- وبدأ القوم يراوغون فيما عرضه عليهم إبراهيم إلا أنه ما كان من إبراهيم إلا إعلان النكير، وبيان الحق فعلاً لا قولاً فحسب ودخل بهذا مرحلة خطرة من مراحل إقناع القوم بعدم جدوى أصنامهم وفي هذا يقول الله - تعالى - ((ولَقَدْ آتَيْنَا إبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إذْ قَالَ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ الَذِي فَطَرَهُنَّ وأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ))[للأنبياء: 51-56] ولم يكتف القوم بهذه المراوغة مع إبراهيم بل دعوه للخروج معهم إلي عيد من أعيادهم ولكنه اعتذر عن الخروج بتورية ((فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ))[الصافات: 88-90] وقال عند ذلك ((وتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)) فسمعها بعض القوم، وبادر إبراهيم ((فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)) لقد ورطهم إبراهيم في هذه الإجابة وهذا ما كان يريده ليندفع بكل قوة مخاطبا عقولهم إن كانت لهم عقول: ((قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً ولا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) وهنا لم يجد القوم بدا من تدبير المؤامرة عليه والتخلص منه ((قَالُوا حَرِّقُوهُ وانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وسَلاماً عَلَى إبْرَاهِيمَ * وأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ)) [الأنبياء: 51-70].
أما عبادتهم للكواكب فقد سلك في دحض تعلقهم بها سبيل المناظرة وذلك فيما حكاه الله عنهم في سورة الأنعام، وسيأتي إن شاء الله تفصيل ذلك في رسائل إبراهيم العملية.
المرحلة الثالثة:
دعوته للملك، حين ناظره في ربه وذلك فيما حكاه الله - تعالى - عنهم في سورة البقرة فقال: ((أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ إذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ:...)) وتفصيل ما وقع فيها آت بإذن الله في الوسائل، وهذه المناظرة كانت فيما يظهر بعد نجاة الخليل من النار كما ذكره السدي ويدل عليه: أن العادة جارية بأن الأنبياء يبدأون بتكوين قاعدة شعبية حتى يكون للدعوة ثقل ثم يلتفتون إلى القيادة ليدعوها، وأيضاً، فمن عادة خصوم الدعوة ملاحقة الداعية وإحراجه ليفضح أمام الناس خصوصاً وأن إبراهيم بعد نجاته من النار بمعجزة التفتت إليه الأنظار وتعجب الناس من ربه الذي نجاه فبادر الملك إلى مناظرته ليوقعه في الحرج ظنا منه أن إبراهيم قد ينهزم في المناظرة، وما علم أنه المؤيد من عند الله وهو سيد المناظرين، ومنظرهم الأكبر، والمجادل عن حوزة التوحيد وحمى الملة بكل ألوان الجدل.
- ولا نستطيع الجزم بأن هذه المناظرة كانت بعد النجاة لكنه الذي يظهر من خلال ما تقدم من الأدلة والله أعلم.
أساليب إبراهيم في الدعوة
أولاً: الأساليب النظرية
1 - تقرير توحيد الألوهية ببيان دلائل الربوبية:
جميع دعوات الرسل قائمة على تقرير توحيد الألوهية الذي من أجله خلق الله الثقلين ((ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ))، وهو الذي اختلف الناس فيه، ووقع لديهم بسببه زيغ عظيم، ولذلك أخبرنا الله عن هدف بعث الرسل بقوله ((ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)).(17/48)
أما توحيد الربوبية: فأكثر الناس متفقون عليه، وهو الإقرار لله بالخلق والتدبير والملك ((ولَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)) وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، فالذي يستحق العبادة وحده هو الذي يخلق ويرزق، ويحي ويميت، وينفع ويدفع، ويملك ويدبر، وقد بيّن الأنبياء لأقوامهم هذا أتم بيان، ومنهم إبراهيم ((إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * إنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وتَخْلُقُونَ إفْكاً إنَّ الَذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ واعْبُدُوهُ واشْكُرُوا لَهُ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) فبين أن الله هو الرزاق، فهو إذن المستحق للعبادة دون سواه ممن لا يملكون لأنفسهم - فضلاً عن غيرهم - رزقاً ولا نفعاً ولا ضراً، وقال: ((أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إلاَّ رَبَّ العَالَمِينَ * الَذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ * وإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ...)) وأمثلة ذلك كثيرة.
2 - التصريح بقصد النصيحة وأنه لا هدف للداعي إلا نفع المدعوين وأنه لا يريد على ذلك حظا من الدنيا:
إن إعلان الداعية عن هذا للمدعوين من شأنه أن يلين قلوبهم، ويدعوهم إلى تأمل ما يُدعون إليه، ولقد درج على ذلك الأنبياء جميعاً، فقال نوح: ((ويَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى اللَّهِ..)) وقال هود: ((يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى الَذِي فَطَرَنِي)) وفي سورة الشعراء ذكر الله: ((ومَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ)) ذكرها عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، وقال محمد - صلى الله عليه وسلم -: ((قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى الله وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)).
وحكى الله عن إبراهيم أنه قال لأبيه: ((يَا أَبَتِ إنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ ولِياً)) فهو لا يريد شيئاً من أبيه، وإنما يخاف عليه من عذاب الرحمن، فيكون ولياً للشيطان، وتأمل في العبارات التي نطق بها إبراهيم: (أخاف) و(يمسك) و(عذاب من الرحمن) تُلفها تعبر بصدق عما يكنه إبراهيم لأبيه.
3 - الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة:
وقد جاءت جلية في دعوته لأبيه وخطابه الرقيق الحاني المتدفق ليناً - وعطفاً ولطفاً، اتباعاً للحكمة التي تقرب المدعو من الدعوة وتلين قلبه للاستجابة.
4 - التشنيع على المعبودات الباطلة وعابديها:
لما بين إبراهيم لقومه دعوته، وألان لهم الخطاب، لعنهم يستجيبون، وما زادهم ذلك إلا التمادي في باطلهم، فما كان من إبراهيم إلا أن أظهر تهافت معبوداتهم وأحنق النكير عليهم، فقال: ((مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ)) فسماها تماثيل ولم ينعتها بوصف (الألوهية)، ولما ظهر له أنهم لا يعتمدون فيما فعلوا على حجة وبرهان قال لهم: ((لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)) وزاد فقال: ((أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) ولقد برهن لهم على سفههم ما سوغ في تهكمه بتصرفاتهم حيث سألهم: ((هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ)) فإن أقل ما يقال في هؤلاء المعبودين أنهم لا يسمعون كعابدين فكيف يجلبون لهم نفعاً أو يدفعون عنهم ضراً؟
5 - التذكير بنعم الله على عباده:
جبلت النفوس على حب من أحسن إليها ولذلك عنىَ الدعاة إلى الله بتذكير الخلق إحسان الله إليهم ليكون ذلك أدعى إلى قبول الدعوة فهذا هود يقول: ((واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وزَادَكُمْ فِي الخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)). وقال صالح: ((واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ ولا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) وأما إبراهيم فقال: ((أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إلاَّ رَبَّ العَالَمِينَ * الَذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ * وإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * والَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ))
6 - التذكير بأيّام الله:(17/49)
ما من أمة تَخْلف في الأرض إلا وتنظر في أحوال من سلف من الأمم تتبع مواطن العبرة فيها، فتستفيد من الإيجابيات، وتحذر من السلبيات، وكان أنبياء الله يذكرون أممهم بأحوال الغابرين ممن كذبوا أو آمنوا، فيذكرونهم بعاقبتهم، وينذرونهم أن يحل بهم ما حل بمن كفر من أمم الأرض، لعلهم يتعظون أو يرتدعون، ولذا قال إبراهيم لقومه: ((وإن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ومَا عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ البَلاغُ المُبِينُ)) أي فقد كذبت أممٌ أنبياءهم فحل بهم ما تعلمون من العذاب، فإن فعلتم عوقبتم بمثل عقابهم، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
7 - المناظرة والتدرج في إفحام الخصم:
قال ابن القيم في مناظرات إبراهيم: " وهو الذي فتح للأمة باب مناظرة المشركين وأهل الباطل، وكسر حججهم، وقد ذكر الله مناظرته في القرآن مع إمام المعطلين، ومناظرته مع قومه المشركين، وكسر حجج الطائفتين بأحسن مناظرة، وأقربها إلى الفهم وحصول العلم(1) " وسنذكر هنا مناظرتين وقعتا لإبراهيم، وذكرهما القرآن الكريم:
- الأولى: مناظرته لعبدة النجوم قال الله - تعالى - ((وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إنِّي أَرَاكَ وقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * وكَذَلِكَ نُرِي إبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى القَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إنِّي وجَّهْتُ وجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ حَنِيفاً ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ * وحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وقَدْ هَدَانِ... الآية)) إلى قوله ((وتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ))*
لقد عني إبراهيم وإخوانه من الأنبياء بالتوحيد وإيضاحه، والاستدلال له أيما عناية، وسلك في سبيل بيان الحق، وتزييف الباطل كل وسيلة تؤدي إلى ذلك، ومنها هذه المناظرة التي قامت بينه وبين قومه لبيان حقيقة ما هم عليه من الضلال.
فأنكر على أبيه اتخاذ الأصنام آلهة، ولما أشرك قومه معه شدد في إعلان النكير عليهم، وبين أن ما هم فيه ما هو إلا ضلال يبُين عن نفسه، وذلك ليثير عواطفهم، ويدفعهم إلى التفكير الجاد العميق فيما هم فيه، وكان إبراهيم قد بصره الله بالدلائل الكونية الدالة على وحدانية الله - تعالى -، فآراه آياته في ملكوته، ليعلم حقيقة التوحيد، أو ليزداد علما به، ويقينا إلى يقينه.
وأرشده إلى طريقة الاستدلال بها على المراد من العباد.
ودخل إبراهيم مع قومه الصابئة الذين يعبدون النجوم، ويقيمون لها الهياكل في الأرض، دخل معهم في مناظرة لبيان بطلان ربوبية هذه الكواكب المعبودة، ولم يشأ أن يقرر التوحيد مباشرة. بل جعل دعوى قومه موضوع بحثه، وفرضها فرض المستدل لما لا يعتقده، ثم كر عليها بالنقض والإبطال، وكشف عن وجه الحق، فحينما أظلم الليل ورأى النجم قال: هذا ربي فرضا وتقديرا، وقال: أهذا ربي، فلما غاب عن أعينهم علم أنه مسخر ليس أمره إليه، بل إلى مدبر حكيم يصرفه كيف شاء، ثم انتقل بهم في البحث إلى كوكب هو في أعينهم أضوأ وأكبر من الأول، وهو القمر، فلما رآه قال مثل مقالته الأولى، فلما ذهب عن أعينهم تبين أنه ليس بالرب الذي يجب أن تألهه القلوب، ويضرع العباد إليه في السراء والضراء، ثم انتقل بهم إلى معبود لهم آخر أكبر جرماً من السابقين فلما أفل، قال: يا قوم إني بريء مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، فاستدل بما يعرض لها من غيرها على أنها مأمورة مسخرة بتسخير خالقها.
فإذا كانت هذه الكواكب الثلاثة في نظرهم أرفع الكواكب السيارة وأنفعها قد قضت لوازمُها بانتقاء سمات الربوبية والألوهية عنها، وأحالت أن تستوجب لنفسها حقاً في العبادة فما سواها من الكواكب أبعد من أن يكون لها حظ ما في الربوبية أو الألوهية، ولذا أعلن إبراهيم في ختام مناظرته براءته مما يزعمون من الشركاء، وأسلم وجهه لفاطر السماوات والأرض ومبدعهما، دون شريك أو ظهير، وضمَّن إعلان النتيجة الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، وهذا هو معنى (لا إله إلا الله) فإن ما فيه من البراءة من الشركاء نظير نفي الألهية الحقة عن الشركاء في كلمة التوحيد، وبهذا يكون إبراهيم قد سنَّ للدعاة إلى الله أسلوبا متميزا في دعوة المنحرفين، وذلك بالتنزل معهم بالتسليم بأباطيلهم فرضاً، ثم يرتب عليها لوازمها الباطلة، وآثارها الفاسدة، ثم يكر عليها بالنقض والإبطال، فإن الدعوة إلى الحق - كما تكون بتزيينه، وذكر محاسنه - تكون بتشويه الباطل، وذكر مساويه ومخازيه (بتصرف من مقالة الشيخ عبد الرازق عفيفي في مجلة التوعية الإسلامية عدد 6، 7).
وقد اختلف المفسرون هل كان إبراهيم ناظراً أو كان منظراً * [والصحيح أن إبراهيم في هذا الموطن كان مناظرا لقومه لا ناظرا بنفسه ويدل على ذلك:(17/50)
أ - قوله - تعالى -: ((ولَقَدْ آتَيْنَا إبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ)) والمراد بالقَبْلية ما كان قبل النبوة على الصحيح، وأي رشد آتاه الله إبراهيم إن لم يكن موحداً مؤمنا بالله.
ب - قوله - تعالى -: ((ومَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ)) يقتضي نفي الشرك عن إبراهيم في كل مراحل عمره السابقة.
جـ - أن الله ذكر هذه الحادثة بعد إنكاره على أبيه وقومه، مما يدل على المناظرة.
د - أن الله - تعالى - ذكر القصة بعد أن ذكر منته على إبراهيم برؤية ملكوت السماوات والأرض ليكون من المؤمنين، ولذلك ذكر الفاء التعقيبية ((فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ)).
ر - أن الله ذكر فيها ((وحَاجَّهُ قَوْمُهُ)) مما يدل على قيام المناظرة بينه وبينهم.
و - أن الله - تعالى - ذكر في خاتمتها ((وتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ)) فقال (على قومه) ولم يقل (على نفسه). وبهذا القول قال كثير من علماء السلف والخلف وهو الذي تدل عليه الأدلة.
الثانية: مناظرته للملك في قوله - تعالى - ((أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ إذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَذِي يُحْيِي ويُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وأُمِيتُ قَالَ إبْرَاهِيمُ فَإنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَذِي كَفَرَ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ))[البقرة: 258].
لقد جادل الملكُ إبراهيم في ربه، وفي ذكر الرب وإضافته إلى الضمير العائد على إبراهيم تشريف لإبراهيم وإشعار بأن الله سيتولاه وينصره.
ولماذا يجادله؟ لأن الله آتاه الملك، فحمله كبره وبطره على طلب المخاصمة، ولم يكن بسبب إيثاره الحق وطلبه له.
وكان الملك قد طلب من إبراهيم - عليه السلام - أن يقيم له الدليل على وجود الرب الذي يدعو إليه، فقال إبراهيم: »ربي الذي يحيي ويميت« أي أن الدليل على وجوده هو: هذه المعجزة المتكررة الظاهرة المستترة، معجزة الحياة والموت، عندئذ قال الملك »أنا أحيي وأميت« فآتى برجلين استحقا القتل فأمضيه في أحدهما دون الآخر، فأكون قد أحييت الثاني، وأمت الأول، وهذه مكابرة صريحة، وعناد ظاهر، يعلمه كل ذي عقل، ولذلك ترك إبراهيم الخوض معه في مكابرته، وجاءه بواقعة لا يحير معها جوبا، قال: »فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب« أي إذا كنت قادراً على الإحياء والإماتة، وهما من صفات الرب، فيلزم أن يكون بمقدورك التصرف في الكون، وأن تأتي بالشمس من المغرب، عندئذ بهت الذي كفر، والله لا يهدي القوم الظالمين.
إن انتقال إبراهيم من دليل إلى آخر دون مناقشة لإجابة الملك الساذجة ليس عن هزيمة؛ لأن حجته كانت قائمة، إذ إبراهيم وكل عاقل يعلم أن المراد حقيقة الإحياء والإماتة، أما ما فعله الملك فأمر يقدر عليه كل أحد، حتى إبراهيم كان يمكن أن يقول له: إني أردت حقيقة الإحياء والإماتة، أما هذا فأنا أفعل مثله، ولكن إن قدرت على الإماتة والإحياء فأمت هذا الذي أطلقته من غير استخدام آلة وسبب، وأحي هذا الذي قتلته، فيظهر به بهت اللعين، إلا أن القوم لما كانوا أصحاب ظواهر، وكانوا لا يتأملون في حقائق المعاني خاف إبراهيم الاشتباه والالتباس عليهم، فضم إلى الحجة الأولى حجة ظاهرة، لا يكاد يقع فيها أدنى اشتباه.
وهذا الانتقال من أحسن ما يكون، لأن المحاجج إذا تكلم بكلام يدق على سامعيه فهمه، ولجأ الخصم إلى الخداع والتلبيس جاز له أن يتحول إلى كلام يدركه السامعون، وأن يأتي بأوضح مما جاء به، ليثبت ما يريد إثباته، وهذا لأن الحجج مثل الأنوار، وضم حجة إلى حجة كضم سراج إلى سراج، وهذا لا يكون إلا دليلا على ضعف أحدهما أو بطلان أثره.
9 - استثارة الخصم:
والمقصود بذلك: تحريك نفوس المدعوين، وتنبيه عقولهم، ولفت أنظارهم إلى الأمر الذي يدعوهم إليه الداعية.
لقد فعل إبراهيم ذلك حين ترك كبير الأصنام بلا هدم (فجعلهم حطاماً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون) وذلك من أجل أن تدور في أذهانهم الأسئلة التالية؟
- من فعل هذا بآلهتنا؟
- لِم لمْ يدافع الصنم الكبير عن صغاره؟ وهل كان ذلك عن عجز أو عدم إدراك لما يقع حوله؟
- لِم لمْ يوقع الصنم. الكبير سوءاً بمن فعل ذلك؟
ثم استشارهم مرة أخرى حينما جاؤا إليه يسألونه عمن أوقع ذلك بآلهتهم فقال:
- بل فعله كبيرهم هذا، فنسكب التكسير إلى جماد لا يتحرك، ليقولوا له مباشرة: إنه لا يفعل شيئاً، وليقروا بضعف هذه الآلهة.
- ولم يكتف بذلك، بل أمرهم أن يوجهوا إليها الأسئلة إن أخبرهم بمن أوقع بها ذلك، ولذلك أجابوا بكل سذاجة: " لقد علمت ما هؤلاء ينطقون " وعند ذلك انطلق مبادرا " أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم، أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون".
ثانياً: الأساليب العملية:
وهي كثيرة نختار منها:(17/51)
1 - القدوة: لقد كان إبراهيم مثالاً يحتذى في الخير، ولذلك وصفه الله بقوله ((إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً)) أي جامعا للخير، كلفه الله بأمور فقام بها خير قيام ((وإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ)) وكان الجزاء: ((إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً)) فالسبب الذي أهله للإمامة إتمامه الكلمات التي ابتلاه ربه بها، ومن أجل ذلك أُمر نبينا - صلى الله عليه وسلم - باتباع ملته (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) وأُمرت هذه الأمة أن تأتسي بإبراهيم ومن معه، لكونهم قدوة (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) والأمر الذي نهينا عن الإقتداء بإبراهيم فيه استغفاره لأبيه " إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك، وما أملك لك من الله من شيء " وقد تقدم ذكر بعض من صفات هذا النبي الكريم وأساليبه وأعماله وما كان به قدوة للمصلحين من بعده (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه).
2 - البداءة بالأهم: بدأ إبراهيم بالدعوة إلى توحيد العبادة، وهو أهم ما يدعي إليه، وأول ما يبدأ به (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).
3 - اللين والشدة: وهذا ظهر جليا في دعوته لأبيه، وفي دعوته لقومه، فقد دعا كلا منهم باللين والاستعطاف، لعل كلامه يتخلل قلوبهم، ولينه يعطف أفئدتهم لقبول الحق الذي جاء به، ولكن ما زادهم إلا عتوا، فما كان منه إلا أن أغلظ لهم القول، وشدد اللهجة، ففي اللين قال: ((يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً)) وفي الشدة قال: ((وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إنِّي أَرَاكَ وقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)).
4- البراءة والمعاداة: التي تعني البراءة من الشرك وأهله واعتزالهم، وهي أصل من أصول العقيدة ومن مستلزمات (لا اله إلا الله). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: »أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله« ومفاصلة خصوم الدعوة ارتفاع بالنفس والعقيدة إلى المستوى اللائق بهما، فلا يستوي حزب الله الذى كتب الله له العزة والكرامة وحزب الشيطان الذي كتب الله له الذلة والهوان، وفيها إشعار لأولئك الخصوم بأنهم على باطل، وأن الأمر ما وصل بالداعية إلى المقاطعة إلا لحق يعتنقه ويدعو إليه، فيكون ذلك ردعا لهم عما هم فيه. وفيها قطع لآمال أعداء الدعوة في الحصول على تنازلات من الدعاة، يستدرجونهم بها.
وقد قال إبراهيم لأبيه حين استنكف واستكبر: (واعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي...) وجعله الله في براءته من المشركين قدوة، فقال: ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ ومِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وبَدَا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ والْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وحْدَهُ إلاَّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ومَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وإلَيْكَ أَنَبْنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ)). وقد اشتملت هذه الآية على أمور نوجزها فيما يلي: -
- أن البراءة قائمة على الإيمان بالله فمن كان مؤمنا بالله أحب في الله.
- أنها نهج الأنبياء، فمن أراد النجاة فليلحق بركابهم، ويستن بهديهم.
- أن البراءة ليست من أشخاصهم فحسب، بل ومن آلهتهم، وأفكارهم، ومذاهبهم.
- أنها مستمرة علنية، وليست مجرد شعور قلبي إلا عند الضرورة.
- أنها مما اتفقت عليه الشرائع، وليست لهذه الأمة الخاتمة فحسب.
- أن دعامتها التوكل على الله والدعاء كما ذكر في ختام الآية ((ربنا لجيك رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وإلَيْكَ أَنَبْنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ)).
- أنه لا فرق في البراء بين قريب أو بعيد مادام قد وحد بينهم كفر أو شرك.
5 - الدعاء والتضرع: وهو السلاح الذي لا يحق للمؤمن أن يسير في ركاب الحياة بدونه، وقد امتدح الله خليله بدعائه فقال: ((إنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ)) وقد تقدم معنى (الأواه)، ولذا تل أن نجد موطنا تذكر فيه دعوة إبراهيم إلا ويذكر معها جانب من تضرعه ودعائه ومن ذلك: ((رَبَّنَا وابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً...))، ((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ))، ((وتُبْ عَلَيْنَا إنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ))، ((واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ))، ((رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ومِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وتَقَبَّلْ دُعَاءِ))، ((رَبَّنَا اغْفِرْ لِي ولِوَالِدَيَّ...))، ((رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ...)). إلى آخر ما هناك من الدعوات المباركات، التي تضرّع بها إبراهيم، وخلدها القرآن، فكان قدوة في اللجوء إلى الدعاء.(17/52)
6 - تحطيمه للأصنام: لم يكتفي إبراهيم في دعوته بالكلمة والحجة التي أبطل بها حجج الخصوم، بل عضد ذلك بعمل كبير، أقدم عليه بشجاعة وعلو همة، وهو تحطيم الأصنام التي تعلق بها قومه، حتى صرفهم تعلقهم بها عن التفكير في حقيقتها، والنظر في ماهيتها، فأراد إبراهيم أن يبين عن ذلك بالقول والفعل فكان بيانه القولي الذي شرحنا طرفا منه فيما تقدم، وكان بيانه الفعلي بما أقدم عليه من تحطيم الأصنام، وجعلها جذاذاً ((إلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إلَيْهِ يَرْجِعُونَ)). والآية هذه تشير إلى مدي البيان الذي أراد إبراهيم إبلاغه لقومه، فلم تأخذه فورة التكسير بتحطيمها كلها، بل ترك كبيرها لا لعجز ولا لخوف بل لعلهم إليه يرجعون، فيحقق إبراهيم غرضه من هذا الأسلوب الدعوي الرائع، وفعلاً لقد كان ما أراده إبراهيم حين قالوا: ((لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)) وحينها انقض عليهم كالشهاب: ((أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً ولا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) وتحقق لإبراهيم مراده حين قالوا: ((قَالُوا حَرِّقُوهُ وانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)) فالآلهة تحتاج إلى من ينصرها، ويدافع عنها، وتحقق له كذلك حين (رجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون) ولكنه التعصب الذي ردهم على أعقابهم ((ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)).
7 - الهجرة: ذكر الله - تعالى - هجرة الخليل في ثلاثة مواطن فقال: ((ونَجَّيْنَاهُ ولُوطاً إلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)) ((وقَالَ إنِّي ذَاهِبٌ إلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ)).
فهو أول من هاجر لله - كما ذكره بعض المحققين - وكانت سنة لمن بعده من الأنبياء وأتباعهم، وممن عمل بها محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه، فكانت هذه من ثمرات تلك التجربة الإبراهيمية ولونا من الإقتداء به.
إن الهجرة أسلوب يلجأ الدعاة إليه لأن أرضهم ما عادت تقبل الكلمة الطيبة، فهم يبحثون عن أرض طيبة تحمل دعوتهم، أو لأن القوم المعرضين بدأوا يناوشون الداعية، ويوصلون الأذى إليه فهو يفر بدينه من الفتن ((ومَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وسَعَةً)).
http://saaid.net المصدر:
==============
أين الدور الفردي في العمل الجماعي ؟
د. فتحي يكن
قطوف دعوية من حقل التجارب الإسلامية
كَتبتُ وكَتبَ الكثيرون عن العمل الإسلامي الجماعي.. عن وجوبه وضرورته، وأنه السبيل الوحيد لاستنهاض الأمة، وعودتها إلى ممارسة دورها الرسالي في هداية البشرية وقيادتها إلى الطريق السوي، وإخراجها من الظلمات إلى النور.
وكان يؤكد دائماً أن القاعدين عن العمل الجماعي متخلفون عن الركب، راضون بالحياة الدنيا من الآخرة، فارّون من الزحف، معطّلون لفريضة الجهاد، وأنهم بذلك آثمون يتحمّلون وزر قعودهم وتخلّفهم هذا.
وكنتُ أذكر يومها - وكان ذلك في الخمسينيات والستينيات - أن الوافدين إلى ساحة العمل كانوا يعملون، وكان لكل منهم دور بحسب طاقاته وإمكاناته، وكنا نفهم آنذاك أن العمل الجماعي هو مجموع الأدوار والمهمات الفردية للأعضاء.
كان التركيز يومها على أن العمل للإسلام تكليف رباني، يطول الأفراد فرداً فرداً، وأن التنظيم إنما هو مفعّل لهذه الأدوار الفردية، مصنّف ومخطط لها، وموجّه إياها في جوانب العمل المختلفة.. فالجميع يعمل والجميع على ثغرة من ثغرات العمل، وفي هذا فليتنافس المتنافسون.
مناهج التربية عبر " المحاضن الدعوية الحركية " كانت تركّز على ذلك، على " دور الفرد" في تربية نفسه وأهل بيته.. وعلى مسؤوليته في نشر دعوته في محيطه ومجتمعه، وعلى قيامه بالواجبات المناطة به بحسب الخطط الموضوعة، والسياسات المرسومة.
كان هذا قائماً يوم لم يكن هنالك ما يسمى (صحوة إسلامية).. يوم كان الإسلام في قفص الاتهام..
وكان الإسلاميون قلة، والدعاة نذراً يسيراً لو عدّهم العادّ يوم ذاك - وعلى امتداد العالم الإسلامي - لأحصاهم.
هكذا انطلقت ورشة العمل الجماعي، بأدوار الجميع وبجهود الكل على تواضعها، صادقة مع الله، مخلصة لله، مضحية بكل شيء، مستعذبة الموت في سبيله، معتلية أعواد المشانق، فرحة بلقاء الله، هتافها: الموت في سبيل الله أسمى أمانينا، وشعارها:
إن حيينا فعلى مجد أثيل أو فنينا فإلى ظل ظليل
حسبنا أنا سنقضي شهداء
ولما تغيّر الحال، وجاءت المنحة بعد المحنة، وسقطت رايات الجاهلية، واختفت معظم الحركات الظلامية عن ميادين العمل.. كان ذلك إيذاناً ببداية صحوة إسلامية عمّت أرجاء العالم، وأعقبها انهيار الفكر القومي، والاشتراكي، والشيوعي، وغيره.
إنما لم يأت هكذا من فراغ، أو بدون دفع ثمن، فلقد بذل رجال الحركة الإسلامية دماءهم رخيصة في سبيل الله، وهم واثقون بأن إخوانهم من بعدهم منتصرون، وأنهم هم الغالبون.
أو لم ينظم أحدهم هذه الأبيات وهو في طريقه إلى المشنقة؟ :
أخي ستبيد جيوش الظلام **** ويشرقُ في الكونِ فجر جديد
فأطلق لروحك أشواقها **** ترى الفجر يرمقنا من بعيد
فهل كنا على مستوى هذه النعمة؟
الكلام يطول.. إنما أريد أن أبقى ضمن دائرة العنوان المحدد "الدور الفردي في العمل الجماعي".
- ماذا أصاب هذا الدور؟
- لماذا تراجع وانحسر، بل وتعطل الدور الفردي في نطاق العمل الجماعي؟
- لماذا قلة مستهلكة وكثرة متفرّجة، أو معرقلة ومثبطة؟(17/53)
- هل يعود السبب إلى القلة الممسكة بمقاليد الأمور، التي لا تشجع المبادرات الفردية، بل قد تردها؟
أم يعود إلى الكثرة التي مات لديها الحس الذاتي بالمسؤولية لاختلاطات كثيرة: كضعف المنهج التربوي، وعدم تطويره ليفي بحاجات المرحلة الجديدة ومتطلباتها، مرحلة الصحوة، ولعدم وجود المشروع المتكافئ مع طبيعة المرحلة ومستجداتها؟
أسئلة كثيرة مطروحة في وجوهنا - قيادة وأفراداً - تنتظر إجابات محددة وواضحة، وحلولاً ناجحة وليس لأحد أن يعفي نفسه من المسؤولية!
من الملامح والآثار المرضية لهذه الظاهرة:
- تكدس الأعمال والأعباء فوق كاهل عدد من الأشخاص واستحالة قيامهم بها على الوجه الصحيح.
- تكاثر الأخطاء في مسيرة العمل واهتزاز الثقة بالعمل.
- نشوء حالة من اللامبالاة في صفوف القاعدة، تتحول تدريجياً إلى العصيان والتمرد، أو الانكفاء والهروب، ويمكن أن تنتهي بترك العمل نهائياً، إن لم يكن بتحريك الفتن وشق الصف.
من وجهة نظري المتواضعة ألخّص الأسباب التالية:
- عدم مواكبة سنة التطور والتي تفرض إعادة النظر في تصوّر طبيعة العمل في المرحلة الجديدة، وفي مسؤولية الحركة عن الصحوة عموماً، وفي كيفية التعامل معها إيجاباً وليس سلباً.
- بقاء المناهج التربوية على ما كانت عليه منذ الخمسينيات وحتى التسعينيات، مع تعديل بسيط لم يلامس جوهر التربية وأهدافها الدعوية والحركية والسياسية، فضلاً عن الإيمانية والأخلاقية، في واقع حياة الأمة، وليس فقط في واقع حياة الحركة.
- عدم وضع مناهج وآليات لتطوير الخطاب الإسلامي، وتنظيم دورات لتحقيق ذلك، بالرغم من قناعة الجميع بذلك وتأكيدهم على ضرورة تحقيقه.
- عدم ملاحظة المناهج لدور الأفراد الإنتاجي في العمل الفردي، مما يؤدي إلى عدم استيعابهم وتسخيرهم وإشراكهم في عملية الإنتاج.
الأمر جد خطير.. وأرجو ألا يكون وقعه ثقيلاً على أحد، فنحن مُؤتمنون على دعوة، والحق أحق أن يُتّبع، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول: (إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه، حفظه أم ضيعه) [رواه الترمذي].
إن القيادة الربانية الراشدة هي تلك التي تحتضن كل الطاقات، وتسخر كل الإمكانات، وتحترم كل الأفراد، وتُنزلهم منزلتهم، وإلى صميم هذا المعنى جاءت اللفتة النبوية تقول: (أرحم أمتي بأُمتي أبو بكر، وأشدُّهم في دين الله عمر، وأصدقُهم حياءً عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأقرؤهم لكتاب الله أُبيُّ بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام مُعاذ بن جبل، وأفرَضُهم زيد بن ثابت، ألا وإن لكل أمة أميناً، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح) [رواه ابن ماجة].
وإن شفافية المسؤولية لدى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جعلته يقول: "والله لو عثرت ناقة في أقصى العراق لكان بن الخطاب مسؤولاً عنها".
http://islameiat.com المصدر:
===========
المواقع الإسلامية على الإنترنت وفعاليتها
عمر عبد العزيز المشوح
قد يصعب الحكم على المواقع الإسلامية وفعاليتها على الإنترنت، وذلك لأسباب كثيرة من أهمها عدم وجود إحصائيات دقيقة عن المواقع الإسلامية. لكن المتفحص في المواقع الإسلامية المعروفة والموجودة في أدلة المواقع ومحركات البحث، يستطيع أن يخرج بنظرة وتقييم لهذه المواقع.
الانتشار البطيء:
مازال العدد ضئيلا جدا مقارنة بالمواقع الغير الإسلامية المختلفة المشارب والتوجهات!! ومازالت المواقع الإسلامية تعاني من ضعف في البنية الفنية والمحتوى. ومواقع الأعداء تزداد يوما بعد يوم وبكميات هائلة وبنية تحتية قوية ومتماسكة.
النظرة الأولى التي نخرج بها من أدلة المواقع ومحركات البحث، أن المواقع الإسلامية العربية شيء لا يكاد يذكر بين ملايين الصفحات على الإنترنت! كأننا نتحدث عن ذرة في رمال الصحراء!
أكثر من 3. 4 مليار صفحة تنتشر على الإنترنت (في آخر إحصائية لموقع قوقل للبحث) لا تمثل الصفحات العربية فيها إلا نسبة 10% من مجموع هذه الصفحات! وإذ قمنا بتصفية هذه الصفحات للخروج بالصفحات الإسلامية فإن النسبة تضعف أكثر وأكثر. إذن نحن نتحدث عن فعالية ضعيفة جدا، وتأثير يكاد ينحصر في دوائر ضيقة ومغلقة في عالم الإنترنت.
وأنا أتحدث هنا عن (صفحات) وليس (مواقع). فهناك فرق كبير بين الإثنين، فالموقع عبارة عن مجموعة صفحات، وقد يكون الموقع الذي يحتوي على صفحات إسلامية قد يكون إسلاميا وقد لا يكون! وهذا يعني أن عدد المواقع الإسلامية سوف يكون أقل بكثير من المتوقع مقارنة بعدد المواقع الأخرى. ولا توجد إحصائية دقيقة وواضحة عن المواقع الإسلامية في الإنترنت.
والمتتبع للمواقع الإسلامية على الإنترنت يجد أن هناك عدد محدود ومعروف من المواقع هي التي يزورها رواد الإنترنت ويترددون عليها. وهذه المواقع بالعشرات فقط!
عوائق على الطريق:
أضف إلى هذه الطامة الكبرى في عدد المواقع الإسلامية، فهناك مشاكل كثيرة تعوق تقدم وتأثير المواقع الموجودة حاليا. وأذكر منها التالي:
1- ضعف التصميم: مازالت قضية التصميم الفني للمواقع تعاني من الضعف بسبب الإهمال في طريقة بناء وتأسيس الموقع. فأصبح الهم الرئيسي هو ظهور الموقع، أما كيفية ظهوره فهذه ليس مجال نظر. ونحن نعرف أن التصميم له دوره في جلب الزوار وترددهم إلى الموقع.(17/54)
2- مشكلة الدعم المادي: وهو عائق يشترك فيه معظم المواقع الإسلامية، فليست هناك جهات مسئولة عن توفير الدعم المادي لهذه المواقع، فأغلب الموقع تأسس من دعم فردي أو زكاة أو بعض الهبات من الأغنياء. وتبقى هذه المساعدات مقطوعة، أي أنها ليست مستمرة. وبالتالي فإن كثيرا من المواقع الإسلامية يموت بعد فترة بسبب انقطاع شريان المادة عنه.
3- فردية العمل وتبعثر الجهود: أغلب المواقع الإسلامية قامت بجهد فردي أو ثنائي، بمعنى أن فكرة روادت صاحب الموقع فقام بعمل تصميم بسيط ووضع فيه مادة علمية بدون تخطيط وتدقيق، ثم وضع موقعه على الإنترنت. لا توجد جهود جماعية في المواقع الإسلامية إلا في حالة الموقع الضخمة جدا والتي تتطلب فرق عمل ومكاتب تحرير، وهذه تحتاج إلى ميزانيات ضخمة جدا لا يستطيع عليها أصحاب المواقع البسيطة.
4- الخليط الفكري المنوع: المنهج الفكري الذي تتبعه المواقع الإسلامية له أثر كبير في الانتشار والقبول. فنحن نجد التشرذم واضح في المواقع الإسلامية، هذا إذا لم يكن هناك حرب إلكترونية بين بعضها البعض. لا توجد وحدة فكرية أو على الأقل خطوط رئيسية مشتركة بين هذه المواقع، فأصبح كل موقع يعبر عن فكر صاحبه. وبالتالي يتشتت الزائر الغريب بين هذه المناهج ولا يعرف ما هو الصحيح أو ما هي نقطة البداية.
5- مخاطبة النفس: بمعنى أن الشرائح والعقول التي تخاطبها هذه المواقع هي من نفس البيئة وطريقة التفكير. أما المواقع التي تخاطب الآخرين من غير المسلمين وتعرفهم بالدين وتشرح لهم وجهة النظر الإسلامية في قضايا العالم، فهذه المواقع أندر من الماس! بمعنى آخر: هل تؤدي المواقع الإسلامية دورها الحقيقي في الدعوة والتعريف الصحيح بالإسلام ومنهاجه وأصوله..؟!؟
الشمولية والتخصص:
تتنوع أقسام المواقع الإسلامية المنتشرة في الإنترنت، فمنها ما هو دعوي ومنها ما هو شرعي تربوي إداري منتدى حواري مجلات أو صحف أو مواقع إعلامية... إلخ
ومنها ما هو عام يشمل جميع ما ذكر أو عدة أقسام مختلفة، وهذا ما يطلق عليه بـ (البوابة). وهنا يظهر سؤال مهم وهو: ما هو الأفضل شمولية الموقع أم تخصصه..!؟
لقد أثبتت الكثير من المواقع المتخصصة نجاحها في التأثير وكسب الزوار والأعضاء لأنها تعبر عن محتوى معين يقصده الزائر لهدف محدد، وميزة المواقع المتخصصة أنها سهلة الإدارة والمتابعة ومركزة المحتوى. أما المواقع الشمولية فهي فعالة وقوية، لكنها قليلة وتحتاج إلى إدارة وجهد ومال ومتابعة مستمرة! وإلا فقدت مكانها في التأثير. وأهم ميزة للمواقع الشمولية أنها تلبي احتايجات الزائر تقريبا، فلا تجعله يذهب إلى عدة مواقع من أجل أن يحصل على بغيته.
مواقع إسلامية بدون خدمات:
وهي حقيقة يعاني منها الكثير ممن يهتمون برقي وتطور المواقع الإسلامية، وهي خدمات أصبحت ضرورة لازمة في المواقع التي تهتم بزائريها لتضمن عودتهم مرة أخرى.
ومن أمثلة هذه الخدمات التي تغييب عن المواقع الإسلامية: الإهتمام بأسئلة واستفسارات الزوار، وهي خدمة تهتم بها كثيرا المواقع الأجنبية، لأنها تؤمن بفكرة خدمة العميل أو الزائر بسرعة قصوى حتى يشعر بأهميته في الموقع، وبالتالي يحافظ على زيارته دائما.
أما المواقع العربية والإسلامية فللأسف الشديد نجد أن الرد يأتي بعد عدة أيام، لأن مشرف الموقع قد لا يكون متفرغا للرد على الرسالة!
من الخدمات المفقودة أيضا هي صيانة الموقع وتطويره وإصلاح الأعطال فيه. فكثير من الزائرين يعاني من هذه القضية في المواقع الإسلامية! أصبح الإنسان يتردد في الدخول على هذه المواقع لأنه يعرف أنها قد تكون معطلة، كما حصل مع زيارته السابقة!
فجأة تضغط على رابط في الموقع فتظهر لك صفحة خطأ أو صفحة فارغة! أو تدخل على إحدى الخدمات الموجودة في الموقع مثل البريد الإلكتروني أو المنتدى أو خدمة أخرى، فتظهر لك رسالة أن هذه الخدمة معطلة أو تحت الصيانة أو.... إلخ
وهل نتوقع من الزائر الذي يواجه مثل هذه المشاكل أن يعود مرة أخرى لهذا الموقع..!؟؟
وتبقى قضية تعامل المواقع الإسلامية مع تطورات التقنية والاستفادة منها الاستفادة القصوى محل علامة تعجب كبيرة! فمازالت كثير من المواقع تعاني من ضعف البنية التقنية والاعتماد على أساليب تقنية أصبحت من معالم المتحف المعلوماتي.
كيف نقفز إلى الفعالية:
لا نستطيع أن نضع مواصفات ثابتة وسحرية لجميع المواقع لكي تصبح فعالة ومتميزة، ولكنها المتابعة وتحديد الهدف ووضع خطة عمل متكاملة لكل موقع، وبالتالي تحدث الفعالية الجماعية نتيجة الفعالية الفردية.
لكني أكتفي بهذه التوصيات المهمة من أجل وصول المواقع الإسلامية إلى الفعالية التي نريدها:
1- تحديد الهدف يجب أن يكون الخطوة الأولى نحو موقع متميز وفعال. وتحديد الهدف يكون قبل أن تضع الموقع على الإنترنت.
2- تحديد هل الموقع متخصص أم شمولي..!؟ وهذا يساعدك في تحديد محتوى الموقع ويسهل عملية إدارته. فكثير من الموقع الإسلامية يعيش حالة ما بين التخصص والشمولية! ولا يعرف الإنسان أين يصنفه!
3- التكافل بين المواقع الإسلامية، وأقصد به التعاون الدعائي والتسويقي، وأيضا تبادل المعلومات والقوائم البريدية ونشر البانرات. هذا كله يساعد في نشر الموقع وزيادة فعاليته.
4- الاهتمام بالخدمات والصيانة التقنية، وبدون هذا الأمر سوف يفقد الموقع بريقه وفعاليته بين الزوار.
5- الاهتمام بالمحتوى المعلوماتي والمادة الموضوعة في الموقع، وتحديثها ومتابعتها أولا بأول. وإلا أصبح الموقع في عداد الأموات.(17/55)
6- محاولة إيجاد وحدة فكرية ومنهجية بين المواقع الإسلامية، وإلا فالتشتت الذي سوف ينتج من التشتت الفكري والمنهجي ضرره أكبر من فائدة وجود الموقع.
7- مخاطبة جميع الشرائح أو الشريحة التي تراها مناسبة لمحتوى موقعك، وعدم التحدث مع الهواء أو الصوامع التي لا يوجد بها أحد!
وأخيرا.. إننا نحتاج إلى دراسة معمقة أكثر للمواقع الإسلامية حتى نخرج من أتون الهامش الذي تعيشه. ولا بد من وجود مراكز متخصصة تدعم المواقع الإسلامية بالفكرة والخطة والدعم التقني والمادي. أما أن نبقى أسرى الإرتجالية والفوضى فإن النسبة الذي تحدثنا عنها سابقا سوف تتحول إلى أمنية!!
04/05/2004
http://www.ala7rar.net المصدر:
===========
ولكن الإنصاف عزيز !
د. فهد بن سعد الجهني
هذا العنوان جملة من درر الإمام الناقد الذهبي - رحمه الله - كررها مراراً في موسوعته العجيبة "سير أعلام النبلاء"، وهو يأسف على عدم الإنصاف في بعض الأقوال والتصرفات.
وإن من سنن الله الكونية أن رب العالمين لم يشأ أن يجعل الناس أمةً واحدةً في التوجه والتفكير والتصور، ولو شاء ربك لفعل؛ فهو - سبحانه - وحده الذي "لا يسأل عما يفعل وهم يُسْألون". وبناءً عليه فإن رب العالمين خلق الإنسان والخطأ والعجلة من طبيعته)وكان الإنسان عجولاً(وفي الحديث: "كل ابن آدم خطاء.. ".
والعجيب أن هاتين السنتين الكونيتين مع ظهورهما وتسليم الناس لهما وإنعقاد الإجماع عليهما؛ يعارضهما كثيرٌ من أبناء هذه الأمة -على اختلاف مستوياتهم ومنازعهم- ليس من ناحية التنظير (فالتنظير يحسنه كل أحد) ولكن من ناحية التطبيق والممارسة! وهو المحك وهو العمل الذي يصدق التنظير أو يكذبه!!
والذي بات ملاحظاً في تصرفات بعض ممن يرجى منهم العدل والإنصاف أنها تأتي أحياناً على خلاف ما قرره الله - تعالى - وفطر خلقه عليه، فترى منهم من يحاكم الناس ويصوبهم أو يخطِّئهم بناءً على رأيه وتوجهه، ويجعل من رأيه معياراً لمعرفة الحق وتصنيف الناس والحكم على الأشياء!! وهو بذلك ومن حيث لا يشعر -غالباً- يتعامل مع الناس وكأنه يريد منهم أن يكونوا على جبلةٍ واحدة ورأي واحد، هو رأيه
وتصوره وحسب! فإن حادوا عن ذلك فقد تنكبوا الصراط وحادوا عن السبيل!! ولا يعلم أو قل: لا يشعر أنه بهذا التصور يعارض سنةً ربانيةً، ويريد لخلق الله غير ما أراده الله!! ويا سبحان الله!!
وآخرون يتعاملون مع الآخرين وكأنهم (أعني الآخرين) منزهون معصومون عن الخطأ والزلل، حتى إذا ما أخطأ أحدهم خطأ أو زل زلةً كبرت أو صغرت، أقام الدنيا عليه ولم يقعدها! وهنا أمران لابد من مراعاتهما:
أولاً: إن من يتعامل مع الآخرين -مهما علت أقدارهم أو غزر علمهم- وينتظر منهم عدم الخطأ والهفوة والزلة؛ فقد ناقض سنة الله في خلقه، وأراد من خلق الله ما لم يرده الله! فقد خلق الخلق وهم غير معصومين إلا من عصم الله من الأنبياء والمرسلين.
ثانياً: أن حكمه على الآخرين بالخطأ ليس بالحكم القطعي؛ بل هو ظني في أغلب الأحوال، وذلك أن الأمر لا يخلو من إحدى ثلاث حالات:
1- أن تكون نسبة الخطأ إلى الآخر صحيحة وهي قسمان: أ- نسبة صحيحة قطعيه (وهذا لا يكون إلا في الخطأ في مخالفة ما انعقد عليه الإجماع، أو فيما اتفق عليه العقلاء من سائر الأمور).
ب: نسبة صحيحة ظنية (ومن ذلك مسائل الخلاف التي ظهر فيها الدليل بترجيح رأي ما، بحيث يظهر سقوط الرأي الآخر وعواره ظهوراً واضحاً).
2-أن تكون نسبة الخطأ إلى الآخر غير صحيحة قطعاً.
3- أن تكون نسبة الخطأ إلى الآخر تحتمل الصحة، ولكن الرأي أو التصرف المقابل قد يكون له وجاهته ودليله؛ فترجيحي لرأي لا يلزم منه بالضرورة بطلان الآخر، وهذا النوع من التفكير لا يخرج عن قول السابقين من علماء السلف المنصفين: "قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب"! فلله درهم ما أرقى تفكيرهم وأزكى نفوسهم.
أخي المسلم في كل مكان: إن من تقوى الله: العدل في القول حتى مع الخصومة فذلك أقرب للتقوى، قال الله (.. ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى....).
وإني أتمنى من كل مثقف أو طالب علم أو مفكر أن يقرأ في سير السلف وتراجم علماء الأمة الربانيين العاملين المتبصرين بقواعد الشرع وسنن الله في الكون، رحماء فيما بينهم أشداء على عدوهم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يبين المنهج العدل في النظر إلى من يقع في الخطأ في عمله أو قوله مع رغبته في الحق: "والعبد إذا اجتمع له سيئات وحسنات؛ فإنه وإن استحق العقاب على سيئاته، فإن الله يثيبه على حسناته، ولا يحبط حسنات المؤمن لأجل ما صدر منه، وإنما يقول بحبوط الحسنات كلها بالكبيرة الخوارج والمعتزلة الذين يقولون بتخليد أهل الكبائر.. " [الفتاوى(35/68)]. وإن من رحمة الله ولطفه بعباده أنه لم يكلف المجتهدين والعاملين أن يصيبوا الحق قطعاً وأن ذمتهم لاتبرأ إلا بهذا (وذلك في مسائل الإجتهاد على مختلف أنواعها)؛ بل كلفنا بالاجتهاد والبحث والاحتياط، ثم إن أصاب المسلم الحق بعد اجتهاده فله
أجران، وإن لم يوفق لإصابته فله أجرٌ واحد، فسبحان الله ما أرحمه!
لذلك فإني أقول ناصحاً نفسي ابتداءً ثم كل أخٍ مسلم أن يجعل الحق وقواعد الشرع نصب عينيه، في قوله وحكمه وتعامله، وأن يجتهد في التطبيق وليدع التنظير ورفع الشعارات! وليتق الهوى والظلم، فهو بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن يحكم بالحق الذي دل عليه الشرع أو يحكم بالهوى، قال الله: (يا داود إنا جعلناك خليفةً في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى..)الآية.. [ص: 26].(17/56)
اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك.
7/3/1425
26/04/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
===========
الفتور الدعوي عند الشباب الأسباب والحلول
د. عبد الله بن علي الجعيثن
الدعوة إلى الله اليوم واجب الأمة الإسلامية جمعاء لا يشذ عن ذلك إلا عاجز، كل على حسب قدرته وما وهبه الله من استعدادات وإمكانات.
والناظر في حال شباب الأمة يجد تقهقراً عن القيام بهذا الواجب وتراجعاً عن الاشتغال بهذه الوظيفة وعزوفاً عن التصدي لتلك المهمة من قِبَل كثير من الشباب!
وحين نتلمس الأسباب التي أدت إلى ذلك، والصوارف التي صرفت أولئك عن الاشتغال بتلك الأعباء فإننا نجد أنها ترجع إلى أمور كثيرة يمكن الإشارة إلى شيء منها في هذا المقام:
1 - ضعف استشعار المسؤولية والغفلة عن استحضار ذلك الواجب، فلا يشعر المرء بأنه مطالب بعينه بالنهوض بالأمة ومداواة عللها وتضميد جراحها.
2 - اعتقاد بعضهم أن في الساحة من يكفي، إذن فلا حاجة إليه.
3 - الاشتغال بالدنيا وملذاتها من الأموال والبنين والمراكب والمساكن والمناصب.
4 - الانهزامية والشعور بالضعف أمام تيارات الفساد، وتطرُّق الإحباط إلى النفوس من جراء كثرة الشر والباطل وتفنن أهله في عرضه وترويجه، فوقع في بعض النفوس أن الأمر أكبر مما يمكن أن يقدمه، وأنه يتطلب جهوداً ليس هو من أهلها ولا من القادرين عليها. ووصل الحال بآخرين بعد بذل شيء من الأسباب إلى أن يقول بلسان الحال: إما أن تصلح الأوضاع ويستقيم أمر الناس أو ننسحب من الميدان ونخلي المكان.
5 - تصور بعضهم ضيق ميدان الدعوة وأنه محصور في خطبة على منبر أو محاضرة مرتجلة أو كلمة أمام الجماهير، وهو غير قادر على شيء من ذلك، فينصرف عن الدعوة بالكلية.
6 - الصدمات التي قد يتعرض لها بعض العاملين في حقل الدعوة والمضايقات التي قد تحصل لبعض الدعاة، فربما كان ذلك سبباً في تطلب بعضهم للسلامة بزعمه، وقد وقع في العطب!!
7 - تقصير المنظِّرين والدعاة في تحفيز الشباب نحو العمل الدعوي وفتح الآفاق أمامهم للولوج إلى ميدان الدعوة الفسيح كل على حسب ما آتاه الله من علم ومقدرة وموهبة.
8 - دعوى بعضهم أن المشكلة ليس من أسبابها جهل الناس وحاجتهم إلى التعليم والدعوة والبيان، بل إن الناس بزعمهم عاصون على بصيرة ومعاندون للحق؛ فما ثمرة السعي في تعليمهم ما يعلمون وتبصيرهم فيما لا يجهلون؟!
9 - ميل الكثيرين إلى الكسل والبطالة أو كثرة الرحلات والمخالطات، وبعدهم عن الجدية في عموم أحوالهم وأمورهم؛ ومن ذلك أمر الدعوة إلى الله؛ فليس عند الواحد منهم استعداد لأن يناط به عمل أو يتحمل مسؤولية؛ لا عجزاً، ولكن تهاوناً وكسلاً.
10 - اشتغال بعضهم بالجدل والمراء في بعض القضايا الفكرية، وبعض الأطروحات المعاصرة مما شغله عن الاهتمام بالنهوض بالأمة في أعمالها وسلوكها وأخلاقها.
11 - اشتغال بعضهم بالتنقيب عن عيوب الناس وخصوصاً العاملين في حقل الدعوة، وإظهار تلك العيوب ونشرها وتضخيمها، وربما لبَّس عليه الشيطان بأن هذا في سبيل الإصلاح وأنه محسن في ذلك قائم بأمر الدعوة.
12 - اشتغال بعضهم بالنظر في الواقع وتتبع ما يجري في الساحة والمبالغة في ذلك إلى حد الانهماك فيه، ثم يظن أنه بذلك قدم شيئاً للأمة بمجرد هذه المتابعة وحصوله على هذا الفقه. وهو بهذا قد لا يعدو أن يكون نسخة مما تحتفظ به أجهزة الإعلام من أخبار وتقريرات وتحليلات!!
13 - عدم التوازن والاعتدال لدى بعض الشباب في توزيع الحقوق والواجبات؛ فربما انهمك في جانب على حساب الجوانب الأخرى؛ كمن ينهمك في طلب العلم أو في تربية النفس وتهذيبها أو في جانب من جوانب الخير على حساب أبواب أخرى من الخير كالدعوة إلى الله - سبحانه -؛ حتى ربما اعتقد أنه إذا خرج عن هذا الأمر الذي رسمه لنفسه قد ضيع زمانه وأهدر جهده فيما لا ينفع.
14 - تثبيط القاعدين وتحبيط المتقاعسين عن القيام بأمر الدعوة؛ فلا يكتفي أولئك بقعودهم وتقاعسهم، بل ربما سعوا إلى تثبيط غيرهم والحط من قدر أعمالهم، وأنه لا فائدة من جهودهم؛ فربما قاد ذلك بعض الضعفاء إلى التأثر بذلك الهذيان ومن ثم إخلاء الميدان.
15 - اشتراط بعض الشباب أن يكون في موقع معين في المشروع الدعوي، فإن لم يتحقق له ذلك المكان، ولم يحصل له المركز الذي يريده أنف أن يكون في موضع أقل مما يطمح له، فيكون البديل أن يولي الأدبار، وينأى بجانبه، ويترك المجال برمته، وهو الخاسر بكل حال.
العلاج:
بمعرفة الأسباب يتضح العلاج. وهناك بعض الأدوية التي تداوى بها تلك العلة منها:
1 - استشعار المسؤولية العظمى المناطة بكل مسلم تجاه دينه وأمته، وخصوصاً الشباب الصالح الذي تربى على الخير واغترف من معين الحق؛ فهو أجدر من يتصدى للنهوض بأمته ورفع الجهل عنها ورأب صدعها ومعالجة عللها وأدوائها. ويزيد من عظم الأمر أن واقع الأمة الإسلامية اليوم بحاجة ملحة إلى دعاة كثيرين بل إلى استنفار عامٍّ من قِبَل كل طالب علم وصاحب غيرة ليؤدي دوره، وبخاصة أن الدعاة الموجودين اليوم لو اجتمعوا في بلد واحد لما سدوا الحاجة القائمة؛ فكيف مع قلتهم وتوزعهم؟
ثم على فرض وجود من يكفي ألا يسر المرء أن يكون من جملة قافلة الدعاة وركاب سفينة النجاة؟
2 - معرفة حقارة الدنيا وأنها لا تستحق انصراف القلب إليها وانهماك البدن في الاشتغال بها، وأن قيمتها الحقيقية تكمن في كونها ميداناً للأعمال الصالحة والجهود المباركة التي تنفع المرء في آخرته. ومن ذلك العمل الدعوي ونفع الخلق بجميع صور النفع.(17/57)
3 - الثقة بنصر الله واليقين بوعده، وأنه - تعالى - يؤيد حَمَلَة هذا الدين، وأنه مهما تآمر العدو وتفنن في عرض باطله فإنه مهزوم أمام قدرة الله وقهره، ولكن لا بد من الابتلاء والامتحان. قال - تعالى -: ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض {محمد: 4}.
4 - إدراك اتساع ميادين الدعوة والعمل لهذا الدين يتيح للجميع فرصة المشاركة، كل فيما يخصه وما أعطاه الله من مواهب وقدرات. ومن ذلك:
- النصيحة الفردية ملفوظة ومكتوبة.
- الكلمة القصيرة. - المراسلة لهواة المراسلة.
- كتابة المقالات في الصحف والمجلات.
- التعقبات والردود على بعض الكتابات المغرضة في الصحف والمجلات وأجهزة الإعلام الأخرى.
- المشاركة في الكلمات والندوات في الإذاعة والتلفاز.
- كتابة القصص الهادفة.
- تأسيس قناة تلفازية أو مجلة إسلامية أسبوعية أو شهرية في شبكة "الإنترنت" وعرض البرامج التربوية والعلمية والمقالات الهادفة من خلال ذلك.
- توزيع الشريط النافع والكتاب الهادف والمطويات والنشرات الجيدة.
- نظم الشعر في مناصرة الدعوة الإسلامية وقضايا المسلمين.
- الأعمال الإغاثية داخل البلاد وخارجها.
- معالجة قضايا الشباب ومشكلاتهم.
- تربية الشباب من خلال الحلقات القرآنية ومكتبات المساجد ومجموعات الأحياء.
- الدراسة والتخطيط للبرامج الدعوية، ووضع الخطط للمشروعات الخيرية، واقتراح الأمور النافعة في حقل الدعوة التي يقوم بها غيره من القادرين الأكفاء.
وهذا الإدراك لاتساع ميادين الدعوة يقطع الطريق على كل معتذر ويسد الباب أمام أي متنصل.
7 - فهم أن ابتلاء أصحاب الدعوات سنة ماضية، ولا بد من توطين النفس على التعرض لشيء من الابتلاء القولي وربما الفعلي. يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على" ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور {لقمان: 17}.
وإن كان الملحوظ في عصرنا أن ممارسة الكثير من ميادين الدعوة ومجالات العمل الإسلامي الأصل فيه السلامة وعدم التعرض للفتنة.
8 - التفاؤل في الأعمال الدعوية مطلب، وهو حافز للعمل ودافع إليه؛ ومع ذلك فلا تفترِضْ سلفاً عدم جدوى شيء من هذه الأعمال، ولا تُصَبْ بالإحباط حينما لا ترى الثمرة ماثلة للعيان؛ لأنك مطالب ببذل الأسباب، والنتيجة أمرها إلى رب الأرباب، وليس بالضرورة أن يرى المرء ثمرة دعوته وقد يراها غيره، وربما كان الغرس على يده وجني الثمار على يد غيره.
9 - واجب على من ولاَّهم الله أمر تعليم الأمة وتوجيهها من العلماء والدعاة أن يوجهوا الشباب إلى الانخراط في مجال العمل الإسلامي وأن يحفزوهم إلى ذلك، ويفتحوا لهم الآفاق الدعوية التي يمكنهم العمل من خلالها.
10 - لا بد من معرفة أن الناس وإن كان الغالب عليهم أنهم متعلمون إلا أنهم يجهلون الكثير الكثير من أمور دينهم ولا سيما في المناطق والهجر النائية؛ فواجب على كل من يحمل علماً ولو قليلاً أن يقوم بوظيفة البلاغ؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بلغوا عني ولو آية" رواه البخاري(1).
ثم إنه ليس المقصود بالدعوة التعليم فحسب، بل الناس بحاجة إلى تذكيرهم بما يعلمون وهم عنه غافلون، والله - تعالى - يقول: وذكر فإن الذكرى" تنفع المؤمنين {الذاريات: 55} وما أكثر ما يقع فيه الناس من المخالفات والأخطاء؛ فإذا ذكّروا بالله تذكروا فإذا هم مبصرون.
11 - الجدية وعلو الهمة مطلب في حياة الشاب الملتزم؛ فلا بد من البعد عن مظاهر الكسل والبطالة والإخلاد إلى الراحة، بل المبادرة بملء الوقت بمعالي الأمور من علم وعمل ودعوة، مع إجمام النفس الفينة بعد الأخرى. على أن الأمر كما قال الشاعر:
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
12 - إدراك أن الاشتغال بالجدل والمراء مما يورث قسوة القلب والضغائن بين الناس، ويصد القلب عن الاشتغال بما ينفع العبد وينفع أمته، فليبتعد المرء عن المراء والجدال، وليشتغل بنشر الخير وتأليف القلوب على الحق.
13 - التنقيب عن عيوب الأنام سمة اللئام، وليست من خصال أهل الإسلام؛ وتزداد قبحاً وسوءاً حينما يصورها الشيطان بأنها من مناصرة الحق وتقويم الخلق، فيصد العبد بذلك عن نشر الخير وإيصاله إلى الناس بتتبع عثراتهم وإبراز عيوبهم، خصوصاً القائمين بالحق منهم؛ فعلى من كانت هذه سمته أن يتقي الله ويشتغل بعيبه عن عيوب الناس، ويمحض الناس النصح والتوجيه، ويجتهد في إيصال الخير إليهم بكل طريق.
14 - معرفة الواقع والاطلاع عليه وسيلة وليس غاية في نفسه؛ فإن لم يكن اطلاعك عليه طريقاً إلى القيام بالمسؤولية تجاهه وبذل الأسباب في معالجته فلا تعدو أن تكون أقمت الحجة على نفسك، وأعلنت أمام الله والملأ بقلة مبالاتك!! فاتقِ الله ولا تجعل الاشتغال بتتبع الأخبار ورصد الواقع غاية في نفسه فتظن أنك بذلك قدمت شيئاً للإسلام؛ بل استثمر ذلك في القيام بما يجب عليك نحوه حسب استطاعتك.
15 - التوازن في الأمور مطلب شرعي، فلا يكن اشتغالك بجانب من جوانب الخير سبباً في اشتغالك عن جوانب أخرى ربما كانت واجبة كالدعوة إلى الله - تعالى -. وليست العبرة في ذلك بالميول القلبية والرغبات النفسية، فالشرع هو الميزان في ترتيب الأولويات وتوزيع الواجبات.
16 - مجانبة المتقاعسين والبعد عن مخالطة القاعدين؛ فالمرء على دين خليله؛ فإذا بُليت بمثل أولئك فكن معهم ببدنك لا بقلبك، ولا تكترث بتثبيطهم، واحمد الله الذي عافاك مما ابتلاهم به، من غير أن يصيبك الإعجاب بالنفس؛ فالله هو المانُّ عليك بذلك.(17/58)
17 - الإخلاص أعظم الحوافز نحو العمل الدعوي ونفع الخلق، لما يرجوه العبد من الثواب ويؤمله من الأجر. كما أنه سبب من أسباب الثبات على الطريق مهما حصل من إخفاقات كالارتباك والعي أثناء إلقاء الكلمات، أو كان ذلك في حصول أخطاء غير متعمدة في المشروع الدعوي؛ لأن العامل حينئذ يشعر أنه بذل ما يستطيع وصدق في ذلك وأراد الخير فلا يقلق حينما يقع أمر بغير اختياره أو لم يتمكن من إنجاز ما يريد إنجازه، وهو لا يرجو من الناس ثناء ولا شكوراً؛ فلا يضيره إن لم يحصل على شيء من ذلك.
كما أن الإخلاص من عوامل الاستمرار في دعوة الناس مهما أعرضوا؛ لأن المخلص لا يزال يؤمل صلاحهم، كما أنه يرجو الثواب في استمراره في دعوتهم، فلا يضيره إعراضهم.
وكذلك فإن الإخلاص يجعل المرء يرضى بما يناط به من عمل في أي مشروع خيري أو دعوي؛ فهو لا يشترط منصباً أو مكاناً معيناً إن حصل له وإلا فإنه لا يعمل؛ لأن همَّ المخلص أن يقدم خيراً لأمته في أي موقع كان، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "طوبى لعبد آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة"(2) فهمُّه الجهاد ونصرة هذا الدين، فلا يبالي في أي موقع وُضِعَ، وحيثما وضع نفع؛ وهذا لا يعني أن لا يسعى المرء إلى أن يقدم لهذا الدين وينفع الأمة من خلال القدرات والمواهب التي يحسنها؛ لكن الكلام هنا في أن المخلص لا يسعى للصدارة والظهور والرئاسة، بل هو مجتهد مستجيب لكل ما يناط به مما له قدرة عليه.
18 - علم المرء بفضائل وثمرات الدعوة إلى الله من أعظم ما يدفعه نحو الاشتغال بذلك. ومن ذلك قوله - تعالى -: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين {فصلت: 33}، وقال - عليه الصلاة والسلام -: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" متفق عليه(3).
وقال أيضاً: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" (4). فكم يكون لك من الأجر إذا كانت الأعداد الكبيرة من الناس تعمل على ضوء ما أرشدتهم إليه! وكم من الأجر يلحقك من آثار ذلك حتى وأنت مفارق للدنيا في قبرك!
أسأل الله أن يجعلني وإياك من الهداة المهتدين، والصالحين المصلحين، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر بمنه وكرمه.
وصلِّ اللهم على الهادي البشير وعلى آله وأصحابه أجمعين. (*)
-----------------
(1) صحيح البخاري (6-496)، ح- 3461.
(2) صحيح البخاري (6-81)، ح- 2887.
(3) صحيح البخاري (6-111)، ح- 2942، وصحيح مسلم (4-1872)، ح- 2406.
(4) صحيح مسلم (3-1506)، ح- 1893.
(*) مجلة البيان
http://saaid.net المصدر:
=============
طاقة التحمل !
د. عبد الكريم بكار
كلما تأمل المرء في أسرار التشريع وفي طبائع الأشياء ظهر له جليًّا أن بارئ الخليقة ومرسل الرسل ومنزّل الكتب واحد جل شأنه-؛ وأظن أننا كلما امتلكنا رؤية أعمق وأشمل لتاريخنا وواقعنا ظهرت حاجتنا إلى أن نعمل في ظلال هدي الشريعة الغراء وفي إطار (طاقة التحمل) على كل الصعد التي تعرفنا على سنن الله في الخلق في مسائلها وقضاياها، وذلك حتى لا نهدم ونحن نريد البناء، ولا نُفسد ونحن نريد الإصلاح...
في الإمكان أن نقول: إن كل شيء تحمَّله فوق طاقته فإن تخسره، أو تكاد. وخسارتنا لما نحمَّله فوق طاقته أشكال وألوان.. فقد تتجلى الخسارة في فقده وانعدامه، كما لو ضغطنا على كأس زجاج رقيق أكثر من طاقته على الاحتمال. وقد تتجلى الخسارة في فقده لوظيفته مع بقاء مادته، كما لو حمّل مهندس بناء حديد التسليح في عمارة ينشئها أوزاناً فوق الأوزان التي يتحملها عادة؛ مما يؤدي إلى انهيار البناء بسبب اعوجاج الحديد. وتتمثل الخسارة في بعض الأحيان لهذا الذي نحمَّله فوق طاقته في فقد فاعليته، أي أنه يؤدي عمله لكن على غير الوجه المطلوب، كما أن النتائج تكون أقل من المتوقع. إنك لا تستطيع أن تحمَّل مركبة ضعف حمولتها العادية، ثم تسرع بها كما يسرع الذي يقود مركبة تحمل حمولة عادية. وقد تتجسَّد الخسارة في عدم القدرة على الاستمرار في السعي إلى آخر الطريق كالمسافر الذي يتناول ما لديه من طعام وشراب على نحو مسرف، فإنه سيجد نفسه في مرحلة من المراحل عاجزاً عن متابعة المسير بسبب تحميله لزاده ما لا يحتمل من الاستهلاك، وكالذي يحمَّل بدنه ما لا يحتمل بإطلاق العنان لشهواته، فيجد نفسه هرماً قبل الأوان. وهناك أنواع أخرى للخسارة...
إن لدينا الكثير من النصوص التي تؤكد مراعاة الشريعة لهذا المبدأ العظيم، منها قوله - سبحانه -: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)[سورة البقرة: 286]، وقوله: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)[سورة الحج: 78]، وقوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)[سورة البقرة: 185]، وقوله: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)[سورة النساء: 148]، وقوله: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة)[سور النساء: 129]. وقال - عليه الصلاة والسلام -: "لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع الوضوء، ولأخرت العشاء إلى نصف الليل"، وقال لعائشة- رضي الله عنها- " لولا حداثة قومك بكفر لنقضت البيت، فبنيتُه على أساس إبراهيم، وجعلتُ له خلفاً فإن قريشاً لما بنت البيت استقصرت".
إنه لا يريد أن يحمّل إيمان قريش الغضّ أكثر مما يحتمل، ولذلك امتنع عن ذلك العمل الذي قد يهيجهم، ويدفعهم إلى الاستنكار.(17/59)
إن الشريعة راعت حال المكلفين وقدرتهم على النهوض بحقوق الالتزام، ولهذا فليس في ديننا -بحمد الله- ما يشقّ اعتقاده أو يشقّ عمله. وحين يعيش المسلم في ظروف خاصة أو طارئة فإن الشريعة تلمح ذلك، وتجنح به إلى الرخصة والتيسير، وصار من القواعد الفقهية المشهورة أن الأمر كلما ضاق اتسع. وفلسفة الرخصة في الإسلام تقوم على أن التخفيف في التكليف يساعد المسلم على أن يبقى في إطار الاستجابة لأمر الله، وفي إطار الشعور بالقيام بحقوق العبودية عوضاً عن الشعور بالضيق والمشقة والحرج والسعي إلى التماس الأعذار للتقصير والإعراض عن أمر الله بالكلية. ومن هنا كانت رخصة قصر الصلاة وجمعها للمسافر، وجواز التيمم في ظروف معينة، وجواز الإفطار في رمضان للمريض والمسافر، ورفع القلم عن النائم والمجنون والطفل، والإعذار بالجهل في الكثير من المواطن، وعدم المؤاخذة بما لا يستطيعه المسلم من العدل بين نسائه في المحبة والأنس والاستمتاع.
ولدينا العديد من النصوص التي توجه المسلم إلى ألاّ يحمَّل نفسه مالا يطيق حتى لا يقع في شكل من أشكال الخسارة التي أشرنا إليها. وهي نصوص كثيرة في الحقيقة، منها ما رواه الشيخان من قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم؛ فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري يذهب يستغفر؛ فيسب نفسه". إن الخسارة هنا واضحة فحمل النفس على العبادة مع شدة النعاس، قد يؤدي إلى عكس المقصود، فيدعو المرء على نفسه عوضاً من الاستغفار. وقال - عليه الصلاة والسلام -: " لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه. قالوا: وكيف يذل نفسه؟!. قال: يتعرض من البلاء مالا يطيق".
بين الكم والكيف علاقة عكسية، وفي معظم إن لم نقل جميع- الحالات لا يكون الكم إلا على حساب الكيف، كما لا يكون الكيف إلا على حساب الكم.. نعم يمكن نقض هذه العلاقة إذا كانت أعمارنا وطاقاتنا وأموالنا... غير محدودة، وأنى لنا بهذا؟
حين يعرّض المسلم نفسه لابتلاءات قاسية فإنه يضع نفسه على حافة الخطر حيث لا ضمانة لصبره على ما جرّه لنفسه من البلاء، ولا ضمانة لنجاحه في الاختبار الصعب الذي قرر الدخول فيه. وقد رأينا الكثير الكثير من ذوي القلوب الطيبة وقد نكثوا على أعقابهم نتيجة الذل الذي صاروا إليه بسبب تحميلهم لأنفسهم ما لم يحملهم الله - تعالى - إياه، وكانت النتيجة أنهم انتهوا إلى لا شيء: لا كم ولا كيف!.
إن المثابرة إحدى الفضائل الإسلامية، وهي لا تكون أبداً إلا إذا جعلنا أنشطتنا في إطار طاقاتنا، وإلا إذا تجنبا إرهاق الأنفس.
تقول عائشة- رضي الله عنها-: " دخل عليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وعندي امرأة. قال: من هذه؟ قلت: فلانة تذكر من صلاتها- أي تتحدث عن كثرة صلاتها- فقال: مه. عليكم بما تطيقون، فوالله لا يملّ الله حتى تملوا وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه".
وفي حديث مسلم عنه - صلى الله عليه وسلم -: " هلك المتنطعون" قالها ثلاثاً. والتنطع هو التعمق والتشدد في غير موضع تشديد. الشريعة الغراء تدعو إلى اليسر لأنه من أهم منطلقاتها، ولأن التجربة أثبتت أن الإيغال في أي أمر يكون في الغالب على حساب أمور أخرى؛ ومن النادر أن ترى رجلاً صرف جل اهتمامه وعنايته لأمور معينة دون أن يقع في التفريط في أمور أخرى، لا تقل في أهميتها عما يبالغ في العناية به، فالكيف كما ذكرت لا يكون إلا على حساب الكم.
ومن الله الحول والطول.
18/2/1425
08/04/2004
http: //www.islamtoday.net المصدر:
============
طاقة التحمل ( 2 - 2 )
د. عبد الكريم بكار
ذكرت في المقالة السابقة أن لكل شيء طاقة محدودة على التحمل، وأن علينا مراعاة تلك الطاقة، وإذا لم نفعل ذلك؛ فإننا سنخسر ذلك الشيء. ووعدت بأن أتحدث اليوم عن بعض الأمثلة والتطبيقات التي تفسر هذا المبدأ وتوضحه في العديد من المجالات. والحقيقة أن قائمة الأمثلة طويلة، لكن سأقتصر على خمسة منها في المفردات الآتية:
1- يحاول الناس بصورة شبه دائمة أن يحققوا مصالحهم في إطار مبادئهم حتى اللص الذي دخل بيتاً ليسرق المال فإنه في العادة لا يقتل إذا أمكنه الحصول على المال دون الاحتياج إلى القتل. وهذا يعود إلى أن الإنسان مهما تجرد من القيم والمبادئ فإنه يظل فيه شيء من النزعة الإنسانية وشيء من الحنين إلى السمو والنقاء؛ لكن لهذا حدودًا على التحمل، فإذا وُضع الإنسان في ظروف بالغة السوء من الفقر والعوز والقلة مثلاً - فإن جهاز المناعة الأخلاقي لديه يتعرض للانهيار بسبب الشعور بالظلم الاجتماعي وبسبب قدرة العقل الفائقة على تأويل القيم إلى حد إفراغها من مضامينها. ومن هنا فإننا قد لا نستغرب وإن كنا لا نسوَّغ ولا نبيح ولكن نفهم - إذا وجدنا الفلسطيني الجائع والمحاصر والذي تخلى عنه إخوانه في العالم، وقد مد يده للتعاون مع اليهود إلى درجة وضع علامات على سيارات قادة المجاهدين حتى تهتدي إليها طائرات اليهود، وتقوم بقصفها، وقتل من فيها.. وهذا حدث في كل البلاد الإسلامية وغير الإسلامية أوقات الاستعمار. وقد أشار أحد علماء المسلمين قديماً إلى شيء قريب من هذا حين عتب عليه بعض أصدقائه قبوله لهدية من حاكم طاغية، حيث قال: لم أقبل هديته إلا حين حلت لي الميتة. إن الرادع الديني أو الوطني أو الإنساني موجود بنسب متفاوتة لدى جميع الناس، لكنه لدى الأغلبية ينهار، أو يكاد إذا حُمَّل فوق طاقته.(17/60)
2- نظرت بعض الجماعات الإسلامية إلى نفسها فوجدت أنها الأفضل تنظيماً والأوسع انتشاراً وربما الأقدم في ساحة العمل الدعوي، وهذا ولا شك- يمنحها شعوراً بالتفوق، ويعطيها على الأرض بعض الحقوق؛ وهذا طبيعي لكن بعض تلك الجماعات لم تنتبه لنفسها، فتولدت لديها (عقدة الأخ الأكبر) فصارت تتصرف كما يتصرف الأخ الأكبر في الأسرة، حيث على الإخوة الصغار السمع والطاعة وتلقي الأوامر والنصائح، وحيث فقد روح المبادرة للتنسيق والتعاون (بل ضعف الاستجابة) لمحاولات الآخرين الانفتاح عليها. وقد أدى ذلك إلى إعراض الجماعات الأصغر حجماً عنها، وبدأ التنافس، وما يجره من مظاهر الانحطاط المدني يشتعل في الساحة الدعوية. إن للقوة دائماً حقوقاً، يقدرها الناس، لكن أصحاب القوة كثراً ما يضخمون تلك الحقوق، أي يحمّلون قوتهم وامتيازهم وتفوقهم ما لا تحتمل من الحقوق والميزات، وكانت النتيجة خسران الامتياز كله بسبب خسران العلاقة مع الجماعات الأخرى والتي يمكن أن تكون معبراً لذلك الامتياز. وقد أشار زهير إلى معنى يلتقي جزئياً مع ما نقوله حين قال:
ومن يكُ ذا فضل فيبخل بفضله على قومه يُستغن عنه ويذممِ
3- قد تعودنا في مجالات الأعمال الدعوية والخيرية أن نجد دائماً القليل ممن يملك الحماسة المتدفقة والحركة الدائبة والأريحية المتوهجة مع كثرة السواد وتزاحم الرؤوس والأقدام. والذي يحدث دائماً هو أن كل القاعدين وكل أولئك الذين يحبون أن يروا الآخرين يعملون دون أن يعملوا هم شيئاً- يتجهون إلى ذلك الشخص النبيل النشط المتحرك؛ فيلقون عليه المزيد المزيد من المهمات والمسؤوليات، وهو لشهامته يتقبل، ويعد ويحاول... ولكن بما أن لكل شيء طاقة تحمَّل فإن الناس يبدؤون بملاحظة الفوضى والتقصير في عمله وتبدأ سهام النقد بتناوشه... وسبب ذلك يعود إلى عدم إدراكه وإدراكهم أن الكم في نهاية المطاف لا يكون إلا على حساب الكيف.
4- تشعر الولايات المتحدة الأمريكية أنها الدولة الأولى في العالم على المستوى التقني والاقتصادي والعسكري، وليس هناك من ينازعها في هذا. وهذا الشعور جعلها توسع مجالها الحيوي ليصبح من غير حدود؛ فالعالم امتداد طبيعي لمزرعة (بوش) في تكساس. ويشعر اليهود أنهم يشكلون الأقلية الساحقة على مستوى العالم، ويكفي أنهم مسيطرون على آلية اتخاذ القرار في الولايات المتحدة ونحن أيضاً لا نرتاب في ذلك. وصار اليهود من خلال تصرفاتهم وتصريحاتهم يرسلون رسائل للقاصي والداني بأنهم لا يأبهون لأحد، وليس من حق أحد أن يراجعهم في شيء. اليهود الأمريكيون يعتمدون في مواقفهم العالمية وفي حركتهم الكونية على ما لديهم صلات هيمنة بكل مراكز القرار في العالم وعلى ما لديهم من نفوذ إعلامي طاغٍ وشامل. لكن بما أن لكل شيء طاقة على التحمل؛ فإن العالم يكتشف الحقائق، وبدأ يتململ على نحو شديد التهذيب من الطغيان الأمريكي والإسرائيلي. وقد فجع اليهود بنتائج استطلاع الرأي الذي نظمه الاتحاد الأوروبي حول الدول الأشد خطورة على السلام العالمي، وقد ذكر الأوروبيون في ذلك الاستطلاع أن (إسرائيل) هي الدولة الأخطر على أمن العالم، تليها حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية. ولعل اتخاذ إسبانيا قرار سحب قواتها من العراق في أسرع وقت ممكن يشكل الصدمة الثانية لأمريكا والمؤشر الأخير في سباق المؤشرات الدالة على أن أمريكا واليهود قد حملوا نفوذهم المالي والإعلامي والسياسي ما لا يحتمل من الجرائم والوقاحات؛ ولذا فإنها بدأوا يحسرون توظيفات ذلك النفوذ على نحو تدريجي.
5- كثيراً ما شاهدنا صداقات تتصدع وتضمحل، وكثيراً ما شاهدنا الأقرباء وقد فشت فيهم النزاعات والأحقاد والبغضاء. وكثيراً ما يكون السبب في كل ذلك هو أن الناس حمّلوا الصداقات والقرابات ما لا تحتمل من التبعات والتكاليف. نحن جميعاً ندرك ونقر أن للقريب حقوقاً وأن للصديق أيضاً حقوقاً؛ لكن الذي يحدث أننا نفاجأ بأن أقرباءنا وأصدقاءنا يريدون من الحقوق والمساعدات ما يتجاوز كثيراً توقعاتنا وأحياناً طاقاتنا. وهنا تبدأ المشكلة، حيث الاتهام بالتقصير من جانب والاعتذار والتنصل والتهرب والابتعاد من الجانب الآخر. إن ما بين الناس من ود ومشاعر طيبة، وما بينهم من قرابة ورحم يتحمل ولا شك- طلب المعونة والخدمة، ولكن ليس من غير حدود. إن العلاقات تدوم وتدوم إذا قامت على قدر جيد من التكافؤ والندية، فإذا تحولت إلى علاقات لانتفاع أحد الأطراف واستغلالها من قبله؛ فأنها تنهار، وقد تنقلب إلى عداوة مستحكمة. إن كل صديق وكل قريب يقدم لأصدقائه وأقربائه شيئاً ما وينتظر منهم شيئاً؛ ومن المهم ألا ينتظر أكثر مما قدم إذا ما أراد للمودة أن تستمر.
إن الدرس الذي نخرج به من كل ما ذكر هو ألا نعلَّق توازننا العام ولا مستقبلنا ولا صلاح شؤوننا على شيء وحيد وفريد، حتى لا ينهار ذلك الشيء في نهاية الأمر، ونشعر أننا خُذلنا في ساعة كنا أحوج ما نكون فيها إلى المعونة والمؤازرة. والله مولانا.
3/3/1425
22/04/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
===========
دعوة إلى اتباع السنة في تطبيق السنة والدعوة إليها
جمال فرحات صاولي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
فإن الدعوة ‘إلى الله من أعظم الأعمال التي يقوم بها المسلم وأجلها والتي يرجو ثوابها عند الله - تعالى -، ويحتسبها لآخرته، بل هي من الهموم التي تقعده وتقيمه، ويفكر فيها ليل نهار، كيف لا وهي طريقة الأنبياء والرسل ومن اتبعهم من العلماء والصالحين.(17/61)
ولذا فإن القائم في هذا المقام عليه أن يتحرى الصحة في المنهج والسلامة في الأسلوب، وحسن السيرة على الطريق الذي رسمه إمام الدعاة صلوات الله وسلامه عليه حتى لا يكون عمله هباء منثوراً.
والكتاب والسنة قد بينا هذا الطريق غاية البيان، وهما الميزان الحق الذي نعرف به صواب الأقوال والمناهج والمذاهب من خطئها، وعليها ينبغي أن تعرض وليس العكس!! قال - تعالى -: (وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين) (النور/54). وقال: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (النساء/83). وقال: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (الأحزاب/36). وقال: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) (النساء/65).
ومهمة الداعية المسلم تجاه الكتاب والسنة هي فهمهما فهماً صحيحاً وتدبرهما والعمل بهما والدعوة إليهما، حتى يكون المنهج الذي يدعو به منهجاً صحيحاً سليماً على طريق سلف الأمة الصالح.
والأدلة على أهمية المنهج والأسلوب الصحيح في الأخذ بالسنة والدعوة إليها كثيرة نذكر منها:
1 قال - تعالى - آمراً بالاقتداء برسوله - صلى الله عليه وسلم - والأخذ بسنته والاهتداء بهديه منهجاً وأسلوباً: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر…) (الأحزاب/21).
2 وقال - تعالى - في أهمية البصيرة في الدعوة: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) (يوسف/108).
3 وقال - سبحانه - في أهمية الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) (النحل/ 125).
4 - وقال - تعالى - في أهمية الفقه في الدين والدعوة إليه: (أفلان يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) (النساء/ 82).
5 وقال - تعالى - في الاستمساك بأحكام الإسلام وتعاليمه بقدر الاستطاعة من غير تقصير: (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا) (التغابن/16).
والسنة النبوية مليئة بمعاني الآيات السابقة ومن ذلك:
6 قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)[1].
7 وقال: (من يحرم الرفق يحرم الخير)[2].
8 وقال: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه) [3].
9 وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)[4].
10 وقال - صلى الله عليه وسلم -: (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا)[5].
نخلص مما سبق ذكره من النصوص الشرعية إلى أمر مهم وقاعدة جليلة وهي أن مجرد حصول تبليغ السنة [6] للناس وحده يكون قاصراً ولا يتم به البلاغ المطلوب الذي أوكله الله إلى رسله ومن جاء بعدهم من أهل العلم والدعاة إلى الله -، ذلك أن الله - تعالى - قد بين في كتابه العزيز لعباده المؤمنين أهمية البلاغ والبيان وضرورة العناية بهما وبما يحققهما من وسائل: (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) (النور/54).
فقوله - تعالى -: (المبين) وصف زائد على البلاغ ودليل على أهميته وإلا لما كانت هناك حاجة إلى إضافته إلى كلمة البلاغ.
وقال - سبحانه -: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) (الأنعام/108). وتدل الآيات والأحاديث السابقة بمنطوقها ومفهومها وغيرها كثير تدل على الأخذ بالكتاب والسنة على بصيرة وفقه صحيح، وكما أوجبت هذه النصوص الشرعية لزوم السنة واتباعها فإنها توجب أيضاً فقه السنة الفقه السليم وأقصد بفقه السنة هنا الفقه النظري والعملي معاً وهما أمران متلازمان ولكن قد لا يدركهما جميعاً بعض الناس.
فقد يحقق المرء شيئاً من فقههما علمياً ولكنه قد يطبقهما تطبيقاً لا يدل على فقه بهما، ذلك أنه لا يراعي هدي السنة في تطبيق السنة أو لا يراعي هدي السنة في الدعوة إلى السنة، فيتخذ أساليب عملية منفرة عنها.
ولذا أحببت أن استعرض في هذه الصفحات بعض النظرات النقدية لبعض أخطائنا في المنهج والأسلوب في الدعوة إلى السنة وفي تطبيقها السلوكي.
وهي نظرات استفدتها من بعض أهل العلم، وأوردتها ههنا لأني وجدت أن الكثير منا واقع فيها والله المستعان:
1 ينكر بعضنا أن ينتقد رأيه أو أن ينبه إلى خطئه لحجة غريبة وهي أنه يدعو إلى الكتاب والسنة وكأن من يدعو إلى الكتاب والسنة معصوم ولذا لا يصح نقده ولا تنبيهه. وهذا فهم خاطىء ومعارض لمنهج السلف وإلا كيف لا يفرق الإنسان بين منهجه وأسلوبه وبين الكتاب والسنة.
2 بعضنا يدعو غيره إلى العقيدة أو السنة متلبساً بشيء من العجب الذي يصد الآخرين عن قبول الدعوة.
3 بعضنا عنده ظاهرية في فهم السنة، إذ لا يفهمها إلا أنها في الأعمال الظاهرة فتراه يحكم على من أتى ببعض المظاهر بأنه متبع للسنة. ولو كان هذا الأخير مهمل للواجبات والفروض أو قد يعامل الناس معاملة سيئة.
ونسي هذا الأخ الكريم أن السنن الظاهرة مع أهميتها وعدم التهاون بها ليست بأولى في أهميتها من السنن الأخرى الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من تواضع وحلم ورحمة وعفة.. الخ، ولعل هذا النوع من السنن أكثر من السنن الظاهرة. والسنة إلى هذا وذاك منهج يسير عليه المرء في حياته ومواقفه مما يعرض له سواء تسنى أن يظهر ذلك منه أم لم يظهر.(17/62)
4 قد تشعر من بعض الناس وهو يدعو غيره للسنة أنه من خلال دعوته هذه يتصور أنه هو الوحيد الوصي على السنة وهو المسؤول عنها وهو العالم بها أما الآخرون، وأما المدعوون فهم أعداء السنة أو يكرهونها أو ليسوا حريصين عليها أو ليسوا مسؤولين عنها.. الخ، وإذا حاول المدعو الاستفسار أو الاستفهام فقد يتهم برد حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أو يتهم بعدم حبه للسنة النبوية، ونسي هذا المتهم لغيره التفريق بين ما يكون سنة بنص ظاهر وبين ما يرى أنه من السنن عن طريق اجتهاده في فهم النص.
وهذا الإحساس لدى الداعي إلى السنة يؤدي إلى صد الناس عنها، فإن إدراك المدعوين لهذا المعنى عنده يقودهم لكراهيته وعدم قبول الدعوة منه ولو كان ما يدعو إليه حقاً، فيكون بهذا فتنة للناس وداعية لهم إلى ترك السنة.
5 إن للأحكام السريعة التي يعني بها بعضنا تجاه غيرهم بشأن عقائدهم أو مدى اتباعهم للسنة. إن لهذه الأحكام السريعة التي ينظر فيها أصحابها إلى مجرد المظاهر والأقوال ضرراً بالغاً على العقيدة وعلى السنة، لأنه ينتج عن هذه الأحكام إخراج أناس من العقيدة والسنة ظلماً وجهلاً، وكذلك إدخال أناس بهذه الأحكام السريعة وحقهم أن لا يدخلوا.
6 التسرع في اتهام المخالفين واستباحة الكلام في أعراضهم والطعن فيهم بحجة أنهم مخالفون للسنة [7].
وبعد هذه الجولة النقدية لأنفسنا أقدم بعض النصائح التي ينبغي لمحبي السنة الإلتزام بها وجعلها من منهجهم في الدعوة إلى السنة عسى الله أن ينفعنا بها.
أ - ينبغي أن يسبق دعوة الناس إلى السنة تربيتهم على حبها وتعظيمها ومعرفة قدرها، ذلك لأن الناس غالباً لا يأخذون بشيء لم يعرفوا قدره، ولأن الذي يحمل الناس على الفعل والترك إنما هو فعل القلب وإيمانه. ولأن التمسك بالسنة ليس له وزن عند الله ما لم يكن مبنياً على الإخلاص والحب والتوقير للسنة وصاحب السنة عليه صلوات الله وسلامه.
ب - السماحة في الدعوة إلى السنة.
ج - الرفق في الدعوة إلى السنة.
د - تقديم الأهم على المهم في تطبيق السنة والدعوة إليها.
هـ - عدم فتنة الناس بها.
------------------
[1] - أخرجه البخاري في الاعتصام باب قول النبي: لا تزال طائفة.. (فتح الباري 13/293).
[2] - أخرجه مسلم في باب فضل الرفق 4/2003 برقم 74.
[3] - المصدر السابق 4/2004 رقم 78.
[4] - رواه البخاري في استتابة المرتدين، باب إذا عرض الذمي بسبب النبي (12/280 برقم 6928).
[5] - رواه البخاري في العلم. باب ما كان النبي يتخولهم بالموعظة… (الفتح 1/163 برقم 69).
[6] - وتبليغ السنة من عموم تبليغ الإسلام.
[7] - هذا مع الإشارة إلى أن الرد على مخالفي أهل السنة والجماعة من أصول الإسلام ومن منهج السلف الصالح وليس هذا الذي نعنيه في الملحوظة السادسة.
http://www.alsunnah.org المصدر:
==========
كيف تقوم برحلة دعوية ( أفكار ومقترحات )
الرحلات شئ محبب للنفوس ، ففي الرحلات أُنسٌ بالصديق ، وتفريج للضيق ، وكسب للمهارات والخبرات ، وفوز بالسبق إلى الخيرات .
والرحلات كأسلوب من أساليب الدعوة وسيلة ناجحة ، فهي طريق للقلب المعنّى ليبث فيها الراحل أشجانه وهمومه ويفتح فيها قلبه ومكتوم أسراره ، فجدير بالمربين المخلصين أن لا يفوّتوا مثل هذه السانحة ، لذلك يجدر أن نذكر ببعض المهام والأمور التي تخدم هذه الوسيلة الدعوية الناجحة فنكون أقرب للاستفادة منها فمن تلك الأمور المهمّة :
إخلاص العمل لله : لقد أصبح من الضروري ـ جداً ـ عند بداية كل عمل التذكير بإخلاص العمل لله واحتساب الأجر والثواب من الله جل وعز ، لأنه صار من المشاهد المألوفة ـ المزرية ـ أن ترى الرجل العامل المجتهد ثم هو في منتصف الطريق تموت همته أو تكاد ، أو تجده يمنّ بما عمل وأنه فعل وفعل ، أو ينتظر مدحاً وثناءً من أحد.. وهكذا من الصور المؤسفة والتي أصبحت من قواصم الأعمال ومهلكاتها ، قال الله تعالى : " قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا . الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً " لذلك كان من أهم المهمات قبل بداية العمل أن يخلص العبد عمله لله وأن لا ينتظر جزاءً ولا شكوراً من أي أحد كان .
وراء كل عمل ناجح تضحية مجزية ، فالأعمال الدعوية ـ خصوصاً ـ تحتاج من الداعية أن يضحي بشئ ـ أو بأشياء ـ من أجل إتمام العمل أو البرنامج المعدّ لعمل دعوي أياً كان وحين توجد التضحية يكون الداعية قد قطع نصف طريق النجاح ، وبقدر ما تقل التضحية يجد الداعية عنتاً ومشقة في إكمال السير وعائقاً عن الإنطلاق .والمقصود أن الداعية في كثير من الأحوال بحاجة إلى أن يضحي بوقته أو ماله أو جهده أو حتى بنفسه التي بين جنبيه ، كل ذلك لينصر دين الله ولينشر الحق في الأرض ، وما قصة غلام الأخدود عنّا ببعيد !!!
المسؤولية الفاعلة : إن الداعية إلى الله بحاجة إلى أن يكون عنده قدر كبير من تحمّل المسئولية وما يتبعها من تبعات ، وحين تكون الأعمال تحت مسئولية صورية أو مسئولية المنصب فحسب، فإنها سرعان ما تفقد ثمرتها ، لذا كان من المهم التنبيه على الداعية أن يكون على قدر كبير من تحمل المسئوليات ، وأن يتحلّى بالصفات التي تؤهله لأن يكون أهلا للمسئولية من الخبرة والدراية والحكمة والصبر والمشاورة واليقين بالله ...
التخطيط لا التخبيط :
قبل أن تبدأ الرحلة ، عليك بالتخطيط المسبق لها ، وافتراض مستلزماتها ، وتنسيق الأعمال بين أفرادها ، إذ العشوائية والارتجالية من أعظم مقاتل الأعمال وعدم استمرارها من أجل ذلك ننبه هنا إلى بعض الإعدادات المهمة للقيام برحلة دعوية :(17/63)
الاستعداد المادي والاجتماعي للرحلة :
• إعداد الميزانية الكافية للرحلة ، وذلك على ضوء :
1- حصر عدد المشاركين في الرحلة .
2- تحديد طبيعة مكان الرحلة ، من حيث مسافة الطريق ذهابا وإياباً ، وطبيعة المكان قربه أو بعده عن المنافع العامة .
3- توفر المستلزمات ( أدوات الرحلة ) قبل الرحلة بوقت كاف ، لأن العشوائية والارتجالية تضر بالرحلة ، فهي إمّا : أن تلغي الرحلة أو أن تكون الرحلة عشوائية .
4- الحرص على أن يكون وقت الرحلة خاصاً بتحقيق أهدافها ، وأن لا يصرف شئ من الوقت في إكمال النواقص أو غيرها
5- إعلام المشاركين في الرحلة عن موعدها بوقت كافٍ .
6- من الخطأ أن تصرف الميزانية في شراء المستلزمات الناقصة ، وإغفال الهدف التي جُمعت من أجله .
7- ينبغي تحديد المسئوليات تجاه تأمين المستلزمات وهذه المستلزمات إمّا :
أ / مستهلكات ( التغذية ) .
ب / مستلزمات أساسية ( أدوات الرحلة ، وسائل النقل ..) .
ج / مستلزمات شخصية ( الأوراق النظامية ، العفش الشخصي ) .
8- ينبغي استكمال المستلزمات الشخصية ( الأوراق النظامية ، العفش ...)
9- الحرص على الاكتفاء الذاتي ، بحيث لا يُلجأ إلى الاقتراض من الآخرين أي مستلزم من مستلزمات الرحلة ( كالمواصلات ، وعدّة الرحلة ...) .
10- إذا اضطررت إلى استعارة شئ ما من أحد الناس ، فاحرص على أن تُرجع العارية إلى أصحابها في أحسن صورة .
11- الحرص على تأمين أساسيات ( كالصيدلية ، البوصلة ، المكتبة ، ...) .
12- الاستفادة من الفائض من المستلزمات الاستهلاكية بعد الرحلة ، وحتى نحقق هذه الاستفادة ينبغي
أ/ النظر قبل الشراء إلى تاريخ المستهلَك .
ب / اختيار نوعية المستهلَك حسب الأيام المقررة للرحلة .
ج / بيع الفائض أو ادّخاره .
13- إيجاد صندوق خيري للتبرعات ، للاستفادة من المبلغ في أعمال أُخر .
14- التوسط بين الإسراف والتقتير في المستلزمات الغذائية ، ويتحقق ذلك بـ :
أ / معرفة العدد الكلي للمشاركين .
ب / معرفة مستويات المشاركين من حيث العمر والبنية الجسدية للمشارك .
15- التنبيه على إخلاء سيارات النقل من الأشياء غير المسموح بها نظاماً .
16- الحرص على اختيار المكان المناسب وذلك بأن يكون :
أ / بعيداً عن السيّاح والمصطافين ومساكن الناس .
ب / واسعاً غير ضيّق .
ج / سهلاً غير وعر .
د / قريباً ـ نسبياً ـ من المنافع العامة ( أماكن جلب المياه ، الأسواق ، المستشفيات ..) .
هـ / إن كانت أول رحلة فيفضل أن يكون المكان قريباً غير بعيد . وأن تكون الرحلة قصيرة .
و / أن لا يكون المكان مرعباً ، وخصوصاً في أول رحلة .
ز / تجهيز مكان الرحلة قبل موعدها بوقت كاف ، وذلك بإرسال مجموعة استطلاعية إلى مكان الرحلة ، لحجز المكان ، وحتى لا يضيع وقت الرحلة في البحث عن مكان مناسب .
17- اترك المكان نظيفاً بعد انقضاء الرحلة ، والتنبيه على عدم العبث بالممتلكات الخاصة بالمكان إن وُجد .
18- يستحسن الرجوع مبكراً من الرحلة لما فيه من تطييب نفوس أهالي المشاركين في الرحلة .
الاستعداد الثقافي للرحلة :
البرامج الثقافية في الرحلة هي روح الرحلة وجوهرها ، وبقدر ما يكون البرنامج الثقافي فاعلاً ومفيدا ، بقدر ماتكون الرحلة ناجحة مفيدة لها ذكريات خالدة !!
وحتى ننجح في ذلك لابد من مراعاة أمور :
1- تأمين الأدوات التي تخدم البرامج في المخيم ( مكبر صوت ، جهاز تسجيل ، لوحات ، أقلام ، دفاتر ، ...) .
2- مراعاة التجديد والتغير سواءً في البرامج المطروحة ، أو تغيير أسلوب طرح البرامج ' أو تغير أوقات الطرح مما يبعث في النفس الرغبة في إنجاح البرنامج وعدم الملل .
3- عمل برنامج ترفيهي ثقافي للطريق .
4- في الرحلة الأولى يستحسن أن يغلب فيها البرنامج الترفيهي ، وأن تكون البرامج الجادة فيها متوسطة ، بعكس إن كانت رحلة دوريّة .
5- تنسيق البرامج الثقافية وتحديد المسئوليات فيها ( المسابقات الثقافية ، الدروس ، الكلمات ، حفلات السمر ، ... ) .
6- على الداعية أن يتحمل أخطاء المشاركين ، وأن يكون عنده البديل الجاهز لأي برنامج قد يعتذر عنه من كُلِّف به .
7- أن يتسم الداعية بحسن التصرف في أمثال هذه المواقف ، وأن يكون حكيماً في معالجتها .
• توزيع المشاركين في الرحلة إلى مجموعات أو شُعب ، وينبغي أن يراعى في هذا التقسيم :
أ / مراعاة العدل في تقسيم أصحاب المواهب والطاقات بين الشُعب .
ب / مراعاة فارق العمر بين المشاركين .
ج / أن يكون التقسيم مبني على معرفة مسبقة بالمشاركين من حيث أعمارهم وقدراتهم ...
د / يفضّل أن تتم عملية التقسيم قبل الوصول إلى مكان الرحلة .
• إنهاء الرحلة قبل قضاء الوطر منها ، لأن ذلك يحيي في النفس حب التشوّق للمزيد والتشوّق إلى رحلة أخرى .
(نقلاً عن شبكة الفجر)
==========
الجواب النبوي
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها " فقال قائل: " أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟!! " قال: " بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوّكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن " قالوا وما الوهن يا رسول الله؟ " قال: " حب الدنيا وكراهية الموت"(17/64)
هذا هو الجواب النبوي للحال الذي وصلنا إليه نحن الذين نسمى بالمسلمين وقد امتلأت بيوتنا بالمحرمات وأصبحنا نلهث وراء الدنيا وملذاتها ونفضلها على الآخرة نجتهد في السهر على الأفلام والمسلسلات والمباريات ونتكاسل عن قيام الليل ولو بركعات قليلة نصحو في آواخر الليل لموعد مع المعاصي وننسى أو نتناسى أن الله ينزل في هذا الوقت فيقول: " هل من مستغفر فاغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل وهل....ونحن نتحدى بالمعاصي ونستجيب لنداء الشهوة والشيطان ونتغافل عن نداء الخالق الغني الجبار ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نعم نحب الدنيا ونقاتل من أجلها فكيف ينصرنا الله؟ قلوبنا ملئت بالأحقاد والحسد والضغائن لا نحب الخير لإخواننا المسلمين ننقم من قضاء الله ونتأفف ونثور نخاف من الموت لأننا لم نستعد له ونعيش في لهو مستمر حتى نتناساه وإن جاءنا بغتة قلنا: " رب ارجعون لعلي اعمل صالحاً في ما تركت " ولكن هيهات.
أحبتي في الله:
علينا بإصلاح أنفسنا وإعلان التوبة النصوح من كل ذنب كبر أم صغر ذكرنا أم نسينا جهرنا به أو لم نجهر.. علينا أن نعيد النظر في حياتنا ولا نجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، علينا أن نجتهد بالطاعات ونتنافس على الفوز بالفردوس الأعلى، علينا أن نطهر قلوبنا مما علق بها من ضغائن وأحقاد، علينا أن نحرص على أن يكون مأكلنا وملبسنا من المال الحلال ليستجيب الله لدعائنا، علينا أن نربي أبناءنا تربية إسلامية بمنهج نبوي لا منهج غربي، علينا أن نتعلم كيف ننصح لا كيف ننتقد ونفضح، علينا أن نغرس في أنفس أبناءنا العزة والكرامة وحب الموت في سبيل الله، علينا أن نستعد لمواجهة قريبة مع أعداء الله بإبعاد أبناء هذا الجيل عن المفسدات من مخدرات وأفلام ماجنة ومسلسلات، علينا أن نتحد نجتمع نتفحص ونشخص ثم نخطط لخلق جيل بهمة أجيال الصحابة والتابعين، علينا أن نأخذ التهديدات بجدية أكبر وننتبه من المنافقين ونحذر، علينا بتوقير العلماء واتباعهم وترك الجهلاء ونبذهم، علينا بترك التكفير والانشغال بنشر هذا الدين العظيم، علينا بمواجهة أنفسنا بدلا من إلقاء اللوم على الحكام والمسئولين ومتى ما صلحنا صلح ولانتا وصدق رسولنا الكريم حين قال: " كما تكونوا يول عليكم " فلنبدأ من الآن فالموت قد يأتي بغتة ولن ينفعنا التسويف.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين.
اللهم آمين
http://saaid.net المصدر:
=============
الصندوق الدعوي
كثير منا لديه أشرطة محاضرات أو دروس امتلأت بها مكتبته أو أدراج سيارته، وحار في كيفية إيصالها لإخوانه كي تعم الفائدة ويبقي الأجر جاريا بإذن الله - تعالى -.
الأدوات المطلوبة:
علبة كبيرة من الكارتون المقوى أو البلاستيك.
ختم ينقش عليه: - الصندوق الدعوي هذا وقف لله - تعالى - يرجى إيداعه في المسجد أو إعطائه لغيرك ليستفيد منه
قلم تلوين للكتابة على الصندوق
الطريقة:
يستحسن أن يكون الصندوق مغطى بالورق المقوى كالذي يستخدم في مجلات الحائط، أو تجليد خالي من الصور أو الرسومات ذات الأرواح المحرمة.
يكتب على الصندوق التالي:
الصندوق الدعوي:
هنا توضع الأشرطة الإسلامية والكتيبات والمطويات التي فرغت منها، ليستفيد منها غيرك من المسلمين أو أي صيغة ترونها مناسبة، يتم ربط الختم بالصندوق لتختم به الأشرطة التي توضع في الصندوق.
ضع هذا الصندوق في مكان مناسب
في المسجد
في العمل
في العمارة
الخ...
مشروع الصندوق الدعوي:
بالإمكان التعاقد مع إحدى المطابع المختصة لعمل أشكال وأحجام مختلفة من الصندوق الدعوي، تماثل الصناديق التي تستخدمها شركات التوصيل السريع ليتم توفيرها في المكتبات والتسجيلات الإسلامية بأسعار رمزية.
http://saaid.net المصدر:
===========
يا أيها الإرهابيون اتحدوا
حامد بن عبدالله العلي
تعالوا معي نرجع عبر التاريخ، ولنتخيل أننا تحت تأثير آلة ترجع بمن يركبها إلى الماضي، فألقت بنا إلى لحظات مما مضى من تاريخنا، وأننا نعيش الآن في أوائل القرن الماضي، نستنشق عبق أصالته في أزقة يافا، فلها حضور أخّاذ ساحر على النفس والروح، في شتاءها الجميل، وقد ألقت الشمس بضوءها على أرضها الخضراء المباركة، في رونق بديع، يملأ العين بهجة، والقلب روعة.
لكن هذا الحلم الجميل، وهذه الروعة، ما لبثت حتى انقلبت إرتياعا، فقد أفضت بنا هذه الآلة إلى حدث غريب:
المكان: يافا
الزمان: 16 نوفمبر 1918م
الحدث: حفلة عيد احتلال الجيش البريطاني للمدينة
يقف الشيخ راغب أبو السعود الدجاني قاضي حيفا، فيلقي خطابا يضمنه الشكر والثناء العاطر على دولة بريطانيا وجيشها المظفر منقذ البلاد!!
ثم يقف الشيخ يعقوب البخاري شيخ الزاوية النقشبندية في القدس، ويهدي إلى قائد القوات البريطانية المحتلة " طبقا صينيا " ثمينا، وينشد هذين البيتين:
إلى القائد الأعلى اللنبي بعثتها ** هدية حب وهي صحن من الصيني
بعثت بها ذكرى لآثاره التي ** يدونها التاريخ أحسن تدويني
ثم نقلتنا الآلة فجأة إلى قبل ذلك بعام في القدس:
المكان: القدس
الزمان: ديسمبر 1917م
الحدث: في هذه السنة تطلق بريطانيا وعد بلفور، واللنبي يلقي خطابا في أهل القدس إثر احتلالها في ديسمبر 1917م، فيخرج المفتي كامل الحسيني غاضبا قبل نهاية الحفل، ويتبعه الكثيرون؛ لأن اللنبي حدث في خطابه عن الحروب الصليبية في القرون الوسطى منهيا كلمته بقوله" "واليوم انتهت الحروب الصليبية ".
ثم إلى بعد ذلك وفي عام 1920م
المكان: القدس
الزمان: 4 ابريل 1920م(17/65)
الحدث: الحاج أمين الحسيني وعدد من الزعماء الفلسطينيين يلهبون المشاعر في خطب حماسية في مؤتمر " موسم النبي موسى "، ويقوم أحد اليهود بتلويث أحد الأعلام الإسلامية، فيهاجمه المشاركون في المؤتمر، وتنطلق أول انتفاضة فلسطينية.
ثم بعد ذلك بعام
المكان: القدس
الزمان: يونيو 1921م
الحدث: هربرت صموئيل المندوب السامي يرسل إلى وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل يحذره فيه أن مشايخ وعلماء المسلمين سيقدمون على أخذ زمام المبادرة والحلول محل السياسيين في قيادة التحريض والثورة ضد الحكومة، إذا لم تتدخل بريطانيا، لمنع أن يأخذ علماء الإسلام زمام المبادرة في قيادة الجماهير إلى الجهاد.
ثم ألقت بنا إلى العراق فشهدنا أثناء ذلك:
القوات البريطانية تحتل العراق منطلقة من الكويت والخليج.
المكان: الفلوجة
الزمان: 1920 م
الحدث: الشيخ ضاري المحمود شيخ عشيرة زوبع ووالد الشيخ حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين، يقتل القائد الإنجليزي.
ثم تشتعل الثورة على الإنجليز.
ثم نفيق ونقفز إلى نحو ثمانين عاما بعد هذه الأحداث ونرى واقعنا:
تشتعل الانتفاضة المباركة بعد تلويث شارون للحرم القدسي.
الرئيس الأمريكي يعلن الحرب الصليبية.
ويحتل العراق من الكويت والخليج.
يهلل مشايخ ومفتون لأمريكا المنقذة، ويصفون من يجاهدها بالإرهاب.
يخرج الرئيس بوش فجأة فيتحدث في مؤتمره الصحافي بعد مباحثاته مع شارون ـ الذي وصفه بوش بأنه رجل سلام وأنه يتعجب كيف لم يشكره العالم حتى الآن على إنجازاته العظيمة!! ـ عن إنكار حق العودة للاجئين وإنكار مرجعية حدود 67 كأساس للتسوية في الشرق الأوسط، ومباركته إبقاء المستوطنات في الضفة الغربية.
ملقيا بذلك، ليس فقط بخارطته هو شخصيا المسماة خارطة الطريق، وليس فقط بحزمة من القرارات اليائسة، للأمم المتحدة البائسة، التي طالما شكلت أساسا للمفاوضات الكاذبة، 242، 338، 194، 181، بل وبكل مؤتمرات وقرارات السلام المزعوم طيلة عقود من الزيف والخداع، ويطلق المراقبون على ما قاله بوش بأنه وعد بلفور الثاني.
وتشتعل الفلوجة مرة أخرى ضد الاحتلال الأمريكي.
التاريخ يعيد نفسه، حذو القذة بالقذة.
لكن ثمة فرق واحد هذه المرة.
نهوض الأمة في وجه الصهيوصليبية العالمية، تقوده راية الجهاد العالمي هذه المرة، راية محمد - صلى الله عليه وسلم - المظفرة المنصورة.
والشهداء يشيّدون بدماءهم تيجان المجد من نور العزة، بشعار الله أكبر.
ومنذ سقوط الخلافة، لم تنهض راية جهادية عالمية، مستبصرة بنور الوحي، منتشرة في العالم الإسلامي، لا تبتغي سوى نصر هذا الدين، مثل هذا الجهاد المبارك المنتشر في بلاد الإسلام.
ولهذا فإنّا مستبشرون بنصر الله - تعالى - لهذه الراية المباركة، لأنها قامت لله - تعالى -، وبالله - تعالى -، وعلى الله، في وقت تكالبت عليها قوى الشر كله، يقودها اليهود الذين وعد الله - تعالى - أن يعود عليهم بأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا عادوا إلى العلو والفساد في الأرض، وقد عادوا فعدنا.
عدنا بهذه الراية الجهادية المباركة التي لا يضرها من خالفها، ولا من خذلها، بل هي ماضية يفتح الله - تعالى - عليها، ويلقي في قلوب حملتها الصبر والثبات، وفي قلوب أعداءها الرعب والخوف، ولا يزيد أمرها إلا عزا، ولا أمر عدو الإسلام المتربص بها إلا خذلانا وعمى والحمد لله.
فيا أخوتاه لنشكر لله - تعالى - على هذه النعمة التي فتح الله - تعالى - بها على أمة الإسلام، أن مكنها من الجهاد، وأذن لها به، وألبسها لامته، وأعزّها به، ولنمرغ وجوهنا بالتراب متضرعين إلى الله - تعالى - أن يبقي هذه الراية خفاقة، ويجعلنا في جنودها، وأن يجعل عاقبتها النصر والفتح المبين، لأنها راية الحق التي بها ينصر الدين، لا من أجلنا، فلسنا لذلك بأهل فنحن الخطاؤون المقصّرون.
ولنتذكر قصة الإمام المجاهد نور الدين زنكي، عندما التقت قواته في (حارم) بالصليبيين الذين كانوا يفوقونهم عُدة وعدداً، فانفرد نور الدين - رحمه الله - تحت تل حارم، وسجد لربه - عز وجل -، ومرّغ وجهه، وتضرع وقال: "يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك، أيش فضول محمود في الوسط؟ ".
يقول أبو شامة: "يشير نور الدين هنا إلى أنك يا رب أن نصرت المسلمين فدينك نصرت، فلا تمنعهم النصر بسبب محمود إن كان غير مستحق للنصر، و بلغني ـ يعني أبو شامة ـ أنه قال: اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً.. من هو محمود حتي ينصر؟ "
وحكى أبو شامة قائلاً: "وبلغني أن إماماً لنور الدين رأى ليلة رحيل الفرنج عن دمياط في منامه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له: أَعْلِمْ نور الدين أن الفرنج قد رحلوا عن دمياط في هذه الليلة، فقال: يا رسول الله، ربما لا يصدقني، فأذكر لي علامة يعرفها، فقال: قل له بعلامة ما سجدت على تل حارم وقلت: يا رب انصر دينك ولا تنصر محموداً، من هو محمود الكلب حتى ينصر؟ ".
قال فبهت ونزلت إلى المسجد، وكان من عادة نور الدين أنه كان ينزل إليه بغلس، ولا يزال يتركع فيه حتى يصلي الصبح، قال فتعرضت له فسألني عن أمري، فأخبرته بالمنام وذكرت له العلامة، إلا أنني لم أذكر لفظة الكلب، فقال نور الدين: أذكر العلامة كلها و ألح علي في ذلك، فقلتها، فبكى ـ - رحمه الله - ـ وصدق الرؤيا، فأرخت تلك الليلة، فجاء الخبر برحيل الفرنج بعد ذلك في تلك الليلة" مختصر كتاب الروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة، 140(17/66)
ويا أيها الإرهابيّون بحقّ، المجاهدون في سبيل الله، اعتصموا بالله - تعالى -، واصبروا على الدرب، وا تحدوا تحت هذه الراية، لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وأرهبوا بها كما أمركم الله - تعالى - أعداء الإسلام، وافتحوا عليهم بها نيران الغضب، وبراكين العذاب: " قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ".
وأبشروا يا أهل الجهاد، فوالله لن تكون عاقبة هذا الجهاد إلا خيرا ورشدا على أمة الإسلام، ووالله ما يحاربه إلاّ من أخلد إلى الأرض، أو غره تقلب الذين كفرو في البلاد، وقد قال - تعالى -عنهم: " وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ".
25-04-2004
http://www.h-alali.net المصدر:
===========
هل وعى الدعاة ما أقول ؟
كمال بن عبد اللطيف الدعيس الكاتب
إن الدعوة إلى الله روح ينفخها الداعية عبر كلماته، وابتساماته، وأعماله، في ميادين أيامه.
وهذه الروح تجري في البدن جريان الدم في العروق، فَتُضيِّق الخناق على الشيطان، وتهجم على القلب فتتمكن منه، ولكن تمكَّن الحاني عليه، والمشفق مما أصابه، فتنفض عنه غبار الغفلة، ليتمكن من رؤية السماء في سموها، والدنيا في دنوها، فيميز الحق والباطل.
وداعية ليست فيه هذه الروح، إنما مثل ما يقدمه كجنين استكمل خلقه. آية لله في الجمال، ولكنه سِقط لا روح فيه!! فما مصيره بعد تقليب الأيادي له إلا أن يوارى في التراب ثم ينسى، أو وينسى. فأي قلب يقبل الميتة؟
قال - تعالى -: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سورة الشورى 52].
قال الزمخشري: يريد: ما أوحى إليه؛ لأن الخلق يحيون به في دينهم كما يحيى الجسد بالروح. (الكشاف 4/227). ويقول الأستاذ سيد قطب: ((روحاً من أمرنا)).. فيه حياة، يبث الحياة ويدفعها ويحركها وينميها في القلوب وفي الواقع العملي المشهود. (الظلال 5/3171).
وهذه الروح لها تأثير الغيث على الأرض المستعدة للاستفادة والإفادة، وهذا ما عناه مالك بن دينار - رحمه الله - فقد كان يخاطب أهل القرآن فيقول: (يا أهل القرآن، ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع القلوب كما أن الغيث ربيع الأرض). -تفسير القرطبي 16/37- وقد جاء في الحديث المتفق على صحته ما يؤكد هذا المعنى، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة: قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب: أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا.. الحديث متفق عليه.
إن النائحة الثكلى ليست كالنائحة المستأجرة، والسلاح بضاربه لا بحده، والتبر إنما غلا بعد صياغته، ومروره بنار الفتان، والشجرة التي تزرعها في القلوب، قوَّتها في ثباتها، ونتاجها في ثمارها، وحنانها في ظلها، واستعلاؤها في سموها، لا تعمل بها الريح إلا أن تنكفئ بحكمة ثم تعود وتعاود.
قال - تعالى -: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (إبراهيم: 24-25).
ومن هنا كان الذي ينفخ الروح في الدعوة هو أنت أيها الداعية، والروح التي أعني هي الإيمان الصادق الذي يلهب كل حرف تصوغ منه كلمةً فضلاً عن جملة، والروح التي أعني هي العاطفة الجياشة التي تَقْدُم للأسماع، وكأنها الجيش الذي لا قِبَلَ لجنود إبليس بها، الروح التي أعني هي التربية الحقيقية، وليس الانتهاء من أوراق الصفحات في الكتب، والمحاسبة على عدد الأشرطة التي تُسمع. نحن لا نريد مثقفين فقط، بل نريد مربين، يحملون الراية جيلاً بعد جيل، فهل وعى الدعاة ما أقول؟
جميل أن نبني دعوتنا بأساليب الإدارة الحديثة، وجميل أن ننجز في دعوتنا برامج عديدة، وجميل أن نتخذ لدعوتنا طرقاً مبتكرة، تواكب العصر، ولكن الأجمل بلا مقارنة أن تخرج هذه الأمور وقد دبت فيها روح الدعوة، والتربية الإيمانية. فنرى أثر هذه الأمور في قلوب من ندعوه وليس في أعماله فقط. فلو أننا خاطبنا القلوب لأصغت إلينا الأعمال، وأتت وهي طائعة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب. رواه البخاري. وكما قال عثمان رضي اله عنه: (لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله - عز وجل -) -رواه أحمد في الزهد وابن عساكر-.
فلنراجع أنفسنا، ولنقوِّم مسارنا، ولنصلح التقصير، ثم لنكمل المسير.
24/04/2004
http://www.ala7rar.net المصدر:
==========
هكذا علمنا السلف ( 70 ) ليس السنة بالرد عليهم بل هجرهم
د. يحيى بن إبراهيم اليحيى(17/67)
عن حمد بن أبي الحواري قال: قال لي عبد الله بن البسري - وكان من الخاشعين - ما رأيت قط أخشع منه: «ليس السنَّة عندنا أن ترد على أهل الأهواء، ولكن السنَّة عندنا أن لا تكلم أحداً منهم»(1).
الإمام أحمد يرسم منهجاً في الموقف من أهل الأهواء وعدم الانشغال بأهل البدع والرد عليهم:
قال أبو علي حنبل بن إسحاق بن حنبل: «كتب رجل إلى أبي عبد الله - رحمه الله - كتاباً يستأذنه فيه أن يضع كتاباً يشرح فيه الرد على أهل البدع، وأن يحضر مع أهل الكلام فيناظرهم ويحتج عليهم، فكتب إليه أبو عبد الله: بسم الله الرحمن الرحيم، أحسن الله عاقبتك ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي كنا نسمع وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم أنهم كانوا يكرهون الكلام والجلوس مع أهل الزيغ، وإنما الأمور في التسليم والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله أو سنة رسول الله لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ لترد عليهم، فإنهم يلبسون عليك وهم لا يرجعون، فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم، فليتق الله امرؤ وليصر إلى ما يعود عليه نفعه غداً من عمل صالح يقدمه لنفسه على المحال فيه وطلب الحجة لما خرج منه بحق أو بباطل ليزين به بدعته وما أحدث، وأشد من ذلك أن يكون قد وضعه في كتاب قد حمل عنه، فهو يريد أن يزين ذلك بالحق والباطل وإن وضح له الحق في غيره، ونسأل الله التوفيق لنا ولك والسلام عليك»(2).
---------------------
(1) الإبانة 2 / 471.
(2) الإبانة 2 / 471 - 472.
http://www.taiba.org المصدر:
===========
التوازن عند الشباب ( 1 )
الشيخ عبد الكريم النابهي
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً - اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، اللهم زدنا علماً وعملاً وفقهاً في الدين.
أيها الأحبة في الله: إن موضوع التوازن أيها الأحبة موضوع طويل؛ لأنه يشمل جميع جوانب هذا الدين.
فالتوازن هو الوسطية وهو الاعتدال في جميع جوانب الحياة، وإنما هي نقاط سأتكلم عليها في هذا اللقاء، وساختصر في بعض الجوانب، كتعريف التوازن، وبيان أهميته، وما هي نتائج عدم الاتزان، وما هو العلاج، وذكر بعض الوقفات مع أمور يحتاج فيها الشاب إلى توازن فيما إذا اختلطت عليه بعض الأوراق.
فالتوازن: مادة وزن تدور حول التجاذب والاستقامة، ووزن بمعنى (اعتدل).
أما اصطلاحاً: فالتوازن هو: إعطاء كل شيء حقه من غير زيادة ولا نقصان.
بين يدي الموضوع:
يعد التوازن من الأشياء العزيزة سواء في المجتمع ككل، أو على مستوى الدعاة؛ لأن النفوس (كل النفوس) تحتوي على أنواع من داخلها، وغالباً ما تنزع صاحبها إلى الأمور التي ترتاح إليها، ومن هذه الصفات ما هو خير، ومنها ما هو شر، فبحسب النوازع تكون شخصية الإنسان، والكلام هنا مع أناس لهم نوازع لكنها في الغالب نوازع خير، والمراد إيجاد توازن لهذه الأمور، وهو ما يسمى بالاستقامة أو الحكمة.
إذن فالتوازن يعد نادراً على مستوى المجتمعات؛ لأن كل نفس تحتوي على نوازع من الداخل، نوازع خير، ونوازع شر، وما نريد أن نسلط الضوء عليه هو مع فئة من الناس الغالب على نوازعها من الداخل نوازع خير لكن اختلطت هذه النوازع، فأريد أن نضع بعض الأمور و نسلط بعض الضوء على وجوه التوازن في هذه الأمور مع هذه الفئة.
أهمية التوازن:
تبرز أهمية التوازن في أمور:
1- أن أبواب الخير مفتوحة وكثيرة جداً، وميادين السباق لدخول الجنة كثيرة جداً، فيحتار المسلم في ترتيب الأولويات منها، والأخذ بها وبجماحها، وربما رامها جملة فذهبت جملة، وربما تنقل فيها فلم يرها بواحد منها.
2- قلة وندرة الشخصية المتكاملة الجامعة لجميع الصفات، فقد تجد رجلاً مثلاً مشهوراً بالزهد والورع والوعظ فهو متخصص في هذا الجانب فقط، ورجل آخر متخصص في العلم وربما في فن معين، فيستفيد منه الناس والصحوة في هذا الجانب فحسب، ورجل آخر مشهور بالإنفاق، وآخر مشهور بالجهاد، وآخر مشهور بالإصلاح بين الناس، وآخر مشهور بالسعي في مصالح المسلمين وغيرها، لكنه يحمل صفة هو بارز فيها وهي التي يجيدها، فلا يستفاد منه في الغالب إلا في هذه الصفة فحسب، ونادراً ما تجد الشخصية المتكاملة التي هي - بإذن الله سبحانه وتعالى - مرجع الناس في فتاويهم، وتربيتهم، وتوجيههم، وحل قضياهم، وما من داع إلا ولهذه الشخصية سهم فيه، ولننظر إلى شخص المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذي تمثلت فيه شخصية الرجل المتكامل، فهو العابد، وهو الداعية، وهو المنفق، وهو الشجاع، وهو المجاهد، وهو المهتم بأسرته وبيته، وهو المتابع لأتباعه والمهتم بقضياهم، وهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - شخصية متكاملة في جميع الجوانب، وهكذا ربى أصحابه - رضوان الله عليهم - وهكذا التابعون من بعدهم والأئمة الذين باتت شخصياتهم شخصيات متكاملة في جوانب شتى، من جوانب العلم، والمعرفة، والدعوة، والإنفاق، والجهاد، والعبادة ونحو ذلك، ولذلك تجد أن كثيراً من الشباب اليوم ربما اشتكى وبكى ونحو ذلك، وهو لا يزال في حلقة تحفيظ ومثَّل نفسه كأنه إمام دولة إسلامية بهذا العمل - وهذا ليس بعيداً بإذن الله تعالى-! لكن أين بقية الأعمال؟ أين هؤلاء الذين اكتملت شخصياته، والذين حملوا تلك الصفات المؤهلة لقيادة الأمة؟.
3- ما تراه اليوم من خلط في كثير من المفاهيم، فمثلاً ترى عدم التوازن بين طلب العلم وبين الدعوة، عدم التوازن بين العاطفة والواقعية، عدم التوازن بين النزعة الفردية والنزعة الجماعية، في تقدير المصالح والمفاسد، خلط في تقدير العلماء وتقديس العلماء.(17/68)
4- عدم التوازن بين إعطاء النفس حقها وإعطاء الدعوة حقها، وإعطاء الأهل حقهم وإعطاء العلم حقه وهكذا، وكذلك عدم التوازن بين إعطاء الدنيا حقها وإعطاء الآخرة كذلك حقها، وهكذا عدم التوازن بين متطلبات الأجل القريب والهدف البعيد، وعدم التوازن بين الأخذ بالأسباب والنظر للإنتاج، فالبعض لا بد أن تكون عنده الأسباب مساوية للنتائج وإلا ترك العمل، والآخر ركن وأوهم نفسه أنه لا دخل له بالنتائج ودعاه ذلك إلى أن يترك النظر في الأخذ بالأسباب الصحيحة والتي غالباً تؤدي إلى نتائج- ولا تتخلف نتائج الأسباب إلا لأمر ما، إما لأمر اختاره الله - سبحانه وتعالى - أو نحو ذلك - فهذا أيضاً خلط، وكذلك عدم الاتزان في العلم بين العلم العيني وبين العلم الكفائي، وبين ما هو الأهم وما هو المهم، وخلط أولوياته في طلب العلم، وكذلك ما تراه من عدم التوازن في فتح باب الحوار على مصراعيه للجاهل والعالم - وكل من أراد أن يخوض في باب الحوار فليخلص -، وبين إغلاق باب الحوار والرد بالكلية، وهكذا عدم التوازن في فتح باب التقويم والرد لكل من هب ود، فترى الجاهل يرد على العالم، والصغير يرد على الكبير، والتقويم للعلماء وكذا كبار السن وحدثاء الأسنان ونحو ذلك، وبالمقابل دعوة لإغلاق باب التقويم والرد على العلماء بالكلية، وهكذا أيضاً عدم التوازن في النظر إلى طبقات المجتمع عند الداعية، وأن يعطي كل مرحلة حقها، وكل طبقة ما يناسبها، وهكذا أيضاً عدم التوازن في مفهوم فقه الواقع أو ما يسمى بالوعي، فبعضهم يتجاوز فيه الحد، وبعضهم يزهد فيه، وهذا خلط، ولعل هذه المفاهيم يراها الكثير، وهي مظاهر واضحة جلية للجميع.
لذلك تبرز أهمية هذا الموضوع:
5- ما يجد الشاب أو الداعية من اشتياق النفس إلى تحطيم الأجور، فإذا جلس في مجلس يحثُ فيه على علم تحمس لطلب العلم وربما ترك كل شيء، وإذا سمع خطيباً تكلم عن الإنفاق و ( سبق أهل الدثور بالأجور )، فلربما ترك طلب العلم والدعوة لكي يسهر على الدعوة إلى الله وينفق ونحو ذلك، وإذا سمع خطيباً يتكلم عن الجهاد في سبيل الله وما للشهيد ونحو ذلك تحمس وذهب للجهاد في سبيل الله، وإذا سمع وقرأ عن سير أولئك الأسلاف الذين كانوا يقومون الليل، ويصومون النهار، وورع اللسان ونحو ذلك ربما اشتاقت نفسه إليه في تحقيق هذه العبادة، فتختلط عليه الأوراق، فمرة علم، ومرة جهاد، ومرة دعوة، ومرة عبادة، ومرة مال، وربما رامها جمعياً فذهبت جميعاً، وربما أخذ بعضها وهي مهمة، ولكنه ترك الأهم أو انشغل بالمفضول عن الفاضل، ولذلك ظهرت هذه النتائج التي تروها اليوم.
شباب اعتكفوا على طلب العلم فقط وتاركوا الدعوة، وأناس يعملون في حقل الدعوة لكنهم بغير علم، وكذلك اهتمامهم بالآخرين وتركهم للنفس، أو اهتمامهم بالنفس وتركهم للآخرين، وهكذا اهتمام بعلم دون علم، اهتمام بواجب وترك واجبات، وقد ظهرت جماعات تهتم بجانب من جوانب الدين وتربي عليها أو عليه أفرادها وتترك جوانب أخرى، اهتمام بالسياسة، اهتمام بالتزكية، اهتمام بالجهاد، اهتمام بكذا وترك جوانب أخرى ينبغي أن يتربى عليها المسلمـ وينبغي أن يرتب فيها أولوياته.
هذه الأمور هي التي جعلتنا نتكلم في هذا الموضوع وغيرها من النقاط التي تبين أهمية التوازن في حياة المسلم.
بتصرف يسير: http://www.islamselect.com
===========
التوازن عند الشباب ( 2 )
الشيخ عبد الكريم النابهي
التوازن في بعض الأمور:
حتى يكون طالب العلم على بصيرة:
1- التوازن بين العلم والدعوة: لا بد أولاً أن نعترف ونقر أن هناك ضعف علمي واضح على مستوى الأمة، فالناس بين جاهل معرض لا يعرف لماذا جاء، ولا إلى أين يسير، جاهل معرض عن الله - سبحانه وتعالى -، وعابد بغير علم، وطالب علم غير مؤصل، وآخر يجيد فن دون فن، وقليل هم العلماء الملمُّون بشتى العلوم والجوانب، وهذا له أسبابه ومظاهره واضحة، وليس هذا المقام مقام علاجه.
وأما أمر الدعوة فالمقصود فيها واضح جلي على كافة المستويات قلة في الدعاة وعدم قيام الدعاة إلى الله - سبحانه وتعالى - بواجبهم الكامل المطلوب منهم، وطغيان الفساد وانتشاره، وخبرة قنواته وغير ذلك، ومن هنا نشأ الخلط، فمن رأى قلة العلماء والمتأصلين عكف على الكتب وعلى التأصيل وعلى الطلب، وعلى التنقل بين الكتب والمشائخ والبلدان، وآخر نظر إلى الخطر الذي يداهم الأمة، وإلى المآسي والفساد والانحلال، ونظر في عواقب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك فانطلق إلى الدعوة على ضعف علم، بل ربما بغير علم - أرأيتم من أين نشأ الخلل -، وأناس رأوا أن العلماء قليل، وأن المتأصلين قليل فكبوا على العلم ليل نهار سنوات طويلة وهو يتنقل من كتاب إلى كتاب، وهكذا طيلة عمره وهو يتنقل في طلب العلم ينظر أن العلماء قلة، وآخر نظر إلى الفساد وإلى وسائل الإعلام في هدم الدين وإلى تشويه الصحوة؛ فربما انطلق إلى الميدان وإلى الدعوة بغير علم، فحصل هنا عدم توازن وخلل، ونحن نقول أيها الأحبة: الرصيد العلمي أساس لا بد منه إذا لا تتصور دعوة بغير علم، وفاقد الشيء لا يعطيه.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "إذا كانت الدعوة إلى الله - تعالى- أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها، فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، ولا بد من كامل الدعوة من البنود العلم إلى حد يصل إليه السعي، والخوض في غمار الدعوة وميادينها فيما لا علم للداعي به تترتب عليها آثار وخيمة. (مفتاح دار السعادة).
وقال ابن القيم - رحمه الله -: العالم بغير عمل كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح.(17/69)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى-:" والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلاً وضلالاً واتباعاً للهوى، وأكثر ما يفتتن به الناس التصرف الخاطئ الذي يصدر من بعض الجهلاء من أهل العبادة والصلاح؛ لأن الناس يحسنون الظن بهم لعبادته وصلاحه، ويقتدون به على جهله"، وقال ابن القيم - رحمه الله - أيضاً: " أكثر ما يفتتن به الناس هم أولئك الصلحاء "، - هم أولئك الذين يظهرون للناس أنهم حملة هذا الدين، الصلحاء لماذا؟-؛ لأنهم يحسنون الظن بك، وبعبادتك فيقتدون بك، ويفتتنون بأعمالك.
وقال ابن القيم:" فكيف بهذا يقتدون به من أثر حاله، فكيف بالداعية الذي يوجههم بحاله ومقاله، لا شك أن افتتانهم به أكبر وأشد؛ لأنه يتكلم ويدعو ويعظ ويخاطب ونحو ذلك، فمن تكلم بغير علم أفسد أكثر مما أصلحوا - والعياذ بالله - "، ومن هنا جاء التبيين في العلم وفضله حتى يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى - عن الفقهاء:" أنهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدى في الظلمة، حاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم (أي الناس) من طاعة الأمهات والآباء". (أعلام الموقعين عن رب العالمين).
ما هو المطلوب من الداعية؟
ليس بالضرورة أيها الأحبة أن يكون الداعية عالماً جامعاً لكل العلوم، وليس من شروط الدعوة تمام العلم، بل استيفاءه ما بقدر عليه منه، وليست الدعوة مختصة بالعلماء وحدهم دون غيرهم، بل كل من علم من أحكام الإسلام شيئاً دعا إليه، وكل من علم منكراً وعرف دليل حرمته نهى عنه، وإن لم يكن الأمر كذلك تعطلت الدعوة، ومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا لم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر حتى نعلم جميع جزئيات الدين، وحتى نعلم كل منكر بدليله فإن الدعوة تتعطل، ويتعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن كل من علم واجباً بدليله يجب أن يبلغه، وكل من علم منكراً بدليل حرمته يجب أن ينهي عنه، والدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - كما هو واضح مشروط لأهل العلم، والعلم ليس شيئاً واحداً لا يتجزأ وإنما هو بطبعته يتجزأ ويتبعض، فمن علم مسألة وجهل أخرى فهو عالم بالأولى جاهل بالثانية، وبالتالي تتوفر فيه وجوب الدعوة إلى ما علم دون ما جهل، ولا خلاف بين الفقهاء أن من جهل شيئاً أو جهل حكمه أنه لا يدعو إليه لأن العلم بصحة ما يدعو إليه الداعي شرط لصحة الدعوة، وعلى هذا فكل مسلم يدعو إلى الله بالقدر الذي يعلمه، وهذا واضح من فعل الصحابة - رضوان الله تعالى - عليهم، فالطفيل بن عمرو الدوسي وأبو ذر الغفاري وغيرهم هم من السابقين للإسلام، لكن كم بقوا عند المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ونحن أيضاً نعلم ونقرأ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح البخاري: "بلغوا عني ولو آية".
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -:" نظَّر الله امرئً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" وما هذا البيان أيها الأحبة إلا لندرك الداعية وقد تصدر للوعظ والإرشاد والتربية، فهو مطالب بقدر من العلم والثقافة تعينه على مهمته، وتؤهله لها، وتلخيص المهم في حياة الداعية في العلوم التي يحتاجها الداعية في جانبين مهمين:
1- الجانب الشرعي: وعندما أتكلم عن الداعية أو الدعوة فإنه ينبغي لطالب علم وداعية أن يأخذ أكبر قدر من العلوم؛ لأنه متصدر للفتوى، متصدر للوعظ، متصدر للإصلاح بين الناس، متصدر للخطابة، متصدر للتدريس ونحو ذلك، فلا بد أن يكون عنده قدر كاف لحمل هذه المهمة، وهناك جانب يشترك فيه جميع الناس فقد قيل: فرض عين على كل من أراد أن يعمل عملاً أن يتعلم حكمه، طبيباًً أو مثلاً جزاراً أو بائعاً، فلا بد أن يتعلم أحكام هذه المهنة التي يقوم بها، فالداعية لا بد أن يكون عنده على الأقل الحد الأدنى من العلوم الشرعية الأساسية ومن ذلك:
أولاً: علم العقيدة: فينبغي لطالب العلم أن يأخذ كتاباً يقرر عقيدة أهل السنة والجماعة وهو معتمد عندهم، وربما وصل كثير من الشباب إلى مستويات متقدمة من العلوم الأخرى وهو لا يتقن أولوليات هذا الفن، وهذه مصيبة كأن تجد شاباً درس الطحاوية وهو لا يعرف شروط لا إله إلا الله، وقد يعلم في أي كتاب هي موجودة لكن لا يحفظها، ولا يعلم كثيراً من نواقض الإسلام، ولا يعلم الأمور المتقدمة التي ينبغي له أن يتقنها ويتدرج فيها كما سيأتي.
ثانياً: علم التفسير وهذا العلم كما ذكر العلامة الألباني - رحمه الله تعالى - أنه علم شبه مهجور عند كثير من الشباب، فتجد شاباً لا يعرف ربما كثيراً من مدلولات الفاتحة، وآخر لا يعرف بعض الجزئيات في جزء عم، أو بعض معاني الكلمات، وقد يرى نفسه أنه شيخ الإسلام ابن تيمية ولو سئل: ما معنى تبت، ما معنى والعاديات ضبحاً، ما معنى غثاء أحوى، ومما سئل به أحد الأخوة ما معنى التحيات لله، قال: التحيات لله تعني التحيات لله، وهذا عيب في حق طالب العلم أن لا يعرف معاني بعض الكلمات في التفسير، فكان لزاماً أن يأخذ كتاباً ويعرف ويبحث عن معاني وتفسير كلمات في كتاب الله - سبحانه وتعالى -.
ثالثاً: يمر على بعض كتب الحديث ومختصراتها، ولذلك يقول الذهبي - رحمه الله تعالى -: " من نصائح طالب العلم: الاهتمام بالحديث النبوي الشريف كالنظر في الصحيحين"، وذكر العلماء أن الواعظ والخطيب والمتكلم له أن يطيل النظر في كتاب رياض الصالحين، وللمفتي كتاب بلوغ المرام، وفي الأذكار كتاب النووي، وفي الشمائل كتاب الترمذي، وهذه من أهم الكتب التي ينبغي لطالب العلم أقل شيء أن يكون على بصيرة في هذه الكتب في علم الحديث.(17/70)
رابعاً: في الفقه: عليه أن يدرس مختصراً في الفقه، ثم يضيف ما يحتاج من الأبواب على مذهب من المذاهب الأربعة المشهورة.
وهنا يظهر الضعف واضحاً في علم الفقه عند كثير من الطلاب والدعاة لماذا؟
لأنهم لم يتأصلوا في الفقه، وغالباً ما تجد الشاب يذهب معك في الفقه إلى الطهارة والصلاة، وإذا كان إماماً وصل إلى باب العبادات، أما المعاملات فإذا جئت تسأله في بعض المصطلحات في المعاملات فربما لا يعرف بعض البيوع وغيرها من المسائل، فتجده ربما أخذ قسطاً أو جزءاً دون جزء.
والطريقة الصحيحة كما قال العلماء في هذا الفن أن يأخذ متناً من متون مذهب معين ثم يكمله ويفك ألفاظه، ثم بعد ذلك يضيف ما يتعلمه من الترجيحات وغيرها من الكتب الأخرى والدروس على المشايخ والعلماء هذا أمر مهم.
المصدر : http://www.islamselect.com
==========
المتلونون !!
الدكتور فيصل بن سعود الحليبي
هكذا يريدنا الله - تعالى - مصبوغين بصبغةٍ واحدة، لونها أجمل الألوان وأحسنها،
{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}، إنها صبغة الدين الحق، والعبادة لله وحده، والتسليم له في كل الأمور، والسير على جادة واضحة لا اضطراب فيها ولا خلل، ولا تبديل فيها ولا تغيير.
ويأبى جملة من الخلق إلا البحث عن غير هذه الصبغة الكاملة، ليقع اختيارهم على ألوانٍ موغلةٍ في النقص والبشاعة:
فمنهم: من انسلخ من ملة الحنيفية إلى ملل الكفر أو الشرك، {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ}.
ومنهم: من تلوّن بلون التوحيد وبطّنه بالكفر، أو تلوّن بلون الإخلاص وأخفى به الرياء؛ وما ذاك إلا مخادعة لله وللمؤمنين، {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا. مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}.
ومنهم: من غرّته ألوان الدنيا الباهرة، وزخارفها الغرّارة، فانساق يلوّن نفسه بكل لون، ولو كان على حساب دينه أو خلقه، لهثًا خلف سراب الدنيا وحطامها الزائل، وإنه لمن شر الناس صبغة ولونًا، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: « إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ » رواه البخاري.
ومنهم: من أسلم نفسه للناس يلوّنونه كيف شاءوا ومتى ما شاءوا، فأولئك هم الإمعة، الذين حذّر الرسول - صلى الله عليه وسلم - منهم فقال: « لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً؛ تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا » رواه الترمذي وحسّنه.
وإن منهم: من يصطبغ بصبغة الإيمان والتقوى، لكنه ما إن يتعرض لنار الفتن وبلاءها أعاذنا الله منها إلا غيّر صبغته إلى لونٍ ربما يقيه من حر الفتنة في الدنيا، لكنه لا يقيه من حر جهنم في الآخرة، يقول الله - تعالى -: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}.
وأخيرًا: لنجدد صبغة الله في أنفسنا وفي مجتمعنا، ولنبحث عن مواطنها في كتاب الله - تعالى -، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولنمتثل بها، ولنستقم عليها، ولنميّز شخصياتنا بالثبات على الحق، ولننبذ التقلب والتلوّن، ولنحذر ألوان الطيف التي تبدو برّاقة جذّابه.. ولكن على فقاعات الصابون..فإنها سرعان ما تزول!!
http://www.islamway.com المصدر:
===========
هل سبق وذهبت إلى تركيا ؟
إذا تيسر لك ذلك فيما سيأتي من الزمان فانطلق إلى مدينة اسطنبول في منطقة تسمى 'فاتح' واسأل هناك عن مسجد اسمه 'صانكي يدم' وعندما تجده قف أمامه طويلاً وتأمله، وأنا أقص عليك حكايته.
يروى الأستاذ الفاضل 'أورخان محمد على' في كتابه الشيق 'روائع من التاريخ العثماني' قصة لأقرب اسم جامع في العالم 'صانكي يدم' وترجمتها بالعربية: 'كأنني أكلت' 'افترض أني أكلت' وراء هذا الاسم الغريب تختفي قصة أغرب يحكيها لنا الأستاذ الفاضل 'أورخان' فيقول:
'كان يعيش في منطقة 'فاتح' في اسطنبول شخص اشتهر بالورع اسمه 'خير الدين كجي أفندي' وكان هذا الرجل عندما يمشي في السوق وتتوق نفسه لشراء فاكهة أو لحم أو حلوى يقول في نفسه 'صانكي يدم' 'كأنني أكلت'. ثم يضع ثمن تلك الفاكهة أو اللحم أو الحلوى في صندوق له ومضت الأشهر والسنوات وهو يكف نفسه عن كل لذائذ الأكل ويكتفي بما يقيم أوده فقط. وكانت النقود تزداد في صندوقه شيئًا فشيئًا حتى استطاع بهذا المبلغ الموفور القيام ببناء مسجد صغير في منطقته، ولما كان أهل المنطقة يعرفون قصة الرجل وكيف أمكنه بناء المسجد مع فقره أطلقوا عليه اسم 'جامع صانكي يدم' أو 'جامع كأنني أكلت'.
عزيزي الشاب:
لا تخش شيئًا لست أحكي هذه القصة كي أطالبك بالامتناع عما لذ وطاب من الأطعمة والأشربة ولكن لأنبهك أن شهوتك تبني فلا تجعلها تدمر، وتبني وتقيم لا لتدمر وتهدم وتفسد، فلا يخلق الله شرًا محضًا، إنه أنت من جعلها شرًا بتوجيهها إلى غير ما أراد الله وأحب.(17/71)
الشهوة ليست شرًا ولا غولاً ولا وحشًا إذا هاج حطم كل الحواجز والحدود بل هو طاقة أودعها الله الجسد لتصرف في مصارفها فتستقيم الحياة وتتزين.
إذن من أين تأتي مأساتنا مع الشهوة؟
إنها تنبع من تصوراتنا حولها وحول مجتمعنا والصواب والخطأ والحلال والحرام وفوق ذلك كله جهلنا بحقيقة أنفسنا ومنابع القوة فيها ووسائل استنفاذها من براثن الجهل والوحل واليأس.
إنني على يقين لا يقبل أدنى شك أن الإنسان خلقه الله - تعالى - لعمارة الأرض وتحمل مسئولية باقي المخلوقات بأن يعاملها بشرع الله - تعالى - من جماد وحيوان ونبات، هذا الإنسان لا يمكنه أن يقف عاجزًا أمام شهوة قد أسلم القياد لها إلا بمحض إرادته ورغبته.
هل تملك حيوانًا أليفًا في منزلك؟
لقد دخلنا الكثير من البيوت التي ترى هذه الحيوانات الأليفة فرأيناها تختفي بمجرد رؤيتنا وتستحي من مقابلتنا، وإذا ظهرت لنا ظهرت معها الوداعة والرقة والألفة كلها، ودخلنا بيوتًا أخرى كنا بمجرد مد أيدينا لمداعبة الحيوانات المرباة فيها نفاجئ بعودة أيدينا مخدوشة أو مجروحة، ونحن لم نمدها إلا للألفة والمداعبة. فما الفرق؟
تبين الفرق بسؤال أهل البيت عن كيفية التعامل مع هذا الحيوان فتأتيك الإجابة أعجب من العجب، إننا نحمله ونضربه في الحائط.. نمسكه من ذيله ونجعله يدور حتى يدوخ.. إلخ.
وعلى الجانب الآخر ترى في البيت الأول تعاملاً شديد الآدمية والرقة والاحترام... وهكذا الشهوة.
يا من علمت شهوتك الافتراس... شهوتك تحتاج أن تروض لتنال الأدب الذي هتكته أنت، ويا من لم تؤذ شهوتك ولم تعلمها الافتراس انتبه فقد قيل 'علمته الرماية فكنت أول من رماني'.
إننا ونحن نخاطب شباب الإسلام حول قضايا الشهوة إنما ينبغي أن نتنبه أننا إنما نخاطب نوعين رئيسيين من الشباب:
الصنف الأول: نوع لم يهتك شهوته وحاجز عفته بأي شكل من أشكال التجاوز والتعدي، وهما قطاع عريض من شباب الأمة لا يستهان به مع أنهم غير ظاهرين للعيان، فإلى هؤلاء يكون الخطاب كيف تصون أمانة الله لك؟
كيف تحفظ عقلك حتى تكون يوسف هذا الزمان؟
ما الطريق وما العقبات وكيف نعبرها؟
من المعين ومن يؤذي؟ وما مداخل الشيطان وكيف تغلق وتقاوم؟
والصنف الثاني: شاب من الأمة أزلهم الشيطان فزلت أقدامهم فهتكوا عفتهم وتجاوزوا حدهم واعتدوا {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُون َ}.
وهؤلاء ليسوا شيئًا واحدًا بل هم درجات، فمنهم من يصل به التعب مداه وتبلغ شهوته أوجها فيندفع إلى تصريفها فيما حرم الله ولا يصبر.
ومنهم من يستثير شهوته وهي ساكنة ويوقظ الصور النائمة في مهدها ويدفع نفسه دفعًا بمحض إرادته وبغير ضغط إلى ارتكاب ما حرم الله - تعالى -، وهتك عفته إما استهتارًا وهو الأغلب الأعم أو عادة أو غيرها.
والغرض من هذا التقسيم ليس في إيجاد المبررات لنوع دون الآخر ولكن لكي يحسن الشاب تصنيف نفسه في مسألة الشهوة حتى يمكن تحديد وسائل الحل والتعامل مع النفس والعلاج.
ولتنتبه إلى قاعدة جليلة [إنما الأعمال بالنيات] فقد يرتكب اثنان ذات المعصية فيغفر لأحدهما ولا يغفر للآخر، فلا تعظم نوايا الفساد في المعصية وإياك وجلد الفاجر.
فائدة أخرى في هذا المقام: أن بعض من يهتكون عفتهم يضعون حدودًا هي في الأصل ليست شرعية لكنها توحي بوجود بقية من حياء وجزء من استحياء ما زال ينبض ولكنه لن يسافر من بلده إلى بلد آخر [من مدينة لأخرى] سيعصي ولكنه لن يحافظ على علاقة مستمرة للمعصية، سيعصي لكنه لن يفعلها في بيت أبيه وأمه، وأن يكون سببًا في عدم طهارة بيت أبيه وأمه وإخوته، سيعصي ولكنه سيحافظ على أمه وأخته هذا بالتأكيد أمره قريب والأمل فيه كبير.
وعلى الجانب الآخر يقف نموذج عجيب تسأله، أو بالأصح أن تسأله إذا كان يرضى ما يفعله لأمه وأخته فتكون الإجابة نعم لا دخل لك أنت.
وآخر يهتك حرمة البيت الذي تربى فيه، ويصلي فيه أبوه وأمه وإخوته بغير استشعار لعظم الجرم في ذلك.
وهذا النوع يحتاج إلى مراجعة أكيدة ووقفة حاسمة فعما قريب إذا لم يدرك نفسه ستقع الطامة باختلاف شكلها هدانا الله وإياه.
إذن فلا بد أولاً من تعرف جيد على أنفسنا قيمتها، حقيقة دورها، قدراتها وإمكانياتها، وشكلها، وهي تتجاوز حدها وتعتدي على نفسها، فهذه أولى خطوات الحل الحقيقي وتحصيل الحياة الطيبة {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النحل: 97].
وختامًا عزيزي الشاب: لا تنس نصيحتي عندما ييسر الله لك زيارة تركيا أن تتوجه إلى مدينة الإسلام [إسلام بول ـ اسطنبول] عاصمة الخلافة العثمانية وتسأل هناك عن منطقة تسمى 'فاتح' وتبحث فيها عن مسجد 'صانكي يدم' وتقف أمامه وتتأمله، ومع أنني في الحقيقة لم أره إلا أني على يقين أنه في غاية الجمال فهو شاهد على نفس أرادت... فحققت ما أرادت.. وصبرت... فنالت ما أملت، وطمعت.. فأدركت الأجر والثواب إلى يوم القيام بإذن الله.. ورأت الفجر بازغًا في ظلمة الليل فأيقنت.. أكرمك الله وثبتك وأعانك وهداك.
أخي الشاب: 'شهوتك تبني فلا تجعلها تدمر'
الأحد 14صفر 1425هـ - 4 ابريل 2004م
http://links.islammemo.cc المصدر:
===========
بين الداعية والدعيّ
شادي الأيوبي(17/72)
كثير من الناس في هذا الزمن يخاطبون العامة في المساجد ويرفعون أصواتهم بالدعوة إلى الله بين الجماهير ويسمون أنفسهم أو يصفهم غيرهم بالدعاة إلى الله؛ لكنهم أبعد ما يكونون عن الدعوة إلى الله من حيث يشعرون ولا يشعرون، وما الشكاوى التي تنطلق اليوم ضد الكثير من القائمين على المساجد والجمعيات الإسلامية، والنفور من التعامل مع بعضها الآخر إلا صورة للأزمة التي يسببها هؤلاء بإبعادهم الناس عن العمل الدعوي بل عن الالتزام بالدين في أحيان أخرى.
ومن المعروف اليوم أن كثيراً من الناس ولأسباب كثيرة وإن كانت غير صحيحة لا يفرقون كثيراً بين المبدأ والشخص الذي يدعو له، ويخلطون بين الأمرين بشكل كبير؛ مما يوجب على الداعين إلى الله أن ينظروا كثيراً في تصرفاتهم وأن يقدروا أن أفعالهم وأقوالهم تحسب عليهم من قبل الكثيرين، وأنها تنعكس سلباً أو إيجاباً على من يعرفهم، ومن الأمور السيئة أن الكثيرين من أصحاب القلوب المريضة لا همّ لهم إلا تتبع عثرات الناس خصوصاً الذين يدعون إلى الله والتشهير بهم وتسليط الأضواء على أخطائهم وعيوبهم.
والفرق بين الدعاة والأدعياء يمكن أن يلاحظ للعارفين عند مسائل منها:
التعامل المالي:
فالأدعياء مهما تكلفوا في مصانعة الناس تراهم عندما يتعلق الأمر بالمعاملات المالية يضيقون صدراً ويبتعدون عن المسامحة ويطالبون بكامل حقوقهم وربما أخذوا أكثر من حقوقهم في كثير من الأحيان، ويا له من تناقض فج بين الدعوة إلى التسامح والتعامل بمبادئ الإسلام السمحة في البيع والشراء والقضاء والواقع الذي يعيش فيه هؤلاء.
الانتقام للنفس:
وعندما يتعلق الأمر بحق شخصي مادي أو معنوي فهم لا يتساهلون بأي شكل وتثور ثائرتهم لأقل خطأ من الطرف المقابل؛ بينما يتفننون في تبرير تصرفاتهم وأخطائهم ويتبجحون بتهجمهم على الآخرين وكأنهم حققوا بذلك نصراً عظيماً.
الانتصار للرأي:
والأدعياء يضيقون صدراً بسماع الرأي المقابل؛ فضلاً عن أن يقتنعوا أو يعملوا به، ويقعون في جدالات عقيمة تدوم أوقاتاً طويلة لا فائدة عملية منها، لكن الكبر المسيطر في نفوسهم يجعل من المستحيل عليهم التسليم بصحة الرأي الآخر.
إساءة التصرف عند الخلاف:
وهذا داء مرير يقع به الكثير من الناس، فتراهم عندما يصادقون شخصاً ما يبجلونه ويعظمونه أيما تعظيم وكأنما صار خالياً من العيوب والمثالب، فإذا انقلبت الصداقة إلى سوء فهم أو خصومة، طووا صفحة الحسنات ونشروا صحيفة السلبيات وأمعنوا في ذكر المساوئ وأفحشوا في الكلام، حتى يخيل للسامع أن الطرف الذي يجري الكلام عنه شيطان من المردة جدير بأن يختفي عن الأرض حالاً.
عدم الغيرة على الإسلام:
والدعاة الحقيقيون إلى الله يظهرون حقاً عند اشتداد الأزمات والحاجة إلى مواقف الرجال الحقة، حينها فقط يبدو من بكى ممن تباكى، أما الأدعياء فساحات نضالهم فارغة خاوية، وعندما تحتاج الأمور لوقفة حق وكلمة صدق فهم إما يتهربون وإما يقعون في فخ الترغيب والترهيب ويبررون الأوضاع غير السليمة.
الاستغراق في التنظير والبعد عن الأمور العملية:
والدعي لا يمكن أن يكون رجلاً عملياً ولا أن يقدم للأمة شيئاً عملياً أبداً، فتراه في المجالس، بل جل ما يقدمه أن يغرق السامعين في النظريات والفلسفات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
الكبر الواضح في الأقوال والأعمال:
والناس لا يخفى عليهم المتكبر من المتواضع، والمتصنع لا يمكن أن يتصنع أبد الدهر بل لا بد أن يظهر من مواقفه ما يدل على حقيقة نفسه.
ولا بد في النهاية من الإشارة إلى أن الموضوع على قدر من الأهمية؛ لأن النتائج لا تأتي على الأدعياء وحدهم، بل تنعكس على العمل بأجمعه وترجع به إلى الوراء؛ بل إن تصرفات خاطئة لا يحسب فيها حساب الجماعة وينتصر فيها للنفس كثيراً ما تأخذ أعمالاً استغرق بناؤها سنوات عديدة، وهذا ما حدث ويحدث في الكثير من الأماكن على الساحة الإسلامية اليوم.
http://islameiat.com المصدر:
===========
سبع عبر مما غبر
الشيخ حامد العلي
قد ذم الله - تعالى - الذين يمرون على آياته الكونية وهم غافلون، كما قال: " وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون".
وقد كان فيما جرى الأيام الماضية آيات للسائلين، ما كان حدثاً عابراً، بل كان والله تصديقاً لما في الكتاب، وعبراً لأولي الألباب، فلنذكر من ذلك سبع عبر.
الأولى:
تقلب الدنيا بأهلها، وأنها لا تدوم على حال، وليتأمل العاقل كيف يجعل ربُّ كل شيء ـ إن شاء - سبحانه - ـ من كان عزيزاً مهيباً، ذليلاً وضيعاً، كما قال - تعالى -: " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير".
وفي كتب التاريخ: قال عبد الملك بن عمير، وكان قاضياً على الكوفة بعد الشعبي : كنت عند عبد الملك بن مروان بقصر الكوفة، حين جيء برأس مصعب بن الزبير فوضع بين يديه فرآني قد ارتعت لذلك، فقال لي : ما لك، فقلت : أعيذك بالله يا أمير المؤمنين، كنت بهذا القصر مع عبيد الله بن زياد فرأيت رأس الحسين بن علي أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بين يديه في هذا المكان، ثم كنت فيه مع المختار بن أبي عبيد الثقفي، فرأيت رأس عبيد الله بن زياد بين يديه، ثم كنت فيه مع مصعب بن الزبير هذا فرأيت رأس المختار فيه بين يديه، ثم هذا رأس مصعب بين يديك، قال : فقام عبد الملك من موضعه وأمر بهدم ذلك الطاق .
فكم بعد هذه القصة من ملوك بالعراق، قد ذهب ملكها، وانتظم في عداد الهلكى سلكها، وها نحن نرى بأم أعيننا من مثل ذلك، ما فيه عظة للمتعظين.(17/73)
ومازالت الدنيا تبين سوءتها هذه لبني آدم، وتظهر حالها للناس، ولكن أكثرهم لا يعقلون، فهم يتهافتون عليها تهافت الفراش على النار فلا يعتبرون، ولاهم يذكرون إلا الذين آمنوا وعلموا الصالحات وقليل ما هم.
وإنه لحري بالعاقل ألا يقيم لها وزناً، إذ هي لاتزن عند الله جناح بعوضة، فعلى العاقل أن يجعلها معبراً إلى الآخرة، ويبيعها ليشتري جنات عدن، وأربح التجارة الجهاد في سبيل الله قال - تعالى -: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة... " الآيات.
إن انتصار الأمة في هذا العصر الذي تداعت فيه الأمم على الإسلام، لن يكتب إلا لمن باع الدنيا بالآخرة، لأولئك الذين وصفهم الله - تعالى - بقوله: " لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا"
الثانية:
ومن العبر ما نراه من انخداع كثير من الناس بوسائل الإعلام، وانقيادهم لها بغير وعي، كأنها ملكت عقولهم، ولهذا تجد هؤلاء المسحورين، ينظر أحدهم إلى الصورة التي أعدها المحتل الصليبي لتبثها وسائل الإعلام، ينظر إليها كأنه هو الذي وقع عليها بنفسه، فوجد الحقيقة كما هي من غير تزييف ولا تحريف! لا على أنها ما أراد المحتل أن يريه الناس!
والواقع أن المحتل الصليبي الحاقد قد ضمن الصور التي بثها، رسائل ظاهرة تلتقطها العقول الفارغة الفاغرة فاها لأي خبر، وأخرى خفية يلتقطها اللاوعي، وقد حددها العدو المحتل بدقة وخبث لتؤدي دورها في تشكيل العقول، والتأثير على النفوس، وتخدم مشروعه الشيطاني في بناء امبراطورية الصليب المتهودة المتصهينة في العالم.
والمسلم العاقل اللبيب عندما يرى الصور الإعلامية التي يبثها عدوه، فإنه يقرأ ما فيها من خداع ومكر وكيد عدوه، ويستفيد من ذلك في إعداد نفسه لمواجهته، ويوظفها في معركته التي يمثل فيها الحق، ولا ينظر إليها كالأبله، أو كأعمى ينقاد للذي يقوده لا يدري أعلى طريق جائر هو، أم سبيل قاصدة، ولا ينبغي أن يسمح لها أن تتوغل إلى عقله، فتلوثه بكيد الكافرين، ولهذا نبه الله - تعالى - بعض المؤمنين إذ كانوا سماعين لما يريده العدو بغير وعي منهم لما في ذلك من الأثر الخطير على قلوبهم، قال - تعالى -: " وفيكم سماعون لهم".
إن واجب علماء الشريعة اليوم أن يضعوا حدا لاستبداد الأنظمة العربية، ويطالبوها بإصلاحات سياسية جذرية، تمنع تكرار مأساة ما حدث في العراق
وقد ذكرنا طرفاً من رسائل الكيد الذي تضمنتها الصور التي بثها المحتل للرئيس العراق المخلوع جواباً على سؤال منشور في ركن الفتاوى، وقد كانوا أشد شيء حرصاً ألا يموت عدوهم أو يقتل، بل يبقى حياً؛ ليحولوه إلى مادة إعلامية يسخرونها، وقد بدؤوا بإظهاره في صورة المستسلم المهين وهو بلحية كثّة، ثم وهو أسير ذليل محلوق اللحية، في "ترميز" خبيث لا يخفى غرضه.
ثم إنهم سيسخرون قضية محاكمته لإلحاق مزيد من الهزيمة النفسية إلى أبعد مدى، ويستفيدون من ذلك فيما أطلقوا عليه " الحرب العالمية على الإرهاب " ويقصدون الإسلام، ولينفثوا زفرات من حقدهم إذ باؤوا بالفشل في أفغانستان، وأبقى الله عليهم من يسوؤهم من قادة الجهاد في الأمة.
ولكن هيهات أن يبلغوا ما أرادوا، ووشيكاً ـ بإذن الله وحوله ـ سيتبين أن هذا الزيف الإعلامي ما هو إلا فقاعات فارغة، ونصر زائف، لم يصنع شيئاً، سوى آثار نفسية مؤقتة عابرة، ذلك أن المخلصين من أبناء الأمة، على وعي تام أن المعركة أصلاً لم تكن بين الغرب الصليبي وبين حزب البعث صنيعته، بل بين الغرب والإسلام، فالمعركة لازالت على حالها، لم يتغير منها شيء، وهي باقية إلى آخر الزمان.
فالحرب قد دارت رحاها قبل مجيئهم للعراق بين عصبة الجهاد أهل التوحيد، وشياطين الصليب المتهوّد وهي لا زالت، بل عادت جذعة كما بدأت، فأهل الصليب يُطاردون كما كانوا مطاردين، وأهل الجهاد بين حسنييهم وسيبقون كذلك، وإن كانوا يألمون فأعداؤهم أيضاً يألمون، غير أن أهل الجهاد يرجون من الله مالا يرجوه أعداؤهم، وما فعل الصليبيون بالعراق لا يعدو خسراناً جديداً لهم، ولتعلمن نبأه بعد حين.
الثالثة:
انكشاف حقيقة اللعبة الخبيثة التي تلعبها " مافيا " الصليبية العالمية المتحالفة مع الصهيونية، وأن زعماء المنطقة قد سُخروا لهذه المافيا تسخيراً، فهي تلهو بهم كما تلهو ببيادق الشطرنج، ذلك أنها تشركهم في جرائمها، ثم تجعلهم يشهدون مصرع من يتمرد عليها متهمة إياه بأنه مجرم يلقى جزاءه، بينما هي زعيمة الإجرام العالمي كله، وإليها يرجع كله، وهي التي تزرع الإجرام في الأرض، غير أنها تعاقب من لا يخضع لها، كما فعلت في حاكم العراق، لتعطي بقية العبيد بذلك درساً يجعلهم يزدادون انحناء لها وركوعاً، وطاعة وخنوعاً، وكذلك يفعلون.
الرابعة:
انكشاف حقيقة أن الشر الأكبر، بل ينبوع الشرور كلها في هذا العصر، هو هذا الغرب الصليبي الصهيوني، وأن جهود الأمة يجب أن تتوجه لجهاده وكسره، فقد غدت هذه هي أعظم أولوياتها، وأكبر مسؤولياتها التاريخية، ذلك أن من أخبث وسائل هذه الصليبية الصهيونية الغربية، أنها تصنع الطغاة بطريق مباشرة أو غير مباشر بدعمهم وتقويتهم، وتحركهم لتحقق بهم أطماعها الخبيثة، حتى إذا قضت بهم حاجتها، فإما أن ترميهم وتتخلص منهم، أو تحولهم إلى وقود لعبة جديدة، كما تلعب هذه الأيام بلعبة محاكمة صدام حسين وتوجهها وتستثمرها إعلامياً لتحقيق أهدافها.
الخامسة:(17/74)
الأحزاب العلمانية العربية التي اتخذت منهج التمرد على خالقها، والإعراض عن ذكره سبيلاً لنهضة الأمة، لا ولن تخرج الأمة من محنتها، ذلك أنها لا تصمد أمام التحديات الكبيرة، فسرعان ما يتبين زيفها، فتتهاوى تحت وتيرة الخيانات التي تهرع إليها قادتها، عندما يلوح لها بريق الذهب، وزينة الحياة الدنيا.
إن انتصار الأمة في هذا العصر الذي تداعت فيه الأمم على الإسلام، لن يكتب إلا لمن باع الدنيا بالآخرة، لأولئك الذين وصفهم الله - تعالى - بقوله: " لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً"، والذين وصفهم بقوله: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوارة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتهم به وذلك هو الفوز العظيم".
ذلك أن هذه الأمة أخرجت لتكون أمة الآخرة، التي بعثت رحمة للعالمين، فهدفها وسر وجودها هو إنقاذ الناس من عذاب الآخرة، بإعلاء كلمة الله - تعالى - في الأرض، ونشر النموذج الوحيد الكفيل بتحقيق سعادة الإنسان في حياته الأخرى، وأما ما يحدث في الدنيا من الآثار الطيبة لهذا الهدف فهي تأتى تبعاً لا أصلاً، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخشى على أمته أن تفتح لها الدنيا؛ لأن ذلك من شأنه أن يلهيها عن رسالتها الأساسية.
السادسة:
وبضدها تتبين الأشياء، فليتأمل العاقل في ضوء ما ذكرناه حال أولئك القادة الأبطال المشردين في رؤوس الجبال، الذين لم يكن لهم قط قصور يتمتعون فيها بأنواع النعيم، ولا ملك يعظمهم فيه من يبتغي ما في أيديهم من حطام الدنيا، ولا يتمثل لهم الناس قياماً كلما دخلوا أو خرجوا أو قاموا أو قعدوا، ولا عظم عندهم أهل النفاق على قدر نفاقهم، كما هو حال تلك الأحزاب العربية التي ملكت آلة الدولة، عندما أذن لها طواغيت الغرب بذلك، ليحولوا دولهم إلى أدوات يحركونها حيثما اتجهت أطماعهم لينالوا بها ما كتب لهم من حظوظ الحياة الدنيا، يتمتعون ويأكلون كما تأكل الإنعام والنار مثوى لهم.
بل أولئك المجاهدون الأبطال نمط آخر، وصنف عال، وصنعة إلهية، رجال قد هوت إليهم أفئدة المخلصين من أبناء الأمة لصدقهم وتخلصهم من شوب الدنيا، وبذلهم مهجهم وأنفسهم ليخلصوا أمتهم من ذلها، وليبقوا رأسها عزيزاً في زمن الاستضعاف، فقلوبهم معلقة بما عند الله - تعالى -، وثَمّ أملهم الأكبر في القناديل المعلقة تحت عرش الرحمن، فبهؤلاء وأمثالهم سينصر الله - تعالى - هذه الأمة، بل هي اليوم منصورة بهم، هم صيحتها صيحة الحق العزيزة في وجه الكفر والطغيان، وهم نبضها الحقيقي، ونورها الوضاء، في وسط هذه الظلم المدلهمة، وهم الطائفة التي بشر بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنها ستبقى مهما اشتدت غربة الإسلام، تقاتل الكفر وأهله معلنة استمرار بقاء الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن النصر والعاقبة له لا محالة.
السابعة:
وأخيراً فإن من أعظم العبر المستفادة، إن أهم واجب على علماء الشريعة اليوم أن يصدعوا بمعارضة الطغيان والاستبداد، فقد رأينا كيف اتخذه الأعداء ذريعة لاحتلال بلاد الإسلام، فهذا من شؤم الظلم والاستكبار.
وإنه مما يثير الأسى حقاً أن يقترف بعض المنسوبين إلى علم الشريعة الغراء، أكبر فرية على دين الله - تعالى -، عندما يوظفون توقيع شريعة الله - تعالى -العظيمة التي نزلت لإخراج العباد من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد، ومن الجور والاستبداد إلى العدل والهدى والرشاد، يسخرونه لأنظمة الاستبداد والجور، ويقولون للناس:
إن هؤلاء الطغاة المستبدين الظلمة الموالين لأعدائكم، هم ولاة أمركم فصفقوا لهم ما حييتم، وأما ظلمهم واستبدادهم فهو قدر، قد مضى عليكم بسبب ذنوبكم، فلا تعترضوا عليه!
وقد هيؤوا بهذه الفرية أكبر ذريعة للتدخل الأجنبي في بلاد الإسلام، فلا جرم هم شركاء في وضع الأمة في هذا الموقف المهين.
إن واجب علماء الشريعة اليوم أن يضعوا حداً لاستبداد الأنظمة العربية، ويطالبوها بإصلاحات سياسية جذرية، تمنع تكرار مأساة ما حدث في العراق، وأن يجاهدوا لمنح الشعوب حقوقها، وحرياتها المشروعة، وأعظم ذلك أن تحكم بشريعتها وتجاهد أعداءها.
وأن يضعوا حداً لجعل السلطات كلها بيد من لا يسأل عما يفعل!
وأن يقفوا موقفاً شجاعاً أمام إرهاب الدولة وجرائمها التي لا تقارن بما يطلقون عليها " إرهاباً " هذه الأيام، لا من جهة الكم ولا الكيف، وأن يأخذوا على يد العابثين بثروة الأمة، يستأثرون بها، ويعبثون بمكتسبات الأمة لمصالحهم الشخصية والعائلية والحزبية.
هذا هو واجب العلماء اليوم: السعي للتغير من داخل الأمة، تغيير الرأس ليصلح الناس، فمن رأس العين يأتي الكدر.
لا أن يلقوا باللوم كله على الشعوب المسكينة المقهورة، والغاضبين من أبناء الأمة المخلصين.
ولا أن يهللوا لاستبداد وظلم الدولة، وهو قائم على سوقه، قابض على صولجانه بالظلم والباطل، قد غشي ظلمه الصغير والكبير، والشريف والحقير.
ولا أن يسمحوا لأنفسهم أن يكونوا جزءاً من دولة الظلم والاستكبار، ثم يصيحون علينا في كل "فضائية" بالتنديد " بالإرهاب " وهم واقفون على منصة الإجرام والإرهاب الأكبر!!
إن عليهم أن يفيقوا من سباتهم، ويقوموا بواجبهم في أن يكونوا أول من يحدث التغيير المطلوب فيما هو من أكبر أسباب أزمات أمتنا، وهم هؤلاء الطغاة الذين أرهبوا الشعوب الإسلامية عقوداً طويلة، وأذلوا رقابها للإرهاب الصليبي الصهيوني العالمي.
لا أن يباركوا لهذا الطغيان حتى يتخذه أعداء الأمة ذريعة لاحتلال بلاد الإسلام.(17/75)
فمتى يفيقون من سباتهم؟؟
والله المستعان.
13/11/1424
http://www.almoslim.net المصدر:
============
في الوقت الضايع
الشيخ علي العمري
في الوقت الضايع... نريد أن ننهي كتابة المقال.
في الوقت الضايع... نريد أن نأتي بهدفين ليتم الفوز.
في الوقت الضايع... نريد أن نسلم البحث المطلوب تسليمه قبل شهر.
في الوقت الضايع... نريد أن نختم سورة الكهف كاملة قبل المغرب بخمس دقائق.
في الوقت الضايع... نريد أن نختم الأجزاء الثلاثة الأخيرة من القرآن قبل ضرب مدفع العيد بربع ساعة.
في الوقت الضايع... نريد أن نلحق الطائرة وقد أغلق الباب.
في الوقت الضايع... نريد أن نتحرك من بيوتنا للحاق بالموعد في وقته وبيننا وبينه 20 كم.
في الوقت الضايع... نريد أن نذاكر آخر عشرين صفحة من المقرر.
في الوقت الضايع... نريد أن نقطع التفكير الخاطئ وقد قررنا وحكمنا.
في الوقت الضايع... نريد أن نعتذر وقد سببنا كوارث.
في الوقت الضايع... نريد أن نتراجع ووراءنا ألف حق وحق.
في الوقت الضايع... نريد أن نندم ولا ينفع وقتها الندم.
في الوقت الضايع... نريد أن نتأكد من صلاح الأجهزة في قاعة الاحتفالات.
في الوقت الضايع... نريد أن ننادي الخبير ليصلح الخلل، والخلل موجود منذ أسابيع.
في الوقت الضايع... نريد أن ندعو الناس، والعشاء بعد ساعة.
في الوقت الضايع... نريد أن نعقد اجتماعاً، وقد وقع الفأس على الرأس.
في الوقت الضايع... نريد أن نفوز، وأن ننتج، وأن يصفق لنا الناس، وأن يشكرونا على الإبداع، وأن يحتفوا بنا.
في الوقت الضايع... نريد أن ننجز كل شيء وبكل إتقان، وفي الوقت الضائع نريد أن نتوب ونكون من الصالحين، وفي الوقت الضائع نريد السعادة.
وليتنا نسأل أنفسنا هذا السؤال البرئ:ألا يمكن أن ننجز كل ما سبق وأن نسعد وأن نفرح في الوقت الحقيقي الطويل وندرب أنفسنا على ذلك، بدل الوقت الضايع القصير؟!.
http: //islameiat.com المصدر:
=============
ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما
محمد حسين يعقوب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
كم يتملك الإنسان من أسى وحزن وحسرة حين يطالع أحوال المسلمين في هذه الأيام!! فكلمََّا لاحت في الأفق مسألة تمس شريعتهم لا تُعجب أعدائهم تراهم يلتمسون الأعذار ويتنكبون الطريق، لماذا يا قوم هذا الوهن؟ لماذا هذه النفسية المنهزمة دائماً؟ أما كفاهم غلبة عدوكم عليكم حتى تعودوا لدينكم، تعلون به الدنيا، وتشمخون بأنوفكم إنْ كنتم به مستمسكين، قال - تعالى -: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إنْ كنتم مؤمنين" {آل عمران-139}
لكن أصل البلية أنَّ المسلمين اليوم لم يعودوا يشعرون بأن دينهم هذا، دين عظيم، لم يعودوا يبصرون اعتداله ووسطيته، قال - تعالى -: "قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" {الأنعام-161} وقال - جل وعلا -: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً" {البقرة-143} ولا يرون كماله "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" {المائدة-3} ولا ينظرون بإجلال لقوله قال: "إنَّ هذا الدين متين" (1) ولا يعرفون أنَّ أحكامه وشريعته مبنية على اليسر "إن الدين يسر" (2) فالإحساس بعظمة الإسلام له دور مهم في صياغة الأمة الإسلامية؛ ولذلك نرى هوان الإسلام على أصحابه في هذا العصر لعدم تعظيم الإسلام في نفوس المسلمين، وعدم تعظيمهم لشرائعه وشعائره، قال الله - تعالى -: "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" {الحج-32} وإنَّما خفَّت عظمة الإسلام في نفوس المسلمين في هذا الزمان؛ نتيجة كثرة الأقلام المسعورة، والألسنة الحاقدة، والقلوب الخبيثة من المنتسبين إلى الإسلام الذين يهاجمون شريعته كلما واتتهم الفرصة، ونظرة عاجلة على مقالات كثيرة في الصحف تنبئك عن هذه الحملة المكثفة على عقائد المسلمين.
