالتها وكشفها فعند المجادلة تجادل بالتي هي أحسن وتصبر وتتحمل كما في الآية الأخرى يقول سبحانه "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم " فالظالمون لهم شأن آخر لكن مادمت تستطيع الجدال بالتي هي أحسن وهو يتقبل أو ينصت أو يتكلم بأمر لا يعد فيه ظالما ولا معتديا فاصبر وتحمل بالموعظة الحسنه والأدلة الشرعية والجدال الحسن " (2) "فالنصيحة مني لكل داع إلى الله أن يستعمل الرفق في كلامه وفي خطبته وفي مكاتباته وفي جميع تصرفاته حول الدعوة ، يحرص على الرفق مع كل أحد إلا من ظلم ، وليس هناك طريق أصلح للدعوة من طريق الرسل فهم القدوة وهم الأئمة وقد صبروا ، صبر نوح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ، وصبر هود ، وصبر صالح ، وصبر شعيب ، وصبر إبراهيم ، وصبر لوط ، وهكذا غيرهم من الرسل ثم أهلك الله أقوامهم بذنوبهم وأنجى الله الأنبياء وأتباعهم ، فلك
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 2/452)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 6/416)(1/85)
أيها الداعية أسوة في هؤلاء الأنبياء والأخيار ، ولك أسوة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي صبر في مكة وصبر في المدينة على وجود اليهود عنده
والمنافقين ومن لم يسلم من الأوس والخزرج حتى هداهم الله وحتى يسر الله إخراج اليهود وحتى مات المنافقون بغيظهم ، فأنت لك أسوة بهولاء الأخيار فاصبر وصابر واستعمل الرفق ودع عنك العنف ودع كل سبب يضيق على الدعوة ويضرها ويضر أهلها" (1)
" فالواجب على المصلحين والدعاة أن يسلكوا هذا السبيل وان يعالجوا مشكلات المجتمع بالحكمة والموعظة الحسنة وان يخاطبوا كل إنسان بما يليق به حتى ينجحوا في مهمتهم ويصلوا إلى غايتهم وعلى الداعي أيضاً إلى الله سبحانه والراغب في الإصلاح أن يراعي عاملين آخرين سوى العاملين السابقين وهما : التناصح والتواصي بالحق مع إخوانه وزملائه ومع أعيان المجتمع وقادته وعامل الصبر على ما قد يقع من الأذى من الأعيان أو غيرهم عملاً بما دلت عليه السورة وهي قوله سبحانه " والعصر إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر "
وتأسياً بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام كما قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في آخر سورة الأحقاف وهي مكية " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم " الآية . وقال سبحانه في سورة آل عمران وهي مدنية " لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبر وتتقوا فان ذلك من عزم الأمور " وقال فيها سبحانه لما نهى عن اتخاذ البطانة من المشركين " وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط " وقال سبحانه في آخر سورة النحل وهي مدنية أيضاً " واصبر وما صبرك إلا بالله
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 6/418)(1/86)
ولا تحزن عليهم ولاتك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون". والآيات في هذا المعنى كثيرة
وكل من سلك مسلك الرسل من الدعاة والمصلحين نجح في دعوته وفاز بالعاقبة الحميدة والنصر على الأعداء ومن سبر ذلك ودرس أخبار المصلحين و سيرتهم علم ذلك وتحققه .
فأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح أحوال المسلمين ويمنحهم الفقه في الدين وان يوفق قادتهم لكل خير ويصلح لهم البطانة وأن يعيذ المسلمين جميعاً في كل مكان من مضلات الفتن ومن طاعة الهوى والشيطان انه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه " (1).
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 1/252)
المجلس السابع عشر*
(فضل الجهاد والمجاهدين)
" الحمد لله الذي أمر بالجهاد في سبيله ووعد عليه الأجر العظيم والنصر المبين وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له القائل في كتابه الكريم
" وكان حقاً علينا نصر المؤمنين" وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله أفضل المجاهدين وأصدق المناضلين وانصح العباد أجمعين صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الكرام الذين باعوا أنفسهم لله وجاهدوا في سبيله حتى أظهر الله بهم الدين واعز بهم المؤمنين وأذل بهم الكافرين رضي الله عنهم وأكرم مثواهم وجعلنا من أتباعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد(1/87)
فإن الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات ومن أعظم الطاعات بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين وقمع الكافرين والمنافقين وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين وإخراج العباد من الظلمات إلى النور ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفز الهمم العالية ويحرك كوامن النفوس إلى
___________________________________________________
* في اليوم السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة وقعت معركة بدر الكبرى وسمى الله ذلك اليوم يوم الفرقان لأنه سبحانه فرق فيه بين الحق والباطل بنصر رسوله والمؤمنين وخذل الكفار المشركين وفي رمضان أيضا في السنة الثامنة وقعت غزوة فتح مكة التي أنقذ الله فيها البلد الحرام وطهره من الشرك والأوثان. فرمضان هو شهر الانتصارات والفتوحات في تاريخ الإسلام وهذا من بركات هذا الشهر وفضائله نسال الله أن يعيد للمسلمين عزهم ومجدهم انه على كل شئ قدير
المشاركة في هذا السبيل و الصدق في جهاد أعداء رب العالمين وهو فرض كفاية على المسلمين إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين وقد يكون في بعض الأحيان من الفرائض العينية التي لا يجوز للمسلم التخلف عنها إلا بعذر شرعي كما لوا ستنفره الإمام أو حصر بلده العدو أو كان حاضراً بين الصفين(1/88)
والأدلة على ذلك من الكتاب وألسنه معلومة ومما ورد في فضل الجهاد والمجاهدين من الكتاب المبين قوله تعالى : " أنفروا خفافا وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لا تبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون . عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكذابين. لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين . إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون " وقال تعالى في فضل المجاهدين " إن الله أشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقران ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم" وقال عزوجل " ياأيها الذين امنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم أن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبه في جنات عدن ذلك الفوز العظيم * وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين "
والآيات في فضل الجهاد و الترغيب فيه وبيان فضل المجاهدين كثيرة جدا وفيما ذكر سبحانه في هذه الآيات التي سلف ذكرها ما يكفي ويشفي ويحفز الهمم ويحرك النفوس إلى تلك المطالب العالية والمنازل الرفيعة والفوائد الجليلة والعواقب الحميدة والله المستعان(1/89)
أما الأحاديث الواردة في فضل الجهاد والمجاهدين والتحذير من تركه والأعراض عنه فهي أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر ولكن نذكر طرفا يسيرا ليعلم المجاهد الصادق شيئا مما قاله نبيه ورسوله الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم في فضل الجهاد ومنزلة أهله ففي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروجها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وماعليها " وعن أبي هريرة رضي الله عنة قال قال رسول الله صلى الله علية وسلم "مثل المجاهد في سبيل الله والله اعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة" أخرجه مسلم في صحيحة وفي لفظ له " تظمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله علية وسلم " ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي اللون لون الدم والريح ريح المسك" متفق عليه وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سئل أي العمل أفضل ؟ قال " إيمان بالله ورسوله " قيل ثم ماذا قال" الجهاد في سبيل الله " قيل ثم ماذا قال "حج مبرور" وعن أبي عبس بن جبر الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار" رواه البخاري في صحيحه وفيه أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من(1/90)
مات ولم يغزو أو يحدث نفسه به مات على شعبة من نفاق " وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه شئ حتى ترجعوا إلى دينكم " رواه احمد وأبو داود وصححه ابن القطان وقال الحافظ في البلوغ رجاله ثقات والأحاديث في فضل الجهاد والمجاهدين وبيان ما اعد الله للمجاهدين الصادقين من المنازل العالية والثواب الجزيل وفي الترهيب من ترك الجهاد والإعراض عنه كثيرة جدا وفي الحديثين الأخيرين وما جاء في معناهما الدلالة على أن الإعراض عن الجهاد وعدم تحديث النفس به من شعب النفاق وان التشاغل عنه بالتجارة والزراعة والمعاملة الربوية من أسباب ذل المسلمين وتسليط الأعداء عليهم كما هو الواقع وان ذلك الذل لا ينزع عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم بالاستقامة على أمره والجهاد في سبيله
فنسال الله أن يمن على المسلمين جميعا بالرجوع إلى دينه وان يصلح قادتهم ويصلح لهم البطانة ويجمع كلمتهم على الحق ويوفقهم جميعا للفقه في الدين والجهاد في سبيل رب العالمين حتى يعزهم الله ويرفع عنهم الذل ويكتب لهم النصر على أعدائه وأعدائهم انه ولي ذلك والقادر عليه " (1)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 2/430)
المجلس الثامن عشر
(في معنى الغزو الفكري وخطره)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه وإتباعه بإحسان
" يأيها الذين امنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون "(1/91)
" يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا "
" يأيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما "
أما بعد
" الغزو الفكري هو مصطلح حديث يعني مجموعة الجهود التي تقوم بها أمة من الأمم للاستيلاء على أمة أخرى أو التأثير عليها حتى تتجه وجهة معينه وهو أخطر من الغزو العسكري لأن الغزو الفكري ينحو إلى السرية وسلوك المآرب الخفية في بادئ الأمر فلا تحس به الأمة المغزوة ولا تستعد لصده والوقوف في وجهه حتى تقع فريسة له . وتكون نتيجته أن هذه الأمة تصبح مريضة الفكر والإحساس تحب ما يريده لها عدوها أن تحبه وتكره ما يريد منها أن تكره . وهو داء عضال يفتك بالأمم ويذهب شخصيتها ويزيل معاني الأصالة والقوه فيها . والأمة التي تبتلى به لا تحس بما أصابها ولا تدري عنه ولذلك يصبح علاجها أمرا صعباً وإفهامها سبيل الرشد شيئاً عسيراً "(1) (و) "يتعرض المسلمون عامة ومنهم العرب وغيرهم ،والمملكة وغيرها لغزو فكري عظيم تداعت به عليهم أمم الكفر من الشرق والغرب ومن اشد ذلك وأخطره الغزو النصراني الصليبي والغزو الصهيوني والغزو الشيوعي الإلحادي " (2)
" والوسائل التي يستخدمها الغرب لترويج أفكاره كثيرة منها :
1- محاولة الاستيلاء على عقول أبناء المسلمين وترسيخ المفاهيم الغربية فيها لتعتقد أن الطريقة الفضلى هي طريقة الغرب في كل شيء
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 3/438)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 2/439)(1/92)
2- رعايته لطائفة كبيرة من أبناء المسلمين في كل بلد وعنايته بهم وتربيتهم حتى إذا ما تشربوا الأفكار الغربية وعادوا إلى بلادهم أحاطهم بهالة عظيمة من المدح والثناء حتى يتسلموا المناصب والقيادات في بلدانهم وبذلك يروجون الأفكار الغربية وينشئون المؤسسات التعليمية المسايرة للمنهج الغربي أو الخاضعة له
3- تنشيطه لتعليم اللغات الغربية في البلدان الإسلامية وجعلها تزاحم لغة المسلمين وخاصة اللغة العربية لغة القرآن الكريم
4- إنشاء الجامعات الغربية والمدارس التبشيرية في بلاد المسلمين ودور الحضانة ورياض الأطفال والمستشفيات والمستوصفات وجعلها أوكار لأغراضه السيئة وتشجيع الدراسة فيها عند الطبقة العالية من أبناء المجتمع ومساعدتهم بعد ذلك على تسلم المراكز القيادية والوظائف الكبيرة حتى يكونوا عونا لأساتذتهم في تحقيق مآربهم في بلاد المسلمين
5- محاولة السيطرة على مناهج التعليم في بلاد المسلمين ورسم سياستها اما بطريق مباشر او بطريق غير مباشر
6- قيام طوائف كبيرة من النصارى واليهود بدراسة الإسلام واللغة الغربية وتأليف الكتب وتولي كراسي التدريس في الجامعات حتى أحدث هؤلاء فتنة فكرية كبيرة بين المثقفين من أبناء الإسلام بالشبه التي يلقونها لطلبتهم أو التي تمتلئ بها كتبهم وتروج في بلاد المسلمين
7- انطلاق الأعداد الكثيرة من المبشرين الداعين إلى النصرانية بين المسلمين وقيامهم بعملهم ذلك على أسس مدروسة وبوسائل كبيرة عظيمة يجند لها مئات الآلاف من الرجال و النساء وتعد لها أضخم الميزانيات وتسهل لها السبل وتذلل لها العقبات(1/93)
8- الدعوة إلى إفساد المجتمع المسلم وتزهيد المرأة في وظيفتها وفي الحياة وجعلها تتجاوز الحدود التي حد الله لها وجعل سعادتها في الوقوف عندها وذلك حينما يلقون بين المسلمين الدعوات بأساليب شتى وطرق متعددة إلى أن تختلط النساء بالرجال وإلى أن تشتغل النساء بأعمال الرجال يقصدون من ذلك أفساد المجتمع المسلم والقضاء على الطهر والعفاف الذي يوجد فيه وإقامة قضايا وهميه ودعاوي باطلة في أن المرأة في المجتمع المسلم قد ظلمت وأن لها الحق في كذا وكذا يريدون إخراجها من بيتها وإيصالها حيث يريدون .
