قلت للأمير: أنا ما امتحنت هؤلاء، لكن هم يزعمون أن لهم أحوالا يدخلون بها النار، وأن أهل الشريعة لا يقدرون على ذلك، ويقولون لنا هذه الأحوال التي يعجز عنها أهل الشرع ليس لهم أن يعترضوا علينا، بل يسلم إلينا ما نحن عليه سواء وافق الشرع أو خالفه- وأنا قد استخرت الله - سبحانه - أنهم إن دخلوا النار أدخل أنا وهم ومن احترق منا ومنه فعليه لعنة الله، وكان مغلوبا، وذلك بعد أن نغسل جسومنا بالخل والماء الحار.
حيلة دخول النار:
فقال الأمير ولم ذاك؟ قلت: لأنهم يطلون جسومهم بأدوية يصنعونها من دهن الضفادع، وباطن قشر النارنج، وحجر الطلق وغير ذلك من الحيل المعروفة لهم، وأنا لا أطلي جلدي بشيء، فإذا اغتسلت أنا وهم بالخل والماء الحار بطلت الحيلة وظهر الحق.
فاستعظم الأمير هجومي على النار، وقال أتفعل ذلك؟ فقلت له: نعم! قد استخرت الله في ذلك وألقي في قلبي أن أفعله، ونحن لا نرى هذا وأمثاله ابتداء؛ فإن خوارق العادات إنما تكون لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - المتبعين له باطنا وظاهرا لحجة أو حاجة، فالحجة لإقامة دين الله، والحاجة لما لا بد منه من النصر والرزق الذي به يقوم دين الله، هؤلاء إذا أظهروا ما يسمونه إشاراتهم وبراهينهم التي يزعمون أنها تبطل دين الله وشرعه وجب علينا أن ننصر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ونقوم في نصر دين الله وشريعته بما نقدر عليه من أرواحنا وجسومنا وأموالنا، فلنا حينئذ أن نعارض ما يظهرونه من هذه المخاريق بما يؤيدنا الله به من الآيات.
وليعلم أن هذا مثل معارضة موسى للسحرة لما أظهروا سحرهم أيد الله موسى بالعصا التي ابتلعت سحرهم. فجعل الأمير يخاطب من حضره من الأمراء على السماط بذلك، وفرح بذلك، وكأنهم كانوا قد أوهموه أن هؤلاء لهم حال لا يقدر أحد على رده، وسمعته يخاطب الأمير الكبير الذي قدم من مصر الحاج بهادر وأنا جالس بينهما على رأس السماط بالتركي ما فهمته منه إلا أنه قال اليوم ترى حرباً عظيماً، ولعل ذاك جواباً لمن كان خاطبه فيهم على ما قيل.
الأمير يصر على البيان:
وحضر شيوخهم الأكابر فجعلوا يطلبون من الأمير الإصلاح وإطفاء هذه القضية ويترفقون، فقال الأمير: إنما يكون الصلح بعد ظهور الحق، وقمنا إلى مقعد الأمير بزاوية القصر أنا وهو وبهادر فسمعته يذكر له أيوب الحمال بمصر والمولهين ونحو ذلك، فدل ذلك على أنه كان عند هذا الأمير صورة معظمة، وأن لهم فيه ظنا حسنا والله أعلم بحقيقة الحال؛ فإنه ذكر لي.
وكان الأمير أحب أن يشهد بهادر هذه الواقعة ليتبين له الحق فإنه من أكابر الأمراء وأقدمهم وأعظمهم حرمة عنده، وقد قدم الآن وهو يحب تأليفه وإكرامه، فأمر ببساط يبسط في الميدان. وقد قدم البطائحية وهم جماعة كثيرون، وقد أظهروا أحوالهم الشيطانية من الإزباد والإرغاء وحركة الرؤوس والأعضاء، والطفو والحبو والتقلب، ونحو ذلك من الأصوات المنكرات، والحركات الخارجة عن العادات، المخالفة لما أمر به لقمان ابنه في قوله {واقصد في مشيك واغضض من صوتك}.
فلما جلسنا وقد حضر خلق عظيم من الأمراء والكتاب والعلماء والفقراء والعامة وغيرهم، وحضر شيخهم الأول المشتكي، وشيخ آخر يسمي نفسه خليفة سيده أحمد، ويركب بعلمين، وهم يسمونه: عبد الله الكذاب، ولم أكن أعرف ذلك. وكان من مدة قد قدم علي منهم شيخ بصورة لطيفة، وأظهر ما جرت به عادتهم من المسألة فأعطيته طلبته ولم أتفطن لكذبه، حتى فارقني، فبقي في نفسي أن هذا خفي علي تلبيسه إلى أن غاب، وما يكاد يخفى علي تلبيس أحد، بل أدركه في أول الأمر فبقي ذلك في نفسي، ولم أره قط إلى حين ناظرته ذكر لي أنه ذاك الذي كان يجمع بي قديما، فتعجبت من حسن صنع الله أنه هتكه في أعظم مشهد يكون حيث كتم تلبيسه بيني وبينه.
فلما حضروا تكلم منهم شيخ يقال له حاتم بكلام مضمونه طلب الصلح والعفو عن الماضي والتوبة، وأنا مجيبون إلى ما طلب من ترك هذه الأغلال وغيرها من البدع، ومتبعون للشريعة فقلت: أما التوبة فمقبولة. قال الله - تعالى -: {غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب} هذه إلى جنب هذه. وقال - تعالى -: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم* وأن عذابي هو العذاب الأليم}.
رد الشيخ عليهم في بدعة لبس أطواق الحديد:
فأخذ شيخهم المشتكي ينتصر للبسهم الأطواق وذكر أن وهب بن منبه روى أنه كان في بني إسرائيل عابد وأنه جعل في عنقه طوقا في حكاية من حكايات بني إسرائيل لا تثبت.
فقلت لهم: ليس لنا أن نتعبد في ديننا بشيء من الإسرائيليات المخالفة لشرعنا، قد روى الإمام احمد في مسنده عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى بيد عمر بن الخطاب ورقة من التوراة فقال: ((أمتهوكون يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقيه، لو كان موسى حيا، ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم)) وفي مراسيل أبي داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى مع بعض أصحابه شيئاً من كتب أهل الكتاب فقال: ((كفى بقوم ضلالة أن يتبعوا كتاباً غير كتابهم أنزل إلى نبي غير نبيهم)) وأنزل الله - تعالى -: {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم}.(16/4)
فنحن لا يجوز لنا اتباع موسى ولا عيسى فيما علمنا أنه أنزل عليهما من عند الله إذا خالف شرعنا، وإنما علينا أن نتبع ما أنزل علينا من ربنا، ونتبع الشرعة و المنهاج الذي بعث الله به إلينا رسولنا. كما قال - تعالى -: {فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً}. فكيف يجوز لنا أن نتبع عباد بني إسرائيل في حكاية لا تعلم صحتها؟! وما علينا من عباد بني إسرائيل؟! {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} هات ما في القرآن وما في الأحاديث الصحاح كالبخاري و مسلم وذكرت هذا وشبهه بكيفية قوية.
لا يجوز الخروج عن الشريعة بحال:
فقال هذا الشيخ منهم يخاطب الأمير: نحن نريد أن تجمع لنا القضاة الأربعة والفقهاء ونحن قوم شافعية.
فقلت له: هذا غير مستحب ولا مشروع عند أحد من علماء المسلمين؛ بل كلهم ينهى عن التعبد به ويعده بدعة، وهذا الشيخ كمال الدين بن الزملكاني مفتي الشافعية، ودعوته، وقلت: يا كمال الدين! ما تقول في هذا؟ فقال: هذا بدعة غير مستحبة، بل مكروهة، أو كما قال. وكان مع بعض الجماعة فتوى فيها خطوط طائفة من العلماء بذلك.
وقلت ليس لأحد الخروج عن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا الخروج عن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأشك هل تكلمت هنا في قصة موسى والخضر فإني تكلمت بكلام بعد عهدي به.
الباطن والظاهر محكوم بالكتاب والسنة:
فانتدب ذلك الشيخ (عبد الله) ورفع صوته. وقال: نحن لنا أحوال وأمور باطنة لا يوقف عليها، وذكر كلاماً لم أضبط لفظه: مثل المجالس والمدارس والباطن والظاهر؛ ومضمونه أن لنا الباطن ولغيرنا الظاهر، وأن لنا أمراً لا يقف عليه أهل الظاهر فلا ينكرونه علينا.
فقلت له-ورفعت صوتي وغضبت-: الباطن والظاهر والمجالس والمدارس، والشريعة والحقائق، كل هذا مردود إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ليس لأحد الخروج عن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لا من المشايخ والفقراء، ولا من الملوك والأمراء، ولا من العلماء والقضاة وغيرهم؛ بل جميع الخلق عليهم طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. وذكرت هذا ونحوه.
ادعاء الخوارق:
فقال وضع صوته-: نحن لنا الأحوال وكذا و كذا. وادعى الأحوال الخارقة كالنار وغيرها، واختصاصها بها، وأنهم يستحقون تسليم الحال إليهم لأجلها.
فقلت ورفعت صوتي وغضبت-: أنا أخاطب كل أحمدي من مشرق الأرض إلى مغربها أي شيء فعلوه في النار فأنا أصنع مثل ما تصنعون، ومن احترق فهو مغلوب، وربما قلت فعليه لعنة الله؛ ولكن بعد أن نغسل جسومنا بالخل والماء الحار، فسألني الأمراء والناس عن ذلك؟ فقلت: لأن لهم حيلا في الاتصال بالنار يصنعونها من أشياء: من دهن الضفادع. وقشر النارنج، وحجر الطلق. فضج الناس بذلك.
فأخذ يظهر القدرة على ذلك ويقول: أنا وأنت نلف في بارية بعد أن تطلى جسومنا بالكبريت. (فقلت: فقم؛ وأخذت أكرر عليه في القيام إلى ذلك، فمد يده يظهر خلع القميص فقلت: لا! حتى تغتسل في الماء الحار والخل، فأظهر الوهم على عادتهم فقال: من كان يحب الأمير فليحضر خشبا أو قال حزمة حطب.
فقلت: هذا تطويل وتفريق للجمع؛ ولا يحصل به مقصود بل قنديل يوقد وأدخل إصبعي وإصبعك فبه بعد الغسل؛ ومن احترقت إصبعه فعليه لعنة الله؛ أو قلت: فهو مغلوب. فلما قلت ذلك تغير وذل. وذكر لي أن وجهه اصفر.
الخوارق ليست دليل الصلاح والتقى:
ثم قلت لهم: ومع هذا فلو دخلتم النار وخرجتم منها سالمين حقيقة، ولو طرتم في الهواء؛ ومشيتم على الماء؛ ولو فعلتم ما فعلتم لم يكن في ذلك ما يدل على صحة ما تدعونه من مخالفة الشرع. ولا على إبطال الشرع؛ فإن الدجال الأكبر يقول للسماء: أمطري فتمطر؛ وللأرض أنبتي فتنبت، وللخربة أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها تتبعه؛ ويقتل رجلا ثم يمشي بين شقيه، ثم يقول له قم فيقوم، ومع هذا فهو دجال كذاب ملعون، لعنه الله، ورفعت صوتي بذلك فكان لذلك وقع عظيم في القلوب.
وذكرت قول أبي يزيد البسطامي: لو رأيتم الرجل يطير في الهواء، ويمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف وقوفه عند الأوامر والنواهي، وذكرت عن يونس بن عبد الأعلى أنه قال للشافعي: أتدري ما قال صاحبنا يعني الليث بن سعد؟ قال لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء فلا تغتر به. فقال الشافعي: لقد قصر الليث لو رأيت صاحب هوى يطير في الهواء فلا تغتر به؛ وتكلمت في هذا ونحوه بكلام بعد عهدي به. ومشايخهم الكبار يتضرعون عند الأمير في طلب الصلح، وجعلت ألح عليه في إظهار ما ادعوه من النار مرة بعد مرة، وهم لا يجيبون، وقد اجتمع عامة مشايخهم الذين في البلد والفقراء المولهون منهم، وهم عدد كثير، والناس يضجون في الميدان، ويتكلمون بأشياء لا أضبطها.
وقع الحق وبطل ما كنوا يعملون:
فذكر بعض الحاضرين أن الناس قالوا ما مضمونه: {فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون * فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين} وذكروا أيضا أنَّ هذا الشيخ يسمى عبد الله الكذاب. وأنه الذي قصدك مرة فأعطيته ثلاثين درهما، فقلت: ظهر لي حين أخذ الدراهم وذهب أنه ملبس، ولما فارقني وقع في قلبي أن لحيته مدهونة. وأنَّه دخل إلى الروم واستحوذ عليهم.
فلما ظهر للحاضرين عجزهم وكذبهم وتلبيسهم، وتبين للأمراء الذين كانوا يشدون منهم أنهم مبطلون رجعوا، وتخاطب الحاج بهادر ونائب السلطان وغيرهما بصورة الحال، وعفوا حقيقة المحال؛ وقمنا إلى داخل ودخلنا، وقد طلبوا التوبة عما مضى.
المطلوب من أمثال هؤلاء:(16/5)
وسألني الأمير عما تطلب منهم فقلت: متابعة الكتاب والسنة مثل أن لا يعتقد أنه لا يجب عليه اتباعهما، أو أنه يسوغ لأحد الخروج من حكمهما ونحو ذلك، أو أنه يجوز إتباع طريقة تخالف بعض حكمهما، ونحو ذلك من وجوه الخروج عن الكتاب والسنة التي توجب الكفر. وقد توجب القتل دون الكفر. وقد توجب قتال الطائفة الممتنعة دون قتل الواحد المقدور عليه.
فقالوا: نحن ملتزمون الكتاب والسنة أتنكر علينا غير الأطواق؟ نحن نخلعها. فقلت: الأطواق وغير الأطواق، ليس المقصود شيئا معينا؛ وإنما المقصود أن يكون جميع المسلمين تحت طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: حكم الكتاب والسنة كثير لا يمكن ذكره في هذا المجلس، لكن المقصود أن يلتزموا هذا التزاما عاما، ومن خرج عنه ضربت عنقه وكرر ذلك وأشار بيده إلى ناحية الميدان- وكان المقصود أن يكون هذا حكما عاما في حق جميع الناس؛ فإن هذا مشهد عام مشهور قد توفرت الهمم عليه، فيتقرر عند المقاتلة، وأهل الديوان، والعلماء والعباد وهؤلاء وولاة الأمور أنه من خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه.