ومن أسفٍ أنْ دانت الأمور إلى أهل النفاق الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم في الرمية، وهؤلاء لا فقه لهم في الدين، يحكمون عقولهم التي تربت في كنف الغرب؛ للطعن في شريعة الإسلام، وقد قال: "خصلتان لا يجتمعان في منافق: حسن سمت ولا فقه في الدين" (3).
وقال: "الخير عادة، والشر لجاجة، ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين" (4).
إنَّ هذا الدين يحتاج أن يعاش؛ فإن الملايين الملينة من المسلمين الذين يعيشون تحت ضغط الظروف ومأساة الحصول على لقمة العيش السائغة لا يحتاجون إلى مجرد وعظهم وتذكيرهم بعظمة الإسلام بقدر ما يحتاجون إلى انتشالهم من ضغط الواقع الأليم؛ ليعيشوا الإسلام، إنِّه دين يحتاج أن نعيشه حقيقة، لا أن نتحدث عنه، ونعجب به ونتمناه، ونكتفي بذلك أحلاما وشعارات بل أن نعيشه حقيقة، فيعيش هو بنا وفينا ونعيش نحن نستمتع بعظمته في آفاق عالية؛ لذا كانت عظمة الصحابة أنهم استطاعوا أن ينزلوا بمثاليات الإسلام إلى أرض الواقع أو بتعبير أدق أن يرفعوا بالواقع إلى درجة المثالية.
أكتب هذا الكلام في أعقاب حج 1424 ه، بعد أحداث وقعت في منى عند رمى الجمرات هذا العام، وكالعادة تنظر إلى الجرائد والمجلات فكل من هب ودب ينتقد ويتشفى، ويقترح وينصح، ويلوم ويطعن، لكنني أرى الأمر فرصة لبيان عظمة الإسلام في استشهاد مئتين وأربعين حاجاً في ثياب إحرامهم، وهم يؤدون منسكا من المناسك، أقول وقد أمتن الله عليِّ بالحج هذا العام وبملء فمي وقلبي: ياليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما.(17/76)
نعم والله، وما يضير هؤلاء وقد باتوا بمنى يوم التروية، ثم وقفوا بعرفة طيلة النهار ملبين داعين خاشعين متبتلين ضارعين هاتفين: لبيك اللهم لبيك.
أتو ربهم لابسين أكفانهم، ثم باتوا بمزدلفة، وأصبحوا بالمشعر الحرام يذكرون الله أشد ذكرهم وآباءهم لرمى حجرة العقبة ولم ينقطعوا بعد عن التلبية.
ما ضر هذا الحاج أن يلقى حتفه تحت أقدام إخوانه من الحجاج وهو يمتثلون قول الله: "وعجلت إليك ربى لترضى" {طه-84}
ما ضر هذا الحاج أن لقي حتفه رغم أنفه بعد أن غفر له ما تقدم من ذنبه عشية عرفه، فلقي الله طاهراً مطهرا نظيفا جميلا، أليس هذا بعض السر في لبسه لباس الإحرام كالكفن أصلاً.
إنها أيها الأخوة ليست دعوة لأن نموت هناك، وإنما تحليل من قلب يبصر عظمة الإسلام في كل المشاعر والمناسك المقدسة، ألا ترون أنَّ اجتماع مليونين من المسلمين في ملبس واحد بنداء وهتاف واحد في مشهد يأخذ بالألباب يحمل في طياته رسالة موجهة إلى كل العالم أنَّ المسلمين لبسوا أكفانهم وينادون ربهم أتيناك، فليعقلها عقلاء القوم؛ فتعود إلى المسلمين هيبتهم في النفوس.
ألا تعتبرون شهادة هذه العشرات من المسلمين في سبيل الله على صعيد منى يحمل رسالة أخطر وأهم إلى كل أعداء الإسلام في كل مكان، فالذين سَيُمنعون الفهم هناك سيعلمون يقيناًَ أن هؤلاء المسلمين؛ أرواحهم أرخص شيء عندهم، يبذلون أرواحهم التي هي أغلى عند غيرهم من الدنيا وما فيها ليرضى عنهم ربهم.
نعم هذه نظرة أهل العزة والاعتزاز بالإسلام، أما المتخاذلون المنهزمون نفسياً؛ فإنهم يسارعون إلى الاعتذار وإيجاد المبررات، ونحن نقول لقومنا قبل غيرهم. فما مائتان وما خمسمائة وما ألف وما آلاف! في جنب ما يُقتلون كل يوم على أرض فلسطين وفى العراق وفى أفغانستان، وفى كل أنحاء العالم من المسلمين من يضيع دمهم هدرا في خيانات بذيئة، ويباع دمهم هدرا من أجل دنيا رديئة، شتان الفرق!!
وكم نسبة المائتين بل والخمسمائة إلى حوادث الطرق من شباب أرعن لا يقدر المسئولية في سيارات جاءت بالربا المحرم، فضاعت السيارات وضاع أصحابها.
هل عرفتم الآن سر تهويل القضية في مائتي شهيد؛ راحوا في ثياب إحرامهم يلقون الله يوم القيامة ملبين؟! السر يا قومنا في ضعف تنظيم الإسلام في النفوس، وهزيمة نفسية منكرة أمام شبهات الأعداء، وعدم فهم للمشاعر المقدسة، إنها يا قومنا رسالة أرادها الله أن تصل إلى كل العالم، أننا قوم رخصت دماؤنا في سبيل إقامة مشاعر ديننا، رسالة إلى العلمنة في وسائل الإعلام، وإلى أهل الحجاب في فرنسا، وإلى أهل التعذيب في العراق، وأمثال هؤلاء كثير، إنها رسالة من ربنا إلى أعدائه أن للدين حماة ورعاة يبذلون أرواحهم سهلة، ومهجهم رخيصة من أجل إقامة شعائر الدين وفرائض الإسلام. وما خسر هؤلاء الشهداء شيئا، يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيماًً.
http://www.altawhed.com المصدر:
===========
مجلة العائلة الممتدة
الدكتور يوسف السعيد
من آن لآخر يسعد الصف العربي والإسلامي ببزوغ فجر مجلة إسلامية جديدة على الساحة، منها ما يكون ذا محتوى لا يبعد كثيراً عن محتويات المجلات الإسلامية التي سبقته في الصدور، ومنها ما يعتبر ذا محتوى جديد على الساحة وليس له سابق، وله مذاق صحفي متميز عن غيره.
انطلاقاً من التعاون على البر والتقوى، فهذه رسالة إلى كل من يملك مقومات إصدار مجلة إسلامية، مفادها أنه حسب استقرائي البسيط للساحة الإعلامية؛ فإن الساحة تفتقر إلى مجلة باسم " عائلتنا الممتدة" تعنى بشؤون العائلة الممتدة، بخلاف المجلات التي تعنى بالأسر النُّووية، وتسعى جاهدة للحفاظ على تماسك الأسرة النووية في عالم يضج بالتحللات الأسرية ويضج بمحاولات جادة لتدشين قوانين أسرية مخالفة لشرع رب العالمين. [وثيقة مؤتمر السكان والتنمية، رؤية شرعية، د. الحسيني سليمان جاد كتاب الأمة العدد 53 جمادى الأولى 1417ه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قطر].
ويقصد بالأسرة النووية، تلك الأسرة التي تتشكل من زوج وزوجة وأولاد، أما الأسرة الممتدة أو العائلة الممتدة فيقصد بها جميع الأسر النووية التي تندرج تحت جد معين حياً كان أم ميتاً، مثال " عائلة آل عمران ".
فإذا كانت الأسرة النووية، المحضن الشرعي للطفل؛ فإن الأسرة الممتدة هي المحضن الشرعي للأسر النووية التي تتقاذفها التيارات العولمية لفكها وجعلها كعقد لؤلؤ انفرطت حباته، وقد وردت نصوص جمة لا تخفى على الجميع، فيما يتعلق بموضوع " الرحم" وصلته، ومكانته عند رب العباد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (الرحم شجنة من الرحمة تقول: يا رب، إني قُطعت، يا رب، إني ظُلمت، يا رب، إني أُسيءَ إليّ، فيجيبها: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟! ) رواه أحمد.
وهناك أيضاً حديث: (الرحم على يمين العرش)، أما الآيات فمنها قوله - تعالى -: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء: 1]، وكذلك في مواضع أخرى كثيرة منها [الأنفال: 75]، [الرعد: 8]، [الحج: 5]، [لقمان: 34]، [الأحزاب: 6]، [محمد 22]، [الممتحنة: 3]، [البقرة: 228]، [الكهف: 81].(17/77)
ومما ينبغي ملاحظته في هذا الصدد أن كثيراً من العائلات الممتدة في وقتنا الحاضر قد لا يملك مقومات الاحتضان الشرعي لأسره النووية ويغلب عليه التسيب والجهل بما يحيط بهذه العائلات وبمجتمعها وبأمتها الإسلامية، مما يضطر بعض الأسر النووية الناضجة إلى الانعزال أو الاتصال شبه التقليدي بعناصر عائلته الممتدة، وبعض الأسر النووية يعوض ذلك بالالتفاف حول بعض المنظمات الخيرية أو بعض التجمعات الصالحة أكثر من التفافه حول عائلته الممتدة، لذا فالعائلة الممتدة بشكل عام بحاجة إلى نوع من الصيانة والترميم، حتى تصل إلى ما يؤهلها للقيام بالمهمة المنوطة بها.
وباختصار نأمل من "مجلة عائلتنا الممتدة" أن تعمل مع قرائها وكتّابها - إن أذن الله لها بالبزوغ - على ما يلي:
1- إعادة بناء العائلات الممتدة لتصبح فاعلة بشكل إيجابي في مجتمعاتها على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والصحية.
2- استحداث ثوب عصري لكل عائلة ممتدة يناسبها، لتخرج للمجتمع بأحلى حلة تفتخر بها أمام بارئها وأمام مجتمعها.
3- استحداث بعض الأدوات والآليات الاجتماعية والتكنولوجية بحيث يشار للعائلة الممتدة بالبنان عند مزاولتها لتلك الأدوات والآليات، مثل موقع العائلة على الإنترنت، ومجلات عائلية توعوية تربوية تصدر عن تلك العائلة، [مجلة ولدي، عدد 56]، ومشاريع إنتاجية تخدم بها مجتمعها، إلى آخره مما يحتاجه المجتمع العربي والإسلامي.
4- استحداث بعض البرامج واللجان المترابطة التي تخدم شريحة أطفال العائلة الممتدة لعائلة ما، بحيث فيما لو زاولتها العائلة الممتدة المعينة وطبقتها على أطفالها " لنفرض أن تلك العائلة لديها 300 طفل ما بين سن 4 إلى 9 سنوات"لكانت مخرجات تلك البرامج بعد 25 سنة من التطبيق تحوي 20 عالماً شرعياً - رجلاً أو امرأة - وعشرون من علماء الاقتصاد الإسلامي، و20 طبيباً، و20 قائماً على مؤسسات خيرية، و20يعملون في التجارة في مجال إدارة التصنيع والإنتاج، و20 يعملون على مستوى التخطيط طويل الأجل لبلادهم، و20 مخترعاً في المجال التكنولوجي، و20 أستاذاً جامعياً.. إلخ من الكوادر التي تحتاجها المجتمعات الإسلامية من الرجال والنساء في كل ما يناسب المرأة والرجل.
هذا مع الاستفادة من البرامج التعليمية والتربوية المطروحة في البلد سواء كانت حكومية أو أهلية.
5- إبراز الجانب التاريخي للعائلة الممتدة عبر القرون السابقة، قبل الإسلام وبعده.
6- الإشارة إلى الإعجاز الاجتماعي في القرآن والسنة، على غرار ما هو متداول اليوم عن الإعجاز العلمي في القرآن.
7- حث الأكاديميين المسلمين في علم الاجتماع على إبراز علم الاجتماع الإسلامي ودوره في بناء المجتمعات بناءً ربانياً.
8- لقاءت مع الغربيين الذين ينظرون بإجلال لعلم الاجتماع الإسلامي، خاصة أننا نجد في صفوف المستشرقين من درس الإسلام والمسلمين ليفسد عليهم أمرهم لكنه وجد نفسه أمام طود شامخ، فمنهم من هدي إلى الإسلام ومنهم من ينتظر.
9- فرز نظريات علم الاجتماع التي قدِم بها أبناء المسلمين من الغرب ليعرف منها ما لا يخالف شرع الله وما يخالفه، وذلك أن بعض النظريات الغربية في هذا المجال قد تم استقاؤه من العلوم الإسلامية التي انتقلت إلى أوروبا عن طريق الأندلس وخلال الحروب الصليبية، وهذا الفرز سيعمل على حل إشكال كبير في مجتمعاتنا الإسلامية، لأن المتابع للساحة يجد أن بعض المسلمين ينكر هذه النظريات بزعم أنها غربية ويعلن حرباً شعواء على مزاوليها ممن درسوها في الغرب أو ممن تأثر بهم، ومن يمارس هذه النظريات في مجتمعه يرى أنها جميلة وتؤتي ثماراً يانعة في مجال التربية والتعليم ولا يرى مبرراً بالتنازل عنها، وقد لا يعلم الجميع أن أصلها إسلامي، والفريق الآخر يرفضها جملة وتفصيلاً لجهله بعلم الاجتماع الإسلامي وتمركز الجانب الفقهي فحسب في ذاكرته وعدم تكليف نفسه البحث والتنقيب في العلوم الإسلامية للسابقين التي تتعرض لمثل هذه المواضيع.
إلى غير ذلك من الأهداف التي تخدم الفكرة المطروحة.
المطلوب منا - في تقديري القاصر - وفي مثل عصر العولمة هذا وعصر التقنية وعصر ثورة المعلومات، أن نعنى بتقنية المجتمعات بحيث نصل بها إلى شيء من الجودة، والذي به تستعصي على أعدائها والمتربصين بها من كل حدب وصوب.
http://islameiat.com المصدر:
=============
هل يرتفع الخلاف ؟
د. محمد العبده(17/78)
يظن بعض من لم يدرس النفس البشرية أو يدرس تاريخ الفرق والأديان والمذاهب والنِحَل أن في الإمكان رفع الخلاف بين الناس لا نقول: بين البشر بعامة، فهذا من المستحيلات، وكل العقلاء يدركون ذلك، ولكن بين شعب واحد أو دين واحد أو نحلة واحدة، فقد خلق الله الخلق متفاوتين في الأفهام والطبائع، متخالفين في الآراء والاعتقادات، مثلما خالف بينهم في الصور والهيئات "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ" (الروم: من الآية22)، وقد ركّب فيهم الغرائز والشهوات، فمن غلبت عليه شقوته وأهواؤه فإنه يسير في هذا الطريق "وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى" (الليل: 8-10)، وسنجد العجائب من انحطاط بعض الناس وعبادتهم للمخلوقات والجمادات، فإذا أردنا التخصيص، وصار الحديث عن المسلمين، فسنجد الأفهام المتفاوتة في فقه الإسلام، وسنجد التقصير في الإحاطة بالشريعة والعقيدة، وسنجد الأهواء التي تُبعد صاحبها عن سلوك الطريق المستقيم، فذو الطبع المتشدد يحاول جَرَّ النصوص من القرآن والسنة إلى ما يريد، وذو الطبع المتساهل الضعيف يحاول جَرَّ النصوص إلى ما يهوى، وأعداء الإسلام لا يقصرون في بث الشبهات ودفع الأموال في سبيل ذلك، ولكن مع هذا الواقع فهناك الطريق الأعظم واضحاً مستبيناً، ملاذاً آمناً ينضوي المسلم تحت لوائه، وقد انضوى خلال جميع القرون منذ بدء الدعوة الإسلامية وهو تيار عريض وليس بالقليل، وأعني تيار أهل السنة فهم الأكثرية الغالبة، وهم الذين بنوا الحضارة الإسلامية، وهم بناة الدول الإسلامية الكبيرة التي حكمت مئات السنين كالدولة الأموية (في المشرق والمغرب)، والدولة العباسية، والدولة العثمانية، عدا عن الدول القوية التي نشأت في صقع من أصقاع العالم الإسلامي ولها دور حضاري وعسكري في الدفاع عن الإسلام كالمرابطين والموحدين في المغرب والأندلس أو الدولتين (النورية والصلاحية) في الشام ومصر، أو الدولة الغزنوية في أفغانستان والهند... فهذا هو التيار الأعظم الذي يعد مرجعيته الكتاب والسنة ثم الصحابة والتابعين وأئمة الفقه والحديث كالأئمة الأربعة، والأوزاعي، وابن حزم، والبخاري، ومسلم، وبقية أصحاب الكتب الستة وغيرهم في كل عصر إلى يومنا هذا.
ورغم وجود الخلاف داخل هذا التيار في بعض الأمور العقدية والفقهية، ولكن يبقى الحوار الهادئ وإبداء وجهات النظر داخل هذا التيار هو السبيل الصحيح للمحافظة عليه، وليس الجفاء والمخاصمة والاتهام، وأما إذا أردنا التضييق والانحصار فسنجد أنفسنا قلة قليلة محشورة في زاوية من زوايا هذا التيار الكبير، وهذا ليس من هدي الإسلام ولا هدي التعاون على الخير والأمر بالمعروف، وعندما قال الإمام ابن حزيمة: "من لم يقر بأن الله على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر حلال الدم.. علق الإمام الذهبي: "قلت: من أقرَّ بذلك تصديقاً لكتابه ولأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآمن به مفوضاً معناه إلى الله ورسوله، ولم يخف في التأويل ولا عمّق، فهو المسلم المتبع، ومن أنكر ذلك فلم يدر بثبوت ذلك في الكتاب والسنة فهو مقصِّر، والله يعفو عنه، ومن أنكر ذلك بعد العلم، وقفاً غير سبيل السلف الصالح، وتمعقل على النص، فأمره إلى الله نعوذ بالله من الضلال والهوى"(1).
والقصد هو تكثير إلا من رحم ربك فهذا الذي يجب أن نتنبه إليه، ونعي خطورة التفرق ضمن هذا التيار الكبير، ونعتني بالوسائل التي تؤلف ولا تباعد، ولكن هذه الدعوة إلى التآلف لا تفي التلفيق بين ما هو صحيح وغير صحيح، بين السنة والبدعة فهذا أيضاً لا يقرب ولا يؤلف، فلا بد من جمع الناس على الحق إن أمكن أو نعمل بـ"سددوا وقاربوا"، وهناك أمور كثيرة لم يختلف عليها أهل القرون المفضلة، وهناك السنن التي أمرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - باتباعها، ومنها سنة الخلفاء الراشدين، فهو الميزان الذي نرجع إليه، والتمييع والتلفيق لا ينتج شيئاً قوياً، بل نستمسك بالحق الواضح وندعو إليه الآخرين بالحسنى.
أما الخلاف بين الملل والنحل فهذا لا يتركه الناس، والله - سبحانه وتعالى- هو الذي يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، بل هذا أحد أدلة البعث في القرآن الكريم "وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ" (النحل: 38، 39).
------------
(1) سير أعلام النبلاء 14/373.
5/3/1425
http://www.almoslim.net المصدر:
===========
الكل دعاة إلى الله
عزمان بن علي العزمان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...
فإن الدعوة إلى الله ليست وقفاً لأحد، بل هي متاحة وخيرها يعم، وكلما زاد عدد القائمين على أمر الدعوة عم الخير سائر الأمة، فكل الناس يمكن أن يكونوا دعاة إلى الله والوسائل المهيئة لذلك سهلة على من يسرها الله عليه؛ ومنها:
• استصحاب مصاحف وكتيبات و مطويات وأشرطة في السيارة، وفي العمل؛ لتوزيعها ونشرها.
• الدلالة على البدائل المشروعة، حتى يسهل على الناس ترك الحرام، مثل الأماكن الصيفية التي ليست بها منكرات، والأسواق والعيادات المحتشمة.......... الخ.
• تخصيص برامج أو زوايا، في الوسائل الإعلامية للرد على شبهات الملحدين المبطلين.(17/79)
• الاستفادة من صناديق البريد التي عند أبواب المنازل، وتعهد أصحابها بوضع مطويات دعوية فيها.
• جعل الشفاعة وسيلة دعوية بدعوة المشفوع فيه للخير، ونصحه وتوجيهه.
• تشجيع الأخبار على الشراء، والتعامل مع المحلات التي تخلو من بيع المحرمات.
• إقامة اللقاءات التربوية، تتخللها أنشطة دعوية مختلفة (محاضرة، مسابقة، ندوة...... الخ). وتبدأ من صلاة المغرب، سواء أقيمت في المسجد أو في المدرسة.
• إقامة دورات خاصة، قصيرة ومركزة في مهارات التربية الذاتية الإيمانية للفرد.
• الإخبار عن كل عمل إسلامي تراه أو تسمع عنه، فتدل عليه أو تخبر عنه في زاويتك أو مجالسك، ولك أجر فاعله.
• دعوة أحد الزوار والحجاج والمعتمرين للمنزل، والحديث المباشر معه أثناء تقديم الضيافة له.
• استغلال التجمعات الأسرية لطرح تبني أحد المشاريع الدعوية.
• وضع واختيار عبارات دعوية مناسبة، في جهاز الرد الآلي للهاتف.
• التركيز على المنتسبين والمحبين للدعوة في الاقتطاع الشهري من الراتب: لضمان استمرار المشروع الدعوي، وتخفيفاً على المتبرع ليستمر عطاؤه بكل سهولة، وبدون كلفة.
• تخصيص مراكز للاستماع إلى المشاكل الاجتماعية، وبوضع مختص ومختصة يحلون هذه المشكلات عن طريق الهاتف فقط، ويقتصر عليه، ولا يستقبل أي شيء مكتوب، ولا مقابلات شخصية، حتى ينحصر الأسلوب، ولا يتشعب العمل ويضعف دوره، ويتطلب إمكانات كبيرة.
• اختيار وانتقاء المنزل المناسب والمدرسة المناسبة، التي تتوفر فيها كثير من المحفزات للخير، كوجود الصالحين فيها، أو الجو الإسلامي، أو دعاة نشيطين،......... الخ.
• استثمار المدرّس لجهود في الدروس الخاصة المجانية، أو المخفضة، كذلك الطبيب الذي يعطي الدواء مجاناً، والموظف الذي يقدم تسهيلات للمراجعين؛ وذلك باستغلال وجود أرضية خصبة في نفوس الناس، وبذل النصيحة والتوجيه للمراجعين.
• إصدار دورية دعوية متخصصة في الجوانب التي يحتاجها الدعاة، لاسيما الأخبار والقضايا الملحة.
• تربية الناس وتعويدهم على الاتصال بالعلماء والدعاة، عند حصول المشكلة، فلعل فيها جانباً شرعياً يحتاج إلى هؤلاء المتخصصين.
• استكتاب الأدباء والقراء، وكسب إنتاجهم وتسخيره لمخاطبة الناس ودعوتهم نثراً وشعراً، لاستثارة الوجدان الإيماني، واستنهاض الهمم للآخرة.
• كثرة الدعاء والابتهال إلى الله، في أوقات ومظانّ الإجابة بصدق للأهل والإخوان والدعاة والمستضعفين والمجاهدين وأصحاب الحاجات والموتى وجميع المسلمين.
• اقتطاع جزء من الراتب شهرياً لأعمال الخير، وحث الزملاء وتذكيرهم بذلك، ومتابعته معهم.
• عرض منجزات المؤسسة الدعوة، وإخراجها للناس لدفعهم إلى زيادة الثقة والدعم.
• تصميم لوحات الوقاية من الشمس (الشمسية)، التي توضع على زجاج السيارات الأمامية من الداخل، لتحوي جملا دعوية مفيدة، أو أبياتاً شعرية مؤثرة.
• حُسن المعاملة مع المدعوين، بالابتسامة والمخالطة بالمعروف وبالتواضع لهم وتوقيرهم واحترامهم، وبذل الهدية لهم.
• مواصلة الأصدقاء القدامى، واغتنام فرصة المناسبات العامة، وإهدائهم النصيحة.
• استغلال وسائل النقل في الرحلات الطويلة، للحديث المباشر الدعوي مع الركاب، فيتوفر للداعية جو الانفراد بالشخص.
• مصارحة المقصر في الوقت المناسب، مع مراعاة ارتياح نفسه وتقبله للحوار الصريح في مخالفته أو اختيار من يؤثر عليه.
• تنويع الأساليب والطرق في الدعوة لإزالة المنكر ودعوة المقصر.
• استثمار جانب خيّر في المدعو من أهل المعاصي، كجانب الرحمة أو العاطفة الصادقة نحو الخير أو الرجولة، وجعل إبراز هذا الجانب في المدعو مدخلاً لدعوته؛ لأنه لا يخلو المسلم من جوانب خيرة يمكن استغلالها وإذكاؤها في النفوس.
• استثمار المواقف المؤثرة في النفوس (كوفاة قريب أو مصيبة في مال.... الخ)، فيجد الداعية فرصة للنفوذ منها إلى نفوس المدعوين.
http://saaid.net المصدر:
==============
حتى متى ؟!
حمزة الميداني
أفاق المسلمون قبل قرن ونصف تقريباً على تقدم الغرب العلمي والذي كان من نتائجه تقدمه العسكري والاقتصادي والإداري... وحدث ما يسمونه بـ (الصدمة الحضارية)، ومنذ تلك الواقعة والمسلمون يكتبون ويحاضرون ويتجادلون حول مسألة: ماذا نأخذ وماذا ندع من هذا الغرب؟. واستمر الغرب في تفوقه في كثير من جوانب الحياة، والمسلمون مازالوا يكتبون حول هذا الموضوع، واستمروا في الدوران حول هذه (الثنائيات): أصالة ومعاصرة، عروبة وإسلام... الخ، والتي افترضوا التعارض بينها، وكأنها لا تلتقي أبداً، واستمر الأعداء في سبقهم الطويل.
عادت هذه الأيام الكتابة العقيمة حول الديمقراطية وغير الديمقراطية، وهل ندخل في اللعبة السياسية أم لا؟ وهل نسكت عنها أم لا؟ فإلى متى نطحن الهواء ولا نخطط ونقدر للأعمال الكبيرة التي تقود المسلمين بخطوات ثابتة وأكيدة بإذن الله لتحقيق أهدافهم أو أكثر أهدافهم أو بعض أهدافهم. وإن هواية الجدل والكلام أضعفت المسلمين، وتركتهم وراء الأمم، وقد أرشدنا القرآن الكريم للاهتمام بالعمل وما يفيد الخلق {يسألونك عن الأهلة، قل هي مواقيت للناس والحج...} لقد سألوا عنها من الناحية الفلكية، فردهم الجواب إلى الناحية العملية التي يستفاد منها... وعندما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن (الإثم) لم يعرفه تعريفاً (حدياً) كمصطلح ولغة، ولكنه رد الأمر إلى الناحية العملية: "الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس".(17/80)
وطبعاً لا يعني هذا ألا يكون للمسلمين رأي في كل نازلة وموقف من كل قضية، ولكن هل من الصعوبة معرفة الرأي الشرعي الصحيح في كل قضية، ويتفرغ المسلمون للعمل والتخطيط لإقامة دينهم وإعزاز شريعتهم؟...
http://www.alsunnah.org المصدر:
=========
جهاد الدعوة
الخطبة الأولى:
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:
جهاد الدعوة مهمة عظيمة، ومسألة جسيمة، تنزلت بها الآيات، ورويت فيها الأحاديث، وظهرت في سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في كل أحواله وفي سائر منازله.
ذلكم الأمر المهم، والفريضة العظيمة التي تحقق الفتح الأعظم، فتح القلوب والعقول، وتغيير النفوس والأرواح، وتوجيه السلوك والأعمال.. ذلكم الأمر العظيم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أعظم من قام به، وأجلّ من استنفذ فيه جهده وطاقته، ونال في ذلك المرتبة العظمى، والذروة السامقة.
وصف ذلك ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كلمة واسعة شاملة، ندخل بها إلى حديثنا وموضوعنا هذا؛ لملامسته لكثيرٍ من أحوال أمتنا وصور واقعنا، قال ابن القيم - رحمه الله -: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذروة العليا منه - أي الجهاد - واستولى على أنواعه كلها، فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجنان والدعوة والبيان والسيف والسنان، وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد بقلبه ولسانه ويده، ولهذا كان أرفع العالمين ذكراً، وأعظمهم قدراً، وأمره الله - جل وعلا - بجهاد الكافرين من حين بعثه الله، فقال - تعالى -: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً * فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً}.
فهذه سورة مكية، أمر فيها بالجهاد للكافرين، ولذلك - أي لتوضيح هذا - أمر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن، وكذلك جهاد المنافقين إنما هو تبليغ الحجة، وإلا فهم تحت قهر الإسلام، قال - تعالى -: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير}.
فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل، والقائمون به أفراد في العالم، والمشاركون فيه والمعاونون عليه - وإن كانوا هم الأقلين عدداً - فإنهم أعظم الناس عند الله قدراً".
هذا الإيجاز بين الجوانب العظيمة التي جاهد فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - جهاد القلب والجنان وجهاد الدعوة والبيان وجهاد السيف والسنان، وكلها ميادين عظيمة لو أردنا أن نراها في سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فهي هاهنا ثلاثة أثلاث، اثنان منها ليس في جهاد الميادين القتالية العسكرية.
وإن جئنا إلى السيرة الفعلية النبوية في حياته - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنا واجدون من الزمان زماناً ممتداً عظيماً كان ميدان جهاد القلب والجنان والدعوة والبيان هو الأول والأخير فيه.
جهاد الدعوة المكية عشر سنوات متواليات من بعثة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمر فيها بقتال، بل قد أمر بترك القتال والصبر والكف عن الكافرين والمشركين.. فهل حين لم يكن ثمة قتال ولا جهاد، لم يكن ثَمّ دعوة ولا جهاد؟!
لقد قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الفترة المكية بأعظم وأجل دورٍ في الدعوة إلى الإسلام ونشره.
فإن الغاية العظمى من هذا الدين والمسئولية الكبرى على حملته إنما هو إظهاره وإعلامه، وبيان محاسنه وإقناع العقول به، وغرس محبته في القلوب، وجعل الناس كلهم يدخلون في دين الله أفواجاً، وليكن طريقهم إلى ذلك تنوع هذه الميادين الجهادية كما فعل المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة المكية، انصب جهده لمن استجاب له؛ ليعمق الإيمان في قلوبهم، ويغرس العقيدة في نفوسهم، ويثبت الإسلام فكراً ومعرفةً في عقولهم، ويصوغ منهم أفراداً قلائل يعيشون في مجتمع مخالف مغاير، بدءاً من التصورات والأفكار، ومروراً بالمشاعر والعواطف، وانتهاءً بالحديث والكلمات، وظهوراً في الأعمال والممارسات؛ وبذلك بقوا محافظين على هويتهم، ثابتين على إيمانهم، مستعلين بإسلامهم كل المخالفات والمعارضات الاجتماعية والسياسية والقولية والفعلية لم تستطع أن تنال من هويتهم، ولا أن تغير من ثبات عقيدتهم، وذلكم ضربٌ من ضروب الجهاد العظيم الذي تحتاجه الأمة اليوم في ديار الإسلام، فضلاً عن أحوال المسلمين في غير ديار المسلمين..
فأين جهاد الدعوة في هذا الميدان؟ أين التربية التي أنشأت بلالاً تكسرت على صخرة ثباته وإيمانه الصخور العظيمة والإرهاب والعذاب الشديد؟
لأنه قد صاغه محمد - صلى الله عليه وسلم - بجهاد الدعوة وتربية الإيمان صياغة فريدة، وكذلكم الأمثلة العظيمة الكثيرة في الفترة المكية التي رغم كل تلك المعارضات لم يثبت أن ثمة موقفٍ من تراجع، أو انسلاخ من دين، أو تبرأ من حكم، أو تغيير لشريعة من شريعة الإسلام!
بل كان هذا الثبات ناشئًٌ من هذه التربية والدعوة الإيمانية الجهادية، وإن ميدان الجهاد إنما هو بذل الجهد في مرضات الله - سبحانه وتعالى-.
ولو مضينا لوجدنا المهاجرين إلى الحبشة الذين كانوا قلة في أرضٍ غريبة وفي بلاد غير مسلمة وفي ديار هجرةٍ وغربة، فأي شيء صنعوا؟ هل قاتلوا وحاربوا؟ هل خاصموا وناوءوا؟ وهل ذابوا وانحلوا؟ وهل مسخوا وتشوهوا؟ وهل أصبحوا كغيرهم من أولئك الناس في تلك المجتمعات؟
كلا! لقد ثبتوا على دينهم، واستطاعوا أن يكونوا رسل دعوةٍ تشرف وتعرف بدينهم.(17/81)
ويوم جاء الموقف في المواجهة بين يدي النجاشي رسل قريشٍ يؤلبون، ويريدون أن يمارسوا إرهابهم وإجرامهم خارج أرضهم، والمسلمون كلهم كلمة واحدة، مجتمعون على رأي واحد، يتحدث باسمهم واحد منهم، فليس ثمة اختلافاتٍ ولا تبايناتٍ، وإنما في مواجه المجتمع المخالف وفي الحديث مع غير المسلمين كانوا قلباً واحداً، ولساناً واحداً، ولغةً واحدة..
ووقف جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - يظهر محاسن الإسلام، ويبين عيوب الجاهلية وعوارها بقوله: " كنا في جاهلية وكفر نشرب الخمور ونعبد الأصنام ويظلم القوي منا الضعيف - ويصف الصور القبيحة في الجاهلية - حتى بعث الله فينا رجلاً منا نعرف نسبه وشرفه، فدعانا إلى الإسلام، وإلى البر والصلة والصدق والعفاف... "، وعدد من خصال ومحاسن الإسلام ما جعل العاقل المنصف والعادل النجاشي يقر بأن أولئك القوم يحتاجون إلى نصرته ودعمه فقال لهم: " اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي "، أي تنالون السلام لا يمسكم أحد بأذى، فقه عظيم في جهاد الدعوة الحضاري، وحكمة بالغة في إظهار محاسن الإسلام ومعانيه الإنسانية التي تؤثر في غير المسلمين.
ثم جاء مرة أخرى كيد الكفار، وقال عمر بن العاص وكان إذ ذاك على كفرة: " والله لآتينهم غداً بما يبيد خضرائهم "، وجاء إلى النجاشي فقال: " إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيما ".
إن النصارى الذين كانوا إذ ذاك يقولون بمقالة " عيسى ابن الله " أو " هو الله "، - تعالى - الله عما يقولون علوً كبيراً!!
والمسلمون في هذا الأمر عقيدتهم واضحة، فجاءت المواجه مرة أخرى، وليس هناك مجال إلا هذا أو ذاك.. فهل تعطى الدنية في الدين؟ وهل تُغير العقائد؟ وهل تبدّل الحقائق بحجج قد تقال للمحافظة على المسلمين، أو لإظهار محاسن الإسلام، وإبداء بعض ما قد لا يفهمه غير المسلمين؟
كلا! عندما سئل جعفر رضي الله عنه قال: " نقول فيه ما قال نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو كلمة الله وروحه التي قذفها في مريم " أي جاء عيسى - عليه السلام - بشراً كسائر البشر!
فقال النجاشي العادل المنصف العاقل: " والله ما جاوز ابن مريم - عليه السلام - ما قلت مثل هذا العود " أي قولك مطابق. فنخرت البطارقة، قال: وإن نخرتم!
فلننظر إلى هذه الصورة.. لقد كانوا في وقت وظرف وبيئة يمكن أن يكونوا فيها مهددين - وهم كذلك - ولكن فقه الإيمان، ووضوح الرؤية، وثوابت الإسلام كانت لديهم واضحة.
وإذا مضينا مع سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنا واقفون الموقف العظيم الذي يستحق أن يكون له أحاديث وأحاديث كثيرة..
في ذي القعدة من العام السادس للهجرة خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة معتمراً قاصداً تعظيم البيت، وأداء النسك، وجاءت هذه المسيرة بعد بدرٍ يوم الفرقان، وبعد أحد والأحزاب.. جاءت وقريش مازالت تحكم مكة، وتعين فيها الكفر، وتقيم فيها الجاهلية، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلن في كل حركة وسكنه وكلمة وحديث أنه يعلن في هذه المسيرة السلام والإسلام، ولا يسير إلى مواجهةٍ عسكرية، ومنازلة قتالية، كيف ذاك؟
خرج في الأشهر الحرم التي يعظم فيها القتال ويمنع، وخرج محرماً والمحرم معلوم ما هي هيأته وما هو مقصده.
ثم ساق - صلى الله عليه وسلم - معه الهدي تأكيداً أنه لم يخرج لقتال، وبياناً لتعظيمه لبيت الله الحرام، وإشعاراً لأهل الحرم من الفقراء بأن المسلمين كذلك يهدون للبيت ولفقراء الحرم، ولم يخرج معه من السلاح إلا بسيف في القران، ولم يأخذ عدة حرب.
فهل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك خائفاً أو مداهناً؟ كلا! وإنما أراد أن يبين وأن يظهر وجه آخر.. قد رأيتم يا قريش يا أيها الكفار صورة من صور المواجهة في الفترة المكية، ورأيتم من بعد المواجهات العسكرية القتالية، وعرفتم كيف هم المؤمنون المجاهدون، واليوم يأتي غزو جديد وجهاد مختلف.. إنه جهاد المعاني الإسلامية، والمفاهيم الحضارية، وجهاد الدعوة النافذ بصورته الحية المتحركة، والقدوة المثالية المؤثرة.
ومع ذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن غافلاً، ولم يكن تاركاً للتيقظ والحذر؛ أرسل عيناً من خزاعة يجوس في مكة، حتى يعرف ما قد يسمعون من الأخبار، وأخفى مسيرته عنهم، وأرسل طليعة من عشرين رجلاً، حتى إذا كان هناك اعتداء أو توجه له كان على أهبة الاستعداد.
ثم خلأت القصواء - ناقة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وبركت، والقلوب متلهفة للبيت الحرام، فقد حرمت منه ستة أعوام وأخرجت منه، فضاقت بعض النفوس، وقال الصحابة: خلأت القصواء! فردّ رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم -: (ما خلأت وما كان لها ذلك بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل).
إنه تعظيم البيت الحرام وهذا هو المراد، وليس تشبيه أصحاب الفيل بأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -! ولكن التشبيه منصبّ على ما جرى به قدر الله من بقاء حرمة البيت وتعظيمه؛ لئلا تنتهك الحرمة بسفك الدماء، وإزهاق الأرواح، وحصول الاضطراب والخوف والهلع.. وشاور النبي صلى اله عليه وسلم أصحابه، فعزم بعضهم على أن يتهيئوا للقتال، وقال بعضهم: فلنخالف إليهم في ذراريهم ونقاتلهم، وقال أبو بكر - رضي الله عنه -: يا رسول الله إنما جئت تعظم بيت الله، وتؤدي مناسك الله فامضي لما أراد الله.(17/82)
فمضى النبي إلى ذلك، وجاءت المفاوضات وقد أعلن النبي قبلها وكرر - عندما بلغه من الخزاعي الرسول أن قريشاً قد أكلتهم الحرب، وقد أقسموا ألا تدخلها عليهم - فقال - صلى الله عليه وسلم - يكشف الجاهلية وحقيقتها وعدوانها وإجرامها وطبيعتها الاستعلائية: (ويح قريش! لقد أكلتهم الحرب، والله لا تسألني قريش خطةً يعظمون فيها البيت إلا أجبتهم إليها).
وانتهى الأمر بصلحٍ رجع فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يدخل إلى مكة، لكن كان حينئذٍ هدنة، وضعت الحرب أوزارها عشرة أعوام فيما كتب، وكانت الشروط ثقيلة على المسلمين.. بردّ من أسلم إلى قريش، وعدم ردّ من يسلم من المسلمين إذا ذهب إلى قريش!!
لكن أي أمرٍ هذا الذي حصل؟
سماه الله - سبحانه وتعالى- فتحاً مبيناً، فقال فيما تنزلت به الآيات على رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - في أثناء انصرافه من الحديبية: {إنا فتحنا لك فتحاً مبينا}.
حتى إن عمر تعجب وقال: أو فتح هو يا رسول الله؟! قال: نعم
أي فتحٍ كان ذلك، ولم يكن ثمة قتال، ولم يكن ثمة إزاحة، ولا دخول ولا فتحٍ ولا شيء من ذلك؟
إنه الفتح الذي غزت فيه دعوة الإسلام كل عقل راشد، وكل نفسٍ سوية وكل فطرة نقية؛ لأن جو التوتر والقتال كان يهيج حمية الجاهلية وعظمتها وكبريائها الفارغة، فلما سكنت النفوس، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في العام الذي يليه ليؤدوا عمرتهم بحسب الاتفاق، ورأى الناس بأبصارهم إيماناً يتحرك، وإسلاماً تظهر محاسنه، وأخوة تفيض بها القلوب، وعظمة في الإيمان تظهر في الركوع والسجود..
رأوا نمطاً من الناس مختلفاً.. رأوا صورة من البشرية في أرقى صورها، وأسمى معانيها.. رأوا حباً وتعظيماً من الصحابة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأوا ما فتت كل حاجزٍ في صدورهم ونفوسهم.. رأوا كيف عظمتهم وطبقياتهم في جاهليتهم.. رأوا كيف فسقهم وفجورهم.. رأوا كيف هم في سائر أحوالهم حتى إن زعماء قريش الصناديد الكبار الذين يصدون عن دين الله لم يطيقوا صبراً، فخرجوا إلى خارج مكة لا تستطيع عيونهم أن ترى.. لا تستطيع نفوسهم أن تقبل، فلما انتهت الأيام الثلاثة أرسلوا مباشرة إلى رسول الله أنهم يخشون الأثر الإيماني الذي ينبث بدون كلمات إلى الناس فيغزوا عقولهم وقلوبهم، فطلبوا منه أن يخرج بعد انتهاء المدة، فخرج وقد غرس الإيمان في القلوب، وقد ظهرت محاسن الإسلام للعقول، وتهاوت الجاهلية وعنجهياتها في قلوب أصحابها وأربابها.
وأمن الناس بعضهم بعضاً فكان من حق المسلم أن يأتي إلى مكة ليرعى مصالحه أو يزور إخوانه وأقاربه، فيتحدثون: كيف أنتم في المدينة؟ ما تصنعون مع محمد - صلى الله عليه وسلم -؟
أليسوا يستعيدون التاريخ؟ كيف كان هؤلاء مضطهدون معذبون؟ كيف خرجوا مطاردين مهاجرين؟ كيف أصبحت لهم دولة وكيان؟ كيف انتصروا في بدر؟ وكيف فعلوا وفعلوا؟
كل ذلك عبّر عنه الإمام الزهري - التابعي الجليل - يصور لنا هذا الفتح العظيم في كلمات موجزة قال فيها: " فما فتح في الإسلام فتح قبله مثله كان أعظم منه ".
إنما كان القتال حيث النفرة بين الناس، فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس بعضهم بعضاً التقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلم أحد في الإسلام يعقل إلى دخل فيه، ولقد دخل في تلك السنتين - أي بين العام السادس من الهجرة والثامن - دخل في تلك السنتين مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك.
كان عدد المسلمين يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة، وكان عددهم يوم فتح مكة بعد عامين عشرة آلاف .. ذلكم كان ضرباً جهادياً فريداً، وكان غزواً إسلامياً كاسحاً، وكان هجوماً إيمانياً شاملاً، دمّر كل الحصون التي كانت في القلوب، واخترق كل الأوهام التي قد خالطت العقول وذلكم كان فتحاً مبيناً بكل تلك المقاييس العظيمة التي أثرها ونتيجتها كانت أعظم من كل أثرٍ لما سبق من المواجهات والمنازلات العسكرية.
وإذا رأينا ذلك رأيناه من بعد في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي التاريخ: ألم يكتب النبي للملوك والأمراء؟ ألم يرسل الرسل؟
هذا الأمر العظيم الذي انتشر به الإسلام في بقاع شتى من الأرض دون أن تراق قطرة دم واحدة لا لأن الجهاد قد عطل أو ألغي! ولكن لأن وسائل الجهاد الدعوية عندما عملت عملها دكّت الحصون، وهدمت الحواجز، واستطاعت أن تخترقها بجهاد الدعوة إلى الله، كيف دخل الإسلام إلى شرق آسيا؟ وكيف ثبت أقدامه في تونس؟
عندما فتحت بلاد إفريقيا - وهي تسمى كذلك - انتقض أهلها على المسلمين الفاتحين في أول الأمر وهاجموهم مرة أخرى، ثم مرة ثانية رجع المسلمون وانتصروا ثم انتقضوا عليهم، فكتب الخليفة أن ابنوا المساجد، وأشيعوا الإسلام، فحينئذٍ لم يكن انتقاض، بل كان إقبال على هذا الدين.
والتتار الذين دمروا العالم الإسلامي من أول شرقه إلى وسطه واجتاحوا بعد ذلك بغداد إلى غيرها من البلاد.. هل انتصروا؟
قد انتصروا انتصاراً عسكرياً، وانتصر الإسلام عليهم انتصاراً أعظم يوم دخل أكثرهم في دين الله أفواجا، وأسلم المنتصرون القاهرون؛ لأنهم قرعتهم حجة الإسلام، وهزمتهم محاسنه، فانقادوا له صاغرين، وأصبحوا جنداً في سبيله مجاهدين.. تلكم هي المفاتيح التغيرية العظيمة التي لها من الآثار ما ينبغي أن ننتبه إليه، وخاصةً في عصرنا هذا.
نسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا من الدعاة إلى دينه، والمنافحين عنه، والباذلين في سبيله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:(17/83)
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه.
وإن جهاد الدعوة أمره عظيم، وله أثر كبير أحب أن أشير هنا إلى أمرين اثنين:
الأول: إيجابي.
الثاني: سلبي.
أما الأمر الإيجابي:
فهو بيان آثار جهاد الدعوة في ميدانين اثنين مهمين، في ديار الإسلام وفي بلادٍ مسلمة نرى غير المسلمين وهم يتأثرون إذا وجد جهاد الدعوة ويدخلون في الإسلام أفواجا، يأتون من بلادهم كافرين ويخرجون من بلادنا مسلمين، وذلك أمر معروف وظاهر لا تخطئه العيون.
فهل قهر أولئك بسيف؟ وهل أكرهوا على الدين؟ وهل مورس ضدهم اضطهاد عنصري وتميز عرقي؟
كلا! وإنما قدمت لهم كلمة الله وعرفوا بالإسلام دين الله فانقادوا له؛ لأنهم ليسوا على شيء؛ ولأن عندهم من التناقض والانحراف ومن الخلل ما ليسوا به على عقيدة واضحة وديانة تامة وشريعة كاملة كما عند آخر الإسلام.
فذلك جهاد الدعوة يوم ينشط نستطيع أن نصدر من بلادنا رسل دعوة ليسوا منا وإنما من ذلك البلد، ومن تلك الجنسية، ومن عامل صغير إلى مفكر كبير، ومن رجل عادي إلى سياسي بارز.. رأينا كيف اخترق الإسلام كل الأجناس والأعراق!
وإحصاءات الأمم المتحدة قبل نحو خمس سنوات تقدّم تقريراً للدين والديانات في العالم، فتقول في هذه الإحصائية: " أن الإسلام أكثر الأديان انتشاراً على وجه الأرض، وأنه في سرعة انتشاره يزيد بسته أضعاف على الديانة الثانية بعده ".
فهل المسلمون يبذلون في جهاد الدعوة كما يبذل غيرهم؟ وأنتم تعلمون أن التبشير يبذل آلاف الآلاف من الملايين التي جعل شعار في إفريقيا - على سبيل المثال - أن تصبح نصرانيةً في عام كذا وكذا، ورصدت سبعة مليارات من الدولارات لهذا المشروع.
ما الذي يحصل؟ هل هي خبرة المسلمين وقدراتهم الفائقة؟ هل هي وسائل إعلامهم التي تصل إلى كل مكان؟
ليس عندهم شيء من ذلك! وقد ذكرت لكم في إحصائيات سابقة أن لدى المنضمات التي تبشر نحواً من أربعة آلاف وست مائة ما بين قناة إذاعية وتلفزيونية متخصصة في هذه المهمة.
إنه الإسلام بطبيعته يوم يحصل امتثال الناس له ودعوتهم إليه.
وميدان آخر: المسلمون الذين ذهبوا إلى بلاد غير مسلمة وحافظوا على دينهم ما الذي يحصل اليوم؟ نجد الناس يصرعون ويهزمون أمام عظمة هذا الإسلام، فيدخلون فيه أفواجاً، أيضاً أصحاب العيون الزرقاء والشعور الشقراء أصحاب الحضارة المعاصرة.. اليوم تنهار حواجزهم الفكرية، وخلفياتهم التصورية والعقدية أمام قوة هذا الدين، فماذا نرى؟
ينساح الإسلام شرقاً وغرباً وفي كل مكان، والإحصاءات الرسمية أقل بكثير من الحقيقية، ولسنا هنا بصدد ذلك.
فقد زرت بلاداً كثيرة - ومنها البلاد التي يضرب بها المثل في نأيها وبعدها - إلى أقصى الشرق فإذا فيها من المسلمين عدداً يضاهي ثلث المسلمين في البلاد العربية قاطبة.
وأقلية مسلمة في بلدٍ هو الثاني من بلاد العالم في عدد السكان عددهم يعادل المسلمين في البلاد العربية تقريباً.
ثم ما يزال الأمر ينتشر وانتشاره بصور كثيرة منها: عودة المسلمين الذين ظنوا أو تاهوا في تلك الحضارة إلى إسلامهم، ومن هنا دبّ الرعب في القلوب، وأصبحت قطعة قماشٍ على رأس فتاة مسلمة ضعيفة يثير الرعب، حتى يأتمر به المؤتمرون، وتعقد له مجالس الحكماء والعقلاء وسياسات الدول؛ لتصدر قراراً أو تعتزم إصدار قرار لنزع هذه القطعة القماشية أي شيء فيها؟ أي إرهاب وخطر عظيم منها؟
العقلاء هناك يدركون - كما أدرك صناديد قريش - أن الإسلام يجوس خلال الديار، وأنه ينتشر بغير ما أمرٍ يفترض عليه أو ينتقد.. تلك البلاد لها مؤتمر إسلامي سنوي يحضره من المسلمين نحو مائة ألف رجل وامرأة في مكان واحد، لا تسجل حالة أمن واحدة فيها اختلال أو إخلاف.. يجتمعون بكل نظام وحضارة ورقي، يطرحون من موضوعات الإسلام ومحاسنه ما أجبر كثيراً من الدوائر بالاهتمام والاعتناء، لكن الذين في قلوبهم مرض لا يعجبهم ذلك.
أما الأمر السلبي:
إن كثيراً من هذا الخير يشوش عليه أن بعضاً من بني جلدتنا والمتكلمين بألسنتنا والمتصدرين في أمتنا
يأتون من القول والفعل ما يناقض إسلامنا، فيوم أثيرت معركة الحجاب سمعنا من يقول: " أيها العرب والمسلمون بلاد قد سبقتنا بسنوات، وأصدرت في ذلك القوانين، وطبقّت العقوبات.. فما بالكم تستكثرون علينا ما هو في دياركم؟ ".
وآخرون يقولون لك: " خذ هذا القول، واسمع هذا العالم، وانظر تلك الفتيا.. فما بالكم وأنتم تقولون وتفعلون تحرجون علينا ذلك! ".
ونقول: بحمد الله - عز وجل - هذا أثر سلبي، لكن الأمر قد تجاوزه، فلا يكاد يتجاوز أصحابه، ولا يكاد يؤثر في أحدٍ؛ لأن المؤمن الحق، والمسلمون الصادقون، والوعي العظيم أصبح أكبر من أن تؤثر فيه تلك الفقاعات، وتلك التصريحات، وتلك المواقف التي يعرفها المسلمون.
نسأل الله - عز وجل - أن يثبت الإيمان في قلوبنا، وأن ينشر الإسلام في ربوعنا، ونسأله - عز وجل - أن يعلي رايته، وأن ينشر دعوته وأن يسخرنا في هذا السبيل.
http://islameiat.com المصدر:
===========
و وأدت الغيرة
محمد بن سرّار اليامي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه بعد:
يا كل مسلم...
اعلم أن الدعوة إلى خلع حجاب المرأة، والتخلص من جلبابها دعوة لوأد الغيرة..
واعلم أن الدعوة إلى دمج المرأة في جميع مجالات تنمية الحياة وإظهارها في الطرقات والأماكن العامة متبرجة سافرة دعوة أيضاً لوأد الغيرة.
واعلم أن الدعوة إلى مشاركتهن في الاجتماعات واللجان، والمؤتمرات، والأمسيات الشعرية والنثرية، والتمثيلية دعوة أيضاً لوأد الغيرة..(17/84)
واعلم أن الدعوة إلى فتح بيوتات الأزياء والكوافير ومقاهي الإنترنت النسائية، ونوادي الرياضة النسائية، وقيادة السيارات لهن دعوة لوأد الغيرة بل دعوة لقتلها في مهدها.
واعلم أن الدعوة إلى إشاعة الصداقة بين الجنسين عبر البرامج الإعلامية المسموعة والمرئية والمقروءة دعوة إلى الدياثة ووأد الغيرة.
واعلم أن الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل مساواةً مطلقة دعوة إلى تخلي الرجل عن رجولة لا يدعو لها رجل أبداً.
واعلم أن الدعوة إلى توظيفها كالرجل في المتاجر والفنادق والوزارات والمحاكم، ومكاتب السفر والسياحة والجندية، والمندوبة للمبيعات، دعوة لوأد الغيرة، وهذا قليل من كثير يطمع به كل كافر ومنافق لوأد الفضيلة، وزرع الرذيلة.
وهذا إن حصل كان من أعظم الجنايات في حق الإنسانية جمعاء.
إذ أن المرأة للعفاف، والصيانة، والحشمة، والستر، والقرار في الدار.
وليست للتحرر من طاعة الخالق، أو لنحر العفاف، أو للتبرج والضياع والانحراف... كلا والله..
أيها المبارك...
أنت القوام على المرأة..
وأنت المسؤول عنها بين يدي الله جل وعز..
وأنت القوي وهي الضعيفة..
وأنت الآسر لها وهي الأسيرة..
وأنت الحكيم المتريث وهي العاطفية الرقيقة..
أيها المبارك..
إن غيرتك عليها تهيأ لها الحق الكامل في الحياة الطيبة الكريمة..
إن غيرتك عليها تهيأ لها الحماية والأمان إذ أنها تتحلى بخمارها وحجابها وجلبابها، يقول جل وعز: " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً". الأحزاب: 59. فأي أمنٍ من الأذى بعد هذا.
إن غيرتك عليها تمنعها من الذئاب البشرية، مما يجعلها تقوم بدورها المبارك في المجتمع المسلم.
إن غيرتك علها تحفظها من الخضوع بالقول لكل أجنبي عليها، في- حفظها الله - بإذنه جل وعز.
إن غيرتك عليها تحفظها من الشيطان، إذ أن الشيطان يستشرفها إذا خرجت من بيتها، وغيرتك تصونها من الشيطان بإذن الله، فلا تخرج إلا لحاجة ماسة، ومع محرم لها، أو القرار في الدار خير لها، كما قال المعصوم - صلى الله عليه وسلم -.
ولله در من قال عن نسوة أهل الغيرة، الصالحات:
يعز على من يطرق الباب لفظها *** جواباً فلا عقداً تراه ولا حلا
يطيل وقوفاً لا يُجاب مُحرماً *** عليها كلام الأجنبي، وإن قلاّ
في أسباب ضعفها في زماننا
اعلم أيها المبارك...
* أن من أعظم أسباب ضعفها في عصرنا، هو ضعف الوازع الديني، وانقطاع العلاقة بين المخلوق والخالق، إذ أن الشريعة أمرت بحفظ الأعراض، وبغض الأبصار، ومن لم يحفظ العرض، ولم يغض البصر كان في استجابته لوازع الدين نظر من نقص أو ضعف أو زوال والعياذ بالله.. فالغيرة من الإيمان.
* أيضاً من أسباب الضعف: الفهم الخاطئ لمعاني الرجولة، إذ أننا في عصر تميعت فيه الرجولة، وأصبحت الغيرة فيه من التشدد الزائد، وأصبحت الغيرة فيه شك في المرأة، وطعن في المقاصد، وهذا غلط وأيما غلط.
بل هو والله من عبث الشيطان بتلاميذه وأتباعه.
* أيضاً من الأسباب: انعكاس بعض المفاهيم عن من سقمت عقولهم، كما أسلفت. - فالغيرة عندهم شك وريبة، وطعن في المقاصد الحسنة. - والخمر عندهم مشروبات روحية.. - والزنا عندهم حرية شخصية.. - والربا عندهم فائدة ربحية.. وهكذا دواليك.. وهذا ينم عن سقم في العقول، ومرض في الأفهام، وتلاعب من الرجيم بأتباعه..
* وأيضاً من الأسباب: الهجمة العارمة القوية على أفكار المجتمعات الإسلامية، والغزو الفكري المشبوه، ويعضد هذا السبب ويعاونه كثرة الوسائل الإعلامية، ووسائل تلقي الثقافات المختلفة وانتشارها، وتيسرها لكل طالب، في هذا ما فيه من إذابة المجتمع المسلم وسلوكه، وتعاليمه في مستنقع حثالات البشر، ومع أوحال الرذيلة والانحلال.
* دخول جحر الضب وراء أمم الغرب، والحرص ممن قل دينه، وذاب حياؤه على متابعة أساليبهم في الحياة في كل صغير منها وكبير.
وأول ما يضيع إذا حصل هذا... الغيرة.... إذ أنها تتنافى مع جميع ثوابت الغربي.
قال - عليه الصلاة والسلام -: " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة... " الحديث..
وترك الغيرة على المحارم من أتباع سنن أهل السوء والفساد ممن كان قبلنا..
* وأيضاً من الأسباب: الجنوح من كثير من أبناء التوحيد للحياة المادية، وغلبة الدرهم والدنيا عند كثير إلا من رحم الله..
وأيضاً العناية بالجوانب الكمالية، والترفيهية على حساب غيرها، مما يؤدي إلى أن تتلاشى هذه الخصلة الحميدة أعني الغيرة في سبيل الحصول على هذه الكماليات فتتلاشى القيم الحميدة، والمبادئ المجيدة أمام هذه المغريات الحياتية، والدعايات الشهوانية فتضيع الغيرة أيما ضياع.
* أيضاً من الأسباب: عدم تفعيل قوامة الرجل من إقرار زوجته وموليته في دارها والحفاظ على خمارها.
وهذا يؤدي إلى خروجها وتبرجها وطلبها لمساواة الرجل في ما يختص به.
فتبرز المرأة من دارها وتحيطها الأنظار، وتحف بها الفتن فتشيع الفاحشة في الذين آمنوا..
ويستشرفها الشيطان فيفرح بذلك دعاة الفساد والطغيان.
* أيضاً من الأسباب: اتباع داعي الهوى مما يجعل الإنسان ينسى أو يتناسى حق الله، وأمره جل وعز ليحقق مراده ويرضي هواه...وما علم المسكين أن من يهوى..هوى في الهاوية.
http://saaid.net المصدر:
=============
الوقفات الثلاث مع العمل الخيري
الدكتور محمد بن عبد الله السلومي
الوقفة الأولى:
ورد في السنة النبوية: (ما من أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أوقف).
وفي هذا الأثر إشارة إلى تأصيل الأوقاف وهي النواة الأولى للمؤسسات والأعمال الخيرية.(17/85)
وورد كذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (سبق درهم مائة ألف درهم) والتبرعات العامة في الأماكن العامة من الأعمدة الرئيسية لنجاح العمل الخيري، وفي هذا الحديث حث على المشاركة الشعبية وبكل الوسائل لتوسيع دائرة الإحسان لكل مشارك حتى الفقراء والصغار والكبار والنساء والرجال؛ لتكون مشاركة جميع شرائح المجتمع في العمل الخيري ودعمه بكل الموارد البشرية والمالية للأمة.
وقد جاء الصحابة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - يستشيرونه - ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه - فكان توجيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليه في أرض خيبر تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة بعيداً عن الدولة التي يرأسها المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
وفي هذا الحديث إشارة إلى بناء قوة للأمة غير موازية ومساندة لقوة الدولة، وذلك بالأوقاف الخيرية، وتأسيس أعمال الخير والبر بشكل يساند قوة الدولة الإسلامية، ولا تتأثر الأمة الإسلامية بضعف أو انكسار الدول.
بهذه الأحاديث من سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - كان للأمة قوة مساندة عبر 12 قرناً من الزمان، وكانت الحضارة الإسلامية نتاج ذلك التشريع، بل وكانت مشروعاتها الوقفية خير داعم للتصدي ووقف العدوان الخارجي.
لقد تجاوزت الأمة الإسلامية بأخذها بمبادئ السيرة النبوية بهذا الجانب أن تعدت تغطية احتياج حقوق الإنسان إلى حقوق الحيوان والتاريخ شاهد بذلك.
الوقفة الثانية:
حينما نأخذ بمبادئ السيرة النبوية ونعمل بالسنة النبوية؛ فإن القطاع الخيري في الإسلام قد يصل من حيث الموارد المالية وتلبية احتياج حقوق الإنسان إلى أن يكون هو القطاع الأول من قطاعات التنمية الرئيسية الثلاثة للدولة (القطاع الحكومي والقطاع التجاري الخاص والقطاع الخيري)، وذلك من حيث الترتيب؛ لأن الحضارة الإسلامية عبر التاريخ نتاج هذا القطاع حتى كان موقعه الإداري والتنموي قبل القطاع الحكومي والقطاع التجاري، وقد تم تغييب القطاع الخيري الإسلامي من موقعه الإداري والاعتباري في دول العالم العربي منذ عام 1224هـ زمن محمد علي باشا، حينما أمم العمل الخيري بتأميم الأوقاف والمساجد وأنظمتها، وذلك بمشورة بعض الخبراء الفرنسيين، وأصبحت الأعمال الخيرية مرسَّمة وتابعة للدولة على حساب الأمة.
وبهذا التأميم والترسيم أُعطيت الأعمال الخيرية فضول المواقع الإدارية والأوقات والأموال لتعطي فضول النتائج بل وأصبح هذا القطاع بغياب مفاهيمه الإدارية والمؤسسية الصحيحة التي تعطيه الصفة الاعتبارية والاستقلالية غائب عن الشراكة في عمليات التنمية منذ ذلك الوقت، وحينما بدأت المؤسسات الخيرية الإسلامية في العالم أجمع لاستعادة شيء من هذه المكانة وهي لازالت وليدة وفي طور الحضانة مادياً وإدارياً كانت (دعاوى الإرهاب) جاهزة ومُعلبة للإجهاز عليها.
ويكفي أن نعلم أن لهذا القطاع مسميات في ضل الإدارة الحديثة لأي دولة من الدول المتقدمة مادياً ولكل اسم دلالات معينة ومهمة ومنها:
1- القطاع المستقل (Independent Sector) ويرمز له (IS)
2- قطاع المنظمات غير الحكومية: (Non Government Organization) ويرمز له: (NGO)
3- قطاع المنظمات غير الربحية (Non Profit Organization) ويرمز له (NPO)
4- القطاع الخيري (Charitable Sector) ويسمى كذلك (Philanthropy Sector) كتخصص دقيق.
الوقفة الثالثة:
إن الإدارة الحديثة للدولة - والتي تعمل بها أمريكا ودول أوروبا وكثير من دول آسيا وبشكل عام كما يقال دول الشمال كلها - تعمل بمفهوم القطاع الثالث، كقطاع شريك للقطاعين الأخريين في عمليات التنمية، فيكون للقطاع الخيري جامعاته ومراكز بحوثه ودراساته ومستشفياته وشركاته الاستثمارية ومدارسه ليقوم بكبح جماح طغيان القطاع الحكومي وسد ثغراته والحد من جشع وطمع القطاع الخاص التجاري "كعملية توازن" والعمل وفق هذه الحقيقة الإدارية هو الذي رسمته السيرة النبوية والسنة النبوية بدون تعسف لفهم النصوص الواردة في هذا الشأن، بل وكان العمل به عبر القرون السابقة كما سبق وهو الذي تطبقه الإدارة الحديثة للدولة في معظم دول العالم وسوف أشير إلى بعض الحقائق والأرقام بشكل مختصر عن ذلك القطاع وقد أشرت إليها بشيء من التفصيل في كتابي: (القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب).
* 212 مليار دولار حجم التبرعات في عام 2002 في أمريكا، 38% منها لأغراض دينية ويعني ذلك حوالي 80 مليار دولار، وهذا غير ميزانيات مجلس الكنائس العالمي.
* 90 مليون متطوع في جميع الأعمال الدينية والإغاثية والإنسانية، بواقع 5 ساعات أسبوعياً في التطوع في جميع التخصصات.
* 32000 مؤسسة وقفية مانحة تمنح الأعطيات والأموال وتساند الجمعيات، وآخر مؤسسة هي مؤسسة بيل غيتس الوقفية مع زوجته بوقف مقداره (24) مليار دولار.
* 80 مليون أصولي من المسيحيين المولودين من جديد يدفع معظمهم إلتزاماً دينياً مقداره 5% من دخله الثابت غير التبرعات والضرائب.
* مليون ونصف المليون منظمة غير ربحية ثلثيها منظمات خيرية 48% منها قائمة على أساس ديني.
* رابطة الجامعات غير الربحية تضم حوالي 100 جامعة أمريكية منها تخصصات للعمل غير الربحي وتخصصات في العمل الخيري الدقيق.
وآلاف المجالس والهيئات الأهلية المستقلة التي تشرف على الأعمال الخيرية في أمريكا.
أما في إسرائيل فقد بلغت ميزانية المشروعات التي تدخل في هذا الإطار 11 مليار دولار في سنة واحدة وهي عام 1995م و يشكل الدعم الحكومي معظم موارد تلك المنظمات حيث وصل الدعم الحكومي إلى 65%(17/86)
كما يوجد في إسرائيل وحدها أكثر من (35000) منظمة غير ربحية، وهي تفوق منظمات وجمعيات العالم العربي بأسره والحديث يطول في هذا.
أرجوا أن نُعيد النظر في قراءة السيرة والسنة؛ لندرك أننا سوف نجد ثروة تأصيلية لهذا القطاع اليتيم في العالم العربي ونكتشف أننا بديننا وموروثنا الثقافي والحضاري سوف يكون كل فرد منا مؤسسة خيرية متحركة، وكل درهم عندنا مع دراهم أخرى أنهاراً جارية من الخير لكل أعمال الخير {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http://islameiat.com المصدر:
==========
معلمة وداعية أيضا
هيا الرشيد
تدخل المعلمة على تلميذاتها في كل يوم دراسي، وتسدي إليهن النصح دائماً بما تجود به قريحتها، ولكن بمرور الأيام قد تجد هذه النصائح فتوراً في التلقي، فيكون من واجب المعلمة هنا التجديد والتطوير لشد انتباه طالباتها إلى كلامها في كل مرّة، ولكن هناك وقت معين تكون الطالبات في حالة من الترقب والحماس لنصائح وتوجيهات المعلمات، لا سيما في المواسم الدينية؛ فالطالبة تكون على أهبة الاستعداد لتلقي وتنفيذ ما يملى عليها، وللمعلمة أكبر فرصة للبذر في أعماق الطالبات، خاصة في المرحلة الابتدائية، فالصغيرات لديهن الاستعداد للقبول أكثر من غيرهن، وواجب التأسيس في هذه التربة الخصبة مفروض على كل من تعمل في المؤسسات التعليمية.
يقول الله - تعالى -: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(سورة النحل125). وهنا يتجلى لنا جميعاَ الواجب المطلوب في المدارس، وهو واجب الدعوة الإسلامية، والتي تعتبر مهمة سامية قام بها الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ولعل أبرز صفة يجب أن تتحلى بها المعلمة هي صفة اللين والتعامل الحسن، فكم من طفلة صغيرة نقلت صوت معلمتها إلى أسرتها الغافلة، وكم من طالبة لم يُلق لها بال أصبحت عنصراَ دعوياً فعّالاَ في المجتمع بسبب كلمة طيبة، أو موقف نبيل.
لن نحدد الطرق والأساليب التي قد تتبعها المعلمة مع تلميذاتها لتوجيههن؛ لأن لكل معلمة أسلوبها الخاص الذي تجيده، ولكن لعلنا ننبه إلى بعض الجوانب التي قد تنجح في تقويم سلوك الصغيرات وزيادة حصيلتهن الدينية، والتي قد تتفرع إلى عدة جوانب، أهمها:
• الحرص على تلاوة كتاب الله من خلال تحديد نصاب معين لقراءته في المنزل، وحفظ جزء ولو يسير من إحدى السور.
• الاهتمام بالأذكار التي وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتعويد الطالبات ذكرَها في أوقاتها ومناسباتها المحددة.
• تعويد الصغيرات العطاء المادي على قدر الاستطاعة؛ عن طريق صندوق التبرعات الذي من شأنه أن يزرع في النفوس البريئة الشعور بالأخوّة والإيثار تجاه الآخرين.
• تشجيع الصغيرات على أداء الفرائض بالتدريج، ومحاولة إتمامها عندما تُغلق المدارس، مع بيان فضل ذلك وأهمية التدرب عليه.
http://www.lahaonline.com المصدر:
==============
ما مشروعك الخاص ؟
د. خالد بن سعود الحليبي
تخيل أن هذا السؤال طرح عليك بعد أن بلغت من العمر عتيا!!
ربما كان جوابك: إنني كنت مديرًا لكذا، ورئيسًا لكذا، وخدمت أربعين عامًا في كذا.. ثم ماذا بعد؟ إنك لم تجب عن هذا السؤال!
ربما كان جوابك: إنني ألفت كذا كتاب، وكنت عضوًا في كذا جمعية، وشاركت في كذا مؤتمر.. ثم ماذا بعد؟ إنك لم تجب عن هذا السؤال!
كل إنسان غيرك يمكن أن يقوم مقامك!
إذا لم تكن قد ابتدعت مشروعًا ابتداعًا، أو أسست عملاً لم يكن موجودًا من قبل، أو اخترعت جديدًا للبشرية، أو كان لك مشروع ثقافي خاص عرفت به...؛ فأنت لم تصنع شيئًا تضيفه للإنسانية، بل أنت من بين الملايين السائرين في هذه الحياة بالقدر الذي وفقوا له بما تسمح لهم به مواهبهم وقدراتهم وبيئاتهم.
الواقع أن الحياة تسير بسرعة هائلة لا تعرف البطء، ومن يسوف فسيجد نفسه فجأة أمام نهاية المطاف دون أن يشعر. والمبدعون وحدهم- الذين يعرفون قيمة الزمن المنصرم.. هم مهندسو الدقائق والثواني، الذين يعرفون كيف يديرون اللحظات بكل جدارة، ولذلك يذهل الآخرون وهم يرون إنجازاتهم التي لا تكف عن التبرعم ثم الإزهار ثم الإثمار، وبينما هم مشغولون بإنتاج الجديد ينشغل الآخرون بعد إنجازاتهم أو الحومان حولها تفنيدًا أو إعجابًا أو دراسة.
إن كثيرًا من الناس قد شغل حياته بمشروعات الآخرين، يتمم لهذا مشروعًا، ويرخص لهذا ساعاته الطوال كي ينجح مشروعًا آخر ليس من إنتاج فكره.. وفي ذلك تعاون على البر والتقوى ولا شك؛ ولكن الحقيقة أنه سوف يبقى مثل هذا دون مشروع يخصه، يقدمه لأمته ولمجتمعه.
إذا لم تقف الآن تراجع حساباتك السابقة، وتفكر مليًّا فيما ذهب وفيما سيأتي، وتخطط لحياتك واضعًا هدفك الشريف أمام عينيك، سوف تجد نفسك تسير نحو هوة سحيقة هي النهاية غير المنتجة.
كلنا نغرم بقراءة سير العظماء الذين تقدمت بهم البشرية، ونالت بهم شرف الاستخلاف، عمروا الأرض بأمر الله، واستقبلوا الموت بابتسامة الرضا عن أنفسهم. والمؤمنون منهم كلهم ظن في الله الكبير أن يتقبل منهم ما عملوا وأن يجدوا ذلك حسنات لا يعرف حدها إلا الله - تعالى -.(17/87)
ولعل من أبرز موانع تسنّم هذا الأمر هو الشعور السلبي الذي يحسه بعضنا بأنه ليس من هؤلاء، ولن يستطيع أن يفعل شيئًا في هذا الاتجاه، والحقيقة أنه ربما كان بين أعصابنا يجثم عملاق يريد أن يتحرر من ربقة ظلم النفس، والاستهانة بطاقاتها الكامنة؛ فمتى سنطلقه؟!
إن لدى كل مولود طاقة إبداعية رائعة، اكتشفها بعضهم فسقاها فأورقت، وغيبها آخرون فماتت؛ فلم يخسروا هم وحدهم، بل خسرتهم البشرية كلها.
نعم يجب أن يكون لك أيها المؤلف كتابًا يمثلك من بين عشرات الكتب التي أصدرتها، وأن يكون لك أيها المهندس اختراعك الذي تسجل له براءة في أكبر المؤسسات العالمية التي تخص اختصاصك، وأن يكون لك أيها الصحفي عملك الذي لا تشبه فيه الآخرين، وأن يكون لك أيها العالم أيها الأديب أيها الطبيب أيها... مشروعك الخاص بك أنت وحدك.. فهل ستبدأ الآن؟.
11/2/1425
01/04/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
============
رسالة إلى صاحب محل تجاري
د. يوسف محمد علي السعيد
عزيزي صاحب المحل التجاري:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، تحية طيبة وبعد:
ما من فردٍ منا إلا ويحب مجتمعه ومحيطه الذي يعيش فيه، إنك و أسرتك جزء من هذا المجتمع، وسلامة المجتمع وتطوره هو بحدّ ذاته سلامة لأسرنا ونموها ودرء المخاطر عنها.
فكلما ارتفع مستوى الوعي لدي أفراد مجتمعنا كلما كان ذلك عائداً علينا وعلى أولادنا و بناتنا بالخير و البركة.
انطلاقا من هذه البديهة؛ فإني - و بعد قراءة موسعة حول التربية و التعليم - وجدت أنه يمكن لنا تعليم وتوعية أفراد مجتمعنا بطرق متعددة وغير محصورة بعدد.
لذا؛ فإني أهيب بك أن تكون أحد المشاركين في رفع مستوى الوعي لدي مجتمعاتنا، و العمل على تفجير طاقاتها الكامنة فيها، والمسألة لا تحتاج منك الكثير، كل ما نراه، أن تقوم بتبني الإستراتيجية التالية، ألا وهى استثمار أكياس المشتريات الخاصة بالمحل كوسيلة تنشر عن طريقها حكمة أو توجيها تربويا أو صورة هادفة معبرة عن قضية من قضايا المجتمع أو قضية من قضايا عالمنا العربي والإسلامي.
الجمل التالية اخترناها لك؛ لتنتقي منها ما تراه مناسبا للمجتمع من حولك، ولك أن تختار أحدها لتكون مكتوبة ضمن التصميم الذي تختاره مطبوعا على الكيس. ففي كل مجموعة - مثلاً - ألفٌ أو ألفان كيس، يكون عليها جملة واحدة ضمن التصميم المختار، فإذا ما انتهت هذه المجموعة يمكنك أن تغير الجملة بأخرى.
واعلم أخي الفاضل أن أكثر الأسر تعيد استخدام الأكياس، فهذا الكيس جوال بين الأسر، فهو بمثابة مُوَجِّه متنقل صامت.
لذا فقد ارتأينا عدم الاستهانة بهذه الوسيلة. كما أن تكلفة ذلك الأمر في تقديري انها زهيدة جدا إذا ما قورنت بفوائده المرتجاة على أفراد مجتمعاتنا، ولكي لا أطيل عليك الحديث فإليك الجمل ألمقترحه وقد و ضعنا فاصله بين كل جملتين، ولك أن تنسج على منوالها ما تراه أولى منها أو النظر فيما يكتب من جمل قصيرة على كل ورقه من أوراق التقويم المتداول بين الناس فإن فيها خيرا كثير إن شاء الله:
الصلاة الصلاة، اكتب مقالا، اكتب قصة، أعد محاضرة، اخطب جمعة، اجري، دون خواطرك، اعمل بالوعظ البنَّاء، كن شجاعاً، كن كريماً، كن واسع الصدر، تعلم أدب الحوار، إقرأ الفاتحة، إقرأ آية، إقرأ سورة الفيل، إياك و الظلم، إقرأ ثلث القرآن، ابتسم، فجّر طاقاتك، اعرف قدرك، اكتب عن نفسك، حدد أهدافك، لا تيأس، لا تضيع وقتك، طور قدراتك، اطلب العلم، اخترع شيء، ألّف كتاب، أعد شريط، عمق علاقاتك، حسن صوتك، لا تكتئب، كن حليماً، اشغل خيالك بالمفيد، زر أقربائك، كم نسبة عملك بما تعلم؟، تعلم فن الاستماع، تعلّم مهنه، كن جواداً، أحب لغيرك ما تحب لنفسك، صاحب أهل الخير و الصلاح، أحضر بخوراً للمسجد، لا تسرح في أحلام اليقظة، ماذا تعرف عن الشيشان؟، آية الحجاب، كن محباً للخير و أهله، فكّر بإنشاء مشروع إنتاجي، اعمل فكل ميسر لما خلق له، إقراء…ارسم…ألِّف قصيدة، تعلم فن الكلام، أصدر مجلة، عدل سلوكياتك؟، تميز!، غيّر اهتماماتك للأفضل، أمّك ثم أمّك ثم أمّك، هل تعرف قيمتك؟، ماذا يقرأ أولادك؟، كيف أنت و زوجك؟، حذر الناس من السرعة، اشتغل بالعمل الخيري، لا تؤذي غيرك،
تمرس على الحاسوب، كم كتابا قرأت هذا الشهر؟، هل فكرت يوما في القبر؟، تصدق، تسامح إلا مع الباطل، لا تحزن، لا تصرخ في وجه أطفالك، مُر بمعروف، إنه عن منكر، هل أطفالك يحبون القراءة؟، ما حقيقة حبك لمجتمعك؟، ساعد ناشطاً في الدعوة، شارك في البرامج الإعلامية الهادفة، كن مضيافاً، كيف تقضي وقتك؟، اعمل شيئا نافعاً، الثلث الأخير من الليل، اصدق في تجارتك؟، عامل جيرانك بالحسنى، جُزيت خيراً، اعمل بالتجارة التربوية، ماذا تعرف عن كشمير؟، إقرأ حديثا نبوياً كل يوم، تقبل النصح بصدرٍ رحب، أنت أكبر من أن تدخن، كم شريطاً إسلامياً سمعت؟، اصنع من الليمونة شرابا حلواً، اعمل شيئا يشكرك عليه الناس، قلل نسبة الهواجس أثناء الصلاة، ساهم في أعفاف مسلم و مسلمة، ماذا تعرف عن النمور الآسيوية؟، هل أديت زكاة مالك هذه السنة؟، هل فكرت بمتابعة مجلة إسلامية؟، هل أبنائك متميزون في دراستهم؟، ما مدي حرصك على الحجاب؟،
تعلّم فن إعداد أفلام الفيديو النافعة، تخصص في الإصلاح الأسري، هل أنت تؤدي الصلاة على وقتها؟، قل سأحاول …سأفعل…سأمضي، ما علامة حبك لأمتك الإسلامية؟، هل تعرف أين أبنائك و بناتك الآن؟، هل فكرت في تنمية مواهبك الدفينة؟، هل أنت إيجابي في مجتمعك أم سلبي؟،(17/88)
ماذا تعرف عن المصارف الإسلامية؟ ماذا تعرف عن رابطة العالم الإسلامي؟، هل تعرف شيئا عن (انتفاضة) الأقصى؟، تصور أنك أنت المسلم الوحيد في العالم، لماذا لا تدرب نفسك على القراءة الجادة؟، أين تضع نفسك -مسلم مؤمن - محسن؟، ماذا تعملون في الاستراحة أنت و زملاءك؟،
كتاب "اسم الكتاب بمؤلف الكتاب" كتاب قيم، الاحتلال اليهودي لفلسطين يجب أن يزول، اعمل أو شارك غيرك في إنجاز بحثا علميا، هل تعرف دور الجامعات على المجتمعات؟، هل لك جهود ايجابية ملموسة في مجتمعك؟، ما هو الكتاب الذي تحب أن يطلع عليه الناس؟، هل تعرف من قال: الأخلاق من غير دين عبث؟، هل لديك سجادة تحمل صورة المسجد الأقصى؟، ماذا تعرف عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي؟، ماذا تعرف عن هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية؟، هل تعلم كيف نشأت الولايات المتحدة الأمريكية؟، هل تستطيع أن تذكر أسماء سبع مجلات إسلاميه؟، كن دائماً كالطفل عندما يقف على قدميه لأول مرة، أنت مسلم (مسلمة) فكم سورة أو حديثا نبويا تحفظ؟، ماذا تعرف عن الخطر النووي في عصر العولمة؟، هل تعلم كم آية وردت في القرآن تتحدث عن الربا؟، هل أسرتك من ضمن الأسر التي تحافظ على الماء؟، هل تعرف شياً عن مكتب التربية العربي لدول الخليج؟، ارصد موضوعاً يتداول في ألصحافه و كوِّن منه كتاباً، أين أنت من الجهود المبذولة في توحيد الصف الإسلامي؟، هل اطلعت على خطة التنمية الأخيرة لبلدك؟، هل تدرك أهمية المنتجات الوطنية والعربية و الإسلامية؟، ماذا تعرف عن المؤسسات التطوعية العالمية في الدول المجاورة؟، هل تعلم أن مصطلح "العمل" ورد في القرآن الكريم ما يقارب 359 موضعا؟، هل للمسجد الأقصى و الأرض المباركة من حوله مكانة في قلبك؟ ما علامة ذلك؟، هل تعلم أن عدد المسلمين في الصين يقارب خمسين مليونا من بين 400 مليون نسمة؟، هل تعلم أن باستطاعة دماغك تخزين ما يزيد على 38 مليون مجلد خلالا 70 سنة من عمرك؟ أسرتك تفتقدك عند بعدك عنها، فهل مجتمعك يفتقدك عند البعد عنه؟ هل أمتك ستفتقدك فيما لو غادرت الحياة؟.
ملاحظات:
1) لاحظ أننا تعمدنا عدم اختيار آيات قرآنية أو أحاديث نبوية، وذلك تحرزا من أن ترمي هذه الأكياس بالزبالة أو يحصل لها نوعا من الامتهان.
2) لاحظ كذلك أن معظم هذه الجمل موجَّهه لذَّكر، لكن يمكنك أن تعيد صياغة ما تراه بحيث يكون موجهة للأنثى على حدٍ سواء.
3) الجملة الخاصة بعنوان الكتاب يمكن ملئها بعنوان كتاب يناسب المحيط من حولك.
4) المؤسسات المذكورة أعلاه هي على سبيل المثال و إلا فالمؤسسات التطوعية النافعة كثيرة.
5) حيث أن هذا المشروع يعني بالبشر، فهو داخل ضمن إطار التنمية البشرية والتي يسعى لها معظم المخططين للمجتمعات البشرية، لذا لا تتردد بالمساهمة التي لا تكلفك الكثير.
6) كما ذكرت سابقاً، لك أن تنسج على منوال الجمل السابقة ما تراه مناسباً للبيئة من حولك، لكنني أؤكد لك أن هذه الجمل منتقاة بشكل ٍ علمي تربوي.
7) قد تلاحظ كذلك أن معظم هذه الجمل قصيرة مما قد يتبادر إلى خاطرك أن لا جدوى من ذلك، لكنني و كما ذكرت سابقا بعد قرائه موسعه عن الدماغ و العلاقة شبه المتكاملة بينه وبين شهوات الإنسان سوء الإيجابية أو السلبية ربطاَ بالأساليب ألحديثه في التربية والتعليم بل ما تَّصف به حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - من جوامع الكلم. أؤكد لك أن البيئة من حولنا ستستفيد كثيرا بإذن الله.
واختتم رسالتي هذه أن تكون سباقا و مقداما للعمل بما ورد في هذا المشروع الخفيف الظل. هذا و الله يحفظك و يجعل تجارتك ذخراً لك في الدنيا و الآخرة.
انتهت الرسالة
أيها القاريء الكريم - أيتها القارئة الفاضلة - ما عليكما تفضلا لا أمرا، إلا أن تنسخا هذه الرسالة وتقوما بمنولتها صاحب المحل التجاري الذي تتسوقون منه، شاكراً لكما جهودكما وحبكما لمجتمعكما المسلم.
http://islameiat.com المصدر:
==========
سعة الأفق
أحمد الصويان
من نعمة الله - تعالى - على العبد أن يرزقه سعة في الأفق، وعمقاً في النظر، فيتسع فكره، وينطلق في آفاق رحبة واسعة، ويؤتيه الله بصيرة نافذة تجعله ينفذ إلى أعماق الحقائق وأبعادها، فيقدرها بقدرها، ويضعها في مواضعها.
ومما يعين الإنسان على سعة الأفق:
1 حرصه على طلب العلم والجدّ فيه، وأخذه من أهله الأثبات الراسخين، والصبر على تتبع مسائله في مظانها المختلفة، وحرصه في بدء الطلب على أن يأخذ من كل فن أصوله وقواعده لكي تتكامل معارفه وتتألف علومه، والعلم هو الركيزة الأساس التي تبني عقل الإنسان وتجعله يستقيم على الجادة؛ ألم ترَ أن الجاهل يعيش في ظلمة فلا يبصر طريقه، فإذا عرض له عارض صار يتخبط ويضطرب؟ بينما ترى صاحب العلم والفهم حاذقاً فطناً يفتح الله عليه من أبواب العلوم ما يجعله قادراً على رؤية أبعاد واسعة لا يراها من هو دونه.
2 تنوع ثقافاته، وتعدد قراءاته في مختلف أنواع المعرفة العلمية، فالمتخصص في الدراسات الشرعية مثلاً لا ينحصر في هذا التخصص؛ بل تمتد عنايته واطلاعه إلى الدراسات الأدبية والفكرية والإنسانية الأخرى؛ فهو يتنقل في حقول العلم والفكر، ويمتص رحيق الأزهار بألوانها وأشكالها المتنوعة، وهكذا بقية المتخصصين في فروع أخرى من العلم.(17/89)
3 كثرة محاورته ومجالسته لأهل العلم والرأي؛ فبالحوار العلمي الجاد تتسع مدارك الإنسان، ويقف على أشياء قد لا تخطر بباله على الإطلاق، وقديماً قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -: "إني وجدتُ لقاء الرجال تلقيحاً لألبابهم"(1). وقال الزهري: "العلم خزائن ومفاتيحها السؤال"(2). وقال أيوب السختياني: "إنّك لا تعرف خطأ معلمك حتى تجالس غيره"(3).
ولهذا كان السلف يحثّون طالب العلم على الرحلة والسفر لملاقاة العلماء واكتساب مختلف أنواع العلوم والمعارف، وفي هذا يقول ابن خلدون: "على كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها"(4).
4 حرصه على التأمل والنظر والتفكر، وشحذ الذهن وتنشيطه في دراسة المباحث والمسائل، والفكر الحي المعطاء هو الفكر المتّقد الذي ينبض بحيوية ونشاط، فلا يكسل ولا يعجز ولا تصيبه السآمة والملل، وكثرة التفكر تنمي المَلَكة، فـ(كثرة المزاولات تعطي الملكات، فتبقى للنفس هيئة راسخة وملكة ثابتة)(5)، كما أنّ الفكر المنظم المدروس هو الذي يبني العقل ويجعله يستقيم على الطريق، وأما العشوائية والارتجالية في التفكير فإنها تشتت الذهن وتفرّق الهم.
من الأدواء الفكرية المنتشرة عند كثير من الناس: ضيق الأفق، والنظر إلى المسائل المختلفة بسطحية مفرطة.
أما الإنسان الذي لا يفكر، أو يفكر بطريقة راتبة أو عشوائية، فإنه بالضرورة إنسان عاجز لا يقوى على إعطاء التصور الصحيح للمسائل، بل قد يقوده تفكيره أحياناً إلى التخبط والاضطراب.
5 اطّلاعه على التجارب والخبرات البشرية في القديم والحديث محاولاً قدر الطاقة اختزانها في عقله لكي يستطيع توظيفها التوظيف الأمثل إذا دعت الحاجة إلى ذلك، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.
6 تحرره من التقليد الأعمى بكل صوره وأشكاله؛ فهو يستفيد من أشياخه وأقرانه وأصحابه وغيرهم، ثم ينطلق بفكره الحرّ يتلمّس مختلف السبل بعقلية ناضجة مستقلة؛ وليس كل الناس يقوى على ذلك؛ فأصحاب الفكر هم المعادن الكريمة النادرة، وهم القادرون على توجيه الأمة، وأما عامة الناس فهم همج رعاع أتباع كل ناعق، وبين هؤلاء وأولئك فئام من الناس أخذوا من كل فريق بطرف.
ضيق الأفق:
من الأدواء الفكرية المنتشرة عند كثير من الناس: ضيق الأفق، والنظر إلى المسائل المختلفة بسطحية مفرطة؛ فكم ينقبض صدر المرء حينما يرى من بعض الناس أن القضايا المصيرية العظيمة في مسيرة الأمة تؤخذ بعين الغفلة والسذاجة وقلة الفهم والبصيرة!
ومن أبرز أسباب ضيق الأفق:
1 الجهل وقلَّة البضاعة؛ فكم جرَّ الجهل على أصحابه من المهالك والمفاسد! والجهل دركات بعضها أسوأ من بعض، وكلما ازداد المرء جهلاً ازداد تهالكاً وانحرافاً، وهل رأيت جاهلاً يقوى على إدراك حقائق الأشياء ومقاصدها، أو يقدر على قراءة الواقع واستشراف المستقبل؟!
2 قلة الفهم والوعي؛ وهما أمران زائدان على مجرَّد الجهل، فرُبَّ صاحب علْم لا يفيده علمه كبيرَ فائدةٍ بسبب ضعف فهمه وعسر إدراكه؛ لأنّه وقف عند حروف الألفاظ، ولم ينفذ إلى معانيها ومراميها، والفهم بضاعة نادرة لا يؤتاها إلا أصحاب العقل الراسخ والبصر النافذ، وصاحب الفهم يفتح الله عليه من إدراك النصوص والوقائع ما لا يخطر على بال غيره، قال ابن القيم - رحمه الله -: "ربّ شخص يفهم من النص حكماً أو حكمَيْن، ويفهم منه الآخر مائة أو مائتين"(6).
3 الرتابة في التفكير ورؤية المسائل، والاعتماد على المألوف المعتاد فقط، وهذا بالتأكيد يجعل الإنسان أسيراً في بيت مغلق، كما يجعله في عزلة فكرية يحبس فيها عقله، فلا يقوى على النظر والإبداع والتجديد.
4 التربية التقليدية الهزيلة التي تنتشر في كثير من المحاضن التربوية، وتشكل عقول الناس تشكيلاً يقتل معظم ملكات الإبداع والتفكير.
5 التقليد الأعمى الذي يسد منافذ التفكير، ويجعل المرء مجرد تابع لغيره، فلا يستطيع أن يبني رأيه وفكره بناءً صحياً متجرداً؛ ولهذا تجد أنّ المقلد لشيخ أو لمذهب أو لطائفة من أكثر الناس ضيقاً في الأفق؛ وذلك لأنه لم ينظر إلا من نافذة واحدة، ولم يفكر إلا من زاوية محدودة، وتراه يتنقل بين سراديب ضيقة تنتهي به أخيراً إلى بلادة ذهنية تعصف بتفكيره وتجعله أحياناً يقتنع بالشيء ونقيضه في آن واحد..!
6 الاكتفاء بالنظر إلى ظواهر الأمور المجردة، والتعلق بقشورها القريبة، دون النفاذ إلى أعماقها، أو النظر إلى أبعادها ومقاصدها، ويؤدي ذلك إلى الاغترار بالشكل والبهرج على حساب الحقائق والمضامين؛ مما يحجب الرؤية بغمامة معتمة تطغى على البصيرة، وكم من الأشياء من حولنا نراها في مظهرها الخارجي رؤية معينة؛ ولكننا إذا تجاوزنا ذلك إلى دواخلها، وأزلنا القشرة الرقيقة التي تحيط بها تبينت لنا صورة أخرى مختلفة وبعيدة كل البعد عن الصورة الأولى.
وانظر إلى صفة المنافقين في القرآن: "وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ" (المنافقون: من الآية4)؛ فهل تكفي هذه الصفة الظاهرية لأجسامهم وأقوالهم في إعطاء تصور صحيح متكامل عن هؤلاء القوم؟! بالتأكيد لا تكفي؛ فالقرآن يوضح حقيقة هذا المظهر: "هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" (المنافقون: من الآية4).(17/90)
ونظير ذلك أيضاً: الاغترار بالكم على حساب الكيف، وانظر مثلاً إلى قول الله - تعالى -: "وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً" (التوبة: من الآية25)، ثم قارن ذلك بقوله - تعالى -: "إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ" (الأنفال: من الآية65)، ويتضح من ذلك أن معاني الأمور ومقاصدها الصحيحة تتجلى في حقائقها ومعادنها الأصيلة.
وليس المقصود هنا أن الشكل الظاهري أو الكم مرفوضان كلية؛ ولكن المقصود التحذير من الاكتفاء بهما، أو الوقوف عند حدودهما فحسب.
7 النظرة الجزئية الضيقة التي تختزل المسائل الكبيرة إلى إطار محدود صغير؛ مما يؤدي بالتأكيد إلى تكوُّن تصور هزيل مبتور لا يمثل إلا جزءاً يسيراً من الحقيقة؛ بل قد يؤدي هذا التصور إلى تشويه الحقيقة بسبب نقصها وافتقارها للنظرة الشمولية المتكاملة.
8 الخلط في تقدير المصالح والمفاسد، والجهل في ترتيب الأولويات؛ مما قد يؤدي إلى التعلق بالمصلحة القريبة العاجلة، وإن ترتب عليها مفاسد كبيرة في العاجل والآجل، أو يؤدي إلى تقديم المصالح المفضولة على حساب المصالح الفاضلة.
--------------
(1) المعرفة والتاريخ (1/619).
(2) جامع بيان العلم (1/379) رقم (534).
(3) جامع بيان العلم (1/418) رقم (613).
(4) مقدمة ابن خلدون (ص: 541).
(5) مفتاح دار السعادة (1/284).
(6) مفتاح دار السعادة (1/60).
28/2/1425هـ
http://www.almoslim.net المصدر:
===========
انصر أخاك ( مظلوماً )
عبد العليم صديق
كثيراً ما يتعرض الإنسان ـ في هذه الحياة ـ لهموم وفقر ومصائب ومحن من بأساء وضراء، ولكنها تتفاوت من شخص لآخر، (فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)، وفق حكمة أرادها الخبير الحكيم.
ولكن بعض المصائب أخف من أختها وأخرى أشد من صاحبتها، ومصائب إخواننا ـ الذين تسلط عليهم الأعداء في فلسطين ـ أشدّ وأنكى من جميع المصائب؛ إذ تجتمع عليهم كل المصائب التي أخبر الله عنها: (من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات)؛ ثم سلّاهم بالأجر العظيم ـ إن صبروا ـ فقال: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).
كل يوم نشاهد مناظر ـ إخوة لنا ـ يقتلون ويشردون ويعذبون ونحن على الأرائك متكؤون، وبالأمن ناعمون وكأننا نشاهد منظراً عادياً؛ لِمَا تعودنا عليه، ولِمَا أصاب قلوبنا من الوهن، فلماذا هم؟ ونحن هنا قاعدون وفي البيوت آمنون! أخشى أن ينطبق علينا قول الحق - جل وعلا - (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء) أما هم فابتلاهم ليمحصهم وليرفع درجاتهم كما أخبر المولى (وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين).
فما هو واجبنا اتجاه إخواننا:
[1] أن نتذكر أنّ إخواننا هم إخواننا بمعنى ما تحمل الكلمة فإن المؤمنين إخوة (كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، وبهذا الإحساس تتحرك المشاعر نحو إخواننا الذين لا ينعمون بأمن ولا بشبع، فينادي الإنسان نفسه ماذا أصنع؟ وما هو دوري اتجاههم؟
[2] أن يتقِيَ المسلم ربه فبالتقوى تنكشف الكربات وتتنزل الرحمات (ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض).
[3] إنّ أقل ما يجاهد به العبد هو جزء من ماله ليستشعر معه أنه لو طٌلب منه بذل نفسه لبذلها رخيصة في سبيل دينه.
[4] أن نحثّ أنفسنا، ونحرّض المؤمنين على الجهاد بالمال والنفس والقلم وكل ما نستطيعه، كما قال الله - جل وعلا -: (وحرّض المؤمنين على القتال عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله اشدُّ بأساً وأشدُّ تنكيلاً)، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) رواه أبو داود.
قال صاحب (عون المعبود شرح سنن أبي داود): "الحديث دليل على وجوب الجهاد بالنفس وهو بالخروج والمباشرة للكفار، وبالمال وهو بذله لما يقوم به من النفقة في الجهاد والسلاح ونحوه، وباللسان بإقامة الحجة عليهم ودعاؤهم إلى الله - تعالى - والزجر ونحوه من كل ما فيه نكاية للعدو (ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح)" انتهى مختصرا.
[5] الدعاء: إنّ العبد إذا ألمّت به فاجعة أو أصابته فاقة دعا ربه دعاء المضطر، أفلا ندعو لإخواننا؟
إنّ فضل الله عظيم ولكنه - عز وجل - يعطيه من يشاء كما قال - جل وعلا -: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)، ومن أعظم فضله أن ييسر للعبد الجهاد في سبيله ليسلك أسهل طريق للجنة، وفضل الجهاد لا يخفى على كل مؤمن ويكفي انه ذروة سنام الإسلام كما قال قائد المجاهدين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وتأمل تفضيل الله - عز وجل - للمجاهدين بقوله: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً). قال ابن كثير - رحمه الله - تعالى -: "ثم أخبر - سبحانه وتعالى- بما فضلهم به من الدرجات في غرف الجنان العاليات ومغفرة الذنوب والزلات وأحوال الرحمة والبركات إحساناً منه وتكريماً"
فلنحذر من قول نبينا - صلى الله عليه وسلم -: "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق " رواه مسلم، ولنسعى لنصرة إخواننا فقد قال مولانا: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر).
اللهم كن للمستضعفين من المؤمنين سنداً وناصراً، فإن تنصرهم فلا غالب لهم.
http://new.meshkat.net المصدر:(17/91)
=========
برامج وألعاب للمدارس والمخيمات والمراكز وغيرها
هذه بعض البرامج والمسابقات مأخوذة من كتاب: (المتعة مع البرامج والألعاب) بتصرف - ... تأليف: أحمد بن صالح الخليف.
وهي تنفع للطلاب والطالبات في المدارس، والمناسبات العائلية، والمخيمات، والمراكز وفي الاذاعة المدرسية، وحصص الاحتياط، وغيره الكثير، فجزى الله مؤلفه خير الجزاء...
أولا البرامج ومنها:
1- مهرجان خطابي:
وهو عبارة عن مشاركات بكلمات خطابية، إما تكون ارتجالية أو مقروءة، ولا تتجاوز كل مشاركة الثلاث دقائق، يتقيد فيها الملقي بضوابط الخطابة من (سلامة النطق، وحسن الأداء والتقيد باللغة والوقت المحدد مع الاستدلال ورفع الصوت)
ويتم تحديد لجنة تحكيم لتقييم المشاركين وإعلان النتائج..
2- مهرجان المواهب:
يعلن أن من يرغب بالاشتراك بأي موهبة يجيدها، فليتقدم بها، (كموهبة الخط أو الشعر أو الرسم أو النشيد) ولكل مشارك جائزة، ولأفضل مشاركة جائزة متميزة...
3- مهرجان ثقافي:
تقدم فيه فقرات ثقافية منوعة (حكم و أمثال وأشعار).. ويطرح بين فقراته بعض الأسئلة على الحضور..
4- مهرجان الألعاب:
تكون هذه الألعاب خفيفة وليست ميدانية لئلا تحدث تشويشا في الجلسة العامة للحضور..
5- مسائل فقهية:
تقدم للحضور مسائل فقهية تناسب أعمارهم وتعرض بصورة مبسطة ومختصرة مدعمة بالدليل.. وبعيدا عن الخلافات الفقهية (وتستخدم طريقة الحوار والاستجواب..) ويفتح المجال للحضور لاختيار بعض المسائل.
6- فتاوى:
يتم جمع بعض فتاوى العلماء ويختار ما يناسب منها، ثم تقرأ عليهم أو يسمعونها عبر شريط..
(وبين كل فتوى وأخرى تطرح بعض الأسئلة فيما سبق وتكون الجوائز فورية)
7- مقاطع من شريط:
وتطرح بين كل مقطع وآخر بعض الأسئلة أيضا..
8- برنامج عن القرآن الكريم:
وهذا نموذج لفقرات البرنامج:
1- التقديم.
2- فضل القرآن ومكانته.
3- فضل حفظه وتلاوته.
4- آداب تلاوة القرآن.
5- أسباب معينة على الحفظ.
6- نماذج من تلاوات الحضور.
7- نماذج من تلاوات من الأشرطة.
- يقدم البرنامج أكثر من شخص.
- تقديم الفقرات يكون بطريقة منوعة.
9- لقاءات ومقابلات:
تحدد مجموعة وتجرى معهم لقاءات سريعة (البطاقة الشخصية وأسئلة منوعة عن المواقف المحرجة أو المؤثرة أو الطريفة التي مرت بهم).
10- المزاح وآدابه:
لكثرة المزاح بين الطلاب والطالبات يتأكد عرض آداب المزاح وضوابطه..
فيقدم برنامج يتناسب مع أعمارهم..
ويكون متعدد الفقرات (أدلته، فوائده، آدابه، ضوابطه، آثاره... الخ) ويتخلل البرنامج شيء من الأسئلة والمناقشة.
11- مع الرياضة:
وهذا نموذج لفقرات البرنامج:
1- أهداف الرياضة.
2- مفهوم الرياضة الصحيح.
3- ظاهرة التشجيع.
4- مقطع من شريط.
5- فتاوى الرياضة.
6- أنواع الرياضة.
7- آدابها وضوابطها.
8- مقابلات...
12- سلسلة الآداب:
وتكون بين فترة وأخرى، ويتم اختيار نوع من الآداب (آداب الأكل، النوم، المشي...)
يتم التعليق عليها وذكر الأدلة عن طريق الحوار والمناقشة.
يتخلل ذلك مقاطع من شريط، وقراءة لبعض الكتيبات التي تحدثت عن جملة من الآداب مثل أشرطة (سلسلة الآداب الشرعية للشيخ محمد المنجد).
13- حلقات الجراحات:
يكون هذا البرنامج على شكل حلقات عن مآسي وجراحات المسلمين.. (فلسطين، كشمير، الشيشان، بورما...)
يكون منوع الفقرات تذكر فيه الإحصائيات والأخبار والحقائق..
13- الغناء.. قصص وعلاج:
يذكر فيه شيء من الأدلة التي حرمت سماع الغناء وأقوال السلف..
ثم تذكر أضراره ونتائج سماعه،،
وبعدها أسباب الوقوع فيه، وبعض قصص التائبين من سماعه..
- وبالامكان إعداد استبيان وإعلان نتائجها في البرنامج.. (ومن المراجع المفيدة " إغاثة اللهفان " لابن القيم)
14- أنها الظواهر:
لقد انتشرت بعض الظواهر السيئة بين أبنائنا وبناتنا، فلو عولجت تلك الظواهر عن طريق برنامج يساهم الطلاب والطالبات فيه لربما ظهرت آثاره..
فتحدد ظاهرة معينة ثم تذكر أسبابها والأدلة التي تحذر منها،،
ثم العلاج والحلول.. ويوزع استبيان مسبقا وتقرأ النتائج في هذا البرنامج مع التعليق عليها..
ومن الظواهر: (ظاهرة القصلت، الإعجاب، التقليد.....)
15- حلقات عن بعض المشكلات:
مثل مشكلة كثرة الكذب:
1- تعريفه.
2- الأدلة على تحريمه.
3- أنواع الكذب.
4- أسبابه.
5- ما يباح منه.
6- آثاره ونتائجه.
7- العلاج.
بالإضافة إلى عمل حلقات عن (علامات الساعة، عالم الجن والشياطين، عالم الملائكة، السحر والعين)
وبرامج عن (سيرة عالم، أخطار المجلات، آفات، مع الفرق والمذاهب، سلسلة المعارك، انت تسأل والعالم يجيب، ما يطلبه الحضور، برامج موسمية....)
المسابقات ذات المناقشة والحوار..
16- مسابقة التسميع:
(يتم الإعلان عنها وتكون على مستويات، ويتم التسميع أمام الحضور ثم التقويم والتكريم..).
17- أحسن تلاوة:
(يعلن، يقرأ أمام الحضور واللجنة التحكيمية، النتائج، ثم التكريم.. ويفضل دعوة أولياء الأمور لتشجيع الأبناء)
18- حفظ السنة:
وتكون على ثلاث مستويات..
19- صلوا كما رأيتموني اصلي:
يقوم احد الحضور بتقديم صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -..
يقدمها نظريا وعمليا ثن يتوقف..
بعد توقفه تكون هناك لجنة لطرح الأسئلة على ما سبق.. وهكذا بعد كل ركعة مثلا يتوقف وتطرح اللجنة أسئلتها.
في النهاية يطلب من احد الحضور تطبيق الصفة أمام الجمهور..
يشترك الجمهور في تحديد الأخطاء التي وقع فيها المتسابق..
ويتم تكريم المشتركين..
20- ويتم تطبيق الخطوات السابقة في برامج مختلفة مثل:
1- كيف تأكل.
2- هل تجيد طريقة الشرب.
3- صفة الوضوء والتيمم.(17/92)
4- المشي وآدابه.... وغيرها من مواضيع...
21- مسابقات للطابور:
1- من يعرف الآية: يقوم السائل بذكر آية ويحاول المتسابقون معرفة في أي سورة هي..
2- المساجلة " لتنشيط العقل": وتكون بين مجموعتين أو شخصين.. ومن صور المساجلة: مساجلة المدن، مساجلة الأسماء، مساجلة المعارك، بالإضافة إلى المساجلة الشعرية..
3- العد اللغوي: يخرج اثنان.. الأول يذكر عددا بالعربي والأخر بالإنجليزي تصاعديا..: مثل أن يقول الأول (واحد)، والثاني (تو) والأول (ثلاثة) ويقول الثاني (فور)... وهكذا.. ثم تكون بالعكس أي الأول يكون مكان الثاني.. كما يمكن تطبيق اللعبة تنازليا وبنفس الطريقة.
4- الخطيب المفوه: يخرج ثلاثة وكل منهم يلقي خطبة لمدة دقيقتين بدون أن يذكر حرف الراء مثلا أو أي حرف يتفق عليه.. أو كل منهم يحدد له حرف غير حرف المتسابق الآخر.. ومن أخطأ يخرج...
5- السند أو الحافظ: يخرج مجموعة من المتسابقين.. يختار أولهم اسم سورة من القرآن بصوت عالي (الطور) مثلا.. ثم الذي بعده يذكر هذه السورة وأخرى يختارها فيقول: (الطور، التوبة).. والثالث: (الطور، التوبة، ويختار (الكهف)..... وهكذا.. ومن يخل بالترتيب أو ينسى اسم سورة يخرج من اللعبة.. والفائز يطلق عليه "الحافظ".. ويمكن تطبيق اللعبة بأسماء الصحابة أو غيرهم وفائدة اللعبة (التسلية، والتعويد على الحفظ).
6- مسابقة حذف النقط: بحيث يعطى المتسابقين عبارة أو بيت شعر ويكتبونها لكن بدون نقط والفائز من ينتهي أولا وتكون عبارته بدون أي نقطة....ويمكن الاستفادة من أبيات قصيدة الأصمعي (صوت صفير البلبل)..ففيها الكثير من الأبيات المفيدة في مثل هذه المسابقة..
http://saaid.net المصدر:
==========
تذكير الغافلين عن صلاة الفجر
إبراهيم عسلية أبو محمد
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} {الأحزاب: 23}
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
إخواني في الله أنظروا إلى أعمال هذا الشهيد الشيخ المجاهد أحمد ياسين - رحمه الله - يا من تصلون في بيوتكم ويا من تصلون الصلوات في المسجد إلا صلاة الفجر وأنتم أصحاء يا من عندكم النعمتان الصحة والفراغ كما قال رسول الله صلى الله علية وسلم ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)) أو كما قال - صلى الله علية وسلم -.
وهذا الشيخ الجليل - رحمه الله - لا يوجد عنده الصحة ولا الفراغ بل مريض ومقعد ومطارد. يقول الله - عز وجل -: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً} {الفتح: 17}.
رغم ذلك يخرج الشيخ إلى الصلوات وبالذات صلاة الفجر ويلبي نداء ربه - تبارك وتعالى - وهو عنده العذر والرخصة فما عذركم انتم أيها الأصحاء يا من أمنتم في بيوتكم انظروا إخواني في الله إلى هذه الأعمال والكرامات التي سبقت بلحظات قليلة من استشهاد الشيخ المريض المقعد المطارد - رحمه الله -. من هذه الأعمال والكرامات..
نال الشهادة وهو على وضوء وطهارة
نال الشهادة بعد صلاة الفجر في جماعة في بيت الله
نال الشهادة وهو صائم في ذلك اليوم
نال الشهادة بعد الاعتكاف في بيت الله
نال الشهادة وهو في ذمة الله
نال الشهادة وهو ذاكر لله
نال الشهادة بعد أداءه للأمانة وتبليغ الرسالة
نال الشهادة بعد طلبها بصدق فصدقه الله
نال الشهادة وهو خارج من بيت الله
نال الشهادة في يوم ترفع فيه الأعمال إلى الله
إخواني في الله هذه بعض من الأعمال والكرامات التي أكرم الله بها الشيخ المجاهد أبا محمد أحمد ياسين فلنأخذ من استشهاد الشيخ المجاهد العبر فهل من معتبر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
http://ezzedeen.net المصدر:
===========
أين أنت عن نوح ؟؟
سلطان العمري
من السهل جدا أن نتكلم عن الصبر في طريق الدعوة والتضحيات التي لابد أن يقدمها الدعاة في سبيل نصرة الدين إنه كلام جميل أخي الداعية.
ولكن ما رأيك أن نطوي صفحات من التاريخ ونقف على صورة من صور الصبر العجيب إنه صبر نوح - عليه السلام -:
لقد مكث (950) سنة ليلها ونهارها، في سبيل تبليغ هذا الدين إنه عدد كبير، وعظيم لمن تأمله إن الواحد منا لو بقي في برنامج دعوي لمدة أسبوع واحد يقضي نصف يومه في هذا البرنامج إنه لو فعل ذلك لرأى أنه قدم الكثير والكثير.
ربما لأنه يغفل عن سير الأنبياء في ذلك وربما لأنه لم يعاني من هموم الدعوة والمدعوين إلا القليل تعجبت من ذلك الشاب الذي يتضجر من والده فلما قلت له: كم مكثت في دعوته ونصيحته؟؟
قال: لي معه أسبوع، ولم يتغير سبحان الله!!!!
أين أنت عن نوح؟؟
وآخر: عنده ملاحظات على زوجته
قلت له: هل قدمت لها مؤثرات دعوية؟
كم لك معها تنصح وتعلم؟
قال لي معها سنة لم يفد فيها شيء.
سبحان الله!!!!
أين أنت عن نوح؟؟؟
وتلك المرأة تعاني من ضعف الدين لدى زوجها وقلة تقواه تقول: تعبت منه لا يفيد فيه شيء يا ترى كم لك معه يا أختاه؟؟
وما هي الوسائل الدعوية التي قدمتيها له؟؟
إنك لو كنت تحملين همّ هدايته لتعرفت على وسائل التأثير فيه لكي تساعدي في هدايته فأين أنت عن نوح؟؟؟
وهناك في ذلك المسجد (إمام) فاضل قدّم لجماعته شيء يسير من وقته ومن علمه بعد صلاة العصر فقط وتجده يتأفف من المنكرات لدى الناس والأخطاء عند المصلين يا ترى كم هي الفوائد التي قدمتها لهم؟(17/93)
وكم هي الزيارات التي قمت بها لهم؟؟
وكم.... وكم
فأين أنت عن نوح؟؟؟
وذلك المدرس عنده (24) حصة قد (بُح) صوته وينتظر بفارغ الصبر (الإجازة السنوية) لكي يتخلص من هذا الإزعاج!!
أين أنت عن نوح؟؟
إنها نماذج كثيرة إخوتي الدعاة...
إننا بحاجة أن ننظر في سير الأنبياء والمرسلين
نعم..........
(أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)
http://www.deen.ws المصدر:
============
الضغوط النفسية في حياة الداعية (1-5)
عوض بن محمد مرضاح
الحياة مليئة بالمشاغل.. والداعية الناجح يحرص على التخفف منها والفهم الدقيق لنفسيات ا لمدعوين.
يبحر الداعية إلى الله - تعالى - في سفينة الدعوة فتقابله الأمواج والعواصف، وتعتريه حالات من الإقدام والإحجام، فيتعرض لمد يشد أزره ويقوي إصره. وأحياناً يصيبه شيء من الإحباط والتخلف عن الركب، أو التأخر، والسبب إما عوامل نفسية داخلية (ذاتية) أو أحوال بيئية خارجية. لكن لماذا هذا الموضوع؟ وهل نحتاج إليه فعلاً؟
الجواب: نعم للآتي:
الحياة مليئة بالمشاغل والمهام وكثرة الأعباء وزيادة التكاليف، وكل هذا يؤثر على حياة الداعية.
الداعية شخصية اجتماعية مع جميع طوائف الناس فكان واجباً عليه الفهم الدقيق لنفسيات الغير ومعرفة فن التعامل مع الآخرين.
الدعوة ضرورة لكسر الحواجز والعوائق التي تعيق الداعية عن الاستمرار في طريقه وخطه الدعوي، فضلاً عن أهمية تأصيل مبدأ استثمار الطاقات والقدرات وتطويرها داخل نفسية الداعية وتعميق جانب صدق اللجوء إلى الله، والثقة به، والاعتماد عليه حتى يرى النصر المبين، وأخيراً لمعرفة المنهج السليم في التغلب على هذه الضغوط والتعامل معها ضماناً لاستمرار الداعية في دعوته.
وقبل الانطلاق، هناك سؤال: هل للضغوط النفسية فوائد؟
الجواب: نعم، قال - تعالى -: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } [ البقرة:216 ] فمن فوائدها:
* أنها تدفعنا لتطوير نظام وطريقة حياتنا بحيث تصبح أكثر تنظيماً ودقة.
* تنمي روح التحدي والصمود داخل نفسية الداعية.
* تشعل شمعة الإبداع داخل عقلية الداعية بحرصه على ابتكار الحلول وتغيير الواقع الذي يعيشه.
* وجود الضغوط يعتبر مؤشراً على ظهور خلل يحتاج إلى تعديل أو إزالة.
* الداعية الذي يعمل ويجدّ ويكدح في المناشط الدعوية يتعرض لذلك بخلاف غيره.
* تكون سبباً في الانتقال من مرحلة إلى أخرى ومن خطوة ثابتة إلى خطوة أخرى إلى الأمام.
* قد تكون هذه الضغوط من الابتلاء وإذا أحب الله عبداً ابتلاه.
والضغوط النفسية هي:
حالة تنتاب الداعية فتعيقه عن الوصول إلى تحقيق الكثير من الأمور التي يسعى لنيلها والظفر بها وتتسبب في شلله فكرياً وجسدياً، وتكون هذه الضغوط:
أولاً: ذاتية (نابعة من داخل الداعية) مثل:
1- عدم وضوح الهدف.
2- الضغوط الوهمية.
3 – ضعف الشخصية.
4- العاطفة.
5- الضعف التعبدي (روحي).
6- الأمراض الخفية (التصدر والظهور، الحسد والإعجاب وإرادة الثناء).
7- العشوائية الفكرية.
8- الفوضوية في التعامل مع (الوقت).
9- الحساسية المفرطة.
ثانياً: (خارجية من المحيط الخارجي للداعية) مثل:
1- الزوجة.
2-الأولاد.
3- الوالدين.
4- العمل.
5- عدم رؤية الثمرة.
6- كثرة التكاليف.
7- التجريح.
8- كثرة العلاقات الاجتماعية.
9- عدم وجود المرجعية.
10- الإغراق في الديون.
11- الواقع الأليم.
والآن: نفصل هذه الضغوط، واحداً بعد الآخر، ونبدأ بالمجموعة الأولى:
أولاً: الضغوط النفسية الذاتية:
1- عدم وضوح الأهداف:
المعنى: أن يكون الداعية فاقداً للأهداف التي ينبغي عليه أن يحددها، وأن يرسم استراتيجية لتحقيقها، فلا رؤية مستقبلية لما يريد إنجازه، فحاله كحال ربان السفينة الذي يسير في البحر فاقداً بوصلة الاتجاهات.
فكيف تكون حاله بهذه الكيفية؟
المظاهر:
1- البعد عن النجاح وعدم الوصول للمعالي.
2- الخوف من إطلاع الآخرين على أعماله.
3- الفشل المتتابع وعدم الاحتراز منه.
4- الثبات في مكان واحد ومكانة واحدة وعدم التطوير والتجديد.
5- الرضا بالدونية وقتل روح الطموح في النفس.
6- زيادة الجهد وقلة الإنتاجية.
الأسباب:
1- الجهل بطريقة وضع وتحديد الأهداف.
2- الفوضوية في العمل والبعد عن التنظيم.
3- البيئة التي يخالطها بعيدة عن استراتيجية وضع الأهداف.
4- الخوف من الفشل، وعدم تحقيق ما خطط له.
5- وضع أهداف خيالية بعيدة عن الواقع العملي الدعوي وبعيدة عن قدرات الداعية.
الحلول المقترحة:
1- تعلم طريقة تحديد الأهداف عن طريق عمل الدورات.
2- العمل على زيادة وضوح الهدف المراد الوصول إليه.
3- وضع أهداف صغيرة ثم السير نحو الأكبر.
4- المتابعة من قبل مجموعة العمل الدعوي التي لديها الخبرة الكافية في هذا المجال.
http://islameiat.com المصدر:
============
الضغوط النفسية في حياة الداعية (2-5)
كثرة المشاغل وهمٌ يقتضي مواجهته بزيادة المجهود والتعود على كثرة المسؤوليات
تحدثنا في الحلقة الأولى عن معنى الضغوط النفسية، وأسباب الإصابة بها ومنها كثرة مشاغل الحياة، والهموم، وطبيعة حياة الناس والداعية، وأكدنا أن لهذه الضغوط فوائد عدة منها أنها تدفعنا دفعاً إلى تطوير حياتنا وإصلاح أنفسنا، وتقودنا إلى الانتقال لمراحل أخرى، نحقق فيها نجاحاً أكبر، ثم قسمنا أنواع الضغوط النفسية إلى نوعين: ذاتية داخلية، وأخرى خارجية من البيئة المحيطة، وتناولنا القسم الأول من الضغوط الذاتية، وهي عدم تحديد الأهداف.
واليوم ننتقل إلى بعض الأقسام الأخرى، ونتناولها من حيث: معناها، ومظاهرها، وأسبابها، وأخيراً وسائل علاجها، والوقاية منها.
الضغوط الوهمية
المعنى:(17/94)
شعور الداعية بعدم أهليته للقيام بأمور الدعوة الحركية أو الفكرية بسبب كثرة مشاغله أو قصوره عن هذا الدور .
المظاهر:
1- كثرة التشكي الدائم من كثرة الشواغل وتعدد الصوارف.
2- عدم تحمل أي مسؤولية وإن كانت بسيطة.
3- إيهام النفس بكثرة الأعباء والخضوع لأقل مسؤولية والخوف من تحملها.
4- الاعتذار الدائم عن أعمال البر والخير والدعوة.
5- الاستغراق في الأعمال والمهام الصغيرة حتى لايكون هناك مجال للمشاركة في غيرها.
الأسباب:
1- عدم التعود على تحمل المسؤوليات والمهام في مختلف مراحل العمر.
2- تأثير البيئة الأسرية أو الاجتماعية للشعور بهذه الضغوط غير الفعلية.
3- عدم معرفة القدرات الكامنة داخل النفس ومن ثَمَ تعويدها على الاستغلال.
4- نقصان جانب الطموح وضعف الهمة.
العلاج:
1- تعزيز جانب الثقة في الله ثم في النفس وعدم ازدرائها.
2- البحث عن القدرات الكامنة والعمل على تطوير الذات واستخدام هذه الطاقات عملياً.
3- إيجاد بيئة جيدة لانتشال الفرد من وهم هذه الضغوط عن طريق فتح مجالات عملية له.
4- تنمية جانب الطموح وتعزيز الرغبة في الوصول إلى ثمرة العمل.
ضعف الشخصية
المعنى: مجموعة من الخصال السلبية التي يتصف بها الداعية تحول بينه وبين الشخصية القوية.
المظاهر:
1- عدم الثقة بالنفس، وفي القدرات التي يمتلكها الداعية.
2- البعد عن المشاركة الفعلية والقولية وعدم إبداء الرأي.
3- الرضا بالانطوائية والانعزالية الفكرية والحركية.
4- المسارعة إلى التبعية وعدم الاستقلالية.
5- عدم القدرة على اتخاذ القرار حتى في أبسط الأمور.
الأسباب:
1- الرضا بالواقع والاستسلام له.
2- البيئة الاجتماعية والدعوية التي لا تتيح للداعية فرصة الرقي وتقدم شخصيته.
3- عدم الرغبة في تغيير الواقع الذي يعيش فيه.
4- الاعتماد الكامل على غيره سواء من الوالدين أو الأصدقاء في إنجاز الأمور وعدم الإعتماد على النفس.
5- عدم إعطائه فرصة للتعبير عن أرائه أو كبت الصفات الجيدة فيه والغفلة عن تطويرها.
العلاج:
1- معرفة قدرات الداعية والتنقيب عنها والعمل على صقل مواهبه وتطوير وتنمية قدراته.
2- عمل برامج ودورات وندوات تحث على الإتصاف بقوة الشخصية.
3- كشف عوار الشخصية الضعيفة وأثرها السلبي على الدعوة وبيان أثر الشخصية الإيجابية القوية.
4- الثناء على الصفات الحميدة فيه ومحاولة التركيز عليها وتنميتها.
5- تعويده على إنجاز بعض الأعمال وإتاحة الفرصة له على المشاركة وتشجيعه على ذلك.
غلبة العاطفة
المعنى:
هي الميل القلبي والاتفاق الروحي والرغبة الجامحة في العمل في محيط وبيئة محددة مكونة من أشخاص لايرغب العمل إلا معهم ولا يرضى لهم بديلاً، وتتحكم في ذلك عاطفته الجياشة إذ يؤدي انتقاله عنهم إلى خور في ممارسة العمل الدعوي وربما يصل إلى تركه!.
المظاهر:
1- ترك أو ضعف العمل الدعوي من قبل الداعية حال انتقاله من بيئته الدعوية الاجتماعية.
2- عدم الاندماج في مجموعة أخرى والبعد عن المشاركة الإيجابية.
3- تأخر مسيرة العمل الدعوي في البيئات التي تكثر بها ردود الفعل العاطفية.
4- غرس أخلاقيات وصفات سلبية في نفوس المدعوين تكبر معهم ويمتد أثرها إلى غيره.
الأسباب :
1- ضعف الجانب التربوي الذي تربى عليه المدعو.
2- عدم الفهم السليم للجندية المطلوبة من الداعية إن كان في الساقة فهو داعية وإن كان في المقدمة فهو داعية.
3- البعد عن سرعة معالجة هذا الأمر من قبل نفس الداعية أو المسؤول عنه وانتشاله من هذا الداء.
4- البعد عن التجرد من حظوظ النفس وتأصيل الإخلاص لله جل وعلا.
العلاج:
1- تأصيل مبدأ العمل من أجل الله في المنشط والمكره وهو تحقيق الإخلاص لرب العالمين.
2- معرفة بواعث النفس والميل العاطفي نحو الأشخاص من قبل الداعية والبعد عن التعلق القلبي المجرد.
3- التحسس من قبل مسؤول المجموعة الدعوية والرقابة المهذبة ومعالجة مثل هذه الظاهرة قبل تفشيها.
4- غرس مبدأ الرقابة الذاتية في نفس الداعية وتعميق جانب الحب الصادق الذي يكون من أجل الله.
5- إعداد برامج تربوية وتغيير البيئة الدعوية ما بين الفترة والأخرى عند الحاجة.
الضعف التعبدي الروحي
المعنى: ضمور في الجانب الروحي التعبدي أو الغفلة عن الاهتمام بالنفس من الناحية العبادية، وعدم تقوية الصلة بالمعبود الحق والانشغال بأنشطة أخرى دعوية لا تهتم بالجانب العبادي الإيماني.
المظاهر:
1- التهاون في أداء الفرائض وعدم الحرص على النوافل.
2- عدم الندم والتذمر عند فوات الطاعات.
3- غياب معاني صدق اللجوء إلى الله.
4- غياب الحضور القلبي عند أداء العبادات.
5- تقديم الكثير من المشاغل الدنيوية وأحياناً بعض المهام الدعوية على الفرائض.
الأسباب:
1- عدم الاهتمام بالتربية الذاتية من الناحية الايمانية من قبل الداعية.
2- بعد البيئة الاجتماعية من قبل الأقربين عن تعويد أبنائها ممارسة العبادة.
3- البعد عن الزاد الإيماني مثل تلاوة القرآن والدعاء وملازمة الذكر ونوافل الطاعات.
4- الغفلة عن البرنامج التعبدي الي يضمن للداعية تخفيف معاناته النفسية في الأزمات.
العلاج:
1- إعداد البرامج الدعوية الذي تركز على الجانب التعبدي الروحي للرقي بمستوى الداعية الإيماني.
2- تعويد النفس على معرفة وسائل التربية الذاتية مثل التفكير في أوقات الخلوات والمحاسبة للنفس.
3- تأصيل مبدأ الدعاء وأنه سلاح للمؤمن وللداعية على وجه الخصوص.
4- إيجاد بيئة دعوية تعين الداعية على التخلص من هذه الضغوط من خلال الالتفاف حول
==========
الضغوط النفسية في حياة الداعية (3-5)(17/95)
الأمراض الخفية.. العشوائية الفكرية.. فوضى الوقت والحساسية المفرطة!
تحدثنا في العددين الماضيين عن معنى الضغوط النفسية، وقسمناها إلى نوعين: ذاتية داخلية، وأخرى خارجية في البيئة المحيطة، وتحدثنا في سياق القسم الأول عن ضمور الجانب الروحي التعبدي، وضعف الشخصية، وعدم الثقة في النفس، وغلبة العاطفة، والتشوش الفكري، واستعرضنا أهم أسباب ومظاهر ووسائل علاج تلك الضغوط في حياة الداعية.
واليوم : نواصل استعراض تلك الضغوط النفسية الذاتية:
الأمراض الخفية القلبية مثل (حب الظهور، رغبة التصدر، الحسد، البحث عن الثناء، العجب)
المعنى :
من أبرز ما يُصاب به الداعية من حيث الضغوط النفسية الأمراض الخفية التي لا تظهر للناس بحيث إذا لم تتحقق له هذه الرغبات زاد همه وكبر الضغط النفسي عليه وأثر في حياته سلباً وربما يتقاعس عن الاستمرار في العمل الدعوي.
المظاهر:
1- الاعتزاز بالرأي وعدم قبول النقد لدرجة الغرور.
2- النقد لأعضاء المؤسسة الدعوية وإبراز سلبياتهم دون النظر في الإيجابيات.
3- السعي للوصول لمنصب أو مكانة دعوية بشتى الطرق.
4- طلب المديح الدائم وسروره بذلك والغضب في حالة الذم أو نقص الثناء.
5- البعد عن المشاورة والاعتماد على رأيه فقط.
6- التخلف عن المناشط الدعوية بسبب نظرته السلبية إلى تلك المناشط، وعدم ملاءمتها له.
الأسباب:
1- قلة التربية الذاتية الإيمانية.
2- عدم الاهتمام بالبرامج الروحية والرقائق من قبل المؤسسة الدعوية.
3- بعض النجاحات التي وصل إليها واغتراره بها.
4- عدم علاجه لهذه الأمراض عند ظهورها، وبداية نشأتها.
5- البعد عن صفاء وإخلاص النية لله عز وجل.
العلاج:
1- تأصيل قضية الإخلاص لله في القول والعمل.
2- سرعة علاج هذه الأمراض إثر بدئها، وعدم تأخير العلاج لها.
3- تكثيف البرامج والمناشط التربوية والإيمانية.
4- عدم المدح أو الثناء لمن كان مُبتلى بشيء من ذلك.
5- الرقابة الشديدة لاكتشاف من لديه بعض الأمراض الخفية والبت في علاجها من قِبل مسؤولي النشاط.
6- بيان مغبة تفشي هذه الأمراض في النفس وأثرها سلباً على حياة الداعية.
العشوائية الفكرية
المعنى:
انشغال العقل بالعديد من المهام والأعمال التي يسعى الداعية إلى تحقيقها لكن هذه المهام تفتقر إلى التنظيم والترتيب ومعرفة الأولويات مما يؤدي إلى ضغوط نفسية تؤثر في حياة الداعية سلباً ودعوته.
المظاهر:
1- عدم إتمام الأعمال التي بدأها وانتقاله لغيرها وهكذا.
2- تضارب الأولويات مع الثانويات لعدم وضوحها لدى الداعية.
3- الوقوف في المكان نفسه دون التقدم إلى الأمام لبعده عن الإنجاز للأمور التي يسعى لتحقيقها فكرياً.
4- عدم إتقان الأعمال والعشوائية عند تنفيذها.
5- تراكم وتزاحم العديد من الأفكار والأعمال في آن واحد.
الأسباب:
1- البعد عن المنهجية السليمة عند تزاحم وتوارد الأفكار والأعمال الدعوية.
2- الرغبة في سرعة الإنجاز للعديد من المهام والخواطر في وقت واحد.
3- عدم وجود الموجه والمرجع الحكيم للداعية لكي لايقع في هذا المنزلق الخطير.
4- النظر في إنجازات أصحاب الهمة العالية ومحاولة تقليدهم دون النظر في منهجهم الدعوي والفكري.
5- الاختلاط والانخراط في بيئة (أسرية، دعوية، اجتماعية) تعيش هذه العشوائية.
العلاج:
1- التركيز في تحديد المهام المراد إنجازها مع مراعاة الأولويات والثانويات وتقديم الأهم فالمهم.
2- إيجاد مرجعية فكرية تبصّر الداعية بأموره في هذا المضمار وترشده إلى التعامل الصحيح مع هذه المهام.
3- تأكيد قضية أن الوقت الواحد لا يسع إلا العمل الواحد.
4- تعويد البيئة التي يعيش فيها الداعية سواءً البيئة الأسرية أو الدعوية على تنظيم الأفكار ومراحل الإنجاز لكل فكرة أو مهمة.
5- الاستفادة من خبرات الدعاة السابقين والتأسي بهم.
الفوضوية في التعامل مع الوقت
المعنى:
عدم الاستغلال الأمثل للوقت، بحيث يضيع على الداعية الوقت الطويل دون استثماره واستغلاله مما يتسبب في تراكم الأعمال والواجبات والمهام عليه دون القدرة على إنجازها في الزمن المفترض، ويشكل عبئاً نفسياً عليه يؤدي إلى تأثر نشاطه الدعوي لهذا السبب.
المظاهر:
1- عدم القدرة على الإنجاز للمهام الموكلة إليه.
2- الشكوى الدائمة من ضيق الوقت وزحمة المهام.
3- مضي وضياع وقت طويل دون استغلاله.
4- استغراق الوقت الطويل في مهام قصيرة وبسيطة.
5- عدم التنسيق والترتيب وجدولة أداء المهام المطلوبة من الداعية.
الأسباب:
1- البيئة المحيطة بالداعية التي لا تتقن فن التعامل مع الوقت (الأسرية الدعوية).
2- عدم التدريب على كيفية استغلال الوقت بشكل جيد من قبل البيئة الدعوية التي تحيط بالداعية.
3- كثرة التكاليف المطلوبة من الداعية فيما يتعلق بالدعوة والأسرة والنواحي الاجتماعية.
4- الطبيعة الشخصية الملازمة للداعية وبعده عن تطوير ذاته وعلاجها من الفوضوية في الوقت.
5- عدم معرفة قيمة الوقت، وأنه هو الحياة.
العلاج:
1- عمل دورات وعقد ندوات توضح أهمية الوقت وكيفية استغلاله وفن التعامل معه بإيجابية.
2- الاطلاع على سير المصلحين والاستفادة من خبراتهم في تعاملهم مع أوقاتهم وتطبيقها عملياً في مجال الحياة.
3- إيجاد بيئة علاجية (أسرية، دعوية) تُحسن التعامل مع الوقت وتعويد الداعية على ذلك.
4- الاستفادة من خبرات الدعاة السابقين والتأسي بهم.
الحساسية المفرطة
المعنى:(17/96)
هي المشاعر التي تنشأ تجاه تصرفات وأقوال المنتمين إلى المؤسسة الدعوية من قبل الداعية، ويؤولها إلى مشاعر سلبية تصل إلى درجة سوء الظن بالمجموعة الدعوية أو بعض أفرادها نتيجة تحميل هذه الأفعال والأقوال ما لا تحتمل.
المظاهر:
1- سوء الظن بالمجموعة الدعوية أو بعض أفرادها.
2- التأثر السريع بأقوال وأفعال الإفراد.
3- التأخر عن حضور الأنشطة الدعوية وربما تركها.
4- الانشغال الدائم بتحليل الكلمات والعبارات الصادرة من الأشخاص، وتحميلها ما لا تحتمل .
5- المعارضة لقرارات المسؤول عن هذه الأنشطة.
6- عدم الثقة بالنفس، وعدم تطويرها دعوياً.
7- سرعة الغضب.
الأسباب:
1- ضعف التربية الإيمانية الروحية الذاتية.
2- الوقوع في خطأ ونُبه إليه وعُوقب فيه فأصبح يستصحب كل توجيه له ويجيره لخطئه الأول.
3- عدم تهذيب النفس على مبدأ حُسن الظن بالآخرين والتماس الأعذار.
4- حب الظهور والتصدر والبروز.
5- تكليف من دونه بمهام لا يُكلف هو بها.
العلاج:
1- إعداد البرامج التربوية المناسبة لعلاج مثل هذا الوضع.
2- تكليفه بمهام مناسبة لقدراته وطاقاته.
3- توضيح معاني الأخوة السامية ومبدأ التماس الأعذار.
4- تأصيل منهج السلف الصالح في حُسن الظن في نفسيته.
5- فتح باب الحوار والمناقشة له وإعطاؤه فرصة للاقتراح وذكر السلبيات والإيجابيات التي لديه ومنه.
6- ارتباط الداعية بشخصية مسؤولة عنه يحترمها وتهتم به وتسعى لعلاج قضاياه ومشكلات
===========
الضغوط النفسية في حياة الداعية ( 4 – 5 )
ضغوط خارجية: الزوجة.. الأولاد.. الوالدين.. الوظيفة واستعجال قطف الثمار:
تحدثنا في العدد الماضي عن الضغوط النفسية الداخلية، واليوم نستعرض النوع الثاني من الضغوط، وهي الضغوط النفسية الخارجية، وأعني بها الضغوط التي تواجه الداعية من خارج ذاتيته، وقد تكون من أشخاص لهم تأثير مباشر عليه أو من بيئة اجتماعية أو دعوية يتعامل معها سلباً من قبله أو من قبلهم فيتأثر بذلك فينعكس هذا التأثير سلباً عليه.
من أبرز هذه الضغوط ما يلي:
الزوجة:
قد تشكل ضغطاً نفسياً في حياة الداعية يضطره للتقصير في أداء عمله الدعوي أو تركه بسبب عدم وجود الراحة والسكن النفسي الذي هو من أهم عوامل استمرار الداعية في دعوته وإنجازاته.
المظاهر:
1- التخلف عن حضور الأنشطة الدعوية بسبب الخلافات بينه وبين الزوجة.
2- بعده عن الراحة النفسية والجسدية لعدم تهيؤ المناخ المنزلي الهادئ.
3- الشرود الذهني في كثير من الأحيان انشغالاً بالزوجة ومشكلاتها.
4- كثرة الأسئلة من قبل الزوجة عن كل صغيرة وكبيرة، مما يتسبب في وقوع الداعية في حرج وضيق تجاه الزوجة.
5- خروج الداعية من بيته بكثرة بسبب الحصول على الراحة في أي مكان آخر مما يؤدي به إلى عدم الاستقرار.
الأسباب:
1- سوء اختيار الزوجة وعدم الاهتمام بالدين والأخلاق والمنبت الحسن.
2- عدم اهتمام الداعية بالتربية الأخلاقية والإيمانية والدعوية لزوجه.
3- جهل الزوجة بالدور المناط بالداعية وعدم التكيف معه وإعانته على مهامه.
4- تعود الزوجة على نمط حياتي مغاير لأنماط زوجها، وعدم التكيف مع طباعه.
5- عدم وجود برامج منهجية للاهتمام بزوجات الدعاة ورعايتهن تربوياً.
العلاج:
1- الاستخارة واستشارة أهل الفضل والرشد عند الإقدام على مشروع الزواج.
2- الحرص على الأخذ بوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي (فاظفر بذات الدين تربت يداك).
3- توجيه الداعية إلى الاهتمام بزوجته وتربيتها إيمانياً وأخلاقياً ودعوياً.
4- تكوين مجموعة من الداعيات الصالحات وإلحاق زوجات الدعاة بهذا المحضن التربوي.
5- الاستفادة من التجارب السابقة لمن حدث له الأمر نفسه، ومعرفة طرق العلاج المجرب.
6- بيان عظم الأجر للزوجة من عند الله على إعانتها لزوجها في القيام بمهامه الدعوية.
الأولاد:
من الضغوط النفسية الخارجية التي قد يتعرض لها الداعية من حيث كثرة المتطلبات الحياتية لهم، وعدم وجود الوقت الكافي للتفرغ لتربيتهم مما يؤدي إلى انحرافهم، وما يلحق هذا الانحراف من آثار تعيق الداعية عن استمراره في دعوته بشكل صحيح.
المظاهر:
1- عدم أداء العبادات الواجبة من قبل الأولاد.
2- التقليد الأعمى للعادات السيئة في الملبس والمطعم وغيرهما.
3- تخلف الداعية عن الأنشطة الدعوية وممارستها بسبب رغبته في تعديل السلوكيات المنحرفة.
4- الارتباط بأعمال إضافية خارج وقت دوامه الرسمي مما يجعل وقته مليئاً بالأعمال ويبعده عن الدعوة.
5- انشغال الداعية بتأمين كماليات منزله والمباحات لأولاده وغض النظر عن التربية الدينية.
الأسباب:
1- عدم الانتباه للأولاد منذ نعومة أظفارهم من حيث الرقابة التربوية الإيمانية والأخلاقية.
2- الاعتماد الكامل على الزوجة، وتخليه عن دور الأب التوجيهي.
3- الانغماس في خط دعوة الآخرين دون تخصيص وقت للاهتمام بأولاده دينياً.
4- عدم أهلية الزوجة للقيام بدور التربية والتوجيه وإخبار الزوج عن السلبيات حال بدئها.
5- الانشغال بالعمل الوظيفي أو بعض المشاريع التجارية لتأمين الاحتياجات والمتطلبات الحياتية.
العلاج:
1- التوازن بين خطيْ دعوة الآخرين ودعوة الأولاد.
2- تهيئة الزوجة حتى تقوم بدورها التربوي بنجاح عن طريق الدورات والندوات.
3- مراقبة الأولاد وملاحظة السلوكيات السلبية والعمل على معالجتها حال بدئها ليسهل القضاء عليها.
4- العمل على وضع برامج تربوية لأولاد (بنين بنات) الدعاة وتهيئة رفقة صالحة لهم من قبل أهل الخبرة الدعوية والتربوية.
5- الإطلاع على المراجع التربوية من كتب ومجلات في هذا الصدد والاستفادة منها.
الوالدان:(17/97)
وذلك بأن يعيش الداعية في كنف والديه، أو قريباً منهما مما يجعلهما يراقبانه عن قرب حضوراً وغياباً، ليلاً ونهاراً فيمنعانه من الخروج أو زيارة أصدقائه له ويكلفانه بمهام تمنعه من حضور الأنشطة الدعوية أو يغضبان لغيابه فيسعى لبرهما.
المظاهر:
1- تغيب الداعية عن حضور الأنشطة الدعوية بسبب غضب والديه عند خروجه.
2- السعي الدائم في قضاء حوائج والديه، وما يحتاجان إليه من أغراض وتنقلات عائلية.
3- عدم استضافة الداعية إخوانه، وأصحابه في البيت الذي يسكن فيه والداه.
4- عدم التوازن في أداء الحقوق المتعلقة به ومنها حقوق الأهل والنفس والدعوة وغيرها.
5- ترك الدعوة إلى الله بحجة انشغاله بوالديه أو أحدهما.
الأسباب:
1- وجود صورة مشوهة للدعاة في نظر الوالدين نتيجة بعض التصرفات الخاطئة من بعضهم.
2- الخوف على الابن (الداعية) من الغياب الكثير عن منزله بسبب الحب الكبير له.
3- عدم وجود أي دور إيجابي للداعية مع والديه من حيث خدمتهما والقيام على شؤونهما ورعايتهما.
4- سوء أخلاق الداعية مع والديه والبعد عن الأخلاق الحسنة مما يجعلهما يبغضان الدعوة والدعاة.
5- البيئة التي يخالطها الوالدان بحيث تنقم على الدعاة.
العلاج:
1- المعاملة الحسنة مع الوالدين وزيادة برهما خاصة من الداعية.
2- تنظيم الوقت بحيث يستطيع الداعية أن يوازن ما بين مهامه تجاه والديه وأعماله حيال دعوته.
3- زيارة الوالدين من قبل أهل الدعاة الصادقين، وإعطاء صورة حسنة للدعاة وأهليهم وأبنائهم.
4- بيان الأجر العظيم لأهل الدعوة والأجر الكبير للوالدين اللذين ربيا ابنهما على العمل لهذا الدين.
5- إيجاد بيئة دعوية مناسبة فهماً وسناً لفكر الوالدين، وترغيبهما في ممارسة الدعوة بالمال والنفس.
العمل (الوظيفة):
ارتباط الداعية إلى الله بعمل في مؤسسة أو وظيفة في أحد المجالات الحكومية مما يستنزف وقته وجهده فكرياً وجسدياً، ويعيقه عن الاستمرار في نشاطه الدعوي.
المظاهر:
1- التأخر أو التغيب عن الأنشطة الدعوية الداخلية أو الخارجية.
2- الإجهاد الفكري والبدني والذي قد يتسبب في إعيائه، وبعده عن الممارسة الدعوية.
3- البعد عن مجالس طلب العلم مما يؤدي بالداعية إلى الوقوف عند حد معين من العلم وعدم الترقي في الطلب.
4- عدم استغلال الأجازات الأسبوعية أو السنوية في النشاط الدعوية واستثمارها.
5- الحديث الدائم عن عمله أو وظيفته بشكل دائم وإشغال نفسه بهذا العمل حتى بعد خروجه من دائرة عمله.
الأسباب:
1- التحاق الداعية بوظيفة أو عمل يأخذ عليه كل وقته ويستنزف جهده الفكري والبدني.
2- عدم بحث الداعية عن أعمال أو وظائف بديلة تراعي عامل الوقت ولو بأجر أقل.
3- أن يولي الداعية عمله فوق المعتاد بحيث يزيد على أوقات دوامه الواجبة دون حاجة لذلك.
4- الحرص على العمل حتى في أثناء أوقات الإجازة الرسمية إما الأسبوعية أو في المواسم نظير مردود مالي.
5- عدم مساعدته من قبل مجموعته الدعوية في وضع الحلول لما يلاقيه من عنت في عمله.
العلاج:
1- الاستخارة أو الاستشارة والأخذ بالأسباب حال بحثه عن وظيفة أو عمل.
2- إيجاد عمل يتناسب مع مهامه وتكاليفه الدعوية من حيث الوقت والجهد.
3- الحصول على الأجازات الرسمية السنوية والأسبوعية والمناسبات واستغلالها الاستغلال الأمثل الذي يضمن المشاركة في الدعوة بشكل جاد.
4- عدم استصحاب أفكار وهموم الوظيفة معه في منتدياته واجتماعاته إلا ما كان للضرورة والفائدة.
عدم رؤية الثمرة:
يعني ذلك أن يستمر الداعية في أنشطته الدعوية ليلاً ونهاراً، سراً وجهراً من حيث التوجيه والإرشاد والوعظ والتذكير بالعديد من الوسائل الدعوية، ثم لا يرى لجهده ثمرة واضحة، فإذا به يتقاعس عن الاستمرار والمضي في دعوته فإما أن يكسل أو يترك.
المظاهر:
1- فقد الحماس للدعوة فكرياً وبدنياً.
2- عدم التجديد والابتكار في الوسائل الدعوية.
3- الانعزال عن مجموعة العمل الدعوية ونشاطاتها.
4- التخذيل لغيره من الدعاة بأن العمل لا فائدة منه ولا ثمرة له والانشغال بالنفس وترك الآخرين.
5- تفشي عبارات الكسل والوهن والتثبيط وأن الناس ابتعدوا عن النهج السليم ولا أمل في رجعتهم إليه وهكذا.
الأسباب:
1- عدم فهم دور الداعية بشكل واضح وأنه مأمور بالعمل، ولم يُكلف بالنتائج.
2- قلة العلم بحال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من حيث عدم الاستجابة لأقوالهم ودعوتهم أمثال نوح - عليه السلام - وأن النبي يأتي يوم القيامة وليس معه أحد.
3- التركيز على الجانب السلبي الذي يظهر للداعية من الأشخاص دون النظر في بواطن الأمور من حيث تغير أحوال الكثير من المدعوين إلى حال أفضل مما كانوا عليه من قبل.
4- النظر إلى غيره من الدعاة الذين ظهرت ثمار الهداية على الكثير من مدعويهم وعدم النظر في وسائلهم وطرقهم الدعوية.
5- عدم اهتمام المسؤول بعلاج هذا الخلل في حياة الداعية مبكراً.
العلاج:
1- غرس مبدأ أن المسلم مطالب بالعمل دون النتيجة، فعليه هداية الدلالة وأما هداية التوفيق والمعونة فمن الله - عز وجل -.
2- الاستفادة من أهل الخبرة في مجال الدعوة والتأسي بهم في الوسائل والسبل والأنشطة الدعوية.
3- الاهتمام بالدعاة من قبل مسؤولي وموجهي النشاط الدعوي وعلاج مثل هذه السلبيات في حياة الدعاة مبكراً.
4- التأمل في سير المصلحين على مر العصور من أنبياء عليهم الصلاة والسلام ودعاة مصلحين وسيرهم مع أقوامهم.
5- بث روح الأمل والتفاؤل في النفوس وإبعاد روح التشاؤم.
http://www.islameiat.com المصدر:
==============
الضغوط النفسية في حياة الداعية ( 5-5 )(17/98)
الواقع الأليم والوصفة العجيبة.. اعرف طاقتك ولا تحملها أكثر مما تستطيع.. وتعلم الابتسامة وفن الراحة.
نتحدث في هذه الحلقة (الأخيرة) عن آخر مظهرين للضغوط النفسية الخارجية على الداعية، وهما الواقع الأليم، والصدامات الدعوية، ثم نحاول أن نقدم في النهاية وصفة سحرية للضغوط النفسية: داخلية وخارجية.
الواقع الأليم:
يعيش الداعية وهو يتأمل الواقع الفعلي للبشرية من حيث الانحراف عن منهج الله القويم فينظر إلى قلة المستمسكين بالدين وكثرة المجانبين له فتتولد داخله حالة يائسة من صلاح البشرية، وعندها قد يقعد عن العمل، وهذا من أهم أسباب الضغوط النفسية على الداعية.
المظاهر:
1- القعود عن العمل الدعوي والتخلف عن الأنشطة.
2- النظرة التشاؤمية إلى واقع البيئة التي يعيش فيها وأنه لا صلاح لهذا الفساد.
3- البعد عن تطوير الذات والوقوف بها في مكانها.
4- توقف نفسية الداعية عن الإبداع والابتكار الدعوي.
5- ترك الدعوة العامة بالكلية أو معظمها والاقتصار على نفسه ومن هو معهم.
الأسباب:
1- المتابعة المستمرة لمآسي الأمة وأمراضها.
2- وجود رفقة تركز على هذا العنصر التشاؤمي دون غيره.
3- البعد عن التفاؤل وأنه المنهج القويم الذي علمه الله - جل وعلا - أنبياءه عليهم الصلاة والسلام.
4- الواقع الفعلي لأحوال الناس وأوضاعهم.
5- القعود عن تغيير الحال الراهن والاستسلام للضعف الموجود في الأمة.
العلاج:
1- النظر إلى الواقع نظرة إيجابية متفائلة كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب الفأل الحسن.
2- الانشغال بقضية الإصلاح ومحاربة الفساد.
3- مرافقة صحبة طيبة تعرف الواقع وتنظر إلى المستقبل بمزيد عمل وإصرار.
4- متابعة أخبار وموضوعات الخير في المجتمعات والأفراد.
5- معرفة التاريخ ودراسة السيرة واستخراج العبر والفوائد من الواقع في ذلك الوقت، وكيف تم تغييره.
المصادمات الدعوية:
قد ينشأ خلاف وتباين في وجهات النظر بين داعية وآخر أو مجموعة دعوية وأخرى، فتحمل كل فئة على غيرها وتظهر السلبيات في كل داعية أو مجموعة دعوية، ويصبح هناك أهداف بعيدة عن الصواب مما يؤثر على نفسية الداعية أو مجموعة الدعاة المنتمين لهذه المؤسسة سلباً.
المظاهر:
1- كثرة الخلافات وعدم الجمع بين وجهات النظر.
2- تصيد المعايب، ومثالب الغير.
3- تأخر المسيرة الدعوية عن جني الثمار.
4- البعد عن رصد وإظهار جوانب الخير والإيجابيات في الآخرين.
5- إحجام الكثير من الناس عن الانخراط في السلك الدعوي لهذا السبب.
الأسباب:
1- الجهل بالمنهج السلفي الصالح عند التباين والخلاف في الأمور الدعوية وكيفية معالجتها.
2- طبيعة بعض الأنفس من حيث التركيز على إظهار عيوب الآخرين.
3- الاستعجال وعدم التثبت في تلقي الأخبار وسرعة نشرها.
4- عدم الالتقاء بين الدعاة في دائرة التفاوض والتناصح فيما بينهم.
5- تقديم سوء الظن على حسنه في تصرفات الدعاة الآخرين.
العلاج:
1- التعريف بمنهج السلف في التعامل مع المخالف.
2- تأصيل شعار " تعال نتغافر " في النفوس.
3- إعداد البرامج الإيمانية التي تركز على الرقائق.
4- فتح سياسة الحوار بين مسؤولي المناشط الدعوية والتأكيد على التعاون في نقاط الالتقاء مادام الخلاف يسعه ذلك.
5- التثبت عند تلقي الأخبار وعدم الاستعجال في نشرها دون معرفة صحتها من عدمها.
الوصفة السحرية للضغوط النفسية:
1- الدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء
قال - تعالى -: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} [البقرة: 186].
وهذا أيوب: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} [الأنبياء: 83].
وهذا ذو النون: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [الأنبياء: 87].
فمهما زادت أو كثرت عليك هذه الضغوط فالله أكبر، كن واثقاً في مولاك، وادعه؛ فبيده ملكوت كل شيء وأكثر من قولك: "اللهم اجعل في قلبي نوراً" واعلم أنك تأوي إلى ركن شديد يخرجك من كرب عظيم - سبحانه وتعالى-.
2- الذكر:
فذكر الله يجلي الهم ويزيل الكرب وينفس الضيق ويشرح الصدر ويضيء لك الطريق ويمحو الوحشة، ومن ذكر الله في نفسه ذكره الله في نفسه.
3- الخشوع.. الخشوع:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، فعليك بها فهي شعار الناجحين، وإزار المؤمنين، ورداء الداعين، ودثار المخبتين، إنها عمود الدين، وللخشوع تأثير في إفرازات المخ، حيث يتوازن إفراز الخلايا المختصة بالحزن مع إفرازات الخلايا المختصة بالفرح، وعندها يتحقق لك الاتزان المطلوب.
4- الثقة بالله.. تزرع الطمأنينة:
هل تعلم وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس - رضي الله عنهما - وهي: (يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
إذاً فعلام القلق والتوتر وقد رفعت الأقلام وجفت الصحف ولن يأتيك الخير إلا بقدر الله ولن يصيبك شر إلا بإذن الله؟
فعش حميداً وكن سعيداً.
وهذا أيضاً من العلاج:
1- اعرف طاقتك ولا تحملها مالا تستطيع.
2- حاول أن تنجز ولو شيئاً واحداً فهذا يعطي شيئاً من الرضا، وراحة البال للإنسان.
3- استفد من التجارب الماضية ولا تقف مع سلبياتها وخذ الخبرة منها. فليس هناك فشل، ولكن خبرات.(17/99)
4- تعلم الابتسامة، فهي شعار المصطفى ص، فالابتسامة تنتج المشاعر الهادئة.
5- أشعر نفسك بالسعادة والراحة، وسوف تكون كذلك بإذن الله - تعالى -.
6- تعلم فن الراحة واعلم أن لنفسك ولبدنك عليك حقاً.
7- ابتعد عن داء الفراشة، وهو أن تؤدي أكثر من عمل في وقت واحد... ولكن ركز ثم ركز.
8- اجعل بيتك واحة هادئة يستقر عليها شراعك المجهد في بحر الحياة المتلاطم.
9- مارس هواية أو رياضة تحبها.
10- استمتع بمداعبتك لأطفالك فلك في النبي ص مع الحسن والحسين أسوة حسنة.
خاتمة:
أخي الداعية:
ها نحن نحط رحالنا بعد هذا التجوال فيما يعترض الداعية إلى الله من بعض الضغوط النفسية التي تؤثر على إنتاجك الدعوي وحصيلتك العلمية والثقافية.
وآمل بعد هذا الاستعراض أن تصبح أقوى في تغلبك عليها فأنت تدل الخلق على الله، فكن واثقاً بمولاك، مستشعراً معيته معك، متفائلاً بنصره إياك.
وتذكر الأجر العظيم والخير العميم الذي أعده الله لمن دعا إليه، فأنت الأحسن والأفضل: قولاً وفعلاً.. قال - تعالى -: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} [فصلت: 33].
فأنت تتعب: لله..وتدعو لله..وترجو ثواب الله..إن شاء الله.
http://islameiat. com المصدر:
============
حاجة العمل الإسلامي إلى صيغة جديدة
الأستاذ نبيل شبيب
كانت ولادة "العمل الإسلامي" ضرورة حتّمتها أوضاع المسلمين والبلدان الإسلامية في حقبة تاريخية معيّنة، وظهرت في هذه الأثناء أوضاع جديدة، ومعطيات جديدة، وظروف محلية ودولية جديدة، بما يشمل مختلف الميادين والأساليب والوسائل، وهو ما يستدعي السؤال عن "العمل الإسلامي" بصورته التقليدية، وعمّا تطوّر من ذلك مواكبا المتغيّرات أو لم يتغيّر، وعمّا ينبغي توفيره لتحقّق "وسيلة" العمل الإسلامي "الهدف" المطلوب تحقيقه منها.
* النشأة الأولى للعمل الإسلامي:
في الأصل ليست الدعوة إلى الإسلام وإلى تطبيقه في مختلف ميادين الحياة والحكم مهمّة خاصة بفرد دون آخر أو جماعة دون جماعة، وكلّ خطاب في النصوص الإسلامية للدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خطاب تعميمي شامل لسائر المسلمين، ومسؤولية فردية، للنهوض بها كلّ على حسب طاقته وموقعه وظروفه الخاصة، ذكرا كان أو أنثى، كبيرا أو صغيرا، عالما أو متعلّما، حاكما أو محكوما.
هذه الصورة قابلة للتطبيق بصورة اعتيادية عند وجود المجتمع الإسلامي الشامل للحياة والحكم، لشعب أو أمّة، فيها المسلمون وسواهم، ولكلّ حقوقه المصانة، ولحكومة قائمة على أساس سليم يعبّر عن إرادة الغالبية الكبرى للشعب أو الأمة، ففي هذه الحالة تكون لكل فرد أو فئة تلقائيا مهمّة تتكامل مع سواها في اتجاه واحد. ولكنّ هذه الصورة غابت أو غُيّبت تدريجيا، على مستوى الحكم فانتهى الأمر إلى إسقاط آخر أشكال الخلافة ممثلة في الدولة العثمانية بعد "مرض عضال" طويل ودون التعويض عن ذلك بحكومات ملتزمة بالإسلام تشريعا ونهجا وفكرا وتطبيقا، كما غُيبت الصورة المذكورة إلى حدّ لا بأس به على مستوى الأمة، على مستوى الشعوب، بما انتشر من تخلّف على الأصعدة العلمية والفكرية وسواها، وما بدأ يتغلغل على صعيد تمييع منظومة القيم التي تعتبر العمود الفقري لأي مجتمع من المجتمعات.
لهذا أصبحت ولادة "العمل الإسلامي" في حينها على شكل جماعات وتنظيمات متعدّدة ضرورة تاريخية وحضارية وعقدية وواقعية، فعموم البلوى إذا صحّ التعبير- هو الحاضنة الطبيعية وفق سنن التغيير الاجتماعي، لظهور أفراد أو فئات يعملون متعاونين تنظيما- لإصلاح أنفسهم وإصلاح من حولهم، تربية ودعوة وعملا، لاستعادة عافية المجتمع ككلّ.
والمفروض أنّ مسألة مبرّرات نشأة العمل الإسلامي لا تحتاج إلى بيان، إنّما يقتضي التنويهَ إليها انتشار الاتهام الحديث والجائر بصدد أن وجود تنظيمات إسلامية لا سيما في صيغة أحزاب سياسية- يعني ضمنا إقصاء من هو خارج التنظيم عن الدائرة الإسلامية المشتركة، وهو اتهام واهٍ باهت، يُتخذ ذريعة لتبرير عمليات الحصار والحظر ضدّ بعض التنظيمات الإسلامية. والواقع أنّ تشكيلها في تلك الحقبة التاريخية بالذات لم يكن أمرا مبتدعا تحت عنوان "العمل الإسلامي" على وجه التخصيص، بل سلك هذا الطريق آخرون في الحقبة نفسها، فمضى كلّ أصحاب اتجاه أو فكر بالعمل على تشكيل روابط وجمعيات وأحزاب، وإلى ممارسة نشاطات وفعّاليات لنشر ما يرون والدعوة إليه وتوفير الوسائل الممكنة للوصول به إلى مختلف ميادين الحياة والحكم.
* معالم العمل الإسلامي في الحقبة الماضية:
طوال القرن الميلادي العشرين أو إلى فترة قريبة من نهايته، كان الفكر الآخر بمنطلقاته العقدية والسياسية والاجتماعية مسيطرا على الساحة، على الحكم بقوّة الاستبداد، وعلى المستوى الشعبي أيضا بوسائل معظمها وليس جميعها- مرفوض، إذ تضمّنت احتكار مراكز التوجيه بحماية السلطة، واستئصال الآخر أو حصاره وملاحقته والبطش به، والآخر هنا هو "الاتجاه الإسلامي" في الدرجة الأولى، وفروع تلك الاتجاهات نفسها في كثير من الأحيان، نتيجة الصراعات الحزبية وغيرها.
كان لتلك الفترة إذن معطياتها الخاصة بها، وكان من الطبيعي أن يتخذ العمل الإسلامي في ظلّها صيغة تتلاءم معها، وكان من ذلك:(17/100)
1- مواجهة الفكر بالفكر فيما اتخذ صورة معارك ثقافية وأدبية عديدة بين التيارين الرئيسيين، الإسلامي والعلماني، بينما كان توفير التكافؤ في الفرص على هذا الصعيد، ولا سيّما عبر وسائل الإعلام والمعاهد الفكرية، شبه مستحيل تحت تأثير السيطرة العلمانية على وسائل السلطة الاستبدادية وبالتالي على سائر ما أخضعته لنفسها.. إلاّ القليل النادر.
2- التركيز على العنوان التنظيمي، وهو ما كان يفرضه الإحساس بضرورة التميّز من جهة عن اتجاهات الآخر وتنظيماته، ومن جهة أخرى عن توظيف هياكل مصطنعة بعناوين إسلامية، لم تكن خارج نطاق تلك الاتجاهات واقعيا.
3- المعركة التربوية، فما بات عسيرا أو مقيّدا عن طريق الأجهزة الرسمية للتربية والتعليم والتوعية، أصبح ضروريا التعويض عنه عن طريق الخلايا والمجموعات الكبيرة والصغيرة التي يكوّنها العمل الإسلامي، والندوات واللقاءات العامّة، التي يقيمها وسط أصعب الظروف المعيقة.
4- الخطاب الحماسي العاطفي، فقد كان من الضروري "احياء الوجدان" الصادر عن العقيدة، وكان تجديد الارتباط بالعقيدة في القلوب هو المدخل لمواجهة ما سيطر من خطاب حماسي عاطفي أيضا في نطاق الاتجاهات الأخرى، بغرض توجيه الشعوب للقبول بما تطرحه من شعارات متعدّدة المشارب لنشر منظومة قيم مغايرة لمنظومة القيم الإسلامية، أو معادية لها أحيانا.
5- الانضباط التنظيمي، وكان من ذلك ما فرضته ضغوط الحصار والملاحقة من جانب التيارات المسيطرة على أجهزة الحكم، ومنه ما نشأ نتيجة تعدّد الصيغ التفصيلية في الجماعات الإسلامية، وبالتالي حرص كل منها على عدم الخلط فيما بينها، وذلك على حسب تصوّرات مؤسسيها والقائمين عليها.
6- مواجهة الغرب والتغريب، بشقيه الرأسمالي والشيوعي، إذ رأت التنظيمات الإسلامية رفض معظم أطروحاته ضروريا للتميّز عن تنظيمات التيارات الأخرى، داخل السلطة وخارجها، والتي كانت ترتبط بالغرب والشرق قيما وفكرا على الأقل، وتنظيما وتعاونا في كثير من الأحوال، بل وكان بعضها يتحرك على هذا النهج وهو يعمل على "تبرئة" نفسه بتوجيه تلك "التهمة" إلى التنظيمات الإسلامية وافتراء عليها.
* معطيات جديدة في المرحلة الراهنة
معظم هذه المعطيات والظروف تبدّل في هذه الأثناء تبدّلا جذريا، ونجد بين أيدينا الآن على وجه الإجمال:
1- تيّارا شعبيا كبيرا انتشر فيه ما يوصف بالصحوة الإسلامية حينا، و"ظاهرة التديّن" حينا آخر، فلم يعد هذا التيّار العريض في حاجة إلى "جرعة الحماس" على صعيد العقيدة والقيم، قدر ما يحتاج إلى المبادرات العملية والقيادات الميدانية التي تمكّنه من ترجمة حماسه إلى عمل واقعي واضح الأهداف والمخططات، بوسائل مناسبة على مستوى تجاوز العقبات الكبيرة القائمة في طريقه.
2- لم تعد الدعوة إلى الإسلام حياة وحكما مقتصرة على فئات أوجدت لنفسها تنظيمات إسلامية، بل أصبحت شاملة إلى جانب تلك التنظيمات لأفراد دعاة مستقلّين بأنفسهم، وعلماء لهم مناصب رسمية وشبه رسمية، ومفكّرين يطرحون ما لديهم ولا يقلّ شأنهم عن شأن مفكّرين ينتمون إلى تنظيمات بعينها أو هم محسوبون عليها، بالإضافة إلى وصول هذه الدعوة بدرجات متفاوتة إلى كثير من وسائل الإعلام.
3- لم تعد التيارات العلمانية على اختلاف عناوينها في مرحلة "هجوم" تنشر ما لديها بأساليب ووسائل مقبولة وغير مقبولة، بل أصبحت فعاليتها الرئيسية محصورة في فئة أصولية محدودة، ولكنّها مسيطرة بالوراثة- على مراكز صنع القرار، ومعزولة شعبيا نتيجة انتشار الفساد والانهيار على نطاق واسع في الحقبة السابقة، وأقصى ما تحاوله فكريا هو محاولة إحياء القديم المندثر من أفكار أسلافها وتصوّراتهم من النصف الأول للقرن الميلادي العشرين، بينما أصبح قطاع كبير من العلمانيين بمختلف اتجاهاتهم، أقرب إلى استشعار الأخطار الخارجية والمسؤولية الذاتية، وهو ما ينعكس في محاولات إيجاد أرضية مشتركة مع التيار الإسلامي المسيطر على "الشارع الشعبي"، كما يقال تهوينا من شأن انتشاره على مختلف المستويات الشعبية، بدءا من أساتذة الجامعات، مرورا بربّات البيوت، وانتهاء بالتنظيمات النقابية والطلابية وغيرها.
4- لم تعد مضامين الدعوة المطلوبة نفسها كما كانت، فليس المطلوب مثلا- إثبات ما سبق إثباته بشأن شمول الإسلام لسائر الميادين بما فيها الجانب السياسي، ولا المطلوب دفع الشبهات القديمة التي أثارها المستشرقون والعلمانيون وغيرهم، والمفروض عدم استدراج العمل الإسلامي إلى الأسلوب الدفاعي في التعامل مع ما ظهر من اتهامات جديدة نسبيا، يسعى الأصوليون العلمانيون لتعميمها على الإسلاميين عموما، كما يجري تحت عناوين العنف والإرهاب، والانشغال بهذا الأسلوب عن التحرّك الإيجابي الذي يثبت عمليا خواءها كسابقاتها.
5- تطوّرت طبيعة المعركة الدائرة قطريا وإقليميا وبصورة شاملة لمعظم البلدان العربية والإسلامية، فلم تعد معركة تيار داخلي يواجه حكومات استبدادية، مرتبطة بقوى غربية أو شرقية، بل انتقلت ساحة المعركة عبر "ثغرة فلسطين" والآن "ثغرة العراق" إلى قلب المنطقة العربية، بالإضافة إلى ساحاتها الإسلامية الأخرى في أفغانستان وكشمير والشيشان وسواها، وبات المطلوب غربيا هو "ذوبان" الأنظمة الحاكمة نفسها كليّا في بوتقة الهيمنة الأجنبية العدوانية، وليس مجرّد "تبعيتها" اقتصاديا وأمنيا وسياسيا وفكريا.. وهذا من بين ما يجري التعبير عنه عادة بأنّ الأخطار تشمل الجميع، وتستهدف الجميع، داخل البلدان العربية والإسلامية.(17/101)
6- اختلفت الوسائل المتوفّرة أو المطلوب توفيرها لأي تحرّك إسلامي أو غير إسلامي، فثورات الاتصال الألكتروني والشبكة والفضائيات وغيرها، تفرض على الجيل الجديد ما لم يكن معروفا قبل جيل أو جيلين.
7- لم يعد يمكن التعامل مع أي جانب من الجوانب أو جبهة من الجبهات بمعزل عن سواه أو سواها، فما يجري على صعيد العلم والجهل، يؤثّر على قضية التخلّف والتقدّم، وما يجري على صعيد قضية فلسطين، لا ينفصل عن الهجوم على ما تبقى من أسباب التربية القويمة في مناهج التربية والتعليم، وما يقع في العراق، يترك أثره على الصحراء الغربية أو إندونيسيا، وما يجري لتجريد سائر المسلمين من أسلحة رادعة، يؤثّر تأثيرا مباشرا على وجودهم أفرادا وتنظيمات ومجتمعات ودولا في وقت واحد.
* التحدي الكبير والتطوّر المحدود:
إنّ "العمل الإسلامي" يواجه بذلك تحديا أكبر من سائر ما واجهه منذ نشأته الأولى قبل عشرات السنين، ممّا لا يترك آثاره على وجوده الحركي والتنظيمي فقط، بل يؤثّر النجاح في حمل تبعاته أو الإخفاق دون ذلك، على أوضاع الجيل الحاضر والأجيال القادمة عموما، وعلى مختلف ميادين الحياة والحكم، ولا مبالغة في القول أيضا، إنّ ذلك يترك أثره تلقائيا أيضا على المسيرة الحضارية البشرية المشتركة لفترة زمنية طويلة.
من المستحيل مواجهة متطلبّات اليوم بوسائل الأمس وأساليبه، والتعامل مع الأوضاع والمعطيات الجديدة دون صيغة جديدة للعمل الإسلامي نفسه، ولا يعني ذلك أنّ التنظيمات القائمة بقيت "جامدة" تجاه التطورات الجارية، ولكن لا بدّ من الإقرار أوّلا بأن سرعة تطوّرها الذاتي بقيت أبطأ بمراحل من سرعة تلك التطوّرات وقد بات ما يجري خلال أعوام معدودة يعادل ما كان يجري خلال جيل أو جيلين من قبل.
نرصد تحرّكا فكريا واضحا للعيان من خلال أطروحات لم تكن مطروحة من قبل، من عناوينها على سبيل المثال مسائل المرأة والمواطنة والديمقراطية وفقه التيسير وغيرها..
ونرصد تحرّكا تنظيميا أيضا من عناوينه ساحة النقابات، وروابط المجتمع المدني، ومنظمات حقوق الإنسان، والحوار الإسلامي-القومي، والانخراط في بعض تجارب التعدّدية وغير ذلك..
ونرصد تحرّكا على صعيد الوسائل يظهر على سبيل المثال في استخدام الشبكة العالمية على نطاق واسع يتنامى بوضوح، والظهور فيما يتوفّر من وسائل إعلام بغض النظر عن اتجاهاتها، وهنا لا يمكن لنا من المنطلق الإسلامي أن نعتبر ظهورَ جماعات متطرّفة تلجأ إلى العنف دون ضوابط تحت عناوين إسلامية، هو من قبيل تطوير وسائل العمل الإسلامي، إنّما هو نتيجة مباشرة للكبت الاستبدادي والعنف على حساب الشعوب عامّة، جنبا إلى جنب مع أساليب الحصار والملاحقة تجاه التنظيمات الإسلامية التي لا تتبنّى العنف الفوضوي وسيلة أو أسلوبا للتغيير.
رغم هذه التطوّرات الذاتية في العمل الإسلامي الوسطي المنتشر في البلدان العربية والإسلامية، يبقى السؤال على ضوء الواقع الراهن، فيما إذا كان التحرّك المشار إليه جزئيا، وبصورة متفرّقة، في أقطار دون أخرى، وفي ميادين دون سواها، كافيا، أم أنه ما زال عشوائيا نتيجة غلبة "ردود الفعل" على المعطيات الجديدة والمتغيرات فلم يصدر عن المبادرة الذاتية والتخطيط البعيد المدى، وهو بذلك قاصر على النهوض بتبعات التحدّي الكبير.. الذي يتطلّب تطوّرا كبيرا وشاملا.
إنّ التطوير المطلوب يحتاج إلى نقلة نوعية قائمة على دراسة للتجارب الذاتية وتجارب الآخرين، وتوظيف النتائج من وراء مختلف الأنانيات الضيّقة، والرواسب القديمة، والأشكال التقليدية الباقية، للوصول إلى إنجازات واقعية مرئية تتناسب ومتطلّبات المرحلة الراهنة على كلّ صعيد، وتوجد الشروط المبدئية للمتابعة المتواصلة لعملية التطوير في المراحل القادمة.
ولا يصحّ أن يقف التفكير بالتطوير عند حدود تنظيمية، أو فكرية، أو ولاءات شخصية، أو ارتباطات قيادية، فجميع ذلك مثل العمل الإسلامي نفسه.. وسيلة لتحقيق الغاية البعيدة، والثوابت هي ما تحدّده الغاية البعيدة، وجميع ما دونها هو من الوسائل التي يجب تطويرها بقدر ما يتطلّبه تحقيق تلك الغاية البعيدة.
* بعض جوانب تطوير الأهداف المرحلية:
في مقدّمة ما ينبغي أن تشمله عملية التطوير ما يرتبط بالأهداف المرحلية في إطار الغاية البعيدة الثابتة، وهي إقامة الحياة الإسلامية والحكم الإسلامي عبر الإرادة الشعبية، ووفق منظومة القيم الإسلامية العقدية والتاريخية الحضارية والمعطيات المشتركة مع الآخرين في الدائرة الجغرافية للبلدان الإسلامية أولا، وعلى مستوى الجوانب القويمة المشتركة للأسرة البشرية ثانيا.
ومن جوانب التطوير المقترحة للأهداف المرحلية على سبيل المثال دون الحصر:
1- تحديد الأولويات بما يوجد أرضية مشتركة بين تنظيمات العمل الإسلامي عموما، ويفتح المجال أمام أرضية مشتركة بينها وبين سائر المعتدلين من التيارات الأخرى، ومثال ذلك ترسيخ ما بات يوصف بثقافة الصمود والمقاومة، والتخلّص من سائر أشكال الهيمنة العدوانية الخارجية والتبعية الأجنبية الداخلية.
2- تأكيد الأطروحات الإسلامية في قضايا الساعة على صعيد التعدّدية، والمرأة، والمواطنة، والنظام الشوري أو الديمقراطي على مرجعية القيم الذاتية، وغيرها من الميادين الأساسية، وتثبيت ذلك في مواثيق العمل الإسلامي، ووضع الخطط الواضحة لبلوغه، وتحديد مواضع الالتقاء مع أصحاب الاتجاهات الأخرى، وفق قاعدة الاحتكام النزيه بآلية مضمونة التطبيق والنتائج، لإرادة الشعوب.(17/102)
3- اعتبار العمل الجماعي على مستوى الأمّة هو الأصل دون العمل القطري، ليس على أساس وجود التنظيم نفسه في سائر الأقطار الإسلامية، أو إيجاد تنظيم موحّد بالضرورة، وإنّما على أساس التكامل والتعاون في مختلف الميادين، والحيلولة دون تكرار الانفراد بجهة دون أخرى، أو تنظيم دون تنظيم، وبما يشمل من يعملون خارج نطاق التنظيمات من منطلق إسلامي، وكذلك ما يعزّز التنسيق والتعاون مع أصحاب الاتجاهات الأخرى من المعتدلين الذين يتحرّكون على أرضية مشتركة مع الاتجاه الإسلامي.
4- إعطاء الأولوية في نشاطات العمل الإسلامي وفعّالياته لميادين البناء والتطوير، على مختلف الأصعدة العلمية والبحثية والفكرية والفنية والرياضة والاجتماعية والسياسية، فصناعة "الإنسان" في البلدان الإسلامية هي الأساس لصناعةِ المجتمع، وبناءُ المجتمع هو الأرضية التي تتحقق عليها صناعة الإنسان، وبناءُ المرافق المعيشية في مختلف الميادين هو الطريق للتقدّم والتحرّر والوحدة، بغض النظر عن صنع ذلك من خلال السلطة أو خارج نطاقها.
5- ترسيخ هدف مكافحة الاستبداد المحلي والدولي بمختلف أشكاله وميادينه، كهدف إسلامي ثابت، وهدف مشترك مع كل من يحرص على العمل لصالح الإنسان، وحقوقه وكرامته وحرياته، بغض النظر عن انتمائه وموطنه وموقعه ومكانته، والتواصل من خلال ذلك مع كلّ من يتلاقى على أرضية إنسانية مشتركة، من داخل الحدود وخارجها.
* بعض جوانب التطوير التنظيمي:
ومن متطلبّات المرحلة ومتطلبات الوصول إلى هذه الأهداف تحقيق تطوير ملموس على المستوى التنظيمي، على مستويات عديدة، منها على سبيل المثال دون الحصر:
1- حصر الجوانب التنظيمية فيما لا يمكن الاستغناء عنه للحفاظ على عنوان التنظيم وهويته، فلم يعد الجانب المطلوب هو التميّز في مرحلة انتشار الظاهرة الإسلامية شعبيا، بل المطلوب الاندماج في هذه الظاهرة والعمل المتواصل من خلالها، كما لم يعد المطلوب التميز أكثر ممّا ينبغي عن أصحاب الاتجاهات الأخرى في مرحلة بات الجميع فيها مستهدفا لأخطار خارجية كبرى، قدر ما أصبح المطلوب هو التلاقي على كلّ ما يساعد على درء تلك الأخطار.
2- مضاعفة التواصل مع سائر من يشارك في التطلّع إلى تحقيق الأهداف المرحلية، وإن ساد الخلاف في التفاصيل، لا سيّما على صعيد العلماء والدعاة والمفكرين والإعلاميين والمثقفين وغيرهم من فعاليات المجتمع، ممّن لا يضعون أنفسهم تحت عنوان تنظيم من التنظيمات.