9- أنشاء الكنائس والمعابد وتكثيرها في بلاد المسلمين وصرف الأموال الكثيرة عليها وتزيينها وجعلها بارزة واضحة في أحسن الأماكن وفي اكبر الميادين
10- تخصيص إذاعات موجهه تدعو إلى النصرانية والشيوعية وتشيد بأهدافها وتضلل بأفكارها أبناء المسلمين السذج الذين لم يفهموا الإسلام ولم تكن لهم تربية كافية علمية.(1/94)
هذه بعض الوسائل التي يسلكها أعداء الإسلام اليوم من الشرق والغرب في سبيل غزو أفكار المسلمين وتنحية الأفكار السليمة الصالحة لتحل محلها أفكار غريبة شرقية أو غربية وهي كما ترى جهود جبارة وأموال طائلة وجنود كثيرة كل ذلك لإخراج المسلمين من الإسلام إن لم يدخلوا في النصرانية أو اليهودية أو الماركسية إذ يعتقد القوم أن المهمة الرئيسية في ذلك هي إخراجهم من الإسلام وإذا تم التوصل إلى هذه المرحلة فما بعدها سهل وميسور ولكننا مع هذا نقول إن الله سيخيب آمالهم ويبطل كيدهم إذا صدق المسلمون في محاربتهم والحذر من مكائدهم واستقاموا على دينهم لقوله عز وجل { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط } لأنهم مفسدون وهو سبحانه لا يصلح عمل المفسدين قال الله تعالى { ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } وقال سبحانه { إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا } وقال عز وجل { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } وقال سبحانه {ولينصرن الله ممن ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة واتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور } والآيات في هذا المعنى كثيرة . ولا شك أن الأمر يحتاج من المسلمين إلى وقفة عقل وتأمل ودراسة في الطريق التي يجب أن يسلكوها والموقف المناسب الذي يجب أن يقفوه وأن يكون لهم من الوعي والإدراك ما يجعلهم قادرين على فهم مخططات أعدائهم وعاملين على إحباطها وإبطالها ولن يتم لهم ذلك إلا بالاستعصام بالله والاستمساك بهديه والرجوع إليه والإنابة له والاستعانة به وتذكر هديه في كل شيء وخاصة في علاقة المؤمنين بالكافرين وتفهم معنى سورة { قل يا أيها الكافرون } وما ذكره سبحانه في قوله {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } وقوله { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} أسأل الله(1/95)
تعالى أن يهيئ لهذه الأمة من أمرها رشدا وأن يعيذها من مكائد أعدائها ويرزقها الاستقامة في القول والعمل حتى تكون كما أراد الله لها من العزة والقوة والكرامة إنه خير مسئول وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . (1)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 3/441)
المجلس التاسع عشر
مكانة المرأة في الإسلام
" الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن سار على دربهم إلى يوم الدين وبعد :
فان للمرأة المسلمة مكانة رفيعة في الإسلام وأثراً كبيراً في حياة كل مسلم فهي المدرسة الأولى في بناء المجتمع الصالح إذا كانت هذه المرأة تسير على هدى من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لأن التمسك بهما يبعد كل مسلم ومسلمة عن الضلال في كل شيء وضلال الأمم وانحرافها لا يحصل إلا بابتعادها عن نهج الله سبحانه وتعالى . وما جاء به انبياؤه ورسله عليهم الصلاة والسلام قال صلى الله عليه وسلم " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ماتمسكتم بهما كتاب الله وسنتي "
ولقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على أهمية المرأة أما وزوجة وأختا وبنتنا وما لها من حقوق وما عليها من واجبات وجاءت السنة المطهرة بتفصيل ذلك.(1/96)
والأهمية تكمن فيما يلقى عليها من أعباء وتتحمل من مشاق تفوق في بعضها أعباء الرجل لذلك كان من أهم الواجبات شكر الوالدة وبرها وحسن صحبتها وهي مقدمة في ذلك على الوالد قال تعالى " ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير " وقال تعالى " ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كره ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهراً " وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : من أحق الناس بحسن صحابتي قال :أمك . قال ثم من قال :أمك .قال ثم من قال: أمك قال ثم من قال : أبوك ، ومقتضى ذلك أن تكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر
و مكانة الزوجة وتأثيرها على هدوء النفوس أبانته الآية الكريمة قال تعالى : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى:" مودة ورحمة " المودة هي المحبة ، والرحمة هي الرأفة ، فان الرجل يمسك المرأة أما لمحبة لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد"(1)(1/97)
" ولقد جاء الإسلام بالمحافظة على كرامة المرأة وصيانتها ووضعها في المقام اللائق بها وحث على إبعادها عما يشينها أو يخدش كرامتها لذلك حرم عليها الخلوة بالأجنبي ونهاها عن السفر بدون محرم ونهاها عن التبرج الذي ذم الله به الجاهلية لكونه من أسباب الفتنة بالنساء وظهور الفواحش كما قال عز وجل " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " والتبرج إظهار المحاسن والمفاتن ونهاها عن الاختلاط بالرجال الأجانب عنها والخضوع بالقول عند مخاطبتهم حسماً لأسباب الفتنة والطمع في فعل الفاحشة كما في قوله سبحانه " يا نساء النبي لستن كأحد من النساء أن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً " ، والمرض هنا هو مرض الشهوة كما أمرها بالحشمة في لباسها وفرض عليها الحجاب لما في ذلك من الصيانة لهن وطهارة قلوب الجميع فقال تعالى " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً " وقال سبحانه " وإذا سألتموهن متعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلكم اطهر لقلوبكم وقلوبهن ".