قلت: ومن ذلك الصلوات الخمس في مواقيتها كما أمر الله ورسوله؛ فإن من هؤلاء من لا يصلي، ومنهم من يتكلم في صلاته، حتى إنهم بالأمس بعد أن اشتكوا علي في عصر الجمعة جعل أحدهم يقول في صلب الصلاة يا سيدي أحمد شيء لله. وهذا مع أنه مبطل للصلاة فهو شرك بالله ودعاء لغيره في حال مناجاته التي أمرنا أن نقول فيها: (إياك نعبد وإياك نستعين)، وهذا قد فعل بالأمس بحضرة شيخهم، فأمر قائل ذلك لما أنكر عليه المسلمون بالاستغفار على عادتهم في صغير الذنوب. ولم يأمره بإعادة الصلاة، وكذلك يصيحون في الصلاة صياحاً عظيماً وهذا منكر يبطل الصلاة.
الفرق بين الصياح والعطاس في الصلاة:
فقال: هذا يغلبعلى أحدهم كما يغلب العطاس.
فقلت: العطاس من الله، والله يحب العطاس، ويكره التثاؤب، ولا يملك أحدهم دفعه، وأما هذا الصياح فهو من الشيطان، وهو باختيارهم وتكلفهم، ويقدرون على دفعه، ولقد حدثني بعض الخبرين بهم بعد المجلس أنهم يفعلون في الصلاة مالا تفعله اليهود والنصارى: مثل قول أحدهم: أنا على بطن امرأة الإمام، وقول الآخر كذا وكذا من الإمام، ونحو ذلك من الأقوال الخبيثة، وأنهم إذا أنكر عليهم المنكر ترك الصلاة يصلون بالنوبة، وأنا أعلم أنهم متولون للشياطين في الصلاة أو غيرها.
احتجاجهم بالقدر:
فلما أظهروا التزام الكتاب والسنة وجموعهم بالميدان بأصواتهم وحركاتهم الشيطانية يظهرون أحوالهم قلت له: أهذا موافق للكتاب والسنة؟ فقال: هذا من الله حال يرد عليهم، فقلت: هذا من الشيطان الرجيم لم يأمر الله به، ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحبه ولا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما في السموات والأرض حركة ولا كذا ولا كذا إلا بمشيئته وإرادته، فقلت له: هذا من باب القضاء والقدر، وهكذا كل ما في العالم من كفر وفسوق وعصيان هو بمشيئته وإرادته، وليس ذلك بحجة لأحد في فعله؛ بل ذلك مما زينه الشيطان وسخطه الرحمن.
استخدام القوة إن لم تنفع الحجة:
فقال: فبأي شيء تبطل هذه الأحوال. فقلت: بهذه السياط الشرعية. فأعجب الأمير وضحك، وقال: أي والله! بالسياط الشرعية، تبطل هذه الأحوال الشيطانية، كما قد جرى مثل ذلك لغير واحد، ومن لم يجب إلى الدين بالسياط الشرعية فبالسيوف المحمدية. وأمسكت سيف الأمير وقلت: هذا نائب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغلامه، وهذا السيف سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمن خرج عن كتاب الله وسنة رسوله ضربناه بسيف الله، وأعاد الأمير هذا الكلام.
لا يقر أحد على إظهار المنكر في ديار الإسلام:
وأخذ بعضهم يقول: فاليهود والنصارى يقرون ولا نقر نحن؟. فقلت: اليهود والنصارى يقرون بالجزية على دينهم المكتوم في دورهم، والمبتدع لا يقر على بدعته. فأفحموا بذلك.
و (حقيقة الأمر) أن من أظهر منكرا في دار الإسلام لم يقر على ذلك، فمن دعا إلى بدعة وأظهرها لم يقر، ولا يقر من أظهر الفجور، وكذلك أهل الذمة لا يقرون على إظهار منكرات دينهم، ومن سواهم فإن كان مسلما أخذ بواجبات الإسلام وترك محرماته، وإن لم يكن مسلما ولا ذميا فهو إما مرتد وإما مشرك وإما زنديق ظاهر الزندقة.
ذم المبتدعة:
وذكرت ذم (المبتدعة) فقلت: روى مسلم في صحيحه عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه أبي جعفر الباقر، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في خطبته (إن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة). وفي السنن عن العرباض بن ساريه، قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبه فذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: ((أوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعه وكل بدعة ضلالة)) وفي رواية ((وكل ضلالة في النار)).
البدعة شر من الزنا والمعاصي:
فقال لي: البدعة مثل الزنا، وروى حديثا في ذم الزنا، فقلت هذا حديث موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والزنا معصية، والبدعة شر من المعصية، كما قال سفيان الثوري: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية: فإن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها. وكان قد قال بعضكم: نحن نتوب الناس، فقلت: من ماذا تتوبونهم؟ قال: من قطع الطريق، والسرقة، ونحو ذلك.(16/6)
فقلت: حالهم قبل تتويبكم خير من حالهم بعد تتويبكم؛ فإنهم كانوا فساقا يعتقدون تحريم ما هو عليه، ويرجون رحمة الله، ويتوبون إليه، أو ينوون التوبة فجعلتموهم بتتويبكم ضالين مشركين خارجين عن شريعة الإسلام، يحبون ما يبغضه الله ويبغضون ما يحبه الله، وبينت أن هذه البدع التي هم وغيرهم عليها شر من المعاصي.
قلت مخاطبا للأمير والحاضرين: أما المعاصي فمثل ما روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب أن رجلا كان يدعى حمارا، وكان يشرب الخمر، وكان يضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان كلما أتى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - جلده الحد فلعنه رجل مرة. وقال: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؟! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله)). قلت: فهذا رجل كثير الشرب للخمر، ومع هذا فلما كان صحيح الاعتقاد يحب الله ورسوله شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ونهى عن لعنه.
وأما المبتدع فمثل ما أخرجا في الصحيحين عن علي بن أبي طالب وعن أبي سعيد الخدري وغيرهما دخل حديث بعضهم في بعض- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم، فجاء رجل ناتئ الجبين كث اللحية، محلوق الرأس، بين عينيه أثر السجود، وقال ما قال. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يخرج من ضئضىء هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القران لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية؛ لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)) وفي رواية: ((لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل))، وفي رواية: ((شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه)).
قلت: فهؤلاء مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم وما هم عليه من العبادة والزهادة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتلهم، وقتلهم علي بن أبي طالب ومن معه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لخروجهم عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وشريعته.
أظن أني ذكرت قول الشافعي: لأن يبتلى العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير من أن يبتلى بشيء من هذه الأهواء.
فلما ظهر قبح البدع في الإسلام، وأنها أظلم من الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنهم مبتدعون بدعا منكرة فيكون حالهم أسوأ من حال الزاني والسارق وشارب الخمر أخذ شيخهم عبد الله يقول: يا مولانا لا تتعرض لهذا الجناب العزيز يعني أتباع أحمد بن الرفاعي- فقلت منكرا بكلام غليظ: ويحك؛ أي شي هو الجناب العزيز، وجناب من خالفه أولى بالعز يا ذو الزرجنة تريدون أن تبطلوا دين الله ورسوله.
فقال: يا مولانا يحرقك الفقراء بقلوبهم، فقلت: مثل ما أحرقني الرافضة لما قصدت الصعود إليهم وصار جميع الناس يخوفوني منهم ومن شرهم، ويقول أصحابهم: إن لهم سرا مع الله فنصر الله وأعان عليهم. وكان الأمراء الحاضرون قد عرفوا بركة ما يسره الله في أمر غزو الرافضة بالجبل، أكذب الطوائف حتى قيل فيهم: لا تقولوا أكذب من اليهود على الله، ولكن قولوا أكذب من الأحمدية على شيوخهم، وقلت لهم: أنا كافر بكم وبأحوالكم {فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون}.
ولما رددت عليهم الأحاديث المكذوبة أخذوا يبطلون مني كتبا صحيحه ليهتدوا بها فبذلت له ذلك، وأعيد الكلام أنه من خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه، وأعاد الأمير هذا الكلام على ذلك. والحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.
وقلت لهم: يا شبه الرافضة يا بيت الكذب، فإن فيهم من الغلو والشرك والمروق عن الشريعة ما شاركوا به الرافضة في بعض صفاتهم، وفيهم من الكذب ما قد يقاربون به الرافضة في ذلك، أو يساوونهم، أو يزيدون عليهم.
http://saaid.net المصدر:
==================
رسالة إلى مشترك بالإنترنت
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
أخي الكريم المشترك في شبكة الإنترنت!
كم هي نعم الله علينا عظيمة! لا يمكن عدُّها أو حدُّها..
ومن أعظمها نعمة العقل الذي يتميز لنا بها الخير و الشر، والنفع و الضر، وما ينبغي لنا أن نفعله، وما يجب علينا أن نتجنبه.
وشبكة الإنترنت مبناها على العقل الذي ابتكرها وطورها وعدد وجوه الانتفاع بها على الوجه المطلوب والمقصد المرغوب بإذن الله وفضله.
ولكن شياطين الإنس والجن أبت على المجدِّ أن يبلغ ذرى المجد..
والأهواء والرغبات، والأطماع والنزوات قعدت بكل صراط لمن يرغب أن يُشغل وقته بما ينفع، ويُعمل عقله فيما يفيد..
فأضلته عن الصراط المستقيم وصرفته عن المنهج القويم فغدت هذه الشبكة بأيدي أعوان الشيطان وزبانيته شبكة صيد وشراك قيد يصيدون بها من لا هدف له في دخول هذه المعمعة وولوج هذا الميدان..
ولذا وجب التذكير لمن دخل هذا المضمار أن يسأل نفسه في البداية، حتى لا تكون هذه بداية النهاية: ما الهدف الذي من أجله اشتركت في هذه الشبكة؟!
هل هو الفراغ الذي أعاني منه؟
أم هو الفضول الذي دفعني ـ بالرغم مني ـ للخوض فيه؟
أم أنه مركب جديد ركبه غيري فلا بُدَّ أن أسايرهم فيه وأجاريهم عليه؟
أم أني صاحب هدف أعيش له، وقضية أناظل من أجلها، وأمانة أقاتل دونها؟!
وبنظرة ثاقبة لقلبك، ومحاسبة صادقة لعقلك، يتبين لك من بعدها؛ أيُّ الناس أنت! وأيُّ وادٍ تسلك! وأيُّ مبدأ تنتهج! وما هو مأمولك وميولك؟!
فكن ممن استخدم نعمة الله فيما يرضي بها خالقه ومولاه.
وابذل وقتك ـ وهو مادة عمرك ـ فيما يقربك من ربك، ويزيد به علمك، وتزكو به نفسك
وابذل مالك فيما ترجو عوضه من الله، وتدخره ليوم تعظم بلواه..(16/7)
فدينك ينتظر منك أن تكون سفيره المبارك، وداعيته الخير، وجنديه المخلص، فإن من يعيش لنفسه، ولنزواته الزائلة، ورغباته العاجلة، يعيش صغيراً، ويموت صغيراً، ويبعث صغيراً، ومن يعيش لدينه وأمَّته وعقيدته ومبدئه، فإنه يعيش كبيراً، ويموت كبيراً، ويبعث كبيراً، والهموم على قدر الهمم.
أخي الكريم: لا يسرقك هذا الجهاز أغلى ما لديك وأعظم ما تملك وهو دينك وعقيدتك ومنهجك..
ولا ينهب عليك وعاء عمرك ومادة حياتك، وهو وقتك الغالي الذي إذا ذهب فلن يرجع حتى يعود اللبن في الضرع..
ولا تكن كالإسفنجة التي تتشرب كل وسخ، وتمتص كل قذر من زبالات فكر أعدائك الذين يمكرون بك، ويكيدون لك، ويلقون بما لديهم من شبهات وشهوات بين يديك في أحلى حلَّة، وأجمل هيئة، لتبوء بخسارة الأبد وحسرة السرمد.
أخي الكريم: اعلم بأن دينك ينتظر منك دورك الرائد، وعملك الفريد في الذب عنه، والدفاع عن حياضه، ونشر أنواره وإشراقاته في حالك الظلمات، وبين دياجير الضلالات.
ودعك من الفضول، فإن الفاضل لا يلتفت للفضول..
واحذر مما لا فائدة فيه، وما شره أقرب من خيره، وضره أعظم من نفعه، فإن الزمان عزيز، والوقت غال، والشبهات خطَّافة، والشهوات خلاَّبة، واليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، فلا تغفل!
17-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
=================
الداعية المطلوب
محمد بن عبد الله التميمي
إن مضمار الدعوة إلى الله - تعالى - هو المضمار الذي تتسابق إليه النفوس الطموحة والعقول الواعية المفكرة لخوضه وكسب قصب السبق فيه - إي وربِّي!
نعم إنها لكذلك، وإنها لأجلُّ من ذلك... فلكم قُدِّمت لأجلها رؤوس... وأُزهقت أنفس... وأُدميت أعقاب... وذرفت دموع!...
إنها (صناعة الحياة) والآسي(1) المضمِّد لجراحات الأمة "وما أكثرها! " وهي المهندس الذي يبني (قلعة) الإسلام ويُرمِّمُ بِنْيَة جدارها الذي يُريد أن ينقضَّ، وهي الضوء ـ والخرِّيت(2) - الذي يشق العُبابات ويجلي الغبش عن نواظر الأمة ليَمدَّ لها طريقاً في الأفق يبدأ من منطلق: ((واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا)) [{النساء: 36]} عبر محور: ((فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين)) [{التوبة: 122]} مروراً بمبدأ: ((وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)) [{السجدة: 24]} كل هذا يصاغ ببوتقة: ((ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)) [{آل عمران: 159]}، ((ولا تصعر خدك للناس)) [{لقمان: 18]}.