3- التركيز على دعم جيل الشبيبة داخل نطاق التنظيم وخارجه، وعلى انتقال القيادات انتقالا طبيعيا إليه، فليس المطلوب هو الحفاظ على أيّ تنظيم من خلال "الوجوه المعروفة" فيه عبر عقود ماضية، وإنّما المطلوب الحفاظ على الغاية البعيدة والمسيرة الإسلامية لتحقيقها، جيلا بعد جيل، وقيادة بعد قيادة، ولا يتحقق ذلك دون تسليم زمام الأمور التنظيمية إلى جيل الغد، وعدم التهويل من شأن الأخطاء التي يمكن أن تقع، فالخطأ الأكبر هو الخوف منها إلى درجة الإحجام عن التغيير والتطوير بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة التالية.
4- تعدّد الوسائل التنظيمية بغض النظر عن ارتباط كل منها بجماعة معينة، فليس من الضروري إسلاميا ولا المفيد واقعيا، أن يكون لكلّ جماعة تنظيمات ومؤسسات تعمل تحت عنوانها، في الميادين الأدبية والعلمية والمهنية والنقابية والحزبية والسياسية وغيرها في وقت واحد، إنّما المهمّ والضروري هو أن يكون العمل الإسلامي موجودا بمجموعه وبما يتجاوز الانتماء التنظيمي الضيّق، في مختلف الميادين والمجالات وجودا فاعلا مؤثرا، لتحقيق "الأهداف الإسلامية".. ومن الخطأ القول هنا: لتحقيق "أهداف التنظيم"، وإن تطابق هذا وذاك، فالأهداف الإسلامية هي الأصل أولا وأخيرا، وجميع التنظيمات وسائل فحسب.
* خاتمة:
إنّ حركة التطوّر لا تقف في أي مرحلة زمنية، وإنّ سرعة مجرى الأحداث والتطوّرات في العالم المعاصر لا تسمح بأن تكون عملية تطوير العمل الإسلامي خاضعة للأسلوب التقليدي القديم، أن تتكوّن من أجزاء منفصلة عن بعضها بعضا، بدءا بالعمل فترة من الزمن، فدراسة النتائج وتقويمها، فوضع مخطط جديد للتطوير، ثمّ تنفيذه في مرحلة زمنية تالية، لتتكرّر هذه الدورة مجدّدا. بل لا بدّ لمواكبة سرعة العالم والعصر، وتعويض الكثير ممّأ فات سابقا، من أن تكون عملية التطوير دائمة متجدّدة متداخلة في بعضها بعضا، مواكبة لعمل لا ينقطع، فلا يتوقف التقويم بانتظار التنفيذ، ولا التخطيط بانتظار التقويم، بل يبدأ كل من ذلك أثناء تحقيق الجانب الآخر، وهذا ما يسري في مختلف المجالات، ومن المفروض أن يسري على العمل الإسلامي بالذات، الذي يُنتظر منه أن يحمل على عاتقه أعباء كبرى، وأن يواجه تحدّيات حالية ومتجدّدة باستمرار، على مختلف الأصعدة، المحلية والدولية، وفي مختلف ميادين الحياة.
المصدر: شبكة الأحرار
===========
نصائح للداعية المسافر
هاني صلاح
عندما يأخذ أي إنسان قراره بالسفر لبلد ما، فإن أول ما يقوم به هو التعرف على البلد المتجه إليه، بهدف تجهيز ما يمكن أن يفيده على المستوى الشخصي خلال إقامته أو عمله بهذا البلد.
ولكن بالنسبة للداعية فالأمر مختلف، فبالإضافة إلى اهتمامه بالجوانب الشخصية وحرصه على تحقيق المنفعة الذاتية المرجوة من هذا السفر، فإنه ينظر لهذا المجتمع الجديد متشوقا لمعرفة أحوال الناس في هذا البلد، وماذا يمكن أن يقدمه لهم دعويا، ليس للمسلمين منهم فحسب، بل لكافة فئات هذا المجتمع.(17/103)
فالداعية وإن كان ذاهبا للعمل بهدف طلب الرزق، فلا يفوته أيضا استثمار فرصة إقامته وعمله بهذا البلد في توجيه الناس للخير وتقديم المنفعة لهم، ابتغاء وجه الله تعالى، والفوز بالأجر الأخروي.
ومن واقع تجربة شخصية لنا ومما شاهدناه من تجارب لبعض من أحبابنا الكرام الذين كانوا معنا في رحلة خارج الوطن شارفت على عقد من الزمان، ومن خلال الاستفادة مما قد نكون قد قصرنا فيه، والتركيز على ما قد نكون قد أصبنا فيه، أثمرت هذه التجربة بسلبياتها وإيجابياتها عن دروس مستفادة، نهديها إلى كل داعية يتهيأ للسفر خارج وطنه، رجاء أن تكون مفيدة لتحقيق بداية ناجحة ومستمرة للداعية قبل سفره وأثناء إقامته وعمله، وأيضا بعد عودته لوطنه.
ماذا تفعل قبل السفر؟
بقدر ما يستعد الداعية للسفر ويهيئ نفسه له، بقدر ما يساعده ذلك على نجاحه فيما بعد، وبقدر ما يكون في بداية سفره حريصا على سلوكه وتصرفاته في هذا المجتمع الجديد عليه، بقدر ما يناله الاحترام والتقدير من أهل هذا البلد. ومما قد يساعده على ذلك بعض الأمور الهامة منها:
1- البدء في تخصيص "أجندة" لتدوين أهم المعلومات عن هذا البلد في المجالات المختلفة، خاصة في مجال العادات، وعلاقات المجتمع مع الأجانب، ونظرته للعرب والمسلمين، مع التنقيح والتصحيح والتحديث المستمر لهذه المعلومات.
كما أنصح بإفراد جزء من هذه "الأجندة" لتدوين التجارب العملية الهامة التي سيمر بها الداعية، بسلبياتها وإيجابياتها.
2- حمل هدايا عامة صغيرة ومتنوعة، تعكس ثقافة وتراث بلد الداعية، فإن هذا الأمر سيكون من مجالات اهتمامات أهل هذا البلد خلال أحاديثهم ومناقشاتهم مع الداعية المغترب.
3- شراء مستلزمات وهدايا إسلامية متنوعة، مثل شرائط أو أسطوانات للقرآن الكريم، (يفضل تلك الأسطوانات التي تشتمل على تفسير القرآن الكريم بعدة لغات)، وأيضا هدايا مثل السواك وسجادة الصلاة والمنبه بصوت الأذان، وغيرها من الهدايا التي يمكن أن يهديها الداعية المغترب للمسلمين بهذا البلد، أو لأهل المسجد الذي سيتردد عليه خلال إقامته، فالهدية تشيع جوا من المحبة والتقدير.
4- في حالة السفر لدولة غير إسلامية، ينبغي حمل بعض الكتب أو الأسطوانات التي تعرِّف بالإسلام تعريفا صحيحا، على أن تكون بلغة أهل البلد.
5- توثيق الصلات مع الموظفين والعاملين بسفارة البلد المتجه إليها، وذلك حين توجهه إليها للحصول على التأشيرة، فيتعرف عليهم ويعرض توصيل الرسائل أو حمل الأمانات لأقاربهم. ونفس الأمر يمكن أن يتم مع جالية هذه البلاد الموجودة ببلد الداعية، فيحرص على مقابلتهم، والتحاور معهم حول عمله هناك، وما يمكن أن يفيدوه به من نصائح وإرشادات حول طبيعة مجتمعهم وعاداته.
6- الاهتمام بتعلم لغة البلد المتوجه إليه، فهي ضرورية له على صعيد العمل والإقامة هناك، وقد لاحظنا أن احترام أهل البلد للأجنبي عنها المتعلم لغتها أكثر من الأجنبي الذي يعمل لديها ويقيم بها ولم يجتهد في تعلم لغتها. والداعية المغترب في حاجة لكسب احترام أهل البلد كخطوة على طريق كسب تقديرهم واحترامهم لدعوته.
نصائح أثناء الإقامة والعمل
بمجرد وصول الداعية المغترب للبلد المتوجه إليه، عليه أن يبدأ في دراسة هذا المجتمع الجديد عمليا، والتعرف عليه وعلى عاداته، ولا ينسى أن أفراد هذا المجتمع سيسعون أيضا للتعرف عليه وعلى سلوكياته وعاداته. وهذه المرحلة غاية في الأهمية، حيث إن نجاح الداعية المغترب في التفاهم مع هذا المجتمع خلال حركته المعيشية والوظيفية سوف يسهم بدرجة كبيرة في كسب احترام أهل هذا البلد له، ومن ثم تتفتح آذانهم لسماع ما يقول بعد أن أبصرت أعينهم ما يعمل، واطمأنت قلوبهم لسيرته.
وهكذا يبدأ المشروع الدعوي -كأي مشروع آخر- بإعداد دراسة أولية له، وهو أحق بهذه الدراسة؛ لأنه مشروع بناء الإنسان الصالح وإرشاد المجتمع الإنساني. وإن كانت هناك بعض الدراسات أو التقارير المعدَّة سابقا من قبل أفراد أو مؤسسات فيمكن الاستفادة منها وإضافة كل جديد عليها، والحرص على إفادة الآخرين بها، سواء السابقين في هذا البلد حضورا، أو الذين يأتون بعد ذلك. وفي هذا السياق يمكن عمل الآتي:
1- مشاركة الداعية المغترب أهل البلد أفراحهم أو أتراحهم، بما لا يتنافى مع الشرع والخلق، والاجتهاد في تفهم عاداتهم تدريجيا. فمن خلال المشاركة في المناسبات الاجتماعية المختلفة يستطيع الداعية أن يسأل من حوله من أهل البلد عن عاداتهم المتبعة في هذه المناسبة، مثل الزواج والجنائز، وعيادة المرضى، والتهنئة بالمولود، أو المباركة بالنجاح في الدراسة أو الحصول على وظيفة. كما أن هناك الأعياد الرسمية التي قد تكون فرصة للداعية لفتح علاقات وصلات بأشخاص رسميين وأكاديميين.
كما أن الأعياد الإسلامية تكون فرصة للتعارف والتزاور بين المسلمين بهذا البلد، وخاصة الذين يعيشون في منطقة واحدة أو يصلون معا في مسجد واحد.
إن كل بلد يحتاج من الدعاة به أن يقوموا بإعداد دراسة حول عادات أهل هذا البلد في كافة المناسبات الاجتماعية، وكيفية استثمارها دعويا، مع ضرورة تصحيح وتجديد النية أثناء المشاركة في هذه المناسبات، على أنها عبادة نتقرب بها إلى الله تعالى لنيل رضوانه والفوز بجنات النعيم.
2- متابعة أخبار البلد المقيم فيه الداعية، من خلال نشرة يومية يستمع إليها، أو جريدة يومية يتابعها، ومعرفة أهم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يعاني منها المجتمع.(17/104)
3- الاستفادة من الأخلاق الإنسانية الموجودة في هذا المجتمع، فكثير من المجتمعات غير الإسلامية لديها قدر لا بأس به من الأخلاق الإنسانية، مثل إتقان العمل، وضبط الموعد، واحترام الخصوصيات، وغيرها، وعلى الداعية أن يستثمر وجود هذه الأخلاق بالبناء عليها.
4- تحري الرفقة الصالحة، والبعد عن رفقاء السوء، فالناس غالبا ينظرون مَن تصاحب وتصادق، لذلك وجب على الداعية أن يحترس من أن يتورط في علاقات قد تجعله في محل شبهة، وتفقده احترام الناس له.
5- تقييم النجاح في الدعوة بمدى التقدم أو التأخر، وليس على أساس تحقيق الأهداف الكبرى، وعلى الداعية ألا يستعجل، وليترك الفرصة للآخرين من بعده لمواصلة الطريق الذي بدأه.
6- الثبات على المبادئ، وعدم الخروج عليها، وليكن الداعية عصيا على الجر والتورط خاصةً في أوقات الأزمات الداخلية التي قد تحدث بين فصيل وآخر داخل البلد المقيم فيه، فهو داعية للخير، وصديق الجميع، ومتعاون أيضا مع الجميع في الحق والخير، ينظر للإيجابيات ويستبشر بها، ولا يركز على السلبيات. متصالح ومتسامح لا متخاصم ومتشاجر، إلف مألوف يحب الناس ويحبونه.
7- تحديد الأولويات وتنظيم الأوقات؛ لأن الوقت والجهد لا يتسع لكل شيء.. فيمكن مثلاً للداعية أن يركز على أفضل الشخصيات المسلمة التي يتعامل معها، والارتقاء بهم بهدف توريث الدعوة لهم، وإعداد البديل حال الرحيل. وعليه أيضا أن يجتهد في عقد تواصل وترابط بينهم عن طريق الأنشطة المختلفة.
وكذلك أهل البلد من غير المسلمين، ينبغي التركيز على الشخصيات الصالحة والمحترمة منهم، خاصة من لهم كلمة مسموعة في مجتمعهم. وقد جربنا ذلك كثيرا، فوجدنا أننا بحسن علاقاتنا حتى مع بعض الشيوعيين أو النصارى كانوا هم يردون على الاتهامات الموجهة للإسلام من خلال ما يرونه من تعاملاتنا معهم.
8- مواجهة الإعلام المعادي بواقعية وشفافية، والاعتراف بأن لدينا أخطاء وسلبيات، مع التأكيد على أن هذه الأخطاء والسلبيات إنما هي صادرة عن أفراد، ولا تقدح أبدا في ديننا.
9- الحرص على الصلة بالمسجد، وعلى أن تكون للداعية صحبة صالحة من خلاله، وأن يكون واسطة خير بين الجميع في حال الخلاف.
10- التماس الأعذار للمجتمعات حديثة العهد بالإسلام، وللجاليات الإسلامية داخل المجتمعات غير الإسلامية، والنظر إليهم بعين الرحمة والشفقة؛ نظرا لتعرضهم على مدى فترات طويلة لحملات التغريب وفصلهم عن الإسلام الصحيح.
فالداعية يجب أن يقيّم المجتمع في ضوء الظروف التاريخية التي مر بها، والعوامل المحلية والإقليمية التي أثرت وتؤثر فيه.
واجبات ما بعد العودة :
1- أهم ما يجب أن يقوم به الداعية بعد عودته لوطنه هو أن يجتهد في تقييم التجربة التي مر بها، خاصةً وأنه بعد عودته ينظر إلى التجربة من خارجها ومن خارج المؤثرات اليومية التي كان يتعرض لها، على أن يجتهد في تدوين سلبيات هذه التجربة بجانب إيجابياتها.
2- حري بالداعية أن يستمر تواصله مع الذين ربطته بهم صلة طيبة طوال فترة إقامته في الغربة، وأن يجتهد قدر استطاعته في مراسلتهم، ويدعو لهم بظهر الغيب، ويحرص على استقبال وضيافة من قد يزوره منهم أو من ذويهم في بلده، ومساعدتهم قدر استطاعته.
3- استمرار متابعة أخبار البلد الذي كان فيه، من خلال وسائل الإعلام المتاحة، وأن يجتهد في تعريف أهل بلده بأحوال الإسلام والمسلمين هناك، محاولا نقل الخبرة التي اكتسبها إلى إخوانه الذين يعتزمون السفر لتلك البلاد.
4- استمرار التواصل مع سفارة هذا البلد، وحضور احتفالاتها الوطنية، وإرسال التهاني والهدايا لها في هذه المناسبات، والحرص على التواصل الدعوي مع أبناء جالية هذا البلد.
5- متابعة ما يكتب في الإعلام المحلي عن هذا البلد، والعمل على تصحيح ما يحتاج إلى تصحيح، بالكتابات والمداخلات، وغيرها من صور التعبير
============
قطوف دعوية
أماه .. دعوتي رأس مالي
رأفَت به أمه يومًا فقالت:
يا بني.. هوِّن على نفسك..!! ما لي أراك كسيف البال، كثير الانشغال، بالنهار سارح، وبالليل ساهد قائم؟! ليلك بالنهار موصول، وغيابك علينا يطول، مشاغلك حفظناها، وهمومك عرفناها، فمصحفك ودعوتك وكتبك ومصلاك وأوراقك هم كل شواغلك.. متى أراك يا بنيَّ كثيرَ المال مثل فلان؟! ومرتاح البال مثل علان؟! أما لانشغالك مِن آخر؟!
فقال الداعية بأدب: أوَقصَّرتُ في حقكم يا أماه؟!
قالت: لا.. وأُشهد الله على ذلك، فأنت نوارة بيتنا، قُبلتك على يدي مطبوعة، وعطاياك لنا موصولة لا مقطوعة، وحب أهلنا لكَ لا يصل إليه غيرُك، أول زائر للمريض، وأول مواسٍ للجار والقريب والصديق، مواقفك مشهودة، وأخطاؤك معدودة.. لكنني أشفقت عليك يا بني!!
هون عليك فالجنة تدرَك بأقل مما تفعل..!!
مسح الداعية دمعةً نزلت سريعةً على الخد، ثم قال لأمه برفق وأدب: وهل الراحة والسعادة إلا ما أنا فيه يا أماه؟!
أنا يا أماه دعوتي رأس مالي لو خسرته أفلست، ولو قعدت عنه ضِعت!! أوَيُسعدك يا أماه منِّي أن يزيد مالي أم أن ينموَ عند الله أجري برَجلٍ نقلَه الله بي من الضلالة إلى الهداية؟! أتفرحين لي عندما أنام ملء جفني حتى تنتفخ عيناي فأستريح من الهم والأرق أم عندما تقلقني بالليل آهات اليتامى وأنَّات الأسارى فأقوم فأدعو لهم..!!
أتطيب نفسكِ يا أماه عندما ترينني في ثوب قشيب أم عندما أدفع بثمنه مسألة الذل عن طفل عراقي شريد أو مجاهد فلسطيني طريد..!!
أيبهج نفسك أن أكون مرموق الوظيفة منشغلاً بزيادة الراتب، واقتراب موعد الحافز، ثم أشتري بهذا وذاك طعامًا لذيذًا سرعان ما يذهب طعمُه بعد أول شربة ماء..؟!(17/105)
يا أماه.. الناس تنشد راحة السبت والأحد، لكنني أنشد راحة الأبد!! ثم بكى فأبكى أمَّه.
فقالت: لكنني أشفق عليك يا بني.
فقال: لكنك غدًا تفرحين لي عندما تعرفين في وجهي نضرة النعيم، وأنا أُسقى من الرحيق المختوم.
قالت: يا بني.. لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فهوِّن على نفسك.
فقال: وأين الوسع يا أماه؟!
أجسامنا تنام حتى تكاد أن يصيبها الملل، وحظُّ الله غائب منها قبل النوم وبعده، وأموالنا التي ننفقها لله لا تساوي معشار ما ننفقها لغيره، والعقول أرهقها مستقبل الولد وزيجة البنت وملابس العيد وكلفة التعليم ومطالب البيت..
أين الوسع الذي يُبذل يا أماه وأحفاد محمد عالةٌ يتكففون الناس، وعصاةُ أمتنا أضعافُ أضعافُ طائعيها؟! أين الوسع وأمتي مستباحة، وبنو قومي نيامٌ غفلى؟!
لقد وهبَنا ربُّنا حياتَنا ثم ضننا عليه بأوقاتنا، ووهبناه الأموال ثم عدنا في هِبتنا وأخرناها للعيال.
قالت: ومتى تستريح؟!
قلت: عندما يستريح أعدائي!! عندما يكف أهل الباطل عن مكر الليل والنهار بأمتي، عندما يتوقفون عن بث الفساد، ونشر الفجور، ووفود التنصير، وإباحة الضلال..
عندما يرفعون أيديَهم عن الأقصى، ويتركون العراق..
عندما تمتلئ المساجد وتفرغ السينمات والمسارح..
عندما يكثر على الألسنة القرآن كما كثر الغناء، عندما تفرح كشمير وتعتق الشيشان..
عندما تخاصِم البنوك الربا ويهجر أرضَنا الزنا والخنا..
عندما يستريح إبليس من إغوائه..
عندما نفتح التلفاز فلا نرى في أخبارنا إلا أرضًا زُرعت، ونفوسًا على الإسلام أقبلت، عندما تتفجر من قلوب المسلمين عيون الخير والهدى التي غطَّتها المعاصي وطمستها الفتن.
قالت: تموت ولا تنال منالك.
قلت: إنما نحن لبنات يُبنى بنا حائط العز وقلعة الدين، وشرفٌ لمثلي أن يموت وهو لبنةٌ من لبناتها حتى إذا ما بُنيت وشُيِّدت دخلها أحفادُنا بعز الإسلام فدعوا لنا.
قالت: كلامك كله ألغاز.. لكنه جميل!!
قلت: لكن المهم أن الله يعلمه، وعلى صفحات قلبي وروحي يقرؤه، أنا يا أماه إنسان أشتهي معانقة الحسان، وأكْل جميع الصنوف والألوان، والسهر مع الأصحاب والخلان، لكنني كلما عاجلتني شهوتي عطلتها بالأمل في وعد الله وخوَّفتها من وعيده فترتدع، أنا يا أماه إنسان لا حيوان، إنسان غُذي بالقرآن، فلم يعد كأي إنسان!!
أطرقت الأم أمام عزيمة فارسها المقدام، وروحه الوثَّابة، ونفسه الأبية فطبع على جبينها قبلةً، وقال لها: أماه.. لا تُتعبي نفسك، فإن لي نفسًا لا تقنع إلا بالجنة والخلافة والأقصى، ولن تستريح إلا بعدهم أو تموت دونهم.
* المصدر : موقع الإخوان أون لاين
=============
للدعاة: اثنتا عشرة وسيلة لكظم الغيظ
قذلة بنت محمد بن عبد الله القحطاني
يعيش الدعاة اليوم معركة، بل معارك، ويواجهون تحديات عظيمة وسهاماً حادة، تخترق الصميم وتنقل الدعاة من جو الهدوء والوقار والسكينة إلى جو الصخب والشائعات وهتك الأعراض دون مخالفة ولا ريب، فكيف يتحقق لهم ملك النفس وخطم جماحها، ورفع الهمة عن مسايرة هذه الهمم الوضيعة والصبر عليها..
والأعظم من ذلك الأخذ بيدها للارتقاء إلى منازل أصحاب الهمم العالية، المشمرين إلى الله تعالى.
وتتمثل قول القائل:
إذا أدمت قوارصكم فؤادي *** صبرت على أذاكم وانطويت
وجئت إليكم طلق المحيا *** كأني ما سمعت ولا رأيت
ولا شك أن الصبر على الأذى وكظم الغيظ والحلم والعفو عند المقدرة هي أخلاق أنبياء الله وصفوته من خلقه ومن تبعهم من أوليائه المخلصين الصادقين الذين رفع الله مكانتهم وأعلى قدرهم، فكانوا جبالاً وقمماً صلبة وراسخة، فأتاهم وابل السهام المصوبة فتحطم عن صخورها الأبية، ويعود بعضها إلى صدر من رماها منتكسة.
لذا كان لزاماً على الداعية المسلم أن يملك نفسه ويسعى للتخلق بهذه الأخلاق العظيمة في جميع مجالات الدعوة وميادينها، ومنها مجالات الحوار والكتابة والرد على المخالفين.
هو وإن كان شديداً على النفس، إلا أن الله يعين العبد إلا علم بصدقه وإخلاصه، فعن الحين قال: "مرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بقوم فيهم رجل يرفع حجراً يقال حجر الأشد، قال: ( أفلا أخبركم بما هو أشدّ منه رجل سبّه رجل فحلم عنه فغلب نفسه وغلب شيطان صاحبه ) (رواه البزار بسند حسن).
قال تعالى: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } .
وقال تعالى: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } .
وقال تعالى: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } .
وتحقق لهم محبة الله كما في قوله: { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } .
قال ابن تيمية - رحمه الله - في بيان سبب محبة الله لهم: "لأن درجة الحلم والصبر على الأذى والعفو عن الظلم، أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة، يبلغ الرجل بها ما لا يبلغه بالصيام والقيام" اهـ.(17/106)
ولدفع أذى الخلق ونيل الدرجات العالية، والوصول إلى هذه المرتبة من الحلم والصبر وسلامة الصدر على العبد أن ينظر إلى عدة أمور:
الأول: القدر وإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
الثاني: التحلي بالصبر وليتأمل ما أعده الله للصابرين عن حسن العاقبة وموفور الجزاء، ولن ينال ذلك إلا بالصبر.
كما قال ابن القيم رحمه الله : "وعلم أنه إن لم يصبر اختياراً على هذا وهو محمود، صبر اصطباراً على أكبر منه وهو مذموم".
الثالثة: عاقبة العفو والصفح والحلم، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) [ رواه مسلم ] ، والعز هنا يشمل عزاً ومحبة في قلوب الخلق في الدنيا وعزاً في الآخرة.
الرابع: أن يرضى بما أصابه، وهذا فوق ما قبله، وهذه منزلة عظيمة لا ينالها إلا أصحاب الهمم العالية، ولا سيما إن كان ما نالها كان السبب القيام بحقّ الله تعالى.
الخامس: مقابلة الإساءة بالإحسان، فكلما أساء إليه الخلق أحسن إليهم، وليستشعر العبد أنه بهذا الإحسان يزيد إليهم شيئاً من إحسانهم إليه بإهدائهم إياه حسناتهم وأجورهم!
وهذا مما يجعل الأمر يهون على العبد، فيعلم أنه يكافئهم على ما أهدوه إليه من عظيم الأجر، وما تحملوا عنه من عظيم الوزر.
السادس: سلامة الصدر، فلا يشغل قلبه بما لا يعنيه، وليعلم أنه كما اشتغل العبد بشيء من هذه الأمور فاته ما هو أهم وأنفع له من الإقبال على الله ورجاء ثوابه.
قال ابن القيم رحمه الله "وهذا مشهد شريف جداً لمن عرفه وذاق حلاوته".
السابع: حصول الأمن، فالعفو والحلم يقتلعان العداوة ويقضيان عليها، بخلاف الانتقام الذي يزيدها ويشعلها، فتزرع العداوات وتزداد الضغائن، فلا يأمن العبد عندها من مباغته عدوه.
الثامن: دفع ثمن البيعة، فالمؤمن قد عقد الصفقة مع الله: { إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ } .
فإن كان الذي ناله من الأذى في سبيل الله، فلا يحق له أن يطلب لذلك عوضاً غير السلعة التي وعده الله تعالى بها وهي الجنة.
قال تعالى في ذكر وصية لقمان عليه السلام لابنه: { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } .
ولما عزم الصديق على أن يأخذ من المشتركين ديات المسلمين وأموالهم التي أتلفت في حرب الردة، قال عمر رضي الله عنه: "تلك دماء وأموال ذهبت في الله، وأجورها على الله، ولا دية لشهيد".
وهذا مشهد من الصحابة ولم يعرف له مخالفاً، فكان هذا إجماعاً.
التاسع: عظيم المنّة في هذه النعمة، وذلك يظهر من وجوه:
1- كونه جُعل مظلوماً يرجو من الله النصر، ولم يكن ظالماً ينتظر من الله البطش والعقوبة.
2- التكفير من خطاياه وذنوبه، فما يصيب العبد من شيء حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه".
3- أن يحمد الله أنها لم تكن في دينه، وينظر إلى ما هو أعظم منها.
4- أن يدخر جزاءها عند الله تعالى في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، في يوم هو في أمسّ الحاجة إلى حسنة ينجيه الله بها يوم القيامة.
العاشر: أن يتأسى بمن سبقه من الأنبياء والرسل والأولياء الذين هم من أفضل الخلق، ومع ذلك كانوا أشدّ الناس بلاء، فليتأس بهم ليهون عليه ما ناله مما لا يساوي شيئاً مع ما وقع عليه من أذى.
الحادي عشر: أن يشتغل بالله تعالى والتعلق به وتوحيده ومحبته والإخلاص له، والتقرب منه، والشوق إليه.
قال ابن القيم رحمه الله : " وهو أجلّ المشاهد وأرفعها، فإذا امتلأ قلبه بمحبة الله، والإخلاص له ومعاملته، وإيثار مرضاته، والتقرب إليه، وقرة العين به، والأنس به، واتخذه ولياً دون من سواه، بحيث فوَّض إليه أموره كلها، ورضي به، وبأقضيته، فإنه لا يبقى في قلبه متسع لشهود أذى الناس له البتة، فضلاً عن أن يشتغل قلبه وفكره وسره بطلب الانتقام والمقابلة" أهـ.
الثاني عشر: ترويض النفس ومجاهدتها في تغيير ما فيها من سوء الخلق، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت ) [ رواه مسلم ] .
وبالتخلق والتكلف يصبح هذا الخلق سجية للعبد، وفي حديث أشج عبد القيس ـ رضي الله عنه ـ عندما قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة، فقال: أخلقين تخلقت بهما أم جبلني الله عليهما؟ فقال: بل جبلك الله عليهما، فقال الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله ) [ رواه مسلم ] .
قال ابن القيم رحمه الله :"يتكلف الحلم والوقار والسكينة والثبات حتى تصير له أخلاقاً بمنزلة الطبائع، قالوا وقد جعل الله سبحانه في الإنسان قوة القبول والتعلم، فنقل الطبائع عن مقتضياتها غير مستحيل، غير أن هذا الانتقال قد يكون ضعيفاً فيعود العبد إلى طبعه بأدنى باعث، وقد يكون قريباً ولكن لم ينقل الطبع، فقد يعود إلى طبعه إذا قوي الباعث واشتد، وقد يستحكم الانتقال بحيث يستحدث صاحبه طبعاً ثانياً، فهذا لا يكاد يعود إلى طبعه الذي انتقل عنه" أهـ.
وفق الله الجميع لنيل أعلى مراتب الأخلاق، وجعلنا جميعاً من عباده المحسنين الصابرين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
* المصدر : موقع لها أون لاين
=============
آثار الداعية بعد الموت
أخي الداعية ..
أخي المسلم ..
هب أنك مت الآن!
أخبرني ما آثارك بعد الموت؟(17/107)
ما الأعمال المباركة التي ستنسب إليك بعد موتك؟
ما لمساتك على هذه الحياة؟
ما بصماتك؟
أخي الداعية..
أخي المسلم ..
هب أنك الآن في عداد الموتى
ما الكلمات التي سيطلقها الناس عنك؟
ما المشروع الذي تريد أن يخلّد في صحيفة عملك بعد وفاتك؟
كم مسلماً علّمت؟
كم مسلماً إلى طريق الخير هديت؟
كم كلمة طيبة غرست؟
كم علماً نشرت؟
كم حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم بلّغت؟
كم مرةً بين متخاصمين أصلحت؟
أخي الداعية..
كن ذلك المبارك في حله وترحاله، كالغيث أينما وقع نفع:
قلب عامر وعقل مثابر.
تقي خفي، نقي أبي.
نفعه متعد، وخيره عام
يتجذر هداه في كل أرض فيها أقامتنداح جحافل وعظه كالسيل العرم، تذهب بكل سد منيع جاثم على قلوب الغافلين ..
إذا قال أسمع، وإذا وعظ أخضع.
أخي .. كن داعية ..
دؤوب الخطو، بدهي التصرف، إذا اعترضته العوائق نظر إليها شزراً، وقال:
أقبلي يا صعاب، أو لا تكوني
أخي كن داعية..
محمدي الخلق، صِدّيقيّ الإيمان، عُمَريّ الشكيمة، عثمانيّ الحياء، علويّ الصلابة، فضيلي العبرة، حنبلي الإمامة.
أخي الداعية ..
أخي المسلم ..
مات قوم وما ماتت مكارمهم ** وعاش قوم وهم في الناس أموات
يقول جل وعلا: { رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الآخرين } [ الشعراء : 83-84 ] .
يقول الطبري في تفسيرها:
وقوله: وَاجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ يقول: واجعل لي في الناس ذكراً جميلاً، وثناء حسناً، باقياً فيمن يجيء من القرون بعدي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك: روى أشهب عن مالك قال: قال الله عز وجل: { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } [ الشعراء : 84 ] لا بأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحاً ويرى في عمل الصالحين، إذا قصد به وجه الله تعالى؛ وقد قال الله تعالى : { وألقيت عليك محبة مني } [ طه : 39] وقال : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } [ مريم 96 ] أي حباً في قلوب عباده وثناء حسناً، فنبّه تعالى بقوله: { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } [ الشعراء : 84 ] على استحباب اكتساب ما يورث الذكر الجميل. الليث بن سليمان: إذ هي الحياة الثانية. قيل:
قد مات قومٌ وهُمْ في النّاس أحْيَاءُ
وقيل: والذكر للإنسان عمرٌ ثان
قال ابن العربي: قال المحققون من شيوخ الزهد: في هذا دليل على الترغيب في العمل الصالح الذي يكسب الثناء الحسن، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ) الحديث .
وفي رواية أنه كذلك في الغرس والزرع وكذلك فيمن مات مرابطاً يكتب له عمله إلى يوم القيامة.
وقال القرطبي في قوله تعالى : { إنا نحن نحيي الموتى" ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } [ يس :12].
قوله تعالى : { إنا نحن نحيي الموتى } [ يس :12] أخبرنا تعالى بإحيائه الموتى ردًّا على الكفرة.
وقال الضحاك والحسن: أي نحييهم بالإيمان بعد الجهل. والأوّل أظهر؛ أي نحييهم بالبعث للجزاء.
ثم توعدهم بذكره كَتْب الآثار وهي: إحصاء كل شيء وكل ما يصنعه الإنسان. قال قتادة: معناه مِن عملٍ. وقاله مجاهد وابن زيد. ونظيره قوله : { علمت نفس ما قدمت وأخرت } [ الانفطار : 5 ].
وقوله : { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخّر } [ القيامة : 136 ]، وقال: { اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد } [ الحشر: 18] .
فآثار المرء التي تبقى وتذكر بعد الإنسان من خير أو شر يجازى عليها: من أثر حسن؛ كعلم علَّموه، أو كتاب صنَّفوه، أو حبيس احتبسوه، أو بناء بنوه من مسجد أو رِباط أو قنطرة أو نحو ذلك. أو سَيِّئ كوظيفة وظفها بعض الظلاّم على المسلمين، وسكة أحدثها فيها تخسيرهم، أو شيء أحدثه فيه صدّ عن ذكر الله من ألحان ومَلاِهٍ، وكذلك كل سُنّة حسنة، أو سيئة يستنّ بها. وقيل: هي آثار المشاءين إلى المساجد.
وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أموراً سبعة ً يجري ثوابها على الإنسان في قبره بعدما يموت، وذلك فيما رواه البزار في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من عَلّم علماً،أو أجرى نهراً،أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته ) [ حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم:3596].
وروى ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته ) [ حسنه الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه برقم 198]
وروى أحمد والطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: من مات مرابطاً في سبيل الله، ومن علّم علماً أجري له عمله ما عمل به، ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وجدت، ورجل ترك ولداً صالحاً فهو يدعو له ) [ صحيح الجامع حديث رقم890 ] .
أخي الداعية ..
أخي المسلم ..
خذ لك زادين من سيرةٍ *** ومن عملٍ صالح يدّخر
وكن في الطريق عفيف الخطا *** شريف السماع كريم النظر
وكن رجلاً إن أتوا بعده *** يقولون مرّ وهذا الأثر
هذا وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
*
* مجلة المجتمع
==============
زَبَدُ الكَلِماتِ
د. محمد عمر دولة(17/108)
تستمِعُ أحْياناً إلى صَوْتٍ نَدِيٍّ يأتِيكَ من المِذياعِ في دِفْءٍ وحَنانٍ.. كأنَّه يُنادِيكَ من داخِلِك.. صوتٌ قَرِيبٌ منك وليس بِغَريبٍ عنك، يَهُزُّك مِن أعماقِك، ويجعلُك تشعُر بينَ دَواخِلِك بحُبٍّ لصاحبِ هذا الصَّوْتِ، وشَوْقٍ إلى التَّعَرُّفِ إليه، ورَغْبَةٍ في شُكْرِهِ والتَّحَدُّثِ إليه!
وتقرأ أحياناً صفحاتٍ بدِيعةً لابنِ القيِّم في (مدارِجِ السالكين) أو لسيِّد قطب (في ظلالِ القرآن)؛ فتشعر بأنَّ الكلماتِ تأسِرُك بين سُطُورِها، وتسحَرُك بنُورِها، وتتغَلْغَلُ في حَنايا نفسِك وثَنايا قلبِك! إنها عِباراتٌ مَحْدُودةٌ.. لكنَّها تتدفَّقُ بِلا حُدُودٍ، وإشاراتٌ معدُودةٌ.. لكنَّ أشرِعَتَها تُبْحِرُ في ينابيعِ الرُّوحِ بِلا قُيُودٍ!
ولله دَرُّ سيِّد قطب رحمه الله؛ فقد بَيَّنَ هذا المعنى أحسنَ بَيانٍ حين قال: " إنّ كَلِمَاتِنا ستَبْقَى مَيِّتةً: أعْراساً مِن الشُّموعِ! لا حراك فيها جامدةً! حتى إذا مِتْنَا مِن أجلِها؛ انتفَضتْ حيّةً، وعاشَتْ بين الأحياء! كلُّ كلمةٍ عاشتْ كانت قد اقتاتتْ قلبَ إنسانٍ حيٍّ؛ فعاشتْ بين الأحياء، والأحْياءُ لا يتبنَّون الأموات!"
إنَّنا لَنتساءلُ عن عظمةِ هذه الكلمات؟
ونتفكَّر في سِرِّ هذا الشُّعُورِ الغامِر ومَبْعَثِ هذا اليَنْبُوعِ الصَّافي الذي يتلألأ مُقدَّساً رقراقاً ويتسلَّلُ إلى جَوانِحِنا دفَّاقاً؟! فهي كَلِماتٌ بَسِيطةٌ لكنَّها ساحِرةٌ، وعِباراتٌ قلِيلةٌ ولكنَّها آسِرَة!
أهُوَ جمالُ المبانِي؟ أمْ هي روعةُ المعاني؟ ثم تعُود إلى نفسِك.. فتتذكَّر أنَّ جمالَ المبانِي قد سَبَقَ إليه الشُّعَراء، وإنْ كان كَلامُهم يقصُرُ عن هذا السِّحْر! وأما روعةُ المعاني ففي كلامِ الحُكماء والأدباءِ منها كثيرٌ؛ ولكنّها لا تبلغ مِعشَارَ هذا المقدار!
وحينئذٍ تتذكَّرُ قولَ الشاعر العربي:
لا يُعجِبنَّكَ مِنْ خطيبٍ خُطبة *** حتى يكونَ مع الكلامِ أصيلاً
إنَّ الكلام لفي الفؤادِ وإنَّما *** جُعل اللِّسان على الفُؤادِ دَلِيلاً
فتقولُ: إي وربِّي! صَدَقْتَ يا أخطل!
إنَّ الكلام لفي الفؤادِ وإنَّما *** جُعل اللِّسان على الفُؤادِ دَلِيلاً
وكأيِّنْ من رجلٍ يُجَعْجِعُ طولَ العمر بالكلماتِ ويستفرِغُ من المعاجمِ المفرداتِ؛ وليس ينتفع الناسُ منه بكلمةٍ؛ لأنَّ الكلام في فؤادِهِ قد مات! "وليستْ النائحةُ الثَّكْلَى كالمستأجَرَة"!
ورُبَّ رجلٍ صادِقٍ؛ يتلفَّظ بالكلمة فتصِيرَ حِكمةً، ينتفع بها الناسُ في حياتِه! ويقول حرفاً يسيراً، فيُبارِك الله في كلماته؛ فتُمْسِي نُوراً يسري بين الناس! ويخلُد بعد مماتِهِ!
ورَحِمَ اللهُ مَنْ قال:
إذا كان سَعْيُ المَرْءِ سُلِّمَ قَصْدُهُ *** فإن بُلُوغَ القَصْدِ لا يَتَعَذَّرُ
فالصِّدْقُ لهُ أعظمُ الأثرِ في النُفوسِ؛ وإنما تكونُ الثمارُ في قُلوبِ الناسِ على قدرِ غَرْسِها الطيِّبِ في قَلْبِ صاحِبِها! وقد قال الشاعرُ مبيِّناً علاقةَ الأقوالِ بالأفعالِ :
لا ترضَ مِنْ رَجُلٍ حَلاوةَ قَولِهِ *** حتى يُزيِّنَ ما يقول فِعالُ
فإذا وَزنْتَ مَقالةُ بفعالهِ *** فتوازَنا فإخاء ذاك جَمال [1]
ولله درُّ إياس بن معاوية حيث فَسَّرَ قولَ اللهِ تعالى : { إليهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطيِّبُ والعملُ الصالحُ يرفعه } ![2] بقولِهِ: "لولا العملُ الصالحُ؛ لم يُرْفَعِ الكلام"![3]
وقال القرطبي: "قيل: العمل الصالحُ يرفع صاحبَهُ، وهو الذي أراد العِزَّةَ؛ وعَلِمَ أنها تُطلَبُ مِنَ اللهِ تعالى".[4]
فالكلمةُ الطَيِّبة التي يُغَذِّيها ماءُ الصِّدْقِ تُزْرَعُ في القلبِ.. وتترَعْرَعُ مثلَ شجرةِ الزيتون؛ فيسعدُ بها الآخَرُون { والبلدُ الطيِّبُ يخرج نباتُهُ بإذنِ ربِّهِ والذي خَبُثَ لا يخرج إلا نكِداً } ![5]
وما أصدقَ ما قيل:
مَنْ أخلصَ النيّاتِ كان لِقولِه *** نَفْعٌ وكان لفعلِهِ تأثِيرُ
فإنْ قلتَ: ما بالُ الرَّجُلِ السَّفِيهِ يقول كلمةً يُصفِّقُ لها الناسُ، أو يكتب مقالةً؛ فيتحدَّث الناسُ بفصاحتِهِ؟ قلتُ: العِبْرَةُ بالثمرة والنَّفْعِ؛ ولا خيرَ في زَبَدِ الكلمات! فـ"هذا الزَّبَدُ نافِشٌ رابٍ مُنتفِخٌ؛ ولكنَّه بَعْدُ غُثاءٌ! والماءُ من تحتِهِ سارِبٌ ساكِنٌ هادىءٌ؛ ولكنَّهُ هو الماءُ الذي يحمِل الخيرَ والحياةَ... ذلك مَثَلُ الحقِّ والباطلِ في هذه الحياة؛ فالباطلُ يطفُو ويعلُو وينتفِخُ ويبدو رابِياً طافِياً؛ ولكنَّهُ بعدُ زَبَدٌ أو خَبَثٌ ما يلبثُ أنْ يذهبَ جُفاءً مطرُوحاً لا حقيقة له ولا تماسُكَ فيه!"[6] { وأما ما ينفعُ الناسَ فيمكثُ في الأرض } ![7]
----------
[1] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 14/329. مكتبة الغزالي دمشق.
[2] سورة فاطر 10.
[3] تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/718. جمعية إحياء التراث الإسلامي. ط5. 1420 هـ.
[4] المرجع السابق 14/331.
[5] سورة الأعراف 58.
[6] في ظلال القرآن 13/2054.
[7] سورة الرعد 17.
=============
شباب الصحوة ورجال الدعوة
حسام عبد القادر صالح
تعتبر الصحوة الإسلامية التي تعم العالم اليوم، فأل خير، وبشير نصر، ومستقبل عزٍّ للإسلام، وهي التي تعلق عليها الآمال - إذا أُحسن توظيفها - لاستئناف الحياة الإسلامية من جديد، بعد ذبول اعتراها، وفتن ألمت بها، ومحن أوهنتها، لتعود راية الخلافة كما كانت على منهاج النبوة.
بل وتعتبر هذه الصحوة بإذن الله القدير بداية النهاية لتخبط البشرية ورزوحها تحت نير الجاهلية، ولخلاص إنسان الحضارة المعاصرة من ألم التيه وحرقة الضياع الذي يعيشه، فقد خسر العالم بانحطاط المسلمين الكثير.(17/109)
وإن جيل هذه الصحوة وشبابها لا يمكنهم القيام بهذه المهمة العظيمة والأمانة الجسيمة ولا يمكنهم العودة بمجتمعاتهم إلى الحياة الإسلامية، وصلتهم بسلفهم متراخية وعلاقتهم بآبائهم مقطوعة، فكل بناء شامخ لا يمكن أن يمتد إلى السماء بلا أساس راسخ، وكل قافلة متصلة لا بد أن يرتبط آخرها بأولها، فلا بد لشباب الصحوة أن يراجعوا تاريخهم وأن يعمقوا النظر في سير أولئك الرجال الذين عركتهم التجربة وصقلتهم المعاناة وحملوا هم الإسلام وإبلاغه للعالمين .
وتطالعنا في ذلك وصية ابن الجوزي رحمه الله إذ يقول ":عليكم بملاحظة سير القوم ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم" ونعوذ بالله من أن نعتبر هذه الوصية الجوزية من قبيل الترف الفكري أو الإشباع الثقافي أو الاعتذار النفسي، بل سير أولئك الرجال تعد المثال الواقعي والفعل التطبيقي للمنهج السوي، زيادة على ما في سيرتهم من مشاعل تهدي الحائر، ومدارج تعلي القاصر.
لذا فإن الاعتزاز بأمجاد الماضي ومآثر الأجداد أمر محمود إذا دفع إلى إكمال ما بدأوا والاقتداء بهم في خير ما فعلوا، غير أن الوقوف عند التغني بذلك نوع من السلبية لا يقدم في بناء الأمم شيئاً، فلا بد أن يكون لسان حالنا كمن قال:
إنا وإن كرمت أوائلنا *** لسنا على الآباء نتكلُ
نبني كما كانت أوائلنا *** تبني ونفعل مثل ما فعلوا
لكن القلب يمتلئ من الألم وهو يري كثرةً من شباب اليوم لا تعدو ثقافتهم وهمومهم أن تبدأ بالحاء وتنتهي بالباء، ولا يبرح فكرهم ومجهودهم يصول ويجول بين الفاء والنون أو يطوّف بشعاب الرياضة والأزياء والاهتمامات الصغيرة، وبين هذا وذاك يضيع العلم والفكر.
إن كثيراً من الشباب - ومنهم فضلاء - لايعرفون عدداً من رجال أمتهم من العلماء والدعاة وصناع الحياة، وقد أجرت مجلة الأسرة في عددها الثالث والثمانين استبيانا حول الثقافة السائدة لدى الشباب اليوم، فكانت هناك إجابات محزنة مضحكة، مثل تعريف بعضهم للأمير شكيب أرسلان بأنه قائد تركي ! وبأن الشيخ بكر أبوزيد أديب مصري ! وأن البروتستانت مرض خبيث ! ولا يبرئ المرء نفسه من جهله الكبير بالكثير من الأسماء والشخصيات الإسلامية من رجال العلم والفكر والدعوة والجهاد، ولعل هذا الجهل أسهم فيه: قلة الاهتمام بالشباب من جهة، والتجاهل المتعمد من قبل وسائل الإعلام من جهة أخرى.
وموضوع بهذه الأهمية لم يغفل عنه المعاصرون من العلماء والدعاة، فظهرت في ذلك كتب كثيرة مثل كتاب ( الأعلام ) للزركلي، وكتاب ( رجال الفكر والدعوة ) للشيخ أبي الحسن الندوي، وكتاب ( علماء ومفكرون عرفتهم ) للشيخ محمد المجذوب، و كتاب ( من أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة ) للمستشار عبد الله العقيل، وغير هذه كثير. ولكن من يقرأ أو يبحث في محركات البحث على الشبكة العالمية ( الإنترنت ) .
* المصدر : شبكة المشكاة الإسلام
==========
وجوب تحكيم الشريعة ونبذ ما عداها
د. عبد الله الزبير عبد الرحمن*
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
اللهم لك أسلمنا، وبك آمنا، وعليك توكلنا، وإليك أنبنا، وبك خاصمنا، وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدّمنا وما أخّرنا، وما أعلنا وما أسررنا، وما أنت أعلم به منّا. اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم أعنّا ولا تعن علينا، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، اللهم امكر لنا ولا تمكر علينا، اللهمّ انصرنا على من بغى علينا.
أما بعد..
[1] لا إيمان بلا إذعان للشرع:
لا بدّ أن يُبَيّن للمسلمين على عمومهم، والحكّام منّا على خصوصهم، أنّ أمر الشريعة وتحكيمها أمر دين لا يتحقق الإيمان إلاّ بالإذعان لها والاحتكام إليها، وأنّ موقف المسلم منها حدود وفواصل، إما إيمان وجهاد، وإما كفر وارتداد.
فمما يجب تبيينه: أن الإيمان لا يتحقق أبداً إلاّ بالإذعان لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم مع التصديق، فلو انفرد التصديق لم يتحقق الإيمان، ولو انفرد الإذعان والعمل لم يتحقق الإيمان، فلا بدّ في تحقق الإيمان اجتماع التصديق والإذعان، والقول والعمل، قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليماً) [سورة النساء: 65].
وهذا من الدين كالمعلوم ضرورة، وأسوق إليك أقوال علماء الأمة ممن سبقونا بالعلم والإيمان رحمهم الله تعالى:
(1) قال البخاري رحمه الله تعالى: "لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أن أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل.."([1]).
(2) وروى الربيع عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: "الإيمان قول وعمل"([2]).
(3) وحكى ذلك الفضيل بن عياض عن وكيع عن أهل السنة والجماعة([3]).
(4) وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى عدي بن عدي: "إن للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان"([4]).
(5) ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الكفر عدم الإيمان، سواء كان معه تكذيب أو استكبار أو إباء أو إعراض، فمن لم يحصل في قلبه التصديق والانقياد فهم كافر"([5]).(17/110)
ويقول في موضع آخر: "لا فرق بين من يعتقد أن الله ربه وأن الله أمره بهذا الأمر، ثم يقول إنه لا يطيعه لأن أمره ليس بصواب ولا سداد، وبين من يعتقد أن محمداً رسول الله وأنه صادق واجب الاتباع في خبره وعمله، ثم يسبه أو يعيب أمراً أو شيئاً من أحواله، أو ينتقصه انتقاصاً لا يجوز أن يستحقه رسول، وذلك أن الإيمان قول وعمل"([6]).
(6) ويقول ابن القيم رحمه الله: "الإيمان هو التصديق، ولكن ليس التصديق مجرد اعتقاد صِدْق المخبِر دون الانقياد له، ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيماناً؛ لكان إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح، واليهود الذين عرفوا محمداً رسول الله كما يعرفون أبناءهم؛ مؤمنين مصدقين، فالتصديق إنما يتم بأمرين، أحدهما: اعتقاد الصدق، والثاني: محبة القلب وانقياده"([7]).
(7) وقال القسطلاني رحمه الله في شرح حديث الإيمان في صحيح البخاري: "هو لغة التصديق، وهو كما قال التفتازاني: إذعان لحكم المخبِر وقبوله. فليس حقيقة التصديق أن يقع في القلب نسبة التصديق إلى الخبر أو المخبر من غير إذعان وقبول بل هو إذعان وقبول"([8]).
(8) ويعرّف الكمال بن الهمام رحمه الله الإيمان بأنه: "الاستسلام الباطن والانقياد لقبول الأوامر والنواهي"([9]).
(9) ويقول ابن أبي العز في شرح الطحاوية: "الكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق، ولكن لا أتبعك، بل أعاديك وأبغضك وأخالفك لكان كفراً أعظم، فعلم أن الإيمان ليس التصديق فقط، بل إذا كان الكفر يكون تكذيباً، ويكون مخالفة ومعاداة بلا تكذيب، فكذلك الإيمان يكون تصديقاً وموافقة وموالاة وانقياداً، ولا يكفي مجرد التصديق" أهـ([10]).
وهكذا يتأكد أن الإيمان لا يتحقق أبداً إلاّ بتحكيم شرع الله والاحتكام إليه بتصديق وإذعان، ولذلك "فالتولي عن الحكم بالشريعة كالتكذيب بها سواء كلاهما كفر أكبر"([11]).
[2] إلغاء أحكام الشريعة أعظم جرماً من عدم تحكيمها ابتداءً:
ومما يجب التنبيه إليه ضرورة العلم بأن عدم تحكيم الشريعة في حياة الناس جريمة دينية واجتماعية وسياسية، ولكن إلغاء ما استقر من أحكام الشريعة أعظم جرماً وأكثر ذنباً وإثماً، وقد يكون فيه الارتداد أظهر؛ لأن في الابتداء يمكن الاعتذار بالشُّبه، ولكن في الإمضاء تقل وتنعدم؛ إذ لا خيار للأمة بعد رفع حكم الشرع بعد مضيه، وإلغائه بعد وجوده، وردّه بعد ثبوته: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً) [سورة الأحزاب: 36].
[3] لا انفصام بين العقيدة والشريعة:
وإن كانت العقيدة تمثل جانب التصديق والإيمان، والشريعة تمثل جانب التطبيق والإذعان فلا انفصام بين عقيدة المسلمين وشريعتهم، بين الاعتقاد وبين الاحتكام، وهذا واضح بيّن لا يحتاج إلى كثير استدلال، وقد جمع القرآن بينهما فقال: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك). ولذلك فالدعوة إلى الفصل بين عقيدة الأمة وشريعتها كالفصل بين الروح والجسد: إماتة للعقيدة ونقض للإيمان، وردة في الدين.
وعلى ضوء هذه الأمور الثلاثة يُستدل لوجوب تحكيم الشريعة الإسلامية في حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية جميعاً من الكتاب والسنة والإجماع والقياس والعقل والمصلحة والتاريخ بما يقطع بلزوم الشريعة أهلها ووجوب تحكيمها في حياتهم ونبذ ما عداها.
أولاً: القرآن يلزم المسلمين بتحكيم الشريعة في أمورهم جميعاً:
فالقرآن الكريم يوجّه الأوامر والمواعظ والأخبار للمسلمين، يوجب عليهم الاحتكام إلى شرع الله، والاهتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أمورهم وسائر جوانب حياتهم. ولو تقصّينا آيات القرآن الدالة على وجوب تحكيم الشريعة لضاق المجال، ولكن أسوق منها جملة كبيرة، منها:
(1) قوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) وهو دليل صريح أن كل حاكم مسلم لا يجوز له أن يحكم بغير الشرع، وأنه لا بديل لشرع الله، وأنّ أي نوع احتكام مهما يُرَى حقارته وقلّته يجب أن يصدر عن شرع الله، وإلاّ فهو اتباع للهوى المضل وذلك هو الضلال المبين.
(2) وقوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون).
(3) وقوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون).
(4) وقوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وهذه الآيات الثلاث جمعت بين أحوال تاركي الاحتكام لشرع الله، ورافضي تطبيقه، والداعين إلى نبذه وإلغائه، فكل تارك لشرع الله لا يخلو حاله من هذه الأمور الثلاثة:
أ ـ إما الكفر البواح بتكذيبه واعتقاد بطلانه.
ب ـ وإما الظلم لنفسه ولأمته وقومه بعدم الاحتكام إلى الشرع وإن اعتقد صلاحه ووجوبه، مع قدرته على الالتزام به.
ج ـ وإما الفسق الدال على تقديم الشر على الخير والقشر على اللب، ورضا الخلق على رضا الرب، بالتساهل في ترك الاحتكام إلى الشرع.
وفي كل الأحوال الثلاثة فليس بخارج عن أحوال الكفر، أكبر كان أو أصغر، كما يدل على الجهالة المفرطة باستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، وهو دال على استجلاب الذلّة والهوان باسترضاء الكافر على حساب معتقده ودينه، وعلى حساب ملّته وأمّته.
(5) وقوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) [سورة النساء: 65].(17/111)
يقول الجصاص الرازي في تفسير هذه الآية: "في هذه الآية دلالة على أن من ردّ شيئاً من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام، سواء رده من جهة الشك فيه أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم؛ وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة في حكمهم بارتداد من امتنع من أداء الزكاة، وقتلهم وسبي ذراريهم؛ لأن الله تعالى حكم بأن من لم يسلم للنبي صلى الله عليه وسلم قضاءه وحكمه فليس من أهل الإيمان"([12]).
(6) وقوله تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) [سورة الجاثية: 18]. وهو جمع بين لزوم اتباع الشيء وترك شيء بصريح العبارة، لزوم اتباع الشريعة ونبذ ما عداها؛ لأن ما عدا الشرع هو الهوى المتبع، والهوى جهل وضلال وكما قال تعالى: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله).
(7) وقوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) [سورة الأحزاب: 36]. وفيه نفي الاختيار الدالُّ على الإلزام والحتم بالاحتكام إلى قضاء الله ورسوله، وقضاؤهما الشريعة السمحة.
(8) وقوله تعالى: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) [سورة الأعراف: 3]. جمع بين الأمر والنهي للتأكيد والقطع بأن الالتزام بالشرع مطلوب واجب، ولا يكون ذلك إلا باتباع الشرع ونبذ ما عداه.
(9) وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان) [سورة البقرة: 208]. ولا يتحقق الدخول في الإسلام كافة مع ترك شيءٍ مما أوجبه الشرع وقضى به، فذلك هو اتباع خطوات الشيطان وموالاته وحزبه.
(10) وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) [سورة الأنفال: 24]. وهذا أمر يقتضي الإيجاب للاستجابة لأوامر الله ورسوله وإقامة الحياة على الالتزام بها، وهي شريعة الإسلام السمحة.
(11) وقوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين) [سورة الأنعام: 162ـ163]. فلم يخرج شيء مما يكون تصرفاً بشرياً، أو موقفاً سلطانياً، أو عبادة دينية، أو معاملة بين الناس في سائر المجتمعات إلا وهو مأمور به، وبه أمر كل مسلم.
(12) وقوله تعالى: (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم. وإنه لذكرٌ لك ولقومك وسوف تُسألون) [سورة الزخرف: 43ـ44]. وما أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القرآن وما فيه من أوامرٍ ونواهٍ، ومن أحكام وحدود، وهي أحكام وحدود شريعته، فهو صلى الله عليه وسلم مسؤول عنها وعن تطبيقها وتحكيمها في حياة أصحابه، والأمة من بعده مسؤولة عن تحكيمها في حياتهم، وقد قال أهل التفسير: "تسألون أنت ومن معك على ما أتاك... تسألون عمّا عملتم فيه"([13]). فالمسؤولية العامة والخاصة للأفراد المسلمين، والجماعات الإسلامية، والدولة الإسلامية قائمة بتطبيق الشريعة الإسلامية وتحكيمها في الحياة؛ مما يستوجب السؤال عن مدى التزامهم بالشرع وتطبيقهم لأحكامه، وإذا كان الخطاب يوجّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بأمته؟ وكوننا مسؤولين دليل وجوب ذلك ولزومه.
(13) قوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) [سورة النساء: 105]. فالغاية العليا من إنزال القرآن، والمقصد الأسمى من إنزال الكتاب العزيز هو تحكيمه في حياة الناس، وفضّ نزاعاتهم به، وإقامة العدل بينهم بأوامره ونواهيه، وردّ الحقوق بالتزامه، والاهتداء في الحياة كلها بالاستقامة على أحكامه. وبمعنى أجمل: تحكيم شرع الله في حياة الناس.
ثانياً: وجوب نبذ ما سوى الشريعة:
(14) قوله تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون...). وهذه الآية بيِّنة على أن حكم غير الشرع جاهلية، ويستنكر رب العزة ابتغاء الحُكّام حُكْماً غير الشرع، ويؤكد أن ذلك جاهلية جهلاء.
(15) وقوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولّى ونصله جهنم وساءت مصيراً. إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [سورة النساء: 115ـ116]. وسبيل المؤمنين هو الاحتكام إلى الشريعة في جميع أمورهم، مما يدل على نبذ سوى هذه الشريعة وعظم جرم من يحتكم إلى غيرها، وأن جزاء من يفعل ذلك منا الوقوع في الضلال البعيد، بعد ما حكم عليه رب العزة بأنه مشاقق للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
(16) قوله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) [سورة الأنعام: 153]. فشرع الله هو سبيله، وهو صراطه المستقيم، ولا يجوز ترك الصراط المستقيم إلى ما سواه مما يُضلّ ويفرق عن سواء السبيل، ولما كان كل سبيل غير سبيل الله معوجّاً فلا يجوز للمسلم اتباعه، والنهي في الآية صريح مقتضٍ للمنع والتحريم.
(17) قوله تعالى: (ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير) [سورة البقرة: 120]. وفي الآية تحذير من المولى عزّ وجلّ ووعيد وتهديد يفضي إلى فقدان ولاية الله ونصرته، ولا خير فيما يفضي إلى هذا الشر المستطير والخسران المبين، وحقه بلا خلاف نبذه وحظره والامتناع عنه، وهو ما دون شرع الله من أهواء البشر وقضائهم وقوانينهم المبنية على الأهواء؛ لأنّ مقصد الشرع الأسمى هو إخراج العبد عن هواه ليكون عبداً لله اختياراً كما هو عبد لله اضطراراً.(17/112)
(18) قوله تعالى: (ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين) [سورة البقرة: 145]. وفيها ذمّ شديد لمن ترك الشرع واتخذ غير شريعة الله حكماً، فحكم عليه رب العزّة أنه من الظالمين، وصدق الله.
(19) قوله تعالى: (ولا تتبع أهواءهم عمّا جاءك من الحق) [سورة المائدة: 48]. والهوى الذي نهينا عن اتباعه وتفضيله وتقديمه على شريعة الإسلام هو هوى العصاة للرسول صلى الله عليه وسلم والكفار بالرسول صلى الله عليه وسلم وأعداء الإسلام، ودليل ذلك قوله تعالى: (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين) [سورة القصص: 50].
ثالثاً: الإجماع يقطع بوجوب تحكيم الشريعة:
لا يختلف مسلمان على وجوب تحكيم شريعة الإسلام في حياتهم، وإلاّ فمن خالف في ذلك؛ كان مطعوناً في دينه، منقوصاً في عقيدته، بل إنّ من ردّ شيئاً من شرع الله شكاً في صلاحه، أو اعتقاداً في صلاح غيره، وفضّله عليه فهو مرتد خارج عن الملّة بلا خلاف.
يقول الأستاذ عبد القادر عودة رحمه الله: "من المتفق عليه أن من ردّ شيئاً من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم خارج عن الإسلام سواء ردّه من جهة الشكّ أو من جهة القبول أو الامتناع عن التسليم"([14]).
ويقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق حفظه الله: "وهذا الحكم لا خلاف فيه بتاتاً، أعني كفر من ردّ حكماً من أحكام الله الثابتة في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، خاصة إذا كان هذا الرد معللاً بأن هذا التشريع لا يناسب الناس، أو لا يوافق العصر، أو أنه وحشية، أو غير ذلك، لأن حقيقة عيب التشريع هي عيب المشرع، والذي شرع هذا وحكم به هو الله سبحانه وتعالى، ولا يشك مسلم في أن عيب الله أو نسبة النقص أو الجهل له كفر به وخروج عن ملّة الإسلام، ولذلك فالأمر الأول الذي ينبغي أن يتعلمه الذين يردّون هذا الحكم أنهم ليسوا من جماعة المسلمين، ولا ينتمون إلى هذه الأمة أصلاً، إلاّ أن يعلنوا توبتهم ورجوعهم إلى الله سبحانه وتعالى"([15]) ا.هـ.
ومما يترتب على ذلك:
أنّ كل تشريع مخالف للشريعة الإسلامية باطل لا تجب طاعته ولا طاعة من شرعه ووضعه، ولو وضعه حاكم مسلم، أو دعا إليه سيّد غاشّ لقومه وأتباعه، أو زعيم مزعوم الإمامة في عشيرته.
وهذا لا خلاف فيه بين الفقهاء.
قال عودة رحمه الله: "ولا خلاف بين الفقهاء والعلماء في أن كل تشريع مخالف للشريعة الإسلامية باطل لا تجب له الطاعة، وأنّ كل ما يخالف الشريعة محرم على المسلمين ولو أمرت به أو أباحته السلطة الحاكمة أياّ كانت، ومن المتفق عليه أن من استحدث من المسلمين أحكاماً غير ما أنزل الله ويترك بالحكم بها كل أو بعض ما أنزل الله من غير تأويل يعتقد صحته، فإنه يصدق عليه ما وصفهم به الله تعالى من الكفر والظلم والفسق كل بحسب حاله، فمن أعرض عن الحكم بحد السرقة أو القذف أو الزنا لأنه يفضل غيره من أوضاع البشر عليه فهو كافر قطعاً.."([16]).
ثالثاً: القياس والعقل يوجبان تحكيم الشريعة:
والقياس يقطع بوجوب ولزوم الاحتكام لشرع الله ظاهراً وباطناً؛ وذلك أنّ كلّ تشريع إنما يُقبل ويُلزم به ويحرص الناس عليه إذا كان صادراً من عالم خبير من البشر بالقانون وأوضاع الناس ومجتمعاتهم، فكيف بالله يُترك شرع من فطر السموات والأرض ويعلم ما فبها من شيء، خلق الإنسان، ويعلم ما توسوس به نفسه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، وهو اللطيف الخبير بحالهم ونفوسهم وأفكارهم واتجاهاتهم، وهو عالم الغيب والشهادة، يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون، فكيف يجوز عقلاً ترك شرع وقانون وقضاء اللطيف الخبير واهب العلم للعلماء، وخالق الخبراء، ومدبر الأمر للمجتمعات، ومالك الملك، يهب الملك لمن يشاء وينزعه عمن يشاء؟ هذا ورب العقلاء أجهل الجهالة وأبعد الضلالة، فكيف نلتزم شرع مخلوق ونعرض عن شرع الخالق تبارك وتعالى؟
فإن كان أعداؤنا يدعون إلى نبذ شريعتنا وراء ظهورنا والاحتكام إلى شرائعهم الباطلة، إن كانوا يدعوننا أن نلتزم الوضعية ونلغي الشريعة فهذا لعمري في القياس بديع، فإن كانت الدول والأنظمة تنتدب الخبراء والعلماء لتشريع النظم والقوانين للناس، ثم تلزم رعاياها بها، فشرع الخالق العليم الخبير اللطيف أولى بالاتباع وأوجب بالالتزام. وكفانا قول الله تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) [سورة الملك: 14].
رابعاً: المصلحة تقتضي بوجوب تحكيم الشريعة:
ماذا يريد دعاة إلغاء الشريعة بدعوتهم؟ هل يرجون مصلحة تتحقق في غير الشريعة أفضل وأنفع من تطبيق الشريعة؟ أم يريدون درء ضرر ودفع شر قد يقع على الناس بسبب تطبيق الشريعة؟
بل في تطبيق الشريعة الإسلامية في حياة الناس الخير كلّه، والنفع كلّه، والمصلحة كلّها، والسعادة كلّها؛ لأن مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ـ كما يقول العلامة ابن القيم رحمه الله:(17/113)
"الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلّها، ورحمة كلّها، ومصالح كلّها، وحكمة كلّها، فكلّ مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل فهي قرة للعيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح، فهي بها الحياة والغذاء والدواء و النور الشفاء والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم، وهي العصمة للناس وقوام العالم، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله سبحانه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم، رفع إليه ما بقي من رسومها، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم هي عمود العالم وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة" أ.هـ. كلام ابن القيم([17]).
تحقيق السلام في اتباع الشريعة:
ومن مصلحة تطبيق الشريعة حتى على ما يراد بسببه إلغاؤها (أي من أجل السلام) فإن السلام يتحقق بالعدل والخير بالتزام الشريعة، عندئذ يُهدى حكامنا إلى سبل السلام الموفق الباسط للخير والمثبت لقواعد الحكم على رضوان الله تعالى، ولقد قال تعالى: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) [سورة المائدة: 16].
وقال تعالى: (والسلام على من اتبع الهدى) [سورة طه: 47]. وخير الهدى شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
والتزام الشريعة هو الضمانة الوحيدة في الإيفاء بالوعود واتفاقيات السلام من قبل المسلمين، وكلما كان الالتزام بالشريعة أوفى كان الإيفاء ببنود السلام أضمن، ولا يظنن ظان أن الضمانة الأقوى هي رضى أمريكا، أو أن الضمان الأكبر في رضا قرنق و موافقيه من بني جلدتنا وسادة بعضنا، وإنما الضمان كل الضمان منا التزامنا بالشريعة تصديقاً وتطبيقاً، فليسع حتى غير المسلمين للدعوة إلى تطبيق الشريعة وتحكيمها في حياة الأمة ليجدوا من المسلمين الوفاء الأكمل والالتزام الأتم بكل اتفاقية معهم.
والعقلاء من غير المسلمين في بلادنا وكثير من قادتهم عرف ذلك فسارعوا إلى إنكار الدعوة إلى العلمانية في بلادنا، يطالبون تحكيم الشريعة الإسلامية لما وجدوا من خير لهم في تحكيمها، الخير الذي انقشع غيمه وظلاله عمن نبذوا شريعتهم وراء ظهورهم.
خامساً: التاريخ يشهد بوجوب تحكيم الشريعة:
وليس من أدل على وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية في حياة الناس كلهم، بله المسلمين؛ شهادة التاريخ على أن خيرهم ونفعهم وصلاحهم بجميع طوائفهم وسائر مللهم و نحلهم، وكافة طرائقهم، وكل الشعوب والقبائل، شهادة التاريخ أن أوفى الشرائع، وأرأف الشرائع، وأقدر الشرائع ـ السماوية والأرضية أ على تحقيق العدل والخير للناس والمساواة بينهم بإنصاف وتجرد هي شريعة المسلمين.
ويكفي شهادة فخر للمسلمين أن نقرأ رسالة مسيحيي الشام إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، في زمان عزة المسلمين وقوة دولتهم وتمكنهم في الأرض يمشون عليها هوناً إلى أهداف سامية ووجهةٍ راشدة ـ يستنجد فيها مسيحيو الشام بالمسلمين يقولون لأبي عبيدة في رسالتهم: "معشر المسلمين، أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا، فأنتم أوفى لنا، وأرأف بنا، وأكف عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا".
فأية شهادة أصدق من هذه الرسالة في صلاح الشريعة الإسلامية لسائر الأمم والشعوب مسلمة وغير مسلمة وفي خيرها ورحمتها ورأفتها الدالة بيقين على وجوب تحكيمها عليهم جميعاً؟
وبعد رسالة مسيحيي الشام للمسلمين يطلبون شريعتهم ويستنجدون بهم لرحمتهم بهم أكثر من أهل دينهم، نستمع إلى شهادات علماء غير المسلمين ليكون التأريخ دليلاً قوياً وشاهداً زكياً على وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية في العالمين.
يقول ميشو في تأريخ الحروب الصليبية: "لما استولى عمر على مدينة أورشليم، لم يفعل بالمسيحيين ضرراً مطلقاً، ولكن لما استولى عليها المسيحيون، قتلوا المسلمين، ولم يشفقوا, وأحرقوا اليهود إحراقاً"([18]).
ويشهد البطريق (عيشو يابه) الذي تولى منصبه سنة 647ـ657هـ بأن: "العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون, إنهم ليسوا أعداءً للنصرانية.. ويوقرون قديسنا وقسيسنا, ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وديننا"([19]).
ويقول الحبر ميشون يشهد للمسلمين ويقرر عظمتهم لعظمة لدينهم في معاملتهم لغيرهم: "مما يؤسف له أنّ المسلمين هم الذين كانوا يبدؤون المسيحيين بالمسالمة وحسن المعاملة, مع أنّ المسالمة هي منبع الخير بين الأمم بعضها وبعض ... ولقد أيقنت من تبتعي للتاريخ أنّ معاملة المسلمين للمسيحيين تدّل على ترفع في المعاشرة عن الغلظة, وتدل على حسن مسايرة ولطف ومجاملة وهو إحساس لم يشاهد في غير المسلمين إذ ذاك خصوصاً أنّ الشفقة والرحمة والحنان كانت أمارات ضعف الأوروبيين, وهده حقيقة لا أرى وجهاً للطعن فيها..." أ.هـ([20]).(17/114)
ليوقن العقل الراجح في أنه لاخير للبشرية إلا في مجتمع الإسلام وشريعة الإسلام وحياة القرآن ليصم المرجفون في المدائن المرتزقة العاملون لحساب أعداء الإسلام من بني جلدتنا, الذين يعصون الرسول ويسترضون من لم يزده ماله وولده إلا خساراً, الماشون في الناس يقولون: إنّ تطبيق الشريعة الإسلامية عقبة في طريق السلام ..كذبوا وبهتوا وأساءوا, أخزاهم الله أنى يؤفكون.
الخلاصة الجامعة:
[1] الحرب في سبيل الشريعة الإسلامية "تحصيلاً وإبقاءً وتحكمياً ومحافظة عليها"؛ جهاد في سبيل الله, وإعلاءٌ لكلمة الله.
[2] تحكيم الشريعة الإسلامية هي السبيل الأضمن لتحقيق السلام, وأي خيار بين السلام وبين الشريعة لا يجوز قبوله, وإلا فالشريعة أوجب خيار وألزم خيار ولا خيار سواها, وكل سلام يفضي إلى نبذ الشريعة وإلغائها الحرب خيرٌ منه, لأننا إنما نقاتل في سبيل الله من أجل إقامة الدين وتبيق الشرع, والله يقول (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) [سورة البقرة: 193]. والمعنى: فإن لم ينتهوا وسعوا إلى الانتقاص من الدين فهم ظالمون, والعدوان والحرب على الظالمين.
ونلاحظ المقابلة بين الدين والفتنة, بنفي الفتنة (حتى لا تكون فتنة) وإثبات الدين (ويكون الدين لله) أنّ الفتنة ما يُنقِص الدين وينقض عراه حكماً حكماً.
وفتنة إبعاد الشريعة أشدّ خطراً على الأمة, وأكثر شراً, وأبعد ضرراً عليها, قال تعالى: (والفتنة أشدّ من القتل).
ولذلك؛ فخيار: الحرب عندنا مقدم على إلغاء الشريعة وإبعادها من حياتنا, لأنّ ذلك أشدّ فتنة لنا من الحرب.
[3] كل مسلم يرى وجوب العلمانية أو أنها أو سواها من سائر الأنظمة الأرضية المخالفة لمنصوص الشرع أو روحه أنها أفضل من الشريعة, فهو مرتد بلا خلاف بين العلماء.
[4] كل مسلم يرى أنّ تطبيق الشريعة الإسلامية لا يصلح في هذا الزمان أو ذاك المكان فهو ظالم لدينه كافر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
[5] كل مسلم يسعى إلى إلغاء الشريعة الحاكمة أو شيء من أحكامها بأي مسعىً في اتفاق مع فئة أو انهزام لفئة أو دولة أو استجابة لقوى, أو يعين على تحقيق ذلك بنوع إعانة بمقال أو خطاب, أو أي رأي, أو استشارة,أو نحوه ظاناً أنّ الخير في ذلك للوطن أوللناس, فهو متعدٍ على شريعة الله, منتقصٌ من قدرها, متهِمٌ لِمُنْزِلِها جلّ وعلا, فلا يستحق الانتماء إليها ولا إلى أهلها, والمسلمون منه برءاء والقرآن قرر فيه قراره البيّن: (إنّ الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سوّل لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم) [سورة محمد: 25ـ26].
[6] كل حاكم أو مسؤول مسلم لا يحتكم إلى شرع الله في سائر تصرفاته ومواقفه فهو خائن للأمة مسيءٌ إلى وكالته عنها, واستحق الخلع مع الذمّ, وإن كان ذلك اعتقاداً بأفضلية غير الشريعة عن الشريعة أو عدم صلاحها في أيام حكمه؛ فهو كافر بلا خلاف بين الأمّة.
[7] المواثيق عندنا مغلّظة, والعهود واجبة الإيفاء, ولكن! لا يجوز للحاكم المسلم أن يوقّع اتفاقاً أو يعطي عهداً يتضمن شرطاً يؤدي إلى ترك واجب أو ارتكاب محرم, ناهيك أن يكون فيه ردة أو انتكاسة عن تطبيق الشريعة, وقد بيّن نبي الخير ورسول الحق ذلك بياناً شافياً فقال صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً))([21]).
[8] إلغاء أحكام الشريعة بعد تحكيمها في حياة الناس أعظم جرماً وأشدّ إثماً وأظهر ردة من عدم تحكيمها ابتداءً, وكلاهما جريمة في الملّة وخيانة للأمة.
اللهم ارنا الحق حقاُ وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
والحمد لله رب العالمين
----------
([1]) فتح الباري، شرح صحيح البخاري، ج1 ص61، دار الربيان، القاهرة، طبعة 1407هـ.
([2]) فتح الباري نفسه، ص62.
([3]) نفسه.
([4]) البخاري، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس))، ج1 ص60 بالفتح.
([5]) مجموع الفتاوى لابن تيمية، ج7 ص639.
([6]) الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية، ص369-370.
([7]) الصلاة لابن القيم، نقله في الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي، د. صلاح الصاوي، ص94.
([8]) إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري، ج1 ص82.
([9]) المسايرة للكمال، ص308، نقله في الثوابت والمتغيرات، ص94.
([10]) شرح العقيدة الطحاوية، ص321.
([11]) الثوابت والمتغيرات، د. الصاوي، ص92.
([12]) أحكام القرآن للجصاص الرازي، ج3 ص181.
([13]) راجع تفسير القرطبي، م8 ج16 ص 85ـ87. دار الفكر، طبعة 1415هـ. وتفسير ابن كثير ج4 ص 131، دار الأندلس، طبعة 1413هـ.
([14]) التشريع الجنائي الإسلامي، ج2 ص709-710، دار الكتاب العربي، بيروت بدون.
([15]) الحدود الشرعية، عبد الرحمن عبد الخالق، نقله الصاوي في الثوابت والمتغيرات ص92.
([16]) التشريع الجنائي نفسه، ج2 ص709.
([17]) أعلام الموقعين عن رب العالمين؛ لابن قيم الجوزية، ج 3، ص3، دار الجيل.
([18]) انظر: سماحة الإسلام, د. أحمد محمد الحوفي:ص 115, نقلاً عن الإسلام للكونت هنري كاستري.
([19]) المراجع السابقة.
([20]) سماحة الإسلام نفسه: ص 115–116. نقلاً عن الإسلام للكونت هنري كاستري ص 44,48.(17/115)
([21]) البخاري صدره في كتاب الإجارة باب أجرة السمسرة (ج4 ص 527 بالفتح), وأحمد وأبو داود والحاكم عن أبي هريرة, والزيادة في مسند إسحق من حديث عمر بن عوف المزني, وفي مصنف ابن أبي شيبة: ((المؤمنون عند شروطهم)) وزاد الحاكم: ((المؤمنون عند شروطهم ما وافق الحق)). راجع فتح الباري ج4 ص 528 دار الريان للتراث القاهرة طبعة 1407م.
==========
نبذة عن العلمانية
د. إسماعيل محمد حنفي*
أولاً: مفهوم العلمانية([1]):
العلمانية في الحقيقة تعني إبعاد الدين عن الحياة أو فصل الدِّين عن الحياة أو إقامة الحياة على غير الدِّين؛ سواء بالنسبة للأئمة أو للفرد.
أما أصل كلمة علمانية فهي ترجمة غير صحيحة للكلمة اللاتينية (SECULARISM) وترجمتها الصحيحة هي: اللادينية أو الدنيوية, بمعنى ما لا علاقة له بالدين ويؤكد هذه الترجمة ما ورد في دائرة المعارف البريطانية في مادة (SECULARISM) "هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها؛ وظل الاتجاه إلى الـ(SECULARISM) يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله، باعتبارها حركة مضادة للدين ومضادة للمسيحية كما يؤكد أن ترجمة الكلمة اللاتينية هي اللادينية؛ ما أورده معجم أوكسفورد شرحاً لكلمة (SECULAR):
(1) دنيوي أو مادي، ليس دينياً ولا روحياً مثل التربية اللادينية، الفن أو الموسيقى اللادينية، السلطة اللادينية، الحكومة المناقضة للكنيسة.
(2) الرأي الذي يقول إنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية.
هل الاسم العربي له صلة بالاسم؟
ليس له صلة بالعلم لأنه كما ذكرنا أن أصل الكلمة باللاتينية ليس له علاقة بالعلم، والذين ابتدعوها لم يريدوا بها العلم من قريب ولا من بعيد. ولو أرادوه لاستخدموا ما يشير إلى النسبة إلى العلم هي (SCIENTIFIC) لأن العلم بالإنجليزية (SCIENCE) وأرى أن استخدام هذه الكلمة العربية كمصطلح لهذه الفكرة فيه تضليل وتعمية،ولو سموها باسمها لانصرف أهل الفطر السوية عنها ولحاربها أهل الغيرة على الدين.
ثانياً: نشأة العلمانية:
بداية النشأة في أوروبا، وكان ذلك بسبب عبث الكنيسة بدين الله المنزَّل، وتحريفه وتشويهه، وتقديمه للناس بصورة منفرة دون أن يكون عند الناس مرجع يرجعون إليه لتصحيح هذا العبث وإرجاعه إلى أصوله الصحيحة المنزلة كما هو الحال مع القرآن المحفوظ بقدر الله ومشيئته من كل عبث أو تحريفٍ خلال القرون([2]).
إنّ ما نبذته أوروبا حين أقامت علمانيتها لم يكن هو حقيقة الدين ـ فهذه كانت منبوذة من أول لحظة ـ إنما كان بقايا الدين المتناثرة في بعض مجالات الحياة الأوروبية أو في أفكار الناس ووجداناتهم، فجاءت العلمانية فأقصت هذه البقايا إقصاءً كاملاً من الحياة، ولم تترك منها إلا حرية من أراد أن يعتقد بوجود إله يؤدي له شعائر التعبّد في أن يصنع ذلك على مسئوليته الخاصة، وفي مقابلها حرية من أراد الإلحاد والدعوة إليه أن يصنع ذلك بسند الدولة وضماناتها([3]).
ويمكننا تلخيص تسبب الكنيسة في نشأة العلمانية في الآتي:
ـ عقيدة منحرفة: أن الله ثالث ثلاثة، وأنه هو المسيح ابن مريم.
ـ حصر الدين في العبادة بمعناها الضيق فقط، وفي العلاقة الروحية بالخالق.
ـ نفوذ رجال الدين على الملوك وعلى عامة الناس، بحيث لا يقع تصرف منهم فيكون صحيحاً إلا عن طريق رجال الدين؛ ولو كان ذلك وفق توجيه رباني صحيح ولمصلحة البشر لم يكن فيه إشكال؛ لكن لمصلحة رجال الدين.
ـ قيام رجال الدين بالتشريع من عند أنفسهم تحليلاً وتحريماً, حسب أهوائهم ومصالحهم مثل: تحليل الخمر والخنزير، وإبطال الختان.
ـ محاربة الكنيسة للعلم وقتلها للعلماء.
ـ استغلال رجال الدين لمكانتهم في فرض عشور في أموال الناس، وتسخيرهم للخدمة في أرض الكنيسة، وفرض ما يعرف بصكوك الغفران.
ـ الفساد الخُلُقي بكل أنواعه كان يمارسه رجال الدين.
ـ مناصرة الكنيسة للمظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية الواقعة على الناس.
كل تلك الأسباب وغيرها أدت إلى نبذ أوروبا للدين وإقبالها على العلمانية باعتبارها مخلصاً لها مما عانته من سطوة رجال الدين، وسبيلاً للانطلاق والتقدم الذي كان الدين ـ بذلك التصور وتلك الممارسات ـ حجر عترةٍ أمامه.
ولكن البديل الذي اتخذته أوروبا بدلاً من الدين لم يكن أقل سواءً إن لم يكن أشد؛ وإن كان قد أتاح لها كل العلم والتمكن المادي يطمح إليه كل البشر على الأرض تحقيقاً لسُنَّةٍ من سُنن الله التي تجهلها أوروبا وتجهل حكمتها، لأنها لا تؤمن بالله وما نزَّل من الوحي: (فلما نسوا ما ذكِّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون) [سورة الأنعام: 44]، وإذا كان الغالب على ردود الأفعال هو الاندفاع لا التعقّل ولا التبصّر ولا الرويّة ولا الاتزان فقد اندفعت أوروبا في نهضتها تنزع من طريقها كل معلم من المعالم الإلهية –سواءً كانت إلهيةً حقاً أو مدعاة من قبل الكنيسة- وتصنع مكانها معالم بشرية من صنع الإنسان، كما تنزع من طريقها كل ما يتصل بالآخرة لتصنع بدلاً منه ما يتصل بالحياة الدنيا([4])، والحاصل أنهم وقعوا في أسوأ مما فروا منه حين نبذوا الدين كله ونقول إنّ ذلك ليس غريباً؛ فالعقائد الباطلة والتصورات المنحرفة، والممارسات الضالة لا تأتي بخير فالذي خَبُث لا يخرج إلا نكِداً.(17/116)
وإن كان ذلك قد جرى في أوروبا بسبب الكنيسة ورجال الدين، فليس ذلك موجوداً في دين الإسلام، ولا يمكن أن يقع مثل الانحراف الشامل ويغيب الحق والصواب عن الناس؛ لأن أصول هذا الدين معلومة ومحفوظة، ولا يزال أهل العلم وحملة الحق في كل زمان يُبيّنون ويُوضّحون للناس، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولو حصل شئ من الانحراف فإنه يكون معلوماً، ولن يتفق عليه أهل الإسلام وهو يعالج بما يؤدي إلى مصالح أكيدة، فالخطأ عندنا أمة الإسلام لا يُعالج بالخطأ، والخطأ الذي يقع إنما هو منسوب للبشر فهي ممارستهم واجتهاداتهم, ولا يصح أن يُحمل على الدين وأن يكون ذريعةً لرفض منهج الله.
ثالثاً: من آثار العلمانية:
في مجال السياسة:
ـ استخدام المبدأ الميكافيلي "الغاية تبرر الوسيلة" من قبل الحكام، مما جرد السياسة من الأخلاق وأبعد عنها الدين، فأصبح استخدام كل وسيلة حلالاً كانت أو حراماً؛ أمراً عاديّاً، بل لم يكن سياسياً بارعاً من لم يفعل ذلك!!
ـ استغلال الناس للوصول إلى الحكم، عن طريق الديمقراطية المزعومة، ثم تسليط السلطة على نفي الناس وظلمهم.
ـ إبعاد الناس عن الحياة واستثناء النهج الإسلامي ذي التوجه الرباني من الوصول للحكم، بل ومحاربته والتنكيل بأنصاره، واتهامهم بالتطرف والإرهاب.
ـ نشأة التيارات المغالية التي كانت ردة فعل للأنظمة العلمانية بظلمها وفسادها.
ـ ولاء الأنظمة السياسية في بلاد المسلمين لدول الكفر، ولاءً كاملاً على حساب الإسلام والمسلمين.
في الاقتصاد:
ـ ترويج سلع العدو في بلاد المسلمين بما يقوي اقتصاده ويضعف المسلمين.
ـ أصبحت الثروة دُولةً بين عدد محدود من الأغنياء الذين لا تستفيد منه بلاد المسلمين كثيراً.
ـ أصبح المسلمون عالةً على غيرهم, معتمدين على عدوهم في كل شيء.
في الاجتماع والأخلاق:
ـ تحرير المرأة وتحللها من كل القيود التي تعصمها وتحفظ كرامتها.
ـ تفكك الأسر وضياع أفرادها.
ـ انتشار جرائم الأطفال وفسادهم.
ـ انتشار الخيانات الزوجية, وكثرة أبناء الزنا.
ـ الترويج للشذوذ الجنسي.
ـ ضعف الروابط بين الأقارب والأرحام؛ بسبب التركيز على الجانب المصلحي في الحياة والعلاقات بين الناس.
ـ انتشار ثقافة التحلل والتفسُّخ والشهوة, مما أدى إلى كثرة الفساد الأخلاقي, وانتشار الأمراض الفتاكة.
في التربية والثقافة:
ـ تفسير الدين تفسيراً ضيقاً, وتحديد علومه تحديداً قاصراً.
ـ التفريق بين نظام تعليم رسمي حكومي, ونظام تعليم أهلي ديني؛ مع إهمال الأول والاهتمام بالأخير.
ـ إهمال اللغة العربية والتربية الإسلامية, مع إظهار الاهتمام بغيرهما من المواد العلمية والعصرية.
ـ بث السموم والطعن في المقررات والمناهج الدراسية ضد الإسلام, مع الاهتمام بالثقافة الأوروبية.
ـ انتشار ترجمات الكتب الغربية في بلاد المسلمين, بل وكذلك الكتب الغربية بلغاتها الأصلية؛ تحت اسم الثقافة ودراسة الأدب...الخ.
ـ عودة كثير من أبناء المسلمين الذين درسوا وتربوا على مائدة الغرب ليساهموا في نشر ثقافته وفكره وينافحوا عنها.
ـ الفصل بين ما هو ديني وما هو غير ديني في الصحف والمجلات: مجلة دينية, صحيفة دينية, صفحة دينية, برنامج ديني...إلخ.
ـ انتشار الاختلاط في المؤسسات التعليمية؛ حتى أصبح أصلاً, ومن ينادي بفصل الجنسين يصبح شاذاً!
ـ حصر مفهوم الثقافة في أدب اللهو والمجون, والطرب والغناء.
رابعاً: كيف نواجه العلمانية:
لا حاجة ـ بعد كل ما ذكرناه ـ إلى الكلام عن حكم العلمانية, فقد اتضح لنا أنها دين مستقل؛ ابتدعه البشر ليكون مقابل دين الله وبديلاً لشرعه, وبذا فهي كفرٌ صراح, ومواجهتها واجب, لكن كيف؟
ـ بنشر العلم الشرعي وتوعية الناس بدينهم.
ـ بتربية أبناء الأمة على الإسلام, في الأسرة والمؤسسات المختلفة.
ـ بنشر الثقافة الإسلامية من خلال: الكتب, المجلات, المقررات الدراسية, أجهزة الإعلام...
ـ بتعرية فكر العلمانيين والرد عليهم.
ـ بالتمسك بشريعة الإسلام والعضِّ عليها بالنواجذ.
ـ بتوعية الأمة بخطورة العلمانية على الدين والمجتمع.
ـ بتقوية عقيدة الولاء والبراء.
----------
(1) د. سفر الحوالي، العلمانية، ص 21ـ24، Ency.Britanniea.Vol.lxp.19. Oxford Advanced Learner’s Dic. Of Current English:785
([2]) محمد قطب، العلمانية، ص7
([3]) المرجع السابق، ص11.
([4]) محمد قطب، مرجع سابق، ص17ـ29.
===========
الجواب عن الشبهات
د. عبد الحي يوسف*
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..(17/117)
فإن طرح الشبهات وإيراد المشكلات دأب أهل الضلالة من قديم، يفعلون ذلك صداً عن سبيل الله واستجابة لداعي الهوى في نفوسهم التي جبلت على الإعجاب بالرأي وإيثار العاجلة على الباقية، وفي القرآن الكريم نماذج لبعض تلك الشبهات التي طرحها المشركون الأولون على الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كقولهم: (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون)، وقولهم: (أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون)، وقولهم: (أبشراً منا واحداً نتبعه إنا إذاً لفي ضلال وسعر)، وقولهم: (أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء)، وجماع ذلك قول الله في القرآن: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون)، قال أهل التفسير: نزلت الآية فيمن اعترضوا على تحريم الميتة بقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: ما قتله الله حرام وما قتلته بيدك حلال؟ وقوله سبحانه: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون)، وهم في هذا كله يدّعون أنهم أهل استقامة وسداد وأنهم يرومون الخير للناس: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).
وهاهنا نعرض لبعض هاتيك الشبهات التي يروِّج لها الداعون إلى علمانية العاصمة القومية:
[1] قولهم: إن في العاصمة ناساً يدينون بغير الإسلام وفي الحكم بالشريعة تضييق عليهم:
والجواب أن وجود غير المسلمين في مجتمع يحكم بالإسلام ليس وليد اليوم، ولا هي مشكلة طارئة تحتاج إلى بحث، بل منذ أن بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن وقامت للإسلام دولة في المدينة، وغير المسلمين ـ من اليهود وغيرهم ـ موجودون يعيشون بين ظهراني المسلمين ويمارسون شعائر دينهم؟ فما الجديد إذن؟ ومتى كان وجود الأقلية في أي مكان أو زمان يمنع الأغلبية من أن تطبق دينها؟ وهل عهد في تاريخ الإسلام كله إجبار غير المسلم على الدخول في الإسلام؟
يقول جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب: "وكان يمكن أن تعمي فتوح العرب الأولى أبصارهم وأن يقترفوا من المظالم ما يقترفه الفاتحون عادة، ويسيئوا معاملة المغلوبين ويكرهوهم على اعتناق دينهم الذي كانوا يرغبون في نشره في العالم، ولكن العرب اجتنبوا ذلك، فقد أدرك الخلفاء السابقون ـ الذين كان عندهم من العبقرية السياسية ما ندر وجوده في دعاة الديانات الجديدة ـ أن النظم والديانات ليست مما يفرض قسراً فعاملوا ـ كما رأينا ـ أهل سورية ومصر وإسبانيا وكل قطر استولوا عليه بلطف عظيم تاركين لهم نظمهم وقوانينهم ومعتقداتهم... فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا ديناً سمحاً مثل دينهم".
وغير المسلمين ـ تحت حكم الإسلام ـ في حمايةٍ من كل ظلم داخلي أو اعتداء خارجي، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه كنت أنا خصمه يوم القيامة))، بل إن الثابت ـ واقعاُ وتاريخاُ ـ أن المسلمين كانوا هم المتضررين من تطبيق غيرهم ما يحسبونه ديناً، حيث عانوا في القديم من محاكم التفتيش في الأندلس ـ وقد اعترف بذلك مفكرو الغرب ومؤرخوه ـ وفي التاريخ الحديث ما أمر البوسنة وكوسوفا عنا ببعيد؟ ونقول أيضاً: إن الالتزام بالتشريع الإسلامي لا يمس حقوق غير المسلمين؛ لأن الإسلام كفل لهم حرية الاعتقاد وتطبيق تشريعهم في الأحوال الشخصية، ومن المعلوم للكافة أن الإنجيل ليس فيه أحكام تشريعية في المسائل المدنية والتجارية، ولهذا يأخذ النصارى في كل دولة بتشريعها في هذا المجال، فضلاً عن ذلك فالقوانين الدولية قد تواترت على إقليمية التشريع في جميع التشريعات إلا في مسائل الأحوال الشخصية، وبمقتضى ذلك يخضع الشخص لقانون الإقليم الذي يعيش فيه.
ثم ماذا يضير النصارى أن تمنع الخمور ويحظر الفجور ويلغى الربا ويحارب البغاء؟ هل يزعم أحدهم أن ديناً نزل من السماء يبيح شيئاً من ذلك؟ اللهم لا. لكن منطق الإستبداد الأرعن الذي تمارسه أمريكا على سائر الأمم هو الذي يحملها ـ ومن وراءها من الأذناب كحركة التمرد ـ على أن يحاولوا منع المسلمين من تطبيق شرائع دينهم تحت ذرائع شتى، والحال كما قال ربنا: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء)، (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق)، لكن العجب العاجب هو أن يرضى بعض من ينتسب إلى الإسلام لنفسه أن يكون مروّجاً لمثل تلك الأباطيل، واضعاً في طريق سيادة الشريعة شتى العراقيل.
[2] قولهم: إن تطبيق الأحكام الشرعية يحرم العاصمة من مجيء السائحين، وترك الأحكام الشرعية يجعلها عاصمة جاذبة:(17/118)
والجواب: أن العقلاء وأهل المروءة متفقون على أن الغاية لا تبرر الوسيلة وأن ما عند الله لا يطلب بمعصيته، وقد قال العرب الأوّلون: "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها". ثم من الذي يقول: إن العاصمة لا تكون جاذبة إلا إذا أبيح فيها الحرام؟ لو أنصفوا لقالوا: إن الواجب علينا أن نرعى الأخلاق، ونحفظ حدود الله من أن تضيّع فنحلّ الحلال ونحرّم الحرام؛ حتى يأتي إلينا السائحون الملتزمون وهم آمنون على أموالهم وأعراضهم وأنفسهم، ولو أنصفوا لقالوا: إن الواجب أن تتضافر الجهود لترقية الخدمات وتأمين الماء والكهرباء، وتعبيد الطرق وتوسعة المطارات وتجميل المسارات وإنارة الشوارع حتى تكون الخرطوم عاصمة جاذبة، بدلاً من الدعوة إلى العلمانية المنكرة التي تبيح ما حرم الله فنكون ممن لم يحفظ ديناً ولم يصلح دنيا، (وشر الناس من خسر الدنيا والآخرة)، ونذكّر أنفسنا وهؤلاء بقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء)، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولا يحملنكم طلب الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله))، ومن التاريخ القريب يعلم المنصفون أن الخرطوم كانت يوماً ما ـ بوجهها الشائه وخدماتها المتردية ـ عاصمة الموبقات المهلكات فهل جذب ذلك السائحين إليها؟ أو فتح أبواب الرزق عليها؟ اللهم لا هذا ولا ذاك. لكن..
يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
ثم ألا يعتبر هؤلاء بحال أمم سارت في ذات الدرب فلم تحصد إلا المرّ والعلقم، فلا أزماتها الاقتصادية حلّت، ولا وحدتها الوطنية حققت، ولا مشاكلها الأمنية زالت، بل زادت، (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى).
[3] قولهم: إن الاستمساك بهذا الأمر ـــ أي تطبيق الشريعة في العاصمة ـــ يفوّت فرصة تحقيق السلام الذي بات وشيكاً بزعمهم:
والجواب أن أهل الإسلام مجمعون على أن حفظ الدين مقدّم على حفظ النفوس والأعراض والأموال والعقول؛ وعليه فلو كان السلام في مقابل التنازل عن أحكام الله عز وجل فنقول: لا حيّاه الله ولا سقاه ولا مرحباً به ولا أهلاً، وحسبنا أن نذكّر أنفسنا؛ لتكف عن طاعة المبطلين، بتلك الدماء الزكية التي نزفت على أرض الجنوب والشرق لتكون كلمة الله هي العليا، فهل كان ذلك ليأتي آتٍ بعد زمان قريب ليقول: لابأس بالتنازل عن الشريعة في العاصمة من أجل تحقيق السلام، ولو أن امرءاً رضي لنفسه أن يتنازل عن دينه لينال سلاماً متوهماً؛ فلن يبالي بعد ذلك بالتنازل عن عرضه، ومن تتبع تاريخ المتمردين وزعيمهم في نقض العهود ازداد يقيناً بقول الله في القرآن: (أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون)، وبقوله سبحانه: (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة وأولئك هم المعتدون)، ومن أعطى الدنية في دينه فرضي بتغييب الشريعة في العاصمة اليوم فسيرضى بتغييبها في غيرها غداً.
[4] قولهم: إن علمانية العاصمة علاج للأوضاع وحماية لها من التعصب الديني:
والجواب هو أن العلمانية ما كانت في يومٍ من الأيام علاجاً للتعصب الديني أو الطائفي أو العرقي، ومن كان في شك من ذلك فليرجع إلى تاريخ بلاد ارتضت العلمانية مبدأً ومنهجاً من قديم ـ كالهند ولبنان وتركيا ـ هل حالت العلمانية دون قيام مذابح الهندوس ضد المسلمين في الهند؟ أم حالت دون قيام الحرب الأهلية التي استمرت سنين عدداً في لبنان؟ أم حالت دون اضطهاد الأكراد في تركيا؟ والتاريخ شاهد بأن حرب الجنوب قامت قبل أن تطبق الشريعة سواء في ذلك التمرد الأول أو الثاني، بل إننا نقول إن المسلمين هم الخاسرون من تطبيق هذا المبدأ الفاسد حيث عهدنا في أكثر البلاد علمانية ـ كفرنسا مثلاً ـ أن تمنع الفتاة المسلمة من ارتداء حجابها في المدرسة، وفي تركيا تمنع نائبة في البرلمان من الدخول إليه إلا بعد خلع حجابها فأين العلمانية هنا؟ إن علاج التعصب لا يكون إلا بنشر الوعي وبث العلم وتربية الناس على فن الحوار مع الغير واحترام النظام وأدب الكلام، ولا أنفع ولا أطيب ولا أحسن من هدي القرآن في ذلك، (وجادلهم بالتي هي أحسن)، (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، (لا إكراه في الدين)، (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، ولو أنصفوا لقالوا: إن العلاج يكمن في إعطاء كل ذي حق حقه، ورفع الظلم وبسط العدل بتطبيق الشريعة.
[5] قولهم: إن العلمانية هي المبدأ السائد الذي يحكم العالم الإسلامي كله، وما ينبغي أن نكون نشازاً بين الناس:(17/119)
والجواب أنه قد أجمع علماء المسلمين من قديم على أن الشريعة حاكمة على جميع أفعال المكلفين، وأنها حجة عليهم لا العكس، وقد قال الله عز وجل في القرآن: (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث)، (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)، وقال: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله)، وقال: (وإن كثيراً من الناس لفاسقون)، (وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم)، وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإسلام ستنقض عراه عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة، وأخبرنا أن الكتاب والسلطان سيفترقان وأمرنا ألاّ نفارق الكتاب، ثم أي عقل هذا الذي يحكم على المكلّف بأن يدع تعاليم دينه ويهمل شريعة ربه ويكون إمعة لأن الناس أو أكثرهم فعلوا ذلك؟ وقد علم الناس أجمعون أن العلمانية ما حكمت العالم الإسلامي برضى المسلمين ولا مشورتهم، بل فرضت بقوة الحديد والنار عن طريق الانقلابات العسكرية التي قام بها أذناب المستعمر ومن ثم مارسوا التضييق على الدعوة وأهلها، وعمدوا إلى تغييب الدين عن حياة المسلمين، ومنذ أن طبقت ما عرف المسلمون تقدماً ولا رقياً بل إن أعرق البلاد المسلمة علمانية ـ وهي تركيا ـ صار همُّ ساستها اللهاث خلف أوروبا، والتوسل من أجل أن يمنحوا عضوية في الاتحاد الأوروبي، وفشلوا في ذلك رغم قول قائلهم من قديم: "لا بد أن نأخذ بحضارة الأوروبيين حتى النجاسات التي في أمعائهم والأوبئة التي في أكبادهم".
[6] قولهم: إن الدين لله والوطن للجميع، فلا بد أن يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات:
نقول: بل الدين لله، والوطن لله، والحكم لله، والخلق عباد الله، (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين)، وماذا يضير غير المسلمين في أن تحكم الأغلبية بشريعتها وترجع إلى أحكام دينها في الأمر كله؟ ثم ماذا لو حدث العكس وكان المسلمون هم الأقلية هل كان يقبل منهم أن يطلبوا إلى الأكثرية التنازل عن هويتهم ومقدساتهم طلباً لمرضاتهم؟ وهاهم المسلمون يعيشون في البلاد الكافرة ـ في أوروبا وأمريكا ـ ويخضعون لأنظمة وتشريعات تتعارض مع بدهيات دينهم، ولا يجرؤون على المطالبة بتغييرها أو تعديلها، ولو فعلوا لقيل لهم: هذا هو حكم الأغلبية، إنه لا يقبل شرعاً ولا عرفاً بل ولا ديمقراطياً ـ وهم أكثر الناس تشدقاً بالدعوة إليها ـ أن تتخلى الأغلبية عن هويتها ومقدساتها وحضارتها طلباً لمرضاة الأقلية، لا سيما إذا كانت هذه المقدسات لا مساس لها بالحقوق الأساسية المشروعة لهذه الأقليات. ثم لماذا يتخلى القوم عن علمانيتهم القاضية بأن القانون الحاكم يجب أن يكون نابعاً مما ترتضيه الأغلبية؟
[7] قولهم: إننا متدينون نصلي ونصوم ومع ذلك نعتقد أن العلمانية هي العلاج الناجع والدواء الشافي:
نقول: إن العبادات والتشريعات وأحكام المعاملات من عند الله ولا يد فيها للبشر، والإسلام كل لا يتجزأ، فليس مسلماً من قال: أصلي على نظام الإسلام وأتخذ منهجاً سياسياً على نظام ميكافيللي، ونظاماً اقتصادياً ماركسياً، كيف يكون الشخص متديناً وهو يرفض حكم الله وحكم رسوله، وصريح القرآن يقول: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً)، ويقول: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون)، وهذا الفهم المغلوط للتدين هو الذي حمل بعضهم على أن يحج ويعتمر وينتسب إلى بيوتات دينية، ثم لا يبالي بالجلوس على مائدة يدار فيها الخمر أو يراقص الفتيات؛ لأن التدين في فهمه الكاذب الخاطئ قاصر على جانب الشعائر وحدها ولا علاقة له بمعتقد أو سلوك.
[8] قولهم: إن في تطبيق العلمانية ضماناً لعدم استغلال الدين في أغراض سياسية:
ولغرابة هذه الشبهة فإننا نستعمل معهم الدَّوْر فنقول: علينا ألا نطبق العلمانية لنضمن ألا تستغل في أغراض سياسية، وإن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت. هل يعقل أن يمنع المسلمون من تطبيق أحكام دينهم بدعوى عدم استغلاله، ثم يجبرون على نظام مستورد يخالف دينهم وعقيدتهم بل يخالف رغبتهم واختيارهم؟ ما لكم كيف تحكمون؟ أم لكم كتاب فيه تدرسون؟ إن لكم فيه لما تخيرون.
إن العلمانية ضد الدين لأنها لا تقبل التعايش معه كما أنزله الله بل تريد إقصاءه عن الحياة وحصره في زاوية ضيقة منها، إنها ضد الدين لأنها تريد أن تأخذ منه ما يوافق هواها وتعرض عما يخالفه، ولأنها تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض، (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون)، إنها ضد الدين لأنها تتعالم على الله عز وجل وتقول له: نحن أعلم منك بما يصلح للناس والقوانين الوضعية أهدى سبيلاً من حكمك.
إن العلمانية ضد إرادة الشعب في السودان كما أنها ضد إرادة المسلمين الذين رضوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً، والقاعدة العريضة من مثقفي الأمة ـ الذين هم أنضج وعياً وأزكى خلقاً وأقوى إرادة ـ لا يبغون غير الله حكماً ودينه شرعاً.
[9] قولهم: إن الشريعة الإسلامية لا يمكن أن تستوعب ملايين القضايا والمشاكل الإنسانية المعقدة، أو أن تقدم حلولاً جاهزة لكل ما يستجد على مسرح الحياة:(17/120)
والجواب: أن هذا التصور قائم على أساس أن الدين ثابت لا يتغير, وأن الحياة في تغير دائم، وأن الحكم بالأسلام من شأنه إلغاء كل اجتهادات البشر وتجاربهم، وإبطال كل عرف واجتهاد لم يرد من القرآن والسنة، وهذا تصور قد حكم الإسلام بفساده، فقد شرع الله تعالى للناس قواعد عامة للأمور التي حرمها الله وأمرنا باجتنابها، وأرشدنا أن ما سكت الله عنه فلم يبينه فهو مباح، لنا أن نجتهد فيه في حدود هذه القواعد العامة أي بما لا يحل حراماً. قال الله تعالى: (وقد فصّل لكم ما حرم عليكم)، وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سكت عن أمور رحمة بنا غير نسيان، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أنتم أعلم بشئون دنياكم)).
فأمور المعاملات في جوانبها المختلفة من مدنية وجنائية ودستورية منها ما هو ثابت محكم، ومنها ما هو متجدد مرن، فالأسس والقواعد الكلية التي تشكل الإطار العام تتسم بالثبات والإحكام، وهي تلك التي جاءت بها الأدلة القطعية ثبوتاً ودلالة، ولا مجال فيها لتعدد الأفهام وتفاوت الاجتهادات، والفروع الجزئية والتفاصيل المتعلقة بالكيفيات والإجراءات ونحوها تتسم في أغلبها بالمرونة والتجدد، ويكفينا قول الله عز وجل: (والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
إن المشكلة لا تكمن في وفاء الشريعة بحاجات الإنسان ومصالحه الحقيقة، ولكنها تكمن في كبحها لجماح الأهواء، ووقوف أحكامها عقبة في وجه دعاة العربدة والتحلل، إن أهل الفجور يتهمون الشريعة بالجمود لامحالة؛ لأنها لا تساير ما في نفوسهم من الشهوات والأهواء. فلا تبيح لهم الخمر ولا الرقص المختلط، ولا الردة ولا التبعية لكفار الأرض، ولا ترويج بضاعة المستشرقين باسم الفكر الإسلامي ولا تزييف التاريخ باسم حرية البحث، هذه هي المشكلة حقاً.
=============
التأثير الإعلامي في الظواهر الاجتماعية بين السلب
د. أحمد حسن محمد*
مع تطور وسائل وثورة المعلومات؛ لم يعد الإعلام المعاصر مجرد أداة لتوصيل المعرفة وتزويد الناس بالخير والحدث، أو حتى مجرد وسيلة للترويح والترفيه والتسلية، بل يحوي ذلك كله ليصبح أداة فاعلة في صناعة الرأي العام الذي لم يعد مستقبلاً للمعلومة أو الخبر فقط، بل أصبح يتفاعل ويتأثر عقلياً وفكرياً وسلوكياً. إن الإعلام بوسائله الحديثة وبرامجه المتنوعة إنما يصدر عن تصورات وأفكار ومبادئ تعمل على إحداث تغير مقصود في المجتمع المستهدف ليس في دائرة محددة أو مجتمع بعينه، بل يحدث ذلك على المستوى العالمي مغطياً البشرية في كل أرض وتحت أي سماء؛ مما جعل العالم كله ـ كما يقول بعض المختصين ـ قرية واحدة تعيش الحدث وتتلقى الخبر في وقت واحد وزمن مشترك عن طريق وسائل الاتصال الجماهيري المباشرة.
وقد تكون هذه الوسائل حروفاً مطبوعة على صفحات الكتب والنشرات والصحف، أو تكون كلمات منطوقة من خلال الإذاعة المسموعة، أو مشاهد من وسائل مرئية متحركة.
فلم يعد هناك اختلاف حول الدور المتعاظم الذي تقوم به وسائل الإعلام في عصرنا الحاضر نحو شعوب العالم، فقد أصبح الإعلام قادراً على البناء قدرته على الهدم.. قادراً على ترسيخ القيم أو زعزعتها. وذلك وفق مصدر الرسالة والمضمون الذي يحمله سلباً أو إيجاباً.
ويمكن الإشارة بصورة سريعة إلى أنواع من التأثير الإعلامي في المجتمع المستهدف، والتي منها:
1- تغيير المواقف والاتجاهات:
إن وسائل الإعلام تعتبر من المصادر الأساسية للمعلومة، والتي يبني عليها الفرد مواقفه، وتقوم عليها اتجاهات الجماعات حيال الأحداث الجارية، سواء بالقبول أو الرفض، حيث تتولى وسائل الإعلام الدور الملموس في تشكيل موقف الجمهور المتلقي من القضايا المطروحة على الساحة المحلية والدولية. ولا يتوقف تغيير الاتجاه والموقف على القضايا العامّة أو الأحداث المثارة، بل يمتد إلى القيم وأنماط السلوك، فقد يحدث أن يتقبل المجتمع قيماً كانت مرفوضة قبل أن تحملها الرسالة الإعلامية، أو يرفض قيماً كانت سائدة ومقبولة مستبدلاً بها قيماً جديدة.
إن الإعلام هو عامل مؤثر في عملية التحول من خلال ما يقدمه من معلومات قد تكون حقيقية وقد تكون كاذبة أو مشوهة نتيجة التعرض المستمر والإدمان من قبل المستقبل للوسائل الإعلامية.
2- التغير المعرفي:
إذا كان تغيير المواقف من الأمور العارضة التي قد تزول بزوال المؤثر؛ فإن للمعرفة جذوراً ممتدة في أعماق الفكر الإنساني مما يحول دون تغييرها بسرعة، بل يتطلب الأمر عملية بطيئة قد تستغرق زمناً أطول. وعمليات التعرض الطويلة والمستمرة للرسائل الإعلامية ذات الصبغة الفكرية لها دورها في عملية التشكيل المعرفي للأفراد باعتبار أن المضمون المحمول له دوره كمصدر من مصادر المعرفة، وهذا أمر يتيح للرسالة الإعلامية إبدال الأصول المعرفية القائمة نحو قضية ما وإحلال أصول معرفية جديدة، بما قد يؤدي إلى أشكال أخرى من التفكير والمعتقد والتقاليد، ولعلها عملية ليست بالبساطة حيث تتداخل فيها عدة عوامل ومتغيرات، مثل شخصية المتلقي وثقافته وتديُّنه وما يحيط به من قوى الضبط الاجتماعي.
3- التنشئة الاجتماعية:(17/121)
جاءت ثورة الاتصال لتجعل من وسائل الإعلام شريكاً فاعلاً يسهم بقدر كبير في عملية التنشئة الاجتماعية والعملية التربوية، بجانب الأسرة والمدرسة والنادي والمسجد ومراكز التوجيه والتوعية، وتظهر فاعلية وسائل الإعلام في قدرتها على التحرك، حيث يوجد المستقبِل أو الجمهور المستهدف في بيته أو مكتبه أو أي مكان يتجه إليه، تخاطب الكبير والصغير والمرأة والرجل، واحتلت لنفسها مكاناً في كافة ميادين الفكر والتأثير، من ثقافة وترويح وتسلية وتوجيه، وفق أساليب مستحدثة وتقنيات عالية، مما يجعل الإنسان يُسلم عقله وعاطفته لجاذبية الوسيلة الإعلامية وبرامجها، لتقوم بدور الأب والمعلم، بل وأحياناً بدور الإفتاء والإرشاد، دون أن يدرك المتلقي أن ما تحمله الرسائل الإعلامية اليوم مشحون بقيم صاحب الرسالة يسعى لإحلالها محل القيم القائمة إذا كانت هذه القيم القائمة تتعارض مع أهدافه ومراجعه. فقد يرى مشاهد للتلفاز مثلاً مشاهد تضحكه وتسليه ولكنها تحمل السخرية من قيم قائمة تتسلل للشعور، مثل السخرية من تعدد الزوجات فإنها لا تأتي بصورة مباشرة قد تجد معارضة من المشاهد، لكن عندما تأتي في سياق الترفيه والتسلية والكوميديا الضاحكة فقد تكون أسهل للوصول إلى قلب المتلقي من أن تكون مباشرة، وقل مثل ذلك في السخرية من إطلاق اللحى، أو الحجاب بالنسبة للمرأة أو غير ذلك من القيم التي يراد استبدالها من خلال مقال صحفي أو رسم كاريكاتير أو كلمة عابرة من خلال برنامج إذاعي أو مشهد من مشاهد الإعلام المرئي.
الآثار الاجتماعية:
وتنطلق من قدرة وسائل الإعلام على مخاطبة جماهير عريضة في وقت واحد، وهذه خاصية من خصائص الإعلام الجماهيري بما يمكن معه التوجيه الجماعي نحو هدف أو قضية معينة واستنهاض الرأي العام لعمل ما سلباً أو إيجاباً وبث مشاعر معينة تحرك الجماهير نحو سلوك أو قرار محدد.
الاستثارة العاطفية:
إن وسائل الإعلام لها قدرة على التعامل مع العواطف الإنسانية من خلال أساليب العرض، حيث تتم عملية القبول أو الرفض والحب أو الكراهية والغضب أو الرضا من خلال ما يصل الفرد من معلومات. هذا بجانب القدرة على إثارة الغرائز أو مشاعر السخط والكراهية. إن الحديث عن مسائل الجنس وقصص الحب والغرام ومواقف الإغراء قد تستحث الإثارة لدى المشاهد أو المتلقي بصفة عامة تماماً كما تثير مشاهد وكتابات الجريمة سخط المتلقي على المجرم.
الضبط الاجتماعي:
إنه السلطة الحقيقية والتي لها حسابها في تصرفات الأفراد. ولما كانت وسائل الإعلام ذات طبيعة جماهيرية تعتمد على الجمهور كمصدر للمعلومات؛ فإن ذلك يجعل لها القدرة على جمع الناس وتحدد لهم ما يصح وما لا يصح ولو بقدر ما، بمعنى توحيد الناس بدرجة معينة على نوع من الثقافة يصبح الخروج عليها أمراً صعباً في كثير من الأحيان، مما يجعلها جزءاً من عملية الضبط الاجتماعي في المجتمع المستهدف، وتظهر هذه العملية بصورة أكثر وضوحاً في الأمور السياسية ونظم الحكم والتجمعات المهنية.
ومجمل القول أن لوسائل الإعلام تأثيراً واضحاً على المجتمع الإنساني، حتى أصبحت هذه القضية مثار اهتمام العلماء والباحثين في مجال الممارسة الإعلامية بعد أن ثبت أن للاتصال صلة وثيقة بثقافة المجتمع، وخصوصاً مع التطورات السريعة في تقنيات وسائل الإعلام والاتصال، وظهر ذلك جلياً في مجال التعليم ومجال التبادل الإخباري ومجالات الأنشطة الاجتماعية والرياضية والتغيرات الثقافية، مما قلل من أهمية الثقافات المحلية والإقليمية. ولا شك أن لهذه الوسائل آثارها الإيجابية وآثارها السلبية؛ مما دفع العلماء لوضع نظريات تؤصل هذه الظاهرة عرفت بنظريات التأثير الاتصالي، مثل نظرية التأثير التراكمي ونظرية التطعيم والتلقيح ونظرية التأثير على مرحلتين.
وسائل الإعلام ودرجات التأثير:
إن الإعلام له تأثيره وفاعليته في المجتمع الإنساني من خلال وسائله المعروفة كوسائل الكتابة المقروءة من صحف ومجلات ونشرات والوسائل المسموعة من إذاعة وأشرطة وتسجيلات سمعية، ثم الوسائل المرئية من سينما ولوحات، ولا شك أن لكل وسيلة خصائصها في التأثير وفق الجمهور المتعامل معها، فالصحافة تتعامل مع قراء لهم ثقافة ما واهتمامات قومية وسياسية، بينما الإذاعة والتلفاز يتعاملان مع جمهور واسع يجمع بين المثقف وغير المثقف، وتخاطب كافة الطبقات الاجتماعية، مما قد يؤثر في عملية حرية التعرض والاختيار والانتقاء.
وإذا حاولنا استقصاء التأثير بصورة واضحة؛ فإنه من السهل إدراك ذلك من خلال الوسائل المرئية بصفة عامة والتلفاز بصفة خاصة؛ لما لها من أهمية بين وسائل الإعلام الجماهيري فيخاطب الأميين والمتعلمين وكافة طبقات المجتمع على اختلاف مستوياتهم الثقافية والعمرية.
ويُقبل الكثيرون على التلفاز وبرامجه بغرض الترفيه والتسلية، ورغم إمكاناته الإعلامية والسياسية والتعليمية فإن برامج الترويح تحتل الجانب الأكبر من اهتمام مشاهدي برامج التلفاز، والتي تصل إليهم حيث يوجدون دون جهد أو مشقة. وقد أصبح التلفاز اليوم جزءاً أساسياً في حياة كثير من الأسر، ويتعامل مع جميع أفرادها رجالاً ونساء وأطفالاً، حتى تحول كثير منهم من مجرد مشاهدين إلى مشاركين يعيشون أحداث البرامج والتمثيليات والعروض متأثرين بالتجارب، مما جعل للتلفاز أثره في تشكيل العديد من القيم والاتجاهات لدى المشاهدين عامة والشباب والأطفال بصفة خاصة.
وإذا كان التلفاز يحمل للمشاهد برامج متنوعة وموضوعات مختلفة فلا شك أن برامج الترويح وفي مقدمتها المسلسلات والدراما تمثل أكثر البرامج مشاهدة وإقبالاً.(17/122)
الدراما التلفازية وقضية القيم:
أثبتت كثير من الدراسات أن برامج الدراما من مسلسلات وأفلام تأتي في مقدمة البرامج الإعلامية المفضلة لدى الجمهور، وللوسيلة المستخدمة دورها الإيجابي في دعم هذا الإقبال. والتلفاز يعتبر من الوسائل المؤثرة والفاعلة لما يتميز به من خصائص قد لا تتوفر لغيره من وسائل الإعلام الأخرى بما في ذلك السينما والتي هي وسيلة مرئية كذلك.
وتسهم الدراما التلفازية إسهاماً واضحاً في عملية الضبط الاجتماعي والتعامل مع القيم الأساسية التي يعيشها الناس، حيث لم تعد مجرد تسلية وترويح، بل تعدت إلى كونها وسيلة من وسائل التأثير والتغيير بل والتعبير عن أفكار وعواطف ليست بالضرورة انعكاساً للحياة اليومية، بل تحمل نماذج جديدة للسلوك الذي يسعى لإرضاء المشاهد وضمان ارتباطه بالبرنامج أكثر من سعيه في توجيه وتعديل السلوك أو الدعوة إلى نماذج أفضل لقيم ومثل مستمدة لمعاني الإصلاح. إننا حين نعلم أن البرامج الإعلامية عامة تحمل قيماً تصدر عن مصدر الرسالة مضموناً وإنتاجاً؛ فإننا ندرك كذلك أن مواد الترويح والدراما عامة تصدر عن مصدر هو فكر غربي، أو على الأقل عن فكر غير ملتزم بقيم الدين والعقيدة والإصلاح، فإنها ولا شك تصبح قيماً بعيدة عن قيم الدين والعقيدة. إن نسبة البرامج المستوردة للتلفاز في كثير من البلاد العربية والإسلامية تعتبر نسبة لا يستهان بها، سواء كانت مستوردة فكراً أو إنتاجاً أو اتجاهاً، وتعظم هذه النسبة في مجال الفنون والآداب والدراما في الوقت الذي نلتمس فيه ضعف الإنتاج المحلي بالنسبة لغيره من إنتاج العالم الغربي؛ مما أعطى ذلك لقيم الغرب مجالاً أرحب في كثير من إنتاجه الموجه للعالم الإسلامي من خلال الدراما المتأثرة بالفكر الغربي، لتحمل قيماً وتصورات عن الحياة والسلوك تتعارض في كثير منها مع قيم وسلوك الهدى الإسلامي.
ومن هنا فإن هذا النوع من البرامج يحمل خليطاً من نوعين من القيم:
أ/ قيم البلاد الغربية بما تمثله من تجسيد الجريمة والمغامرات البوليسية والعلاقات المحرمة، وهي قيم تقود إلى صراع بين ما هو عليه أبناء الأمة وجماعاتها ـ والتي هي قيم مستمدة من ثوابت العقيدة وتقاليد وأعراف متفق عليها ـ، وبين هذه القيم الدخيلة مما يكون سبباً في تعرض الاستقرار النفسي للاهتزاز، ويهدد العلاقات بين الأفراد وأسرهم وجماعاتهم وقياداتهم الشرعية.
ب/ قيم إلحادية صادرة عن الفكر العلماني، تتسرب من خلال برامج تمثل أخطر مهددات الإيمان بالله، فتتصادم مع عقائد الأمة وثوابتها الفكرية والعقدية، فتسخر من الدين ومظاهره، وتشكك في العقيدة ومصادرها، بما يثير الصراع بين ما يُرى ويُشاهد وبين ما يؤمن به فتبدأ رحلة الضياع.
أثر الفكر الإعلامي المستورد:
إن ما يصدر عن برامج إعلامية عامة وبرامج تلفازية خاصة والمتأثر بالفكر والقيم الغربية لا يتفق غالباً مع التصور الإسلامي الأصيل؛ مما يهدد ثقافة الأمة، وقد ظهر ذلك جلياً في واقع الشباب المسلم، فقد تنكر بعضهم لأصالتهم وأعرافهم، وانساقوا وراء القيم ومظاهر السلوك التي تدعو إليها هذه البرامج، سواء من حيث الفكر والثقافة، أو من حيث المظهر في الملبس والتعامل والممارسات اليومية؛ مما أوجد الكثير من المظاهر السالبة التي تشمل قطاعات من المجتمع.
ولم يكن الأمر قاصراً على الإنتاج المستورد، بل شمل أيضاً الإنتاج المحلي الذي أصبح في بعض حالاته يدور حول محور الفكر الغربي وقيمه وعاداته وتقاليده، بعيداً عن قيم الأمة الحقيقية وتقاليدها التي نشأت عليها؛ مما أوجد مفاصلة واضحة بين ما هو مطلوب وما هو واقع فعلاً.
الإعلام وواقع الأمة المسلمة:
إن واقع الإعلام العربي والإسلامي أصبح غير قادر على إعطاء الصورة الحقيقية للمجتمع المسلم وتقاليده وأعرافه بالقدر الذي يعبر عن أمانة الكلمة ومهمة البلاغ المبين وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ مما أصبح يهدد الكيان المطلوب لأمة الشريعة ودولة العقيدة والتي هي خير أمة أخرجت للناس، أمة شاهدة على الناس جميعاً، فاختلطت تقاليد الناس وأعرافهم في مآكلهم ومشاربهم وملابسهم وأفراحهم ومناسباتهم وعلاقاتهم الأسرية الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية وعلاقاتهم الأسرية، ولم تعد تلك الصورة التي كانت عليها يوم أن كان مصدر التلقي هو الهدى الإسلامي الصحيح.
إن الغزو الإعلامي وهذا الفيض الهائل من برامج الإعلام الوافدة يسانده إعلام داخلي يسير على نهجه ويقتفي آثاره. وسيكون ذلك سبباً من أسباب العديد من المظاهر السالبة في المجتمع بما يعززه من سلوك خاطئ نشير إلى بعض مظاهره:
أ/ سلوك منحرف لدى الأطفال والشباب والمراهقين؛ حيث توصلت بعض الدراسات إلى أن المشاهدة المتكررة لأفلام العنف والعدوان تقود إلى السلوك العدواني ولا شك أنه قد تكون هناك أسباب أخرى لمثل هذا السلوك ولكن المشاهدة والمداومة على مثل هذه الأفلام يعزز وينمي الدوافع الأخرى للانحراف.
ب/ التأثير على تكوين الصورة الذهنية لدى المشاهدين؛ حيث أن لوسائل الإعلام ـ المرئية بصفة خاصة ـ دورها الواضح في تكوين الصورة الذهنية عند الأفراد عن الدول والمواقف والأحداث، بل تؤثر على الطريقة التي يدرك بها الناس الأمور وطريقة التفكير، وبهذا فإن البرامج المنحرفة إنما تقود إلى تصورات منحرفة عن الحياة والمجتمع وعن الأشخاص والقيادات والموجهين.(17/123)
ج/ إن التركيز على أفلام العنف وأحداث الإجرام إنما تقود المراهقين من الشباب وغيرهم إلى تطبيع علاقاتهم بالسلوك الإجرامي، على اعتبار أنه أمر ميسور واعتيادي، وبالتالي فإن من يقوم عليه ليس شاذاً، بل قد يكون مغامراً بطلاً يستحق الإعجاب.
د/ دخول الأطفال عالم الكبار قبل الأوان دون أن تتوفر لهم الخبرة المطلوبة؛ فقد أثبتت الدراسات أن برامج التلفاز تتيح للأطفال أساليب للتعامل ما كانوا يدركونها أو يمارسونها مثل عمليات الهروب خارج الحدود، المخدرات، القتل والاعتداء، أساليب التحايل والكذب، فيعيش الطفل عالماً غير عالمه وعمراً غير عمره.
هـ/ بروز النزعة الاستهلاكية في المجتمع، على حساب الاجتهاد الإنتاجي نتيجة لإعلانات التلفاز ومظاهر الترف والبذخ، وتعويد الناس على عادات السلوك الشرائي، والتطلع إلى ما هو فوق القدرات المالية والاقتصادية.
و/ ضعف العلاقات مع الجماعات الأولية: الأسرة، المدرسة، الدولة، لانعزال وحصر المشاهد مع واقع جديد، بما يضعف فرص التعامل الاجتماعي والأسري.
ز/ تنمية الروح السلبية في التلقي والتعليم واكتساب المهارات عن طريق الممارسة؛ حيث يتعود المشاهد سهولة التحصيل دون ممارسة أو جهد أو تجربة للمعلومة أو المهارات، مكتفياً بما يقدمه الجهاز الإعلامي من حلول أو نتائج.
إيجابيات الإعلام ووسائله:
مكانة الإعلام في الإسلام:
لم ينفصل الإعلام يوماً من الأيام عن مسيرة الحياة الإنسانية، فقد صاحب النشأة البشرية منذ اللحظة الأولى يوم أن خلق الله سبحانه آدم عليه السلام، فكان أول تكليف كلف به أن ينزل إلى أرض الله ليعمرها بالإيمان والحق والصلاح، كان التكليف بالإعلام، بالإخبار، بأن يعلم ملائكة الله الأسماء كلها: (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم) سورة البقرة.
بل إن الإعلام والإنباء سيكون خاتمة الحياة الدنيا واستقبال الحياة الآخرة إما بنعيمها أو عقابها: (كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبأ الإنسان يومئذ بما قدّم وأخّر) سورة القيامة.
وما أرسل الله الرسل إلا لإعلام الخلق بحقيقة الخالق وبيان الطريق الصحيح للحياة السعيدة، وجاء كل نبي ورسول يؤكد هذه المهمة (أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم ..)، وكان هذا أمر الله لرسوله الخاتم: (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)، البلاغ هو الإعلام بكل وظائفه: بشارة ونذارة، وتفسير وإيضاح، وإخبار وتذكير، وهذا ما حواه كتاب الله تعالى في كثير من آياته الكريمة.
ومن هنا فإن الإعلام إنما هو عمل مسئول وقضية بشرية قائمة منذ قيام البشر؛ ليستقيم في أسلوبه ورسائله باستعانة حامل الرسالة، ويعظم بعظم المضمون الذي يحمله، وإذا كانت بعض السلبيات ظهرت مع المسيرة الإعلامية فإنما ذلك سنة من سنن الله في خلقه: (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً) سورة الكهف.
والمجتمع الراشد هو الذي يتلمس جوانب الخير في الإعلام ومناهجه ويسخر وسائله ـ التي هي محايدة تماماً ـ ليتحقق بها وعن طريقها صلاح الأمة واستقامة المجتمع، ويظل للإعلام مزاياه وأثره الإيجابي في المجتمع الإنساني طالما أنه ينطلق من وعي صحيح وفهم سليم واستقامة على المنهج القويم.
ومن هنا تظهر إيجابيات الإعلام الراشد والتي فيها:
1/ إنه وسيلة ربط الإنسان بحقيقة عبوديته لله ودعوته؛ لتوجيه فكره وعقله نحو القدير في ملكوت الحق سبحانه، وهو بذلك دعوة لأهل العقل والحكمة والرشاد، (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون). والرسالة الإعلامية الراشدة هي التي تقود إلى تنمية المجتمع ورفاهيته وإقامة علاقات المودة والإلفة والتعاون بين أفراده وجماعاته، (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)، وبذلك تقوم دولة الهداية وأمة الفضيلة.
2/ وسائل الإعلام مدرسة وجامعة يتلقى فيها أبناء الأمة والجماعات والدول عرضاً للفكر، وتقديماً للجديد في أمور الحياة، وتحديثاً لأساليب العيش والعمل، بما يتيح التنمية والنماء؛ حتى أصبحت هذه الوسائل درباً لازماً من دروب الحياة المعاصرة.
3/ إن وسائل الإعلام هي لغة الخطاب الإسلامي للأفراد والجماعات، وقد تميز الإسلام بوسائل خاصة وأساليب منفردة كخطبة الجمعة وخطبة العيدين، وتجمع عرفة يوم الحج الأكبر، وانفراد بالأذان إعلاناً عن دعوة العبادة والصلاة. وجاء القرآن الكريم نموذجاً أعلى للخطاب الإعلامي الراشد، ثم كانت سنة المصطفى عليه السلام في القول والعمل والإقرار خير إعلام مرئي ومسموع، بالتنزيل القرآني العظيم: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)، (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
4/ الإعلام ووسائله من أهم عوامل نقل الحضارة، وإشاعة الثقافة الجادة، ودعم الفكر الصالح، وبث القيم الصحيحة في العادات والسلوك، وإصحاح البيئة الإنسانية والمجتمع البشري، وتحقيق التواصل الاجتماعي والثقافي بين الأفراد والجماعات والأمم.
وعموماً فإن للإعلام إيجابيات عظيمة، ويكفي أن نقول أن أمة بدون إعلام إنما هي أمّة الظلام والتخلف والانعزال.
وحتى نحقق إيجابيات الإعلام في المجتمع فإنه لا بد من أمور هامة:
1/ وضوح الغاية وتحديد الهدف وبلورة المضامين الأساسية للرسالة الإعلامية في المجتمع، بما يوفر التزامها بالهدى الصحيح والاستقامة على صلاح الأمة أفراداً وجماعات.
2/ إعداد الإعلامي الملتزم بهدى الله والحق، والقادر على إدراك إمكانية وقدرة الوسيلة التي يستخدمها تقنياً وفكرياً؛ حتى يفيد منها الفائدة القصوى.(17/124)
3/ تقوية معالم الخير وتزكية النفوس بالتربية الصحيحة؛ بما يحول دون تبني برامج هابطة أو الدعوة إلى المنكرات؛ حيث أن الكلمة أمانة بل هي أمانة عظمى قد يثاب المرء عندما ينطق بها، وقد تهوي به في قاع جهنم والعياذ بالله.
4/ توفير الحصانة للمجتمع ضد الإعلام الوافد والموجّه لإفساد عقائد الأمة وسلوكها وذلك عن طريق ما يلي:
أ/ تقوية المرجعية الإيمانية وربط الناس بعقائدهم وقياداتهم العلمية والفكرية وتجميع الناس على الأعمال الصالحة.
ب/ تنمية الوعي الإعلامي خاصة والثقافي عامة، وتبصير المجتمع بأهداف الرسائل الإعلامية المغرضة، مع استحداث بدائل أفضل منها إعداداً وإنتاجاً وأداءً.
ج/ السعي لتنمية وتقوية أجهزة الإعلام البشرية والتقنية الفنية، بما يساعد على مواجهة الخطر الذي يهدد الأمة من خلال الوسائل والأجهزة المعادية لها.
5/ العناية بإعداد الإعلاميين إعداداً يؤهلهم لحمل أمانة البلاغ المبين، وإعادة النظر في مناهج الإعلام في المعاهد والجامعات ومراكز التدريب؛ بما يجعلها مناهج دعوة ورشاد وتجمع بين المحتوى الإيماني والعرض الفني الجميل، مستحدثة أعلى درجات أنواع التقنية والأجهزة ما أمكن ذلك.
6/ فتح أبواب المؤسسات الإعلامية حكومية كانت أو أهلية أمام الدعوة والدعاة، ومساعدتهم لتقديم ما عندهم من علم أو نصيحة في قالب إعلامي مقبول يتناسب مع الوسيلة المستخدمة، سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية.
7/ إعادة النظر في برامج الإعلام المستوردة وضمان سلامتها فكراً ومظهراً، أو على الأقل التعرض لها بالنقد والتحليل بعد كل عرض على ضوء الموجهات الإسلامية الراشدة.
8/ الكف عن تمجيد أهل الفساد والانحلال ممن عرفوا بالتحلل من قيم الدين والخلق والاستقامة حتى لا يكونوا قدوة للمجتمع المسلم، وفي الوقت نفسه تقديم أهل الصلاح من أهل العلم في كافة فروعه الدينية والدنيوية والتقنية، والتعريف بالمتفوقين في مجالاتهم المعرفية بما يفسح المجال واسعاً لنماذج يمكن الاهتداء بها وتعلق الناشئة بهم.
==========
المعلم من الواجب الوظيفي إلى الواجب الرسالي
د. عثمان علي حسن*
مقدمة
إن واقع المؤسسات التربوية والتعليمية في بلادنا العربية والإسلامية ليس بالمحل المأمول، ولا بالمكان المحمود؛ ويكفي أن تتعرف على شريحة منها لتنبئك عن البقية، في مناهجها، وعناصرها، ونظم إداراتها، ومدخلاتها ومخرجاتها، وغير ذلك مما له صلة.. فهذه المؤسسات بحاجة ماسة ومستمرة للإصلاح والتقويم، والتجويد والتحسين، والتطوير والتعديل؛ حتى تنهض بدورها العظيم في الأمة؛ توجيهاً وإرشاداً وتعليماً وإعداداً، وتزويداً للمجتمع بالكوادر الصالحة النافعة الفاعلة في شتى جوانب الحياة.
وعملية الإصلاح هذه تحتاج إلى تضافر جهود، وإلى بذلٍ وتضحيات، وعزمٍ وصدق نيات، ولا يُنكَر ما قام ويقوم به بعض أهل العلم والفضل والسبق من جهود مشكورة، ومساعٍ حميدةٍ مبرورة، لكن مع ذلك فالساحة العلمية والعملية بحاجة إلى المزيد من الجهود والإضافات، ومشاركتي تأتي فيما له علاقة بالمُعَلِّم الذي هو العمود الفقري للعملية التعليمية والتربوية، أحاول فيها أن أرسمَ صورةً للمعلم المثال، صورةً قابلةً للتطبيق والتحقيق؛ صورةً آمل أن تتصف بالعمق والإحاطة، والتكامل والجمال، للمعلم صانع الأجيال. فمِن بين يديه يتخرج القادة والساسة، والآباء والأمهات، وكل ذي رعية ومسئولية.
ولا بد أن أشير هنا إلى ما استفدته من أمثال بدر الدين ابن جماعة في كتابه: تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، والخطيب البغدادي في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، ومن المُحْدثين العلاّمة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه: الرسول والعلم، والشيخ محمد بن عبد الله الدويش في رسالته صغيرة الحجم عظيمة النفع: المُدَرِّس ومهارات التوجيه، فقد أفدت من هذه الكتب فوائد جمّة، تستحق التنويه بها، والتشجيع لمراجعتها.
فأرجو أن تكون أوراقي هذه ترجمةً صادقةً لِما أمّلت، وتأويلاً لما تمنيّت، فهو جهد أُضيفه لجهود من سبق، عساه أن يكون زيادة في الخير، وحثاً على السير، وعلى الله قصد السبيل..
أهمية الموضوع:
إن الناظر في حال مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، أي في حال الأمة جمعاء، يلمح بوضوح أنواعاً من الخلل قد انتظمت كافّة مناحي الحياة وشرائح الأمة، فهذا أمر لا تخطئه عين، إذ هو خلل واضح وقصور فاضح، إنْ كان في الأداء السياسي على مختلف مستوياته، أو في الأداء الاجتماعي على تنوع أحواله، أو في الأداء الاقتصادي في جميع مجالاته.
فهذا حاكم مستبد وصل إلى سُدَّة الحكم على غير رضىً من رعيته، فعمل على كل ما يضمن له الاستقرار والاستمرار على رغم الأنوف، دون مُراعاةٍ لحقوقٍ أو أداء لواجبات، ومثله وزيرٌ لم يُصَدِّق أنّه في هذا المكان حتى أعمته نفسه ومَنْ وراءه مِن أهلٍ وعشيرة عن النظر في واجبات الوظيفة ومتطلباتها، وفي المقابل معارضٌ التزم بالكلمة لفظاً ومعنى، لا يرضى بالحقّ ما دام قد خرج مِن غير إنائه، ولا يؤيد الخير ما دام قد صدر عن خصومه، ولا حرج عنده أن يُدمِّر كل مكتسبات دولته إذا كان ذلك يوصله إلى السلطة، فهو معارضٌ وكفى.
وهذا إعلاميّ همّه الربح المادي أو الشهرة؛ فجعل الإثارة ديدنه، ودغدغةَ الغرائزِ مركبه، غير مبالٍ بقيمٍ ولا أخلاق، ولا وقائعَ ولا حقائق، مجانبٌ للصدق ومعايير المهنة.(17/125)
وذاك محامٍ تتصارع على لسانه الكلمات، ويلعب بها لياً ودفعاً للحقّ، وهو أول من يعرف أن موكله ليس له في الحقّ نصيب، لكِنّه يسعى بكل جُرأة مستغلاً ما في القوانين من ثغرات ليستخرج لصاحبه صك البراءة المزور.
وهناك يقف رجلُ أمن تصور من نفسه أنه القانون والنظام، وأنه الخصم والحكم، فيرمي بين الناس آلة البطش والقهر، ويوقع فيهم الرعب والخوف بدلاً من الأمن والطمأنينة، دون أن يجد من يردعه أو يحاكمه..
وهذا عالم في علوم الشرع متبحر، ومن تفاصيله متمكن، لكن أحواله وأفعاله تصادم أقواله ومواعظه، أو هو منكفٍ على نفسه يؤدي وظيفته التي أنيطت به في برود مميت، وتخشب معيق، لا يكاد يهتم بما يدور حوله من انفلات أو انقلاب على أمور الشرع.
وهذا زوج عرف كيف يستَلّ هذه الفتاة من أهلها بدفعه المهر، لكنه لم يحسن الاختيار، أولم يحسن المعاملة؛ حتى تحولت الحياة الزوجية من السكينة إلى الرعب، ومن المودّة إلى البغض، ومن الرحمة إلى القسوة، وقد تكون صاحبته وأهلها وراء هذه النتيجة السلبية.
وهناك أبٌ أظهر فحولةً في إنتاج الأولاد، لكنه فشل في تريبتهم وإعدادهم؛ فكل همّه أن يفرغ في أفواههم أطايب الطعام، ويلف أجسادهم بمحاسن الثِياب، غير آبه بما يحيطهم من سيء الأخلاق، والله تعالى يقول: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) [سورة طه: 132].
وهذه فتاةٌ أو امرأة تستجيب بغباءٍ لمغازلة بيوت الأزياء؛ لا تكاد تردّ يد لامس، حتى تجردت تماماً من عقلها وإحساسها وشخصيتها وإرادتها كما تجردت من ثيابها وحشمتها، فهي تلهث في طلب الحرية حتى وقعت في أذل سجن وأخبث قيد.
وهذا تاجر جشع إن أخذ استوفى وأغمض وطفف، وإن أعطى أنقص ودلّس وأخسر، جعل الحلف بضاعته، والغِشّ تجارته، فهو يسلك كل وسيلةٍ لإطفاء نار جشعه.
وهكذا تتعدد صور الخلل في مجتمعاتنا على تفاوتٍ بينها، لتعكس واقعاً مريراً، وتحكي حالةً مزرية. ولا ننكر وجود صورٍ مشرّفة هنا أو هناك فالخير في الأمةٍ باقٍ، لكنها تكاد تنطمس في هذا الركام الآسن، والزحام الغائم، أو أنها لا تمثل أستاذية الأُمة وريادتها التي ينبغي أن تكون عليها.
ولعل تلك الصور السلبية جميعها لا تبلغ ما بلغه الخلل في مهنة التعليم، لأنها نتاجه وإفرازه، فلو تتبعنا هذه الصور السلبية والظواهر الخاطئة باحثين عن أسبابها وعللها، لقادنا البحث والتتبع والقراءة الفاحصة والمتأملة إلى سببٍ واحدٍ، ألا وهو التعليم، فالمرض الذي أصاب هذا الجانب الأساس من حياتنا هو الذي أفرز تلك الصور السلبية التي أشبه ما تكون بأعراض لمرض مركزي، والتي مهما بذلنا في إصلاحها لن نصل إلى غايتنا ما دام المرض المركزي لم تصله يد الإصلاح ومِبضع الجراح.
فالإصلاح في قطاع التعليم يعني الإصلاح في كل القطاعات الأخرى، فهو القلب الذي بصلاحه يصلح الجسد كله، فلا بد من توجيه العناية المكثفة إليه، ولا يعني هذا الانقطاع عن إصلاح القطاعات الأخرى حتى ينصلح القلب (التعليم)، بل ينبغي أن تسير عملية الإصلاح في خطوط متوازية ومتوازنة، مع التركيز على منطقة القلب فهي الرافد الأساس والمحرك الرئيس. والاهتمام بهذه القطاعات مهم جداً أثناء عملية الإصلاح المركزية حتى لا تعوق تدفق الدماء الحارة والمتجددة مِن المركز الرئيس.
وأيضا هناك شكوى عامة قائمة في عالمنا العربي والإسلامي من تدني مستوى التعليم الجامعي، ويعزون ذلك إلى ضعف التعليم العام باعتباره الرافد له، لكننا عند التأمل نجد أن القائمين على التعليم العام ما هم إلاّ متخرجوا التعليم الجامعي، فيعود الأمر جَذَعاً، أو دوراً، فلا بد أن تتسم عملية الإصلاح بالشمولية لجميع قطاعات التعليم؛ حتى يأخذ بعضها بحُجَز بعض.
فدور التعليم إذن جِدّ كبيرٍ وخطير؛ إنْ في الإصلاح وإنْ في الإفساد، فما مِن فردٍ مِن أفراد المجتمع إلا وقد مرَّ بمرحلةٍ أو أكثر مِن مراحل التعليم، قد كان له فيها مُعَلِّم يتلقّى عنه، ويتأثر به، فحاجة الناس إلى المُعَلِّم فوق كل حاجة، ووجوده وأثره في حياتهم ـ إن استغل بالشكل الأمثل ـ بارز وظاهر، فتعليم ناجح يعني مجتمعاً ناجحاً.
وإذا كان التعليم: مُعَلِّماً ومُتعلماً وكتاباً، إلا أن نصيب المُعَلِّم أكبر، فهو إضافة إلى كونه الوَصلة بين المُتعلم والكتاب، فهو أيضا مُربٍّ وقدوةٌ وموجهٌ ومرشدٌ إلى غير ذلك من الصفات التي قد لا تُوجد في الكتاب وحده، وإن وجدت لم يمكن الإفادة منها بالشكل المرجو، ولهذا سيركز هذه البحث الكلام على المُعَلِّم ودوره في العملية التعليمية، وبالأخص على الجانب التربوي منها، باعتباره الجانب الأكثر أهمية وخطورة في الوقت ذاته.
فالتعليم واحدٌ مِن مؤسسات مجتمعاتنا التي أصابها الخلل؛ ذلك الخلل الذي برزت آثاره وصوره المتعددة في باقي مؤسسات المجتمع كما سلف التمثيل لها.
لمن هذا البحث؟(17/126)
هذا البحث مقصود به المُعَلِّم أينما كان موقعه، وفي أي مرحلة من مراحل التعليم يعمل، وكيفما كان نوع التعليم الذي يمارسه، ونوع التخصص الذي يقوم بتدريسه، بل قد يعني كل من يتصدى لعملية التعليم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فالأب مُعَلِّم في بيته ومثله الأم، والخطيب وإمام المسجد مُعَلِّم في مسجده، والحاكم ومثله القاضي والمدير معلمون كلٌ في دائرته، وكذا كل مسئول يمكن أن يكون مُعلِّماً لمن هم تحت مسئوليته بنوع من التعليم يتناسب ومهنته ومكانته؛ لأنهم يفيدون من خبرته وتوجيهاته، ومن حسن سمته، وجمال تعامله، وجودة إدارته، ودقة تصريفه ومعالجته للأمور، إلى غير ذلك من أنواع التعليم.. وقد جاء في الحديث العظيم المبنى والمعنى: "كلكم راع ومسئول عن رعيته؛ فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" [صحيح البخاري (الفتح) 5/11 كتاب العتق ح:2554، وصحيح مسلم 3/1459 كتاب الإمارة ح:1829].
لكن مهمة المعلم المدرسي تتعاظم لأنه الشخص المختار لعملية التعليم المنهجية، والتي يمر بها معظم الناس، إن لم نقل كلهم، فأي فرد من أفراد المجتمع لا بد أنه تلقى نوعاً من التعليم، ومرَّ بمرحلة من مراحله، فالمُعَلِّم تتخرج من خلاله قطاعات المجتمع كل في تخصصه وفنه الذي اختاره أو اختير له.
وغالباً ما تكون عملية التعليم توارثاً بين المُعَلِّم والمتعلم، فمتعلم اليوم سيكون مُعَلِّم الغد، كما أن مُعَلِّم اليوم كان مُتعلما بالأمس، وهكذا فهي عملية مُتوارثة، يتعاقب عليها كثير من الناس.
والمعلم ـ أيضاً ـ هو معلم مِن وجه ومتعلم مِن وجه آخر، حيث يقوم بتزكية نفسه وعلمه ومهاراته بجهده الذاتي، إضافة إلى وجود مَن يشرف عليه ويتابعه وينمي قدراته ومهاراته، ويسدد خُطاه نحو الطرق التعليمية الصحيحة على ما هو معروف في الأطر الإدارية في وزارات التعليم والتعليم العالي في بلدان العالم.
نماذج سلبية لبعض المعلمين: [قد استفدت أكثر هذه النماذج من رسالة: المدرس ومهارات التوجيه لمحمد بن عبد الله الدويش ص:13-16]
والآن أدلف إلى عرض بعض الصور السلبية لبعض المعلمين والتي ازدحمت بها مؤسسات التعليم على مختلف مراحله والتي كانت وراء تلك الصور الشائهة في مجتمعاتنا.
فهذا معلم لجأ إلى وظيفة التعليم بغية الامتهان؛ ينظر إليها على أنها مجرد سبب للتكسب والارتزاق، ولو كان يقدر على امتهان وظيفة أخرى غيرها تُحقق له مكاسب أكبر أو مثلها دون تحمل مشاق التعليم لقصدها، فهو صريع لميزان الربح والخسارة المادية، والحوافز والعوائق، يقابل بينها، دون نظر إلى رسالة التعليم وأهدافها السامية، فهو لا يحفل بها ولا تقع في دائرة همومه، فماذا يُنتظر من معلم الأجيال وهذه النظرة مسيطرة عليه، تملأ عليه مدراكه وهمومه؟!
ومعلم ثان يشكو دهره ويندب حظه، وهو منغمس في أعباء التدريس التي لا تكاد توفر له راحةً ولا تدرّ عليه مالاً يكافئ جهده، فما يبذله أكثر مما يحصل عليه، فتراه يتطلع إلى أقرانه الذين اختاروا أعمالاً أخرى غير التعليم؛ يتعاملون مع أوراق صماء، ويواجهون جمهوراً من الناس أرقى عقولاً وأسهل تعاملاً من أطفال المدراس، والأهم من ذلك أن تنتهي أعمالهم وعلاقتهم بدائرة العمل بانتهاء الدوام الرسمي، أما صاحبنا فأعباء المهنة تلاحقه حتى في أوقات راحته وأعياده وعطلاته الرسمية، وأقل ذلك همومهاً، فهو ينظر إلى نفسه أنه أخسر الناس صفقة، فأية فائدة تربوية ترجى ممن كان في هذه الحالة؟!
وثالث لا يهتم بما يدور خارج قاعة الدرس، فجل همّه إكمال المقررات والفراغ من تدريسها، والإتيان على عناصرها ومفرداتها لا يترك منها شيئا، هذا ما يشغله، وهو ما يوظف نفسه لتحقيقه، غير ملتفتٍ لغيره، وهذا منه حسن، لكنه فاقد الإحساس أو فاقد الغيرة على أحوال أُمته وأحوال أبناء المسلمين الذين يتهافتون على الفساد أمام ناظريه، دون أن يحرك ذلك فيه ساكناً، أو يثير فيه حميّة، كأن الأمر لا يعنيه في شيء؛ وإنما الذي يعنيه تدريس الفاعل والمفعول، أو توضيح المركبات وقوانينها وخصائصها. بل الأعجب أن يكون صاحبنا معلماً لمواد العلوم الشرعية، وهو مع ذلك منفصل تماماً عن واقع طلابه ومجتمعه.
ورابع لا يبارح تخصصه العلمي أو الأدبي البحت، بل هو يراوح بين نواحي المقرر والتخصص، لا يربطه بالقضية الكبرى، قضية الإيمان والأخلاق وتعميقها في نفوس طلابه من خلال تخصصه، ومراعاة ذلك في سلوكهم وفهمهم واستيعابهم، ظاناً أن هذا ليس من شأنه، ولا من مهامه، بل له أستاذ آخر ومقرر آخر، أما هو فليوفر جهده ووقته لما هو بصدده من قضايا التخصص.
وخامس؛ معلم لجأ إلى التعليم باعتباره الوظيفة الوحيدة المتاحة أمامه، لم يقصدها رغبةً ولا حرصاً، بل مُكره أخاك لا بطل، فهي الوحيدة التي تتناسب وقدراته ومؤهلاته، دون رغباته وتطلعاته، وحاله يحكي حال الآلاف من طلبة كليات الشريعة والعلوم الإنسانية والأدبية، الذين لجأوا إليها مكرهين مدفوعين بالأبواب، حيث حبسهم ضعف المعدل الأكاديمي عند هذه الحدود، ولم يمكِّنهم من تجاوزها إلى كليات أخرى كانت محط آمالهم، ومنتهى تطلعاتهم. فأي تفوّق وإبداع وأي إخلاص يرجى ممن هذا حاله سواء في الطلب، أو في العطاء.
وسادس.. وسابع ...
فهذه وغيرها صور سالبة متعددة تزدحم بها حياتنا التعليمية كان لها الأثر السيء والعميق في مؤسسات المجتمع المتنوعة على ما حكيناه سابقا.(17/127)
ومع ذلك فإن العدل يقتضي أن نعترف ـ مقارنةً بالماضي عشيّة خروج المحتل ـ أن نسبة المتعلمين إلى مجموع السكان قد ارتفعت ارتفاعاً مطرداً ولا تزال في ازدياد، المعلم والمتعلم والمدارس والوسائل التعليمية ومن أهمها الكتاب، وصار التعليم إلزامياً في كثير من البلاد، لا سيما التعليم الابتدائي، وانفتح التعليم الجامعي أمام معظم فئات المجتمع بعد أن كان حِكراً على فِئات مُعينة؛ إما بسبب الانتقائية، وإما بسبب الضعف المادي لدى قطاعات كبيرة مِن المجتمع، وإما لأنه كان يعد ترفاً اجتماعياً في بعض الأوساط وفي أوقات مضت.
المهم أن التعليم الآن أصبح حاجةً اجتماعية، الحرص عليه لا يقل عن الحرص على بقية الحاجيات.
لكن كل ذلك لم يمنع مِن ظهور تلك الصور السلبية للمُعَلِّم، ويقابلها صور سالبة للمتعلم مِن الضعف العلمي والتربوي، مع ضعف الهمّة والطُمُوح، إضافة إلى أنّ المؤسسة التعليمية تعاني من إخفاقات كثيرة من أهمها: [انظر: مجلة البيان ـ الافتتاحية ـ العدد 16]
1- تغليب المستوي الكمي على المستوى الكيفي للمعلم والمتعلم.
2- النظرة الخاطئة نحو التعليم واعتباره وسيلة ارتزاق وليس غاية قائمة بنفسها، ومن ثم ربط بين التعليم وبين ما يسمى بحاجة سوق العمل.
3- اهتزاز قيمة المعلم الاجتماعية، وتقويمه تقويماً مادياً صرفاً، حتى صار المعلم أقل حظاً من ذوي المهن والحرف اليدوية التي لا تتطلب إعداداً علمياً أو تثقيفياً مثلما يحتاجه المعلم.
4- أصبحت مهنة التعليم من المهن المحتقرة في المجتمع، لا سيما في مجال التعليم العام، على الرغم من ما يقال من كلام إنشائي وخطابي في مناسبات تكريم المعلم.
فهل يُلام المعلم على قِلّة إخلاصه وموت طموحه نحو تقديم الأفضل؟!
فلنسأل كل إنسان هذا السؤال بمن فيهم المعلم نفسه: أتحب أن يكون ولدك معلماً؟
قليل مَن يورِّث ولده مهنة التعليم ومحبّة هذه المهنة، وتبعاتها من مكتبةٍ ونحوها، حتى علماء الشرع واللسانيات يوجهون أبناءهم توجيهات بعيدة عن مهنة التعليم؛ وذلك لأن إيقاع الحياة يسير في نواح أخرى، ويتطلب مهارات أخرى، وهو ما يسمى بسوق العمل الذي يفرض نفسه على توجه الأفراد، وكثيرا ما يكون هذا السوق أوهاماً من صنع الخيال، أو أنه نتيجة ولادة غير طبيعية تفرض وجودها مؤقتاً ثم تدور الحياة في اتجاهات أخرى جديدة، ومن الآباء المعلمين من يقول: يكفي أنا أكون الضحية في مجال التعليم، ولا يرضى لولده وفلذةَ كبده أن يشاركه هذه التضحية، ويخوض غمار هذه التجربة المريرة على حد زعمه..
المُعَلِّم الرسالي المنشود
أضع بين يديك ما قدرت على جمعه مما أراه لائقاً بالمعلم الرسالي أن يتصف به من الصِّفات، حتى يكون عنصراً فاعلاً في عملية التغيير الاجتماعي الكبرى المنشودة في الأمة، آملاً أن تجد مَن يؤمِّن عليها، ويضيف إليها، ومن يترجمها إلى واقع حي، وسلوك متميز.
الصفة الأولى: نيةٌ خالصةٌ وقصدٌ صادق
النية الصحيحة مطلوبةٌ في كل قربة يُرجى ثوابها عند الله، ومن ذلك التعلُّم والتعليم، ويتأكد ذلك في علوم الشرع، والنية تحتاج إلى مجاهدة في تحصيلها واستصحابها، وإلى مدافعة أضدادها ومفسداتها، والنية هي سبب قبولٍ وتوفيق، وحصول بركةٍ وتسديد، وقد افتتح الإمام البخاري وبعض الأئمة مؤلفاتهم بحديث إنما الأعمال بالنيات، وهي تدخل كما قال الإمام الشافعي في سبعين باباً من أبواب الفقه [جامع العلوم والحكم ـ ابن رجب الحنبلي ص:5] ، والعدد للتكثير لا للتحديد والاستقصاء.
فعلى المُعَلِّم أن يتحرى بعلمه وتعليمه وجه الله تعالى والدار الآخرة، لا مباهاة العلماء، أو مماراة السفهاء، أو مجاراة الأغنياء، أو مداهنة الأمراء، وفي الحديث: أول مَن تُسَعّر بهم النار ثلاثة نفر؛ باذلٌ للمال، وطالب للعلم، وخارج للقتال، لكنهم لم يقصدوا بأعمالهم إلا وجوه الناس وثنائهم، وقد وجدوا ما قصدوا إليه، فحرمهم القبول والثواب [انظر: صحيح مسلم3/1513 كتاب الإمارة ح: 1905.] وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تعلَّموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا تخيَّروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار" [سنن ابن ماجه 1/93 المقدمة ح:254 قال في الزوائد: رجال إسناده ثقات. وانظر: مستدرك الحاكم 1/86 كتاب العلم].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله وسلم: "من تعلَّم علما مما يُبتغى به وجه الله تعالى، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرْف الجنة يوم القيامة" [رواه الحاكم في مستدركه 1/85 كتاب العلم وصححه، وأبوداود في سننه 4/71 كتاب العلم ح:3664، وابن ماجه في سننه 1/93 المقدمة ح:252] وعرف الجنة: ريحها.(17/128)
مع ملاحظة أن الوعيد يلحق ـ كما أفهم الحديث ـ مَن قصد بعلمه الدنيا ومحَّض لذلك نيّته من غير التفاتٍ للآخرة، أما من أراد بعلمه الآخرة وأصاب مع ذلك شيئاً من الدنيا فلا يلحقه الوعيد، وقد تحدث الفقهاء عن جواز التشريك في النية كما في الحج: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) [سورة البقرة: 198] (ليشهدوا منافع لهم) [سورة الحج: 28]. ففرقٌ بين مَن يأخذ الدنيا ليتفرغ لعمل الآخرة، وبين من يعمل عمل الآخرة ليأخذ الدنيا، فتأمل؛ فإنه موضع الزلل [انظر: المرقاة شرح المشكاة ـ الملا علي القاري 1/287]. فالحديث إنما يَذُمّ مَن قصد الدنيا، لا من جاءته الدنيا بغير هذا القصد. والقرآن ذم من (طغى وآثر الحياة الدنيا) [سورة النازعات: 37] و(من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا) [سورة النجم: 29] و(من كان يريد العاجلة) [سورة الإسراء: 18] في مقابل (من أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن)[سورة الإسراء: 19]. والدنيا لا تُذَمّ إلا إذا قُصدت بعمل وعلم الآخرة، وكيف تُذَمّ الدنيا لذاتها وهي مزرعة الآخرة؟ ولهذا قال العلامة القاري في المرقاة: "أفهم الحديث أن من أخلص قصده فتعلم لله، لا يضره حصول الدنيا له من غير قصدها بتعلمه، بل مِن شأن الإخلاص بالعلم أن تأتي الدنيا لصاحبه راغمة.." [مرجع سابق 1/288].
وللعلامة الدكتور يوسف القرضاوي إشارة نفيسة [انظر: كتابه: الرسول والعلم ص: 97-98. وقد أفدت من الكتاب في مواضع غير هذا]: وهي أن كثيراً من طلاب العلم في عصرنا لا يتجهون إلى العلم بنيّة مبيتة، بل يوجههم إليه ـ في صغرهم ـ آباؤهم، أو مجموع درجاتهم، أو ظروفٌ خاصة بهم مثل ألا يكون في البلد إلا لونٌ معين مِن الدراسة يُفرض عليهم، ثم لا يلبثون إذا أدركوا أن يجدوا أنفسهم في معهدٍ ديني، أو كليةٍ شرعية، ولو خُير اليوم ما اختار هذا الطريق فهذه دراسة بلا نية، لأن النِيّة مع الاختيار، ولهذا ينبغي لمن وضعته الأقدار في هذا الموضع أن يجدد نية صالحة ورغبةً صادقةً، وسيجد مِن العلم الذي يعيش في ظلاله، وصحبة أهل الخير في سيره، ما يُعينه على تصحيح النيّة. وقد رووا عن مجاهد قال: "طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية، ثم رزق الله بعدُ فيه نيةً" [سنن الدارمي 1/101] وعن الحسن والثوري قالا: "كنا نطلب العلم للدنيا فجرَّنا إلى الآخرة" [جامع بيان العلم ـ ابن عبد البر ص: 309،308].
ومثله يقال فيمن اتجه إلى مهنة التعليم مِن غير رغبة، بل لواحد من الأسباب التي أشار إليها الدكتور القرضاوي، خاصّة ضعف المعدل، حيث يتجه إلى تخصصات دون طموحه وآماله، فمثل هذا يحتاج إلى تجديد النية حتى يُقْبَل عمله، ويُبَارَك له فيه، ويكون أقدر على العطاء والنماء والتجويد والإبداع والابتكار، فالرغبة عاملٌ مهم في ذلك كله.
الصفة الثانية: التعليم رسالة لا مجرد وظيفة
المعلم الرسالي يعي دوره تماماً، ويتحرك بدافع ذاتي داخلي معتبراً مهمته عبادة يؤديها، ورسالة يسعى لتحقيقها، وهو حريص على ذلك سواء في هذا المجال الرسمي أو في مجالات أخرى، فما المدرسة أو الجامعة إلا وعاء يسره الله تعالى له ليؤدي هذا الواجب من خلاله، وبالتالي فهو لا ينقطع عن هذه المهمة مهما تغيرت الأوعية، واختلفت التخصصات، فيوسف عليه السلام كان داعياً إلى الله تعالى وهو في بيت العزيز عسيفاً، وفي الحبس سجيناً، وفي المُلك وزيراً، تغيرت أوضاعه وأحواله ولم يثنه ذلك عن أداء واجبه الرسالي.
إن مهمة المُعَلِّم الرسالي لا تنتهي ولا تتوقف أبداً؛ لا بإحالته إلى التقاعد ولا بنقله إلى مكان آخر، أو تغريبه بعيداً عن أهله أو وطنه، بل ولا بفصله عن وظيفته، فهو كالغيث أينما وقع نفع، ومن ثمرات هذا الخُلُق؛ أنه لا يعذر نفسه وإن كان معذوراً، فلا يهرب من مهمته مستغلاً الأعذار وإن كانت معتبرة، أو مستفيداً من القصور الذي قد يعتري بعض الأنظمة واللوائح. بل لو كانت هناك فجوات في الأنظمة فهو يستغلها لصالح مهمته، وتحقيق رسالته، فهو يشعر أنه على ثغرة مهمة وخطيرة يخشى أن تغرق السفينة مِن خلالها، فيرى مِن نفسه أنه في مقام المسئول وإن كان غير ملوم لو نأى بنفسه عن هذا كله، لكن شخصيته الرسالية وهمته العالية تأبى عليه ذلك، فالسفينة سفينته، وينبغي أن يعمل على استنقاذها والنجاة بها، ومن ثمراته ـ أي هذا الخلق ـ أنه إذا أصاب المؤسسة التي يعمل فيها فشل أو قصور ـ وإن لم يكن متسببا فيه ـ تجده يهتم لذلك ويغتم، ويشعر أن المصاب يشمله أيضا، كما أنه يفرح ويسر إن نالها نجاح وتفوق وإن كان من غير جهته، وبذا يكون قد خلَّص قلبه من دائين خطيرين هما؛ الحسد والشماتة، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه ذكر عن نفسه خصالاً منها؛ أنه يفرح بالغيث يصيب داراً للمسلمين وربما ليس له فيها سائمة، وبالحاكم العادل وربما ليس له به حاجة.
أما المُعَلِّم غير الرسالي فملتزم بالعقد الذي بينه وبين مستخدميه، لا يُقيل ولا يستقيل، مستفيداً من كل ثغرة، مستغلاً لكل غفلة، لا يهمه ولا يشغله ما يحصل لمؤسسته ما دام بعيداً عن المحاسبة والمؤاخذة الإدارية.
الصفة الثالثة: يحمل همَّ أُمّة(17/129)
المعلم الرسالي يتفاعل مع قضايا أمته الآنية والملحة، وما أكثرها، وهو أيضا يتفاعل مع قضايا مجتمعه الصغير والكبير خارج أسوار المؤسسة التعليمية، غير منقطع عنها، بل هي حاضرة في ذهنه، تتقدم اهتماماته، لا يكاد يغفل عنها وهو يؤدي واجبه الوظيفي تجاه طُلابه في أي فرع من فروع المعرفة، وعند لقائهم خارج قاعة الدرس، يخلط فنه ودرسه بهذه الهموم ويوجههم إلى الاهتمام بها، والتفاعل معها، وتلمّس أفضل الحلول لها، وهذا ديدنه أيضا عند لقائه زملاءه ومسئوليه.
أما المُعَلِّم غير الرسالي فينتهي واجبه في حدود إلقائه الدرس على النحو الذي يحقق الفائدة العلمية المرجوة منه وكفى، فهو ملتزم بقاعة الدرس مكاناً وزماناً وهموماً.
الصفة الرابعة: عطاء لا ينتظر الثناء
المعلم الرسالي لا يربط بين جهده وعطائه وبين ما يحصل عليه من مردود مادي أو معنوي، مثل الراتب والحوافز المعنوية، فلا علاقة بين الأمرين في سيره نحو تحقيق هدفه الرسالي، لا يؤثر ما يتعاطاه على ما يبذله نحو طلابه، لأن هذه مهمته الأساس؛ تعليم الناس الخير، وطَّن نفسه عليها، وسخَّر طاقاته وإمكاناته لها، غير ملتفت لتثبيط مثبِّط ولا تشجيع مشجِّع، بل لا يؤثر ما قد يحدث بين المعلم وإدارته مِن مشكلات على علاقته بطلابه، وجهده معهم، إذ لا صلة لهم بما قد حدث.
ومن ذلك أنه لا يحرص على المناصب الإدارية ولا الألقاب العلمية لأنها قد تكون غلاً يعوقه عن السير، إلا إذا كان في ذلك عوناً له على أداء مهمته، والتمكين لرسالته، (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) [سورة يوسف: 55] فوجوده في المناصب العليا لا يعني إلا مزيداً من التكليف والعبء، كما أن وجوده في المناصب الدنيا لا يعفيه عن الشعور بالمسئولية، فالمناصب والألقاب عنده سواء، فلا خير فيها إن هي حجبته عن أداء مهمته، وشغلته عن تحقيق رسالته، فلا يغريه العطاء، ولا يوقفه الجفاء، بل هو كما جاء في الحديث: "طوبي لعبد آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله أشعثَ رأسه، مغبرةٍ قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفَّع" [من حديث أبي هريرة في صحيح البخاري6/95-96(الفتح) كتاب الجهاد ح:2887] ومن علامات صدقه وصحة عزمه أنه مواصل لسيرته العملية وإنتاجه العلمي مهما نال من ألقاب، وتبوأ من مواقع.
أما المعلم غير الرسالي فقد جعل غايته مِن المهنة المردود المادي والمعنوي فحسب، ولو حرص على أداء المهنة على الوجه المطلوب وظيفياً فلأجل ما يتعاطاه ليس وراء ذلك شيء، إن زادوا اجتهد وبذل، وإن أمسكوا قصّر وأهمل.
الصفة الخامسة: المعلم القدوة
المعلم الرسالي عاملٌ بما يعلم ويُعلِّم، فهو صورة ينعكس فيها ما قد علّمه لطلابه، يقرأون فيها أقواله وتوجيهاته وإشاراته، فالعلم عنده للعمل لا للترف الذهني، أو الترويض العقلي، أوالتذوق البياني والخطابي، وهو يشعر بمسئوليته نحو هذا العلم تتعلق بشخصه وبمن جعلهم الله تحت ولايته كأولاده ومن في حكمهم مثل هؤلاء الطلاب، وقد كان السلف يدققون في اختيار العلماء والمؤدبين لأبنائهم؛ قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: "كانت أمي تُعممني وتقول لي: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه" [ترتيب المدارك ـ عياض 1/130].
وكلما اتسعت دائرة علمه كلما عظمت درجة المسئولية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه" [رواه الترمذي في سننه 4/35 أبواب صفة القيامة ح:2531 وقال هذا حديث حسن صحيح، وذكر رواية له أخرى برقم:2532 وصححهما الألباني انظر: صحيح الترمذي له 2/289ح:1969_1970] فمقام المعلم جد خطير إذ أن أعين المتعلمين معقودة به يتخذونه مثالاً يُقتدى ونموذجاً يحتذى، ويرون كل قولٍ يخرج منه صواباً، وكل فعل يصدر عنه صحيحاً، فلينظر كل معلم؛ كم يُصلِح من الناس وكم يُفسِد! فالتعليم بالقدوة أعظم تأثيراً وأقوى حجةً منه بمجرد الكلام والبيان، فكيف إذا كان الفعل يخالف القول، والسلوك يصادم التوجيه، وقد نعى القرآن الكريم على بني إسرائيل كما في قوله: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) [سورة البقرة: 44] وقوله: (مثل الذين حملوا التوارة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم...) [سورة الجمعة: 5] وأنكر على المؤمنين أن يسلكوا هذا السبيل فقال: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) [سورة الصف: 2،3] وعن أسامة بن زيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه" [صحيح البخاري 6/381 كتاب بدء الخلق ح:3267، وصحيح مسلم 4/2290-2291 كتاب الزهد ح:2989] وعن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان" [قال في الترغيب: رواه الطبراني في الكبير والبزار، ورواته محتج بهم في الصحيح. 1/105 ح:224].(17/130)
أما المُعَلِّم غير الرسالي فلا يوجد عنده تلازم بين الأمرين، بين ما يَعْلَمُه ويُعلِّمه وبين ما يلتزم به، فالالتزام بالنسبة له أمر اختياري طوعي، ولا يشعر بأي قصور في أداء واجبه الوظيفي إن هو لم يلتزم بما عَلِم وعلَّم، وكم يكون لهذا الفهم والسلوك المبني عليه من أثر سيئ وسلبي على طلابه في تشكيل قناعاتهم، وفي تجاوبهم مع ما يسمعون، وأشد منه ما يُحدثه في نفوسهم من نزاعٍ شرس وفصامٍ نَكِد بين ما يسمعون وبين ما يشاهدون، ومهما بالغنا في إقناع الناس بوجوب التفريق بين ما يقوله العالم وبين ما يمارسه، فلن يجدي ذلك نفعاً، فصورة الفعل تعلق بالنفوس والعقول أكثر من رنين القول، أرأيتم كم يكون أثر الطبيب المُدخن أو المخمور سيئاً على الناس، فكذلك ـ بل أشد ـ أثر العالم أو المعلِّم المتساهل، فذاك معالج الأبدان وهذا معالج القلوب والنفوس، وقد رُوي عن علي رضي الله عنه قوله: قصم ظهري رجلان؛ جاهل متنسك، وعالم متهتك، ذاك يغرُّهم بتنسكه، وهذا يُضلُّهم بتهتّكه [انظر: الرسول والعلم ـ القرضاوي ص:75].
الصفة السادسة: العناية بالمظهر
فمما ينبغي العناية به الحالة التي يظهر عليها المعلم أمام طلابه، فالمعلم الرسالي يهتم بحسن سمته، وجمال مظهره، من نظافةٍ وتأنقٍ وتناسقٍ وطيب رائحة، بعيداً عن الإسراف وملتزماً حد الاعتدال، فذلك أدعى للقبول والتقدير له، وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً هل ذلك من الكبر؟ فقال: إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس [رواه مسلم في صحيحه 1/93 كتاب الإيمان ح: 91] وفي فهرس الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي [1/372 وما بعدها]: باب في إصلاح المحدث هيئته وأخذه لرواية الحديث زينته، جاء تحته المباحث التالية:
البدأُ بالسواك، وقص الأظافر إذا طالت، والأخذ من الشارب، وتسريحه لحيته، ويسكِّن شعث رأسه، ويتجنب ما كُرِه ريحه، وغسل الثوب إذا اتسخ، وكراهة لبس الثوب الخَلِق وهو يقدر على الجديد، وبخوره ومسّه من الطيب، ونظره في المرآة... ا.هـ
وليكن ذلك سمته دائماً، لا قصراً على وقت الدرس ومكانه، لأن طلابه ربما يلتقونه خارج قاعة الدرس؛ في سوق أو حفل أو غيره.
وأرى أيضا من تمام الاهتمام بحسن المظهر: المسكن الذي يسكنه، فلا يسكن إلا في مكان لائق ما دام قادراً على ذلك، فإن طلابه وزملاءه ربما يزورونه فيه، فليختر لنفسه ما يرفع قدره في نفوسهم، ومثله يقال في الأدوات التي يستخدمها أن يهتم بنوعيتها ونظافتها دون تكلف ولا مباهاة.
الصفة السابعة: العناية بالتخصص
الاهتمام بالتخصص والعناية به والسعي لبلوغ الذروة فيه ينبغي أن يكون من شأن المعلم الرسالي، لأنه سيكون مرجعاً لطلابه يسألونه ويستفتونه به، ويلتزمون بما يمليه عليهم ويوجههم إليه، وينقلون هذا عنه إلى غيرهم مِن زملائهم أو طلابهم حينما يتصدون للتعليم فيما بعد، فلا بد من العناية بهذا الأمر عنايةً فائقةً والتأكد من صحة المعلومات وصحة العلاقة بينها وبين النتائج المستنبطة منها، وقد سُئل سفيان بن عيينه: من أحوج الناس إلى طلب العلم؟ قال: أعلمهم؛ لأن الخطأ منه أقبح [جامع بيان العلم ص: 156].
ونحن نعيش في عصر تميز بمراعاة التخصص الدقيق، وشرعنا أيضا يهتم بالتخصص ويوليه عناية فائقة، فمن ذا الذي يحيط بأنواع العلوم كلها؟! قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [سورة النحل: 43] وقال تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) [سورة النساء: 83] وقال صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أُبي بن كعب، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" [رواه الترمذي في سننه 5/330 أبواب المناقب ح:3879 وقال غريب لا نعرفه من حديث قتادة إلا من هذا الوجه، وهو في مسند الإمام أحمد 20/252 ح:12904 قال محققه: إسناده صحيح، وانظر: 21/406 من المسند ح:13990، وسنن ابن ماجه 1/55 المقدمة ح: 154].
والعناية بالتخصص لا يعني إهمال التخصصات الأخرى لا سيما ذوات العلاقة، بل لا بُدّ مِن الحصول على قدر ما يخدم التخصص حيث يُقدم لطلابه نسيجاً متناسقاً يشد بعضه بعضاً، بعيداً عن التنافر والتناقض.
الصفة الثامنة: عدل وإنصاف
المعلم الرسالي يحترم آداب المهنة وأخلاقياتها، ويقوم بالعدل والقسط، لا يرده عن ذلك عداوة ولا صداقة: (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) [سورة المائدة: 8]. فلو أراد أن يعاقب الطالب على تقصير وقع فيه فعلى قدر التقصير لا يتجاوزه إلى التشفي والانتقام، وللأسف الشديد يذهب أحياناً بعض الطلبة خاصةً في مرحلة الدراسات العليا ضحية التهارش والتنافس غير الكريم بين بعض الأساتذة في المناقشات العلمية في أمور لا ناقة للطالب فيها ولا جمل، بل هو مجرد صراع شخصي أو مدرسي أو مذهبي.(17/131)
وحينما نصف المعلم الرسالي بالأوصاف العليا والسمات النبيلة ونطالبه أن يكون مثلاً يحتذى وقدوة صالحة لطلابه؛ فهذا لا يعني أن يكون ذلك على حساب المهنة بحيث يعطيهم من التقييم فوق ما يستحقون، ويدفعهم إلى مواقع لا تؤهلهم قدراتهم العلمية لها، فهنا لا محاباة ولا مداراة بل القسط القسط، كما أنه لا ظلم ولا غمط لحقوقهم، فالعدل قامت عليه السموات والأرض، ويصلح عليه أمر الكون وأمر الناس، وقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الساعة أي عن وقتها، فقال: "فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، فقال السائل: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" [صحيح البخاري 1/171 كتاب العلم ح: 59].