وقد امتثلن رضي الله عنهن لأمر الله ورسوله فبادرن إلى الحجاب والتستر عن الرجال الأجانب فقد روى أبو داود بسند حسن عن أم سلمه رضي الله عنها قالت " لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية وعليهن أكسية سود يلبسنها " وروى الإمام احمد وأبو داود وابن ماجة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت " كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزونا كشفناه "(1/98)
وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هي أكمل النساء ديناً وعلماً وخلقاً وأدباً قال في حقها المصطفى صلى الله عليه وسلم " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " والثريد هو اللحم والخبز وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم " لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن يارسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب فقال صلى الله عليه وسلم " لتلبسها أختها من جلبابها" رواه البخاري ومسلم . فيؤخذ من هذا الحديث أن المعتاد عند نساء الصحابة أن لا تخرج المرأة إلا بجلباب فلم يأذن لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج بغير جلباب درءاً للفتنة وحماية لهن من أسباب الفساد وتطهيرا لقلوب الجميع مع أنهن يعشن في خير القرون ورجاله ونساؤه من أهل الإيمان من ابعد الناس عن التهم والريب وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس " فدل هذا الحديث على أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمها على الله عز وجل وأعلاها أخلاقاً وآدابا وأكملها إيماناً وأصلحها عملاً فهم القدوة الصالحة في سلوكهم وأعمالهم لغيرهم ممن يأتي بعدهم إذا علم هذا تبين أن ما يفعله بعض نساء هذا الزمان من التبرج بالزينة والتساهل في أمر الحجاب وإبراز محاسنهن للأجانب وخروجهن للأسواق متجملات متعطرات أمر مخالف للأدلة الشرعية ولما عليه السلف الصالح وانه منكر يجب على ولاة الأمر من الأمراء والعلماء ورجال الحسبة تغييره وعدم إقراره كل على حسب طاقته ومقدرته وما يملكه من الوسائل والأسباب التي تؤدي إلى منع هذا المنكر(1/99)
وحمل النساء على التحجب والتستر وان يلبسن لباس الحشمة والوقار وان لا يزاحمن الرجال في الأسواق " " (1) " فاتقوا الله أيها المسلمون وخذوا على أيدي سفهائكم وامنعوا نساءكم مما حرم الله عليهن وألزموهن التحجب والتستر. واحذروا غضب الله وسبحانه وعظيم عقوبته فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه " وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون "(2)
( واحذروا رحمكم الله ممن) " يلقون بين المسلمين الدعوات بأساليب شتى وطرق متعددة إلى أن تختلط النساء بالرجال والى أن تشتغل النساء بأعمال الرجال يقصدون من ذلك إفساد المجتمع المسلم والقضاء على الطهر والعفاف الذي يوجد فيه وإقامة قضايا وهمية ودعاوى باطلة في أن المرأة في المجتمع المسلم قد ظلمت وان لها الحق في كذا وكذا ويريدون إخراجها من بيتها وإيصالها إلى حيث يريدون في حين أن حدود الله واضحة وأوامره صريحة وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه "(3)
" وأسأل الله الكريم أن يمن علينا وعلى جميع المسلمين بإتباع كتابه الكريم والتمسك بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يعصمنا من مضلات الفتن وإتباع شهوات النفوس وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه انه خير مسئول وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه . (4)
المجلس العشرون
( في الاعتكاف)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه وإتباعه بإحسان(1/100)
" يأيها الذين امنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون "
" يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا "
" يأيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما "
أما بعد
" الإعتكاف : سنة للرجال والنساء لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يعتكف في رمضان واستقر أخيرا اعتكافه في العشر الأواخر وكان يعتكف بعض نسائه معه ثم اعتكفن من بعده عليه الصلاة والسلام "(1) " وأفضل ما يكون في رمضان في أي مسجد تقام فيه صلاة الجماعة كما قال الله تعالى " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد" (2) " ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان . وترك ذلك مرة فاعتكف في شوال والمقصود من ذلك هو التفرغ للعبادة والخلوة بالله لذلك وهذه هي الخلوة الشرعية وقال بعضهم في تعريف الاعتكاف : هو قطع العلائق عن كل الخلائق للاتصال بخدمة الخالق والمقصود من ذلك قطع العلائق الشاغلة عن طاعة الله وعبادته "(3) "ومحل الاعتكاف المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة وإذا كان يتخلل اعتكافه جمعة فالأفضل أن يكون اعتكافه في المسجد الجامع إذا تيسر ذلك وليس لوقته حد محدود في أصح أقوال أهل العلم ولا يشترط له الصوم ولكن مع الصوم أفضل والسنة له أن يدخل معتكفة حين ينوي الاعتكاف ويخرج بعد مضي المدة التي نواها وله قطع ذلك إذا دعت الحاجة إلى ذلك لأن الاعتكاف سنة ولا يجب بالشروع فيه إذا لم يكن منذوراً ويستحب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستحب لمن أعتكفها دخول معتكفة بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين إقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ويخرج متى انتهت العشر(1/101)
وإن قطعه فلا حرج عليه إلا أن يكون منذوراً كما تقدم والأفضل أن يتخذ مكاناً معيناً في
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/442)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/440)
3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/437
المسجد يستريح فيه إذا تيسر ذلك " (1) " والذي على المعتكف أن يلزم معتكفه ويشتغل بذكر الله والعبادة ولا يخرج إلا لحاجة الإنسان كالبول والغائط ونحو ذلك أو لحاجة الطعام إذا كان
لم يتيسر له من يحضر له الطعام فيخرج لحاجته فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج لحاجته ولا يجوز للمرأة أن يأتيها زوجها وهي في الاعتكاف وكذلك المعتكف ليس له أن يأتي زوجته وهو معتكف لأن الله تعالى قال { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } والأفضل له أن لا يتحدث مع الناس كثيراً بل يشتغل بالعبادة والطاعة لكن لو زاره بعض إخوانه أو زار المرأة بعض محارمها أو بعض أخواتها في الله وتحدثت معهم أو معهن فلا بأس . وكان البني صلى الله عليه وسلم يزوره نساؤه في معتكفه ويتحدث معهن ثم ينصرفن فدل ذلك على أنه لا حرج في ذلك " (2) " ولا بأس بالنوم والأكل في المسجد للمعتكف وغيره لأحاديث وآثار وردت في ذلك ولما ثبت من حال أهل الصفة مع مراعاة الحرص على نظافة المسجد والحذر من أسباب توسيخه من فضول الطعام أو غيرها . لما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : " عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد " رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن خزيمة ولحديث عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب " رواه الخمسة إلا النسائي وسنده جيد والدور هي الحارات والقبائل القاطنة في المدن "(3)
( أيها المسلمون إن الصوم عمل صالح عظيم و ثوابه جزيل ولا سيما صوم(1/102)
فعظموه رحمكم الله بالنية الصالحة والإجتهاد في حفظ صيامه وقيامه)رمضان " (4)
والمسابقة فيه إلى الخيرات والمبادرة فيه إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب
والسيئات "(5) "واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره وتواصوا بذلك وتعاونوا عليه وتآمرو بالمعروف وتناهوا عن المنكر لتفوزوا بالكرامة والسعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة والله المسئول أن يعيذنا وإياكم و سائر المسلمين من أسباب غضبه وأن يتقبل منا جميعا صيامنا وقيامنا وأن يصلح ولاة أمر المسلمين وأن ينصر بهم دينه ويخذل بهم أعداءه وأن يوفق الجميع للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه في كل شيء إنه على كل شيء قدير وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين. (6)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/442)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/440)
3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/438)
4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/ 25)
5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/ 23)
6) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/ 36 )
المجلس الحادي والعشرون
…(في فضل ليلة القدر)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لااله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه وإتباعه بإحسان
( يأيها الذين امنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون )
( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )(1/103)
( يأيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )
أما بعد
" ليلة القدر هي أفضل الليالي وقد أنزل الله فيها القرآن وأخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر وأنها مباركة وانه يُفْرقُ فيها كل أمر حكيم كما قال سبحانه في أول سورة الدخان { حمّ* والكتاب المبين* إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم * أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين * رحمة من ربك إنه هو السميع العليم * } وقال سبحانه { إنا أنزلناه في ليلة القدر* ومآ أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر* تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر* سلام هي حتى مطلع الفجر* } وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من(1/104)
ذنبه "متفق على صحته وقيامها يكون بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن وغير ذلك من وجوه الخير وقد دلت هذه السورة. العظيمة أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر مما سواها وهذا فضل عظيم ورحمة من الله لعباده فجدير بالمسلمين أن يعظموها وان يحيوها بالعبادة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر من رمضان وأن أوتار العشر أرجى من غيرها فقال عليه الصلاة والسلام " التمسوها في العشر الأواخر من رمضان التمسوها في كل وتر " وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن هذه الليلة متنقلة في العشر وليست في ليلة معينة منها دائماً فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين وقد تكون في ليلة ثلاثة وعشرين وقد تكون في ليلة خمس وعشرين وقد تكون في ليلة سبع وعشرين وهي أحرى الليالي وقد تكون في ليلة تسع وعشرين وقد تكون في الأشفاع . فمن قام ليالي العشر كلها إيماناً واحتسابا أدرك هذه الليلة بلا شك وفاز بما وعد الله أهلها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه الليالي بمزيد اجتهاد لا يفعله في العشرين الأول قالت عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم : يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها وقالت: كان إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشد المئزر . وكان يعتكف فيها عليه الصلاة والسلام غالباً . وقد قال الله عز وجل { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } وسألته عائشة رضي الله عنها فقالت يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها قال " قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فأعفوا عني " وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم وكان السلف بعدهم يعظمون هذه العشر ويجتهدون فيها بأنواع الخير(1/105)
فالمشروع للمسلمين في كل مكان أن يتأسوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم وبأ صحابه الكرام رضي الله عنهم وبسلف هذه الأمة الأخيار فيحيوا هذه الليالي بالصلاة وقراءة القرآن وأنوع الذكر والعبادة إيماناً واحتسابا حتى يفوزوا بمغفرة الذنوب وحط الأوزار والعتق من النار فضلاً منه سبحانه وجوداً وكرماً وقد دل الكتاب والسنة أن هذا الوعد العظيم مما يحصل باجتناب الكبائر كما قال سبحانه { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً }وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة
ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر "خرجه الإمام مسلم في صحيحة " (1)
( أيها المسلمون إن الصوم عمل صالح عظيم و ثوابه جزيل ولا سيما صوم
فعظموه رحمكم الله بالنية الصالحة والإجتهاد في حفظ صيامه وقيامه)رمضان " (2)
والمسابقة فيه إلى الخيرات والمبادرة فيه إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب
والسيئات "(3) " واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره وتواصوا بذلك وتعاونوا عليه وتآمرو بالمعروف وتناهوا عن المنكر لتفوزوا بالكرامة والسعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة والله المسئول أن يعيذنا وإياكم و سائر المسلمين من أسباب غضبه وأن يتقبل منا جميعا صيامنا وقيامنا وأن يصلح ولاة أمر المسلمين وأن ينصر بهم دينه ويخذل بهم أعداءه وأن يوفق الجميع للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه في كل شيء إنه على كل شيء قدير وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين . (4)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/425
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/ 25)
3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/ 23)(1/106)
4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15/ 36)
المجلس الثاني والعشرون
(الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فان من أهم الواجبات الإسلامية التي يترتب عليها صلاح المجتمع وسلامته ونجاته في الدنيا والآخرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك هو سفينة النجاة كما ثبت في صحيح البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أن خرقنا من نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا " قال النبي صلى الله عليه وسلم " فان يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وان أخذوا على أيديهم نجو ونجوا جميعاً "(1/107)
فتأمل أيها المسلم هذا المثل العظيم من سيد ولد آدم ورسول رب العالمين واعلم الخلق بأحوال المجتمع وأسباب صلاحه وفساده تجده واضح الدلالة على عظم شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانه سبيل النجاة وطريق صلاح المجتمع ويتضح من ذلك أيضاً انه واجب على المسلمين وفرض عليهم القيام به لأنه هو الوسيلة إلى سلامتهم من أسباب الهلاك وقد أكثر الله سبحانه في كتابه الكريم من ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذكر أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير الأمم بسبب صفاتها الحميدة التي من أهمها قيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال عز وجل "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " وتأمل أيها المسلم الذي يهمه دينه وصلاح مجتمعه كيف بدأ الله سبحانه في هذه الآية بذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الإيمان مع كون الإيمان شرطاً لصحة جميع العبادات يتبين لك عظم شأن هذا الواجب وانه سبحانه إنما قدم ذكره لما يترتب عليه من الصلاح العام وقال عز وجل " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن النكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم " فانظر يا أخي كيف بدأ في هذه الآية بذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الصلاة والزكاة وما ذاك إلا لما تقدم بيانه من عظم شأنه وعموم منفعته وتأثيره في المجتمع وتدل الآية أيضاً على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أخلاق المؤمنين والمؤمنات وصفاتهم الواجبة التي لا يجوز لهم التخلي عنها أو التساهل بها والآيات في هذا المعنى كثيرة . وقد ذم الله سبحانه من ترك هذا الواجب من كفار بني إسرائيل ولعنهم على ذلك فقال سبحانه في كتابه المبين من سورة المائدة "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر(1/108)
فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " وفي هذه الآية إرشاد من الله سبحانه وتعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن سبب لعن كفار بني إسرائيل وذمهم هو عصيانهم واعتداؤهم وان من ذلك عدم تناهيهم عن المنكر فيما بينهم لتحذر هذه الأمة سبيلهم الوخيم . ويبتعدوا عن هذا الخلق الذميم ويتضح من ذلك أن هذه الأمة متى تخلقت بأخلاق كفار بني إسرائيل المذمومة استحقت ما استحقه أولئك من الذم واللعن لأنه لا صلة بين العباد وبين ربهم إلا صلة العبادة والطاعة فمن استقام على عبادة الله وحده وامتثال أوامره وترك نواهيه استحق من الله الكرامة فضلاً منه وإحساناً وفاز بالثناء الحسن والعاقبة الحميدة ومن حاد عن سبيل الحق استحق الذم واللعن وباء بالخيبة والخسران وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم رحمه الله في صحيحه وروى مسلم أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم انه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " فاتق الله أيها المسلم في نفسك وجاهدها لله واستقم على أمره وجاهد من تحت يديك من الأهل والذريه وغيرهم وأمرهم بالمعروف وانههم عن المنكر حسب طاقتك في كل مكان وزمان عملاً بهذا الأدلة الشرعية التي ذكرتها لك آنفاً وتخلق بأخلاق المؤمنين وأحذر من أخلاق الكافرين والمجرمين واحرص جهدك على نجاتك ونجاة اهلك وإخوانك المسلمين كما قال عز وجل " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها " وقال سبحانه " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها(1/109)
ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ". وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال " يا أيها الناس إن الله يقول لكم مروا بالمعروف وأنهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم وتسألوني فلا أعطيكم وتستنصروني فلا أنصركم " أخرجه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه وهذا لفظ ابن حبان .