أَجْمِلْ بالداعية وهو يصعد عالي البحار وسافل الوهاد يَجُوبُ الأرض قائلاً: ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم... )) {[النساء: 1]} مذكراً كلَّ مدَّكرٍ، ومعلماً كل جاهل، ويداً حنونة تعطف على من تنكَّب الجادَّة، ومَنْهلاً روِيًّا يطفئ غليل كل طاغية.. وابتسامة متفائلةً في وجه كل الصعوبات، وأمام كلِّ العقبات... وثباتاً على المبدأ عند المنعطفات وتحت وطأة كل التيارات؛ أجل... فالدعوة هي سُلَّمُ النهوض بالأمة الإسلامية من سباتها العميق ومشهدها الدامي الحزين!!
والداعية هو البطل الذي سَيَنْتَشِلُ قرة عينه (الأمة الإسلامية) من كَنَفِ الرذيلة، وحمأة الضلالة، ومنعطفات الغواية، ومن شؤم المعصية إلى حلاوة الإيمان وزورق الحياة السعيدة وجمال الحسنة وبَرِّ الأمان؛ حداؤه في برنامجه الدعوي: ((ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين)) [{فصلت: 33]} ليحوز الخيرية "لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم"(3).
لكن (العمل الدعوي) ليس باباً مفتوحاً على مصراعيه، أو ماءاً الناسُ فيه شركاء، لا، ثم لا.. فإن صُنَّاع الحياة لا بد لهم من معايير ومقاييس يسيرون على ضوئها؛ ومن أبرزها:
- الإخلاص والمتابعة (شرطان لذاتهما ولغيرهما).
- المصداقية في القول والعمل.
- ترجمة (الأوامر والنواهي) إلى واقع محسوس في حياة الداعية، ثم إلى مسرح الحياة.
- الصبر. وفي الحديث: "والصبر ضياء"(4) قال الشاعر:
أحرى بذي الصبر أن يحظى بحاجته وُمْدمِنِ القرع للأبواب أن يلِجا
بل إنَّ مدارالإمامة في الدين على الصبر واليقين كما قال الحسن البصري - رحمه الله - تعالى - مصداقاً لقول الله - سبحانه -: ((وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)) [{السجدة: 24]}.
- (التأصيل العلمي) وجمع المسائل العلمية(5) - وإن كان هذا المعيار تدور حوله القضية الساخنة (العلم، والدعوة، والصراع)(6) إلا أننا ندرك أن الدعوة إلى الله - تعالى - دائرة حول (الأحكام التكليفية والوضعية) وهي مفتقرة إلى الدليل الذي يدعم حكمها - قلَّ أو كثُر - قال - صلى الله عليه وسلم -: "بلِّغوا عني ولو آية"(7) وقال: "رُبَّ حاملِ فقه لا فقه له"(8).
- صب الاهتمام بكليات المسائل من غير إذابة لجزئياتها عملاً بقاعدة: (إذا تزاحمت المصالح قُدِّمَ الأعلى منها).
وهذه (المقاييس والمعايير) هي السلاح الذي يغدو به (الداعية إلى الله) صانعاً للحياة مؤدياً رسالته على الوجه المطلوب.
وجماع هذه المقاييس والمعايير محوران: (التحصيل العلمي الصحيح) و (المخزون الإيماني) بجانب - الخلق الدمث النبيل - وإن لم تكن هذه (المقاييس والمعايير) في جعبة الداعية فما عليه إلا أن يتنحى عن الطريق لغيره؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
ــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) الآسي: الطبيب.
(2) الخريت: الماهر.
(3) البخاري، ح/2724، ومسلم، ح/4433.
(4)مسلم، ح/328.(16/8)
(5)ليس المراد أن لا يدعو إلى الله حتى يرسخ باعه ويعلو كعبه في العلم، وإنما أن يكون معه من العلم ما يجعله لا يتكلم من (فراغ) وذلك لأن الداعية هو من أكثر الناس تعرضا للتيارات المنحرفة والأفكار الهدامة.
(6)هناك مقال (لا يمل)في هذه القضية للشيخ(عبد الله المسلم)، أنظر البيان(114).
(7)البخاري، ح/3302.
(8)رواه احمد، ح/16138.
شوال 1420، فبراير 2000.
http://albayan-magazine.com المصدر:
================
سبق درهم مائة ألف درهم !
عبد الخالق القحطاني
من نافلة القول أن الدعوة إلى الله - عز وجل - من أجلِّ الأعمال وأشرفها؛ فهي مهمّة الرسل - عليهم الصلاة السلام - وقد خُصَّت بها هذه الأمة من بين سائر الأمم من لدن آدم - عليه السلام - حتى بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
غير أن الناظر إلى الساحة اليوم يجد انصرافاً - إن لم يكن إعراضاً - عن هذه المهمّة العظيمة من قِبَلِ أناسٍ كان يُفترض فيهم أن يكونوا هم أهل الميدان المنتظرين، وقادته المبرّزين.
هؤلاء الأفراد على مستويً عالٍ من التربية الإسلامية والفهم الصحيح، ويجمعون إلى ذلك ذكاءاً وَقَّاداً ومعرفة بالعلوم الشرعية لا يستهان بها.
ولكنّ المعادلة غير المفهومة تنشأ عندما نرى هذه الفئة من المؤهلين تدير ظهرها لهذه المهمّة -أعني الدعوة إلى الله- وتنشغل بما ينشغل به عامَّة الناس من الانخراط في الوظيفة والعمل الدنيوي، وقد يجمعون إلى جانب انشغالهم ذاك توزيع كتاب أو شريط إسلامي أو القيام بعمل دعوي محدد أيّاً كان - كأثرٍ من آثار الضغط الذي تفرضه عليهم التربية التي تلقوها في سنين ماضية - ظانين بذلك أنهم قد أدّوا ما عليهم تجاه الفكرة التي يحملونها.
هذا الفراغ الهائل الذي خلّفه هؤلاء النفر، دفع أناساً ممّن ليست لديهم الخبرة الكافية ولم يبلغ علم أحدهم النصاب الشرعي(1) -وربما لم ينخرط الواحد منهم في أي برنامج تربوي طيلة حياته - إلى أن ينزلوا إلى ميدان الدعوة وليس لديهم عُدَّة سوى العاطفة الصادقة، والإحساس بالمسؤولية تجاه الدين الذي هم به يؤمنون.
إن هذه الصورة غير المتوازنة تثير في النفس الشعور بالأسى والإعجاب في آن واحد:
- الأسى لواقع أولئك المتخلفين عن قافلة الدعوة مع قدرتهم وتمكنهم.
- والإعجاب بأولئك المتقدمين - على قلة بضاعتهم - وأذكر عن أحد هؤلاء المتقدمين قوله لأحد الزملاء: "أنا قليل الفهم في العلم الشرعي؛ ولكنني أستطيع أن أقف على باب المسجد وأوزّع على الناس أشرطة أو كتيبات، أليس الدال على الخير كفاعله؟ " لقد قلت في نفسي: هو - والله - أفقه من كثيرٍ ممن لديهم الكثير من العلم الشرعي!
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سبق درهم مائة ألف درهم: رجلٌ له درهمان أخذ أحدهما فتصدّق به، ورجلٌ له مالٌ كثير فأخذ من عرض ماله مائة ألفٍ فتصدَّق بها"(2).
وهكذا سبق درهم الفقير مائة ألف الدرهم التي للغني؛ لأنَّ الدرهم كان نصف مال الفقير، ومائة ألف درهم كانت شيئاً من مال ذلك الغني.
وبالمثل حال أولئك النفر من الناس الذين يملكون قدرات ومواهب ولا يستثمرون منها إلا النزْر اليسير يجعلونه لدعوتهم، وحال أولئك الذين ليس لديهم إلا القليل من المعرفة والفهم ولكنهم قد بذلوه كله في سبيل دعوتهم؛ فإن درهم هؤلاء لا شك يسبق دنانير أولئك المكدّسة!
فإلى إخواننا الذين هجروا الميدان قبل أن يلجوه، وظنّوا أنهم قد أدَّوْا ما عليهم وزيادة، إليكم ما قاله أبو مالك - رحمه الله -: "كم من رجلٍ يرى أنه قد أصلح شأنه، قد أصلح قربانه، قد أصلح همّته، قد أصلح عمله، يُجْمَع ذلك يوم القيامة ثم يُضرَب به وجهه! "(3).
قال - تعالى -: ((وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)) [{محمد: 38]}.
ـــــــــــــ
الهوامش:
(1) أقصد بالنصاب الشرعي كل ما يلزم معرفته من الدين بالضرورة من أمور العقيدة والفقه.. ونحوها.
(2) ترتيب أحاديث الجامع الصغير، عوني الشريف، المجلد الأول، كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة والنفقة، ح/28.
(3) أين نحن من أخلاق السلف؟ جمع الجليل وعقيل، ص10.
رمضان 1420، يناير 2000.
http://albayan-magazine.com المصدر:
==============
رأي في المراجعات
محمد بن سرار اليامي
رأيت أن الاعتراف بالحق من أفضل الفضائل، ومن أجمل صفات المنصفين..
وقليل من الناس من يرجع إليه..
ثم إن الكبر والاستمرار على الخطأ من مفاتيح الشيطان على قلوب العارفين..
طالب الحق طالب له، ولو لم يصبه مره..
فإنه يبذل الجهد والوسع في ذلك.. فلعله أن يكون في أخرى..
ثم إن المراجعات، وترتيب الأوراق من مهمات الناجحين في التعامل مع الأزمات لأنهم طلاب كمال بشرى، فهم يبذلون ما يسوغ لهم ذلك لأن عذرهم الوحيد هو الجري وراء الحق، وإصابة عين الحقيقة، يقول ابن تيمية - رحمه الله -.
أحب فلان والحق ما اجتمعا، فإن افترقا، كان الحق أحب إلي من فلان.. أ. هـ..
وصدق - رحمه الله -...
وإن من أعظم الحق، الاعتراف بالخطأ إذا أخطأ الإنسان، والرجوع إلى الحق، فإن هذا دليل السعي وراء الكمال... يقول مؤلف كتاب " التعامل مع من لا تطيقهم ": لا توجد لغة تسمح بالخطأ، إن لم تحاول أن تدافع عنه، وعندما تتأكد من عدم صحة معلوماتك ومن أنك كنت ساذجاً في تفكيرك فإن الاعتراف بذلك سوف يكفي لاستعادة احترامك في عيون الذين ينظرون إليك..."..أ.هـ.
http://saaid.net المصدر:
================
القنديل المكسور
محمد بن سرار اليامي
رأيت أن مهزوز الشخصية يحمل قلباً كالزجاجة، سريعة الانكسار بطيحة الانجبار..(16/9)
فكن معه في التعامل على حذر فإنه ضعيف البنيان، مهزوز الأركان.. وهو بهذه الحالة كالبطل الضرير..، يخبط ذات اليمين وذات الشمال، فيحاوك أن يسقط كل أحد.. مسكين هذا وربي..
فهو عرضه لأمراض خطيرة، وسموم قتاله..، منها الحسد وهو طريق الضعفاء، وما أسرع ما يسقط الحسدة في شر أعمالهم ومنها: التعالم، وهذا أخطر من صاحبه، فإن المتشبع بما لم يعطى كلابس ثوبي زور.
ومنها قتل الذات، والعود عليها يدفن إبداعتها وتميزتها.. في مدافن الكسل...
ومنها: القلق النفسي الذي يعاني منه.
قال صاحبي الأستاذ منصور المشوح الأديب المتواضع، عبارة لذيذة، فضح فيها كل حسود؟ قال:
" نفس الحسود قصير " أ. هـ.
وصدق، فما أحوجنا للتعامل بالصبر الجميل مع كل حسود..
فإن نفسه قصير..
http://saaid.net المصدر:
================
قل لا إله إلا الله … وحطم الأصنام من داخلك
عبارة قد لا نفهم معناها من أول وهلة … قالها إمام أحد المساجد لفتى صالح طلب يد فتاة طيبة فأبى أهلها أن يزوجوه إياها… قال هذا الإمام هذه العبارة مبتسما مهللا بها لهذا الفتى الحزين: "...قل لا إله إلا الله وحطم الأصنام التي بداخلك …" فما معنى ذلك؟
قصد هذا الشيخ بذلك" اجعل حب لا إله إلا الله أكبر من أي حب مهما كبر وتعلق به قلبك "
اجعل لا اله إلا الله وقوداً تضيء به قناديل قلبك فتنجلي ظلمته ومداداً طاهراً ترتوي به أقلام أفكارك فلا تخط من قصائد الحب الصادق الخالص إلا ما اختص بحب الخالق... وحطم صنم عشق غير الله من داخلك... حطم هذا الصنم ولا تمكّن منه نفسك... واعلم أنك بذلك تحوز على رضا الوهاب فيهبك خير من تلك الفتاة نسباً وأكثر منها جمالا ودينا وخلقا...
ابتسم ذلك الفتى مستبشرا وكأنه يرى بأم عينه عروسا ً أمامه هبة ًمن الله هي أكمل وأروع وأحسن قلباً وقالباً... وانشرح صدره ثقةً بالله ويقيناً بأن ما بيد الله هو أكبر واجل وأطهر مما بيد العبد.
أحبتي في الله أليس حري بنا جميعا أن نحطم الأصنام من داخلنا... أليس جدير بنا أن نعظّم لا اله إلا الله موحدين مجددين الحب والولاء وأن لا نجعل في قلوبنا حباً يعلو على حب الله ولا ثقة تسبق ثقتنا بالله
فكم منا أستعبده صنم حب المال وجمعه والحرص عليه وكأن هذا المال يأتي من عند غير الله ولو توكل على الله وحطم صنم الخوف والطمع وأتقى الله لرزقه من حيث لا يحتسب (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)
فكم منا أخوتي في الله استعبده صنم حب النظر إلى ما حرم الله وحب سماع ما حرم الله... أفلا ننطلق ونحطم هذا الصنم بداخلنا معلنين حب لا إله إلا الله....
وكم منا استعبده صنم الأنانية وحب النفس وعدم المبالاة بإخوانه المسلمين والسعي في حاجاتهم ومساعدتهم وبذلك نسوا أو تناسوا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (مازال الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه)
إخواني... لو بحثنا عن الأصنام داخلنا لوجدناها كثيرة... إلا يدفعنا الحياء من الله - سبحانه وتعالى- والخوف منه أن نحطم هذه الأصنام وننتزعها من قلوبنا
ألا يحق لنا أحبتي أن نفرح بلا اله إلا الله ونجعلها يقينا يقرب كل بعيد … وثقة لتحقيق وإحضار كل غائب … وتفاؤلا بما عند الله الذي هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها
إخواني في الله أن حب لا اله إلا الله هو نور هو ضياء يلف المؤمن ويرفرف بقلبه أينما كان وحيثما حل... وهو فرحة وسعادة تحضن المؤمن وتميزه عن غيره وتجعل له بِشر يُرى من بعيد وحب يحظى به من قبل كل من هم حوله....