الصفة التاسعة: التعليم مشاركة
إن العملية التعليمية جهد مشترك يشترك فيه المعلِّم والمتعلم والكتاب والمنهج الذي يصل بين هذه العناصر، ولكلٍ دوره الذي لا يخفى، فلا ينبغي أن يطغى دور على حساب دور، ونركز هنا على الاهتمام بدور المتعلم في هذه العملية، وهو الذي ينبغي أن لا يغفل بل يُراعى ويُنمى، وفي ذلك يراعى سن المتعلم ووضعه النفسي والعقلي، وذلك عبر مراحل التعليم كلها، لا بد من زرع الثقة في نفسه، ويعطى نوع مشاركة في التعليم والتقويم تأخذ هذه المشاركة في الاتساع والتعمُّق كلما انتقل من مرحلة إلى أخرى بعدها، وفي هذا فائدة عظيمة تجعل المتعلم تتولد لديه قناعات في نفسه، يكون هو مشاركاً في تأسيسها وتعميقها، وبالتالي تؤثر هذه القناعات في سلوكه وحياته، لإحساسه أنه اشترك في صُنعها، فتجده أشد الناس التزاماً بها، وإذاعةً لها، وذوداً عنها، فيتحول المتعلم إلى عنصر دعوة وإرشاد وإصلاح بين أهله ومعارفه.
وهذا كله يحتاج إلى معلِّم فَطِنٍ حَذِق يفهم ويعي دوره في القضية.
الصفة العاشرة: معلم ومتعلم في الوقت نفسه
المعلم الرسالي لا ينقطع عن طلب العلم والسؤال عنه مهما بلغ الغاية فيه؛ إذ لا غاية في العلم، ولا شبع منه: (وقل رب زدني علماً) [سورة طه: 114]، (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)[سورة الإسراء: 85]، وقيل لابن المبارك: إلى متى تطلب العلم؟ قال: حتى الممات إن شاء الله، وقيل له مرة أخرى مثل ذلك، فقال: لعل الكلمة التي تنفعني لم أكتبها بعد، وسئل أبو عمرو بن العلاء: متى يحسن بالمرء أن يتعلم؟ فقال: ما دام تحسن به الحياة [جامع بيان العلم ص: 156]. فالعلم يتطور ويتقدم فيحتاج إلى الرصد والمتابعة، فالعلم بالتعلم، (وفوق كل ذي علم عليم) [سورة يوسف: 76]، ولا حياء في طلب العلم، كيف وقد ضرب لنا أحد أولي العزم من الرسل، كليم الله موسى، المثل الأعلى في ذلك وهو يطلب علم الخضر ويصحبه فيه وهو الأعلى منه في المنزلة ولا ريب، وقد قال قتادة: لو كان أحد يكتفي من العلم بشيء لاكتفى موسى عليه السلام، ولكنه قال: (هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً) [سورة الكهف: 66] [جامع بيان العلم ص: 162].
فالمعلم الرسالي لا يستكبر ولا يستنكف، أي لا يمنعه من الاستزادة في العلم كِبْر ولا كِبَر، ولا حياء ولا صغر، فمن قال: علمتُ فقد جهل، ومن صدّه الحياء عن العلم فقد حَرَم نفسه، وقد قال مجاهد : لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر [رواه البخاري معلقا في كتاب العلم 1/276، وذكر الحافظ أن أبا نعيم وصله في الحلية]. وقالت عائشة رضي الله عنها: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين [المرجع السابق، ووصله مسلم في صحيحه]. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائلٌ فأتوسد ردائي على بابه فتُسفي الريح علَيَّ التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عمّ رسول الله! ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول أنا أحق أن آتيك فأسألك [سير أعلام النبلاء 3/343].
وكان الإمام الشافعي يطلب من تلميذه أحمد بن حنبل أن يوقفه على صحة الأحاديث لما رأى من اهتمامه بها ونبوغه فيها [انظر: طبقات الحنابلة ـ القاضي أبو الحسين محمد بن أبي يعلى 1/6]. فلا عجب ولا غرابة أن يستفيد المعلم مِن طلابه في بعض مسائل العلم، بل أن يتراجع عن خطأ له وقع فيه، ويتحلى أمامهم بقوله: لا أدري، والله أعلم، فيما خفي عليه، وندَّ عنه، ولم يحط به علماً، فهذا يجعله كبيراً في نفوسهم، ويتعلمون منه التواضع، وترك التعالم، وعدم الجرأة على الفتيا، وتقحّم ما لا يحسن. يقول الإمام النووي رحمه الله في صفات العالم: أن "لا يستنكف من التعلم ممن هو دونه في سن أو نسب أو شهرة أو دين أو في علم آخر، بل يحرص على الفائدة ممن كانت عنده، وإن كان دونه في جميع هذا، ولا يستحي من السؤال عما لم يعلم" [المجموع شرح المهذب 1/29].
ويقول ابن جماعة: "واعلم أن قول المسئول: (لا أدري) لا يضع من قدره كما يظنه بعض الجهلة، بل يرفعه لأنه دليل عظيم على عظم محله، وقوة دينه وتقوى ربه، وطهارة قلبه، وكمال معرفته وحسن تثبته، وقد روينا معنى ذلك عن جماعة من السلف، وإنما يأنف من قول لا أدري من ضعفت ديانته، وقلت معرفته؛ لأنه يخاف من سقوطه من أعين الحاضرين، وهذه جهالة ورقة دين، وربما يشهر خطؤه بين الناس فيقع فيما فرّ منه، ويتصف عندهم بما احترز عنه، وقد أدب الله تعالى العلماء بقصة موسى مع الخضر عليهما السلام حين لم يرد موسى عليه الصلاة والسلام العلم إلى الله تعالى لما سئل هل أحد في الأرض أعلم منك" [تذكرة السامع والمتكلم ـ ابن جماعة ص:42-43].
الصفة الحادية عشرة: استكشاف المواهب ورعايتها(17/132)
لا شك أن هناك فروقاً فردية بين الطلاب الجالسين في مقاعد الدراسة، قد تضيق وقد تتسع، والمعلم النابه من يلحظ هذه الفروق، فيعطي كلاً حسب حاجته وقدراته وميوله، مع رعاية العدل والإنصاف، وتجنب الجور والإجحاف، ومع ذلك لا بد من تلمّس معالم النبوغ في الطلاب ليوفر لهم مزيداً من العناية والرعاية، وذلك بإعطائهم جرعات خاصة من العلوم، وتوجيههم بما يصقل مواهبهم، وينمي قدراتهم، ويزكي ميولهم، خدمةً لهم ولأمتهم من ورائهم.
والنبوغ ليس قصراً على التفوق في استظهار الدروس، وحل المسائل العلمية، بل النبوغ في جوانب شتى ومتنوعة؛ من شِعر وفصاحة وخطابة أو قدرات علمية وإبداعية أو إمكانات قيادية إلى غير ذلك من أنواع النبوغ، وكلها تحتاج إلى معلم فطن، وإن كان لا يستطيع متابعة بعض هذا الجوانب وقد أمكنه اكتشافها وتلمسها، فلا عليه أن يسندها إلى أهل الخبرة والاختصاص من زملاء المهنة.
جاء في كتاب أدب الدنيا والدين: "ينبغي أن يكون للعالم فراسة يتوسم بها المتعلم ليعرف مبلغ طاقته وقدر استحقاقه ليعطيه ما يتحمله بذكائه، أو يضعف عنه ببلادته، فإنه أروح للعالم، وأنجح للمتعلم، وقد روى ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسُّم... وإذا كان العالم في توسم المتعلمين بهذه الصفة، وكان بقدر استحقاقهم خبيراً لم يضِع له عناء، ولم يخب على يديه صاحب، وإن لم يتوسمهم، وخفيت عليه أحوالهم، ومبلغ استحقاقهم كانوا وإياه في عناء مُكْدٍ، وتعب غير مُجْدٍ؛ لأنه لا يُعدم أن يكون فيهم ذكي محتاجٌ إلى الزيادة، وبليدٌ يكتفي بالقليل، فيضجر الذكي منه، ويعجز البليد عنه، ومن يردد أصحابه بين عجز وضجر ملوه وملهم" [أدب الدنيا والدين ـ الماوردي ص:90].
وقد قال أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم: "من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال له: لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوَّل منك لما رأيت من حرصك على الحديث" [صحيح البخاري 11/418 كتاب الرقاق ح: 6570].
وأنت تأسف أشد الأسف حين ترى الغرب يهتم بالنابغين والنابهين، بل بالمعوقين والعاجزين من الناشئين والشباب، في مقابل الإهمال الذريع في عالمنا الإسلامي لأمثال هؤلاء، بل قد تجد الإحباط والتثبيط، ولو علم بهم الغرب لوجدوا منه العناية والرعاية، ثم الإفادة منهم في بناء حضارته ومدنيته. نشكو الظلام وفي يدنا المصباح، ونموت عطشا وبيننا تجري الأنهار:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما =والماء فوق ظهورها محمول
الصفة الثانية عشرة: مراعاة الفروق الفردية:
فمما ينبغي على المعلم الاهتمام به مراعاة الفروق بين طلابه وهو يعلمهم ويربيهم ويعدهم للمستقبل، مع أن هذا الأمر قد كفلته المناهج النظامية، لكن مع ذلك تظل قضية الفروق الفردية قائمة، في القاعة الواحدة والمرحلة الواحدة، فلا بد من الانتباه لها، ومراعاتها لتحقيق أكبر مصلحة في التعليم والتوجيه والإفادة من ذلك، أما خارج الأطر النظامية فأمر مراعاة الفروق الفردية أو الجماعية آكد، كما في دروس المساجد والمحاضرات العامة والخطب والمواعظ.(17/133)
فينبغي على المعلم والداعية أن يعطي الناس ما يناسب مستواياتهم، وعقولهم وإدراكهم، ويمس حاجاتهم وواقعهم، ويكون أنفع لهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم، ولهذا كان المعلم الأول صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك في دعوته وتعليمه، حيث كانت تختلف وصاياه وأجوبته باختلاف أحوال السائلين والطالبين، فيوصي بعضهم بالعبادة وترك الشرك، وآخرين بالصلاة والزكاة، وآخرين بحسن الخلق، وآخرين بمجانبة الغضب، كما أنهم يسألونه صلى الله عليه وسلم عن أي الأعمال أفضل؟ فيجيب بعضهم بأنه الإيمان بالله ثم صلة الرحم، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويجيب آخرين بأنه الصلاة لوقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله، وآخرين بأنه إطعام الطعام وإفشاء السلام، وهكذا، "ولا تفسير لهذا الاختلاف في الجواب مع اتحاد السؤال، إلا مراعاة أحوال السائلين، وما بينهم من فروق يجب اعتبارها". وقد يختلف الجواب عن السؤال الواحد في القضية الواحدة في المجلس الواحد، كما روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء شاب فقال: يا رسول الله أُقَبِّل وأنا صائم؟ فقال: لا. فجاء شيخ فقال: يا رسول الله، أُقَبِّل وأنا صائم؟ قال: نعم. فنظر بعضنا إلى بعض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد علمت نظر بعضكم إلى بعضكم. إن الشيخ يملك نفسه [المسند ـ جزء 11 ح:7054 قال شاكر: إسناده صحيح، مع أن فيه ابن لهيعة. وانظر ح: 6739 وتعليق المحقق]. وتختلف مواقفه صلى الله عليه وسلم باختلاف الأشخاص الذين يتعامل معهم، فيعامل الأعراب بما لا يعامل به أصحابه الملازمين له؛ فيغتفر لأولئك ما لا يغتفر لهؤلاء، ويتألف قلوب مسلمة الفتح وزعماء القبائل بما لا يصنع مثله مع السابقين من المهاجرين والأنصار، ويغطي فخذه عند دخول عثمان ولم يفعل ذلك مع أبي بكر وعمر، وإن دخل عليه كريم قوم أكرمه، وإذا دخل عليه سفيه أو شرير داراه بطلاقة الوجه أو بكلمة طيبة ـ دون مداهنة أو مدح بالباطل ـ تألفاً له، واتقاءً لشرّه، وتختلف أوامره صلى الله عليه وسلم وتكليفاته باختلاف من يأمرهم ويكلفهم، فيكلف أبا بكر في الهجرة بما لا يكلف به عليا، ويكلف بعض أصحابه بقيادة السرايا وبعضهم بالمنافحة عنه وعن الإسلام بالشعر كما فعل مع حسان بن ثابت، ويعتذر لأبي ذر عن توليته لبعض أمور المسلمين، وقد يقبل من بعض الأفراد موقفاً أو سلوكاً لا يقبله من غيره لاختلاف الظروف، كما قَبِل من بعض
===========
آثار الافتراق على الأمة الإسلامية
د. عثمان علي حسن*
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين
الافتراق من آثار الاختلاف ونتائجه وليس من لوازمه، أي يمكن للناس أن يختلفوا مع اجتماع الكلمة وحصول الألفة. وقد اختلف خيار الصحابة في كثير من المسائل العلمية والعملية ولم ينحل عقد الأخوة، ولم ينصرم حبل المودة بينهم، فكان الاختلاف توسعة ورحمة وتنوعاً وإثراء.
الافتراق حالة مرضية كانت في الأمم قبلنا، وهو صفة بارزة في اليهود والنصارى، وقد حُذرنا أن نكون مثلهم: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) [سورة آل عمران:105]، لكن استفاد متأخروهم من دروس سابقيهم، حتى سعى بابا الفاتيكان ليبرأ اليهود من جريمتهم التاريخية في سفك دم المسيح (على حد زعمهم). هذه العقيدة التي تطاولت عليها القرون، وتعاقبت عليها أجيال النصارى، يراد لها أن لا تكون عائقاً دون الالتقاء والتعاون، ونحن نملك من أسباب الالتقاء والتعاون والتنسيق ما لا يملكه غيرنا، ونواجه من دواعي ذلك ومبرراته وأسبابه ما يحتم اجتماع الكلمة واتحاد الموقف وتراص الصفوف.
تناسوا اختلافاتهم الدينية والمذهبية والعرقية في سبيل الرقي بمجتمعاتهم. فهل نعتبر من تاريخنا أو تاريخهم؟ (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) [سورة الأنفال: 73].
الأصل في الإسلام وأهله الاجتماع لا الافتراق، والتعاون لا التصارع، والتآخي لا التعادي، والاتحاد والترابط لا التشتت والتباعد، هذا ما أمر به الإسلام أهله المنتسبين إليه، المتمسكين به.. فلا يوجد دين ولا مذهب دعا إلى هذه الأمور وعُني بها وحرص عليها كما هو الحال عليه في الإسلام..
فشرع الإسلام من مناهج التوحيد وشعائر التعبد وشرائع التكافل الاجتماعي ما يعين على تحقيقها وتعميقها؛ فهناك التذكير بأن أصل الخلقة واحد، من نفس واحدة، والمعبود واحد، والقبلة واحدة، والمرجعية واحدة، والصراط واحد، والناس خلف إمام واحد في الصلاة وفي السياسة، وهناك كفالة اليتيم، وإغاثة الملهوف، ورعاية الأرملة والمسكين، وهناك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتناصح، والتشاور، والتحابب إلى غير ذلك مما يحارب روح العصبية ونوازع الصراع والافتراق.. وهناك النهي عن العصبية باسم الجنس أو النوع أو الوطن أو القبيلة أو اللون، بل كلكم لآدم وآدم من تراب..(17/134)
ولهذا جاءت النصوص الشرعية بالنهي عن الاختلاف والافتراق، كما في قوله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) [سورة آل عمران:100 ــ 105].
وجاء في سبب نزولها ما أخرجه ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن زيد بن أسلم قال: مرَّ شاس بن قيس ــ وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم ــ على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من إلفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شاباً معه من يهود، فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم ذكرهم يوم بعاث، وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج، ففعل فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيين على الرُّكب، أوس بني قيظى أحد بني حارثة من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه، إن شئتم والله، رددناه الآن جذعة، وغضب الفريقان جميعاً، وقالوا: قد فعلنا، السلاح السلاح، موعدكم الظاهرة ــ والظاهرة الحرة ــ فخرجوا إليها، وانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال: يا معشر المسلمين الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ أبعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً؟ فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان، وكيد من عدوهم لهم، فألقوا السلاح، وبكوا، وعانق الرجال بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس، وأنزل الله في ذلك الآيات من سورة آل عمران(1)..
فالآيات ترشد إلى عدة نقاط تتعلق بموضوعنا وهي:
- تقدير الأعداء لمكانة الجماعة والاجتماع، والوحدة والاتحاد، ولهذا يعملون على تقويضها لدى المسلمين، ويسعون في سبيل ذلك سعياً حثيثاً.
- أن من وسائل الأعداء الخبيئة والخبيثة في حرب المسلمين؛ ضرب وحدتهم وتفتيت جماعتهم، وذلك ببعث نوازع الفرقة بينهم؛ من اختلافات دينية أوطائفية أومذهبية أوعرقية أوقومية أوتاريخية أوغيرها.
- أن الفرقة من دعاوى الجاهلية ومن الكفر، فعبَّر عن الترابط بالإيمان، وعن الاختلاف بالكفر، وفي الحديث: التارك لدينه المفارق للجماعة(2).
- الحذر الحذر من تحقيق مقاصد الأعداء في تفريق كلمة المسلمين، فيتم ذلك بأيدٍ مسلمة، كما قالوا في حكمتهم: الشجرة إنما يقطعها أحد أغصانها، فنكون كالذين يُخربون بيوتهم بأيديهم، وينوبون عن أعدائهم في مهمتهم!
- أن الاعتصام والاجتماع منّة من الله تعالى على عباده تتحق بطاعته وطاعة رسوله والاستمساك بحبله المتين، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- النهي عن التشبه بالأمم السابقة في التفرق والاختلاف، وهذا الأمر كثر الحديث عنه في القرآن الكريم.
- اختلاف الأجناس والألوان والأوطان واللغات والطبقات والثقافات ليس بالضرورة عامل تفريق وتنازع بقدر ما هو عامل تعارف وتكامل وتكافل وإثراء، فالله لم ينهنا عن الانتساب لقبائلنا وأوطاننا ونحو ذلك، وإنما نهانا عن التعصب لها، وأن تكون هي معيار الصواب والخطأ، وأساس الولاء والبراء، وأساس ذلك الإيمان والعمل الصالح: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [سورة الحجرات: 13].
- من أبشع أنواع الافتراق، الافتراق بعد معرفة الحق، وهذه علامة الهوى، ودلالة العجب، وشارة البطر: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم. وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غاب بشخصه فهو موجود بهديه وسنته.
- التنازع يُشغل الأمة بنفسها عن مهمتها الرسالية في الدعوة إلى الخير، (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير..).
وقال تعالى: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) [سورة الأنفال: 46]. هذه الآية تأتي ضمن عوامل النصر الحقيقية: من الثبات وذكر الله وطاعة الله ورسوله وتجنب الشقاق والنزاع والصبر، والحذر من البطر والرياء.(17/135)
فواضح جدا أن التنازع هو أحد أسباب الهزيمة الرئيسة، كما أن تجنبه من أسباب النصر الرئيسة، ولا يتنازع الناس إلا بسبب تعدد القيادات، وبسبب الهوى، حينما يجعل كل واحد من نفسه قائداً وموجهاً ولا يقبل من غيره ذلك، ثم يركبه الهوى في تحسين ذاته ونفسه، فيرى من نفسه الحق المطلق، أما مجرد اختلاف أوجه النظر في المسألة الواحدة فليس من أسباب التنازع، لو تجرد صاحب النظر عن الهوى والإعجاب بالنفس.
فإذا وقع التنازع بسبب الهوى والعُجب تغيرت النفوس، وخُدش صفاء الأخوة، فكان الانتصار للنفس لا للحق والصواب، وللذات لا للجماعة والأمة، فتذهب القوى بتشتيتها، وتضعف بتمزيقها، فلو وقعت الهزيمة لم يكن أمراً عجباً (قل هو من عند أنفسكم) [سورة آل عمران: 165]. بل العجب أن يكون النصر مع وجود هذا التنازع، أو غيره من عوامل الهزيمة. ولنا في غزوة أحد عبر وعبر..
الأصل في العلاقة بين أهل الإيمان رابطة الأخوة (إنما المؤمنون إخوة) [سورة الحجرات: 10]. ويُوالى المؤمن ويُعادى، ويُحب ويُبغض على قدر ما فيه من الإيمان والطاعة وضدهما.. فإن حدث ما يعكر صفاء هذا التآخي وجب الإسراع إلى إصلاحه ولو بقتال من بغى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) [سورة الحجرات: 9ــ10]، إلى هذه الدرجة يكون الحرص على تماسك الصف الإسلامي، وفي الحديث: ((من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا ما كان))(3). وفي آخر: ((إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما)).
ومنع الإسلام من كل ما من شأنه يؤدي إلى التفرق والتنازع من الشحناء والبغضاء، والتنابز بالألقاب والسخرية واللمز، والغيبة والنميمة، وسوء الظن والتجسس والتحسس، والتدابر، وغير ذلك من المعاني المذمومة والأخلاق المرذولة(4).
وحذر القرآن الكريم من الفرقة، وجعلها من العقوبات القدرية لمن خالف أمر الله، قال تعالى: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض) [سورة الأنعام: 65].
وفي السنة: حديث ابن عمر قال: ((خطبنا عمر بالجابية فقال: يا أيها الناس، إني قمت فيكم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، فقال: أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليزم الجماعة))(5).
وحديث أبي الدرداء: ((ألا أخبركم بخير من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة)). قال الترمذي: ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين))(6).
ومن الحكم الموروثة قصة الأب الذي بيَّن لأبنائه أهمية اتحادهم وخطورة تفرقهم، حيث لم يستطيعوا تكسير العصي مجتمعة، فأنشأ يقول:
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى =خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى العصي إذا اجتمعن تكسراً =وإذا افترقن تكسرت أفرادا
إن أعداء الإسلام يعرفون ــ وبدقة ــ مكامن الخطر في أمة الإسلام، ومن ذلك وحدتهم واجتماع كلمتهم، وتصافي قلوبهم، فيعملون على بذر الخلاف بين الأمة، لإضعاف الكلمة وتشتيت الجهود، وكسر الشوكة، وإيهان العزيمة. هذا شأنهم وهو ما يُتوقع منهم، وينسجم مع أهدافهم من العلو في الأرض والاستكبار فيها بغير الحق. لكن شأننا أن لا نعطيهم الفرصة، وأن نسد أمامهم الأبواب، ونردم دونهم الثغرات التي يتسللون من خلالها، فكيف إذا تحول الشأن إهمالاً وعدم مبالاة؟ بل الأدهي أن يمارس فعلَ الأعداء أبناء الجلدة واللسان والدين، فينوبونهم في أداء المهمة، ويحملون عنهم عبء المسئولية، فيبوؤون بالإثم، ويكتشحون بالعار.
آثار الافتراق
(1) الفشل وذهاب القوة: شمولية الفشل لمناحي الحياة، وهذا يعني موت الأمة بأسرها، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم بذهاب الريح، حتى تعود الأمة أعداداً بلا عدة، وأرقاماً بلا معنى، أي الحالة الغثائية التي لا تحافظ على موجود ولا تلوي على مطلوب، فتتداعى الأكلة إلى قصعة الأمة، فيطمع فيها كل قوي وضعيف، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
لقد عرف الخوارج عبر التاريخ بقوة العزيمة وشدة البطش، وعظيم الإخلاص لأفكارهم والتفاني لها، لكن مع ذلك كان يكثر بينهم الخلاف والنزاع لأتفه الأسباب، وكان هذا من عوامل هزائمهم المتكررة، وقد فطن لذلك المهلب بن أبي صفرة ــ الذي كان ترساً للمسلمين منهم ــ فكان يبعث إليهم من يبث الخلاف بينهم لتفريقهم وإضعافهم، فيُكفى مؤنة حربهم وقتالهم(7).
(2) زعزعة الثقة بالعلماء والحكام والأمة، بل بالإسلام ومناهج العاملين والداعين إليه، فقد جرت عادة الناس في الربط بين الداعي ودعوته نجاحاً وفشلاً. ومن ثم إتاحة الفرصة لظهور تيارات من التشكيك والدعوة للانسلاخ من الدين على نحو ما ظهر في أوربا المسيحية في مقدمات عصر النهضة، فانظر كم يجني أهل التنازع على الأمة ودينها ورسالتها!(17/136)
(3) إتاحة الفرص لاحتواء بعض الرموز أو بعض الجماعات أو بعض الدول من قِبل أعداء الأمة والانفراد بها؛ إغراء وإغواء، على نحو ما حدث في محنة كعب بن مالك وقد هجره المسلمون فيمن هجروا من المتخلفين عن تبوك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقضي الله فيه وفي صاحبيه، فكتب إليه ــ وهو في هذه الحال العصيبة، وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه ــ ملك غسان: أما بعد، فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. قال كعب: فقلت حين قرأتها، وهذه أيضاً من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرتها(8).. إنها فتنة وبلاء وابتلاء لا يقوى عليه إلا الموفقون، ومن كان في ثبات كعب بن مالك وإيمانه، وقليل ماهم. ومن هنا يبرز مغزى قوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد(9).
(4) انتزاع البركة من الأفراد والجماعة ومن الأمة بأسرها، وتركها لنفسها، تصديقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار))(10).
(5) من آثار الافتراق: التخاذل المتبادل بين أفراد الأمة وجماعاتها ودولها وحكوماتها، وأن يُسلم بعضهم بعضاً إلى الأعداء والفتن، بل والتحرش بهم، وتهييج الأعداء عليهم؛ نكاية ووشاية وشماتة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يُسلمه..)).
(6) الافتراق والتعادي يؤكد ما يقوله المستشرقون أن العالم الإسلامي لم ينعم بالهدوء إلا صدراً من جيل الخلافة الراشدة، وبعدها تعرضت دولة الإسلام إلى النزاعات والصراعات الداخلية التي لم تنقطع، وربما ربطوا ذلك ــ ظلماً وزوراً ــ بطبيعة الدين نفسه، وقد اشتهرت صراعاتنا السياسية على كافة المنابر وعلى الملأ حتى شاعت مقولة: اتفق العرب على أن لا يتفقوا، والعرب رحى الإسلام ومصدر قوته..
(7) الافتراق والتعادي يحرم الأمة من محاسن الاختلاف، وهو ما يعبر عنه باختلاف التنوع، وهو ثروة علمية ضخمة تميز بها التراث الفقهي الإسلامي، تدل على قوة إبداع، وعمق تفكير، وتوفر مساحة واسعة ومتنوعة من الآراء والاجتهادات تستفيد منها الأمة في مواجهة مستجدات الحياة المعاصرة، وتنوعها، وتفاوتها من بلد إلى بلد، ومن بيئة إلى بيئة، ولقد اشتهر عن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قوله: "ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لكان الناس في شدة، فلما اختلفوا كان الناس في سعة"(11).
(8) التنازع والتفرق يصيب البعض بالإحباط والتثبيط فينزوي بعيدا، وينكفئ على نفسه مؤثراً السلامة كما تزيِّن له نفسه، فتُحرم الأمة من خيره وجهده وإضافاته، وربما كان أسوة سيئة، ونموذجاً سلبياً لغيره، فيقوى تيار الانعزال والانزواء، فتجمد حركة الأمة، ويضعف رصيدها في مجال الإبداع والتقدم.
(9) لولا التنازع والتمزق لما تسنى لأحد أن يملي على الأمة ويفرض عليها خيارات تخالف دينها ومصالحها ومستقبلها، لكن ما حيلة الضعيف إلا أن يخضع لإرادة الأقوياء، ومن خلال ذلك مررت ما يسمى بمشاريع التسوية الظالمة والهاضمة للحقوق في فلسطين والبوسنة والعراق والسودان وغيرها، فتقدم التنازلات، وتنتزع الاعترافات، بل وأحياناً تقدم المبادرات والتبرعات لاسترضاء العدو الغاشم، أو للحصول على صك البراءة من تهمة الإرهاب ونحوه، ولسان الحال يقول:
فليتك تحلو والحياة مريرة =وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر =وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين =وكل الذي فوق التراب تراب
(10) التنازع والتفرق يُشغل الأمة عن همومها العظام، وتحدياتها الجسام، وتستمرئ الأمة حرباً طاحنة فيما بينها، حتى يأكل بعضها بعضاً، ويلعن بعضها بعضاً، كان الأولى أن توجه هذه الجهود والطاقات نحو البناء والتنمية ومواجهة الأعداء الذين يدورون حول الأسوار ويلوذون بالأبواب؛ يتحينون الفرص، ويرقبون الصيد، عسى أن يفوزوا منه بغفلة..
فمن الخيانة للأمة أن يُحمى الوطيس، وتُنصب المناجيق، ويتقاذف الناس بكلمات هي أشد من الحجارة، وأنكى من السهام من أجل مسائل تحتمل أكثر من وجه وتقبل أكثر من تفسير، فهي من مسائل الاجتهاد، التي دلت على سعة هذا الدين ومرونته، المصيب فيها مأجور والمخطئ فيها معذور، وخطؤه فيها مغفور، بل هو ــ بنص الحديث ــ مأجور.
لهذا كان من الواجب على الدعاة والمفكرين الإسلاميين أن يشغلوا جماهير المسلمين بهموم أمتهم الكبرى، ويلفتوا أنظارهم وعقولهم وقلوبهم إلى ضرورة التركيز عليها والتنبيه لها، والسعي الجاد ليحمل كل فرد جزءاً منها، وبذلك يتوزع العبء الثقيل على العدد الكبير، فيسهل القيام به(12).
(11) التنازع والتفرق يُفقد الناس والأمة الشعور بوحدة الجسد ووحدة الهم ووحدة المصير، مما يحدو بكل طائفة أن تتصرف بمفردها بمعزل عن الأمة، وربما أدى ذلك التصرف الانفرادي إلى مآس تعود على الأمة جمعاء بآثارها وتبعاتها..
(12) إشاعة روح التفرق والتمزق، وبروز المزيد من النحل والطوائف المتناحرة، بل جرت العادة أن التيار الواحد ينقسم على نفسه مرات ومرات، حتى خرج تعدادها عن المألوف وتجاوزت المعروف، وبعضها يقوم وليس لها من مبرر؛ فإن اختلف ثلاثة مع جماعة شكلوا جماعة أخرى، وإذا فصل خمسة من تنظيم أنشأوا تنظيما جديداً، وإن طردت مجموعة من حركة كونت حركة تصحيحية!(17/137)
كان لتعدد الطوائف في الماضي مبررات، قد تكون محل نظر، وقد يكون لأصحابها أدلة شرعية معتبرة، واجتهادات مبررة، ومع هذا فقد كان هؤلاء متخلقين بأدب الخلاف وقيمه لا يخرجون عنه، أما اليوم فقد بات الخلاف خلافاً بلا أدب، واختلافاً بلا علم، وتكاثراً بلا مبرر، إنما هو التنافس على المغانم، والتنصل والهروب من المغارم، والتهافت على الدعاية والأضواء، والإقبال على الأخذ، والإدبار عن العطاء(13)..
فيتهاون الجميع بمخاطر التفرق، بعد أن يكون قد ركبهم الهوى واستبد بهم الغرور وحب الذات، لا يعظمون حرمة، ولا يرقبون في أمتهم إلاً ولا ذمة..
وهناك آثار أخرى أجملها في النقاط التالية:
- تعميق الغرور والإعجاب بالرأي.
- تعميق الهوى.
- سوء الظن بالآخرين، واتهام النوايا.
- العصبية للرأي والزعيم والإقليم والحزب.
- تناكر القلوب واحتقان النفوس بالبغضاء.
- الانشغال عن معالي الأمور ومتطلبات الريادة والسيادة.
- تتبع عثرات الآخرين.
- ضياع كثير من الواجبات الدينية.
- صد الناس عن سبيل الهدى.
- تثبيط العزائم.
- انتشار حالات الانزواء الفردي والجماعي بين الأمة طلباً للسلامة ومن ثم حرمان المجتمع من مشاركتهم في الخير والإصلاح.
هل تفرق الأمة قدر لازم؟(14)
قد يتصور بعض الناس أن تفرق الأمة أمر لازم فرضه القدر وأخبر به الشرع، فلا مناص منه، ولا مهرب منه، وربما استدلوا على ذلك بالأحاديث التي فيها الإخبار بوقوع البأس بين الأمة، مثل حديث: ((سألت ربي ثلاثا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يُهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يُهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألتها أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها))(15).
وفي حديث آخر: ((سألت ربي عز وجل ثلاث خصال، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة. سألت ربي عز وجل أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا، فأعطانيها، وسألت ربي عز وجل أن لا يظهر علينا عدوا من غيرنا، فأعطانيها، وسألت ربي عز وجل أن لا يلبسنا شيعاً فمنعنيها))(16).
فإن كان الله قد ضمن للأمة عدم الاستئصال بالكوارث الطبيعية، أو بالعدوان الخارجي، إلا أنه لم يضمن عدم الاستئصال بواسطة أنفسهم، وهو ما عبر عنه بالبأس الشديد بين أطراف الأمة، حتى يكون بعضها يُهلك بعضها، ويُسبي بعضها بعضاً.
والجواب أن يقال: إن الله علَّق عصمة الأمة من الاستئصال الداخلي بالاستجابة لأمره والالتزام بشرعه، فأمرُها بيدها إن هي أرادت العصمة، متعلِّق بها، عليها أن تؤدي شرطه؛ وهو الالتزام بالدين، والاعتصام بالوحدة والاجتماع، فإن فعلت ذلك عزَّت وسادت وانتصرت على عدوها، وإن أهملت ذلك الالتزام وذلك الاعتصام ذاقت وبال أمرها، وكانت هي السبب في هذه العقوبة..
فالحديث لا يعني بحال أن يكون تفرق الأمة وتسلط بعضها على بعض أمراً لازماً ودائماً وعاماً، يشمل كل الأزمنة وكل الأمكنة، وكل الأحوال، وإلا لم يكن هناك معنى لنصوص الأمر بالاعتصام والاجتماع والنهي عن التفرق والاختلاف، وما أكثرها! ولكان ذلك في حكم تكليف ما لا يطاق، وهو من العبث الذي تُنزه عنه شريعة الإسلام، بل وأحكام العقلاء..
فهذا الداء الذي تصاب به الأمة بسبب تفريطها في الالتزام والاعتصام قد يحدث في مكان دون مكان، وفي زمان دون زمان، وبين قوم معينين دون غيرهم..
وفي بعض الأحاديث ما يؤكد أن جعل بأس الأمة بينها يكون عقوبة من الله لها على انحرافها عن شرعه، كما في حديث ابن عمر مرفوعا: ((وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم)).
كما أن أحاديث أخرى بشَّرت بغلبة الأمة وعلو كلمتها وبسط سلطانها، وأنه سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، وستفتح رومية، ولا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين.. فهذا الفتح حينما يستقيم أمر الأمة، وتلك العقوبة والانحسار حينما تنحرف الأمة.. فلكلٍ أسبابه ودواعيه، والحبل بيد الأمة إن شاءت شَدَّته، وإن شاء أرخته، أو تركته.. (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأؤلئك هم الفاسقون) [سورة النور: 55]. (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) [سورة الحج: 41].
وأخيراً..
إن دواعي الاتفاق والاجتماع لدينا أكثر وأعمق مما عند غيرنا من الأمم والحضارات، ومع ذلك اجتمعوا وافترقنا، وتضامنوا وتنازعنا، وتناسوا ما كان بينهم، ونحن نحرص على بعثه وإثارته وتحريك الصدور به.. فما زادنا ذلك إلا فشلاً وذهاب ريح..
فهل نعتبر؛ فنلتزم بتعاليم ديننا، ونستصحب قيم أسلافنا، ونستحضر ما نواجهه من تحديات ماثلة، توشك أن تأتي على كل شيء؟
الله نسأل الإخلاص في القصد، والسداد في القول، والرشاد في العمل، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً..
----------
(1) انظر الدر المنثور للسيوطي: 2/57 ــ 58.
(2) صحيح البخاري: 12/201، وصحيح مسلم: 5/106.
(3) صحيح مسلم: 6/22.
(4) انظر الآيتين: 11 و12 من سورة الحجرات.
(5) رواه الترمذي في الفتن: 2166، والحاكم في مستدركه: 1/114، وصححه ووافقه الذهبي.
(6) رواه الترمذي في صفة القيامة: 2511، وأبو داود في الأدب: 4919.
(7) انظر: شرح نهج البلاغة: 2/49، والكامل للمبرد: 2/277 ــ 279، ورغبة الأمل للمرصفي: 8/91 ــ 92.
(8) انظر: البخاري ومسلم وأحمد.
(9) سنن الترمذي: 2166، والحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي: 1/114.
(10) متفق عليه.(17/138)
(11) جامع بيان العلم لابن عبد البر: 2/80.
(12) انظر: الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم للدكتور يوسف القرضاوي ص: 84 ــ 85.
(13) انظر: الإيدز الحركي لفتحي يكن ص: 25 ــ 26.
(14) انظر: الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والاختلاف المذموم ص: 30 وما بعدها.
(15) صحيح مسلم كتاب الفتن ح: 2889.
(16) ذكره ابن كثير في تفسير الآية 65 من سورة الأنعام 2/141.
==========
التقارب الديني: خطره - مراحله - آثاره
الشيخ الأمين الحاج محمد أحمد*
تقديم:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, الحمد لله الذي أنزل الكتاب المحكم المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد, ذلك الكتاب الذي لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد، لا تنفد معجزاته الخبرية, قال عز من قائل: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) [سورة البقرة:120]. وقال: (لتجدنّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدنّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى[1]ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون. وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين) [سورة المائدة :82-83].
وصلى الله وسلم وبارك على محمد النبي الأمي، الذي حذَّرنا من اتخاذ الرؤوس الجُهّال, فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء, حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً, فسُئِلوا, فأفتوْا بغير علم فَضَلُّوا وأضلُّوا)[2].
ولقد عدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم ذهابَ العلم وفشوَّ الجهل من علامات قرب الساعة, فقال فيما صحَّ عنه: (إن من أشراط الساعة أن يقل العلم ويكثر الجهل... الحديث)، والعلم هو السنة، والجهل هو البدعة.
أما بعد...
فإن الأمور التي عمَّت بها البلوى في هذا العصر أكثر من أن تحصى، وأوضح من أن ينبَّه عليها, ولكن من أخطر تلك الأمور تلك الدعوة التي رفعها بعض المنهزمين بإيعاز من المستشرقين في أواخر القرن الميلادي الماضي, وقد جاراهم فيها بعض الصلحاء المستغفلين من الدعاة, ألا وهي (دعوى التقارب الديني)، أو (وحدة الأديان)، أو الدعوة إلى (الحزب الإبراهيمي)، أو جمع أهل الأديان السماوية على (الملة الإبراهيمية)، ونحو ذلك من هذا الهُراء.
لقد لاقت هذه الدعوة في الآونة الأخيرة - بعد أن كسدت سوقها فترةً - رواجاً خاصاً في السودان, حيث عقدت عدة مؤتمرات وندوات لمناقشة كيفية التوصل إلى دين عالمي جديد، يجعل الناس - كل الناس - يعيشون في وئام وسلام، خاصةً في البلد الواحد, دون أدنى اعتبارٍ لدينهم وتراثهم وثقافتهم, فـ"الدين لله, والوطن للجميع، وما لله لله وما لقيصر لقيصر"!!
هذا الدين العالمي الجديد يوالي فيه المسلم أخاه النصراني واليهودي والمجوسي والوثني!!! إذ جميعهم من آدم وحواء عليهما السلام!!
وهذا بحث بعنوان: (التقارب الديني: خطره, أسبابه, دعاته)، يتكلَّم عن تاريخ هذه الدعوة, عن بَطَلَتها, وعن الأٍسباب الحقيقة للقيام بها, عن مخالفتها الصريحة البينة الواضحة لما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلىكلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) [سورة آل عمران:64].
وقال صلى الله عليه وسلم: (لو كان موسى حياً لما وسعه إلا أن يتبعني).
كتبته نصيحة لله ولرسوله، ولدينه، ولدعاة هذه الدعوة، ولعامة المسلمين, ليهلك من هلك عن بينة، ويحي من حيّ عن بينة.
واللهَ أسألُ أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأن يُريَنا وجميعَ إخواننا المسلمين الحق حقاً, ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه, , والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل, وصلى الله وسلم على رسوله القائل : (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة)، وفي رواية: (حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).
وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
وحدة الأديان أو التقارب الديني
الغرض الأساسي والهدف الأول من هذه الدعوة هو: إبعاد الإسلام، وإقصاؤه عن الحياة, وإذابة معتقداته؛ ليعيش أصحاب الملل المختلفة في البلد الواحد في محبة ووئام وسلام, وتزول عنهم الخلافات الدينية، ويختفي منهم الولاء الديني، ليصبح الولاء للوطن الذي هو للجميع, فالدين لله والوطن والجميع!!!
متى ظهرت هذه الدعوة في العالم الإسلامي؟ ومن هم بطلتها؟
بدأت هذه الدعوة - أول ما بدأت - في الربع الأخير من القرن الماضي, بإيعاز من بعض القُسُس، فهي ثمرة من ثمار الغزو الفكري والاستعمار الأوربي الذي جثم على صدر الأمة الإسلامية في ذلك الحين, ثم توالت الصيحات فيما بعد.(17/139)
يقول الشيخ محمد محمد حسين رحمه الله : "أما التوفيق بين الأديان -بين المسيحية والإسلام على وجه الخصوص - فقد بدأ في العصر الحديث باتفاق قسيس إنجليزي اسمه (إسحاق تيلور) مع الشيخ محمد عبده وبعض صحبه في أثناء نفيه بدمشق 1883م على التوحيد بين الدِّينيْن. ثم ظهرت الدعوة من جديد في السنوات الأخيرة حين قام جماعة من المعروفين بميولهم الصهيونية بعقد مؤتمر للتأليف بين الإسلام والنصرانية في بيروت 1953م، ثم في الإسكندرية 1954م، وقد كثرت الأقاويل في أهداف هذه الجماعة, وفي مصادر تمويلها, وأصدر الحاج أمين الحسيني بياناً أثبت فيه صلة القائمين على هذه الدعوة بالصهيونية العالمية"[3].
أبرز بطلة[4] هذه الدعوة:
[1] الشيخ محمد عبده (1849-1905)م:
هو أول من سُخِّر للدعوة لتلك الفكرة، كما وضح لنا من قبل، يقول فضيلة الدكتور سفر الحوالي: "وقد يكون أخطر آثار محمد عبده التي تعد ركيزة من ركائز العلمانية في العالم الإسلامي: إضعاف مفهوم (الولاء والبراء)، و(دار الحرب ودار الإسلام)؛ إذ كان الشيخ أعظم من اجترأ عليه من المنتسبين للعلماء, لا بتعاونه مع الحكومة الإنجليزية الكافرة فحسب, ولكن بدعوته الصريحة إلى موالاة الإنجليز وغيرهم - بحجة الأول التعاون مع الكافر ليس محرماً من كل وجه- وبدعوته إلى التقريب بين الأديان.
حقيقة إن الرأي العام الإسلامي قد ثار على بعض فتاوي الشيخ التي أباح بها موالاة الكفار، ولكن تأثيرها في الأمة لا شك فيه في تلك الفترة الحرجة التي تتميز بغبش الرؤية واختلاط المفهومات"[5].
[2] الشيخ عبد الرحمن الكواكبي (ت 1902م):
دعا للعلمانية ونَبْذِ الدين صراحةً, كما دعا للتعايش السلمي مع اليهود والنصارى، وترك الدين جانباً، قال: "يا قوم - وأعني بكم الناطقين بالضاد من غير المسلمين - أدعوكم إلى تناسي الإساءات والأحقاد, وما جناه الآباء والأجداد, فقد كفى ما فعل ذلك على أيدي المثيرين, وأُجِلُّكم من أن لا تهتدوا لوسائل الاتحاد وأنتم المتنورون السابقون، فهذه أمم أستراليا وأمريكا قد هداها العلم لطرائق الاتحاد الوطني دون الديني، والوفاق الجنسي دون المذهبي، والارتباط السياسي دون الإداري، دعونا نتدبر حياتنا الدنيا، ونجعل الأديان تحكم الأخرى فقط، دعونا نجتمع على كلمات سواء, ألا وهي: فلتحيا الأمة, فليحيا الوطن فنحيا طلقاء أعزاء"[6]، وهذا هو نفس ما يدعو إليه دعاة وحدة الأديان الحاضرين.
[3] الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، (ت1873م):
هو من الذين دعوا إلى ذلك بكتاباتهم وفكرهم، بعد أن فعلت فيه الثقافة الغربية الفرنسية فعلها. يقول الشيخ محمد محمد حسين: "تكلم الطهطاوي في مقدمة كتابه (مناهج الألباب) وبيّن أن الوطن جامعة تجمع ساكنيه على اختلاف الأديان، حين قال: فجميع ما يجب على المسلم للمسلم، يجب على أعضاء الوطن, من حقوق بعضهم على بعض, لما بينهم من الأخوة الوطنية فضلاً عن الأخوة الدينية، فيجب أدباً لمن يجمعهم وطن واحد, التعاون على تحسين الوطن وتكميل نظامه، فيما يخص شرف الوطن وغناه وثروته، لأن الغنى إنما يُتحصل من انتظام المعاملات, وتحصيل المنافع العمومية. وهي تكون بين أهل الوطن على السوية لانتفاعهم جميعاً بمزية النخوة الوطنية", ثم أيد رأيه بكلام للإمام ابن حجر في أن ظلم الذمي حرام, وعقب عليه بقوله:(وهذا يؤيد ما قلناه من أن أخوة الوطن لها حقوق, لا سيما وإنها يمكن أن تؤخذ من حقوق الجار, خصوصاً من يقول: بأن أهل الحلة كلهم جيران".
يقول الشيخ محمد محمد حسين معلقاً على كلام الطهطاوي السابق: "هو أثر من آثار الحضارة الغربية وتصورها للوطن الجامع لمصالح ساكنيه على اختلاف أديانهم وأجناسهم واقتباس من المجتمع الفرنسي بعد الثورة الذي قضى على الرابطة الدينية وأقام في مكانها رابطة المصلحة الوطنية أو ما أسماه الطهطاوي "المنافع العمومية" التي تقوم على الحرية والإخاء والمساواة بين أبناء الوطن الواحد. ولذلك فالطهطاوي يعقد في كتابه فصلاً "في أن معظم وسائل تقدم الوطن في المنافع العمومية رُخْصَةُ المعاملة مع أهالي الممالك الأجنبية واعتبارهم في الوطن كالأهلية" يثني فيه على الملك رمسيس فخر الدولة المصرية في الأزمان الجاهلية ومصباح تاريخها الذي اعتنى بتاريخه مؤرخو اليونان, لأنه أول مصري قربهم إلى بلاده, واستمال قلوبهم بتوظيفهم برياسة أجناده، وخالف عوائد أسلافه" [7].
قلت: لله در ابن خلدون حين قال: "والمغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه وبخلقه وسائر أحواله وعوائده".
سبحان الله, فإن السنوات الخمس التي قضاها هذا الشيخ الأزهري (1826-1831هـ) في باريس فعلت فيه الأفاعيل وجعلته مسخاً مشوهاً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. وهذه حال جُل المبعوثين ألاّ من رحم ربك, وإن تعجب فاعجب من ذلك المبعوث الذي عاد من أمريكا لتوّه فإنه يسير دائماً على طريق الخواجات بين جدة والطائف!!
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في تنبؤه: (لتتبعنّ سَنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)!!
[4] الشيخ أحمد لطفي السيد وطه حسين:(17/140)
إنهما من تلاميذ محمد عبده الأوفياء. أكملا الشوط الذي كان قد بدأه في عملية التغريب والعلمنة وإزالة الحاجز بين المسلمين والكفار, يقول الشيخ سفر الحوالي: "وقد كان من أهداف أعداء الإسلام ما أوصى به مؤتمر القاهرة التبشيري المنعقد 1906م من وجوب إنشاء جامعة علمانية على نمط الجامعة الفرنسية لمناهضة الأزهر والذي قالوا أنه يهدد كنيسة المسيح بالخطر وقد قام الأذيال بتنفيذ المهمة إذ أنه بعد انتهاء المؤتمر بسنتين تقريباً أسس سعد زغلول وأحمد لطفي السيد وزملاؤهم الجامعة المصرية, وكان النص الأول من شروط إنشائها هو ألا تختص بجنس ولا دين, بل تكون لجميع سكان مصر على اختلاف جنسياتهم وأديانهم حتى تكون واسطة للألفة بينهم" [8].
[5] الشيخ علي عبد الرازق:
وهو من الشخصيات الخطرة التي مهدت لقيام هذه الدعوة , إنه شيخ مفتون, ألف كتاباً أسماه "الإسلام وأصول الحكم".
يقول عنه الشيخ سفر حفظه الله: "جمع عبد الرازق في كتابه بين أسلوب المستشرقين في تحوير الفكرة واقتطاع النصوص وتلفيق الواهيات وبين طريقة الباطنية في التأويل البعيد, وسرد نبذاً من سير الطواغيت, ونتفاً من أقوال متملقيهم وعمد إلى مغالطات عجيبة كل ذلك ليدلل على أن الإسلام كالمسيحية المحرفة علاقة روحية بين العبد والرب لا صلة لها بواقع الحياة.
ولم يَفُتِ الشيخ أن يدلنا على أحد مراجعة الرئيسية لنستكمل ما قد يكون فضيلته عجز عن بيانه , فهو يقول في الكتاب نفسه: " واذا أردت مزيداً في البحث فارجع إلى كتاب الخلافة للعّلامة(!!) السير تومس آرنلد ففي الباب الثاني والثالث منه بيان ممتع ومقنع".
[6] الدكتور محمد عمارة:
هو كذلك من دعاة تجميع الخلق تحت دين جديد واحد، يقول عنه الأستاذ جمال سلطان: "في نظره أن اليهود والنصارى اليوم مؤمنون مسلمون موحدون ولا يضرهم في شيء من إيمانهم تكذيبهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبرسالته، فإذا ما وقف أهل الكتاب من أتباع شرائع الرسل الذي سبقوا محمد صلى الله عليه وسلم عند التصديق برسالة رسلهم [9], وأبوا التصديق برسالة محمد ونبوته مع توحيدهم [10] وعملهم الطاعات!! فإن هذا التوقف لا يخرجهم عن إطار الدين الواحد, ولا حظيرة التدين بالإسلام. فموقفهم هذا هو انحراف! والفرق بين من يؤمن بمحمد وبكل الرسل وبين الذي يجحدون بنبوة محمد ورسالته مع توحيدهم وعملهم الطاعات كمثل الفرق بين إيمان المؤمن الخلي من البدع وبين إيمان من تشوب البدع إيمانه" [11].
[7] الدكتور حسن حنفي:
يذهب الدكتور حنفي إلى أنه ليس هنالك دين في ذاته بل هناك تراث يمكن تطويره وتطويعه حسب الظروف والملابسات: "الأول التراث القديم لا قيمة له في ذاته كغاية أو وسيلة, ولا يحتوي على أي عنصر من عناصر التقدم، وأنه جزء من تاريخ التخلف أو أحد مظاهره, وأن الارتباط به نوع من التغريب ونقص في الشجاعة وتخل عن الموقف الجذري ونسيان للبناء الاجتماعي الذي هو إفراز منه, وفي حين أن الجديد علمي وعالمي يمكن زرعه في كل بيئة" [12].
[8] الدكتور حسن الترابي:
من أبرز بطلة هذه الدعوة الدكتور حسن عبد الله الترابي.
وواضح جداً أن المتولين لكبر هذه الدعوة هم على شاكلة واحدة ومن نوع خاص, إنهم العصرانيون المتغربون المبهورون بالحضارة الغربية المادية بعد أن أُشربوها على أمزجة فرنسية إنجليزية فالطيور على أشكالها تقع, و(الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف).
فالقاسم المشترك بين محمد عبده, ورفاعة الطهطاوي, ومحمد عمارة، وحسن حنفي، وحسن الترابي ومن شاكلهم من العصرانيون هو الانهزام النفسي والإفراط في حب الغرب وموالاته, ويعتبر د. الترابي أخطر هؤلاء جميعا لأسباب منها:
[1] أن أولئك السابقين له لم تتعد مجهوداتهم الجانب النظري بينما نجد أن د. الترابي خطا خطوات عملية في هذا المجال, لأنه أتيحت له إمكانات دولة لم تُتح لسابقيه فقد استطاع الترابي أن يُسخر السلطة في السودان لخدمة هذا لغرض وقد أعان على ذلك أمران:
الضغوط السياسية والاختناقات الاقتصادية المضروبة على الحكومة السودانية الحالية من الدول الغربية ومن والاها.
استمرار الحرب التنصيرية في جنوب السودان، والتي كبدت الحكومة الكثير من المال والرجال.
هذان الأمران جعلا كثيراً من المسئولين وغيرهم لا يفطنون لخطورة هذه الدعوة لظنهم أنها تخفف عنهم الضغط وترفع عنهم هذه الكوابيس!!.
[2] مقدرة د. الترابي الفائقة على المراوغة فمرة:
يظهر الأول هذه الدعوة مجرد مناورة سياسية لصرف أنظار النصارى, وكف أذاهم وليست دعوة دينية.
وأخرى يظهر أنه يريد مجرد دعوتهم للإسلام ومحاورتهم وإزالة الشبه العالقة بأذهانهم.
ومرّة يثير بعض الشبه التي تخفي على كثير من الناس.
وهكذا عدم الوضوح والمراوغة يكمنان وراء دعوة الترابي العريضة لقيام جبهة المؤمنين أو الحزب الإبراهيمي!!
[3] وجود أقلية ضئيلة من النصارى في السودان, وجدت ظروفاً مساعدة (حرب الخليج, النظام العالمي الجديد, موقف طلاب السلطة المعارضين للنظام في السودان) تجعل كذلك كثيراً من الأخيار ينخدعون برفع هذا الشعار.(17/141)
وتتمثل مجهودات الترابي في هذا المجال في: عقد المؤتمرات، التنظير لهذه الدعوة (الحركة الإسلامية والحوار)، إثارة الشبه، إجراء المقابلات في وسائل الأعلام المختلفة لخدمة هذه القضية، الدعوة لقيام الحزب الإبراهيمي، تكوين جمعية تعرف بالجمعية السودانية لحوار الأديان، مشاركتهم النصارى في أعيادهم والطواف على كنائسهم، بناء الكنائس وتجديد وترميم القديم منها، فتح المجال أمام النصارى في الأعلام, خاصة يوم الأحد في الفترة الصباحية في التلفاز إذ أن لهم حوالي أربع ساعات، إدخال مادة مقارنة الأديان في المعاهد العليا.
قول د. الترابي داعياً إلى وحدة الأديان [13]:" إن الوحدة الوطنية تشكل واحدة من أكبر همومنا, وأننا في الجبهة الإسلامية نتوصل إليها بالإسلام على أصول الملة الإبراهيمية, التي تجمعنا مع المسيحيين بتراث التاريخ الديني المشترك(!!) وبرصيد تاريخي من المعتقدات والأخلاق إننا لا نريد الدين عصبية عداء ولكن وشيجة إخاء في الله الواحد" [14].
"وبناء على هذه الجبهة الدينية [15] مطلب ديني يرتكز على مبدأ وحدة الأديان السماوية (قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) [سورة البقرة: 38]" [16].
وقال: "إن قيام جبهة المؤمنين هو مطلب الساعة وينبغي ألا تحول دونه المخاوف والتوجسات التاريخية، فنحن نعلم أن الكثير من الحروب التي شنت باسم الدين والاضطهاد الذي وقع باسم الدين كان الدين منه براء؛ لأن الأديان السماوية لا تدعو لنشر رسالتها - رسالة الفضيلة والسلام - بحد السيف [17]، أو بالقنابل والمدافع ونحن نقرأ تاريخ الحروب الصليبية التي شنت على الشرق فنراها حملات استعمارية [18] استخدم فيها بعض ملوك أوربا شعار الصليب واسم المسيحية ليحققوا توسعاً استعمارياً تتعبأ فيه جماهيرهم المؤمنة ويمدهم بالموارد وبكنوز الشرق التي كانوا يحلمون بها" [19].
قلت: العجب كل العجب من جرأة الترابي وتهاونه بوصف اليهود والنصارى الحاليين بأنهم مؤمنين, تبريراً لدعواه التجمعية هذه, التي تريد أن تجمع بين الأضداد, ولو وصفهم بأنهم مسلمون لكان ذلك أقل خطراً عليه, أما أن يصفهم بأنهم مؤمنون فهذا أمر في غاية النكارة والغرابة، فإذا كان اليهود والنصارى مؤمنين فمن الكافر إذاً ؟! ولماذا قال الله تعالى: (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) [البينة: 6].
دعنا نستمع إلى كلام أهل العلم الأثبات, ودعك من هذه الترهات, لنعلم هل هي حقيقة أن اليهود والنصارى الحاليين مؤمنون كما زعم الطهطاوي ومحمد عمارة والترابي؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أن الذي يدين به المسلمون من أن محمداً صلى الله عليه وسلم بُعث إلى الثقلين: الإنس والجن, أهل الكتاب وغيرهم, وأن من لم يؤمن به فهو كافر مستحق لعذاب الله مستحق للجهاد, وهو مما أجمع عليه أهل الإيمان بالله ورسوله، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بذلك وذكره الله في كتابه وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا في الحكمة المنزلة عليه من غير الكتاب، فإنه تعالى أنزل عليه الكتاب والحكمة ولم يبتدع المسلمون شيئاً من ذلك من تلقاء أنفسهم كما ابتدعت النصارى كثيراً من دينهم, بل أكثر دينهم, وبدلوا دين المسيح وغيّروه, ولهذا كان كفر النصارى لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم مثل كفر اليهود لما بعث المسيح عليه السلام" [20]، "وإذا تناولت النصارى كان حكمهم في ذلك حكم اليهود، والله تعالى إنما أثنى على من آمن من أهل الكتاب كما قال تعالى: (وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب) [سورة آل عمران: 199]" [21].
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في وصف أهل الكتابيين اليهود والنصارى: "وهم نوعان: مغضوب عليهم، وضالون. فأما الأمة الغضيبة: فهم اليهود أهل الكذب والبهت والغدر والمكر والحيل, قتلة الأنبياء, وأكلة السحت وهو الربا والرشا، أخبث الأمم طوية وأرداهم، سجية وأبعدهم عن الرحمة وأقربهم من النقمة، عادتهم البغضاء ودينهم العداوة والشحناء, بيت السحر والكذب والحيل، لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء حرمة, ولا يرقبون في مؤمنٍ إلاّ ولا ذمة, ولا لمن وافقهم عندهم حق ولا شفعة, ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصفة, ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أمنة, ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة, بل أخبثهم أعقلهم, وأحذقهم أغشهم, وسليم الناصية - وحاشاه أن يوجد بينهم - ليس بيهودي على الحقيقة, أضيق الخلق صدوراً, وأظلمهم بيوتاً, وأنتنهم أفنية وأوحشهم سجية, تحيتهم لعنة, ولقاؤهم طيرة, شعارهم الغضب, ودثارهم المقت.(17/142)
والصنف الثاني: المثلثة أمة الضلال وعباد الأصنام، الذين سبوا الله الخالق سبّاً ما سبّه إياه أحد من البشر، ولم يقروا بأنه الواحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ولم يجعلوه أكبر من كل شيء, بل قالوا فيه ما (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشّق الأرض وتخر الجبال هدّاً). فقل ما شئت في طائفة أصل عقيدتها أن الله ثالث ثلاثة, وأن مريم صاحبته, وأن المسيح ابنه, وأنه نزل عن كرسي عظمته, والتحم ببطن الصحابة وجرى له ما جرى إلى أن قتل ومات ودفن, فدينها عبادة الصلبان ودعاء الصورة المنقوشة بالأحمر والأصفر في الحيطان, يقولون في دعائهم: يا والدة الإله ارزقينا, واغفري لنا وارحمينا! فدينهم شرب الخمور, وأكل الخنزير, وترك الختان, والتعبد بالنجاسات، واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة. والحلال ما حلّله القس, والحرام ما حرمه, والدين ما شرعه, وهو الذي يغفر لهم الذنوب وينجيهم من عذاب السعير" [22].
ويقول الترابي كذلك: "نعلم أن إشاعة السلام بين الأديان ليس أمراً قصيّ المنال, لكن التحدي الذي نواجهه هو أن نتجاوز التعصب الديني [23] الذي لا يرى الآخر إلاّ عدواً متربصاً [24] أو خطراً محدقاً, ولكي نفعل ذلك فلا بدّ من تكثيف الحوار وتأسيس المنابر المشتركة [25], لا لمناقشة القضايا اللاهوتية، ولكن لمناقشة ما يمكن أن نفعله سوياً لإشاعة المثل والقيم الدينية في عالم ينزلق يوماً بعد الآخر في مستنقع الجاهلية الآسن، ونحن في هذا المقام نزجي الشكر لكل الجهات التي ظلت تنادي الحوار بين الأديان, كما نشكر لبعض الكنائس المسيحية الأخرى مبادرتها وسعيها لإقامة الحوار الديني, فلا بديل للحوار سوى التدابر والصراع, وقلّما أفلحت دعوة دينية في إبلاغ خطابها الذي هو خطاب السلام والعدل في أجواء الكراهية والحرب" [26].
يتضح من كلام د. الترابي السابق أن الهدف من الحوار ليس مناقشة القضايا اللاهوتية ودعوة القوم للدخول في الإسلام وإزالة الشبه العالقة بأذهانهم! وذلك لأن القوم مؤمنون!! محبون للخير والمثل والقيم الدينية!! ولكن الغرض الحقيقي من هذه الدعوة هو مناقشة كيفية تعايش اليهود والنصارى والمسلمين في وفاق ووئام ومحبة وسلام، ليكونوا إخوة متحابين يوالي بعضهم بعضاً خاصة في الوطن الواحد.
لقد ختم د. الترابي كلمته بقوله: "ختاماً نتمنى لهذا المحفل الديني الجليل أن يدفع جهود التفاهم بين الأديان خطوة واسعة نحو الأمام" [27].
وقد لفتت كلمة محفل واستعمالها بدلاً من كلمة مؤتمر أو اجتماع أو نحو ذلك انتباهي لأن كلمة محفل أصبح لها ظلال معينة وهي مرتبطة بالماسونية فلا يقال محفل إلاّ ويتبع بالماسوني! فهل يا ترى جاءت عفواً أم أن وحدة الهدف الجامعة لجميع الدعوات العالمية والإنسانية كالدعوة إلى وحدة الأديان والماسونية هي الدافع إلى استعمال هذه الكلمة تيمناً بالمحافل الماسونية؟!!
الأسباب للقيام بمثل هذه الدعوة:
أهم الأسباب التي أدت إلى قيام هذه الدعوات هي:
[1] الجهل بالدين, وهذا هو السبب الرئيس والأول لأن من له أدنى معرفة بالدين وأصوله ونواقصه لا يمكن أن يتصدى لمثل هذه الدعوة.
[2] الانهزام النفسي، فالمغلوب والمهزوم أن لم يحفظه العلم ويتولاه الله لا يمكنه التمييز بين الحق والباطل.
[3] الخوف من الكفار ومن سطوتهم.
[4] المنافع والمصالح الزائلة. يروى أنه كان في بلاد الشام إمام يقول في الخطبة الثانية من يوم الجمعة: "اللهم صلِّ على محمد وعيسى وأخيهما موسى"! فقال له رجل من الحاضرين: "وذي الكفل, أم ليست له سفارة عندها مصاري؟!".
التشابه بين دعوة التوحيد للأديان وبين الحركات العالمية المنحرفة:
الحركات العالمية والإنسانية التي تدعي أنها تريد أن تجمع البشر على أساس الجنس والوطن أو الإنسانية دون اعتبار للدين كثيرة جداً منها على سبيل المثال: الماسونية، العالمية أو الإنسانية، الصهيونية، الروحيون، الشيوعيون، الروتاري، الأسود (الليونز)، التسلح الخلفي، شهود يهوه، التنصير، التغريب، العلمانية، النظام العالمي الجديد، والدعوات القومية والوطنية عموماً.
"والدعوات المبنية على هذا التصور كلها دعوات هدّامة؛ لأنها تهز بعنف عوامل التجمع والتآلف التي تقوم عليها المجتمعات البشرية, ثم تعجز أن تقيم بدلاً منها عوامل أخرى للتجمع وأساليب أخرى للتعاون والتآلف ينتظم بها العمران, فهي تشكك الناس في ولائهم الديني والوطني, وتفقدهم ثقتهم في كل قوانينهم ومؤسساتهم, ثم تتركهم في الفوضى والقلقلة, وسط أنقاض ما هدمت من عقائد وما قطعت من وشائج" [28].
مخالفات الدعوة إلى توحيد الأديان أو التقريب بينها للإسلام:
الدعوة إلى توحيد الأديان أو الترتيب بينها أو محاورة أصحابها للعيش معهم في أمن وسلام وطمأنينة واحترام تصطدم مع الإسلام وتتعارض معه تعارضاً بيناً واضحاً.
ومن أبرز مخالفاتها للإسلام وأشدها خطراً على المنادين بها والداعين إليها, وعلى من وافقهم في ذلك, إنها تقوم على ناقضين من نواقض الإسلام [29] ومبطلاته, هذا بجانب مخالفات أخرى شديد خطرها على عقيدة المسلم.
والناقضان هما:
أن من لم يكفّر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر.
أن من تولى الكفار وتعاون معهم وظاهرهم على المسلمين كفر.
وسنتحدث بشيء من التفصيل عن هذين الناقضين, ونبين الصلة الوثيقة بين الدعوة إلى توحيد الأديان وجمعها في دين واحد وبينها, ثم نردف ذلك إن شاء الله بالمخالفات الأخرى.
المخالفة الأولى: من لم يكفّر المشركين أوشك في كفرهم أو صحّح مذهبهم فقد كفر:(17/143)
الإسلام هو الحق المحض فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ قال تعالى: (فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون) [سورة يونس: 32]. جاء في تفسيرها: "ظاهر هذه الآية يدل على أن ما بعد الله هو الضلال لأن أولها (فذلكم الله ربكم الحق)، وآخرها (فماذا بعد الحق إلاّ الضلال) فهذا في الإيمان والكفر" [31].
وقال القرطبي: "وقال علماؤنا: حكمت هذه الآية بأنه ليس بين الحق والباطل منزلة ثالثة في هذه المسألة التي هي توحيد الله تعالى".
وقال تعالى:(وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً) [سورة الإسراء: 81]. جاء في تفسيرها: الإسلام، وقيل القرآن، قاله مجاهد بن جبر، والصواب تعميم اللفظ بالغاية الممكنة فيكون التفسير: جاء الشرع بجميع ما انطوى فيه (وزهق الباطل) بطل الباطل" [32].
وقال تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل) [سورة الحج: 26].
وقال لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله بأنه هو حق وصدق فالإسلام هو الحق والله هو الحق وما سواه باطل يجب الكفر به وإنكاره.
والذي لا يكفّر اليهود والنصارى والمجوس وعباد الأوثان والملاحدة وغيرهم أو يشك في كفرهم أو يصحح مذاهبهم أو مذاهب بعضهم فقد شك في القرآن وشك في صدق الله ورسوله, وذلك أن لله تعالى حكم وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم بأن ما سوى الإسلام باطل محض.
فكفر اليهود والنصارى والمشركين عامة شهد به القرآن، ونطقت به السنة، وأجمعت عليه الأمة، مع كل ذلك نجد بعض الناس في هذا العصر الذي كثُرت فيه الرزايا, وعظُمت فيه البلايا, وعمّ فيه الجهل, وتفشت فيه البدعة يزعم أن اليهود والنصارى مؤمنون, ويدعو إلى قيام جبهة عريضة وحزب واسع يضم أتباع كل الأديان على أساس الملة الإبراهيمية يسمى الحزب الإبراهيمي!!
جاء في تفسير قوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون) [سورة آل عمران: 83]. "أن كعب بن الأشرف وأصحابه [33] اختصموا مع النصارى إلى النبي صلى الله عليه وسلم كلا الفريقين برئ من دينه، فقالوا: ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك، فنزلت (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض) يعنى يطلبون" [34].
قال الإمام ابن حزم رحمه الله وهو يتكلم عن النصارى وقد جمع بينهم وبين المجوس لتعدد الآلهة عند جميعهم بل المجوس لهم إلهان أحدهما يخلق الخير والثاني يخلق الشر أما النصارى فلهم ثلاثة "النصارى وإن كانوا أهل كتاب, ويقرون بنبوة بعض الأنبياء عليهم السلام فإن جماهيرهم وفرقهم لا يُقِرون بالتوحيد مجرداً, بل يقولون بالتثليث، والمجوس أيضاً وإن كانوا أهل كتاب [35] لا يقرون ببعض الأنبياء عليهم السلام ولكنّا أدخلناهم في هذا المكان لقولهم بفاعلين لم يزالا فالنصارى أحق منهم بالإدخال [36] هاهنا لأنهم يقولون بثلاثة [37] لم يزالوا" [38].
وقال ابن القيم وهو يتكلم عن المتناقضات في الإنجيل: "وأما الإنجيل فهي أربعة أناجيل أُخذت عن أربعة نفر اثنان منهم لم يريا المسيح أصلاً , واثنان رأياه واجتمعا به وهما متى ويوحنا, وكل منهم يزيد وينقص ويخالف إنجيله إنجيل أصحابه في أشياء, وفيها ذكر القول ونقيضه" [39].
شبه دعاة توحيد الأديان في هذا العصر!! :
وسنعرض في هذه الصفحات لأهم الشبه التي ذكروها أو تلك التي يمكن أن تعِنّ لهم فنقول وبالله التوفيق:
قوله تعالى: (لكم دينكم ولي دين) [سورة الكافرون: 6]:
ربما يفهم البعض من هذه الآية إقرار أهل الأديان المخالفة للإسلام على دينهم فهل هذا حقاً هو المراد من الآية؟ أم أن الآية نسخت بالآيات التي أمرت بقتال الكفار؟ أم إنها محكمة باقية الحكم لا نسخ فيها ولا تخصيص لأهل الكتاب؟
دعونا نستمع إلى العلامة ابن القيم رحمه الله يبّين لنا المراد من ذلك, قال رحمه الله في تفسير سورة الكافرون: "قوله (لكم دينكم) مطابق لهذا المعنى: أي لا أشارككم في دينكم ولا أوافقكم عليه بل هو دين تختصون أنتم به لا أشرككم فيه أبداً فطابق آخر السورة أولها فتأمله.(17/144)
ثم قال: وأما المسألة الحادية عشرة وهي أن هذه الأخبار بأن لهم دينهم وله دينه, هل هو إقرار فيكون منسوخاً أو مخصوصاً؟ أو لا نسخ في الآية ولا تخصيص؟ فهذه مسألة شريفة من أهم المسائل المذكورة وقد غلط في السورة خلائق وظنوا أنها منسوخة بآية السيف لاعتقادهم أن هذه الآية اقتضت التقرير لهم على دينهم، وظن آخرون أنها مخصوصة بمن يقرون على دينهم وهم أهل الكتاب، وكلا القولين غلط محض فلا نسخ في السورة ولا تخصيص، بل هي محكمة عمومها نص، وهي من السور التي يستحيل دخول النسخ في مضمونها فإن أحكام التوحيد الذي اتفقت عليه دعوة الرسل يستحيل دخول النسخ فيه وهذه السورة أخلصت التوحيد, ولهذا تسمى سورة الإخلاص كما تقدم، ومنشأ الغلط ظنّهم أن الآية اقتضت إقرارهم على دينهم ثم رأوا أن هذا الإقرار زال بالسيف, فقالوا: منسوخ وقالت طائفة: زال عن بعض الكفار، وهم من لا كتاب لهم فقالوا هذا مخصوص, ومعاذ الله أن تكون الآية اقتضت تقريراً لهم أو إقراراً على دينهم أبداً بل لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الأمر وأشده عليه وعلى أصحابه أشد على الإنكار عليهم تعييب دينهم وتقبيحه والنهي عنه والتهديد والوعيد كل وقت وفي كل ناد، وقد سألوه أن يكف عن ذكر آلهتهم وعيب دينهم ويتركوه وشأنه, فأبى إلاّ مضياً على الإنكار عليهم وعيب دينهم، فكيف يقال إن الآية اقتضت تقريره لهم؟ معاذ الله من هذا الزعم الباطل وإنما الآية اقتضت البراءة المحضة كما تقدم وأن ما هم عليه من الدين لا نوافقهم عليه أبداً؛ فإنه دين باطل فهو مختص بكم لا نشرككم فيه ولا أنتم تشركوننا في ديننا الحق، فهذه غاية البراءة والتنصل من موافقتهم في دينهم، فأين الإقرار حتى يدعى النسخ أو التخصيص؟ أترى إذا جوهدوا بالسيف كما جوهدوا بالحجة لا يصح أن يقال لكم دينكم ولي دين؟ بل هذه آية قائمة محكمة ثابتة بين المؤمنين والكافرين إلى أن يُطهِر الله منهم عباده وبلاده, وكذلك حكم هذه البراءة بين أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أهل سنته وبين أهل البدع المخالفين لما جاء به، الداعين إلى غير سنته إذا قال لهم خلفاء الرسول وورثته لكم دينكم ولنا ديننا لا يقتضي إقرارهم على بدعتهم بل يقولون لهم هذه براءة منهم وهم مع هذا منتصبون للرد عليهم ولجهادهم بحسب الإمكان" [40].
نريد أن نوحدهم على أصول الملة الإبراهيمية (!!):
هذا هو ما قاله د. الترابي إنه يريد أن يوحد جميع الأديان التي هي على أصول الملة الإبراهيمية.
وقبل الخوض في هذه المسالة لابدّ من التأكيد على أن إبراهيم علية السلام لم يكن يهودياً ولا نصرانياً كما أخبرنا الله عز وجل (ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً) [سورة آل عمران: 67].
ومن ثم فانّ اليهود والنصارى الحاليين ليسوا على ملّة إبراهيم بل هم ممن سفه نفسه لأنهم رغبوا عن ملّة إبراهيم (ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلاّ من سفه نفسه) [سورة البقرة: 130].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإذا كان كذلك فاليهود والنصارى ليسوا على ملّة إبراهيم, وإذا لم يكونوا على ملّة إبراهيم فإن من عبد إله إبراهيم كان على ملّته قال تعالى: (وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) [سورة البقرة:136/137]. فقوله: (قل بل ملّة إبراهيم) يبين أن ما عليه اليهود والنصارى ينافي ملّة إبراهيم.
قوله تعالى: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين, وما يفعلوا من خير فلن يُكفروه والله عليم بالمتقين) [سورة آل عمران: 113]:
من الآيات التي يستدلون بها على جواز التقارب مع اليهود والنصارى هذه الآية, حيث ينزلونها على أهل الكتاب الحاليين. والآية ليس لها علاقة بأهل الكتاب الحاليين, وإنما هي خاصة بأولئك الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم, كعبد الله بن سلام وغيره من الصحابة الذين كانوا يهوداً فأسلموا وحسن إسلامهم, و(ليسوا سواء) معناها ليس أهل الكتاب وأمه محمد صلى الله عليه وسلم سواء, ثمّ تمّ الكلام واستُؤنف بعد ذلك من أهل الكتاب وهم الذين اتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم وآمنوا به وصدقوه.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: "(ليسوا سواء) وتمّ الكلام والمعنى ليس أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم سواء.
وذكر أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: أخّر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء, ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: (إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله تعالى في هذه الساعة غيركم)،قال: وأنزلت هذه الآية(ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة) إلى قوله: (والله عليم بالمتقين)، وروى ابن وهب مثله.(17/145)
وقال ابن عباس: قول الله عز وجل: (من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) من آمن مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن إسحاق: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن شعبة وأسيد بن عبيد, ومن أسلم من يهود, فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ورسخوا فيه قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد ولا تبعه إلاّ شرارنا, فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) إلى قوله: (وأولئك من الصالحين) [41].
قوله تعالى: (لا إكراه في الدين) [سورة البقرة: 256]:
يقول د. الترابي في محاضرته التي ألقاها في مؤتمر التقارب الديني السابق: "ولقد جاءت الرسالة المحمدية بالمبادئ الخالدة ألاّ إكراه في الدين لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي". والعصرانيون يستدلون بهذه الآية لإبطال أمرين هامين هما:
[1] جهاد الطلب: وهو أن يجاهد المسلمون الكفار طالبين منهم الدخول في الإسلام.
[2] إقامة حدّ الردة: فهم لا يرون إقامته إلاّ إذا كان المرتد محارباً شاكاً للسلاح, أما الردة الفكرية البحتة, كما يقول الترابي, فلا حدّ فيها.
يقول راشد الغنوشي في حوار له مع مجلة الشراع اللبنانية في رده على سؤال: ماذا بالنسبة للردة؟ "إن الردة لا تقام عليها الحدود, والحساب عليها يكون في الآخرة... وأبو بكر الصديق رضي الله عنه حين حارب المرتدين فعل ذلك لانقلابهم السياسي على الإمام وليس لموقفهم العقائدي" [42].
قلت: هذا من المغالطات المردودة فأبو بكر هو القائل: "والله لأُقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة"... "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه".
فلنرجع إلى المراد من قوله تعالى: (لا إكراه في الدين) فقد وردت فيها أقوال ستة:
[1] إنها منسوخة بآية القتال.
[2] ليست منسوخة وإنما هي خاصة بأهل الكتاب إذا دفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون, أما أهل الأوثان فيكرهون على الدخول في الإسلام.
[3] إنها نزلت في الأنصار أي لا علاقة لها بأهل الكتاب.
[4] إنها نزلت في رجل من الأنصار بعينه.
[5] إنها نزلت في النهي عن أن تقول لمن أسلم تحت السيف مكرهاً.
[6] إنها نزلت في السبي من أهل الكتاب إذا كانوا كباراً.
وأقرب هذه الأقوال للصواب الثلاثة الأول وقد قال به ابن مسعود وكثير من المفسرين.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: "اختلف العلماء في معنى هذه الآية على ستة أقوال:
الأول: قيل إنها منسوخة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلا بالإسلام قاله سليمان بن موسى قال نسختها: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين) وروي هذا عن ابن مسعود وكثير من المفسرين.
الثاني: ليست منسوخة وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة وأنهم لا يكرهون على الإسلام إذا أدوا الجزية والذين يكرهون أهل الأوثان فلا يقبل منهم إلاّ الإسلام فهم الذين نزل فيهم: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين) هذا قول الشعبي وقتادة والحسن والضحاك, والحجة لهذا القول ما رواه زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية: أسلمي تسلمي أن الله بعث محمداً بالحق قالت: أنا عجوز كبيرة والموت أقرب إليّ ! فقال عمر: اللهم أشهد وتلا: ( لا إكراه في الدين).
الثالث: ما رواه أبو داود عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في الأنصار كانت تكون المرأة مقلاةً فتجعل على نفسها أن عاش لها ولد أن تهوّده, فلما أجليت بنو النضير كان فيهم كثير من أبناء الأنصار فقالوا لا ندع أبناءنا فأنزل الله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) قال أبو داود: المقلاة التي لا يعش لها ولد, وفي رواية: إنما فعلنا ما فعلنا ونحن نرى دينهم أفضل مما نحن عليه أما إذا جاء الله بالإسلام فنكرههم عليه؛ فنزلت: (لا إكراه في الدين) من شاء التحق بهم ومن شاء دخل في الإسلام وهذا قول سعيد بن جبير والشعبي ومجاهد، إلا أنه قال: كان سبب وجودهم في بني النضير الاسترضاع قال النحاس: قول ابن عباس في هذه الآيات أولى الأقوال لصحة السند وأن مثله لا يؤخذ بالرأي" [43].
وقال ابن عطية رحمه الله في تفسير هذه الآية: "الدين في هذه الآية المعتقد والملّة بقرينة قوله: (قد تبين الرشد من الغي) والإكراه الذي في الأحكام من الأيمان والبيع والهبات وغير ذلك ليس هذا موضعه وإنما يجئ في تفسير قوله تعالى: (إلاّ من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان) فإذا تقرر أن الإكراه المنفي هذا هو تفسير المعتقد من الملل والنحل, فاختلف الناس في معنى الآية, فقال الزهري: سألت زيد بن أسلم عن قوله تعالى: (لا إكراه في الدين) فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين لا يكره أحداً في الدين فأبى المشركون إلاّ أن يقاتلوهم فاستأذن الله في قتالهم فأذن له قال الطبري: والآية منسوخة في هذا القول.
قال: ويلزم على هذا أن الآية مكية وأنها من آيات الموادعة التي نسختها آية السيف.
وقال قتادة والضحاك بن مزاحم: هذه الآية محكمة خاصة في أهل الكتاب الذين يبذلون الجزية ويؤدونها عن يد صاغرة قالا: أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل العرب أهل الأوثان لا يقبل منهم إلاّ لا اله إلا الله أو السيف, ثم أُمر فيمن سواهم أن يقبل الجزية ونزلت فيهم (لا إكراه في الدين)" [44].(17/146)
قلت: غاية ما تفيده الآية أن أهل الكتاب إذا دفعوا الجزية عن يد وصغار تركوا على دينهم هذا إن لم يكونوا محاربين للإسلام والمسلمين أما إن كانوا محاربين للإسلام معاندين لأهله فلا يقبل منهم إلاّ القتال.
قوله تعالى: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون, وإذا سمعوا ما أنزل إلي الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين. وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين. فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين) [سورة المائدة: 82-85]:
يستدل د. الترابي وغيره من المنادين بوحدة الأديان وبقيام الحزب الإبراهيمي الذي يؤلف بين اليهود والنصارى والمسلمين بقوله تعالى: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون) ولا يصلون بينها وبين الآيات التي تليها زعماً منهم أن هذا الوصف ينطبق على نصارى اليوم بينما نجد أن هذه الآيات نزلت في النجاشي وأصحابه رضي الله عنهم حينما آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وصدقوه وآووا أصحابه وحافظوا عليهم عندما هاجروا إليهم.
قال الأمام القرطبي رحمه الله: "وهذه الآية نزلت في النجاشي وأصحابه لما قدم المسلمون عليهم في الهجرة الأولى حسب ما هو مشهور في سيرة ابن إسحاق وغيره خوفاً من المشركين وفتنتهم وكانوا ذوي عدد ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي المدينة بعد ذلك. فلم يقدروا على الوصول إليه, حالت بينهم وبين رسول صلى الله عليه وسلم الحرب فلما كانت وقعة بدر وقتل الله فيها صناديد الكفار, قال كفار قريش: إن ثأركم بأرض الحبشة, فأهدوا إلي النجاشي وابعثوا إليه برجلين من ذوي رأيكم لعله يعطيكم من عنده فتقتلونهم بمن قتل منكم ببدر, فبعث كفار قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبى ربيعة بهدايا, فسمع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري وكتب معه إلي النجاشي فقدم على النجاشي فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا جعفر بن أبى طالب والمهاجرين وأرسل إلي الرهبان والقسيسين فجمعهم ثم أمر جعفر أن يقرأ عليهم القرآن, فقرأ سورة مريم, فقاموا تفيض أعينهم من الدمع فهم الذين أنزل الله فيهم (ولتجدنّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى... )وقرأ إلي (الشاهدين) [رواه أبو داود]".
قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) [سورة البقرة: 62]:
هذه الآية الكريمة هي كذلك من الآيات التي يستدل بها دعاة وحدة الأديان والمنادون بقيام حلف مع الكفار اليهود والنصارى الحاليين, متوهمين أن الجميع سواء مؤمنون بالله واليوم الأخر ويعملون الصالحات.
قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: "(إن الذين آمنوا) صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قال سفيان: المراد المنافقون كأنه قال: الذين آمنوا في ظاهر أمرهم فلذلك قرنهم باليهود والنصارى والصابئين [45] ثم بين حكم من آمن بالله واليوم الآخر من الجميع.
فإن قال قائل: لم جمع الضمير في قوله: (لهم أجرهم) وآمن لفظ مفرد ليس بجمع وإنما كان يستقيم لو قال له أجره؟
فالجواب أن"مَن" يقع على الواحد والتثنية والجمع فجائز أن يرجع الضمير مفرداً ومثنى ومجموعاً قال الله تعالى: (ومنهم من يستمعون إليك) على المعنى ومنهم من يستمع إليك على اللفظ.
روى عن ابن عباس أن قوله: (إن الذين آمنوا والذين هادوا) الآية.., منسوخ بقوله تعالى: ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) وقال غيره: ليست بمنسوخة وهي فيمن ثبت على إيمانه من المؤمنين بالنبي صلى الله عليه وسلم" [46].
قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) [سورة الممتحنة: 8].
وهذه الآية الكريمة من الآيات التي يستدل دعاة وحدة الأديان بها وهي بريئة من دعوتهم تلك. إذ غاية ما تأمر به الآية الإحسان إلي الضعفة والنساء الذين يعيشون في الدولة الإسلامية ذات السيادة والقوة.
والمسلم مأمور بالعدل مع المسلمين وغير المسلمين, ومأمور كذلك بالإحسان والرفق بالجميع كل ذلك شريطة سلامة الداخل أي عدم الميل بالقلب إليهم.
وقد وردت أقوال في المراد بهذه الآية هي [47]: إنها منسوخة بقوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)، أو إنها كانت في أهل الصلح ولما فتحت مكة انتهى العمل بها، أو إنها خاصة بأصحاب العهود حتى ينتهي عهدهم، أو إنها خاصة بالعجزة والضعفة من النساء والصبيان، أو إنها خاصة بضعفة المسلمين الذين لم يتمكنوا من الهجرة من مكة، أو إنها محكمة, وهي خاصة بالضعفة والعجزة إلي يوم القيامة, وهذا هو الأقرب.
قال الإمام القرطبي: "هذه الآية رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم"، ثم قال: "وقال أكثر أهل التأويل هي محكمة واحتجوا بأن أسماء بنت أبى بكر سألت النبي صلى الله عليه وسلم هل تَصِل أمها حيت قدمت عليها مشركة؟ قال: (نعم) [أخرجه البخاري ومسلم], وقيل إن الآية فيها نزلت, روى عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه: أن أبا ?
============
عوامل الافتراق في العمل الإسلامي
د. عبد الوهاب بن لطف الديلمي*
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، أما بعد:(17/147)
فإن معرفة الثغرات التي ينفذ منها الشيطان، للتحريش وإفساد ذات البين، في صفوف العلماء والدعاة الذين يحملون جميعاً همّ الدعوة إلى الله سبحانه، ويسعون لتحقيق غاية واحدة، وهي التمكين لدين الله، مع وجود اختلاف في الأساليب والوسائل، أو تحديد الأولويات في الدعوة، دون أن يكون بينهم تباين في معتقد، أو تفريط في شيء من الثوابت، إن معرفة هذه الثغرات وتحديدها وحصرها ييسر لمن يريد السعي إلى رأب الصدع القائم بين الدعاة على مستوى الأفراد أو الجماعات، ويضع لها العلاج المناسب إذا ما صدقت النوايا، ووجدت الرغبة الصادقة في ردم الهوة، وإزالة الجفوة القائمة.
والمتتبع لأسباب الافتراق القائم يجد أنه من السهل معالجته؛ إذا خلت النفوس من الأهواء، وأدركت الخطر المحدق بالإسلام وأهله، وأن الكل مستهدف من قبل الأعداء، وأن الشقاق القائم بين الدعاة لا يثمر سوى توسيع دائرة الخلاف، واستنزاف القوى والجهود والأوقات في معارك جانبية، يقطف ثمارها العدوّ، ويشغل الجماعات، ويصرفها عن أهدافها الحقيقية، ويحدث فتنة بين أفراد الجماعات، كما يحمل عامة المسلمين على الشك في صدق الدعاة، وينفث في صدروهم الحيرة، فلا يدرون مع من الحق، وفي الجو مرتع خصب لغلبة الأهواء، وشيوع البدع.
والدعاة هم أولى الناس بمعرفة حرص الإسلام على جمع الكلمة، وتوحيد الصف، وإزالة كل أسباب الفرقة، وبحسن الظن بالمسلم، وصفاء النفوس، وسلامة الصدر، ومعرفة الطبيعة البشرية في الاختلاف لأسباب كثيرة، يُعذر معها المخالف، طالما والخلاف لا يخرج عن دائرة الاجتهاد فيما لا نص فيه، على أن هناك ضمانات للحافظ على الأخوة الإيمانية عند الاختلاف: مثل الاحتكام إلى نصوص الوحيين، ومعرفة مأخذ كل طرف، وأيهما أقرب إلى الصواب، و مثل فتح باب الحوار بين المختلفين، مع الالتزام بآداب الحوار، ونبذ العصبية والأنانية، والخضوع والاستسلام للحق، إذا جاء على لسان المخالف، وعند تمسك كل طرف برأيه لغلبة ظنه أنه الأرجح والأصوب، فيبقى كلُ على رأيه مع حسن الظن، والحرص التام على حفظ وصيانة الأخوة الإيمانية، وأن ينظر كل طرف إلى ما عند الآخر من الخير، ويتعاون الجميع على ما أمروا أن يتعاونوا عليه: (وتعاونوا على البر والتقوى..) [سورة المائدة: 2]، مع إحياء روح التناصح الذي لا يستغني عنه أحد، وفي هذه الحال تتوحد الجهود والطاقات وتتوجه نحو غاية واحدة، وهو الأليق بمثل هذه الجماعات، وحينئذ يغلقون على الشيطان منافذ الفتنة ويُسقط في أيدي العدوّ المتربص، ويتجه الدعاة بالأمة نحو الأهداف المطلوبة بخطوات متسارعة، ويصبحون قدوة صالحة لغيرهم.
وقد ساهمت ــ بحمد الله ــ مساهمة متواضعة، في محاولة بيان أسباب الاختلاف وآثاره السيئة، وذكر نماذج من تاريخ المسلمين في الماضي والحاضر؛ ليأخذ الدعاة من ذلك العظة و العبرة، وإدراك ما يحدثه الخلاف من ويلات، لا على مستوى الأفراد والجماعات، بل على مستوى المسلمين جميعاً، كما هي سنة الله سبحانه، وقد ذكرت مع ذلك بعض الحلول النظرية التي تحتاج من الجماعات والأفراد إلى مواقف عملية صادقة تدل على حرصهم في الخروج بالأمة من المعاناة التي حلت بها..
سائلاً الله تعالى أن يطهر النفوس من كل الأدواء، وأن يرزق الجميع الإخلاص لوجهه.
وفي الختام أشكر القائمين على إدارة جامعة الخرطوم على هذه البادرة الطيبة، والخطوة المباركة، في محاولة إيجاد العلاج للداء المستحكم بكثير من النفوس.
سائلاً الله تعالى أن يجزل لهم المثوبة، وأن يكلل أعمالهم بالنجاح وهو ولي التوفيق والقادر عليه..
والحمد لله رب العالمين
د. عبد الوهاب لطف الديلمي
عوامل الافتراق
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ... أما بعد:
فقد أثرت الكتابة عن عوامل افتراق في العمل الإسلامي، نظراً إلى أن الاهتداء إلى الثغرات ومعرفة جوانب الشر، والسعي إلى إصلاح الخلل، يؤدّي بالتالي إلى إدراك الخير، وتجنّب مواطن السوء. وقد كان من فطنة حذيفة رضي الله عنه حرصه على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة أن يدركه.
والعوامل التي يمكن الحديث عنها، منها ما هي عوامل مباشرة تؤدّي بنفسها إلى الافتراق، ومنها ما هي عوامل غير مباشرة، لكنها تورث هذه النتيجة؛ نظراً لكونها بعيدة عن هدي الشرع. وكل أمر قام على غير الهداية الربانية فهو فائم على هوى.. لا يورث إلا شراً أو فساداً.
وقبل الدخول في البحث أود أن أقول:
إن وحدة العمل الإسلامي، وتقارب وجهات النظر في السير بالمدعوّين، وردم هوة الخلاف والجفوة القائمة، سواء أكانت بين أفراد أو جماعات، من أهم أسباب وحدة المسلمين وصيانتهم من منزلقات العداوات والفرقة، واستحلال الأعراض ونهشها بغير حق، وكيل الاتهامات التي ينفث بها الشيطان في الصدور، ويسعى إلى الوقيعة من خلالها.
ذلك أن الدعاة هم القدوة لعامة الناس، فإن أحسنوا كانوا مصابيح هدى، وإن أساؤا كانوا عامل فتنة للناس. وما من داعية ولا جماعة تنشغل بالدعوة إلى الله تعالى إلا ويوجد في الساحة الإسلامية من يتعلق به، ويقتدي به، ويسمع لرأيه، ويثق به. فإذا كان الداعية لا يتقي الله سبحانه في إخوانه من الأفراد والجماعات، فإن مواقفه تنعكس على أتباعه ومحبيه، مما يشيع بين الناس سوء الظن والشقاق، والجرأة في أطلاق الألسن في الأعراض، والتشكيك في النوايا والأعمال، وبهذا تحدث فتنة عامة عارمة.(17/148)
على أنه مما لاشك فيه أنّ أحداً لا يسلم من الوقوع في الخطأ ــ إلا من عصم الله سبحانه من أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام ــ وما دعا الله سبحانه جميع عباده إلى التوبة في قوله: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) [سورة النور: 31]. إلا لعلمه بضعف الإنسان، وأنه لا يسلم من الزلة والهفوة وإن صغرت.
كما أن الخلاف طبيعة بشريّة، وعوامل الخلاف بين البشر كثيرة، ولا يكمن تجاهلها ولا طمس حقيقتها، ولذلك وجدت عند خير القرون، إذاً ليس عيباً أن يحدث الخلاف، ولكن العيب والقبح، أن يجر الخلاف إلى العدواة والفرقة والشتات، وأن يفضي التنازع إلى القطيعة واستباحة الأعراض، وسوء الظن، وأن يُعجب كل ذي رأي برأيه.
كما أن من المقت أن لا يرجع المختلفون ــ عند التنازع ــ إلى العاصم من الفرقة والعداوة، وهو ما أرشد الله عز وجل إليه بقوله: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) [سورة النساء: 59]، (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) [سورة النساء: 65]، وإذا كانت القضايا المتنازع فيها مما لا نص فيه، فالأمر فيه سعة، وليس لأحد أن يحمل الآخر قسراً على اتباع فهمه واستنباطه، وإلا شنّع عليه، وسفه رأيهُ، وأطلق فيه لسانه، فهذا ليس من أخلاق الدعاة إلى الله تعالى، والواجب إحياء معاني الأخوة الإيمانية في النفوس، وإشاعة عواملها، والحرص عليها ،ودوام تذكّر ما أشار إليه الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: ((إن الشيطان قيد يئس أن يعبده المصلون في الجزيرة العربية، ولكن في التحريش بينهم))([1]).
والتحريش: الإغراء، وإيقاع الفتن بين الناس، وحمل بعضهم على بعض بإيقاع الفساد بينهم. انتهى من كلام ابن الأثير الجزري.
وينبغي الوقوف عند كلمة (المصلّون) فإن الحديث يعني: أن صلاة المصلين لم تحمل الشيطان على اليأس من الإيقاع بينهم، وحملهم على أن يبغي بعضهم على بعض، وهذا فيه إرشاد واضح لمن هو من أهل الصلاة، أن يحرس نفسه من نزعات الشيطان، وأن يحمي قلبه من مصايد الشيطان وأن يتذكر دائماً قول الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) [سورة الحجرات: 10].
ومن أبرز معالم المؤمنين، أنهم يحافظون على الصلوات، وحريٌّ بهم أن يستفيدوا منها في كونها: (تنهى عن الفحشاء والمنكر) [سورة العنكبوت: 45]، ومن أعظم الفحشاء والمنكر الاستطالة في عرض الرجل المسلم، وعند التنبّه إلى مقاصد الشيطان يستيقظ الإيمان في نفس العبد، ويسد منافذ الشيطان إلى نفسه: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) [سورة الأعراف: 201].
أما عوامل الفُرقة ذات التأثير المباشر، فنذكر منها ما يفتح الله به، فنقول و بالله التوفيق. منها:
(1) الإعجاب بالرأي:
فإنه يحمل على الغرور، واحتقار رأي المخالف، وقد يحمل على رفض الحق إذا جاء على لسان المخالف، وقد ينتقل بصاحبه إلى التشنيع على من لا يوافقه، ولذلك جاء التحذير منه في السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام: عن أبي ثعلبة الخشني يرفعه: ((ائتمروا بالمعروف وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتم شُحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنياً موثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك والعوام))([2]).
والمعجب بنفسه وبرأيه لا يرى إلا نفسه، ولا يتهمها بعيب ولا بنقص، بل قد يصرّ على رأيه ولو تبين له وجه الخطأ فيما يذهب إليه، وقد يوالي ويعادي على أساس موافقته ومخالفته، وينسى ما يوصي به الإسلام من لين الجانب ووجوب حسن التعامل وخفض الجناح مع كل مؤمن، وأن الله تعالى قد أرشد إلى ذلك بقوله: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) [سورة المائدة: 54]، (أشداء على الكفار رحماء بينهم) [سورة الفتح: 29].
(2) الحسد والبغي والغيرة:
فقد يرى بعض المنتسبين إلى العلم ما عند غيره من أهل العلم، أو المشتغلين بالدعوة إلى الله عز وجل من حظ إقبال الناس عليه، وحضور مجالسه، والتعلق به، والتلقي عنه، والتأثر به، وفي المقابل يرى عزوف الناس عنه، وقلة حظه ومكانته عندهم فيحمله ذلك على الحسد والغيرة بل على البغي، فلا يتورّع في اللمز والطعن ولو من طرف خفي ويسعى في التشكيك فيه، وفي جهوده ودعوته وعلمه، وقد يحمله ذلك على القطيعة وكل هذا من البغي.
(3) التعصب لرأي أو عالم أو جماعة أو مذهب أو غير ذلك:
فقد يصل التعصب بالمرء إلى حد العَمَى عن إدراك الحق، وكم أحدث التعصب من فتن ووقيعة بين الذين ابتُلُوا به، حتى غلب عليهم التعامل بالظلم، وفقدان العدل والإنصاف أو ــ على الأقل ــ حسن الظن.
والمتعصب ينسى أن كل إنسان يؤخذ من قوله ويُرد، إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وأن أحداً من أئمة الهدى لم يدَّعِ لنفسه العصمة من الزلل، وأقوالهم في ذلك مشهورة، ولم يلزموا أحداً بما أوصله إليه اجتهادهم، إذا خالف الحق، وإذا كان الشخص قد تعلق بفرد أو جماعة أو مذهب، فإن من لازم الصدق والمحبة، أن يقف عند حدود العدل والحق، وأن يقول للصواب: هذا صواب، وللخطأ: هذه خطأ، وأن لا يقر باطلاً، ولا ينتصر له، ولا يدعو إليه، فقد عمل الإسلام على تغيير المفاهيم الخاطئة، التي سادت في الجاهلية ،ومنها علي سبيل المثال النصرة على سبيل العصبية، لا على سبيل الحق ،حيث غيّر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: ((تحجزه، أن تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره))([3]).(17/149)
والمخالفة في قول أو فعل لا تعني الانتقاص، ولا الاحتقار، لمن خالفته إذا كان الصواب لم يحالفه وإذ الحق أحق أن يتبع، وقد كان بعض علماء السلف إذا خالف شيخه في شيء يقول: ومع حبّي لشيخي فإني لا أوافقه في هذا الأمر، فإن الحق أحب إلي أو نحوها.
(4) شهوة الزعامة وحب الصدارة والجاه والمنصب:
بحيث يصل صاحب هذا المرض إلى حد أنه يسعى إلى أن يكون متبوعاً لا تابعاً، وآمراً لا مأموراً، وأن يشار إليه بالبنان أينما حل وأينما ارتحل، وقد يكون هذا المرض عند كثير ممن ابتلوا به خفياً يحرص أن يستره بشعار أو دثار من التدين المفتعل، وإظهار الحرص على الإسلام، ويفضي على نفسه هالة بأساليب معينة تفرض على الآخرين الالتفاف حوله، والقداسة له، حتى يشعروه بأنه لو لا هو للإسلام لضاع، ويغيب عن نفسه واجبه نحو نفسه من مجاهدتها، واتهامها، والتفتيش عن عيوبها، والعمل على تنقيتها مما علق بها مما قد يُرْديْها، بل تراه يعمل جاهداً على أن يبرر كل أعماله وفتاواه، ومواقفه، ويبحث في كل شاردة عن مستند يؤيّد كل تصرفاته، حتى كأنه ذلك الرجل الذي لا تزل قدمه، ولا يخطئ لسانه، حتى يصبح الشرع أحياناً تابعاً لهواه.
وهذا الداء من أعظم عوامل التمزيق لصف العاملين للإسلام، عندما يصبح الانصياع للحق مفقوداً، وتصبح شهوة العظمة هي الطاغية على المبتلى بها، ولا يرى إلا نفسه، ولا يدعوا إلا إلى نفسه.
(5) تغليب جانب التشاؤم من الآخرين:
وحمل أعمالهم وتصرفاتهم على محامل سيئة، حتى يصير الأصل عنده هو سوء الظن في الأفراد والجماعات، فكل الأفراد والجماعات في نظرِهِ فاقد الرشد، بعيدة عن الصواب، ساذجة في تفكيرها وتصرفاتها.
وكان الأفضل بالمختلفين في اجتهاد أو فهم، أو وسيلة، أو هدف أن يلتقوا، وأن يكون حسن الظن هو الغالب عليهم، وأن يتحاوروا في جوانب الافتراق، مع تجردهم للحق ونزاهة تامة من الهوى، ورغبة صادقة في الحرص على الوصول إلى الحق، وأن يتهم كل واحد من المفترقين رأيه، ويحتمل الحق عند غيره، وأن يتواضع لقبول الحق إذا جاء على لسان غيره، وأن يعرف أن الإسلام لا يصان حماه، ولا تحمى بيضته إلا بالتعاون على البر والتقوى، وأن عند كل إنسان وجماعة من الإمكانات والقدرات ما ليس عند الآخرين، وأن الإسلام هو الإطار الجامع للجميع، كما ينبغي أن يعي كل فرد، وكل جماعة أن عند غيره مثل ما عنده ــ أو أكثر ــ من الغيرة على دين الل، والحرص على الدفاع عن حياضه والذود عنه. وإذا كان هناك وجهات نظر أدت إلى شيء من الاختلاف؛ فلا ينبغي أن يكون ذلك حاملاً على القطيعة وكيل الاتهامات بدون حق، والله عز وجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) [سورة المائدة: 8].
والأصل ــ عند وجود جهود تبذل في خدمة الإسلام ــ أن يبتعد الدعاة عن أسلوب النقد والتجريح، وأن يقدّر كلٌ منهم جهد الآخر، سعيه في خدمة الإسلام، وأن يكمل بعضهم بعضاً، لا أن يضادّه، ويسفهه، ويشتغل بتجريحه ونشر معايبه ويسئ الظن به.
(6) إقامة مبدأ الولاء والبراء على أساس الاختلاف في القضايا الجزئية:
وهذا مبدأ قائم على الهوى، وهو مبدأ مجانب للحق، يجر بأفراد الجماعة التي تبنت هذا المبدأ إلى أن يغرس في نفوسهم الغلّ، والشحناء، والبغضاء لإخوانهم المسلمين، الذين يخالفونهم في جزئية معينة، مما يؤدي إلى فساد ذات البين، ويورث القطيعة والهجر، وعدم المناصحة، وقد يؤدي إلى إطلاق الألسن في الأعراض، واستحلال الغيبة، وهذه فتنة كبيرة، لا يمكن تداركها، إذا شاعت، ولا القضاء عليها إذا تأصلت، إلا أن يشاء الله تعالى.
(7) الخلط بين الثوابت وبين القضايا الفرعية:
الخلط بين الثوابت التي لا يجوز لأحد تجاوزها أو التهاون فيها، والتفريط في الحفاظ عليها، والإلتزام بها، وبين القضايا الفرعية التي يسع الناس الخلاف فيها، وأن لا تكون سبباً للمفاصلة، وهذه من القضايا التي تدخل في باب الاجتهاد، والاجتهاد إذا ما حدث من أهله في أي قضية من القضايا المستجدة التي لا نص فيها؛ فإن المجتهد لا يفوته حظ الأجر عند الاجتهاد، سواء أصاب، فله أجران أو أخطأ فله أجر، كما صح ذلك عن الرسول عليه الصلاة والسلام.
والذي يصيب الأجر الواحد عند خطئه، لا يُجَرّم على خطئه، ولا يقاطع ويفاصل في شأن قضية أو قضايا فرعية اجتهادية، وعندما يحدث الخلط بين هاتين القضيتين، تحدث الخصومة التي لا يوجد لها مبرر شرعي، والرسول عليه الصلاة والسلام أجاز يوم بني قريظة الذين بادروا بصلاة العصر عند دخول وقتها، وقبل وصولهم إلى بني قريظة، كما أجاز الذين لم يُصلّوا إلا بعد وصولهم، بل الله سبحانه أجاز يوم بني النضير، الذين قطعوا النخل والذين لم يقطعوه، إذ كل منهما رأى في فعله المصلحة: (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) [سورة الحشر: 5].
وإذا لم تتسع الصدور لمثل هذا الخلاف، بل ضاقت به، فإنها تحمل أصحابها على اتهام الآخرين بالسعي لهدم الإسلام، وتشويه حقائقه ،والتحلل من واجباته، وانتهاك حرماته، إلى غير ذلك من العبارات التي تتجاوز حد الأدب الواجب في التعامل مع العاملين في الحقل الإسلامي ،وفي أمور لا تستوجب كل ذلك. وهذه المعركة بطبيعتها تستنزف الجهود، وتبدد الطاقات، وتشغل الأفراد والحركات بمعارك جانبية، تبعدها عن معركة الساعة، وتحمل العاملين للإسلام على الانشغال بالقضايا المصيرية، وهذا كله ضرب من البغي الذي ذمه الله سبحانه في كتابه العزيز.
(8) الانشغال بتتبع عثرات وسقطات الآخرين:(17/150)
وغضّ الطرف عن المحاسن مهما كثرت، وجعل الاهتمام منُصبّاً على الأخطاء التي لا يسلم منها بشر، وعندما يمتلئ القلب غيظاً وحقداً على فرد أو جماعة، لا يبقى أمام الإنسان سوى التفتيش عن عيوب الآخرين، والتنقيب عنها، وبل قد يحمل الأقوال والأفعال الحسنة على محامل سيئة، ويحكم على النوايا بالسوء، والأصل فيمن حسن قصده ،ونبل هدفه، وصحت غايته أن يغتفر له ما قد يقع منه من زلات، وأن ينظر إلى كثرة محاسنه، التي يغتفر في جانبها بعض هفواته وعثراته، فقد عفى النبي صلى الله عليه وسلم عن حاطب زلته لسابقته وجهاده، وكونه من أهل بدر، بل قال عليه الصلاة والسلام فيه وفي أمثاله من أهل بدر ــ لعمر ــ: ((وما يدريك لعل الله اطلع عليهم، فقال: اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكم الجنة))([4]).
(9) وجماَعُ ذلك كله في الهوى:
فإنه مصدر كل بلية، ومنبع كل فتنة وانحراف، وأصل كل عدول عن الحق والعدل، فإنه ما استحكم في نفس أي شخص إلا أرداه، وربما زين له الحق باطلاً ،والباطل حقاً، والله سبحانه لم يجعل بين الحق والهوى واسطة، بل حصر الاتباع بين اتباع الحق، أو اتباع الهوى، فقال سبحانه: (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله..) [سورة القصص: 50]. وقد ورد في القرآن الكريم آيات متعددة في ذم الهوى، وبيان موارده الوخيمة:
- قال تعالى: (فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا..) [سورة النساء: 135].
- (قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين) [سورة الأنعام: 56].
- (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) [سورة ص: 26].
- (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن) [سورة المؤمنون: 77].
وأما أسباب الافتراق غير المباشرة التي تؤول بأصحابها إلى الافتراق فمن أهمها :
(أ) الوقوع في المعاصي، وتجاوز حدود الشرع في الأمر والنهي، مع السكوت وعدم إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد ورد التحذير من العواقب الوخيمة التي يجر إليها الانغماس في المعاصي، وأنها تورث العداوة والبغضاء، وذلك أن أهم عوامل الأخوة الإيمانية هو الاستقامة على دين الله سبحانه، والذي على أساسه يقوم الولاء والبراء الذي يعني: المحبة، والنصرة، و المعونة، فإذا انحرف الناس عن منهج الله اختل دافع الأخوة، ومما ورد من النصوص الدالة على ذلك قوله تعالى: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) [سورة المائدة: 14]. فقد أخبر الحق سبحانه في هذه الآية، أن نسيان النصارى حظاً مما ذكروا به أورثهم العداوة والبغضاء فيما بينهم، ولم يذكر الله سبحانه ذلك لنا إلا ليحذرنا من الوقوع فيما وقع فيه من قبلنا.
وقال تعالى: (إلا تنفروا يعذبكم الله عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم) [سورة التوبة: 39]، والوعيد بالعذاب في هذه الأمة يشمل العذاب في الدنيا والآخرة، وقد يكون من العذاب العاجل، أن يجعل الله بأس الأمة بينها إذا هي أضاعت فريضة الجهاد، لأنها إذا أمسكت عن بذل طاقاتها وإمكاناتها في سبيل الله سبحانه، عادت عليها بالوبال، وبددتها في الحروب الداخلية التي قد تنشب فيما بينها عقوبة لها.
وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على الخلل اليسير الذي قد يحدث أثناء الصلاة، في عدم رصّ الصفوف وتسويتها على ما هو فوقه من الذنوب، وأخبر أن هذه الذنوب من شأنها أن تؤدي إلى اختلاف الوجوه والقلوب، والتي تعني العداوة والبغضاء، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ــ وفي رواية "وجوهكم"))([5]).
فإذا شاعت المعاصي، وأضاع الناس معها إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كانت العاقبة الحتمية هي هذه، أعني انحراف القلوب عن بعضها، وفقدان المحبة الإيمانية، وإذا كان هذا أمراً مشيناً في حق أي مسلم، فهو في حق الدعاة أعظم قبحاً، وأكثر زراية بهم.
(ب) الجدل بالباطل، بحيث يكون غاية المحاور، هو مجرد السعي إلى التغلب على الآخرين طلباً للعلو والفخر، والتعالي عليهم، والظهور بمظهر العالم المتبحر، وليس الغرض إظهار الحق، وتحرير مكان الخلاف، وجمع الأدلة وتمحيصها ومعرفة ما قد يكون منها متعارضاً أو ضعيفاً أو منسوخاً، إلى غير ذلك من طرق الاستدلال، بحيث ينتهي الأمر بالمتحاورين إلى رأي موحد في القضية، وقد يتمسك كل طرف برأيه عند الاختلاف في مأخذ الاستدلال أو الاختلاف في الفهم، ومع بقاء حسن الظن، وسلامة الصدور، والإعذار، والحرص على أن لا يُخدش حمى المحبة بسوء يكدره. ولكن عند غلبة الهوى وحب الظهور وتأثير نزع الشيطان يتحول الأمر معه إلى عداوة وافتراق وتبادل الاتهامات بما يوغر الصدور، ويفتح أبواب شر يصعب إغلاقها ،وينهار بسببها بنيان المحبة والمودة. وقد وردت نصوص في الكتاب والسنة تحذر من الجدال الباطل، ومن ذلك قوله تعالى: (ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق) [سورة الكهف: 56].
(الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا) [سورة غافر: 35]
(وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم إذا لمشركون) [سورة الإنعام: 121].
(إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلى كبر ما هم ببالغيه) [سورة غافر: 56].(17/151)
ولما للجدل والمراء من آثار سيئة على النفوس، فإن النبي عليه الصلاة والسلام، رغب في تركه، ففي الحديث: ((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً))([6])، وروى الدارمي في مقدمة سننه آثاراً في التحذير من الجدال والمراء منها:
(1) عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: ".. وكفى بك إثماً أن لا تزال مماريا..".
(2) عن ميمون بن مهران رضي الله عنه أنه قال: "إياك والخصومة والجدال في الدين ..".
(3) عن مسلم بن يسار قال: "إياكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته".
وأما الآثار المترتبة على الافتراق فمن أهمها :
(1) تصدّع صف المسلمين، وضياع قوتهم، الذي يؤول بهم إلى الفشل، الذي حذر منه القرآن الكريم، في قوله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) [سورة الأنفال: 46].
(2) تسلط الأعداء على المسلمين: فالأعداء لا يتمكنون من استباحة دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم والاستيلاء على ديارهم، إلا إذا وهنوا عن مقاومته، وضعفوا عن مواجهته ،ومن أعظم عوامل الضعف: الفرقة والشتات الناتج عن الاختلاف.
(3) الهلاك الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه و سلم، وأخبر أنه سبب هلاك الأمم قبلنا، فعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: ((أنه سمع رجلاً يقرأ آية سمع النبي صلى الله عليه وسلم قرأ خلافها، فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كلاكما محسن، فاقرآ، فإنّ من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم))([7]).
وعند أحمد من حديث طويل عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما أهلك من كان قبلكم الفرقة..))([8])، وهناك أحاديث أخرى تحض على لزوم الجماعة وتحذر من الفرقة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: ((عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعَدُ، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة))([9]).
ومنها حديث النعمان بن بشير ــ من حديث طويل ــ: ((والجماعة رحمة والفرقة عذاب..))([10]). ومنها حديث ابن مسعود رضي الله عنه: ((ثلاث لا يُغلُّ عليهن قلب مسلم، إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم))([11]).
(4) كون الأمة تصبح بسبب الاختلاف فرقاً فتتبدد قوتها في الفرق المتناحرة، وتفقد بسبب ذلك واجب التناصر فيما بينها، بحيث لو اعتدى العدوّ على فرقة لوقفت الأخرى موقف المتفرج، بل قد تتشفى بما ينزل بغيرها، وهذا من أعظم الكوارث التي تحل بالأمة.
(5) تبديد الطاقات والجهود، فيما يعود بالضرر على المسلمين، ولا يجلب لهم أي نفع في وقت هم أحوج ما يكونون إلى توفير هذه الأوقات والجهود لمواجهة المؤامرات التي تحاك ضدهم، وهم على علم أن هناك من يستهدفهم جميعاً، ويعتبرهم خطراً عليه وعلى مصالحه.
(6) فقدان ثقة العامة بالدعاة، لأن الفرقة والشتات تحمل كل فئة وكل طائفة من المختلفين على التشكيك في الآخر، والتنفير منه، واتهامه بأسوأ الاتهامات، مما يجعل العامة في حيرة، بل وينفرهم من الأخذ بآرائهم ونصائهم وتوجيهاتهم، والعودة إليهم عند النوازل.
(7) تغليب الهوى عند التنازع على تحكيم الدليل، فإن القلوب إذا ملئت غيظا ًوعداوة لأي سبب من الأسباب، فإن ذلك يودي بصاحبها إلى تجاوز الحد في الخصومة، ولا يحتكم حينئذ إلى عقل أو دليل، بل يتحكم الهوى فيه فيورد صاحبه موارد الهلاك، وتستباح الأعراض وتنشأ القطيعة والهجر، والتدابر الذي حرّمه الإسلام على المسلمين، والتي سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحالقة).
(8) تغّلب أصحاب الأهواء: فعند وجود الخلاف بين أصحاب الحق من أهل السنة والجماعة وتمزقهم، قد يحمل أصحاب البدع والأهواء على التضافر والتعاون للسعي في توسيع هوة الخلاف، والتشكيك في نوايا وأهداف ومنهج وسلوك هؤلاء المتناحرين، واهتبال الفرصة في نشر أهوائهم وبدعهم، وبالتالي يجدون لهم موضع قدم في التأثير على العامة، وإقصاء أصحاب الحق عن مواقعهم في مجال الدعوة إلى الله سبحانه، وقيادة الأمة والأخذ بأيديها إلى مواطن الصواب والرشاد والهدى.
(9) إتاحة الفرصة للأعداء ــ الذين يتربصون بالدعاة الدوائر ــ بتشويه سمعتهم، والعمل على توسيع دائرة الخلاف، وإشعال نار الفتنة بين المختلفين، حتى يصعب بعد ذلك الوئام والوفاق وحسن التفاهم، وردم الهوة، وتسود العداوة والبغضاء بين الأخوة بسبب أوهام، أو قضايا جزئية لا تستحق كل ذلك، وهناك يدرك الجميع الندامة عند مآل الأمور إلى هذه الحال، والتي لا يحمد عقباها.
(10) وأخيراً الوزر الذي يتحمله كل من كان سبباً في وقوع الفتن، والشقاق والقطيعة، وفساد ذات البين في صف أهل السنة والجماعة، و كذا حدوث ما سبق ذكره من الآثار السلبية التي تجر على المسلمين بلاءً وشؤماً.
نماذج تاريخية ومعاصرة لمآسي الافتراق
وأما الأمثلة على ما حل بالمسلمين من الكوارث والمآسي بسبب الاختلاف سواء في أعصُرِ خلت، أو في تاريخنا المعاصر فأكثر من أن تحصى، والذي يعود إلى صفحات التاريخ تتمزق أحشاؤه، ويمتلئ قلبه أسىً وحزناً، على ما حلّ بالمسلمين من الفتن، والحروب الداخلية التي أوهنت قوى المسلمين ومزقت صفوفهم، وجعلتهم شيعاً وأحزاباً.(17/152)
ومن أبرز هذه الآثار: وقعة الجمل ، والحرب في صفين، ومقتل الحسين، ووقعة الحرة والاضطراب الذي أصاب البلاد الإسلامية بعد موت يزيد بن معاوية، ومقتل عبد الله بن الزبير، وكانت هذه الفتن وغيرها في ذلك الحين والإسلام غضاً طرياً، ولكنه الخلاف الذي يهلك الحرث والنسل، والتاريخ مليء بالمآسي التي حدثت في شرق البلاد وغربها، وقد استغل الأعداء فترات الضعف والتمزق والحروب التي مُني بها المسلمون فنفذوا من خلالها.
وأما مآسي الافتراق وآثاره السيئة على المسلمين، في التاريخ المعاصر القريب، فمن أبرز ذلك: الآثار السيئة التي تركها الخلاف بين قادة الجهاد الأفغاني، وما تزال المعاناة قائمة يجني ويلاتها الشعب الأفغاني. وكذا الخلاف الذي ظل فترة طويلة لدى الفصائل الفلسطينية؛ وما يزال حال أبناء فلسطين الذين لم تجمعهم كلهم راية واحدة، يقاسون من ويلات هذا التمزق، ويوجد في صفوفهم المندسون الذين لا يألونهم خبالاً. وكذا الحروب التي نشبت بين الفصائل المتناحرة من أبناء الصومال لفترة طويلة، سفكت فيها الدماء، وفُقد فيها الأمن وانتشرت المجاعة، وخربت البلاد، وشرد الكثير منهم إلى دول كثيرة، إلى غير ذلك من الويلات التي لحقت بهم. وما مآسي الجزائر بخافية على أحد.
وهذه سنة ماضية في كل أمة نَخَر في جسمها داء الخلاف، وأنها تؤول إلى الذوبان والتآكل والضعف، إلا أن يتداركها الله سبحانه برحمته فتعود إلى صوابها وتحتكم إلى شرع ربها سبحانه .
وبعد الحديث عن بعض الأدواء الموجبة للفرقة والآثار السلبية المترتبة عليها، أود أن أشير إلى حرص الإسلام على سلامة الصدور، والحفاظ على أخوة الإيمان، واجتماع الكلمة، ووحدة الصف، والتحذير مما يضادها. وفيما يلي عرض بعض نصوص الوحيين الدالة على ذلك، فمما جاء في الكتاب العزيز قوله تعالى:
(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصحبتم بنعمته إخواناً) [سورة آل عمران: 103].
(إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) [سورة الحجرات: 10].
(هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنون وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) [سورة الأنفال: 62ــ63].
وهذه الآية فيها إشارة إلى أن المؤمنون الذين نصر بهم رسوله وأعز بهم دينه، ما كان لهم ليفعلوا ذلك وهم على حالهم التي كانوا عليها في الجاهلية من التناحر، والتباغض و العداوات المتناهية، فإن الفرقة والشتات والتنازع ذريعة الفشل والخذلان وذهاب القوة.
وقال تعالى:
(وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) [سورة المؤمنون: 52].
(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) [سورة الأنبياء: 92].
(إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص) [سورة الصف: 4].
ومما ورد في السنة:
قول النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع ــ ذلك من آخر ما أوصى به أمته ــ: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم آلا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))([12]).
ومما ورد في السنة أيضاً، قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا))([13]).
وقوله: ((على كل مسلم صدقة، قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل فينفع نفسه ويتصدق، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة))([14]).
وقوله: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، و لا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخواناً؛ المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، والتقوى ههنا ــ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ــ بحسب أمرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه))([15]).
وقوله: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا))([16]).
وقوله: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))([17]).
وقوله" ((ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً عند موطن تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر امراءاً مسلماً في موطن ينتقص فيه عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته))([18]).
وقوله: ((يامعشر من أسلم بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيّروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله))، ونظر ابن عمر يوماً إلى بيت ــ أو إلى الكعبة ــ فقال: ((ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك))([19]).
وقوله" ((..وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم))([20]).
وقوله: ((دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين))([21]).
وقوله: ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة))، قالوا بلى يا رسول الله، قال: ((إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة))([22]).(17/153)
ومن ذا الذي لا تسعه نصوص الكتاب والسنة؟ و لا يقف عند حدودها؟ ولا يهتدي بهديها؟ وأيّ جماعة أو دعوة قامت على غير هذا البنيان وهي تدّعي لنفسها السير في الطريق إلى الله تعالى في حين أنها لا تقول في شأن هذه النصوص وأمثالها: سمعنا وأطعنا؟ ومتى تترفع النفوس عن دنايا الأمور وسفاسفها؟ ومتى تدرك بعين البصيرة إلى واقع المسلمين اليوم؟ وتحمل همّ الخروج بها من المآزق والمحن التي تمر بها، بدلاً من تعميق الجراح ،وتوسيع الهوّة بين العاملين لدين الله سبحانه، والتي تصرف الجهود إلى ساحات بعيدة عن ساحة المعركة؟
إن المتأمل في التشريعات الربانية على اختلاف أنواعها، وسواء في مجال الإيمان أو العبادات أو المعاملات، يجد أن من أهم مقاصد الشريعة فيها هو تقوية روح الأخوة الإيمانية والحفاظ عليها، والتحذير من كل ما يؤثر فيها سلباً.
فالأمة الإسلامية تحمل عقيدة واحدة، وتمارس عبادات يستوي فيها جميع الأفراد، ومنها ما تمارس جماعة للرمز إلى وحدة الأمة، ولتذكير الأمة دائماً بما ينبغي أن تكون عليه من ألفة القلوب، ووحدة الصف، واجتماع الكلمة.
كما أبطلت الشريعة كل معاملة تؤدي إلى البغضاء والشحناء، بل حرّمتها وحذرت منها، مثل الغش، والجهالة، والغرر، والنجش، وبيع الرجل على بيع أخيه، وتلقي الركبان، إلى غير ذلك مما قد يؤدي إلى النزاع والخلاف المفضي إلى العداوة وهدم بنيان الأخوة الإيمانية.
وهذه المعاني التي راعاها الإسلام في مقاصده، لم تعد على ذكر دائم عند كثير من المسلمين، وهم يمارسون العبادات والمعاملات في حياتهم اليومية، مما جعل سلوكهم في معاملاتهم وعلاقاتهم لا تنعكس عليه آثار هذه العبادات والمعاملات.
ولم يكتف الإسلام بهذا، بل أقام روابط المحبة، والاحترام المتبادل، بين أفراد المجتمع المسلم بصور كثيرة، ورتب على إهمالها العقوبة، كما رتب على القيام بها أجراً عظيماً، وذلك من خلال الحقوق والواجبات التي فرضها بين الأب وابنه، وبين الزوج والزوجة، وبين ذوي الأرحام، وبين الجار وجاره، وبين الحاكم والمحكوم، وبين المترافقين في سفر وغيره، وبين الغني والفقير، وبين المسلم وأخيه المسلم عموماً، كل ذلك من أجل أن تظل روابط الأخوة الإيمانية، مع روابط القرابة في غاية المتانة، بحيث لا يتطرق إليها خلل، ولا بشوبها كدر .
والعاملون في مجال التعليم والدعوة إلى الله سبحانه، هم أكثر الناس حاجة إلى إدراك هذه المعاني وتطبيقها في واقع حياتهم، حتى تتلاشى كل أسباب الفرقة والنزاع، وتتمثل فيهم القدوة الحسنة لسائر المسلمين.
ويمكن الإشارة هنا إلى بعض المقترحات التي يمكن الالتقاء عليها لردم الفجوة القائمة بين العاملين، غير أن هذه المقترحات وغيرها مما قد يتقدم به بعض المصلحين لا يمكن لها أن تكون ذات تأثير لمعالجة المشكلات القائمة إلا إذا صدقت النوايا، وصلحت المقاصد، وتجردت النفوس من الحظوظ الشخصية، وقدمت المصلحة العامة على المصالح الخاصة والنزعات الفردية.
ومن هذه المقترحات ما يأتي:
(1) تطهير الأفراد والجماعات من التلوّث بروح الحزبية الضيقة، وتعميق مفهوم عالمية الدعوة الإسلامية، وأن الإسلام يسع كل من دخله من بابه الواسع، وأن الذين يحصرون أنفسهم في إطارات ضيقة، هم أصحاب المصالح الدنيوية، الذين يبحثون لأنفسهم عن موضع قدم فيما يتكالب عليه الناس من المصالح العاجلة، والدعاة إلى الله عز وجل هم أصحاب الوراثة النبوية ــ على صاحبها الصلاة والسلام.
الله عز وجل خاطب رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله :(قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) [سورة الأعراف: 158].
والأصل في الداعية المسلم أنه يريد الخير لكل أبناء المعمورة، كما أن دعوته لا تنحصر في طائفة أو زاوية معينة، تبعاً لنظرة الإسلام الشاملة إلى الكون والإنسان، والحياة، والربط بين الدنيا والآخرة، ولذلك فالداعية لا تؤثر فيه العوامل المحيطة به، ولا يجعل وزناً لِلَون ولا لغة، ولا جنس، ولا غيرها، بل المعيار الصحيح عنده هو معيار التقوى (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [سورة الحجرات: 13].(17/154)
(2) التعلق بالمبادئ والمثل التي يدعو إليها الإسلام، لا الأفراد، مهما كانت مكانتهم العلمية أو الاجتماعية، وهذا الاتجاه هو الذي يجعل العمل الإسلامي، والأخوة الإيمانية في مأمن من الانحراف، والميل عن الجادة، فإن الأفراد إلى انقراض، كما أنهم معرضون للوقع في الخطأ، ولا توجد عوامل البقاء إلا في مبادئ الإسلام، والتي تكفل الله تعالى بحفظها وصيانتها: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [سورة الحجر: 9]، وهذا لا يعني عدم الولاء الذي دعا إليه الإسلام للجماعات أو الأفراد بقدر ما عندهم من الصلاح والتقوى، إلا أنه ولاء في حدود المشروع، الذي لا يوصل إلى مرحلة القداسة أو اعتقاد العصمة أو إلغاء موالاة الآخرين. وعند الانتماء إلى فرد أو جماعة، فإن المنتمي في هذه الحال إذا دعا إلى ما ينتمي إليه، فالواجب أن يدعو إلى ما عليه الجماعة من الهدى الذي لا يخرج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والحذر من الدعوة إلى أفراد أو جماعات دعوة مجردة عن المبادئ، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ: "وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته، ويوالي ويعادي عليها، غير النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينصب لهم كلاماً يوالي عليه ويعادي عليه، غير كلام الله ورسوله، وما اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصاً أو كلاماً يرقون به بين الأمة، يوالون به على ذلك الكلام، أو تلك النسبة ويعادون"([23]).
(3) حمل المسلمين على السلامة عند صدور زلة، والتماس العذر لهم، خاصة من عرف ورعه وحرصه على التزام الحق، من أهل العلم والدعاة إلى الله تعالى، فإن سوء الظن يوغر الصدور، ويحمل على الجفاء، و الله عز وجل يقول في كتابه الكريم :(يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم) [سورة الحجرات: 12].
وفي الحديث: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث))([24]).
وقد نال رجل من الصحابة الشهادة من النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة، ولم يكن لكثير عمل كان يعمله، غير أنه لما سأله عبد الله بن عمرو بن العاص عن سر هذه الشهادة قال: ((إني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه))([25]).
فسلامة الصدر، بلّغته هذه المنزلة، وهو الأمر الذي ينبغي أن يكون عليه حال كل مسلم، وإن كان هذا مرتقاً صعباً، فلعل العبد يبلغ ذلك بمجاهدته نفسه.
(4) قد يكون الخلاف والجفاء والتعصب الممقوت ناشئاً عن تعدد الجماعات، وعلاج ذلك أن يوجد الوعي عند جميع الجماعات، وجميع أفرادها، إن الجماعات أصبحت واقعاً، لا يمكن تجاهله ولا إلغاؤه، وأن كل جماعة لها وسائلها وغاياتها، ومناهجها، في خدمة الإسلام، وهو اختلاف عند إدراك الحقيقة لا يضر ما دامت جهود الجميع تصب في الدعوة إلى الإسلام، والذود عنه، ورعاية شباب المسلمين وحسن تربيتهم وتنشئتهم، ولم يكن هناك ضرر من تعدد المذاهب الفقهية إلا فيما حدث عند المتأخرين من التعصب الذي كان منشؤه الجهل، وهذه ما يخشى من حدوثه عند أتباع الجماعات إذا طال بهم الزمن، وفقدوا إدراك حقيقة منشأ كل جماعة وأهدافها، وأن الإسلام يسع الجميع، وأن العدو الذي من أجله قامت الجماعة ليس جماعة أخرى أو فراداً من المسلمين، وهذا المرض قد يسري في الأفراد إذا لم يتداركه قادة الجماعات من وقت مبكر بحسن التوعية، ووجود التنسيق بين القادة، والتعاون على البر والتقوى، والتحذير من أي مظهر من مظاهر الشقاق، هذا كله إذا تعذر الوصول إلى وحدة تجمع العاملين للإسلام في إطار واحد يتدارسه العاملون ويصلون فيه إلى تصور موحد يجمعهم على قيادة موحدة، وهو الأمثل.
(5) الواجب على قادة كل جماعة أن تبذل أقصى جهدها في التربية الجادة لأفرادها على منهاج النبوة، فالعلماء العاملون هم حملة الوراثة النبوية، لحديث: ((العلماء ورثة الأنبياء))([26]).
والواجب في حقهم أن تتمثل فيهم القدوة الحسنة لأتباعهم، وأن يأخدوا بأيدي أتباعهم إلى أقصى ما يمكن من الكمالات البشرية، وأن يجعلوا أسوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتمكنوا من إحياء السلوك الإسلامي في أفرادهم، وإبراز أخلاق السلف الصالح في حياتهم الخاصة والعامة، والعمل على اجتثاث رواسب الأخلاق الذميمة.
وإذا ما نجح الدعاة في الوصول بأفرادهم إلى هذا المستوى، فإن الإيمان إذا وقر في القلوب، وغمرتها التقوى، وتطهرت النفوس من الرذائل، فإن ذلك كفيل بأن يثمر صدق المودة للمؤمنين، ووضع قاعدة الولاء والبراء في مكانها الصحيح، فقد أخبر الله سبحانه في كتابه أن الإيمان يورث الأخوة، وذلك في قوله سبحانه: (إنما المؤمنون إخوة) [سورة الحجرات: 10]، وهذا إخبار منه سبحانه عن طبيعة الإيمان الصادق، ومعنى ذلك، أن هذه الأمراض التي نشكو منها، لا يمكن أن يصاب بها إلا من ضعف إيمانه، فلم يعرف حق أخوة الإيمان، ولا يمكن التخلي عنها إلا بصدق الإيمان، ومعرفة حقوق الأخوة الإيمانية، وإحيائها والقيام بها، والدعوة إليها، ونبذ كل مظهر من مظاهر الجاهلية.
سائلاً الله تعالى التوفيق والسداد وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم
---------------
([1]) مسلم برقم 2812.
([2]) رواه أبو داود برقم 4341، والترمذي 3085، وهو صحيح لغيره.
([3]) البخاري 8/59.
([4]) البخاري 8/55، في الاستتابة.
([5]) رواه مسلم وغيره.
([6]) أبو داود:4800. قال بن الأثير الجزري: ربض المدينة ما حولها من العمارة.
([7]) رواه البخاري: 6/16، وأحمد2: /419.
([8]) 1/178.(17/155)
([9]) رواه الترمذي عن عمر رضي الله عنه: رقم 2165، وأحمد: 1/18،26.
([10]) أخرجه أحمد: 4/238، 375.
([11]) الترمذي: رقم 2658، وابن ماجة في المقدمة، باب 18، وفي المناسك، باب 76، وأحمد: 3/225 و4/80، 82 .
([12]) رواه البخاري ومسلم.
([13]) رواه مسلم.
([14]) رواه البخاري ومسلم.
([15]) رواه مسلم.
([16]) رواه مسلم.
([17]) متفق عليه.
([18]) رواه أحمد وأبو داود.
([19]) رواه الترمذي.
([20]) رواه البخاري ومسلم.
([21]) رواه أحمد والترمذي.
([22]) رواه أبو داود والترمذي.
([23]) الفتاوى20/164.
([24]) متفق عليه.
([25]) الحديث رواه أحمد 3/166.
([26]) رواه البخاري تعليقاً في كتاب العلم، ورواه أبو داود والترمذي وأحمد.
===========
منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله
د. عبد الحي يوسف*
قد مضى زمان كانت الدعوة فيه قائمة على جهود فردية، واجتهادات شخصية، أثمرت خيراً أحياناً، وخلَّفت شروراً في أحيان أخرى، أقول: في زماننا هذا لا بد أن يتوفر على التخطيط للدعوة هيئات ورجال، وبحوث ودراسات؛ حتى ندرك من قبلنا ونصلح ما أفسد غيرنا، أما التخبط والارتجال والفوضى فلا تصلح لزمان قد صارت لغة الأرقام والإحصائيات هي المعول عليها في كل شيء، وأول خطوة في هذا الطريق أن يعرف الناس منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله تعالى، وبيان السبيل الموصلة إلى رضوانه، بذكره وشكره وحسن عبادته.
فإن الدعوة إلى الله تعالى هي مهمة الأنبياء ووظيفة المرسلين ـ عليهم سلام الله أجمعين ـ كما قال سبحانه: ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن وسبحان الله وما أنا من المشركين )[1] وهي عنوان خيرية هذه الأمة: ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )[2] وبرهان ريادتها للأمم:
( كنتم خير أمة أخرجت للناس )[3] وبها استوجبت الأجر على الله: ( والذين يمسّكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المحسنين )[4] ولو فرَّطت الأمة في واجب الدعوة والبلاغ فقد سقطت من عين الله تعالى، واستحقت مقته وعذابه، إذ ما شرع الله الجهاد ـ بما فيه من ذهاب النفس والمال وحصول المكروه فيهما ـ إلا قياماً بهذا الواجب: ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) [5] وحقٌ على الدولة المسلمة أن توفر للدعوة ما تحتاجه من طاقات بشرية وموارد مالية، وما يكفل لها ترقية الأداء وحسن العرض بأفضل الأساليب وأحدث التقنيات.
أولاً: في تعريف الدعوة
الدعوة إلى الله هي الدعوة للإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا، وطاعتهم فيما أمروا به وفيما نهوا عنه.
ثانياً: في منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله تعالى
يمكننا في سبيل بيان هذا المنهج أن نعرض لعناوين كبيرة، تحتها تفاصيل كثيرة، لو أحاط بها المرء علماً لاستطاع أن يتعرف على هذا المنهج النبوي والهدي الرباني، ومن ذلك:
1. الإخلاص الذي هو لب الدين وروحه ولحمته وسداه، ومتى ما فُقد فلا خير في علم ولا عمل، وحقيقة ذلك أن يريد بعمله وجه الله تعالى لا رياء ولا سمعة: ( قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين . وأمرت لأن أكون أول المسلمين . قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم . قل الله أعبد مخلصاً له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه). [6]
2. الشعور بالعزة زاد مهم للداعية، ويأتيه هذا من جهة أنه على خطى المرسلين، وأن مهمته هداية الناس ووقايتهم من حر النار وحفظ دينهم من الخلل، وفي القرآن نقرأ على لسان الخليل: ( يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سويا ) [7] وفي الحديث: { تعلمون معشر قريش لقد جئتكم بالذبح }[8] وفي الحديث: {يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين}.[9]
3. العلم بما يدعو إليه: ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة )[10]، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، وإنما بعثني معلِّماً ميسرا}[11] ويشمل ذلك الدأب في معرفة كل جديد، والاطلاع على فقه النوازل ـ في القضايا الطبية والاقتصادية خاصة ـ واستعمال الوسائط الحديثة في الدعوة.
4. العمل بما يدعو إليه: ( يا أيها الذين آمنوا لم َتقولون ما لا تفعلون )، [12] وفي الحديث: {إني لأخشاكم لله وأتقاكم له }[13] وفي الحديث: {يؤتى بالرجل فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى}.[14]
5. البداية بالأهم فالمهم من القضايا الدعوية: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) [15]، ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [16] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: {إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم}.[17]
6. احتساب أجر الدعوة عند الله: ( قل ما أسألكم عليه من أجر )[18]، وفي الحديث: {ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ثم لا تجدونني بخيلاً ولا كذاباً ولا جباناً}.[19]
7. الصبر على الأذى: ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ) [20]، وفي الحديث: {كأني أنظر إلى رسول الله يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه حتى أدموه! فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون}.[21](17/156)
8. الحرص على هداية من يدعوه: ( عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم ) [22]، وفي الحديث: {اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب}[23]، {اللهم اهد دوساً وائت بهم}[24]، {اللهم اهد أم أبي هريرة}.[25]
9. سعي الداعية إلى الاستفادة من غيره، كلٌ فيما يحسنه؛ وفي السنة نجد النبي صلى الله عليه وسلم يستأجر في طريق الهجرة رجلاً من بني الديل هادياً خريتاً،[26] ويبعث عبد الله بن أبي حدرد عيناً[27]، ويقول لأبي بكر وعمر: {لو اجتمعتما على رأي ما خالفتكما}.[28]
10. استخدام كل وسيلة في بيان الحق وإيصال الدعوة: ( قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً . فلم يزدهم دعائي إلا فراراً . وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً . ثم إني دعوتهم جهاراً . ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً ). [29] وهاهنا نقول: إن الداعية الموفق يبحث دائمًا عن كل سبيل ووسيلة يستهوي بها قلوب المدعوين، ويستميل بها عقولهم وعواطفهم، ويجتذب بها انتباههم نصرة لدعوته، ورغبة في استقطاب أكبر عدد إليها. ومن أهم وسائل الداعية في استمالة عقول وقلوب وعواطف المستمعين إخراج الحديث عن الجفاف، وتجنيب مجلسه الجمود، والبعد بموعظته عن أن تكون باهتة.
وللوصول إلى ذلك يلزم أن يتوفر عدة شروط في الموضوع وفي الأداء أيضًا منها:
أـ ربط الموضوع بواقع المدعوين
وفي القرآن الكريم نقرأ: ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت . وإلى السماء كيف رفعت . وإلى الجبال كيف نصبت . وإلى الأرض كيف سطحت ) [30] ونقرأ: ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون )، [31] وفي السنة نقرأ: {إن شجرة تشبه المؤمن هي النخلة}[32] ونقرأ: {ألك إبل؟ قال: نعم. قال: فما ألوانها؟ قال: صفر. قال: هل تجد فيها من أورق؟ قال: نعم؟ قال: فمن أين؟ قال: لعله نزعه عرق. قال: ولعل ولدك قد نزعه عرق}[33] فالنبي صلى الله عليه وسلم يضرب الأمثال ويبيِّن الحقائق من واقع الناس الذي يعيشونه ولا يخاطبهم بما يعسر على عقولهم فهمه: {وما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة}.[34] فعند اختيار الداعية لموضوع يعالجه، أو مشكلة يبحث لها عن حل، أو فكرة يطرحها، أو فضيلة يدعو إليها ينبغي أن يكون ذلك مستوحى من واقع الناس المعاش، ومستمدًا من روح بيئتهم وصميم حياتهم، خصوصًا عند ضرب الأمثال وسرد القصص، وكذا عند اختيار الكلمات والجمل بالبعد عن غريب اللفظ وعالي الأساليب، مع اعتبار تفاوت المستوى العلمي والثقافي والاجتماعي للمستمعين. وتعتبر معالجة المشكلات الطارئة والحوادث المستجدة في حياة الناس ومناقشة أسبابها وبيان عواقبها وذكر طرق علاجها من أهم أسباب التشويق والانتباه وتحصيل الفائدة والثمرة المرجوة والأثر الطيب لدى المستمع. في حين أن تجاهل أحداث المجتمع والتغافل عن حل مشكلات الناس يوقع الداعية فيما يسمى "بالعزلة الفكرية" ويضرب بينه وبين الناس بسور ليس له أبواب، ويتسبب في فض الناس عنه ورفضهم دعوته، وهي أكبر خسارة للداعية على الإطلاق.
فلا يمكن لداعية يخاطب فئاماً من المثقفين في العاصمة مثلاً أن يقرأ من كتاب للخطب المنبرية رُقِمَ قبل مئات السنين، أو يعرض لهم أفكاراً قد أتى عليها الدهر، وأفناها الزمن، ثم بعد ذلك يغضب إن لم يعط طاعة، ولم يصغ الناس إلى حديثه.
2ـ تجديد وتنويع الأساليب(17/157)
إذا دخل الملل على السامع أو المتلقي خرج بقلبه عن مجلس الوعظ وسبح في أحلام اليقظة، أو استسلم لخفقات النعاس.. ورشاقة الداعية وتنقُّله بين أساليب الدعوة واختراع أساليب جديدة والتنويع في ذلك في اللقاء الواحد يثير شهية المدعوين إلى الاستماع وينفي عنهم الملل الذي يفقد المجلس حلاوته ويعدم فائدته. وفي السنة المطهرة نجد النبي واعظاً وخطيباً ومفتياً ومجيباً ومفسراً للرؤى والأحلام، يقص القصص ويضرب الأمثال، وهو في هذا كله لا يُمَلُّ حديثه ولا يُستثقَلُ مجلسه. فينبغي على الداعية أن يتنقل بين أسلوب القصة المسلية التي يحرك بها العاطفة ويسلي بها النفوس، ويأخذ مواطن العبر والعظة، ثم ينتقل إلى ضرب الأمثال تقريبًا للمفاهيم، وتيسيرًا على السامعين، وتجسيدًا للوقائع، وتصويرًا للمَشاهِد، وإلباسًا للخيال لباس المحسوس المشاهَد، فيكون أقرب للفهم وأيسر في استخراج الفوائد، وهو من أساليب القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ ففي القرآن في الحث على النفقة: ( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ )، [35] وفي فضل الإخلاص: ( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [36] وفي بيان أعمال المشركين: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب )، [37] وفي التخويف من الرياء: ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون َ).[38]
وفي السنة بيان فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة ... الحديث }،[39] وفي فضل قراءة القرآن: {مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب... إلى آخر الحديث}،[40] وأحياناً يطرح النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه سؤالاً؛ ينبِّه به الغافل ويوقظ الوسنان ويفتح الأذهان: {أتدرون ما الإيمان بالله؟}،[41] {أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً ما تقول ذلك يبقي من درنه؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيئاً}،[42] {أتدرون من المفلس}،[43] وكان صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه ويمازحهم ويماسحهم ويحادثهم.
3ـ انتهاز المناسبات والفرص
باستغلال المواقف في إصلاح الناس وتوجيههم، فيكون التعليق أبلغ في التأثير، وأقرب للفهم والمعرفة، مع استغلال استعداد المدعوين النفسي وتهيئهم للقبول، كما في الحديث عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسُّوق داخلاً من بعض العاليةِ والناسُ كنفتهُ، فمرَّ بجَدْي أسَكَّ ميِّتٍ فتناولَهُ، فأخذ بأُذُنِه، ثم قال: {أيكم يُحبُّ أن هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نُحبُّ أنه لنا بشيءٍ، وما نصنع به؟! قال: أتُحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيًّا كان عيبًا فيه لأنه أسكُّ، فكيف وهو ميت؟! فقال: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم}[44]
4ـ استعمال وسائل الإيضاح
وهذه أبلغ ما يكون في تجسيد الفكرة، وترسيخ العلم، والتشويق إلى الموعظة بالتجديد. واستغلال وسائل الإيضاح حسب المتاح طالما لا يخالف الشريعة، وهي تختلف باختلاف الأزمان، وكذلك الأماكن والأفهام، وهي وسيلة نبوية ينبغي للدعاة عدم إغفالها، وفي الحديث عن ابن مسعود قال: خط النبي خطاً مربعاً، وخط خطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال: {هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به - أو قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله وهذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا}.[45]
5- الاقتصاد في الموعظة
وهذا يكون على قسمين؛ الأول: الاقتصاد في الكثرة؛ فلا يكثر من المواعظ وإنما يتخول الناس بها بين الفينة والفينة، حتى يشتاق الناس إليه ولا يملون حديثه، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتخول أصحابه بالموعظة خشية السآمة، والثاني: الاقتصاد في وقتها؛ فتكون الموعظة قصدًا عدلاً، فإن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضًا، قال صلى الله عليه وسلم: {إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه}.[46]
فالبعد عن الثرثرة، وتجنب الحشو وتكرر الأفكار، وإطالة المقدمات، والاسترسال في سرد الأدلة والتفاصيل المملة يفقد الموعظة كثيرًا من فوائدها، وإنما القصد القصد.
ثالثاً: من المزالق التي يقع فيها الدعاة المعاصرون مما يخالف منهج الأنبياء
1. التكلف والافتعال، فنجد بعضهم يتكلم في قضية لم يسبر غورها ولم يحسن فهمها، وقد يسأل عن شيء لا يحسنه فيستحي من قول: لا أدري!! وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم الحرص على إفادة الناس من أقرب طريق وأوضحه؛ فربما سأله سائل فاكتفى في الرد عليه بكلمات قصار، وربما جعل الجواب في ثنايا موعظة بليغة، وربما صرف السائل إلى قضية أكثر أهمية.(17/158)
2. عدم استعمال الذوق والأدب؛ كما في حال بعضهم إذا أراد الاستدلال على شمول الإسلام فلا يجد إلا مقولة اليهودي البذيء: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة.
3. التركيز على موضوع وإهمال غيره؛ فبعضهم لا حديث له إلا عن التبرج والسفور وخروج النساء إلى الأسواق، وبعضهم عن الموت وعذاب القبر والجنة والنار، وبعضهم عن الغزو الفكري وخطط اليهود، وبعضهم عن شروط الصلاة والزكاة والمسح على الخفين
4. إهمال الإحسان إلى الناس؛ وهو سبب عظيم من أسباب فشل الداعية، حين يحصر مهمته في الصلاة بالناس أو إلقاء الدرس أو الخطبة، ثم يهمل النظر في قضاياهم وتفقد أحوالهم ظاناً أن تلك مهمة غيره من الناس، وفي القرآن الكريم على لسان زملاء يوسف عليه السلام في السجن: (إنا نراك من المحسنين)،[47] وعلى لسان قوم صالح عليه السلام: (يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا)،[48] وعلى لسان آخر يخاطب موسى عليه السلام: (وما تريد أن تكون من المصلحين)،[49] وفي سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم: (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون)،[50] وقصة سعد بن عبادة ونعيم بن النحام العدوي.
5. تغيير المضمون، ومن مظاهر ذلك أن بعض الدعاة قال: إن الإسلام ديمقراطي حين قال قائل الكفر: إنه استبدادي، وقال: إن الإسلام لا يهاجم أحداً ولا يفتح بلداً حين قال قائل الكفر: إنه انتشر بالسيف، وقال: إن التعدد رخصة لا تباح إلا لضرورة حين قال قائل الكفر: إنه ظلم المرأة، وقال الزائغ: إن اليهود والنصارى مؤمنون ولهم في الجنة نصيب حين قال الزنديق: إن الإسلام يلغي الآخر ولا يعترف به، وفي القرآن 332 موضعاً كلها بدأت بقل وأكثرها في تقرير عقيدة الولاء والبراء.
6. الفهم الخاطيء للحكمة والموعظة الحسنة، وفي القرآن الكريم على لسان موسى الكليم عليه السلام: (وإني لأظنك يا فرعون مثبورا)،[51] وفي السنة مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم لمشركي قريش بما يكرهون حين اشتد شرهم وقوله لأبي بن خلف: {نعم يحييها ويبعثك ويدخلك النار}.[52]
---------------------
[1] سورة يوسف/ 108
[2] سورة آل عمران/ 104
[3] سورة آل عمران/110
[4] سورة الأعراف/ 170
[5] سورة الأنفال/ 39
[6] سورة الزمر/ 11ـ 15
[7] سورة مريم/ 43
[8] رواه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
[9] رواه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث من رواية أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر وأبي هريرة.
[10] سورة يوسف/ 107
[11] رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله.
[12] سورة الصف/ 2
[13] رواه البخاري من حديث أنس بن مالك.
[14] رواه البخاري من حديث أنس بن مالك.
[15] سورة النحل/ 36
[16] سورة الأنبياء/ 25
[17] رواه الشيخان من حديث ابن عباس.
[18] سورة ص/ 86
[19] رواه البخاري من حديث جبير بن مطعم.
[20] سورة لقمان/ 17
[21] رواه الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود.
[22] سورة التوبة/ 128
[23] رواه ابن ماجه من حديث عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها.
[24] رواه ابن حبان من حديث أبي هريرة وذكره ابن كثير في السيرة النبوية، والسهيلي في الروض الأنف، وابن القيم في الزاد، وابن هشام في السيرة.
[25] رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
[26] رواه البخاري من حديث عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
[27] السيرة النبوية لابن كثير 3/422
[28] رواه الإمام أحمد عن ابن غنم الأشعري.
[29] سورة نوح/ 5-9
[30] سورة الغاشية/ 17-20
[31] سورة النحل/ 8
[32] رواه الشيخان من حديث ابن عمر.
[33] رواه الشيخان من حديث أبي هريرة.
[34] رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود موقوفاً.
[35] سورة البقرة/ 261
[36] سورة البقرة/ 265
[37] سورة النور/39
[38] سورة البقرة/266
[39] رواه البخاري عن النعمان بن بشير.
[40] رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري.
[41] متفق عليه من حديث ابن عباس.
[42] متفق عليه من حديث أبي هريرة.
[43] رواه مسلم عن أبي هريرة.
[44] رواه مسلم عن جابر بن عبد الله.
[45] رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود.
[46] رواه مسلم عن عمار بن ياسر.
[47] سورة يوسف/ 36
[48] سورة هود/ 62
[49] سورة القصص/ 19
[50] سورة يونس/ 16
[51] سورة الإسراء/ 10
[52] أورده ابن هشام في السيرة النبوية.
=============
كيف ينفر الناس من الإسلام ؟
د. يوسف القرضاوي
من المظاهر المطلوبة من الدعاة:
التدرج بالناس في الدعوة والتعليم، فلا يطلبون من الإنسان حديث العهد بالإسلام ما يطلبونه من المسلم الذي ولد في الإسلام، ونشأ عليه، وتربى في أحضانه، وورث ثقافته وتقاليده من أسرته ومجتمعه.
ومن ثَم يكون من الخطأ: أن يطالب هذا بأداء الفرائض والسنن والنوافل، وأن نطالبه باجتناب المحرمات والشبهات والمكروهات، وأن نشدد عليه في ذلك، كما نشدد على المسلم الملتزم الذي ارتقى في درجات الخير، وأصبح أسوة للناس.
وقد عبت على إخواني في اليابان أنهم حين يعلمون الداخلين في الإسلام يثقلونهم بتفصيلات الأحكام، ويشغلونهم بالواجبات والتطوعات، حتى قالوا لي: إن اليابانيين لا ينتشر الإسلام بينهم؛ لأنهم يقولون: إن دينكم كثير التكاليف.
قلت لهم: أنتم السبب، وطريقتكم في التعليم هي التي تنفر ولا تبشر.
المفروض فيمن يعلم الداخلين الجدد في الإسلام أن يقتصر في المأمورات على الفرائض الأساسية.
ويقتصر في المنهيات على المحرمات القطعية، لا على الشبهات ولا على المكروهات.(17/159)
بل أقول: يجب التركيز أولاً على اجتناب الكبائر، فإن الصغائر تكفرها الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة، وصيام رمضان وقيامه، كما جاء في الحديث الصحيح: ( الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ) .
وفي الصحيحين: ( أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، فهل يبقى على بدنه من درنه شيء؟ فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا ) . والمراد بها: صغائر الخطايا، فإن الكبائر لا تكفرها إلا التوبة.
يؤكد هذا ما جاء في كتاب الله: { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات } [هود: 114].
وفي الصحيحين: ( من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه ) .
وفي الصحيح أيضًا: ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ) .
بل قرر القرآن الكريم أن مجرد اجتناب الكبائر يكفر الصغائر، وهذا إذا اجتُنبت الكبيرة تدينًا وخشية من الله تعالى، لا عجزًا عنها، وهو حريص عليها راغب فيها. يقول تعالى: { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريمًا } [النساء: 31].
ومثل الرفق بحديث العهد بالإسلام والتيسير عليه: التيسير على حديث العهد بالتوبة، فإذا عاش الإنسان عمرًا في أوحال المعصية، ثم شرح الله صدره للتوبة، وهداه إلى طريق الاستقامة، فالواجب أن نترفق به، ونعتبر كأنه دخل الإسلام من جديد، ونأخذ بالأخف من الأعمال، والأيسر من الأحكام، حتى ترسخ قدمه، وتمتد جذوره في أرض الصلاح والتقى، ثم بعد ذلك نرقى به شيئًا فشيئًا، بل هو في الواقع هو الذي سيجتهد أن يترقى، فإذا كان في أول الأمر يكتفي بالفرائض سيحاول أن يضيف إليها السنن أو بعضها في أول الأمر. وكذلك إذا كان يكتفي باجتناب الكبائر، سيجتهد أن يضم إليها الصغائر، بل يترقى فيها بعد ذلك، حتى تبقى الشبهات، ومن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه.
وهكذا ندع هذا المسلم يروض نفسه ويجاهدها، ويرقى بها من منزلة إلى منزلة، حتى يصل إلى درجة المتقين الذين ورد فيهم الحديث: ( ولا يبلغ عبد درجة المتقين، حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس ) .
ولقد أسفت غاية الأسف حين وجدت بعض الإخوة الدعاة يذهبون إلى بلاد عاشت في الشيوعية نصف قرن أو أكثر، وُولد شبابها وبناتها في هذا الجو الملحد الكافر، وقد جُهِّلوا بالإسلام، وعزلوا عنه تمامًا، ولم يتح لهم أن يتعرفوا عليه قط. كل ما يربطهم بالإسلام هو الشهادتان، وعاطفة موروثة نحو هذا الدين. فرأيت هؤلاء الإخوة يبدءون مع هؤلاء الناس من رجال ونساء بالأمور المختلف فيها، ويلزمونهم بمذهبهم وطريقتهم، ويوجبون على الرجل أن يلتحي، وعلى المرأة أن تلبس النقاب!!.
إن منكم منفرين!!
ومن أسباب التنفير: الفظاظة والغلظة والخشونة في التعامل مع الناس. فإن حسن الخلق والرفق ولين الجانب وبشاشة الوجه تحبب صاحب الدعوة إلى الناس، وتقربهم منه. بخلاف الغلظة والعنف والخشونة، فإن الناس لا يطيقون من كانت هذه أخلاقه، فهي أخلاق طاردة، وليست جاذبة، كما هو مشاهد ومعلوم.
والقرآن الكريم يقرر ذلك بوضوح، فقد خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك } هذا مع أنه المرسل إليهم من الله، والمؤيد بوحيه، والمعصوم من ربه. ولكن البشر لا يطيقون بطبيعتهم مصاحبة الفظ والغليظ، ولو كان هو الرسول المعصوم، فكفى بهذا عبرة ودرسًا.
ولا غرو أن وجدناه صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، وأكثر الناس رفقًا، وألطف الناس عشرة، وأقرب الناس إلى العفو عن المسيء، والصفح عمن هفا وزل قدمه. وقد قال تعالى في وصفه: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } [التوبة: 128].
سوء المظهر من المنفرات
ومن أسباب التنفير: سوء المظهر، في الصورة واللباس والسمت، مما يعطي انطباعًا لدى جمهور الناس - وخصوصًا العصريين منهم- بأن هذا الشخص متخلف، أو يعيش خارج دائرة العصر.
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصًا على أن يرقى بذوق أصحابه في سمتهم ومظهرهم، كما يرقى بهم في مخبرهم.
ولقد قال يومًا لأصحابه: ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) ، فقال رجل: يا رسول الله، إني رجل أولعت بالجمال في كل شيء، حتى ما أحب أن يفوقني أحد بشراك نعل. فهل هذا من الكبر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس ) .
وما أروعها وأصدقها عبارة: إن الله جميل يحب الجمال.
صورة جاذبة وصورة طاردة
وأهم من ذلك كله: الصورة التي تقدم بها الإسلام للناس. فهناك صورة جاذبة، وصورة طاردة، صورة مبشرة، وصورة منفرة، وإنما نكسب من حولنا بالصورة المبشرة.
هناك أناس يقدِّمون الإسلام في صورة تقشعر من هولها الجلود، وترتعد من قساوتها الفرائص، وتوجل من ذكرها القلوب.
إنه الإسلام الذي يدعو إلى "اللفظية" في العقيدة، و"الشكلية" في العبادة، و"السلبية" في السلوك، و"السطحية" في التفكير، و"الحرفية" في التفسير، و"الظاهرية" في الفقه، و"المظهرية" في الحياة.
إنه الإسلام المقطب الوجه، العبوس القمطرير الذي لا يعرف غير العنف في الدعوة، والخشونة في المجادلة، والغلظة في التعامل، والفظاظة في الأسلوب.(17/160)
إنه الإسلام الجامد كالصخر الذي لا يعرف تعدد الآراء، ولا يعترف بتنوع الاجتهادات، ولا يقر إلا بالرأي الواحد، والوجه الواحد، ولا يسمع للرأي الآخر، ولا للوجهة الأخرى، ولا يرى أحدهم أن رأيه صواب يحتمل الخطأ، وأن رأي غيره خطأ يحتمل الصواب، بل رأيه هو الصواب الذي لا يحتمل الخطأ، ورأي الآخرين هو الخطأ المحض الذي لا يحتمل الصواب بوجه.
إنه الإسلام الذي ينظر بريبة إلى المرأة، فهو يدعو إلى حبسها في البيت، وحرمانها من العمل، ومن المشاركة في الدعوة والحياة الاجتماعية والسياسية.
إنه الإسلام الذي لا تعنيه العدالة في توزيع الثروة، ولا توكيد قاعدة الشورى في الحكم، ولا إقرار الحرية للشعب، ولا مساءلة اللصوص الكبار عما سرقوه وما اقترفوه، ولا تحذير الناس من الوقوع في براثن التبعية للقوى الأجنبية، أو الاستسلام للقوة الصهيونية التوسعية العدوانية، لكن يشغل الناس بالجدال في مماحكات لفظية، وفرعيات فقهية، وجزئيات خلافية، في العبادات أو المعاملات، لا يمكن أن ينتهي فيها الخلاف.
إنه الإسلام الذي يتوسع في منطقة التحريم، حتى يكاد يجعل الحياة مجموعة من المحرمات، فأقرب كلمة إلى ألسنة دعاته، وأقلام كتابه: كلمة "حرام".
إن الإسلام المنشود، هو الإسلام الأول، إسلام القرآن والسنة، سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وسنة الراشدين المهديين من بعده، إسلام التيسير لا التعسير، والتبشير لا التنفير، والرفق لا العنف، والتعارف لا التناكر، والتسامح لا التعصب، والجوهر لا الشكل، والعمل لا الجدل، والعطاء لا الادعاء، والاجتهاد لا التقليد، والتجديد لا الجمود، والانضباط لا التسيب، والوسطية لا الغلو ولا التقصير.
إسلام يقوم على عقيدة روحها التوحيد، وعبادة روحها الإخلاص، وأخلاق روحها الخير، وشريعة روحها العدل، ورابطة روحها الإخاء، وثمرة ذلك كله حضارة روحها التوازن والتكامل.
هذا الإسلام وحده هو الذي يقربنا من العالم، ويقرب العالم منا، وهو الإسلام الذي تتبناه الصحوة الإسلامية، أو ما يجب أن تتبناه الصحوة بكل فصائلها، فلا يخفى أن من فصائلها ما هو في حاجة أن يتجاوز طور المراهقة إلى الرشد.
==========
مشاركة العقول
إن كثرة المسؤوليات وزحمة الأعمال في الحقل الدعوى الإسلامي قد يكون لها الأثر الكبير في غياب ذلك المفهوم الأصيل عن نظر قيادة المؤسسة الدعوية والعمل الإسلامي في الممارسة العملية . وقد يكون من أسباب ذلك طبيعة التفرد والرأي الواحد لبعض الدعاة إلى الله وتكون طبيعة المشاورة فقط لأجل الاستئناس بالرأي وقد قيل في السابق " إن من الإفلاس الاستئناس بآراء الناس " .
قال الله تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } [ آل عمران 159] .
يقول الإمام النووي رحمه الله : "وتغنى هذه الآية عن كل شيء ، فإنه إذا أمرا لله سبحانه وتعالى في كتابه نصاً جليا نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشاورة مع إنه أكمل الخلق فما الظن بغيره ؟ "قال الحسن وسفيان بن عيينة " إنما أمر بذلك - أي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالمشاورة - ليقتدي به غيره في المشاروة ويصير سنة في أمته " .
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لأصحابه ، شاورهم يوم بدر في قتال المشركين، وشاروهم يوم أحد أيبقى في المدينة أم يخرج إلى العدو ، وشاور السعدين يوم الخندق فأشارا عليه بترك مصالحة العدو على بعض ثمار المدينة مقابل انصرافهم عنها فقبل رأيهما . وهكذا كان رسول صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لأصحابه على جلالة قدره وعظيم شأنه . والمتتبع لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد ذلك واضحا وجليا في العديد من المواقف والمشاهد ، قال العلماء : ( لم يكن أحد أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
إن الاستبداد بالرأي والتعصب له والتفرد به له نتائج وخيمة على العمل الإسلامي ، فكم من المؤسسات الدعوية التي لها الأثر المفيد على المجتمع توقف نشاطها وضعف تأثيرها بسبب تلك القرارات الغير المدروسة والتي يغلب عليها الطابع الشخصي والنظرة الضيقة ، وقد نجد في المؤسسة الدعوية من يبرر ذلك التعصب بحجة المصلحة الدعوية والرؤية المستقبلية للمؤسسة التي تتطلب ذلك القرار وذلك التغيير.
إن ما أدعوا إليه هو توسيع دائرة المشاروة والحوار ، لاسيما في المواضيع التخصصية التي تمارسها المؤسسة الدعوية فلا يصح أن يفتى في قضايا تربية الشباب والنشء ، داعية شغله الشاغل العمل النقابي والسياسي وعلى هذا المنوال ، لذا يجب أن نحترم التخصص وأن يكون للقرارات الموصى عليها بعد جلسات المشاورة والحوار أليه عمل واضحة وتاريخ تنفيذ محدد وان يحاسب المقصر في ذلك فإن لم يكن ذلك فسوف تكون جلسات الحوار والمشاورة جلسات تهدئة وتنفيس.
يقول الإمام النووي رحمه الله : "واعلم أنه يستحب لمن هم بأمر أن يشاور فيه من يثق بدينه وخبرته وحذقه ونصيحته وورعه وشفقته، ويستحب أن يشاور جماعة بالصفة المذكورة ويستكثر منهم ويعرفهم مقصودة من ذلك الأمر ويبين لهم مافيه من مصلحة ومفسدة إن علم شيئاً من ذلك ، ثم فائدة المشاورة القبول من المستشار إذا كان بالصفة المذكورة ، ولم تظهر المفسدة فيما أشاربه وعلى المستشار بذل الوسع في النصيحة وإعمال الفكر في ذلك" .(17/161)
لذا يجب علي قيادة المؤسسة الدعوية أن تهيؤ الأجواء الصحيحة للمشاروة والحوار، فيتم إبلاغ المعنيين بأمر المشاروة بالموضوع مبكرا حتى يتسنى لهم البحث فيه،ومعرفة تفاصيله ويحبذ أن تحدد بعض المراجع العلمية للرجوع إليها وذلك حتى تكون جلسة المشاروة مستوعبة لكل تفاصيل الموضوع الذي سوف يتخذ القرار لأجله.
يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها" ياليته هلك وحده بل قد يكون اهلك منابع الخير والنور التي استفاد منها عشرات الأجيال ، لذا فلنتقي الله بقراراتنا فو الله إن مسئوليه الدعوة أمرها ثقيل ومتعب فجزى الله خير من تحملها وضحى بدنياه في سبيل نشر دعوة الله .
وأود أن أختم مقالتي بوقفة مع أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز والتابعي الجليل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد فقاء المدينة السبعة المتوفى سنة102هـ ، قال عمر بن عبد العزيز : لأن يكون لي مجلس من عبيد الله أحب إلي من الدنيا وما فيها . وقال أيضا : والله إني لأشترى ليلة من ليالي عبيد الله بألف دينار من بيت المال فقالوا : يا أمير المؤمنين تقول هذا مع تحريك وشدة تحفظك؟ فقال : أين يذهب بكم ؟ والله إني لأعود برأيه وبنصيحته وبهدايته على بيت مال المسلمين بألوف وألوف ، إن في المحادثة-يعنى له ولمثله-تلقيحا للعقل وترويحا للقلب ، وتسريحا للهم وتنقيحا للأدب " .
في الختام أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى مافيه الرشد والصلاح وان يجعلنا هداة مهتدين . وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
المصدر : موقع عالم النور
============
السطور المتحركة
فتحي عبد الستار
من الأقوال المأثورة: "الحركة تنفي الغفلة"، وهذا المفهوم بالنسبة للداعية من الضرورة بمكان؛ حيث يظن البعض من الدعاة أنه يكفيه تحصيل العلوم الإسلامية، والخوض في مراجع الأدب واللغة والتاريخ، والأخذ بحظ وافر من العلوم الإنسانية، وهو مع ذلك كله لا يعرف شيئًا عن عالمه الذي يعيش فيه ويتوجه إليه بالدعوة، لا يعرف ما يقوم عليه هذا العالم من نُظُم، وما يسوده من مذاهب، وما يحركه من عوامل، وما يصطرع فيه من قُوَى، وما يجري فيه من تيارات، وما يعاني أهله من متاعب ومشكلات، لا يشعر بآلام وآمال بيئته، ولا يعيش أفراحها ومآسيها، ولا يدرك مصادر القوة وعوامل الضعف فيها.
إن مثل هذا الداعية ينبغي أن يطرق أذنه نداء الأستاذ عبد الوهاب عزام حين يقول:
يا حبيسًا بالدُّورِ خِدْنَ كتَابٍ *** قارئًا من مَقَال كُلِّ عَلِيم
ابرُزن للحياة واقرأ سُطورًا *** ماثلات لعَيْنِ كُلِّ حكيم
إن السطور التي يعنيها الأستاذ هي عناصر المجتمع الذي يعيش فيه الداعية، وهي سطور ليست بالثابتة القابعة بين دفات الكتب، وإنما هي متحركة ناطقة، تشي بأحوال هذا المجتمع وطبائع ناسه، وما يسوده من أوضاع وتقاليد، وما يقاسيه من صراعات ومشكلات، وما يشغله من قضايا وأفكار.
لمحة نبوية
ما أحوج الداعية لقراءة هذه السطور المتحركة؛ فالداعية لا ينجح في دعوته ما لم يعرف مَن يدعوهم، ويعرف كيف يدعوهم، وماذا يقدم معهم وماذا يؤخر، ولهذا حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن قال له: ( إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى، فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا صَلّوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ ) [ رواه البخاري ].
نلاحظ أنه صلى الله عليه وسلم أخبر معاذًا بطبيعة القوم الذين سيذهب لدعوتهم، وأنهم أهل كتاب؛ إذ لو كانوا مجوسًا أو ملاحدة - على سبيل المثال - لكان عليه أن يدعوهم بطريقة أخرى.
لهذا دعاة الإسلام، من الضروري أن يدرس الداعية البيئة التي يعيش فيها قبل أن يتوجه إليها بالدعوة، عليه أن يعرف أوضاعها وتقاليدها، ويتعمق في فهم مشكلاتها ونفسيات أهلها وما يؤثر فيها.
معلومات تهمك
ويرشدنا فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي إلى ما يجب على الداعية أن يتعرف عليه ويدرسه في الواقع من حوله، وهو:
1- واقع العالم الإسلامي بشكل عام: جغرافيته، اقتصاده، توزيع سكانه، السياسات التي تحكمه.
2- واقع القوى العالمية المعادية للإسلام: من يهود، وصليبيين، وشيوعيين، ومعرفة أسبابهم ودوافعهم في حربنا والكيد لنا، ووسائلهم في ذلك.
3- واقع الأديان المعاصرة: والتعرف على طوائفها ومللها المختلفة، والصراعات القائمة فيما بينها.
4- واقع المذاهب السياسية المعاصرة: من شيوعية، ورأسمالية، واشتراكية، وديمقراطية، ودكتاتورية، وتعدد مدارسها واختلاف تطبيقاتها.
5- واقع الحركات الإسلامية المعاصرة: الإقليمية منها والعالمية، وكذلك الجزئية منها والشاملة، مع التعرف على برامجها ووسائلها، وإمكانية التكامل فيما بينها والتعاون معها.
6- واقع التيارات الفكرية المعارضة للإسلام: كالتيار اليساري الموالي للشيوعية، والليبرالي الموالي للغرب العلماني، والقومي الذي يعلي رباط الوطن والأرض على رباط الدين والعقيدة.
7- واقع الفرق المنشقة على الإسلام، والخارجة عنه: وأخطرها البهائية والقاديانية.(17/162)
ولا يخفى أن مثل هذه الثقافات والمعارف لا تُستمَد من الكتب وحدها؛ فهي ثقافات نامية متجددة مستمرة، يمكن للداعية أن يجدها في الصحف والمجلات والدوريات والنشرات، بل إنه يستطيع أن يتلقى معلوماته من المصادر الحية مباشرة، بلقاء الناس ومخالطتهم ومشاهدة أحوالهم، والاستماع إلى أحاديثهم.
والداعية ذو العقل اليقظ يستطيع أن يأخذ مددًا جديدًا من كل ما حوله من وقائع الحياة اليومية، والتجول بين سطورها المتحركة، ويمكنه أن يعد لذلك سِجلا أو أرشيفًا، يُدِّون فيه ما يهمه من مشاهداته وما يسمعه من وقائع وأخبار، ويصنفها ويضعها عند الحاجة في مكانها.
إن السطور المتحركة لا تقل أهمية عن السطور الثابتة .
وأخيرًا يقول الشاعر العربي:
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما *** قد حدثوك فما راءٍ كمن سمعا
المصدر : إسلام أون لاين
===========
فراسة المؤمن
د. حمدي شعيب
hamdyshoaib@hotmail.com
الفراسة تُُستمد من واقع الخبرة، والدراسة العميقة للفقه الحضاري. والرواد كانت لهم خبرة ودراية بعوامل السقوط والنهوض والتداول؛ فلم يغرهم الحاضر، وقرأوا الأسباب الحاضرة المؤدية للمستقبل المغاير؛ فأنذروا قومهم لعلهم يحذرون أو يرجعون.
تلك الركيزة التي تفسر لنا أن من بعض أسرار وأسباب وصف المؤمن بالفراسة، وأنه يرى بنور الله سبحانه؛ أنه يفقه سننه سبحانه الإلهية؛ ومن خلال هذا الفقه فإنه يستطيع أن يمتلك الرؤية المستقبلية الاستشرافية، وذلك باستقراء حوادث الماضي، ومن خلال فقه الواقع والأسباب الحاضرة.
والمؤمن وحده؛ يحتكر (ظاهرة الأنس الكوني)؛ وهي سمة التناسق والتوافق والتعاون والأنس مع الوجود.
ويشعر المؤمن أنه والوجود كله عبارة عن ستار لقدر الله؛ يتم بهم على الأرض قدر الله وحركة السنن الإلهية. وأنه كأحد الخلائق، التي يجري بهم الخالق سبحانه سننه وأقداره، وبحركتهم تتم العملية التغييرية.
شهداء.. على عصرهم.. وأممهم!
وهناك سمات عامة تجمع خطابهم، سواء من الجانب التربوي أو الإداري ؛ فمنها:
الفراسة الإيمانية (الرؤية المستقبلية).
الرؤية البصيرة المميزة (مهارة التحليل).
القدرة على الحوار، وقوة الحجة والمنطق (مهارة التفاوض والاتصال).
- الثبات على المبدأ.
- الدراية بالواقع وأخباره.
- المبادرة (الإيجابية).
-حب الخير (التوازن في العلاقات والإنجاز).
- الدراية بالتاريخ وأحداثه، (الفقه الحضاري).
- الرجولة، وتحمل تبعات الموقف، أو (القيادية).
وهذه السمات كلها تندرج تحت معنى شامل لها؛ وهي صفة الرائد الذي لا يكذب أهله.
ونقصد بهذه السمات؛ أنها ركائز شخصية الشهيد؛ الذي يتحمل تبعات مقام الشهادة على الواقع وأحداثه وأشخاصه وأشيائه، كما تحدث عنها القرآن الكريم { وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس } [ الحج ].
ولهذا فإن أبناء التيار الإسلامي، يجب أن يستشعروا دورهم القيادي الريادي، وتبعاته الشاقة؛ لأنهم يمثلون الأمة التي جعلها الله شهيدة على الناس، وذلك بشرط الالتزام بالمنهج والجهاد في سبيله.
المدمرات.. المغيرات..
وسنختزل قضية فقه السنن الإلهية؛ أو قضية الفقه الحضاري، من خلال المنظور التربوي، إلى قضية هذه الدراسة المتواضعة؛ وهي فقه سنة الله في الذنوب والسيئات؛ أو قانون الذنوب والسيئات: { فأخذهم الله بذنوبهم }. [ الأنفال :52 ]، حتى نتبين آثار الذنوب والسيئات على الفرد والمؤسسات والجماعات والأمم.
وسنخلص إلى حقيقة ثابتة؛ هي :
أن الذنوب مغيِّرات للنعم والخيرات .. مدمرات للفرد والمجتمعات .. ساحقات للحضارات .. وماحقات للبركات!
فالذنوب ما هي إلا قوارض أو سوس ينخر في عظام الحضارات، حتى يسقطها، ويؤيد ذلك الكثير من الشواهد القرآنية والنبوية والتاريخية والواقعية.
والشواهد القرآنية؛ تعلمنا الخطوات المنهجية لدراسة الفقه الحضاري:
1- الخطوة الأولى، في أمره سبحانه وتعالى بقراءة التاريخ البشري، والتدبر العميق في ناموس التغيير الحضاري: { قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } [ آل عمران : 137 ] .
2- ويقرر سبحانه أن الذنوب والمعاصي؛ هي سبب عملية التغيير الحضاري: { فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق } [ غافر : 21 ] .
3- ويخبرنا سبحانه أن الكوارث والزلازل، إنما تأتي نتيجة لِمَا اقترفته أيدي البشر: { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون }. [ الروم : 41 ]
4- ثم يبين الحق سبحانه كيف تتم عملية التغيير والتبديل الحضاري، وكيف يعمل ناموس التاريخ في الأمم ؟! { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين } [ الأنعام : 6 ].
الأَكَلَة؟
أما على المستوى الفردي، فإن الذنوب تسبب خللاً في توازن التركيبة الثلاثية للإنسان؛ التي هي البدن، والعقل، والروح.
وتبدأ الذنوب عملها في الجانب الروحي، فتؤدي إلى حدوث تصدعات روحية وشروخ نفسية.
وهذه التصدعات والشروخ قسمان:
القسم الأول: التصدعات الظاهرة:
وهي الآثار المعلومة، وهي كثيرة؛ فمنها:
1- الذنوب سبب المصائب!
2- تضعف مقاومة الفرد للشيطان! { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما ستزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم }. [ آل عمران : 155 ]
3- المحقرات... المهلكات!
وصغار الذنوب؛ لها آثارها التراكمية المهلكة: ( إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ) .(17/163)
4- ثُمانية العجز... وُرباعية الابتلاءات؟!
فالذنب إما أن يميت القلب، أو يمرضه مرضاً مخوفاً، أو يضعف قوته ولابد، حتى ينتهي ضعفه إلى الأشياء الثمانية التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم وهي: ( الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال ) .