والمعروف يا أخي هو كل ما أمر الله به ورسوله والمنكر هو كل ما نهى الله عنه ورسوله فيدخل في المعروف جميع الطاعات القولية والفعلية ويدخل في المنكر جميع المعاصي القولية والفعلية . ثم أعلم يا أخي أن كل مسلم راع على من تحت يده ومسئول عن رعيته كما ثبت في صحيح البخاري رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والعبد راع في مال سيده ومسئول عن رعيته ، ثم قال صلى الله عليه وسلم " ألا فكلكم راع ومسئول عن رعيته "
فاتق الله يا عبد الله وأعد جواباً لهذا السؤال قبل أن ينزل بك من أمر الله ما لا قبل لك به والله المسئول عن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم وأن يوفقنا وسائر المسلمين للقيام بأمره والثبات على دينه والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر والتواصي بالحق والصبر عليه بصدق وإخلاص انه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه ".(5)
المجلس الثالث والعشرون
نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب
. الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وال كل وسائر الصالحين
أما بعد (1)(1/110)
"فإن وصيتي لكل مسلم تقوى الله سبحانه وتعالى في جميع الأحوال وأن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه وذلك كثير بين الناس قال الله سبحانه وتعالى مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وقال تعالى : وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
وهناك أشياء قد يجرها الكلام ينبغي التنبيه عليها والتحذير منها لكونها من الكبائر التي توجب غضب الله وأليم عقابه وقد فشت في بعض المجتمعات
من هذه الأشياء :
1- الغيبة : وهي ذكرك أخاك بما يكره لو بلغه ذلك سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو في دينه أو دنياه بل وحتى في ثوبه وداره ودابته فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال "ذكرك أخاك بما يكره" قال أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته رواه مسلم
والغيبة محرمة لأي سبب من الأسباب سواء كانت لشفاء غيظ أو مجاملة للجلساء ومساعدتهم على الكلام أو لإرادة التصنع أو الحسد أو اللعب أو الهزل تمشية الوقت فيذكر عيوب غيره بما يضحك وقد نهى الله سبحانه وتعالى عنها وحذر منها عباده في قوله عز وجل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ .(1/111)
(1 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 2 / 41 )
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت رواه البخاري ومسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أربأ الربا استطالة المرء في عرض أخيه رواه البزار وأبو داود ، والأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم الغيبة وذمها ، والتحذير منها كثيرة جدا .
2- مما ينبغي اجتنابه والابتعاد عنه والتحذير منه ( النميمة ) التي هي نقل الكلام من شخص إلى آخر ، أو من جماعة إلى جماعة ، أو من قبيلة إلى قبيلة لقصد الإفساد والوقيعة بينهم وهي كشف ما يكره كشفه سواء أكره المنقول عنه أو المنقول إليه . أو كره ثالث وسواء أكان ذلك الكشف بالقول أو الكتابة أو الرمز أو بالإيماء ، وسواء أكان المنقول من الأقوال أو الأعمال ، وسواء كان ذلك عيبا أو نقصا في المنقول عنه أو لم يكن ،
فيجب أن يسكت الإنسان عن كل ما يراه من أحوال الناس إلا ما في حكايته منفعة لمسلم أو دفع لشر .(1/112)
والباعث على النميمة إما إرادة السوء للمحكي عنه أو إظهار الحب للمحكي عليه أو الاستمتاع بالحديث والخوض في الفضول والباطل وكل هذا حرام ، وكل من حملت إليه النميمة بأي نوع من أنواعها يجب عليه عدم التصديق؛ لأن النمام يعتبر فاسقا مردود الشهادة قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ وعليه أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله لقوله تعالى : وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وأن يبغضه في الله وألا يظن بأخيه المنقول عنه السوء بل يظن به خيرا؛ لقوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث متفق على صحته .
وعليه ألا يتجسس على من حُكي له عنه وألا يرضى لنفسه ما نهى عنه النمام فيحكي النميمة التي وصلته .
وأدلة تحريم النميمة كثيرة من الكتاب والسنة منها قوله تعالى وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ وقوله تعالى وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ وعن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة نمام متفق عليه
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بين الناس رواه مسلم
والنميمة من الأسباب التي توجب عذاب القبر لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله وكان الآخر يمشي بالنميمة متفق عليه .(1/113)
وإنما حرمت الغيبة والنميمة لما فيهما من السعي بالإفساد بين الناس وإيجاد الشقاق والفوضى وإيقاد نار العداوة والغل والحسد والنفاق وإزالة كل مودة وإماتة كل محبة بالتفريق والخصام والتنافر بين الأخوة المتصافين ولما فيهما أيضا من الكذب والغدر والخيانة والخديعة وكيل التهم جزافا للأبرياء وإرخاء العنان للسب والشتائم وذكر القبائح ولأنهما من عناوين الجبن والدناءة والضعف هذا إضافة إلى أن أصحابهما يتحملون ذنوبا كثيرة تجر إلى غضب الله وسخطه وأليم عقابه
3- ومما يجب اجتنابه والبعد عنه الخصلة الذميمة ألا وهي الحسد وهي أن يتمنى الإنسان زوال النعمة عن أخيه في الله سبحانه سواء أكانت نعمة دين أو دنيا وهذا اعتراض على ما قضاه الله وقسمه بين عباده وتفضل به عليهم وظلم من الحاسد لنفسه فينقص إيمانه بذلك ويجلب المصائب والهموم لنفسه ويفتك بها فتكا ذريعا قال الله سبحانه وتعالى أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا تناجشوا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب رواه أبو داود .(1/114)
4- ينبغي الابتعاد عن الظلم وهو الجور ووضع الشيء في غير موضعه الشرعي وأكبره الشرك بالله سبحانه وتعالى ومبارزته بالمخالفة والمعصية قال الله سبحانه وتعالى إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وقال عز وجل : وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ وكذا أخذ مال الغير بغير حق أو اغتصاب شيء من أرضه أو الاعتداء عليه وهو أيضا كبيرة من الكبائر ومعصية لله وهو والعياذ بالله ناشئ عن ظلمة في القلب لأنه لو استنار قلبه بنور الهدى لاعتبر قال الله سبحانه وتعالى مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ وقال تعالى وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ وقال تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ وقال تعالى وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يقول الله تعالى يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا الحديث . وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة الحديث . . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه متفق عليه . وهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على وجوب الحذر من الظلم في الأنفس والأعراض والأموال ، لما في ذلك من الشر العظيم والفساد الكبير والعواقب الوخيمة كما تدل على وجوب التوبة إلى الله سبحانه مما سلف من ذلك والتواصي بترك ما حرم الله من الظلم وغيره من سائر المعاصي .