ألا يكفينا قول صلوات ربي وسلامه عليه (من قال في اليوم مائة مرة لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير كانت له كعدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء، إلا رجل عمل أكثر منه) (رواه البخاري)
وقال أيضا (من قال عشرا كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل) (رواه البخاري)
والمتأمل في قوله - صلى الله عليه وسلم - من قال لا إله إلا الله يرى جلياً أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد اللسان دون القلب وإنما قصد الشعور والإدراك والإحساس بأن الملك لله فنرضى بما وهبنا وأن الحمد لله فنشكر على ما وهبنا
فهلم إخواني هلم بنا نهتف بلا اله إلا الله ونحطم الأصنام داخلنا ونحيا حياة يحبها الرحمن ويرتضيها … حياة كلها رضا بما قسم لنا وقناعة بما وهب … بعيدة عن السخط والضيق واليأس
http://saaid.net المصدر:
===============
رسالة إلى كل الإداريين والمشرفين والمشرفات وإلى كل من يتمنى الإشراف في المنتديات
إن ما جبلت عليه أنفسنا حب العلو والرقي في كل أمورنا وذالك أمر طيب بحيث يجعل الإنسان هدف سامي يسعى للوصول إليه..
أخوتي سألخص كلماتي بعدما اكتب لكم هذا الموقف:
كوني إدارية في منتدى ((إحدى المنتديات الإسلامية))
تعرضت لموقف مع إحدى أخواتي في الله..
بين طيات الحديث قالت لي ما رأيك بالمشرف ((،،،،،))..
فقلت إن شاء الله انه على خير ولا أعلم عنه سوء فقط..
بعد أيام أعادت علي السؤال حتى وصل بنا نهاية المطاف حين قالت أنه نتراسل من فتره،،
لن أذكر لكم البداية والهدف لكن أريد أن أخبركم الأمر كله خير إن شاء الله..
لكن العجب أنه يلومها ويعاتبها لما لا تسأل عن أخباره حيث أنه شكى له همه..
كل ذالك لا يهم الآن بقدر ما يهم تلك الكلمة التي هزت نفسي وجعلتني أعزم النية على
كتابه موضوع انشره لعل البعض يستدرك نفسه..
كلمات عتاب بسيطة وجهتها لأختي في الله وردت وقالت أنا ظننت أن الأمر عادي(16/10)
لأنه مشرف وما جعلتموه مشرف الا لأنه محل ثقة تامة..
هنا،،
صاح في داخلي منادي.. عاتبت نفسي مع نفسي.. قلت سبحان الله قالتها لي هو مشرف..
قبل أن أتولى المهام الإشرافية وحين كنت عضوه كنت انظر بان المشرف له مكانه كبيرة في نفسي والآن بعد تولي المهام الإدارية استدركت الأمر..
إلى كل إدارة منتدى:
اتقوا الله في اختياركم للمشرفين والمشرفات..
انتم قاعدة وأساس البنيان والمشرفين والمشرفات أعمدة إن أنهار احدها انهار البنيان..
لا يهم أن أضع في كل قسم مشرف بقدر ما يهم من هو الذي يستحق هذه المكانة؟؟
من هو الشخص الذي إن غبت أستأمن الرعية عنده؟؟
من هو الشخص الذي يخاف الله في الأعضاء.. ذالك الذي امتلاء قلبه بالخوف من الله..
ذالك الشخص القدوة.. ذالك الشخص الذي صفة الحلم وطيب الخلق منهجه؟؟
ذالك الشخص الذي يحمل العقيدة الصالحة والصحيحة من غير غلو ولا إفراط ولا تفريط..
فاحرصوا يا رعاكم الله الأمر ليس بالهين..
إلى كل مشرف ومشرفة:
كلنا بشر وكلنا ذو خطأ لكن يبقى للاسم معني وهيبة..
خطاكم ليس كخطأ أي احد.. انتم قدوة للأمة المحمدية كلها.. اتقوا الله في أبناء وبنات المسلمين..
قسمك هو بيتك الذي لابد أن تحافظ عليه.. قسمك اجعله بين عينك راقب كل رد يدرج..
اعدل ولا تخشى في الله لومة لائم اعدل في كل من يمس الشريعة الإسلامية
واعدل في كلام أي رجل تراه يؤثر في قلب فتاه ضعيفة..
وأنت يا أختاه احذري أقولها لك احذري أن تدخلي في نقاش حاد مع الأعضاء من الرجال
أن كتب كلام لا يليق أرسلي الرابط للإداريين.. وان استطعت لا تعدلي في كلام أي رجل..
يبقى للرجل كيانه ورجولته وقد تكون نظرته قاصرة بحيث يقول لماذا فتاه تعدل في كلامي
وتبدأ وساوس الشيطان تدخل في قلبه بين الفينة والأخرى..
أختاه مشرفتنا الغالية ليكن جل اهتمامك وأغلبه وأكثره بالدرر الغالية على الإسلام..
أختاه أنتِ أم لكل عضوه أنت مربية لكل فتاه تكتب معكم أنتِ مسؤولة عنها في يوم القيامة
استفقديها وأسالي عن أخبارها شدي من عزيمتها اكسبي ثقتها انصحيها
وتعاوني أنتِ وإياها على البر والتقوى فلربما تكون اتقى منك وازكي منك واعلم منك فاجعلي لها مقام عالي بتشجيعك لها بالكلمة الطيبة الحنونة والنصيحة الصادقة فهي إن ضلت مع احد الرجال في منتداكم وانساقت فأنت مسؤلية يوم القيامة عنها..
إلى كل عضو وعضوه:
اعلموا يا رعاكم الله إن المشرفين والمشرفات ليسوا ملائكة وليسوا معصومين من الخطأ
فلا تجعلهم نورا تستظئ منهم دوما،، فليس كل منتدى يجيد اختيار منهم أهل لهذه المنزلة..
فيا أخوتي لتجعلوا هدفكم في الكتابة هو الدعوة إلى الله..
هو الجهاد بالكلمة لرفع راية الإسلام والمسلمين..
لتسمو أنفسكم للعلا بالدرجات من رب السماوات والأرض..
ولتجعل كلماتك خالصة لوجه الله عزوجل..
قبل أن اختم كلماتي أود أن أقول..
لو كان للإشراف فخر وعزة لتبارزنا عليه بالسيوف لنصل إليه،، لكنه والله أمانه في يوم القيامة وستسأل عنها ماذا قدمت وماذا فعلت..
كيف أنكرت المنكر وهل أمرت بالمعروف.. هل حافظت على أخواتك من الذئاب البشرية..
هل كنت حريص على نصح الشباب بالحكمة والموعظة الحسنه!!
هل وهل وهل..
هذه كلماتي القليلة من قلب مشفق ومن قلب خائف من الأمانة التي احملها في نفسي..
فكل العذر لكل أخ وأخت أخطئنا وقصرنا بحقهم.. ولتحللونا دنيا وآخره فان الله لا يكلف نفسا إلا وسعها..
اللهم لا تحملنا مالا طاقة لنا به،،
اللهم كون عونا لنا في كل أمورنا..
اللهم اغفر لنا ما تقدم من ذنبا وما تأخر وسدد خطانا واعفوا عنا..
اللهم اكتب لنا أجر حراسة ثغر من ثغر الإسلام واكتب لنا اجر عينان لم تنم الليل
خوفا من نشر بدعة ومن اتباع شهوه من ضعاف النفوس وضياع درة غالية..
اللهم اجعلنا عملنا خالصا لوجهك واغفر لنا وسدد خطانا واجعل الجنة مثوانا..
http://saaid.net المصدر:
-==============
الوقاية خير من العلاج
د. علي بن عمر بادحدح
" الوقاية خير من العلاج " عبارة ذائعة شائعة، وأكثر ما تستعمل في مجال الصحة، وحملات التوعية من أخطار الأمراض عموماً، والمعدية منها خصوصاً، وعند التأمل نجد الطريق إلى هذه العبارة ليس سهلاً، بل مر بعدة مراحل، فعادة ما تكون البداية ظهور المرض في حالات فردية، وبصورة أولية بدائية، ثم يتطور الأمر عبر مسارين:
الأول: زيادة الأعراض والآلام عند الحالات المصابة.
والثاني: زيادة عدد المصابين بالمرض.
وفي كثير من الأحيان تكون للمرض خاصية العدوى والانتقال، وهنا يعظم الاهتمام بالأمر، وتبذل الجهود وتنفق الأموال في مجال علاج الحالات المصابة بالمرض أولاً، وفي مجال دراسة تلك الحالات بحثاً عن أسباب المرض، وأفضل الأدوية الملائمة لعلاجه مع البحث عن الأمصال الواقية منه لتدارك إصابة حالات جديدة، وبعد معاناة يتم معرفة أعراض المرض وأطواره وأسبابه وطرق انتقاله، وتتواصل أثر ذلك الحملات الإعلامية للتوعية الصحية، مع تواصل علاج المصابين، وتواصل البحث لتطوير العلاج والوقاية.
وفي الساحة الإسلامية اليوم علل مستعصية، وأمراض معدية، تشيع بين جيل الصحوة، وتنتشر بين الصفوة، ويقع بها تضييع الأوقات، وتبديد الطاقات، وإثارة النزاعات، واختلال الأولويات، وكثير منها بدأ في حالات فردية ثم انتهى إلى ظاهرة مرضية.
في هذه الصحوة الإسلامية - بحمد الله - خير كثير، ولها مزايا عديدة، ظهرت أثارها الطيبة، وأينعت ثمارها النافعة {ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها}.(16/11)
ولكن طبيعة النفوس البشرية، إضافة إلى الظروف العدائية والمؤامرات الكيدية، مع غياب المعالم المتكاملة للحياة الإسلامية، كل ذلك أوجد بعض العلل التي لم تلق - فيما أظن العناية الكافية لأسباب كثيرة من أهمها: ضخامة الأعداد العائدة إلى الله بما لا يوافق القدرة على الاستيعاب الكامل، والتربية الراشدة العميقة، ومنها أيضاً غياب الخطط الاستراتيجية والنظرات المستقبلية لكثرة المشكلات الآنية والمآسي الإسلامية، إضافة إلى أن هناك مبغضين متربصين يسعون لإشاعة الأخطاء واستمراريتها.
لابد أن نعلم أنه ليس من مصلحة الدعوة ولا جيل الصحوة أن نعتمد التزكية المطلقة، فليس هذا موافقا للشرع {فلا تزكوا أنفسكم}.
وليس من الإخلاص في النصح أن نغض الطرف عن الأخطاء، وننكر وجودها، وندس رؤوسنا في الرمال كما تفعل النعامة، فهذا يزيد في الأخطاء، ويساعد على انتشارها، وحينئذ يتسع الخرق على الراقع، ومع ذلك فنحن نربأ بأنفسنا عن ممارسات كتّاب يدعون الموضوعية والمعالجة، وهم يمارسون في الحقيقة التشويه والتشهير، ويستخدمون أسلوب التضخيم والتعميم، ويجتهدون في تتبع العثرات، وإهمال الحسنات، فضلاً عن كونهم لا ينطلقون من منهج إسلامي، وهذا التناول تفيض به أعداد هائلة من الصحف والمجلات العلمانية واليسارية التي لا همّ لها إلا تشويه صورة الإسلاميين، والصاق كل نقيصة وجريمة بمن يطلقون عليهم " الأصوليين " لسنا من هؤلاء في شيء فنحن وإن أردنا النقد، فإنما نرسله من نفوس مشفقة، وقلوب محبة، ونصوغه في أسلوب حسن على منهج القرآن الكريم {بالحكمة والموعظة الحسنة} ويبعد عن الإساءة أو التخصيص على طريقة الرسول الكريم (ما بال أقوام).
إن الخطر في هذه العلل يكمن في أنها تصيب القلوب والعقول، ونحن نرى في بعض شباب الصحوة بساطة تصل إلى حد السذاجة، وحماسة تصل إلى درجة التهور، كما أن هناك نقداً ينتهي إلى التجريح، واختلافاً يؤدي إلى التنازع، ولابد والحالة هذه أن تقرع أجراس الخطر، وأن ينتدب أطباء القلوب من العلماء الصالحين، والدعاة المخلصين، والمفكرين الواعين ليشخصوا الحالات ويبحثوا عن الأسباب ويضعوا الحلول الناجحة، ويصفوا الأدوية الناجعة، ثم ليضعوا المناهج الواقية، والخطط الواعية، وهنا دعوة لجميع الغيورين أن يدركوا الخطر وأن يهبوا للعمل، فلابد من الوقاية، فالوقاية خير من العلاج.
http://islameiat.com المصدر:
===============
الحفاظ على المكتسبات
محمد بن عبد الله الدويش
ثمة مكاسب عدة للدعاة تزيد من فرص تأثيرهم في الميدان الدعوي، هذه المكاسب تتمثل في مؤسسات رسمية أو تطوعية، وهذه المؤسسات تتيح قدراً أوسع في ممارسة الأنشطة الاجتماعية والإغاثية والدعوية.
وحين يمنحنا المجتمع هذه المؤسسات، ويثق في قيادتنا لها فينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أن رؤية المجتمع وتطلعه لهذه المؤسسات قد تختلف عن رؤيتنا لها، والغالب أن هذا الاختلاف لا يصل إلى حد التناقض والتضاد؛ فهناك مساحات واسعة من الاشتراك والالتقاء، وهناك مساحات أخرى تمثل دائرة الاختلاف، والأخيرة قد يكون الحق في أجزاء منها مع غيرنا.
وحين تتاح لنا المشاركة في هذه المؤسسات فلا ينبغي أن نتجاهل ما يطلبه وينتظره منا المجتمع ونعتقد أننا وحدنا الذين نصنع الرؤية لها، أو نتعامل معها كما نتعامل مع أي مؤسسة شخصية.
إن من حق المجتمع أن يحاسبنا، وأن يراجع مساحة الثقة التي يمنحنا إياها بناء على أدائنا.