والمقصود أن الذنوب من أقوى الأسباب الجالبة لهذه الثمانية، كما أنها من أقوى الأسباب الجالبة للرباعية التالية:
( جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء ) .
ومن أقوى الأسباب الجالبة لزوال نعم الله، وتحول عافيته إلى نقمته، وتجلب جميع سخطه..
* المصدر : مجلة المجتمع
=============
الداعية الميداني
رضا بن أحمد الصمدي
إنه الداعية المتحرك في كل صوب، المتقن لدعوته في كل ثوب، إن كان في بيته فنعم العائل والمربي، وإن نزل إلى الشارع وخالط الناس وَسِعَهُم بدعوته، فإن ركب وسيلة مواصلات تناثرت بركات دعوته على من حوله من الركب، وإذا دخل مصلحة لم يخرج منها إلا بغنيمة دعوية:
نصيحة يسارُّ بها موظفاً، أو موعظة يُسمعها لسافرة، أو كلمة معروف يذكِّر بها من يقف معه في قطار(1)، إنه المبارك في حله وترحاله، كالغيث أينما وَقَعَ نَفَعَ:
فلا مُزْنةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا *** ولا أرضٌ أَبْقَلَت إبْقَالَها
قلبٌ عامرٌ وعقلٌ يثابرُ، وعزمٌ مغامر وإيمان يجاهر، تقي حفي، نقي أبيّ، جبهته شمَّاء، كبرياءُ دينه بلغ عنان السماء، ونفعه متعد، وخيره عام، يتجذر هداه في كل أرض أقام فيها، ويينع غرسه حتى في الأرض القاحلة، تنداح جحافل وعظه كالسيل العرم تذهب بكل سد منيع جاثم على قلوب الغافلين، إذا قال أسمع، وإذا وعظ أخضع، دؤوب الخطو بدهي التصرف، إذا اعترضته العوائق نظر إليها شَزْراً وقال: أقبلي يا صعاب أو لا تكوني، محمديُّ الخُلُق، صدِّيقيُّ الإيمان، عُمَريُّ الشكيمة، عثمانيُّ الحياء، علويُّ الصلابة، فُضَيْليُّ العَبْرة، حنبليُّ الإمامة، تَيْمَوِيُّ الثبات.
إنه الداعية الذي لا تعوقه عوائق الكون عن القيام بواجب الدعوة أينما كان، إذا حيل بينه وبين الدعوة فكأنما أخرجت سمكاً من ماء، أو أسكنت بشراً في الصحراء، حركي كالنمل والنحل لا يعرف القرار.
إنه الداعية الفصيح، جنانه حاضر، وبديهته كالبرق الخاطف، ولسانه لا يفتر عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير، وما عدا ذلك فذاكر شاكر، أو صامت صابر.
إن مظهره متناسق مع وظيفته السرمدية، هندام نظيف ومتواضع، وهيئة تقية، وإخبات غير متكلف، إذا رآه الخلق ذكروا الله تعالى.
وهو داعية متعالٍ على السفاسف، لا يستنكف عن فعل الخير وإن استهجنه الناس، إنه لا يأنف من إماطة الأذى عن الطريق، يسلّم على من عرف ومن لم يعرف، يبتسم في وجوه الناس أجمعين، ويحفظ حشمته من نزق الطائشين وسمود العابثين.
مستعد للدعوة في كل ميدان، إذا فتشت حقيبته وجدتها مليئة بالحلوى والكتيبات والهدايا الصغيرة غير المكلفة. يصطحب معه في سيره أشرطة القرآن الكريم وأشرطة الدعاة والخطباء والوعاظ وغير ذلك مما يناسب أسلحة الداعية الميداني.
يستخدم الهدايا في التعارف، والكتيبات في التأليف والوعظ والإرشاد مع دعوة لحضور محاضرة أو خطبة.
إذا ما ألقى السلام فكأنك تسمع ترنيمة كونية تطرب لها أذناك، ذاك صوت الداعية الشجي، فإذا ما رأيته أقبل بوجهه الضحوك وسلامه المرونق ذكَّرتك اللهَ رؤيته.
لقد وقع القلب في شَرَك هذا الداعية، واشتبكت القلوب المؤمنة وائتلفت، والتقت العيون والمقل، فإذا أدْمُعُ الخوف من الله تتعرف على نفسها، حتى إذا ما سكب ذلك الداعية الميداني كلمات الود والمحبة في الله، والتقت إرادة الله بالهداية أبصرت الهوى صريعاً في ساحته، والقلب تتهاوى شهواته وغرائزه أمام هذا السيل الدافق من فيض الإيمان والتقى، وكأنك بالشيطان رابض ينادي بالويل والثبور: وَيْلي وَيْلي قد اختطفه فلان الصالح مني!
ولنحاول صياغة بعض وظائف هذا الداعية الميداني واستعداداته وصفاته في نقاط مركزة فيما يلي:
1- داعية مخلص يمحص النية قبل العمل، ولا يعتذر عن أي جهد يستطيع القيام به بزعم العجز أو خوف الرياء، بل يتعلم ويعالج الهوى ويخوض غمار التكليف مملوء الثقة بمعونة الله وكلاءته.
2- لا يبخل على الدعوة بأي مجهود أو طاقة؛ فأينما دعاه داعي البذل شمر، لا يدخر وقتاً خاصاً للدعوة، بل أصل عمره موقوف للدعوة إلى الله تبارك وتعالى.
3- يهتم بالمظهر الذي له دور في التأثير على الناس، هندامه محترم، منظم الخطوات، رشيق العبارة (ينتقي الألفاظ ولا يلقيها خبط عشواء)، يخلب اللب إذا تحدث أو وعظ أو حاضر أو نصح، طيب الرائحة، حلو المعشر، طلق الوجه متبسمة.
4- مستعد لكل موقف؛ فلديه الأساليب الجاهزة لغزو القلوب، والطرق المنمقة لاستمالتها، والأسلحة الفتاكة في محاربة هوى النفوس، والمغريات الشرعية في جذب الشاردين.
5- يتفانى في تقديم كل معونة للرقي بحال المدعوين إلى أي مستوى ينقذهم من نفوسهم الأمارة بالسوء وشياطينهم الغوية أو أعداء ملَّتهم المتربصين بهم.
6- يترقب الفرص ويسعى إليها ولا ينتظر مجيئها إليه، يباغت المواقف ولا يكون هو رد فعل لها، لا يترك فرصة لما يسميه الناس المصادفة أو الفجأة، بل تراه بدهياً مستعداً لكل موقف بما يناسبه.(17/164)
7- يتجاوب مع المشكلات التي تهدد المجتمع المسلم، ولا يشغل نفسه بتوافه الأمور وسفسافها، يقيم لأولويات الدين قسطاساً مستقيماً يضبط اهتماماته، ويوجه تحركاته، يتعامى عن أذية المغرضين وسفه المستهزئين، يمضي إلى هدفه غير ملتفت، قد أرَّقه حال الإسلام والمسلمين، وأفزعه طرق العدو لأبواب الحصون؛ فكأنه في رباط ينافح عن ثغر مثلوم يرد العدو من قِبَله.
8- يستعين بكل الإمكانات المتاحة، ويستغل الظروف لصالحه، لا يلعن الظلام ولكنه يشارك في إيقاد شمعة، إذا قصَّرَتْ به وسيلة نزل إلى التي دونها، حتى لو لم يجد إلا لسانه أو الإشارة باليدين لاستعملهما متوكلاً على الله الهادي إلى صراط مستقيم.
9- من أكثر سمات الداعية الميداني جدية أنه يعمل في صمت، ويُؤْثِر العمل الدؤوب على الثرثرة والتفيهق، ليس بالمنان ولا بالعجب.
وبهذه الصفة الأخيرة نختم ناقلين قول بعض السلف: «ما ادَّعى أحد قط إلا لخُلُوِّهِ عن الحقائق، ولو تحقق في شيء لنطقت عنه الحقيقة وأغنته الدعوى».
---------------
(1) القطار: هو في اللهجات العامية: (الطابور).
=========
رؤية مستقبلية للدعوة النسائية
د. رقية المحارب
الناظر إلى الأحداث التي تعصف بالأمة بعين البصيرة المتأملة وقلب المشفق النصوح يدرك تماماً الأهمية الكبرى للإصلاح والتقويم الذي يرتكز على هدى من الله تقوم أسسه على اتخاذ الدعوة إلى الله منهجاً ووسيلة نحو غاية التغيير إلى الأفضل والرقي نحو المعالي وتعبيد الناس لربهم تبارك وتعالى.
وفي صفوف النساء، يبتهجُ القلبُ بجهودٍ رائعةٍ في الدعوة إلى الله تزخر بها الساحات، فمن أنشطة في المؤسسات التعليمية، إلى إطلالة متميزة في عالم القلم والصحافة، إلى جهود محتسبة في تعليم القرآن، ومحاضرات ودروس تشهد إقبالاً كبيراً، وملتقيات قوية تقوم بها مؤسسات دعوية رائدة.
وأولو النظرة المتزنة يلتفتون إلى الماضي متعظين، ويعيشون الحاضر قانعين، ويستشرفون المستقبل متفائلين، تصحيح الأخطاء السابقة، وتطوير الأعمال الحالية، وتصحيح كل زلل والزيادة من كل خير، فكانت هذه النظرة الاستشرافية لمستقبل ذي تأثيرٍ قوي، وإصلاحٍ أعمق، وجهودٍ أوسع، مرتكزة على علمٍ وافر وعمل دؤوب، واعتباراً بسنن الله في الكون كما يقول الله تعالى: { قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين وهذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين } .
فإن دراسات المستقبل وما تقدمه من رؤية ثاقبة ذات أبعاد مبنية على أسس وأوليات تعطي نتائج متوقعة إلى حد كبير يعتمد على الدقة والواقعية في تحديد الأهداف ورسم الاستراتيجيات والاستفادة من معطيات الحاضر بأقصى درجة لقيادة المستقبل ويمنحنا هذا الاستشراف القدرة على المقارنة الواعية بين النتائج التي تنجم عن اختيارنا وبين التي تتم ونجد أنفسنا فيها دون استعداد يذكر.
والمستقبل لا يمكن القفز إليه، بل لا بد من اتخاذ الحيطة والاستعداد له منطلقين من رؤية علمية استوعبت تجارب الآخرين، وانطلقت من ثوابت ورؤى تكفل الاطمئنان إلى نجاحها وسداد وجهتها.
ومن أهم ما تقدمه دراسات استشراف المستقبل هو التعرف على إمكانيات الصف الإسلامي في ظل الظروف الحالية وما يمكن أن نحافظ عليه منها وما يمكن أن نتنازل عنه، كما يجب أن نعيش الواقع بكل زواياه ونتعرف على خطط المواجهة، ونعد لذلك خططاً للتطور مستفيدين من كل المكتسبات والقوى الداخلية والخارجية، مع عدم إغفال حال الطوارئ، وما يواجهه المستقبل الدعوي من تحديات، وما يفرضه ذلك من تدريب وإعداد من شأنه أن يقلل الخسائر، ويفتح أعيننا على أهمية تنويع مواردنا المالية وأنشطتنا الدعوية، وتكثيف الاستثمار في التربية الإبداعية لأجيالنا القادمة.
وتتجه هذه الإستراتيجية إلى تأصيل هذا الوعي الاستشرافي ليقوم على نهج علمي، وتنميته لينتقل من دائرة المعرفة إلى دائرة الفعل الذي يقود تخطيطنا وأولويات مشاريعنا وسلوكنا واختياراتنا، فهو أساسي في المنهجية التي لا بد أن يربى عليها الأجيال القادمة.
ويتوجه العمل في المجال النسوي إلى:
- الاهتمام بنظم المعلومات المتقدمة وخدماتها التي تتيح التواصل الفعال.
- أن تتضمن لقاءاتنا تعميق الوعي بحدود إمكانياتنا وقدراتنا ومستقبل أمتنا، ليس في حدود البلد الواحد وإنما على مستوى العالم.
- التنسيق مع المؤسسات المعنية الدعوية والإعلامية والثقافية والاجتماعية لتنمية التعاون المستقبلي والإفادة من كل الطاقات.
- العناية بالدراسات المستقبلية، ودراسات خطط التغيير التي يتزعمها الغرب سعياً لإضعاف التمسك بالقيم الإسلامية كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة، والشرق الوسط الكبير وعولمة الثقافة الغربية ودراسة وسائل التنفيذ المزمع العمل بها لتكوين حصانة قوية لدى الجيل.
- ضرورة المبادة لاقتراح لتغيير المجتمع الغربي ودعوة إلى الإسلام بإعطاء النموذج الإسلامي الذي تقبله النفوس وتسعد به البشرية.(17/165)
المتأمل للدعوة النسائية يجدها في بداياتها، إلا أنها قفزت قفزات كبيرة، ففي الحين الذي سبقتها الحركات النسوية الليبرالية من قوى عظمى لا تخطو تلك الحركات خطوها المؤمل منها في كثير من البلاد الإسلامية! تقول ليلى الأطرش: وبمنتهى الصدق نقول إن استراتيجيات المرأة للوصول إلى البرلمان بالمنافسة أثبتت فشلها، ولم تؤد إلى نتيجة فاعلة رغم كل ما بذل من جهد ورغبة حقيقية منذ مؤتمر بكين وحتى اليوم.. (عن صحيفة الدستور الأردنية 23/6/2003م). بينما المتابع للمناشط الدعوية يجد الإقبال الكبير عليها رغم ضعفها من حيث التنظيم والتنظير مع ضعف الحصيلة العلمية والقدرة الخطابية مما يؤكد الرغبة والمتابعة الشغوفة للخطاب الإسلامية.
ولعلي أعرض في هذه الورقة وباختصار جوانب من واقع العمل الدعوي في الأوساط النسائية، مع استشراف ما يمكن القيام به في المستقبل.
انطلقت الدعوة النسائية من الجامعات والكليات حيث كانت تتأسس الصحوة في المصليات وقاعات الدرس، وأثمرت بعد بضع سنين كوادر متحمسة استطاعت أن تبني فكراً وتوجد تياراً قوياً واعياً فاعلاً على قدر من التدين، بالرغم من المؤثرات الإعلامية الفضائية والصحفية. وهي بهذا تعتبر أحد أهم المجالات الدعوية يجتمع فيها ما يزيد على المليون فتاة من شتى أنحاء البلاد، من فئة عمرية مهمة وحيوية، فلا نحتاج إلى تكلف في الوصول إليها، إنما نحتاج الخطاب وقوة التأثير وتعدد الوسائل، وتفهم للحاجات النفسية والعاطفية والاجتماعية!
- الاهتمام بالأنشطة الثقافية في الكليات بصورة مؤسسية.
- الحرص على بناء المدارس والكليات النموذجية التي توفر التعليم الحديث، مع الحرص على وضع البرامج التربوية المركزة المحددة الأهداف المتنوعة الوسائل، ويمكن الاستفادة من سهولة الحصول على التراخيص والعائد المادي منها لإقناع التجار الطيبين بالمساهمة الفاعلة فيها.
- الاهتمام بالبرامج العامة واستغلال المناسبات، كاليوم المفتوح والمعارض، والقيام بجهود دعوية إبداعية تهتم بأماكن تجمع الطالبات، ولا تقتصر الأنشطة داخل جدران المصلى كما هو الحاصل، بل إن الخروج للأماكن العامة للطالبات يشكل مفاجأة وإثارة تجذب نفوس الفتيات.
- التركيز في المستقبل على المناظرات والحوارات المفتوحة مع أولي العلم والبصيرة والمربين، والصبر على الآخر، فالمناظرات كانت وما زالت وسيلة قوية لدحض الشبه وإنارة البراهين، إلى جانب ما لها من قرب عاطفي من المخالف وسماع لرأيه، فكم سيكون التأثير قوياً لو تم الإعلان - مثلاً - عن مناظرة للحديث عن خطر الفضائيات أو العلاقات العاطفية غير الشرعية، أو غير ذلك من الموضوعات التي لا أدري لم أصبحنا نغفل علاجها أو نتناولها برتابة ونمطية جامدة؟!
- العناية القوية بتأهيل المعلمات والمديرات، وخصوصاً القائمات على الجهود الدعوية في المدارس والكليات، واحتضان أصحاب المواهب والقدرات الفنية، وذلك من خلال توجيه إداري واع، واستقطاب لأولي الخبرة في الإرشاد والشورى، وإقامة دورات وتبادل التجارب بين المحاضن للاستفادة من النجاحات وتصحيح الأخطاء ومواطن الضعف.
- الالتفات إلى وسائل التأثير مباشرة، كالوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العلم الشرعي، خصوصاً في أبواب العقيدة والفقه، فالتوازن مطلوب بين إشغال أوقات الفتيات بالنافع من الوسائل غير المباشرة، وبين إصلاح الذات وتربية النفس بالوعظ والتذكير والعلم الشرعي، كما لا ينبغي أن يميت الواقع في أنفسنا الاهتمام بالقضايا الكبيرة، كالحجاب وتحرير المرأة، بل علينا بذل الجهد في التخطيط والتنسيق لأعمال دعوية مؤثرة فيها.
انتشرت مدارس التحفيظ وتوجه النساء إلى حفظ كتاب الله وتعلم أحكامه، فمثلاً في مدينة الرياض يدرس أكثر من 45000 طالبة في 300 مدرسة في حين لم يتجاوز عدد المدارس خمسا فقط قبل عشرين عاماً، ومع أن هذه المدارس لا يتجاوز دوامها الساعتين إلا أنها بالغة الأثر؛ لأن أغلب الدارسات أقبلن برغبة وإخلاص. فإذا التفت أهل العلم والدعوة لهذه المدارس فإنها ستثمر (بإذن الله) كوادر ذات علم وأثر في المجتمع.
ولضمان مستقبل أكثر إشراقاً، خصوصاً في ظل توقع أن يتم تحجيمها، فأقترح التالي:
- التفكير في احتمالات تقليص عددها وتحجيم دورها، ووضع الإستراتيجية المناسبة، وذلك من خلال بناء مؤسسات اجتماعية تعني بتعليم كتاب الله.
- انتقاء عدد من المتميزات من الطالبات، وإعطاؤهن دروساً خاصة في المهارات التي تحتاج لها الداعية كفن الإلقاء، وطرق إعداد البحوث، وكيفية التأثير في الآخرين، وفقه السيرة... إلخ؛ ليكن نواة ينفع الله بهن في أماكن دراستهن النظامية أو أماكن عملهن في المستقبل.
- تدريب الطالبات بعد إعدادهن في مجاميع أقل سناً أو خبرة أو علماً. وهذا يتطلب تشجيع لقاءات خاصة بالمراهقات وغير ذلك.
أثبتت المرأة الداعية إلى حد ما قدرتها على النجاح في العمل الصحفي الموجه واتباع أصوله، والحرص على السبق الصحفي، والإثارة الإعلامية، وجذب الجمهور، وأساليب ذلك.
تحتاج المرأة في الصحافة إلى توجيه قوي من أصحاب الخبرة والتعليم الأكاديمي العالي في مجال الإعلام، لمعرفة أسباب الضعف وطرق التطوير، خاصة مع كثرة المتطوعات وهاويات العمل في هذا المجال، ويقترح عمل دورات تأهيلية للمنسوبات، والتركيز على الحديث عن هموم واقعية يومية للمجتمع، بعيداً عن مثاليات ضخمة أو غير ذات جدوى، إضافة إلى التفاعل مع الأحداث والمناسبات، وإبراز الجهود الدعوية في كل مكان، تبشيراً ونشراً لأخبار الخير.(17/166)
تجدر الإشارة إلى وجود انتعاش في الحركة الدعوية النسائية، حيث برزت مجلات ناجحة أسهمت في بناء الكوادر الدعوية كالأسرة والمتميزة وأسرتنا وحياة، وغيرها، لكن ما تزال بحاجة ماسة لدخول المرأة الداعية الصحفية في الصحافة اليومية التي تدخل كل بيت وعمل، للصدع بالآراء النيرة التي تمثل لسان الغالب من نساء مجتمعنا المحافظ. ونحتاج في المستقبل إلى تكثيف المشاركة الإعلامية في مختلف الوسائل الإعلامية، ولا بد من أجل الوصول لذلك إلى وجود مراكز تدريب صحفية تشرف عليها الأخوات الإعلاميات المتميزات، يكون هدفها توجيه مجموعة من النابهات المتميزات في طرحهن الفكري، وإمدادهن بالأدوات اللازمة في مجال التواصل الإعلامي، ويمكن كذلك التفكير في تحويل بعض المجلات النسائية إلى أسبوعية وإصدار صحف يومية تعني بالشأن النسائي. كما يمكن التفكير في إنشاء قنوات فضائية موجهة للمرأة، تقوم النساء على إعداد برامجها كاملة ويقوم الرجال بتقديمها. كما أن من الأفكار: إنشاء مكتب صحفي يرعى إنتاج المربيات ويتولى تنسيق وصوله إلى معظم وسائل الإعلام.
لم تكن المؤسسات الإغاثية في السابق متوجهة لخطاب المجتمع النسائي لهذا الحجم الذي نراه اليوم، ولم يعد سراً أن مؤسسات كثيرة نجحت من خلال السماح بإقامة أنشطة نسائية فأصبحت محاضن قوية التأثير كبيرة الجهود رغم الخبرة القصيرة. ولا بد من التأكيد على وحدة الهدف والتآخي والترابط، فَيَد الله مع الجماعة، وأن تسلم من "الغيرة" و "الاستئثار" و "التنافس غير الشريف"، وهذه نقطة مهمة ينبغي مراجعتها في كل آن!!
- إقامة اتحاد نسائي يجمع العاملات في الجمعيات الخيرية الطيبة في كل أنحاء المملكة، وذلك يتطلب التدرب على العمل الإداري وغيره من المهارات اللازمة لإقامة التجمعات الشعبية.
- التواصل مع الجمعيات النسائية الإسلامية العالمية وإقامة مؤتمرات مشتركة ولقاءات، وغير ذلك.
- تولي شؤون الدعوة إلى الله بين النساء بشكل عام، ربطاً بين المؤسسات؛ لتبادل الخبرات والتجارب وتلافي مواطن الضعف.
- حرص القائمات عليها على النفوذ وصناعة القرار في مسيرة المرأة بشكل عام، كإصدار البيانات والشفاعة.
- عمل خطط واضحة واقعية للطوارئ من قبل هذه المؤسسات بشأن قضية المرأة، والتفكير في منابر أخرى في حال تعرضت هذه المؤسسات للإغلاق، وهذا أمر متوقع.
- العناية بتأهيل الداعيات المحاضرات، واحتضان المواهب وتربيتها لمستقبل يشوبه الغموض والتوجس، خاصة في قضية المرأة، وصناعة الفتيات لغد يكن فيه منارات هدى ساطعة وجبال مقاومة راسخة!
- تشجيع العمل التطوعي لكثير من الفتيات والنساء - ولو عن بعد - ونشر مفهوم العمل التطوعي؛ ليكون رافداً، فليس ممكناً أن تصل هذه المؤسسات إلى كل مكان لخريجات الجامعات من المتفوقات في الدراسات الشرعية، استفادة من خبراتهن وحماسهن لمستقبل دعوي أفضل.
- إلقاء أضواء إعلامية عبر الصحافة اليومية على جهودها، فمن المؤسف أن هذه الأعمال الضخمة الرائعة لا تحظى بتغطية إعلامية.
- ضرورة ارتباط العمل الإغاثي بالدعوة؛ لتحقيق الهدف الذي من أجله أنشئت المؤسسات الخيرية.
- العناية بالدعوة في أوساط المرأة الريفية.
تطور الحس النسائي فأصبحت المرأة تنظم اللقاءات الدعوية، وقد فاجأ الإقبال على هذه الملتقيات الجميع، فكان عدد الحضور من النساء يفوق المتوقع..
وهذا مجال آخر مبشر بقوة الحركة الدعوية بين النساء. يقترح لتطوير هذا المجال:
- اشتراط القوة العلمية والخطابية والمعرفة الواقعية للداعية، وتطوير ذلك.
- الاهتمام بالفئات العمرية والشريحة الاجتماعية المقبلة على المحاضرة، والتي غالباً ما تكون من كبيرات السن أو ربات البيوت، ومن أهل الخير عموماً.
- الحرص على رسم خطوات علمية توجه النفس للتغيير، فلا يكفي الحديث العاطفي المجرد عن القضية، بل لا بد من تخطيط عملي تضيء خطواته الداعية للحاضرات.
- رفع مستوى العلمي للحاضرات، بالاهتمام بأمور العقدية بأدلتها، والأحكام الفقهية، وأعمال القلوب.
- إنشاء مؤسسة نسائية لترتيب المؤتمرات واللقاءات إذ إن من الملاحظ أن الترتيبات تستهلك جهوداً كبيرة.
- تنشيط إقامة هذه المؤتمرات في كل المناطق حيث تنحصر في مدينتين أو ثلاث.
- استضافة متحدثات من الخارج؛ تحقيقاً لعالمية الرسالة وإشعاراً للترابط القائم على العقدية بين المسلمات، وكذلك استفادة من الخبرات.
- تنويع الموضوعات بحيث تتفاعل مع الأحداث، والبعد عن التكرار، مع ضرورة التواصل الشرعي.
بالنظر إلى دخول المرأة في مجال الدراسات العليا في المجال الشرعي والدعوي أستطيع أن أقول :
إن المرأة حققت تطوراً في هذا المجال، إلا أنه ما يزال حبيس الأرفف.. ورهن الدرجات العلمية.. لذا فأقترح على المعتنين بالشأن الدعوي تكوين لجنة لفرز الرسائل العلمية ومكاتبة الباحثين لنشرها والاستفادة من الباحثات في المجال نفسه، وأقترح تكوين هيئة أو مؤسسة أو تجمع للباحثات بحيث يكون رابطة لهن يستفدن، بعضهن من بعض، ويعين بعضهن بعضا على اختيار الموضوعات، وغير ذلك. وأقترح كذلك إنشاء دار نشر نسائية تهتم بالتأليف للمرأة والتنظير لها، ويمكن أن تكون نواة لمركز دراسات وبحوث نسائية.(17/167)
مع ظهور الميل إلى التجمعات الأسرية ووجود الداعيات من النساء بدأت الدعوة تنتشر في أوساط عامة النساء عن طريق توجيه محاضرات ومسابقات ثقافية لا تخلو من فائدة علمية. إضافة إلى الحلق التي تعقدها بعض المتميزات ذات الظروف الخاصة. فأقترح تكوين ملتقيات أو ما يسمى "صوالين" للتربية والتعليم لدى عدد من المتميزات علمياً وأدبياً، مع ضرورة التنوع؛ فلا يكون التركيز على الناحية الشرعية.. فقط بل يوجه إلى إعداد الشاعرة والكاتبة والأديبة.
توجه عدد من الداعيات إلى الجاليات غير العربية بالدعوة، فوجهن الخطاب الدعوي بلغات مختلفة لشريحة عريضة من المجتمع، مما أثمر وعياً لدى عدد من النساء، ولكن لا يزال دون المستوى المطلوب، وحبذا لو عملت دراسة تبين أثر العناية بهذا النوع من الدعوة في هذا الوسط، سواء في أوساطهن التي تعيش بيننا أو في بلادهم بعد رجوعهم لها .
* المصدر : لها أون لاين
=============
الدعوة العائلية
حجاج بن عبد الله العريني
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما: أنه لما نزل قول الله تعالى : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214]، أتى النبي الصفا، فصعد، ثم نادى : ( يا صباحاه! ) فاجتمع الناس إليه، بين رجل يجيء إليه، ورجل يبعث رسوله، فقال رسول الله: ( يا بني عبد المطلب! يا بني فِهْر! يا بني لُؤَي! أرأيتم لو أخبرتكم أَنّ خيلاً بسفح الجبل تريد أن تُغير عليكم صدقتموني؟ ) قالوا : نعم . قال : { فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد } . فها هو محمد المبعوث للناس كافة، يوجه نداء خاصّاً إلى الأهل والقرابة والعشيرة استجابة لأمر الله جل وعلا .
ودعوة الأقارب والأهل والأرحام من الصلة والبر، بل إن الدلالة على الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبر البر والإحسان، والدعاة في جانب الدعوة العائلية على ثلاثة أحوال إلا من رحم الله:
1- رجل أغلق على نفسه مع مجموعة من الأقارب، انتقاهم بعناية على أساس التوافق والانسجام أو الاستجابة، وترك البقية بحجة عدم الاستجابة؛ إِذْ حاول دعوتهم مرة أو مرتين، وظن أنه معذور بذلك، وهذا ليس أسلوب أهل الجهد والجهاد في الدعوة.
2- رجل مشغول بأمور دعوية خارج نطاق العائلة، وقد حصل له كثير من البرود في مواقفه وعلاقته مع الأقارب من الناحية الدعوية، وهذا نسي حقّاً مهمّاً من حقوق أرحامه عليه، وقصّر كثيراً في دعوتهم.
3- رجل له نشاط دعوي في عائلته، ولكن نشاطه يتم بطريقة عشوائية، بدون أن يكون هناك تخطيط ومتابعة، ولا شك أن العمل المدروس أكثر ثمرة من العمل غير المنظم.
مميزات الدعوة العائلية:
إن للدعوة العائلية سمات تتميز بها عن الدعوة العامة، وهذه المميزات تختلف من عائلة إلى أخرى، ولكنها تجتمع في كونها عوناً للدعاة للقيام بهذا العمل واستمراره، ومن هذه المميزات:
أ- إن عدد الأفراد الذين يتم الاحتكاك بهم في الدعوة العائلية يعتبر عدداً كبيراً مهما صغرت العائلة التي ينتمي إليها الداعية؛ فإذا نظرنا إلى أي شخص نجد أن لديه مجموعة كبيرة من الأقارب، يتواصل معهم وتربطه بهم روابط المودة والرحمة.
ب- سهولة الاحتكاك بأولئك الأقارب والوصول إليهم: يزورهم ويزورونه، ويقابلهم في المناسبات، بل قد يشترك معهم في السكن.
ج- الدعوة العائلية تعتبر وسيلة دعوية، يمكن أن تستمر ولا تنقطع لأي سبب إذا طبقت بطريقة جيدة.
د- الدعوة العائلية إذا أديرت بشكل جيد، فإنها تفيد في شحذ الهمم وتحريك الطاقات الخاملة عند بعض الصالحين في الأسرة، وتدفعهم للدعوة، وتكون وسيلة ناجحة بإذن الله للتأثير عليهم.
ه إن الدعوة العائلية تؤدي إلى استقامة الأقارب، والتخلص من المنكرات؛ مما يكون له مردود إيجابي على بيت الداعية وأطفاله.
و تُيسر الدعوة العائلية التأثير على النساء في المجتمع، وخاصة أن النساء أقل احتكاكاً بالدعوة ووسائلها، وأيضاً: توفر هذه الدعوة الاحتكاك والتأثير على الأطفال.
ز- من خلال الدعوة العائلية يتم الوصول إلى جميع أفراد المجتمع، إِذْ إن المجتمع هو مجموع هذه الأسر.
من الوسائل الدعوية العائلية:
وسائل الدعوة العائلية كثيرة، ومتنوعة، وسنشير هنا إلى نماذج منها فقط، ولا بد أن لكل عائلة ما يناسبها، ثم إن البدء والاستمرار في هذه الدعوة ينتج أفكاراً، وبرامج جديدة ومؤثرة.
1- خطوات الدعوة العائلية هي: التنسيق، والتخطيط، وتحديد الأهداف المرحلية، مع بيان الوسائل والطرق، ويبدأ ذلك بالتنسيق بين مجموعة من الأخيار في العائلة، وإقناعهم بفكرة الدعوة العائلية، ثُمَّ تنظيم الأفكار، ووضع الخطط الدعوية. ويتبع ذلك: التقييم الدوري المستمر لجميع الأنشطة، والبرامج الدعوية؛ لتصحيح الأداء واكتساب مزيد من الخبرة، ولا بد من التكاتف، والتعاون في هذا المجال؛ فاليد الواحدة لا تصفق!
2- تمثيل القدوة الحسنة في أمور الدنيا والدين؛ فلن يتقبل الناس الدعوة من شخص فاشل في حياته العملية أو العلمية، أو من شخص لديه قصور ظاهر في التزامه الشرعي. ولكي يكون الداعية قدوة حسنة مؤثرة عليه أن يتخذ من الرسول قدوة له { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب: 21]
3- توثيق الصلة مع الأقارب، وكسب مودتهم، وإتقان فن التعامل معهم، حتى يشعر كل فرد بأن له علاقة خاصة بالداعية، وهذا لا يعني النفاق والابتذال، ولكن علاقة صادقة، ومودة خالصة، ومبادئ ثابتة.(17/168)
4- إقامة لقاء دوري للعائلة - شهريّاً مثلاً- وذلك لزيادة الألفة والمحبة، وتوطيد أواصر المودة، وتحقيق صلة الرحم، كما أن مثل هذه اللقاءات توفر وقت الداعية، حيث يمكنه القيام بواجب صلة الرحم، والدعوة في وقت واحد.
5- الاستفادة من التجمعات العائلية، سواء اللقاء الدوري أو المناسبات الطارئة مع الحذر من المبالغة المنفرة؛ ويكون ذلك بعدد من الوسائل، منها:
أ- مساعدة صاحب المناسبة بالسعي في إجراءات ترتيب اللقاء، ودعوة الضيوف، وكل ما يمكن القيام به من خدمة.
ب- توزيع أي جهد دعوي صالح وموثق أثناء اللقاء، سواء أكان شريطاً، أو كتيباً، أو ورقة مفيدة، أو فتوى مهمة، والحرص على ذلك، والاستمرار عليه في كل مناسبة.
ج - دعوة بعض العلماء أو طلبة العلم في المناسبات العائلية؛ لإفادة الحاضرين فيما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم، ويتم التركيز على المواضيع التي تهم عموم الأسرة.
د - إعداد المسابقات الثقافية المناسبة لجميع فئات العائلة؛ لاستغلال الوقت بالنافع والمفيد، ولرفع المستوى الثقافي لأفراد العائلة.
هـ- الحديث عن أحوال المسلمين وأخبار العالم الإسلامي، كما يمكن عرض بعض أفلام -الفيديو- التي تظهر هذا الواقع؛ لزرع الإحساس بمآسي المسلمين، وحثهم على دعمهم والدعاء لهم.
و- التذكير والحث على مجالات الخير المنتشرة والحمد لله: كالمحاضرات، والخطب، والندوات.. والإعلان عنها، والتعريف بالأشرطة الجيدة، وأماكن وجودها.
ز- طبع أسماء وهواتف أفراد العائلة بشكل جذاب، وتوزيعها؛ للمساهمة في صلة الرحم.
ح- استخدام القصص والحكايات الواقعية المؤثرة للدعوة، وقد لوحظ أن هذا الأسلوب من أقوى أساليب التأثير على الناس وأيسرها، ويمكن الاستفادة من بعض الكتب التي تحكي هذه القصص، ثم سردها في هذه اللقاءات.
ط- توقير الكبار وأصحاب الوجاهة في العائلة، وتذكيرهم بالثمار التي تجنى من خلال تلك اللقاءات؛ لكسب تأييدهم لمشاريع الدعوة العائلية من بدايتها، ولكي يُستفاد من مكانتهم في تقوية الدعوة العائلية، أو على الأقل حتى لا يكونوا معارضين لها.
6- الإحسان إلى أفراد العائلة، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، ومساعدتهم فيما يحتاجون إليه، وإحياء معالم التكافل الأسري، ويجب على الداعية أن يُعرَف بالمواقف المشرفة وعلاج الأزمات، وليس فقط بالوعظ والإرشاد، ويحسن أن يقوم الداعية بتلمس احتياجات أفراد العائلة، والمبادرة بمساعدتهم قبل أن يُطلب منه ذلك، مع الحذر من التطفل عليهم في أمورهم الخاصة.
7- حصر المخالفات الشرعية الموجودة في العائلة؛ للتركيز عليها وإصلاحها تدريجيّاً بالحكمة والأساليب المناسبة، ويحسن هنا محاولة معرفة أسباب الانحراف ليسهل العلاج.
8- الاهتمام بالأطفال والمراهقين، فقد قال أحد الحكماء: 'أكرم صغارهم؛ يكرمك كبارهم، وينشأ على محبتك صغارهم'، ويكون ذلك بإعداد أنشطة خاصة بالصغار والمراهقين، يُراعى فيها سنهم وميولهم، ويمكن القيام بالرحلات وتنظيم ذلك للخروج بأكبر فائدة.
9- الزيارات المنزلية لأفراد العائلة؛ لما فيها من محبة، ورفع الكلفة وتعميق الروابط؛ وهذا مما يغفل عنه كثير من الدعاة؛ لكثرة الأشغال وعدم التفرغ، مما ينتج عنه وجود حاجز بين الداعية وأفراد عائلته.
10- تقديم الهدايا لأفراد العائلة، والتودد إليهم لما للهدية من أثر عجيب؛ فهي تقرب البعيد، وتؤلف القلوب، وتروض النفوس المستعصية، وتحبب الداعية إلى الناس، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( .. وتهادوا تحابوا، وتذهب الشحناء ) .
11- الاستفادة من بعض العادات والتقاليد الموروثة - غير المخالفة للشرع - لدى بعض الأسر واستثمارها في المجال الدعوي، نحو ما ينتشر بين النساء - خاصة- من قيامهن بزيارة المرأة التي رزقت بمولود، أو المتزوجة حديثاً، أو القادمة من سفر بعيد .. أو غير ذلك، وتقدم هدية عينية لهذه المرأة، فحبذا لو أضيف لهذه الهدية المادية مجموعة من الأشرطة والكتيبات والنشرات الدعوية الصالحة .. وغيرها مما ينفع المهدى إليه في دينه.
12- الاهتمام بتأمين الدعم المادي؛ لإنجاح المشروع الدعوي العائلي، فبدون ذلك لا يمكن الاستمرار في إيجاد الحوافز: كالهدايا، وجوائز المسابقات، والتوزيع الدوري للأشرطة والكتيبات، وهذا الدعم المادي يجب أن يكون مستمرًّا، وغير منقطع طوال العام.
13- شكر كل من أسهم في التواصل في العائلة، أو ساعد في الدعوة، تشجيعاً له للمواصلة وبذل المزيد، وحثًّا لغيره للقيام بدوره.
14- الحرص على إيجاد صندوق للتكافل العائلي، يكون الاشتراك فيه ضمن أسس متفق عليها، وتكون مهمة القائمين على هذا الصندوق متابعة أوضاع العائلة واحتياجاتها، مثل:
أ - الشاب الذي يريد الزواج، ومساعدته.
ب - الفقراء في العائلة، أو من تحمّل ديناً، ومساعدته بأسلوب يحفظ له كرامته.
15- الدعاء والتوجه إلى الله، وطلب عونه - جل وعلا -، والدعاء لأفراد العائلة بالصلاح والهداية، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل ) .
أسباب نجاح الدعوة العائلية واستمرارها:
هناك بعض الأسباب المؤثرة على تطبيق برنامج الدعوة، يجب أن يأخذ بها كل من يتصدى للدعوة العائلية، ونورد هنا بعض الأسباب العامة التي يجب أن يضعها الداعية ضمن خطته الدعوية:
1- الإخلاص لله تعالى، وإيمان الداعية بما يدعو إليه؛ فالدعوة النابعة عن إخلاص مع القوة والعزيمة والإيمان والاعتماد على الله لا بد أن تؤثر وتؤتي أُكُلَها، فالإخلاص أمرٌ مهمّ لنجاح الدعوة واستمرارها.(17/169)
2- أن يعمل الداعية بما يدعو إليه، ويبتعد عما ينهى عنه، فليس معقولاً أن يؤثر في الناس من يقول ولا يفعل، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ } [الصف: 2، 3] وقد ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يُجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلِقُ أقتابُه - يعني أمعاءه - في النار، فيدور كما يدور الحمارُ برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أيْ فلانُ، ما شأنُك؟! أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه ) .
3- دراسةُ أي نشاط مُقْتَرحٍ للتطبيق على الدعوة العائلية دراسة مستفيضة لمعرفة إمكانية تنفيذ هذا النشاط؛ إذ لا يكفي أن تكون الفكرة ممتازة وهادفة، بل لا بد من معرفة إمكانية تنفيذها واستمرارها، عملاً بقوله حينما سُئل: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ فقال : ( أدومُها وإنْ قلّ )لأن التذبذبَ وبدْءَ النشاط ثم إيقافَه، أو عدم إخراجه إخراجاً جيداً ومشوِّقاً: يقلل من استجابة المدعوين إن لم يُفْقِدْهم الثقة والاحترام للبرنامج الدعوي.
4- عدم اليأس أو استعجال النتائج، وضرورة التأني وبعد النظر، وهذا الأمر يغفُل عنه كثير من الدعاة؛ فنجد أحدهم يتعجل النتائج، ويستغرب بطء استجابة الناس، وينسى قول الله تعالى : { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً } [الإسراء: 106] فيجب على الداعية أن يكون حكيماً، ولا يغفل عما أحدثته وسائل الهدم في عقول الناس وأفكارهم، وأن ذلك قد استغرق وقتاً طويلاً، فلا نستغرب أن نحتاج إلى وقت مناسب لإعادتهم إلى طريق الهداية.
5- الانتباه إلى أن الانفتاحَ مع العائلة ودعوتَها يجب ألا يؤدي إلى مداهنة الداعية، فيشارك أو يحضر بعض المنكرات التي لا يجوز حضورها، أو يسكت عن بعض المنكرات التي لا ينبغي له التأخر في إنكارها.
6- أن يعلم الداعية حال من يدعوهم؛ لأن الناس يختلفون في مدى تقبلهم للدعوة، فمنهم من يرضى بها، ويُقبِل عليها، ويتفاعل معها، ومنهم من يغلق قلبه أمامها، ويصم أذنيه عن سماعها، ويرفض أن يتفاعل معها. وكل واحد من هؤلاء يحتاج إلى معاملة خاصة. وأيضاً يجب أن يعلم الداعية أن النفس البشرية لشخص واحد تختلف من وقت إلى آخر، فيجب مراعاة ذلك.
7- أن يعلم الداعية حال المتعاونين معه من الأخيار في العائلة، وأن يكون خبيراً بهم وبقدراتهم، فيضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وأن يُوَجِّه كل شخص إلى ما يمكن أن يُبْدِعَ فيه.
8- التركيز على بناء العقيدة وتثبيت الإيمان، لأنها الأساس والأهم، والخطوة الأولى في الدعوة، وذلك عن طريق التركيز على:
أ - مواضيع العقيدة والإيمان، مثل: تعليم التوحيد، ومعنى ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ، والتحذير مما يضاد ذلك، ومثل: اليوم الآخر، والجنة، والنار، والخوف من الله، ومحبته، وترسيخ التوحيد بمعانيه الشاملة.
ب - بناء الحصانات الفكرية ضد الشبهات الموجهة للإسلام وبناء الحصانة ضد الفرق الضالة.
ج - تصحيح المفاهيم في القضايا التي شوهها أعداء الإسلام، وطرح المفاهيم الغائبة التي يحتاج إليها المسلم.
9- العناية بجانب الوعظ والرقائق، والترغيب والترهيب، وتعظيم الله في القلوب، وربط المدعوين بالقدوات الصالحة من السلف، وبيان محاسن الإسلام وجوانب الإعجاز في تشريعه.
10- عدم التعالي أو الظهور بمظهر العالم أو الأستاذ، لكي لا يثير المدعوين، وخصوصاً كبار السن منهم، وليحرص الداعية دائماً على عدم إثارة غيرة الآخرين منه.
11- الحرص على المظهر الحسن، فليس من الدين في شيء أن يكون الداعية رثَّ الثياب، فالله جميل يحب الجمال، ويحب أ ن يُرى أثر نعمته على عبده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب أن يُرى أثرُ نعمته على عبده ) .
12- استخدام التوجيه غير المباشر، وعدم المواجهة بالعتاب، بحيث يقوم الداعية بالتوجيه دون أن يعلم المدعوون من هو المقصود بهذا التوجيه، وهذا منهج نبوي، حيث كان حين ينكر على أصحابه بعض الأعمال يقول: ما بالُ أقوامٍ يفعلون كذا وكذا. وبهذا الأسلوب يتفادى الداعية التصادم، أو إثارة الرفض، والاستعلاء لدى المدعو.
13- الصبر وسَعَة الصدر واحتمال الأذى؛ لأن من يتصدى للدعوة إلى الله لا بد أن يناله أذى وابتلاءٌ وهذا هو طريق الأنبياء والرسل وكل من قام بهذه المهمة العظيمة، يقول الله تعالى : { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ } [الأنعام: 34] فيجب على الداعية أن يستوعب ذلك، ويصبر، ويتسم بطول النفس وبعد النظر، حتى تتحقق له الغاية المنشودة.
14- الانتباه إلى وسائل الهدم في العائلة، سواء أكانت هذه الوسائل أشخاصاً أو أجهزة أو غير ذلك، ثم مقاومتها بالحكمة؛ لأنه بغير ذلك نجد أن ما يبنيه الداعية في وقت طويل يُهْدَمُ في لَحَظَات [وليس الذي يبني كمن هو يهدمُ].
كلمة أخيرة:(17/170)
وصية مهمة لك أيها الأخ المبارك حين تختار من يعينك على هذا المشروع من الأخيار الصالحين في عائلتك، فعليك بمن تتوسم فيهم الشجاعةَ والكرمَ، فلا يستطيع أن يقوم بهذا المشروع إلا من كان لديه إقدام وشجاعة، ولا يستطيع أن يستمر في هذا المشروع إلا من يكون كريماً، ليس في بذل أمواله- فقط- في سبيل الدعوة، ولكن في بذل الأوقات، وهذا قد يكون أهمَّ من الأموال التي يمكن الحصولُ عليها من مصادر أخرى؛ فالبخيل بوقته لا يمكن أن يقوم بعمل قوي ولا بنشاط دائم مستمر، وهما أصل هذا المشروع الدعوي.
وفي الختام:
اعلمْ أنك من خلال هذا المشروع الدعوي العائلي المبارك لن تخسر شيئاً قط، بل سوف تستمتع بذلك، وسوف تجد السرور والطمأنينة في قلبك، وهما عاجل بشرى المؤمن، وسوف يهبك الله تعالى من السعادة والتوفيق - حتى في أمورك الدنيوية - ما لا تحتسب، ومع ذلك: فإنه يجب عليك أن تعلم أن الدنيا ليست هي دار الجزاء، وإنما هي دار الكد، والكدح، والعمل، أما جزاؤك فتنتظره في الدار الآخرة عند الله.
ولا يعني هذا أن المهمة سهلة، وأن الطريق معبّدة.. لا؛ فإن المهمة صعبة، والطريق وعِرةٌ شائكة، والمعركة على أشدها في زمن سادت فيه الشهوات، وانحرفت الأخلاق، وسيطر على الناس حبُّ الدنيا حتى شغلتهم عن الآخرة وأنستهم إياها. ولكن مما يشد العزم ويقوي الهمة للقيام بهذا المشروع: استحضارنا لمعية الله الخاصة بعباده المؤمنين { وَالَّذِِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [ العنكبوت: 69]، وإيماننا أن الثواب على قدر المشقة، وكلما كان الجهد أكبر، كان الثواب أعظم، أضف إلى ذلك: ما يحصله الإنسان من سعادة حين يشعر أنه قد تخطى الصعاب والعقبات وكان له سهم في خدمة هذا الدين.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المصلِحين العاملين الموَفَّقين.
المصدر : مفكرة الإسلام
============
فتور الدعاة .. الأسباب والعلاج
عماد الدين دهينة
دعونا نتفق ابتداء على أن هذا الموضوع إنما نتوجه به إلى فئة عاشت لهذه الدعوة، وقاست معاناة السعي لهداية الناس، وكابدت الأشواق لإقامة شرع الله، وجاهدت في سبيل ذلك، ثم بعد ذلك أصابهم الفتور لعلة أو لأخرى.
أما الذين تحملهم الدعوة ولا يحملونها، ويعيشون فيها ولا يعيشون لها، ويحتاج كل جهد ضئيل منهم إلى الاستنفار والاستفزاز، ويؤثرون الكلام على العمل، أو من ألقت بهم الأقدار في حقل الدعوة، وارتبطت بها معيشتهم على غير اختيار منهم ولا رغبة، فعليهم أن يراجعوا أولا جلال الله في قلوبهم، ووضوح منهجه، وطبيعة دينه في عقولهم، وأن يراجعوا ثانيا إيمانهم بضرورة القيام بواجب الدعوة إلى الله عز وجل.
والفتور الذي نقصده هنا هو الفتور في الدعوة، أما الفتور في العبادة أو في طلب العلم أو غير ذلك فغير مقصود هنا، رغم أن الأسباب وطرق العلاج تتشابه، بل إن الفتور نفسه لا يصيب عادة جانبا واحدا من جوانب الداعية، بل يصيب جوانب متعددة بنسب مختلفة.
تعريف الفتور
يعرف علماء اللغة الفتور بعدة تعريفات متقاربة، ففي مختار الصحاح: الفترة: الانكسار والضعف، وطرف فاتر إذا لم يكن حديدا، أي قويا. وقال الراغب الأصبهاني في مفردات القرآن: الفتور: سكن بعد حدة، ولين بعد شدة، وضعف بعد قوة، قال تعالى: { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل } ، أي سكون حال عن مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: لا يفترون، أي لا يسكنون عن نشاطهم في العبادة.
ونخلص من هذا إلى أن الفتور هو ضعف وتراخ بعد جد وهمة.
يقول ابن حجر رحمه الله : " الملال استثقال الشيء، ونفور الناس عنه بعد محبته، وهو داء يصيب بعض العباد والدعاة وطلاب العلم، فيضعف المرء ويتراخى ويكسل، وقد ينقطع بعد جد وهمة ونشاط. وفي القرآن الكريم قال الله تعالى مثنيا على الملائكة: { يسبحون الليل والنهار لا يفترون } .
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لكل عالم شِرّة، ولكل شرة فترة، فمن فتر إلى سنتي فقد نجا، وإلا فقد هلك ) .
ولما بكى ابن مسعود في مرض موته رضي الله عنه قيل له: ما يبكيك؟ قال: إنما أبكي؛ لأنه أصابني في حال فترة، ولم يصبني في حال اجتهاد.
ويقول ابن القيم رحمه الله: " تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم رجي له أن يعود خيرا مما كان " .
وكذلك ورد عن علي رضي الله عنه أنه قال : " إن النفس لها إقبال وإدبار، فإذا أقبلت فخذها بالعزيمة والعبادة، وإذا أدبرت فأقصرها على الفرائض والواجبات " .
الأسباب والعلاج
للفتور أسباب كثيرة، فمنها :
1- انخفاض معدل الإنجاز، أو الإخفاق دون توقع
حيث الإفراط في التفاؤل، فتتلبس بالنفس المثبطات، فتضطرب وتقلق، ثم تفتر وتقعد.
ومثال ذلك ما حدث للمسلمين يوم أحد حيث استثقلوا الهزيمة، وتساءلوا عن ذلك وهم المؤمنون، فقال تعالى: { قل هو من عند أنفسكم } ، { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } .
فإذا أخذ الداعية بأسباب النجاح ثم جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن رأيته يائسا قانطا، أو مؤديا فاترا.
وعلاج ذلك ما عالج به رب العالمين المسلمين يوم أحد، حيث بين لهم أسباب الهزيمة، من ضعف الأسباب، ومخالفتهم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يستكملوا عدتهم، ويثبتوا على أوامر الله ورسوله، ثم ربت على أكتافهم برحمته وحنانه: { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } .(17/171)
كما يجب أن يعلم الداعية أننا متعبدون بالأسباب والعمل والجهاد، ولسنا متعبدين بالنتائج، فهذه بيد القدرة تحركها كيف تشاء، فلا يجب أن نستعجلها، { وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم } .
2- العيش في بيئة دعوية غير ملائمة
فيتأثر الداعية بما فيها من أمراض دعوية، مثل :
* أن تكون البيئة الدعوية مليئة بالفاترين وأصحاب الهمم الضعيفة.
* عدم وضع الفرد في مكانه الصحيح، أو عدم تكليفه بالأعمال المناسبة له .
* أن تكون معاملة المربي للداعية سيئة، فيتخذ منه موقفا يكون سببا في ضعف حركته وفتور همته .
* مقارنة النفس بمن هم أقل في المستوى، والنظر دائما إلى أسفل .
* أن يكون التاريخ التربوي للداعية فيه خلل، مما يؤدي إلى استعجال للنتائج أو الإهمال أو غيره .
وعلاج ذلك في الآتي:
* رفع شعار الأخوة والحب، وفي ظله تذوب الفتن والمشكلات .
* ابدأ بنفسك واستكمل زادك، ولا تترك نفسك للفراغ { فإذا فرغت فانصب * والى ربك فارغب } .
* وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، مع اعتبار الشفافية في كل التعاملات والتصرفات .
* عدم إنكار الأخطاء الموجودة في المحيط الدعوي، ومحاولة إصلاحها، وعدم التستر عليها تحت دعاوى مختلفة .
* مجالسة ومصاحبة أصحاب الهمم العالية والتأسي بهم .
* القراءة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضوان الله عليهم، وسير المصلحين عبر التاريخ، واستلهام القدوة منهم .
* احتساب الأعمال عند الله عز وجل واصطحاب معيته .
3- الشعور بضخامة الباطل وكثرة التحديات التي تواجه الدعوة
فذلك يورث في النفس شعورا بالضعف أمام هذه التحديات وعدم القدرة على مواجهتها .
وعلاج ذلك في:
* الثقة في نصر الله عز وجل، ووعده للمؤمنين بالاستخلاف والتمكين والأمن .
* الشعور بعظم الأجر عند الله بسبب الاشتراك في إعادة بناء صرح الإسلام بعد أن تنحت الأرض عن شرائعه، كما فعل السابقون إلى الإسلام في مكة، بل منهم من استشهد ولم ير النصر .
4- تراجع الإيمانيات عند الداعية
ومن مظاهر ذلك:
* بعض الدعاة يذنب بطبيعته البشرية، فيفرط في تضخيم الذنب، فيفتر ثم يتهم نفسه بأنه ليس أهلاً لهذه الدعوة. أو على العكس فيستصغر الذنب حتى يكون له عادة، فيتكاثر الران في قلبه، فيتثاقل وينشغل عن الدعوة .
* ضعف الصلة بالله، وقلة ذكره ودعائه، والكسل في أداء الفرائض .
* التقصير في عمل اليوم والليلة، من أذكار ونوافل وأوراد .
* هجر القرآن وعدم تدبره .
* إهمال الدعاء بالتثبيت، والاستهانة به .
* عدم تذكر الموت، والغفلة عن الآخرة .
وعلاج ذلك في الآتي:
* المسارعة إلى التوبة من الذنوب، وعدم استصغارها أو استعظامها، فالاستصغار يوجب التفريط، والاستعظام يوجب القنوط. ويجب استشعار رحمة الله وإحسان الظن به سبحانه، وإتباع السيئة الحسنة فتمحها، { إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } ، وقد وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } .
* الحرص على إقامة الفرائض في أوقاتها تحت أي ظرف، وعدم التهاون فيها .
* ملازمة القرآن، مع الحرص على القراءة بتدبر واستحضار لمعاني الآيات .
* ذكر الله تعالى على جميع الأحوال، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودوام الاستغفار .
* التأمل في السيرة النبوية، والتدبر في حال النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه، وكذلك صحبه الكرام .
* تذكر الموت دائما وأحوال الآخرة، والمطالعة فيها، وزيارة القبور وأصحاب العلل والعاهات، ففي ذلك جلاء للقلوب .
* تهيئة أوقات للعزلة المنضبطة، وتخصيصها للتفكر والمراجعة والمحاسبة، والعزم على الاستدراك .
* مجالسة الصالحين ومصاحبتهم .
* المصدر : إسلام أون لان
==========
من يرد الله به خيراً..
أحمد الصويان
من السمات البارزة التي يتميز بها العمل الإسلامي المعاصر أنَّ معظم القيادات الرئيسة إلا ما ندر تظهر عليهم آيات الصدق والإخلاص ـ هكذا نحسبهم والله حسيبهم ـ، وهذا أمر عظيم جليل القدر، ولعله من أبرز أسباب التوفيق الذي نلمس آثاره هنا وهناك، فنحمد الله على ذلك حمداً كثيراً.
لكن اللافت للنظر أنَّ حظَّ كثير من تلك القيادات في العلوم الشرعية ربما يكون قليلاً، فتراهم يتحدثون في مسائل إسلامية خطيرة، ونوازل عصرية معقدة، ويقودون أتباعهم إلى مفاوز متشابكة، ومبلغهم من العلم مجرد ثقافة إسلامية عامة، ولم ترسخ أقدامهم في رياضه، ولم تتضلع صدورهم من بركته..!
بل إن المتخصصين في الدراسات الشرعية قد يجدون الإقصاء والتهميش أحياناً؛ لأن لهم رؤية علمية مستقلة، تنطلق من محكمات الشرع، وتقدم المقاصد والمصالح الشرعية على غيرها من المقاصد والمصالح المتوهمة، ولأنهم قد يتحفظون في بعض المواقف والممارسات العملية بسبب مخالفتها للنصوص والقواعد الشرعية، وقد يُوصَفون بالجمود، ويُلمزون بالجهل بالسياسة..!
هذه الظاهرة جديرة بالدرس والتحليل؛ لأن الانفصام بين العلم والدعوة عواقبه خطرة جداً، وانعكاساته المتراكمة كثيرة، والحركة الدعوية إذا ازدرت العلماء، وهجرت العلم الشرعي، أو اكتفت بمُلَحِه وزغله، وغلَّبت المناورات السياسية؛ وقعت في شَرك الانحراف والتخبط، وما أكثر ما سمعنا أو رأينا من المواقف المضطربة لبعض التجمعات الإسلامية التي تضرب بها في دروب الفتنة، دون أن تلجمها بقواعد الشرع ونصوصه المحكمة.
قال الله - تعالى -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].(17/172)
تأمل هذه الآية.. وستجد أن البصيرة ليست مهمة القادة فحسب، بل إنها مهمة القادة ومهمة الأتباع على حد سواء، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ يُرد اللهُ به خيراً يُفقِّه في الدين»(1)، وهذا عام في الأفراد والجماعات، ومقتضى ذلك أن مَنْ لم يُرد به خيراً ينزع منه الفقه في الدين، فتراه يتيه في دروب الجهالة، ومفاوز الضلالة.
في كل نازلة تعصف بالأمة يزداد يقيني بأهمية الدور الريادي للعلماء الربانيين، فهم أقدر من غيرهم على معرفة أدوائها، وأفقه في إدراك سبيل نجاتها، وأبصر في رؤية مستقبلها وتطلعاتها.
إنَّ العلم الشرعي هو الأساس الذي يبني العقل، ويوسِّع المدارك، ويربي الخُلُق، وما ظهرت الغثائية في بعض جموعنا الإسلامية، وانتشرت الهشاشة الفكرية؛ إلا بعد أن هُجر العلم الشرعي، وأصبح عند بعضهم مجرد ترف كمالي، يصرفهم عنه أدنى صارف من الصوارف!
_____________________________________
- (1) أخرجه: البخاري في كتاب العلم، (1/ 164)، رقم (71)، ومسلم في كتاب الزكاة، (2/ 718)، رقم (1037).
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==========
من عجائب الرقى !
موسى محمد هجاد الزهراني
يقولون العجائب في الدنيا سبع. ولا تطالبوني بِعدِّها؛ ولكن الثامنة ليست كافوراً الأخشيدي الذي عدَّه المتنبي أوَّلها مع أنه آخرها؛ حينما غضب عليه لأنه أطمعه في إقطاعه أرضاً لم يظفر بها مع طول مكثه في أرض مصر فقال يهجوه:
يُعَدُّ إذا عُدُّ العجائب أولاً *** كما يبتدأ في العدِّ بالإصبع الصغرى!
وهذا البيت يعد من عجائب المتنبي. ولكن ثامنة العجائب؛ ما وقع لي:
جاءني رجل كبير في السن؛ قد بلغ الثمانين من عمره؛ لست أعرفه إلاَّ لِماماً؛ ألقاه في كل عامٍ مرتين منذ سنة؛ له لحية حمراء تزين وجهه الوقور؛ فسلم عليّ بعد صلاة عشاء ليلةٍ؛ فقبّلت رأسه ممتثلاً قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - " إن من إجلال الناس إكرام ذي الشيبة المسلم "... ثم فوجئت به يرجوني أن أذهب معه إلى منزل قريبٍ له؛ لأرقي ابنه!، وشكا إليّ بعبرة يقطر منها الحزن والأسى، والدمعُ يتقاطر من عينيه، وقال: إن ابنه قد أُصيب بالصرع مغرب هذا اليوم. فحاولت جاهداً أن أعتذر منه لارتباطي بموعدٍ سابق يجب أن أذهب إليه؛ فلم يقبل عذري؛ وقال باللهجة العامية الأبوية الحانية " تكفى يا وليدي الله يرحم والديك ".. فوافقت مكرهاً؛ ولأنني أيضاً لست ممن يقرؤون على الناس؛ يرقونهم فيأخذون أضعاف ما يأخذه موظف في شركة أرامكو منذ أربعين سنة! بنفثةٍٍ واحدة. (قارورة) ماء الصحة بأربعة ريالات في البقالات إذا غلا سعرها وكبر حجمها؛ فما بالها إذا وقعت تحت أفواههم وريقهم يغلى سعرها حتى تبلغ خمسين ريالاً فيعتقد السذج من العامة أن فيها شفاءً لا يقبل الجدل؛ وهكذا سعر الزيت؛ زيت الزيتون؛ يكاد يضاهي سعر برميل البترول في السوق السوداء هي الأيام؛ وما السر فيه إلاّ أن فلاناً نفث فيه فطار سعره حتى بلغ عنان السماء.. ولست أعمم لكن الأعم الغالب هذا وضعهم حتى صار الناس فريقين؛ فريق ينفي جدوى الرقى؛ ويتهم الرقاة كلهم بالدجل والشعوذة ويجد العلمانيون عند هؤلاء مرتعاً خصباً لبث خبثهم ونفث شرورهم. وفريق آخر يعتقد أنها تنفع بذاتها وليس بإذن الله وقدرته.. والصواب أنها مندوبة إن كانت بما بيّنه أهل العلم الثقات من شروط.... (1) ولم يبلغنا أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع أهل المدينة كلهم وأدخلهم من باب وأخرجهم من الآخر لكي يرقيهم؛ كما يفعل بعض هؤلاء الذين يحشدون عشرات الناس من عقلاء ومجانين ويقرؤون عليهم عبر مكبر الصوت فيتهافتون تهافت الفراش في النار؛ بين مريض حقاً؛ وخائف انخلع قلبه من هول ما رأى؛ فاختلط الحابل بالنابل؛ وأتحدى رجلاً منهم يأتينا بدليل على أن القراءة الجماعية على الناس بتلك الطريقة سنةٌ.
* * *
خرجت بكم عن القصة! وافقت مكرهاً؛ وذهبت إليهم؛ فوجدت ابنه قد أناف على العشرين سنة بثلاثة أعوام؛ وإذا به يرقد على فراشٍ أعدوه له في صدر المجلس؛ وقد دثروه بـ(البطانيات) الثقال! ؛ وكان شبه فاقد الوعي إلاّ أنه يتكلم بلسان أعوج؛ والدمع يكف من عينيه على مخدته؛ وأبوه هذا الطاعن في السن يحنو عليه وينحني يقبله ويناديه باسمه ويبكي بكاء يقطّع القلب.. ويناديه باسمه؛ يا........ فيجيبه بلسانه المعوجّ؛ وبصوت مخنوق(لبيك)!. أما أنا فقد استعنت الله - تعالى - وسميت الله ووضعت يدي على جبينه؛ ومكثت قريباً من ساعة إلاّ ربعاً أقرأ عليه الآيات التي تزلزل جبال السروات؛ فلا أراه يتحرك...
سوى أنه يردد كلاماً.. يطلب أباه وضع يده على لحيته ويتحسسها ويخبر أباه أنه يحبه.. أتظن أنني لا أحبك؟ وأبوه المسكين؛ يذرف الدمع ويحتضنه بين ذراعيه؛ ثم ختمت قراءتي عليه.. بعد أن تبين لي أمرٌ كدت أنا الذي أصرع من جرائه! ذلك أن صاحبي المصروع هذا تنبعث من فيه رائحة الخمر!!.. يعني أنني رقيت سكران خمسة وأربعين دقيقة.. وأظنها أول مرة في التاريخ.. رقية على سكران!.
وأبوه المسكين يستخبرني عن حاله: (هاه يا وليدي طمنّي الله يبارك فيك)..
قلت له: لا.. الحمد لله ابنك بخير إن شاء الله؛ ما فيه إلا العافية.. وأظن أن به عيناً!.. ولم أكذب فإن له عينين ولساناً وشفتين.. لكنه سلك أحد النجدين؛ سلك الطريق المختصر المؤدي إلى جهنم..
ثم استأذنت وقد استأت لهذا الأمر المضحك المبكي؛ ويا حسرة على موعدي الذي أخلفته من أجل أن أرقي سكران أفندي هذا!.
لحق بي قريبٌ له تبين لي أنه ابن عمه فقال لي: ما الأمر؟
قلت: لا شيء؛ كما سمعت به عيون!(17/173)
قال: أصدقني الخبر يا شيخ أرى في وجهك أمراً غير هذا..
قلت: فإنه سكران والسلام.
فصعق؛ وكاد يسقط على الأرض من الحياء؛ ثم قال: اذهب أنت الآن وأسأل الله لك التوفيق وأعتذر لك والله عما حدث؛ لكنه أمر الله..
في صباح اليوم التالي وبعد أن قضينا صلاة الفجر؛ جاءني الأب فرحاً مستبشراً؛ يتهلل وجهه ويخبرني أن مصروع أفندي قد استفاق بعد نصف الليل وهو الآن بخير و أنه يدعو لي!! تخيل!
* * *
في ضحى النهار؛ جاءني ابن عم الشاب وبرفقته الشاب نفسه؛ في مقر عملي؛ ففاجئاني بزيارتهما؛ فجلسا أمامي.. فإذا صاحبنا المصروع يطأطأ رأسه؛ ويلقي ببصره على الأرض.. والخجل يتقاطر من وجهه..
اتجهت إليه مستفهما بيدي أن: ما الذي حدى بك إلى شرب الخمر وأنت في هذا السن الطري؛ وقد حباك الله - تعالى - أباً لا يعرف في عمره إلاّ ملازمة المساجد والاجتهاد في العبادة.. وكلاماً نحو هذا..
فأجهش بالبكاء؛ ثم أخبرني بأن هذه أول مرة في حياته يقدم على شرب الخمر وكانت تجربة قاسية له. قال: كنت أريد أن أنسى همومي التي ابتليت بها؛ مع قلة الناصر؛ وفقدان المعين.. ثم علمت بأن له أخاً ابتلي به؛ ليس يسقيه الخمر؛ ولا يعينه على المنكرات؛ بل إنه من الدعاة إلى الله - تعالى -! قد حرم عليهم كل شيء؛ وأحصى عليهم أنفاسهم في البيت وحاسبهم قبل يوم الحساب؛ وسامهم سوء العذاب؛ حتى إنه أجبرهم على دخول مدرسة تحفيظ القرآن.. معاذ الله؛ ولكنه له ميول علمية دنيوية وهو يعلم أنه سيفلح فيها ويكون من المتفوقين. قال: والقرآن لم أهجره؛ بل إنني ملتحق بحلقة التحفيظ المقامة في مسجد الحي...
فأخفقتُ في الدراسة.. ثم تخرجت منها بعد أن بلغت روحي الحلقوم؛ فالتحقتُ بعد تخرجي منها بجامعة (الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) ولا أزال أعاني مالا تعانيه الصُّمُ الصِّلاب؛ من بُعْد الشُّقّة بيني وبين من كنتُ أظنه عوناً لي من أهلي؛ ومن جفوة هذا الأخ الذي حبّب إليّ الكفر والفسوق والعصيان.. أستغفر الله! ؛ مع أنني لم أترك الصلاة في حياتي إلاّ عشاء البارحة! فلم أقضها إلى هذه الساعة!... فكنتُ في الجامعة أسوأَ مني في مدرسة تحفيظ القرآن. أتعلمُ كم بلغ مُعدلي التراكمي الآن؛ مع أنني في المستوى السادس الجامعي؟! أي مضى على التحاقي ثلاث سنوات؟.
قلت: كم؟
قال: 1، 85!
قلت: لكن هذا ليس مبرراً لشرب الخمر..
قال: يا شيخ بارك الله فيك.. أتسمع قصتي حتى أنهيها..
قلت: تفضل!
قال: هل تعلم أن أخي الأكبر هذا يركّب ساعته المنبهة على الثالثة والنصف بعد نصف الليل فيقوم....
قاطعته؛ قلت: الحمد لله هذا يدل أن أخاك عابدٌ من الطراز الأول؛ وقلّ أن يوجد بين الشباب الملتزم من يقوم الليل؛ فقيام الليل شرف المؤمن و....
قال: ألم أقل لك بارك الله فيك اسمح لي أكمل لك..
قلت: آسف.. تفضل.
قال: هو يقوم الليل؛ لا ليصلي ويتهجد ويفعل ما ذكرت؛ ولكنه يستيقظ لكي يبحث عنا في فرشنا فإذا لم يجدنا ركب سيارته؛ وجاب شوارع الرياض كلها للبحث عنا؛ فإذا لم يجدنا عند أحد من أقاربنا.. أقام الدنيا ولم يقعدها.. ويأخذ برؤوسنا ويجر الواحد منا بشعره أمام خلق الله وكأننا ارتكبنا الشرك الذي لا يغفره الله..
فكُنّا نتصور أن جميع من أطلق لحيته وقصّر ثيابه على هذا المنوال؛ حتى أنه كان يغري بنا والدنا ويشوه سمعتنا لديه ويشمُّ أفواهنا ليتأكد من عدم شربنا للدخان وهكذا أعيش في كنف الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان يقتل بالظن.. والشبهة.. وكم مرة فكرت فيها في الانتحار لولا تذكري عذاب الله؛ ونار جهنم.. يا شيخ! هل كل من التزم بالدين مطالب بأن يسوم العباد سوء العذاب؟!
* * *
أيها القراء الكرام.. لا تظنوا بي السوء! أو أنني إنما كتبت لأنال ممن حمل دين الله؛ أو أنني أوافق الشاب على كل ما ذكر.. ولكنني أتساءل.. ألم يبعث الله - تعالى - محمداً - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159) وقال (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (فاطر: 8) وقال (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4) وقال (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة: 128) وقال واقرؤوها جيداً - (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107)
أمعقول أن نقرأ هذه الآيات ثم نتخذها وراءنا ظهرياً؟ فلا نعمل بها مع علمنا أن الله - تعالى - قال (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب: 21)(17/174)
فهل من المعقول أن يُبعث النبي - عليه الصلاة والسلام - رحمةً للعالمين ويكون بعضنا معاشر الدعاة- عذاباً على العالمين؟! نحصي عليهم أنفاسهم ونتبع عوراتهم وعثراتهم؟ ونلغي من حياتنا مبدأ الرأفة والرحمة والشفقة التي كادت تذهب بنفسه - عليه الصلاة والسلام - حرقة على العاصين من قومه حتى طمأنه ربه بقوله - تعالى - (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (فاطر: 8) ونلغي مبدأ الستر؛ لا تقولوا هذا كلام من يتصنع المثالية. فإنني والله لأعاني من بعض ما ذكرت وأسأل الله - تعالى - أن يعينني على إصلاح نفسي قبل نصح الناس ولكن عزائي:
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنبٌ *** فمن يعظُ العاصين بعد محمد؟
- صلى الله عليه وسلم -. إن هذا الأخ المستقيم هو مريدٌ للخير لا محالة؛ ولكن كم من مريد للخير لم يصبه، ولم يوفق إليه؛ يريد نفعاً فأضرّ؛ وكيف لو علم أن أخاه من جراء قسوته عليه لجأ إلى شرب الخمر لينسى همومه كما قال... ألا يتحمل نصيباً من وزره إن لم يكن الوزر كله؟! مع أن أخاه هذا (صاحبي)! شاب يبدو أنه ذو حياء واستحياء؛ وطيب تعاملٍ بل هذا هو الواقع كما حدثني عنه أقرباؤه؛ ولم يجاهر قط بمعصية يوماً أمام أخيه أو أبيه.. فكيف لو جاهر بها؟!.
كيف لو أنه أتى إلى أخيه يوماً يطلب منه أن يعيره سيارته ليذهبَ يركبُ فيها من يزني بها؟!! كيف ستكون ردة فعله؟ ألا يسوي به الأرض؟ وربما اقتاده إلى أقرب مركز هيئة؛ أو أقرب محكمة ليعلن على رؤوس الأشهاد والقضاة أن أخاه هذا زانٍ يستحق أن يقام عليه الحد. ما هو قولكم لو أخبرتكم وأنتم تعلمون ما سأقول.. أن شاباً من شباب الأنصار؛ يتفجر شباباً وحيوية جاء حتى جلس في أعظم مجلس وُجد على وجه الأرض؛ مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام. لقد جاء لحاجة دارت أعين صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما سمعوه يتفوه بها أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وهمّوا أن يبطشوا به.. أتعلمون ماذا كانت حاجته؟ إنه يستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الزنا! نعم في الزنا واقرؤوها جيداً.. جاداً غير هازل؛ أيهزأ أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ أيعقل أن يتجرد من حيائه ويطلب الزنا مازحاً؟! بل كان يعي ما يقول.. فماذا قال له المبعوث رحمة للعالمين.. ونحن كثيراً ما نقول هذه الجملة إذا استفتحنا بها خطبنا ونتشدق ولا نعلم معناها؛ إنه رحمة للعالمين كل العالمين وليس المسلمين فحسب؛ رحمةٌ حقيقة لا خيالاً..
قال له: ادن مني يا بني (وأنا أكتب من ذاكرتي بعيداً عن كتبي فاعذروني إن زللت) فدنا منه.. فقال له - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي: أترضى الزنا لأمك.. قال الشاب (وقد بلغت به الغيرة مبلغها): لا؛ حتى يخيل إليّ أنني أسمع رجع صداها من ناحية جبل أحد.. وترددها ضواحي طيبة الطيبة كلها.. كيف يرضى الزنا لأمه الحبيبة الغالية؟ فقال - عليه الصلاة والسلام - برأفته المعهودة: كذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم.
أترضاه لأختك؟! قال: لا.. قال - صلى الله عليه وسلم - كذلك الناس لا يرضون. أترضاه لعمتك.. لخالتك.. فعدد المحارم.. والشاب يجيب: لا؛ فداك أبي وأمي.. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يجيب: كذلك الناس لا يرضون. عندها قال الشاب: ادع لي يا رسول الله! فقال - صلى الله عليه وسلم - بعد أن وضع يده على صدره اللهم طهر قلبه وحصن فرجه. فقام الشاب من عنده وأبغض شيء على وجه الأرض عنده الزنا.
ألم يكن بوسعه - صلى الله عليه وسلم - أن يقول منذ الوهلة الأولى: يا بني اقرأ القرآن؛ ففيه كل آيات تحريم الزنا؟
أو.. يا بني: لقد تجرأت على مقام النبوة وانتهكت حرمة مجلسي وهيبتي أمام صحبي؟
أو.. يا بني: لقد رجمنا ماعزاً بالأمس والغامدية لأنهما زنيا؛ فهل تريد أن ترجم؟.
أو.. يا عمر يا أبا حفص! أرحنا منه بقطف رأسه وأنتم تعلمون من هو أبو حفص - رضي الله عنه -؛ وهو مَن إذا قال فعل.
لا لم يكن ذلك. وإنما كانت الرحمة بهذا الشاب سبباً في أن يبغض الزنا بغضاً عظيماً.
* * *
أين نحن من هذه الأخلاق النبوية العظيمة (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) أم أننا نريد فقط فتح أبواب جهنم في وجوه العباد؛ وإغلاق أبواب جنة عرضها السموات والأرض في وجوههم؟! ؛ ونقنّط العباد من رحمة ربهم؛ ونظن بخلق الله أسوأ الظن؛ ونجعلهم بحمقنا يتجرءون على معصية الله ويفعلونها بعد إذ لم يكونوا كذلك؛ ونيأس من توباتهم.
ولو كانت توبة العباد إلينا لربما لم نقبلها إلاّ بشروط معجزة كشروط القبول في الكليات العسكرية في القرن الخامس عشر؛ إلاّ أن تلك تقبل الواسطة! وهذه لا تقبلها!.
فهل نعي آيات ربنا التواب الرحيم؛ الرؤوف الكريم؛ الرحمن؛ غافر الذنب وقابل التوب ونرحم عباد الله (كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ)؟. انتهى المقال. السلام عليكم. تصبحون على خير.
------------
(1) - يعجبني بعض من ابتلي بعلاج الناس بالرقى؛حيث يبدأ بدرس في العقيدة؛ يوضح للناس فيه أن التعلق لا يكون إلا بذات الله وحده؛ وما الرقية إلا سببٌ قد تنفع وقد لا تنفع.. وما أحسن الاعتماد على النفس في الرقية بعد الاعتماد الله - تعالى -؛ واستخدام الرقى النبوية؛ وقراءة الفاتحة والنفث على مكان الألم.. وراجعوا كلام ابن القيم رحمة الله عليه في الجواب الكافي ومدراج السالكين عن أسرار الفاتحة.
http: //www.almuslm.net المصدر:
==========
الوحدة الإسلامية أهميتها ، أهدافها ، منهجها
محمد سرور بن نايف زين العابدين
إنما المؤمنون إخوة:(17/175)
قال - تعالى -: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) (الحجرات/ 8-10).
يقول - تعالى - آمراً بالإصلاح بين الفئتين الباغيتين بعضهم على بعض: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) فسماهم مؤمنين وإخوة مع الاقتتال.. كما أمر - تعالى - بقتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله ورسوله، فإن رجعت فاحكموا بينهما بالعدل، ولا تحابوا طائفة على أخرى، واعلموا أن الله يحب الذين يحكمون بالعدل.
وقال - تعالى -: (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) (الأنفال/1).
وكل مسلم يتدبر هذه الآيات يعلم إن إصلاح ذات البين واجب عليه، فلا ينبغي له اليوم أن يتقاعس عن أداء هذا الواجب وهو يرى بعينه هذه الصومات بين الدعاة والجماعات الإسلامية.
كما أنه لا ينبغي له أن يقبل وجهة نظر طرف دون أن يسمع وجهة نظر الطرف الآخر، وإن زعم أنه يثق بصدق الجهة التي سمع رأيها، وعليه أن لا يتجاهل أن الدعاة الآخرين إخوانه، وربما كان الحق معهم.. وأمامه إن أراد العدل منهج علماء الجرح والتعديل وموقفهم من أقوال العلماء المتخاصمين.
ومن إصلاح ذات البين مواجهة كل مغتاب أثيم بما يصلحه، ويحول بينه وبين نشر افتراءاته بين الناس... ولو وجد المغتابون النمامون من يتصدى لهم، ويشترط عليهم مواجهتهم بالذين يأكلون لحومهم لحُسمت كثير من المشكلات المستعصية على الحل.
والإخوة بين المؤمنين تستوجب الموالاة. قال - تعالى -: (المؤمنون والمؤمناتُ بعضهم أولياءُ بعض يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) (التوبة/71).
أي يتناصرون ويتعاضدون، ويتواصون بالحق ويتواصون بالصبر، ولا يستطيع أعداء الله اختراق صفوفهم لأنها كالبنيان المرصوص.
قال - تعالى -: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص) (الصف/4).
ولكن الله ألف بينهم:
قال - تعالى -: (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين. وألف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم)) الأنفال/ 62-63).
- (هو الذي أيدك بنصره، وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم): أي جمعها على الإيمان بك، وعلى طاعتك ومناصرتك ومؤازرتك.
- (ولو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم):
قال ابن جرير: (لو أنفقت يا محمد ما في الأرض جميعاً من ذهب وورق وعرض، ما جمعت أنت بين قلوبهم بحيلك، ولكن الله جمعها على الهدى، فائتلفت واجتمعت تقوية من الله لك وتأييداً منه، ومعونة على عدوك... والذي فعل ذلك، وسببه لك، حتى صاروا لك أعواناً وأنصاراً ويدً واحدة على من بغاك سوءاً هو الذين إن رام عدو منك مراماً يكفيك كيده، وينصرك عليه، فثق به وامض لأمره، وتوكل عليه).
وعن ابن عباس قال: (إن الرحم لتقطع، وإن النعمة لتكفر، وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها ثم قرأ: (لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم) وفي الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خطب الأنصار في شأن غنائم حنين قال لهم: (يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله بي، وعالة فاغناكم الله بي، ونتم متفرقين فألفكم الله بي).
- (ولكن الله ألف بينهم): وهذه نعمة انفرد بها المسلمون عن غيرهم من الأمم والشعوب، والفضل في ذلك والمنة لله وحده. قال - تعالى -: (يمنون عليك إن أسلموا، قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين) (الحجرات/ 17).
فالمسلم أن كان صادقاً: يغضب لغضب أخيه المسلم، ويفرح لفرحه، ويحب له ما يحبه لنفسه، ويتسع قلبه للمسلمين كلهم رغم تباعد ديارهم واختلاف ألوانهم. والمسلم إن كان صادقاً يحب أخاه المسلم في الله ولله، ولا يحبه من أجل الدنيا وحطامها.
وإن كان غير صادق فهو يبغض إخوانه المسلمين لأنهم ليسوا من أتباع فرقته أو مذهبه، أو لأن لونهم يختلف عن لونه، وأمزجتهم وعاداتهم تختلف عن مزاجه وعاداته.
ولا تنازعوا فتفشلوا:
قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله ورسوله، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) (الأنفال/ 45-46).
- (فاثبتوا): لا تولوهم الأدبار هاربين.
- (واذكروا الله كثيراً): ادعوا الله بالنصر عليهم، والظفر بهم، وأشعروا قلوبكم وألسنتكم ذكره.
- (ولا تنازعوا فتفشلوا): ولا تختلفوا فتفرقوا، وتختلف قلوبكم.
- (فتفشلوا): أي تضعفوا وتجبنوا.
- (وتذهب ريحكم): أي قوتكم ونصركم، كما تقول: الريح لفلان، إذا كان غالبا في الأمر. قال الشاعر:
إذا هبت رياحك فاغتنمها *** فإن لكل خافقة سكون
فهذه هي عوامل النصر الحقيقية:
الثبات عند لقاء العدو، والاتصال بالله بالذكر، والطاعة لله والرسول، وتجنب النزاع والشقاق، والصبر على تكاليف المعركة، والحذر من البطر والرئاء والبغي [1].
والأمر بطاعة الله ورسوله ورد في آيات كثيرة، منها قوله - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيٌر وأحسن تأويلاً))النساء/59).(17/176)
وقوله: (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين) (الأنفال/1).
وقوله: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون، ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون) (النور/52).
وقوله: (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات، فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله، والله خبير بما تعملون) (المجادلة/ 13).
ففي الآية الأولى ارتبطت طاعة الله ورسوله بطاعة أولي الأمر ما لم يأمر بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وفي الآية الثانية ارتبطت طاعة الله ورسوله بوجوب إصلاح ذات البين.
وفي الآية الثالثة ارتبطت بوجوب الإذعان التام والانقياد المطلق لحكم الله ورسوله.
وفي الرابعة ارتبطت مع وجوب إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
وهذه الطاعة تعني التزام ما كان عليه الرسول وأصحابه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهي الأساس الذي ينبغي أن يلتقي عليه الأفراد والجماعات الإسلامية.
ولا يقع النزاع والشقاق إلا عندما تتعدد وتختلف الجهات التي نطيعها... وهذه سنة ثابتة من سنن الله في خلقه.
يقول الأستاذ سيد قطب - رحمه الله -: (وأما طاعة الله ورسوله، فلكي يدخل المؤمنون المعركة مستسلمين لله ابتداء، فتبطل أسباب النزاع التي أعقبت الأمر بالطاعة: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).. فما يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه، وإلا حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الآراء والأفكار، فإذا استسلم الناس لله ورسوله انتفى السبب الأول الرئيسي للنزاع بينهم - مهما اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة - فليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر، إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة نظر يصر عليها مهما تبين له وجه الحق فيها! وإنما هو وضع (الذات) في كفة، والحق في كفة، وترجيح الذات على الحق ابتداء!..
ومن ثم هذا التعليم بطاعة الله ورسوله عند المعركة.. إنه من عمليات)الضبط) التي لا بد منها في المعركة... إنها طاعة القيادة العليا فيها، التي تنبثق منها طاعة الأمير الذي يقودها، وهي طاعة قلبية عميقة لا مجرد الطاعة التنظيمية في الجيوش التي لا تجاهد لله، ولا يقوم ولاؤها للقيادة على ولائها لله أصلًا... والمسافة كبيرة كبيرة)[2].
ولا تفرقوا:
قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم، إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون. ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (آل عمران/ 102-104).
- (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته): عن ابن مسعود أنه قال: تقوى الله أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يُشكر فلا يُكفر. رواه ابن كثير في سنده عن ابن مسعود، وقال: هذا إسناد صحيح موقوف.
وعن ابن عباس انه قال: هي أن يجاهدوا في الله حق جهاده، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم.
- (ولا تموتن الا وأنتم مسلمون): أي حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه فعياذا بالله من خلال ذلك.
- (واعتصموا بحبل الله جميعاً). قال ابن جرير في تفسير هذه الآية:
(تعلقوا بأسباب الله جميعا، يريد بذلك - تعالى - ذكره: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم من الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله.. وأما الحبل، فإنه السبب الذي يوصل به إلى البغية والحاجة، ولذلك سمي الأمان حبلاً لأنه سبب يوصل به إلى زوال الخوف، والنجاة من الجزع والذعر) [3].
- (ولا تفرقوا): قال ابن كثير: (أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف كما في صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويسخط لم ثلاثاً: يرضى لكم أن تعبده ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). و قد ضمن الله لهم العصمة من الخطأ عند اتفاقهم، كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضاً.
وخيف عليهم الافتراق والاختلاف، فقد وقع ذ لك في هذه الأمة، فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية إلى الجنة، ومسلمة من عذاب النار، وهم الذين على ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه) [4].
واذكروا أيها المؤمنون ما أنعم الله به عليكم من الألفة والاجتماع على الإسلام.. وقد كنتم قبل هذه النعمة التي منَّ بها عليكم كفاراً متخاصمين متناحرين، يقتل بعضكم بعضاً لأتفه الأسباب وأحطها، فالحرب بين الأوس والخزرج استمرت عشرين ومائة سنة، وهم إخوان لأب وأم، وكانت بدايتها بسبب قتل مولى لمالك بن العجلان الخزرجي.. ثم إن الله - عز وجل - أطفأ هذه الأحقاد والإحن بالإسلام، وألف بينهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.(17/177)
- (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها): وكنتم على طرف جهنم بكفركم الذي كنتم عليه، وليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا على ذلك من كفركم، فتكونوا من الخالدين فيها، فأنقذكم الله منها بالإيمان الذي هداكم إليه.
- (ولتكن): أمر من الله - سبحانه وتعالى-، وظاهر الأمر يفيد الإيجاب.
- (منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون): من أقوال المفسرين في تأويل هذه الآية: ولتكن منكم أيها المسلمون جماعة - وسميت بذلك لأنها يؤمها الناس: أي يقصدونها ويقتدون بها - تدعو إلى ما فيه صلاح الدين والدنيا، وتأمر بكل معروف سواء كان واجبا أو مندوبا، وتنهي عن كل مكروه يقرب من النار ويبعد عن الجنة.. وهؤلاء هم الفائزون في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
ومن للتبعيض، وتقدير الكلام: ولتكن منكم جماعة مؤلفة من أفراد لهم رابطة تضمهم، ووحدة يكونون بها كالأعضاء في بنية الشخص، والمراد بكون المؤمنين مخاطبين بتكوين هذه الأمة لهذا العمل هو أن يكون لكل فرد منهم إرادة وعمل في إيجادها وإسعادها ومراقبة سيرها بحسب الاستطاعة حتى إذا رأوا منها خطأ أو انحرافاً أرجعوها إلى الصواب.
ويدخل في عمل هذه الأمة: الأمور العامة التي هي من شأن الحكام، وأمور العلم وطرق إفادته ونشره وتقرير الأحكام وأمور العامة الشخصية، ويشترط فيها العلم بذلك ولذلك جعلت أمة، وفي معنى الأمة القوة والاتحاد وهذه الأمور لا تتم إلا بالقوة والاتحاد، فالأمة المتحدة لا تقهر ولا تغلب ولا تعتذر بالضعف يوما ما، فتترك ما عهد إليها، وهو ما لو ترك لتسرب الفساد إلى مجموع المسلمين.
وقد كان المسلمون في الصدر الأول لا سيما على عهد الخليفتين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - على هذه الطريقة، فقد كانت خاصة الصحابة الذين عاشروا النبي - صلى الله عليه وسلم - وتلقوا عنه متواصين متكاتفين، يشعر كل منهم بما يشعر به الآخر من الحاجة إلى نشر الإسلام وحفظه ومقاومة كل ما يمس شيئا من عقائده وآدابه وأحكامه ومصالح أهله، وكان سائر المسلمين تبعا لهم.
فوجود هذه الجماعة واجب، وإن كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً على أفراد الأمة الإسلامية قدر الاستطاعة كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) [5].
وقفت ذات مرة وأنا أتلو هذه الآيات الجامعة الشاملة التي كنت قد حفظتها منذ أمد بعيد عند قوله - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
وسألت نفسي: لماذا كان المدخل لهذه الآيات الأمر بتقوى الله حق التقوى؟! ولماذا تكرر ذكر التقوى، والأمر بطاعة الله ورسوله في آيات أخرى كثيرة؟!
وكان لا بد من البحث عن جواب لهذا السؤال في كتب التفسير المعتمدة، وعندما رجعت إليها لم أجد جواباً شافياً لهذا السؤال الذي يفرض نفسه عليّ بإلحاح، وكل الذي وجدته تفسير قوله - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) وقد نقلت أهم أقوالهم فيما مضى.
وعدت أستعرض أحداث التاريخ، وأتبين من خلالها أحوال الذين فرقوا دينهم، وبدلوا نعمة الله عليهم، وأحلوا أقوامهم دار البوار، وانتهيت من هذا الاستعراض إلى النتائج التالية:
- اختلف اليهود والنصارى من بعد ما جاءتهم البينات من ربهم، ولم يكن الجهل سبباً لهذا الخلاف، وإنما كان سببه فراغ قلوبهم من تقوى الله.
- أوباش الأمصار الذين حاصروا منزل الخليفة الثالث عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وقتلوه وهو يتلو القرآن الكريم كانوا يفتقدون التقوى والخوف من الله - سبحانه وتعالى-، ولم يكن بينهم أحد من السابقين الأولين.. وكذلك كان حال الذين قتلوا ابن بنت رسول الله - الحسين بن علي - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
- الذين قسموا العالم الإسلامي، وهو في أوج قوته وعزته إلى ممالك ودويلات صغيرة ذليلة، ولم يجدوا بأساً من الاستعانة بأعداء الإسلام من النصارى والوثنيين ضد إخوانهم وأبناء دينهم... هؤلاء كانوا عبيداً لشهواتهم وأطماعهم، ومن أجلها يستبيحون كل شيء. قال أحد الشعراء يصف نفراً منهم:
مما يزهدني في أرض أندلس ***ألقاب معتضد فيها ومعتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها ***كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
ولا يزال واقعنا المعاصر يزخر بأمثال هؤلاء الذين يكرهون التقوى والأتقياء، ويمقتون الورع والعمل الصالح.
وإذن: فالعاملون من أجل وحدة الدعاة والجماعات الإسلامية اليوم إذا كانوا يريدون الله والدار الآخرة، فعليهم أن يبدأوا لعلاج النفوس والقلوب إمتثالاً لقوله - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
فإذا تغيرت النفوس، وإمتلأت القلوب بالتقوى تغير كل شيء في حياتنا، وإذا غفل الداعون للإصلاح عن أهمية إصلاح النفوس فسوف يسمعون كلاماً جيداً من مختلف الجهات المتنازعة، أما الأعمال والنتائج في اتجاه معاكس... وإن من تقوى الله - سبحانه وتعالى-:
ـ أن نطهر قلوبنا من الغل والحقد، ونفوسنا من الرياء والنفاق، وألسنتنا من الفحش وكل قول بذيء.
ـ أن يعتقد العاملون إلى الله أنهم أخوة، وأن جماعاتهم وسائل وليست غايات.
وليس من تقوى الله:
* إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وترويج الأكاذيب والافتراءات.
* أن يكون بأسنا بيننا، وأن نتصارع على حطام الدنيا، ويكون ذلك كله على حساب معركتنا مع أعداء الله.
-------------------
[1] - في ظلال القرآن، ص 1528، دار الشروق.(17/178)
[2] - في ظلال القرآن، ص: 1528
[3] - تفسير ابن جرير الطبري.
[4] - تفسير ابن كثير: 1/360، دار الفكر.
[5] - انظر تفسير المنار: 4/36، ومحاسن التأويل للقاسمي: 4/920، وابن كثير: 1/391.
http://www.alsunnah.org المصدر:
============
النصيحة الصادقة
وهي دعوة الغير للخير لدرء المفسدة وجلب المصلحة.
وحاجتنا إليها من أهم الأشياء وأولاها وخصوصاً أن المجتمعات الإسلامية اليوم مليئة بالشوائب المختلفة والأدران المتعددة.
ولا علاج لها إلا النصيحة الصادقة التي يُقصدُ بها الإصلاح ودرء المفاسد ومتى تحقق ذلك ظهر المطلوب.
ولذا من وجهها إلى الغير بقصد تشهير العيوب والنقائص ولم يفرده بها فقد ارتكب جرماً عظيماً استحق به عذاب الله ومقته إلا أن يتحلل منه ويطلب العفو والمسامحة.
قال ابن رجب - رحمه الله - في الفرق بين النصيحة والتعيير ص28: وكان السلف يكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذا الوجه ويحبون أن يكون سراً فيما بين الآمر والمأمور.
فإن هذا من علامات النصح.
فإن الناصح ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له.
وإنما غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها أ. هـ
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه [1]عن تميم الداري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الدين النصيحة)).
قلنا لمن؟
قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).
قُلْنَا لِمَنْ؟
قَالَ: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).
وعن جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم [2].
وقوله: الدين النصيحة قيدٌ في أن الدين الإسلامي يقوم على مبدأ النصيحة التي من أجلها بعث الله الأنبياء والمرسلين بدعوة الناس إلى عبادة الله وحده وتنقية المجتمعات مما ينافي التوحيد الخالص والكمال الإيماني الحق.
وهنالك مسائل يجدر بالأمة الإسلامية وأبنائها أن يتعرفوا عليها وذلك لأهميتها في هذا الباب:
الأولى: أن نصيحة السر أزين وأوقع ونصيحة الجهر أهتك وأعير.
قال الشافعي - رحمه الله -: من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه ومن وعظ أخاه علانية فقد فضحه وشانه.
وأنشد يوماً فقال:
تَعَمَّدني بِنُصحكَ في انفرادٍ *** وجَنبني النصيحةَ في الجماعةْ
فإنَّ النصحَ بين الناسِ نوعٌ *** من التوبيخِ لا أرضى استماعهْ
فإنْ خَالفتني وعصيتَ أمري *** فلا تَجزعْ إذا لم تُعطَ طَاعهْ
والنفوس مجبولة على الصفاء ولا ترغب العيب والنقائص وخصوصاً أن يشهرها الخلق على الملأ بقصد النصيحة لأنها صارت في حق المنصوح حينئذٍ فضيحة مشهورة يتناقلها القاصي والداني.
والأسلم والأحكم أن يختلي المسلم بأخيه ويحسن أسلوب الأدب معه وينبهه على العيب أو يرشده بما هو أولى وأجدر به شرعاً بأسلوب مقبول سائغ التداول، حتى يتم المقصود الذي لأجله قام دافع النصح.
قال - تعالى -: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [3].
قال ابن قيم الجوزية في الروح ص232: ولذلك على الداعية عند النصح أن يحسن إلى المنصوح.
فيتلطف في بذلها غاية التلطف.
ويحتمل أذى المنصوح ولئامته ويعامله معاملة الطبيب المشفق على المريض المشبع مرضاً.
وهو يحتمل سوء خلقه وشراسته ونفرته ويتلطف في وصول الدواء إليه بكل ممكن فذا شأن الناصح. أ. هـ
الثانية: أن الكلام في المبتدعة ونشره بين الملأ يعتبر من النصيحة لعامة الناس بل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وذلك لثلاثة أمور:
الأول / أن المبتدعة غيروا وبدلوا وخرجوا عن منهج السلف الصالح الذي ارتضاه لنا الشرع[4] فكان لزاماً على أئمة الدين أعلام الهدى ومصابيح الدجى أن ينصحوا عامة الناس ويحذروهم من الوقوع فيما وقع فيه المبتدعة بتعريف حالهم وبيان ضلالهم للإبتعاد عنهم وترك مجالستهم .
حتى لا يصيبوا غيرهم من عامة الناس بداء الإبتداع والإنحرافات الشرعية.
قال ابن تيمية في الفتاوى 28/235: وليس هذا الباب مخالفاً لقوله - عليه الصلاة والسلام -: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره.
فإن الأخ هو المؤمن، والأخ المؤمن إن كان صادقا في إيمانه لم يكره ما قلته من الحق الذي يحبه الله ورسوله وإن كان فيه شهادة عليه وعلى ذويه أ. هـ
وقال الإمام أحمد كما في الإبانة 2/475: أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأمنهم. أ. هـ
فالمبتدع من أهل الشر.
ومن كان كذلك لزم الناس اتقاء شره.
وفي الحديث: أن رجلاً استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه. قال: بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة. فلما جلس تطلَّق النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه وانبسط إليه.
فلما انطلق الرجل.
قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((يا عائشة متى عهدتني فحَّاشاً؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره)) [5].
الثاني: أنه يغلب على المبتدعة نصرة ضلالهم وتقويته ولو بالكذب على رسول الله - عليه الصلاة والسلام -.
فهؤلاء المتصوفة الأحناف المنتشرون ببلاد المشرق نصروا مذهبهم بطرق شتى غير مشروعة، حتى كذب بعضهم على رسول الله - عليه الصلاة والسلام - لنصرة مذهبه.
ومن ذلك ما افتراه الكذاب الأشر مأمون بن أحمد الهروي الحنفي على رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: يكون في أمتي رجل يقال له: محمد بن إدريس يكون أضر على أمتي من إبليس، ويأتي آخر الزمان رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي. [6]
فماذا بعد الحق إلا الضلال؟.(17/179)
قيل ليحيى بن سعيد القطان: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خُصماؤك عند الله - تعالى -؟
قال: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله - عليه الصلاة والسلام - يقول: لِمَ حدثت عني حديثاً ترى أنه كَذِب [7].
الثالث: أن أفعالهم المخالفة للمنهج السلفي توحي بلسان الحال أن الدين ناقص وأنهم استحسنوا أموراً أرادوا بها إتمامه وهذا منافٍ لقوله - تعالى -: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً[8].
ونحوها من الأدلة فكان لزاماً على أئمة الدين أن يحذروا المجتمعات الإسلامية من الجلوس مع المبتدعة الذين حاولوا طمس معالم الدين ومحاسنه والعبث بتراثه النبوي الشريف.
المسألة الثالثة: ليس من النصيحة أن يتولى الناشئة التشهير بمثالب وزلات أئمة الملة الحنفية السمحة بحجة أن كبار العلماء وقعوا فيما يخالف الشرع.
ويغلب على أمثال هؤلاء الناشئة أنهم لم يرتضوا طريقة علماء أهل السنة والأثر لضعف إيمانهم وقلة بصائرهم أو لكونهم ارتضوا فكرةً استأنست بها نفوسهم وشغفت بها قلوبهم فاعتقدوا صحتها لأنها صادفت ذهناً خالياً وقلباً صافياً فَعَلِقَتْ به حتى حملهم واقعهم على رد ما خالف ما هم عليه وإن كان حقاً كما قال القديم:
عرفتُ هواها قُبلَ أنْ أَعرفَ الهوى *** فصادفَ قَلْباً خالياً فَتَمَكَّنا
ومتى استحكم صغار القوم بألفاظهم القبيحة على كبارهم من أهل العلم والفضل وسعوا في تضليلهم وتحذير الناس منهم. ظهرت المفاسد وعمت البلوى التي يجمهر شررها في أوساط أبناء الأمة الإسلامية وحينها يُطعنُ في الشهود أئمة الدين ليكون سُبْلَةً للطعن في الدين وهذه طريقة المبتدعة وأهل الأهواء لتتأخر الأمة الإسلامية ردحاً من الزمن عن تحقيق وحدة صفها ونصرة دينها الإسلامي الحنيف ولإبعاد المسلمين عن علماءهم حفظة الشريعة.
والأصل: متى تبين للأمة الإسلامية الرجل العالم العامل السلفي الذي ينصر مذهب السلف ويَذُبُ عنه ويحارب أهل البدع والأهواء لزم عامة الناس ألا ينتقصوه لزلةٍ زلها أو غلط وقع فيه أو قول تأوله طالما ظاهره الحق والمدافعة عنه.
قال الخطيب البغدادي في الكفاية ص79: ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل غير الأنبياء إلا وفيه عيب ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه فمتى كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله أ. هـ
وقال السخاوي في فتح المغيث: وكذا يتجنب التعرض للوقائع المنقصة الصادرة في شيبوبية من صيره الله - تعالى - بعد ذلك مقتدي به فمن ذا سلم والاعتبار بحاله الآن أ. هـ.
ويستثنى من ذلك أننا لا نوافق من وقع في زلةٍ أو خطأ أو بدعة مهما بلغ علمه حتى وإن كان من أجل علماءنا إلا أننا نناصحه بالحسنى على علم وبصيرة ملتزمين الأدب، معترفين بالتقصير أمام من علا فضله وشرف قدره.
قال الإمام الذهبي - رحمه الله -: في سِير أعلام النبلاء 5/279: إن الكبير من أئمة العلم، إذا كثر صوابه وعلم تحريمه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زلله ولا نُضلله ونطرحه وننسى محاسنه.
نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التوبة من ذلك . أ . هـ
ولا يدخل في ذلك صاحب الأهواء والبدع فإن التحذير منهم واجب بإجماع المسلمين.
وإن خلطوا بين الحسنات والسيئات فهم أعداء السنة ولا كرامة لهم ولا منزلة ولو لم يكن الأمر كذلك لما وقع الإجماع في التحذير منهم كما نقله النووي وغير واحد من أهل العلم[9].
إلا أنا لا نشهد لهم بنار ونرجو لهم التوبة والعفو ونحب أن يعودوا إلى رشدهم وأن يُحَكِّمُوا الكتاب والسنة في عامة أمورهم.
-------------------
[1] انظر الحديث رقم 55.
[2] أخرجه البخاري في صحيحه /فتح واللفظ له في مواضع عدة منها رقم 57 ومسلم في صحيحه رقم 56 وفي مواضع أخرى كلاهما من حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه -.
[3] سورة النحل الآية رقم 125.
[4] وذلك أن قول النبي - عليه الصلاة والسلام - في حديث الفِرَق: كلها في النار إلا واحدة وهي ما كنتُ عليه وأصحابي.
تشريع يدل على وجوب الالتزام بمنهج وطريقة السلف الصالح.
[5] أخرجه البخاري في صحيحه /فتح واللفظ له في مواضع عدة منها رقم 6054 ومسلم في صحيحه رقم 2591 وفي مواضع أخرى كلاهما من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
[6] انظر الموضوعات لابن الجوزي 2/48 وشرح شرح نخبة الفكر لعلي الهروي ص 448 وميزان الاعتدال 3/430.
[7] انظر الكفاية ص144
[8] سورة المائدة الآية رقم 3.
[9] انظر قواعد التحديث للقاسمي ص 207.
http: //www.menbar.net المصدر:
==============
الداعية الكسول
خالد السبيعي
الحمد لله والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد...
قال لي صاحبي وهو يشتكي: ما أكثر الدعاة الكسالى.. فكانت هذه الخاطرة.
فأقول بادئ ذي بدء:
لاشك أن الإيمان يزيد وينقص، وأن لكل عمل شره ولكل شرة فتره، وأن الفتور يعتري كل أحد، وأن الإيمان ليخلق في قلب المرء، والناس يتفاوتون في عبادتهم وأعمالهم، ولن يدخل الجنة أحد بعمله.
ولكني لن أتناول الطرح التقليدي في معالجة الفتور عند الداعية فقد أشبع هذا الموضوع بحثاً وتحليلاً في كثير من الكتب. بل سأوضح هذه القضية من زوايا أخرى.
أولاً: يخطىء البعض في تقويم الدعاة فيصفهم بالكسل لأنهم لا يزاولون نفس المنهج أو الأسلوب الدعوي الذي ينتهجه.
ثانياً: بعض الشباب يرى أن السبب هم القيادات الذين لم يستوعبوا طاقات الشباب ومواهبهم. والملاحظات هي:
1- أن القيادة الدعوية لها فريق خاص.
2- أن الأقدمية أساس في العمل الدعوي حتى لو كان الشخص غير مؤهلا.(17/180)
3- اختزال فكرة الدعوة على منشط واحد أو فكرة واحده.
4- تبلد الإحساس وعدم وجود الحرقة (لأن البعض أمّن موقعه ومنصبه فلا يحب التغيير)
5- أنه لا وجود لقاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب.
6- الروتين الممل الذي قد لا يناسب الجميع.
7- الإبتعاد عن الميدان والإكتفاء بالتنظير.
ولذلك لا يستغرب كسل بعض الشباب أو خروج بعض الفئات المتبرمه. فإذا عرف السبب بطل العجب.
ثالثاً: البعض يقول أن السبب هي الأفكار الكسولة عند المنظرين للدعوة.
نعم إنها أفكار كسولة تحقق نجاحات شخصية محدودة أو رؤى فكرية قد أكل عليها الدهر وشرب، ولم تستوعب شرائح المجتمع المختلفة.
إن هذه الأفكار الكسولة مؤهلة بإقتدار إلى قلب قائمة المهمات والإخلال بأجندة الأولويات.
فتُضخم أفكار بسيطة كالمهرجانات والحفلات ولا يعطى أي إهتمام للجهاد بأنواعه.
ويضرب الدف مثلاً على دورات في البرمجة العصبية بينما يتم القفز بكل مهارة على أي فكرة تدعو لإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما من يجيد الدعوة الفردية فذاك هو القائد الهمام الذي لا يشق له غبار، أما البسطاء من الدعاة فهاهي بيوت الفقراء والمساكين جاهزة ليمارسوا مهاراتهم المحدودة.
فرحم الله أبا بكر الذي لم تمنعه الخلافة من حلب شاة لامرأة عجوز.
ذكر الدكتور عبد الله النفيسي في (ثغرات في الطريق ص 114)ما يلي:
"من المهم أن يتمكن القائد من بعدين أساسيين في دعوته:
1- بث روح الفريق العامل وإشعار الجميع بأهمية الدور الذي يلعبونه ويؤدونه.
2- قدرة الإستفادة من ذوي التخصصات والملكات الخاصة والمواهب ".
أيها الأخوة:
إننا لسنا في حاجة إلى النظر في ممارسات بعض القادة الذين عشقوا الإستيطان في البروج العاجية، لأن عندنا السيرة العطرة للمصطفى - صلى الله عليه وسلم -. وإليك هذه الإطلالة السريعة:
لقد استوعب الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دعوته:
- أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - (المستشار).
- خالد بن الوليد - رضي الله عنه - (القائد العسكري).
- ابن عباس - رضي الله عنه - (العالم).
- حسان بن ثابت - رضي الله عنه - (الشاعر).
- أنس بن مالك - رضي الله عنه - (خادمه).
بل أخذ يبحث عن تلك المرأه التي كانت تقم المسجد كي يصلي عليها صلاة الجنازة.. فصلى عليك الله يا علم الهدى.
لقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتربع على قمة الهرم في الدولة الإسلامية بعد أن دانت له العرب وارتعدت منه فرائص العجم، وهو كذلك سيد ولد آدم، ومع ذلك لم يكن بعيداً عن الناس ولا الميدان، بل كان أول من يواجه الأعداء ويمسح على رؤوس المساكين.
إن أزمتنا أيها الأحبة بكل صراحة أزمة قيادات وأزمة قدوات.
يا حماة الدين والعقيدة:
إن أمتنا في خطر... وإن شبابنا في خطر... وإن فتياتنا في خطر.
ْ"يا أيها الذين أمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل. إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير".
أيها ألأخوة:
* إذا كنا نريد جنوداً كسعد وخالد وأبي عبيدة فلنكن كأبي بكر وعمر - رضي الله عنهم -.
* أسأل الله - تعالى - أن يخرج لنا قادة ودعاة يكون شعارهم السير على "ما أنا عليه وأصحابي".
* لا يحتقرن أحدكم نفسه فلربما يفتح الله على يديه ويكون من المجددين.
http: //saaid.net المصدر:
=========
ماذا يعجبك بالأغاني ؟! دعوة للمصارحة
نعم إخوتي..... ما أحوجنا إلى المصارحة؛ فما أكثر ما تمضي بنا أيام هذه الدنيا الفانية دون مصارحة أو عتاب!
ألا ينبغي لنا من وقفة ولو لدقائق معدودة من مئات الدقائق المهدرة نقتطعها لنتصارح بلطيف الخطاب وجميل العتاب؟!
فهل تستكثرون على أخيكم الناصح لكم المشفق عليكم هذه الدقائق المعدودة؟!
أخي.. أختي..... أناديكم، بل أناشدكم لما أرجوه من خير لكم أن لا تقولوا: لن نستفيد ولو كررت النصح وأكثرت الموعظة، ولكن بثبات الواثق قولوا: نعم سننصت لداعي الحق، فالعاقل من أحق الحق وقبله والجاهل من أغمض عينيه ورده، والحق أبلج والباطل لجج.
حسناً فلنبدأ....
أخي أختي... ألم تلاحظوا يا من تستمعون للغناء أنه: قد يصغي أحدكم لساعات متواصلة لمجموعة من الأغاني، وقد يهتز جسده كله وتتفاعل نفسيته مع تلك الأغاني، ولكنه في الوقت نفسه يصعب عليه للغاية أن يجلس نصف ساعة فقط مع كتاب الله - عز وجل -! مع أنه شفاء لما في الصدور، ومع أنه هدى ورحمة، وهو كلام الله والغناء كلام بشر!
هل سألتم أنفسكم: لماذا تحلو الأغاني في عين أحدكم، ويستمتع بها بينما يصعب عليه جلوسه في تدبر مع القرآن..؟
لأن الله قال: " وزين لهم الشيطان أعمالهم " هذه الحقيقة وهذا بارك الله فيكم ما دعوتكم للمصارحة من أجله.
أحبابي..... مصيبة أن نخدع أنفسنا. يا لها من مصيبة، والمصيبة العظمى إيهامها بأن هذا الخداع ميزة ومجد وفضيلة!
فأين نذهب بأنفسنا؟! ولمصلحة من نخدعها ونغشها؟!
الأغاني هم وضيق، بل وحياة ضنك لأنها إعراض عن ذكر الله، وقد قال الله: " وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ".
الأغاني حقيقتها حسرة وألم، وإن كانت هناك نشوة فإنها نشوة مزيفة من فعل الشيطان ما تلبث أن تطير وتذهب في الهواء؛ لكن الذنب لن يطير في الهواء بل سيدونه الملك في كتابك.(17/181)
اسمعوا إخوتي... هذا الخطاب الرباني لإبليس اللعين.. قال - تعالى -: " وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ".
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره: وقوله - تعالى - " واستفزز من استطعت منهم بصوتك " قيل هو الغناء قال مجاهد باللهو والغناء أي استخفهم بذلك.
وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله - تعالى -: ومن مكائد عدو الله ومصائده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين، سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة، ليصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن القرآن، وهو رقية اللواط والزنى، وبه ينال الفاسق من معشوقه غاية المنى، كاد به الشيطان النفوس المبطلة وحسنه لها مكراَ وغروراً، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه، فقبلت وحيه، واتخذت لأجله القرآن مهجوراً.. انتهى كلامه - رحمه الله -.
ثم ما ذا يعقب ذلك؟! تزول تلك النشوة الباطلة والفرح الموهوم وتبقى حسرة المعصية و تذهب الفرحة المزعومة ويبقى الذنب مسجلا في صحيفة الأعمال وبعض الناس يفخرون بالغناء ويهمهمون به مفتخرين به شامخين به الرأس وهذا هو واقعهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأي فخر... أيفخرون بمعصية الله؟!
بل من تفاهة ما يقرأ و يسمع الإشادة بالفنانين والفنانات وأنهم نجوم!
ولقد علمنا أن النجوم علية المكان ويستهدى بها، وهولاء القوم إنما يضلون ولا يهدون.
ويحشر الناس يوم القيامة كل مع من يحب. أفيسرك والناس يحشرون مع الأتقياء أن تحشر مع المطربين الزمارين، فإن المرء يحشر مع من أحب كما قال - صلى الله عليه وسلم -.
ولقد تلاعب الشيطان بهؤلاء الغافلين من الفنانين والفنانات... فإنهم يرون الفن رسالة وتربية للأجيال!
وهي فعلاً رسالة ولكن رسالة دمار وتربية على العار،... فإذا سمعت فقط كلماتها أدركت أنها رسالة شيطان وإنها تدعو للقاء المحرم بكل وضوح وبأي طريقة، وتدعو إلى التطاول على كل نبيل وتسعى نحو تمزيق الفضيلة كل ممزق.. فوالله صدق من أسماها رقية الزنا.
أيها الأحباب... أما قرعت أسماعكم هذه الآية العظيمة؛ قال الله - تعالى - " وَمِنَ اَلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الحديث ِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اّللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمِ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ " قال بعض المفسرين لهذه الآية يشتري لهو الحديث بدينه وماله ووقته.
وقد أقسم عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وهو من أعلم الصحابة - رضي الله عنهم -، على أن ((لهو الحديث)) هو الغناء.
وقد قال - صلى الله عليه وسلم - مبيناً ومحذراً من هذا الداء الذي يستلطفه الكثير اليوم... قال - عليه الصلاة والسلام - " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير و الخمر و المعازف " فيدل هذا على أنها أشياء محرمة و سيأتي زمن يستحل فيها الناس هذه المحارم، وهو واقعنا اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " ليشربن أقوام من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم قردة وخنازير ". قال الشيخ الألباني - رحمه الله - تعالى -: صحيح.
إخوتي... تعالوا لنتصارح حول هذا الموضوع من جهة أخرى
المال المنفق في شراء تلك الأشرطة الغنائية والوقت الذي قضي في الاستماع أليس يسأل عنه العبد يوم القيامة؟!
قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه ".
وأنت تعلم أنه لن ينفعك ذلك اليوم العظيم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين؛ لن ينفعك لا مطرب ولا مطربة إلا ما قدمت من صالح العمل فهل أعددت العدة لملاقاة الله وهل حسبت لذلك حساب؟
وماذا عساك أن تقول يومئذ: إن قلت لا أعلم أنها حرام فأول من تكذب عليه نفسك، ولا عذر لك لأن الأدلة أقوى من أن ترد، وإن قلت أعلم فهل تداركت الخطأ وتبت أم أنك تماديت؟.
فكن عاقلاً فطناً واختر لنفسك اليوم ما تحب أن يكون جواباً لغدٍ.
وربما كان البعض دالاً على الشر والعياذ بالله فيعير الشريط غيره أو يسمعه أحداً معه في بيته أو في سيارته وربما كانوا مجموعة يستمعون لهذا المحرم، وقد قال الله - تعالى - " وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم ".
وقال - صلى الله عليه وسلم - " من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا ".
فانظر عبد الله إلى أن تسير!
وهذه بشرى أسوقها في أثناء مصارحتنا لكل من نوى والتوبة والرجوع للحق أزف له هذه البشرى... إلى من عزم على الإقلاع عن الغناء وتطهير أذنيه من هذا الهراء... أزف إليك هذه البشرى فاقرأ....
قال - تعالى -: {ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون} والحبرة هي اللذة والسماع. وقال - صلى الله عليه وسلم -: " إن الحور العين لتغنين في الجنة، يقلن: نحن الحور الحسان.. خبئنا لأزواج كرام ". قال الألباني حديث صحيح.
وقد نظم ابن القيم - رحمه الله - قول ابن عباس - رضي الله عنهما - في أبيات در رائعة:
قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان
فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان
يا لذة الأسماع لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان(17/182)
واهاً لذياك السماع فكم به للقلب من طرب ومن أشجان
نزه سماعك إن أردت سماع ذياك الغنا عن هذه الألحان
حب الكتاب وحب الحان الغنا في قلب عبد ليس يجتمعان
والله إن سماعهم في القلب والإيمان مثل السم في الأبدان
والله ما انفك الذي هو دأبه أبدا من الإشراك بالرحمن
فالقلب بيت الرب جل جلاله حبا وإخلاصا مع الإحسان
فإذا تعلق بالسماع أصاره عبداً لكل فلانة وفلان..
وعند مشارف ختام هذه المصارحة قد يسأل أحدكم … كيف أتخلص من سماع الأغاني؟ فإنني قد تعودت عليها و لا أستطيع تركها بسهولة؟؟
فإليكم هذه الخطوات جواب على سؤاله، فمن فعلها فاز بإذن الله:
1) أولاً الصدق في التوبة.. وأن تكونوا أصحاب همة عالية و شجاعة كي تتخذوا هذا القرار الشجاع. والآن وقد علمت فاعمل بما علمت.
2) القيام بتحطيم كل ما تملكون من أشرطة.
3) إذا أحسستم برغبة ملحة في سماع الأغاني …. فسارعوا بفتح المصحف والقراءة منه فهو يطمئن النفس و يقمع رغبتها في المعصية وإذا كنتم لا تستطيعون ذلك فاستمعوا لقراءة في مصحف لأحد المشايخ أو شريط محاضرات.
4) إذا استهزأ بكم أحد على ترك سماع الأغاني فلا تردوا عليه بل أشفقوا على حاله وانصحوه، وإن أبى أشغلوا ألسنتكم بذكر الله حال مجادلته لأحدكم و قولوا له إذا انتهى "جزاك الله خيرا و هداك الله " فإن هذه الكلمة تؤنب نفسه و تهدئ أنفسكم.
5) إذا كان أحد الوالدين أو من في البيت يستمع الأغاني وضحوا لهم حكمها بكلمات مهذبة أو إهداء شريط قرآن أو محاضرة أو كتيب قيم.... وناصحوهم باللين والرفق و أخبروهم أنكم تتضايقون من هذه الأغاني لحرمتها وأنها تفرق بينكم.
أخيرا أخي أخيتي في ختام هذه المصارحة التي أرجو أن تكون خالصة لوجه الله لطيفة عليكم … أقول أخوتي..
أعلموا أن هذه الخطوات التخلص من هذا الداء سهل جدا جدا إذا صدقتم في التوبة إلى الله وإذا سددتم كل منافذ الشيطان عليكم … ولا تسوفوا و يقول أحدكم بعد هذا الشريط الجديد سأتوب … ولا تقولوا بعد يوم.. بعد شهر.. بعد سنة … فالشيطان يجعل اليوم يومين و الشهر شهرين و السنة سنوات وكم من أخ وأخت كانوا هائمين غافلين لا يكاد لسان أحدهم يسكت عن ترديد أغنية، وهم الآن يلهجون بذكر الله، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خير منه.
أخي... أخيتي إذا كان أحد الأقارب أو الأصدقاء يسمع الأغاني فانصحوه فإن لم يستمع لكم فيجب أن تفارقوه فوراً و لا يقول أحدكم يكفي أن أتوب أنا و لن يؤثر علي. بل سيؤثر عليك وعلى أعمال وحديثك وسلوك؛ لأن كما يقال الصاحب ساحب، بل إنه - صلى الله عليه وسلم - يقول " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ". ولا بد من شغل النفس بالطاعة لأن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.
و المسارعة المسارعة إلى التوبة حال قراءة هذه المقالة أو - في نهاية المصارحة - ولا تسوفوا لأن سوف من جنود إبليس.
http: //www.almuslm.net المصدر:
==========
قالت وهي تبكي وأشهد أن محمدا رسول الله
راسلتني منذ بضعة أسابيع.. مبدية رغبتها في التعرف على الإسلام.. وأنها تبحث عن الحقيقة..
جينيفر.. فتاة كندية في الثامنة عشرة من عمرها.. ولكن ليست كبنات جيلها من الكنديات.. بل وإن شئت قل والكثير من العربيات في مجتمعاتنا المستغربة.. فقد شعرت أن للحياة غرضاً وهدفاً.. وأن الحقيقة هي مطلب كل إنسان.
بدأنا محاولة تعريفها على جوانب من الإسلام وكان هناك شخص آخر أيضا يساعدها وهو الذي دلّها على موقعنا..
فتحدثت معها عن القرآن الكريم ذلك الكتاب المعجزة التي تثبت للعالم كله أن الإسلام هو دين الله الحق.
فالقرآن لم يتعرض لتحريف منذ أكثر من 1400 عام.. ونسخة القرآن في مصر هي ذاتها في أمريكا والصين واليابان.
وحدثتها عن تلك الحقائق العلمية التي وصل العالم لها بعد تحقيق مستويات غير عاديّة في وسائل التكنولوجيا والعلوم الحديثة وباستخدام وسائل البحث العلمي المعقدة.. بينما قد كانت هذه الحقائق موجودة في كتاب الله منذ أن أرسل الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - في صحراء مكة.
وأخبرتها عن التحدي الذي تحدى الله - تعالى - به أهل جزيرة العرب.. بأن يأتوا بمثل هذا القرآن مع أنهم فطاحل اللغة وفرسان الكلمة.. ومع ذلك عجزوا للدلالة على عظمة هذا الكتاب..
ومرّت الأيام وهي يوما بعد يوم تسأل عن الإسلام.. وتتعرف على جوانبه.. حتى أتى ذلك اليوم الذي بدأ بسؤال عن أعياد المسلمين فأجبت عليها وشرحت لها كيف يحتفل المسلمون بالأعياد مثل عيد الفطر وعيد الأضحى..
وتوقفت عن المحادثة برهة.. ثم قلت لها: ألم يحن الوقت بعد؟
قالت: بلى.. فسررت أشد السرور لإجابتها.. ولكن أردت التأكيد.. فقلت لها: أقصد أن تدخلي في الإسلام!
قالت: نعم.. أعرف..
قلت لها والفرحة تغمر قلبي المتراقص حمدا لله: الآن؟!
قالت: نعم
فقلت: هل تسمحين برقم هاتفك..
فأعطتني الرقم.. وسارعت بالاتصال..
قلت لها: لقد شرحت لك من قبل كيف تدخلين في الإسلام.. والآن بقي التنفيذ... وشرحت لها معنى الشهادتين باللغة الإنجليزية ثم قلت لها رددي ورائي..
أشهد... ألا.. إله... إلا... الله..
فرددتها والصوت يميل شيئا فشيئا للانكسار.. فاستطردت قائلا لها.. وأشهد أن محمدا رسول الله..
فقالتها بصوت يميل أكثر وأكثر للانكسار.. حتى أخذت تبكي بصوت عال..
قلت لها: ما يبكيك.. أحزينة أنت؟
قالت: إنها ليست دموع حزن..
فقلت لها: فلماذا تبكين إذن.. والله إنك الآن لفي خير عظيم.. لقد اختارك الله - سبحانه وتعالى- للإسلام بين بلايين البشر الذين تركوا الإسلام.. ومن المسلمين الذين تركوا الالتزام بدينهم.. فعلام البكاء؟(17/183)
قالت لي وهي مستمرة في البكاء: لا أعرف..
وضحت لها كيف أن الله - سبحانه وتعالى- قد أكرمها بهذه النعمة.. وأنه قد غفر لها كل ما كان منها قبل الإسلام.. وطلبت منها أن تدعو الله لي أن يغفر لي ذنوبي.. وتركت السماعة على وعد أن تبدأ في تعلم الصلاة إن شاء الله عبر الإنترنت حتى يتسنّى لها مقابلة جالية إسلامية في مدينتها تعلمها الصلاة.
وبعد مضي فترة.. جاءت مرة أخرى للحوار فسألتها: لماذا كنت تبكين؟ فقالت: لا أدري فعلا.. لا أستطيع أن أعرف لماذا بكيت.. لقد كان شعورا غريبا.. فقد شعرت بالسعادة في قلبي.. شعرت بالأمان والحب.. وشعرت أن الإسلام هو الحقيقة..
والله تألمت لأن الكثير منا قد حرم من هذه المشاعر.. بل قد يقرأها فلا يصدقها وهي الحقيقة.. فالله - سبحانه وتعالى- جعل القرآن شفاء للقلوب من كل سقم.. وجعل الإسلام علاجاً لمشاكل البشريّة.. فما أعجب تلك الأحاسيس الصادقة حينما تتجلى في صدور المسلمين الجدد..
نسأل الله أن يغفر لها ويعفو عنها ويعينها على مسيرتها إلى الإسلام.. ولا تنسوها من صالح دعائكم.
http: //www.almuslm.net المصدر:
=========
أسباب الانتكاسة
الشيخ عبد الرحمن العايد
حمداً لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، موضوعنا موضوع مهم جداً، كيف لا، وهو يتعلق بأعظم نعمة أنعمها الله على عبده، ونعم الله علينا كثيرة، إلا أن نعمة الهداية أعظم هذه النعم، وأجلها... نعمة الهداية: الهداية إلى الإسلام، الهداية إلى الثبات على هذا الدين، ولفضل هذه النعمة أحببت الكلام عن أسباب فقدها، وإذا عرف الإنسان أسباب فقد هذه النعمة؛ فإنه يحرص أشد الحرص على الابتعاد عنها؛ حتى تدوم له هذه النعمة. ومع كثرة الملتزمين الذين نراهم- ولله الحمد- إلا أننا نرى أيضا كثرة في المنتكسين- نسأل الله العافية- لذلك لابد من التعرف على الأسباب، أو بعض الأسباب التي تؤدي إلى الانتكاس، ومن الأسباب:
* الالتحاق مع الشباب الملتزم من غير اقتناع ورغبة:
وإنما التحق بهم لأسباب معينة مثلا:
* لأنه يجد الأنس معهم، وللخروج إلى الرحلات، والذهاب إلى الأماكن البعيدة دون أن يجد ملامة في ذلك، فلما وجد أن هذا الشيء يتوفر عند هؤلاء؛ التحق بهم، ولم يلتحق بهم لأنه يرغب في الالتزام على نهج الطريق المستقيم.
• أو لأنه أعجب بشخص معين، أو أشخاص معينين، فلا يأتي للشباب الملتزم إلا لأجل هذا الشخص.
• وقد يكون التحق معهم لأجل ظروف معينة كأن يريد مثلًا تعمية الشرطة، أو غيرها عنه، فقد يكون مطالبا بأمر معين، فيلتحق بالشباب الملتزمين حتى يعمي النظر عنه، وحتى يقال عنه أنه التزم وترك ما كان عليه سابقا.
• قد يكون التحق مع الشباب بسبب صدمة هائلة حدثت له في حياته كأن يشاهد حادثاً، أو وفاة، أو رأى محتضِراً، أو غير ذلك مما يعيده إلى صوابه، فيلتحق بالشباب؛ ولأنها صدمة مؤقتة، فإن تأثيرها قد يكون مؤقتا؛ لذلك قد يرجع مرة أخرى إلى ما كان عليه سابقا.
• قد يكون التحق مع الشباب الملتزمين لغرض: كأن يريد الزواج مثلًا، فيلتحق مع الشباب حتى إذا سئل عنه قالوا: أنه شخص صالح، مستقيم، محافظ على الصلوات، ويسير مع أناس طيبين. هذه كلها قد تكون أسباب لأن يلتحق الشخص بالشباب الملتزمين مع أنه غير مقتنع، ولم يرد التوبة، وإنما أراد الالتحاق بهم لهذه الأغراض التي ذكرناها. هذا السبب الأول من أسباب الانتكاسة.
* عدم الاهتمام بتربية الشاب لنفسه:
فلا قراءة قرآن، ولا محافظة على الصلوات، ولا أداء للنوافل بأنواعها من قيام ليل، أو قراءة قرآن، أو صوم نافلة، أو غير ذلك؛ فأهمل نفسه، ورضي بأن يكتفي بأن يكون ملتزما في مظهره فقط، وهذا هو الالتزام الأجوف، يكون ملتزما شكلًا، أما مضمونا، فهو في الحقيقة منتكسا وإذا انتكس الباطن فإن الظاهر سهل جدا أن ينتكس بعد أن ينتكس الباطن، وهذا هو السر في أنك تفاجأ بانتكاس بعض الأشخاص الذين تحسبهم من أنشط الناس، وأحرصهم على عبادة الله، وهو في الحقيقة انتكس سابقا في الباطن، واحتفظ بالشكل الخارج حتى أتى اليوم الذي لم يبق للشكل الخارج فائدة فانجر الانتكاس إلى الشكل الخارج أيضا .
• الكمال الزائف:
فقد يجد الشاب الملتزم في بداية التزامه تشجيعاً، ومدحا له من المشرف على الشباب، أو من يقوم بتربيتهم؛ مما يوهم هذا الشخص بأنه قد بلغ الكمال، فيغفل عن المحافظة على نفسه، والمشاركة في أعمال الخير، وبذلك يفتر، ثم ينتكس، والعياذ بالله.
• عدم فهم الشباب الملتزم فهما صحيحا:
وذلك أن بعض الشباب الذين بدءوا بالالتزام عندما يدخل مع الشباب الملتزمين يصور لنفسه أنه يدخل مع ملائكة لا يخطئون، ويجب أن لا يخطئوا، مع أنهم بشر كغيرهم من البشر لهم أخطاء، ونحسب أن صوابهم أكثر من خطأهم، لكن لا يعني هذا أن خطأهم غير موجود، فعندما يدخل معهم بهذا التفكير، ويفاجأ بوجود خطأ منهم، بل ربما يفاجأ بوقوع الخطأ عليه، فيولد هذا صدمة هائلة في حياته؛ تؤثر عليه تأثيرا سلبيا مما يجعله ينتكس مرة أخرى ويقول: انظر إلى هؤلاء الشباب الملتزمين ماذا يفعلون! ونسي أنهم بشر، يخطئون ويصيبون.
• سوء التربية من قبل المربي:
ونقصد بالمربين: المشرفون على أمثال التجمعات الشبابية التي يجتمعون فيها كحلق تحفيظ القرآن، أو غيرها. والخطأ في التربية جوانب متعددة فربما يكون الخطأ من المربي في:(17/184)
• عدم مراعاة الجانب الوجداني في الشخص: فلا يحرص على تقوية إيمانه وربطه بالله - سبحانه -، بل تراه يكثر من المزاح معه، ومن جلبه ما يؤنس هذا الشخص الجديد كأشرطة الأناشيد مثلا، والإكثار من النكت والطرائف وغير ذلك مما يجعل هذا الشخص يتربى على هذه الأشياء، وينسى الجانب الوجداني الذي يصله بالله.
• عدم مراعاة الجانب العلمي في الشخص:
فلا يحرص على تعليمه، وتحبيبه للعلم وأهله، ولا شك أن الدخول في مجال العلم طلبا وتعليما؛ وسيلة عظيمة للثبات.
• عدم مراعاة الجانب الخلقي في الشخص:
وذلك بألّا يحرص على تحسينه، وتهذيب أخلاق هذا الشخص الملتزم الجديد، فينشأ سيئ الخلق، مما قد يوصله إلى الانتكاس.
• عدم تدرج المربي مع هذا الشخص التدرج المطلوب:
فربما يعامله بالشدة القاسية التي تنفر هذا الشخص، وربما يكون العكس تماما، فيربيه على التساهل، وعدم الانضباط، وهذه أيضا وسيلة للانتكاس.
• عدم طرح أسباب الانتكاس على الشباب:
إن معرفة الشر وسيلة لاجتنابه كما قال الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه *** ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
وحذيفة - رضي الله عنه - يقول: " كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي" رواه البخاري ومسلم. ولا شك أنك إذا عرفت أسباب الانتكاس، وطرحت عليك؛ فإن هذا يجعل لك وقاية، والوقاية خير من العلاج.
• التعلق ببعض قضايا الماضي:
كأن يكثر من التفكير في معاص قد اقترفها سابقا، ويتلذذ بهذا التفكير أو يحتفظ بأفلام، أو صور، أو أشرطة قديمة، أو غير ذلك مما يذكره بالماضي، بل ومن أهم ما يُذّكر الإنسان بالماضي صديق الماضي قبل الالتزام، هذا الصديق من أخطر الأسباب التي قد تجرك إلى الانتكاس لأن:
• هذا الصديق يتكلم بلسان يؤثر فيك، ثم أيضا أن هذا الصديق لا تعده عدواً، ولذلك لا تحتاط منه.
• هذا الصديق مفتاح لماضيك، فربما يذكرك بما اقترفته أنت وإياه في الماضي، حتى ولو كان هذا الشيء الذي فعلتموه مباحا، وهذا التذكير قد يحرك فيك بعض المشاعر لأن ترجع لمثل هذه الذكريات.
• هذا الصديق يوافق هواك، وبذلك تكون قد جابهت ثلاثة جيوش: الشيطان، وهذا الصديق، وهواك.
• ربما سلم لك هذا الصديق قيادة نفسه، فجعلك رئيسا عليه، وربما تكون ممن يحب الرئاسة والترأس، وبذلك ترتاح مع هذا الصديق؛ لأنك لا تجد من تترأس عليه مع الشباب الملتزمين، ولذلك تشبع هذه الرغبة بالترأس على هذا، وتكثر من مخالطته، وهذا يؤدي إلى الانتكاس.
• قد يكون في هذا الصديق شيء من الدعابة، والظرافة مما يجذبك إليه.
فهذه الأشياء التي يتصف بها صديق الماضي تجعله أخطر ما يمكن أن تحتفظ به من ذكريات الماضي.
• الإنفراد عن الشباب الصالحين:
قال الله - تعالى -: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا... (28)} سورة الكهف. والابتعاد عن الشباب الصالحين سيجعلك منفردا، ولن تستمر على هذا الانفراد بل ستبحث عن أصدقاء آخرين، فإن لم يكن لك أصدقاء طيبين، صالحين، يحثونك على الخير، فإنه سيكون لك- ولو بعد مدة- أصدقاء سيئين يحثونك على الشر.
• عدم إبراز الملتزم شخصيته الدينية:
وخصوصا إذا كان مظهره لا يدل على الالتزام، كأن يكون يلبس لباساً لا يصلح للشاب الملتزم، فإذا لم يتميز، ولم تظهر صورته الدينية واضحة؛ فإنه سيكون عرضة لوساوس شياطين الإنس والجن،فيجترئون عليه؛ لأنهم لا يعرفون أنه ملتزم، ولذلك ربما ذكروا المنكرات عنده وربما أغروه بالمنكرات. لكن إذا أظهرت شخصيتك الدينية بشكل واضح؛ لتنكر ما يقولون من الباطل، ولتأمرهم بالخير، فإذا رأوك وجدوا أنك تذكرهم بالله: تقرأ القرآن، ثوب قصير، محافظ على الالتزام بالشخصية الملتزمة بصورة واضحة، هذا يجعلهم على الأقل يحجبون ذكر المنكرات عندك، وأيضا من باب أولى ألّا يغروك باقترافها.
• التوسع في المباحات:
لأن التوسع في المباحات يؤدي إلى أن يكون التزام الشخص التزاماً أجوف، ولاشك أن الالتزام الأجوف من أسباب الانتكاس.
• الحماس الزائد غير المضبوط بضوابط معينة:
بل حماس وثورة لمدة معينة، ثم ينطفىء كسعف النخل إذا أشعلته رأيت له نارا تلظى، ولكن سرعان ما تنطفيء، وتخمد، ويذهب هذا الضوء، وهكذا سرعان ما ينتكس من يريد الشيء بسرعة كبيرة بعد أن يلتزم، يريد أن يحقق كل شيء بسرعة، وقد يصل به هذا إلى الغلو، ومن ثم التقصير؛ لأنه سيتعب، ويكل، ويمل، ثم بعد ذلك سينتكس- نسأل الله العافية-.
• الخوف من غير الله:
كالخوف من السجن، أو الفصل من الوظيفة، وهذا الخوف قد يجعله ينتكس، قال - تعالى -:} وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ... (10) }.
• عدم حب الانضباط بل حب التساهل والتسيب:
وهذا يؤدي به في النهاية إلى أنه لا يحصل شيئا، ولا يستفيد من أي شيء، متسيب، فينتكس؛ لأنه ليس عنده شيء يمنعه من الانتكاس.
• أن يكون في قلبه مرض، أو آفة كبرت مع الوقت:
مثل أن يكون في قلبه مثلا غرور، أو عجب، أو كبر، أو حب رئاسة، أو غير ذلك من الآفات؛ ولم يجاهد نفسه في التخلص منها، فتكون مثل النبتة الصغيرة، فتضرب بعروقها في قلبه، فتحرفه عن الطريق فيما بعد.
• عدم العمل بما يوعظ به:(17/185)
يسمع الموعظة لكنه لا يعمل بها، ولو عمل بها لزاده الله ثباتا قال - تعالى -:}وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا(66) {سورة النساء. إذاً بإمكانك أن تقول: من الوسائل التي تعينك على الثبات، وتمنعك من الانتكاس؛ العمل بما توعظ به من أعمال الخير العمل.
• أخيرا
أقول: أن المنتكس قد بدل نعمة الله عليه، هل تجدون نعمة أعظم من نعمة الالتزام؟ إذاً،فلنسمع لقول الله: }وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(211) }سورة البقرة ويقول - تعالى -:{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ(25) }سورة محمد .
نسأل الله أن يثبتنا على دينه.
http: //saaid.net المصدر:
==========
يا له من دين لو كان له رجال
أبو جهاد سلطان العمري
دين عزيز
دين عظيم
يكفي أن الله اختاره لنا (إن الدين عند الله الإسلام) ورضيه لنا (ورضيت لكم الإسلام دينا)
كل الرسل جاؤا بالدعوة إليه
دين يربط المخلوق بالخالق
فيه يتصل العبد الفقير بالرب الغني
فيه سعادة الروح
وطمأنينة القلب
فأين الناس؟؟
يدعو إلى جميل الأخلاق
وأجمل الآداب
يتربى في ظلاله على التعلق بالله - تعالى -
من تمسك به فهو على نور من ربه
ومن أعرض عنه فهو في ضلال عظيم
وجد لذة التمسك به عباد صادقين
فهل تعرف بلال؟؟
وسلمان
وصهيب
والزبير
والبخاري
ومسلم
وسائر البشرية
الصحابة من أجله سالت دمائهم في كل مكان
يولد الواحد في المدينة
ويقتل على أسوار القسطنطينية
وأمام أسوار الصين
فيا له من دين لو كان له رجال
من أجله صبر العلماء والأولياء على أنواع من البلاء
فذاقوا آلآم ولكن من المحن يخرج الرجال
ومن التمحيص تكون الترقية في مدارج العبودية
يجلد ابن حنبل ويسجن ابن تيمية
فيا له من دين لو كان له رجال
الشهداء من أجله هجروا كل شيء
باعوا نفوسهم واشترى الله
تقطعت لأجله أبدان
ونزفت لأجله جروح
ودمعت له عيون
فيا له من دين لو كان له رجال
في فلسطين صيحات
وفي الشيشان حسرات
وفي أندونسيا جراحات
وفي البوسنة آهات
أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصا جناحاه
دموع المسلمين تسيل في كل بلد
والجراحات تنزف تحت كل سماء
وفوق كل أرض
فأين الرجال؟؟
عدد المنصرين في العالم تجاوز (7000000) سبعة ملايين
فكم هم الدعاة؟؟
أين الرجال؟
بين الغابات تذهب فتيات من أوربا وفرنسا
لكي يمارسوا مهمة التنصير
وهن نساء
فأين الرجال؟؟
نساء يصبرن على الحرارة والأمراض في أدغال أفريقيا
ونبحث عن الرجال ولا رجال إلا القليل
فيا له من دين لو كان له رجال
http: //www.deen.ws المصدر:
==============
آفات في جسد الدعوة !
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
فإن لكل أمر آفاته التي تأخره أو تعطله عن إكمال مسيرته، وللدعوة آفات وآفات، ساهمت بسبب وقوع بعض الدعاة فيها بتأخر الدعوة وتعطلها في مناطق عدة ومعدة!
أذكر منها لا كلها.. فأقول:
الآفة الأولى: عنصرية الحدود الوهمية!
و هذه أكبر آفة تنخر في جسد الدعوة وللأسف..
بلي فيها مجموعة كبيرة من دعاة هذا الزمان، من حيث لا يشعرون، بل بعضهم يشعر، ويبرر لنفسه مثل هذا العمل!
جلست ذات مرة مع أحد من يعتبر رأساً في الدعوة في حيهم، قلت له فلان من البلاد الفلانية لماذا لا يدخل مع الشباب للحلقة، ويدعى إلى الله بدل أن تتلقفه ذئاب البشر، وملاعب الدشر!
فقال لي: ما عندي وقت أصرف جهدي على واحد يغادر البلد بعد كم سنة!
لا أخفيكم صعقني الجواب، وتمنيت لو سكت، أثناءها استرجعت بعضاً من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي كان يدعو جميع القبائل من شتى البقاع، فتلك من أرض نجد، وهذه من أرض اليمن وكان قد سافر إلى الطائف لدعوة أهلها، ولم يقل أدع قومي فقط!
كان يراسل الملوك ويدعوهم إلى الإسلام، ولم يقل هؤلاء ليسوا من قومنا.
أسلم سلمان الفارسي، فقبله النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل قال فيه كلمته المشهورة [سلمان منا آل البيت] مع أنه (فارسي)!!
أفلا تكون هذه آفة من آفات الدعوة؟!
الآفة الثانية: الطبقية!
جلست مع شخص آخر يعتبر رأساً من رؤوس الدعوة والتربية في المنطقة، سألته عن (فلان) لما لا تدعونه للدخول في برامج جماعتكم، خاصة وأنه فيه خير ويود الدخول معكم، فتهرب في البداية، ثم أبى لسانه إلا أن يخرج ما في داخله وقال:
والله هذا فقير وحنا بحاجه لـ(المطخطخين) علشان نسيّر أمورنا!
لم أستطع أن أتصور هذا الجواب القاسي، كيف لا يكون للفقير حق في الدعوة والدخول مع الصالحين؟!!
أليس النبي - صلى الله عليه وسلم - قد دعا (الحر) و(العبد) و(الغني) و(الفقير)؟!
بل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عاتبه رب العالمين من فوق سبع سماوات لما عبس في وجه ابن أم مكتوم أثناء دعوته لـ(صناديد قريش)!! فعاتبه الله - سبحانه وتعالى- من فوق سبع سموات: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى}.
ثم قال - عز وجل -:
{أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}.
و الله لقد رأيتها بعيني لا يقال لي!(17/186)
كان ذلك الرجل يحرص على فتى أشغله ملعب حيهم عن حضور برامجهم، فكان كثير الغياب والتهرب، ومع ذلك كان (له تصدى) وذلك الفقير كان حريصاً أشد الحرص على الدخول في برامجهم فكان (عنه تلهى)!!
الآفة الثالثة: غبش في تحديد الأولويات:
و هذه آفة تنخر في جسد الدعوة أيضاً..
فقد أصيب بعض الدعاة بعدم قدرته على تحديد الأولويات التي يجب أن يبدأ بها!
فأقام برنامجاً دعوياً في حي بعيد، وحيهم من أحوج الأحياء إلى تلك البرامج!
وأراد أن يحفظ طلاب مسجده " صحيح البخاري" ولم يحفظوا القرآن بعد! فضاعت أوقاتهم فلا هم الذين حفظوا القرآن، ولا هم الذين ضبطوا السنة!
ولنا في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة فإنه لما قدم المدينة، آخا بين المهاجرين و الأنصار ثم عقد صلحاً مع العدو الداخلي اليهود ثم أنتقل لمحاربة العدو الخارجي قريش فلما أمنهم بعد صلح الحديبية، بدأ بمراسلة الملوك..
أفلا يقتدي دعاتنا بنبي الله محمد - صلى الله عليه وسلم - في تحديد الأولويات؟!
الآفة الرابعة: إهمال ذوي القدرات المحدودة!
القدرات تتفاوت، فمنهم من رزق قدرات هائلة، وإمكانيات جبارة، إما بذكاء أو طلب علم أو نشاط في دعوة أو غير ذلك.
ومنهم نم قد قدر الله عليه أن لا يظهر عليه ما يميزه عن غيره، بل قد يظهر ما يجعله أقل من غيره بكثير.
فتجد بعض الدعاة قد صرف جل طاقته، وقوته لذلك الرجل صاحب القدرات، وأهمل الآخر، بل جعله من سقط المتاع فلا تجد له برنامجاً منفرداً لتثقيفه، والارتقاء به في سلم " العلم " و" الدعوة "!!
أما من سبقه فله (الدروس) و(البرامج الدعوية) و(الزيارات) وغير ذلك.
وهذا أمر مهم يجب تداركه إذ أن ذلك الشخص الذي لم تظهر عليه ما يميزه عن غيره قد يكون لديه استعداد للتطور، بل قد تكون لديه طاقات كامنة في مجال يتفوق فيها عن غيره.
وأذكر أني واجهت شخصاً من تلك النوعيات، يظهر عليه " الغباء " و" قلة الفهم " و" الكسل " ووجدت الأخوة قد انفضوا عنه، وأهملوه، قلت في نفسي (لم لا أعمل مع هذا الفتى؟ لعل فيه ما يخفى! ).
عملت معه فترة (أسبوع واحد) فقط!!
فإذا بالرجل طاقة كامنة في " الدعوة " لا أبالغ إن قلت أنه فاق جميع توقعاتي!
فمكتب الدعوة قد ألف وجهه، ومساجد المنطقة قد عرفت يومه الذي يأتي فيه لتوزيع " إعلانات المحاضرات " وبعض " المطويات "!
له زيارة لبعض المرضى في يوم معيّن، فتأخر عن يومه المعتاد وأتى من الغد، وكنت معه، فكلما دخل إلى إحدى تلك الغرف التي كان يأتيها، كانت تتبادر الأسئلة نحوه (وين كنت أمس؟ فقدناك! )!
وغير ذلك من الأمور التي لم أكن أتصورها، فضلاً عن أن أتوقعها!
كل ذلك مع أني لم أعمل معه أكثر من أسبوع، ولم أبذل جهداً معه، ولا أدعي قدرة على حفر ما في النفوس واستخراج النفائس، ولكن عله قد صادف يوماً قد نشط هذا الفتى ونشط ما في داخله!
شاهد الأمر أن هذه الآفة تفقدنا الكثير والكثير من شباب المجتمع، إذ أن ذوي الطاقات المميزة قلة في هذا الزمان، فإن كنا سنهمل كل من لم يظهر علي ما يميزه لفقدنا الكثير ممن تحتاجهم الدعوة في هذا الزمان.
هذه بعض الآفات، ولم أحصها كلها، ولا أدعي أني قد أحصيتها، لكنها تجارب واجهتني وأوجعتني رأيت أنها قد أنهكت جسد الدعوة، بل قد نخرته!
أسأل الله أن أكون قد وفقت في إيصال الفكرة المرادة.
ومن كان يرى زيادة على تلك الآفات فلينبهنا لها، فإنها تخفى على الكثير أحياناً.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
http: //saaid.net المصدر:
============
دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب حقائق وأوهام
د. عبد العزيز آل عبد اللطيف
شغب بعضهم على شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله - فاتهموه بالرفض والإلحاد، فقال بعض العلماء حينئذٍ: «والله! لو سُئل هؤلاء عن الرفض والإلحاد ما عرفوه ولا فهموه! ».
والتاريخ يعيد نفسه، فإن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وأتباعه يُتهمون ـ في هذه الأيام ـ بالتكفير وإراقة الدماء؛ من قبل علمانيين منافقين ومن تبعهم بسوء من تنويرين ومنهزمين، مع أن في أولئك القوم من لم يفقه الإيمان فضلاً عن أن يعرف الكفر والتكفير وشروطه وموانعه، فهم أحوج ما يكونون إلى الاستتابة والدخول في دين الله - تعالى -، وتعلم الأصول الثلاثة التي يُسئل عنها كل مكلف في قبره ويوم بعثه ونشره.
وقد استغل كثير من هؤلاء القوم الحملة الأمريكية على الإسلام وأهله تحت ستار الحملة على (الوهابية!)، وراحوا يثيرون الشبهات، ولا يتوخون الموضوعية والأمانة العلمية فيما يقولون.
ومنذ أن أشرقت شمس هذه الدعوة على جزيرة العرب، وصار لها من القبول والظهور ما لها، وخصوم هذه الدعوة يحيكون المؤامرات، ويثيرون الشبهات والاعتراضات.
وتتضمن هذه المقالة عدة حقائق عن هذه الدعوة، مع جملة من الأوهام والإشكالات المثارة ضدها والجواب عنها:(17/187)
- تميزت هذه الدعوة بالالتزام بمنهج راسخ وعقيدة ثابتة وأهداف جلية، كالتلقي من نصوص الكتاب والسنة الصحيحة، ووجوب صرف جميع أنواع العبادة لله - تعالى - وحده، والتحذير من الشرك ووسائله وذرائعه، فكثيراً ما كان الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب يقرر أن الله - تعالى - هو المعبود المقصود، فلا يُقصد إلا الله - تعالى -، وأن الحنيفية ملة إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - هي الإقبال على الله - تعالى - والإعراض عما سواه، وظهر أثر هذه التربية والتقرير من خلال مواقف عملية سطّرها المؤرخون كابن بشر وغيره، ومن ذلك أن «امرأة أتت إلى الشيخ واعترفت عنده بالزنا بعدما ثبت عنده أنها محصنة، وتكرر منها الإقرار، واستخبر عن عقلها فإذا هي صحيحة العقل، فقال: لعلك مغصوبة؟ فأقرت واعترفت بما يوجب الرجم، فأمر بها فرُجمت»(1).
إن التعلق بالله - تعالى - وخشيته - عز وجل - في السر والعلن جعل تلك المرأة تُقْدم بكل طواعية على الاعتراف بفعلتها، وترغب في تطهيرها بتلك العقوبة الموجعة خوفاً من الله - تعالى - ورغبة فيما عنده - سبحانه -.
يقول الأستاذ محمد جلال كشك معلقاً على تلك الحادثة: «فهذه المرأة التي جاءت تتوب، أو تستشهد، بأقسى عقوبة فُرضت على الإنسان، تعكس حالة الوجد الاستشهادي التي أطلقها محمد بن عبد الوهاب في البدو، والتي تفسر فتوحاتهم، فحكاية المرأة الخاطئة هي مؤشر لإيمان الرجل المتطهر الذي صنعته دعوة الشيخ، فانطلق يطوي الصحراء لإعادة الناس إلى الدين الحق، فلا يجوز أن تقف العين العاجزة عند قسوة العقوبة، فالشيخ اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - استخدم معها كل الدفوع لوقف التنفيذ، أو دفعها إلى سحب اعترافها، ولكن جذوة الإيمان التي أطلقها في نفس الخاطئة؛ كانت أقوى حتى من رحمته الإسلامية»(1).
وقد أثار بعضهم آنذاك شبهة أن الشيخ أقام الحدود بدون إذن الإمام، فكان من جوابه - رحمه الله - عن تلك الشبهة: «لا يُعرف أن أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم.. ولكن أعداء الله يجعلون هذه الشبهة حجة في ردّ ما لا يقدرون على جحده، كما أني لما أمرتُ برجم الزانية قالوا لا بد من إذن الإمام، فإن صح كلامهم لم تصح ولايتهم القضاء ولا الإمامة ولا غيرها»(2).
- لما أظهر الشيخ دين الله - تعالى -، وحقق التوحيد في نفسه وأتباعه في جزيرة العرب، وأقام شرع الله - تعالى -؛ استتب الأمن؛ وتحقق الاستقرار، وعم الرخاء، وكثرت الخيرات.
وسيتضح للقارئ البون الشاسع بين حال الجزيرة العربية ـ أمنياً واقتصادياً ـ قبيل ظهور الدعوة وبعدها من خلال أحداث واقعية، وهاك مثالاً عمّا قبل ظهور الدعوة، ففي قرية صغيرة في نجد تُسمّى «التويم» عَمَد أحدهم إلى قتل أميرها ـ وكان ابن عمه ـ، وما أن صار القاتل أميراً حتى قُتِل، ثم ولي الإمارة شخص ثالث فغُدِر به، ثم وليها رابع فتمالأ عليه رجال فقتلوه، ثم تنازع «القَتَلة» في الإمارة، فقسّموا تلك القرية الصغيرة أربعاً، وصار كل واحد أميراً على ربعها، وكلّ هذه الوقائع حدثت في سنة واحدة.
قال المؤرخ ابن بشر معلِّقاً على تلك الحادثة: «وإنما ذكرتُ هذه الحكاية ليعرف من وقع عليها وعلى غيرها من السوابق نعمة الإسلام والجماعة والسمع والطاعة، ولا تُعرف الأشياء إلا بأضدادها، فإن هذه قرية ضعيفة الرجال والمال، وصار فيها أربعة رجال كل واحد منهم يدعي الولاية على ما هو فيه! »(3).
وأما بعد ظهور الدعوة؛ فقد كانت البلاد آمنة مطمئنة، «والشخص الواحد يسافر بالأموال العظيمة أيّ وقت شاء، في نجد والحجاز واليمن وتهامة وعُمان وغير ذلك، لا يخشى أحداً إلا الله، لا سارق ولا مكابر.. وكانت جميع بلدان نجد في أيام الربيع يُسيّبون جميع مواشيهم في البراري ليس لها راع»(4).
وقد تحدث ابن بشر عن الرخاء الاقتصادي في الدرعية ـ مبعث الدعوة الإصلاحية ـ فقال: «لقد نظرتُ إلى موسمها يوماً وأنا في مكان مرتفع، فرأيت موسم الرجال في جانب، وموسم النساء في جانب، وما فيه من الذهب والفضة والسلاح والإبل والأغنام، وكثرة ما يتعاطونه من صفقة البيع والشراء والأخذ والعطاء، وغير ذلك، وهو مدّ البصر، لا تسمع فيه إلا دوي النحل من النجناج(5)، وقول بعت واشتريت. والدكاكين على جانبيه الشرقي والغربي، وفيها من الهُدم(6) والقماش والسلاح ما لا يوصف»(7).
من الآثار المشرقة لهذه الدعوة المباركة ما أورثته من تسطير لتاريخ موطنها وتدوين الحوادث والوقائع فيها كما هو ظاهر في تاريخ ابن غنام وابن بشر ونحوهما، فلقد ظلت نجد نسياً منسياً طوال القرون الماضية، ولم يحفظ لنا التاريخ عن تلك الحقبة المظلمة سوى نتف مبعثرة كما هو مذكور في سوابق ابن بشر، ولعل الأمر كما قال ابن عقيل الحنبلي - رحمه الله - : «لما كان البلد مملوءاً بالأخيار قيض الله لها من يحكيها، فلما عُدموا وبقي المؤذي والذميم العقل؛ أعدم المؤرخ، وكان هذا ستر عورة»(8).
ومن جملة تلك الآثار العلمية ما سطّره علماء الدعوة من رسائل وفتاوى وتقريرات جُمعت في (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)، وفي (الدرر السَّنية في الأجوبة النجدية)، فلقد حوت هذه الرسائل تراثاً نفيساً في مسائل الاعتقاد ـ ولا سيما توحيد العبادة وما يضاده ـ وأحكام العبادات والمعاملات، وأحكام الجهاد، والمرتد، والتفسير، والردود.(17/188)
وانظر إلى هذا التراث المتميّز وما جمعه ابن منقور في كتابه (الفواكه العديدة في المسائل المفيدة) لعلماء نجد قبيل الدعوة، فلا مقارنة بين الأمرين، فمجموع ابن منقور مجرد جزأين في فتاوى ومسائل في فروع مذهب الإمام أحمد، بينما تميزت الدرر بثراء في التأليف، وتنوّع العلوم الشرعية، وقوة الدليل، وصحة الاستدلال، وتنزيل الأحكام الشرعية على الوقائع والأحداث.
يقول الشيخ عبد الله البسام - رحمه الله - : «منذ عرفنا علماء نجد حتى قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -؛ فإن علمهم يكاد ينحصر في الفقه أي في المسائل الفروعية الفقهية.. فعلم التفسير والحديث والتوحيد مشاركتهم فيها قليلة جداً.
فلما انتشرت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تغيّر هذا الاتجاه وتنوعت الثقافة وتعددت العلوم، فصارت العناية بالتوحيد لا سيما توحيد الألوهية، وصار الاهتمام بكتب التفسير السلفية كابن جرير وابن كثير والبغوي ونحوها، وصار الالتفات إلى الحديث وأمهات كتبه وشروحه، كما دُرّست أصول هذه العلوم وصار الاهتمام بالفقه، وموضوع الدرس منه هو فقه الإمام أحمد بن حنبل مع الأخذ بالقول الراجح الذي يعضده الدليل.
وإذا أردت المقارنة بين العهدين بتحقيق المسائل العلمية؛ فقارن بين فتاوى علماء نجد التي نقل بعضها الشيخ أحمد المنقور في مجموعه، وبين فتاويهم التي جُمعت في الدرر السَّنية؛ لترى أنهم في الأول يقتصرون على المشهور من المذهب، ويحاولون تطبيق ما يفتون به على ما قاله فقهاء الحنابلة، عارية عن سوق الأدلة من الكتاب والسنة.
أما في الدرر السَّنية فترى الفتاوى مستقاة من مذهب أحمد - رحمه الله - إلا أنها مقرونة بأدلتها الشرعية، كما تجد أنها قد تخالف المشهور من المذهب حينما يكون الدليل الصحيح خلاف المذهب.
وتجد بجانب الفتاوى الفقهية بعد قيام الدعوة علوم الشريعة الأخرى، فهذا علم التوحيد الذي قامت الدعوة لتحقيقه، وهو الذي نال القسط الأوفر من العناية والتحقيق، والتأليف، وكتابة الرسائل، والنصائح، لا سيما فيما يتعلق بتوحيد العبادة، كذلك نجد الكتابة في التفسير والحديث.
والقصد أنه تغير اتجاه الثقافة بين العهد الأول والعهد الثاني، حيث تحررت الأفكار، واتسعت المدارك، وتعددت جوانب العلوم»(1).
وقد ادعى بعضهم أن في (الدرر السَّنية) غلواً وإفراطاً، وتكفيراً للمخالفين، وتعطشاً للدماء، وهذه مجرد أوهام وظنون، وسبب ذلك الوهم جملة أمور منها:
1 - أن أولئك القوم لم ينظروا إلى الملابسات والظروف التي حُررت فيها تلك الرسائل، فليس من الموضوعية أن يُجتزأ نص من الدرر السَّنية دون نظر إلى سياقه ومناسبة تأليفه.
2 - أن الناظر إلى تقريرات وأجوبة أولئك الأعلام لَيدرك التزامهم بطريقة أهل السنة، وبراءتهم من تكفير من لا يستحق التكفير، وإن كان ثمة إشكال؛ فإنما هو في تحقيق المناط (التطبيقات)، وتنزيل الأسماء والأحكام ـ كالكفر مثلاً ـ على الدور والأشخاص، وهذا الاختلاف في تحقيق المناط واقع ووارد، فقد اختلف السلف الأوائل في تكفير الخوارج مع ورود النصوص بمروقهم من الدين، ومع ذلك فجمهور الصحابة - رضي الله عنهم - لا يرون تكفير الخوارج، لكنهم لم يتهموا مخالفيهم ـ القائلين بتكفير الخوارج ـ بالتطرف والغلو!
3 - لم يقتصر علماء الدعوة على تحرير المسائل وتحقيقها، بل عمدوا إلى تنزيل الأحكام الشرعية ـ الملائمة ـ على الوقائع والأحداث، فمثلاً عندما يحررون مسائل الولاء والبراء يُتبعون ذلك بسلوك وتطبيق ومواقف عملية تجاه طوائف ودول وأشخاص، كما هو مبسوط في مؤلفاتهم، لكن حصل في هذا الزمان الأخير الاشتغال بالتنظير لتلك المسائل والتنصل من تطبيقها ـ لجملة من المسوغات التي ليس هذا موضع بحثها ـ، فهؤلاء الغارقون في التنظير تعتريهم الدهشة عندما يطالعون تراث علماء الدعوة وما تحويه من أحكام على واقعهم آنذاك، وربما أنكروا على أئمة الدعوة كما هو حاصل الآن.
وها هو العلامة عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - والمعروف بعمق علمه، وبرحابة صدره وسعة أُفقه حتى عند أولئك «الإصلاحيين»؛ يقرر ـ حسب فتاويه ـ معنى دار الكفر، ثم ينزِّل هذا الحكم على دول عربية كانت محكومة آنذاك بالاستعمار البريطاني(2).
4 - ينبغي أن يراعى أن أولئك الأعلام - رحمهم الله - عندما يحكمون بكفر أشخاص وطوائف ومن خلال منظور شرعي؛ كانوا في ظل ولاية شرعية وزمن قوة وغلبة شوكة، ومن ثم نجد أن الأمر ظاهر عندهم، فمن استبان كفره أقيمت عليه الحجة واستتيب فإن تاب وإلا قتل؛ بخلاف زمن الضعف وبداية الدعوة، حيث كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في ابتداء دعوته إذا سمعهم يدعون زيد بن الخطاب قال: «الله خير من زيد، تمريناً على نفي الشرك بلين الكلام، نظراً إلى المصلحة وعدم النفرة»(3)؛ بخلاف لما ظهرت الدعوة وقامت الدولة.
ونلاحظ في الطرف المقابل لتلك القوة والعزة ما هو مشاهد في عصرنا من هيمنة وتسلط أمريكا، وغياب الولاية الشرعية في أكثر الأمصار، وخور أهل الإسلام، واستجابة كثير منهم لضغوط ومطالب أمريكا؛ مما جعل أولئك المستسلمين ينفرون من هذه الدعوة التي تصادم ضعفهم واستكانتهم.
5 - لا يخفى أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ذات نَفَس جهادي، والناظر إلى كتاب الجهاد من (الدرر السَّنية) يلاحظ فتاوى مهمة وتقريرات علمية في أحكام الجهاد ونوازله، كما يدرك ما حفل به تاريخ الدعوة من معارك وغزوات.(17/189)
لقد ذاقت بريطانيا في أوج تسلطها ضربات موجعة في بحر الخليج العربي من أتباع الدعوة أو من تسميهم بـ «القراصنة الوهابيين»، كما أن الحركات الجهادية المعاصرة التي أقضّت مضاجع الغرب، ودوّخت الشرق تعدّ امتداداً لهذه الروح الجهادية.
وقد غَلَب على معشر أهل الإسلام الركون إلى الدنيا وكراهية الموت، وإن اضطر بعضهم إلى الحديث عن الجهاد؛ فيكون بانقباض شديد واختزال مخل، مع تكلف في إيراد الشروط والقيود.. ومن ثم حصلتْ النفرة بين جملة من العلماء والدعاة وبين أهل الجهاد.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : «وسنام ذلك الجهاد في سبيل الله، فإنه أعلى ما يحبه الله ورسوله، واللائمون عليه كثير؛ إذ كثير من الناس الذين فيهم إيمان يكرهونه، وهم إما مخذِّلون مفتِّرون للهمة والإرادة فيه، وإما مرجفون مضعِّفون للقوة والقدرة عليه، وإن كان ذلك من النفاق»(1).
إن من يسعى إلى إسلام «وديع» يُرضي الأمريكان، ولا يسخط الرحمن؛ كمن يسعى إلى الجمع بين النقيضين، بين الحق والباطل.
أيها المنكح الثريا سهيلاً *** عمرك الله! كيف يلتقيانِ؟!
هي شامية إذا ما استقلت *** وسهيلٌ إذا استقل يمانِ
استطاع الشيخ محمد بن عبد الوهاب مع الإمام محمد بن سعود وابنه الإمام عبد العزيز - رحمهم الله - أن يقيموا دولة إسلامية في جزيرة العرب، تُحكِّم شرع الله - تعالى -، وتنشر العلم، وتقيم الحدود، وتحقق الأمن، وتُظهر الجهاد في سبيل الله - تعالى -، وتجبي الأموال عن طريق الزكاة والغنائم ونحوهما.
يقول محمد جلال كشك: «إذا كان محمد بن عبد الوهاب من ناحية العقيدة ليس بمبتدع، فهو من الناحية السياسية مجدد ومبدع، لقد استطاع أن يوقف حركة التاريخ، ويلوي عنق الأحداث التي كانت تدفع العالم الإسلامي دفعاً إلى التغريب، فمع الهزيمة الشاملة التي أصابت العالم الإسلامي أمام الغزو الأوروبي؛ كان الظن أو اتجاه الأحداث هو خضوع العالم الإسلامي للقانون الحضاري العام، وهو فناء المهزوم بالاندماج في حضارة المنتصر»(2).
وإذا تقرر أن هذه الدعوة المباركة سبب في وجود الدولة السعودية الأولى؛ أفيسوغ ما تفوّه به بعضهم بأن المذهب الوهابي سبب سقوط الدولة السعودية الأولى؟ أفيصح أن يكون سبب وجودها هو سبب عدمها؟ اللهم إلا أن يكون مقصودهم أن تمسُّك هذه الدولة بالدين الصحيح، وقيامها بشعيرة الجهاد تجاه البريطانيين؛ كان سبباً في تسلط أولئك الصليبيين وأذنابهم (محمد علي باشا، وابنه طوسون، وإبراهيم)، فهل يريد أولئك التفلت من دين الله - تعالى - من أجل السلامة من الغرب وعملائه؟!
لقد اتُّخذ القرار بتدمير الدولة السعودية الأولى حماية للمصالح البريطانية، حيث أصبحت الحملات الجهادية في بحر الخليج العربي خطراً مباشراً على بريطانيا، فلقد أقلقت بريطانيا تلك القوة البحرية ذات الأسطول الهائل، «بل أرهبتها، وأشدّ جوانبها خطورة هو أنها ترفع لواء الإسلام، فأي حرب مكشوفة ستكون بدون شك طويلة ومريرة، ولن تكون ناجحة إلا إذا قضي على الأصل، أي على الدولة السعودية في قلب الجزيرة العربية، وإذا أقدمت بريطانيا على هذه الحرب فإنها ستكون مغامرة محفوفة بالمخاطر طويلة الأمد، قد تتحول بفعل تفاعل الظروف والأحداث إلى حرب صليبية»(3).
ولذا تم تسخير العملاء المستغربين (محمد علي باشا، وابنه طوسون، وإبراهيم) لسحق هذه الدولة المتميزة، وقتل حكامها وعلمائها، فمنهم من قُتل صبراً بالبنادق، ومنهم من جُعل في فوهة المدفع، ثم رمي حتى سقط في الجو قطعاً، ومنهم من كانت تُخلع جميع أسنانه قبل قتله كما هو مبسوط في تاريخ الجبرتي وابن بشر! فأي الفريقين أحق بالإفساد وسفك الدماء؟!
وكما قال المؤرخ محمد البّسام في كتابه (الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر): «ولا ـ والله ـ تغلب عليهم صاحب مصر عن ضعف منهم أو جبن، بل خيانة من العربان، ورضا من ساكني البلدان».
«ثم تَوَّج إبراهيم باشا هذه الأعمال، وهو رسول الحضارة الغربية بهدم مدينة الدرعية ـ التي سلّم الإمام عبد الرحمن بن سعود نفسه بشرط الإبقاء عليها ـ، وتركها أطلالاً ما زالت تقوم شاهداً حياً على عِظَم الجريمة النكراء»(4).
-------------------
(1) عنوان المجد، لابن بشر، 1/ 39.
(1) السعوديون والحل الإسلامي، ص 111.
(2) مجموعة مؤلفات الشيخ، 3/ 67.
(3) عنوان المجد، 2/ 357.
(4) عنوان المجد، 1/ 267، باختصار.
(5) النحناج: الحركة.
(6) الهدم: الملابس.
(7) عنوان المجد، 1/ 44، باختصار، وانظر: عنوان المجد، 1/ 434.
(8) المنتظم، لابن الجوزي، 16/ 276.
(1) علماء نجد خلال ثمانية قرون، 1/ 17 ـ 19، باختصار يسير.
(2) انظر: الفتاوى السعدية، ص 92.
(3) مجموعة التوحيد، ص 339.
(1) الاستقامة، 1/ 265.
(2) السعوديون والحل الإسلامي، ص 109، باختصار يسير.
(3) قراءة جديدة لسياسة محمد علي باشا التوسعية، لسليمان الغنام، ص 35، وانظر: ص 122.
(4) المرجع السابق، ص 37.
http: //www.albayan-magazine.com المصدر:
===================
الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
محمد الإبراهيم
تولى الحجاج بن يوسف الثقفي أمر العراق عام 75 هـ بعد أن أنهى المهمة التي كلف بها وهي القضاء على ابن الزبير في الحجاز، وفي حديثه مع السيدة أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - حول مقتل ابنها عبد الله بن الزبير، ذكرت له أسماء الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إن في ثقيف مبيراً وكذاباً، قالت: فأما الكذاب (المختار بن أبي عبيد) فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه[1].(17/190)
اشتهر الحجاج في إمرته على العراق بعسفه وظلمه وجبروته وتأخيره للصلوات عن أوقاتها، كما عرف عنه كرهه لآل علي بن أبي طالب ولبني هاشم، قال الذهبي في ترجمته: "أهلكه الله في رمضان سنة خمس وتسعين كهلاً، وكان ظلوماً جباراً، ناصبياً خبيثاً، سفاكاً للدماء. وكان ذا إقدام ومكر ودهاء وفصاحة، وقد سقت في سوء سيرته في تاريخي الكبير، وحصاره لابن الزبير وإذلاله لأهل الحرمين، ثم ولايته على العراق وحروب ابن الأشعث له، وتأخيره الصلوات إلى أن استأصله الله، فنسبّه ولا نحبه، بل نبغضه في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله... "[2]، ويعلق الذهبي أيضاً على حصار الحجاج لابن الزبير فيقول: "بل ليته (ابن الزبير) لا التجأ إلى البيت ولا أحوج أولئك الظلمة والحجاج - لا بارك الله فيه - إلى انتهاك حرمة بيت الله وأمنه... "[3]، وقال ابن كثير في ترجمته: "وقد كان ناصبياً يبغض علياً وشيعته[4] في هوى آل مروان، وكان جباراً عنيداً، مقداماً على سفك الدماء بأدنى شبهة، وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة، ظاهرها الكفر... "[5].
وعندما ذكر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز الظلم الذي كان قبل توليه الخلافة ذكر الحجاج فقال: "الوليد بالشام، وقرة بمصر، والحجاج بالعراق، وعثمان بن حيان بالحجاز، امتلأت الأرض والله جوراً"[6].
ويروي ابن سعد عن إبراهيم النخعي أنه قال: "كفى به عمى أن يعمى الرجل عن أمر الحجاج"[7]، وقد سجد عندما بشر بموت الحجاج، وينقل ابن تيمية كلام المرجئة ناقداً لهم، حين يجعلون إيمان الناس كلهم سواء، "بل إيمان الناس كلهم سواء، إيمان السابقين كأبي بكر وعمر، وإيمان أفجر الناس كالحجاج وأبي مسلم الخراساني وغيرهما... "[8].
وقد يقال هنا إن أهل العراق أهل شقاق وفتنة، ولا يصلح لهم إلا أمثال الحجاج، يقسو عليهم ويؤدبهم، والرد على هذا: إن تطبيق شرع الله بحذافيره، وبعدله ورحمته هو الذي يسكن النفوس ويقمع أهل الشر والبدع، ويرضي أهل الفضل والعلم، الذين يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مبادىء الإسلام الأساسية، ولا يحتاج الشرع إلى زيادة في العقوبات لردع الناس، ومن قال هذا فقد رمى الشرع بالنقص، وأما الذين يستأنسون بالظلمة، ويزينون لهم أفعالهم، كي يرتعوا معهم في التحكم بالناس فهم الذين يبررون لأمثال هؤلاء الطواغيت أعمالهم، ويدافعون عن الظالمين في كل عصر، كما وقع غلاة المرجئة الذين "تركوا هذا الدين أرق من الثوب السابري" كما يقول الإمام إبراهيم النخعي.
وقد يقال: أليس للحجاج حسنات تذكر؟ ولماذا تذكر السيئات دائماً، ونقول: نعم، لا يخلو مثله من حسنات ولكنها قليلة مغمورة في بحر ظلمه وقتله للعلماء والأبرياء كما ذكر الذهبي آنفاً، وإن إقامة ساعة من العدل خير من تجييش الجيوش لفتح إقليم واغتنام عدو، وما الفائدة من فتح إقليم إذا خرب الأصل والقاعدة بالظلم والقهر.
وجد كثير من العلماء والقراء والفقهاء فرصة في ثورة عبد الرحمن بن محمد ابن الأشعث لعزل الحجاج، والاستراحة منه، وكان بعضهم هارباً مختفياً من الحجاج، وبعضهم قد ضرب وسجن، وكان سبب خروج عبد الرحمن بن محمد أن الحجاج بعث جيشاً بقيادة عبد الرحمن لفتح السند، وقد أدى هذا الجيش مهمته وفتح أقاليم واسعة من تلك البلاد، ولكنه توقف ولم يوغل في الداخل حتى يتعرف الأرض والسكان وحتى يستقر الإسلام في الأقاليم المفتوحة، ولكن الحجاج الحَّ عليهم في التوغل، ووبخّ عبد الرحمن وأنّبه على توقفه وشعر بعض القادة مع عبد الرحمن أن الحجاج يريد أن يدخلهم في مغامرة، فإن نجحوا كان النجاح له أمام الخليفة في دمشق وإن كان الهلاك فقد تخلص منهم، هذا مع كره غالبية هذا الجيش للحجاج، فقرر عبد الرحمن ومن معه العودة للعراق وعزل الحجاج.
التقى عبد الرحمن ومن معه من القراء والفقهاء مع الحجاج في معارك كثيرة وأشهرها الزاوية، دجيل، دير الجماجم... يقول المؤرخ الطبري: "واجتمع أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الثغور بدير الجماجم والقراء من أهل المصرين، اجتمعوا جميعاً على حرب الحجاج، وجمعهم عليه بغضهم والكراهية له"[9].
وقد جاءت فرصة ثمينة لهؤلاء الثائرين حين عرض عليهم الخليفة عبد الملك أن ينزع الحجاج، وأن يتولى عبد الرحمن أي بلد يشاء، مع العفو عن الخارجين معه، ويذكر الطبري أن عبد الرحمن رأى مصلحة في ذلك، ولكن جنده أبوا عليه، وهذه غلطة فاحشة لأن معنى ذلك خلع عبد الملك نفسه، ولذلك استمر القتال، وانهزم عبد الرحمن ومن معه في معركة دير الجماجم التي قتل فيها كثير من الفقهاء، والذين نجوا وفروا قتلهم الحجاج بعدئذ وأظن أن الحجاج كان ينظر إلى الشعب وكأنهم عبيد للدولة، فما دامت أعطياتهم تصلهم، ويزيدهم أحياناً - للمقربين أهل الطاعة - فلِمَ النقد، ولِمَ الأمر بالمعروف، وحواره مع بعض العلماء يدل على ذلك.
ومن العلماء الذين شاركوا وخرجوا مع ابن الأشعث: "سعيد بن جبير، الإمام الحافظ المفسر الشهير"[10]، روى عن ابن عباس فأكثر، وعن عائشة وعدي ابن حاتم وابن عمر وغيرهم، وكان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يسألونه يقول: تسألوني وفيكم ابن أم الدهماء يعني سعيد بن جبير[11]، وكان سعيد - رحمه الله - قد فرّ من الحجاج، واستقر في مكة، إلى أن قدم عليها أميراً خالد بن عبد الله القسري، فقبض على سعيد وبعثه إلى الحجاج فقتله.(17/191)
ومنهم: عامر بن شراحيل الهمداني الشَّعْبي، من كبار التابعين رأى علياً رضي الله عنه وصلى خلفه، وحدث عن سعد بن أبي وقاص وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة وعائشة وعدة من كبار الصحابة. وهو من كبار الفقهاء في عصره، روى ابن سعد عن الحسن البصري عندما سمع بموته قال: إن كان من الإسلام بمكان[12]، وبعد معركة الحجاج فرَّ الشعبي إلى خراسان، ثم أرسل إلى الحجاج فعفا عنه.
ومنهم: عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الأوسي الإمام العلامة الحافظ، من أكابر تابعي الكوفة، حدث عن عمر وعلي وأبي ذر وابن مسعود وغيرهم، ضربه الحجاج لرفضه سب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قيل أنه قتل في (دير الجماجم)، وقيل أنه غرق ليلة دجيل حين اقتحم به فرسه.