وفقني الله وإياكم لمحاسن الأخلاق وصالح الأعمال وجنبنا مساوئ الأخلاق ومنكرات الأعمال ، وهدانا صراطه المستقيم ، إنه جواد كريم .(1/115)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
(1 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 3 / 236 )
المجلس الرابع والعشرون
الصدق والنصح في جميع المعاملات والحذر من المال الحرام
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . أما بعد :
" فإن الله سبحانه وتعالى أوجب على المسلمين الصدق والنصح في جميع المعاملات ، وحرم عليهم الكذب والغش والخيانة ، وما ذاك إلا لما في الصدق والنصح وأداء الأمانة من صلاح أمر المجتمع والتعاون السليم بين أفراده والسلامة من ظلم بعضهم لبعض وعدوان بعضهم على بعض ، ولما في الغش والخيانة والكذب من فساد أمر المجتمع وظلم بعضه لبعض وأخذ الأموال بغير حقها وإيجاد الشحناء والتباغض بين الجميع ، ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم خرجه مسلم في صحيحه . وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم وفي الصحيحين أيضا عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال حتى يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من غشنا فليس منا وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم على صبرة من طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال ما هذا يا صاحب الطعام ؟ قال أصابته السماء يا رسول الله قال "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس من غش فليس مني فهذه الأحاديث الصحيحة وما جاء في معناها كلها تدل على وجوب النصح والبيان والصدق في المعاملات وعلى تحريم الكذب والغش والخيانة في ذلك كما تدل على أن الصدق(1/116)
والنصح من أسباب البركة في المعاملة ، وأن الكذب والغش من أسباب محقها ، ومن النصح والأمانة بيان العيوب الخفية للمشتري والمستأجر وبيان حقيقة الثمن والسوم عند الإخبار عنهما . ومن الغش والخيانة الزيادة في السوم أو الثمن ليبذل المشتري أو المستأجر مثل ذلك أو قريبا منه . وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأعطي بها كذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف فالواجب على جميع المسلمين تقوى الله في المعاملة والحذر من أسباب غضب الله وأليم عقابه الذي توعد به أصحاب الغش والخيانة والكذب ، كما يجب على الجميع التواصي بالصدق والنصح وتقوى الله في جميع الأمور . لأن في ذلك سعادة الدنيا والآخرة وصفاء القلوب وصلاح المجتمع ، وفي ذلك أيضا حصول البركة في المعاملة والسلامة من أكل الحرام ومن ظلم المسلم لأخيه . وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه وقال عليه الصلاة والسلام : مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "(1)(1/117)
"روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله : إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين " فقال تعالى يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا وقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام ، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له
"فاتقوا الله أيها المسلمون ، واحذروا سخطه ، وتجنبوا أسباب غضبه فإنه جل وعلا غيور إذا انتهكت محارمه ، وقد ورد في الحديث الصحيح لا أحد أغير من الله " . وجنبوا أنفسكم وأهليكم المال الحرام والأكل الحرام ، نجاة بأنفسكم وأهليكم من النار التي جعلها الله أولى بكل لحم نبت من الحرام كما أن المأكل الحرام سبب لحجب الدعاء وعدم الإجابة لما مر من حديث أبي هريرة عند مسلم ، ولما رواه الطبراني عن ابن عباس ، رضي الله عنهما قال : تليت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا فقام سعد بن أبي وقاص فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يقبل الله منه عملا أربعين يوما ، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به{ ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم عن رواية الطبراني رحمه الله ، فدل ذلك على أن عدم إطابة المطعم وحليَة المأكل مانع من استجابة الدعاء ، حاجب عن رفعه إلى الله ، وكفى بذلك وبالا وخسرانا على صاحبه نعوذ بالله من ذلك .
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 4/103)(1/118)
وقد دعاكم الله إلى وقاية أنفسكم وأهليكم من النار ، والنجاة بها من عذاب الله وأليم عقابه ، حيث قال سبحانه وتعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
فاستجيبوا أيها المسلمون لنداء ربكم وأطيعوا أمره واجتنبوا نهيه ، واحذروا أسباب غضبه ، تسعدوا في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ *وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
والله المسئول أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، ومن المتعاونين على البر والتقوى ، الملتزمين بكتاب الله ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، وأن ينصر دينه ، ويعلي كلمته ، ويوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . "(1)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 3/359)
المجلس الخامس والعشرون
أخلاق المؤمنين والمؤمنات))
" بسم الله الرحمن الرحيم والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وأفضل الدعاة إلى سبيل الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله وأهتدى بهداه إلى يوم الدين .
أما بعد:(1/119)
بين الله سبحانه في كتابه الكريم في مواضع كثيرة أخلاق المؤمنين وأخلاق المؤمنات وكررها ليعلمها المؤمن فيأخذ بها ويستقيم عليها ولتعلمها المؤمنة فتأخذ بها وتستقيم عليها ولا فرق في ذلك بين الأمراء والأطباء والعلماء وعامة المؤمنين من الذكور والإناث كلهم مطالبون بهذه الأخلاق مطالبون بالتحلي بالأخلاق الإيمانية التي شرعها الله لعباده وأمرهم بها وجعلها طريقاً للسعادة في الدنيا والآخرة وسبيلاً لمصلحة الجميع في هذه الدار وطريقاً للنجاة يوم القيامة ومن جمله الآيات وأجمعها في ذلك قول الله سبحانه في سورة التوبة "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقومون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله أن الله عزيز حكيم "(6) " هذه من أخلاق أهل الإيمان الرجال والنساء بعضهم أولياء بعض والأولياء فيما بينهم من أخلاقهم المحبة والتواصي بالخير والتعاون على البر والتقوى فلا يغتاب بعضهم بعضا ولا ينم عليه . ولا يشهد عليه بالزور ولا يظلمه هكذا المؤمنون والمؤمنات أولياء ليسوا متباغظين ولا متحاسدين ولا متشاحنين ولا يظلمه في قول ولا عمل ولا دم ولا مال ولا يغشه في معاملة ولا يخونه في جميع الأحوال ثم قال سبحانه " يأمرون بالمعروف " هكذا أينما كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالأسلوب الحسن وبالطريقة الحميدة وبالعلم والبصيرة كما قال تعالى " قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة " فهم يأمرون عن بصيرة وينهون عن بصيرة والمعروف ما أمر الله به ورسوله والمنكر ما أنكره الله ورسوله ونهى عنه هكذا المؤمنون والمؤمنات إذا رأوا من بعض إخوانهم تقصيرا في طاعة الله أمروهم بمعروف وان رأوهم يتخلفون عن الصلاة في الجماعة قالوا لهم . اتقوا الله وحافظوا على الجماعة فهي مفروضة عليكم ولا تتشبهوا بالمنافقين وهكذا لو رأيته يتعاطى الربا نصحته لله أو رايته يجالس من ليس من الطيبين(1/120)
تنصحه وتذكر بالله" فالمؤمن مرآة أخيه المؤمن " كما جاء ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقول سبحانه في آخر سورة التوبة لما ذكر المجاهدين قال في وصفهم " التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله " هذه أخلاق أهل الإيمان والجهاد وقال سبحانه في سورة يونس عليه الصلاة والسلام " ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ثم بينهم فقال " الذين آمنوا وكانوا يتقون " هؤلاء أولياء الله إذا أردت أن تصير منهم فعليك بهذه الأخلاق العظيمة وهو الإيمان الصادق بالله ورسوله وبكل ما أخبر الله به ورسوله والتقوى بطاعة الأوامر وترك النواهي فمن تخلق بهذا الخلق فهو من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهم الذين آمنوا وكانوا يتقون "
وقال سبحانه في سورة المؤمنون "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين عن اللغو معرضون. والذين هم للزكاة فاعلون .والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين .فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون .والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ".(1/121)
هذه أخلاق المؤمنين في كل مكان وزمان يذكرها سبحانه ليعلمها العباد ويستقيموا عليها ويحفظوها ومعنى قوله سبحانه " قد أفلح المؤمنين " أي فازوا وظفروا بكل خير وحصلوا على كل خير ثم ذكر صفاتهم فقال " الذين هم في صلاتهم خاشعون " بدأ بالخشوع في الصلاة لعظم شأنه وشأن الصلاة ثم قال سبحانه " والذين هم عن اللغو معرضون" والمعنى أنهم يعرضون عن كل باطل وقد فسر اللغو بالشرك وبالمعاصي وبكل ما لا خير فيه ثم قال سبحانه وتعالى والذين هم للزكاة فاعلون " والزكاة هنا تشمل زكاة المال وزكاة النفس وهكذا المؤمن يزكي نفسه بطاعة الله ورسوله ويزكي ماله بأداء الحق الذي عليه ثم قال سبحانه " والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين " فالمؤمن حافظ فرجه إلا من زوجته أو سريته وهي ملك يمينه وهكذا المؤمنة تحفظ فرجها إلا من زوجها أو سيدها وهو مالكها إذا كان لها سيد مالك فمن فعل الزنا أو اللواط أو أتى المرأة في دبرها أو في حالة الحيض أو النفاس أو تعاطي العادة السرية وهي الاستمناء ولم يحفظ فرجه صار عادياً أي ظالماً فالمؤمن يأتي زوجته في قبلها في غير المحيض والنفاس وفي غير الإحرام بل في الوقت الذي أباح الله له ان يأتيها فيه ثم قال تعالى "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون " هكذا المؤمن والمؤمنة يحفظ الأمانة ويؤديها ولا يخونها أبداً عملاً بهذه الآية وبقوله سبحانه " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" وقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وانتم تعلمون " فلابد من أداء الأمانة ورعايتها وقد عظم الله شأنها فقال سبحانه وتعالى " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً " فالأمانة أمرها عظيم والأمانة أمانتان أمانة الله وأمانة العباد فعليك أن تؤدي أمانة الله وأمانة العباد فعليك أن(1/122)
تؤدي أمانة الله من صلاة وصوم وغير ذلك من الفرائض على الوجه الذي شرعه الله وعليك أن تؤدي أمانات الناس من ودائع ورهون و عواري وغير ذلك فعليك أن تؤدي الأمانتين وترعاهما بكل صدق وبكل حرص وبكل عناية وقال سبحانه وتعالى في سورة المعارج" والذين هم بشهاداتهم قائمون " والمعنى أنهم لا يزيدون عليها ولا ينقصون بل يؤدون الشهادة كما أمر الله بدون زيادة ولا نقصان ولا كتمان عملاً بهدي الله وبقوله سبحانه وتعالى " ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثم قلبه " والشهادة بالزور من اكبر الكبائر فالمؤمن والمؤمنة يشهدان بالحق الذي عندهما لا يزيدان ولا ينقصان ولا يكتمان الشهادة بل يؤديانها كما حفظا وكما رأيا وكما سمعا ثم قال سبحانه " والذين هم على صلواتهم يحافظون " هكذا المؤمنون والمؤمنات يحافظون على الصلاة ويؤدونها في أوقاتها فالرجل يؤديها في الجماعة كما أمر الله بذلك والمرأة تؤديها في بيتها في وقتها كذلك وكل ما تقدم من الأخلاق التي أمر الناس بها يجب على كل مؤمن ومؤمنة مراعاتها والمحافظة عليها وقد وعدهم الله سبحانه على ذلك بالفردوس الأعلى في دار النعيم في قوله سبحانه في خاتمة الآيات " أولئك هم الوارثون . الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون " ويقول سبحانه وتعالى في سور الحجرات " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون " فمن أخلاق المؤمنين والمؤمنات الصدق والأمانة الكاملة في إيمانهم بالله ورسوله وبكل ما أمر الله به ورسوله والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس .(1/123)
ويقول سبحانه في سورة الملك " إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير " فالخشية لله أمرها عظيم وعاقبتها حميدة يقول النبي صلى الله عليه وسلم " أما ولله أني لأخشاكم لله وأتقاكم له " فلابد من خوفه لله وخشيته مع رجائه وحسن الظن به في جميع الأحوال حتى يؤدي المؤمن والمؤمنة ما أوجب الله ويدع ما حرم الله عن إيمان بالله سبحانه وخوف منه ورجاء لفضله وهذه الصفات من أعظم الأخلاق وأهمها وأنفعها للعبد في دينه ودنياه وهي أن يخشى الله ويراقبه ويرجوا فضله وإحسانه مع القيام بحقه وترك معصيته إينما كان ولقد صدق من قال .