ولو اتسع أفقنا فسنرى أن كثيراً من تطلعات مجتمعاتنا تطلعات مشروعة، وأن من واجبنا الإسهام في تحقيقها والسعي في بناء مجتمعاتنا، دون أن نحصر مشروعنا الإصلاحي في الخطاب الوعظي والدعوي المباشر.
إن الإسهام في الارتقاء بمستوى التعليم في المجتمع، والمشروعات التي تستهدف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتي تسعى للارتقاء بمستوى الخدمات العامة في المجتمع، ومشروعات النفع العام... كل ذلك جزء من إسهامنا الدعوي.
فلئن كانت إعانة الرجل وحمله على دابته، أو رفع متاعه عليها، لئن كان ذلك صدقة فمن باب أوْلى الإسهام في مشروعات ودراسات تحل أزمات النقل التي يعاني منها الناس، وتستهلك أوقاتهم، وترفع مستوى القلق لديهم.
ولئن كان تفريج كربة المسلم عبادة، فكيف بتفريج كربة قرية أو مجتمع؟ وليس ذلك بالضرورة حكراً على مشروعات إغاثية وصدقات وإن كانت مما يدخل فيه.
إن اتساع أفقنا في مشروعنا الإصلاحي سيدعونا لإعادة النظر في التعامل مع كثير من المؤسسات والمشروعات التربوية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد تكون لتلك المكاسب مواقع أو مسؤوليات تتيح لأصحابها توظيف قدر من إمكاناتها في الإصلاح والدعوة.
إن هذا يتطلب منا قدراً من الواقعية والحكمة في التعامل مع هذه المؤسسات والمواقع، وقد نضطر للانحناء للعاصفة، أو تحمُّل مفاسد مقابل درء ما هو أكبر، أو تفويت مصالح مقابل الإبقاء على ما هو أعظم منها.
وهذا النمط من التعامل لا يعيه أولئك الذين لا يفرقون بين الصورة النظرية التي يرسمونها وبين الواقع الذي يفرض التعامل معه قدراً من التنازل حين يكون البديل أسوأ حالاً، أو أولئك الذين لا يجيدون التوازن، فيصرون على مصالح تفقدهم ما هو أعظم منها، أو يتورعون عن ارتكاب مفاسد فيقعون فيما هو أعظم، أو أولئك الذين يصرون على تحويل كل مجال ومؤسسة وموقع إلى منبر دعوي مباشر مختزلين بذلك مجالات العمل الدعوي.
رجب 1425هـ * أغسطس / سبتمبر 2004م
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
الابتلاء في حياة الدعاة (1- 2 )
د. أحمد بلوافي
1 - توطئة:(16/12)
لله سنن في هذا الكون يجريها على واقع المجتمعات البشرية وحركة سيرها وتغيرها وتبدلها كما يجري قوانين ثابتة مثل الجاذبية في عالم الجمادات. هذا الأمر يؤكد لنا حقيقة بديهية نحن المسلمين وهي أن هذا الكون بعالميه المتحرك والجامد يسير وفق تدبير الحكيم العليم، الذي لم يخلق كل هذا من أجل العبث أو الترفيه وإنما من أجل غايات بينها في الوحي المنزل للبشر من خلال الرسل، وفي آفاق هذا الكون الفسيح.
لكن كيف ندرك هذه السنن وكيف نستنبطها لنهتدي بمعالمها؟ ندرك ذلك من خلال قصص المتقدمين وأخبارهم وسيرهم وخاصة صراع الأنبياء مع أهل الجاهلية والمبطلين من اليوم الذي أهبط فيه آدم - عليه السلام - إلى يوم الناس هذا، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -[1]: "والسّنة: هي العادة في الأشياء المتماثلة، و(سنة) هنا تجري على (سنه) هذا في الاشتقاق الأكبر، و(السنن) و (أسنان المشط) ونحو ذلك بلفظ (السنة) يدل على التماثل، فإنه - سبحانه وتعالى- إذا حكم في الأمور المتماثلة بحكم فإن ذلك لا ينقض ولا يتبدل ولا يتحول، بل هو - سبحانه - لا يفوت بين المتماثلين، وإذا وقع تغيير فذلك لعدم التماثل، كما أن من سننه التفريق بين المختلفين كما دل على ذلك القرآن، قال الله - تعالى -: [أفنجعل المسلمين كالمجرمين][القلم: 35] ومن هذا الباب صارت قصص المتقدمين عبرة لنا، ولولا القياس واطراد فعله وسننه لم يصح الاعتبار بها والاعتبار إنما يكون إذا كان حكم الشيء حكم نظيره، كالأمثال المضروبة في القرآن وهي كثيرة" اهـ.
ويقول الدكتور محمد السلمي[2]: "والتاريخ بما يحتوي من الحوادث المتشابهة والمواقف المتماثلة يساعد على كشف هذه السنن التي هي غاية في الدقة والعدل والثبات" اهـ.
ولهذا نجد أن القرآن الكريم أطال الحديث حول قصص الأنبياء والمرسلين، وخاصة في الفترة المكية فترة الاستضعاف التي مر بها المسلمون الأوائل، ليلفت نظرهم لهذه الحقائق حتى لا يستوحشوا الطريق، فيملوا ويتخلوا عن الدين الذي جاءهم به محمد - صلى الله عليه وسلم -، وخلال الحديث عن الوقائع التي مرت بهم نجد أن الله - سبحانه - و- تعالى - يذكر ذلك ويربطه بحوادث مشابهة وقعت لمن سبقهم، ليخلص بعد ذلك إلى القانون العام الذي يحكم الحدث الذي يعيشونه والأحداث التي عاشها من سبقهم، يقول عز من قائل: [قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين][آل عمران: 137]، ويقول جل ذكره: [وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفوراً استكباراً في الأرض ومكر السيء، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً. أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة، وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً][فاطر: 42 44]. وفي سورة الأعراف بعد أن ذكر - سبحانه - كوكبه من المرسلين وما حدث بينهم وبين أقوامهم، فابتدأ الحديث بقوله: [والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً][الأعراف: 58]، وختم تلك الجولة بقوله: [وما أرسلنا في قرية من نذير إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون. ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذنهم بما كانوا يكسبون. أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً أو هم نائمون. أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون. أفأمنوا مكر الله فلا
يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبنهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون. تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين. وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين]الأعراف: [94 - 102].
إن إدراك هذا الأمر يمثل المفتاح الرئيس الذي سنلج من خلاله إلى موضوعنا المطروح للنقاش وبسط القول، وما سنذكره خلال ما تبقى لا يخرج عن هذا الإطار العام الذي عند العودة إلى كتاب الله ودراسته دراسة متأنية نستخلص منه تلك السنن والقوانين والأطر العامة التي تفسر لنا حركة سير المجتمعات البشرية ورقيها أو نزولها، نذكر من ذلك:
• الصراع بين الحق والباطل والتدافع بين الناس.
• تداول الأيام.
• العاقبة للمتقين والنصر للمؤمنين.
• أساس التغيير يبدأ من واقع الأنفس.
• عاقبة المكذبين بالإهلاك والدمار.
• الملأ يمثلون الخط الأول في التصدي لدعوة الأنبياء والمصلحين.
• الابتلاء أمر لازم.
2 بيان معنى أو حقيقة الابتلاء وأقسامه.
جاء في لسان العرب لابن منظور[3]: بلوت الرجل بلواً وبلاءً وابتليته، اختبرته، وبلاه يبلوه بلواً إذا جربه واختبره، وابتلاه الله: امتحنه والبلاء يكون في الخير والشر. اهـ.(16/13)
هذه المعاني اللغوية التي تدور حولها حقيقة الابتلاء وهي: الاختبار، والامتحان، والتجريب، هي كذلك المعاني التي لا يخرج عنها المفهوم الشرعي للابتلاء من كونه امتحاناً واختباراً للناس لصقل معادنهم بشكل عام، وللذين آمنوا ويدعون الناس إلى طريق الهدى والخير بشكل أخص، وإن كانت نتائج ذلك الامتحان والاختبار وصعوبته تختلف باختلاف المنهج والطريق الذي يختاره كل أحد، إلا أن الحقيقة التي لا مفر منها هي أن كل إنسان مدرك نصيبه من ذلك لا محالة. يقول ابن القيم - رحمه الله -[4]: "فإن الناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين، إما أن يقول أحدهم: آمنا، وإما ألا يقول ذلك، بل يستمر على السيئات والكفر، فمن قال: آمنا، امتحنه ربه، وابتلاه وفتنه، والفتنة: الابتلاء والاختبار، ليتبين الصادق من الكاذب، ومن لم يقل: آمنا، فلا يحسب أنه يعجز الله ويفوته ويسبقه، فإنه إنما يطوي المراحل في يديه" اهـ. وقد ساق ابن القيم هذا الكلام بعد ذكره للآيات من 1 إلى 11 في سورة العنكبوت.
وعلى ضوء ما تقدم فإنه يمكن تقسيم أنواع الابتلاء إلى ثلاثة:
1 ابتلاء عام، يشمل جميع البشر مؤمنهم وكافرهم، قال - تعالى -: [إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه[[الإنسان: 2]، وقال عز من قائل: ]فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه][الفجر: 15]، ]ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون[[الأنبياء: 35].
2 ابتلاء خاص بالمؤمن، [أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين]، [ليبلوكم أيكم أحسن عملاً[، ]وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً].
3 ابتلاء أشد خصوصية، وهو يتعلق بالذين يدعون الناس إلى اتباع الوحي الذي أنزله لهداية البشر، وهو ما وضحه النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما سئل: "أي الناس أشد بلاءً؟، فقال: " الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلاه الله حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ما عليه خطيئة" الحديث[5]. وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه[6] عن العياض بن حمار رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرؤه نائماً ويقظان. وإن الله أمرني أن أحرق قريشاً، فقلت: رب إذ يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة، قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وقاتل بمن أطاعك من عصاك" اهـ.
وعندما ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - مع خديجة - رضي الله عنها - إلى ورقة بن نوفل بعد أن جاءه الوحي، قال له ورقة: "هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، ياليتني كنت فيها جذعاً، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك!
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أو مخرجي هم؟ ".
قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي" اهـ.
قال - سبحانه -: [ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين][آل عمران: 152]، وقال جل ثناؤه: [هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً][الأحزاب: 11].
وقبل أن أختم هذه النقطة أود التنبيه إلى أن لفظة الابتلاء قد يعبر عنها بمدلولات أخرى مثل الفتنة، وهذا اللفظ الأخير معناه أشمل من الابتلاء [7]، جاء في لسان العرب[8]: جماع معنى الفتنة الابتلاء والامتحان والاختبار، وأصلها مأخوذ من قولك: فتنت الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار لتميز الردئ من الجيد، وجاء فيه عن ابن الأعرابي: الفتنة الاختبار، والفتنة المحنة، والفتنة المال، والفتنة اختلاف الناس بالآراء، والفتنة الإحراق بالنار، وقيل الفتنة في التأويل الظلم، يقال: فلان مفتون يطلب الدنيا قد غلا في طلبها.
3 - الابتلاء في حياة الأنبياء والمرسلين ومن سار على نهجهم.
• قال - تعالى -: [وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه، فذرهم وما يفترون][الأنعام: 113].
• [وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً][الفرقان: 31].
• [وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا][إبراهيم: 16].
• [وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً، سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلاً][الإسراء: 76 77].
• [وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه][غافر: 5].
• [ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا][الأنعام: 34].
• [فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك][آل عمران: 184].
• [وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك][فاطر: 4].
• [إن كل إلا كذب الرسل][ص: 14].
• [قل ما كنت بدعاً من الرسل][الأحقاف: 9]، [ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك][فصلت: 43].
• [ولو يشاء لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض][محمد: 4].
ما سبق ذكره من آيات بينات يبين أن كل من جاء بدعوة إصلاحية تجديدية توضح فساد الواقع الذي عليه المجتمع وتبين طريق الخلاص، يتعرض لعقبات كثيرة تمثل مواد الامتحان التي يبتلى بها أثناء قيامه بمهمة الإصلاح هذه.(16/14)
وإذن فلا مفر ولا محيص من الابتلاء لصاحب كل دعوة إصلاح، بل ولكل صاحب دعوة جادة تحاول تبيان العورات التي عليها القوم وخاصة المتنفذون، حتى وإن كان الداعية لم يشهر السلاح، ولم يدع إلى "قلب" نظام الحكم، أو عدم السمع والطاعة، بل بمجرد أن يشعر من بيده مقاليد الأمور أو حتى من اعتاد على أعراف وعادات معينة أن الرجل جاد في دعوته ومخلص لها، وأن الناس بدأت تتأثر بما يقول. فلينتبه لهذا الأمر الطيبون من الناس وإلى السموم التي ينفثها أعداء الدعاة عندما يقولوا: فلان تسرع، وفلان هيج الناس وغيرها من الأمور حتى يركن الناس إلى وضع لا يرضاه الله ولا رسوله، فليكن مقياسنا الشرع والشرع وحده، لا ما يردده المرجفون والمبطلون لبث الرعب والخوف للحيلولة بين الحق الذي عند الدعاة وبين قطاعات كبيرة من الناس. يقول ابن القيم - رحمه الله -[9]: "ولما صدع [رسول الله]، بأمر الله، وصرح لقومه بالدعوة، وناداهم بسب آلهتهم، وعيب دينهم، اشتد أذاهم له، ولمن استجاب له من أصحابه، ونالوه ونالوهم بأنواع الأذى، وهذه سنة الله - عز وجل - في خلقه كما قال - تعالى -: [ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك][فصلت: 43]" اهـ. وقال العلياني - حفظه الله -[10]: "ابتلاء دعاة الحق من الرسل صلى الله عليهم وسلم، وأتباعهم أمر لازم لا محيص عنه، يدل على ذلك كتاب الله الكريم وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.. " اهـ.
ولهذا عندما سئل الشافعي - رحمه الله -: أيما أفضل للرجل، أن يمكن أو يبتلى؟ فقال: لا يمكن حتى يبتلى، فإن الله ابتلى نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً صلوات الله عليهم أجمعين -، فلما صبروا مكنهم، فلا يظن أحد أن يخلص من الألم ألبته" [11] فلا تمكين بدون ابتلاء، ولا إصلاح بدون أذى، ولا جنة بدون صعاب]أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه: متى نصر الله؟ ألا إن نصر الله قريب[[البقرة: 214].