ومنهم: أبو البَخْتري الطائي، الفقيه أحد العباد واسمه سعيد بن فيروز، حدث عن أبي برزة الأسلمي وابن عباس وابن عمر، وكان مقدم الصالحين القراء الذين قاموا على الحجاج، وقتل - رحمه الله - في (دير الجماجم)[13].
ومنهم عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي، وكان فقيهاً كثير الحديث، ولقي كبار الصحابة[14]، وقد فقد ليلة دجيل.
ومنهم: أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود الهذلي، وأبو الجوزاء الرَّبعي، واسمه أوس بن خالد، أحد كبار العلماء، حدث عن عائشة وابن عباس، قتل يوم الجماجم[15].
ومنهم: عبد الله بن غالب الجهضمي، من قراء البصرة قاتل في يوم (الزاوية) ومن أقرانه الذين قتلوا في يوم الزاوية من قراء البصرة: عقبة بن عبد الغافر العوذي وحميد بن عبد الرحمن الحميري، وعقبة بن وساج البرساني[16].
ومنهم: محمد بن سعد بن أبي وقاص، الإمام الثقة، حدث عن أبيه وأبي الدرداء - رضي الله عنهم -، أسر بعد دير الجماجم، وقتله الحجاج. وذر بن عبد الله وكان من أبلغ الناس في القصص، وغيرهم كثير، وهذا غير الذين فروا من ظلمه وعاشوا بعيداً عن بلدانهم من أمثال عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، ويروي ابن العماد عن عمرو بن العلاء أنه سمع أعرابياً كان مختفياً من الحجاج يقول:
ربما تجزع النفوس لأمر وله فَرجَة كحلّ العقال
فقال أبو عمرو: وما الأمر؟ قال: مات الحجاج[17].
رحم الله أولئك القراء والعلماء، وقاتل الله الظالمين.
--------------------
[1] ابن العماد، شذرات الذهب 1/307، والمبير: المهلك.
[2] سير أعلام النبلاء 4/343.
[3] سير أعلام النبلاء 3/377.
[4] يعني حزب علي في معارك الجمل وصفين وليس الشيعة بمعنى الفرقة المعروفة بعدئذ.
[5] البداية والنهاية 9/132.
[6] ابن العماد: شذرات الذهب 1/388.
[7] طبقات ابن سعد 6/279.
[8] الإيمان/ 184.
[9] الطبري 6/347.
[10] سير أعلام النبلاء 4/321.
[11] طبقات ابن سعد 6/257.
[12] المصدر السابق 6/256.
[13] سير أعلام النبلاء 4/280.
[14] شذرات الذهب 1/333.
[15] ابن سعد 7/223.
[16] طبقات خليفة بن خياط/ 205.
[17] شذرات الذهب 2/250.
http: //www.alsunnah.org المصدر:
==================
صناعة الهموم
د. علي بن عمر بادحدح
إن كل عمل يقوم به الإنسان لابد أن يسبقه أو يقارنه توجه أو شعور نفسي، وما من شك أن الشعور النفسي للداعية مهم، إذ هو الباعث على الحركة والعمل، والمحدد للقصد والغاية، والمشاعر النفسية كثيرة التنوع، شديدة التقلب، والحديث عنها يطول، وهذه المقالة مخصوصة ببعض المشاعر النفسية المؤثرة في مجال الدعوة.
إن الدعوة تحتاج إلى عزيمة فتية ماضية، وانطلاقة قوية، وذلك يحتاج إلى شعور عظيم بالأهمية، وإحساس كبير بالواجب، ليكون ذلك وقوداً محركاً وطاقة مشغلة، فلا يكون فتور ولا انقطاع، ولا يحصل تردد أو تراجع، ومن ثم فلابد أن يغمر النفس شعور بهمّ الدعوة، وحزن على فوات مصالحها، وألم على عدم تحقيق مقاصدها، والدعوة - ما لم تكن في شعور الداعية - أكبر همه، وأوكد شغله فلا أمل في عزم وانطلاق مناسبين.
إن الدعوة ينبغي أن تكون حاضرة في خطرات فكره، وخفقات قلبه، ولواعج نفسه، بل لابد أن تكون هي تأملات ماضيه، ومعاناة حاضره، وطموحات مستقبله، إنها ينبغي أن تجري مع الدماء وفي عروقه، وأن تختلط مع الهواء في أنفاسه، حتى تملك عليه أقطار نفسه، وتملأ جوانحها.
فهذا سيد الخلق وإمام الدعاة - صلى الله عليه وسلم - كان همّ الدعوة يملأ قلبه ويشغل فكره وقد بلغ به الأمر مبلغاً عظيماً تنزلت فيه آيات تتلى ليخفف همه ويذهب حزنه {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر 8]، "الحسرة همّ النفس وشدة الحزن على فوات الأمر" [انظر تفسير ابن عطية، ص1546] [تفسير البغوي، ص1068]، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: " لا تغتم ولا تهلك نفسك حسرة على تركهم الإيمان" [تفسير ابن الجوزي، ص1158]، وهذه تسلية من الله للرسول - صلى الله عليه وسلم - "حتى يدع ما يجيش في قلبه البشري من حرص على هداهم، ومن رؤية الحق الذي جاء به معروفاً بينهم، وهو حرص بشري معروف، يرفق الله برسوله من وقعه في حسه، فيبين له أن هذا ليس من أمره بل من أمر الله،... وهي حالة يعانيها الدعاة كلما أخلصوا في دعوتهم، وأدركوا قيمتها وجمالها وما فيها من الخير ورأوا الناس في الوقت ذاته يصدون عنها ويعرضون" [في ظلال القرآن: 5/2928].(17/192)
فتأمل كيف كان حمله - صلى الله عليه وسلم - لهمّ الدعوة حتى بلغ هذا المبلغ العظيم وحتى خاطبه ربه بقوله الكريم: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً}، قال السعدي في تفسيره [ص470]: " فلعلك باخع نفسك: أي مهلكها غماً وأسفاً عليهم ".
وهل لك - أخي الداعية - أن تتصور عظمة الهم الذي حمله أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فكان مؤججاً لحماسته ومفجراً لطاقته حتى وأد الفتنة وقمع الردة وابتدأ الفتوح؟، ولا يخفى على أحد شهرة عمر - رضي الله عنه - بالهمّ الذي كان يحملها تجاه رعيته فأورثه عدلاً قلّ نظيره، وبذلاً أتعب من بعده، وعلى هذا كان الرعيل الأول من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولقد سألت عَائِشَةُ - رضي الله عنها - اِلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: (هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) رواه الشيخان، فلله رسول الله ما أعظم همّه الذي ولد طاقته التي لا مطمح لبلوغها!
وإن الدعاة المشهورين في عصرنا الحديث إنما بعث همتهم للعمل والإصلاح حزن عميق على ما آلت إليه أحوال الأمة من ضعف أبنائها وتسلط أعدائها فهذا البشير الإبراهيمي وعبد الحميد بن باديس يسهران كل ليلة بمنزل الإبراهيمي يتدارسان أوضاع المجتمع الجزائري، وما أصابه من بلاء الاستعمار والجهل والانحراف الديني، ويبحثان في الوقت ذاته عن الوسائل التي يمكن أن تستخدم للنهوض بالبلاد والعباد، فكان لتلك الليالي شرف ميلاد (فكرة إنشاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) التي لم تتحقق على أرض الواقع إلا سنة 1931م، وعن تلك الليالي يقول الإبراهيمي: "... وأشهد الله على أن تلك الليالي من سنة 1913م هي التي وضعت فيها الأسس الأولى لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين... ". [البشير الإبراهيمي نضاله وأدبه، ص37]، فانظر الهمّ كيف أثمر الحرقة ومن بعدها تولدت الحركة فتبلورت الفكرة ثم تحركت قاطرة الدعوة.
وهذا علم الدعاة حسن البنا يصور همّه في بواكير شبابه عندما اجتاحت مصر موجة الإلحاد والإباحية فيقول: " وكنت متألماً لهذا أشد الألم، فها أنا ذا أرى أن الأمة المصرية العزيزة تتأرجح حياته الاجتماعية بين إسلامها الغالي العزيز الذي ورثته وحمته وألفته وعاشت به واعتز بها أربعة عشر قرناً كاملة، وبين هذا الغزو الغربي العنيف المسلح المجهز بكل الأسلحة الماضية الفتاكة من المال والجاه والمظهر والمتعة والقوة ووسائل الدعاية، وكان ينفس عن نفسي بعض الشيء الإفضاء بهذا الشعور إلى كثير من الأصدقاء الخلصاء... كما كان ينفس عن نفسي كذلك التردد على المكتبة السلفية... حيث نلقى الرجل المؤمن المجاهد العامل القوي العالم الفاضل والصحفي الإسلامي القدير السيد محب الدين الخطيب، ونلتقي بجمهرة من أعلام الفضلاء المعروفين بغيرتهم الإسلامية وحميتهم الدينية "، ثم يحكي قصة ذهابه إلى الشيخ يوسف الدجوي في هذا الشأن وما رد به عليه ويعلق على ذلك قائلاً: " لم يعجبني طبعاً هذا القول وأخذتني فورة الحماسة وتمثل أمامي شبح الإخفاق المرعب إذا كان هذا الجواب سيكون جواب كل من ألقى من هؤلاء القادة فقلت له في قوة: إنني أخالفك يا سيدي كل المخالفة في هذا الذي تقول، وأعتقد أن الأمر لا يعدو أن يكون ضعفاً فقط، وقعوداً عن العمل، وهروباً من التبعات، من أي شيء تخافون؟، من الحكومة أو الأزهر؟، يكفيكم معاشكم واقعدوا في بيوتكم واعملوا للإسلام، فالشعب معكم في الحقيقة لو واجهتموه، لأنه شعب مسلم، وقد عرفته في القهاوي وفي المساجد وفي الشوارع فرأيته يفيض إيماناً ولكنه قوة مهملة، إن هؤلاء الملحدين والإباحيين وجرائدهم ومجلاتهم لا قيام لها إلا في غفلتكم ولو تنبهتم لدخلوا جحورهم، يا أستاذ إن لم تريدوا أن تعملوا لله فاعملوا للدنيا وللرغيف الذي تأكلون، فإنه إذا ضاع الإسلام في هذه الأمة ضاع الأزهر، وضاع العلماء فلا تجدون ما تأكلون، ولا ما تنفقون، فدافعوا عن كيانكم إن لم تدافعوا عن كيان الإسلام، واعملوا للدنيا إن لم تريدوا أن تعملوا للآخرة، وإلا فقد ضاعت دنياكم وآخرتكم على السواء ". [مذكرات الدعوة والداعية، ص52]، فهل مثل هذا الهمّ والغيرة والحماسة يحتاج إلى تعليق؟(17/193)
إنه ما لم يكن في قلب الداعية همّ مقلق، وغيرة محركة، وحماسة متقدة، ونفس شفافة متأثرة بما يمس الدين والعرض والأرض والأمة فلا أحسب أن هذا الداعية جدير بهذا الاسم وتلك الصفة، ولا أحسب أنه سيكون أنموذج عمل دؤوب وحركة مستمرة، ولعلي أشتد قليلاً أو كثيراً في هذا المعنى لأهميته، ولست أدري كيف يكون داعية من همّه منصرف بكليته في البيت الجميل، والزوجة الحسناء، والسيارة الفارهة، ونزهاته العائلية، وليس في هذا مبالغة فإن الواقع يشهد بوجوده، ومن شُغل همّه بمثل ذلك قعدت همته عن المعالي.
وإليك - ختاماً - هذه الوصفة في صناعة الهمّ المحرك:
1- أكثر من الصلة بكتاب الله، مركزاً على قصص ودعوة وجهاد أنبياء الله.
2- أدمن العيش مع سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لتأخذ من دعوته في مكة وجهاده في المدينة مالا يؤخذ إلا منه.
3- تراجم الأعلام من السلف العظام وأئمة الإسلام ودعاة العصر معين لا ينضب للهمّ البنّاء.
4- صل حبل فكرك وعلمك بواقع الأمة واعرف مآسيها واكتو بنارها، عش في أتون محنة المرابطين في أرض الإسراء، وكن قريباً من النار التي يصطلي بها المقاومون في أرض الرافدين، وزد بعد ذلك ما شئت.
5- اعرف كيد أعدائك ومكرهم الكُبّار بالليل والنهار، وما يبذلون من جهد وفكر ومال بل وأرواح ورجال.
6- مد جسر فكرك ونبض مشاعرك مع إخوانك الدعاة في ميادين عملهم ودعوتهم من شرق الأرض إلى غربها، فإن في عطائهم وبلائهم زاد للهم النافع.
7- حدد لنفسك مشروعاً إيجابياً تسهم في البناء ليكون حظك في تيار العطاء وخارطة البناء.
وأخيراً إن كنت قسوت فالخير أردت، وإن لم يكن وضوح ومصارحة فلن يكون إلا ركون ومجاملة، ولا أظنك تخالفني في أن حال أمتنا في هذه الظروف يحتمل مثل ذلك، فهيا بنا معاً نحمل الهمّ ونمضي على الطريق.
http: //islameiat.com المصدر:
=================
من يقود السفينة
عمر بن عبد العزيز الحمد
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد..
فلا شك أن كل سفينة تخوض في غمار البحار وتعبر المحيطات والأنهار، لا بد لها من قائد يقودها ويوجه مقودها حيث أراد وحيث كانت وجهته، وهو الذي يضبطها حيث تلعب بها الريح وتلاطمها الأمواج. وبدون هذا القائد هل يمكن أن تسير السفينة؟! نعم يمكن! تسير لو فك قيدها ولكن كيف سيكون سيرها؟ وأين ستكون وجهتها؟ بل كيف ستصل إلى هدفها؟ وإذا وصلت، هل ستصل بأمان؟ وهل ستحمي نفسها من المخاطر التي تواجهها وسط البحر المتلاطم؟
هكذا هو حال الأمة الإسلامية اليوم حيث تسير سفينتها بلا قائد يقودها إلى بحر التقدم، ولا موجه يوجها الوجهة الصحيحة التي أرادها الخالق جل وعل، ا ولا مرشد يدلها إلى بر الأمان ويسير بها إلى طريق العزة والنهوض، ولا مرجع يمكن أن تسند إليه قضيا الأمة الكبرى للنظر فيها وإيجاد الحلول الرشيدة والسديدة لها.
وحين فقد كل هذا، أصبحت السفينة حائرة في بحر مظلم تلاطمها أمواج الفتن وتعصف بها رياح الشبهات وتغرقها أثقال الشهوات والتعلق بالملذات وتخرقها أظفار الشركيات والبدع، كما تحاول الأيادي الخبيثة من بعض أبناءها أعاقتها عن سيرها والتلاعب بمقودها لتلحق بركب المغضوب عليهم أو الضالين. هذا فضلاً عن اللصوص المتربصون بها وبخيراتها والحاقدون على أهلها وما يكيدون بهم ليل نهار ليذلوهم ويستعبدوهم من الكفرة والملحدين.
بل العجب أن يمسك بالمقود يدان مختلفتان متناقضتان!
يد تقودها إلى بر الأمن والإيمان.... ويد تهوي بها في دروب العصيان.....
يد تقودها إلى النور والسلام... ويد تخوض بها في ظلمات وهوان....
يد تبني... وأيادي تهدم. يد تعطي... وأيادٍ تسلب وتغصب. يد تصلح... وأيادٍ تخرب.
فكيف يصلح لهذه السفينة حال؟ وكيف يكون بها المآل؟!
ومع هذا الحال العصيب الذي تعيشه الأمة بلا قائد يقودها إلى بر الأمان، ولا موجه يوجهها إلى طريق الله الواحد الديان، ولا مرشد يرشدها إلى التماسك والتعاون والبذل والإنتاج وفق هدي القرآن، حتى تحقق أهدافها وتنجو بإذن الله من الطوفان. مع هذا كله فهي بفضل الله - تعالى - لا تزال تبحر وتخوض المحيطات وتواجه أعاصير الكفر مجتمعة لإغراقها وهي ثابتة راسخة لا يضرها من خذلها ولا من خالفها إلى قيام الساعة.
إن السفينة لا بد لها من أن يكون لها من قائد أو قادة مهرة متمكنين يعرفون الهدف الذي تسير من أجله هذه السفينة والوجهة التي تريدها والطريق الآمن والأمثل لسيرها.
إنهم قادة يخافون الله في السر والعلن. قادة على دراية وبصيرة بشرع الله صغيره وكبيره، في العبادات والمعاملات في السلم والحرب، ويطبقون ذلك في حياتهم ومع الناس.
إنهم أصحاب عقول راسخة وقلوب بصيرة ونفوس منشرحة وأخلاق سمحة وقوة في الرأي وأصحاب حجة قوية ونظرة شمولية أفقية.
إن الأمة الآن في أمس الحاجة لمن يمسك بزمام أمرها ولمن يدلها على طريق النصرة والعزة والتقدم والنهوض.
إنها في حاجة لمن يرشدها لإصلاح أوضاعها الفاسدة، ولمن ينصح ولاة الأمر فيها لما فيه صلاحهم والخير لشعوبهم والنهضة لأمتهم.
إنها في حاجة لمن يضبط حماس المتحمسين من أبناءها وبناتها، ولمن يقودها وقت الفتن والمحن إلى التريث والسلامة والتعامل مع الأزمات بحكمة وعقلانية.
إنها في حاجة لمن يفقهها في كلام الله ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -. ويرسخ في قلوب أصحابها العقيدة الإسلامية الصحيحة بعمق. إنها في حاجة إلى مرجعية واضحة صادقة تكون ملاذاً للصغير فيها و الكبير، وحكماً عادلاً للوزير وللحقير أو الفقير.(17/194)
ولا يكون ذلك إلا بلجنة أو منظمة أو هيئة إسلامية عالمية تضم نخبة من جهابذة الأمة وفطاحلة العلم والفقه والفكر فيها في جميع المجلات السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية والعلمية والتقنية والإبداعية والتطويرية وغيرها من المجالات الحيوية المهمة.
وتكون لها سلطة قضائية وتنفيذية مستقلة بعضوية جميع الدول الإسلامية إضافة إلى الأقليات المسلمة في الدول الغير المسلمة. يقول الله - تعالى -: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) الأنبياء: 92.
عندها سيكون بإذن الله - تعالى - حال الأمة أحسن بكثير مما هي عليه الآن من تطور واستقلال في الرأي ونصرة في الأرض وعزة وتمكين بعد عون الله - تعالى - وتوفيقه.
(ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) المنافقون: 8.
فالحكم يجب أن يكون حكم الله - تعالى -، وبما أنزل الله، وبما يرضي الله، كما جاء عن الله - تعالى -: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) المائدة: 44.
تفكر معي هذه الآية الكريمة وهي تأصل المنهج الرباني الحق في التحكيم والولاية: (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) النساء: 59.
وهذه آية عظيمة تحكي حال المنافقين مع المؤمنين: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً) النساء: 83.
أسأل الله - تعالى - أن يصلح حال أمتنا وأن يوفق كل والٍ فيها لكل خير وأن يجمع شتاتها وأن يوحد صفها.. آمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
==================
فندق بلا نجوم
د. منى يكن
نهاية كل يوم ليلة، تتكرر في حياة كل إنسان من اليوم الأول لولادته إلى آخر يوم في حياته. ومن الطبيعي أن يرقد كل إنسان إلى فراشه سواء أكان فراشاً من الحرير أو من القش، وينطوي ليل وبعده نهار وبعده ليل. يرتب وينظف الإنسان فراشه ويحاول أن يجعله الأكثر راحة كي ينام جيداً ويستفيق مرتاحاً. في الشتاء يؤمن كل ما يحتاجه من أغطية ليهنأ بالدفء، وفي الصيف، يفعل كل ما بوسعه لتلطيف الجو الحار كي ينام قرير العين. قد يختار أجل الأثاث لغرفة النوم وقد يغيرها عدة مرات خلال حياته...
هذا حال الإنسان العادي، لا نقول الغني ولا نقول الفقير... أما ذلك الغني الذي قد يكون فراشه من الماء ووسادته من الحرير ولا يعرف للبرد والحر معنى، أما ذلك الإنسان الذي يتنقل من بلد إلى بلد، ومن فندق 5 نجوم إلى فندق آخر... ويقضي حياته في مستوى الخمس نجوم وربما الست أو السبع نجوم إن وُجد.
تُرى هل يقبل ليلة واحدة دون فراش، دون وسادة ودون غطاء، دون تبريد ولا تدفئة؟؟ هل يقبل بفراش 3 نجوم؟ نجمتين؟ أم نجمة؟ هل يمكنه تخيل فراش دون أي نجمة؟؟ دون أي شيء!!
فندق بلا نجوم
نعم أيها الإنسان... ستقبل فراشاً دون أي نجمة شئت أم أبيت!! ستدخل فراشاً ينسيك كل فراش.. وتقول ليتني أجد فراشاً بنجمة واحدة!! ستترك وسادة الحرير، وفراش الماء والغطاء المخملي.. سيكون فراشك ووسادتك من تراب، ستكون ثياب نومك الكفن، وسيكون غطاؤك من تراب.. سيؤنسك الدود بدل التلفاز أو الراديو...
هلا جربت ليلة واحدة في فندقك الذي ستأوي إليه حتى يرث الله الأرض ومن عليها... ليلة واحدة فقط... لو أعطوك مليون دولار وقالوا لك أن تجرب النوم وحيداً في ليلة مظلمة فوق التراب وحولك الدود... هل تقبل؟؟ لكنك ستفعل... كلنا سنفعل... والله سنفعل... ليس فوق التراب، بل تحته!! قد تكون هذه الليلة...
هل يمكننا أن ننسى ذلك المكان الذي سيضعنا أهلونا به وسيتركونا... وستستمر الحياة فوق الأرض، وتستمر حياة جيل بعد جيل من الدود الذي سيتذوق لحمنا ودمنا المتعفن ويأكل فتات عظامنا. فيلم رعب سريع علينا حضوره يومياً من أجل هدف واحد... من أجل توسيع تلك الحفرة الضيقة كل ما بوسعنا... من أجل إنارة ذلك القبر الموحش... لأننا سنسكنه ربما بعد خمسين سنة، ربما بعد سنة، ربما الشهر القادم، ربما في نهاية الأسبوع، وربما هذا الليلة!!
قد تغيظك بعوضة وأنت في سريرك الناعم تحاول صدها ولكنها تصر إلا أن تلسعك وتتعارك معها حتى تنتصر عليها... لكن من سيستضيفك في تلك الحفرة وأنت راقد بلا حراك، سيشكرونك زيارتك لهم وعلى هدوء أعصابك وعدم صدك لهم...
فندق مظلم إلا إذا...
ليتنا نتذكر كلما انقطعت الكهرباء أو أطفأنا النور استعداداً للنوم أننا لن نجد شمعة أو كبريتاً أو مصباحاً في الحفرة التي تنتظر كل واحد منا... ليتنا نتذكر أن نجوم السماء وشمس النهار وقمر الليل لن يصل نورها إلى الحفرة التي سننزل بها إلا بطريقة واحدة... تسعى في كل لحظة من حياتك لإرضاء الله... لا تنسى في أي وقت من الأوقات أنه قد يكون اليوم هو اليوم الأخير الذي تنام به في فراشك... تتوقع في أي ثانية أنك قد تفارق أحبابك... تؤدي كل صلاة على أنها الصلاة الأخيرة... تذكر الله أينما كنت ومهما كنت منشغلاً... تدعو الله وقت الراحة وليس فقط وقت الشدة... تعيش دون نسيان أن الحياة فانية، وأن الهدف الأسمى الذي خُلقت من أجله هو التحضير للفندق الأزلي الذي ينسيك كل فنادق الدنيا ومتاعها... إذا أحسنت تحضير الزاد للذهاب إليه...
تحضير الزاد(17/195)
قد تذهب مع عائلتك في مشوار لتناول طعام الغداء في أحضان الطبيعة... تحضر قبل المشوار بيوم كل أصناف المقبلات واللحوم للشَّي، والحلويات والأشربة واللوازم التي تحتاجها من أجل أن تكون وعائلتك في سعادة وراحة كاملة. هذا من أجل مشوار سيستغرق بضع ساعات. هذا يعني أنك وقت التحضير أطول من وقت المشوار!!
قد تذهب في سفر للعمل لمدة شهر، تحضر لسفرك هذا أسبوعاً كاملاً كي تؤمن كل متطلبات وتجهيزات السفر، وتختار الطيران الأجود وتؤمن أفضل الحقائب والثياب الجديدة اللائقة...
وإذا كان عليك أن تنتقل من بيت قديم لآخر جديد، قد يأخذ الأمر شهراً كاملاً من التحضيرات في البيت الجديد وربما أكثر بكثير... قد يصل إلى سنوات... من اختيار لأدق التفاصيل في البناء والتجهيزات والأثاث والكماليات...
كل هذا طبيعي فهي سنّة الحياة أن يتمتع الإنسان خلال حياته، ولكن... دون أن ينسى في الوقت ذاته تحضير الزاد للحياة الأبدية... وهذا التحضير لا ينتهي بيوم ولا بشهر أو سنة... بل يدوم ويدوم ويدوم... كيف يمكن أن ننسى ذلك المشوار الأبدي الذي قد يبدأ في هذه اللحظة... متى نوضب حقائبنا له!! هل سنلحق أن نحضر له بكل ما يلزم وما يكفي لكي نكون في الشكل اللائق الذي نظهر به في حياتنا اليوم...
هل يمكن للواحد منا أن يتخيل تلك اللحظة التي يودعه أهله ويدخلوه فراشه دون أن يكون مستعداً... ولماذا لم يستعد؟؟ استعد للهو والترفيه واستعد للسفر القصير واستعد للعمل الدنيوي واستعد لكل شيء، فلم لا يستعد لأهم سفر في حياته... لا أعذار، لا تبرير...
جواز سفر إلى جنات عدن
كما يكتب الإنسان لائحة بلوازم مشوار قصير أو سفر أو انتقال من بيت لآخر، لم لا يكتب لائحة اللوازم للسفر الطويل... ويضع علامة صح قرب كل أمر يحضره، ويقرر إذا كان جاهزاً لهذا السفر... علماً أن الاستعداد درجات... فمنا من يرضى بالتحضير العادي، ومنا من يطمح بالتحضير الراقي... وهذا التحضير الوحيد الذي يحق لنا أن نبذر به وندخر كل طاقة لدينا من أجله... ألا يستحق أن تمضي كل حياتك الدنيوية القصيرة الفانية وأنت تحضر لحياتك الأبدية الخالدة في الآخرة... في جنات عدن... مطارها حفرة ضيقة مظلمة وأنت وحدك من يضيئها ويوسعها ويدفئها بالأعمال لا بالمال... بالصلاة والذكر والدعاء... بالخشوع والتضرع... عندئذ تطير بالدرجة لا الأولى ولا قبل الأولى... تطير في درجة لم يجربها أثرى أثرياء العالم... جواز سفرك يحمل تأشيرة مفتوحة إلى جنات عدن...
لا سفر إلى جنات عدن إلا عبر تلك المطار الصغير المظلم الموحش الذي لا طعام لك فيه، بل أنت الطعام الوحيد لسكانه الديدان...
الخيار لك
الأمر سهل... لا الأمر صعب... ولكنه ممكن...
أمامنا خياران... وليس هناك من يختار الخيار الثاني... الأمر مفروغ منه... فلماذا إذاً... لماذا ننهش من الدنيا ونفتخر بأننا أقوياء أو أذكياء أو أغنياء وربما الثلاث معاً... سينهشنا الدود... نحن الضعفاء الأغبياء الفقراء إلا إذا كان زادنا يفيض إيماناً وطاعة وعبادة... نعم نحن الأذلاء... سنترك العروش الفاخرة فتبقى فارغة... وسنترك الثروات الهائلة الطائلة...
متى تختار؟؟ ماذا تختار؟؟ عندما يطل عليك ملك الموت؟؟ هل سيقبل منك أن ينتظر قليلاً؟؟ هل سيخبرك أنه آت في هذه اللحظة!! لكنه آت... والله آت... كيف لا تحضر له الاستقبال اللائق.. إنه مَلَك من السماء... هل ستستقبله وأنت ذليل خائف منخفض الرأس... أم ترحب به وأنت عالي الرأس فرحاً بقدومه... سيزورك عاجلاً أم آجلاً... ولن يرى أياً من كنوزك ولن ينبهر بثرواتك... أمر واحد سيبهره "الزاد للآخرة"... هذه الثروة التي لا تساويها مصارف الدنيا بأسرها ولا يمكن أن تقدر قيمتها أضخم الأدمغة الالكترونية... قيمتها عند الله عظيمة...
اختر الآن أن تكون ثرياً عند الله - تعالى -... أنر ووسع تلك الحفرة التي ينتظر سكّانها قدومك بفارغ الصبر... قد يكون اسمك على رأس اللائحة... قد لا تلحق الصلاة التالية... اختر الآن... قبل فوات الأوان..http: //www.almuslm.net المصدر:
((((((((((((
الفهرس العام
الباب الحادي عشر – كشكول الدعوة إلى الله (7)
يا ابنتي الذئاب لا تعرف الوفاء
طاعة الوالدة فرض لازم يجب على الولد الالتزام به
هكذا إسلام الغد الفرنسي
من لي بأمثال هذا الداعية ؟
ثلاث رسائل
القاديانية .. تسعى للنيل من الإسلام
6 أسباب تجعل الإنترنت في مقدمة وسائل الدعوة إلى الله
الكشاف في الفتن
الغش .. تعريفه ، مظاهره ومضاره
دور زوجة الداعية مع زوجها بين الواقع والمطلوب ، مواقف وتجارب
تفعيل دور الفرد
الحركة في قاموس الدعاة
الرغبة في الصدارة رؤية دعوية حول حقيقتها ومظاهرها وآثارها
هكذا علمنا السلف (71 ) تأديب أهل الأهواء:
كلمة للدعاة والمصلحين ( الخطاب الدعوي ومذابح المسلمين )
كلمة الحق
رسالة إلى حكوماتنا العربية والإسلامية
شبابنا وجحور الضباب !!
الروحانية ... في اللقاءات الدعوية
مقترح دعوي
كتيبات الأسماء
ردود أفعال
حاجة الحركة الإسلامية إلى إطالة اللبث في المساجد
نصف قرن من البحث عن الحقيقة في حوار مع : البرفسور رجا جارودي
دعوة إبراهيم عليه السلام في القرآن
أين الدور الفردي في العمل الجماعي ؟
المواقع الإسلامية على الإنترنت وفعاليتها
ولكن الإنصاف عزيز !
الفتور الدعوي عند الشباب الأسباب والحلول
طاقة التحمل !
طاقة التحمل ( 2 - 2 )
دعوة إلى اتباع السنة في تطبيق السنة والدعوة إليها
كيف تقوم برحلة دعوية ( أفكار ومقترحات )
الجواب النبوي
الصندوق الدعوي
يا أيها الإرهابيون اتحدوا
هل وعى الدعاة ما أقول ؟(17/196)
هكذا علمنا السلف ( 70 ) ليس السنة بالرد عليهم بل هجرهم
التوازن عند الشباب ( 1 )
التوازن عند الشباب ( 2 )
المتلونون !!
هل سبق وذهبت إلى تركيا ؟
بين الداعية والدعيّ
سبع عبر مما غبر
في الوقت الضايع
ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما
مجلة العائلة الممتدة
هل يرتفع الخلاف ؟
الكل دعاة إلى الله
حتى متى ؟!
جهاد الدعوة
الوقفات الثلاث مع العمل الخيري
معلمة وداعية أيضا
ما مشروعك الخاص ؟
رسالة إلى صاحب محل تجاري
سعة الأفق
انصر أخاك ( مظلوماً )
برامج وألعاب للمدارس والمخيمات والمراكز وغيرها
تذكير الغافلين عن صلاة الفجر
أين أنت عن نوح ؟؟
الضغوط النفسية في حياة الداعية (1-5)
الضغوط النفسية في حياة الداعية (2-5)
الضغوط النفسية في حياة الداعية (3-5)
الضغوط النفسية في حياة الداعية ( 4 – 5 )
الضغوط النفسية في حياة الداعية ( 5-5 )
حاجة العمل الإسلامي إلى صيغة جديدة
نصائح للداعية المسافر
قطوف دعوية
للدعاة: اثنتا عشرة وسيلة لكظم الغيظ
آثار الداعية بعد الموت
زَبَدُ الكَلِماتِ
شباب الصحوة ورجال الدعوة
وجوب تحكيم الشريعة ونبذ ما عداها
نبذة عن العلمانية
الجواب عن الشبهات
التأثير الإعلامي في الظواهر الاجتماعية بين السلب
المعلم من الواجب الوظيفي إلى الواجب الرسالي
آثار الافتراق على الأمة الإسلامية
التقارب الديني: خطره - مراحله - آثاره
عوامل الافتراق في العمل الإسلامي
منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله
كيف ينفر الناس من الإسلام ؟
مشاركة العقول
السطور المتحركة
فراسة المؤمن
الداعية الميداني
رؤية مستقبلية للدعوة النسائية
الدعوة العائلية
فتور الدعاة .. الأسباب والعلاج
من يرد الله به خيراً..
من عجائب الرقى !
الوحدة الإسلامية أهميتها ، أهدافها ، منهجها
النصيحة الصادقة
الداعية الكسول
ماذا يعجبك بالأغاني ؟! دعوة للمصارحة
قالت وهي تبكي وأشهد أن محمدا رسول الله
أسباب الانتكاسة
يا له من دين لو كان له رجال
آفات في جسد الدعوة !
دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب حقائق وأوهام
الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
صناعة الهموم
من يقود السفينة
فندق بلا نجوم(17/197)
المفصل في فقه الدعوة إلى الله تعالى (18)
الباب الحادي عشر - كشكول الدعوة إلى الله (8)
جمعها وأعدها وفهرسها
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الحادي عشر - كشكول الدعوة إلى الله (8)
الثبات على الإيمان
عادل عبد الرحمن محمد
وقت تمر الأمة فيه بمراحل حرجة من حروب وفتن ربما لو فكر فيها الرجل العاقل لشرد ذهنه وانخلع قلبه مما يرى، ولكن اعلم أخي المسلم أن الثبات على الحق والتمسك به من صفات المؤمنين الصادقين، قال - تعالى -: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة " وقدوتنا في ذلك هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد لاقى ما لاقى ومع ذلك كان أشد ثباتًا حتى بلغ رسالة ربه على أتم وجه.
فاحذر أخي من الانتكاس بنوعيه؛ الكلي: وهو الردة، والجزئي: وهو ترك شيء من الدين ببعض الحجج الواهية، فإن الانتكاسَ مَذْمُوم. قال - تعالى -: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون "{السجدة:}.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين، قلب أبيض كالصفا، وقلب أسود مربادا كالكوز مجخيا (أي مقلوبًا) لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرًا. وهذه صفة أهل النار ويقول - صلى الله عليه وسلم -. "تعس عبد الدينار. تعس عبد الدرهم. تعس عبد الخميصة. تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش".
ومن المعروف أن الدينار مملوك والعبد مالك للدينار فكيف يكون الدينار هو المالك والعبد هو المملوك؟
من ذلك يتبين لنا أن العبد إذا انشغل بجمع الدينار وتركَ عبادة الله كان عبدًا للدينار من دون الله ولذلك يدعو الرسول - صلى الله عليه وسلم - على هذا الصنف فيقول "تعس وانتكس".
وأعجب من ذلك أن يكون المال سببًا في الانتكاس الكلي وهو الردة، فقد ثبت عند الإمام مسلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أرسل عمر رضي الله عنه لجمع الزكاة فذهب إلى ابن جميل وكان فقيرًا فأغناه الله فطلب عمر منه الزكاة فمنع ولم يعترف بها قال - تعالى -: " ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين (75) فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون (76) فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون "{التوبة: 55-57}
فاحذر أخي المسلم من هذا المرض الذي أصاب كثيرًا من أبناء الأمة، أما تخشى أن يصيبك قول الله: فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه.
لقد ضرب صحابة رسول الله أروع الأمثلة في الثبات فنالوا بذلك الدرجات العلا، فها هو أبو جندل بن سهيل بن عمرو حبسه أبوه وقيده بالسلاسل وعذبه وهو حديث عهد بالإسلام لكنه ثبت، بل استطاع أن يفك بعض السلاسل وذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديبية وكان من شروط صلح الحديبية أنه من جاء مسلمًا من قريش ردوه إليها فرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجع أبو جندل ولم ينتكس بل ثبت على إيمانه حتى لحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيرًا وترك كل ماله لأنه عرف الحق فاتبعه.
واعلم أخي أن الانتكاس سبب لسوء الخاتمة، وأهل الباطل يقفون لأهل الحق على طول الطريق يريدون أن ينالوا منهم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، فلا تنخدع بالشعارات الكاذبة فإنها أوهام، واسأل الله الثبات فقدوتك في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يكثر من قول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، وأكْثِر من الدعاء فهو سلاح المؤمن، وعليك بالعلم فهو الحصن الحصين من البدع وكلما ازددت علمًا فازْدَدْ للهِ خشيةً وخوفًا.
قال - تعالى -: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " {فاطر: 28}.
والحمد لله رب العالمين.
http: //www.altawhed.com المصدر:
===============
الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
محمد الإبراهيم
جاء في كتاب (الأموال) لأبي عبيد، بسنده إلى إبراهيم التيمي قال: ولما فتح المسلمون السواد (سواد العراق) قالوا لعمر: اقسمه بيننا، فإننا فتحناه عنوة، قال: فأبى وقال: فما لمن جاء بعدكم من المسلمين؟ وأخاف إن قسمته أن تفاسدوا في المياه... " [1].
أراد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إبقاء الأرض لتكون وقفاً للأمة، ومصدراً من مصادر ثروتها وقوتها، وحتى يستمر شحن الثغور وإمداد المجاهدين، وحتى يكون فيئاً للذرية ولمن يأتي بعدهم، وفعل عمر - رضي الله عنه - إنما هو تأصيل لوظيفة الدولة الإسلامية، واهتمامها بأمور المسلمين ووحدتهم واستمرار دعوتهم. وإذا كان بعض العلماء تخلى عن شروط البيعة والشورى المؤسِّسة لشرعية الدولة، فإنما فعلوا ذلك لمصلحة بقاء وظيفة الدولة في إقامة الدين والجهاد وتوزيع الفيء، كما يروى عن علي رضي الله عنه: (لابد من أمير بَرّ أو فاجر، يُقاتل به العدو، ويجمع به الفيء وتأمن به السبل، ويؤخذ منه للضعيف من القوي، حتى يستريح بَرٌّ ويُستراح من فاجر...).
إن هذه الوظيفة للدولة الإسلامية قد أدركها الخلل في إمارة الحجاج بن يوسف على العراق والمشرق، فقام العلماء عليه آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، بعد أن تفاقم الظلم، وأخرت الصلوات، وأبعد العلماء.(18/1)
وقبل أن ندخل في تفاصيل ما قام به هؤلاء العلماء تجاه الحجاج؛ لابد أن نذكر بعض الآراء في مسألة عزل الحاكم الظالم الذي كثر فحشه، وأذاق الناس الويلات، وبدد أموال الأمة، فهل مثل هذا يسكت عنه ويترك حتى يعيث في الأرض فساداً، ثم يبدأ الكلام والتحسر بعد (خراب البصرة) أم يُسعى لإزاحته وإراحة الناس منه، تطبيقاً لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
تكلم العلماء في كتب السياسات الشرعية عن موضوع عزل الحاكم أو الخروج عليه لإعادة الأمور إلى نصابها، ويفهم من كلامهم أن هذا الموضوع مَرَّ بمرحلتين:
المرحلة الأولى: وهي المرحلة المتقدمة حين خرج الحسين بن علي على يزيد بن معاوية، وحين أراد عبد الله بن الزبير إعادتها خلافة شورية، وحين خرج العلماء مع عبد الرحمن بن الأشعث على الحجاج ابن يوسف. يرى العلامة ابن حجر العسقلاني أن مذهب السلف كان في البداية يرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقوة.
وفي رده على من ضعف المحدث الحسن بن صالح لأنه يرى السيف، قال ابن حجر: (قولهم كان يرى السيف، يعني كان يرى الخروج على أئمة الجور، وهذا مذهب للسلف قديم ولكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى أشد منه)، ويقول ابن حزم في رده على أبي عبد الله بن مجاهد البصري الذي ادعى الإجماع على تحريم الخروج على الظلمة: (ورأيت لبعض من نصب نفسه للإمامة والكلام في الدين فصولاً ذكر فيها الإجماع، فأتى فيها بكلام لو سكت عنه لكان أسلم له في أخراه، فإنه ذكر فيما ادعى فيه الإجماع أنهم أجمعوا على أنه لا يُخرج على أئمة الجور، فاستعظمت ذلك، ولعمري إنه لعظيم أن يكون قد علم أن مخالف الإجماع كافر، فيلقى هذا إلى الناس، وقد علم أن أفاضل الصحابة وبقية السلف يوم الحرة خرجوا على يزيد بن معاوية، وأن ابن الزبير ومن تابعه من خيار الناس خرجوا عليه، وأن الحسين بن علي ومن تابعه من خيار المسلمين خرجوا عليه أيضاً، وأن أكابر التابعين خرجوا على الحجاج بسيوفهم...) [2].
وممن أنكر على ابن مجاهد دعوى الإجماع القاضي عياض العلامة المالكي قال: (ردَّ بعضهم هذا بقيام الحسين بن علي وابن الزبير، وقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث، وقال عياض: وحجة الجمهور أن قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق، بل لما غيَّر من الشرع)[3].
ويعلق الإمام الذهبي على خروج زيد بن علي بن الحسين: (خرج متأولاً وقتل شهيداً، وليته لم يخرج)(3).
استقر رأي أهل السنة أو غالبية أهل السنة بعد تلك التجارب المريرة التي حدثت في القرنين الأول والثاني على عدم الخروج على الحاكم المسلم الذي فيه شيء من الظلم أو الفسق ولكنه ملتزم بتطبيق أحكام الإسلام مدافعاً عن حوزة الدين، يقول الإمام الجويني: (ولو فرض فاسق بشرب الخمر أو غيره من الموبقات، وكنا نراه حريصاً - مع ما يخامر من الزلات - على الذبّ عن حوزة الإسلام، مستمراً في الدين لانتصاب أسباب الصلاح العام العائد إلى الإسلام، وكان ذا كفاية، ولم نجد غيره، فالظاهر عندي نصبه، وهو في حكم الضرورة)[4] قال في المغني: (لو غلب الناس بسيفه حتى أقروا له وأذعنوا بطاعته، وتابعوه حتى صار إماماً، يحرم قتاله والخروج عليه، وذلك لما في الخروج من شق عصا المسلمين وإراقة دمائهم وذهاب أموالهم[5].
ويقول ابن تيمية: (ولا يزال المنكر بما هو أنكر منه، بحيث يخرج عليهم بالإسلام وتقام الفتن كما هو معروف من أصول أهل السنة والجماعة، ولما في ذلك من الفساد الذي يربي على فساد ما يكون من ظلمهم)[6]، فهذا إذا طرأ الظلم أو الفسق لأن الأصل أن لا يولي الظالم {لا ينال عهدي الظالمين}، يقول الشيخ رشيد رضا: (إذا كان فقهاؤنا يقولون بأن الإمام لا ينبذ عهده إلا بالكفر الصريح دون الظلم أو الفسق، فإنما يقولون ذلك خوفاً من وقوع الفتنة، لا أن الظالم أهل للإمامة...)[7]، ويؤيد هذا الكلام الإمام الجويني فيقول: (لا تعقد الإمامة لفاسق، ولكن طروء الفسق عليه لا يوجب خلعه...)[8].
ويعتبر الجويني أن طروء الفسق على الإمام من الأمور التي غمض على العلماء مدركه، واعتاص على المحققين مسلكه، وأن المصير إلى أن الفسق يتضمن الانعزال بعيد عن التحصيل، لأنه لا يستدُّ على التقوى إلا مؤيد بالتوفيق... [9]. فإمام الحرمين يرى أن الحاكم الذي يستمر على التقوى قليل فطروء الفسق لا يقطع نظر الإمام.(18/2)
إن ما ذكره هذان الإمامان جدير بالقبول والتسليم، ولكن إلى أي درجة يبقى الحاكم يحمل صفة الشرعية ولا يجوز الخروج عليه أو من الأفضل عدم الخروج عليه؟ هذه هي المسألة الثانية التي أردنا الحديث عنها وذكر كلام العلماء الأعلام فيها، وهي ما إذا كثر ظلم الحاكم وفحشه، وأهلك الحرث والنسل، وعادى أولياء الإسلام، وسالم أولياء الشيطان (وجعل اليهود أصحاب أمره، والنصارى من جنده) كما يعبر الإمام ابن حزم، ولم يقم بوظائف الدولة الإسلامية، فهل مثل هذا لا يقام عليه لعزله وخلعه ولو بالقوة إذا أمكن ذلك؟ فإذا قلنا لا يجوز، رجعنا إلى ما ادعاه ابن مجاهد البصري من عدم الخروج ولو مع القدرة ومهما كان الحاكم، وعلى كل الأحوال، وهذا قول أقرب إلى قول غلاة المرجئة، فلابد من المصير إلى قول بعض العلماء الذين يفصلون في هذه المسألة فيقولون. إن من كثر فحشه وظلمه، وكان في المسلمين قوة وقدرة، ويغلب على ظنهم النجاح دون إراقة الدماء، فليمضوا قدماً وأما إذا عدمت القوة، أو كان الحاكم صاحب شوكة كبيرة، وسيكون من جراء ذلك هرج ومرج وذهاب الأموال، فيصبر حتى يريح الله العباد منه. يقول الإمام الجويني: (والمتصدي للإمامة إذا عظمت جنايته، وفشا احتكامه واهتضامه، وتتابعت عثراته، وخيف بسببه ضياع البيضة[10] فلا تطلق للآحاد أن يثوروا لأن ذلك سبباً في زيادة المحن، ولكن إن اتفق رجل مطاع ذو أتباع وأشياع يقوم محتسباً آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، فليمض في ذلك قدماً، والله نصيره على الشرط المتقدم في رعاية المصالح، والنظر في المناجح...)[11].
ويقول أيضاً: (القول بعدم خلعه في نوادر الفسوق، أما إذا تواصل منه العصيان، وفشا منه العدوان، وظهر الفساد، ووضحت الخيانة، واستمرأ الظلمة، ولم يجد المظلوم منتصفاً ممن ظلمه فلابد من استدراك هذا الأمر المتفاقم، وذلك أن الإمامة إنما تعني نقيض هذه الحالة، فإن أمكن استدراك ذلك، فالبدار، البدار، وإن علمنا أنه لا يتأتى نصب إمام دون اقتحام داهية، وإراقة دماء، فالوجه أن يقاس ما الناس مدفوعون إليه، مبتلون به، فإنه كان الواقع الناجز أكثر مما يقدر وقوعه في رَوْم الدفع، فيجب احتمال المتوقع لدفع البلاء الناجز، وإن كان المرتقب المتطلع يزيد في ظاهر الظنون على ما الخلق مدفوعون إليه، فلا يسوغ التشاغل بالدفع، بل يتعين الاستمرار على الأمر الواقع، والصبر والابتهال إلى الله - تعالى -[12].
وفي تعليق للشيخ رشيد رضا على الآية {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا} وبعد أن أورد أقوال الشوكاني وصديق حسن خان، قال: (أهم ما في البحث من حاجة إلى التحرير مسألة طاعة الملوك والسلاطين الظالمين وإن تفاقم ظلمهم، فسلبوا الأموال، وضربوا ظهور الرجال، ما داموا لا يظهرون الكفر البواح، وقد اشتهر أن هذا مذهب أهل السنة، وأن وجوب الخروج عليهم مذهب الزيدية، والصواب أن المسألة فيها نظر، فإطلاق القول فيها يحتاج إلى تقييد، وإجماله لا ينجلي إلا ببيان وتفصيل، وخلاصة القول الحق أنه لا تعارض بين وجوب طاعة الأئمة والأمراء فيما لا معصية فيه لله - تعالى - من المعروف، وبين النهي عن الركون إلى الظالمين، والأصل المجمع عليه أن الطاعة الواجبة في الشرع لأولي الأمر كلها مقيدة بالمعروف دون المحظور، وأما طاعة المتغلبين فهي للضرورة، ويجب إزالتها عن الإمكان من غير فتنة ترجح مفسدتها على المصلحة، فخروج الحسين السبط على يزيد الظالم كان حقاً موافقاً للشرع، ولكنه ما أعد له عدته الكافية)[13].
ونقل ابن التين عن الداودي قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر...)[14].
إن أقوال هؤلاء العلماء في حاكم كثر ظلمه وفحشه، أما الذين يغيرون شرع الله أو يزيدون فيه ظانين أنه لا يكفي في سياسات الدنيا فيقول عنهم الجويني إن مسلكهم هذا هو مسلك الأكاسرة والملوك المنقرضين (ومن تشبث بهذا فقد انسل عن ربقة الدين انسلال الشعرة من العجين)[15].
ويقول عنهم الشيخ رشيد رضا: (وإن إباحة المجمع على تحريمه كالزنا والسكر، واستباحة إبطال الحدود، وشرع ما لم يأذن به الله كفر وردة...)(16).
-----------------
[1] - الأموال /72 بتحقيق محمد خليل هراس.
[2] - نقله ابن الوزير في العواصم والقواصم 8/76 بتحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط.
[3] - المصدر السابق 8/77.
(3) - سير أعلام النبلاء 5/391.
[4] - الغياثي/312.
[5] - المغني 8/107.
[6] - الفتاوى 35/21.
[7] - المنار 1/457.
[8] - الغياثي/105.
[9] - الغياثي/103.
[10] - استئصال الإسلام.
[11] - الغياثي/116.
[12] - الغياثي/106 - 110. وخلاصة رأي الإمام الجويني أنه إذا كانت مفسدة بقاء الحاكم (الواقع الناجز) أكثر مما يتوقع من الخروج عليه فيحتمل هذا المتوقع ويسعى إلى عزله، وإن كان المتوقع من الخروج تزيد مفسدته على بقاء الحاكم، فالأولى الصبر والدعاء إلى الله - تعالى -.
[13] - تفسير المنار 12/180.
[14] - الغياثي/222.
[15] - المصدر السابق.
(16) - تفسير المنار 6/367.
http: //www.alsunnah.org المصدر:
=================
الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
محمد الإبراهيم(18/3)
انقسم موقف العلماء من الحكام، فمنهم الذي ابتعد عنهم وفرَّ من مجالستهم فراره من الأسد، واشتغل بخاصة نفسه أو بنشر العلم والاهتمام بعامة المسلمين، تربية وتعليماً، ومنهم الذي وافقهم، وبرّر لهم أفعالهم التي فيها ظلم وعسف، وأكل من مطبخهم، وضرب بسيفهم، وهؤلاء أحرى بأن لا يكونوا من زمرة العلماء، يقول عنهم ابن حزم عندما سأله تلامذته عن (فتن الحكام): "ولا يغرنكم الفساق والمنتسبون إلى الفقه، اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المزينون لأهل الشر شرهم، الناصرون لهم على فسقهم... ". [1]
وقسم ثالث لم يبتعد، ولم يقترب، ولكنه عقد العزم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتصحيح الأخطاء، وإصلاح حال المسلمين، يقول ابن حزم: "والمخلص لنا فيها (الفتن) الإمساك للألسنة جملة واحدة إلا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن عجز منا عن ذلك، رجوت أن تكون التقية تسعه، ما أدري كيف هذا؟ فلو اجتمع كل من ينكر هذا بقلبه لما غلبوا". [2]، ويتابع - رحمه الله -: "فأما الفرض الذي لا يسع أحداً فيه تقية، فأن لا يعين ظالماً بيده ولا بلسانه فإن اضطر إلى دخول مجلس أحدهم لضرورة حاجة أو لدفع مظلمة عن نفسه أو عن مسلم، أو لإظهار حق يرجو إظهاره فلا يزين له شيئاً من أمره ولا يعينه، ولا يمدحه على مالا يجوز... ". [3]
إن الصنف الذي تفرغ للعلم ونشره أو اشتغل بخاصة نفسه فهذا قد اجتهد وهو مأجور إن شاء الله، ولكن هناك صنف يستر ضعفه وبعده عن الأمور العامة وعن سياسة الخلق، فيوحي للناس بأن الخوض في الأمور العامة من الفضول واللغو الذي لا يجوز، بل ربما اعتبره من السعي في الفساد.
إن آفة المسلمين إنما جاءت من قبل رؤسائهم، ورؤساؤهم لا يستطيعون إحكام قبضتهم إلا بالتظاهر بالدين، وأنهم هم المصلحون، ولابد أن يأخذوا سنداً لهم أمام العامة بتأييد من العلماء، فهم بحاجة لذلك، وحتى في أوهى العصور ولو كانوا من أفسد الناس، وليس صعباً أن يجد الحكام هذا الصنف من الناس الذين لا يكتفون بتأييد الظالمين والسكوت عن قبائحهم ومنكراتهم، بل يشجعون هؤلاء الحكام ويدلونهم على طرق التحكم بالناس، فقد يشير هؤلاء بأنه من الأفضل للحاكم ألا يستشير أهل الرأي أو يكون للأمة دور في سياسة البلد، لأن هذا يؤدي إلى الفوضى ويدل على ضعف الحاكم، وبهذه الحجة يستمر الحاكم في استبداده والادعاء أن هذا من الشرع!.
إن أصحاب الموقف الثالث الذين عقدوا العزم على الإصلاح، هم الذين يعيدون للأمة روحها، وينقذونها من ورطات الذل والهوان وهم الذين يعلمون أن الظلم والعسف مراغمة للشريعة ومحادة لمقاصدها، روى معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: "عجبت لإخوتنا من أهل العراق، يسمون الحجاج مؤمناً". ويعلق الإمام الذهبي على هذه الرواية فيقول: "ويشير إلى المرجئة، فهم الذين يقولون: هو مؤمن كامل الإيمان مع عسفه وسفكه الدماء وسبه الصحابة". [4]، ويقول الذهبي عن الحجاج بعد أن ذكر ظلمه وجبروته وتأخيره للصلوات: "فنسبه ولا نحبه بل نبغضه في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان". [5]
ولذلك قال العلماء بأن لا يُحدَّث الظلمة بأحاديث يستغلونها لمصلحتهم: "قال سلام بن مسكين، كما في (الطب) من صحيح البخاري بلغني أن الحجاج (يعني ابن يوسف) الثقفي قال لأنس بن مالك - رضي الله عنه -: حدثني بأشد عقوبة عاقب بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحدثه بها، فلما بلغ الحسن (البصري) ذلك، قال: وددت أنه لم يحدثه". [6]
جاء الإسلام رحمة للناس، فهل يعقل أن يتحول هذا الدين إلى مسوغ للظلم، راضياً به، هذا لا يكون أبداً، وإذا كان الكفرة يتفاخرون بملوكهم العادلين، فهلُ يسكت عن حكامنا الظالمين؟
إن الإسلام الذي جاء فيه: ((إن الله لا يظلم مثقال ذرة)) [النساء/40] وجاء فيه: ((وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين)) [الأنبياء/11]، ((وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون)) [القصص/59] وجاء فيه: ((لا ينال عهدي الظالمين)) أي أن الولاية العامة الشرعية حق أهل الإيمان والعدل، وأن الله - تعالى - لن يعهد بإمامة الناس وتولي أمورهم للظالمين، فكل حاكم ظالم فهو ناقض لعهد الله - تعالى -". [7]
"وقد أخذ من هذه الآية حكم أصولي، وهو أن الظالم لا يجوز أن يولى منصب الإمامة العظمى، واشترطوا لصحة الخلافة فيما اشترطوا: العلم والعدل". [8]، هذا الإسلام لا يمكن أن يقبل الظلم، ولا يكون علماؤه من المؤيدين للظلم. وإن الذين صدعوا بالحق ولم يسكتوا عن منكر، هم كثرة في تاريخنا، وهم الجانب المضيء فيه، فالجانب العلمي لم يكن دائماً متأثراً بالجانب السياسي، وقد كان (عراك بن مالك) يحرض عمر بن عبد العزيز على انتزاع ما بأيدي بني أمية من الأموال والفيء، فلما استخلف يزيد بن عبد الملك نفى عراكاً إلى جزيرة (دهلك) فمات هناك، - رحمه الله -". [9]
ومن الآمرين بالمعروف:
أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الدمشقي الشافعي من ذرية سعد بن عبادة، وكان إماماً فقيهاً، ورعاً صالحاً امتنع من القضاء فألحوا عليه، وكان صارماً عادلاً على طريقة السلف في لباسه وعفته، أتي مرة بكتاب، فرمى به وقال: كتاب الله قد حكم على هذا الكتاب، فقال العادل [10]: صدق، كتاب الله أولى من كتابي، وكان يقول للعادل: أنا ما أحكم إلا بالشرع، وإلا فأنا ما سألتك القضاء فإن شئت فأبصر غيري، قال أبو شامة. وحدثني ابنه قال: جاء إليه ابن عُنين فقال: السلطان يسلم عليك ويوصي بفلان، فإن له محاكمة، فغضب وقال: الشرع ما يكون فيه وصية. [11](18/4)
وقد كان خليفة الأندلس عبد الرحمن الناصر قد احتاج لشراء أرض هي وقف على المرضى، وكانت مقابلة لقصره ومنتزهه في قرطبة فشكى إلى القاضي ابن بقي وقال له: تكلم مع الفقهاء، وعرفهم رغبتي، وما أبذله من أضعاف القيمة فيه، فلعلهم يجدون في ذلك رخصة، فتكلم ابن بقي معهم فلم يجعلوا إليه سبيلاً، وغضب الناصر، وأمر الوزراء بالتوجيه فيهم إلى القصر وتوبيخهم، فلما وصلوا انبرى لهم رجل جديد من الوزارة، فأفحش في خطابهم وقال لهم: يا آكلي أموال اليتامي ظلماً، احتاج الخليفة إلى دقة نظركم مرة في عمره فلم يسعه نظركم للتحمل له، فبدأ شيخ منهم ضعيف إلى الاعتذار واللياذ بالعفو، فرد عليه كبيرهم محمد بن إبراهيم بن حيون فقال: لِمَ نتوب يا شيخ السوء ثم أقبل على الوزير فقال: ليس المبلغ أنت، وكل ما ذكرته عن أمير المؤمنين مما نسبته إلينا فهي صفتكم معاشر خدمه، أنتم الذين تأكلون أموال الناس بالباطل وتستحلون ظلمهم، وتبغون في الأرض بغير الحق، وأما نحن فليس هذه صفاتنا، ولا كرامة، ولا يقوله إلا متهم في دينه، فنحن أعلام الهدى وسروج الظُلْمَة بنا تنفذ الأحكام، ويفرق بين الحلال والحرام، وبنا تقام الفرائض، وتثبت الحقوق، وتحقن الدماء، فهلا إذا عتب علينا أمير المؤمنين بشيء لا ذنب لنا فيه تأنيت بإبلاغنا رسالته بأهون من إفحامك، ولو كنا عنده على الحالة التي وصفتها لبطل عليه كل ما صنعه، وعقده وحلَّه، من أول خلافته إلى هذا الوقت، فما بتَّ له كتاب حرب ولا سلم، ولا بيع ولا شراء ولا صدقة ولا حبس، ولا غير ذلك إلا بشهادتنا، هذا ما عندنا والسلام. [12]
وفي عهد أمير الأندلس الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل، قام العلماء عليه لما اشتهر بأنه: "كان مجاهراً بالمعاصي سفاكاً للدماء". [13] وقالوا إنه غير عدل، وعوّلوا على تقديم أحد أهل الشورى بقرطبة وهو أحمد بن المنذر بن الداخل الأموي ابن عم الحكم، لما عرفوا من صلاحه وعقله ودينه، وكان على رأس هؤلاء العلماء الفقيه العالم يحيى بن يحيى الليثي، الذي قيل عنه أنه: "لم يعط أحد من أهل العلم بالأندلس من الحظوة وعظم القدر وجلالة الذكر ما أعطيه يحيى بن يحيى". [14] والعالم الزاهد القاضي عيسى بن دينار بن واقد الغافقي، وكانوا يقولون: فقيه الأندلس عيسى بن دينار، وعالمها عبد الملك بن حبيب، وعاقلها يحيى بن يحيى الليثي، [15] وكان خيراً فاضلاً عابداً، ومنهم: طالوت بن عبد الجبار المعافري، وغيرهم. وقد علم الحكم بن هشام بأمرهم عن طريق ابن عمه أحمد بن المنذر، حين وثق به هؤلاء العلماء، ففرَّ يحيى بن يحيى والتجأ إلى قومه من مصمودة، ثم سار إلى طليلة، فأجاره أهلها ولم يسلموه للحكم ومنعوه، ثم رجع إلى قرطبة بعد أن هدأت الأحوال، وكذلك عيسى بن دينار، وقد قتل كثير من العلماء من أمثال مالك بن يزيد القاضي، وموسى بن سالم الخولاني وخرج أهل حي الربض من قرطبة والأندلس، حتى استقر بهم المقام في مدينة الإسكندرية في مصر، ثم خرجوا منها وافتتحوا جزيرة كريت في البحر المتوسط، واستقروا بها.
ثم إن الحكم كتب كتاب أمان عام، فأحضر طالوت بن عبد الحبار المعافري، فقال له الحكم: ألم أكرمك وأفعل كذا؟ ألم أمشِ في جنازة امرأتك؟ أفما رضيت إلا بسفك دمي؟ فقال الفقيه في نفسه: لا أجد أنفع من الصدق، فقال: إني كنت أبغضك لله، فلم يمنعك ما صنعت معي لغير الله، وإني لمعترف بذلك، فوجم الحكم وقال: اعلم أن الذي أبغضتني له قد صرفني عنك، فانصرف في حفظ الله. [16]...
-----------------------
[1] - رسائل ابن حزم: رسالة التلخيص 3/173.
[2] - يشير - رحمه الله - إلى أمر هام، وهو أن اجتماع العلماء والناس على الإنكار بالقلب (وهو أضعف الإيمان) يمكن أن يغير الحال
[3] - المصدر السابق 3/173.
[4] - سير أعلام النبلاء 5/44
[5] - سير أعلام النبلاء 4/343.
[6] - السخاوي: الإعلان بالتوبيخ: 27
[7] - تفسير المنار 1/113.
[8] - تفسير المنار 1/457.
[9] - سير أعلام النبلاء 5/64.
[10] - ابن أيوب أخو صلاح الدين الأيوبي
[11] - انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 22/81.
[12] - القاضي عياض: ترتيب المدارك 2/400.
[13] - الكلام لابن حزم، انظر سير أعلام النبلاء 9/22.
[14] - رسائل ابن حزم: رسالة التلخيص 3/173.
[15] - ابن الفرخي: تاريخ علماء الأندلس 2/900.
[16] - ابن الفرخي: تاريخ علماء الأندلس 2/900.
http: //www.alsunnah.org المصدر:
================
هل سأراك أخي العزيز ؟!
أبو حميد الفلاسي
خرجت في إحدى الأيام متجهاً إلى المسجد لأداء الفريضة...
دخلت المسجد فوجدت عدداً من المصلين في المسجد..
تأملت الموجودين، فمنهم من يصلي ومنهم من يقرأ القرآن ومنهم من يذكر الله..
بحثت عن شيءٍ في هذا المسجد، كأن هذا الشيء قد ضاع مني..
فحزنت عندما فشلت محاولتي أن أجد هذا الشيء..
صليت ركعتين وجلست... عقلي مشغول، والأفكار تدور..
لماذا لا أجد هذا الشيء في المسجد؟!
لماذا هو غائب..؟! هل تعلم من هو.. ؟؟!!
فكر معي فربما تجد هذا الشيء وربما تكون أنت هذا الشيء المفقود في المسجد.
لماذا لا أجدك يا أخي بين المصلين؟!
لماذا يا أخي تتكاسل عن أداء الفريضة، ولا تتكاسل عن لقاء الأصدقاء؟!
أخي العزيز كم أتمنى وجودك بين المصلين..!!
أخي العزيز كم أتمنى أن نذهب مع بعضنا البعض للصلاة..!!
أخي العزيز كما أتمنى رؤيتك في المسجد..!!
أخي العزيز لا تحرم نفسك الأجر العظيم..!!
أجر الذهاب إلى المسجد والصلاة فيه.. هل تعلم كم الأجر الذي فيه؟؟!!
هل تعلم ما هي فوائد صلاتك في المسجد؟؟!!
أخي العزيز لماذا إذا نصحتك تجاهلت نصيحتي..؟!(18/5)
أخي العزيز لماذا إذا سمعت المؤذن يقول الله أكبر تولي وتدبر؟؟!!
أخي العزيز لماذا تتهرب من الصلاة..؟!
أخي... أخي... أخي
إلى متى تؤخر صلاتك.. إلى متى وأنت تصلي في البيت.. إلى متى وأنت تصلي في البيت مثل النساء.
أخي إنه لا يرتاح لي بالاً، ولا ينام لي جفن إلا إذا رأيتك ساعياً إلى المسجد..
أخي لقد من الله عليك بالمال والأهل والأولاد، ألا تستحق هذه النعم التي أنعمها الله عليك بأن تعبد الله حق العبادة، وتشكر الله حق الشكر، وتحمد الله حق الحمد.
كم من غنيٍ أصبح فقيراً بسبب عدم شكره لهذه النعم.. ؟!
كم من شابٍ قويٍ أصبح مريضاً مبتلاً..؟!
كم من زوجٍ ذا ذريةٍ أصبح بلا أهلٍ ولا ولد..؟!
كم... وكم... وكم
نرى من هذه الحياة ما يحزننا ويكدر صفو معيشتنا، ولا نلتجأ إلى الله إلا في المصائب والفتن..
أخي العزيز عد إلينا محافظاً على صلاتك..!!
أخي العزيز عد إلينا تائباً مخبتاً لله..!!
أخي العزيز كم حزنت وبكيت عليك عندما دخلت المسجد ولم أجدك بينهم..!!
أخي العزيز كم حزنت وبكيت عليك عندما أراك تؤخر الفرائض.. !!
أخي العزيز إني أحبك في الله إذا حافظت على ما أمرنا الله به واجتنبت ما نهانا عنه..!!
تذكر أخي قول الله - تعالى -: ((فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ)).
أخي العزيز نفسك رهينة بعملك
قال - تعالى -: ((كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّين ِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ)).
أخي العزيز لا تكن ممن ذمهم الله وكن ممن مدحهم الله:
((إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ)).
أخي العزيز كن من المفلحين:
((أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)).
أخي العزيز
هل سأراك بعد اليوم في المسجد تصلي معنا؟!
أنتظر منك الجواب
فلا تحرمني من رؤيتك
http: //saaid.net المصدر:
============
إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها
د. حكمت الحريري(18/6)
عن صهيب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلاماً أعلمه السحر، فبعث إليه غلاماً يعلمه، فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها، ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره، فقال له الراهب: أي بني، أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل عليّ. وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما ههنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن بالله فشفاه الله. فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من ردّ عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلّ على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بني، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل؟ فقال: إني لا أشفي أحداً، إنما يشفي الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلَّ على الراهب، فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمئشار فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته؛ فإن رجع عن دينه؛ وإلا فاطرحوه. فذهبوا به، فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بمَ شئت. فرجف بهم الجبل، فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور، فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به، فقال: اللهم اكفنيهم بمَ شئت. فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذعٍ، ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام. فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك. قد آمن الناس. فأمر بالأخدود في أفواه السكك فَخُدَّت وأضرم النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فاحموه فيها أو قيل له: اقتحم. ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق. [رواه مسلم]
معاني الألفاظ:
- الأكمه: الذي خلق أعمى.
- المئشار أو المنشار: لغتان صحيحتان آلة معروفة يقطع بها.
- ذروة الجبل: أعلاه.
- القرقور: السفينة الصغيرة.
- انكفأت بهم السفينة: انقلبت بهم.
- كبد القوس: مقبضها.
- الأخدود: جمع خد وهو الشق في الأرض طويلاً.
أحكام فقهية ودروس مستفادة من الحديث:
1 - في الحديث دلالة على صدق النبي وإثبات نبوته حيث إنه لم يعاصر أحداث القصة ولم يتعلمها من معلم.
2 - أهمية ورود القصص في الأحاديث والخطب والمواعظ وأثرها على المدعوين وضرورة الاهتمام بقصص الأنبياء الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية واعتمادها كوسيلة هامة لتثقيف المسلمين وتربية الأجيال عليها، والتنبه والحذر من القصص والأفلام التي تبثها وسائل الأعلام المعاصرة لصرف المسلمين عن ثقافتهم وإبعادهم عن دينهم.
3 - فظاعة أساليب الملوك في التعذيب والبطش والإرهاب وحرصهم على مناصبهم ولو كلفهم ذلك القضاء على الأمة بكاملها.
4 - التشابه بين نفوس الملوك وأساليبهم في القديم والحديث ورغبتهم في إخضاع الرعية واستعباد الناس واستنفارهم إذا أحسّوا بأدنى خطر يزيل ملكيتهم واستعبادهم للخلق.
5 - من سنة الأنبياء والمرسلين البعد عن الملوك والسلاطين ووجود العداوة بينهم، ومن هدي السلف عدم قربهم من الحكام أو الدخول عليهم لأنه يكون على حساب الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فإبراهيم - عليه السلام - والنمرود، وموسى - عليه السلام - وفرعون، ويوسف - عليه السلام - وملك مصر حيث رفض عرض الملك عليه أن يكون من أصفيائه، … وسعيد بن جبير والحكام في عصره، وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة والبخاري، والعز بن عبد السلام، … وسيد قطب… وغيرهم من أتباع المرسلين…
6 - التباين والاختلاف بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وعدم إمكانية الالتقاء، فالملوك وحاشيتهم من السحرة وغيرهم من هذا الصنف، والصنف الآخر أولياء الرحمن يتمثل بالراهب والغلام ومن كان على مسلكهم من المؤمنين في كل عصر وحين.(18/7)
7 - الابتلاء والامتحان سنة إلهية ثابتة تحصل للأنبياء والمرسلين ولعباد الله الصالحين.
8 - إثبات كرامات الأولياء وإجراء خوارق العادات على أيدي الصالحين.
9 - وجود الثبات على مبادئ الحق والدين الصحيح وأن الأخذ بالعزيمة أولى من الأخذ بالرخصة خصوصاً في حق العلماء ومن هم قادة الناس.
10 - وجوب اللجوء إلى الله - تعالى - والتضرع والدعاء والاستعانة به - سبحانه -؛ خاصة في الأمور المهمة وعند حصول الشدائد والملمات "اللهم اكفنيهم بما شئت" "حسبنا الله ونعم الوكيل" "رب نجني من القوم الظالمين" "ربنا أفرغ علينا صبراً…".
11 - اعتراف العالم بالفضل لمن هو أفضل منه.
12 - العمل على إنقاذ النفس من الهلاك.
13 - ثقة المؤمن بنصر الله له وإظهار دينه رغم كيد الملوك الجبابرة وبطشهم بالدعاة ورغم كيدهم وتدبيرهم للنيل من العلماء والدعاة والقضاء عليهم بل إن شدة طغيان الجبابرة واستضعافهم للمؤمنين دليل على قرب زوال ملكهم ونصر الله لعباده الصالحين {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا أتاهم نصرنا}.
14 - في الحديث دلالة على كفر السحرة وعداوتهم للدعاة والرسل وعباد الله الصالحين وكفر من يتعلم السحر أو يعمل به أو يصدقه لوجود الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على كونه من فعل الكفرة، قال - تعالى -: {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} [البقرة: 102] {ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق} {ولا يفلح الساحر حيث أتى}. وفي الحديث قال - عليه الصلاة والسلام -: "من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئاً وكل إليه".
من الدروس المستفادة من الحديث:
إنك أيها المسلم كلما قرأت سورة البروج مررت في أثناء مطالعتك لتفسيرها على قصة الملك وأصحاب الأخدود وقد تناولها المفسرون ما بين مقلّ أو مكثر مستدلاً بهذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه إلا أن جانباً مهماً في الحديث وهو "الملك" لم يولوه العناية اللازمة والبحث الكافي لبيان صورة "الملك" في القرآن والحديث، وقد يكونو فعلوا ذلك تجنباً ووقاية لشرورهم وخوفاً من أذيتهم، كفانا الله شرهم وسلمنا من أذيتهم، أو أن الملوك والسلاطين كفوا أذاهم عن أولئك والله أعلم.
لكن الأحداث والوقائع التي تجري من حولنا والأدلة التي نقرؤها في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - تؤذن بانتهاء هذه الفترة العصيبة النكدة التي مرت على أمة الإسلام وتبشر بانبلاج فجر جديد نسأل الله العظيم أن يعز فيها أهل طاعته ويمكن لهم، ويذل فيها أهل المعصية ويخزيهم.
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة… ثم تكون ملكاً عاضاً… ثم تكون ملكاً جبرياً… ثم تكون خلافة على منهاج النبوة".
على أن بعض الملوك المعاصرين أدرك قبح هذا اللقب فطلب من الناس ألا ينادوه ولا يلقبوه بهذا اللقب، ولاشك أن هذا من فطنتهم وذكائهم، "ولله الأمر من قبل ومن بعد".
العبرة في القصص:
ما من قصة تذكر في القرآن الكريم أو في السنة النبوية إلا لنعتبر بها، لما في الاعتبار بها من حاجتنا إليه فقد قال - تعالى -: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب}، وقال - تعالى -: {فاعتبروا يا أولي الأبصار}.
ولما كان القرآن الكريم هو الدستور الإلهي الذي تصلح به حياة البشرية جمعاء، وهو المعجزة الخالدة، كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء به هو خاتم الأنبياء ورسول الله إلى الناس جميعاً - عليه الصلاة والسلام -، فإنه ما من بدعة وقعت فيها الأمم السابقة وكانت سبباً في هلاكها إلا ويمكن أن يقع فيها الناس اليوم، فإن في نفوس كثير من الناس من جنس ما كان في نفوس المكذبين للرسل كفرعون وغيره من الجبابرة.
ولذلك قال - تعالى - في تثبيت النبي - صلى الله عليه وسلم -: {ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك} [فصلت: 43]. وقال - تعالى -: {كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم}.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع، فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك؟! "[1].
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جُحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ "[2].
ومن أعظم السيئات وأقبح البدع والمنكرات هو الشرك بالله وجحود الخالق - سبحانه وتعالى-، وقد وقعت فيها كثير من الأمم السابقة بزعامة الملوك الجبابرة، كفرعون وغيره ممن اغتروا بقوتهم وسلطانهم، ففرعون طلب أن يكون إلهاً معبوداً دون الله - تعالى - فقال: {أنا ربكم الأعلى}. وقال: {وما علمت لكم من إله غيري}.
لكن فرعون لم يكن مطلبه أن يكون إلهاً منذ أول وهلة، إنما مهّد لهذا وقدم له بمقدمات منها زعمه أن الأنهار تجري من تحته وسعة ملكه وفقر الآخرين، لمّا وصل إلى الحد الذي ذكره الله - تعالى - عنه: {فاستخف قومه فأطاعوه} عندها ادعى الألوهية، وقال: أنا ربكم الأعلى.(18/8)
ولو تأملت حالة حكام البلاد الإسلامية اليوم وما فعلوه من إقدامهم على صلح اليهود وتطبيع العلاقات معهم ومؤاخاتهم، لعرفت أن هذه النزعة الفرعونية لم يقدموا عليها إلا بعد أن استخفوا شعوبهم، لقد صرح أحد الملوك بملء فيه عن علاقاته مع زعيم من زعماء اليهود منذ أكثر من عشرين عاماً، فهل صرح وأعلن عن وجود هذه العلاقات الوطيدة إلا بعد أن عرف حال الشعب الذي يحكمه.
والذي فعله فرعون هو غاية الظلم والجهل، وما في نفس فرعون هو في سائر النفوس و {إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً}. ولذلك قال بعض العارفين: ما من نفس إلا وفيها ما في نفس فرعون غير أن فرعون قدر فأظهر وغيره عجز فأضمر[3].
والذي يحد من جماح النفس وخروجها عن جادة الحق هو طاعة الله وخشيته في السر والعلن وعدم إتباع الشهوات وتجنب ما يزينه الشيطان. قال - تعالى -: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون} [النحل: 98 - 100].
ولما أمهل الله - تعالى - إبليس قال: {لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} [الحجر: 39 - 40].
وإغواء إبليس إنما يكون عن طرق كثيرة منهم السحرة ومنهم الملوك الظلمة. ولكن من فضل الله ومنه أنه لم يجعل لإبليس سلطاناً على عباد الله المخلصين قال - تعالى -: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} [الحجر: 42].
فوائد القصص:
ورد في القرآن الكريم قصص كثير عن الأمم والأنبياء والمرسلين وحال كثير من الجبابرة والمتمردين وكيف فعل الله بهم مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعاصر تلك الوقائع والأحداث، ولم يقرأ عنها كتاباً وهذا وجه من وجوه إعجاز الكتاب الكريم ودليل صدق على ما جاء به هذا النبي العظيم - صلى الله عليه وسلم -،
فمن فوائد القصص ما يلي:
1 - تثبيت فؤاد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن آمن معه، قال - تعالى -: {وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} [هود: 120].
2 - الدلالة على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث إنه لم يعاصر أحداث القصة ولم يتعلمها من معلم. قال - تعالى -: {وما كنت بحانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر} [القصص: 44]، وقال - تعالى -: {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين} [هود: 49].
3 - تصديق الأنبياء السابقين فيما دعوا إليه الناس، قال - تعالى -: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه} [يوسف: 111].
4 - بيان الحق فيما اختلفوا فيه والتحذير من كيد الأعداء. قال - تعالى -: {إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين}.
الملوك في القرآن الكريم:
لقد تأملت في سور القرآن الكريم وأمعنت النظر في الآيات التي ذكرت فيها كلمة "الملك أو الملوك" ورجعت إلى بعض كتب التفسير لمعرفة ما كتبوه في هذا الصدد، فما ذكر الملك أو الملوك إلا في موضع الذم والفساد. فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم:
لا خلاف بين المفسرين على كون الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة. إنما الخلاف في قوله - تعالى -: {وكذلك يفعلون} هل هو من كلام الله أم من كلام المرأة؟!.
أما فساد الملوك فيكون بالقتل والأسر ونهب الأموال وتخريب الديار. {وجعلوا أعزة أهلها أذلة} جعل الرؤساء السادة الأشراف من الأرذلين[4].
- وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً:
في قصة موسى - عليه السلام - والعبد الصالح "الخضر".
{قال له موسى هل اتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً. قال إنك لن تستطيع معي صبراً، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً. قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً. قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك ذكراً. فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً… قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً. أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً} [الكهف: 66 - 79].
فالملك كان قاطعاً للطريق وينهب أموال المساكين. أنانية الملوك "ائتوني به استخلصه لنفسي".
رأى ملك مصر رؤيا هالته وأفظعته وجمع لها كل من حوله لتأويلها والتعبير عنها فما استطاعوا فرجعوا إلى يوسف - عليه السلام - وعبر عن تلك الرؤيا أصدق تعبير.(18/9)
{وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين. وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون. قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون. ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلاً مما تحصنون. ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون. وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم. قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاشا لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين. ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين. وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم. وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين. قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم. وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكان يتقون} [يوسف: 43 - 57].
لقد كان الملك أنانياً محباً لنفسه ومصلحته الشخصية الخاصة {ائتوني به استخلصه لنفسي} وهل يمكن اعتبار الأنانية وحب الذات من الأمور التي يمدح عليها الرجل؟!.
ومع ذلك هل قبل نبي الله يوسف - عليه السلام - العرض الذي قدمه الملك أن يكون من حاشيته المقربين إليه ومن خاصته؟ إن هذا المنصب لا يليق بالرجال العظماء، فضلاً عن الأنبياء… أن تكون فائدته قاصرة على شخص أو على أشخاص معدودين هذا ما لا يليق بالرجال العظماء. ولذلك فإن نبي الله يوسف - عليه السلام - اختار المكانة التي تليق به تلك المكانة التي يستطيع من خلالها أن يفيد الأمة جميعاً صغيرها وكبيرها ملكها ومملوكها، المقام الذي من خلاله يفيد أكبر عدد من الناس {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}.
هذا هو منهج الأنبياء ومسلك الدعاة والعلماء إنه مجانبة السلاطين والملوك والأمراء. وقد استعرضت لك من سيرة السلف الصالح وأقوال العلماء عدة أمثلة في مقالة سابقة بعنوان (بطانة الخير وبطانة الشر) وما لم أذكره أكثر من ذلك بكثير.
وما أحسن ما قاله سيد قطب في ظلال هذه الآيات من سورة يوسف: "فيا ليت رجالاً يمرغون كرامتهم على أقدام الحكام وهم أبرياء مطلقو السراح فيضعوا النير في أعناقهم بأيديهم ويتهافتوا على نظرة رضا وكلمة ثناء وعلى حظوة الأتباع لا مكانة الأصفياء… يا ليت رجالاً من هؤلاء يقرأون هذا القرآن ويقرأون قصة يوسف - عليه السلام - ليعرفوا أن الكرامة والإباء والاعتزاز تدر من الربح حتى المادي أضعاف ما يدره التمرغ والتزلف والانحناء! …
إنه لم يسجد شكراً كما يسجد رجال الحاشية المتملقون للطواغيت ولم يقل له: عشت يا مولاي وأنا عبدك الخاضع أو خادمك الأمين كما يقول المتملقون للطواغيت! كلا، إنما طالب بما يعتقد أنه قادر على أن ينهض به من الأعباء في الأزمة القادمة التي أوّل بها رؤيا الملك، خيراً مما ينهض بها أحد في البلاد، وبما يعتقد أنه سيصون به أرواحاً من الموت وبلاداً من الخراب ومجتمعاً من الفتنة - فتنة الجوع - فكان قوياً في إدراكه لحاجة الموقف إلى خبرته وكفايته وأمانته، قوته في الاحتفاظ بكرامته وإبائه: {قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}" اهـ[5].
وفي الختام أعود فأذكر وأكرر القول إن عهد الملوك الجبابرة قد أذن بالانتهاء والرحيل إن شاء الله وسيتحقق وعد الله بنصر عباده الصالحين {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}، وما جاء في حديث الصادق المصدوق - عليه الصلاة والسلام - "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة"، وسيتم ذلك إن شاء الله بعز عزيز أو بذل ذليل ولكن لكل شيء ثمناً وسيكون ثمن التغيير باهظاً، والواقع خير شاهد ودليل، ألم يكن الحكم في أفغانستان ملكياً… ألم تنته الشيوعية بعد أن جثمت على صدور المسلمين في بقاع مختلفة من الأرض ما يزيد على السبعين سنة؟ إلا أننا نهيب بالمسلمين والدعاة المخلصين وجميع عباد الله الصالحين أن يكونوا أهلاً لتحمل المسؤولية والسعي لتغيير الوضع نحو الأفضل لا كما حدث في البلاد التي ذكرناها آنفاً. فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فاعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ولا تنازعوا فتفشلوا:
قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
--------------------------
[1] - صحيح البخاري. كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "لتتبعن سنن من كان قبلكم" رقم الحديث: 7319.
[2] - صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، رقم الحديث: 7320.
[3] - انظر كتاب (الحسنة والسيئة) لابن تيمية، ص 72 - 73.
[4] - انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي الآية (34) من سورة النمل.
[5] - في ظلال القرآن: 4/2005، الطبعة الثالثة عشرة.
http: //www.alsunnah.org المصدر:
=============
الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
محمد الإبراهيم(18/10)
يقول الإمام بدر الدين بن جماعة في كتابه (تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام) في معرض الحديث عن حقوق الرعية: "ومنها: حفظ الدين على أصوله المقررة وقواعده المحررة، ورد البدع، ونشر العلوم الشرعية، ومخالطة العلماء الأعلام ومشاورتهم في موارد الأحكام، ومصادر النقض والإبرام، وإقامة شعائر الإسلام والحدود الشرعية على الشروط المرعية". [1]
هذه بعض واجبات السلطان كما قررها العلماء الأعلام، ولكن بعض السلاطين لم يتقيدوا بما حده الشرع، ومالوا إلى أهوائهم وما تمليه شهواتهم، بل وما يمليه أعداء الدين. يقول الإمام السخاوي: "ومن أعظم خطأ السلاطين والأمراء تسمية أفعالهم الخارجة عن الشرع سياسة فإن الشرع هو السياسة لا عمل السلطان بهواه ورأيه، ومضمون قولهم يقتضي أن الشرع لم يرد بما يكفي في السياسة، فاحتجنا إلى تتمة، وهذا تعاطي على الشريعة يشبه المراغمة... ". [2]
وبسبب أمثال هؤلاء السلاطين قام العلماء الذين أخذ عليهم الميثاق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان موقف الإسلام من الأحداث الكبار، ومن أبرزهم في القرن السابع الهجري الشيخ عبد العزيز بن عبد السلام السُّلمي الدمشقي الملقب بـ (سلطان العلماء) (578 - 660) وهو الذي يقول: "المخاطرة بالنفوس مشروعة في إعزاز الدين، ولذلك يجوز للبطل من المسلمين أن ينغمس في صفوف المشركين، وكذلك المخاطرة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصرة قواعد الدين بالحجج والبراهين مشروعة، ومن قال بأن التغرير بالنفوس لا يجوز فقد بعد عن الحق، ونأى عن الصواب". [3]
وعلى منهجه هذا سار - رحمه الله - مع حكام زمانه من أبناء أو أحفاد العادل بن أيوب [4] فقد استعان ملك دمشق إسماعيل بن العادل بالصليبيين، ودخل الفرنج إلى دمشق لشراء السلاح، فشقَّ ذلك على الشيخ مشقة عظيمة، وأفتى بحرمة بيع السلاح لهم، وأنكر على السلطان فعله، وترك الدعاء له في الخطبة، وساعده في ذلك الشيخ أبو عمرو بن الحاجب المالكي، فغضب السلطان منهما، وأمر باعتقال الشيخ ابن عبد السلام، وأخذه معه معتقلاً عندما ذهب لمقابلة الفرنجة، وكأنه يثبت للفرنجة إخلاصه لهم، وأنه يعتقل كل من يعارض هذا الصلح الذليل وقال لهم: "هذا أكبر قسوس المسلمين، وقد حبسته لإنكاره علي تسليمي لكم حصون المسلمين، وعزلته عن الخطابة بدمشق وعن مناصبه، وقد جددت حبسه واعتقاله لأجلكم، فقالت له ملوك الفرنج: لو كان هذا قسيسنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها... ". [5]
ثم أفرج عن الشيخ، فخرج إلى مصر، وتلقاه صاحبها الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل بن العادل بالترحاب، وولاه خطابة جامع عمرو بن العاص والقضاء بها. [6]
ومن هؤلاء الأعلام الآمرون بالمعروف شيخ الإسلام المجدد المجتهد أحمد ابن عبد الحليم بن تيمية (661 728))الذي لم يكتف بنشر العلم وكتابة المؤلفات الكبيرة النافعة؛ بل كان مجاهداً أماراً بالمعروف، وكان له أتباع يقومون معه لإحقاق الحق.
وقد عاش في فترة عصيبة من حياة المسلمين، وذلك حين داهم التتار العالم الإسلامي، يقتلون ويخربون، وكان الناس إذا سمعوا بهم فروا من أوطانهم هائمين على وجوههم، وهكذا أراد أهل دمشق أن يفعلوا، فكان ابن تيمية يثبتهم، ويقوي عزائمهم، وذهب إلى السلطان في مصر يطلب النجدة لحماية بلاد الشام، واشترك في المعارك بنفسه، وبعد صد الخطر الخارجي التفت إلى الخطر الداخلي خطر الباطنية والحاقدين الذين يعيشون بين ظهراني المسلمين، ففي سنة 693 ه سمع الشيخ أن نصرانياً من أهل السويداء اسمه عساف سب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم استجار بابن أحمد بن حجي أمير آل علي، فقام ابن تيمية منكراً لهذا الأمر، "وذهب إلى نائب السلطنة ومعه زين الدين الفارقي شيخ دار الحديث، وكلما الأمير عز الدين أيبك الحموي، فأجابهما إلى ذلك، وأرسل ليحضره، فخرجا من عنده ومعهم خلق كثير من الناس، فرأى الناس عسافاً حين قدم ومعه رجل من العرب، فسبوه وشتموه، فقال ذلك البدوي: هو خير منكم - يعني النصراني - فرجمهما الناس بالحجارة وأصابت عسافاً ووقعت خبطة قوية... " [7] وقد صنف ابن تيمية في هذه الواقعة كتابه: الصارم المسلول على شاتم الرسول. [8]
ومن وقفات الشيخ المشهورة، مقابلته مع وفد من العلماء لملك التتار (قازان)، يقول شاهد عيان لهذه الحادثة: "كنت حاضراً مع الشيخ، فجعل يحدث السلطان بقول الله ورسوله، ويقرب منه، والسلطان مع ذلك مقبل عليه، شاخص إليه لا يعرض عنه، وقال الشيخ للترجمان: قل لقازان: أنت تزعم أنك مسلم ومعك قاضي وإمام وشيخ ومؤذنون على ما بلغنا، فغزوتنا وأبوك وجدك كانا كافرين وما عملا الذي عملت، عاهدا فوفيا، وأنت عاهدت فغدرت، وقلت فما وفيت". [9]
وعندما ذهب خطر التتار واطمأنت قلوب أهل دمشق لم يطمئن قلب ابن تيمية، فقد كان مشغولاً بأعداء الداخل الذين ظاهروا التتار على المسلمين، الذين يسكنون الجبال من الباطنية، فجرَّد الشيخ حملة مع نائب السلطان الأفرم إلى بلاد الجرد وكسروان، ومن شايعهم من التيامنة، وانتصر عليهم، واستتاب خلقاً منهم وألزمهم بشرائع الإسلام.
وفي عام (705 هـ اشتكت فرقة الرفاعية الصوفية من إنكار ابن تيمية عليهم، وكلامه فيهم، وطلبوا من نائب السلطان أن يكفَّ ابن تيمية عنهم، فقال الشيخ: هذا ما يمكن، لابد لكل أحد أن يدخل تحت الكتاب والسنة قولاً وفعلاً.(18/11)
وقد حُسد الشيخ بسبب المنزلة الرفيعة التي كانت له عند الناس وعند الأمراء، فسعوا به إلى السجن لأمور خلافية في الفقه، كان قد قررها ورأى الصواب فيها. لم يهتم الشيخ بهذا، فالدعوة يمكن أن تستمر في السجن أيضاً، يقول الشيخ البرزالي واصفاً حال الشيخ: "ولما دخل الحبس وجد المحابيس مشغولين بأنواع من اللعب يلتهون بها عما هم فيه كالشطرنج والنرد، مع تضييع الصلوات، فأنكر الشيخ ذلك عليهم، وأمرهم بملازمة الصلاة والتوجه إلى الله بالأعمال الصالحة والتسبيح والاستغفار والدعاء، وعلمهم من السنة ما يحتاجون إليه، ورغبّهم في أعمال الخير، حتى صار الحبس بالاشتغال بالعلم والدين خيراً في كثير من الزوايا والربط والمدارس، وصار خلق من المحابيس إذا أُطلقوا يختارون الإقامة عنده... ". [10]
ومنهم: الشيخ عبد الله بن عثمان اليونيني الملقب بـ (أسد الشام) "وكان أماراً بالمعروف، لا يهاب الملوك، حاضر القلب، دائم الذكر، قيل إن العادل أتى والشيخ يتوضأ، فجعل تحت سجادته دنانير فردها وقال: يا أبو بكر: كيف أدعو لك والخمور دائرة في دمشق؟ فأبطل ذلك. وقيل، جلس بين يديه المعظم وطلب الدعاء منه، فقال: يا عيسى لا تكن نحس [11] مثل أبيك، أظهر الزَّغل [12] وأفسد على الناس المعاملة [13]
ومنهم: أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي بن قايد الأواني [14] ذكر الذهبي في سيره أنه قدم (أوانا) واعظ باطني فنال من الصحابة، فغضب الشيخ ابن قايد، وطلب أن يحمل في محفته، وقد كان مقعداً، فحمل وجيء به إلى المسجد وصاح بالباطني: يا كلب انزل، ورجمته العامة فهرب إلى الشام وحدث كبير الاسماعيلية الباطنية سنان بن سلمان بما حدث له، فندب سنان اثنين من رجاله لقتل بن قايد، فأتياه وتعبدا معه شهراً ثم قتلاه، وقتلا خادمه، وهربا في البساتين، فنكرهما فلاح فقتلهما. [15]
وبمثل هؤلاء العلماء المتألهين يحفظ هذا الدين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون...
-------------------
[1]- تحرير الأحكام/ 65
[2] - الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ/48
[3]- السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 8/228.
[4] - تملك بعد أخيه صلاح الدين الأيوبي.
[5] - انظر إلى هذا السلطان الذي يحاكي حكام زماننا الذين يتقربون إلى أحفاد الفرنجة بمحاربة الدعاة والعلماء ويودعونهم السجون لا لسبب ظاهر إلا التزلف لأعداء الله حتى يرضوا عنهم.
[6] - طبقات الشافعية 8/210.
[7] - ابن كثير: البداية والنهاية 13/335.
[8] - الكواكب الدرية/181.
[9] - قارن بما وقع هذه الأيام في باكستان حين ثبت على نصرانيين أنهما سبا الإسلام، وضغطت بريطانيا على الحكومة الباكستانية حتى لا يصدر حكم بحقهما، ولم يستطع العلماء هناك إظهار موقف قوي تجاه هذه الحادثة.
[10] - أبو الحسن الندوي: حياة شيخ الإسلام ابن تيمية/50.
[11]- الصواب: نحساً وتركت كما هي بخط الذهبي.
[12] - العملة المغشوشة.
[13] - سير أعلام النبلاء 22/101.
[14] - من قرية أوانا شمالي بغداد.
[15] - سير أعلام النبلاء 21/195.
http: //www.alsunnah.org المصدر:
=============
الدعوة بين تنويع الأساليب وتمييع الحقائق
الشيخ حسن محمد قائد
إن مما نحتاج إلى إتقانه فن مخاطبة الناس على اختلاف مشاربهم، وتفاوت مستوياتهم، وتنوع انتماءاتهم، وذلك من حيث:
اختيار المسائل والقضايا المناسبة.
اغتنام الفرص والأوقات الملائمة.
اعتبار حال المخاطبين من جهة تفاعلهم، وتقبلهم لما يخاطبون به.
التعمق في معرفة قدرات عقولهم على تفهم ما يلقى عليهم، وما يراد منهم فهمه وتبنيه.
وغير ذلك من الاعتبارات المهمة، التي لا ينبغي لكل من أراد أن يوصل كلمته، ويجعلها مؤثرة مؤدية للغرض الذي يرنو إليه، ويسعى لتحقيقه أن يهملها ويهمشها، بل عليه أن يكون على دراية تامة وإحاطة قوية بحال من يجتهد لإيصال صوته إليهم، والتأثير به عليهم، خاصة من تصدى لبيان الحق والهدى الذي جاء به النبي - صلى الله عليه و سلم -، والسعي لإخراج الناس من ظلمات الكفر، أو الجهل، أو البدع والضلال إلى نور الإسلام والسنة والصراط المستقيم.
فكثيرًا ما يكون المرء على معرفة وعلم بما يدعو الناس إليه، ولكن هذا – مع حسنه – لا يكفي وحده، ولا يغني بمفرده، حتى يتقن صاحبه الدور الثاني المهم، وهو القدرة على إيصال هذا الحق إلى الناس بالكيفية المناسبة، والدخول إليهم به من الباب الصحيح الذي يستقبلونه ويتقبلونه.
فالخطوة الأولى في فشل الداعية، أو المربي، أو المعلم، أو المخاطِب بصورة عامة تظهر عندما يكون همه محصورًا في إبداء ما في صدره، وإخراجه للناس، وإيصاله إليهم بأي طريقة كانت، ومن غير مراعاة للظروف المؤثرة إيجابًا أو سلبًا، ومن غير دراية، أو اهتمام بقدرات المخاطبين على تفهم القضية، أو المسألة التي سيوصلها لهم.
فتراه يخاطبهم كلهم بطريقة واحدة، وكيفية متساوية، وبنفس الأسلوب، سواء عنده العالم والجاهل، والمسلم والكافر، وقديم العهد بالالتزام وحديثه، والمبتدع الضال والمتبع السني، والرجل والمرأة.
ولسنا نقصد بمراعاة نفوس الناس، واعتبار أحوالهم وعقولهم أن تميع القضايا، أو تمطط المسائل الشرعية، وتحرف وتغير لأجل إقناع طائفة من الناس مثلًا بأن الإسلام دين اليسر والتسهيل، أو نحو ذلك، فإن ثمة فرقًا بين تحريف الحق وإخضاعه لأهواء الناس، وبين إبقائه على حاله واضحًا جليًا محددًا كما أنزله الله، وبلغه رسوله - صلى الله عليه و سلم -، ولكن يختار 'الأسلوب المناسب' والوقت المناسب لإيصال ذلك الحق ' كما هو في الشرع ' للناس.(18/12)
فكثيرًا ما يحدث خلط في هذه ا لقضية، ويقع فيها اللبس أو التلبيس، فتزور الحقائق الشرعية، وتغير باسم: سماحة الإسلام ورفقه ويسره، والحكمة في الدعوة إليه.. ونحو ذلك، وهذه الأمور صحيحة في نفسها، ولكن تفسيرها بهذه الكيفية ليس على وجهه الصحيح.
فالإسلام دين الرفق.. نعم ودين السماحة، ودين اليسر، ورفع الحرج، ولكن ليس معنى ذلك أن نأتي إلى حقائقه الثابتة، ومسائله البينة، وقضاياه الجلية؛ ونصرفها عن مدلولها الشرعي الصريح الصحيح، ونؤول معناها، بل نحرفه بغية إقناع الناس بها.
فنحن بهذا العمل – وفي حقيقة أمرنا لا نقنع الناس بحقائق الإسلام التي أنزلها الله، والتي أراد منهم الإيمان بها، والالتزام بتعاليمها، ولكننا تركنا 'حقائق الإسلام ' الصحيحة جانبًا، وقدمنا لهم ما تشتهيه أنفسهم، وتهواه قلوبهم ب 'اسم الإسلام'.
وليس هذا هو موطن الحكمة في الدعوة إلى الله، ولكن الحكمة، وحسن التبليغ أن نتقن إيصال الحق البين دون خدش ولا تحريف إلى الناس، فالحكمة إنما تكون في الأسلوب والطريقة، والكيفية والوسيلة التي نوصل بها 'الحق'، ولهذا قال الله - سبحانه -: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ... [125]}[سورة النحل].
فالدعوة إنما تكون إلى: {... سَبِيلِ رَبِّكَ... } التي هي الإسلام الذي أنزله على نبيه - صلى الله عليه و سلم - كما قال - سبحانه -: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ... [153]}[سورة الأنعام]. وكما قال - عز وجل -: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[6]صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ[7]}[سورة الفاتحة].
وما أجمل ما كتبه الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - حيث يقول: 'إن الدعوة دعوة إلى سبيل الله، لا لشخص الداعي ولا لقومه، فليس للداعي من دعوته إلا أنه يؤدي واجبه لله، لا فضل له يتحدث به، لا على الدعوة ولا على من يهتدون به، وأجره بعد ذلك على الله، والدعوة بالحكمة، والنظر في أحوال المخاطبين وظروفهم، والقدر الذي يبينه لهم في كل مرة حتى لا يثقل عليهم، ولا يشق بالتكاليف قبل استعداد النفوس لها، والطريقة التي يخاطبهم بها، والتنويع في هذه الطريقة حسب مقتضياتها، فلا تستبد به الحماسة والاندفاع والغيرة؛ فيتجاوز الحكمة في هذا كله وفي سواه' [4/2201الظلال].
والحقيقة إن تحريف مسائل الشرع – ولو كانت في عين البعض صغيرة – أمر في غاية الخطورة، وهو في واقع أمره من الكذب على الله، وعلى رسوله - صلى الله عليه و سلم -؛ ولهذا، فإن الشارع قد جوز للعالم، أو الداعية أن يكتم بعض العلم لمصلحة معتبرة يراها، وله في بعض الأحيان السعة في هذا الأمر.
ولكنه لم يجوز لهم بحال أن يغيروا أو يبدلوا شيئا مما بينه وقرره الشرع تحت أي دعوى ولا اعتبار لما يتوهمه البعض من المصالح الموهومة المتعلقة بذلك، بل جاء الوعيد الشديد، والتهديد الأكيد الذي يزجر القلوب عن ذلك أشد الزجر، ويردعها عنه أعظم الردع، كل ذلك إبقاء للحق على نصاعته، وحفظا له، وصيانة لمصادره.
فقد بوب البخاري - رحمه الله - قائلًا: [ بَاب: مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ أَنْ لَا يَفْهَمُوا، وَقَالَ عَلِيٌّ: ' حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ'؟]. وساق تحته حديث معاذ - رضي الله عنه - عندما كان رديف النبي - صلى الله عليه و سلم - على حمار.
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: 'مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً'. رواه مسلم في مقدمة صحيحه.. هذا فيما يتعلق بترك بيان بعض العلم؛ جلبًا لمصلحة شرعية راجحة، أو درءًا لمفسدة كالتي ذكرها ابن مسعود - رضي الله عنه -.
أما تحريف الحق وتغييره والتصرف فيه، فهذا ما لا يجوز بحال، وهو من تحريف الكلم عن مواضعه الذي أغرق فيه اليهود، ورفعوا لواءه قاتلهم الله أنى يؤفكون.
فينبغي التفريق بين:
سعة الأمر في كيفية الدعوة، واختيار الأسلوب المناسب، والوقت الملائم.
وبين حفظ ما يدعو المسلمُ إليه، وعدم خدشه، وتمييعه.
ونضرب لذلك مثلًا يتضح به المراد أكثر، ويتجلي به المقصود من واقع توجيهات النبي - صلى الله عليه و سلم - لأصحابه في مثل هذه المسائل:
فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ - رضي الله عنه - كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه و سلم - ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ الصَّلَاةَ فَقَرَأَ بِهِمْ الْبَقَرَةَ قَالَ فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَقَالَ إِنَّهُ مُنَافِقٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه و سلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا وَنَسْقِي بِنَوَاضِحِنَا وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِنَا الْبَارِحَةَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فَتَجَوَّزْتُ فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه و سلم -: [يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ ثَلَاثًا اقْرَأْ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَنَحْوَهَا] رواه البخاري ومسلم.(18/13)
فالمفسدة التي وقعت لهذا الرجل، وهي نفوره من الصلاة، وتركه الجماعة، وانفصاله عن إمامه لم يهملها النبي - صلى الله عليه و سلم -، ولم يغض الطرف عنها، بل اعتنى بها أشد الاعتناء، وأولاها بالغ الاهتمام، ولكنه لم يعالجها بشيء يقدح في حقيقة الصلاة الشرعية المأمور بها، فلم يأمر معاذا بترك شيء من واجبات الصلاة، أو أركانها، أو حتى مستحباتها بل أرشده إلى الإبقاء على الحقيقة الشرعية، والهيئة الصحيحة مع إقامتها بما يتناسب مع من خلفه من الضعفة، وذوي الحاجات، فالصلاة بقيت صلاة على حالها بصورتها وهيئتها.
وهكذا.. ينبغي أن تبقى كل الحقائق الشرعية التي ندعو الناس إليها، ونعلمهم إياها، ولكن نقدمها بالأسلوب المرتجى أن يكون سببًا في تقبلهم لها، واقتناعهم بها.
أما العبث في تلك الحقائق والتصرف بها النقص والزيادة فيها من أجل الناس؛ فهذا ما لا يقره الشرع، وهي هفوة عظيمة، وزلة جسيمة في حقه.
وأوضح من حديث معاذ - رضي الله عنه - في إيضاح هذه المسألة المهمة حديثُ الأعرابي الذي بال في المسجد:
فعن أنس - رضي الله عنه - قال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه و سلم - فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه و سلم - بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ. رواه البخاري ومسلم. وقال لأصحابه رضوان الله عليهم لما زجروا الأعرابي وشددوا عليه: [ إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ] رواه البخاري.
فالنبي - صلى الله عليه و سلم - قد أقر أصحابه على أن ما فعله هذا الأعرابي منكر ينبغي تغييره وإزلته، ولكن نهاهم عن الأسلوب والطريقة التي أرادوا بها تغيير ذلك المنكر، وهي زجرهم وتناولهم للأعرابي، ثم بين النبي - صلى الله عليه و سلم - الكيفية الصحيحة والأسلوب الأمثل القويم في إزالة ما رأوه من ذلك المنكر، ولهذا ترك الأعرابي حتى فرغ من بوله فدعاه وقال له: [إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ - عز وجل - وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ]رواه مسلم. وقال النبي - صلى الله عليه و سلم - معلمًا لأصحابه، ومرشدًا وموجهًا لهم لما وقع منهم ما وقع مع هذا الأعرابي: [ إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ] رواه البخاري.
والصحابة إنما وقع منهم الخطأ في هذه الحادثة في الكيفية التي أرادوا بها تغيير ما رأوه من المنكر بمعنى أن ' التعسير ' كان في الأسلوب الذي اتخذوه لذلك، أما كون ما فعله الأعرابي من البول في المسجد منكرًا فهذا شيء لم ينكره عليهم - صلى الله عليه و سلم - بل أقرهم عليه من خلال تعليمه للأعرابي، وإراقة الماء على بوله، وهذه القصة تشير إلى مثيلاتها وتبين حكم نظيراتها، وقد استطردنا في هذه القضية؛ لأهميتها، وبسبب الخلط الواقع فيها، وسوء فهم الكثيرين لها.
وكما ذكرنا فإن هم الخطيب، أو الداعية، أو الكاتب ينبغي أن لا يكون محصورًا في إيصال ما عنده فحسب دون اعتناء وحرص لفهم المخاطبين لقضيته، واستيعابهم لمقاصده ومسائله، فكثيرا ما تسمع:
'عليك بالبلاغ، ولا يهمك مَن قَبِل ممن لم يقبل'، وهذه الكلمة تحتمل معنى صحيحًا – وإن كان ليس المتبادر إلى الأذهان – وتحتمل معنى خاطئًا:
أما المعنى الصحيح: فهو أن المسلم ينبغي أن تشد همته نحو الدعوة إلى الله، وتبليغ دينه وإيصاله للناس، ويبذل جهده في اختيار الأساليب وتنويعها بحسب أحوال من يخاطبهم، والصبر عليهم في تفهيمهم الحق، ثم بعد ذلك من نكص على عقبيه، وأعرض، فلا يحمل الداعية همّه، ولا يحرف الحق لأجله، أو يشوه صورته، ويمسخ شخصه استعطافًا لقلبه، فيكون معنى العبارة آنفة الذكر من نحو قوله - تعالى -: { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ[21]لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ[22]}[سورة الغاشية]. وغيرها من الآيات.
أما المعنى السقيم لتلك العبارة: فهو أن الداعية لا يعتني بأساليب الدعوة، ولا يهتم بوسائلها، ولا ينظر إلى حال من يخاطبهم، ولا يعتبر أحوالهم وعقولهم ومستوياتهم، إنما يقول ما يريد، ويفصح عما يعتقد بكيفية واحدة، وطريقة ثابتة في أي مجلس كان، ومع أي قوم كانوا، ولا يهمه قبول الناس لما يقول، فإذا ما أعرض الناس عن تقبلهم لما عنده ' بسبب أسلوبه في إيصال الحق ' فإنه لا يهتم بذلك، ولا يعبأ، ولا يصلح من حاله، أو يغير من شأنه، إنما يقول: ' علينا أن نقول ولا يهمنا القبول'، ولا شك في خطأ هذه الفكرة، وانحرافها عن الجادة.
فإن المسلم الداعية معني ببذل الجهد واستفراغ الوسع في اختيار 'الأسلوب أو الطريقة' التي يبلغ بها دعوته بما يؤدي الغرض، ويوصل إلى المقصد وهو ' هداية الناس ' ودخولهم في ' سبيل الله '، فلا يصح أن يكون المسلم داعية إلى الحق بنيته وقصده، وصادًا عنه بأسلوبه وطريقته.
والبون شاسع بين:
أن يكون صدود الناس، وعدم قبولهم للحق بسبب إعراضهم، أو استكبارهم، وطمس الله على قلوبهم.
وبين أن نكون سببًا في التنفير من الحق لفساد طرق الدعوة، أو بسبب فقدان القدرة على تبليغه.(18/14)
ولأن إفهام الناس الحق، ومحاولة إيصالهم إلى معانيه بالوسائل الصحيحة المناسبة لهم أمرٌ ذو أهمية أرسل الله كل رسول بلسان قومه ليبين لهم، كما قال - عز وجل -: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[4]}[سورة إبراهيم].
قال سيد قطب - رحمه الله - عند هذه الآية: 'وهذه نعمة شاملة للبشر في كل رسالة فلكي يتمكن الرسول من إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم لم يكن بد من أن يرسل بلغتهم، ليبين لهم وليفهموا عنه فتتم الغاية من الرسالة...'.
ولا أدل على الاعتناء بطرق دعوة الناس إلى الحق مما تضمنه القرآن الكريم – وهو أساس الدعوة وقطبها – من الأساليب المتنوعة من الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، والإنذار والتبشير، والوعظ والتذكير، ومخاطبة العقول بالحجج العقلية المفحمة القاطعة، والأمر بالتفكر في الآيات الكونية المنصوبة القائمة، والدعوة إلى مقارعة الحجة والبرهان بمثلها، والمجادلة بالتي هي أحسن، وضرب الأمثال، وتصريف الآيات للناس ليفهموا الحق ويعقلوه، وقد جاء ذلك مبينًا في آيات لا تحصى.
والمقصود: أن القرآن هو أكمل صور الوعظ، وأتم أحوال التذكير، وهو متضمن لكافة أساليب الدعوة التي ينبغي للداعية أن يتمرس فيها، ويتقنها، ويبذل جهده في اختيار أمثلها حسب أحوال من يخاطبهم، ودون إهمال لقدرات فَهْمِ وخلفيات وعلائق من يحب هدايتهم، فإذا اجتهد في ذلك، وسدد وقارب، فأعرض الناس وتولوا؛ تلا قول الله: { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ... [56]}[سورة القصص].
ولا شك أن الموضوع أعمق مما دوناه هنا، وهو بحاجة إلى تقصٍ يكشف عن مكنونه، وفهم يوصل إلى لب مضمونه، ولعل هناك من ينشط لذلك، والله الهادي إلى سواء السبيل.
من: ' الدعوة بين تنويع الأساليب وتمييع الحقائق' للشيخ/حسن محمد قائد
http://links.islammemo.cc المصدر:
=============
الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
محمد الإبراهيم
إذا كان العلماء ورثة الأنبياء، فإن مهمتهم جد كبيرة وجد خطيرة، فإنما بُعث الأنبياء ليسلكوا بالناس طريق العبودية الخالصة لله ((ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله)) [النحل/36] والناس بدون رسالة أموات غير أحياء يتعبدهم فرعون وقارون، ويتلاعب بعقولهم أحبار سوء وجهلة رهبان.
إن من مقاصد الشريعة الإسلامية الأولى حفظ الدين وهذا له جانبان: جانب إقامة أركانه مثل الشهادتين والصلاة والزكاة... وجانب إبعاد ما يهدمه مثل البدع والمنكرات ولهذا جاءت القاعدة الشرعية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ومن درء المفاسد مدافعة المنكر ومحاربته وإبعاد أهل الفسق والفجور، وأصحاب الاتجاهات المنحرفة من التسلط على المسلمين، ومن حفظ الدين بيان وجه الحق خاصة عندما تدلهم الخطوب ويحار الناس في الفرقان بين الحق والباطل ومن درء المفاسد حفظ أموال الأمة فلا تهدر على الفساد والقصور، أو تذهب إلى خزائن الكفار ليستعينوا بها على محاربة الإسلام والمسلمين.
مَنْ الذي يتحمل هذا العبء غير العلماء الذين يجتمعون للمشورة في أمر المسلمين، ويتعاونون على إظهار الحق ودفع المنكر، تحقيقاً لقوله - تعالى -: ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)) [آل عمران/104] وقد ورد في الأثر: صنفان إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء، وإذا كان حكام اليوم لا خير فيهم، لأنهم ذهبوا بعيداً في حرب الإسلام والبغي على الشعوب الإسلامية، فمن بقي للأمة يقف معها، ويعيش همومها غير العلماء.
ليست مهمة العلماء التربية على كتف الحاكم الظالم والسكوت عن المنكرات واللجوء إلى نصوص مقطوعة عن بداياتها ونهاياتها لتبرير ما يفعله الحكام، أو يجرون وراء أقوال عامة صحيحة ولكنها لا تنطبق على الواقع اليوم، أو السكوت عما يفعله الحكام متذرعين بـ (الحكمة) هذه الكلمة التي أسيء استعمالها كثيراً، فليس هناك عاقل يقول: إن إخفاء عيوب الأمة خير من بيانها، أو أن الأحسن في حق المريض ألا يخبر بمرضه أو يحذر من عاقبة إهماله.
إن من أكثر الأشياء إيلاماً للنفس أن تُحرف نصوص الكتاب والسنة لخدمة الطغاة المفسدين في الأرض، أيكون الإسلام الذي جاء لتحرير الناس من عبودية الناس هو الذي يدعو للقبول بالظلم والسكوت عن المنكرات؟!.
ليس المطلوب من العلماء شيئاً فوق طاقتهم، أو أكبر مما يحتملون، فإن لم يستطيعوا قول الحق جهاراً نهاراً، فليمارسوا أضعف الإيمان، وهو مقاطعة الظلمة وعدم مجاراتهم أو تبرير أعمالهم، وهو ما يسمى الآن (بالعمل السلبي) وهذا هو معنى الإنكار بالقلب، أما المداهنة أو السكوت عن باطلهم والقول في السر "اللهم إن هذا منكراً لا أرضاه" فليس ذلك من أضعف الإيمان في شيء.
يقول ابن حزم رحمه الله: "فأما الفرض الذي لا يسع أحداً فيه تقية، فأن لا يعين ظالماً بيده ولا بلسانه، ولا أن يُزيّن له فعله، ويُصوّب شرّه ويعاديهم بنيته ولسانه عند من يأمن على نفسه...".[1](18/15)
إن علماء السلف الصالحين أنكروا علناً وصراحة على أمثال عبد الملك وهشام والمنصور والرشيد، وهم مَنْ هم في الدفاع عن الإسلام وإقامة شعائره، ولا يقارنون أبداً بحكام اليوم؛ لأن أولئك فتحوا البلدان وأقاموا علم الجهاد، وهؤلاء سلموا البلاد للأعداء، وأولئك حفظوا الشريعة - على أخطاء وتقصير في بعض الأمور - وهؤلاء أضاعوها. بل أضاعوا الدين والدنيا وجعلوا المسلمين في آخر الركب ومن أضعف الشعوب، وحولوا الأوطان إلى سجن كبير.
يقول ابن حزم واصفاً بعضاً من حكام زمانه - وحكامنا اليوم أسوأ منهم -: "اللهم إنا نشكو إليك تشاغل أهل الممالك من أهل ملتنا بدنياهم عن إقامة دينهم، وبعمارة قصور يتركونها عما قريب عن عمارة شريعتهم اللازمة لهم في معادهم ودار قرارهم وبجمع أموال ربما كانت سبباً في انقراض أعمارهم وعوناً لأعدائهم عليهم..." ويقول أيضاً: "وإن كل مدبر مدينة أو حصن في شيء من أندلسنا هذه أولها عن آخرها محارب لله - تعالى - ورسوله، ساع في الأرض بفساد، ضاربون للمكوس والجزية على رقاب المسلمين، مسلطون لليهود على قوارع طرق المسلمين، معتذرون بضرورة لا تبيح ما حرم الله غرضهم فيها استدامة نفاذ أمرهم، والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستمدون النصارى فيمكنونهم من حرم المسلمين وأبنائهم، وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعاً، فأخلوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس، لعن الله جميعهم وسلط عليهم سيفاً من سيوفه..".[2]
أرأيت - أخي القارئ - رأي هذا العالم الجهبذ بهؤلاء الحكام، وكأنه يتكلم عن واقعنا حرفاً حرفاً.
بعد هذه المقدمة التي لابد منها، نستعرض نماذج من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ونرى هدي السلف في النصح والشدة فيه:
فمنهم: "هشام بن حكيم بن حزام الأسدي القرشي كان ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -إذا أنكر شيئاً قال: لا يكون هذا ما عشت أنا وهشام بن حكيم، وفي الاستيعاب عن مالك عن ابن شهاب قال: كان هشام بن حكيم في نفر من أهل الشام يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ليس لأحد عليهم إمارة، قال مالك: كانوا يمشون في الأرض بالإصلاح والنصيحة يحتسبون".[3]
ومنهم: "التابعي الجليل عطاء بن أبي رباح، دخل على عبد الملك بن مروان فقال له: يا أبا محمد: حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين. اتق الله في حرم الله، وحرم رسوله، فتعاهده بالعمارة، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار، فإنك بهم جلست هذا المجلس، واتق الله في أهل الثغور، فإنهم حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين، فإنك وحدك المسؤول عنهم... واتق الله فيمن على بابك، فلا تغفل عنهم، ولا تغلق دونهم بابك، فقال له: أفعل، ثم نهض وقام".[4].
ومنهم: الإمام الأوزاعي رحمه الله، الذي تحدث عن لقائه بعبد الله بن علي العباسي عندما قدم الشام وقد قتل من بني أمية العدد الكثير، يقول: بعث إليّ، فلما قمت مقاماً يسمعني، وسلمت قال:
أنت عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي؟ قلت: نعم أصلح الله الأمير. قال: ما تقول في دماء بني أمية؟ - فسأل مسألة رجل يريد أن يقتل رجلاً - فقلت: قد كان بينك وبينهم عهود، فقال: ويحك اجعلني وإياهم لا عهد بيننا، فأجهشت نفسي وكرهت القتل فذكرت مُقامي بين يدي الله - عز وجل - فلفظتها، فقلت: دماؤهم عليك حرام، فغضب وانتفخت عيناه وأوداجه، فقال لي: ويحك ولم؟ قلت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: ثيب زان، ونفس بنفس، وتارك لدينه" قال: ويحك، أوليس الأمر لنا ديانة؟ قلت: وكيف ذاك؟ قال: أليس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى إلى علي، قلت: لو أوصى إليه ما حَكَّم الحكمين، فسكت، وقد اجتمع غضباً، فجعلت أتوقع رأسي تقع بين يدي، فقال بيده هكذا، أومأ أن أخرجوه فخرجت..".
ويعلق الذهبي على قصة الأوزاعي مع عبد الله بن علي فيقول: قد كان عبد الله بن علي ملكاً جباراً، سفاكاً للدماء، صعب المراس، ومع هذا فالإمام الأوزاعي يصدعه بمرِّ الحق كما ترى لا كخلق من علماء السوء الذين يُحسِّنون للأمراء ما يقتحمون به من الظُلم والعَسْف، ويقلبون لهم الباطل حقاً قاتلهم الله، أو يسكتون مع القدرة على بيان الحق".[5].
"ومنهم الإمام محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب القرشي العامري كان خشن العيش قواماً بالحق، لما حج أبو جعفر المنصور دعاه وقال له: نشدتك بالله، ألست أعمل بالحق؟ أليس تراني أعدل؟ فقال ابن أبي ذئب: أما إذا نشدتني بالله فأقول: اللهم لا، ما أراك تعدل، وإنك لجائر، وإنك لتستعمل الظلمة وتدع أهل الخير، فجزع أبو جعفر وقال له: قم فاخرج [6] وفي رواية أنه قال له: ما تقول فيَّ؟ وأعاد عليه، فقال: ورب هذه البنية [7] إنك لجائر. ولما حج المهدي (ابن المنصور) ودخل مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يبق أحداً إلا قام له إلا ابن أبي ذئب، فقيل له: قم، قال: إنما يقوم الناس لرب العالمين، فقال المهدي: دعوه فقد قامت كل شعرة في رأسي".[8].
___________________
[1] - رسائل ابن حزم 3/174 تحقيق د. إحسان عباس، نشر المؤسسة العربية للدراسات ط 1987 م.
[2] - المصدر السابق 3/173- 176.
[3] - جمهرة نسب قريش/377.
[4] - الذهبي/ سيرة أعلام النبلاء 5/84.
[5] - سير أعلام النبلاء 7/125.
[6] - ابن الجوزي: صفوة الصفوة 2/98.
[7] - الكعبة، لأن الحديث كان في الحرم.
[8] - الذهبي: تذكرة الحفاظ 1/191.
http://www.alsunnah.org المصدر:
============
أين بواكي حمزة ؟
د. يوسف بن صالح الصغير(18/16)
لا أدري لماذا خطر لي الشيخ عبد الله عزام فور سماعي بنبأ اغتيال الرئيس الشيشاني السابق سليم خان ياندرباييف! ولكن ربما للتشابه الكبير بين الحادثين، فالشيخ عبد الله عزام اغتالته المخابرات السوفييتية بتفجير لغم زُرع في الشارع الذي مر به في طريقه لصلاة الجمعة، أما سليم خان فقد اغتالته المخابرات الروسية بتفجير سيارته بعد خروجه من صلاة الجمعة. وليس هذا فقط؛ بل إن كل واحد منهما كان يُمثّل قناة دعم رئيسة للجهاد ورابطاً مهماً مع العالم الإسلامي. واغتيال الاثنين يدل على عظم دورهما، ومحاولة يائسة من الروس لإبعاد شبح الإخفاق عن مغامرة الغزو الروسي للشيشان.
لقد هالتني محاولة الإعلام التغطية على الجريمة البشعة، فقد أُبرز خبر وساطة قطر بين المغرب والبوليساريو في عملية تبادل للأسرى، ولم يعد الحادث للواجهة إلا بعد اعتقال قطر لعميلين روسيين وُجّه إليهما الاتهام بتدبير العملية، وقد ردت المخابرات الروسية باعتقال قطريين بتهمة العلاقة مع جماعات مسلحة، ولا ندري هل يُقفل الملف بمقايضة المحتجزين، وتُنسى الجريمة الصغرى بقتل سليم خان كما نُسيت وأُغفلت الجريمة الكبرى التي يتعرض لها الشعب الشيشاني المسلم الأبي بأكمله؟! وإذا كان بعض دعاة حقوق الإنسان الروس قد خرجوا قبل عدة أسابيع في موسكو يحملون لوحات كُتب عليها: «أيها الشيشان سامحونا! » فما بالنا لم نُقدّم للشعب الشيشاني اعتذارنا؟ بل لماذا لم نُقدّم للشعب الشيشاني عزاءنا بفقيدهم الذي إذا كان ليس له بواكي في بلادنا التي ثوى فيها؛ فإن له في حمزة الشهيد عبرة وسلفاً؟
تمثل حياة الفقيد مثالاً حياً لما مرَّ به الشعب الشيشاني العظيم، فقد تم نفي الشيشان من بلادهم بُعَيْد الحرب العالمية الثانية بأمر من الطاغية ستالين، ووزعوا في أصقاع الاتحاد السوفييتي، وقد وُلد الفقيد في المنفى البعيد في كازاخستان عام 1952م، وعادت العائلة عام 1958م إلى موطنها الأصلي بعد إعادة الاعتبار للشيشان. حصل ياندرباييف على الشهادة الجامعية في غروزني في الأدب، ثم أكمل دراسته في موسكو. كان سليم خان كاتباً وشاعراً ومفكراً وسياسياً، وقد انضم إلى اتحاد الأدباء السوفييت. وله عدة مؤلفات تبلغ 15 كتاباً، وقد تُرجم بعضها إلى اللغتين الإنجليزية والتركية.
انتُخب في عام 1991م عضواً في البرلمان الشيشاني، وفي 1993م عُيّن نائباً للرئيس الشيشاني (جوهر دوداييف)، وبعد مقتل الرئيس عام 1996م عُيّن سليم خان رئيساً للشيشان، وأكمل مهمة تحريرها وطرد الروس، وبعد طرد الروس أرسى دعائم تطبيق الشريعة الإسلامية في الشيشان. وأشرف على إجراء انتخابات رئاسية لم يكن ضمن المتنافسين فيها، حيث فاز الرئيس الحالي (أصلان مسخادوف) بالرئاسة عام 1997م، استقال سليم خان من رئاسة الحكومة، واستمر نشاطه السياسي، وأصبح رئيساً لمنظمة تُعنى بتوحيد الشعوب الإسلامية في منطقة القوقاز، كان مقرها في جروزني، وبعد الهجوم الروسي على الشيشان خرج ياندرباييف ممثلاً خاصاً للرئيس وللحكومة الشيشانية الشرعية في البلدان الإسلامية، حيث شارك في بعض المؤتمرات الإسلامية، واستقر في قطر يمارس من النشاطات ما يستطيع وتسمح به شروط الاستضافة القاسية.
إن مجرد وجود هذا الزعيم الصلب الذي كان من المعارضين لأي مفاوضات مع الاحتلال الروسي؛ يمثل علامة على أن قضية الشيشان حية، وستبقى حية بإذن الله وإن مرت بأطوار من الابتلاء يعجز عن وصفها اللسان، وقد أبانها لنا الرحمن، حيث قال - تعالى - : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].
http: //www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
طاقة التحمل !
د. عبد الكريم بكار
كلما تأمل المرء في أسرار التشريع وفي طبائع الأشياء ظهر له جليًّا أن بارئ الخليقة ومرسل الرسل ومنزّل الكتب واحد جل شأنه-؛ وأظن أننا كلما امتلكنا رؤية أعمق وأشمل لتاريخنا وواقعنا ظهرت حاجتنا إلى أن نعمل في ظلال هدي الشريعة الغراء وفي إطار (طاقة التحمل) على كل الصعد التي تعرفنا على سنن الله في الخلق في مسائلها وقضاياها، وذلك حتى لا نهدم ونحن نريد البناء، ولا نُفسد ونحن نريد الإصلاح...(18/17)
في الإمكان أن نقول: إن كل شيء تحمَّله فوق طاقته فإن تخسره، أو تكاد. وخسارتنا لما نحمَّله فوق طاقته أشكال وألوان.. فقد تتجلى الخسارة في فقده وانعدامه، كما لو ضغطنا على كأس زجاج رقيق أكثر من طاقته على الاحتمال. وقد تتجلى الخسارة في فقده لوظيفته مع بقاء مادته، كما لو حمّل مهندس بناء حديد التسليح في عمارة ينشئها أوزاناً فوق الأوزان التي يتحملها عادة؛ مما يؤدي إلى انهيار البناء بسبب اعوجاج الحديد. وتتمثل الخسارة في بعض الأحيان لهذا الذي نحمَّله فوق طاقته في فقد فاعليته، أي أنه يؤدي عمله لكن على غير الوجه المطلوب، كما أن النتائج تكون أقل من المتوقع. إنك لا تستطيع أن تحمَّل مركبة ضعف حمولتها العادية، ثم تسرع بها كما يسرع الذي يقود مركبة تحمل حمولة عادية. وقد تتجسَّد الخسارة في عدم القدرة على الاستمرار في السعي إلى آخر الطريق كالمسافر الذي يتناول ما لديه من طعام وشراب على نحو مسرف، فإنه سيجد نفسه في مرحلة من المراحل عاجزاً عن متابعة المسير بسبب تحميله لزاده ما لا يحتمل من الاستهلاك، وكالذي يحمَّل بدنه ما لا يحتمل بإطلاق العنان لشهواته، فيجد نفسه هرماً قبل الأوان. وهناك أنواع أخرى للخسارة...
إن لدينا الكثير من النصوص التي تؤكد مراعاة الشريعة لهذا المبدأ العظيم، منها قوله - سبحانه -: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)[سورة البقرة: 286]، وقوله: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)[سورة الحج: 78]، وقوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)[سورة البقرة: 185]، وقوله: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)[سورة النساء: 148]، وقوله: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة)[سور النساء: 129]. وقال - عليه الصلاة والسلام -: "لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع الوضوء، ولأخرت العشاء إلى نصف الليل"، وقال لعائشة- رضي الله عنها- " لولا حداثة قومك بكفر لنقضت البيت، فبنيتُه على أساس إبراهيم، وجعلتُ له خلفاً فإن قريشاً لما بنت البيت استقصرت".
إنه لا يريد أن يحمّل إيمان قريش الغضّ أكثر مما يحتمل، ولذلك امتنع عن ذلك العمل الذي قد يهيجهم، ويدفعهم إلى الاستنكار.
إن الشريعة راعت حال المكلفين وقدرتهم على النهوض بحقوق الالتزام، ولهذا فليس في ديننا -بحمد الله- ما يشقّ اعتقاده أو يشقّ عمله. وحين يعيش المسلم في ظروف خاصة أو طارئة فإن الشريعة تلمح ذلك، وتجنح به إلى الرخصة والتيسير، وصار من القواعد الفقهية المشهورة أن الأمر كلما ضاق اتسع. وفلسفة الرخصة في الإسلام تقوم على أن التخفيف في التكليف يساعد المسلم على أن يبقى في إطار الاستجابة لأمر الله، وفي إطار الشعور بالقيام بحقوق العبودية عوضاً عن الشعور بالضيق والمشقة والحرج والسعي إلى التماس الأعذار للتقصير والإعراض عن أمر الله بالكلية. ومن هنا كانت رخصة قصر الصلاة وجمعها للمسافر، وجواز التيمم في ظروف معينة، وجواز الإفطار في رمضان للمريض والمسافر، ورفع القلم عن النائم والمجنون والطفل، والإعذار بالجهل في الكثير من المواطن، وعدم المؤاخذة بما لا يستطيعه المسلم من العدل بين نسائه في المحبة والأنس والاستمتاع.
ولدينا العديد من النصوص التي توجه المسلم إلى ألاّ يحمَّل نفسه مالا يطيق حتى لا يقع في شكل من أشكال الخسارة التي أشرنا إليها. وهي نصوص كثيرة في الحقيقة، منها ما رواه الشيخان من قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم؛ فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري يذهب يستغفر؛ فيسب نفسه". إن الخسارة هنا واضحة فحمل النفس على العبادة مع شدة النعاس، قد يؤدي إلى عكس المقصود، فيدعو المرء على نفسه عوضاً من الاستغفار. وقال - عليه الصلاة والسلام -: " لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه. قالوا: وكيف يذل نفسه؟!. قال: يتعرض من البلاء مالا يطيق".
بين الكم والكيف علاقة عكسية، وفي معظم إن لم نقل جميع- الحالات لا يكون الكم إلا على حساب الكيف، كما لا يكون الكيف إلا على حساب الكم.. نعم يمكن نقض هذه العلاقة إذا كانت أعمارنا وطاقاتنا وأموالنا... غير محدودة، وأنى لنا بهذا؟
حين يعرّض المسلم نفسه لابتلاءات قاسية فإنه يضع نفسه على حافة الخطر حيث لا ضمانة لصبره على ما جرّه لنفسه من البلاء، ولا ضمانة لنجاحه في الاختبار الصعب الذي قرر الدخول فيه. وقد رأينا الكثير الكثير من ذوي القلوب الطيبة وقد نكثوا على أعقابهم نتيجة الذل الذي صاروا إليه بسبب تحميلهم لأنفسهم ما لم يحملهم الله - تعالى - إياه، وكانت النتيجة أنهم انتهوا إلى لا شيء: لا كم ولا كيف!.
إن المثابرة إحدى الفضائل الإسلامية، وهي لا تكون أبداً إلا إذا جعلنا أنشطتنا في إطار طاقاتنا، وإلا إذا تجنبا إرهاق الأنفس.
تقول عائشة- رضي الله عنها-: " دخل عليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وعندي امرأة. قال: من هذه؟ قلت: فلانة تذكر من صلاتها- أي تتحدث عن كثرة صلاتها- فقال: مه. عليكم بما تطيقون، فوالله لا يملّ الله حتى تملوا وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه".(18/18)
وفي حديث مسلم عنه - صلى الله عليه وسلم -: " هلك المتنطعون" قالها ثلاثاً. والتنطع هو التعمق والتشدد في غير موضع تشديد. الشريعة الغراء تدعو إلى اليسر لأنه من أهم منطلقاتها، ولأن التجربة أثبتت أن الإيغال في أي أمر يكون في الغالب على حساب أمور أخرى؛ ومن النادر أن ترى رجلاً صرف جل اهتمامه وعنايته لأمور معينة دون أن يقع في التفريط في أمور أخرى، لا تقل في أهميتها عما يبالغ في العناية به، فالكيف كما ذكرت لا يكون إلا على حساب الكم.
ومن الله الحول والطول.
18/2/1425
08/04/2004
http: //www.islamtoday.net المصدر:
============
هناك غيري.. والحياء المذموم!!
خالد المحسّن
مجتمع النساء مجتمع عام تكثر فيه اللقاءات والمناسبات.. وتكثر فيه الهفوات والزلات.. ربما تلحظينها حتى من نساء كبيرات ظاهرهن الخير ولكن ينقصهن العلم الشرعي.. ففي حفلات الزواج وفي المدارس وفي الزيارات العائلية بل وحتى في الأسواق..
والمرأة الداعية والمصلحة إما أن تعرض عن حضور هذه المجتمعات لما فيها من منكرات أو أن تحضر دون أن يكون لها دور في تغيير هذه المنكرات وإبداء النصح والتوجيهات..
إن عدم حضورك أختي الداعية يقوي شوكة الشر ويضعف وازع الخير في نفوس الحاضرات، بل إنه ليس من الحكمة أن ننهزم ونختبئ خلف الكواليس وننتظر تغييراً يقع في الأمة.
إن الحياء المذموم والخوف من المواجهة عامل خفي يحول بين الداعية وبين التغيير، وحضورك يحتم عليك أن تفعلي شيئاً وأن تقتحمي تلك المجالس وتلجي تلك المواطن. ولو نظرنا بعين متفحصة ما الذي سيحصل لو تم الإنكار والتغيير بالأسلوب الأمثل وبالحكمة والموعظة الحسنة لوجدنا الاحترام والتقدير من جميع الحاضرات، وهذا من فضل الله ورحمته حتى وإن أظهروا خلاف ذلك، ولنعلم أن ما يصيب المرأة الداعية لو أصابها لا يقارن بما ابتلي به رسولنا - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح حيث لاقوا كثيراً من أصناف التعذيب والأذى وهم صابرون محتسبون ذلك عند ربهم.
إذاً فلنخلع عن أنفسنا كل حياء زائف وتواكل مقيت.
http://www.lahaonline.com المصدر:
============
علماءنا الأجلاء إننا ننتظر ..!!!
علماء الأمة الأجلاء في كل قطر وفي كل مكان يا من تعلمون وتربون الأمة بعلمكم و إرشاداتكم، اسمحوا لنا أن نوجه لكم هذه الكلمة التي نقولها لكم من وسط آلامنا وجراحنا راجين منكم قبولها (وراجين من الغيورين إيصالها لهم):
كنا نتألم كثيراً عندما نسمع ونقرأ عن مخططات أعداء الدين الرهيبة ثم لا نجد تذكيراً من بعض علمائنا الأجلاء يناسب حجم هذه المؤامرات.
وكنا نتألم أكثر عندما نجد مدى غفلة الأمة بشكل عام عن حقيقة دينها وتطبيقها الجاد له في كل شؤون الحياة ثم لا نجد من بعض علمائنا الأجلاء ما يوازي ذلك من تذكير قوي مؤثر فاعل يوقظ الأمة من غفلتها.
وكنا نتألم أكثر وأكثر عندما نرى ما يفعله المفسدون المضيعون على الأمة دينها ووعيها،والمساعدون لها على التفلت عن الالتزام بأوامر الشرع وأحكامه والتربي على ذلك ثم لا نجد من بعض علمائنا تذكيراً واضحا لكل الأمة عن هذه المصائب والطامات التي تساق إليها وتعود عليها.
ولكن الألم الأكبر شعرنا به عندما رأينا مواجع ومذابح الأمة الرهيبة ولم نر من العديد من علمائنا الأجلاء التذكير الشافي الكافي الحار المؤثر الموقظ الذي ُيذكِّر الأمة بكل فئاتها وكل أفرادها بوجوب وأهمية وضرورة وفرضية عودتها إلى تطبيق دينها تطبيقاً كاملا لأنه الطريق الأساس لاستعادة الأمة عزها ومجدها وقوتها ومن ثم مقدرتها على إيقاف المذابح والمآسي المفجعة التي يتعرض لها أبناء الإسلام في كل مكان حتى أصبح الدم المسلم أرخص دم على وجه الأرض قاطبةً.
علماءنا الأجلاء إن أمتنا غفلت كثيراً وأعداءنا والمفسدين اشتد مكرهم وخبثهم ولا يكفي أمتنا كلمات تذكيرية بسيطة تضيع وسط الهول الرهيب من وسائل الإفساد والتضييع الذي تعيشه وتغرق فيه.
إن أمتنا وهي في شدة غفلتها هذه وشدة المؤامرات عليها وعلى أفرادها تحتاج إلى صرخات حارة مدوية علها تستيقظ من نومها العميق الذي يحاول البعض أن يجعله أكثر عمقاً..!!!!!.
علماءنا الأجلاء اسمحوا لنا أن نقول هذه الكلمة ونحن نخاف عليكم كما نخاف على أنفسنا. نقول و الله ثم والله إننا عندما نرى هذه المذابح والمآسي التي تحدث لأمتنا نشعر أن المسؤولية العظمى حالياً تكون أكثر ما تكون على ظهوركم، لأنكم أنتم الذين من موقفكم العظيم شرعاً وعرفاً أنتم من يوجه الأمة وأفرادها أياً ما كانوا.
لقد استشعرنا مسئوليتكم العظيمة الملقاة على عاتقكم في مرة لا ننساها وذلك عندما سقطت مدينة سريبرينيتسا في البوسنة، ورأينا أطفالها ونسائها يبكون وينتحبون فقلنا وقتها أعان الله علماء الأمة، فهم أول من سيسألون عن هذه المآسي؛ فهل هم وعوا الأمة و أيقظوها في غمرة هذه الأحداث المؤلمة بكلمات قوية حارة مؤثرة و صيحات معبرة، تجعلهم يستشعرون المسؤولية في تغيير واقعهم لكي تستيقظ الأمة وتعود إلى الله فيحدث لها بإذن الله النصر الذي طال انتظاره ومن ثم تتوقف هذه المذابح التي أدمت قلوبنا؟.
وهل ساروا بأمتنا بفعالية إلى طريق العودة والنصر؟
وهل بذلوا غاية جهدهم في ذلك؟
علماءنا الأجلاء إن أعداء الدين والمفسدين يفرحون عندما يرونكم تنشغلون بقضايا معينة هي أقل بكثير من القضايا الهامة التي تعيشها الأمة وتكتوي بنارها، بل بعضهم يتعمد اشغال علمائنا بذلك. وكل أمر الدين مهم ولكن في أزمان معينة تكون قضايا معينة أهم من غيرها.(18/19)
علماءنا الأجلاء إن عدم إيضاح غفلة الأمة وبعدها عن حقيقة دينها وواقعها المؤلم بالشكل القوي الذي يهز الأمة وينبهها يكون بنفسه ذا أثر خطير على المسلمين، لأنهم- برؤيتهم ذلك منكم- سيطمئنون إلى واقعهم ويركنون إلى اللهو والدنيا وأنه ليس هناك حاجةً ماسة للتغيير والإصلاح.
علماءنا الأجلاء ننتظر دوركم القوي في تعرية من يفسدون في الأمة ولا يتقون الله فيها حتى وهي في أشد محنها، حتى يتنبه الناس لشرهم ويحذروا منهم.خاصة أن الهدم أسهل من البناء وما يبنيه العلماء والدعاة للناس من خير بجهود كبيرة وعلى مدى أجيال يأتي المفسدون ويهدمونه بجهد يسير،خاصة مع القوة التأثيرية الكبيرة الموجودة لوسائلهم في هذه الأيام.
متى يبلغ البنيان يوما كماله--- إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
فإما مناصحة قوية لهؤلاء، أو فضحهم إن لم يستجيبوا لكي لا يخدعوا الأمة في أعظم شيء ألا وهو دين الأمة وشريعتها،ويكونون بذلك سببا رئيساً في ذلها وهوانها واستمرار استئساد أعداء الدين عليها وذبحهم لأبنائها.
علماءنا الأجلاء ننتظر بتلهف دوركم الكبير الهام جداً في إيقاظ الأمة من سباتها.
ننتظر توجيهكم الذي يوجهها إلى أهمية نظر الأمة في كل شؤون حياتها، وهل حياتها موجهه لما يرضي الله وبما يرضي الله؟، ليس فقط التوجيه الذي يلفت نظر الأمة إلى قضايا محدودة.
ننتظر منكم التذكير القوي المؤثر الذي يذكر الأمة بمسؤولياتها تجاه هذا الواقع المبكي الذي لا يرضي رب العالمين.
ننتظر منكم التوجيه الذي يوجه الأمة إلى الدور الهام والضروري لكل فرد من أفرادها في الإصلاح والتغيير و الدعوة إلى الله.
علماءنا الأجلاء آلامنا عديدة..... جراحنا غائرة....دمنا انهار جارية...... أمتنا لاهية....وانتم من أول المسؤولين.
علماءنا الأجلاء إننا ننتظر إننا ننتظر
http://www.awda-dawa.com المصدر:
==============
حديث المركبة "أهداف وتوجيهات وأفكار"
بدر التميمي
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان الفضل بن عباس رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - من عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجهه من خلفه، وجعل الفتى يلاحظ إليهن، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ابن أخي، إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه، غفر له" [رواه أحمد].
مقدمة:
في زحمة الأحداث المتتابعة والاستهداف الواضح لفئة الشباب من أقوام نذروا أنفسهم لإضلالهم وتنحيتهم عن طريق الهداية وإقحامهم في زوبعة الشهوات وجحيم الشبهات، وقفت محاضن تربوية برجال صادقين، يصدون الكيد ويفندون الأخطاء من خلال برامج تربوية واعية ومتواكبة مع تطلعات الشاب وطموحاته، ابتداءً بترسيخ العقيدة ومروراً بتهيئته لأن يعيش شاباً صالحاً ينفع أمته ومجتمعه فانتهاء بتعليمه مهارات الحياة التي يعيشها، وفي ظل ذلك كله يتذكر قول حبيبه - صلى الله عليه وسلم -: "الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".
وعندما نتأمل وبعمق في المؤثرات الإيجابية التي تلقاها الطالب من بداية توجهه إلى طريق الاستقامة نجد أن المحاضن التربوية كان لها الحظ الأوفر من الإصلاح والتنشئة على الاقتداء بهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتربية على الأخلاق القويمة. ذلك أن هذه المحاضن تتسم بكثرة المجالسة والمخالطة الذي كان له أكبر الأثر في التأثير غير المباشر على شخصية الطالب، مما يدفعه إلى الاقتداء بالمربي في أغلب تصرفاته وأقواله. ومما يؤسف ـ وإن كان قليلاً ـ أن بعض المربين ينسى أنه بتصرفاته الخاطئة سواء في البرامج العامة أو حتى في الأحاديث العفوية أو أثناء مرافقة الطالب له بسيارته، يسئ إلى المنظومة التربوية التي يعيش داخلها مما يشغل المربين الآخرين في تعديل الخطأ أو على الأقل تبرير الموقف!
(لهذا الأمر وغيره يتبين لنا أهمية أن تكون برامجنا واضحة ومدروسة، لئلا يتضح لنا بعد فترة عوار ما نقوم به من زلات وهفوات يكون ضحيتها طالب تلقف كل ما جاءه على أنه الصواب الذي لا شك فيه).
وما سنراه في هذه الوريقات البسيطة إنما هو نتاج خبرة إخوان لكم أحبوا أن يضيفوا على الحقل التربوي الأخضر وردة بيضاء تعطر المكان وتبعث الأمل من أجل أن يتخرج جيل يعرف واجباته وينفع أمته.
ومحتوى هذه الوريقات يمثل "مقترحات عملية لبرنامج مرور المربين لطلابهم مدعوماً بضوابط وإرشادات وملاحظات" كبداية لنشجع أنفسنا على العمل المنظم المدروس الذي يعود على المحاضن بالنفع والفائدة.
ومما ينبغي لنا دائماً في أعمالنا أن يكون لنا سند من سنة فعلها حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - أو خبرة نفذت في مكان ما لا تعارض منهجاً شرعياً ثابتاً، لتنال الأجر والمثوبة وتحظى بالقبول والتطبيق بين أوساط المربين المخلصين.
ماذا نقصد ب"حديث المركبة"؟
هو البرنامج الذي يدار بين المربي والطلاب أثناء مرور المربي لهم بسيارته من منازلهم إلى المحضن وبالعكس.
ويختلف وقت المرور من محضن لآخر. فالمكتبات يكون فيها المرور شبه يومي وذلك لكثرة البرامج المطروحة يومياً. أما الحلقات فيتركز المرور في الرحلات والبرامج البعيدة عن المسجد لأن أغلب الطلاب قريبون من المسجد، وقد يناسب هذا البرنامج كثيراً من الأسر في سفرهم أو زياراتهم.
من القائد؟
يجب أن تتوافر في الشخص الذي يتعهد مجموعة من الطلاب عدة صفات:
1. أن يكون أميناً حريصاً مواظباً على الحضور.
2. أن يأمنه مشرف المحضن من النواحي الشرعية والأخلاقية والأمنية.(18/20)
3. أن يكون لديه خلفية ولو بسيطة عن فن التعامل مع الآخرين سواء الطلاب أو أولياء أمورهم.
4. أن يكبر الطلاب الذين معه سناً وعلماً وفهماً.
5. أن يكون قادرا على قيادة السيارة بشكل جيد، متبعاً للأنظمة.
أهداف المرور:
1. اختصار الوقت وضبط الحضور في وقت محدد للجميع.
2. طرح الموضوعات الخاصة والتي لا يناسب طرحها أمام المجموعة كاملة.
3. التأكيد على ما يطرح في الحلقة وتحقيق مبدأ الفروق الفردية.
4. التعرف على بيئة الطالب وتوطيد العلاقة مع ولي أمره.
5. تقوية الروابط الأخوية بين الطلاب أنفسهم.
6. متابعة المربي لنشاط الطالب في المحضن والمدرسة والمنزل.
توجيهات تربوية لقائد المركبة:
قضايا مهمة:
1. كن (وقفاً) لله، فعندما يكون من مهامك الإشراف على الطلاب ومرورهم. لماذا لا تستحضر النية الصادقة وتخلص هذا العمل لله؟ وتحتسب النفقة في السيارة، لتنال الأجر والمثوبة.
2. عندما تكون في محضن تربوي فلا يبتعد عن هاجسك بأن ما تعيشه مع الطلاب أثناء قيادتك للسيارة إنما هو جزء من النسيج التربوي الذي يتلقونه من المحضن كله، وهذا يعني أن المكوث في المركبة ليس للقيادة فقط وإنما هو إكمال لمشروع التربية والتزكية. وليكن شعارك على الدوام "أنا مربٍ، ولست بسائق".
3. لعل من مستلزمات العمل المنظم أن يكون هناك نوع من التريث والتنظيم مع مشرف المحضن في إيصال الطلاب إلى بيوتهم أو إلى أي برنامج آخر.
4. مما يجدر التنبيه عليه أن يهتم المربي بسيارته فيكون سمتها مطابقا لسمته الذي من المفترض أن يكون عليه، فالاعتدال في نظافتها وبمظهرها مطلوب.
5. أيها الكريم أنت لا تمثل نفسك فحسب وإنما تمثل شريحة المستقيمين كلهم أمام المجتمع، فاحرص على الظهور دائما بأبهى حلة من الأخلاق في تعاملك مع الآخرين. ولا نجد داعيا ل(السرعة الجنونية، قطع الإشارة، التشاجر و.....)
6. قد تواجه الطالب صعوبات من جهة ولي أمر الطالب من ناحية رفضه لذهاب ابنه لبرنامج أو رحلة، ومن هنا تكمن أهمية تقوية الأواصر والعلاقة مع أولياء الأمور والدخول معهم ومصارحتهم في أمر ابنهم حتى يثقوا بك ويكونوا عوناً لك. وحين تجد الأبواب مغلقة فلا تتردد في إخبار مشرف المحضن ليتخذ اللازم ويبصرك في الأمر.
7. قد يُظهر أحدهم اهتماماً بشريط قرآن أو محاضرة لديك أو حتى أحد الكتب الخاصة بك، فمن المناسب عند ذلك إهداء نسخة له. ولا شك أن ذلك يدل على اهتمامك به وتحسسك لمشاعره.
ليكن في الحسبان:
1. مشاورة طلابك.
2. اعترف بخطئك إذا أخطأت.
3. مراعاة النفسيات (برنامج السيارة لا بد أن يكون أكثر مرونة من غيره).
4. الاتصاف (بحسن التعامل).
5. اكسب من حولك ولكن "برضا الله - سبحانه وتعالى-".
6. كن على مشورة بأخيك الأكبر منك سناً وخبرة عن أوضاع من معك إما بطرح مشاكل أو غير ذلك.
7. لا تتساهل بصغائر الأخطاء فمنها معظم العطب، ولكن عالجها بالحكمة والرفق.
8. التأني في التربية وعدم العجلة رأس مال الرابحين.
9. التعلق بالحق لا بالأفراد.
10. لا تستنسخ من طلابك نسخاً منك، فكل ميسر لما خلق له.
11. الهدية لها أثر كبير وملموس، فمن المناسب أن يكون لك بين وقت وآخر هدايا تهديها لإخوانك مهما صغرت ، ولتحرص أن تكون خاصة ومميزة عن غيرها.
12. احذر النقد اللاذع خصوصاً لمن هم في المرحلة الثانوية.
13. اجتنب المنة. قال - تعالى -: {ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}.
أخطاء يقع فيها بعض قادة المركبات:
1. توجيه الأسئلة الدقيقة والتي تمس خصوصيات الطالب.
2. طلب الخدمة من الأهل في أمور شخصية.
3. عدم الاهتمام بالمواقف الطارئة والتعليق عليها.
4. عدم الإنكار لبعض المنكرات التي يسوغ لك إنكارها (الصلاة لأصحاب المحلات).
5. الذهاب لأي مكان دون ضابط. أو لأماكن يرتادها شرائح مختلفة. وعدم الذهاب لها فيه "تربية على التميز".
6. كثرة مرور الشاب خارج وقت البرامج.
7. عدم العدل في الاهتمام بالطلاب داخل السيارة.
8. إغفال الواقع الذي نعيشه (مآسي المسلمين وأخبارهم).
9. عدم إعطاء فرصة للطلاب للتحدث.
10. الروتين في البرنامج والاستمرار في نفس الطرح.
11. التشجيع المفرط للطلاب (الاتزان مطلوب).
12. الاهتمام في "الإخراج الفني" للوسائل الدعوية دون المضمون (الأناشيد، الكتب، اللوحات...)
مقترحات عملية لتفعيل "حديث المركبة":
يشتكي بعض المربين من عدم وجود أفكار بإمكانها أن تنعش هذا البرنامج فيصبح برنامجاً رتيباً ومملاً فيصاب الجميع بالجمود.
ولكن المربي الناجح هو الذي لا تحده الحدود ولا تقف أمامه السدود في الابتكار والاستفادة من أي وسيلة بإمكانها أن تفيد طلابه وتنعش سيارته.
ومن الأفكار والمقترحات:
1. الاستفادة من الشريط والكتيب الإسلاميين وذلك إما بالسماع والقراءة أو ترتيب برنامج بين المجموعة (مجموعة السيارة) ليطرح هذا البرنامج بشكل جميل ومفيد.
2. الزيارات فيها مجال واسع للاستفادة وتعليق الطلاب بالقراءة والاطلاع الدائم، فحبذا لو كان هناك زيارة بين الفينة والأخرى لأحد التسجيلات التي تخدمك من ناحية سعة المكان وجودة الإصدارات (أحد، التقوى) أو المكتبات الكبيرة (الرشد، العبيكان، دار الندوة، التدمرية...)
3. تفعيل الاستضافات الخاصة كزيارة شيخ فاضل أو طالب علم أو حضور درس لأحد المشائخ أو محاضرة مناسبة لهم، أو حتى زيارة مكتب الدعوة والتعاون معه وغيرها كثير.
4. انتقاء كتاب ويتم تجزئته بحيث يقرأ على مدار فصل دراسي أو على مدى مجموعة مذاكرة أو عطلة صيفية. وتبتكر طريقة لعرض الكتاب تكون مناسبة للجميع.(18/21)
5. التعاون على القيام ببعض العبادات كالصلاة (الفجر. صلاة الجمعة) والصوم المستحب والتفطير في رمضان والاعتكاف وتتبع المحتاجين والفقراء.
6. إخراج فكرة دعوية عن طريق السيارة وتوزع على جميع طلاب المكتبة والحلقة. كمطوية أو مجلة صوتية أو درس قيم أو تلخيص شريط وغيرها الكثير.
7. ابتكار برنامج (منوع) وخفيف في السيارة ويكون له جدول واضح، وهذا من شأنه أن يشعل الهمم ويعين على المواظبة في الحضور.
وعندما تطلق العنان لخيال طلابك الأحبة سيأتوا بما لا يخطر على البال، ولا تنس أهمية إشراكهم في تنفيذ وإعداد البرنامج حتى يكون دافعاً لهم للمشاركة الفاعلة وتقديمه بشكل جيد. وفيه أيضاً تعويد لهم على وضع الخطط والبرامج الذاتية لأنفسهم. (مع الأخذ بالاعتبار أن حديث المركبة يجب أن يكون أكثر مرونة وأريحية وعفوية من أي برنامج آخر، ولكن هذا المقترح هو من باب التغيير وكسر الروتين).
8. من الجميل أن تضع في الجيوب الخلفية للمرتبة بعض الكتب أو المجلات المناسبة. فقد تضطر يوما للإنشغال عن طلابك بمكالمة طويلة أو قضاء أمر في مكتبة أو محل فيكون هناك فرصة لأن يطلعوا عليها.
9. إليك أيها الأخ الفاضل باقة من الأفكار التي يمكن الاستفادة منها داخل المركبة:
• برنامج التحدث باللغة العربية.
• برنامج "نريد حلاً".
• مناقشة قضية (داخل أو خارج الحلقة).
• مشاغبات ذهنية (ألغاز عقلية).
• الزيارات الهادفة (مغسلة الموتى - المقابر المستشفيات...)
• الصيام والعبادات عموماً.
• برنامج فنون التعامل (الوالدان الأطفال الزملاء المعلمين....)
• استضافة في السيارة.
• شعارات أسبوعية داخل السيارة.
• يوم مفتوح.
• ضيافة منزلية.
• إهداءات.
• قصص وخواطر.
• سماع إذاعة القرآن الكريم.
• اعرف فائدة ما تأكل "خضار أو فواكه مع التطبيق العملي".
• تطبيق سنة مهجورة.
• تراجم أعلام "سير أعلام النبلاء".
• صحفي السيارة "حسن قطامش".
• سلسة الطريق إلى الصواب (كيف تخسر صديقاً؟).
• الدورات السماعية "أشرطة مهارية يتم سماعها في السيارة".
• فائدة مدرسية "من المدرسة".
• بطاقات الطوارئ "كل شخص يجعل معه بطاقة فيها فوائد يتم استخدامها عند حدوث أي خلل في البرنامج".
• مواقف وعبر "آية وتعليق... ".
• شفاء العي السؤال "فتاوى".
• فوائد تخصصية "كل مشرف يحضر فائدة من تخصصه الذي يدرس فيه".
• تأملات في المحيط الخارجي "تفكر في بعض آيات الله - تعالى -".
• هكذا علمتني الحياة.
• برنامج حول "الرجولة أو المروءة".
• تطبيق حديث أبي بكر رضي الله عنه. (صوم ـ صلاة جنازة ـ صدقة ـ عيادة مريض)
• جديد الساحة "كتب أشرطة أخبار... "
• مراجعة درس علمي سابق.
• رسائل من محب "رسائل تصدرها السيارة إلى المقصرين وغيرهم"
• برنامج "كيف التزمت؟ ".
• قرأت لكم سمعت لكم.
• مسرحية كلامية هادفة.
• "أجمل برنامج" كل طالب يطرح برنامجه ويتم اختيار الأفضل.
وفي آخر المطاف نسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يبارك في هذا الجهد البسيط، وتذكر أخي الكريم أنك متى ما صدقت مع الله في تربية هؤلاء الطلاب الذين بين يديك، فإن الله - سبحانه - سوف ييسر على يديك ما تقر به عينك من الخير لهم.
وما كان من صواب فمن الله وحده، وماكان من خطأ فمن أنفسنا والشيطان..
والله أعلم وصلى الله على المربي الأول نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
10/2/1425هـ
http: //www.almoslim.net المصدر:
==============
هوامش على رسالة البيان
حسن عبد الحميد
وجَهت مجلة (البيان) عبر افتتاحية العدد (197) الصادر في محرم من العام 1425هجرية رسالة مفتوحة للدعاة في السودان، استعرضت أهم مشاكل العمل الدعوي في السودان ونبَهت إلى أمراضه وآفاته وذكَرت بحجم التحديات التي تواجه الدعاة ووضعتهم أمام مسئولياتهم وحمَلتهم أمانة استنقاذ السودان من الكيد الذي يراد به ويستهدف عقيدته ووجوده. كُتبت الرسالة بروح مشفقة على مسيرة العمل الإسلامي ومصيره وبعقلية متابعة لما يدور على الساحة السودانية؛ لذلك جاءت مفيدة في بابها جيدة في مضمونها بعيدة عما كنا نسمعه ــ أو نقرؤه ــ من مواعظ تجريدية يمكن أن تقال في كل زمان ومكان دون أن تنطلق من معرفة بالواقع ومعالجة لأزماته.
ولعل هذه الرسالة تسهم بدور فعال في إثراء النقاش حول مستقبل العمل الدعوي والإسلامي في السودان، وتؤسس ـ مع غيرها ـ لبناء صرح طالما ظل يراود الغيورين والمخلصين من الدعاة ويسعى له العاملون المجاهدون وهو صرح الوحدة الإسلامية. وإن كان ثمة حواشٍ على متن الرسالة فإنا نذكِر بالآتي:
الجسم المركزي:(18/22)
يبذل الدعاة في السودان جهوداً ضخمة وينتشرون في بقاع كثيرة، وهم في مجموعهم أعداد لا يستهان بها من المشايخ والجماهير، لكن مما يقلل من الأثر ويُضعف النتائج عدم وجود جهة مركزية أو هيئة عليا تنسق الجهود وتوجِه المسار للاستفادة من كل طاقات العمل الإسلامي وتوقف جماهير الأمة على القضايا الكبرى حتى لا تنشغل بسفاسف الأمور أو تضيع وقتها وجهدها في توافه القضايا. وإنه لمما يؤسف له أن يتم التنسيق والتعاون بين مختلف التيارات العلمانية واليسارية على كافة الأصعدة ولا نجد مثل هذه الروح بين التيارات الإسلامية. وأعلم أن الوصول إلى صيغة الجسم المركزي تبدو صعبة والطريق إليها شاق؛ لكن الخطوة الأولى في ذلك استشعار أهمية مثل هذه الصيغة وضرورتها ونبذ روح التعصب والحزبية والبدء بمشاريع صغيرة مثل البيانات المشتركة في المناسبات؛ حتى تشيع روح الوحدة وتتوثق أواصر الأخوة والتعاون. ولعل مواجهة تحديات السلام القادم ومعالجة استشراء النعرات العنصرية ومغالبة أخطار التنصير وفضح النشاط العلماني؛ تصلح بنوداً في أولويات العمل الإسلامي المشترك.
استصحاب الواقع السوداني:
بعض الدعاة ـ وخاصة من الشباب ـ يتعجل النتائج ويريد تغيير الواقع السوداني بصورة سريعة تعتسف المراحل وتختصر الزمن دون تدرُج، والحقيقة التي يغفل عنها البعض أن الإسلام في السودان لم يدخل عن طريق الفتح وإنما بمعاهدة صلح أتاحت حرية الدعوة واستطاعت أن تنشر الإسلام وسط الأهالي حتى قامت أول دولة أسلامية بالسودان بعد حوالي ثمانية قرون ونصف من توقيعها وهي السلطنة الزرقاء أو مملكة سنار كما قامت ممالك إسلامية أخرى مثل الفور وتقلي والمسبَعات، والشاهد في المسألة أن التدرُج عامل هام وحاسم في التغيير وأن تغيير ما اعتاد عليه الناس في كثير من نواحي حياتهم وما ألفوه من المخالفات يحتاج إلى زمن طويل وصبر جميل من قِبل الدعاة. وحركة الوعي التي تنتظم الشباب تطمئن بأن المستقبل سيكون أفضل إن شاء الله.
فقه المرحلة:
اعتقد أن قاعدة (فلنتعاون في ما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضاً في ما اختلفنا فيه) تصلح مبدأً عاماً يعمل وفقه كل الدعاة إلى الله، دون أن يعني ذلك تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو تجميد المناصحة وبيان الحق، ولكن يحقق هذا المبدأ فائدة الاجتماع على ما يصير به المسلم مسلماً وكف الأذى عن بقية المسلمين عند الاختلاف في فرعيات الأمور أو أولويات العمل والحركة، وبذا ننزع الكثير من فتايل الأزمات ونحبط العديد من مؤامرات الأعداء.
الصبر والمثابرة:
الكثير من المشاريع الدعوية الناجحة والأعمال الإسلامية الضخمة؛ قد تواجه بمعارضة في البداية من داخل الصف الإسلامي نفسه قبل أن يعرقلها الأعداء، وكثير من المسلمين يعيشون في غفلة ويستخدمهم العلمانيون وأشباههم في الكيد ضد الدين، لذلك فإن جهود الدعوة إلى الله - تعالى - واستنقاذ المسلمين مما هم فيه ومواجهة مكر الأعداء؛ تقتضي مثابرة دؤوبة وصبراً جميلاً حتى تؤتي جهود الإصلاح أكلها ويعود الناس إلى دينهم عوداً حميداً.
ومما يثلج الصدر ويقر العين أن قطاعات كبيرة من الهيئات الإسلامية المختلفة ـ خاصة من الشباب ـ أصبحت اليوم أكثر وعياً وبدأت تخطو بجدية نحو وحدة العمل الإسلامي وتجميع الصفوف وتنسيق الجهود لمواجهة التحديات الكبيرة، مثلما حدث من توحد للجماعات الإسلامية بجامعة الخرطوم في الأسبوع الماضي 20/3/2004 على ميثاق مبارك للتحالف الإسلامي... والبقية تأتي إن شاء الله.
http://new.meshkat.net المصدر:
============
لماذا للشباب فقط؟!
الطاهر أحمد الطاهر
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
لم يعد الكلام عن أهميَّة الشباب في بناء الأمم أمراً يحتاج إلى تأكيد ، وإنما الشأن كل الشأن في تقديم الأطروحات العمليَّة التي تعين أصحاب تلك الطاقات المتدفقة، وتمكِّنُهم من استغلالها لتهيئة أنفسهم للقيام بدورهم في صلاح أنفسهم ثم إصلاح ورفعة أمتهم؛ ولهذا لم يكن من الجور تخصيص هذا العمود لهذه الشريحة المهمة من أمتنا ومجتمعنا، ولا شك أن هذا التخصيص قد يستثير بعض من ليسوا من هذه الشريحة فيصدر منهم باستنكار السؤال الذي عنون به المقال، ولعل فيما سبق من التقديم إغناء عن الجواب.
والمتأمل في ما كان مخصصاً للشباب في كثير من وسائل الآلة الإعلاميَّة يلحظ فيها أنها أضحت عَلَماً على الفساد الخلقي والتهييج العاطفي بمقدماته ونهاياته، وما يلحق به من قضايا العلاقات الآسنة بين الجنسين، وفي أخف الأحوال يكون التخصيص بالشباب موجهاً للرياضة الملهية التي لا تقصد إلا لذاتها لا لأي غاية سامية أخرى.
كما أن المتأمل في الخطاب الدعوي المقدَّم لهذه الفئة يلحظ فيه نقصاً بالمقارنة مع حساسيَّة مرحلتهم، وعظمة ما يُرتجى منهم من دور في قيادة الأمة بالعلم الشرعي والمادي المقارن لصدق الاعتقاد، وحسن العمل.
لهذا ولذاك كان هذا التخصيص ( للشباب فقط ) لاسيما وأن التخصيص متَّسِق مع نفسيات الشباب الميَّالة بطبعها للخصوصيَّة، الكارهة لتدخُّلات الكبار، أو تطاولات الصغار، وما دام القصد الإصلاح فليكن وفق ما تميل إليه طبيعة المخَاطَب.(18/23)
وليس المراد بالحديث إلى الشباب في هذه الزاوية ذلك المعنى الواسع الذي يندرج فيه حتى من هم في سن الأربعين كما هو عند الفقهاء كما نص على ذلك في مختصر خليل وغيره، على اختلاف بين أهل اللغة والفقه في الفترة العمريَّة التي تشملها هذه المرحلة، وإنما المعنيُّ بالخطاب هنا ما عليه العرف السائد من أولئك الذين هم في مقتبل هذه المرحلة المهمة، الذين يظهر فيهم أصل هذه الكلمة الذي هو النشاط والقوة كما نص عليه علماء اللغة كالأزهري، والذين يتمثَّل فيهم الامتزاج بين جمال هذه الفترة ولذة الاستقامة فيها، وبين اضطراباتها المتنوعة وما يقع فيها من تنازعات، ويمثلهم في السلم التعليمي طلاب المرحلتين الثانويَّة والجامعيَّة، وحديثو التخرج ممن لا يزالون يعيشون روح هذه المرحلة.
والخطاب في هذه الزاوية شامل للجنسين في عامة ما يُطرح من مواضيع، وإن كان قد يُلمح في بعضها نوع خصوصيَّة بالبنين.
ومن مقاصد هذه الزاوية - التي أسأل الله تعالى العون على تحقيقها أو مقاربتها - عرض وتصحيح جملة من المفاهيم التي تتعلق بهذه المرحلة الممتعة الحرجة، توجيهاً وتسديداً لمن منَّ الله عليهم بنعمة الأنس به، وتسهيلاً للانتظام في سلك الاستقامة من قبل طائفة الشباب المحبين للخير، يقدِّمون إليه رجلاً ويؤخِّرون أخرى، وتحريكاً لمعدن الخير في البقيَّة ممن لم يصبح سلوك سبيل الهداية فكرة أو خطرة لهم، لاسيما ونحن نعاني في هذا العصر من ضروب من الإفساد المتعمد لاسيما للمفاهيم والتصورات التي يقوم عليها بنيان الاستمتاع الحق بهذه النعمة العمريَّة التي لا تعود إن هي ولَّت.
بعد هذه التفصيل والبيان فليكن خطابنا من المقال القادم معك - أنت أخي الشاب الحبيب -، وليكن الكلام موجهاً فيه للشباب فقط.
المصدر : http://www.islamselect.com
============
دورة في فن الإلقاء الدعوي
المقدمة:
هذه الدورة ستكون عبارة عن دروس في فن الإلقاء استفدتها من مراجع كثيرة ومن خلال خبرة وممارسة لبعض الوقت وأرجو من الله أن تكون نافعة وأن تكون عونا على طاعة الله وتبليغ دينه.
والذي دعاني إلى إقامة هذه الدورة أهمية فن الإلقاء وكونه وسيلة عظيمة في تبليغ دين الله ودعوة الناس إليه بل هو وسيلة مهمة لكل من يريد الوصول إلى قلوب وعقول الناس أيا كان مقصده وغايته.
وكذلك كان من الدواعي لذلك ما أراه ويراه كثيرون من فقر في الأسلوب وضعف في الأداء لدى فئة ليست بقليلة من الدعاة والخطباء والمدرسين وغيرهم ممن يتعاطى هذا الأمر مما سبب نفورا لدى الناس من سماع الخير أو ضعفا في استفادتهم منه.
ولست أدعي أنني من خلال هذه الدورة الموجزة أني سأحيط بجوانب الموضوع فهو موضوع كبير قد الفت فيه كتب كثيرة وكبيرة ولكني أشير إلى ما يحضرني مما أرى أهمية لفت الأنظار إليه سائلا الله - سبحانه - أن يجعله لي ولمن يستفيد منه ذخرا وأجرا.
أهمية الإلقاء في الدعوة:
للإلقاء أهمية كبيرة كما سبق فهو الوسيلة الأولى التي يمكن للداعية أن يستخدمها لإيصال ما يريد إيصاله للأخرين ، ولا تعتبر الوسائل الحديثة والمبتكرة للتواصل مع الغير مغنية عنه وإنما هي وسائل مساعدة ينبغي الاستفادة منها واستغلالها.
وقد استخدم أسلوب الإلقاء في الدعوة أفضل البشر وهم الرسل وعلى رأسهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ودخل الناس بسبب ذلك في دين الله أفواجا ، وكذلك استخدمه خلفاء رسولنا وكثير من أصحابه - رضي الله عنهم -.
بل لا يقتصر أمر الاستفادة من مهارة الإلقاء على من سبق ذكرهم حيث استفاد منها الرؤساء والزعماء من كل جنس ولون وكانت وسيلتهم في كسب قلوب أتباعهم والتفافهم حولهم ويمكننا أن نقول جازمين أنه ما من زعيم أو قائد برز اسمه واشتهر ذكره إلا وله في فن الإلقاء والخطابة نصيب وافر إلا ما ندر.
هل يمكنني اكتساب القدرة على الإلقاء الناجح؟
الجواب بلا جدال نعم ، فالإلقاء الناجح مهارة يمكن اكتسابها كباقي المهارات مثل الخط وقيادة السيارة وغير ذلك ، والإنسان العاقل بطبيعته وبما وهبه الله من نعم قادر على اكتساب هذه المهارة مهما كان جنسه ومهما بلغت سنه إلا أن يكون لديه مانع عضوي من ذلك كالصغير جدا أو من لديه مشكلات حقيقية في النطق.
واكتساب هذه المهارة يحتاج إلى بعض المعلومات مع بعض التدريبات التطبيقية وتنمو هذه المهارة مع الزمن ومع طول الممارسة وزيادة المعلومات حولها وحول اتقانها
مفهوم الإلقاء الناجح:
الإلقاء الناجح عبارة عن قيام الملقي بنقل بعض معلوماته ومشاعره وأحاسيسه عن طريق الكلام إلى الملقى إليه مستخدما في ذلك ما يمكن استخدامه من أجزاء جسده ونبرات صوته.
ومن خلال هذا المفهوم المبسط يتضح لنا أن الإلقاء الناجح ليس مجرد تلفظ بكلمات معينة بصوت مسموع ولكنه أكبر من ذلك وأدق حيث يحتاج نجاح الإلقاء إلى عناصر مهمة من أبرزها:
1- وجود مشاعر و أحاسيس و معلومات لدى الملقي:
وهذا يعني أن لابد أن يتفاعل الملقي أولا مع ما يريد إلقاءه وأن يكون له أهمية في نفسه وأن يتأثر به قبل أن يؤثر في غيره مع وجود المعلومات الكافية حول الموضوع الذي يريد الكلام حوله.
2- الكلام:
وهو وسيلة الإلقاء الأساسية ويتعلق بالكلام عدد من الأمور لابد من توفرها لنجاح الإلقاء فمنها وضوح الصوت وسلامة تركيب الكلمات وغير ذلك.
3- استخدام بعض أجزاء الجسد في الإلقاء:
وذلك كاليدين وتعبيرات الوجه وحركة الجسم بحسب الموقف والموضوع الملقى.
4- نبرات الصوت:(18/24)
حيث إن نبرة الصوت من الأشياء المهمة في الإلقاء فالصوت الخافت البطئ يجلب النوم ومثله الصوت الذي يكون على وتيرة واحدة ، والصوت القوي السريع يجلب النشاط والانتباه ، كما أن بعض نبرات الصوت تجلب الحزن وبعضها تجلب الفرح.
خطوات الوصول للإلقاء الناجح:
أولا: اختيار الموضوع المناسب:
وهذه إحدى أهم الخطوات التي لابد من الاهتمام بها و إيلاءها فائق العناية وذلك لأن بقية الخطوات مبنية عليها ومتفرعة عنها فمهما كانت درجة جودة الإلقاء فلن يكون له كبير فائدة وأهمية إذا كان الموضوع الذي يتكلم عنه غير مناسب للكلام عنه أو كان موضوعا لا قيمة له.
ولكي يكون الموضوع مناسبا لابد من توفر أمور فيه من أهمها:
1- أن يكون الموضوع مناسبا للزمان الذي يلقى فيه
فالكلام عن رمضان في أشهر الحج غير مناسب والكلام عن الموت في مناسبة زواج غير مناسب بالمرة وهكذا لابد من مراعاة الزمان الذي يلقى فيه الموضوع وكلما كان التوافق أكثر مع الزمان والأحداث الجارية كان أوقع وأكثر قبولا.
2- أن يكون الموضوع مناسبا للمكان الذي يلقى فيه
وهذا شبيه بما قبله فالكلام عن فضل الزواج في المقبرة أو العزاء مستهجن والكلام عن تلوث البيئة في المسجد غير ملائم وهكذا.
3- أن يكون الموضوع مناسبا للأشخاص الذي يلقى إليهم
فلابد من مراعاة حال المستمعين وسنهم واهتماماتهم وخلفياتهم المعرفية فما يناسب الشباب قد لا يناسب كبار السن وما يناسب الفتيات قد لا يناسب الفتيان وما يناسب طلاب الابتدائي قد لا يناسب طلاب الجامعة وهكذا.
وبالطبع هناك موضوعات عامة يمكن طرقها في التجمعات العامة التي فيها أكثر من فئة.
4- أن يكون الموضوع مما يحتاج السامعون إلى الكلام عنه
إما لجهلهم به أو لتهاونهم فيه أو لإيضاح بعض ما يشكل فيه ، وأما إذا كان مما يعلمون وهم عاملون به أو مما لا يهمهم أو يتعلق بهم فإن الكلام في مثل ذلك مما يقل نفعه ويستثقل ومما لا يجدي ولا يلقى قبولا.
5- أن لا يكرر الموضوع بأسلوب واحد
لأن هذا أيضا مما قد يستثقله بعض الناس وينفرون منه ولا يرغبون في الاستماع إليه ، وهذا لا يعني عدم تكرار بعض الموضوعات المهمة لأن تكرارها مهم ولا يكفي في بعضها الكلام لمرة واحدة ، ولكن الذي نحذر منه هو تكرار نفس الموضوع بنفس الأسلوب والطريقة ولنفس الأشخاص ، فإذا كان ولابد من التكرار لنفس الأشخاص فيراعى في ذلك تغيير الأسلوب وطريقة العرض فيمكن ذكرها مرة مختصرة ومرة مفصلة ومرة تذكر بعض الأمور ومرة تترك وتذكر أمور أخرى تتعلق بها كما هي طريقة القرآن في ذكر القصص مثلا.
ثانيا: التحضير الجيّد للموضوع:
بحيث يقرأ عنه ويحفظ أدلته أو يكتبها وأن يعرف معانيها وكذلك أن يتقن قراءة الآيات والأحاديث والأسماء والأماكن التي سترد في موضوعه.
ومن الأخطاء الشائعة المستهجنة الكلام على بعض الآيات أو الأحاديث من غير الرجوع إلى الكتب المعتمدة في بيان معانيها ودلالاتها بحيث يقتصر بعضهم على فهمه الشخصي المتبادر من لفظ النص الشرعي وقد يكون هذا الفهم مغايرا لمدلول الآية أو الحديث وفي هذا من الخطورة والقول على الله بلا علم ما لا يخفى.
ثالثا: ممارسة الإلقاء تدريجيا:
وهذه الخطوة تعتبر عائقا لدى كثير من المبتدئين في مجال الإلقاء حيث يشعر المبتدئ بالحرج والرهبة من مقابلة الناس والحديث أمامهم وهذا شيء معتاد بل هو حاصل في أي مهارة أخرى كقيادة السيارة مثلا لأول مرة.
ويمكن التغلب على الخوف والرهبة بالعزيمة و التكرار مع التدرج في ذلك لئلا يقع الشخص في موقف حرج يمكن أن يسبب له امتناعا وانصرافا عن الإلقاء بشكل كامل.