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فالأخلاق التي شرعها الله لعباده وأمرهم بها هي أسباب سعادة الأمة ورقيها وبقاء حكمها ودولتها ويقول آخر.
وليس بعامر بنيان قوم إذا أخلاقهم كانت خربا(7)
( فالواجب) التحلي بالأخلاق المشروعة لكل مسلم ومنها الصدق والأمانة والعفاف والحياء والشجاعة والكرم والوفاء والنزاهة عن كل ما حرم الله وحسن الجوار ومساعدة ذوي الحاجة حسب الطاقة وغير ذلك من الأخلاق التي دل الكتاب أو السنة على شرعيتها "(8)
" اسأل الله بأسمائه الحسنى أن يوفقنا وإياكم للتمسك بهذه الأخلاق التي مدحها الله وأمر بها وأثنى على أهلها وأن يوفقنا وجميع المسلمين في كل مكان وجميع ولاتهم وقادتهم في كل مكان من مشارق الأرض ومغاربها للتمسك بهذه الأخلاق العظيمة الفاضلة وان يجنبنا وإياهم جميع الأخلاق المذمومة وإن ينصر دينه ويعلي كلمته وان يصلح قادة المسلمين وشعوبهم في كل مكان وان يوفق ولاة أمرنا في هذه البلاد لكل خير وان يعينهم عليه وان يجمع كلمتهم على التقى وان ينصرهم بالحق وينصر الحق بهم وأن يفقههم في الدين وان يثبتهم عليه وان يصلح لهم البطانة الصالحة ويعينهم على كل خير وان يكثر أعوانهم انه سميع قريب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان. (1(1/124)
المجلس السادس والعشرون
(وجوب التعاون على البر والتقوى)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه وأتباعه بإحسان
أما بعد
" فقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالتعاون على البر والتقوى ونهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان حيث قال سبحانه وتعالى في سورة المائدة " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب " فجدير بكل مسلم وكل مسلمة في أنحاء الدنيا أن يحققوا هذا العمل وان يعنوا به كثيراً لأن ذلك يترتب عليه بتوفيق الله صلاح المجتمع وتعاونه على الخير وابتعاده عن الشر وإحساسه بالمسئولية ووقوفه عند الحد الذي ينبغي أن يقف عنده .(1/125)
وفي هذا المعنى يقول عز وجل " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " الآية, فكون بعضهم أولياء بعض يقتضي التناصح والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه والحذر من كل ما يخالف هذه الولاية ويضعفها .فالمؤمن ولي أخيه وولي أخته في الله والمؤمنة كذلك ولية أختها في الله وولية أخيها في الله . وهذا واجب على الجميع وعلى كل منهم أن يدل أخاه على الخير وينصح له ويحذره من كل شر وبذلك تتحقق الولاية منك لأخيك بالتعاون معه على البر والتقوى والنصيحة له في كل شيء تعلم انه من الخير وتكره له كل شيء تعلم انه من الشر وتعينه على الخير وعلى ترك الشر وتفرح بحصوله على الخير ويحزنك أن يقع في الشر لأنه أخوك ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " متفق عليه من حديث انس رضي الله عنه ويقول عليه الصلاة والسلام " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " وشبك بين أصابعه .متفق عليه ويقول النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " متفق عليه فهذه الأحاديث الثلاثة وما جاء في معناها أصول عظيمة في وجوب محبتك لأخيك كل خير وكراهيتك له كل شر ونصيحتك له أينما كان وأنه وليك وأنت وليه كما قال سبحانه " والمؤمنون والمؤمنان بعضهم أولياء بعض " وفي هذا المعنى أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه من حديث تميم الداري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " الدين النصيحة " قيل لمن يارسول الله؟ قال " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " وفي هذا الحديث العظيم إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين كله النصيحة والنصح هو الإخلاص في الشي وعدم الغش والخيانة فيه .(1/126)
فالمسلم لعظم ولايته لأخيه ومحبته ينصح له ويوجهه إلى كل ما ينفعه ويراه خالصاً لا شائبة فيه ولا غش فيه ومن ذلك قول العرب ذهب ناصح يعني سليماً من الغش ويقال عسل ناصح أي سليم من الغش والشمع وفي هذا المعنى أيضاً ما رواه الشيخان من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال " بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم "
فالتعاون على البر والتقوى والتناصح يقتضي الدعوة إلى الخير والإعانة عليه. فهو أيضاً يقتضي التحذير من الشر وعدم التعاون مع أهل الشر . فلا تعين أخاك على ما يغضب الله عليه ولا تعينه على أي معصية بل تنصح له في تركها وتحذره من شرورها وهذا من البر والتقوى وإذا أعنته على المعصية وسهلت له سبيلها كنت ممن تعاون معه على الإثم والعدوان سواء كانت المعصية عملية أو قولية كالتهاون بالصلاة أو بالزكاة أو بالصيام أو حج البيت أو بعقوق الوالدين أو أحدهما أو بقطيعة الرحم أو بحلق اللحى أو بإسبال الثياب أو بالكذب والغيبة والنميمة أو السباب واللعن أو بغير هذا من أنواع المعاصي القولية والفعلية . عملاً بقول الله سبحانه وتعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " ويدخل في الإثم جميع المعاصي(1/127)
أما العدوان فهو التعدي لحدود الله والتعدي على الناس أو التعدي على ما فرض الله بالزيادة أو النقص والبدعة من العدوان لأنها زيادة على ما شرع الله فيسمى المبتدع متعدياً والظالم للناس متعدياً والتارك لما أنزل الله آثماً متعدياً لأمر الله فاقتراف المعاصي إثم والتعدي على ما فرض الله والزيادة على ما فرض الله والظلم لعباد الله عدوان منهي عنه وداخل في الإثم كما قال تعالى " ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " ثم ختم الله الآية بأمره سبحانه وتعالى بالتقوى والتحذير من شدة العقاب فقال " واتقوا الله إن الله شديد العقاب " والمعنى احذروا مغبة التعاون على الإثم والعدوان وترك التعاون على البر والتقوى ومن العاقبة في ذلك شدة العقاب لمن خالف أمره وارتكب نهيه وتعدى حدوده "(1) " والناس في خير ما تناصحوا وتعاونوا على البر والتقوى ، فإذا تعاونوا على الباطل وعلى الشر والفساد ساد البلاء ونزع الأمن
وانتصر الباطل ودفن الحق وهذا هو الذي يحبه الشيطان والذي يدعو إليه(1/128)
شياطين الأنس والجن فالواجب الحذر مما يدعو إليه شياطين الإنس والجن والتواصي بكل أسباب الأمن وبكل أسباب الخير والهدى والتواصي بالتعاون مع ولاة الأمر في كل خير ومع كل من يدعو إلى الخير وإقامة أمر الله وفي نصر الحق وفي إقامة المعروف والتعاون مع كل مصلح فيما يدحض الباطل وفي التحذير من الباطل والتحذير من أسباب الفرقة والاختلاف هذا هو الواجب كما قال سبحانه وتعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب " وقال جل وعلا " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " وقال سبحانه وتعالى " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " هذا هو الذي فيه النجاة والإيمان الصادق والعمل الصالح والعاقبة الحميدة وبهذا يكثر الخير ويحصل التعاون على البر والتقوى ويدحض الشر ، وتأمن البلاد ويستتب الأمن ويحصل التعاون على الخير ويرتدع السفيه المفسد وينتصر صاحب الحق وصاحب الهدى .
ونسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفق الجميع للخير وان يمنحهم الفقه في الدين وان يصلح أحوال المسلمين جميعاً وان يعيذنا وإياهم من شرور النفس وسيئات الأعمال وإتباع الهوى وان يعيذنا جميعاً من مضلات الفتن كما نسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير وان يعينهم على كل خير وان ينصر بهم الحق وان يمنحهم الفقه في الدين وان يوفق أعوانهم للخير وان يعيذهم من كل ما يخالف شرع الله وان يجعلنا وإياكم وإياهم من الهداة المهتدين .كما نسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان وان يمنحهم الفقه في الدين وان يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم وان يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى انه سميع قريب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه " . (9)
المجلس السابع والعشرون
(من معاني الأخوة الإسلامية)(1/129)
" الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يبتلي عباده بالخير والشر والصحة والمرض والفقر والغنى والقوة والضعف ، لينظر كيف يعملون وهل يكونون مطيعين له في حال الرخاء والشدة قائمين بحقوقه سبحانه في كل الأوقات والأحوال قال تعالى " ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون " وقال سبحانه وتعالى " ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين"(1/130)
إذا علم هذا فان الله سبحانه يختبر العباد ويمتحن شكرهم وصبرهم لينالوا الجزاء منه كل منهم على حسب حاله وما صدر منه فالواجب على المسلم إذا أنعم الله عليه بنعمة المال أن يتذكر أخاه الفقير فيواسيه من ماله ويعينه على تحمل أعباء الحياة ويؤدي حق الله الواجب في المال وان يتذكر دائماً قوله سبحانه وتعالى " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين " وإذا كان المسلم معافى في بدنه قوياً في جسمه فينبغي له أن يتذكر إخوانه وجيرانه المرضى والضعفاء العاجزين فيعينهم على قضاء حوائجهم ويبذل ما يستطيع لتخفيف وطأة المرض عليهم ومثل ذلك إذا كان قوياً في علمه فعليه أن ينفع عباد الله المسلمين الذين حرموا نعمة العلم فيرشدهم إلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم ويعلمهم ما أوجب الله عليهم كما أن على المسلم الفقير أو المريض العاجز أن يصبر على ما أصابه ويرجوا الفضل من عند الله سبحانه ويجتهد في فعل الأسباب المباحة التي يكشف الله بها ما أصابه وليتذكر الجميع قول الرب سبحانه " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " وما يقال بالنسبة للأفراد يقال بالنسبة للأمم المسلمة إذ يجب على الأمة القوية في مالها أو رجالها أو سلاحها أو علومها أن تمد الأمة المستضعفة وان تعينها على الحفاظ على نفسها ودينها وتمنع عنها الذئاب من حولها .المتسلطة عليها وان تؤتيها من مال الله الذي آتاها فهذا هو مقتضى الأخوة الإسلامية التي عقدها الرب سبحانه بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها . إذ يقول جل شأنه " إنما المؤمنون إخوة " والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " ويقول صلى الله عليه وسلم " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك(1/131)
بين أصابعه" وقال " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه . من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة " وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخر ومن ستر مسلماً ستره في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " وهذه الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضح ما يجب ان يكون عليه المسلمون من التعاون والشعور بحاجة بعضهم إلى بعض ولقد قرر العلماء رحمهم الله انه لو أصيبت امرأة مسلمة في المغرب بظلم لوجب على أهل المشرق من المسلمين نصرتها فكيف والقتل والتشريد والظلم والعدوان والاعتقالات بغير حق كل ذلك يقع بالمئات الكثيرة من المسلمين فلا يتحرك لهم إخوانهم ولا ينصرونهم إلا ما شاء الله من ذلك . وإذا كانت الأمم النصرانية واليهودية والشيوعية وغيرها من الأمم الكافرة قد تحفظ حقوق أي فرد ينتسب إليها ولو كان يقيم في دولة أخرى بعيدة عنها وتصدر الاحتجاجات وترسل الوعيد والتهديد أحياناً إذا لحق بواحد منهم ضرر ولو كان مفسداً في الدولة التي يقيم في أراضيها فكيف يسكت المسلمون اليوم على ما يحل بإخوانهم من حروب الإبادة وضروب العذاب والنكال في أماكن كثيرة من هذا العالم . ولتعلم كل طائفة وأمة لا تتحرك لنصرة أختها في الله بأنه يوشك أن تصاب هي بمثل ذلك البلاء الذي تسمع به أو تراه يقطع أوصال أولئك المسلمين فلا يجدون من ينصرهم أو يعمل على رفع الظلم والعذاب عنهم .فالله سبحانه المستعان وهو المسئول بأن يوقظ قلوب العباد لطاعته وأن يهدي ولاة أمور المسلمين وعامتهم إلى أن يكونوا يداً واحدة وصرحا متراصاً للقيام بأوامر الله والعمل بكتابه وسنة رسوله ونصرة المسلمين ومحاربة(1/132)