ومن يطلب الحسناء لم يغله المهر.
يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - معلقاً على الحكم من إيراد قصص المتقدمين[12]: "وفي قصص هذه الأمور عبرة للمؤمنين بهم؛ فإنهم لابد أن يبتلوا بما هو أكثر من ذلك، ولا ييأسوا إذا ابتلوا بذلك، ويعلمون أنه قد ابتلي به من هو خير منهم، وكانت العاقبة إلى خير، فيتيقن المرتاب، ويتوب المذنب، ويقوى إيمان المؤمنين، فبها يصح الاتساء بالأنبياء" اهـ.
-------------------
[1] فبهداهم اقتده للشيخ عبد العزيز الجليل، ص: 204.
[2] نفس المصدر، ص: 203-204.
[3] المجلد الرابع عشر، ص: 83-84.
[4] - زاد المعاد
[5] - إسناده حسن. انظر الفتنة وموقف المسلم منها للسحيباني، ص 40.
[6] ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي، الشيخ سفر الحوالي [1/42].
[7] الفتنة وموقف المسلم منها في ضوء القرآن، عبد الحميد بن عبد الرحمن السحيباني، ص 24.
[8] المجلد الثالث عشر، ص 317.
[9] - زاد المعاد، المجلد الثالث.
[10] أهمية الجهاد في نشر الدعوة، ص 94.
[11] - الفوائد لابن قيم، ص 269.
[12] - فبهداهم اقتده، ص 20.
جمادى الأولى - 1420 هـ - سبتمبر (أيلول) - 1999 م
http://www.alsunnah.org المصدر:
==========
أبناء الدعوة بالنسب وأبناؤها بالتبني
الشيخ خالد حمدي
للدعوة ابنان، أحدهما بالنسب والآخر بالتبني، أما الأول فسمته سمتها، ونوره نورها، وبهاؤه بهاؤها، تشعر عندما تراه أنه ربيب القرآن، وخريج جامعته، ينطق الصدق، ويتحرك بين الناس بآداب النبوة، وكأنه كان يعيش مع نبيه- صلى الله عليه وسلم - تحت سقف واحد، إن حضر تعلَّقت بمحيَّاه العيون، وإن غاب اشتاقت إليه القلوب، يغار على حرمات الله أكثر من غيرته على حرماته هو.
يشعر في قرارة نفسه أنه ابن الدعوة الوحيد، وكأنها لم تُنجِبْ إلا هو؛ فهو في المسجد يجمع الناس على الخير، وفي العمل له في قلب كل صاحب له مكان، يعود المريض، ويواسي المجروح، وينصح المخطئ في رفق، وهو بين أهله مصباح البيت، وعافية البدن، وشمس النهار، وللدعوة في قلبه كرسي الملك، نهاره في أمورها، وليله مشغول بها وفيها، جسده بين أهله، وعقله مع الأمة الجريحة، يفكر في أمر شبابها وشيبها، ونسائها وأطفالها، وما يحيط بهم من فتن يدبرها شياطين الإنس والجن..!!
كم بكى ليالي لفلان العاصي، وعلان الشارد، وفلانة الهائمة على وجهها، ناسيةً ربها، ناكبة طريقه!! كم اعتل بدنه من غير علة، وما به من علة إلا جرح المسلمين الغائر من كل منطقة من جسده، دماء المسلمين تنزف من جسده، وتأوهات اليتامى والثكالى تخرج من قلبه، وبيوتهم تُهدم فوق رأسه، يجوعون فيجوع، ويشبعون فيشبع، ماله للدعوة، ووقته للدين، ومع ذلك يقول ما قاله أويس القرني- رحمه الله - بعد أن تصدق بكل ما يملك.. من مال، وطعام، وثياب، حتى جلس في بيته عريانًا.. ثم قال: "اللهم.. أبرأ إليك من كل كبد جائع من أمة محمد في أي مكان".
ذلك هو ابن الدعوة بالنسب، وحقَّ لمثله أن يفتخر بهذا النسب العظيم، الذي حرم منه الملايين وإن ادعوه ونسبوا أنفسهم إليه.
أما ابن الدعوة بالتبني فيعجبك رسمه ومنطقه ورونقه، لكن ما إن تصحبه أيامًا إلا ويتبين لك انطفاءُ نورِ الوجه أو خفوته؛ جرَّاء تركه لأوراده وأذكاره، يُثبت لنفسه الأخلاق باللسان والواقع ينفيها بألف دليل وبرهان، الدعوة حاضرةٌ في كلامه غائبةٌ في أفعاله، ألِفَت نفسُه القعود، وتعوَّد قلبُه الركود؛ فلم يحرك فيه ساكنًا ضياعُ الشباب، ولا سفكُ الدماء، ولا تنكيسُ رايات الحق، وعلوُّ رايات الباطل في كثيرٍ من الميادين..!!(16/15)
إن قيل له أدرِك مالَك هرع وأسرع، وإن قيل له أدرِك دينَك ودعوتَك كأن لم يسمع، ليله رقاد، ونهاره غفلة، وكأن بينه وبين آهات المعذبين وصرخات المكلومين آلافَ الحُجُب، لا يروعه خلوُّ مسجده من لمسات الدعاة، أو فراغُ حيِّه من آثار الهداة، تمتلئ المواخير بالفجار، وتفرغ المساجد من الأطهار، ويهجم الباطل على الحق في بيته وشارعه وعمله ومجتمعه ولا يهتم، ثم يقول لك أنا ابن الدعوة، ونسي هذا المسكين أن النسب له قرائن، وأن التبني حرام في الإسلام، فنسبته للدعوة باطلةٌ حتى وإن اقسم ألف يمين.
فكلٌ يدَّعي وصلاً بليلى *** وليلى لا تُقرُّ لهم بذاكَ
إذا اشتبكت دموعٌ في جفونٍ *** تبيَّن من بكى ممن تباكى
فأدرِك نفسك يا ابن الدعوة، وحقِّق القرائن تظلَّك الدعوة بظلِّها، وتحضنْك مع أهلها..يوم لا ينفع إلا العمل.
12/07/2004
http://www.ikhwanonline.com المصدر:
==========
هكذا علمنا السلف ( 83 ) امتلاكهم زمام أنفسهم:
د. يحيى بن إبراهيم اليحيى
حدثنا عبد الله حدثنا من سمع حماد بن زيد عن يزد السني أن مورقاً قال: «إني لقليل الغضب، وإنه ليأتي عليّ السنة ما أغضب ولقلّ ما قلت في غضبي شيئاً أندم عليه إذا رضيت»(1).
هكذا كان جدهم وتيقظهم:
عن إبراهيم التيمي قال: حدثني من صحب الربيع بن خيثم عشرين سنة قال: «فما سمعت منه كلمة عتاب»(2).
-----------------------
(1) كتاب الزهد للإمام أحمد / 442.
(2) كتاب الزهد للإمام أحمد / 469.
http://www.taiba.org المصدر:
=================
لا تتغير
سلطان العمري
لعلك تعرف (فلان) الذي كان (داعية)
ولكنه الآن في (عالم الدنيا والأموال)
يا ترى
لماذا ترك الدعوة، وأقبل على الدنيا؟
لماذا أعرض عن (نصرة الدين) وأصبح من عباد المال؟
يا ترى
ما حاله وقد ترك ما يحبه الله من الأعمال الدعوية
وأقبل على ما تحبه النفس من التنافس على الدنيا؟
لقد كان من الذين اختارهم الله لتبليغ دينه
ولكنه الآن ممن اختارهم الشيطان لعبادة الدنيا والأموال .
أين أنت؟؟
لقد كنا نسمع منك الكلمات التربوية
والفتاوى العلمية والمواعظ الإيمانية، فأين أنت الآن؟
يا من كنت داعية إلى الله
لقد انحرفت عن أبواب الخير، وأنت الآن في عالم الشهوات قائم على قدميك .
هل ذقت حلاوة الدنيا؟
عجباً لك
ألم تكن تخبرنا عن حلاوة الأيمان؟
لقد كنت نوراً لنا يضيء لنا الطريق، ولكن نورك غاب وأظلم، فمن لنا؟
نحن نناديك لكي تتوب، وقد كنت أنت تنادينا لكي نتوب .
يا من كنت داعية
يا ترى ما حالك عند الله الآن؟
ما مكانتك عنده في هذه الساعة؟
ذكريات:
أتعرف (فلان) لقد تاب إلى الله - تعالى -، بعد تلك الموعظة التي قلتها،
وهو الآن غير مصدق أنك أنت
(الداعية) الذي اهتدى على يديه .
لقد سألني كثيراً عنك فلم أكن استطع الإجابة .
............
أخي الداعية لقد كنت تحذرنا من فتنة الدنيا
وأنت الآن من عشاق الدنيا فعجبا لك
لقد كنت من الذين ينادون بالبذل للدين والإنفاق في سبيل الدعوة
وأنت الآن ممن يبخل عن بذل ريالات في سبيل الدعوة
عجبا لك:
(أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)
يا حسرتا على تلك الدروس التي ألقيتها
يا حسرتا على تلك المواعظ التي سمعناها منك
يا حسرتا على تلك المطويات التي نشرتها
يا حسرتا على تلك الأشرطة التي وزعتها على الناس
............
أين أنت من الثبات على المنهج؟
أين أنت من الثبات على الطريق الذي رسمه لنا النبي - صلى الله عليه وسلم -
............
ومع ذلك فلا نقول إلا
(يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)
..........
باب الرحمة لازال مفتوح
وباب التوبة لازال للطالبين مسموح
أنا أودعك الآن
ولكننا ننتظرك
وداعا يا من كنت داعية
http://saaid.net المصدر:
==============
هكذا علمنا السلف ( 82 ) منهج تربوي في معالجة ابن عباس لأهل الشك السائلين عما لا يعنيهم:
د. يحيى بن إبراهيم اليحيى
عن أبي اليقظان قال: «خرج رجل من أسلاف المسلمين يطلب علم السماء ومبدأ الأشياء ومجاري القضاء وموقع القدر المجلوب، وما قد احتجبه الله - عز وجل - من علم الغيوب التي لم ينزل الكتاب بها ولم تتسع العقول لها.
وما طلبه حتى انتهى إلى بحر العلوم ومعدن الفقه وينبوع الحكمة عبد الله بن عباس - رحمه الله -، فلما انتهى بالأمر الذي ارتحله إليه وأقدمه عليه قال له: اقرأ آية الكرسي، فلما بلغ: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ}.
قال: أمسك يا ابن أخي فقد بلغت ما تريد، فقد أنبأك الله أنه لا يحاط بشيء من علمه، قال له الرجل: يرحمك الله إن الله قد استثنى، فقال: {إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ}.
فقال عبد الله: صدقت، ولكن أخبرني عن الأمر الذي استثناه من علمه وشاء أن يظهره لخلقه أين يوجد؟ ومن أين يعلم؟ قال: لا يوجد إلا في وحي، ولا يعلم إلا من نبي، قال: فأخبرني عن الذي لا يوجد في حديث مأثور ولا كتاب مسطور أليس هو الذي نبأ الله لا يدركه عقل ولا يحيط به علم؟ قال: بلى، فإن الذي تسأل عنه ليس محفوظاً في الكتب ولا محفوظاً عن الرسل، فقام الرجل وهو يقول: لقد جمع الله لي علم الدنيا والآخرة فانصرف شاكراً»(1).(16/16)
عن أبي يقظان: «أن رجلاً من المسلمين أتى عبد الله بن العباس رحمة الله عليه بابن له فقال: لقد حيرت الخصومة عقله، وأذهبت المنازعة قلبه، وذهبت به الكلفة عن ربه، فقال عبد الله: امدد بصرك يا ابن أخي ما السواد الذي ترى؟ قال: فلان، قال: صدقت، قال: فما الخيال المسرف من خلفه؟ قال: لا أدري، قال عبد الله: يا ابن أخي فكما جعل لأبصار العيون حداً محدوداً من دونها حجاباً مستوراً، فكذلك جعل لأبصار القلوب غاية لا يجاوزها وحدوداً لا يتعداها، قال: فرد الله عليه غارب عقله، وانتهى عن المسألة عما لا يعنيه والنظر فيما لا ينفعه والتفكر فيما يحيره.
سئل عطاء عن شيء فقال: لا أدري، فقيل له: قل فيها برأيك، قال: «إني استحي من الله أن يدان في أرضه برأيي»(2).
-----------------
(1) الإبانة 1 / 421 - 422.
(2) الإبانة 432.
http://www.taiba.org المصدر:
==============
عندما أكون جبانا
محمد بن سرار اليامي
رأيت أنني من أجبن الناس عند الوادع، ومن أضعفهم عند ساعة الفراق، ومن أكثرهم شجاً وعاطفة فكنت كلما صاحبت قوما، أزداد هماً على همي، وخوفا من المستقبل المقبل على خوفي..
وليس ذلك لشي الا مخافة الفراق..
فان ذلك مما يصدع قلبي.. ويعلم الله.
وقد أثر عن أحد الأصاحب - رضي الله عنهم - أنه سئل:
مالك تستقل من الأصحاب؟ !
فقال: خشية الفراق....
وصدق وربي.. فما أحرها من ضحكات تضحكها الدموع على مسارح الخدود...
وأذكر أيام الحمى ثم أنثني *** على كبدي من خشية أن تصدعا
فليست عشيات الحمى برواجع *** عليك ولكن خل عينك تدومعا
بكت عيني اليسرى فلما زجرتها *** عن الجهل بعد الحلم أسبلنا معا
وهذه الدموع لا تدري أهي من حرارة الفراق، أم من بعد المزار وشطوط الدار كالشمع يبكي وما يدري أعبرته * من حرقة النار أومن فرقة العسل..
ورأيت من لطائف القطع الاخاذة ما كتبه أبو حيان في رسالة لصاحب عزيز، هي أيضا على لسان حالي ناطقة، وبما في ضميري خافقة
ولهذه الوريقات خاتمة... نسال الله حسن الخاتمة..
لم أوخر عمن أحب كتابي نسال الله حسن الخاتمة..
لم أوخر عمن أحب كتابي لقلي فيه أو لترك هواه..
غير أني إذا كتب كتابا * غلب الدمع مقلتي فمحاه...