ويقتضي التدرج أن يبدا الشخص بعد تحضيره للموضوع بإلقاءه بصوت مرتفع في مكان خال ويتخيل أن أمامه جمع من الناس ويكرر ذلك ، ثم يقوم بعد فترة من ذلك بإلقاءه أمام جمع من الصغار مثلا أو أمام أناس لا يتحرج منهم ، ثم يقوم بعد ذلك بفترة من الزمن بالقاء ذلك الموضوع في مسجد يرتاده بعض من لا يشعر بالحرج أمامهم كبعض العمال أو أمام طلاب فصل في الابتدائي ، ثم بعد ذلك يقوم بالقاءه في مسجد أكبر وفيه من يشعر بالحرج منهم ولكن عددهم قليل وهكذا يتدرج في المساجد والأماكن ويكثر من تكرار ذلك إلى أن تتكون لديه ملكة يزول معها أي حرج من الإلقاء ، وهذا يحصل عادة بعد زمن ليس بالطويل ، وكلما ازداد الشخص ممارسة ازدادت ملكته وقدرته وخبرته إلى أن يصير الإلقاء سجية لا يتكلفها ويمكنه القيام بها في أي وقت وأي مكان.
اختيار الموضوع:
وله أهمية كبيرة وهو:
- أن يكون للكلمة أو الخطبة أهداف يريد المتكلم وصول المستمعين إليها
وهذا من أهم الأمور بحيث يكون للكلمة هدف أو أكثر يراد تحقيقها وإفادة السامعين بها لا أن تكون الكلمة لمجرد تفريغ العواطف والأحاسيس من غير أن يكون لها فائدة للمستمعين ولا أن يكون لهم يد في إيقاعها أو منعها.
فالحديث إلى الناس مثلا عن أمر لا يقوم به الا الحاكم أو المسؤول ليس مجديا غالبا ولا مفيدا بل أنه من الممكن أن يسبب الضرر للملقي أو غيره من غير فائدة تذكر لا للسامع ولا لغيره ، ويمكن إيصال ما يراد إيصاله إلى المسؤول بطرق أخرى أكثر مناسبة وأقوى فاعلية من غير مفسدة.
وقد حضرت خطبة للشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - تكلم فيها عن ضرر المجلات السيئة التي تعتمد على صور النساء والإثارة وخاطب الناس أنهم هم ملوك بيوتهم وعليهم الا يدخلوها إلى تلك البيوت.
و تجب العناية بتحديد أهداف الكلمة والسعي لتحقيقها من خلال ما يلقى والا فقد الكلام أمر أساسيا لن يكون لما يذكر بعده كبير فائدة غالبا.
ثالثا: عرض الموضوع:(18/25)
وهي خطوة الإخراج الفعلي للموضوع الذي تم اختياره بعناية وفي وقت ومكان مناسبين.
ويمكن أن تكون هذه الخطوة قبل وبعد اكتساب مهارة الإلقاء لكنها لن تظهر بالمظهر المناسب واللائق الا بعد اكتساب مهارة الإلقاء حيث ستؤثر الرهبة المصاحبة لبدايات الإلقاء في مستوى وجودة الأداء.
ولكي يكون العرض متميزا وقويا لابد من توفر أمور مهمة من أهمها:
1) الأداء الصوتي الجيّد:
بأن لا يكون الصوت ضعيفا لا يكاد يسمع ولا قويا جدا يؤذي السامعين ولكن بين ذلك ، وان لا يكون الصوت بطيئا يجلب الكسل والنوم ولا سريعا جدا لا يكاد يفهم بل بينهما.
ومن المفيد والنافع تنويع الأداء الصوتي فلا يكون على وتيرة صوتية واحدة بل يخلط في أداءه بين رفع الصوت وخفظه وبين السرعة والبطء جاعلا ذلك يأتي بشكل متجانس وسلس ومن غير رفع مزعج ولا خفض لا يسمع.
2) استخدام التعبيرات المرئية أثناء الإلقاء:
وذلك عن طريق استخدام العينين واليدين وتعبيرات الوجه والإلتفات ييمنا وشمالا.
وقد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم) رواه مسلم وفي رواية البيهقي (وكان إذا ذكر الساعة علا صوته واحمرت وجنتاه واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم).
فالعينان من أهم وسائل الاتصال مع الآخرين وهما أداتان لإيصال المشاعر والأحاسيس والمعاني التي ربما تعجز عنها الكلمات ولذا فإن النظر إلى المستمعين أمر مهم أثناء الإلقاء.
ويستعين بالالتفات يمينا وشمالا لكي يشمل المكان وحاضريه بنظره المعبر عن الاهتمام والعناية.
واليدان يستخدمهما للدلالة والتأكيد على المعاني التي يتحدث عنها.
ويستخدم أيضا تعبيرات الوجه بما يناسب الكلام الذي يقوله فلها دلالاتها المعروفة.
وينبغي أن يتدرج في استخدام هذه التعبيرات حتى يتقنها وتكون أمرا عاديا يأتي بلا تكلف لان التكلف في أداء أي أمر غير مرغوب.
3) أن يكون عرض الموضوع بطريقة الإلقاء لا القراءة:
لأن ذلك يؤثر تأثيرا أكبر ويجذب السامعين إلى الملقي ، ولأن في ذلك استخدام لجوارح مهمة أثناء الإلقاء وهي العينان واليدان والتي لا يتيسر استخدامها أثناء القراءة.
واكتساب هذه المهارة يأتي بالتدرج كما سبق.
4) عرض الموضوع بتسلسل مناسب:
وذلك بأن يبدأ بمقدمة مناسبة ثم ينتقل إلى عناصر الموضوع حتى يستوفيها ثم يختم بالخاتمة كما سيأتي تفصيل بعض ذلك.
ومن الخطأ أن يتكلم في موضوع ثم يتخبط في التنقل بين عناصره بطريقة غير جيدة كأن يتحدث عن الهجرة مثلا ثم ثم يتكلم عن آخرها ثم أولها ثم وسطها ثم أولها ، فالمطلوب ترتيب الأفكار وتسلسلها حسب وقوعها أو حسب ارتباط كل عنصر بما يليه.
5) الاقتصار على موضوع واحد ما أمكن:
وذلك لكي يستوفي الموضوع ولئلا يشتت انتباه السامعين ومشاعرهم بتعدد الموضوعات ولكي لا ينسي بعضها بعضا.
وهذا هو الأصل الذي ينبغي انتهاجه الا أن كانت هناك حاجة لتعدد الموضوعات كأن تكون مناسبة تتعدد فيها الأحداث أو ما شابه ذلك.
وإذا كان المتكلم سيتكلم عن أكثر من موضوع فالأفضل أن يجعل بين تلك الموضوعات رابطا أو أكثر ينتقل بينها من خلاله.
6) الحرص على الاختصار:
فالاختصار غير المخل مطلب مهم ومنهج ينبغي أن يسير عليه كل خطيب وداعية وهو الأصل الذي يجدر بكل متكلم أن ينهجه الا أن تكون هناك حاجة ماسة إلى الإطالة في أحيان قليلة فلا بأس ومعلوم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أثنى فيه على قصر الخطبة وعدّ ذلك دليلا على فقه الخطيب.
وأسباب تفضيل الاختصار كثيرة منها: عدم الإملال والإثقال لان الكلام الطويل يمل غالبا ، ولئلا ينسي الكلام بعضه بعضا جراء الإطالة ، ولأن في الناس من هو منشغل أو مريض أو متعب ويشق عليه طول الخطبة ولغير ذلك.
7) العناية بالمقدمة:
وهناك مقولة مفادها أن أهم ما في الكلمة أو الخطبة الكلمات العشر الأولى منها لأن كثيرا من الناس في عجلة من أمرهم وخاصة فيما يتعلق بالكلمات التي يمكن لسامعها أن يبقى أو ينصرف أو يستمع أو يغلق فالواحد منهم يريد أن يعرف بسرعة ما إذا كان الكلام الذي سيلقى يستحق انتباهه واهتمامه أم لا وهنا تبرز مقدرة وموهبة المتكلم فينبغي عليه أن يحرص على جذب المستمع من أول الكلام.
ومن وسائل الجذب الفعالة:
- تشويق المستمعين إلى ما سيقوله بأن يذكر أمورا مشوقة ستأتي مع إبهامها وعدم الإفصاح عنها كأن يقول: هناك حدث غريب سأحدثكم عنه..
- الإشارة في البداية إلى قصر الزمن الذي سيستغرقه ويكون ذلك بطريقة لبقة كأن يقول: أتحدث إليكم في دقائق معدودة عن كذا وكذا مع الحرص على الوفاء بما وعدم و عدم الإطالة كما سبق.
- ألا يطيل في صيغة الحمد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا في المواعظ والكلمات القصيرة خاصّة لأنه إذا أتي بصيغة الحمد الكاملة الواردة في خطبة ابن مسعود التي يبدأ بها كثير من خطباء الجمعة خطبهم فإن هذا يستغرق زمنا ليس يسيرا يمكن أن ينصرف كثير من الحاضرين أثناءه.
- الدخول بمدخل مناسب:
فالدخول للقلوب كالدخول للبيوت ، ولذا فمن الأفضل البحث عن مدخل مناسب لما يراد الحديث عنه ، ومن أفضل المداخل التي يمكن استخدامها الأحداث العامة كالأمطار والحوادث الشهيرة والاختبارات والأزمان الشريفة والمناسبات الدينية في وقتها.
وكذلك فإن من المداخل الحسنة التعليق على آيات تليت أو حديث سمع أو على موقف حصل. .
8) إيراد قصة أو شعر(18/26)
أو إيراد كل ذلك إن كان مناسبا للمقام ، وهذه الأمور وما يشابهها كالطرفة تعد من الأمور المحببة إلى النفوس و تجدد نشاط السامع وتقوي انتباهه
ولذا فان لها أهمية بالغة ولابد أن يكون لدى الداعية محفوظ جيد منها وأن يجعل من ضمن استعداده و تحضيره للموضوع الاستعداد بشيء من ذلك يوافق ما سيتكلم عنه.
وتتأكد أهمية ذلك إذا كان زمن الكلام يتجاوز عشر دقائق ، وقد وجدت أثناء دروس بعض العلماء الكبار إنهم كانوا يوردون قصة أو شعر أو طرفة أو موقف أثناء دروسهم العلمية الجادة وذلك لإبعاد الملل وتجديد النشاط.
9) الابتعاد عن التكلف وإيراد وحشي الكلام وغريب الألفاظ:
وذلك لأن المقصد من الكلام إيصال رسالة ذات أهداف معينة إلى السامعين ولابد لوضوح الرسالة وفهمها من وضوح كلماتها ومعانيها واستخدام الكلمات الغريبة والتعبيرات غير المفهومة مما يناقض ذلك ، وفي رأيي أن ذلك لا ينبغي إيراده أبدا لما فيه من التكلف ولعدم فائدته ولأنه قد ورد ذم مثل ذلك شرعا.
ومن أمثلة ذلك ما يقوله بعضهم في معرض كلامه حيث يقول (جاءوا زرافات ووحدانا!!) (ولابد من أن نحمي بيضة الإسلام!) وما شابه ذلك وكأن كلمات اللغة قد ضاقت عن التعبير الا بمثل هذا.
8) الاهتمام بالخاتمة:
وذلك لأنها آخر ما يسمعه المستمعون من الملقي وهي أقرب الكلام إلى التذكر.
ومن أفضل ما يجعل في الخاتمة موجز قصير لأبرز ما تم الكلام عنه ويستحسن جعل ذلك على هيئة عناصر مختصرة ، كما انه يفضل التركيز في الخاتمة أيضا على أهداف الكلمة أو الخطبة التي يريد وصول السامعين إليها.
وبالكلام عن الخاتمة نختم دروس هذه الدورة مؤكدا في ختامها على أهمية النية الصالحة واحتساب الأجر والإخلاص والبعد عن أي مقاصد دنيوية لان النية الصالحة تؤثر أثرا عظيما في استفادة المتلقي وفي حصول الأجر ، وكذلك أؤكد على أن يكون المتكلم قدوة بفعله قبل قوله وأن لا يأمر الناس ويدعوهم إلى شيء الا وقد أمتثله ، سائلا الله - سبحانه - أن يجعل في هذه الدورة خيرا واجرا وبركة لي ولكل من يطلع عليها أو يستفيد منها أو ينشرها أو يعين على ذلك وصلى الله علي نبينا محمد.
http: //saaid. net المصدر:
============
والآن ما هو دورنا ؟!!!
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثير.. وبعد:
إن إلغاء باب الولاء والبراء من كتاب التوحيد للصف الأول ثانوي لفضيلة الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله- منكر عظيم تهتز له قلوب الموحدين، حين مسّته الأيادي الظالمة لنفسها، فكلنا يحفظ أن الإسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك، والبراءة من أهله.
فالولاء والبراء ركنٌ لا يتزعزع من أركان الإسلام، ولكن نعزي أنفسنا بحفظ الله لدينه، ونصرته لأوليائه، ودحره لأعدائه.. ثم إن انسلاخ العقائد من النفوس ليس أمراً سهلاً، فعقيدتنا ليست على ورق، بل في قلوبنا، قد استقيناها من كتاب ربنا الذي تكفّل بحفظه، ولكنها قد تنسلخ عبر الأزمنة و الأجيال كما فُعل بها في البلدان المجاورة إذا تقاصرنا وتخاذلنا جميعاً عن أداء دورنا..
فما هو دورنا؟!!!
إن دورنا هو النزول للميدان، فذلك الركن العظيم " الولاء والبراء" لا يكفيه منك أيها الموحّد انفعالات فحسب، فلن تنفع الدموع والأحزان.. ولا الشتائم واللعان..
وسنطرح بين يديك بعضاً من الحلول الميدانية، والتنفيذ مسؤولية الجميع، وهو أعلى درجات تغيير المنكر.. وقد يطول فلا تستعجل.. وإليك أولاها:
1/ الإنكار: بأن ينكر الجميع خاصة المدرسين والمدرسات المتخصصين في تدريس الدين في مدارسنا الأهلية والحكومية وكذلك المدراء برفع خطاب استنكار ومطالبة بإرجاع المادة إلى التدريس..
2/ التلقين: اعمل على تلقين العقيدة الصحيحة في البيت.. في الحلقة.. من خلال الأنشطة.
ابدأ من الآن.. احتفظ بمناهج الدين المدرسية ولقنها لأطفالك.. في الحلقة اعرض المساعدة على المعلم، لا تلقي بآرائك عليه ثم تنسحب... إذن أنت لم تعمل شيئاً!!
3/ التطبيق: لنخلع كل هيئة ورداء للتشبه المضاد للولاء والبراء، فالمشابهة في الظاهر تجلب الود في الباطن لمن يتشبه به كما قرر ابن تيمية - رحمه الله -.. لنتجافى عن كل ما يثير الإعجاب باليهود والنصارى.. لنسعَ في مناصحة المشاغل وصالونات التجميل التي تنشر رسوم التشبه فينا ولكن بالرفق والتأليف والصبر، ولا ننسى أن الهداية ليست بأيدينا...المهم نستمر ولا نتوقف.
4/ التعليم: وذلك بعرض العقيدة الصحيحة وترسيخها في النفوس من خلال المؤسسات الدينية والتربوية مثل:
المسجد: على الإمام وخطيب الجامع مسؤولية أولية بالحي.. ألا يستحق ما ألغي من كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ صالح الفوزان أن يلقى في المسجد خلال كلمة أو محاضرة أو خطبة ابتداءً!!!.
أيها الإمام اصنع خطة جادة بعيدة المدى. إنك إن عملت مرة أو مرات فحسب.. فلن تغير شيئاً.. ولنقدم نحن إليه ما يحتاجه من مساعدة..
المدرسة: إن كنت معلماً فاغرس المبادئ العقدية في تلاميذك بين وقت وآخر من خلال الأنشطة والمسابقات والإذاعة ومواضيع الإنشاء.. ارسم برنامجاً مستمراً مع زملائك. إن توقفتم بعد عام أو عامين.. فما غيرتم شيئاً..(18/27)
الإعلام: إن كنت قائماً على مجلة أو زاوية أو برنامج فاصنع ركناً ثابتاًَ لا يتزحزح حتى تقوم بدورك في غرس العقيدة الإسلامية عبر أزمنة مديدة.. انتبه.. لا تتوقف.. إن كنت صاحب مكتبة أو دار نشر أو تسجيلات فاجعل ركناً ثابتاً لباب الولاء والبراء وغيره من مهمات العقيدة وقم بحيازة إصداراته.. قم بعمل دعائي له.. بعروض مغرية واحتسب ذلك من النفقة في سبيل الله.. استمر على ذلك عند معالجة كل حرمة تنتهك من حرمات الله...إن توقفت فأنت لم ُتعمل مجالك على الحقيقة..
5/ الإقتداء والاسترشاد: اعمل بناءً على فتوى ورأي. سيصيبنا الزلل إن لم نستمسك بغرز العلماء.. سنتعثر أو نقف إن لم نسترشد بذوي الخبرة والتخصص في وضع الأهداف ورسم الخطط والمناهج..
6/ الدعم المادي: لتكثيف الدورات الشرعية وحفزها.
دعم الأنشطة والمسابقات العلمية.
دعم المعاهد العلمية النسائية الناشئة لتقوم بدورها، فكم صاحب مال يستطيع أن يقوم بما يقوم به عشرات الدعاة بسبب ما ينفق.. هل أنت مستعد أن تقوم بدعم نواة علمية شرعية نسائية ناشئة يقوم عليها ثقات أمناء وعلماء أجلاء فضع يدك بأيدينا.
7/ العلماء والدعاة: نريد فتاواكم في هذه الحرمة التي انتهكت..نريد إصدارات تطرح عقيدة الولاء والبراء وتنزلها على الواقع لتقرأ وتدرس.. نريد صياغة المناهج والخطط لنسير عليها عند ترسيخ عقيدتنا بأفضل الطرق.. ودونما توقف.. إن المتحرقين غيرة على دين الله قد تطاير لهيبهم هنا وهناك فمن يلم شعلتهم ويضيء طريقهم غيركم.. إنهم كثير الذين يعملون.
ولكن إذا بدأوا العمل أعيتهم الحيل وانقطعت بهم السبل..!
أخي الحبيب.. أختي الحبيبة:
- تذكر أن العمل من أعلى درجات تغيير هذا المنكر وغيره.
- تذكر أنك ستبذل المزيد من الوقت والجهد والهم والمال.. لذلك ابدأ بهدوء.. واستمر.. فأنت في مهمة الرسل وأئمة الموحدين.
- ستقابلك صعوبات ومشكلات عند التنفيذ.. ابعث بها إلينا مع إنجازاتك وسنتعاون بإذن الله على اجتيازها.
- اجعل معك من يساعدك ومن يقوم بمهمتك حين تتوقف عنها لتستمر.
- ابعث إلينا بما تحصلت عليه من فتاوى واستشارات وآراء حول ما سبق من الحلول المطروحة ليستفيد الجميع.
- لا تنس في زحمة العمل الإقبال على الله داعياً إياه مخلصاً له مستعيناً به.
وفق الله الجميع،،،
http://saaid.netالمصدر:
============
التفاؤل في زمن اليأس
محمد علي سالم
الحمد لله الذي أفاض على عباده النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وأن رحمته سبقت غضبه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، - صلى الله عليه وسلم -. وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يستعيذ بالله من الهم والحزَن، ويعجبه الفأل، وخير الحديث كتاب الله الذي يقول فيه: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).
أشير إلى غزو القراصنة للعراق قائلاً: لا تسمع لليائسين والمتشائمين الذين يفتون في عضد المسلمين، فهؤلاء لن يصنعوا تاريخاً، ولن يقودوا جيلاً، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه، إن علاج المصائب لن يكون بالوجوم والتحازن، ولكن بالرأي السديد والعمل الرشيد، ولا شيء يدمر إمكانيات الأمة ويدحر مستقبلها أكثر من الحزن واليأس والقنوط، وصنيعهم هذا كصنيع الذين استعبدتهم أمريكا فيريدون من الناس تأليه أمريكا والاستسلام لها بالتحليلات التي يتشدقون بها ويزعمون دقتها وينشرونها بين الناس، مرجفين بالسيطرة المطلقة لأمريكا، كأن ما تريده أمريكا يكون، وما لا تريده لا يكون، وأنها تعلم ما كان وما يكون، والعياذ بالله من الكفر والجبن، وكم خاب ظنهم وبطلت تنبؤاتهم، لكنهم لا يتوبون ولا هم يذكرون، فأمريكا لم ولا ولن تملك العالم، فالملك لله الواحد القهار، ولا تدبر أمريكا الأمر، قل إن الأمر كله لله.
إن غزو الأمريكان للعراق معركة وليست حرباً، يوم بيوم والحرب سجال، ولسنا سواء فقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، ونحن في انتظار وعد الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - بالنصر والتمكين، ففي مسند ابن أبي شيبة وفي المستدرك على الصحيحين عن عبد الله بن عمرو قال: بينما نحن حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكتب إذ سئل: أي المدينتين يفتح أولا قسطنطينية أو رومية؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بل مدينة هرقل أولا تفتح، يريد قسطنطينية، وقد فتحت منذ 1492م على يد السلطان محمد الفاتح - رحمه الله -، وسميت مدينة استامبول، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون، فنحن على وعد صادق بفتح مدينة روما، كما وعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفتح الشام والعراق وهو محاصر في غزوة الأحزاب فقال المنافقون يومئذ ((ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا)) [الأحزاب: 12]، وقال المؤمنون ((صدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما)) [الأحزاب: 22].(18/28)
إن الحرب مع الروم مستمرة فقد قال الله - تعالى -: ((ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)) [البقرة: 217]، وعدواتهم مستمرة فقد قال: ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)) [البقرة: 120]، وروى الإمام أحمد عن المستورد قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أشد الناس عليكم الروم وإنما هلكتهم مع الساعة. وفي مسند ابن أبي شيبة عن ابن محيريز قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فارس نطحة أو نطحتان، ثم لا فارس بعدها أبدا، والروم ذات القرون أصحاب بحر وصخر، كلمّا ذهب قرن خلف قرن مكانه، هيهات إلى آخر الدهر هم أصحابكم ما كان في العيش خير). فالعداوة والحرب مستمرة إلى يوم القيامة، ولن تنتهي بمعركة.
ولا تلتفت لأوهام المعرضين عن هذه المعاني جهلاّ أو هوى، وألقِ سمعك لحديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عندما سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل مرّ عليك يوم أشد من يوم أحد فقال: (لقد لقيت من قومك - وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة - إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بـ (قرن الثعالب) فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: (إن الله - عز وجل - قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال، وسلّم علي، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً) رواه مسلم.
كذلك نحن نرجو أن يخرج الله من أصلاب هذا الجيل من يطرد الغزاة من أرض العراق وفلسطين وديار المسلمين كلها، هذا التفاؤل وحسن الظن بالله - تعالى - مطلوب مع الإقرار بالضعف وعظم المصاب ووجوب التغيير، وذلك إيماناً بالله، وثقة بالنصر الموعود، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (والله ليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه ولكنّكم تستعجلون) عندما اشتكى إليه بعض الصحابة تعذيب قريش لهم.
قال - تعالى -: ((ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين)) [آل عمران: 152]، هذه في غزوة أحد، وأشهد أن الله - سبحانه وتعالى- قد أرانا بعض ما نحب في هذه الحرب، فسقطت بعض طائراتهم وسلّط عليهم ريحا تفسد عملهم وقتل بعضهم بعضاً، واستعصت عليهم قرية أم قصر، ولكن خيانة قيادة العراق المنافقة أصلا سلمت القصر والعرش الجمهوري نفسه، وتكاملت مع خيانة الأعراب والفرس والأكراد من حولها، فازدهرت سوق النفاق والخيانة في هذه الأيام، ولو كان ذلك بالتفريط في جميع القيم الدينية والقومية والأخلاقية وبالتفريط في المصالح الإستراتيجية والتاريخية للوطن والشعب والأمة، وما كان لأمريكا أن تنتصر لولا هذه الخيانات.
إن هذا يبعث الأمل في النفس بالنصر لو كانت القيادة صادقة مؤمنة، فهناك الأبطال الذين هبوا للاستشهاد ولنصرة العراق من كل حدب وصوب، فخانهم فدائيو صدام، وعذبتهم المخابرات السورية، وهناك الشعب الصبور الذي يتناسى وي- تعالى - على كل ما أصابه من قهر وظلم، ورب غفور رحيم يصدق الوعد وعزيز حكيم يمنح النصر، لكن من يخذل أمر الله يخذله الله، ففضلت قيادة العراق المجرمة الاستسلام على مواقف العز والشرف، وآثروا الدنيا التي لم يبق لهم فيها شيء على الآخرة التي لم يؤمنوا بها ولم يعملوا لها، فالنار والعار أولى وأقرب إلى أجسادهم التي نبتت من سحت، وما كان الله لينصر أمثالهم.
وأبشر بخروج الأمريكان سريعاً كما دخلوا سريعاً، فمن سهل دخوله سهل خروجه، ولن يرضى أبناء الإسلام في العراق بهذا الظلم والغزو وإن أدهشتهم هزيمة النظام وجلبة العدو وتشويش المعارضة، وأقعدتهم الخلافات العميقة والمصائب المتراكمة عن سرعة الرد والتنبه لمخاطر الغزو، وسيمن الله عليهم بالنصر والتمكين، وسيري الله بوش وشارون وملأهم منهم ما كانوا يحذرون، ولو رأى الناس ذلك بعيداً.
وأبشر بخراب أمريكا، فقد قال - تعالى -: ((فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون)) [النمل: 52]، فقد ظلموا العالم وكسبوا عدواته ولوثوا البيئة وانتهكوا الحريات وحقوق الإنسان في بلادهم كما فعلوا في غيرها، وأصبحت محاكمهم مثل محاكم التفتيش وإجراءاتهم القضائية أسوأ من إجراءات قانون الطوارئ والأحكام العسكرية في العالم الثالث، وقد وقعت إحدى انتفاضات السود في أمريكا بعد حرب الخليج الثانية، وربما تقع بعد هذه الحرب كذلك منهم أو من غيرهم، فوالد الجندي الأسود لم يرض بفقدان ولده الوحيد، وأكثر قتلى الأمريكان هم من ذوي الأصول الأسبانية وممن لا يحمل الجنسية الأمريكية، وستجد الحرب الداخلية بينهم من يسعّر لها، ولعبة الفتن والحروب الداخلية التي تتقنها الإدارة الأمريكية ربما ترتد عليها، ولعل جورج بوش لعنة على الأمريكان فقد قّسمهم عند مجيئه وفي حربه وسيقسم الأمريكان أكثر عند خروجه.(18/29)
إننا بحاجة إلى الأمل الذي يحيي النفوس، والعمل الذي يتجاوز بنا هذه المرحلة المظلمة، ((ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض))[محمد: 4]، لا لدفق اليأس في القلوب، فاليأس والإحباط بضاعة فاسدة تصدر من قلوب كاسدة في الخير زاهدة، ليست في العمل جادة.
إننا نطلب المعجزات والكرامات وإيقاف السنن الإلهية وخرق العوائد ونحن لم ننصر أمر الله ولم نكرم دينه ولم نتخلف عن عاداتنا السيئة. وفوق ذلك نستعجل النصر على الأعداء بلا جهاد ولا إعداد ، أليس ذلك ظلماً.
إن الله - عز وجل - لا يعجل لعجلتنا، ولا تتحوّل سننه لأهوائنا ولا لأحزاننا، وسنن الله لا تحابي أحداً، فلنعمل لله دوما، ولنصبر ولنصابر، فإذا لم ندرك نحن ثمرة النصر فليقطفها أبناؤنا، وعُمر الإسلام أطول من أعمارنا والعاقبة للمتقين، والله - تعالى - بيده الأمر كله، وليست الذلة والمرارة التي تعيشها الأمة الإسلامية حتماً صارماً لا يزول، فليس بعد الظلام الدامس إلا الفجر الساطع وربما سبقه فجر كاذب، وليس صحيحا ما يردده الأمريكي المتغطرس من نهاية التاريخ، فهو إما غاش مخادع و أما مغرور جاهل بل التاريخ في دورات متعاقبة يتحقق فيها التقديم والتأخير والتمكين والاستضعاف.
وعليك بهذه الآية ((فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون)) [الروم: 60] وإن كثر البوم والغربان في هذا الزمن فـ ((لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون)) [الروم: 4]، وسيقول المتشائمون حينئذ: ويكأن الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
http: //www. alsunnah. org المصدر:
===========
من أين تبدئين الدعوة في المجال الطبي ؟
د. رقية بنت نصر الله محمد نياز
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (سورة آل عمران: الآية: 102)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (سورة النساء: الآية: 2).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ُيصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَه فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ُ} (سورة الأحزاب: الآية: 70 ، 71)(1).
أما بعد: فالإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للناس جميعاً ، وبه ختم الله سائر الرسالات السماوية السابقة ، يقول - سبحانه وتعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ُ} (سورة المائدة: الآية: 3).
ومقام الدعوة إلى هذا الدين مقام عظيم ومرتبة عالية ، لأنه مقام صفوة خلق الله - تعالى - محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وخلفائه الراشدين - رضي الله عنهم - الذين خلفوه في العلم والعمل به والدعوة إليه (2).
إذاً ، فالدعوة والتبليغ هدف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وشعار لحزبه المفلحين ، وأتباعه من العالمين (3)، قال - تعالى - {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (سورة يوسف: الآية: 108.).
ولقد كان من فضل الله - تعالى - على الإنسانية أن عمّم أمر التكليف بالدعوة إلى هذا الدين ، ولم يخصها بجنس دون الآخر ولا بذكر دون أنثى ، فحمل - سبحانه وتعالى- النساء هذه المسؤولية أيضا.
وقد حمّل القرآن الكريم خطاب التكليف إلى الرجل والمرأة معاً في قوله - تعالى -: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (سورة آل عمران: الآية: 104). ومعلوم أن الأمة تتكون من الرجال والنساء فالخطاب للجميع (4).
وجاء الاستقلال بالتكليف في خطاب خاص موجه للمرأة ، وذلك في قوله - سبحانه وتعالى- {وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا}. وقد فسر حبر هذه الأمة (القول المعروف) بأنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (5). اللذان يعدان أصل الدعوة إلى الله وأساسها المتين.
ومما يدل أيضا على تخصيص المولى - سبحانه - المرأة بهذا الخطاب ، قوله - تعالى -: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (سورة الأحزاب: الآية: 34)، ومعلوم أن هذه الآية لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يخبرن بما أنزل الله إليه من القرآن في بيوتهن وما يرين من أفعاله - عليه الصلاة والسلام - وأقواله ، حتى يبلغ ذلك إلى الناس فيعملوا بما فيه ويقتدوا به (6).
والخطاب وإن كان في الآيتين السابقتين لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن نساء المؤمنين مقتديات بهن ، ونقل هذه الأمور من صميم الدعوة إلى الله - تعالى -.(18/30)
إذا هذا الخطاب من البشائر العظيمة ، وهذا التكليف من الأوسمة التي حُقّ للمرأة المسلمة أن تفرح وتفتخر وتستبشر بها!! كيف لا والله - سبحانه وتعالى- رفع من قدر الدعوة وأثنى على الذين يدعون الخلق إلى الخالق تبارك و- تعالى - (7)في مثل قوله - تعالى -: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَال إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ َ} (سورة: فصلت ، الآية 33).
كيف لا تفرح الأخت المسلمة بهذا الخطاب وبشارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تطرق أذنيها حين يقول: (فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحد ، خير لك من حمر النعم) (8).
كيف لا تستبشر وهي تعلم علما يقينا أنها بهذا التكليف ستنال أجورا عظيمة تساوي أجور كل من كانت سببا في هدايتهم وصلاحهم ، وذلك في حياتها وحتى بعد مماتها إلى يوم القيامة (9)، وذلك تصديقا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه ، لا ينقص من أوزارهم شيئا) (10).
لهذا كان للمرأة المسلمة منذ فجر الإسلام دور مبكر في الدعوة إلى الله ونشر هذا الدين. فهي أم الرجال ، وصانعة الأبطال ، ومربية الأجيال. لها من كنانة الخير سهام ، وفي سبيل الدعوة موطن ومقام. بجهدها أشرق أمل الأمة ولاح فجرها العظيم. على عكس بعض نساء اليوم اللاتي شغلن أنفسهن في غير طاعة ، وشغلن أنفسهن بسفاسف الأمور وصغيراتها ، فنجد اهتماماتهن منصبة في اللباس ، وأُخرى في قصات الشعر ، والمرور على المراكز التجارية ، والتجول في الأسواق ، والتنقل بين القنوات والمجلات أخذ عليهن جل الأوقات. فضاعت منهن أنفس اللحظات وأثمن الأوقات في غير ما خلقن له. يقول ابن القيم - رحمه الله - تعالى -: فمن كان وقته لله فهو حياته وعمره ، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته ، وإن عاش فيه عاش عيش البهائم ، فإذا قطع وقته الغفلة والسهو.. فموت هذا خير له من حياته (11).
فهل يصح للمرأة أن تنصرف بعد ذلك عن هذا الطريق!! طريق الدعوة إلى الله.. طريق الدعوة إلى الخير والهدى والذي عده (القرآن الكريم) من اللوازم الضرورية لإيمانها ، فإذا ما تخلفت عن هذا الواجب العظيم دل ذلك على وجود شرخ في البناء الإيماني قد يخرجها إلى حظيرة النفاق والمنافقين ولا يمكن إصلاحه وترميمه إلا من خلال القيام بهذا الواجب... واجب الدعوة.
وهذا إشارة إلى ما جاء في قوله - تعالى -: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَ- رحمهم الله - إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (سورة التوبة: الآية 71). فعلق - سبحانه وتعالى- إيمان المؤمنين والمؤمنات بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. أي الدعوة ثم أردف ذلك ببعض أركان الإسلام مثل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأيضا في قوله - تعالى -: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (سورة التوبة: الآية 67). وعلى العكس من ذلك فالله - سبحانه وتعالى- نسب النفاق إلى الآمرين بالمنكر والناهين عن المعروف ، ومعلوم أن نسبة النفاق إلى أي أحد معناه نفي الإيمان.
ويؤكد - صلى الله عليه وسلم - هذا بقوله: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (12) ، وفي رواية أخرى: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) (13).
من هنا نؤكد ونقول إن إيمان المرأة يحتم عليها مسؤولية القيام بالدعوة في المجال الذي تعيشه كلا حسب طاقاتها وقدراتها ، فالأم في بيتها ، والمعلمة في صفها ، والطبيبة في عيادتها ، والإدارية في إدارتها.... الخ.
إن المجتمعات في حاجة ملحة إلى دعوة الله وبدون هذه الدعوة لا استقرار ولا سعادة ، واجتماعنا اليوم كان لأجل تقديم هذا الخير لفئة مهمة من البشر ـ الجاليات ـ في مؤسسة إنسانية ، اجتماعية لا أحد ينكر دورها الهام الذي باتت تلعبه على كل المستويات. فإذا كانت الشريعة الإسلامية قائمة على حفظ الروح وتغذيتها ، فإن المجال الصحي قائم على حفظ البدن ووقايته وفي هذا الصدد يقول الإمام الشافعي ـ - رحمه الله -.. " صنفان لا غنى للناس عنهما: العلماء لأديانهم ، والأطباء لأبدانهم " ، والإنسان إنما هو بدن وروح ، والروح والبدن مرتبطان أوثق ارتباط وهذا يعطي للأخت الطبيبة المسلمة بصفة خاصة وللعاملات في هذا المجال مسؤوليتين عظيمتين لا مسؤولية واحدة. إحدى هاتين المسؤوليتين تتعلق بحفظ البدن والأخرى حفظ الروح.
ولقد شعر المنصّرون وغيرهم بأهمية مكانة المجموعة الطبية واستغلوها للدعوة إلى دينهم ومذهبهم ، ولقد أفصح " صمويل زويمر " على هذه الأهمية بقوله: " إن جميع العاملين في ميدان التبشير في الجزيرة العربية متفقون على أن الطبيب القدير والجراح الماهر يحمل جوازاً يفتح القلوب مهما كانت عنيدة ، إن المستشفيات في الجزيرة العربية هي مكان تلتقي فيه الرحمة بالخلق ، ويتعانق فيه الصلاح والسلام ". (14)(18/31)
ونحن نقول: إن المستشفيات والمراكز الصحية أماكن يجتمع فيها المسلمون بأمثال هؤلاء المنصّرين وغيرهم من الجاليات العاملين في هذا المجال باسم الطب والتمريض والهيئات الفنية والأيدي العاملة. فلماذا لا تستغل هذه المجالات وتكون منبرا للخير والهدى وذلك بغرس العقيدة السليمة ومحو العقائد الفاسدة وآثارها المدمرة. وهذا بالطبع يحتاج إلى وقفة صارمة منك أيتها الأخت العاملة في المجال الصحي.
ولا تقول قائلة: إنني لا أحسن الدعوة ، لأنني غير متخصصة في المجال الدعوي!! فهذا كلام مردود لأن الدعوة إلى الله - تعالى - لا تحتاج عالما متخصصا.. أو خطيبا مفوها.
إن المرأة المسلمة العاملة في المجال الصحي تستطيع بفطرتها السليمة أن تميز الأخطاء وتصححها ، وتتعرف على المنكرات وتنبه عليها. وقبل هذا وذاك هي مسلمة تملك من مبادىء الدين وأساسياته ما يمكنها من القيام بالدعوة إلى العقيدة السليمة عقيدة التوحيد.
هذا هو الطريق.. لكن من أين البداية الصحيحة في هذه الدعوة؟.
وللإجابة على هذا السؤال نقول: من المهم في أي دعوة موجهة أن يبدأ الإنسان من نفسه وبنفسه ، ولعلي لا أغالي في قليل أو كثير إذا قلت للأخوات العاملات في هذا المجال أن الأساس في دعوة هذه الفئة خاصة وفي هذا المجال بالذات أن يبدأ بتصحيح النفس وإصلاح الذات وأقصد بذلك ـ الداعية ذاتها ـ لتكون صورة حية للإسلام في الأقوال والأفعال ، في المظهر والسلوك والتعامل ومن هنا تكون أنموذجا صالحا للاقتداء ، وأيضا تكون قد ساهمت في الدعوة بأسلوب من أساليبها والذي يعرف في المصطلح الدعوي بأسلوب القدوة.
وتبرز أهمية القيام بالدعوة من خلال القدوة هنا بالذات من عدة أمور أهمها:
أولا: سرعة انتقال الخير من المقتدى به إلى المقتدى وسهولته. فالأخذ بالشيء عمليا والتمسك به أكثر إقناعا للمدعوين من الحديث والثناء عليه ، لاسيما وأن لغة الحوار بين المرأة الداعية وبين الجاليات قد تكون معدومة وإن وجدت فإنها في نطاق ضيق ومحدود ، وذلك لاختلاف اللغات ، فمجرد العمل بالخير وتطبيقه تحصل قناعة عندهم بصلاحية هذا الخير والفعل للتطبيق ، وأنه ليس أمراً مثالياً مجرداً. كل ذلك دون الحاجة إلى لغة الخطاب.
ثانيا: سهولته ، فأثر القدوة عام يشمل جميع الجاليات على مختلف مستوياتهم ، فالمتعلم والأمي منهم سيناله نصيب من الدعوة من خلال محاكاة فعل الداعية وتقليدها وإن لم يتم فهمه.
ثالثا: إن متطلبات العمل في المجالات الصحية تقتضي التنقل والحركة المستمرة مما يصعب معه عقد مناقشات وحوارات. وهنا تبرز قيمة الدعوة بالقدوة..
رابعا: إن من طبيعة البشر وفطرتهم التي فطرهم الله عليها أن يتأثروا بالأمور العملية أكثر مما يتأثرون بالأمور الفطرية كالقراءة والسماع ، وهذا التأثير فطري لا شعوري. (15) ومن هنا أشارت أم سلمة - رضي الله عنها - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأسلوب الدعوي والمبادرة إلى (الحلق والتحلل) ليقتدي به الناس عمليا ، فكان كما قالت - رضي الله عنها -.
وقد أكدت المصادر الأصلية في تاريخ الدعوة الإسلامية أن من أسباب انتشار الإسلام خارج النطاق العربي حتى وصل إلى الهند والسند شرقا والأندلس غربا كان من أهم أسباب هذا الانتشار هو أسلوب القدوة الحسنة.. فقد حمل الصحابة رضوان الله عليهم الإسلام بجوارحهم ولم يحملوه على ألسنتهم فحسب فكان الإسلام يتجلى في أفعالهم وسلوكهم وتعاملهم ، ونتيجة لذلك يقول " غوستاف لوبون أقبلوا على تعلم اللغة العربية وإن تعلمها ساعد على تعريفهم بالإسلام ".
ويؤكد أهمية دور القدوة في الدعوة إلى الله - تعالى - أحد الذين استجابوا لهذا الدين حديثا إنه مدير دريم بارك الأمريكي " وليم فرنسيس " سابقا و " يوسف كيلي " حاليا ، حين تحدث عن قصة إسلامه قائلا " لفت نظري إلى الإسلام كلمة قالها لي سائق سيارتي " أيمن ": أنت قلبك طيب زي قلوب المسلمين بالضبط. ففكرت من هنا في معنى هذا الإسلام وقرأت عنه حتى أشهرت إسلامي. ثم يقول: إن المسلمين يعاملوني جيدا حتى قبل أن أسلم أو أخبرهم أنني أفكر في الإسلام ، ومعاملتهم لي لم تجعلني أشهر إسلامي ولكن جعلتني أفكر بإيجابية في اعتناق هذا الدين ، وأعتقد أنه لو كانت المعاملة سيئة ربما لم أعتنق الإسلام ، لأنه طالما أن هؤلاء المسلمين معاملتهم سيئة وتصرفاتهم خاطئة فلماذا أكون على دينهم. (16)
إذاً فحركاتك وسكناتك أيتها الأخت المسلمة العاملة في المجال الصحي محسوبة لك أو عليك إن خيراً فخير وإن شراً ـ والعياذ بالله ـ فشر نسأل الله السلامة.
ولعل حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - السابق ذكره يؤيد هذا المقام في قوله " فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحد خير لك من حمر النعم ".
لهذا نؤكد على الأخت المسلمة العاملة في المجال الصحي الالتزام ومراعاة الآتي:
أولا: تقوى الله ومراقبته في السر والعلن.
ثانيا: الالتزام بأركان الدين وواجباته كأداء الصلاة في أوقاتها المحددة بخشوع وبدون تفريط ، والالتزام بالحجاب الإسلامي الساتر غير مبدية زينة وتبرج وسفور أو فتنة كالعطر والمكياج.
ثالثا: الاعتزاز بالدين الإسلامي والمجاهرة بآدابه وسلوكه فعلى سبيل المثال التحية بتحية الإسلام بدلا من التحيات الأجنبية الدخيلة.
رابعا: التخلق بأخلاق الإسلام والالتزام بها كالصدق والأمانة والنزاهة والتواضع والصبر.
خامسا: الدقة والالتزام والانضباط في المواعيد.
سادسا: تأليف قلوب الجاليات من خلال تقديم المساعدات.
سابعا: إتقان العمل والإخلاص فيه وهو ما يسمى في العرف الطبي بصدق النية وصدق العمل.(18/32)
ثامنا: البعد عن الخوض في الأمور المحرمة شرعا والمستقبحة اجتماعيا ، كالغيبة والنميمة والهمز ، وكثرة الكلام والضحك ، والتلفظ بالألفاظ غير المقبولة في المجتمع ، والتدخين.
تاسعا: البعد عما يسمى بخوارم المروءة. وإن كانت ما لم يحرم شرعا كمضغ العلكة أثناء العمل ، ولبس الملابس الشاذة اجتماعيا.
عاشرا: توضيح اللباس الشرعي الساتر للجاليات من خلال مظهرك وملبسك. والله. الله في الحجاب فاجعليه شيئا بارزا في مظهرك فالناعقون عندما بدأوا يطلون برؤوسهم من جحورهم الموحلة لتدمير الإسلام وأصوله العظيمة إنما كانت من خلال نزع الحجاب في أمثال هذه المؤسسات لدفع الفتاة إلى الرذيلة وإبعادها عن سياج الصون والعفاف.
وأخيرا: اجعلي رضى الله - سبحانه وتعالى- وتحقيق عبوديته من خلال هذه المهنة هو الهدف الأسمى ، أما النجاح المادي والإجتماعي أو الحفاظ على السمعة وتحقيق الشهرة فإنه يأتي بعد ذلك تحقيقا لقوله - تعالى - {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
أختي المسلمة: إن بإمكان كل إمرأة عاملة في المجال الصحي أن تكون داعية إلى الله إذا التزمت بهذه الضوابط ، والأمر يسير لمن يسره الله لها.
إن الأمل يحدونا إلى أن تكون هناك دعوة نسائية داخل المؤسسات الصحية وأن تكون هذه المحاولات جادة وأصيلة قائمة على مسالك رشيدة تبدأ من إصلاح النفس حتى ينعكس ذلك الإصلاح والخير على الغير ، ولا ننسى هنا أن نذكر بأهمية الدعوة القولية. أو الدعوة بإحدى الوسائل السمعية كالكاسيت.. أو المقروءة كالكتب والمنشورات... الخ.
أختي المسلمة العاملة في المجال الصحي: إن قيامك بالدعوة أياً كان نوعها ، ومهما كان حجمها يجعل منك عنصرا فعالا في بناء مجد دينك وأمتك وسوف تضمنين سعادة الدنيا والآخرة ، وهذا تحقيقا لقوله - تعالى -: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونٍَ}(سورة: النمل: الآية / 97.).
وقد أكد جمع من المفسرين أن الحياة الطيبة تكون في الدنيا والجزاء بالأجر يكون في دار الآخرة. (17)
والله - تعالى - أسال أن يجعلنا هداة مهتدين ، غير ضالين ولا مضلين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
-------
1- خطبة الحاجة: كما سماها العلماء ، وأثبت الشيخ محمد ناصر الدين الألباني صحة بعض طرقها ، وله رسالة بعنوان (خطبة الحاجة) (ص 13) المكتب الإسلامي 1400هـ وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة ، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني (1/3). الطبعة الرابعة 1405هـ. ط. المكتب الإسلامي (بيروت).
2- انظر: رسالة في الدعوة إلى الله / للشيخ محمد بن صالح العثيمين (ص 5) مكتبة الربانيين.
3- انظر: أعلام الموقعين عن رب العالمين / للعلامة ابن قيم الجوزية (1/8) دار الفكر ، ط. الثانية 1397هـ.
4- المرأة المسلمة المعاصرة إعدادها مسؤوليتها في الدعوة ، د. أحمد أبابطين (ص 105).
5- انظر: الجامع لأحكام القرآن الكريم / للامام القرطبي (14/178).
6- انظر: أحكام القرآن / للامام أبو بكر بن العزي (3/1526).
7- انظر: تفسير القرآن العظيم / للحافظ ابن كثير (7/167).
8- صحيح البخاري مع فتح الباري (6/111) حديث 2942 ، كتاب الجهاد ، باب دعاء النبي الناس إلى الإسلام.
9- انظر: شرح الإمام النووي على صحيح مسلم (16/226).
10- صحيح مسلم (4/2060) حديث 2674 ، كتاب العلم ، باب من سن سنة حسنة أو سيئة.
11- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي / للإمام ابن القيم (184)..
12- صحيح البخاري مع فتح الباري (6/496) حديث 3461 ، كتاب الأنبياء.
13- صحيح مسلم (1/69) حديث 49. كتاب الإيمان ، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان..
14- نقلا عن كتاب المرأة المسلمة المعاصرة إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة / د. أحمد بن محمد أبابطين (ص 3 ـ 5).
15- انظر: المدخل إلى علم الدعوة / د. محمد أبو الفتح البيانوني (ص 273).
16- نقلا عن مجلة المستقبل ، العدد / 122 جمادى الأخرة 1422هـ (ص 14 ، 16).
17- انظر على سبيل المثال: تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير (4/521).
http: //www. saaid. net المصدر:
==============
أيها الطالب كيف تقضي عطلتك الصيفية ؟
الشيخ الأمين الحاج محمد أحمد
الفراغ نعمة إن استغل استغلالاً حسناً، ولكن سرعان ما ينقلب إلى نقمة وبلاء إن لم يُعرف قدره، فما أكثر الجاهلين بقيمة هذه النعمة المغبونين فيها، "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ"، ولهذا جاء في المثل: "الوقت من ذهب"، و"الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، سيما مع اجتماع المال والشباب: "إن الفراغ، والشباب، والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة".
واجب أولياء الأمور في البيوت، والمدارس، والمراكز الصيفية، ووزارة الشباب، وغيرها من المؤسسات، أن تعد البرامج النافعة، وتضع الخطط الهادفة لاستغلال طاقات الشباب والاستفادة من مواهبهم وقدراتهم وملكاتهم الذهنية والجسدية، خاصة في العطل الصيفية، بما فيه نفع لهم ولأهليهم ولمجتمعهم، وبما يحول بينهم وبين الانحرافات والممارسات الخاطئة السالبة، فهم أمانة في أعناقهم.
وسائل الاستفادة من الشباب في العطل الصيفية لها مساران:
1. فردي.
2. جماعي.
المساران ينبغي أن يشملا الأغراض التالية:
1. الأعمال الجادة المفيدة له ولأهله ولمجتمعه.
2. تنمية مقدراته وملكاته ومواهبه.
3. الترويح البريء.
4. صرفه عما يضره.
الجانب الفردي:(18/33)
• مساعدة والديه وأهله في عملهم، زراعياً كان أم حرفياً، أم تجارة، ونحوها.
• الاطلاع العام.
• زيارة الأقارب وصلة الأرحام والأصدقاء.
• ممارسة أي عمل يكتسب منه إن كان محتاجاً، والاجتهاد في توفير قدر من احتياجاته الدراسية.
• تنمية مواهبه وملكاته بالتدريب على ما يهواه.
• حضور الدروس في المساجد والمحاضرات.
• ارتياد المكتبات العامة.
الجانب الجماعي:
يحتاج إلى إنشاء مراكز صيفية، مكتبات عامة، حوافز مالية وتشجيعية قيمة، وسائل ترحيل، عمل استبيان يوضح ميول واتجاهات ورغبات الطلاب، وعلى ضوئه يقسمون إلى هذه المجالات:
• قوافل جماعية، دعوية، تعليمية، تثقيفية، لمناطق السودان المختلفة.
• دورات لتحفيظ القرآن.
• العُمَر الجماعية.
• الرحلات الجماعية لبعض المناطق السياحية، والصناعية، والزراعية.
• معسكرات مقفولة.
• دورات علمية هادفة مكثفة.
• الاشتراك في مواسم الحصاد.
• دورات تقوية.
• عمل حلقات لمحو الأمية وتعليم الكبار.
• المساهمة في الأعمال الطوعية والإنسانية.
• حملات نظافة للأماكن العامة.
• حملات تشجير للشوارع الرئيسية.
• عمل دورات توعية، مرورية وغيرها.
• معسكرات رياضية.
• معسكرات عسكرية.
• إعداد صحف ومجلات حائطية في المساجد والمدارس والأندية وغيرها.
• معسكرات لتعليم السباحة والرماية.
الحرص والتشجيع على الآتي في طول العام وفي العطلة خاصة
• الصلوات المكتوبة في المساجد.
• حضور الدروس التي تقام في المساجد.
• الارتباط بالمسجد، عن طريق التأذين، وكنسه، ونظافته، وتشجيره، وعمل صحف.
• حضور المحاضرات والاشتراك في الدورات التعليمية.
• الاعتماد على النفس في غسل وكي الملابس ونحوها.
• قراءة والاستماع إلى المفيد النافع في الدين والدنيا.
• التعلق بمعالي الأمور، وأن يكون للمرء هدف يسعى لتحقيقه في عمره القصير.
الحذر من الآتي:
• كثرة النوم.
• كثرة الولوج والخروج في المواقع الساقطة.
• الاهتمام بسفاسف الأمور، نحو تشجيع الفرق الرياضية، وقراءة ما يتعلق بها وبالفن في الصحف ونحوها.
• الجلوس في الطرقات والدكات والميادين العامة.
• مصاحبة الأشرار والخروج والدخول معهم.
• الدخول على النساء الأجانب.
• الذهاب إلى الأسواق والجلوس في المقاهي والمطاعم.
• متابعة المسلسلات والاستماع للأغاني.
• الجلوس من غير عمل.
هل تعلم أيها الشاب أن الإمام الشافعي جلس للفتيا والتدريس وهو في سن الخامسة عشرة؟ وأن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قاد الجيش في غزوة مؤتة ولم يبلغ العشرين؟ وأن أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام معاذ بن جبل رضي الله عنه مات وعمره أربع وثلاثون سنة؟ وهل تعلم أنه لن تزول قدماك عن الصراط حتى تُسأل فيما تُسأل "عن شبابك فيما أبليت"؟ وأن الشباب هم عدة هذه الأمة ونصرتها في جميع العصور؟
وفقك الله لما يحب ويرضى، وبصرك لما فيه خيرك في الدنيا والدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
http: //new. meshkat. net المصدر:
=============
التفاؤل في زمن اليأس
محمد علي سالم
الحمد لله الذي أفاض على عباده النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وأن رحمته سبقت غضبه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، - صلى الله عليه وسلم -. وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يستعيذ بالله من الهم والحزَن، ويعجبه الفأل، وخير الحديث كتاب الله الذي يقول فيه: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).
أشير إلى غزو القراصنة للعراق قائلاً: لا تسمع لليائسين والمتشائمين الذين يفتون في عضد المسلمين، فهؤلاء لن يصنعوا تاريخاً، ولن يقودوا جيلاً، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه، إن علاج المصائب لن يكون بالوجوم والتحازن، ولكن بالرأي السديد والعمل الرشيد، ولا شيء يدمر إمكانيات الأمة ويدحر مستقبلها أكثر من الحزن واليأس والقنوط، وصنيعهم هذا كصنيع الذين استعبدتهم أمريكا فيريدون من الناس تأليه أمريكا والاستسلام لها بالتحليلات التي يتشدقون بها ويزعمون دقتها وينشرونها بين الناس، مرجفين بالسيطرة المطلقة لأمريكا، كأن ما تريده أمريكا يكون، وما لا تريده لا يكون، وأنها تعلم ما كان وما يكون، والعياذ بالله من الكفر والجبن، وكم خاب ظنهم وبطلت تنبؤاتهم، لكنهم لا يتوبون ولا هم يذكرون، فأمريكا لم ولا ولن تملك العالم، فالملك لله الواحد القهار، ولا تدبر أمريكا الأمر، قل إن الأمر كله لله.
إن غزو الأمريكان للعراق معركة وليست حرباً، يوم بيوم والحرب سجال، ولسنا سواء فقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، ونحن في انتظار وعد الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - بالنصر والتمكين، ففي مسند ابن أبي شيبة وفي المستدرك على الصحيحين عن عبد الله بن عمرو قال: بينما نحن حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكتب إذ سئل: أي المدينتين يفتح أولا قسطنطينية أو رومية؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بل مدينة هرقل أولا تفتح، يريد قسطنطينية، وقد فتحت منذ 1492م على يد السلطان محمد الفاتح - رحمه الله -، وسميت مدينة استامبول، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون، فنحن على وعد صادق بفتح مدينة روما، كما وعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفتح الشام والعراق وهو محاصر في غزوة الأحزاب فقال المنافقون يومئذ ((ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا)) [الأحزاب: 12]، وقال المؤمنون ((صدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما)) [الأحزاب: 22].(18/34)
إن الحرب مع الروم مستمرة فقد قال الله - تعالى -: ((ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)) [البقرة: 217]، وعدواتهم مستمرة فقد قال: ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)) [البقرة: 120]، وروى الإمام أحمد عن المستورد قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أشد الناس عليكم الروم وإنما هلكتهم مع الساعة. وفي مسند ابن أبي شيبة عن ابن محيريز قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فارس نطحة أو نطحتان، ثم لا فارس بعدها أبدا، والروم ذات القرون أصحاب بحر وصخر، كلمّا ذهب قرن خلف قرن مكانه، هيهات إلى آخر الدهر هم أصحابكم ما كان في العيش خير). فالعداوة والحرب مستمرة إلى يوم القيامة، ولن تنتهي بمعركة.
ولا تلتفت لأوهام المعرضين عن هذه المعاني جهلاّ أو هوى، وألقِ سمعك لحديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عندما سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل مرّ عليك يوم أشد من يوم أحد فقال: (لقد لقيت من قومك - وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة - إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بـ (قرن الثعالب) فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: (إن الله - عز وجل - قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال، وسلّم علي، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً) رواه مسلم.
كذلك نحن نرجو أن يخرج الله من أصلاب هذا الجيل من يطرد الغزاة من أرض العراق وفلسطين وديار المسلمين كلها، هذا التفاؤل وحسن الظن بالله - تعالى - مطلوب مع الإقرار بالضعف وعظم المصاب ووجوب التغيير، وذلك إيماناً بالله، وثقة بالنصر الموعود، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (والله ليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه ولكنّكم تستعجلون) عندما اشتكى إليه بعض الصحابة تعذيب قريش لهم.
قال - تعالى -: ((ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين)) [آل عمران: 152]، هذه في غزوة أحد، وأشهد أن الله - سبحانه وتعالى- قد أرانا بعض ما نحب في هذه الحرب، فسقطت بعض طائراتهم وسلّط عليهم ريحا تفسد عملهم وقتل بعضهم بعضاً، واستعصت عليهم قرية أم قصر، ولكن خيانة قيادة العراق المنافقة أصلا سلمت القصر والعرش الجمهوري نفسه، وتكاملت مع خيانة الأعراب والفرس والأكراد من حولها، فازدهرت سوق النفاق والخيانة في هذه الأيام، ولو كان ذلك بالتفريط في جميع القيم الدينية والقومية والأخلاقية وبالتفريط في المصالح الإستراتيجية والتاريخية للوطن والشعب والأمة، وما كان لأمريكا أن تنتصر لولا هذه الخيانات.
إن هذا يبعث الأمل في النفس بالنصر لو كانت القيادة صادقة مؤمنة، فهناك الأبطال الذين هبوا للاستشهاد ولنصرة العراق من كل حدب وصوب، فخانهم فدائيو صدام، وعذبتهم المخابرات السورية، وهناك الشعب الصبور الذي يتناسى وي- تعالى - على كل ما أصابه من قهر وظلم، ورب غفور رحيم يصدق الوعد وعزيز حكيم يمنح النصر، لكن من يخذل أمر الله يخذله الله، ففضلت قيادة العراق المجرمة الاستسلام على مواقف العز والشرف، وآثروا الدنيا التي لم يبق لهم فيها شيء على الآخرة التي لم يؤمنوا بها ولم يعملوا لها، فالنار والعار أولى وأقرب إلى أجسادهم التي نبتت من سحت، وما كان الله لينصر أمثالهم.
وأبشر بخروج الأمريكان سريعاً كما دخلوا سريعاً، فمن سهل دخوله سهل خروجه، ولن يرضى أبناء الإسلام في العراق بهذا الظلم والغزو وإن أدهشتهم هزيمة النظام وجلبة العدو وتشويش المعارضة، وأقعدتهم الخلافات العميقة والمصائب المتراكمة عن سرعة الرد والتنبه لمخاطر الغزو، وسيمن الله عليهم بالنصر والتمكين، وسيري الله بوش وشارون وملأهم منهم ما كانوا يحذرون، ولو رأى الناس ذلك بعيداً.
وأبشر بخراب أمريكا، فقد قال - تعالى -: ((فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون)) [النمل: 52]، فقد ظلموا العالم وكسبوا عدواته ولوثوا البيئة وانتهكوا الحريات وحقوق الإنسان في بلادهم كما فعلوا في غيرها، وأصبحت محاكمهم مثل محاكم التفتيش وإجراءاتهم القضائية أسوأ من إجراءات قانون الطوارئ والأحكام العسكرية في العالم الثالث، وقد وقعت إحدى انتفاضات السود في أمريكا بعد حرب الخليج الثانية، وربما تقع بعد هذه الحرب كذلك منهم أو من غيرهم، فوالد الجندي الأسود لم يرض بفقدان ولده الوحيد، وأكثر قتلى الأمريكان هم من ذوي الأصول الأسبانية وممن لا يحمل الجنسية الأمريكية، وستجد الحرب الداخلية بينهم من يسعّر لها، ولعبة الفتن والحروب الداخلية التي تتقنها الإدارة الأمريكية ربما ترتد عليها، ولعل جورج بوش لعنة على الأمريكان فقد قّسمهم عند مجيئه وفي حربه وسيقسم الأمريكان أكثر عند خروجه.(18/35)
إننا بحاجة إلى الأمل الذي يحيي النفوس، والعمل الذي يتجاوز بنا هذه المرحلة المظلمة، ((ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض))[محمد: 4]، لا لدفق اليأس في القلوب، فاليأس والإحباط بضاعة فاسدة تصدر من قلوب كاسدة في الخير زاهدة، ليست في العمل جادة.
إننا نطلب المعجزات والكرامات وإيقاف السنن الإلهية وخرق العوائد ونحن لم ننصر أمر الله ولم نكرم دينه ولم نتخلف عن عاداتنا السيئة. وفوق ذلك نستعجل النصر على الأعداء بلا جهاد ولا إعداد ، أليس ذلك ظلماً.
إن الله - عز وجل - لا يعجل لعجلتنا، ولا تتحوّل سننه لأهوائنا ولا لأحزاننا، وسنن الله لا تحابي أحداً، فلنعمل لله دوما، ولنصبر ولنصابر، فإذا لم ندرك نحن ثمرة النصر فليقطفها أبناؤنا، وعُمر الإسلام أطول من أعمارنا والعاقبة للمتقين، والله - تعالى - بيده الأمر كله، وليست الذلة والمرارة التي تعيشها الأمة الإسلامية حتماً صارماً لا يزول، فليس بعد الظلام الدامس إلا الفجر الساطع وربما سبقه فجر كاذب، وليس صحيحا ما يردده الأمريكي المتغطرس من نهاية التاريخ، فهو إما غاش مخادع و أما مغرور جاهل بل التاريخ في دورات متعاقبة يتحقق فيها التقديم والتأخير والتمكين والاستضعاف.
وعليك بهذه الآية ((فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون)) [الروم: 60] وإن كثر البوم والغربان في هذا الزمن فـ ((لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون)) [الروم: 4]، وسيقول المتشائمون حينئذ: ويكأن الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
http: //www. alsunnah. org المصدر:
===============
من أين تبدئين الدعوة في المجال الطبي ؟
د. رقية بنت نصر الله محمد نياز
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (سورة آل عمران: الآية: 102)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (سورة النساء: الآية: 2).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ُيصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَه فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ُ} (سورة الأحزاب: الآية: 70 ، 71)(1).
أما بعد: فالإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للناس جميعاً ، وبه ختم الله سائر الرسالات السماوية السابقة ، يقول - سبحانه وتعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ُ} (سورة المائدة: الآية: 3).
ومقام الدعوة إلى هذا الدين مقام عظيم ومرتبة عالية ، لأنه مقام صفوة خلق الله - تعالى - محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وخلفائه الراشدين - رضي الله عنهم - الذين خلفوه في العلم والعمل به والدعوة إليه (2).
إذاً ، فالدعوة والتبليغ هدف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وشعار لحزبه المفلحين ، وأتباعه من العالمين (3)، قال - تعالى - {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (سورة يوسف: الآية: 108.).
ولقد كان من فضل الله - تعالى - على الإنسانية أن عمّم أمر التكليف بالدعوة إلى هذا الدين ، ولم يخصها بجنس دون الآخر ولا بذكر دون أنثى ، فحمل - سبحانه وتعالى- النساء هذه المسؤولية أيضا.
وقد حمّل القرآن الكريم خطاب التكليف إلى الرجل والمرأة معاً في قوله - تعالى -: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (سورة آل عمران: الآية: 104). ومعلوم أن الأمة تتكون من الرجال والنساء فالخطاب للجميع (4).
وجاء الاستقلال بالتكليف في خطاب خاص موجه للمرأة ، وذلك في قوله - سبحانه وتعالى- {وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا}. وقد فسر حبر هذه الأمة (القول المعروف) بأنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (5). اللذان يعدان أصل الدعوة إلى الله وأساسها المتين.
ومما يدل أيضا على تخصيص المولى - سبحانه - المرأة بهذا الخطاب ، قوله - تعالى -: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (سورة الأحزاب: الآية: 34)، ومعلوم أن هذه الآية لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يخبرن بما أنزل الله إليه من القرآن في بيوتهن وما يرين من أفعاله - عليه الصلاة والسلام - وأقواله ، حتى يبلغ ذلك إلى الناس فيعملوا بما فيه ويقتدوا به (6).
والخطاب وإن كان في الآيتين السابقتين لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن نساء المؤمنين مقتديات بهن ، ونقل هذه الأمور من صميم الدعوة إلى الله - تعالى -.(18/36)
إذا هذا الخطاب من البشائر العظيمة ، وهذا التكليف من الأوسمة التي حُقّ للمرأة المسلمة أن تفرح وتفتخر وتستبشر بها!! كيف لا والله - سبحانه وتعالى- رفع من قدر الدعوة وأثنى على الذين يدعون الخلق إلى الخالق تبارك و- تعالى - (7)في مثل قوله - تعالى -: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَال إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ َ} (سورة: فصلت ، الآية 33).
كيف لا تفرح الأخت المسلمة بهذا الخطاب وبشارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تطرق أذنيها حين يقول: (فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحد ، خير لك من حمر النعم) (8).
كيف لا تستبشر وهي تعلم علما يقينا أنها بهذا التكليف ستنال أجورا عظيمة تساوي أجور كل من كانت سببا في هدايتهم وصلاحهم ، وذلك في حياتها وحتى بعد مماتها إلى يوم القيامة (9)، وذلك تصديقا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه ، لا ينقص من أوزارهم شيئا) (10).
لهذا كان للمرأة المسلمة منذ فجر الإسلام دور مبكر في الدعوة إلى الله ونشر هذا الدين. فهي أم الرجال ، وصانعة الأبطال ، ومربية الأجيال. لها من كنانة الخير سهام ، وفي سبيل الدعوة موطن ومقام. بجهدها أشرق أمل الأمة ولاح فجرها العظيم. على عكس بعض نساء اليوم اللاتي شغلن أنفسهن في غير طاعة ، وشغلن أنفسهن بسفاسف الأمور وصغيراتها ، فنجد اهتماماتهن منصبة في اللباس ، وأُخرى في قصات الشعر ، والمرور على المراكز التجارية ، والتجول في الأسواق ، والتنقل بين القنوات والمجلات أخذ عليهن جل الأوقات. فضاعت منهن أنفس اللحظات وأثمن الأوقات في غير ما خلقن له. يقول ابن القيم - رحمه الله - تعالى -: فمن كان وقته لله فهو حياته وعمره ، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته ، وإن عاش فيه عاش عيش البهائم ، فإذا قطع وقته الغفلة والسهو.. فموت هذا خير له من حياته (11).
فهل يصح للمرأة أن تنصرف بعد ذلك عن هذا الطريق!! طريق الدعوة إلى الله.. طريق الدعوة إلى الخير والهدى والذي عده (القرآن الكريم) من اللوازم الضرورية لإيمانها ، فإذا ما تخلفت عن هذا الواجب العظيم دل ذلك على وجود شرخ في البناء الإيماني قد يخرجها إلى حظيرة النفاق والمنافقين ولا يمكن إصلاحه وترميمه إلا من خلال القيام بهذا الواجب... واجب الدعوة.
وهذا إشارة إلى ما جاء في قوله - تعالى -: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَ- رحمهم الله - إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (سورة التوبة: الآية 71). فعلق - سبحانه وتعالى- إيمان المؤمنين والمؤمنات بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. أي الدعوة ثم أردف ذلك ببعض أركان الإسلام مثل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأيضا في قوله - تعالى -: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (سورة التوبة: الآية 67). وعلى العكس من ذلك فالله - سبحانه وتعالى- نسب النفاق إلى الآمرين بالمنكر والناهين عن المعروف ، ومعلوم أن نسبة النفاق إلى أي أحد معناه نفي الإيمان.
ويؤكد - صلى الله عليه وسلم - هذا بقوله: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (12) ، وفي رواية أخرى: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) (13).
من هنا نؤكد ونقول إن إيمان المرأة يحتم عليها مسؤولية القيام بالدعوة في المجال الذي تعيشه كلا حسب طاقاتها وقدراتها ، فالأم في بيتها ، والمعلمة في صفها ، والطبيبة في عيادتها ، والإدارية في إدارتها.... الخ.
إن المجتمعات في حاجة ملحة إلى دعوة الله وبدون هذه الدعوة لا استقرار ولا سعادة ، واجتماعنا اليوم كان لأجل تقديم هذا الخير لفئة مهمة من البشر ـ الجاليات ـ في مؤسسة إنسانية ، اجتماعية لا أحد ينكر دورها الهام الذي باتت تلعبه على كل المستويات. فإذا كانت الشريعة الإسلامية قائمة على حفظ الروح وتغذيتها ، فإن المجال الصحي قائم على حفظ البدن ووقايته وفي هذا الصدد يقول الإمام الشافعي ـ - رحمه الله -.. " صنفان لا غنى للناس عنهما: العلماء لأديانهم ، والأطباء لأبدانهم " ، والإنسان إنما هو بدن وروح ، والروح والبدن مرتبطان أوثق ارتباط وهذا يعطي للأخت الطبيبة المسلمة بصفة خاصة وللعاملات في هذا المجال مسؤوليتين عظيمتين لا مسؤولية واحدة. إحدى هاتين المسؤوليتين تتعلق بحفظ البدن والأخرى حفظ الروح.
ولقد شعر المنصّرون وغيرهم بأهمية مكانة المجموعة الطبية واستغلوها للدعوة إلى دينهم ومذهبهم ، ولقد أفصح " صمويل زويمر " على هذه الأهمية بقوله: " إن جميع العاملين في ميدان التبشير في الجزيرة العربية متفقون على أن الطبيب القدير والجراح الماهر يحمل جوازاً يفتح القلوب مهما كانت عنيدة ، إن المستشفيات في الجزيرة العربية هي مكان تلتقي فيه الرحمة بالخلق ، ويتعانق فيه الصلاح والسلام ". (14)(18/37)
ونحن نقول: إن المستشفيات والمراكز الصحية أماكن يجتمع فيها المسلمون بأمثال هؤلاء المنصّرين وغيرهم من الجاليات العاملين في هذا المجال باسم الطب والتمريض والهيئات الفنية والأيدي العاملة. فلماذا لا تستغل هذه المجالات وتكون منبرا للخير والهدى وذلك بغرس العقيدة السليمة ومحو العقائد الفاسدة وآثارها المدمرة. وهذا بالطبع يحتاج إلى وقفة صارمة منك أيتها الأخت العاملة في المجال الصحي.
ولا تقول قائلة: إنني لا أحسن الدعوة ، لأنني غير متخصصة في المجال الدعوي!! فهذا كلام مردود لأن الدعوة إلى الله - تعالى - لا تحتاج عالما متخصصا.. أو خطيبا مفوها.
إن المرأة المسلمة العاملة في المجال الصحي تستطيع بفطرتها السليمة أن تميز الأخطاء وتصححها ، وتتعرف على المنكرات وتنبه عليها. وقبل هذا وذاك هي مسلمة تملك من مبادىء الدين وأساسياته ما يمكنها من القيام بالدعوة إلى العقيدة السليمة عقيدة التوحيد.
هذا هو الطريق.. لكن من أين البداية الصحيحة في هذه الدعوة؟.
وللإجابة على هذا السؤال نقول: من المهم في أي دعوة موجهة أن يبدأ الإنسان من نفسه وبنفسه ، ولعلي لا أغالي في قليل أو كثير إذا قلت للأخوات العاملات في هذا المجال أن الأساس في دعوة هذه الفئة خاصة وفي هذا المجال بالذات أن يبدأ بتصحيح النفس وإصلاح الذات وأقصد بذلك ـ الداعية ذاتها ـ لتكون صورة حية للإسلام في الأقوال والأفعال ، في المظهر والسلوك والتعامل ومن هنا تكون أنموذجا صالحا للاقتداء ، وأيضا تكون قد ساهمت في الدعوة بأسلوب من أساليبها والذي يعرف في المصطلح الدعوي بأسلوب القدوة.
وتبرز أهمية القيام بالدعوة من خلال القدوة هنا بالذات من عدة أمور أهمها:
أولا: سرعة انتقال الخير من المقتدى به إلى المقتدى وسهولته. فالأخذ بالشيء عمليا والتمسك به أكثر إقناعا للمدعوين من الحديث والثناء عليه ، لاسيما وأن لغة الحوار بين المرأة الداعية وبين الجاليات قد تكون معدومة وإن وجدت فإنها في نطاق ضيق ومحدود ، وذلك لاختلاف اللغات ، فمجرد العمل بالخير وتطبيقه تحصل قناعة عندهم بصلاحية هذا الخير والفعل للتطبيق ، وأنه ليس أمراً مثالياً مجرداً. كل ذلك دون الحاجة إلى لغة الخطاب.
ثانيا: سهولته ، فأثر القدوة عام يشمل جميع الجاليات على مختلف مستوياتهم ، فالمتعلم والأمي منهم سيناله نصيب من الدعوة من خلال محاكاة فعل الداعية وتقليدها وإن لم يتم فهمه.
ثالثا: إن متطلبات العمل في المجالات الصحية تقتضي التنقل والحركة المستمرة مما يصعب معه عقد مناقشات وحوارات. وهنا تبرز قيمة الدعوة بالقدوة..
رابعا: إن من طبيعة البشر وفطرتهم التي فطرهم الله عليها أن يتأثروا بالأمور العملية أكثر مما يتأثرون بالأمور الفطرية كالقراءة والسماع ، وهذا التأثير فطري لا شعوري. (15) ومن هنا أشارت أم سلمة - رضي الله عنها - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأسلوب الدعوي والمبادرة إلى (الحلق والتحلل) ليقتدي به الناس عمليا ، فكان كما قالت - رضي الله عنها -.
وقد أكدت المصادر الأصلية في تاريخ الدعوة الإسلامية أن من أسباب انتشار الإسلام خارج النطاق العربي حتى وصل إلى الهند والسند شرقا والأندلس غربا كان من أهم أسباب هذا الانتشار هو أسلوب القدوة الحسنة.. فقد حمل الصحابة رضوان الله عليهم الإسلام بجوارحهم ولم يحملوه على ألسنتهم فحسب فكان الإسلام يتجلى في أفعالهم وسلوكهم وتعاملهم ، ونتيجة لذلك يقول " غوستاف لوبون أقبلوا على تعلم اللغة العربية وإن تعلمها ساعد على تعريفهم بالإسلام ".
ويؤكد أهمية دور القدوة في الدعوة إلى الله - تعالى - أحد الذين استجابوا لهذا الدين حديثا إنه مدير دريم بارك الأمريكي " وليم فرنسيس " سابقا و " يوسف كيلي " حاليا ، حين تحدث عن قصة إسلامه قائلا " لفت نظري إلى الإسلام كلمة قالها لي سائق سيارتي " أيمن ": أنت قلبك طيب زي قلوب المسلمين بالضبط. ففكرت من هنا في معنى هذا الإسلام وقرأت عنه حتى أشهرت إسلامي. ثم يقول: إن المسلمين يعاملوني جيدا حتى قبل أن أسلم أو أخبرهم أنني أفكر في الإسلام ، ومعاملتهم لي لم تجعلني أشهر إسلامي ولكن جعلتني أفكر بإيجابية في اعتناق هذا الدين ، وأعتقد أنه لو كانت المعاملة سيئة ربما لم أعتنق الإسلام ، لأنه طالما أن هؤلاء المسلمين معاملتهم سيئة وتصرفاتهم خاطئة فلماذا أكون على دينهم. (16)
إذاً فحركاتك وسكناتك أيتها الأخت المسلمة العاملة في المجال الصحي محسوبة لك أو عليك إن خيراً فخير وإن شراً ـ والعياذ بالله ـ فشر نسأل الله السلامة.
ولعل حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - السابق ذكره يؤيد هذا المقام في قوله " فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحد خير لك من حمر النعم ".
لهذا نؤكد على الأخت المسلمة العاملة في المجال الصحي الالتزام ومراعاة الآتي:
أولا: تقوى الله ومراقبته في السر والعلن.
ثانيا: الالتزام بأركان الدين وواجباته كأداء الصلاة في أوقاتها المحددة بخشوع وبدون تفريط ، والالتزام بالحجاب الإسلامي الساتر غير مبدية زينة وتبرج وسفور أو فتنة كالعطر والمكياج.
ثالثا: الاعتزاز بالدين الإسلامي والمجاهرة بآدابه وسلوكه فعلى سبيل المثال التحية بتحية الإسلام بدلا من التحيات الأجنبية الدخيلة.
رابعا: التخلق بأخلاق الإسلام والالتزام بها كالصدق والأمانة والنزاهة والتواضع والصبر.
خامسا: الدقة والالتزام والانضباط في المواعيد.
سادسا: تأليف قلوب الجاليات من خلال تقديم المساعدات.
سابعا: إتقان العمل والإخلاص فيه وهو ما يسمى في العرف الطبي بصدق النية وصدق العمل.(18/38)
ثامنا: البعد عن الخوض في الأمور المحرمة شرعا والمستقبحة اجتماعيا ، كالغيبة والنميمة والهمز ، وكثرة الكلام والضحك ، والتلفظ بالألفاظ غير المقبولة في المجتمع ، والتدخين.
تاسعا: البعد عما يسمى بخوارم المروءة. وإن كانت ما لم يحرم شرعا كمضغ العلكة أثناء العمل ، ولبس الملابس الشاذة اجتماعيا.
عاشرا: توضيح اللباس الشرعي الساتر للجاليات من خلال مظهرك وملبسك. والله. الله في الحجاب فاجعليه شيئا بارزا في مظهرك فالناعقون عندما بدأوا يطلون برؤوسهم من جحورهم الموحلة لتدمير الإسلام وأصوله العظيمة إنما كانت من خلال نزع الحجاب في أمثال هذه المؤسسات لدفع الفتاة إلى الرذيلة وإبعادها عن سياج الصون والعفاف.
وأخيرا: اجعلي رضى الله - سبحانه وتعالى- وتحقيق عبوديته من خلال هذه المهنة هو الهدف الأسمى ، أما النجاح المادي والإجتماعي أو الحفاظ على السمعة وتحقيق الشهرة فإنه يأتي بعد ذلك تحقيقا لقوله - تعالى - {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
أختي المسلمة: إن بإمكان كل إمرأة عاملة في المجال الصحي أن تكون داعية إلى الله إذا التزمت بهذه الضوابط ، والأمر يسير لمن يسره الله لها.
إن الأمل يحدونا إلى أن تكون هناك دعوة نسائية داخل المؤسسات الصحية وأن تكون هذه المحاولات جادة وأصيلة قائمة على مسالك رشيدة تبدأ من إصلاح النفس حتى ينعكس ذلك الإصلاح والخير على الغير ، ولا ننسى هنا أن نذكر بأهمية الدعوة القولية. أو الدعوة بإحدى الوسائل السمعية كالكاسيت.. أو المقروءة كالكتب والمنشورات... الخ.
أختي المسلمة العاملة في المجال الصحي: إن قيامك بالدعوة أياً كان نوعها ، ومهما كان حجمها يجعل منك عنصرا فعالا في بناء مجد دينك وأمتك وسوف تضمنين سعادة الدنيا والآخرة ، وهذا تحقيقا لقوله - تعالى -: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونٍَ}(سورة: النمل: الآية / 97.).
وقد أكد جمع من المفسرين أن الحياة الطيبة تكون في الدنيا والجزاء بالأجر يكون في دار الآخرة. (17)
والله - تعالى - أسال أن يجعلنا هداة مهتدين ، غير ضالين ولا مضلين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
-------
1- خطبة الحاجة: كما سماها العلماء ، وأثبت الشيخ محمد ناصر الدين الألباني صحة بعض طرقها ، وله رسالة بعنوان (خطبة الحاجة) (ص 13) المكتب الإسلامي 1400هـ وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة ، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني (1/3). الطبعة الرابعة 1405هـ. ط. المكتب الإسلامي (بيروت).
2- انظر: رسالة في الدعوة إلى الله / للشيخ محمد بن صالح العثيمين (ص 5) مكتبة الربانيين.
3- انظر: أعلام الموقعين عن رب العالمين / للعلامة ابن قيم الجوزية (1/8) دار الفكر ، ط. الثانية 1397هـ.
4- المرأة المسلمة المعاصرة إعدادها مسؤوليتها في الدعوة ، د. أحمد أبابطين (ص 105).
5- انظر: الجامع لأحكام القرآن الكريم / للامام القرطبي (14/178).
6- انظر: أحكام القرآن / للامام أبو بكر بن العزي (3/1526).
7- انظر: تفسير القرآن العظيم / للحافظ ابن كثير (7/167).
8- صحيح البخاري مع فتح الباري (6/111) حديث 2942 ، كتاب الجهاد ، باب دعاء النبي الناس إلى الإسلام.
9- انظر: شرح الإمام النووي على صحيح مسلم (16/226).
10- صحيح مسلم (4/2060) حديث 2674 ، كتاب العلم ، باب من سن سنة حسنة أو سيئة.
11- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي / للإمام ابن القيم (184)..
12- صحيح البخاري مع فتح الباري (6/496) حديث 3461 ، كتاب الأنبياء.
13- صحيح مسلم (1/69) حديث 49. كتاب الإيمان ، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان..
14- نقلا عن كتاب المرأة المسلمة المعاصرة إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة / د. أحمد بن محمد أبابطين (ص 3 ـ 5).
15- انظر: المدخل إلى علم الدعوة / د. محمد أبو الفتح البيانوني (ص 273).
16- نقلا عن مجلة المستقبل ، العدد / 122 جمادى الأخرة 1422هـ (ص 14 ، 16).
17- انظر على سبيل المثال: تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير (4/521).
http: //www. saaid. net المصدر:
===========
الوسائل الدعوية المختلف فيها
لكن ماذا لو كانت الوسيلة من الأمور التي اختلف أهل العلم في حكمها بين مبيح وبين حاظر؟
هذه الوسائل التي اختلف أهل العلم فيها، ينظر في الداعيةِ المتوصلِ بها إلى دعوته، هل هو ممن بلغ رتبةً الاجتهاد، أم أنّه دون ذلك؟
فإن كان قد بلغ رتبة الاجتهاد التي يستطيع بها أن يرجح قولاً على قول، مستنداً في ذلك إلى الأدلَّة الشرعيّة والأصول والقواعد الفقهيّة، إن كان كذلك وأدَّاه نظرُه إلى حكمٍ فيها، عَمِلَ به، إلاّ إن خشي أن تترتب على حكمه هذا مفسدة، فعليه أن يراعيها؛ لأنّ درء المفاسد مقدم على جلب المنافع.
وإن لم يكن الداعيةُ قد بلغ هذه الرتبة، فليسأل أهل العلم والتّقوى الذين يثق بعلمهم ودينهم، ثم يأخذ بما أفتوه به من حكم في مسألته.
لكن على الدَّاعية إلى الله - تعالى - أن يراعي أموراً إذا كانت الوسيلة مما اختلفت فيها أنظار أهل العلم؛ وهي:
1- أن يعلم أنّ سبيلَ أهلِ الورعِ الترفعِ عن الشبهات، فَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول -وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ-:(18/39)
((إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ؛ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً، أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُه)).
[متفق عليه: رواه البخاري: كتاب الإيمان / باب فضل من استبرأ لدينه، ومسلم:
كتاب المساقاة / باب أخذ الحلال وترك الشبهات].
2- إنْ كانت هذه الوسيلةُ -الْمُخْتَلَفُ فيها– يراها مباحةً، وهناك من الوسائل غيرُ الْمُخْتَلَفِ فيها يمكن أن تؤدي الغرض، فليبتعد عن الوسيلة المختلف فيها، وليأت المتفق عليها.
3-عليه أن يعلم أنّه إن رأى وسيلة من الوسائل محرمة رآها غيره مباحة، لا بالتشهي، ولكن بناء على اجتهاد معتبر من العالم، فإنّه لا يثرب على من رأى الإباحة؛ لأنّ كلا القولين بُني على اجتهاد معتبر، كما لو رآها مباحةً ورآها غيرُه محرمة، فإنّه لا يثرب عليه، أمّا إن كان من أهل العلم والذي يرى الإباحة كذلك فلا مانع من مناقشة رأي غيره للتوصل إلى اتفاق، وإلا ففي الأمر سعة. والله أعلم.
http://www.dawahwin.com المصدر:
===========
الإبداع الدعوي
ترددت كثيرا حينما فكرت في أن أخوض في غمار هذا الموضوع لا لعدم حبي له ولكن لحيائي من قلت البضاعة ورداءت العرض ولكني أستعين بربي باذلا جهدي في مشاركة إخوتي هموم دعوتي قاطع على نفسي إسداء نصيحتي في سبيل إسعاد أمتي....
الإبداع كلمة رنانه تستهوي ذوي الهمم العالية والنفوس التواقه فهم يرون أن الجديد ذو الجودة والأصالة والإتباع هو المحرك لهم لجلب الاهتمام واحتواء المميزين.
والإبداع الدعوي موضوع جديد في طرحة لكنه متناثر في تجارب العاملين معه فهو يحتاج إلي تجميع و استقصاء وتوثيق فالله المستعان....
مراحل البناء لرواحل البناء:
المرحلة(1): الانتقاء:
الأهداف:
1. شخصية قوية وجذابة. 2. ذو أمانة وخلق. 3. ملكات وقدرات. 4. ذكاء وفهم.
الوسائل: وهي الخطوات العملية لتحقيق الهدف المحدد مسبقا
1. البرامج العامة. 2. التفرس والحدس. 3. التوصيل. 4. الاختبار.
المفاهيم: وهي النتاج العملي للبرنامج الزمني الذي يحقق الهدف المطلوب
1. أهمية البيئة. 2. الاستفادة من الخبرات. 3. البعد عن العزلة.
الوسائل الثقافية: وهي الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية
كتب تساعد المربي: 1. البرمجة العصبية. 2. من يشد خيوطك.
المرحلة(2): التعرف:
الأهداف: 1. التعرف عن قرب. 2. الألفة والمحبة. 3. الارتباط الوجداني بالصالحين.
الوسائل: 1. جمع المعلومات الشاملة. 2. اللقاءات العامة. 3. الكسب بالتلطف والاهتمام.
4. برامج ترفيهية قصيرة. 5. طرح قضايا اجتماعية شبابية.
المفاهيم: 1. الإنسان مدني بطبعه. 2. سمات الجليس الصالح.
3. المزاح ، التبسم. 4. الدين المعاملة.
الوسائل الثقافية: 1. كيف تكسب أخ في الله-القطان. 2. الطريق إلى القلوب- السيسي.
المرحلة(3): تقوية العلاقة و بناء الثقة:
الأهداف: 1. تكوين الانسجام النفسي بين الأستاذ والطالب. 2. غرس مفاهيم الإسلام الأساسية.
3. البدء في بناء الثقة في نفسية الطالب.
الوسائل: 1. زيادة وتركيز اللقاءات. 2. إثارة النقاش حول ما يهم الطالب.
3. طرح المناسب من قضايا الساعة وإبداء وجهة النظر السليمة.
4. التأكد من سلامة الطالب من موانع الاهتمام الفردي.
5. العمل بوسائل بناء الثقة. 6. قضاء الحاجات.
المفاهيم: 1. بعض معاني الأخوة في حياة السلف. 2. قصة الصديقين. 3. أهمية صلاة الجماعة.
4. مفهوم الإخلاص. 5. صور من سماحة الإسلام. 6. الصدق في الأقوال.
7. اهتمام الإسلام بالشباب سيرة سلمة بن الأكوع أهمية القراءة للشباب.
الوسائل الثقافية: 1. الأخوة في الله –الراشد. 2. صور من حياة الصحابة.
3. رجال حول الرسول-خالد. 4. الدعوة إلى الله حب- السيسي.
5. الأخوة الإسلامية-علوان.
المرحلة(4): إيقاظ الإيمان المخدر:
الأهداف: 1. الإرتباط بالصحبة الصالحة عاطفيا. 2. هجر العادات الجاهلية وظهور سمات الإيمان على جوارحه. 3. تقبل توجيهات المربي له. 4. ربطه بدرس أسبوعي أو التهيئة لذالك.
الوسائل: 1. التركيز على مواضيع التفكير في آلاء الله. 2. الاهتمام بالبرنامج العلمي لهذه المرحلة -طرح قضايا الحب في الله. 3. بيان أهمية التناصح. 4. بيان فضل مجالس الذكر.
المفاهيم: 1. عبادة التفكر-أهميتها و كيفيتها. 2. شرح حديث حلاوة الإيمان. 3. المرء على دين خليله. 4. المفهوم الصحيح للعبادة. 5. الإيمان-تعريفه وأركانه. 6. ما كان الرفيق في شيء إلا زانه. 7. زيف الحضارة المادية. 8. إخلاص العمل لله. 9. فضل قراءة القرآن.
10. آفات اللسان. 11. التناصح في الله. 12. تعال بنا نؤمن ساعة. 13. حقوق الأخوة.
14. فوائد غض البصر.
الوسائل الثقافية: 1. حينما يذوق المؤمن حلاوة الإيمان 2. أفراح الروح-ابن القيم 3. توبة صادقة البريك 4. شريط الجنة والنار- المورعي 5. الرقة والبكاء-المقدسي
6. رياض الصالحين-النووي 7. الله جل جلاله-السيسي 8. الرقائق-الراشد.
9. سلسلة أشرطة الشيخ حسن أيوب 10. سلسلة السويدان عن يوم القيامة.
المرحلة(5): تكوين الالتزام الذاتي:
الأهداف: 1. الوصول بالمدعو إلى مستوى الالتزام الديني 2. إبراز الصورة الشمولية للإسلام.
3. إيجاد النفور من المعاصي.(18/40)
الوسائل: 1. التركيز على بناء الجانب العبادي والإيماني 2. بناء منزلة المراقبة وتقوية الوازع الديني 3. الاهتمام بالقراءة المجدولة.
المفاهيم: 1. الإيمان باليوم الأخر المحرك الدائم للنفس البشرية 2. الحقيقة المغيبة (الإسلام دين شامل) 3. التوازن في حياة المسلم الإنسان-نظرة تحليلية. ثقافة الشاب المسلم كيف ولماذا؟
4. الجدية في الالتزام بالشرع وأهميتها 5. الأمم السابقة نظرة اعتبار 6. أصول المعاصي.
7. الشبهات والشهوات 8. أهمية التثبت وخطورة الانزلاق في هتك الأعراض.
9. المسارعة إلى الخيرات 10. سيرة حبيب بن زيد 11. نعم الله على العبد.
12. حقيقة السعادة 13. مجاهدة النفس 14. الخوف والرجاء 15. التحذير من المعاصي.
16. النوافل وأهميتها 17. الاستقامة.
الوسائل الثقافية: 1. الهمة طريق القمة-الشريف 2. الرقابة الذاتية 3. سلوك الأدب-الشريف.
4. مخافة الله- المورعي 5. ذاتية المؤمن طريق النماء-القطان 6. منهج السلف في تربية النفوس-البلالي 7. الوقت في حياة المسلم-القرضاوي 8. الوقت عمار أو دمار- المطوع.
9. الحياة في محراب الصلاة-مشهور 10. العبادة في الإسلام –القرضاوي.
المرحلة(6): البناء الإيماني و العبادي:
الأهداف: 1. ترسيخ الإيمان والعقيدة الصحيحة في شخصية المدعو 2. تعميق الولاء لله وللمؤمنين؛ وارتباط المدعو بالأفراد.
الوسائل: 1. الاهتمام بالمواضيع الإيمانية 2. التكليف بحفظ أذكار اليوم والليلة.
3. حضور المحاضرات في المساجد ونحوها؛خاصة إذا كانت لها علاقة بأهداف المرحلة.
4. التكليف بحفظ جزء عم وقراءة تفسير آيات محددة منه.
5. التكليف بقراءة وتخليص بعض الكتب وكذا الأشرطة 6. بيان حاجة الشاب لإخوانه في الله.
المفاهيم: 1. اثر الذنوب على الفرد 2. حلاوة السعادة 3. المفهوم الحقيقي للأخوة.
4. عوامل الثبات على الالتزام 5. خشية النفاق 6. معنى الجدية في الالتزام.
7. العبادات القلبية 8. خفايا النفس البشرية.
الوسائل الثقافية: 1. الارتقاء الإيماني- منوع 2. العبادات القلبية-الشريف 3. كيف أستغل وقتي بجدية 4. الحياة في محراب الصلاة-مشهور 5. الجدية في الالتزام-المنجد 6. الرقائق الراشد 7. صور من حياة الصحابة الباشا.
المرحلة(7): البناء النفسي والسلوكي:
الأهداف:
1. تمثيل المدعو للجدية والجندية.
2. تميز المدعو بالأخلاق الفاضلة.
3. تحقق مستوى من الاتزان العاطفي.
الوسائل:
1. الاهتمام بسير الصالحين.
2. مفهوم الطاعة في الإسلام.
3. تدارس فنون التعامل مع الناس.
4. طرح مواضيع النفاق العملي والاعتقادي.
5. توضيح المفهوم الشامل للصدق مع الله.
6. التركيز على التخلق بالأخلاق الإسلامية.
المفاهيم:
1. معرفة الله والأنس به.
2. الغضب جذوة من النار.
3. الشباب بين الغرائز و الظوابط.
4. وقفات مع حديث حلاوة الإيمان.
5. مفهوم الطاعة في الإسلام .
6. ذنوب الخلوات.
7. مفهوم المجاهدة.
8. إتباع الهوى.
9. فقه الاستشارة.
10. ذو الوجهين.
11. الحيل النفسية.
12. حقيقة الجدية.
الوسائل الثقافية:
1. فن التعامل مع الناس-الخاطر.
2. حسن الخلق-الحمد.
3. ضعف الأخلاق دليل ضعف الإيمان-الغامدي .
4. التغيير-السويدان.
5. خلق المسلم-الغزالي.
6. تقوية الثقة بالنفس-موسى.
7. الإغراق في الجزئيات- العودة.
8. الحيل النفسية- العودة-نهاد درويش.
المرحلة (8): تحقيق شمولية الإسلام :
الأهداف:
1. وضوح النظرة الشمولية للإسلام عند المدعو .
2. غرس الغيرة على الإسلام في نفسية المدعو.
3. معرفة المدعو حقيقة الدنيا والآخرة.
الوسائل:
1. استغلال الأحداث في إذكاء الحماس والغيرة على الإسلام .
2. توضيح دور المسجد في الإسلام .
3. عرض حقيقة الدنيا من خلال الأحاديث النبوية.
المفاهيم:
1. مفهوم الرياضة في الإسلام .
2. الإسلام دين الزمان والمكان.
3. صلاح السرائر.
4. العلمانية. الصهيونية. الماسونية.
5. مداخل الشيطان على الشباب.
6. التآمر على الشباب المسلم .
7. زيف الحضارة الغربية .
الوسائل الثقافية:
1. الإسلام والحياة-القرضاوي .
2. قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام .
3. الإسلام دين ودولة .
4. الشباب والتغيير-يكن.
5. صناعة الحياة-الراشد.
6. من روائع حضارتنا- السباعي .
7. مفاهيم إسلامية- السويدان .
8. تهذيب مدارج السالكين-ابن القيم .
المرحلة(9): التألم لحال الأمة:
الأهداف:
1. غرس الألم والحرقة لحال المسلمين في شخصية المدعو .
2. تكوين الحاجة إلى التغيير في بيئته .
3. إيجاد القناعة بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الوسائل:
1. إكثار الحديث عن هموم المسلمين ومآسيهم .
2. التذكير بالماضي المشرق للمسلمين .
3. التفصيل في قضايا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
4. الترغيب بما عند الله وضرب الأمثلة على حب الشهادة عند الصحابة .
5. إثارة السؤال دائما(ما هو الحل المطلوب تجاه الواقع) .
6. تربية المدعو على بعض معاني حب الجهاد والاستشهاد .
المفاهيم:
1. أهمية التنظيم في حياة المسلم .
2. أصول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
3. المخططات الغربية .
4. إن الله لا يغير ما بقوم.
5. من فقه الواقع .
الوسائل الثقافية:
1. من يحمل هم الإسلام العودة .
2. مقومات رجل العقيدة-مشهور .
3. سقوط الخلافة- جريشة .
4. التبيان في مداخل الشيطان-البلالي .
5. آفات على الطريق-نوح .
6. الغرباء-العودة .
7. أين الخلل القرضاوي .
8. المؤامرة على الإسلام-الجندي .
9. ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين-الندوي .
المرحلة(10): العمل للإسلام :
الأهداف:
1. القناعة التامة بوجوب الدعوة إلى الله .(18/41)
2. ممارسة الدعوة إلى الله برغبة واهتمام .
3. تهيئة المدعو للعمل المنظم .
الوسائل:
1. تأصيل أمور الدعوة إلى الله ودراستها .
2. تكليف المدعو بالاهتمام بمدعو تتوفر فيه الشروط .
3. الوقوف بجوار المدعو وتدريبه بهدوء .
4. بناء المدعو حركيا و دعويا .
المفاهيم:
1. الدعوة إلى الله وظيفة الرسل .
2. العمل الجماعي مفهومة وواقعة.
3. الدعوات الفردية والدعوات الجماعية .
4. صبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أذى قومه .
5. من يحمل هم الإسلام .
6. مشروعية العمل وضروريته .
الوسائل الثقافية:
1. الدعوة إلى الله حب-السيسي .
2. الصياد الماهر- بادحدح .
3. كيف ندعو الناس-صقر .
4. رسائل العين .
5. المنطلق والعوائق- الراشد .
6. رسالة إلى أخي الداعية- القطان .
7. المستقبل لهذا الدين-سيد قطب .
8. ماذا يعني انتمائي للإسلام-يكن .
9. آفات على الطريق .
10. المسار .
المرحلة (11): العمل مع المنهج :
الأهداف:
1. قناعته بخط الدعوة وثقته بها .
2. قبوله التعاون والانخراط جنديا تحت لوائها .
الوسائل:
1. عرض أهم خصائص الدعوة .
2. عرض منجزات الدعوة .
3. عرض التضحيات .
4. التعريف بالرجال وتضحياتهم .
5. تهيئته لتحمل الأمانة .
المفاهيم:
1. مشروعية العمل .
2. مفهوم التجرد .
3. صفات الجماعة الراشدة .
4. دور الشباب في حمل رسالة الإسلام .
5. كيف ندعو الناس .
6. يا قومي لا أسألكم عليه أجرا .
الوسائل الثقافية:
1. مسافر في قطار الدعوة-الشويخ .
2. أثر الحركة الإسلامية في العالم-عزام .
3. العمل الجماعي مفهومة وواقعة-البشير.
4. مشروعية العمل الجماعي عند ابن تيميه-عبد الخالق .
5. أعلام الحركة- العقيل .
هذا والله أعلم ، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد فما كان فيه من خير وصواب فمن فضل الله وتوفيقه وما كان من زلل فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان.
http: //www. haramainj. net المصدر:
=============
الحلم
- مفهوم الحلم:
الحلم: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب.
والحلم حالة متوسط بين رذيلتين: الغضب ، والبلادة.
ونجد من الآيات التي وصفة الله بالحلم قد قرن فيها ذكر الحلم بالعلم كقوله - تعالى -: (وإن الله لعليم حليم) وهذا يفيد أن كمال الحلم يكون مع كمال العلم ، وهذا من أعظم مقومات الداعية الناجح ، وهو من أعظم أركان الحكمة.
- أهمية الحلم:
وقد مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - الحلم وعظّم أمره فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للأشج: ((إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة)).
- وإليك صور من مواقف تطبيق الحلم في الدعوة إلى الله - تعالى -: عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم حنين آثر ا لنبي - صلى الله عليه وسلم - أناساً في القسمة ، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل ، وأعطى عيينة مثل ذلك ، وأعطى أناساً من أشراف العرب فآثرهم يومئذٍ في القسمة ، قال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها ، وما أريد بها وجه الله ، فقلت: والله لأخبرن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فأتيته فأخبرته ، فقال: ((فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟!
رحم الله موسى فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر)).
وهذا من أعظم مظاهر الحلم في الدعوة إلى الله - تعالى - وقد اقتضت حكمة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقسم تلك الغنائم بين هؤلاء المؤلفة قلوبهم ، ويوكل من قلبه ممتلىء بالإيمان إلى إيمانه.
- طرق تحصيل الحلم:
وهناك أسباب تجلب الحلم وتدعو إليه ، ومن حافظ عليها واجتهد في تحصيلها كان حليماً بإذن الله - تعالى - ، ومنها على سبيل المثال ما يأتي في المطالب التالية:
* المطلب الأول: علاج الغضب.
علاج الغضب بالأدوية المشروعة يكون بطريقتين:
* الطريق الأول: الوقاية:
وتحصيل الوقاية من الغضب قبل وقوعه باجتناب أسبابه ، ومن هذه الأسباب التي ينبغي لكل مسلم أن يطهر نفسه منها: الكبر ، الإعجاب بالنفس ، والافتخار ، والتيه ، والحرص المذموم، والمزاح في غير مناسبة ، أو الهزل وما شابه ذلك.
* الطريق الثاني: العلاج إذا وقع الغضب:
وينحصر في أربعة أنواع كالتالي:
النوع الأول: الإستعاذة بالله من الشيطان ، قال الله - تعالى -: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم).
النوع الثاني: الوضوء ، عن عطية السعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)).
النوع الثالث: تغير الحالة التي عليها الغضبان عن أبي ذر رضي الله عنه قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لنا(إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإذا ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع).
النوع الرابع: استحضار ما ورد في فضل كظم الغيظ من الثواب ، عن معاذ - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله - عز وجل - على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور ما شاء)).
* المطلب الثاني: أسباب تحصيل الحلم:
وإذا أراد الداعية أن يزداد حلمه ، وتعظم حكمته ، فليحرص على الأسباب التي تدعو إلى الحلم ، فليعمل بها ، وهي عشرة:
1- الرحمة بالجهال ، فإنها من أوكد أسباب الحلم.
2- القدرة على الإنتصار ، وذلك من سعى الصدر ، وحسن الثقة.
3- الترفع عن السباب ، وذلك من شرف النفس وعلو الهمة.
4- الاستهانة بالمسيء:
إذا نطق السفيه فلا تجبه * * * فخير من إجابته السكوت
5- الاستحياء من جزاء الجواب ، وهذا من صيانة النفس وكمال المروءة.(18/42)
6- التفضل على الساب ، وهذا من الكرم وحب التألف.
7- قطع السباب ، وهذا من الحزم كما قال الشاعر:
وفي الحلم ردع للسفيه عن الأذى * * * وفي الخرق إغراء فلا تك أخرقا
8- الخوف من العقوبة على الجواب ، وهذا مما يقتضية الحزم ، فقد قيل: الحلم حجاب الآفات.
9- الرعاية ليد سالفة ، وحرمة لازمة ، وهذا من الوفاء وحسن العهد ، قال الشاعر:
إن الوفاء على الكريم فريضةٌ * * * واللؤم مقرون بذي الإخلاف
10- المكر وتوقع الفرص الخفية ، وهذا من الدهاء ، وقد قيل: من ظهر غضبه قل كيده.
فإذا راعى الداعية الوقاية من الغضب ، والعلاج ، وهذا الأسباب العشرة كان حليماً بإذن
الله - تعالى - وبهذا يحقق ركناً من أركان الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيراً كثيرا.
ينبغي للداعية أن يعرف أن الغضب لله يكون محموداً ، ولا يدخل في الغضب المذموم ،
فالغضب المحمود يكون من أجل الله عندما ترتكب حرمات الله ، أو تترك أوامره ويستهان بها ، وهذا من علامات قوة الإيمان ، ولكن بشرط أن لا يخرج هذا الغضب عن حدود الحلم وكان لا ينتقم لنفسه ، ولكن إذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء ، ولم يضرب بيده خادماً ، ولا امرأة ، إلا امرأة ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وقد خدمه أنس بن مالك - رضي الله عنه - عشر سنوات ، فما قال له: أفٍّ قط ، ولا قال له لشيء فعله:
لم فعلت كذا ، ولا لشيء لم يفعله ألا فعلت كذا؟
وهذا لا ينافي الحلم والحكمة ، بل الغضب لله في حدود الحكمة من صميم الحلم والحكمة.
http: //www. dawahwin. com المصدر:
===========
135 وسيلة لكسب الحسنات ( 1 )
الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فمن نعم الله على خلقه أن شرع لهم أعمالاً وأقوالاً من أتى بها حصل له الفضل والأجر والثواب، وفي هذه الرسالة جملة من هذه الأبواب التي ينبغي للمسلم أن يكثر منها ليزداد رصيده من الحسنات ويثقل موازينه، والله الموفق والهادي إلى السبيل.
(1) الإخلاص:
قال الله - تعالى -: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ" [البينة: 5].
(2) تجريد التوبة لله - تعالى -:
{من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه} [رواه مسلم] {إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر} [رواه الترمذي].
(3) العمرة:
{العمرة في رمضان تعدل حجة، أو حجة معي} [رواه البخاري ومسلم].
(4) قراءة القرآن وتلاوته:
{اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} [رواه مسلم].
(5) تعلم القرآن وتعليمه:
{خيركم من تعلم القرآن وعلمه} [رواه البخاري].
(6) ذكر الله - تعالى -:
{ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من لإنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ } قالوا: بلى. قال: {ذكر الله - تعالى -} [رواه مسلم].
(7) الاستغفار:
{من لزم الاستغفار جعل الله من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب} [رواه أبو داود والنسائي].
(8) إسباغ الوضوء:
{من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره} [رواه مسلم].
(9) الشهادة بعد الوضوء:
{من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني المتطهرين، فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء} [رواه مسلم].
(10) المحافظة على الوضوء:
{استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن} [رواه ابن ماجة].
(11) السواك:
{لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة} [رواه البخاري ومسلم].
(12) صلاة ركعتين بعد الوضوء:
{ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليه، إلا وجبت له الجنة} [رواه مسلم].
(13) الدعاء بعد الأذان:
{من قال حين يسمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلّت له شفاعتي يوم القيامة} [رواه البخاري].
(14) الدعاء بين الأذان والإقامة:
{الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُرد} [رواه أبو داود والترمذي] وزاد: قالوا: فما نقول يا رسول الله؟ قال: {سلوا الله العفو والعافية}.
(15) المحافظة على الصلوات الخمس:
{ما من امرىء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله} [رواه مسلم].
(16) المحافظة على الصلاة في وقتها:
سئل الرسول: أي العمل أفضل؟ قال: {الصلاة لوقتها} [رواه البخاري ومسلم].
(17) المحافظة على صلاة الفجر والعصر:
{من صلى البُردين دخل الجنة} [رواه البخاري].
(18) المحافظة على صلاة الجمعة:
{الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهم إذا اجتنبت الكبائر} [رواه مسلم].
(19) تحري ساعة الإجابة يوم الجمعة:
{فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه} [رواه البخاري ومسلم].
(20) قراءة سورة الكهف يوم الجمعة:
{من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين} [رواه النسائي والحاكم].
(21) الذهاب إلى المساجد:
{من غدا إلى مسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح} [رواه البخاري ومسلم].
(22) الصلاة في المسجد الحرام:(18/43)
{صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام. وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في هذا} [رواه أحمد وابن خزيمة].
(23) الصلاة في المسجد النبوي:
{صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام} [رواه مسلم].
(24) الصلاة في بيت المقدس:
{لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول ، ومسجد الأقصى} [رواه البخاري].
(25) الصلاة في قباء:
{من صلّى فيه كان كعدل عمرة} [رواه ابن حبان].
(26) المحافظة على صلاة الجماعة:
{صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة} [رواه البخاري ومسلم].
(27) الحرص على الصف الأول:
{لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا} [رواه البخاري ومسلم].
(28) المداومة على صلاة الضحى:
{يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل أمر بالمعروف صدقة، ونهى عن المنكر صدقة، و يجزىء من ذلك كله ركعتان يركعهما في الضحى} [رواه مسلم].
(29) المحافظة على السنن الراتبة:
{ما من عبد مسلم يصلي لله - تعالى - كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة، إلا بنى الله له بيتاً في الجنة} [رواه مسلم].
(30) التطوع في البيت:
{اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً} [رواه البخاري].
(31) كثرة السجود:
{أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء} [رواه مسلم].
(32) الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح للذكر:
{من صلّى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلّى ركعتين، كانت له كأجر حجة و عمرة}، قال رسول الله: {تامَّة، تامَّة، تامَّة} [رواه الترمذي وحسنه].
(33) الصلاة على الميت واتباع الجنائز:
{من شهد الجنائز حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان}، قيل وما القيراطان؟ قال: {مثل الجبلين العظيمين} [رواه البخاري ومسلم].
(34) صلاة المرأة في بيتها:
{لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن} [رواه أبو داود].
(35) الحرص على صلاة العيد في المصلى:
{كان رسول الله يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى} [رواه البخاري].
(36) تعويد الأولاد على الصلاة:
{مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع} [رواه أبو داود].
(37) تعويد الأولاد على الصيام:
عن الربيع بنت معوذ قالت: (فكنا نصومه بعد، ونُصوّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن) [رواه البخاري].
(38) ذكر الله عقب الفرائض:
{من سبح دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبّر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون. ثم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر} [رواه مسلم].
(39) الدعاء مطلقاً:
{إن الله يقول أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني} [رواه البخاري ومسلم].
(40) حمد الله - تعالى - بعد الأكل والشرب:
{إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها} [رواه مسلم].
(41) الزكاة:
قال الله - تعالى -: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ " [البينة: 5].
(42) زكاة الفطر:
{فرض رسول الله زكاة الفطر للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين. من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات} [رواه أبو داود].
(43) الإنفاق في سبيل الله:
"وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ" [البقرة: 110].
(44) الصدقة:
{الصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار} [رواه الترمذي].
(45) صدقة المُقِل:
يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: {جهد المُقِل، وابدأ بمن تعول} [رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم].
(46) صدقة السر:
{صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفىء غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر} [رواه الطبراني].
(47) فضل العامل على الصدقة:
{إن الخازن المسلم الأمين الذي ينفذُ ما أمر الله به فيعطيه كاملاً موفراً، طيبة به نفسه، فيدفعه إلى الذي أُمر به، أحد المتصدقين} [رواه البخاري ومسلم].
(48) بناء المساجد:
{من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى له مثله في الجنة} [رواه البخاري].
(49) إفشاء السلام وإطعام الطعام:
{أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام} [رواه الترمذي].
(50) إماطة الأذى عن الطريق:
{لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس} [رواه مسلم].
(51) بر الوالدين وطاعتهما:
{رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه}، قيل: من يا رسول الله؟ قال: {من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة} [رواه مسلم].
(52) طاعة المرأة لزوجها:
{إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، و أطاعت بعلها - أي زوجها - دخلت من أي أبواب الجنة شاءت} [رواه أبن حبان].
(53) كسب الحلال والعمل باليد:
سئل رسول الله: (أي الكسب أطيب؟ ) قال: {عمل الرجل بيده، وكل كسب مبرور} [رواه الحاكم].
(54) النفقة على الزوجة والعيال:
{إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة} [رواه البخاري].(18/44)
(55) النفقة على الأرملة والمسكين:
{الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله} وأحسبه قال: {وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر} [رواه البخاري].
(56) كفالة اليتيم والنفقة عليه:
{أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وقال بإصبعيه: السبابة والوسطى} [رواه البخاري].
(57) مسح رأس اليتيم والشفقة عليه:
شكا رجل إلى رسول الله قسوة قلبه فقال: {امسح رأس اليتيم و أطعم المسكين} [رواه أحمد].
(58) قضاء حوائج الإخوان:
{لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجة - وأشار بإصبعه - أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين} [رواه الحاكم].
(59) زيارة الإخوان في الله:
{النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة} [رواه الطبراني].
(60) زيارة المريض:
{من عاد مريضاً لم يزل في خرفة الجنة، قيل يا رسول وما خرفة الجنة قال: قال جناها} [رواه مسلم].
(61) صلة الأرحام وإن قطعوه:
{الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله} [رواه البخاري ومسلم].
(62) إدخال السرور على المسلم:
{من لقي أخاه المسلم بما يحب يسره بذلك سره الله - عز وجل - يوم القيامة} [رواه الطبراني].
(63) التيسير على المعسر:
{من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة} [رواه مسلم].
(64) التخفيف على الخدم والعمال في رمضان:
{من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له، وأعتقه من النار} [رواه ابن خزيمة مطولاً].
(65) الشفقة على الضعفاء ورحمتهم والرفق بهم:
{الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء} [رواه أبو داود والترمذي].
(66) الإصلاح بين الناس:
{ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة}، قالوا بلى يا رسول الله، قال: {إصلاح ذات البين} [رواه أبو داود والترمذي].
(67) حُسن الخلق:
سئل رسول الله عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: {تقوى الله وحسن الخلق} [رواه الترمذي].
(68) الحياء:
{الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار} [رواه أحمد وابن حبان والترمذي، وقال: حسن صحيح].
(69) الصدق:
{عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة} [رواه البخاري ومسلم].
(70) الحلم والصفح وكظم الغيظ:
قال - تعالى -: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" [آل عمران: 134]. وقال رسول الله للأشج: {إن فيك خصلة يحبها الله - تعالى - الحلم والأناة} [رواه مسلم].
(71) المصافحة:
{ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما قبل أن يفترقا} [رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن].
(72) طلاقة الوجه:
{لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق} [رواه مسلم].
(73) السماحة في البيع والشراء:
{رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى} [رواه البخاري].
(74) غض البصر عن محارم الله - تعالى -:
{النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته قي قلبه} [رواه الطبراني].
(75) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
{من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} [رواه مسلم].
(76) الجلوس مع الصالحين الأخيار:
{لا يقعد قوماً يذكرون الله - عز وجل - إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده} [رواه مسلم].
(77) حفظ اللسان والفرج:
{من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة} [رواه البخاري ومسلم].
(78) الصلاة على النبي:
{من صلّى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} [رواه مسلم].
(79) اصطناع المعروف والدلالة على الخير:
{كل معروف صدقة والدال على الخير كفاعله} [رواه البخاري ومسلم]. و {من دل على خير فله مثل أجر فاعله} [رواه مسلم].
(80) الدعوة إلى الله:
{من دعا إلى هدي كان من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً} [رواه مسلم].
(81) الستر على الناس:
{لا يستر عبدٌ عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة} [رواه مسلم].
(82) الصبر:
{ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه} [رواه البخاري].
(83) كفارة المجلس:
{من جلس جلسة فكثر لغطه فقال قبل من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك} [رواه أبو داود والترمذي].
(84) صلاة ركعتين إذا أذنب ذنباً:
{ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غُفر له} [رواه أبو داود].
(85) تربية البنات وإعالتهن:
{من كن له ثلاث بنات يؤوهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة البتة} [رواه أحمد].
(86) الإحسان إلى الحيوان:
{أن رجلاً رأى كلباً يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفَّه فجعل يغرف له به حتى أرواه فشكر الله له فأدخله الجنة} [رواه البخاري].
(87) عدم سؤال الناس شيئاً:
{من تكفل لي ألا يسأل الناس شيئاً أتكفل له بالجنة} [رواه أصحاب السنن].
(88) التهليل والتسبيح:(18/45)
{من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه}. ومن قال: {سبحان الله وبحمد في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر} [رواه البخاري ومسلم].
(89) الصدقة الجارية:
{إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له} [رواه مسلم].
(90) حث النساء على الصدقة:
{تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن} [رواه البخاري ومسلم].
(91) تصدق المرأة من بيت زوجها:
{إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً} [رواه البخاري ومسلم].
(92) اليد العليا خير من اليد السفلى:
{اليد العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة} [رواه البخاري ومسلم].
(93) الصدق في البيع والشراء:
{البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما} [رواه البخاري].
(94) إغاثة المسلمين:
{من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة} [رواه مسلم].
(95) عدم إيذاء المسلمين:
سئل رسول الله: أي الإسلام أفضل؟ فقال: {من سلم المسلمون من لسانه ويده} [رواه البخاري ومسلم].
(96) مساعدة الغير وإعانتهم:
{كل سُلامى عليه صدقة كل يوم، يعين الرجل في دابته يحامله عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة}[رواه البخاري].
(97) الشفاعة للمسلمين لقضاء حوائجهم:
{اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء} [رواه البخاري ومسلم].
(98) صلة أصدقاء الوالدين والبر بهم:
{إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه} [رواه مسلم].
(99) طيب الكلام:
{اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة} [رواه البخاري ومسلم].
(100) الرفق بالرعية والعمال ونحوهم:
{اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشقَّ عليهم فاشقق عليهم، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به} [رواه مسلم].
(101) المداومة على العمل الصالح وإن قل:
{أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل} [رواه مسلم].
(102) الإحسان إلى الجار:
{من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره} [رواه مسلم].
(103) إكرام الضيف:
{ليلة الضيف حق على كل مسلم، فإن أصبح بفنائه فهو عليه دين، فإن شاء اقتضى، وإن شاء ترك} [رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة].
(104) الدعاء للوالدين:
{إن الله - عز وجل - ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب، أنى لي هذا؟ فيقول: باستغفار ولدك لك} [رواه أحمد].
(105) الدعاء للأخ بظهر الغيب:
{ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بالمثل} [رواه مسلم].
(106) الدعاء والاستغفار للمسلمين:
قال - تعالى -: "وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" [الحشر: 10].
(107) تنظيف المساجد:
قال - تعالى -: "وطَهِر بَيْتَي لِلطَّائِفِينَ والَقائَمينَ وَالرُكَّعِ السُجُود" [الحج: 26].
(108) الإحسان إلى الزوجة:
{خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي} [رواه ابن حبان وغيره].
(109) تيسير الصداق للمتزوجين:
{خير النكاح أيسره} [رواه ابن حبان].
(110) الغيرة على النساء:
قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح. فبلغ ذلك النبي فقال: {أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه، والله أغير مني} [رواه البخاري].
(111) تعليم الرجل أهله:
{ثلاثة لهم أجران... ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران} [رواه البخاري].
(112) رد المظالم والتحلل من أصحاب الحقوق:
{من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس دينار ول درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه} [رواه البخاري].
(113) إتباع السيئة الحسنة:
{اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} [رواه أحمد والحاكم].
(114) البر بالخالة والخال:
{الخالة بمنزلة الأم} [رواه البخاري].
(115)أداء الأمانة والوفاء بالعهد:
{لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له} [رواه أحمد].
(116) رحمة الصغير وإكرام الكبير:
{ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا} [رواه أحمد والترمذي].
(117) التعاطف والتراحم مع المسلمين والاهتمام بأمورهم:
{مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى، له سائر الجسد بالسهر والحمى} [رواه البخاري ومسلم].
(118) الصمت وحفظ اللسان إلا من خير:
{من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت} [رواه البخاري].
(119) الذب عن أعراض المسلمين:
{من ردَّ عن عرض أخيه ردَّ عن وجهه النار يوم القيامة} [رواه الترمذي].
(120) سلامة الصدر وترك الشحناء:
{تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا} [رواه مسلم].(18/46)
(121) العدل بين الناس:
{كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، يعدل بين الناس صدقة} [رواه البخاري].
(122) التعاون مع المسلمين فيما فيه خير:
قال - تعالى -: "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة: 2]. وفي الحديث: {المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. ثم شبك بين أصابعه} [رواه البخاري].
(123) إغاثة الملهوف:
{على كل مسلم صدقة.. } الحديث. وفيه: {فيعين ذا الحاجة الملهوف} [رواه البخاري].
(124) إجابة الداعي إلى الخير وإعطاء السائل:
{من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه} [رواه أحمد وأبو داود والنسائي].
(125) شكر المعروف ومكافأة فاعله:
{من صنع إليه معروف فليجزه فإن لم يجد ما يجزيه فليثن عليه فإنه إذا أثنى عليه فقد شكر وإن كتمه فقد كفره} [رواه البخاري في الأدب المفرد].
(126) توزيع الكتاب والشريط الإسلامي النافع:
على الأسرة أو الأصدقاء في العمل أو المدرسة أو النادي ونحوه.
(127) الاستفادة من هواة المراسلة:
الذين ترد أسماءهم عبر المجلات أو الإذاعات العربية والأجنبية وذلك بمراسلتهم بأسلوب تربوي رقيق مؤثر.
(128) تقصي أخبار الجيران:
الملاصقين والمجاورين وتبني ملف دعوي يهتم بأمورهم الدينية والدنيوية.
(129) التنسيق مع التجار:
وأصحاب المحلات لشراء ملابس وما يلزم من أمور العيد وتوزيعها في آخر رمضان على الفقراء والمحتاجين لتعم الجميع فرحة العيد.
(130) حث كل بيت على المساهمة في إفطار الصائم:
كلٌ بما يستطيع وإرسال ما تيسر لهم من طعام إلى مسجد الحي أو التنسيق مع المطاعم من أجل ذلك.
(131) تبني المسجد حلقة لتعليم أبناء الحي القرآن العظيم:
وتخصيص مدرس لذلك مع تنمية روح التسابق إلى الخير بين الأطفال بإقامة مسابقات دورية ثم تشجيعهم بالجوائز.
(132) إقامة درسي أسري أسبوعي أو نصف شهري:
يشارك فيه جميع أفراد الأسرة كل حسب قدرته.
(133) الاستفادة من حملات العمرة التي تقام في شهر رمضان المبارك:
بتنظيم جملة من البرامج الدعوية والعلمية والثقافية للمشاركين مع الحرص على أن يكون مع كل رحلة شيخ يستفاد من علمه أو طالب علم إن تعذر الأول.
(134) ترتيب كلمات:
تلقى خلال شهر رمضان أثناء صلاة التراويح وتعلن في لوحة المسجد على شكل جدول بين وواضح.
(135) القيام بزيارة المرضى:
في المستشفيات وتشجيعهم وحثهم على الصبر والاحتساب مع إهدائهم مجموعة من الهدايا الدعوية المفيدة.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http: //www. kalemat. org
===========
نفس لهوها التعب إدارة الذات!
عجيب حقًا شأن عقيدة التوحيد حين تستقر في قلب عبد مؤمن، إنها تصنع منه طاقة حية تتفجر بالعطاء والحركة، حتى ما تعود نفسه تطيق استكانة أو قعودًا، تمامًا كما يفعل المغناطيس بقطعة من حديد إذا أُمِرَّ عليها، إنه يعيد ترتيب ذراتها فيصنع منها كيانًا آخر، ذا طاقة مغناطيسية لا تملك إلا أن تعمل عملها الجاذب فيما يحيط بها من مادة، وإن تعجب فعجب خبر أحد أفذاذ هذه الأمة، عمر الفاروق ـ رضي الله عنه ـ انظر إليه وقد أعادت لا إله إلا الله ترتيب ذرات نفسه لتحوله من ذلك الإنسان الجاهلي التافه الذي لا وزن له إلى عملاق فذ نادر لا يكاد الزمان يجود بمثله، بعد أن فجرت هذه العقيدة من ذاته ينابيع الإيجابية والمبادرة، فغدا ذلك الخليفة الراشد الذي فتح الدنيا بهذا الدين:
يا من يرى عمرَ تكسوه بردته *** والزيت أدمٌ له والكوخ مأواه
وملوك الروم تخشاه *** من بأسه
يهتز كسرى على كرسيه *** فرقًا ولوُرَّاث عمر من ناشئة الدعاة
تأتي هذه الحلقة من سلسلة إدارة الذات، لتعينهم على إرساء حجر الأساس لعادات الفاعلية السبع في نفوسهم الوثابة، لخطوة أولى في طريق حيازة الشخصية الربانية الفعالة ذات السمت الإداري الفذ، والمهيأة لحسم الصراع في هذه الجولة الحرجة بين الإسلام وخصومه، فمع أولى عادات الفعالية ممثلة في تنمية الإيجابية وروح المبادرة نعيش على هذه الوريقات، فأعرني بصرك وقلبك يرعاك الله.
ـ القيود الثلاثة:
أتدري أيها الهمام كيف تكونت شخصيتك وآلت إلى ما هي عليه الآن بكل ما فها من إيجابيات وسلبيات؟
تخبرك الدراسات النفسية أن شخصيتك قد تكونت عبر سنوات عمرك نتيجة وقوعك في أسر ثلاثة أنواع من المؤثرات:
1ـ مؤثرات وراثية:
والتي أثرت فيك عبر الجينات الوراثية التي انتقلت إليك من الأبوين، والتي قد يتجاوز تأثيرها صفاتك الجسمية من طول ووزن ولون وبشرة فيمتد إلى بعض أنواع السلوك: كالانطواء، والعصبية وغيرها.
وقد نتلمح هذا المعنى من ذلك الحديث الضعيف سندًا الصحيح معنى بشاهدي الفطرة واستقراء الواقع 'تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس'.
2ـ مؤثرات تربوية:
والتي تركت آثارها على شخصيتك عبر الممارسات التربوية الموجهة وغير الموجهة من والديك أو مدرسيك أو أقرانك، ينبيك عنها سيد المربين - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة:
'كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.
'المرء على دين خليلة فلينظر أحدكم من يخالل.
3ـ مؤثرات بيئية:(18/47)
ممثلة في كل ما تحويه بيئتك من عوامل اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، وهو ما نتعلمه من علم النفس القرآني، عند قوله - تعالى -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}[يوسف: 109]. فاختار - سبحانه وتعالى- رسله من أهل القرى أي أهل المدائن والأنصار الذين هم أكمل عقولاً وأرق أفئدة وألين أخلاقًا، لا من أهل البادية الذين هم أجفى الناس طباعًا وأخلاقًا كما قرره ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره، ثم أضمم إلى ذلك إشارة نبيك - صلى الله عليه وسلم -: 'من سكن البادية جفا' يتبين لك عظيم تأثير البيئة في صياغة الشخصية، وباجتماع هذه العوامل الثلاثة:
'الوراثة، التربية، البيئة' فإنها تشكل قيودًا نفسية تحدد استجابة كل شخصية للمؤثرات المختلفة، بحيث تختلف ردود أفعال كل شخصية تجاه أي مؤثر تبعًا لدرجة تأثير هذه العوامل فيها.
ـ أخي أنت حر بتلك القيود:
ولئن جعلت مدارس علم النفس الغربية من تلك القيود الثلاثة قفصًا حديديًا لا يملك الإنسان خروجًا من أسره عبر نظرية الجبرية النفسية، إلا أن للسيد رأيًا آخر يرسله إليك عبر هذا النداء الحازم الرقراق:
ـ أخي أنت حر بتلك القيود:
نعم أيها الهمام أنت بالفعل حر، سليل أحرار كماة، أعطاك الله عقلاً راشدًا قد استنار بنور الوحي فغدا بملك فرقانًا يغرق به بين الحق والباطل، ولئن وقع أغلب الناس أسارى لتلك القيود، فحكمت ردود أفعالهم تجاه ما يتعرضون له من مؤثرات، فإن الداعية الإيجابي الذي غذى قلبه بلَبَان هذه العقيدة يأبى إلا أن يختار ردود أفعاله بنفسه وفق مبادئه وقيمه التي استقاها من هذا الدين.
وتلك هي الحقيقة الإيجابية وجوهرها، أن تختار مواقفك وتصرفاتك وأفعالك وفق ما تعتقده لا وفق ما تمليه عليه القيود الثلاثية، وأما السلبي الذي لم يرق بعد إلى مستوى هذه العقيدة فيتعلل ويبرر، ويتوانى ويعجز، ولن يعدم حيلة يخدع بها نفسه ويبرر بها عجزه وكسله، وله في تلك القيود الثلاثة متسع وأي متسع، وتأمل معي هذا المثال عن واقع شباب الصحوة ليتبين لك الفرق جليًا بين اثنين من ناشئة الدعاة، قد وقع كلاهما في مشكلة إصابة القلب بسهام الشيطان عبر استراق النظر إلى ما حرم الله، أما السلبي الذي ما ثبتت بعد أوتاد العقيدة في أرض قلبه، فينظر إلى صغر المعصية ولا ينظر إلى عظمة من عصاه، ويبرر لنفسه واقعها بفساد المجتمع وكثرة الفتن والمغريات، وكيف أنه تربى في بيت لا تطفأ فيه شاشة التلفاز، ووسط أبوين من ذوي الأعين الخائنة، وقصارى جهده استغفار سطحي أو توبة معلولة، وأما الهمام الموفق ذو السمت الإيجابي الفذ فيقر بخطئه، ويعلم أن إبليس قد هزمه في تلك الجولة، وينهض بهمة وحزم عازمًا على الاستدراك، فيقبل على نفسه باللوم والتقريع، ثم يجأر إلى ربه باكيًا تائبًا، وينتصب في شمم ليكمل الصراع، ويختار لرد فعله بإيجابية واقتدار ليواجه من بعد أخوات امرأة العزيز، مجددًا سمت يوسف - عليه السلام -: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: 23].
ـ استعلاء الإيمان:
وإنما هو الإيمان يعينه سيد مصدرًا لهذه الحرية التي يملك بها المؤمن قدرته على الاختيار، واستعلائه على أسر القيود الثلاثة.
ولقد هام الغربيون حول هذا المعنى وحاولوا الاقتراب منه تحت مسمى الضمير تارة أو الإدراك الواعي تارة أخرى أو الإرادة المستقلة تارة ثالثة، أما كتاب الله - عز وجل -، فقد أصاب كبد الحقيقة مباشرة حين قررها خالق الذات الإنسانية - جل وعلا - في قوله: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].
فما تستطيع أبدًا كل قيود الوراثة والتربية والبيئة أن تجبر الداعية على هون أو حزن أو منعة، مهما بلغت ظروف العزيمة والاستضعاف من حوله.
كيف وقد اشتعلت في قلبه جذوة الإيمان فأمدته بعزيمة صلبة ماضية تأبى عليه إلا أن ينتصب مراغمًا للشيطان وحزبه رغم كل ظروف القهر والاستبداد.
فبالإيمان بالله - عز وجل - وحده يكسر الإنسان تلك القيود الثلاثية ويعتق نفسه من أسرها ويعود حرًا إيجابيًا سيد قراره كما أراد له خالقه وباريه.
وانظر تصديق هذه الحقيقة الناصعة في ذلك النموذج القرآني الفريد الذي قصه الله - جل وعلا - عليك في كتابه غير ما مرة، انظر لسحرة فرعون، هذه الثلة التي تعرضت ضمن شعبها لأبشع مؤثرات تربية العبيد، إنها التربية الفرعونية التي تمسخ فطرة الإنسان وتحوله إلى عبد ذليل مقهور لا يملك قراره، تربية عنوانها {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 24]. ومنهجها: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: 51]، وبرامجها: {مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 29].
تربية أنشأت عبيدًا للدنيا، أقصى ما تطمح إليه نفوسهم أن ينالوا من الطاغوت أجرًا لقاء حرب أولياء الله: {أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} [الشعراء: 41].
ثم تأمل بعد أن اتقدت في قلوبهم جذوة الإيمان، فسجدوا سجدة الحرية، وانعتقت نفوسهم من أسر القيود الثلاثة، فقاموا يعلنونها مدوية: {آمَنَّا برَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [لأعراف: 122].(18/48)
ويحاول الطاغية بهذا المؤثر أن يستثير فيهم كوامن الذل والاستخزاء: {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ[124]فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى} [طه: 71]، وإذ برد الفعل الإيجابي الفذ يفجأ الطاغوت: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72].
وما كنت آثار سنين طوال من قيود الوراثة والتربية والبيئة أن تصمد أبدًا مهما بلغت قوتها أمام لحظة إيمان صادق يعيشها قلب عبد مؤمن.
ـ استراتيجية الشموع:
وتأبى بذرة الإيجابية في نفس الداعية ـ بعد إذ رويت بماء الإيمان ـ إلا أن تنبت من ثمار الحركة والفاعلية كل زوج بهيج، وتكون درة هذه الثمار ظهور روح المبادأة والمبادرة للأخذ بزمام الأمور، فلئن كانت القدرة على اختيار الأفعال وفق المبادئ والقيم بعد الانعتاق من أسر القيود الثلاثة هو ركن الإيجابية الأول، فإن روح المبادرة والإمساك بزمام الأمور هو الركن الثاني المتمم لمنظومة الإيجابية، ويعني بوضوح شديد واختصار أن تكون فاعلاً أيها الداعية لا مفعولاً به، أن تعد نفسك مسئولاً عن إحداث الأشياء بدلاً من انتظار حدوثها، أن تنشئ أنت الأفعال ولا تقتصر على اختيار ردودها أن تتعامل مع الواقع باستراتيجية ثابتة عنوانها: 'إضاءة شمعة بدلاً من لعن الظلام'.
وتعلم هذه الروح من أبى بصير رضي الله عنه ذلك الإيجابي الفعال الذي جاء مؤمنًا مهاجرًا إلى ركب الإيمان يبغي أن يكون أحد جنوده، ويضطر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرده وفاءً لعهده مع المشركين، ولكن بناء الإيجابية الذي اكتملت أركانه في ذات أبي بصير يأبى عليه إلا اتباعًا فوريًا لاستراتيجية الشموع، فيعسكر ـ رضي الله عنه ـ في سيف البحر ويضم إليه إخوانه من المؤمنين الجدد، ويصنع منهم كتيبة من كتائب الإيمان، ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلا اعترضوها فقتلوا رجالها واستولوا على أموالها، حتى أرسلت قريش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تناشده أن يضم إليه هذه الكتيبة في مدينة الإيمان.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامع
ـ المؤمن المتفرد:
وقد تبلغ هذه العقيدة بإيجابية الداعية مبلغًا لم يطمح إليه الغربيون، فيروح يبتدع لها ركنًا ثالثًا عنوانه: 'وجدان راحة النفس ولهوها في النصب والتعب'. وبذا يستحق وصفًا راقيًا متفردًا وصف به البحتري ممدوحه حين قال:
قلب يطل على أفكاره ويد قضى الأمور ونفس لهوها التعب
كمثل نفس صلاح الدين الذي مكث أسبوعين كاملين على فرسه يعد جحافل الإيمان لمعركة حطين الفاصلة، فلما ألحوا عليه أن ينزل من على فرسه ليستريح، إذ به يشعر بالتعب على فراشه، وسرعان ما يعود إلى ظهر جواده يطلب إجمام نفسه بالنصب في سبيل الله.
ـ كل إناء بما فيه ينضح:
ولئن أردت أيها الهمام أن تبين مواطن قدميك، وتعلم أين أنت من هذا السمت الإيمان الفذ الذي اكتملت في صاحبه أركان الإيجابية، فإننا ندعوك إلى أن تصغي إلى لغتك الخاصة لمدة أسبوع كامل، ولترى طبيعة ما يصدر منك من ألفاظ طوال هذه المدة، وبخاصة في تلك المواقف التي تتطلب منك اتخاذ إجراء بشأنها، ثم أعرض نفسك على هذه المقارنة لتعلم أي الرجلين أنت:
لغة المبادر الإيجابي لغة العاجز السلبي
دعنا نتدبر البدائل التي أمامنا:
1 لا أستطيع أن أفعل شيئًا حيال ذلك. يمكنني أن أجرب أسلوبًا آخر.
2 هذه شخصيتي ولا أستطيع تغييرها.
أستطيع أن أتحكم في مشاعري وردود أفعالي.
3 لقد أطار صوابي بأفعاله.
سوف أبذل قصارى جهدي في أن أكون متميزًا.
4 لن يسمحوا لي أبدًا بأن أكون متميزًا .
سوف أختار رد الفعل المناسب للموقف.
5 عليَّ أن أفعل ذلك
يمكنني أن أختار.
6 لا أستطيع.
أفضل أن أفعل كذا
7 لابد أن أفعل كذا .
سوف أفعل كذا
8 لو كان الأمر بيدي.
ـ فراق إلى لقاء:
وأخيرًا: أيها الهمام وليس آخرًا، فقد بسطت لك القول في هذه الحلقة، واستطردتُ معك في وصف صورة صاحب السمت الإيجابي الفذ، وبيان الأركان الثلاثة لمنظومة الإيجابية، عسى أن يتضح أمام ناظريك الهدف، وتثور فيك كوامن الشوق للانضمام إلى قافلة تلك النفوس العالية التي لهوها التعب في سبيل الله، فإن تاقت نفسك إلى هذا المرتقى المنشود، فأبشر، فهذه أولى أمارات الفلاح بإذن الله، وانتظر لقائي معك في الحلقة القادمة أهديك فيها بإذن الله برنامجًا عمليًا يبين لك الطريق نحو حيازة هذا السمت المتفرد.
حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا ودعه فإن العزم يكفيك حاملاً فحيهلا إن كنت ذا همة فقدولا تنتظر بالسير رفقة قاعدٍ.
http: //www.twbh.com المصدر:
=============
كيف تكون الزوجة دعما لدور زوجها الدعوي ؟
ما هي تفاصيل هذه الناحية المهمة من حياة الداعية؟.. هذا ما نتعرض له في هذه السطور من خلال لقاءات مع ثلاث زوجات للدعاة العاملين في حقل الدعوة الإسلامية.
الحاجة أم أسامة زوجة الداعية الكبير الشيخ محمد الراوي تقول: " إنني أوفر الهدوء النفسي والسكينة لزوجي وأول شيء أفعله بهذا الخصوص هو طاعته في كل صغيرة وكبيرة تنفيذًا لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي يحض المرأة فيه على طاعة زوجها.. خاصة وأن الزوجة إذا لم تطع زوجها فإنها تساعد في توتره وعصبيته، وتجعله يعيش في شجار ومشاكل مستمرة..(18/49)
وتضيف الحاجة أم أسامة " إنني تزوجت الشيخ الراوي وأنا في الثالثة عشرة من عمري وهو ابن عمتي؛ ولذلك فلم يكن لي غيره في الدنيا؛ فتعلقت به ووجدت فيه الإنسان المتدين المتواضع الهادئ، ولذلك لم أخالف له رأيًا في يوم من الأيام، ولم أعص له أمرًا، وفضيلة الشيخ يحرجني في كثير من المجالس التي يحضرها الأهل والأقارب أو الأصدقاء حينما يثني عليّ ويقول إنه راض ٍ عني كل الرضا؛ فأشعر أنني لا أستحق كل ذلك".
وتضيف أم أسامة " إنني جعلته منذ صغري أستاذي وأنا طالبة علم بالنسبة له؛ فتعلمت احترام قيمة العلم وحب العلماء، وأشجع أولادي على التعلم.. لأنني ابنة رجل علم ودعوة، وهو الشيخ (محمد فرغلي) أحد قيادات الإخوان المسلمين والذين أعدمهم عبد الناصر عام 1954م".
تقول أم أسامة: " إنني حينما تزوجت الشيخ الراوي خرجنا من مصر مضطرين فسافرنا إلى نيجيريا، ثم إلى المملكة العربية السعودية؛ التي مكثنا فيها أكثر من ربع قرن، وفي السعودية ألحقني الشيخ بالمدارس المختلفة لأنني كنت صغيرة ثم أتممت دراستي الجامعية متخصصة في " الدراسات الإسلامية" وهذا كله جعلني أزرع في أولادي حب العلم، وقد بارك الله لي فيهما (أسامة ووفاء) فأصبحا الآن في سلك التدريس الجامعي.
وتقول الحاجة أم أسامة: "إن دوري في دعم زوجي دعويًّا هو أن أكون منضبطة كما هو منضبط تمامًا في كل أموره، ولكنه إذا غضب ينفعل، وأنا أثناء هذا الانفعال لا أغضب، ولا أعاتبه؛ فهو بالنسبة لي أخي وأبي وزوجي، وأنا مسؤولة مسؤوليةً كاملةً عن كل تفاصيل البيت، وتفاصيل حياة الشيخ الراوي؛ فأنا المسؤولة عن مواعيده والتزاماته وتنظيم أوراقه ومواعيد برامجه التي يسجلها وحواراته الصحفية، وأنبهه إلى هذه المواعيد، وأعد له طعامه قبلها بفترة إذا كان سيمكث فيها بعض الوقت، كما أنني مسؤولة عن ملابسه ومظهره، وكل صغيرة وكبيرة خاصة به؛ فأنا سكرتيرته الخاصة والعامة، وأنا لا أطلب من الشيخ القيام بفسحة أو نزهة.. والنزهة الوحيدة التي أقوم بها أنا وزوجي هي العمرة وزيارة مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والإقامة بها طوال شهر رمضان من كل عام، وهي متعتي الوحيدة أنا وزوجي".
وتقول الحاجة أم أسامة: " إنني رغم متابعتي لهموم المسلمين واندماجي مع زوجي في مناقشة هذه الهموم؛ إلا أنني أحب المرابطة في المنزل لرعاية الأبناء والأحفاد".
إنني لم أمنعه أبدًا من عمله الدعوي
أما الحاجة أم أحمد زوجة (د. طه أبو كريشة) الأستاذ بجامعة الأزهر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية فتقول: إن أكبر دعم أقوم به لدور زوجي الدعوي هو التركيز في تربية أولادي ومتابعة دراستهم ومذاكرتهم حتى يكونوا أمثلة طيبة تسعد والدهم، وهذا ما تحقق والحمد لله؛ فقد أصبح منهم الطبيب والمهندس وخريج كلية الألسن.
وتضيف الحاجة أم أحمد" إنني أرتب لزوجي غرفة مكتبه بنفسي وأحافظ على أوراقه وأبحاثه وكتبه، فأحفظ مكانها في مكتبه، كما أكوي له ملابسه بنفسي، ولا أذكر أنني اختلفت معه يومًا على المال أو طلبت منه مطلبًا ماليًّا فوق طاقته؛ لأنه لا يبخل على بيته بشيء.
وتذكر الحاجة أم أحمد نقطة هامة؛ فتقول: " حافظت على علاقة طيبة بأهله وهذا يدخل عليه السرور، وقد اعتبرت نفسي فردًا من أفراد أسرته الكبيرة ولست وافدة عليها، وأحببتهم فبادلوني حبًّا بحب ولم يرفضوني كما أرى في الكثير من الحالات أمامي من قطع للصلات بين الزوجة وأقارب زوجها"، وتضيف الحاجة أم أحمد "إنني لم أمنعه أبدًا من أن يخرج في سبيل الله لكي يجلس معنا؛ بل أشجعه على عمله الدعوي الذي يستهلك معظم وقته ليلاً ونهارًا. وتقول: أرى كثيرًا من زوجات العاملين في مجال التدريس أو الدعوة يطلبن من أزواجهن الحرص على السفر وجمع المال، ولكن بحمد الله لم يكن هذا الأمر مطروحًا في منزلنا أبدًا، وكنت دائما أقاوم مشاريع السفر وأرى أن الاستقرار في بلدنا مع أهلنا أفضل".
وتقول: "كنت حريصة على أن أزرع في أبنائي حب العلم ومعالي الأمور وعدم التطلع للمادة، وبحمد الله جنيت ما زرعت و قدمت لزوجي أبناءً صالحين يفتخر بهم، واهتممت في رحلتي مع زوجي بأن يكون أبنائي متوازنين نفسيًّا وأن نكون صادقين أمامهم غير مرائيَينِ، ولا نقول لهم غير ما نبطن، وفعلاً خرج الأبناء متوازنين نفسيًّا وهذا أسعد زوجي جدًّا".
وتختم الحاجة أم أحمد قائلة: " إنني الأجندة الخاصة لزوجي ومرتبة مواعيده ومسؤولياته.. أنسق له كل ذلك وأذكره به".
أحاول أن أكون صورة مشرفة لدعوته
أما إيمان القدوسي زوجة الداعية الإسلامي كمال حبيب؛ فتقول: "إنني أبعده عن مشكلات البيت الصغيرة، ولا أجعله يستغرق في المشكلات الحياتية التي تستهلك الوقت والجهد.. كذلك أتابع مذاكرة الأبناء وتحصيلهم الدراسي، وما إذا كان أحدهم يحتاج إلى درس إضافي، كما أختبرهم وأعرف من يذاكر منهم ومن لا يذاكر، وأرفع التقارير بذلك كله إلى زوجي لاتخاذ القرار ثم أقوم أنا بالتنفيذ".
وتضيف السيدة إيمان: " رغم أنني كاتبة صحفية؛ إلا أنني أقوم بكل أمور بيتي ولا أستعين بخادم أو شغالة تساعدني؛ فأقوم بإعداد كل شيء وأرتب مكتب ومكتبة زوجي وكتبه وأبحاثه، وأقوم له بالكبير والصغير في هذا الشأن، ولا أحاول أن أنقل له المشكلات مع الجيران؛ لكنني أمتص المشكلات ولا أخبره بها".(18/50)
وتضيف السيدة إيمان القدوسي " إنني أساعد زوجي في نسخ بعض الأوراق وترتيب الأبحاث واستخلاص النتائج والمؤشرات، أو تلخيص بعض المقالات والدراسات لكي يستفيد منها ولا يضيع وقته، كما أسجل له بعض البرامج الهامة في الفضائيات التي يهتم بها ولا يستطيع متابعتها. وأنا أعرف ميزانية بيتي وأتصرف في حدودها ولا أخرج عنها حتى لا أكلفه ما لا يطيق، كما أنني لا أطلب السلع الكمالية، ولا أقارن نفسي بغيري من صاحباتي أو قريباتي، وإنما أنا مقتنعة بوضعي وبظروفي المادية، ولا أركز على الأمور المادية وعلى الشقق والسيارات والأثاث.. إلخ.
لكنني أركز على تربية الأبناء وتعليمهم وإدخالهم أحسن الكليات ومراقبتهم أخلاقيا". وتقول السيدة إيمان القدوسي: "إنني أحاول أن أكون صورة مشرفة لما يدعو له زوجي".
http: //www.haramainj.net المصدر:
===========
كلمة إلى مدمن
وليد بن عبدالله السلولي
إعلم يا أخي ويا صديقي، بأن أغلبية المدمنين بدأوا بتجربة وانتهوا بمأساة، بمجرد أنك جربت تكون قد أنزلقت إلى عالم المخدرات المظلم.
كما أود هنا أن أوضح نظرة قاصرة تجاه المدمن. فالمدمن هو ابن لنا، وجزء من مجتمعنا، وهو ليس مجرماً بطبعه، وهو بحاجه إلى العطف، والأخذ بيده، ومساعدته، وإخراجه من محنته. المجرم هنا هو المخدر ذاته الذي قاد ويقود كثيراً من المدمنين إلى السلوك الإجرامي. وما يزيد قناعتي أن هناك أرقاماً وإحصائيات مذهلة ومخيفة لعدد كبير من المدمنين أنهوا حياتهم منتحرين أو مقتولين أو جثثاً متعفنة في غرفة مغلقة، وبعضهم وجد ميتاً في مرحاض الحمام. فهل هذا ما ترتضيه لنفسك أخي المدمن؟ هل يليق بك وأنت مسلم وابن فطرة أن تموت مسموماً في مرحاض الحمام؟ وما هي الدوافع والأسباب والمبررات في الأصرار والاستمرار على طريق تعلم أنت نهايته؟ وماذا ستقول لربك غداً، عندما تموت منتحراً أو مسموماً؟
إعلم أخي أننا في إدارة مكافحة المخدرات نحبك ونتمنى لك ما نتمناه لأنفسنا أن نعيش جميعاً حياة كريمة تليق بنا وفق فطرة الله ونحن موجودون هنا لمساعدتك وخدمتك. وما نطلبه منك هو أن تعود إلى الله بقلب صادق، وتبادر وتتوب وتقلع. وتقف بكل شجاعة، وتعترف أمام نفسك بأنك مدمن وبحاجه إلى مساعدة وبحاجة إلى علاج، وأن تذهب بدون تردد ولا خجل إلى أحد مستشفيات الأمل، وتطلب العلاج، فكلما تباطأت عن الذهاب كان علاجك أصعب.
ونحن بدورنا ندعو لك وقلوبنا معك، ونتمنى عودتك لمن يحبك من أهلك وأسرتك وزملاء عملك، ومتأكدون من شفائك بإذن الله إذا صدقت نيتك.
ونسأل الله لنا ولكم حسن الختام.
http://jmuslim.naseej.com المصدر:
===========
وقفات مع آية ( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا )
قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم} [البقرة: 104].
معاني الألفاظ:
راعنا[1]: أمر من راعاه يراعيه وهو مبالغة في رعاه يرعاه إذا حرسه بنظره من الهلاك والتلف وراعى مثل رعى. وحقيقة راعنا في اللغة أرْعِنا وَلْنَرعك، لأن المفاعلة من اثنين، فتكون من رعاك الله، أي احفظنا ولنحفظك، وارقبنا ولنرقبك، ويجوز أن يكون من أرعنا سمعك؛ أي فرغ سمعك لكلامنا، وفي المخاطبة بهذا جفاء؛ فأمر المؤمنين أن يتخيروا من الألفاظ أحسنها ومن المعاني أرقها، وإذا وردت الكلمة بالتنوين فتكون مشتقة من الرعونة وهي الجهل والحمق.
انظرنا[2]: أبدلهم بقولهم "راعنا" كلمة تساويها في الحقيقة والمجاز وعدد الحروف والمقصود من غير أن يتذرع بها الكفار لأذى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا من أبدع البلاغة فإن نظر في الحقيقة بمعنى حرس وصار مجازاً على تدبير المصالح، و "انظرنا" بضم همزة الوصل وضم الظاء من النظر لا الانتظار، والظاهر أن معنى انظرنا يتطلب استدعاء نظر العين المقترن بتدبير الحال، وهذا هو معنى راعنا.
سبب النزول:
في مثل هذا النص الذي نزل لتصحيح وضع معين أو تقويم اعوجاج بين يحسن ذكر السبب أو الملابسة التي نزلت عقبه أو أثناءه الآية لأنها معينة على فهم مراد الله منه؛ ويبقى مع ذلك العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما ذكر الأصوليون، وننقل في ما يلي بعضاً من الروايات التي ذكرت:
1 - وقد ذكروا [المفسرون] في سبب نزولها أن المسلمين كانوا إذا ألقى عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الشريعة والقرآن يتطلبون منه الإعادة والتأني في إلقائه حتى يفهموه ويعوه، فكانوا يقولون له راعنا يا رسول الله أي لا تتحرج منَّا وارفق وكان المنافقون من اليهود يشتمون النبي - صلى الله عليه وسلم - في خلواتهم سراً وكانت لهم كلمة بالعبرانية تشبه كلمة راعنا بالعربية ومعناها في العبرانية سب، وقيل معناها لا سمعت دعاء، فقال بعضهم لبعض:كنا نسب محمداً سراً فأعلنوا به الآن، أو قالوا هذا وأرادوا به اسم فاعل من رعن إذا اتصف بالرعونة... فكانوا يقولون هاته الكلمة مع المسلمين ناوين بها السب، فكشفهم الله وأبطل عملهم بنهي المسلمين عن قول هاته الكلمة حتى ينتهي المنافقون عنها ويعلموا أن الله أطلع نبيه على سرهم. [التحرير والتنوير ص650].(18/51)
2 - وتذكر الروايات أن السبب في ذلك النهي عن كلمة "راعنا"... أن سفهاء اليهود كانوا يميلون ألسنتهم في نطق هذا اللفظ، وهم يوجهونه للنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يؤدي معناً آخر مشتقاً من الرعونة، فقد كانوا يخشون أن يشتموا النبي - صلى الله عليه وسلم - مواجهة، فيحتالون على سبه صلوات الله وسلامه عليه عن هذا الطريق الملتوي، الذي لا يسلكه إلا صغار السفهاء! ومن ثم جاء النهي للمؤمنين عن اللفظ الذي يتخذه اليهود ذريعة، وأمروا أن يستبدلوا به مرادفه في هذا المعنى، الذي لا يملك السفهاء تحريفه وإمالته... " اه [في ظلال القرآن، 1/100 - 101].
3 - أخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن اليهود كانوا يقولون ذلك سراً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو سب قبيح بلسانهم، فلما سمعوا أصحابه - عليه الصلاة والسلام - يقولون، أعلنوا بها، فكانوا يقولون ذلك ويضحكون فيما بينهم، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية، وروي أن سعد بن عبادة - رضي الله تعالى عنه - سمعها منهم فقال: "يا أعداء الله عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأضربن عنقه، قالوا: أو لستم تقولونها؟" فنزلت الآية ونهى المؤمنون سداً للباب وقطعاً للألسنة وإبعاداً عن المشابهة. [روح المعاني للألوسي: 1/549].
المعنى الإجمالي:
يخاطب علام الغيوب المؤمنين موجهاً لهم النداء بقوله: {يا أيها الذين آمنوا}، جاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله - تعالى - عنه فقال: اعهد إلي فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه[3]، وفي هذا النص يأمر - عز وجل - المؤمنين بالتوقف عن استخدام لفظ راعنا واستبداله بكلمة "انظرنا" ويجب عليهم فوق ذلك أن يسمعوا أي يستجيبوا لأوامره - سبحانه وتعالى -.
للوهلة الأولى قد يستغرب من لا يدرك عواقب الأمور بعقله الضعيف مثل هذا الأمر وخطورة استخدام الألفاظ مع عدم التحرس في النطق بها وإدراك معانيها ومغازيها، وقد مر معنا ذكر الملابسة التي نزلت عقبها هذه الآية، من أن اليهود عليهم لعنة الله كانوا يجدون في كلمة راعنا وسيلة للنيل من عرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكعادتهم لجأوا إلى الأسلوب الخسيس الملتوي الدال على خبث طويتهم وعدائهم المتأصل لهذا الدين ولصاحب الرسالة عليه أزكى الصلاة وأفضل التسليم، اليهود الذين قال الحق تبارك وتعالى في شأنهم: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا لياً بألسنتهم وطعناً في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لهم وأقوم، ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً}، لم يهدأ لهم بال ولم يدخروا وسعاً في الإفصاح إما تصريحاً أو تلميحاً عما يكنونه للإسلام وأهله من خلال هذا الأسلوب وغيره والغاية من هذا كله: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم}، {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}.
هؤلاء الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به ولا يودون الخير للمؤمنين لم يتغير أسلوبهم بين الأمس واليوم، فكلمات التطرف والأصولية والإرهاب والعنف يكاد يقتصر إطلاقها واستخدامها في أسلوب تنفيري على كل مشكلة لها صلة بواقع المسلمين، أو للإسلاميين صلة بها بمعنى أدق، والهدف في حقيقة الأمر ليس تشويه المسلمين فحسب بل الإسلام نفسه حتى يؤصل المعنى الخبيث والوجه الكريه في نفوس وعقول الذين يقتاتون على موائد الإعلام التي يسيطر عليها اليهود كلما ذكرت كلمة الإسلام، فهم لا يجرؤون على إعلانها صراحة بأن عداءهم للدين وليس لثلة من أتباعه فيلجؤون إلى هذا الأسلوب الخسيس الملتوي لتحقيق هدفهم الأسمى: {وطعناً في الدين}.
لقد استطاع هؤلاء وتمكنوا في زرع طابور خامس لهم في بلادنا من أصحاب الأقلام المأجورة المنافقة التي يردد أصحابها كالببغاوات هذه المصطلحات والألفاظ غير مدركين لا بعادها ومراميها، بل قد يكون الأمر منهم عن سوء نية وخبث طوية، فهم لا يريدون الإسلام أن يحكم وأن يتحاكم إلى شرائعه، فلا يستطيعون الجهر بذلك فيلجؤون إلى الأساليب الملتوية التي منها حرب الألفاظ والكلمات، وإلا ما صلة الأعمال التي ترتكب أو الحوادث التي تقع في مجتمعاتنا بمصطلحات نبتت في غير أرضنا وعكست واقع مجتمعات غير مجتمعاتنا وصورت مشكلات غير مشكلاتنا، اللهم إلا التنفير من شمولية هذا الدين ووجوب العمل به في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا الخاصة والعامة، وأن الذين يدعون إلى ذلك مثيرون للفتن ساعون للاطاحة بأنظمة الحكم والاستيلاء عليها، يا سبحان الله، لا يستطيع هؤلاء تحليل مشاكلنا بكل موضوعية وعمق وتجرد وهدف أسمى هو خدمة الصالح العام، لا، لا يريدون ذلك فتجدهم يتبنون تحليلات وأباطيل وافدة هدف الذين أطلقوها هو أن نبقى ذيولاً تابعين لهم غير متمسكين بالحق الذي يميزنا عنهم.(18/52)
إن أسلوب استخدام الألفاظ والمصطلحات المشينة في حرب الدعوة والدعاة ليس جديداً بل يمتد عمره إلى بعثة أول نبي، يقول ابن القيم - رحمه الله - موضحاً هذا الأمر بالنسبة لحال النبي - صلى الله عليه وسلم - [4]: "وأشد ما حاول أعداء الرسول من التنفير عنه سوء التعبير عما جاء به، وضرب الأمثال القبيحة له، والتعبير عن تلك المعاني التي لا أحسن منها بألفاظ منكرة ألقوها في مسامع المغترين المخدوعين، فوصلت إلى قلوبهم، فنفرت منه، وهذا شأن كل مبطل، وكل من يكيد للحق وأهله، هذه طريقه ومسلكه... " اه.
ويمضي ابن القيم في تسجيل ما حصل لأهل السنة على أيدي الفرق الضالة فيقول: "... ثم سموا [القدرية] أنفسهم أهل العدل والتوحيد، وسموا من أثبت صفات الرب، وأثبت قدره، وقضاءه أهل التشبيه والجبر، وكذلك فعل الرافضة سواء، سموا موالاة الصحابة نصباً، ومعاداتهم موالاة لأهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -... وهكذا شأن كل مبتدع وملحد، وهذا ميراث من تسمية كفار قريش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الصبأة، وصار هذا ميراثاً منهم، لكل مبطل وملحد ومبتدع، يلقب الحق وأهله بالألقاب الشنيعة... فتنفر القلوب من هذه الألقاب وأهلها، ولو ذكروا حقيقة قولهم، لما قبلت العقول السليمة، والفطر المستقيمة سواه والله يعلم وملائكته ورسله وهم أيضاً أنهم براء من هذه المعاني الباطلة... " اه. وهذا هو حال الحرب التي يخوضها أهل الحق هذه الأيام مع أرباب الفتنة ومن يدور في فلكهم محلياً وعالمياً.
والأدهى من ذلك أن بعض الكتاب من الإسلاميين يستخدمون هذه الكلمات دون وعي ولا إدراك، فإذا أرادوا الرد على تصرفات أناس يختلفون معهم في الرؤية رموهم بهذه الألقاب والمصطلحات، وكان الأجدر بهم أن يستخدموا كلمات الشرع، فإذا ما ارتكبت أعمال فيها مجاوزة لشرع الله تسمى بأسمائها الشرعية وهي "الغلو"، ويضبط هذا التصرف الغالي وينظر إليه بمنظار الشرع لا الأهواء، أو ما يمليه ضغط الواقع المحلي والعالمي، فنحن محكومون بشرع يجب أن يكون المهيمن والمسيطر على كل شيء من أقوالنا وأفعالنا وتصرفاتنا وتعاملنا مع الآخرين. ولهذا قال الحق تبارك وتعالى: {واسمعوا} وهذا يقتضي أن نستجيب لله ولرسوله لأن فيه حياة لنا {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} ويقتضي كذلك مخالفة اليهود الذين قالوا: {سمعنا وعصينا}، يقول الحق تباركت أسماؤه: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون، ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون، إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون، ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} [الأنفال: 30 - 33].
دروس وأحكام:
من الدروس والأحكام التي يمكن استخلاصها من هذا النص ما يلي:
1 - النهي عن التشبه بالكفار، يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - [5]: "نهى الله - تعالى - عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص عليهم لعائن الله، فإذا أرادوا أن يقولوا اسمع لنا يقولون راعنا ويورون بالرعونة... والغرض أن الله - تعالى - نهى المؤمنين عن مشابهة الكفار قولاً وفعلاً... " اه. ويقول الشيخ أحمد شاكر في عمدة التفسير[6]: "فانظر إلى ما يفعله المسلمون - بل المنتسبون للإسلام في عصرنا، من التشبه بالكفار في كل شيء، حتى يريد الوقحاء من الكتاب أن يدخلوا شعائرهم أو ما يشابهها في عباداتنا، وحتى يضربوا على أنفسهم الذلة والصغار، باصطناع تشريع أوربة الوثنية الملحدة في قوانينهم المجرمة الكافرة، أعاذنا الله من الفتن، وأعاد للمسلمين عقولهم ودينهم" اه.
2 - ضبط المصطلحات والكلمات والألفاظ التي يستخدمها المسلم بضابط الشرع.
3 - الانصياع لما يأمر الله به رسوله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}، {وما كان قولهم إلا أن قالوا: سمعنا وأطعنا}.
4 - استند فقهاء المالكية إلى هذا النص لاستخراج أصل "سد الذرائع" الذي يعتمد عليه في استنباط الأحكام بالنسبة للمالكية، يقول القرطبي - رحمه الله - [7]: "في هذه الآية دليلان: أحدهما - على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغض... الدليل الثاني: التمسك بسد الذرائع وحمايتها وهو مذهب مالك وأصحابه وأحمد ابن حنبل في رواية عنه. " اه.
- - - - - - - - - -
[1] التحرير والتنوير لابن عاشور، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، زاد المسير لابن الجوزي، روح المعاني للألوسي، لسان العرب لابن منظور.
[2] التحرير والتنوير لابن عاشور، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
[3] تفسير القرآن العظيم - ابن كثير 1/142.
[4] الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، ابن القيم الجوزية [3/944، 949 - 950، 952].
[5] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير 1/141.
[6] نقلاً عن كتاب أفحكم الجاهلية، ص 69.
[7] الجامع لأحكام القرآن: القرطبي 2/57.
http://www. alsunnah. org المصدر:
=============
الدعاة إلى الله ( 1 )
حكمت الحريري(18/53)
روى البخاري بسنده عن الزهري قال: "أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش - وكانوا تجاراً بالشام في المدة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش - فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه، فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي، فقال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسباً فقال: أدنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم إني سائل هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه، فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنده. ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة. قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم. ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله. وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أن لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألت أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل. وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألت أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بمَ يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين. وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه. ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأ فإذا فيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإني أدعوك بدعوة الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين: ((يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)). قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصخب، وارتفعت الأصوات، وأخرجنا. فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة، إنه يخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقناً أنه سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام". [رواه البخاري في كتاب بدء الوحي وكتاب الجهاد].
معاني الألفاظ:
الركب: هم أولو الإبل العشرة فما فوق.
المدة التي مادّ فيها: هي صلح الحديبية وذلك في السنة السادسة من الهجرة.
إيلياء: بيت المقدس.
عظماء الروم: هم البطارقة والقسيسون والرهبان.
الترجمان: المعبر عن لغة بلغة أخرى.
اجعلوهم عند ظهره: أجلسوهم وراءه لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كذب.
من أن يأثروا علي كذباً: من أن ينقلوا علي الكذب.
كيف نسبه فيكم: أي ما حال نسبه فيكم من أشرافكم هو أم لا؟.
هو فينا ذو نسب: أي عظيم النسب.
أشراف الناس: أهل النخوة والتكبير.
لم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً: ما استطعت أن أجد كلمة انتقصه فيها.
الحرب بيننا وبينه سجال: ينتصر علينا مرة وننتصر عليه أخرى.
الغدر: ترك الوفاء.
اتركوا ما يقول آباؤكم: اتركوا ما كانوا عليه من أمر الجاهلية.
حين تخالط بشاشته القلوب: أي حين تمازج حلاوة الإيمان القلوب.
فسيملك موضع قدمي هاتين: أي بيت المقدس.
تجشمت لقاءه: تكلفت الوصول إليه.
لغسلت عن قدمه: مبالغة في العبودية والخدمة.
دعاية الإسلام: الكلمة الداعية إلى الإسلام وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
يؤتك الله أجرك مرتين: يعطي الأجر مرتين لكونه كان مؤمناً بنبيه ثم آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم -. أو يكون له أجر إسلامه وأجر إسلام أتباعه.
الأريسيين: جمع أريسي، وهو الأكّار أو الفلاح.
الصخب: اللغط، وهو اختلاط الأصوات في المخاصمة.
أمِرَ: عظم.
ابن أبي كبشة: المراد به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن عادة العرب إذا انتقصت نسبت إلى جد غامض.
ملك بني الأصفر: بنو الأصفر هم الروم، وملكهم هرقل ولقبه قيصر.
أحكام فقهية ودروس مستفادة من الحديث:(18/54)
1- للدعاة الصادقين صفات يتميزون بها، وعلامات تدل على صدقهم، لأن الدعوة إلى الله مهمة الأنبياء، والعلماء هم ورثة الأنبياء.
2- الاهتمام بمعرفة الأحساب والأنساب.
3 - الكذب قبيح عقلاً وشرعاً.
4 - التعرف على شخصية الداعية وسيرته.
5 - الإيمان بالله يشرح الصدور ويتمكن في القلوب السليمة.
6 - أصحاب الدعوة السليمة يزيدون ولا ينقصون.
7 - احترام الدعاة إلى الله وتكريمهم وطاعتهم.
8 - يجب على الداعية أن يعرض منهجه بصدق ووضوح اتباعاً لأمر الله - تعالى -: ((فاصدع بما تؤمر))، ((يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك))، ((وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ)).
9 - قبل الإقدام على العمل أو اتخاذ القرار لابد من التفكير وتقليب وجهات النظر، ألا ترى الفارق بين موقف هرقل وموقف كسرى، الأول استقبل كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتوقير والاحترام فكانت له بقية وأما الآخر مزق كتاب رسول الله فمزق الله ملكه.
10 - يفتتح الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم.
11 - جواز إرسال بعض القرآن إلى أرض العدو وكذا السفر به.
مناسبة الحديث للكتاب:
افتتح البخاري - رحمه الله - كتاب بدء الوحي بحديث الأعمال بالنيات ثم ذكر بعده أحاديث تبين كيفية نزول الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصادقة، ثم حبب إليه الخلوة فكان يخلو بغار حراء، وجاءه الملك وهو في الغار، ثم عرف بأمره ورقة بن نوفل وطمأنه بأن هذا الذي جاءه هو الناموس الذي نزل الله على موسى، ثم ختم الكتاب بهذا الحديث الذي تضمن خبر أبي سفيان مع هرقل عظيم الروم حيث وصله كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرف هرقل أن هذا هو النبي الذي يظهر في آخر الزمان، كما هو معروف عند أهل الكتاب، وسيمتد ملكه وتنتشر دعوته في كافة أرجاء المعمورة ولذلك فقد قال هرقل بعد أن سأل عن صفات ذلك النبي: "إن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين".
فما المناسبة بين هذا الحديث الذي ختم به الكتاب، وحديث الأعمال بالنيات الذي افتتحه به؟ والذي يبدو لي في الجواب عن هذا السؤال - والعلم عند الله - أن البخاري - رحمه الله - يريد أن يقول: إن من أخلص نيته لله - تعالى - وصدق في دعوته التي يدعو إليها، فإنه وإن بدأ الدعوة في غار فإنها ستبلغ ما بلغ الليل والنهار، وستتناقلها الأخبار حتى يخشى صاحبها ويخضع له كل ملك جبار.
فلله در الإمام البخاري - رحمة الله عليه - ما أبرع طريقته في الاستهلال والاختتام وما أبدعها وإنها لمنقطع القرين، فهو أمير المؤمنين في الحديث استوجب ذلك وهو له أهل. وما أعظم عواقب الإخلاص وصلاح النوايا وما أطيب نتائجها.
دعوة صريحة:
بعد أن تمت المصالحة بين المسلمين والمشركين على وضع الحرب بينهم عشر سنوات، وهو الصلح المعروف بصلح الحديبية، وعلى أن يرجع المسلمون من عامهم ذلك ولا يدخلوا البيت الحرام وليأتوه من العام القابل، بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكاتب ويرسل رسله إلى ملوك الأرض يدعوهم فيها إلى الإسلام.
قريش تحارب المسلمين، وتمنعهم من دخول مكة أرضهم التي أخرجوا منها وليس ذنبهم إلا أن يقولوا ربنا الله، ومع ذلك يراسل ملوك الأرض ويدعوهم فيها إلى الرجوع إلى أمر الله، والتسليم لحكمه - سبحانه وتعالى-!! كيف يقدم على مثل هذه الخطوة الجريئة من كان يحارب في بلاده ولم يسلم من أذى أعدائه؟! إن هذه الخطوات لا يقدم عليها إلا الواثقون من نصر الله، المتوكلون على الله وحده. إن الذي وثق بحفظ الله له يوم خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة وأوى إلى غار ثور فأدركه المشركون، وكان صاحبه يقول: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فيقول له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما" "لا تحزن إن الله معنا".
من كان يشعر بمعية الله وحفظه وتأييده فإنه يقدم على مثل هذه الخطوات ولا يخشى من انتفاش الباطل وغطرسته وتعاظمه، وتصغر في عينه عروش الملوك، فلله الملك، ((قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير)) [آل عمران/26].
هذه الخطوات يقدم عليها الأنبياء وورثة الأنبياء الذين أوتوا العلم ويخشون الله ولا يخشون أحداً إلا الله. وهؤلاء هم الذين يحملون عبء الدعوة الصادقة، ويقومون بها حق قيام ولا يغترون بزخارف الدنيا وزينتها ولا يهابون سطوة الملوك فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
"من محمد عبد الله ورسوله" "أدعوك بدعاية الإسلام".
دعوة صريحة وجهها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل عظيم الروم، دعوة محصورة باتباع دين الإسلام لا غير دون خوف ولا وجل ولا مداهنة: ((ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)).
إنه لأمر عجيب - في نظر المتأمل - أن تصدر هذه الدعوة في وقت كان نفوذ المسلمين ينحصر في بقعة صغيرة من الأرض (المدينة المنورة) لا تساوي شيئاً من الناحية المادية بجانب إمبراطورية الروم الممتدة في القارات الثلاث (أوربا وأفريقيا وآسيا). وعلى الرغم من الفوارق الشاسعة بين إمكانيات ومقدرات الروم الهائلة، وحالة المسلمين الضعيفة في تلك الأيام، لم يدعه هذا إلى الشعور بالهيبة من قوة الروم وسيطرتهم، ومن ثم التنازل والمداهنة.(18/55)
لقد كان - صلى الله عليه وسلم - صريحاً وواضحاً في دعوته للروم، مثل وضوحه وصراحته مع عبدة الأصنام والأوثان من كفار قريش، فلم يخطر بباله أن يختار أسلوباً في الدعوة يتناسب مع قوة الروم وسطوتهم كما يفعله بعض الضعاف والانهزاميين في زماننا - من دعوة إلى التقارب بين الأديان - الذين بهرهم انتفاش الغرب وتجبرهم، فطرحوا شعارات وقدموا تنازلات تشعر بذلهم ودناءتهم، فأفسدوا دين الناس ودنياهم وأول الطريق يبدأ دائماً بخطوة، فبعد أن تنازلوا للنصارى إلى أبعد حدٍ وفعلوا تجاههم ما فعلوا... فقد جاء دور اليهود، وصرنا نسمع عن وجود روابط بينهم وبين المسلمين!! وكونهم أبناء عمومة!!.
ولذا فإنا نخشى أن يتأثر بهذه الطروحات الخائبة ويخرج دعاة من أبناء جلدتنا يزينون للناس ويفتونهم بإقامة العلاقات وحسن المودة مع أبناء القردة والخنازير مع قتلة الأنبياء، وأكلة السحت الذين يقولون ليس علينا في الأميين سبيل، فيخدعوا بما تطرحه وسائل الإعلام المعادية ويتأثروا بأساليب الحكام الخونة على أن لليهود الحق بإقامة وطن لهم!! كيف والله - تعالى - يقول: ((قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)) ويقول - سبحانه -: ((لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا)).
فلا يهولنكم أيها الدعاة الصادقون ما وصل إليه اليهود والنصارى من امتلاك قوى وبسط سيطرة وانتفاش ظالم مزيف، فإنه سيزهق ويزول بإذن الله. ولكم في رسول الله أسوة حسنة فاثبتوا على الحق الذي آتاكم الله واصبروا حتى يحكم الله ويتحقق وعده بنصر المؤمنين ((وكان حقاً علينا نصر المؤمنين))...
http: //www. alsunnah. org المصدر:
==============
الدعاة إلى الله ( 2 )
حكمت الحريري
الدعاة صنفان:
إن الدعوة إلى الله من أشرف الأعمال، قال - تعالى -: ((ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين))، وذلك لأنها مهمة الأنبياء، وقد انقطعت النبوة بوفاة رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين، وتسلم المهمة من بعدهم العلماء الصالحون، فهم الورثة للأنبياء.
لقد كان هرقل عاقلاً وذكياً، وكيف لا وهو من علماء أهل الكتاب، وأهل الكتاب يعلمون أنه سيظهر نبي يعرفونه ويعرفون صفاته ومكان خروجه ((الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)) [البقرة/146].
ولذلك عندما وصله الكتاب، كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سأل عن صفات ذلك النبي الذي أرسله، فلابد من التبين والتثبت والمعرفة، وهذا شأن العقلاء، فقد يكون من رجل طالب ملك وجاه ولذلك بدأ يسأل عن مواصفات ذلك النبي الذي أرسل الكتاب.
فهل يتعظ العقلاء من أهل السنة بقصة هرقل وموقفه من رسول الله فيتثبتون ويسألون قبل أن يسيروا خلف كل ناعق أو دعي كاذب؟! وهل بإمكانكم التمييز بين الصادقين المخلصين وبين العملاء وأهل الأهواء والمنافقين والمنحرفين من الدعاة. فقد كثر الأدعياء في هذا الزمان.
قال - عليه الصلاة والسلام -: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه".
"فلا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون".
صنفان من الدعاة كلاهما يدعو فيما يبدو إلى الله، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذرنا صنفاً منهما دعاة، على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها.
ومن مواصفات هذا الصنف، هم الذين يريدون الحياة وتعزهم زينتها وتخدعهم الألقاب. يسقطون أمام أبسط المحن وأقل الابتلاءات، يبحثون عن السلام ويؤثرون الدعة وأعدوا لكل مرحلة ما يناسبها من مواقف وأفكار وعقائد وآراء أعجبهم جحر الضب فسلكوا مسلكه، سيماهم التغيير والتبديل وهم بحاجة إلى من يحوطهم ويرعاهم ويسوسهم.
والصنف الآخر هم الدعاة الصادقون، لم تستهوهم الدنيا ولم يغتروا بزينتها وزخرفها، ولم تخدعهم ألقاب الملوك والسلاطين ولم يرهبوا طغيان الحكام ولا تجبرهم عرفوا الحق فثبتوا عليه ودعوا له وصدعوا به وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولكل موقف ثمنه ولكن سوق بضاعته سيماهم الصدق والأمانة، والثبات على المبادئ، آراؤهم صائبة وأقوالهم صادقة ينظرون إلى عواقب الأمور بنور الله، فتكون لهم العاقبة، والأعمال بخواتيمها.(18/56)
ولهذين الصنفين من الدعاة تاريخ قديم من عهد موسى - عليه السلام - إلى اليوم، تعاين حالة هذه الصنفين كلما قرأت سورة القصص: ((إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين، قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون، فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم. وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون، فخسفنا به وبداره الأرض، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين، وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن منّ الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون، تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين)) [القصص/76 - 83].
قولٌ لين:
الكلمة الطيبة ولطف المعاملة وصدق القول مع المجاهرة بالحق والثبات عليه وتوضيح الهدف سبب لرجوع الإنسان عن غيه ومدعاة للعودة إلى الصراط المستقيم، وترك سبل الضلالة. هكذا كانت معاملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكل الناس. ((يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم...)) فقد كان - عليه الصلاة والسلام - خلقه القرآن، وللقرآن أسلوب مؤثر في القلوب، قال - تعالى -: ((لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله)).
ولم يستطع صناديد قريش الصمود أمام أسلوب القرآن الحكيم في مخاطبة العقول والقلوب السليمة فاتفقوا على عدم الاستماع: ((وقالوا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون)). فتأمل قوله الله - تعالى -: ((يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده)) [آل عمران/65]. ((يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون)). ((يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون وأنتم تعلمون)) [آل عمران/70 - 71]. ((يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)) [المائدة/15]. وغيرها من الآيات الكريمة التي تحرك المشاعر والأحاسيس والضمائر الميتة تحركها لتعيد فيها الحياة، وتنبهها من غفوتها ومن سباتها ومن سكرتها.
ما ألطف هذا النداء الإلهي، وما ألين هذه اللهجة التي تقوي المشاعر وترفع المعنويات، فتجذب القلوب وتوجه العقول إلى الحق وتصرفها عن الباطل هذا هو الأسلوب الناجع في الدعوة إلى الله وهذا هو خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي امتدحه الله به - سبحانه - حيث قال: ((وإنك لعلى خلق عظيم)).