الظالمين المعتدين عملا بقول الله سبحانه وتعالى" ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور "
وقوله سبحانه وتعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب " وقوله عز وجل والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"(10) "واسأل الله أن يوفقنا وسائر المسلمين للأخوة الصادقة في الله والمحبة فيه ومن اجله وان يهدي أبناء البشرية جميعا للدخول في دين الله الذي بعث به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم والتمسك به وتحكيمه ونبذ ما خالفه لان في ذلك السعادة الأبدية والنجاة في الدنيا والآخرة كما أن فيه حل جميع المشاكل في الحاضر والمستقبل انه جواد كريم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه " (2)
المجلس الثامن والعشرون
(زكاة الفطر ووقت إخراجها)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لااله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه وأتباعه بإحسان
أما بعد
" زكاة الفطر فرض على كل مسلم صغير أو كبير ذكر أو أنثى حر أو عبد. لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على الذكر والأنثى والصغير والكبير والحر والعبد من المسلمين. وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس للصلاة . متفق على صحته
وليس لها نصاب بل يجب على المسلم إخراجها عن نفسه وأهل بيته من أولاده وزوجاته ومماليكه إذا فضلت عن قوته وقوتهم يومه وليلته(1/133)
أما الخادم المستأجر فزكاته على نفسه إلا أن يتبرع بها المستأجر أو تشترط عليه أما الخادم المملوك فزكاته على سيده كما تقدم في الحديث "(1) (و) "الحمل لا يجب إخراجها عنه إجماعا ولكن يستحب لفعل عثمان رضي الله عنه ""(1."وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب" وقد فسر جمع من أهل العلم الطعام في هذا الحديث بأنه البر وفسره آخرون بأن المقصود بالطعام ما يقتاته أهل البلاد أياً كان. سواء كان براً أو ذرة أو دخناً أو غير ذلك. وهذا هو الصواب. لأن الزكاة مواساة من الأغنياء للفقراء. ولا يجب على المسلم أن يواسي من غير قوت بلده". (2)
"والواجب صاع من جميع الأجناس بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربع حفنات باليدين المعتدلتين الممتلئتين كما في القاموس وغيره وهو بالوزن يقارب ثلاثة كيلو غرام"(3). "بعد التصفية من القشور لقول الله سبحانه "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم" ولأن ذلك أبرأ للذمة وأرفق بالفقير إلا الشعير فإنه لا تجب تصفيته من قشره لما في ذلك من المشقة لكن إذا أخرج من الأرز ونحوه من الحبوب التي الأصلح حفظها في قشرها ما يتحقق معه أنه أدى الواجب من الحب المصفى فإنه لا حرج في ذلك إن شاء الله مراعاة لمصلحة المالك والفقير"(4)(1/134)
و " السنة توزيع زكاة الفطر بين فقراء البلد صباح يوم العيد قبل الصلاة ويجوز توزيعها قبل ذلك بيوم أو يومين ابتداء من اليوم الثامن والعشرين وإذا سافر من عليه زكاة الفطر قبل العيد بيومين أو أكثر أخرجها في البلاد الإسلامية التي يسافر إليها وإن كانت غير إسلامية التمس بعض فقراء المسلمين وسلمها لهم. وإن كان سفره بعد جواز إخراجها فالمشروع له توزيعها بين فقراء بلده لأن المقصود منها مواساتهم والإحسان إليهم وإغناؤهم عن سؤال الناس أيام العيد"(5)
" وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" ولا يجوز إخراج القيمة عند جمهور أهل العلم وهو أصح دليلاً بل الواجب إخراجها من الطعام كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وبذلك قال جمهور الأمة"
والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين جميعاً للفقه في دينه والثبات عليه وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. (1
المجلس التاسع والعشرون
(وجوب التوبة إلى الله في كل الأحوال )
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه وأتباعه بإحسان
أما بعد(1/135)
" فان الله عز وجل بحكمته البالغة وحجته القاطعة وعلمه المحيط بكل شيء يبتلي عباده بالسراء والضراء والشدة والرخاء وبالنعم والنقم ليمتحن صبرهم وشكرهم فمن صبر عند البلاء وشكر عند الرخاء وضرع إلى الله سبحانه عند حصول المصائب يشكو إليه ذنوبه وتقصيره ويسأله رحمته وعفوه افلح كل الفلاح وفاز بالعاقبة الحميدة قال الله جل وعلا في كتابه العظيم " ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " والمقصود بالفتنة في هذه الآية الاختبار والامتحان حتى يتبين الصادق من الكاذب والصابر والشاكر كما قال تعالى " وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا " وقال عز وجل " ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون" وقال سبحانه" وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون " والحسنات هنا هي النعم من الخصب والرخاء والصحة والعزة والنصر على الأعداء ونحو ذلك والسيئات هنا هي المصائب كالأمراض وتسليط الأعداء والزلازل والرياح و العواصف والسيول الجارفة المدمرة ونحو ذلك وقال عز وجل" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" والمعنى انه سبحانه قدر ما قدر من الحسنات والسيئات وما ظهر من الفساد ليرجع الناس إلى الحق ويبادروا بالتوبة مما حرم الله عليهم ويسارعوا إلى طاعة الله ورسوله لأن الكفر والمعاصي هما سبب كل بلاء وشر في الدنيا والآخرة وأما توحيد الله والإيمان به وبرسله وطاعته وطاعة رسله والتمسك بشريعته والدعوة إليها والإنكار على من خالفها فذلك هو سبب كل خير في الدنيا والآخرة وفي الثبات على ذلك والتواصي به والتعاون عليه عز الدنيا والآخرة والنجاة من كل مكروه والعافية من كل فتنة كما قال سبحانه " يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " وقال سبحانه "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز(1/136)
الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " وقال تعالى " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " وقال سبحانه " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " وقد بين سبحانه في آيات كثيرات أن الذي أصاب الأمم السابقة من العذاب والنكال بالطوفان والريح العقيم والصيحة والخسف وغير ذلك كله بأسباب كفرهم وذنوبهم كما قال عز وجل "فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " وقال سبحانه وتعالى " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير " وأمر عباده بالتوبة إليه والضراعة إليه عند وقوع المصائب فقال سبحانه " يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار " وقال سبحانه " وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون "وقال سبحانه " ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ماكانوا يعملون " وفي هذه الآية الكريمة حث من الله سبحانه لعباده وترغيب لهم إذا حلت بهم المصائب من الأمراض والجراح والقتال والزلازل والريح والعاصفة وغير ذلك من المصائب أن يتضرعوا إليه ويفتقروا إليه فيسألوه العون وهذا هو معنى قوله سبحانه " فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا " والمعنى هلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ثم بين سبحانه أن قسوة قلوبهم وتزيين الشيطان لهم أعمالهم السيئة كل ذلك صدهم عن(1/137)
التوبة والضراعة والاستغفار فقال عز وجل " ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون "و قد ثبت عن الخليفة الراشد رحمه الله - أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز انه لما وقع الزلزال في زمانه كتب إلى عماله في البلدان وأمرهم أن يأمروا المسلمين بالتوبة إلى الله والضراعة إليه والاستغفار من ذنوبهم وقد علمتم أيها المسلمون ما وقع في عصرنا هذا من أنواع الفتن والمصائب ومن ذلك تسليط الكفار على المسلمين ومن ذلك المجاعة والجدب والقحط في كثير من البلدان وكل هذا وأشباهه من أنواع العقوبات والمصائب التي ابتلى الله بها العباد بأسباب الكفر والمعاصي والانحراف عن طاعته سبحانه والإقبال على الدنيا وشهواتها العاجلة والإعراض عن الآخرة وعدم الإعداد لها إلا من رحم الله من عباده ولاشك أن هذه المصائب وغيرها توجب على العباد البدار بالتوبة إلى الله سبحانه من جميع ما حرم الله عليهم و البدار إلى طاعته وتحكيم شريعته والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه ومتى تاب العباد إلى ربهم وتضرعوا إليه وسارعوا إلى ما يرضيه وتعاونوا على البر والتقوى وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر أصلح الله أحوالهم وكفاهم شر أعدائهم و مكن
لهم في الأرض ونصرهم على عدوهم وأسبغ عليهم نعمه وصرف عنهم نقمه " . 1)(1/138)
" ومما يجب التنبيه عليه أن بعض المسلمين قد يجتهد في رمضان ويتوب إلى الله سبحانه مما سلف من ذنوبه ثم بعد خروج رمضان يعود إلى أعماله السيئة وفي ذلك خطر عظيم فالواجب على المسلم أن يحذر وان يعزم عزماً صادقاً على الاستمرار في طاعة الله وترك المعاصي كما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم " وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين " وقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون " وقال سبحانه " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون . نزلاً من غفور رحيم ." (11) فيا معشر المسلمين حاسبوا أنفسكم وتوبوا إلى ربكم واستغفروه وبادروا إلى طاعته واحذروا معصيته وتعاونوا على البر والتقوى وأحسنوا إن الله يحب المحسنين واقسطوا إن الله يحب المقسطين واعدوا العدة الصالحة قبل نزول الموت وارحموا ضعفاءكم وواسوا فقراءكم وأكثروا من ذكر الله واستغفاره وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر لعلكم ترحمون واعتبروا بما أصاب غيركم من المصائب بأسباب الذنوب والمعاصي والله يتوب على التائبين ويرحم المحسنين ويحسن العاقبة للمتقين كما قال سبحانه " فاصبر إن العاقبة للمتقين " وقال تعالى " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " والله المسئول بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرحم عباده المسلمين وان يفقههم في الدين وينصرهم على أعدائه وأعدائهم من الكفار والمنافقين وان ينزل باسه بهم الذي لا يرد عن القوم المجرمين انه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين " . (12)
المجلس الثلاثون
حكم صلاة العيد وفضل صيام الست))(1/139)
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى اله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الين أما بعد (1)