وغلب الدمع مقلتي فمحاه... وكم من أوراق في حياتي محيت بهذا السبب... فيا للعجب...
" و تذكر "
يقول القاضي أبو المجد
ولقد لقيت الحادثات فما جرى *** دمعي كما أجراه يوم فراق
• وتذكر أن حرارة الفراق تطفئها برودة الأمل باللقاء..
• لو كان للفراق وجه، لكان أقبح وجه في الدنيا، ولو كان له صوت. لكان أنشز صوت فيها، ولو كان له طعم لكان أشد على اللسان من العلقم وأقسى من الصبر...
* يقول أسامة بن منقذ:
شكا الم الفراق الناس قبلي *** وروع بالنوى حي وميت.
• " ودائما" ما أقساها على قلبي، وما أثقلها على لساني..
• طرفي كسير عندها..
• عبد أسير عندها..
ولكني اصرخ بها فتشق عنان السماء وداعا وداعا والملتقي غداً..، فلا تلمني أخي عند الفراق، فإن محبك، جبان عند الوداع...
هذا وصلي اللهم وسلم وزد بارك على نبينا محمد بن عبد الله وعلى اله وصحبه ومن والاه، وسلم تسليما كثيرا كثيرا، واغفر لنا خطيئتنا يوم الدين، واسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، ورحم الله من قال أمين والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات....
http://saaid.net المصدر:
===============
أسس ترشيد رد الفعل الدعوي في ضوء القرآن والسنة
د جمال أحمد بادي
إن المتأمل في أحوال أمتنا اليوم يتبين له مدى الحيرة والتخبط في المواقف تجاه ما تواجهه من تحديات مرسومة ومصممة بدقة ودهاء خلف كواليس معاهد البحوث الاستراتيجية والمؤسسات العلمية، الممولة لتحقيق أهداف الهيمنة والتسلط وفرض الوصاية، تحت ستار العولمة والتحضر ومواجهة الإرهاب وغيرها من المسميات والمسوغات التي تخفي ما وراءها من أهداف استعمارية فاشية، وسيلتها توجيه العقول وتغيير تصوراتها وفهومها حتى فيما يتعلق بالقيم والاعتقادات والأخلاق والسلوك، ليتواءم مع التغيير وما بعد المدنية ـ القائمة على نقل تطبيقات نظرية داروين في التطور إلى عالم الفكر والمعرفة ويتواءم مع أنماط الحياة الجديدة التي تقوم على تجذير وتصدير ونشر قيم الحضارة الغربية المعاصرة، القائمة على النفعية والمتعة والمصلحة الذاتية والإعجاب بـ «السوبرمان» المنقذ العالمي المتفرد.(16/17)
وتهدف هذه الورقة ـ في محاولتها المتواضعة ـ إلى تسليط الضوء على أسلوب القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في توجيه ردود أفعال المسلمين عموماً والدعاة على وجه الخصوص لتؤسس وتؤصل لهذا الموضوع المهم. وقد عمدت إلى تناول هذه الإشكالية في إطار القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة؛ لأنهما يمثلان التأسيس الأول والرئيس لهذا الترشيد وهو ما يجعلهما اللبنة الأولى في تشييد هذه الأسس؛ لأن القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لا من حيث اللفظ ولا من حيث العبرة والمقصد، ولكون السنة النبوية تمثل النموذج أو القدوة الحسنة للأمة الإسلامية في أعلى مستوياتها، فلا غنى عن تأسيس القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ولا تقدُّم لأي نموذج على هذه النماذج؛ لأن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة جاءت بتوجيهات دقيقة جامعة مانعة في نشر الخير وإخراج الناس من الظلمات إلى النور وتربية الدعاة على أن تكون أفعالهم وردود أفعالهم وليدة التأني والتفكير في المآلات والعواقب، بدل الحماسة المفرطة التي توصل صاحبها إلى حد التهور أو السطحية الني تفضي بصاحبها إلى الهلاك. وعليه فإن هذه الورقة ترمي إلى ترشيد الفعل الدعوي المعاصر مستنيرة بهدي الوحي المنزّل والسنة المطهرة لنبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم -.
تعريفات:
من الضروري ـ قبل البدء في التنظير لأسس ترشيد رد الفعل الدعوي ـ تحديد معاني بعض المصطلحات حتى يتحدد إطار الموضوع، وحتى يكون التنظير لهذا الترشيد منسجماً مع الإطار الذي وضع له، ومن ثَمَّ لا يقع للقارئ المثقف والداعية في لبس في المعاني، أو اختلاط في المصطلحات. وبناء على ذلك فإن أهم المصطلحات التي رأيت تعريفها وبيان المقصود منها ما يلي:
1 - الفعل الدعوي: وهو ما يتخذه الدعاة من قرارات ومواقف وخطط وحلول بقصد التأثير في الواقع إبلاغاً لرسالة الإسلام وإقامة للحجة الرسالية على الخلق؛ هذا الفعل ينتج رد فعل من قِبَل من وقع عليه.
والفعل الدعوي أحد أقسام ثلاثة:
الأول: أن يتخذ دون تفكير في نتائجه ومآلاته وما يحدثه من ردود فعل ممكنة.
الثاني: أن يتخذ مع تفكير في بعض مآلاته دون بعضها الآخر، أو تغليب جانب من المآلات وتناسي أو إهمال الآخر.
الثالث: أن يتخذ مع تفكير جدي في كل أو جل مآلاته الممكنة والمحتملة، وهذا النوع لا يتم إلا بقصد ونية مع استعمال المهارات اللازمة.
2 - رد الفعل الدعوي: وهو فعل في مقابل تحدٍّ ما، أو في مقابل فعل ما قد وجه مسبقاً وغالباً بهندسة وتصميم برنامج قد تدرك أبعاده وقد لا تدرك. وهو كذلك أحد أقسام ثلاثة:
الأول: أن يتخذ دون تفكير في نتائجه ومآلاته وما يحدثه من ردود فعل أخرى ممكنة.
الثاني: أن يتخذ مع تفكير في بعض مآلاته دون الأخرى، أو تغليب جانب من المآلات وإهمال أخرى.
الثالث: أن يتخذ مع تفكير جدي في كل أو جل مآلاته الممكنة والمحتملة.
الفرق بين الفعل الدعوي ورد الفعل الدعوي:
من الأسئلة التي تطرح عادة في ما يتعلق بميدان الدعوة الإسلامية موضوع الفعل الدعوي ورد الفعل الدعوي، ومما اشتهر على ألسنة الدعاة أن تحركنا الدعوي يجب أن لا يكون ثمرة رد فعل أو انفعال أو استدراج أو ما أشبه ذلك. والحقيقة أن ثمة تداخلاً بين المصطلحين؛ لأن كثيراً مما نسميه فعلاً يعتبر رد فعل أو تفاعلاً أو استجابة لمتطلب من المتطلبات الحياتية أو الدعوية؛ لكون الإنسان ابن بيئته تؤثر فيه ويؤثر فيها، ولكون المسألة قابلة للتقليب إن صحت العبارة. غير أن ما يمكن أن يقال في هذه الورقة أن المقصود من الفعل ورد الفعل هنا ما تعلق بالتحرك البشري، بمعنى: ما دام الفعل مبتدأ.. أي لم يصدر استجابة لتصرُّف طرف ثان، سميناه فعلاً، فإذا كان الفعل جواباً لفعل متقدم أو رداً عنه أو تصويباً له أو دحضاً له سميناه رد فعل، وسمينا توجيهه ترشيداً.
من المكلف بترشيد رد الفعل الدعوي:(16/18)
لا شك أن الدعوة إلى الله واجب شرعي يمكن أن يضطلع به كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - رسول الله، غير أن المعروف لدى كثير من العلماء أنهم دأبوا على اعتبار الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط عن الآخرين بناء على قوله - تعالى - : {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ} [آل عمران: 104]؛ فـ (منكم) للتبعيض، وهو ما يدل على كونها فرض كفاية، وكذلك قوله - تعالى - : {فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] وهو ما يشير كذلك إلى التخصيص بفرقة أو فئة، ولا يهم هنا ترجيح كون الدعوة واجباً عينياً أو كفائياً، وإنما الشاهد في الخلاف هو أن الدعوة إلى الله لا يقوم بها إلا مؤهل، فالمختص بالدعوة المؤهل نسبياً والمقتدر على إبلاغ الدعوة إلى غيره، فالكلام في الدعوة يكون مع الدعاة المؤهلين وهو ما يجرنا إلى طرح التساؤل التالي: إذا كان المكلف بالدعوة شخصية لها صفات محددة وكفاءة محددة، والكلام في الدعوة يكون مع الدعاة المؤهلين؛ فإلى من يوجه الكلام عن ترشيد رد الفعل الدعوي؟ وبصيغة أخرى: من المكلف أو المسؤول الأول عن ترشيد رد الفعل الدعوي؟ والجواب عن هذا السؤال في تقديري سهل المنال؛ فبحكم أن الكلام هنا يدور حول الترشيد، وترشيد ماذا؟ ترشيد رد الفعل الدعوي، فإن الكلام من دون شك سيوجه بالدرجة الأولى إلى القيادات الدعوية سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات أو نُخَباً، والكلام هنا شبيه بالكلام عن فنون القيادة، وهذا لا يعني أن عموم الدعاة سيُعْفَوْن من هذه الملاحظات، وإنما المقصود أن هذه الورقة ستكون أقرب إلى تقديم ملاحظات وتوجيهات للقائمين على تربية الدعاة منها إلى عموم الدعاة.
أهداف ترشيد رد الفعل الدعوي:
إن الغرض من ترشيد رد الفعل الدعوي ليس إعطاء قوالب جامدة يلتزمها الدعاة في ردود أفعالهم الدعوية؛ لأن عملية رد الفعل الدعوي ليست عملية آلية تحتاج إلى توجيهات آلية شبيهة بالتوجيهات المخزنة في الحاسوب، وإنما الغرض منها مد الدعاة والمربين بأكبر قدر ممكن من التوجيهات والخيارات والتجارب والنماذج ليتمكنوا من إيجاد رد فعل دعوي متزن وفعال وشامل، وهو ما يتطلب ما يلي:
1 - ترشيد ردود أفعال الدعاة في استجابتهم للتحديات المعاصرة؛ وذلك بتزويدهم بقدر معتبر من المعطيات الدعوية، والملابسات التنظيرية، وتدريبهم على التمكن من إيجاد أكبر قدر من الخيارات والبدائل والحلول؛ ولنا في القرآن والسنة أسوة حسنة؛ فقد أخبرنا القرآن الكريم عن الأمم السابقة وما جرى لها لا لشيء إلا للاطلاع على أكبر قدر من التجارب والتطبيقات الدعوية وأخذ العبرة. فعرفنا مثلاً بنماذج أقوام ونفسياتهم، كطبيعة ونفسية بني إسرائيل بعدما عصوا الرسل، وكيف صارت كما وصفها الله بأنها نفسية ضربت عليها الذلة والمسكنة، وعرَّفنا بنفسية قوم عاد المتجبرة، وعرَّفنا بأشخاص الأنبياء ونفسياتهم التي جاءت مواتية لمتطلبات الدعوة في قومهم؛ فشخصية موسى - عليه السلام - الذي أخذ برأس أخيه يجره إليه، ولما ذهب عنه الغضب {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأعراف: 151]، غيَّر شخصية إبراهيم - عليه السلام - الذي قال لأبيه ـ الذي صدع بالشرك وتحدى ابنه أولاً ـ: {قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} [مريم: 47]، ثم تبرأ منه لما تبين له أنه عدو لله. والسيرة النبوية مليئة بمثل هذه النماذج؛ فكل هذه التجارب تمثل توسعة آفاق للدعاة وعبرة لأولي الألباب.
2 - توجيه ردود افعال المدعوين والمخالفين بتصميم وإحداث أفعال تدعو إلى الاستجابة إليها، وتوجه السلوك نحو رد فعل إيجابي مطلوب ومراد؛ وذلك بالتعرف على احتمالات المدعو المخالف ونفسيته وتقدير حدود رد فعله، وهندسة وتوجيه ردود أفعاله بتضييق احتمالاتها، وهندسة ردود أفعال سريعة وفعالة لاحتواء هذه الاحتمالات. ويمثل هذا الجانب حسن تخطيط النبي - صلى الله عليه وسلم - لجميع الاحتمالات في غزوة أُحد؛ فقد حمى ظهر الجيش بالرماة في الجبل، وقال لهم: «إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم.. »(1).
3 - تحديث آليات ردود الأفعال الدعوية المعاصرة؛ وذلك بالاستفادة من رصيد الدراسات الاجتماعية المعاصرة، والمناهج المساعدة على إتقان هندسة رد الفعل الدعوي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يساعد الدعاة لو أحسنوا الاستفادة منه على حسن التنظير والتخطيط لهذا الأمر.
وقد تكون الخطوة الأولى التي ينبغي توجيه العناية لها هو ترشيد ردود فعل الدعاة أنفسهم أولاً في خضم هذا الصراع العالمي الجديد.
أما توجيه ردود فعل الآخرين بشكل فعال وأكيد فشيء يحتاج إلى مران وتدريب وممارسة وَفْقَ مهارات راقية موجهها «سعة الإدراك»، وخطوة تحتاج إلى تفهم وحسن إعداد موجهها «حسن التصور للأمور» والأمر كذلك؛ فقد تكون خطوة تالية للخطوة السابقة.
مستويات ردود الفعل:
1 - المستوى الفردي أو المستوى الشعبي وما يمثل عموم المدعوين أو المسلمين أو شرائح عموم المجتمع، وغالب ردود أفعالهم تكون في القضايا العامة أو المصيرية.(16/19)
2 - المستوى النخبوي، وهو ما يتعلق بردود أفعال الطبقة المثقفة التي لها موقعها في المجتمع، وقد تكون النخبة تياراً فكرياً أو مؤسسة علمية أو ثقافية أو سياسية، وهو أهم المستويات؛ وهنا يبرز الكثير من التحديات، ومنها ضعف المؤسسات الدعوية والإسلامية عموماً من حيث بناء المواقف والقرارات على الدراسات الاستراتيجية، ومنها اختلاف مناهج وأولويات ورؤى المؤسسات والمدارس الإصلاحية بطريقة تؤثر على طبيعة وشكل ومضمون القرارات والمواقف من التحدي الواحد كل هذا يجعل ردود الفعل هزيلة ومتضاربة.