وفي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومواقفه العملية ذخيرة ثمينة وثرية لو تناولها باحث بالدرس والاستقراء واستنبط منها الأصول النفسية والاجتماعية والدينية التي تفسر نفاذ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قلوب الناس وعقولهم؛ في سنة النبي هذه ما لو تناوله باحث حصيف لقدم لنا ما يمكن أن نسميه: علم نفس الدعوة على غرار ما يعرف من علم النفس التعليمي أو التربوي ويعمق أكثر فيما يتصل بطبيعة النفس إذ كان منهج النبوة في دعوة الناس منهجاً ربانياً ألهمه إياه ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
فما الذي دهى بعض الدعاة حتى تاهوا عن الطريقة المثلى وفارقوا العروة الوثقى، وسلكوا سبيل الردى والقسوة والعناد، فغفلوا عن معاملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كان لطيفاً هيناً يحب الرفق في كل أمر، ويكره الغلظة والجفاء والقسوة على أصحابه وعلى المدعوين والمخاطبين أياً كانوا. هلا يتعظ الدعاة بأسلوب القرآن وطريقته في مخاطبة الناس وتوجييهم، وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال - تعالى -: ((ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك...)) [آل عمران].
أخي أنعي إليك القاسي فإنه ميت وإن كان متحركاً، وأعمى وإن كان رائياً. فاحذر القسوة فإنها رأس الخطايا وأمارة الطبع وهي الشوهاء العاقر والداهية العقام وأراك تركض في حبائلها وتستقبس من شررها، ولا بأس أن يعظ المقصر ما لم يكن هاذياً.
من صفات الداعية:
فيما يلي نذكر بعض الصفات التي يجب توافرها في الدعاة على ضوء ما جاء في الحديث:
1- من علامات صدق الداعية أن يكون ذا نسب كريم لأن الأسرة التي ينشأ فيها والأصل الذي ينحدر منه يترك فيه أثراً بيناً من ناحية الفكر والأخلاق، وهذا أمر عرف بالتتبع والاستقراء.
فشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، ومحمد بن عبد الوهاب، وأحمد شاكر، ومحمد عبد الله دراز، وغيرهم من العلماء - رحمهم الله - نشأوا في أسر معروفة بالتدين. وليست هذه قاعدة مطردة ثابتة، فقد نجد عالماً من العلماء من غير أسرة دينية، وقليل ما هم.
عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الناس أكرم؟ قال: "أكرمهم عند الله أتقاهم" قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: "فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله" قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: "فعن معادن العرب تسألونني؟ " قالوا: نعم، قال: فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا".(18/57)
2- الداعية الصادق يتجرد من كل الأهواء والأغراض الدنيوية كحب الجاه والزعامة والمال ويجعل همه وشغله الشاغل إعلاء كلمة الله وتحكيم شرعته.
3- ومن علامات صدق الداعية وسداد منهجه أن أتباعه يزيدون ولا ينقصون.
4- ومن صفات الداعية الصادق أن جماعته التي يدعو إليها لا يتركها الناس ويخرجون منها كرهاً لمبادئها أو انحراف في منهجها، بل يكون أمرها في علو وازدياد حتى يتم لهم التمكين بإذن الله.
5- الصدق في القول والعمل من أخص صفات الداعية. فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان معروفاً عند أهل قريش بالصادق الأمين ولم يمنعهم من الاستجابة لدعوته إلا الحسد فقد قال المسور بن مخرمة - وهو ابن أخت أبي جهل - لأبي جهل: يا خالي هل كنتم تتهمون محمداً بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال: يا ابن أختي والله لقد كان محمد - صلى الله عليه وسلم - فينا وهو شاب يدعى الأمين، فما جربنا عليه كذباً قط. قال: يا خال فما لكم لا تتبعونه؟ قال: يا ابن أختي تنازعنا الشرف نحن وبنو هاشم فأطعموا وأطعمنا، وسقوا وسقينا، وأجاروا وأجرنا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي فمتى ندرك هذه؟!!.
والكذب مذموم عقلاً وشرعاً لأن أهل الجاهلية كانوا يستحيون من الاتصاف بهذا الخلق السيء، كما علمت من موقف أبي سفيان قبل أن يدخل في الإسلام.
إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار.
6- ومن صفات الداعية الوفاء وعدم الغدر: الغدر من صفات الإنسان الذي جعل الدنيا همه ولم يبال الآخرة، وهل تذكر من سيرة النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه في الوقت الذي ضيق عليه المشركون في مكة وقرر الهجرة فإنه ترك علياً في مكانه ليؤدي عنه الأمانات إلى أهلها. وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: "أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك". فلا ترد على الخائن وتعامله بخيانته، ولا تعامل الغادر بغدره وكل إناء بما فيه ينضح.
7- على الداعية أن يعلن المبادئ التي يدعو إليها بصراحة ووضوح دون خوف ولا وجل، ولا مداراة أو مداهنة؛ لأنه متعلق القلب بالله، فلا يقبل بأنصاف الحلول لأن الأمر كله لله، ويجب أن يبقى كله لله، ((ليس لك من الأمر شيء)).
إن أسوتنا وقدوتنا الحسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لم يقبل بكل اقتراحات المشركين بل أعلنها صريحة وجاهرة بها ((قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين)).
فلا سبيل لأنصاف الحلول عند رسول الله، فكيف نجعل لها سبيلاً عندنا ونحن نعتقد أننا نحافظ على ديننا إلا أن من قبل الهوان توفرت له كثير من سبل الضلالة ويحسب أن فيها الخلاص فما أجرأ الزعماء في بلادنا، كأنما ركبت لهم من الزجاج عيون!.
شعارات يطرحونها ويخدعون بها الشعوب وغرهم بالله الغرور!! "سلام شجعان"؛ "الأرض مقابل السلام" "خذ وطالب" رددوا هذه الشعارات وأمثالها حتى عودوا الشعوب على الذل والهوان والنفاق جعلوهم يستمرئون هذه البضاعة:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
8- ومن صفات الداعية الصبر على الابتلاء، فالأيام دول والأعمال بخواتيمها والعاقبة للمتقين، هذه سنة الله ((ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً)).
لابد من الامتحان والابتلاء حتى يعلم الله المجاهدين الصابرين ويمنحهم من فضله ويمكن لهم في الأرض. لابد من الابتلاء حتى يميز الخبيث من الطيب. قال - تعالى -: ((ألم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)). [العنكبوت/3].
((ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين))، ((ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين)).
http: //www. alsunnah. org المصدر:
===========
مواقف مضيئة للشيخ عبد الرحمن الدوسري في الصلح مع اليهود
أحمد المختار
في وقت اشتداد الهجمة الداعية إلى الصلح مع أعداء هذه الأمة من اليهود يلتفت الشباب إلى من يرشدهم إلى الموقف الحق من هذا الصلح الذي يضفي الشرعية والقبول على احتلال فلسطين وقدسنا العزيزة.
ولقد كان لصوت الشيخ المجاهد عبد الرحمن الدوسري وقع عظيم في قلوب معاصريه حيث كان من أوائل الذين تصدوا لخطورة المخطط اليهودي في المنطقة والذي يرنو إلى انتزاع الاعتراف به كحقيقة واقعة وجار شرعي… لقد وقف الشيخ في وجه هذا المخطط ولم يترك مناسبة إلا نبه فيها على خطر اليهودية العالمية وفروعها الماسونية المبثوثة في أرضنا الإسلامية، كما لم يغفل أثر المستعمر الأسمر الذي خلف المستعمر الأبيض، وحذر من فساد هؤلاء الباطنيين والمرتدين وبين أن كفر الردة أشد وأفسد من الكفر الأصلي.
عاش الشيخ هموم أمته لا سيما هموم القضية الفلسطينية ولم تكن تغيب عن طرحه ومناقشاته وخطبه التي كانت تبث وعياً تجاه الأخطار المحدقة بالأمة.
وللشيخ رسائل وكتب كثيرة أهمها تفسير: صفوة الآثار والمفاهيم والذي توفي ولم يكمله، أما مادة كثير من مقالاته ومقولاته فهو الذي نحن بصدده وكم هي حاجة الأمة له اليوم ألا وهو الصراع بين اليهود وأدعياء الإسلام وإن شئت العروبة وقد توفي - رحمه الله - في لندن في شهر ذي القعدة عام 1399 هـ وشيعته الأمة إلى مثواه الأخير في الرياض.
مواقف الشيخ - رحمه الله - من صراع الأمة مع اليهود:(18/58)
لم يكن الشيخ عبد الرحمن في ساحة واحدة من ساحات الصراع مع أعداء الإسلام فلم تكن الماسونية واليهودية وحدها ولكن هناك مذاهب وأقوام أخرى كانوا في خندق المواجهة مع الشيخ، كان أبرزها بعد الماسونية القومية العلمانية والوطنية.
ومن خلال هذه الشيع كان الشيخ يدخل للحديث عن فلسطين أحياناً، وكان يأتي عليها أحياناً إذا مر ذكر فلسطين. ولما كان الحديث هنا عن هذه القضية وتحدث عن المصالح مع إسرائيل كان جديراً أن تذكر بعض مواقفه ومقالاته في هذا الباب وسنقسم مواقفه في هذه القضية كما يلي:
أولاً اليهود:
يؤكد الشيخ - رحمه الله - في كثير من مقالاته وخطبه ومحاضراته عداء اليهود لسائر الأمم عامة ولأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة منطلقاً من قوله - تعالى -: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا). يقول - رحمه الله - في محاضرة له بعنوان الماسونية عند حديثه عن الغزو الفكري: (إن الغزو الفكري فيه قتل معنوي وفيه سكر معنوي فصاحبه لا يفيق، وفيه عبودية صاحبها لا يتحرر أبداً، وذلك لفساد تصوراته، يتبجح بالحرية والاستقلال ويشتم الاستعمار صباح مساء، ويشتم ما سمى إسرائيل في كل لحظة، ولكن هو سائر في طريقها وفي نصرتها، وسائر على خطى الإستعمار، إن الذي يحمل البضائع الأرضية الملتقطة من المزابل اليهودية مهما شتم الاستعمار فهو أنجس منه وأقذر، وأضر على شعبه من كل مستعمر ومن كل صهيوني، وحقاً ثم حقاً ومليون حقاً إن الذين حملوا البضائع الأرضية الملتقطة من المزابل اليهودية قد خدموا ما يسمى إسرائيل، ومهدوا لما يسمى إسرائيل، وهم الذين عملوا على تأمينها وعلى تقوية الانطلاقة لها).
ثم ذكر - رحمه الله - بعض قرارات المحافل الماسونية لاستغلال وركوب الأمميين وكيف تحققت، ثم قال بعد ذلك: (انظروا كيف تحققت هذه التعاليم ونفذت هذه القرارات وأصبح ما يسمى إسرائيل محوطاً بدولة نصرانية في لبنان، ودولة نصيرية في سورية).
وما مر ذكر اليهود في ثنايا تفسيره إلا ووقف على مكرهم وخداعهم وضلالهم عن علم ومعرفة بالحق ولكن(حسداً من عند أنفسهم). فها هو يقول عن اليهود عند قوله - تعالى - (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون): (فكان طمع أسلافنا في إيمان اليهود مبنياً على وجه نظري معقول، ولكن الله العليم بالسرائر يعلم أن لا وجه لهذا الطمع، وليس فيه جدوى، لأنهم انحرفوا بحقيقة الدين الذي هو رابطة روحية قوية بين الأمم، وهداية للقلوب الفطرية، فجعلوه رابطة جنسية عصيبة يريدون به الانفصال عن غيرهم والاستعلاء عليهم، ويتصرفون بالنصوص على حسب أهوائهم ومصالحهم الشخصية، ويريدون أن يجعلوا من دينهم أداة تسلط على الأمم والشعوب في النواحي السياسية والاقتصادية بضروب من أنواع الافتراء على الله) [1].
ويقول أيضاً عند تفسيره لقوله - تعالى -: (إياك نعبد وإياك نستعين): (تالله إن الكفر بجميع أنواعه لم يهزم من الإسلام إلا صورته، أما الحقيقة فلو اصطدم بها لتحطم في الآخرين، كما تحطم في الأولين، واليهودية العالمية منذ عصور لم تسقط إلا الصور التي عملت على إبرازها، ذلك أن أكبر صورة يعبث بها الطفل يقدر على إسقاطها، أما الحقيقة فعملاقة)[2].
ثانياً مواقفه من احتلال من إسرائيل لفلسطين:
قد لا تجد خطبة أو محاضرة للشيخ تخلو من هذا الموضوع وإن تقسيم هذا الباب إلى قسمين أوضح وأبين:
أ - حديثه عن القيادات العربية المحاربة لإسرائيل: لما كانت القيادات العربية هي عماد كثير من هزائم الأمة في العصر الحديث كان لها النصيب الأوفر من نظر الشيخ وحديثه وهو ممن عاصر وصولهم لسدة الحكم في كثير من بلاد الإسلام. لذا فلما وصل القذافي إلى الحكم اغتر به كثير من أصحاب النوايا الحسنة حين أوصد أبواب الحانات ومنع بيع الخمور وكان جواب الشيخ عنه في تلك الحالة انه من أعداء الإسلام وسيكشف عن وجهه الكالح عن قريب، فلم تمض فترة قصيرة حتى صدق حدس الشيخ وتبين صدق مقولته.
ويحسن بنا أن نقف على بعض من كتاباته وخطبه ومحاضراته عن هؤلاء النكرات في حساب تاريخ الأمة، يقول - رحمه الله - في خطبته التي هي بعنوان: حقيقة الهجرة النبوية وحكمها:
وما أكذب القوميين وأفجرهم إذ يقولون: الدين لله والوطن للجميع، الدين لله: صلوا واركعوا وتدروشوا في المسجد. أما الوطن فللجميع: لليهودي والنصراني والدرزي والمجوسي والنصيري. من يحكم حكماً علمانياً بقوانين وضعية (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) (الدين لله والوطن لله) رغماً عن أنوف القوميين أذناب إسرائيل والذين اتضحت خيانتهم في الصلح مع إسرائيل ودقوا آخر مسمار في نعش فلسطين ولعبوا على المسلمين ثلاثين سنة بأخذ التبرعات وإظهار الصيحات الفارغة: الدين لله والوطن لله، لا لأحد غير الله… يجب أن يحكم فيه بحكم الله وأن تقام فيه شريعة الله وتنفذ فيه حدود الله، ويجب أن يكون منطلقاً للدعوة والجهاد، ولإعلاء كلمة الله وقمع المفترى عليه، هكذا دين الإسلام وما سواه فهو وثنية صبغه اليهود بصبغة وطنية قومية).
وفي خطبة بعنوان (الدين النصيحة) يقول الشيخ - رحمه الله -:(18/59)
(الناصح لله المحب الصادق في محبته لله لا يحب أحداً من الطواغيت المتنفذين الحاكمين بلادهم حكماً علمانياً كافراً، يبيحون فيه الخمور والفواحش والزنا حالة الرضا، والمراقص والربا والبلاجات العارية والقمار، ويحلون كل ما حرم الله ويحكمون بغير شريعة الله، هؤلاء لا يجوز للمسلم محبة أي رئيس من رؤسائهم، ولا التبرع في سبيلهم حتى ولو ادعوا حرب إسرائيل، وهم لو حاربوها فهم كاذبون، لا يحاربونها إلا على مخطط وعند حد مدروس أياماً معدودات وسنوات معروفة خططها لهم أسيادهم من الروس والأمريكان ولكنهم يلعبون على أذقان الشعوب.
وهذه النظرية كانت غير واضحة عند كثير من أهل الصلاح في الزمن والمكان الذي تكلم فيه الشيخ - رحمه الله -، ولقد ألمح الشيخ إلى لمحات لطيفة عند وقوفه مع حديث (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار… الحديث) حيث قال في صفوة الآثار والمفاهيم:
ومن شواهد هذا التصوير وظهور صحته للعيان أنهم في هذا العصر الذي يسمونه عصر النور ويتبجحون فيه بدعوى التقدمية والتحرر، ويخادعون الناس بدعوى طردهم للاستعمار، قد عجزوا عن اقتلاع وانتقاش شوكة في جسمهم، قد اتفق الاستعمار الغربي والشرقي على غرزها فيه، وهي ما يسمى بدولة إسرائيل التي انتزعت منهم قطعة عظيمة عزيزة على المسلمين، ولو نجح أحد طرفي الاستعمار معهم وصدق في معونته لهم باقتلاعها، لاتنفخوا انتفاخة الهر على العالم بشتى أنواع الغرور والتهريج، ولكنهم مع حالتهم المشؤومة التي صاروا بها ألعوبة للغرب والشرق لم يخجلوا من دعاويهم التي يريدون أن يحمدوا فيها بما لم يفعلوا ولم يحفزهم النكبات على توحيد صفوفهم والرجوع إلى ربهم للاستعانة على حرب عدوهم؛ لأن الأنانية تمنعهم من ذلك وتبعدهم عنه)[3].
ولما تحدث عن الإسراء والمعراج في محاضرة له بهذا العنوان ألقاها في المسجد الجامع الكبير بالرياض قال:
إن الإسراء يذكرنا بعظم المسجد الأقصى وإسلاميته، الذي أضاعه القوميون بصراخهم وعروبتهم المزيفة، وما إضاعتهم له إلا بسبب خيانتهم لله، حيث رفع الله عنهم يده وسلط عليهم جرذان الخليقة من أراذل اليهود، هذا المسجد الذي يتباكون عليه وبعضهم يزعم عروبة الأقصى، ويطالب بعروبة الأقصى؛ لأن ذكر الإسلام يزكم أنفه لا يقول إسلامية الأقصى.
وفي نهاية هذا الفصل يحسن بيان أن الشيخ كثيراً ما يؤكد التفريق بين الحكام والشعوب فالحكم على الحكام لا ينسحب على الشعوب.
ثانياً حديثه عن الصلح مع اليهود:
كانت مؤامرة الاستسلام التي خان فيها السادات أمته فاجعة ومفاجئة لكثير من أبناء الإسلام. أما من تابع كتابات الشيخ وحديثه فسيعلم أنه كان يتحدث عن هذه الخيانات قبل وقوعها لمعرفته بأحوال العساكر والإمعات التي تحيط بإسرائيل. فحين كان الناس مبتهجين بحرب أكتوبر كان الشيخ يتحدث عن الخيانات التي حاكها المستعمر الأسمر فيها. ويُغني عن الإسهاب في هذا إيراد بعض من مقالات الشيخ ومقولاته، يقول - رحمه الله - في محاضرته نظرات في سورة (ق). عند حديثه عن حكام المسلمين:
جعلوا من فلسطين قميص عثمان، لو استرجعوا فلسطين فبماذا سيحكمونها، مع أن استرجاعهم فلسطين بدون حمل الرسالة لا يمكن، فلسطين انتزعها اليهود بعقيدة ولا تنتزع منهم إلا بعقيدة أصح منها.
ثم يعرج على عروبة القدس: (يقولون عروبة القدس، عروبة القدس، ولا يقولون إسلامية القدس لأنهم لا ينوون أن يحكموها بالإسلام). ولا ينسى أن يبين أثر خيانة الأمة مع اليهود فيقول:
واليهود الجبناء يستيقنون تمام اليقين أن لا قرار لهم ولا يمكن أن تقوم لهم دولة بين أسود التوحيد ذلك خططوا مسخ أسود التوحيد إلى هررة، إلى سنانير لا تملك سوى الانتفاخة:
… كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
لكن انتفاخة لا يتبعها إلا الشر وجاء الشر… (الصلح مع إسرائيل) وستكون إسرائيل مصيفاً. يا ليتهم اقتصروا على الصلح وعلى علاقات دبلوماسية، لا. بل فتحوا أبواب الثقافة والتجارة والسياحة جواً وبراً، لتكون لفساق العرب ويجدون في إسرائيل ما لا يجدون في بلدان العرب الأخرى. (بتصرف).
يجدون فتيات على غاية من الحسن والجمال، وعلى غاية من المكر ودغدغة الغرائز وكسب القلوب وأخذ الأسرار وابتزاز الأموال. هكذا نتيجة الصلح المشؤوم.
وإذا استمعنا إلى الشيخ في محاضرة له بعنوان (العقيدة والهجرة) تجده محتداً عند ذكر بعض ألفاظ الحكام حيث يقول:
وجعلت أدمغة الشباب ومن هم أكبر من الشباب متبلورة بدعاوى الطواغيت: ما فيش [4] سلاح، العدو أقوى، العدو وراءه أمريكا. هذه الكلمات الملعونة التي يجب أن يلعن قائلها: هذه الكلمات تأثر بها العرب خاصة، تأثراً مشيناً، بحيث تكونت فيهم هزيمة نفسية واعتذارات للطواغيت المصطلحين مع إسرائيل. بحدة عدم وفرة السلاح، أو بأن أمريكا تمد إسرائيل بأقوى السلاح. أنتم مددكم من لا تعجزه قوة في السموات ولا في الأرض. أحسنوا علاقتكم بالله وتنالوا من الله كل نصر وتأييد).
ولما ظن عامة الناس أن عبد الناصر سيدك إسرائيل قبل حرب حزيران البائسة سأله أحد أصحابه عن الحرب فقال بملء فيه: (لا، لا تخف الأمر بسيط. الحرب خمسة أيام أو ستة، تدك فيها قوات جمال عبد الناصر وطائراته التي حصل عليها من روسيا، ثم تكون هناك هدنة يلجأ بعدها عبد الناصر صاغراً فيسقط في أحضان أمريكا، ثم يكون بعد ذلك صلح ومعاهدة استسلام تبدأ بها مصر، ويتبعها معظم العرب)[5].
يقول الشيخ هذا قبل 24 سنة وها هم حكام العرب يركضون في مضمار الاستسلام. ولقد كان نظر الشيخ في موضعه فلقد كان يحاك في الخفاء مشروع روجرز، الذي لا يقل شراً عن كامب ديفيد.(18/60)
وأخيراً من هذه الوقفات السابقة مع الشيخ - رحمه الله - التي نرى فيها صدق اللهجة ومعرفة قدر المتمكنين في رقاب الأمة. كما نرى فيها اعتصار قلب مكلوم على مسرى الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وأرض فلسطين التي فتحها عمر واستعادها صلاح الدين ورويت أرضها بدماء الشهداء من الصحابة والتابعين والمجاهدين الأولين. الأرض التي أضاعها من لم يعرفوا ثمنها من أذناب الاستعمار وأفراخ الغرب والشرق.
----------------------
[1] - صفوة الآثار والمفاهيم في تفسير القرآن العظيم، ج 2، ص 189.
[2] - المصدر السابق، ج 1، ص 188.
[3] - المصدر السابق ج 1، ص 233.
[4] - حرصاً على نقل النص كما ذكره الشيخ جعلناه كما هي.
[5] - رسالة الماجستير آنفة الذكر، ص 101.
http: //www. alsunnah. org المصدر:
===========
النصيحة شرائطها وفوائدها
الخطبة الأولى:
أما بعد أيها الإخوة المؤمنون:
رأيت من بعض الإخوة اهتماماً بأننا مقصرون في واجب النصح فيما بيننا وفيما نراه من أحوال حياتنا العامة في بيوتنا في مجتمعاتنا في أحيائنا في مساجدنا؛ لعلنا حينئذٍ نؤكد عل أهمية هذه النصيحة والتناصح، ونقف مع الشروط أو الأسباب والصفات التي تجعل النصيحة كاملة نافعة حتى نأخذ بالأسباب التي تقود إلى حصول المقصود:
وأول هذه الشرائط والأسباب: العلم بما ينصح به: فلا ينبغي أن تتقدم بنصحٍ في أمرٍ لا تعلمه ولا تعرف فيه حكم الله وليس لك اطلاع على هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن النصيحة أمرً بمعروف، ونهي عن منكر، وإنها دعوة إلى الله، لا بد فيها من علم وفهم وإدراك: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك}، قدّم العلم على ما ينبغي عليه بعد ذلك من العمل.
قال - تعالى -: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}، أي على علمٍ وبينةٍ ومعرفةٍ تامة وواضحة قال - تعالى -: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.
والحكمة وضع الشيء في موضعه، ولا يمكن أن تضعه في موضعه ما لم تكن به عالماً، وبالأحوال والظروف المحيطة مدركاً، وذلك ما ينبغي أن يكون، ومن فقه أئمتنا أنهم نبهوا على أهمية العلم قبل العمل، وقبل النصح والإرشاد الذي لا بد أن يكون قوامه هو ذلك العلم.
فمما أثر عن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - أنه قال: " العامل بغير علمٍ ما يفسد أكثر مما يصلح ".
وهذا أمراً بينٌ نحتاج إليه.
وكم من صورٍ سنعرض لها يتقدم فيها من ينصح وهو ينصح بالباطل، وينصح بما يخالف النفع والفائدة المبنية على أساس الشريعة الإسلامية.
الكمال في النصيحة:
فهو عمل الناصح بما ينصح به؛ فإن القدوة الحسنة لها أثرها في النفوس؛ فإن وافق الفعل القول كان ذلك أبلغ في الفهم والمعرفة، وفي القبول والإقبال على هذه النصيحة.
ولقد ورد الذم كثيراً وعظيماً لمن يخالف قوله فعله، ولمن لا يلحق القول بالفعل، قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون}.
وفي سياق ما ذكر من صفات مذمومة كان عليها بعض الكتاب قول الحق - جل وعلا -: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}.
ولا يعني ذلك - كما أشرنا من قبل - أن تترك النصح إذا رأيت الخطأ وأنت غير قادرٍ أو غير مستقيمٍ عليه؛ فإن النصح في هذه الحالة يكون نصحاً للآخر ونصحاً لك؛ وذلك يقودك إلى مراجعة نفسك: " ما بالي أقول لا تفعل وأنا أفعل! ما بالي أقول اجتنبوا وأنا أرتكب! "؛ فيكون ذلك عظة للإنسان.
لكننا نتحدث هنا عن الكمال الذي يجعل للنصيحة أثرها النافع والمفيد.
ومن حديث أسامة بن زيد - وهو صحيح - ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عقاب رجلٍ في يوم القيامة، صفته أنه يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، قال - صلى الله عليه وسلم -: (.. فيؤتى به يوم القيامة فتندلق أقتابه من بطنه أي أمعائه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيطلع عليه أهل النار فيقولون: ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه).
وتلك صورة من العقاب والمعنوي والحسي، ساقها النبي - صلى الله عليه وسلم - تذكيراً وموعظةً وتحذيراً وترهيباً من هذا السلوك.
ولا شك أننا ندرك تماماً أن المخالفة بالقول والفعل من أسباب عدم قبول النصيحة وحصول أثر الدعوة.
ومن هنا جاء الخطاب القرآني على لساني نبي من أنبياء الله - عز وجل -: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه أن أريد أن أنهاكم عن شيء}، ثم أخالف وأكون أنا الذي أفعله.
فيكون ذلك كما ذكر ابن القيم عن علماء السوء الذين يعضون الناس بأقوالهم ويصدونه عن سبيل الله بأفعالهم، قال: أولائك شبههم بالذين يصطادون الناس بصدّ، والإعراض عن سبيل الله - عز وجل - وعن دينه - سبحانه وتعالى-.
إظهار الحرص والتجرد عند النصح:
أما الحرص فنقصد به إظهار الحرص على ذلك المنصوح وأن تبدي له غاية الشفقة به، وعظيم الرحمة له، وأن تجسد له أنك تريد له الخير وتضمر له الحب؛ فإن ذلك من أعظم الأسباب التي تغزو بها النصيحة القلوب والعقول.
ولعلنا نستحضر هنا الوصف العظيم الذي وصف نبينا العظيم - صلى الله عليه وسلم -، قال - تعالى -: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عندتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}.
هو الذي فاض قلبه بالرحمة، فكان يشفق على كل عاصٍ، ويحزن لكفر الكافر، ويريد أن يكون الناس كلهم في سياق رحمة الله - عز وجل - ورضوانه.(18/61)
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا السياق مبيناً صفته مع الناس: (إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فجعل الفراش والهوام يقعن فيها، وجعل يذبهن عنها، فأنا آخذ بحجزكم من النار وأنتم تتقحمون فيها) كما ورد في بعض الروايات.
فكأن الناس انساقوا وتسارعوا إلى النار غفلة عن الله - عز وجل - أو كفراً به، أو ولوجاً بالمعاصي.
وتأتي هداية النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته ورحمته لترد الناس عن هذا المصير السيئ، والخاتمة الشقية إلى حياض دين الله - عز وجل -، ومن هنا رأينا مواقف رحمته كيف أثرت في نفوس العتاة الصادين عن دين الله، تفتتت قسوة قلوبهم وألانتها؛ بما كان من هذا الحرص والإظهار للمحبة والشفقة كيف نريد أن يقبل منا النصح والمنصوح، قد يرى أننا لا نضمر له إلا شدة، ولا نريه إلا غلظةً، ولا يسمع منا إلا فضاضةً، قال - تعالى -: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
فالله الله عندما ننصح أن يكون إظهار هذا المعنى مهماً.
والمعنى الآخر هو: التجرد، أي التجرد عن المصلحة والمنفعة.
إنما أنصحك لوجه الله لا أريد منك جزاءً، ولا أنتظر شكورا، ولا أرقب منك أن ترد لي المعروف مادة، أو شيء من ذلك، وذلك لسان حال الرسل والأنبياء كلهم فيما قص القرآن من خبرهم، قال - تعالى -: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ إن أجري على الله}.
ويوم يتنزه الناصح والداعي عن المطامح والمطامع وحطام الدنيا تعلوا مكانته عند الناس، ويعظم قدره في عيونهم، ويرون صدق إخلاصه، فيكون لذلك أثره في القبول، قال - تعالى -: {وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت}.
مالي عندكم من غرض، ولا فيكم من أرض، إلا أن يجري الله الخير على يدي بما أقول إبراءً لذمتي، وبما أرقب من النفع استجابة لدعوتي..
فالله الله في مثل هذا السلوك؛ لأنه هو الذي يقود بإذن الله إلى حصول الأثر
التلطف في الأداء قولاً وفعلا:
وليس ببعيد عما ذكرناه كذلك إظهار المشاعر القلبية، واستمع إلى هذه الآية العظيمة التي تبين ذلك الأمر بياناً شافياً، قال - تعالى -: {ولا تستوي الحسنه ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميد}.
وهي آية بليغة عظيمة، في بلاغتها روعة لا يمكن أن يحيط بها كلام الناس في عظمتها.. {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة}، تلك في باب والأخرى في باب آخر.
فإذا جاءتك السيئة أو وقعت الخطيئة أو حصلت المخالفة {ادفع}، أي ادفعها وأبدها وبددها، فهل يكون ذلك بالقوة {ادفع بالتي هي أحسن} ليس بالحسنى! بل بالتي هي أحسن، أي غاية ما يمكن من الإحسان، والتلطف الذي يحصل به الأثر بإذن الله - عز وجل -.
وكثيراً ما تسمع من الناس غير ذلك فإن أسيء إليك وأردت أن تكون واسع الصدر، وأن ترد الإساءة بإحسان جاءك من يقول لك: " لمَ ترضى الهوان؟ ولمَ تقبل بالذلّ؟ لو كنت مكانك لرددت الصاع صاعين! "..
إن مثل هذه الأقوال نصائح على غير المنهاج القوي، وإن كان لكل مقام مقال كما سنذكر في بعض الأحوال.
انتبه إلى مثل هذا المعنى، وهو الذي تكررت به الآيات في سياق الخطاب والحوار في النصح لعتاةٍ وطغاةٍ كبار.
يقول الحق - جل وعلا -: {قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ}.
انتبه لهذا المعنى {قل لا تسألون عما أجرمنا}، نحن أهل حق وأهل إسلام وإيمان، قد نخاطب أهل كفرٍ وأهل طغيان وعصيان، نقول: {لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعلمون}، كأننا نقول لهم: لا تنظروا في الابتداء لأننا أهل حقٍ وأنتم أهل باطل، وإنما نقول لكم: تأملوا وتدبروا..
ورحم الله مصعب بن عمير يوم دعا في المدينة فجاءه أسيد بن حضير، مرسولٌ من سعد بن معاذ قائلاً: أخرج عنا ولا تفرق بيننا! قال: أو غير ذلك؟ قال: ما عندك؟ قال: تجلس فتسمع؛ فإن أعجبك الذي قلنا وإلا أعطيناك الذي أردت! قال: لقد أعطيت النصف - كلام منطقي عاقل - فسمع، فشرح الله صدره، ونوّر قلبه، ونطق بالتوحيد لسانه، ورجع إلى سعد داعياً، فأسلم سعد وأسلم من بعد سعد قومه كلهم.
تأمل هذا المعنى فإنه عزيزٌ وقليل من الناس ما يحسنه، قال - تعالى -: {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله}.
وكلمه {يا بني}، هي أسلوب تلطفٍ وتودد وترغيب وتحقق، كان يمكن أن يكون أمر وزاجر، ولا شيء غير ذلك، لكنه عندما أراد أن تكون موعظته بليغة ونافعة ونصيحته مؤثرة وبالغة حينئذٍ قال: {يا بني}.
وإذا رأينا إبراهيم الخليل - عليه السلام - أبو الأنبياء يخاطب أباه، وهو كان زعيم الكفر في وقته قال: يا أبتي لما تعبدوا مالا يسمع ولا يغني عنك من الله شيئا.
هذا المعنى {يا أبتي}، لم ينقص حقه، ولم ينسى قدره ولم يخفى عليه أن مثل هذا المدخل قد يكون له أثره.
وقصة موسى وفرعون معروفة، قال - تعالى -: {اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى}.
هذه معاني كثيرة نحتاج إليها، ولذلك قد يكون جزأ من هذا إظهار شيء من التودد والتلطف أو التقدير والاحترام بقصد نية التأثير؛ فإن كان ذلك - والحمد لله - وإن لم تكن، فأنت قد أديت ما عليك، ومن أصر على معصيته عاوده بين فينه وأخرى، بأسلوب يناسبه مرة فيه لين ومرة يكون فيه شدة.(18/62)
وهذا أمر مهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - عندما خاطب هناك أرض من حوله ذكرهم بمناقبهم ومناصبهم؛ لأنهم بها يخاطبون وإن كانوا ليسوا معظمين في الميزان الإيماني والإسلامي فكتب إلى الملوك قال: " إلى هرقل عظيم الروم " و " إلى كسرى عظيم الفرس "..
وفي قصة المسلمين في الحبشة ما يدل على ذلك حينما خاطب جعفر بن أبي طالب النجاشي بلسان المسلمين قائلاً: " أيها الملك " أعطاه مقامه الذي هو فيه؛ حتى يكون ذلك التوقير داعياً إلى إصغائه، ولو أنه أهمله أو أنكره، أو جفا عليه أو احتقره، لما كان له أن ينصت له أو أن يصغى إليه.
الاختيار المناسب للأسلوب:
بحسب الظروف المتغيرة ومن ذلك اختيار الأوقات المناسبة، وهذا أمرٌ عزيز في النصيحة فكم من نصيحة نقذفها في وجه صاحبها وهو في أوجّ غضبه، أو وهو في شدة أزمته أو كربه، فلا يكاد يسمع شيئاً!
خذوا هذا الموقف الذي وقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنان يختصمان، وعلت أصواتهما، احمر وجه أحدهما، وظهرت أوداجه في رقبته، والنبي - صلى الله عليه وسلم - من بعد قال: " إني أعلم كلمة لو قالها هذا لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ".
فسعى بها رجلٌ سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - فذهب بها إلى الرجل، وقال له يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: كذا وكذا، فمن شدة غضب الرجل وفورته، قال: اذهب عني؛ فإني لست بمجنون! - تقول لي استعد بالشيطان أن الشيطان قد ركبني - فلو كان هذا في وقت بعده بقليل لربما كان أنسب.
وخذوا فقه النبي - صلى الله عليه وسلم - العظيم عندما جاءه حكيم بن حزام بن حزام فسأله مالاً فأعطاه، ثم جاء ثالثةً من بعد فسأله فأعطاه، ثم قال له: (يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بطيبة نفسٍ بورك له فيه ومن أخذه باستشراف نفسٍ لم يبارك له فيه).
سأله في أول مرة وهو محتاج فأعطاه، لو قال له في ذلك الوقت: " السؤال ليس مناسباً والتسول ليس مطلوباً " لقال: إنما يريد أن يصرفني، ولا يريد أن يعطيني! ولكنه أعطاه في المرة الأولى، والثانية، وأعطاه في المرة الثالثة ثم أشار له إشارة: " أن التقلب لهذا المال قد لا يكون مناسباً " فوقعت النصيحة والموعظة في موقعها؛ لأنه علم أنه ما قال له ذلك بخلاً - حاشاه - عليه الصلاة والسلام - أو لأنه لا يريد أن يعطيه! وإنما قاله له لمصلحته، فعرف ذلك، بعد أن اختار الوقت المناسب، وبعد أن سد له حاجته في مرة واثنتين، حتى لا تذهب به الظنون بعيداً، فأي شيء أثر ذلك في حكيم؟ قال: فما سألت أحداً بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وفي عهد أبي بكر أرسل له عطاءه المستحق له من بيت المال فرده وقال: " والله لا أرزء أحداً بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
وفي عهد عمر رد عطاءه، وانظروا كيف تغلغل أثر هذا في نفسه، حتى إنه لم يعد يأخذ شيء ولو كان له فيه حق؛ لأن نفسه سمت وارتفعت أن يأخذ بعد أن فقه هذه النصيحة فقهاً، له أثره العظيم في حياته.
والتخول بالموعظة كان من هديه - عليه الصلاة والسلام -:
أبو عبد الرحمن عبد الله ابن مسعود كان يعض الناس ويذكرهم كل خميس، فقالوا: وددنا يا أبا عبد الرحمن لو أنك ذكرتنا كل يوم! قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا ".
إذاً كلهم كان لهم برسول الله - عليه الصلاة والسلام - اقتداء، ولأثره اقتداء، ولذلك كانت أفعالهم على هذا النحو العظيم المؤثر النافع.
وكذلك من ضمن ما يراد في الوقت المناسب المراوحة والمزاولة بين الإسرار والإعلام.
نصيحة الفرد غالباً ما يكون الأفضل فيها والأتم أن تكون في السر بينك وبينه، وأما نصيحة العموم إذا فشا أمر فالخطيب يريد أن يذّكر، والعالم يريد أن ينبّه، والناصح يريد أن يحذّر.. لا بأس! ولكن ذلك - وإن كان معلناً - لكنه يكون للعموم بصيغة العموم، كما كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يذكر فيها وينصح على الملأ، ولكن يقول: (ما بال أقوامٍ يفعلون كذا وكذا).
ثم لست في حاجة أن أقول: " فعل فلان " أو أن أصف وصفاً يعلم الناس كلهم أن المقصود به فلان ابن فلان، فذلك لم يعد نصيحة بل فضيحة.
ولذلك مثل هذه المواصفات أو الصفات له أثرها في أن تكون النصيحة على الوجه المطلوب، نسأل اله - سبحانه وتعالى- أن يوفقنا لأرشد الآراء وأصوب الأفعال، وأن يجعل ذلك العمل كله خالصاً لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:
وإن من التقوى " النصح للمسلمين " كما بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.
ولعلي هنا أقف وقفاتٍ سريعة:
هل نحن في حاجة للنصيحة والتناصح فيما بيننا؟ كلكم سيقول: نعم! وأزيد هذه الـ " نعم " تأييداً فأقول عندنا أسباب كثيرة منها:
أولاً: كثرة وغلبة الجهل الذي عمّ كثيراً من المسلمين:
فلا يكادون يعرفون أحكاماً كثيرة من دينهم، ولا يكادون يقيمون أركاناً وفرائض من شعائر الإسلام، فيحتاجون إلى مثل ذلك.
وأمر آخر: شيوع المخالفات:
سوءاً كان ذلك في وقوع الانحراف بالابتداعات، أو كان ذلك في ارتكاب المحرمات، أو كان في الإصرار والتشبث بالعادات رغم ما فيها من المخالفات، وذلك أيضاً نلمحه ونراه.(18/63)
ويضاف إلى هذا كذلك: ضعف التدين والورع وقلة عظمة الاحتفال والاحتفاء والاهتمام بأمر الدين وذلك أمرٌ نرى الناس يسألون عن العمل الذين يريدون الإقدام عليه، أو عن قضية يحتاجون إليها، ولكنهم قلّ أن يسألوا في أمرٍ من أمور دينهم يحتاجونه! بل يسألون من الناحية الفنية أو الاقتصادية أو العملية، وبعد أن يمضوا في هذا العمل وينتهوا منه أو يقطعوا فيه شوطاً يقولون: هل في هذا محظور شرعي، أو فيه حرمة أو فيه شبهة ذلك كثيراً ما يؤخر وهذا أمره خطير.
وأخيراً من الأسباب: هذا الزخم الواسع من الغزو المتنوع في انحراف الفكر وانحلال السلوك عبر كل الوسائل المختلفة من هذه الفضائيات، أو الإذاعات أو الشاشات أو الشبكات أو غير ذلك مما أصبح معه الناس دائماً في تأثرٍ يحتاج إلى مقابلة بهذا النصح والتذكير بإذن الله - عز وجل -.
ومن ذلك أيضاً: الركون إلى الدنيا والغفلة عن الآخرة بما تيسر من أسباب الحياة وترفها:
مما يحتاج دائماً إلى نصيحة، تقرع ناقوس الخطر وتنبه إلى حقيقة الحياة الدنيا وإلى نهايتها، وزوالها وإلى ما بعدها.
ثم أمرٌ آخر هناك نصائح معكوسة ومقلوبة من يسمعها ويصغي إليها لا يصل إلى الخير بل ضده - وللأسف - أن صور منها تشيع في واقعنا، ولها كذلك في التاريخ، وفيما سجلته آيات القرآن أدلة وأمثلة.. فرعون أطغى أهل الأرض وأكثرهم، ماذا يقول عن موسى - عليه السلام -؟
{إني أخاف أن يبدّل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد}، فرعون ينصح الناس ويحذرهم من موسى - عليه السلام -، ويقول: أخشى أن يبدل دينكم، أو أن يظهر في الأرض الفساد!
ويقول عن نفسه: {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}. فرعون يقول: أنا الذي أنصحكم وأبين لكم الحق.
وهكذا نجد صوراً كثيرة في حياة الناس وفي واقعنا اليوم من هذا الأمر حتى إنك إذا نصحت وبأسلوبٍ حسنٍ وعلم عنك ذلك يأتيك من يقول: " ما لك ولناس دع الخلق للخالق "، " لا تدخل بين البصلة وقشرتها "، " لماذا تكلف نفسك ما تطيق وهل كلفت بأمر الناس ".
يريدك أن تكون وحدك، لا تنطق لسانك بالحق، ولا تنكر بالقلب، ولا تغير باليد، ولا تصنع شيئاً، ولا يتمعرن وجهك لمنكرٍ، ولا يتغير قلبك لمفسدةٍ.. ونحو ذلك!
كأنما ينصحك بأن تترك أمر الله - عز وجل -، وهدي رسوله - صلى الله عليه وسلم -!
في أحوالنا الاجتماعية بما تنصح الزوجة أحياناً؟ " احذري لا يتسلطن عليكي.. انتبهي لا يأخذن من مالكِ.. كوني له بالمرصاد.. ترقبيه في كل لحظة ".
والزوج يقولون له: " انتبه من البداية، لا بد أن تضرب بيدٍ من حديد ".
هذه نصائح شائعة ويقدمها أصحابها على أنها نصائح، وهي من المخاطر والمزالق العظيمة، والأمر في هذا كثير.
أخيراً: نصيحتنا فيما بيننا نحن عامة المسلمين الداخلون في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) كيف ننصح لبعضنا؟
أولاً: التعليم والإرشاد:
علّم أخاك بما ترى أنه لا يعلمه، وأنت تعلمه أرشده إلى مواطن الحق والخير، ومحّض له النصح فيما تشير به عليه.
ثانياً: الرعاية والإعانة والإسناد:
إن كانت له حاجة فبادر إلى سدها إن كان في كربٍ فبادر إلى التنفيس عنه؛ فإن ذلك من ألوان النصح له كذلك.
ثالثاً: الأمر والنهي والنصرة الحقيقية:
(انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) قالوا: يا رسول الله عرفنا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: (تمنعه - أو تردعه - عن الظلم فتلك نصرته).
رابعاً: الإحسان والستر:
أحسن إليه واستر عليه، وكن معه على ذلك الشأن الذي يحب أو تحب أن يكون لك من الآخرين.
خامساً: التعظيم والتوقير:
ونعني بذلك تعظيم حقوق المسلمين، وتوقير قدرهم؛ فإن للمسلم عن المسلم حقٌ لا بد أن يؤدى، وإن له حرمة لا بد أن تراعى.. له حرمة في عرضه، وفي دمه، وفي ماله، فكيف تغتابه؟ وكيف تستهزئ به؟ وكيف تسخر منه؟ وكيف لا تعطيه قدره؟ وكيف تشعره بالإهانة أو الاحتقار أو الازدراء وآيات النهي عن ذلك كثيرة ومعروفة؟
سادساً: كف الأذى عنه:
وكم من الأذى يأتي منا إلينا وفيما بيننا، ولعلنا أيضاً نحتاج إلى التعاون على البر والتقوى، فهو من أعظم صور النصح بين المسلمين وميادين ذلك كثيرة.
نحن نرى في مساجدنا قصوراً وخللاً ومخالفات، لكننا نكاد لا نسمع ما يكاد ينطق بنصح بالأسلوب المناسب بالسر بالطريقة الملائمة.
نحن نرى في واقع مجتمعاتنا نأتي إلى المساجد، ونرى كثيراً من الشباب وغير الشباب لا يجيبون النداء، ولا يتوجهون إلى الصلاة، ولا يكاد يذكّرهم أحد أو ينصحهم أحد!
نحن نرى من يسلب ويشتم ويسب ويلعن، فلا نقول له: انتبه؛ فإن ذلك يعود عليك، ولا تكن كذلك؛ فإن تعودت ذلك صار لك ديدناً وصار سمة سيئةً ونحو ذلك.
كثيرة هي الصور التي في واقعنا تحتاج أن نشيع النصح، ولكننا كثيراً ما نتأخر أو نتخلف لأسباب ذكرناها فيما مضى.
فلعلنا أن نتعاون تعاوناً حقيقياً، وأن نستفيد في مثل هذه الكلمات استفادة عملية، فلنشع هذا النصح فيما بيننا في أحوال مسجدنا هذا فيما يقع في أمورٍ أو مخالفات.
كم نرى من ناسٍ يدخلون إلى المساجد بثيابٍ قذرة، ورائحة منفرة، ولا يذكرون أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ينهى عن أكل بعض الطعام كثومٍ؛ لأن لا يكون له أثر، ورائحة كريهة تؤذي الناس من المصلين، وتؤذي الملائكة من الذين يحفون من المصلين.
وكم من صور أخرى نراها في اعتداء على حقوق المسجد وقد تحدثت في ذلك!(18/64)
ولن نجد ما ينبغي أن يكون هناك تعاوناً لندرأ هذه المفاسد، ونشيع من خلال المسجد النصح والوعظ لمن يجاورون المسجد في كل الأمور والأحوال، سواء كان ذلك في العبادات، أو كان ذلك في الأحوال الاجتماعية أو التعليمية وغيرها؛ فإن المسجد هو قلب المجتمع المسلم النابض، وهو الرئة التي يتنفس بها، فلو تعاونا في ذلك لكان لنا من وراء ذلك خيرٌ كثير.
نسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يوفقنا لطاعته ومرضاته.
http: //islameiat. com المصدر:
===========
القرآن الكريم في عيون غربية منصفة ( 1 )
د. عبد المعطي الدالاتي
رؤى غربية منصفة التقطتها من أقلام مفكرين غربيين درسوا الإسلام فراعهم جماله، وأعجبتهم مبادئه، ولكنهم لم يُنزلوا قناعاتهم من سماء العقل إلى أرض القلب، ولم يسقوها بماء الوجدان، فلم تنمُ غراسها ولم تثمر!
وفشلوا في أن يحوّلوا الاقتناع بالحق إلى اعتناق له، والإعجاب بالإسلام إلى عقيدة تجري في العروق، وبذا فقد فشلوا في أن يحققوا السلام الداخلي في أعماقهم..
نعم لم يبقَ أمامهم إلا ضربة معول واحدة كي يصلوا إلى النبع الثّر الزلال، فلم يفعلوا..
حاموا وهم الظّماء حول الماء ولم ينهلوا وإنما أعرض أقوالهم لأولئك المهزومين أمام الغرب، الذين لا يشربون الكأس الرويّة إلا إذا كانت بيد غربية! ولا يجرعون الدواء إلا من تلك الصيدلية على أن بعض هذه العبارات كانت في سياقها شَرَكاً نُصب للعقل المسلم، ولا حرج علينا أظن إن لقطنا الحبة، ومزقنا الشبكة، وطرنا بسلام.
يقول المستشرق آرثر آربري: "عندما أستمع إلى القرآن يتلى بالعربية، فكأنما أستمع إلى نبضات قلبي"(1).
ويقول غوته: "إن أسلوب القرآن محكم سام مثير للدهشة … فالقرآن كتاب الكتب، وإني أعتقد هذا كما يعتقده كل مسلم … وأنا كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي ".
ولما بلغ غوته السبعين من عمره أعلن على الملأ أنه يعتزم أن يحتفل في خشوع بليلة القدر التي أنزل فيها القرآن على النبي محمد..
وفي يوم أبصر غوته ريشة طاووس بين صفحات القرآن فهتف: "مرحباً بك في هذا المكان المقدس، أغلى كنز في الأرض"(2).
وفي ديوانه (الديوان الشرقي للشاعر الغربي) يقول غوته: "هاجر إلى الشرق في طهره وصفائه، حيث الطهر والصدق والنقاء، ولتتلقى كلمة الحق منزلة من الله بلسان أهل الأرض".
"القرآن ليس كلام البشر، فإذا أنكرنا كونه من الله، فمعناه أننا اعتبرنا محمداً هو الإله! "(3).
وتقول المستشرقة الألمانية أنا ماريا شميل، في مقدمتها لكتاب (الإسلام كبديل) لمراد هوفمان: "القرآن هو كلمة الله، موحاة بلسان عربي مبين، وترجمته لن تتجاوز المستوى السطحي، فمن ذا الذي يستطيع تصوير جمال كلمة الله بأي لغة؟! ".
ويقول الباحث الأمريكي مايكل هارت في كتابه المعروف (المائة الأوائل):
"لا يوجد في تاريخ الرسالات كتاب بقي بحروفه كاملاً دون تحوير سوى القرآن".
"بين أيدينا كتاب فريد في أصالته وفي سلامته، لم يُشكّ في صحته كما أُنزل، وهذا الكتاب هو القرآن"(4).
ويقول المستشرق بارتلمي هيلر: "لما وعد الله رسوله بالحفظ بقوله "والله يعصمك من الناس"، صرف النبي حراسه، والمرء لا يكذب على نفسه، فلو كان لهذا القرآن مصدر غير السماء لأبقى محمد على حراسته! ".
ويقول المستشرق (فون هامر) في مقدمة ترجمته للقرآن: "القرآن ليس دستور الإسلام فحسب، وإنما هو ذروة البيان العربي، وأسلوب القرآن المدهش يشهد على أن القرآن هو وحي من الله، وأن محمداً قد نشر سلطانه بإعجاز الخطاب، فالكلمة لم يكن من الممكن أن تكون ثمرة قريحة بشرية".
"القرآن وحي من الله، لا يحده زمان، ومتضمن للحقيقة المركزة"(5).
ويقول البروفسور يوشيودي كوزان مدير مرصد طوكيو نقلاً عن كتاب (إنه الحق): " إن هذا القرآن يصف الكون من أعلى نقطة في الوجود … إن الذي قال هذا القرآن يرى كل شيء في هذا الكون، وكل شيء مكشوف أمامه".
ويحاول المفكر مارسيل بوازار أن يصل إلى سر التأثير العجيب للقرآن فيقول: "القرآن يخاطب الإنسان بكليته … من منظور تستطيع نسبته إلى علم النفس التطبيقي "(6).
قلت: إن الذي خلق النفس البشرية والخبير بدروبها ومنعطفاتها وآفاقها، هو الذي أنزل القرآن ليهديها سبيل " أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " (7).
***
" من كتاب ربحت محمدا ولم أخسر المسيح "
-------
(1) نقلاً عن (حتى الملائكة تسأل) د. جيفري لانغ (206).
(2) نقلاً عن (جوته والعالم العربي) كاتارينا مومزن (177-188-261).
(3) البروفسورة نيبا أيوب، نقلاً عن (كيف نتعامل مع القرآن العظيم)د. يوسف القرضاوي (25).
(4) المستشرق بودلي، نقلاً عن (البحث عن الحقيقة) ص(522).
(5) د. بول شفارتسنا في كتابه (القرآن - دليل المسيحيين) نقلاً عن (يوميات مسلم ألماني) د. مراد هوفمان(122).
(6) نقلاً عن (القرآن الكريم من منظور غربي) د. عماد الدين خليل (28).
(7) قرآن كريم سورة الملك (14).
http: //www. saaid. net المصدر:
=============
الإسلام في عيون غربية منصفة – (1)
د.عبد المعطي الدالاتي
أتابع في هذه المقالة ما كنت بدأت في مقالة " القرآن الكريم في عيون غربية منصفة" وأرجو من القارىء الكريم أن يراجع مقدمة تلك المقالة .
تقول الشاعرة (ساروجين نايدو) :
"لقد كان الإسلام في المسجد عند أداء الصلاة ، وفي ساحة الحرب إذ يقاتل المسلمون صفاً ، وكانت عدالة الإسلام تطبق خمس مرات في اليوم ، عندما كان الأمير والفقير يركعان ويسجدان كتفاً إلى كتف … لقد شدتني مرات ومرات وحدة الإسلام التي لا تتجزأ والتي تجعل من الإنسان أخاً للإنسان … "(1).(18/65)
ويقول الأمير البريطاني تشارلز : "إن الإسلام يمكن أن يعلمنا طريقة للتفاهم والعيش في العالم ، الأمر الذي فقدته المسيحية ، فالإسلام يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة ، والدين والعلم ، والعقل والمادة"(2).
وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه : "لا إكراه في الدين ، هذا ما أمر به القرآن الكريم ، فلم يفرض العرب على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام ، فبدون أي إجبار على انتحال الدين الجديد اختفى معتنقو المسيحية اختفاء الجليد، إذ تشرق الشمس عليه بدفئها ! وكما تميل الزهرة إلى النور ابتغاء المزيد من الحياة ، هكذا انعطف الناس حتى من بقي على دينه ، إلى السادة الفاتحين"(3) .
ويقول غوستاف لوبون في " التمدن الإسلامي" :
"كل ما جاء في الإسلام يرمي إلى الصلاح والإصلاح ، والصلاح أنشودة المؤمن ، وهو الذي أدعو إليه المسيحيين" .
ويقول المستشرق بول دي ركلا :
"يكفي الإسلام فخراً أنه لا يقر مطلقاً قاعدة (لا سلام خارج الكنيسة) التي يتبجح بها كثير من الناس ، والإسلام هو الدين الوحيد الذي أوجد بتعاليمه السامية عقبات كثيرة تجاه ميل الشعوب إلى الفسق والفجور"(4).
الإسلام دين التسامح:
يقول المستشرق بارتلمي سانت هلر :
" إن دعوة التوحيد التي حمل لواءها الإسلام ، خلصت البشرية من وثنية القرون الأولى"(5).
ويقول العلامة الكونت هنري دي كاستري : "درست تاريخ النصارى في بلاد الإسلام ، فخرجت بحقيقة مشرقة هي أن معاملة المسلمين للنصارى تدل على لطف في المعاشرة ، وهذا إحساس لم يُؤثر عن غير المسلمين .. فلا نعرف في الإسلام مجامع دينية ، ولا أحباراً يحترفون السير وراء الجيوش الغازية لإكراه الشعوب على الإيمان"(6).
ويبين الشاعر غوته ملامح هذا التسامح في كتابه (أخلاق المسلمين) فيقول: "للحق أقول : إن تسامح المسلم ليس من ضعف ، ولكن المسلم يتسامح مع اعتزازه بدينه ، وتمسكه بعقيدته" .
ويؤكد هانوتو إعجابه بروعة التسامح الإسلامي فيقول : "إننا مدينون للمسلمين بالعدل والسلم والتساهل الديني ، ومن الواجب أن ندرس هذا الدين ونبذل جهدنا في فهمه، وعلينا أن نتخذ (لا إكراه في الدين) شعاراً "(7).
ويقول المستشرق لين بول : "في الوقت الذي كان التعصب الديني قد بلغ مداه جاء الإسلام ليهتف (لكم دينكم ولي دين) ، وكانت هذه المفاجأة للمجتمع البشري الذي لم يكن يعرف حرية التدين ، وربما لم يعرفها حتى الآن"(8).
الإسلام ملاذ الإنسانية:
يقول المفكر آرثر هاملتون :
"لو توخى الناس الحق لعلموا أن الدين الإسلامي هو الحل الوحيد لمشكلات الإنسانية"(9)..
ويؤكد هذا المعنى عالم القانون مارسيل بوازار :
"إن دخول الإسلام إلى الساحة العالمية ، وإعادة الأمر إلى نصابه بتحقيق التوازن المطلوب ، ليس هو مجرد مشاركة فعالة ، وإنما هو إنقاذ للوضع البشري المنهار" .
ويقول الفيلسوف جورج برناردشو : "الإسلام هو الدين الذي نجد فيه حسنات الأديان كلها ، ولا نجد في الأديان حسناته ! ولقد كان الإسلام موضع تقديري السامي دائماً ، لأنه الدين الوحيد الذي له ملكة هضم أطوار الحياة المختلفة ، والذي يملك القدرة على جذب القلوب عبر العصور(10).. قد برهن الإسلام من ساعاته الأولى على أنه دين الأجناس جميعاً ، إذ ضم سلمان الفارسي وبلالاً الحبشي وصهيباً الرومي فانصهر الجميع في بوتقة واحدة "(11).
ويقول شاعر فرنسة (لامارتين) : "الإسلام هو الدين الوحيد الذي استطاع أن يفي بمطالب البدن والروح معاً ، دون أن يُعرِّض المسلم لأن يعيش في تأنيب الضمير … وهو الدين الوحيد الذي عباداته بلا صور ، وهو أعلى ما وهبه الخالق لبني البشر"(12).
***
" من كتاب " ربحت محمدا ولم أخسر المسيح "
------------------
(1) (مثاليات الإسلام) ساروجيني نايدو (169) .
(2) (الإسلام والغرب) محاضرة الأمير تشارلز في مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية عام 1993 .
(3) (شمس الله تسطع على الغرب) زيغريد هونكه (364-366) .
(4) عن (مقدمات العلوم والمناهج) أنور الجندي (8 / 133 ) .
(5) عن (مقدمات العلوم والمناهج) (8 / 119 ) .
(6) عن (التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام) محمد الغزالي (194 – 196) .
(7) عن (الإسلام والمسيحية مع العلم والمدنية) الإمام محمد عبده (162) وهو كتاب قيم ننصح بقراءته.
(8) عن (الإسلام) د. أحمد شلبي (296) .
(9) عن (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان (62) .
(10) من رسالته (نداء للعمل) .
(11) عن (الإسلام) د. أحمد شلبي (294) .
(12) (السفر إلى الشرق) لامارتين (47) .
==========
الإسلام في عيون غربية منصفة ( 2 )
د. عبد المعطي الدالاتي
الإسلام دين الفطرة والتوحيد:
يقول المستشرق النروجي المنصف الدكتور إينربرج:
"يعتبر الطفل في الإسلام مولوداً على الفطرة، أما المسيحيون فيحكمون على الطفل أنه يولد متحملاً للخطيئة، وقبل مائة عام كانوا يغطسون أطفالهم في الماء حتى يطهروا من الخطيئة، فإذا ماتوا قبل الغسل لم يدفنوهم! وإنما يلقونهم في القمامة لأنهم متسخون بالخطيئة! "(1).
وتقول الأديبة مي زيادة:
" الدين المسيحي أقرب إلى النظريات، وعلى نقيضه الإسلام فإنه نظري وعملي معاً(2)… ولا تملأ هاوية النفس غير عطور الشرق، وتلك الأصداء المرفرفة الهابطة من أعالي المآذن مرددة (لا إله إلا الله)"(3).
ويقول المستشرق روم لاندو:(18/66)
"إن شهادة التوحيد فيها من الحيوية ما يقطع بضربة واحدة شجرة الوثنية … وإن المسلم ينعم بالأمن والطمأنينة لأن في إمكانه أن يبلغ مثل دينه الأعلى هنا على سطح الأرض.. فالإسلام دين عملي ومُيسر … لقد كان الإسلام ديناً توحيدياً على نحو لا يعرف هوادة، ديناً واقعياً شاملاً ينظم كل شيء"(4).
الإسلام دين الأخوة والمساواة:
يقول عميد الدراسات التبشيرية في أمريكا (ساليب) في كتابه (المسلم يواجه المستقبل):
"إن المتحول إلى الإسلام يصلي إلى جانب أستاذه! وإن الأخوة في الإسلام ليست دينية فحسب، وإنما اجتماعية أيضاً.. الإسلام لا يرسم خطاً لونياً بين الأبيض والأسود".
ويقول المؤرخ أرنولد توينبي في (دائرة المعارف التاريخية):
"إنني أدعو العالم إلى الأخذ بمبدأ الإخاء والمساواة الإسلامي، فعقيدة التوحيد التي جاء بها الإسلام هي أروع الأمثلة على فكرة توحيد العالم. وإن في بقاء الإسلام أملاً للعالم كله".
ويقول المؤرخ ولز في (معالم تاريخ الإنسانية):
"الإسلام مملوء بروح الرفق والسماحة والأخوة، وعقيدته سهلة يسيرة الفهم، أوصلها محمد إلى القلوب دون أي فرية مبهمة ".
الإسلام دين القوة والعزيمة:
يقول المؤرخ ول ديورانت: " ليس في التاريخ دين غير الإسلام يدعو أتباعه على الدوام إلى أن يكونوا أقوياء، وليس في التاريخ دين فرض على الأغنياء ما فرضه الإسلام من الضرائب لإعانة الفقراء"(5).
ويقول المؤرخ مونتغمري وات في (الإسلام والجماعة المتحدة):
"إن سر القوة في الإسلام أنه منح الفرد مقياساً للحياة هو مقياس الضمير الحر، وأنه وهب الجماعة المسلمة مبدأ (الأمة) هذا المبدأ الذي تفرد به الإسلام لم يزل ينبوعاً لكل فيض من فيوض الإيمان، ويدفع المسلمين إلى (الوحدة) في أمة واحدة تختفي فيها حواجز الأجناس واللغات".
ويقول الممثل العالمي أنطوني كوين: "أحسست أن الإسلام قوة غير عادية بعد أن درست ومثلت حياة عمر المختار! ".
قلت: كيف لا يخامره هذا الشعور عندما يقرأ قول الشهيد عمر المختار قبل إعدامه: "لَئن كسر المدفع سيفي، فلن يكسر الباطل حقي".
ويقول المؤرخ كروبر في (طبيعة الثقافة): " لقد انتشر الإسلام في العالم كله في زمن يسير، كما ينتشر شعاع الشمس في لحظات.. وكان انتشاره دليلاً على سمو مبادئه وغاياته وعقائده وتشريعاته، هذه المبادئ التي كانت ولا تزال تشع النور والهداية والمعرفة والعلم على الناس"(6).
ويقول غوته: "درست تاريخ الأديان على مدى خمسين عاماً، وإن العقيدة التي يُربّى عليها المسلمون لتدعو لأعظم دهشة!! إذ تقوم على أساس الإيمان بأنه لن يصيب الإنسانَ إلا ما كتبه الله له، وإنه ما من شيء ينقص هذه العقيدة، ولن يكون بإمكان أي امرئ أن يتجاوزها … إن الإسلام هو الدين الذي سنقرّ به جميعاً إن عاجلاً أو آجلاً … وأنا لا أكره أن يقال عني أني مسلم"(7).
وأختم هذه النقول المثلجة للصدور بسطور من كتاب غوته (الديوان الشرقي للشاعر الغربي) وأهدي هذه الكلمات إلى أهالي الشهداء في فلسطين وفي كل بلاد المسلمين.
يقول غوته:
"لا تندبوا الشهداء فإنهم أحياء، لقد فتحت السماوات أبوابها لهم، وهم أولاء يقرعون أبواب الجنة يدخلونها بسلام آمين … ويجتلون من مجالي الجمال والسنا والجلال ما اكتحلت به عين النبي في ليلة المعراج، وفي جنة النعيم تُقبل أسراب الحور العين على أجنحة النسيم، فأنعِم أيها المجاهد الشهيد! إنّ كونك بطلاً أمر مفروغ منه عندهن، وإلا لما كنت هنا بينهن، ولكن أيّ الأبطال تكون؟ وسرعان ما يعرفن من جرحك الذي نُقشَ على صدرك، فلونه لون دم وريحه ريح مسك … إن المال فان، والجاه زائل، ولا يبقى إلا طعنة كهذه لقيها المؤمن في سبيل الله … إنهن يدعينك في لطف وإيناس إلى شراب أهل النعيم، ذلك هو الرحيق المختوم، فأنت من الحور العين في مطلبٍ جدّ عزيز، ومن حقه أن تطلب الجنة من أجله، فأنعم بهذا الصفاء الذي ليس له كفاء! ".
وعندما يصل قلم (غوته) إلى هنا يُطمعه الرجاء في رحمة الله أن يدخل الجنة مع المسلمين، ولكن حورية تستوقفه وتحاوره: "اليوم أنا الموكلة بباب النعيم، ولا أدري ما العمل وأنت عندي ظنين؟! أتُراك حقاً من معشر المسلمين؟! هل أنت من المجاهدين؟ فاكشف إذن عن جراحك إن كنت من الصادقين "..
غوته: دعيني أدخل الجنة، لقد عشت رجلاً، أي إنني كنت من المجاهدين.. لقد عملت مع صفوة العاملين، وتألق اسمي بحروف مشبوبة الأنوار في قلوب الصالحين الأبرار … وإذا كان الإسلام يعني الاستسلام لله، فكلنا نحيى ونموت على الإسلام"(8).
" من كتاب " ربحت محمدا ولم أخسر المسيح "
-----------
(1) عن كتاب (حوارات مع أوربيين غير مسلمين) للدكتور عبد الله الأهدل (164).
(2) (المساواة) مي زيادة (53).
(3) (الصحائف) مي زيادة (92).
(4) (الإسلام والعرب) روم لاندو (48 52 210).
(5) في موسوعته(قصة الحضارة) الجزء الحادي عشر.
(6) المؤرخ كروبر في (طبيعة الثقافة) ص(388).
(7) (جوته والعالم العربي) كاتارينا مومزن (223 226).
(8) (الديوان الشرقي للشاعر الغربي) لشاعر الألمان (غوته) ص(128 130 131).
http: //saaid. net المصدر:
============
اكتساب مهارات الدعوة(18/67)
إن الدعوة كغيرها من الأعمال تحتاج إلى دربة وخبرة، وما من عمل أتقنه صاحبه بالفطرة، مصداق ذلك قوله - تعالى -: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}. وموسى - عليه السلام - طلب الاستعانة بذي الخبرة حين قال: {واجعل لي وزيرا من أهلي. هارون أخي. أشدد به أزري وأشركه في أمري}. كما أن مما رشحه أن يؤاجره صاحب مدين للعمل توفر الشرطين الذين ذكرتهما إحدى البنتين: {إن خير من استأجرت القوي الأمين}. وطالوت استحق الملك بما أوتي من بسطة في العلم والجسم.
وهكذا يجب أن يمضي الدعاة، يجابهون الصعاب ويواجهون المواقف بمهارات مكتسبة، وخبرات مجتناة، ودربة مستقاة. ما أعظمها من همة لا تترك لكلمة (ظروف) حجة لمحتج، أو عذرا لمعتذر، إنه يأبى إلا الكمال؛ لأن النفوس الكاملة تستقبح النقص:
ولم أر في عيوب الناس عيبا*** كنقص القادرين على التمام
وتكامل الداعية في إتقان الأسباب مواز ليقينه في معونة الله - تعالى - لأنها لا تأتي إلا على قدر المئونة، وهداية التوفيق منوطة باتباع هداية الإرشاد، والله لا يضيع أجر المحسنين.
إذا أسند إلى أحدهم عمل من أعمال الدعوة أقبل عليه بالدرس والتحليل والتمحيص، واقترح الأساليب ودرس إمكانية تطبيقها، والعوائق التي قد تحول دون نجاحها، كما يدرس النتائج المتوقعة واحتمالات الفشل والبدائل المقترحة.
إن الداعية الناجح ذو قلب عقول ولسان سؤول، يبغض الجهل، ويعظم العلم، ويحترم التخصص، يرفض أن يقوم بعمل لا يتقنه حتى يتقنه. فهو لا يحتج بعدم الإتقان على ترك العمل، بل يعتذر عن العمل ريثما يتقنه ويقوم به حق القيام.
إن الداعية الناجح إذا أسندت إليه خطبة حال كونه لا يجيد الخطابة، استأذن أصحابه شهرا ليتعلم فن الخطابة ويجيد أساليبها، ليرقى المنبر متمكنا من صنعته مالئا مكانه الذي وضع فيه.
إن الداعية الناجح إذا اكتشف أنه لا يتقن محادثة الناس على الملأ، هرع إلى المكتبات يبحث عن الكتب التي صنفت في كيفية تنمية مهارات المحادثة ومواجهة الجماهير.
إن الداعية الناجح إذا خطب في موضوع أشبعه، وإذا تحدث في قضية أتى على تفاصيلها فلم يترك تعقيبا لمعقب.
إن مشاريع الدعاة الناجحين لا يعتريها الفشل من قبل تقصيرهم، أو يصيبها الشلل بسبب أخطائهم، بل بأقدار وحكم لا يعلمها إلا الله - تعالى -. وهم في بذلهم الوسع مثل الأنبياء الذين مكثوا في أقوامهم مئات أو عشرات السنين ثم لا يأتون يوم القيامة مع أقوامهم إلا بالرهط وبالواحد والاثنين وربما يأتي النبي وليس معه أحد.
والمهارات الدعوية تخصص يجب أن نؤمن به ونحترمه، فليس كل عالم داعية والعكس صحيح أيضا، وكم من علماء متخصصين ملؤوا الدنيا علما ولكنهم ربما يفشلون في أي موقف دعوي ساذج. وكما يجب على الدعاة ألا يفتئتوا على وظيفة العلماء في الفتوى والإفادة، فيجب على العلماء ألا يحتكروا الدعوة بزعم احتكارهم للعلم.
والواقع يشهد بأن المهارات الدعوية صارت تتطلب تخصصات مختلفة ومعقدة لا يسد احتياجاتها المتخصصون في الفقه والحديث.
فالدعوة تحتاج إلى المربين لمختلف الأعمار، والذي يتعهد الأطفال والصبية الصغار ليس كمن يربي الشبيبة المراهقين، ومن يعنى بمقارعة المنصرين ومجابهة العلمانيين لن يتفرغ كثيرا للاهتمام بسد حاجة الفقراء المسلمين مثلا.
إنها وظائف كثيرة، تحتاج إلى جهود متضافرة، وفي نفس الوقت إلى مهارات مكتسبة تتناسب وتلك الوظائف. إذ لم يعد من المقبول أن يقوم داعية واحد بكل تلك الأنشطة التي ذكرناها، أو يهتم بها ويفكر فيها، إن ذلك سيؤدي به إلى خلل في الأداء أو قصور في التخطيط والتنظيم ولا ريب. فناسب حينئذ أن تتوزع اختصاصات الدعوة على الدعاة، مع ضرورة أن يقوم كل داعية بإتقان الدور الذي أسند إليه وأن يتخصص فيه، ويعد نفسه أن يكون مرجعا لغيره من الدعاة فيما أسند إليه.
إننا لن نستطيع إيجاد العالم الموسوعي، والداعية الجامع لكل الفنون والعلوم، إلا أن يكون ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ولكن ينبغي أن نتعامل مع السنن الكونية بواقعية، وألا نركن إلى الأماني الكاذبة والأحلام الشاردة.
ومن الواقعية بمكان أن يدرك الدعاة أن مجال الدعوة واسع الأرجاء، وأنه يحتاج إلى جهود جبارة، وطاقات هائلة، وسواعد متضافرة. وأن الساحة مليئة بالأعداء الذين أتقنوا كل المهارات الممكنة للمواجهة مع الإسلام، وأنهم يعدون العدة الكاملة لاستئصال الدين، وأن عدتهم في ذلك متكاملة التجهيز والتنسيق، وأنهم متفقون على تسخير كل تقنية متاحة في نصرة باطلهم.
وبإزاء ذلك يتعامل بعض الدعاة مع واقعهم بسذاجة وبساطة لدرجة تدعو للرثاء أو الشفقة، مدفوعين بعواطف صادقة لكنها لا تغني فتيلا أمام سنة الله التي لن تجد لها تبديلا. فسنة الله لا تحابي أحدا، حتى الأنبياء والمرسلين، اجترفتهم أقدار الإله لما حصل التقصير من بعض أتباعهم. أخذت الرجفة موسى ومن اختاره لميقات ربه بفعل بعض السفهاء، ويهزم جيش فيه خير البشر وخيرة الله من العالمين محمد - صلى الله عليه وسلم - لأن من جنده من كان يريد الدنيا.
إن المسلمين قد عاشوا - للأسف - قرونا في ظل ثقافة تواكلية، وتحت سقف سلبية مقننة، وقد وجد من علماء المسلمين - للأسف أيضا - من يقعد مبدأ السياحة في الأرض والخلوة في الفيافي في وقت كان التتار يدكون حصون الشام والصليبيون يدكون حصون مصر.(18/68)
إن في بعض الأدبيات الصوفية جنوح لما يمكن أن نسميه دعوة للكسل والخمول، ولن نعجب أن يستقر في أذهان العامة أن الصوفية أو رواد المساجد في الجملة أصحاب بطون، أو أنهم عشاق الفَتَّة.
إن هذه الثقافة التواكلية سرت في وجدان الأمة حتى أضحت عقيدة يُعْتدُّ بها ومَهْيَعا يرتاده كل من أراد التدين. ولا أغالي إذا قلت إن شيئا من هذه التواكلية سرى إلى أوصال الصحوة المباركة بفعل التجاور والمعاشرة.
ورأينا من يقنن لهذا الكسل، ويقعد لما اصطلح عليه العوام اسم (البركة)، أي أن كل شيء يمشي بالبركة أي بدون اتخاذ الأسباب وبدون اكتساب المهارة اللازمة لأدائه.
وسمعت بعض الدعاة ينفر من التخطيط السليم لإدارة الدعوة، وأن الخير في عدم تعقيد الأمور، وآخر يبدِّع العمل الجماعي، وثالث يحرم ابتكار الوسائل الدعوية، في نمط من السذاجة لا يتناسب مع مقامهم في العلم والفضل.
اتخاذ الأسباب عقيدة:
إن اتخاذ الأسباب عقيدة كما أن التوكل نفسه من العبادات القلبية الأصيلة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الاثنين في أسلوب بليغ حين قال: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا). أي تذهب في الصباح المبكر خالية الحواصل، فإذا عادت في المساء كانت ممتلئة البطون. ولو كان التوكل في ترك الأسباب، لَقَرَّت الطير في وُكُنَاتِها وأوكارها تنتظر رزقها رغدا يأتيها من كل مكان. ولكنها خرجت وطارت وسعت في أرجاء الحقول تبحث عن الحب والدود، والفقيه من اعتبر.
إنني استحيي والله من نفسي حين أرى المنافق أو الفاسق يتقن من حرفة الدعاية لنحلته ومنهجه مالا أتقن، وأتوارى خجلا وأذوب كمدا حينما أرى جحافل الكفر تغير على موقع من مواقع المجتمع والدعاة يقفون في دهشة واجمين.
إن هذه الثقافة غير الواعية، يجب أن تُسْتَأْصل من وجداننا، ويحل محلها الإيمان بأهمية السبب، والاستعداد به لمواجهة الباطل، والبحث عنه (أعني السبب) واستفراغ الوسع في طلبه والحصول عليه، وإعمال سبيل الدربة لاستعماله وتطبيقه واكتساب المهارة فيه.
وقادة الصحوة الإسلامية إذا أرادوا أن تخطوا الصحوة خطوات واثقة نحو العالمية التي تتناسب مع رسالتها وضخامة تبعتها فيجب عليهم أن يتدارسوا بجدية مبدأ تدريب الدعاة على المهارات الدعوية، وتثقيفهم بالثقافات التي يحتاجونها في مسيرتهم.
إنه ما من هيئة إدارية أو شركة تجارية إلا وتعقد لموظفيها دورات تدريبية في كل المناحي التي يحتاجها قطاع أعمالهم، بحيث يترقى الموظفون في درجات المهارة ولا يبقون أسرى المعلومات العتيقة والأساليب البالية.
إذن.. فليس على الدعوة من بأس أن تعقد دورات تدريبية لتنمية مهارات الدعاة في الخطابة والموعظة والتأثير على الناس، أو دورات تدريبية في تحضير الموضوعات وتنسيقها، أو دورات في إدارة الدعوة في المساجد أو في الجهات التي يكثر تواجد الدعاة فيها.
مثل هذا الاتجاه كفيل بتكثير سواد الدعاة عبر رفع كفاءة آحادهم ممن لم يشارك في الدعوة بفعالية من قبل، ومن شأن هذه الطريقة أن ترفع مستوى أداء الداعية فيتحسن النشاط الدعوي بالتبع ولا ريب.
إن من العادي في الدول المتقدمة أن تعقد مؤتمرات بحثية على مستوى الجامعات والصحف والشركات - في كل المجالات - وفي المدارس على مستوى المدرسين والطلبة، تعرف هذه المؤتمرات بجلسات (السمنار) يستضاف فيها متخصص في مجال معين ليتحدث عن تخصصه وكيفية الاستفادة منه في القطاع الذي يستمع إليه، ثم يتم إتاحة فرصة المناقشة ثم يتم صياغة توصيات يُدلى بها إلى ذوي الاختصاص ليروا ما يمكن تنفيذه من عدمه.
ومن الأمور الطريفة التي علمتها مؤخرا أن شهادة الأيزو (الجودة العالية العالمية) تعدّى مجالها الجانب الإداري والصناعي ليشمل العملية التعليمية، فصارت المدارس تمنح شهادة الجودة التي تثبت رقي مستوى مدرسيها وإدارتها وعمليتها التربوية والتعليمية وغير ذلك من الشروط الصارمة التي يجب أن تتوفر في المدرسة النموذجية.
ولا شك أن هذا الأمر يستدعي إسقاطا مباشرا على شأننا الدعوي، حيث إن نشاطاتنا الدعوية تفتقر إلى الجودة، بل تفتقر إلى معايير الجودة نفسها، لدرجة أن بعض الجماعات العاملة في حقل الدعوة تستسيغ لأفرادها التصدر للخطابة والإفادة حال كونهم أميين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، ولا ريب أن هذه جرأة على الله - تعالى - واستهزاء بجناب الشرع الموقر، واستخفاف بعظمة شعائر الله.
إنني أتصور قوة الدعوة في قوة دعاتها وثباتها في ثباتهم، وقدرتها على غزو قلوب الناس من قدرة دعاتها على حل مشكلاتهم: كل مشكلاتهم، ولا يمكن أن نرجو نصرا في معركة ما تخاذلت همتنا فيها عن استعمال نفس السلاح الذي يستعمله أعداؤنا أو استعمال ما هو أفضل منه.
إن معارك حامية الوطيس دارت بين شيخ الإسلام ابن تيمية وخصومه كان محك الغلبة فيها لمن أحاط بعلوم الشرع، ولولا أن قيض الله لأهل السنة مثل شيخ الإسلام في ذلك الزمان لكانت السنة تعاني الآن غربة حالكة، فكان في تصدي شيخ الإسلام للبدع الكلامية والانحرافات العقدية والسلوكية في المجتمع الإسلامي مع شهادة الخصوم له بطول الباع في علوم الشريعة، كان ذلك له أعظم الأثر في رفعة شأن أهل السنة وعلو كعبهم بين الناس.
وكذلك كانت مجهودات العلامة المحدث الشيخ الألباني - يرحمه الله - في علوم السنة، ومن قبله جهود الإمام ابن باز - رحمه الله - في الدعوة والفتوى، فأعظم الله منزلة أهل السنة بهما، وجعل لهم بين الناس وجاهة وصيتا، وأحسب أن الدعوة تحتاج إلى عشرات من مثل هؤلاء حتى تخوض المعركة بخطى واثقة.(18/69)
وإذا أردنا أن نصوغ مهمات هذه الطريقة في عناصر عملية محددة فيمكننا أن نلخصها فيما يلي:
(1) تكوين مكاتب لتبادل الخبرات بين الدعاة مهمتها البحث عن كل جديد في تقنيات العصر مما له مسيس صلة بواقع الدعوة وتسخيره في خدمة الدين، مع إيجاد الكوادر التي تستطيع التعامل مع تلك التقنيات الحديثة.
(2) أن تتواصى همم الجماعات والهيئات الإسلامية على تدريب أفرادها وصياغة مناهج علمية تدريبية، مع الحرص على متابعة المستوى ومحاسبة المقصرين مع توليد القناعة في نفوس الأفراد والجماعات بأهمية اكتساب الخبرات والتخصصات المناسبة التي تحتاجها الدعوة، وأن ذلك من صميم الإتقان والإحسان الذي أمر به الشرع المطهر.
(3) قد يعسر تنفيذ مثل هذه المناهج التدريبية بطريقة جماعية، فلا أقل من أن توجد تلك المناهج في صورة مؤلفات متاحة لكل قطاعات الدعاة حتى يتمكنوا من النهوض بإمكانياتهم الدعوية بصفة ذاتية.
(4) ضرورة وجود متخصصين في المناهج التدريبية، مهمتهم متابعة احتياجات الدعوة والدعاة وملاحقة هذه الاحتياجات على صورة كتب أو أشرطة سمعية أو برامج حاسب آلي.
(5) من الأهمية بمكان أن يعمل هؤلاء المتخصصون على متابعة الجديد مما تحتاجه الدعوة من المؤلفات الأجنبية وترجمتها وتيسير تداولها على مستوى الدعاة.
(6) الاهتمام بالجانب الإحصائي في الأنشطة الدعوية، لأنها من أهم سمات الموضوعية في تقدير جدوى الوسائل ومدى نجاح التجارب، وأرى أن القصور الحاد في إحصائيات الدعوة له دور كبير في الارتجالية في معالجة المشكلات.
(7) من أهم الجوانب التي يجب على الدعاة إتقانها أو الإلمام بها على أقل تقدير: تقنيات الحاسب الآلي وإمكانياته المتعاظمة وبخاصة في ثورة المعلومات التي أتاحها الحاسب الآلي، حتى أضحت آلاف الكتب التي يجمعها طلبة العلم في عشرات السنين مخزنة في قرص من أقراص الحاسب الآلي.
(8) إصدار دوريات متخصصة في الجوانب التي يحتاجها الدعاة لاسيما الأخبار والقضايا الدعوية الملحة، وحشد آراء أئمة الصحوة وقادتها فيها لضمان أعلى نسبة توحّد في الاتجاهات وردود الأفعال.
(9) عقد المؤتمرات واجتماعات البحث باستمرار على مستوى القادة والأفراد - عند الإمكان - لمناقشة أوضاع الصحوة ودراسة المشكلات واقتراح الحلول والعلاجات، والتركيز على جانب المشروعات الدعوية العملاقة التي تتطلب مجهودات جماعية وإمكانيات متضافرة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
30 طريقة لخدمة الدين (الشيخ: رضا صمدي).
http: //www. islamweb. net المصدر:
===========
في فقه الحماسة
جمال الشرقاوي(18/70)
تمثل " الصلابة " محور الدلالة اللغوية لمصطلح الحماسة، ومشتقاتها، فهم يقولون " حمس " بفتح ثم كسر، بمعنى: اشتد في الدين وصلب، والحماسة أيضا هي الشجاعة، لأن الشجاع أثبت عند الملمات، وأصبر على المواجهات، فهو " صلب " في المواقف المدلهمة، وهذا المدخل اللغوي، يمثل ضرورة كبرى لبسط الكلام في مسألة الحماسة التي يعاني الوسط الإسلامي بشكل خاص من الاضطراب في فهمها وفهم قيمتها، ما بين مفرط ومغال، وكلاهما يسيء إلى هذا المبدأ النبيل، والحقيقة أن أكثر ما يغيظ المجاهد المسلم هم أولئك النفر الذين يتكئون في مقاعدهم، خالي البال، وباردي الأعصاب، ويرددون بعض الألفاظ المنمقة والمتثاقفة، عن مخاطر الحماسة الزائدة عند الشباب، ويؤكدون على أن الحركة الإسلامية مدعوة الآن إلى الدخول في مجال التعقل والرشد، وأن تتجاوز مرحلة الحماسة غير المجدية، فالآن نحن في مرحلة البناء ولسنا في مرحلة الحماسة، ونحو ذلك من خداعات فكرية وألفاظ لا تساوي المداد الذي كتبت به، واللبس الأساس الذي يقع فيه من يكتبون على هذه الوتيرة، هو تصور أن الحماسة مجرد مرحلة من المراحل، يمكن عند لحظة معينة أن نتجاوزها إلى مرحلة أخرى، تاركين الحماسة وراء ظهورنا، أو أن الحماسة هي عمليات شحن نفسي لحشد الجموع إلى نصرة الدين في موقف أو مسيرة أو صحوة، ثم لا نلبث أن نعمل على " تبريد " الأجواء، لتلائم العمل الجديد، وكل ذلك باطل من القول وزور، وذلك أن الحماسة هي موقف إنساني له صفة الديمومة والتواصل مع الفكرة التي يؤمن بها الإنسان، هي علامة ظاهرة على وصول العلاقة بين الإنسان وما يؤمن به إلى نوع من الحب الصادق، والارتباط المصيري، وعندما تخبو الحماسة في النفس الإنسانية فلا شك أن هذا دليل على ضعف رابطة الحب والإخلاص بين الإنسان وبين ما يؤمن به، مهما حاول كسوة هذا البرود بمظهر كاذب من التعقل وسعة الأفق، إن حماسة المسلم هي الشرط الأساس لحياة جذوة الإيمان في ضميره، وهي الضمانة الجوهرية لعطائه المخلص والمتجدد والمتجرد لدين الله، وهي ـ كذلك ـ وعندما نقترب من جوهر الدلالة، هي الحصانة الداخلية التي تجعل المسلم " صلبا " في موقفه المنافح عن الدين، وصلبا في صبره على المحنة، أيا كان نوعها ومصدرها، صلبا في صراعه الفكري أو السياسي أو العسكري، دفاعا عن الدين والمستضعفين، ودفاعا عن كل القيم الإسلامية النبيلة التي تنتهك الآن في عالم البشر، والحماسة هي المدد الروحي الذي يؤنس المسلم في غربته الفكرية والقيمية والرسالية، وهي الروح التي تجعله في سكينة واطمئنان وهو يعيش هدي السلف الصالح، كتلك الكلمة الرائعة التي قالها الصحابي الجليل عبد الله ابن مسعود: " الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك "، الحماسة هي لواء الشهادة في سبيل الله، وبدون أن نفهم قيمة الحماسة لن نفهم ولن نعقل معنى أن يضحي الإنسان بحياته في سبيل نصرة دين الله وشريعته، ولذلك فان من الإجرام في حق هذا الدين وفي حق شباب الصحوة الإسلامية على وجه الخصوص أن نصدم أسماعهم بمثل هذه الكلمات العابثة غير المسئولة، التي تدفعهم ـ ولو من غير قصد ـ إلى الخواء الروحي، وتجردهم من أهم سلاح لهم في رحلة الصراع المرير مع قوى الباطل.(18/71)
على أن هذا الذي نقوله عن فريق المفرطين، لا ينبغي أن يشغلنا عن التبصر في موقف على الطرف الآخر من المسالة، ممن أساءوا فهم قيمة "الحماسة "، فرأوا أنها تغنيهم عن شروط أخرى عديدة لضمان سلامة الحياة الإسلامية للفرد والجماعة، فالحماسة كقيمة إنسانية ودينية، إنما تعمل ضمن منظومة من القيم الأخرى، متكاتفة ومتعاضدة، ومتوازنة أيضا، بحيث يكون غياب هذه القيم أو بعضها مدخلا إلى الفساد والاختلال في حياة المسلم، فالمسلم، إن كان مطالبا بأن يحافظ على جذوة الحماسة لدينه وأمته، فهو مطالب أيضا بتأصيل وعيه الشرعي، على هدى وبصيرة، فالحماسة ليست مبررا للانحراف عن منهج أهل السنة والجماعة في موقف أو فكرة، كذلك، فهو مطالب بالوعي بالواقع الاجتماعي والإنساني الذي يتحرك فيه أو يدعو فيه أو يمارس من خلاله جهاده في سبيل الله، ومطالب بالتأني في حركته من خلال هذا الواقع، والحماسة لا تغني عن هذا الوعي، وكما قالوا: النيات الطيبة لا تصنع وحدها عملا طيبا، بل إن سلوك المسلم في هذه الحالة يكون إساءة إلى الحماسة ذاتها وتشويها لقيمتها، وقد يورد الإنسان نفسه وإخوانه موارد التهلكة بإهماله البصيرة بالواقع، وفهمه، وفهم توازناته، كذلك فالحماسة كقيمة شرعية لا تغني عن العدل والحرص عليه، وتحريه، والعمل بمقتضاه، مهما كانت الخصومة والخصم، [ ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى]، والعدل هنا قيمة شاملة، ليست وقفا على الحقوق المادية المباشرة، ولا التقاضي بمعناه المباشر، بل إن العدل قيمة تشمل سلوك الإنسان كله، وأخص منه الآن، العدل في الخلاف الفكري والسياسي، حيث يقع بين الإسلاميين الكثير من المظالم من جراء غياب "العدل" في الحوار، وما يستتبع ذلك الغياب من غياب حرمة المسلم وعرضه، والجرأة على الادعاء غير الأمين، والانسياق وراء شهوة النميمة والإشاعات التي تفتقر إلى الدليل كما تفتقر ـ غالبا ـ إلى الصدق والأمانة، وغياب العدل عن الخلاف أو الحوار لا يؤدي ـ فقط ـ إلى الخطايا الأخلاقية وحدها، بل هو يحرم المتحاورين من البصيرة بوجه الخلاف، ويحرمهم بالتالي من جدوى الحوار ذاته، والذي يصبح جدا مهدرا في العبث، والتناطح بالكلمات والألفاظ والحجج النظرية المهومة في الخيال، ويكون مثل هذا الحوار ـ من ثم ـ معززا للفرقة، ومعمقا للتنازع والظنون السيئة، ومولدا للقلق والتوتر بين أصحاب الطريق، وكل هذا يحدث مع اتكاء الفرقاء على الحماسة للحق والدين، فيظلمون الحماسة والحق والدين جميعا. إننا في حاجة ماسة إلى إعادة الاعتبار إلى قيمة التوازن، بشكل عام، في حياة المسلم، فهي القيمة الحاكمة لمجمل القيم الإنسانية الإسلامية الأخرى، إنها القيمة التي تجعلنا أكثر وعيا بفقه الجمع بين المبدأ الإسلامي الأصيل: [خذوا ما آتيناكم بقوة]،و بين المبدأ الإسلامي الأصيل كذلك،: " إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق "،و أنه " لن يشاد الدين أحد إلا غلبه "، وعندما يغيب التوازن عن حياة المسلم، فردا كان أو جماعة، فإن تناسق القيم وتكاملها في ضميره يغيب معها ولا شك، كما تغيب أية إيجابيات لهذه القيم، بل، وقد تتحول القيمة النبيلة إلى شر وبيل وإلى قيمة سلبية في الحياة الإسلامية.
http: //www. alsunnah. org المصدر:
============
الشورى بين الدولة الإسلامية والعمل الدعوي 1 - 2
الشيخ خالد بن محمد الصادقي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن الناظر إلى واقع الجماعات الإسلامية ليرى أن كثيراً منها يعاني أمراضاً مختلفة ومتفاوتة في خطورتها سواء كانت في العقيدة أو الأحكام الشرعية أو السلوك والأخلاق والمعاملة.
ووقع بعض المنتسبين إلى الدعوة على أخطاء في المفاهيم الشرعية فقلبوها، أو حصل لهم لبس في إدراكها، وربما تساهلوا في تحقيقها وتأصيلها.
ومن تلك المفاهيم الشرعية الشورى وهو أمر يحتاج إليه المسلم سواء كان حاكماً أو محكوماً.
والعمل الإسلامي بأشد الحاجة إلى معرفة هذا النظام الشوروي وإدراكه وتطبيقه في الواقع، وكم تحتاج الدعوة إلى الشورى، فعقول تفكر خير من أن تجعل واحداً يفكر إذ هو أكثر تعرضاً للخطأ ومجانبة للصواب، ولا سيما أن أعداء الأمة يعقدون المؤتمرات والندوات ويضعون الخطط لغزو المسلمين فكرياً وعسكرياً، فحقيق بأمة الإسلام أن تواجه هذه الحرب بتطبيق الشريعة الإسلامية وامتثالها، وقوة الصلة بالله القوي الذي لا يغلب (( ألا إن حزب الله هم الغالبون))((وإن جندنا لهم الغالبون)).
وقد مرت الأمة بتصورات خاطئة زرعها المستعمر، وسقاها ورعاها منافقوا الأمة، فترعرعت في أرض ليست أرضها، ولذلك ولدت مشوهة ولكنهم أبوا إلا تزيينها وزخرفتها وتقديمها في صورة جميلة، فراج ذلك على ضعاف الإيمان وضعيفي الأفق، فاستطاع أعداء الإسلام أن يحصلوا على شيء مما كانوا يريدون، ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون.
الشورى:
لمحة تاريخية:
الشورى ضرورة بشرية لا تستغني عنها أمة من الأمم، لأن العقول مختلفة، والخبرات متنوعة، فتختلف أنظار الناس في القضية الواحدة، ولأن من يعيش في مجتمع لا يمكن أن يستغني بنفسه عن غيره، فكانت لهذا تجد الأمم في الشورى حلاً لمشكلاتها، ومن الأمثلة على ذلك:
- استشارت بلقيس قومها وقالت: (( ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون)).
- وملك مصر في عهد يوسف - عليه السلام - استشار قومه في الرؤيا التي رآها فقال:(( يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي )).
- وفرعون يستشير قومه في شأن موسى: (( قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون)).(18/72)
- وقريش اجتمعوا ليتشاورا في أمر الرسول - عليه الصلاة والسلام - في دار الندوة، وانتهوا إلى القول بقتله بطريقة محكمة.
- وهكذا كانت الأمم تتشاور في أمور الحرب والمصيرية في الأمة.
تعريف الشورى:
التعريف اللغوي: مأخوذة من الاختيار واستخراج الأصل.
التعريف الاصطلاحي: هي استطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه للتوصل إلى أقرب الأمور للحق.
أصل المشروعية:
تشرع بالكتاب والسنة والإجماع، فمن الكتاب قوله تعالى: (( وأمرهم شورى بينهم)) وقوله: ((وشاروهم في الأمر)).
ومن السنة مشاورته - عليه الصلاة والسلام - لأصحابه يوم أحد والخندق والحديبية وقد ورد في البخاري: ( ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى)، وغير ذلك من النصوص الشرعية والآثار عن الصحابة.
الدليل الثالث: الإجماع: فقد أجمع العلماء على مشروعية الشورى.
حكم الشورى:
- هل الشورى واجبة على الإمام؟
للعلماء في ذلك ثلاثة اتجاهات:
الأول: يرى أن الشورى واجبة، واستدلوا بأمر الله نبيه - عليه الصلاة والسلام - بها فقال: (وشاروهم في الأمر) مع استغنائه بالوحي، واستدلوا بما رواه الإمام أحمد في مسنده أنه - عليه الصلاة والسلام - قال لأبي بكر وعمر: ( لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما).
واستدلوا بمشاورة النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في مواضع كثيرة، وهكذا الصحابة والخلفاء كانوا كذلك، وقالوا بأن الشورى تمنع الاستبداد بالحكم فالأخذ بها واجب؛ لأن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الثاني: أنها مستحبة: واستدلوا بأن الإمام يجب أن يكون مجتهداً فلا يجب عليه تقليد مجتهد آخر، ولكن له أن يستطلع آراء ذوي الخبرة ليخرج من ذلك الرأي السديد.
الثالث: أنه بحسب حال الحاكم: فإن كان مجتهداً فلا يجب عليه اتباع أهل الشورى، وإن لم يكن مجتهداً فيجب عليه اتباعهم.
الراجح: رجح بعض العلماء القول بالوجوب، والذي يظهر أن القول الثاني أقوى من حيث الدلالة – والله أعلم -.
الحكمة من الشورى:
1- أنها من العبادات.
2- أن فيها تطييباً لخواطر الناس.
3- أنها الطريق لتصحيح المنهج وتقليل الأخطاء.
4- أن فيها التخلص من عهدة الخطأ فيتحمل المجموعة الخطأ دون الفرد.
5- أن فيها تعليم للأمة حرية الرأي والشجاعة في القول.
6- أن فيها ارتقاء بالعقل، وتنمية للمواهب، واستخراج الطاقات.
7- أنها تجعل المسلم دائم الاهتمام بأمور المسلمين.
8- أن فيها وقاية للمجتمع من الانحراف فتولد الثقة بين الحاكم والمحكوم.
9- أن فيها زوال الأحقاد والنزاع من النفوس.
من هم أهل الشورى؟:
المسألة فيها خلاف، فالبعض يقول: أنهم العلماء، والآخرون يقولون: بأنهم الأمراء، والصواب: أن الأمر راجع إلى العلماء وذلك لأن الذين قالوا بأن أولي الأمر هم الأمراء اشترطوا فيهم العلم.
شروط أعضاء مجلس الشورى:
1- الإسلام.
2- التكليف وهو البلوغ وكمال العقل.
3- الذكورة، فلا يجوز أن تكون المرأة في مجلس الشورى للأمور الآتية:
- قوله تعالى: ((وللرجال عليهن درجة ))، وقوله: ((الرجال قوامون على النساء))، وقوله: ((وقرن في بيوتكن)).
- وحديث البخاري: (( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ))، وقد علم من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة أنهم لم يجعلوا المرأة كالرجل في الشورى.
- وقد أفتى بذلك الأزهر عام 1381هـ برئاسة الشيخ/ العناني.
- وهذا لا يعني أن لا تستشار المرأة وخاصة في أمور النساء، لكن الاستشارة لا تعني أن تكون المرأة في مجلس الشورى – والله أعلم-.
4- تقوى الله والاستقامة على المنهج.
5- العلم.
6- العدالة.
7- سداد الرأي.
8- الشجاعة.
9- الخبرة الواسعة.
10- الأمانة.
11- التحرر من العصبية.
بتصرف يسير: http://www.islamselect.com
=============
الشورى بين الدولة الإسلامية والعمل الدعوي 2- 2
الشيخ خالد بن محمد الصادقي
تكيف الشورى بين الإلزام والإعلام:
هل الشورى معلمة أم ملزمة؟
للجواب على ذلك لا بد من معرفة الآتي:
أولاً: يجب أن يستجمع الإمام شروط الإمامة كالعلم، ورجاحة العقل، والشجاعة، وسلامة الأعضاء.
ثانياً: لا بد أن يكون ناصحاً للمسلمين، ويقتدي بالسلف الصالح.
ثالثاً: إذا وجد نص صريح من الكتاب والسنة والإجماع فلا يجوز لأحد أن يتجاوز ذلك.
رابعاً: إذا لم يجد شيئاً من ذلك فيجب عليه أن يبحث بنفسه أو يسأل العلماء.
خامساً: فإن لم يجد فله أن يجمع أهل الحل والعقد ويشاورهم، فإذا حصلت المشورة ففي المسألة تفصيل:
1- أن يتفق الجميع ومعهم ولي الأمر فحينئذ يلزم الجميع العمل بما انتهى إليه المتشاورون.
2- أن يقع الخلاف والأغلب موافقون لرأي ولي الأمر فحينئذ يلزم الأخذ برأي الأكثر.
3- أن يتفقوا على رأي، أو يكون الأغلب على رأي وولي الأمر على خلافهم فهذا هو محل الخلاف، فالمسألة على قولين:
الأول: وهو قول الشافعي والطبري أن الشورى معلمة، واستدلوا بقوله تعالى: (( فإذا عزمت فتوكل على الله )) أي إذا عزمت على رأيك بعد التشاور، واستدلوا بأنه لا يوجد نص يدل على الإلزام بالشورى، وقالوا بأن الحاكم مجتهد فلا يلزم أن يأخذ إلا بما أداه إليه اجتهاده.
الثاني: قالوا بأنها ملزمة واستدلوا بقوله تعالى: (( فإذا عزمت فتوكل على الله )) أي عزمت على رأي أهل الشورى، وقالوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ برأي الأكثر في أحد، وقالوا: بأن ترك رأي أهل الشورى تقويض لمبدأ الشورى.(18/73)
والرأي المختار أنه: إذا كان ولي الأمر مجتهداً فيلزمه العمل بما ترجح عنده، وإن لم تتوفر فيه شروط الاجتهاد فليس له العدول عن رأي أهل الشورى، وعند وقوع الالتباس فيمكن لولي الأمر أن يوسع نطاق الشورى حتى يستبين له الأمر أكثر، وله أن يأخذ برأي الأغلب أو حيث لاحت له المصلحة.
تنبيه:مصطلح الأكثرية:
الحضارة المادية جعلته قانوناً مطلقاً فضنته الأمة الإسلامية فضيلة ونادت به في كل محفل، والأكثرية ليست حقاً مطلقاً بل هي خصيصة لرب العالمين، وولي الأمر مطالب بالنظر في مصلحة الأمة سواء كان ذلك هو رأي الأكثرية أو غيرهم ويضبط ذلك الشرع المطهر.
الشورى في الجوانب الدعوية:
الكلام عن الشورى ليس للدولة فقط بل للدعوة الإسلامية، فهي قاعدة مهمة وأصيلة من قواعد بناء الأمة سواء على مستوى مؤسسة أو دولة أو أي تجمع يريد الخير.
ومن الغريب أن بعض الناس (دعاة أو مثقفين) تجدهم يجادلون حول الشورى هل هي ملزمة أو معلمة؟ مع أنهم لم يحقوا الخطوة الأولى وهي الإصغاء إلى أهل العلم والخبرة، ولم يتعلموا فن الاستشارة.
إننا لم نتعود على مبدأ الشورى، وربما لم نمارسه، وقد أدبنا الله - سبحانه - بهذا الأدب في لفتات من كتاب الكريم، ولكن يغفل عنها الغافلون يقول – تعالى -: (( إني جاعلك في الأرض خليفة ))، وبلقيس قد شاورت قومها.
وانظر إلى إبراهيم لم يمنعه عزمه على ذبح ابنه من المشورة فيحمله حسن الأدب على الاستشارة فقال: (( يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى )).
فعدم المشورة يعني الاستبداد، والعمل بالرأي الواحد مذموم ولو بلغ صاحبه مبلغ الكبار، وارتفع درجات في الكمالات والمعارف.
يقول السيد محمد رشيد رضا في المنار (4/199) في تفسير قوله تعالى: (( وشاورهم في الأمر )) قال: وشاورهم في الأمر العام الذي هو سياسة الأمة في الحرب (غزوة أحد)، وإن أخطأوا والرأي برأي الرئيس، وإن كان صواباً لما في ذلك من النفع في مستقبل حكومتهم إن أقاموا هذا الركن العظيم، والجمهور أبعد عن الخطأ من الفرد في الأكثر، والخطر على الأمة في تفويض أمرها إلى الرجل الواحد أشد وأكبر.
قال بعض السلف (الطرطوشي) في سراج الملوك ص (94): إذا قيل كيف يشاورهم وهو نبيهم وإمامهم، وواجب عليهم مشاورته، قلنا هذا أدب الله - تعالى- لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ومن أقبح ما يوصف به الرجال كانوا ملوكاً أو سوقة الاستبداد بالرأي، وترك المشورة.
وقد ذكر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب (3/120) نحواً مما ذكر، وزاد على حصوله، وهو السر عند الاجتماع في الصلوات، وهو السر في أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد.
مقارنة بين العمل المؤسسي والعمل الفردي:
بلا نزاع في الساحة الفكرية والدعوية والتربوية أن العمل المؤسسي خير من العمل الفردي الذي قد يصنف على أنه مرض من أمراض التخلف الحضاري عند المسلمين.
والعمل الجماعي يمتاز عن العمل الفردي بأمور:
1- أنه يحقق صفة التعاون والجماعية التي حث عليها القرآن والسنة: ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)) وفي الترمذي: (يد الله مع الجماعة).
2- الاستقرار النسبي للعمل المؤسسي.
3- العمل المؤسسي أكثر وسطية من العمل الفردي؛ لأنه يجمع كافة الطاقات والقدرات المتفاوتة في اتجاهاتها.
4- الاستفادة من كافة القدرات والطاقات.
5- العمل المؤسسي هو العمل الذي يتناسب مع تحديات الواقع اليوم، فالأعداء يواجهونك من خلال أعمال مؤسسية منظمة تدعمها مراكز بحوث ودراسات محكمة مبنية على قواعد وأصول.
فهل يمكن أن تواجهها بعمل فردي؟
ربما تمارس بعض المنظمات والجمعيات الخيرية وغيرها أعمالاً فردية وإن كان لها لوائح وأنظمة، وذلك لأنها لا تعني فلاناً من الناس فهو صاحب القرار - وهذا ملحوظ ومشاهد -، فحتى نجنب العمل المؤسسي آثار العمل الفردي فلا بد من معرفة عوامل نجاحه:
1- أن يكون مصدر القرارات في مجالس الإدارة أو اللجان المخولة لا أن يكون القائد أو الفرد.
2- أن يكون لغة الحوار السائدة.
3- التركيز في جداول الأعمال على القواعد والخطط العامة للعمل دون المسائل الإجرائية التي يكثر حولها الجدل.
4- وجود أرضية ومنطلقات ثابتة ومشتركة بين مجموع الأفراد وثوابتها هي أصول أهل السنة والجماعة.
5- الاعتدال في النظرة إلى الأشخاص، إذ تسيطر على الكثير الغلو في بعض الشخصيات وتقديمهم بحيث لا يرد لهم رأي أو قرار.
ولذلك فطن عمر رضي الله عنه لهذا الأمر حين عزل زياد بن أبي سفيان فقال زياد: لم عزلتني يا أمير المؤمنين العجز أم الخيانة؟! فقال: لم أعزلك لواحدة منها، ولكني كرهت أن أحمل فضل عقلك على الناس، انظر مقدمة ابن خلدون ص (164).
___________________________
انظر المراجع:
- كتاب فقه الشورى للغامدي.
- مقال دعوة مؤسسات البيان العدد (49).
- روح الفريق محمد البدري ص (83).
- تبيين العمل المؤسسي والفردي عبدالله المسلم ص (117).
- عوامل نجاح العمل المؤسسي ص (118).
- الاستبداد الدعوي ص (73).
- التجمعات الصغيرة ص (54).
- مفكرو الشوروقراطية ص (56).
المصدر : http://www.islamselect.com
==============
فقه الدعوة بين الأصول الشرعية والأفكار البشرية
عبد الآخر حماد
دعوة الخلق إلى الله عبادة من أجل العبادات، وأهلها هم أحسن الناس قولاً إذا عملوا الصالحات وكانوا من المسلمين كما هو نص القرآن الحكيم: [ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين][فصلت: 33].(18/74)
وإذا استقر في ذهن الداعية هذا البعد التعبدي للدعوة إلى الله على أنه لا يشرع في مجال الدعوة إلى الله إلا ما كان موافقاً لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وليس من شك في أن الحكمة ينبغي أن تكون منهاجاً في الدعوة إلى الله كما قال - تعالى -: [ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.. ][النحل: 125].
غير أننا لا نمل من التذكير بأن مفهوم الحكمة أعم من أن يقصد به مجرد اتباع الرفق واللين كما يظن كثير من الناس في عصرنا هذا؛ وإنما تتمثل الحكمة في اتباع الأسلوب الأنسب في حينه، إذ الحكيم هو من يضع الشيء في موضعه، ولذا فقد عرف ابن القيم الحكمة بأنه: "فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي"(1)، وقال القرطبي في بيان معنى الحكمة: "مصدر من الإحكام وهو الإتقان في قول أو فعل.. وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه"(2).
كما أنه ليس من ضير على الداعية أن يتخير الأساليب المناسبة لمن يدعوهم وأن يستعين ببعض ما أفرزته العلوم الحديثة في علوم الاجتماع والإدارة وغيرها في معرفة أحسن الطرق للوصول إلى قلوب المدعوين وعقولهم، ولاشك أن هذا مما يعينه على أن يدعو بالحكمة التي هي كما أسلفنا وضع الشيء في موضعه.
غير أن ذلك كله يجب أن يكون في إطار ما أسلفناه من ضرورة تحكيم النصوص الشرعية في كل الأمور، حتى لا يقع الداعية في أمور يظنها من صميم الحكمة والصواب، وهي عند التحقيق أبعد ما تكون عن ذلك.
وقد قرأت منذ فترة كتاباً صدر في بعض بلاد الغرب يدعو إلى أن يستفيد الدعاة من الأساليب الحديثة في التنظيم والإدارة وغيرها(3)، وبدهي أنه ليس لنا من اعتراض على ذلك، غير أني قد وقفت في ذلك الكتاب على واقعة أوردها الكاتب تحت عنوان (الدعوة بين النظرية والتطبيق) رأيت أن فيها نموذجاً حياً يبين أهمية ما ذكرناه من ضرورة تقديم التأصيل الشرعي على ما قد يتوهم المرء بخبرته أنه من أسباب الحكمة في الدعوة إلى الله.
وملخص تلك الواقعة أن شيخاً كان يدرب طلابه على الدعوة إلى الله فكان يدرسهم نظرياً لمدة ستة أشهر، ثم يدربهم عملياً لمدة ثلاثة أشهر قبل أن ينطلقوا في مجال الدعوة، ولكن طالباً متعجلاً رأي أنه يكفيه الدراسة النظرية وأنه لا حاجة به إلى التدريب العملي، فانطلق رغم تحذير أستاذه يمارس الدعوة إلى الله، وذهب إلى قرية بعيدة فوجد خطيباً يخطب الجمعة، ولكنه ملأ خطبته بالكذب على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فما كان من الطالب إلا أن وقف بعد الصلاة صائحاً أن هذا الإمام كاذب، فرد الإمام أن هذا الشاب كافر يستحق العقاب فقام جمهور المصلين على الشاب فأوسعوه ضرباً، فرجع إلى أستاذه بضمادات وعظام محطمة، فقال له شيخه: دعني أريٍك مثالاً عملياً في الدعوة إلى الله.
وفي الجمعة التالية ذهب الأستاذ مع تلميذه إلى نفس المسجد، وكرر الخطيب افتراءاته على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فما كان من الأستاذ إلا أن وقف بعد الصلاة وخاطب الناس قائلاً: إن خطيبكم رجل من أهل الجنة، وكل من يأخذ شعرة من لحيته سينال الجنة.
وعلى الفور هجم الناس على الإمام ينزعون شعر لحيته بقوة حتى تركوه مدمى الوجه منتوف اللحية، وعندئذ همس الشيخ في أذن الإمام: هل ستتوقف عن قول الأكاذيب على الله ورسوله؟ أم تريد عقاباً أكثر؟.
وعندئذ اعترف الإمام بسوء فعله وندم على ما فعل، وأدرك الطالب خطأه، والتمس من الشيخ أن يمنحه الشهور الثلاثة المخصصة للتدريب العملي.
هذه هي الواقعة كما جاءت في الكتاب المشار إليه، وقد عقب المؤلف عليها بقوله: إن الهوة واسعة بين النظرية والتطبيق.
ولعل النظرة العجلى في هذه القصة توحي للقارئ بمثل ما أراد راويها من إثبات خطأ الطالب الذي ظن أن الدراسة النظرية تكفيه، فكان من نتيجة ذلك أن لقي من أهل ذاك المسجد دروساً عمليةً شديدة ما بين ضرب ولكمٍ، قبل أن يتعلم من أستاذه - عملياً - كيف تكون حكمة الشيوخ أقوى وأجدى من تسرع الشباب.
بيد أنني أزعم أن النظرة الفاحصة الموزونة بميزان الشرع ستحكم على الشيخ وتلميذه بغير ما سبق. ذلك أن ما يؤخذ على التلميذ لا يزيد عن كونه قد أخطأ في ترتيب درجات النصح الشرعي؛ فقد بدأ بالقول الشديد، وقد كان الصواب أن يبدأ بالرفق واللين واللطف في العبارة، وكان يمكنه أيضاً أن يستميل من أهل المسجد في هدوء من يتوسم فيهم الخير حتى يعينوه على ما يريد.
فهذا ونحوه هو الذي يؤخذ على ذلك الشاب، بينما يمكننا أن نحصر في أسلوب الشيخ عدداً من المخالفات الشرعية التي يهون أمامها - بل أمام واحدة منها - ذلك الخطأ الذي ارتكبه التلميذ.
ويمكننا أن نجمل أخطاء ذلك الأستاذ فيما يلي:
1 - أنه أدب الرجل بنتف لحيته، وهذا لا يجوز شرعاً حتى ولو كان ذلك من باب التعزير، لأنه تعزير أتى على مخالفة أمر الشارع بإعفاء اللحية، قال الماوردي عند كلامه عن التعزير وأحكامه: "ويجوز أن يُحلق شعره، ولا يجوز أن تُحلق لحيته"(4)، وجاء في كتاب الدليل وشرحه منار السبيل في باب التعزير: "ويحرم حلق لحيته، وأخذ ماله، وقطع طرفه؛ لأن الشرع لم يأت بشيء من ذلك"(5).
2 - أنه لم يبدأ مع هذا الإمام بالوعظ والنصيحة، وقد اتفق العلماء على أنه لا يُغير المنكر باليد إلا إذا لم يُجدِ الوعظ باللسان.
3 - أنه ضلل الناس وكذبهم حيث أوهمهم أن شيخهم رجل صالح بينما هو في الحقيقة رجل يكذب على الله ورسوله.
4 - أنه أدخل في أذهان الناس مفاهيم باطلة أو رسخها في عقولهم إن كانت موجودة لديهم، وأعني بذلك قضية التبرك بشعر لحية هذا الإمام، فإن هذا الفعل لا يجوز.(18/75)
5 - أنه قد قال عن الخطيب إنه من أهل الجنة، ولا يجوز في عقيدة أهل السنة والجماعة أن يُشهد على معين أنه من أهل الجنة أو أنه من أهل النار؛ إلا من جاء بخصوصه نص شرعي، ثم إن هذا القول كذب ولا شك، وهذا الأستاذ أول من يعلم أنه كاذب؛ لأنه في قرارة نفسه لا يرى في ذلك الخطيب إلا شخصاً يكذب على الله ورسوله.
6 - أنه جزم للمصلين بأن من يأخذ شعرة من لحية الرجل سينال الجنة، وهذا كذب على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وقع فيه ذلك الأستاذ من حيث أراد أن ينكر على من وقع في مثله.
وبعد: فلعلنا بعد هذا البيان السريع لأخطاء ذلك الأستاذ يمكننا أن نقول: إنه إن كانت الهوة واسعة بين النظرية والتطبيق، فإن أوسع منها الهوة بين التأصيل الشرعي وبين الاعتماد على التجربة البشرية في معرفة الأصوب من أساليب الدعوة إلى الله...
----------------
(1) مدارج السالكين 2/479.
(2) الجامع لأحكام القرآن 3/330.
(3) هو كتاب دليل التدريب القيادي للدكتور هشام طالب، وهو من إصدارات المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
(4) الأحكام السلطانية، ص: 390.
(5) منار السبيل 2/383.
http: //www. alsunnah. org المصدر:
==============
وقفات مع آية ( فاستقم كما أمرت )
((فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون)) [هود 112 - 113].
النصر والتمكين أمر تشرئب إليه أعناق الموحدين وتتوق إليه نفوسهم منذ أن بعث الله الأنبياء والمرسلين وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد توعد الواحد القهار أن ينصر حملة الحق وأن لا يخذلهم شريطة أن ينصروه وأن يتبعوا النور والهدى الذي أنزل إليهم.
والنص الذين بين أيدينا يوضح جملة من الأمور التي إذا لم يلتزم بها المؤمنون فإن ولاية الله ونصرته لن تكون في جانبهم.
أول هذه الأمور، الاستقامة كما أمرنا، والاستقامة هي الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال [1]، ولم يكتف الرب - جل وعلا - من ذكر الاستقامة مجردة بل أتبعها بقوله: ((كما أمرت))، لهذا نقل المفسرون [2] عن ابن عباس قوله: "ما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع القرآن آية كانت أشد ولا أشق عليه من هذه الآية"، ولهذا قال: "شيبتني هود والواقعة وأخواتهما". وروي أن أصحابه قالوا له: لقد أسرع فيك الشيب، فقال: "شيبتني هود".
وعن أبي عبد الرحمن السُّلمي قال: سمعت أبا علي السَّرِي يقول: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقلت: يا رسول الله: روي عنك أنك قلت: "شيبتني هود". فقال: "نعم". فقلت له: ما الذي شيبك منها؟ قصص الأنبياء وهلاك الأمم فقال: "لا؛ ولكن قوله: ((فاستقم كما أمرت))".
هكذا أخبر الصادق المصدوق أن هذا الأمر من الله - سبحانه وتعالى - أدى به إلى أن يسرع إليه الشيب مما يبين ثقل التبعة المترتبة على الالتزام بمقتضيات الاستقامة خصوصاً في فترة كتلك التي نزلت فيها هذه الآيات، فترة الاستضعاف والشدة والمساومة على المبدأ.
فهذه الاستقامة يجب أن تكون أمر الله لا كما تهوى الأنفس أو كما يتطلبه واقع المجتمعات الجاهلية والكافرة، وهذا ما جاء موضحاً في موطن آخر في القرآن: ((فلذلك فادع واستقم كما أمرت)) [غافر/15].
وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك: قال: "قل آمنت بالله ثم استقم". وذلك لأن الاستقامة شاملة لكل أمور الدين ويجب أن تصحب كل الأوامر والنواهي التي جاء بها محمد - صلى الله عليه وسلم -.
يقول البيضاوي [3] موضحاً هذا المعنى: "وهي شاملة للاستقامة في العقائد كالتوسط بين التشبيه والتعطيل. بحيث يبقى العقل مصوناً من الطرفين، والأعمال من تبليغ الوحي وبيان الشرائع كما أنزل، والقيام بوظائف العبادات من غير تفريط وإفراط مفوت للحقوق ونحوها وهي في غاية العسر".
وغاية العسر التي أشار إليها البيضاوي لا تعود إلى عسر الاستقامة في نفسها ولكن إلى قلة من يرعاها حق رعايتها بالثبات عليها أو بلوغ الكمال فيها [4]، ولعلو مقامها ومقام من يلتزم بها: ((إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا)) [فصلت/ 30].
الأمر الثاني: عدم الطغيان: والطغيان مجاوزة الحد، قال - تعالى -: ((إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية)). وقال أيضاً: ((فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى)). قال ابن كثير - رحمه الله - [5]: "يأمر الله - تعالى - رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة وذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء ومخالفة الأضداد ونهى عن الطغيان وهو البغي فإنه مصرعة حتى ولو كان على مشرك... ".
وعلى الرغم من أن معنى الاستقامة يتطلب عدم مجاوزة حدود الله والتكبر والتجبر على خلقه فإن المولى أفرد ذلك بالذكر ونهى عنه، وذلك - والله أعلم - لأن بعض النفوس من طبيعتها أن تجنح للتشدد والتنطع، ولا تكتفي بأوامر الشرع في مواجهة القسوة التي تتعرض لها على أيدي الجلاوزة المستكبرين، فاقتضى المقام تذكير الأصحاب والذين يأتون من بعدهم إلى أن تكون تصرفاتهم كلها محكومة بالشرع لا بردود الأفعال وفي ذلك أكبر دليل على خضوع هذه الأنفس ودينونتها لقيوم السماوات والأرض.(18/76)
الأمر الثالث: النهي عن الركون إلى الذين ظلموا [6]، الركون لغة هو الميل والسكون [7]، وحقيقة هو الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به [8]، ومن ثم فإن معنى الركون يدور حول ألفاظ أربع هي: الميل، والسكون، والاطمئنان، والاعتماد، ولهذا ركز بعض المفسرين على المعنى الأول كالزمخشري ومن تبعه وهناك من شدد على المعنى الأخير وهو الاعتماد والاستناد كصاحب المنار. وعلى كل فإنهم على اختلاف تحريرهم لمعنى الركون، فإنهم متفقون على أنه كبيرة ومحرم.
قال القاسمي - رحمه الله - [9]: "قال بعض المفسرين اليمانيين: الآية صريحة بأن الركون إلى الظلمة محرم وكبيرة، لأنه - تعالى - توعد بالنار: ((فتمسكم النار))، "ومن أوجه الركون التي ذكرها المفسرون ما يلي:[10]
1 - الميل إلى الظلمة في شيء من الدين، نقل هذا عن ابن عباس وتبعه في ذلك ابن جرير، يقول ابن كثير: "وقال ابن جرير عن ابن عباس ولا تميلوا إلى الذين ظلموا وهذا القول حسن أي لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بأعمالهم".
2 - الرضا بأعمالهم، قاله: أبو العالية.
3 - اللحوق بالمشركين، نقل ذلك عن قتادة.
4 - مداهنتهم، قال بذلك السدي وابن زيد.
5 - الدخول معهم في ظلمهم وإظهار الرضا بفعلهم، وإظهار موالاتهم.
وقال الزمخشري: "والنهي متناول للانحطاط في هواهم، والانقطاع إليهم ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم والرضا بأعمالهم والتشبه بهم والتزيي بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم، وتأمل قوله: ((ولا تركنوا))، فإن الركون الميل اليسير، وقوله: ((إلى الذين ظلموا))، أي إلى الذين وجد منهم الظلم ولم يقل إلى الظالمين" ا.ه.
وأختتم أقوال هؤلاء العلماء بالتنبيه إلى مسألتين:
1 - الأولى تتعلق بلجوء كثير من الدعاة إلى بلاد الغرب بسبب الاضطهاد الذي تعرضوا له على أيدي المستبدين من الحكام الظلمة، فوجد هؤلاء المضطهدون فسحة للحركة والتعبير عما لم يستطيعوا قوله في بلادهم، فأدى هذا الأمر ببعضهم إلى الإشادة بصنيع الغرب هذا وإبرازه والحديث عنه إلى حد التعظيم والتبجيل. حتى نطق قائلهم: إنهم يطبقون شورانا!!، وأدى بالبعض الآخر إلى الزهد في إخوانهم وأصبح معظم حله وترحاله إجراء مقابلة في تلك الإذاعة أو المحطة أو الصحيفة، أو مقابلة هذا المسؤول وذاك، ألا فلينتبه هؤلاء إلى ما ذكره العلماء في مسألة الركون إلى الظلمة وليعرضوا كل أعمالهم وأقوالهم على الشرع قبل الإقدام عليها.
2 - الثانية هي الاستناد إلى الحكام الظلمة والتردد على أبوابهم وننقل هاهنا كلاماً ذكره الزمخشري عن الزهري - رحمه الله - لما خالط السلاطين، فكتب إليه أخ له في الدين قائلاً: "عافانا الله وإياك، أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك الله ويرحمك، أصبحت شيخاً كبيراً وقد أثقلتك نعم الله بما فهمك الله من كتابه وعلمك من سنة نبيه، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء. قال الله - سبحانه -: ((لتبيننه للناس ولا تكتمونه))، واعلم أن أيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت أنك آنست وحشة الظالم وسهلت سبيل الغي بدنوك ممن لم يؤد حقاً ولم يترك باطلاً حين أدناك. اتخذوك قطباً تدور عليك رحى باطلهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاءهم، وسلماً يصعدون فيك إلى ضلالهم، يدخلون الشك بك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك في جنب ما أفسدوا عليك من دينك... فداو دينك فقد دخله سقم، وهيء زادك فقد حضر السفر البعيد... وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء... والسلام" ا.ه.
لقد كان علماء السلف يشددون في النكير على التردد على أبواب السلاطين ويعتبرون ذلك منقصة للعالم، قال الأوزاعي [11]: "ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور أميراً، وقال محمد بن مسلمة: الذباب على العذرة أحسن من قارئ على باب هؤلاء". وهذه الأقوال تتعلق بسلاطين زمانهم الذين لم ينحوا شريعة الإسلام من الحكم والسياسة ولم يرتموا في أحضان اليهود والنصارى ويوالوهم كما يفعل حكام زماننا اليوم، فكيف سيكون حال وأقوال أولئك الرجال إذا كتب لهم العيش إلى زمن المنافقين والمرتدين الذين سلطهم الله على رقاب المسلمين؟!
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
[1] - الجامع لأحكام القرآن 9/107.
[2] - انظر في ذلك تفسير القرطبي والزمخشري.
[3] - تفسير المنار 12/166.
[4] - تفسير المنار 12/ 169.
[5] - تفسير ابن كثير 2/443.
[6] - قيل في الذين ظلموا أنهم أهل الشرك، وقيل عامة فيهم وفي العصاة، وهذا هو الصحيح في معنى الآية، وأنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي وأهل البدع وغيرهم فإن صحبتهم كفر ومعصية (القرطبي 9/108).
[7] - لسان العرب 13/185.
[8] - تفسير القرطبي 9/108.
[9] - محاسن التأويل 9/ 3490.
[10] - المصدر السابق.
[11] - يراجع في ذلك تفسير الزمخشري.
http://www. alsunnah. org المصدر:
=============
نجاح الدعوات
د. محمد العبده
إن من أعظم الأسباب التي تساعد على نجاح الدعوة هو وضوح المنهج، ووضوح الغايات والوسائل، فهذا مما يؤلف الناس و يجمعهم ويشجعهم، والغموض والضبابية مما يبعدهم وينفرهم، وهذا الوضوح لا يعني الجمود على وسائل معينة لا نبرحها، فهناك مراحل تنتقل بها الدعوة وتحتاج إلى التجديد.(18/77)
قد يعن للمسلم أمور واجتهادات يظن أنها تقوي الدعوة أو تفتح لها آفاقاً جديدة، ومن هذه الاجتهادات: الشعار المرفوع في هذه الأيام وهو شعار (الاعتدال) و(الانفتاح)، وهذا إن كان حقاً في حد ذاته ولكنه يؤول إلى نوع من الباطل حين يصير إلى تمييع الثوابت والعقائد، إن الإسلام دين مبني على الفطرة السليمة، والسماحة، ومراعاة الاعتدال لا شك في ذلك إذا كان المقصود عدم التنطع والمشادة، ولكن مصطلح الاعتدال أتى في هذه الأيام كرد فعل على واقع معين وعلى تشدد في غير محله، وردات الفعل لا تؤدي إلى الطريق الصحيح عادة، وكذلك عندما يكون الإنسان مسكون بعقدة معينة؛ لأن هذا ليس منهجاً مؤصلاً وجادة مستقيمة، ولذلك نشاهد أن هذا الانفتاح في بعض المناطق وبعض الأحيان تحول لمصلحة أهل البدع الكبيرة، وفي الوقت نفسه ابتعد هذا الانفتاح عمن هو أقرب للحق والصواب، ولا يعني هذا أن نغلق باب الحوار مع الآخرين للوصول إلى الحق أو قريباً منه، ولكن أن تذهب الجهود و(الأموال) أيضاً إلى غلاة أهل البدع أو إلى الانتهازيين، فهذا مما يؤسف له ولا ينقضي منه العجب، كيف يغفل المسلمون عن منهج قرآنهم وسنة نبيهم في المحاورة والمجادلة والتعامل مع أهل البدع وأهل الأهواء؟! انه والله غش للدعوة وللمنهج أن نسوق أهل الأهواء ونظهرهم بصورة حسنة أمام الناس بحجة الانفتاح.
إن الانفتاح الحقيقي يجب أن يكون مع جماهير الأمة الذين هم أقرب للفطرة وأقرب للاستجابة، والذين هم أكثر تضحية عند الملمات، والانفتاح يجب أن يكون مع العلماء الذين يحملون هموم الأمة، وهم موضوع احترام وتقدير الناس. التجديد لا يكون إلا مع وجود ثوابت يدور حولها التجديد، وتدور حولها المتغيرات حسب الزمان والمكان، نحن مع الانفتاح ولكن من منطلق الثوابت حتى لا يتسلل المنحرفون والانتهازيون إلى مؤسساتنا الثقافية والدعوية.
إن أوقاتنا أثمن في أن نضيعها في الأخطاء واكتشاف الأخطاء ثم التلاوم والتدابير، وقد قال - تعالى - مخاطباً نبيه - صلى الله عليه وسلم - محذراً من التنازل والتساهل مع المنافقين: "وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ" (المائدة: من الآية49).
http: //www. almoslim. net المصدر:
===========
هكذا علمنا السلف ( 68 ) أهل المعاصي أخف من أهل الأهواء:
د. يحي بن إبراهيم اليحيى
عن أحمد بن سنان، قال: «لئن يجاورني صاحب طنبور أحب إليّ من أن يجاورني صاحب بدعة، لأن صاحب الطنبور أنهاه وأكسر الطنبور والمبتدع يفسد الناس والجيران والأحداث».
إياك ومن يبغض لك دينك:
عن سفيان الثوري، قال: «ما من ضلالة إلا ولها زينة فلا تعرض دينك إلى من يُبغضه إليك»(1).
منهج أهل الأهواء في المخاصمة والجدال:
عن حماد بن زيد، قال: سمعت أيوب يقول: « لا أعلم أحداً من أهل الأهواء يخاصم إلا بالمتشابه »(2).
إذا افتضح أهل الباطل اجتمعوا:
قال الفضيل بن عياض: « افتضحوا فاصطلحوا » (3).
---------------------
(1) الإبانة 2/462.
(2) الإبانة 2/501.
(3) العوائق لمحمد الراشد 290.
http://www.taiba.org المصدر:
============
فن تحضير المواضيع
انطلق معي أخي الداعية إلى الله والمبدع في أساليبك.. ومع هذه الأسطر حتى نجول ونصول ونتعلم فنوناً عملية في تحضير المواضيع:
ما قبل التحضير:
الجمهور:
يجب على المتحدث المتميز أن يتعرف على جمهوره، ما مدى أهمية هذا الموضوع لديهم؟
وما الذي يريدون معرفته؟ وما هي المشاكل التي تواجههم فيه؟ لأن القاعدة تقول: ((شكل حديثك حسب جمهورك)). وكذلك يجب على الملقي أن يعرف كم عدد الحضور التقريبي فإن كان جمهور صغير (أقل من 25) شخصاً فيعلم الملقي حينئذ أن الانتباه أكثر فالأمثلة أكثر والأسئلة والمناقشات ستكون مباشرة مع الجمهور و سيقوم الملقي المتميز بالاتصال بالجميع عن طريق العين.
أما إذا كان الجمهور كبيراً أكثر من ((25 شخصاً)) فسيحدث السَرَحان والهمس مع الجار والتشتت في الانتباه فعند ذلك يقوم الملقي بالربط والتلخيص وتكرار النقاط المهمة ليحافظ على تركيز الجمهور وانتباهه وكذلك مما يجب أن يعرفه الملقي قبل إلقائه: الوقت المتاح له والمكان الذي سيلقي فيه.. فإنهما سيساعدانه على القيام بمهمته.
الهدف:
للأسف أننا في أوقات كثيرة نتحدث بدون أي هدف فلماذا لا يكون لدينا أهداف صغيرة تخدم هدفاً مرحلياً تصب أخيراً في هدفنا الأخير.. من خلال ما سبق نستطيع أن نحدد الأهداف التي يمكن تحقيقها من خلال إلقائنا.. فكيف يصوغ الملقي هدفه؟
إليك هذه الطريقة العلمية المجربة التي يذكرها الدكتور طارق السويدان في كتابه (فن الإلقاء الرائع) فيقول: (اكتب جملة من 25 كلمة أو أقل تشرح موضوع حديثك مرتبطاً بهدفك. وإذا كنت أنت غير واضح في هدفك فكيف يستطيع المستمع أن يتبين هذا الهدف؟).
فعلمية الهدف تعد عملية سهلة وتجعل كل شيء بعدها ينساب سهلاً ويسيراً فأبدأ بها أولاً وستجد كل شيء بعدها سيغدو سلساً، فلعل هدفك الرئيسي هو أن تعرّف الجمهور على شيء جديد. وتجعله يفكر فيه.. ويشعر به ويتذكره دائماً.. فكيف ستصل لهدفك؟
فكر في ذلك جيداً!!.
يقول دايل كارينجي: إن التحضير يعني التفكير والاستنتاج والتذكر واختيار ما يعجبك وصقله وجمعه في وحدة فنية من صنعك الخاص.
* العنوان الجذاب:
تعلّم هذه الأسرار الخفية في اختيار عنوانك: -
1. اختر عنواناً تحدد من خلاله الفكرة الرئيسية للموضوع دون إبراز الفرعيات.
2. الأسلوب الاستفهامي يجلب التشويق دائماً مثل: (كيف تحضر موضوعاً؟).
3. حاول أن لا يزيد عدد كلمات العنوان عن (ثلاث كلمات).(18/78)
4. استخدم الأعداد في عنوانك فهي تجعله أكثر جمالاً مثل: ((خماسية النجاح))
وأخبرك بسرّ آخر في اختيار الأعداد وهو إن الأعداد الفردية هي أكثر جاذبية واستثارة للسامعين.
5. اجعل العنوان هو آخر ما تكبته فاختياره أسهل آنذاك.
6. ابتعد عن العنوان الذي يكون مكروراً ومشهوراً واجعل فيه إبداعاً وحداثة.
* أمور مهمة في اختيار الموضوع:
1. قبل أن تبدأ في اختيار الموضوع أو كتابته.. صل ركعتين وادعُ الله أن يوفقك وأن يختار لك ما فيه الخير فبيده التوفيق أولاً وآخرا.
2. أن يكون موضوعك مناسباً للتحدث فيه وكذلك مناسباً للحضور.
3. الإبداع والخروج عن المألوف مطلب مهم في كل موضوع يطرح.
4. عندما يكون موضوعك مصحوباً بروح التفاؤل يكون قبوله أحرى ويثير النفوس للعمل فروح التشاؤم تفرضها علينا ظروف هذا الزمن.
5. قبل أن تبدأ في عملية التحضير قم ببعض التمارين الرياضية ثم أجلس في مكان مناسب وتخلص من جميع ما يلهيك ثم ابدأ بالله مستعينا.
ومن المهم..
أن تضع وقت البداية في التحضير وذلك بالقراءة في الموضوع وجمع الشواهد ووضع العناصر وتصنيفها وترتيبها وكذلك وقت النهاية من التحضير بحيث يصبح الموضوع جاهزاً في ذلك الوقت فإن لم تنته فيه لاستطرادات الموضوع وحاجته إلى البحث الأطول والأكثر فإنك إن شاء الله وان اضطررت لزيادة الوقت لإضافات فسيكون انتهائك قريب مما حددته مسبقاً لأن هذا من تجربة كثير من الناس أنهم لا ينجزون إذا تركوا الوقت لأنفسهم مفتوحاً.
مرحلة إعداد الموضوع:
تحضير الموضوع: تذكر هذه القاعدة:
(حدد الموضوع – حلل الجمهور – حدد الهدف – أبدع أفكاراً..).
1 - اجمع المراجع واعرف ما هي الكتب التي تساعدك في تحضير موضوعك.
2 - أقرأ وتمعن.. ثم انتق.. وحتى تجيد الانتقاء لا تترك الدرر التي تلقاها في طيات الكتب أو في الدوريات مثل الجرائد اليومية والمجلات …بل أجمعها وأقتبس منها وأجعل لها عنواناً.
3 - رتب العناوين والمعلومات التي تريد طرحها.
4 - سجل ملاحظتك الشخصية ووجهة نظرك ولا تعتمد فقد على أراء الآخرين وأفكارهم بل تذكر أن لك عقل مثلهم ويمكن أن تضيف وتعدل.
5 - الاستشهاد يعطي الموضوع قوة والاستشهاد يكون ب
(القرآن الكريم – السنة –القصص - الشعر – أقوال وحكم – إحصائيات – وغيرها).
6 - ابحث بجد عن آخر المعلومات وأحدث الإحصاءات ولا تعتمد على ما حضرته قبل عدة سنين.
7 - من المسودة الأولى: اكتب كل الموضوع ولا تدقق ثم اطبعه على الكمبيوتر ليسهل تصحيح الأخطاء إن وجدت.
8 - التعديل: أضف.. ألغ.. عدل.. ثم أعد الترتيب.
9 - التدقيق: دقق اللغة وصحح الأخطاء اللغوية.
10 - المراجعة النهائية: الق نظرة نهائية وتأكد أن كل شيء في مكانه الصحيح.
11 - الاختصار النهائي: تأكد من طول الموضوع وأنه مناسب للوقت واختصر إن لزم الأمر
والآن تكون قد وصلت إلى مرحلة كتابة الموضوع.. وإليك بعض النصائح:
أ. حاول دائماً إذا كتبت أو حضرت موضوعاً أن تكتب جملاً كاملة ولا تكتفي بالترميز.
ب. أكتب فكرة واحدة لكل نقطة فرعية ثم لخصها بحيث لا تزيد عن سطر واحد.
ج. تذكر وأنت تكتب كل جملة أنها:(ترتبط بالهدف.. أنها شيقة وممتعة.. وأنها ذات علاقة بالمستمعين.. وأنها جملة قصيرة).
د. تلطف وليكن كلامك مؤدباً ومراعياً لجميع الحضور.
ه. أن تكون كلماتك سهلة ومعروفة. أعلم أن كل صفحة مكتوبة بالكامل تأخذ في المتوسط 3 - 4 دقائق عند الإلقاء.
و. وفي كتابتك النهائية للموضوع على أوراقك الخاصة راعي التالي:
- اكتب بخط كبير.
- اترك فراغاً مناسباً بين السطور.
- راجع الإملاء والقواعد النحوية.
- لا تنسَ ترقيم الصفحات.
- لا تدبس الأوراق ليسهل تحريكها أثناء الإلقاء.
- ضع أوراقك في ملف حتى تبقى نظيفة ومرتبة.
- الأفضل أن لا تكتب المقدمة والخاتمة إلا بعد الانتهاء التام من الإعداد وحاول في مقدمتك أن تجذب الانتباه وتذكر هدفك ثم تعط فكرة عامة عن موضوعك، وأما في الخاتمة فلخص ما ذكرته خلال كلامك وذكرهم بالأشياء العملية التي خلصت إليها حتى تبقى راسخة في أذهانهم.
- ضع نقطة رئيسية لكل 15 دقيقة.
- أربط حديثك بالموضوع الرئيسي.
- اكتب هدفك ولا تفترض أنك تعرفه.
- لا تحاول تغطية كل الموضوع.. الغ الممل أو البديهي واختصر المقدمات.
- تذكر … أن الخطبة جيدة التنظيم هي نتاج عقل منظم.
- لا تكتب أي كلمة إلا وستضطر إلى قراءتها.
- حدد هدفك قبل جمع المعلومات.
- حضر.. وحضر.. وحضر.. القاعدة: (عشرة ساعات تحضير لكل ساعة حديث).
- وبعد انتهاءك من التحضير تأكد من التالي: -
* اطبع الموضوع، راجع طباعته وتأكد من خلوه من الأخطاء اللغوية والإملائية ووجود الفقرات والفواصل في أماكنها المناسبة.
* راجع مرة أو مرتين وثلاث ولا تمل وتأكد من تغطية الموضوع.
* قدر الوقت بحيث لا يتجاوز المدة الكلية للحديث.
* وأخيراً..
تأكد من المضمون – التنظيم – الأسلوب - اللغة – القواعد النحوية.
أشكال التحضير:
وهنا يترتب على شكل التحضير طريقة الإلقاء ولذا دائماً نقول ونكرر تحضير وإعداد الموضوع أمر مرتبط تماماً بالإلقاء وطبيعته.
1 - القراءة فقط: بحيث يكون الموضوع معد ليقرأ كاملاً وهنا يكفي أن اذكر كلاماً نفيساً للدكتور (محمود عمارة)حيث يقول: (إن خطيب الورقة في وادٍ والمستمعون في وادٍ، إنه يسير مع أفكاره المنقوشة لا مع أفكار مستمعيه). إضافة إلى ما فيها من ملل للقارئ والمستمعين ولكن لا بأس بها في بداية الأمر وخاصة إذا كان المتحدث جديداً على الإلقاء حتى يتدرب ويتمرس ثم ينتقل إلى مستوى أعلى.(18/79)
2 - نقاط رئيسية: بحيث لا يكتب الملقي جميع ما يريد أن يقوله بالتفصيل ولكن يضع أهمها فيكتفي بالعناوين العامة ويدون ما قد يحتاج إلى نصه أو قد يصعب حفظه من آيات وأحاديث وأبيات شعرية ومقولات وإحصاءات وأرقام فهذه الطريقة تجعله يتفاعل أكثر مع موضوعه ومع أعين الجماهير. ويطرح ما يحتاجه من أمامه لا أن يطرح ما هو مكتوب في ورقته (ولعل هذه الطريقة هي أفضل الثلاث).
3 - استيعاب كامل الموضوع:
إلماماً تاماً بفرعياته وشواهده وتدرجه وهذا يجعل الطرح أقوى وذلك مع التأكيد على الاستيعاب الكامل بحيث لا يخل بأي شيء منه وهذا يكون نتاج قراءة وإطلاع مكثف على الموضوع وإلقائه أكثر من مرة مما يجعله محفوظاً للملقي.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
http://saaid. net المصدر:
-===========
لماذا دعوة الإمام ولماذا الآن؟
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فما فتئ أهل البدع يطلون بقرنهم ملبسين في كل حين فترة وانقطاع من أهل العلم الذين ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وإذا كان الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عقال الفتنة مختلفين في الكتاب، مخالفين للكتاب، مجمعين على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم -نعوذ بالله من فتن المضلين- إذا كانوا كذلك فلا عجب أن ينسبوا لأهل العلم ما هم منه برءاء، ولا عجب كذلك من تعلقهم بحروف عجيبة من أجل نصرة الآراء والأهواء.
وكلامنا هنا عما بدأ يشيع ويذاع في الآونة الأخيرة عن دعوة الشيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ومن بعده أتباع دعوة التوحيد من الأئمة المرضيين، وليس ذلك غريباً أو جديداً، بل قد بدأ الكلام في الإمام ودعوته مع بزوغ فجر هذه الدعوة المباركة، وهذه سنة الله في الذين خلو من قبل، فما من صاحب دعوة حق إلاّ أوذي وعودي "وكذلك جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّك مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْه وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُون"، وقال: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا"، وهكذا أتباع الأنبياء فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل كما ثبت عند البخاري وغيره.
ولكن الجديد هو عودة الطعن في هذه الدعوة من المعاصرين، بل من أناس تنكروا لفضلها فصوبوا سهامهم وسلوا أقلامهم فيمن علمهم العقيدة والتوحيد، متناسين تاريخاً مظلماً من الشرك والانحطاط عاشه من سبقهم، لم يشهدوه ولم يكونوا رجاله بعد أن من الله عليهم بدعوة التوحيد.
هذا مع أنهم يرون النصال تتكسر تلو النصال دون أن تصاب تلكم الدعوة المباركة بأذى، بل يرون كيف قامت بفضلها دولة إسلامية عجزت عن إقامتها زرافات وجماعات، بل يرون كيف قامت بها الدولة ابتداءً، ثم لما سقطت الدولة عادت بها فقامت ثم سقطت أخرى فقامت، وفي هذا مصداق كلمة ابن خلدون في تاريخه ومقدمته التي قرر فيها أن لكل دولة عصبية تقوم عليها، قال: "العصبية بها تكون الحماية والمدافعة والمطالبة وكل أمر يجتمع عليه، وقد علمنا أن الآدميين بالطبيعة الإنسانية يحتاجون في كل اجتماع إلى وازع وحاكم يزع بعضهم عن بعض، فلا بد أن يكون متغلباً عليهم بتلك العصبية، وإلا لم تتم قدرته على ذلك"، ثم قال: " إذا استقرت الدولة وتمهدت قد تستغني عن العصبية والسبب في ذلك أن الدول العامة في أولها يصعب على النفوس الانقياد لها إلا بقوة قوية من الغلبة للغرابة، وأن الناس لم يألفوا ملكها ولا اعتادوه، فإذا استقرت الرئاسة في أهل النصاب المخصوص بالملك في الدولة وتوارثوه واحداً بعد آخر في أعقاب كثيرين ودول متعاقبة نسيت النفوس شأن الأولية، واستحكمت لأهل ذلك النصاب صبغة الرئاسة، ورسخ في العقائد دين الانقياد لهم والتسليم، وقاتل الناس معهم على أمرهم قتالهم على العقائد الإيمانية، فلم يحتاجوا حينئذ في أمرهم إلى كبير عصابة، بل كأن طاعتها كتاب من الله لا يبدل ولا يعلم خلافه، ولأمر ما يوضع الكلام في الإمامة آخر الكلام على العقائد الإيمانية، كأنه من جملة عقودها، ويكون استظهارهم حينئذ على سلطانهم ودولتهم المخصوصة، إما بالموالي والمصطنعين الذين نشؤوا في ظل العصبية وغيرها، وإما بالعصائب الخارجين عن نسبها الداخلين في ولايتها.
ومثل هذا وقع لبني العباس، فإن عصبية العرب كانت قد فسدت في عهد دولة المعتصم وابنه الواثق، واستظهارهم بعد ذلك إنما كان بالموالي من العجم والترك والديلم والسلجوقية وغيرهم، ثم تغلب العجم الأولياء على النواحي وتقلص ظل الدولة فلم تكن تعدو أعمال بغداد، حتى زحف إليها الديلم وملكوها، وصار الخلائق في حكمهم، ثم انقرض أمرهم وملك السلجوقية من بعدهم فصاروا في حكمهم، ثم انقرض أمرهم وزحف آخر التتار فقتلوا الخليفة ومحوا رسم الدولة".
وحتى لا يسهب بنا المقام ألخص أسباب فتح هذا الملف لدعاوى المعاصرين على دعوة الإمام في النقاط التالية:
1- بيان خطر إسقاط هذه الدعوة التي نجحت في إقامة دولة، وأن نهايتها تعني نهاية الدولة كما قرر ابن خلدون.(18/80)
2- بيان خطأ المنتسبين إليها ممن يسعون إلى إسقاطها بقصد أو بغير قصد، وتنبيه العقلاء لئلا يكونوا أدوات يحركها الغربي متى شاء وكيف شاء.
3- تنبيه الغافلين على حقيقة المحرضين على الدعوة من الغربيين، ومرادهم من ذلك، فهم ما أرادوا النيل ممن أفضوا إلى ربهم، ولكن مرادهم هدم الإسلام وتغير معالمه، ولهم في ذلك مداخل عدة، منها: محاربة الإسلام تحت شعار محاربة ما يسمونه الوهابية، ومنها: حربهم على الإسلام تحت شعار حربهم على ما يسمونه الإرهاب.
4- بيان أن هذه الدعوة ليست ديناً جديداً، بل ليست مذهباً دخيلاً أو أقوالاً مختصة بأناس ولكن ما جاءت به وقاله أئمتها أمر سبقهم أعلام الإسلام إليه وقالوا به، ثم جاء هؤلاء فجددوه.
5- بيان أن هذه الدعوة ليست مختصة بأهل نجد أو المملكة، بل هي دعوة لا تفرق بين من يلتزم منهج أهل السنة والجماعة أين كان وحيث وجد، سواء في أقصى الأرض أو أدناها، منتم لجماعة أو دولة، لا فرق طالما أنه يلتزم الكتاب والسنة.
6- بيان بعض الشبه التي رمي بها الإمام ورميت بها دعوته، والتي طالما تبرأ منها الإمام وأتباعه، ومنها دعوى التكفير لغير مستحقه التي قال فيها الإمام: "وأما القول إنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم " (الرسائل الشخصية 15/101)، ومن ذلك أيضاً رميها بأنها تتشوف للدماء، وهذا باطل قال الشيخ الإمام: "وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة، وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكناً، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة " وجزاء سيئة سيئة مثلها "، وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرفه والسلام. " (الرسائل الشخصية 5/37)، إلى غير هذه الشبه مما سيجمع مع الوقت ويفند، والله المستعان، هو حسبنا وعليه التكلان.
هذا وفي الختام، أنبه القارئ الكريم إلى أن دعوة الشيخ الإمام دعوة تجديد لما اندرس من معالم التوحيد.
والتوحيد مما اتفقت عليه الشرائع السماوية فأنى له أن يأت بجديد فيها!
فمن المقرر أن الأنبياء إخوة لعلات كما جاء في حديث البخاري وغيره، قال الحافظ ابن حجر(الفتح 6/489): "ومعنى الحديث أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد، وإن اختلفت فروع الشرائع"، وقال من قبله الحافظ ابن كثير(التفسير 2/67): "ديننا واحد": يعني بذلك التوحيد الذي بعث الله به كل رسول أرسله وضمنه كل كتاب أنزله، كما قال - تعالى -: "وما أرسلنا قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنه لا إله إلاّ أنا فاعبدون"، وقال - تعالى -: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"، "واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون".
وهذه الآيات ظاهرة في توحيد الله بأفعال العباد، قال القرطبي في تفسير قول الله - تعالى -: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" (10/103): "أي بأن اعبدوا الله ووحدوه، واجتنبوا الطاغوت، أي: اتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم وكل من دعا إلى الضلال".
أما توحيد الله بأفعاله كالخلق والرزق والتدبير، فهو مما أقرت به الخلائق وإن جحده أفراد ظلماً وعلواً.
وكذلك مما اجتمعت عيه الشرائع توحيد الله بأسمائه وصفاته، فإن الأسماء والصفات من قبيل الأخبار المحققة والخبر المحقق لا يدخله النسخ ولو دخله لكان كذباً(1).
فإذا كان الأمر كذلك، فكيف للشيخ أن يأتي بجديد في أمر اتفقت عليه شرائع الرسل الصحيحة، فضلاً عن أئمة الإسلام المعتبرين من أهل السنة على اختلاف المذاهب.
هذا والله أسأل أن ينفع بهذا الجهد القراء، وأن يجزل للمشايخ المشاركين فيه أحسن الجزاء، وأشكر كل من تجشم مشقة الكتابة في سبيل نصرة السنة وأهلها، داعياً الله أن يجمعنا بهم عند حوض نبيه - صلى الله عليه وسلم - غير مبدلين ولا مغيرين، والحمد لله رب العالمين.
_____________
(1) انظر( المحلى 2/14)، وغيره.
http://www.almoslim.net المصدر:
===========
المشرفة الداعية
إيمان فهيم و ليلى الصيفي
الحمد لله الكريم الرحمن، ذي العطايا الجزيلة والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الهادي إلى أعظم سبل الخير والرضوان وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
إن الإشراف التربوي جهد بشري بين شخص وآخر لا يقف عند حد التشخيص والعلاج والتقويم والمتابعة بل يتجاوز إلى ما هو أسمى ذلك فهو وسيلة دعوية بالإحسان تنال به الدرجات وتضاعف به الحسنات بإذن الله - تعالى -. والمعلمة مرآة للدعوة تعكس التوجيه مترجماً أفعلاً على سلوك الطالبات. لذلك فهي بحاجة إلى مشرفة داعية ترشدها وتثبتها على طريق الصواب بالتوجيه والدعوة والمتابعة.
أختي المشرف: اسعي إلى أن تكوني داعية لدين الله وسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ولا تقولي ((للدعوة أهلها)) فأنه من واجبات كل مسلم ومسلمة أن يقوم بواجب الدعوة إلى الله فالدعوة لم يحدد لها نوعية بشر عملاً بأمر الله قال - تعالى - {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} سورة النحل – 125
وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - (بلغو عني ولو آية) أخرجه البخاري.
فابذلي الغالي والنفيس لتوجيه سلوك أو تعديل خطأ، وحاولي استكشاف طاقات و إمكانيات معلماتك لتوظيفها في المكان المناسب والوقت المناسب وارتقي بها من أن تكون مدعوة إلى أن تكون داعية، ومن أن تكون مقودة إلى أن تكون قائدة، ولا تنسي أننا خير أمة أخرجت للناس.(18/81)
قال - تعالى - {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}.
وقبل البداية لا بد من محاسبة نفسك ومراقبتها والالتزام بصفات ضرورية ترتقي بك لتكوني مؤهلة للقيام بواجب الدعوة ومن تلك الصفات:
1 - الإخلاص لله - تعالى -:
أخيتي لا يكن همك من عملك الرقي في الدنيا ونيل الشرف والثناء فكل ذلك مصيره إلى زوال قال - تعالى - ((وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورا)) ولكن أبتغي بعملك وتوجيهك ودعوتك رضاء الله - عز وجل - ونيل الأجر قال - صلى الله عليه وسلم - ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
2 - القدوة الحسنة:
(خير من القول فاعله، وخير من الصواب قائله، وخير من العلم حامله) مقوله تدعونا إلى تلمس طيب فحواها والسير على هداها وهي من أهم الصفات لمثلك ويجب أن تجعليها كالتاج للرأس فبدونها لن يكون لقولك القبول أو لدعوتك صدى فالالتزام بما تدعين إليه أهم من الدعوة إليه قال - تعالى - ((يا أيها الذين آمنوا لما تقولوا ما لا تفعلون كبر مقتاًً عند الله مالا تفعلون)) وقال - تعالى - ((أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)) كوني قدوة لمعلماتك ليصبحن بدورهن مربيات بالقدوة. يقول الشافعي: ((من وعظ أخاه بفعله كان هادياً)).
ولا تنسي قول الشاعر:
لا تنهى عن خلقٍ وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
3 - التحلي بالأخلاق الفاضلة والحميدة:
أختاه: تزين بجواهر الأخلاق الفاضلة تعكس منك ابتسامة صادقة وكلمة طيبة تتغلغل في القلوب وتأسر النفوس وقبل ذلك ترضي الرب المعبود وقدوة لكي في ذلك خير الأنام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأعظم الناس خلقاً قال - تعالى - ((وأنك لعلى خلق عظيم)) والخلق الحسن وسيله لزيادة الأجر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار)) والتحلي بالأخلاق الفاضلة مع الناس عموماً والمعلمات خاصة يزيل الحواجز النفسية فيكون من السهل الاتصال وتبادل الحوار.
4 - التواضع:
إذا ما أردت بذراً سريع الإنبات ونبتاً سريع الإناع وثمراً سريع القطاف فلتسقيه بماء التواضع.
عن قيس بن مسعود - رضي الله عنه - أن رجلاً كلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح فأخذته الرعدة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد)) وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله أوحى إليَ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد)) فهذا شأن قائد الأمة شرفه الله لأعظم دعوة، وكان أكثر الناس تواضعاً أحبه الناس فأقبلوا على دعوته، فليكن لك القدوة الحسنة.
5 - الصبر:
أختي المشرفة الداعية: إذا رفعة الدرجات فعليك بالصبر رداء يكن لك وقاء في تحل الصدود والنفور فلا بد أن تضعي في اعتبارك أن المعلمات طباعهن وأفكارهن وتقبلهن ونشاطهن وقدراتهن تختلف من واحدة لأخرى لذلك لن تكون ردة الفعل واحدة وبتالي جهودك ودعوتك لن تكون بنفس الأسلوب فلذلك يستدعى منك الصبر والتحمل في العامل والتوجيه واستعيني بالدعاء وطلب العون من الله.
أختي: أيضاً عند قيامك بالدعوة لابد من مراعاة بعض القواعد التي تعينك في أداء الدعوة وتسهيل المهمة ومن ذلك:
1 - الاستزادة من العلم:
لابد أن تكون ركيزة الدعوة معرفة كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لكي تكون الدعوة على بصيرة وبذلك أمر الله نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قال - تعالى -: ((قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن أتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين)) فالعلم يزيدك ثقة وثباتاً ويبعدك عن القول بدون علم.
2 - تحسين مهارات الاتصال لبناء العلاقات:
أختي المشرفة الداعية: عندما تكونين قادرة على التأثير في المعلمات واستخدمت أساليب متعددة وأحسنت التصرف معهن وتمكنت من إقناعهن باستخدام أساليب الاتصال اللفظي وغير اللفظي أصبحت قادرة على تحقيق أهدافك وحصد نتائجك متمثلة في قبول المعلمة دعوتك للخير وترجمت قبولها بقيامها هي أيضاً بواجب الدعوة نحو طالباتها.
3 - طلب المشورة من أهل العلم:
عندما يتشاور أكثر من شخص في أمر معين تتنوع الأفكار وتتعدد وجهات النظر للموضوع الواحد وبعد التحليل والتفصيل يسهل اختيار الأفضل وتوقع النتائج، لذلك يجب أن تحرصي على طلب المشورة ممن هم أهل لها حلاً لمشكلة أو مواجهة لعقبة وذلك أمر الله - تعالى - في قوله ((وشاورهم في الأمر)) وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما نزلت (وشاورهم في الأمر) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أما إن الله ورسوله غنيان عنهما ولكن الله جعلها رحمة لأمتي فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ومن تركها لم يعد غياً)) ذكره الشوكاني.
4 - مراعاة أحوال المعلمة:
ينبغي على المشرفة الداعية أن تكون متيقظة لحال معلماتها في حين إقدامها على دعوة ما، فقد تمر المعلمة بظرف عائلي أو صحي يمنعها من الاهتمام بما يلقى عليها، فتخيري الأنسب لحالها من التوجيه والدعوة مع عدم الإطالة أو التأجيل.
5 - التخطيط وترتيب الأولويات:(18/82)
أن مما يساهم في تشتت الجهود وتخبط المسير عشوائية الهدف وعدم التخطيط له بالتركيز بشكل مهم على ترتيب الأوليات. فالتخطيط يوفر الوقت والجهد ويوجه النشاط والإمكانيات نحو تحقيق الأهداف مما يمهد الطريق للنجاح مع ضرورة الأخذ في الاعتبار عند تحديد الأهداف واختلاف المعلمات في أمور كثيرة.
أختي الداعية: هناك بعض الأمور التي يجب أن تحذري منها عند قيامك بالدعوة ومن ذلك:
1 - التسلط وفرض الإرادة:
قد تصطدمي بمعارضة معلمة لموضوع ما عند توجيهك أو دعوتك لها، فلابد عندها من الحنكة في التصرف بالبحث عن الأساليب والآداب الملائمة لتوضيح وجهة نظرك إن كان الصواب جانبك دون تسلط أو جدال، يقول الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) وقوله - تعالى - ((فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى)).
2 - استعجال النتائج:
إيّاك واستعجال نتائج قال - تعالى -: ((إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((التأني من الله والعجلة من الشيطان)) أخرجه البيهقي. فالعجلة في الدعوة طريق الفتور والركون، ولكن أبذري وتابعي ولا تنتظري إلا الأجر من الله.
3 - أن يكون دور المعلمة متلقية فقط:
فمن المهم أن تدفعي المعلمة للعطاء ولا يبقى دورها مستقبلاً فقط، فلابد من حفزها وزرع الثقة في نفسها لكي تقدم على دعوة طالباتها للتمسك بما أمر به الله والابتعاد عما نهى عنه وهنا نلقي الضوء على بعض الأساليب التي تفيد في أداء مهمة الدعوة:
من المهم أن تحرصي في الأساليب المستخدمة:
• ترجمتها للأهداف المخطط لها من قبلك.
• مناسبتها لطبيعة المعلمة.
• موافقة المضمون للكتاب والسنة.
ومن هذه الأساليب:
1 - الهدايا: وسيلة محبة وطريقة دعوة يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((تهادوا تحابوا)) أخرجه البخاري تخيري المناسب منها كشريط أو كتيب.............. الخ.
2 - التوجيه للقراءة: وذلك بتوجيهيهن لقراءة كتاب أو موضوع للاستفادة منه بشرط وثوق مصدره وسلامة معتقد كتابه.
3 - تخول المعلمات بالنصيحة: سبيلك للمتابعة ومد جسور الدعوة مع تخير أفضل القول وأيسره وعدم إطالة الكلمة وخذي من الرسول - صلى الله عليه وسلم - القدوة.
4 - الانترنت: من أكثر الوسائل إقبالاً من جميع فئات المجتمع، فأمدي المعلمة بأسماء مواقع تفيدها في دينها وعلمها وإرشادها إلى أفضل المنتديات في ذلك.
5 - المطويات: إمداد المعلمات بالمطويات المعدة من قبلك بأفضل شكل وأطيب مضمون.
6 - حفزهن للبحث: طرح موضوع بحثي لا يتجاوز الصفحة تجنباً لإرهاق المعلمة بما يتناسب مع طبيعة عملها ويرتقي بدينها، مثل البحث في الربط بين موضوع الكتاب وإعجاز الله في ذلك.
7 - تفعيل الدعوة في الحلقات التنشيطية: توجيه المعلمات للتّخطيط للحلقات التنشيطية وتحديد أهدافها يسهم في رقى مستواهن العلمي والتربوي ومن الجميل أن يدرج ضمن الأهداف حلقة تفعيل الدروس في الدعوة.
وفي نهاية المطاف ليس لنا إلا التنبيه بأنك داعية في جميع أحوالك:
• فإخلاصك في عملك الوظيفي وحرصك عليه دعوة تستقى منه المعلمة إتقان العمل والحرص عليه والدقة في إتمامه وإنجازه.
• انضباطك في مواعيد العمل دعوة تؤدي بالمعلمة إلى مراعاة الله في السر والعلن واستثمار دقائق الحصص.
• مظهرك عامة حجاباً وزينة ولباساً دعوة به القدوة ترسم للمعلمة.
• حديثك وأقوالك دعوة تتعلم منها المعلمة الأدب وحسن إرادة الحوار واحترام الغير.
• نقدك المتوازن بين المدح والقدح دعوة تستقي منها المعلمة التوازن في أقوالها وأفعالها مع الطالبات وتستشعر ضرورة الموازنة في الثناء.
• عدلك بين المعلمات معاملة وتقييماً دعوة طريق لعدلها مع الطالبات.
• مشاركتك في الأنشطة دعوة تتعلم منها المعلمة عدم الركون والتغيير النافع.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://saaid. net المصدر:
============
حديث قلب إلى طالبة طب ..!
ندى عبد العزيز اليوسفي
تستصعبين الطريق..؟! لن يريد الأمر أكثر من حماسٍ للخير..! ونفسٍ معطاءة تحمل همّ الدين والدعوة إليه..! وجنّان متّقد بحبّ العقيدة ونشر الفضيلة..! تهتمّ بمعالي الأمور! وتترفّع عن رذائلها! نفس تتوق للسموّ..! للعلياء..! تعانق بعطائها السماء..! لن يحتاج الأمر أكثر من نفسٍ ترين في عينيها سحر المُستقبل المشرق للطبّ الإسلامي..! وتلتمسين من كلماتها عُمق الحماس والاعتزاز بالإسلام والغيرة على شعائر الدّين..!من ملامحها يختطّ الطموح سبيله..! وبصدقها وإخلاصها تفعل المستحيل..!اهتمّي ببناء ذاتك..! واملئيها بالإيمان والرضا..! زوّديها بالعلم والحكمة..! فإذا تكلّمتِ أسمعتِ..! وإذا أعطيتِ وجدتِ..!حينها سينعكسُ غنى نفسكِ..! وجمال ذاتكِ..! وسعة أفقكِ..! ورغبتكِ الصادقة في الإصلاح..! على من حولك..! في مجتمعكِ..! وستجدين آثارها يوماً بعد يوم..! فتسعدين بها وتسعد بكِ..! وتتمتمين حينها لك الحمد ربنا حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمدُ بعد الرضى..!(18/83)
تأمّلي هذا الهدف.. الطبيبة الداعية..! اغرسيه في ذهنك..! وازرعيه في قلبك..! امتثليه في حياتك..! وقوّمي من أجله نهجك..! ولتصدقه كلماتك!ِ ومظهركِ..! وستُفلِحِين بإذن الله..! وما أعذَبَ العُقبَى وإنْ نلنا في الدّرب ما نلنا من معوّقات وعقبات! أخيّتي المباركة..! لا يؤخّر سيركِ في هذا الدرب كثرةُ الهلكى..! انظري لمن نجى.. كيف نجى..! تأملي أسباب النجاة واعتصمي بها..! وتذكري أن لا نجاة لنا إلا ب (إن هذا الدين يهدي للتي هي أقوم).. و(عضّوا عليها بالنواجذ)..!تأمّلي (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) نعم أخية.. كيف ينجح في الامتحان من لم يدخله أصلاً؟!أسأل الله لي ولكِ الثبات حتى الممات.. كم تنشرح النفس وتسعد وتطمئن برؤية أمثالكِ وسط هذا الغثاء! أحيي فيكِ هذه الحماسة، وأسأل الله أن نلتقي على دروب العزّة حاملاتٍ للواء ومدافعاتٍ عن حقّ أمّتنا في طبٍّ إسلامي لا امتهانَ فيه للعورات، ولا استهتار فيه بالمحرّمات! طبّ إسلامي يكون فتحاً في العالمين بإذن الله..!
http://saaid. net المصدر:
-=============
العجز
محمد الحامد
لدى الشباب المسلم في أغلب أقطار العالم العربي شعور عميق في نفوسهم بأن الحضارة الغربية منهارة وأنها على أبواب السقوط، ولا تحتاج إلا إلى زمن يسير حتى تنتهي، ومصدر هذا الشعور جاء في البدء من كتابة كتاب إسلاميين من خيرة كتاب العصر كسيد قطب الذي كتب في مقدمة معالم في الطريق تلك الكلمات الجذابة ذات الأسلوب المؤثر المقنع، وفي كتابه الإسلام ومشكلات الحضارة، وهذه الظاهرة موجودة أيضا في كتابات غير الإسلاميين فقد كتب سلامة موسى وغيره من كتاب نصارى وقوميين عربا عن هذا الأمر وهؤلاء في كتاباتهم ما كانوا مدعين ولا كاذبين فقد استقوا كثيراً مما كتبوا من كتاب من مشاهير المفكرين في الغرب من أمثال كاريل، وأزوالد شينجلر وهما من كبار علماء العلوم الإنسانية والدراسات التاريخية.
والذي غاب عن الأذهان في هذه المسألة أن الحديث كان عن سقوط حضارات وليس عن سقوط حكومات أو دول، والحضارات لا تسقط فجأة بل هي كما قال أحد المفكرين: (أوقات بزوغ الفجر في حياة الأمم قاسية وأوقات الغروب محتشمة، تتململ طويلا بل يحصل لها ما يسمى بيقظة الموت تأخذ عقوداً طويلة أحيانا حتى تغيب، بل الحضارات تنبت على جوانبها حضارات أشبه بها تكون إستمراراً آخر لها مع إختلافات يسيرة في المكان الملامح ثم أنها تترك بذورا فيما يتبعها من حضارة سيئة كانت أو حسنة، ومن الذي يستطيع نكران أثر اليونان في جميع الحضارات التي جاءت بعدهم ولا أستثني حضارة المسلمين فكثير من المعارك العقائدية في تاريخنا ذات صلة بتلك الحضارة، ونحن بدورنا أثرنا في حضارة هذا العصر وما قبلها بدءاً بصراع الايفونيين واللايقونيين والبروتستانتية، حتى لقد كان من اعتراضات البابا على مارتن لوثر منشئ البروتستانت (أنه يريد أنه يقيم دولة محمد في أوربا) ونحن في عصرنا هذا وما سيتلوه تأثرنا وسنتأثر بهذه المدنية، والحضارة الغربية ربما تموت ولكن ببطء ولا نعلم متى.
الخطأ الذي ارتكب في التعامل مع هذه الحقيقة هو أننا علقنا مصيرنا بسقوط هذه الحضارة، هذا منتهى العجز ذلك أننا قررنا بكل يسر وسهولة أن الغرب يسقط وأننا سنأخذ مكانه القوي وحضارته الجميلة وتطوره ونفوذه، إنه سيسلم لنا العالم وهذه التسلية والبساطة في التعامل مع الواقع مظهر للسطحية في التعامل مع واقع الحياة وقصة الإنسان في هذا الكون، وهذه الحضارة لم تأت ثمرة لركود وآمال عراض إنها نتيجة عمل الإنسان وحده واستغلال كل وقته وجهده العقلي والبدني، إنها ثمرة جهد منقطع النظير في التحصيل العلمي في علوم المادة وعلوم الإنسانية، لدى هذه المدنية أمثلة عجيبة من جد الباحثين والمخترعين والدارسين أمثلة من إنهاك الإنسان بالعمل، نحن لا نفكر في حياة الإنسان الذي صنع الثورة الصناعية ولا الساعات التي كان يعملها ولا الاطفال الذين ماتوا في المصانع والمناجم، ثم نجد من يقول بتحول الحضارة إلينا بكل سهولة وبدون شروط، لم حملنا تلك الكتابات أكثر مما تحتمل؟!
نحن ننسى إن هذه المدنية تحارب حتى تحفظ لنفسها قوتها وتقيم مراكز البحوث والجامعات التي تضمن استمرار القوة بل وزيادتها، على الجانب الآخر ننسى أنهم يحاربوننا بوسائل عديدة لنبقى تحت نفوذهم، أيضاً نحن لا نفكر بأن هذه المدنية قد تهاجر إلى مكان آخر إلى أيد غير مسلمة إلى الصين وشرق آسيا أو إلى أمريكا الجنوبية، ومواقع أخرى بدأت تنافس وتفتش لها عن مكان وقد يكون على حساب الذين ما زالوا يرقبون مجيء الحضارة لتحل لديهم بلا تكاليف، نغالط أنفسنا حينما نفسر الحياة وصراع الأمم ودفع الله الناس بعضهم ببعض نفسرها بسهولة قاتلة لنا، نؤكد لأنفسنا سقوط الغرب ونخفي إرادتنا ومرادنا من هذه الفلسفة والتي تقول يسقط الغرب فنقوم نحن وكان الأولى أن نقول نقوم نحن نحيا الحياة التي أراد الله لنا نوفر شروط الحياة الإسلامية الكريمة فتسقط القوى الأخرى غربا كان أم شرقا ما فائدتنا عندما يسقط الغرب ويصحو الشرق البوذي الحاقد؟!(18/84)
لا بأس بأن نفتح لأنفسنا باب الأمل ولكن لا يحق لنا أن نحيا من خلاله بل لا بد من عمل نريد به عزة دين الله وعزة المسلمين في كل ميادين الحياة أن نوفر شروط علو المؤمنين على غيرهم، لا بد من إنقاذ المسلم من الآمال العراض التي تخدره فيحلم أن العالم غداً تحت يديه ثم يصبح فلا يرى سوى الضعف والذلة والقلة والفقر والخوف، لا بد أن نقول للمسلم يجب أن تأخذ حقوقك التي لن يهبك أحد إياها لا بد من عزتك وحريتك وجدك وعملك، أي شيء نقوله للعالم في حالنا هذه أي أنموذج للحياة أو الفكر أو الصناعة يمكن أن نقدمه للعالم، لدينا قوة واحدة يمكن الإسراع بها قبل أي قوة، لدينا الإيمان ننقذ به نفوسنا ونحمله للدنيا، لكن أي شيء عندنا منه، أنه ما زال يهمس بيننا، ما زال يتوارى، ما زال بلا فهم واضح، بلا مواجهة مع تحديات العالم، أنه يعاني فهما قاصراً شديد القصور بيننا.
إن سيد قطب الذي قال: تقف البشرية اليوم على حافة الهاوية هو الذي قال: (لا بد قبل الميلاد - ميلاد المجتمع المسلم - من ألام المخاض) ألم يذكر الله لنا أن الأنبياء بلغ بهم العناء والجهد والدعوة أن استيأسوا (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا أتاهم نصرنا) (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) أما (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات؟)...
http://www. alsunnah. org المصدر:
=============
بمشاركة المسلمين دعوة لمحاربة الإسلام !
هذه الرسالة وصلتني مئات المرات بصفتي مشرفا على أحد المواقع الإسلامية وفي كل مرة أشعر بغصة في الحلق بسبب ما أراه من تصرفات المسلمين الحماسية الخالية من الحكمة والعقل.
لذلك أنا أكتب هذه الكلمات ناصحا إخواني في الله المستخدمين للإنترنت أن يقرأوها ثم أن يوزعوها لكل من يعرفون خاصة إذا كانوا قد وقعوا من قبل ضحية في نشر المواقع المعادية للإسلام بين المسلمين.
أولا: كيف نوقف المواقع المعادية للإسلام:
إن شبكة الإنترنت بعد إنشائها أصبحت بيئة لجميع الأفكار والاتجاهات وكل يعرض رأيه بالطريقة التي يراها..
ولا يمكن لأي شخص بأي حال من الأحوال إيقاف فكر أو علم سواء كان معاديا للإسلام أو غير معاد عن طريق إغلاق المواقع أو الدعوة لإغلاقها.
فإذا أغلق لأحدهم موقعا يستطيع أن يفتح مئات المواقع الأخرى التي تحتوي نفس المواد وتنتشر.
فلا سبيل أبدا لإيقاف هذه المواقع إلا بطريق واحد وهو: نشر الحق ليكون واضحا وجليا للناس..
وكما قالوا الهجوم خير وسيلة للدفاع..
كم من المؤلم أن نرى شبابا وفتيات يرسلون رسائل تعد بالملايين (بدون أي مبالغة) ناشرين فيها موقعا معاديا للإسلام..
بينما لا نجد منهم من هو حريص على أن يخبر زميلا له عن موقع إذاعة طريق الإسلام مثلا.
ثانيا: الترويج للمواقع على الإنترنت:
إن سبب فشل الكثير من المواقع العالمية والتي قد تصرف فيها آلاف الدولارات هو عملية التسويق والترويج لهذه المواقع..
فالموقع يظل مغمورا غير معروف طالما لم يتم الترويج له باستخدام قنوات الإعلان الصحيحة عبر الشبكة (Advertising Banners Campaigns) والملاحظ أغلب القائمين على تلك المواقع المعادية هم أفراد يحملون حقدا للإسلام دفعهم ذلك لإنشاء هذه المواقع.. ولو - وآه من لو - كان المسلمون على قدر المسؤولية وتجاهلوا هذه المواقع لما علم بها أحد بل وضعف عزيمة أصحابها عن متابعتها..
وما زلت أكرر.. لو كنت من المشرفين على تلك المواقع لقمت بتصميم الموقع ثم حصلت على عناوين البريد الإلكتروني لخمسة أو ستة مسلمين فقط وأرسلت لهم رسالة قائلا فيها:
(موقع يسب الإسلام.. احذروا منه أشد الحذر.. والعنوان هو: www. - - -. com.. أرسلوه لكل من تعرفون حتى يتنبهوا)..
وطبعا سيقوم الإخوة بنشر الموقع لكل من يعرفون..
فبدلا من 6 أشخاص صاروا 12 ثم 24 ثم 200 ثم...
حتى يصل العدد لأرقام مليونية خيالية بدأت عن طريق 6 مسلمين..
ثالثا: ما هي جدوى الترويج لهذه المواقع؟
المشكلة أننا كثيرا ما نتصرف دون إعمال العقل.. فلماذا لا نتوقف قليلا ونسأل أنفسنا.. ما هي الجدوى من نشر هذه المواقع بين المسلمين؟ قد يقول قائل: لتحذير المسلمين منها حتى لا يظنوا أنها مواقع إسلامية وينخدعوا بها!
فأقول رادّا عليك أخي الكريم: لا أحد يظن أن تلك المواقع إسلامية.. لأنهم ببساطة يعادون الإسلام ويضعون في نفس موقعهم مثلا تعريفا بعقيدتهم وأهدافهم.. ولولا المسلمين أنفسهم لما انتشرت هذه المواقع حتى يعرفها المسلم وغير المسلم.
بل وأستغرب من ذلك المنطق العجيب.. وهو أن يقوم الإنسان بالترويج لشيء بغرض التحذير منه!
فمثلا إذا وجدت مجلة تحارب الإسلام والرسول - صلى الله عليه وسلم - وتحوي صورا خليعة وألفاظا قبيحة..
هل نذهب للبائع ونشتري منه ألف نسخة ثم نقف على قارعة الطريق..
نعطي نسخة لكل مار بالطريق ونقول له: هذه مجلة تحارب الإسلام والرسول - صلى الله عليه وسلم - أرجو أن تحذر منها.. تفضل نسختك مجانا!أظن لا يقول عاقل أن هذا تحذير!
بل هذا ترويج وخداع!
وهذا ما يحدث بالضبط.. فأنت تطالب الناس بالحذر من موقع ثم تعطيهم عنوانه..
والنفس البشرية تميل لما هو ممنوع عنها.. فأؤكد لك أن كل الناس سيدخلون على هذه المواقع بسببك أنت!
رابعا: خطر ترويج هذه المواقع:
كما قلت بداية إنك تساهم أخي الكريم بشكل فعّال في نشر هذه المواقع عالميا.. وذلك من خلال:
1 - دعوة الآخرين لزيارتها وذلك بطريقة غير مباشرة.(18/85)