(فإليك أخي المسلم بعض الأحكام المهمة التي ينبغي معرفتها في ختام هذا الشهر الكريم
أولا : صلاة العيد)
"صلاة العيد فرض كفاية عند كثير من أهل العلم ويجوز التخلف من بعض الأفراد عنها لكن حضوره لها ومشاركته لإخوانه المسلمين سنة مؤكدة لا ينبغي تركها إلا لعذر شرعي . وذهب بعض أهل العلم إلى أن صلاة العيد فرض عين كصلاة الجمعة فلا يجوز لأي مكلف من الرجال الأحرار المستوطنين أن يتخلف عنها وهذا القول اظهر في الأدلة واقرب إلى الصواب ويسن للنساء حضورها مع العناية بالحجاب والتستر وعدم التطيب لما ثبت في الصحيحين عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت " أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق والحيض ليشهدن الخير ودعوة المسلمين وتعتزل الحيض المصلى " وفي بعض ألفاظه : فقالت إحداهن يا رسول الله لا تجد إحدانا جلبابا تخرج فيه فقال صلى الله عليه وسلم " لتلبسها أختها من جلبابها " ولا شك أن هذا يدل على تأكيد خروج النساء لصلاة العيدين ليشهدن الخير ودعوة المسلمين " (2)
و " السنة لمن أتى مصلى العيد لصلاة العيد أو الاستسقاء أن يجلس ولا يصلي تحية المسجد لان ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه
(1 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 8 / 8 )
(2 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 13 / 7 )
رضي الله عنهم فيما نعلم إلا إذا كانت الصلاة في المسجد فانه يصلي تحية المسجد لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " متفق على صحته(1/140)
والمشروع لمن جلس ينتظر صلاة العيد أن يكثر من التهليل والتكبير لان ذلك هو شعار ذلك اليوم وهو السنة للجميع في المسجد وخارجه حتى تنتهي الخطبة ومن اشتغل بقراءة القران فلا باس "(1) و " نحب أن نوضح أن الأصل في التكبير في ليلة العيد وقبل صلاة العيد في الفطر من رمضان وفي عشر ذي الحجة وأيام التشريق انه مشروع في هذه الأوقات العظيمة وفيه فضل كثير لقوله تعالى في التكبير في عيد الفطر "ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون وقوله تعالى في عشر ذي الحجة وأيام التشريق " ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام " وقوله عز وجل " واذكروا الله في أيام معدودات " الآية
ومن جملة الذكر المشروع في هذه الأيام المعلومات والمعدودات التكبير المطلق والمقيد كما دلت على ذلك السنة المطهرة وعمل السلف وصفة التكبير المشروع : أن كل مسلم يكبر لنفسه مفردا ويرفع صوته به حتى يسمعه الناس فيقتدوا به ويذكرهم به أما التكبير الجماعي المبتدع فهو أن يرفع جماعة اثنان فأكثر الصوت بالتكبير جميعا يبدؤونه جميعا وينهونه جميعا بصوت واحد وبصفة خاصة وهذا العمل لا أصل له ولا دليل عليه فهو بدعة في صفة التكبير ما انزل الله بها من سلطان "(2)
(1 ) (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز 13 / 14 )
(1 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 13 / 20 )(1/141)
" وإذا وافق العيد يوم الجمعة جاز لمن حضر العيد أن يصلي جمعة وان يصلي ظهرا لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في هذا فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه رخص في الجمعة لمن حضر العيد وقال " اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شهد العيد فلا جمعة عليه " ولكن لا يدع صلاة الظهر والأفضل أن يصلي مع الناس جمعة فان لم يصل الجمعة صلى ظهرا أما الإمام فيصلي بمن حضر الجمعة إذا كانوا ثلاثة فأكثر منهم الإمام فان لم يحضر معه إلا واحد صليا ظهرا " (1)
و " لا حرج أن يقول المسلم لأخيه في يوم العيد أو غيره تقبل الله منا ومنك أعمالنا الصالحة ولا اعلم في هذا شيئا منصوصا وإنما يدعو المؤمن لأخيه بالدعوات الطيبة لأدلة كثيرة وردت في ذلك (2)
ثانيا : فضل صيام الست من شوال ))
" صيام الست من شوال سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "(3) " ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال " من صام رمضان ثم اتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر " خرجه الإمام مسلم في الصحيح وهذه الأيام ليست معينة من الشهر بل يختارها المؤمن من جميع الشهر فإذا شاء صامها في أوله أو في أثنائه أو في آخره وان شاء فرقها وان شاء تابعها فالأمر واسع بحمد الله وان بادر اليها وتابعها في أول الشهر كان ذلك أفضل لان ذلك من باب المسارعة الى الخير ولا تكون بذلك فرضا عليه بل يجوز له تركها في أي سنة لكن الاستمرار على صومها الأفضل والأكمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وان قل " (4)
و " الواجب على من عليه قضاء رمضان أن يبدأ به قبل صوم النافلة "(5) " لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان ثم اتبعه ستا من شوال كان كصيام
(1 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 13 / 13 )
(1 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 13 / 25 )
(1 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15 / 391 )(1/142)
(1 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15 / 390 )
(1 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15 / 395 )
الدهر "خرجه مسلم في صحيحه ومن قدم الست على القضاء لم يتبعها رمضان وإنما اتبعها بعض رمضان ولان القضاء فرض وصيام الست تطوع والفرض أولى بالاهتمام والعناية " (1)
" فيا معشر المسلمين بادروا إلى تقوى الله عز وجل وسارعوا إلى مراضيه وجاهدوا نفوسكم لله عز وجل وألزموها بالتوبة النصوح من سائر الذنوب وحاربوا الهوى والشيطان والنفس الأمارة بالسوء وشمروا إلى الدار الآخرة وتضرعوا إلى ربكم عز وجل وأكثروا من دعائه وذكره واستغفاره يجب دعاءكم ويصلح أحوالكم وييسر أموركم ويغثكم من فضله ويكشف عنكم كل كربة ويعصمكم من كيد أعدائكم ويجركم من كل سوء في الدنيا والآخرة كما قال عز وجل وهو الصادق في وعده "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " وقال سبحانه " وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا " الآية وقال عز وجل" وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط " وقال جل وعلا " إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم "ومن القربات المناسبة في هذا الوقت وفي كل وقت رحمة الفقراء والمحاويج والإحسان إليهم فان الصدقة من أعظم الأعمال التي يدفع الله بها البلاء وينزل بها الرحمة كما قال الله عز وجل " وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " وقال تعالى " إن رحمت الله قريب من المحسنين " وقال سبحانه " وان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون " وقال عز وجل " امنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين امنوا منكم وأنفقوا لهم اجر كبير " وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار(1/143)
وصلاة
(1 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15 / 392 )
الرجل في جوف الليل " ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى " تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون . فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون " وقال عليه الصلاة والسلام " الراحمون يرحمهم الرحمن . ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " وقال صلى الله عليه وسلم " من لا يرحم لا يرحم "
والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين جميعا ويعمر قلوبهم بالتقوى ويصلح قادتهم ويمن على الجميع بالتوبة النصوح من جميع الذنوب والاستقامة على
شريعة الله عز وجل في جميع الأمور وان يحفظهم من مكائد الأعداء انه على كل شئ قدير وصلى الله على عبده ورسوله محمد واله وصحبه وسلم " (1)
1 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز) ( 3/ 153)
الفهرس
رقم التسلسل الموضوع رقم الصفحه
1 المقدمة 1
2 رؤية هلال رمضان 3
3 كيف نستقبل رمضان 6
4 فضائل رمضان 9
5 وجوب الصوم وأحكام النية 12
6 فوائد الصيام 14
7 صلاة التراويح 17
8 آداب الصيام الواجبة 21
9 الأعذار المبيحة للفطر 25
10 مفسدات الصيام 30
11 بقية مفسدات الصوم 33
12 أحكام القضاء 37
13 الشريعة الإسلامية ومحاسنها 40
14 وجوب إخلاص العبادة لله 42
15 حقيقة التقوى 46
16 صلاح القلوب 49
17 طلب العلم 53
18 فضل قيام الليل وتلاوة القران 57
19 الدعوة إلى الله 61
20 فضل الجهاد 67
21 الغزو الفكري 71
22 المرأة في الإسلام 74
23 الاعتكاف 78
24 ليلة القدر 80
25 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 82
26 نصيحة عامة حول بعض الكبائر 86
27 الصدق والنصح في المعاملات 90
28 أخلاق المؤمنين والمؤمنات 93
29 التعاون على البر والتقوى 99
30 من معاني الإخوة الإسلامية 102
31 زكاة الفطر 105
32 التوبة 108
33 من أحكام العيد وفضل صيام الست 113
34 الفهرس 118(1/144)
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (15/13)
2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (15/34)
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (15/14)
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (15/ 34)
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (15/14)
3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (15/36)
(1 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 3 / 348 )
(1 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 4 / 242 )
(2) خطر التبرج والسفور لابن باز ص (12) طبعة البحوث العلمية والإفتاء عام 1401هـ
(3 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 3 / 443 )
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 4 / 244 )
(1 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 3 / 264 )
(1 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 7 / 188 )
(11 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 7 / 162 ) باختصار
(2 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 3 / 295 )
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 7 / 174 )
(1 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (5/ 86) ) باختصار
(9 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (9/ 101 )
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 2 / 161 ) باختصار
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 2 / 177 )
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (14/197)
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (14/201)
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (14/200)(1/145)
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (14/201)
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (14/206)
(5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (14/214)
1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز (14/202)
(1 ) (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز 2 / 126 ) باختصار
(2 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 15 / 428 )
(1 ) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدا لعزيز بن باز ( 2 / 131 )
??
??
??
??
18(1/146)