3 - المستوى المؤسساتي الرسمي في كافة المجتمعات الإسلامية؛ ذلك أن الداعية يجب أن لا يفرط في تحمله المسؤولية كاملة في المساهمة الفعالة في توجيه رد فعلها الدعوي فيما يخص القرارات الداخلية المسهمة في تطوير الخدمات المفيدة للإسلام والمسلمين.
4 - المستوى العالمي؛ ذلك أن العالم اليوم صار كما يقال قرية صغيرة تتأثر وتؤثر، وهو ما يجعل الاهتمام بهذا المستوى وبردود أفعال هذا المستوى غاية في الأهمية كما يجعل الاقتناع بجدوى التأثير على ردود أفعالهم الدعوية غاية في الواقعية.
تعريف بهندسة ردود الأفعال:
من الذين تناولوا هذا الموضوع المهم في كتاباتهم الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار؛ حيث ذكر في تعريف ردود الأفعال ما يلي:
إذا تأملنا في معظم أنشطتنا اليومية وجدنا أنها في الحقيقة ردود أفعال، واستجابات لمطالب وصعوبات وتحديات، ومن خلال تلك الاستجابات نحافظ على وجودنا، ونرقِّي مواهبنا، ونزيد في الإمكانات التي في حوزتنا. وما نسميه ردود أفعال نوع من الآلية التي اعتمدها الناس في حفظ العلاقة بينهم وبين الوسط المحيط ونوع من استثمار تلك العلاقة.
ونوعية الاستجابة للتحديات والمثيرات، تعد تلخيصاً دقيقاً لفهم المستجيب ووضعيته وعمق تقديره لما يترتب على استجاباته من منافع وأضرار. وكلما كان الإنسان أقرب إلى البساطة في الإدراك، والبدائية في الخبرة والمعرفة كانت استجاباته ذات طابع عفوي، وغير واع، مما قد يوقعه أسيراً في فلك المثيرات.
ومن جهة أخرى فإن تعقُّد الحياة الراهنة جعل خبرات الناس غير كافية لإدراك طبيعة التحديات، وإدراك ما تستحقه من استجابات، مما يعني أننا سنرى المزيد من ردود الأفعال غير الراشدة، وغير المتزنة(1).
وتحت فصل خاص عن «صور تنافي الموضوعية» في كتابه (فصول في التفكير الموضوعي) خصص الدكتور عبد الكريم بكار الصورة الثانية عشرة لتكون عن: اضطراب ردود الأفعال وما أسماه بـ «فن هندسة ردود الأفعال». ذكر فيه أن هناك طرقاً خفية وحيلاً بارعة مبتكرة يؤثر الخصم من خلالها على خصمه دون أن يثير ردود أفعاله، ودون جعله يحمل سلاحه دفاعاً عن وجوده «الصيد بشباك من حرير».
ثم ذكر أن تاريخنا وواقعنا مليء بالمواقف التي أنتجت أقوالاً متطرفة؛ لأنها انبعثت أصلاً في سياق رد الفعل على قول متطرف. (فرق قامت كردة فعل لفرق أخرى).
العصبية للعرب واحتقار غيرهم في بعض الأزمنة ولّد قيام الحركات الشعوبية ضدهم.
الإقبال على الدنيا والبذخ والترف في القرن الثاني الهجري ولّد رد فعل الزهد في الدنيا والانقطاع عن كثير من أسباب العيش إلى درجة حد التفريط.
نشطت الطورانية في تركيا فكان الرد استيقاظ القومية العربية.
كلما زاد الضغط على جانب «النقل» في المنهج في تاريخنا أدى إلى وجود تيارات عقلية تدير ظهرها للنصوص.
وهذه كلها نماذج وصور لردود أفعال خارجة عن الموضوعية ومجاوزة لحدود القصد والاعتدال.
أهم أسس ترشيد رد الفعل الدعوي:
إن حصر أسس ترشيد رد الفعل الدعوي في هذا المقام مما يتعذر؛ لأن منها ما له علاقة بالتصور والمعتقد، ومنها ما له علاقة بالواقع والتجارب المختلفة؛ غير أنه بالإمكان الوقوف على أهم هذه الأسس مما له أثر على ترشيد رد الفعل الدعوي، ومن أهم هذه الأسس ما يلي:
أهم الأسس في ضوء القرآن الكريم:
الأساس الأول: تأكيد الجانب العقدي في ترشيد رد الفعل الدعوي؛ ذلك لأن وضوح العقيدة والهدف والغاية عاصم من وجود ردود أفعال متهورة مستفَزّة، ومحفزة على الرصانة والتؤدة وحسن تصريف الأمور.
الأساس الثاني: الحاجة إلى بناء النماذج العملية التطبيقية التربوية، وربطها بواقع الحياة وتحدياتها لتوجيه السلوك المناسب في الموقف المناسب؛ مع التركيز على عامل المرونة في تعدد الاحتمالات والإمكانات المتاحة المبنية على توسيع دائرة الإدراك ليتجاوز شراك الوقوع في الصور المختلفة للأسر الذهني وهو ما تقدمه لنا قصة نبي الله موسى والخضر - عليهما السلام - المذكورة في سورة الكهف من الآية 60 إلى الآية 82:(16/20)
قال - تعالى - : {وَإذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إذْ أَوَيْنَا إلَى الصَّخْرَةِ فَإنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّى إذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّى إذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ إن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا * فَانطَلَقَا
حَتَّى إذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِداَرًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 60 - 82].
وهي قصة مشهورة يأمر فيها الله - تعالى - نبيه موسى - عليه السلام - أن يذهب لمقابلة الخضر - عليه السلام - ليتعلم على يديه من الحكمة والبصيرة. ويشترط الخضر على موسى أن لا يسأله عن شيء يفعله وإن كان خلاف ما يعهده؛ آمراً له بالصبر إن أراد الفائدة. ويمكن اعتبار القصة دورة تدريبية في فن ترشيد رد الفعل، ومن هذه القصة استنبط علماء الإسلام أصول الموازنة بين المصالح والمفاسد عند تزاحمها والتي يمكن تلخيصها في أصلين هما:
الأول: احتمال المفسدة الصغرى إما لدفع مفسدة كبرى، وإما لتحقيق مصلحة كبرى.
الثاني: تفويت المصلحة الصغرى إما لتحقيق مصلحة كبرى، وإما لدفع مفسدة كبرى.
ويمكن للدعاة أصحاب العلم والسبق اليوم أن يصمموا برامج تحاكي أهداف القصة على مستويين:
الأول: تصميم مواقف محتملة مفتعلة من واقع الحياة ليختبروا مدى استيعاب المبتدئين في الدعوة لقواعد الموازنة بين المصالح والمفاسد وقواعد الترجيح بين الأولويات فهماً وتنزيلاً.
الثاني: وهو مرحلة متقدمة في محاكاة أهداف القصة؛ بوضع الدعاة في مواقف حقيقية واقعية في معترك الحياة تختبر تفاعلهم مع واقعهم؛ مع وجود آليات للتحكم والتوجيه في سلوكياتهم ومواقفهم.
الأساس الثالث من القرآن الكريم: ضبط «الكلمة» أمام المخالفين المتربصين، وضبط أسلوب التعبير والخطاب الموجه للمدعوين الذين لم يدخلوا الإسلام بعدُ حتى لا تقع مفسدة راجحة. ويبين هذا الآيات الكريمات التاليات:
قوله - تعالى - : {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].
وقوله - تعالى - : {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} [يوسف: 77].
وقوله - تعالى - : {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء: 110].
أسس ترشيد رد الفعل الدعوي من السنة المشرفة والسيرة النبوية المطهرة:
1 - هندسة رد فعل المخالف المتربص بطريقة إيجابية لتعكس رؤية صحيحة لموقف المسلمين، الدعاة، ويمثله موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - من رسول قريش يوم الحديبية الذي جاء يستطلع سبب مجيئهم إلى مكة، وكان يقدس الهدي، فأمر - صلى الله عليه وسلم - صحابته أن يحثوا الهدي في وجهه.(16/21)
فقال رجل من بني كنانة: دعوني آته، فقالوا: ائته. فلما أشرف على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له»، فبعثوها له واستقبله القوم يلبون؛ فلما رأى ذلك قال: سبحان الله! ما ينبغي لهؤلاء أن يُصَدُّوا عن البيت، فرجع إلى أصحابه، فقال: رأيت البدن قد قُلِّدت وأُشعرت وما أرى أن يُصَدُّوا عن البيت(1).
2 - توظيف حاجة الخصم والمخالف المحارب لما نملك من سلاح الثروات ومقدرات، وتوجيه رد فعله بطريقة تمكن من درء خطره. ويمثله مكاتبة النبي - صلى الله عليه وسلم - قادة غطفان على ثلث ثمار المدينة العام التالي على أن يرجعوا إلى موطنمهم ويتركوا حصار المدينة مع الأحزاب.
همُّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على عقد الصلح بينه وبين غطفان ثم عدوله عن ذلك:
لما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حدث عاصم بن عمر بن قتادة عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري، وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهما الصلح حتى كتبوا الكتاب، ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك. فلما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فذكر ذلك لهما، واستشارهما فيه، فقالا له: يا رسول الله! أمراً تحبه فنصنعه، أم شيئاً أمرك الله به لا بد لنا من العمل به، أم شيئاً تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله! قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قِرىً أو بيعاً، أَفَحِين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟! (واللهِ) ما لنا بهذا من حاجة، واللهِ لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فأنت وذاك. فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال: ليجهدوا علينا»(2).
وينبغي التنبه هنا إلى أهمية معرفة نفسية الخصم وطريقة تفكيره والتنبؤ بطريقة رد فعله في ذلك الإطار؛ حيث أشار الدكتور محمد الصادق عرجون - رحمه الله - في كتابه القيم النفيس: (محمد رسول الله) إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اختار مكاتبة زعيم غطفان دون أبي سفيان لعلمه - صلى الله عليه وسلم - بنفسية كل منهما، وأنه لو حاول مع أبي سفيان لما قَبِل بذلك.
3 - التعايش مع وجود المخالف في المجتمع وتحمُّل أذاه وترك مواجهته بشكل مادي، ولو ترتب على ذلك وجود واحتمال مفاسد تؤثر على سير الدعوة في مقابل تجاوز رسم صورة ذهنية خاطئة للدعوة أو الإسلام ككل لدى المجتمعات البعيدة من غير المسلمين مما قد يترتب عليه صدهم عن دين الله. ويتمثل هذا في ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل المنافقين في مواضع عديدة.
رجوع النبي - صلى الله عليه وسلم - من تبوك وما همَّ المنافقون به من الكيد به وعصمة الله إياه:
ذكر أبو الأسود في «مغازيه» عن عروة قال: ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قافلاً من تبوك إلى المدينة حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناسٌ من المنافقين، فتآمروا أن يطرحوه من رأس عقبة في الطريق؛ فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه فلما غشيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُخْبِرَ خبرَهم، فقال: من شاء منكم أن يأخذ ببطن الوادي فإنه أوسع لكم، وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقبة وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين هَمُّوا بالمكر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا، وقد هموا بأمر عظيم، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر فمشيا معه، وأمر عماراً أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة أن يسوقها فبينا هم يسيرون إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم قد غشوه، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر حذيفة أن يردهم، وأبصر حذيفةُ غضبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجع ومعه مِحْجَن، واستقبل وجوه رواحلهم فضربها ضرباً بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثمون ولا يشعر إلا أن ذلك فعل المسافر، فأرعبهم الله ـ - سبحانه - ـ حين أبصروا حذيفة، وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فلما أدركه قال: اضرب الراحلة يا حذيفةُ وامشِ أنت يا عمارُ! فأسرعوا حتى استووا بأعلاها فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لحذيفة: هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب أحداً؟ قال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان. وقال: كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل علمتم ما كان شأن الركب وما أرادوا؟ قالوا: لا، والله يا رسول الله! قال: فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا اطلعت في العقبة طرحوني منها قالوا: أوَ
لا تأمر بهم يا رسول الله إذاً فنضرب أعناقهم؟ قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا: إن محمداً قد وضع يده في أصحابه. فسماهم لهما، وقال: اكتماهم»(1).(16/22)
4 - وجود القدوة العملية من «القادة» والمربين وعموم الدعاة أمام مجتمعاتهم بالمشاركة في الأعمال الاجتماعية الشاقة أو في إزالة تحرّج خاطئ قام في نفوس أفراد المجتمع المدعوين. ويمثله عدة مواقف من السيرة النبوية منها مشاركته - صلى الله عليه وسلم - في حفر الخندق في غزوة الأحزاب، وقصة «التحلل» قبل إتمام العمرة يوم الحديبية بسبب منع قريش لهم.
فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قوموا فانحروا، ثم احلقوا؛ فوالله ما قام منهم رجل واحد حتى قال ذلك ثلاث مرات؛ فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا رسول الله! أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلمْ أحداً منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَكَ، وتدعو حالقك فيحلقك. فقام فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك ونحر بُدُنه، ودعا حالقه فحلقه؛ فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً(2).
5 - حسن اختيار من يقوم بالمهام الدعوية ولا سيما في أوقات الأزمات ممن يضبط ردود فعله بحكمة تفادياً لما لا تحمد عقباه. ويمثله اختيار النبي - صلى الله عليه وسلم - لحذيفة بن اليمان ليستطلع له أخبار الأحزاب آخر أمرهم.
أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - حذيفة ليتعرف ما حل بالمشركين:
(قال): فلما انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما اختلف من أمرهم وما فرق الله من جماعتهم دعا حذيفة بن اليمان، فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلاً.
قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال: رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله! أرأيتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي! قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد. قال: فقال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا. قال: فقال حذيفة: يا ابن أخي! والله لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخندق، وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هَوِيّاً(3) من الليل ثم التفت إلينا، فقال: مَنْ رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم، ثم يرجع - يشرط له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجعة - أسأل الله - تعالى - أن يكون رفيقي في الجنة؟ فما قام رجل من القوم، من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد؛ فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال: يا حذيفة! اذهب فادخل في القوم، فانظر ماذا يصنعون، ولا تُحْدِثَنَّ شيئاً حتى تأتينا. قال: فذهبت فدخلت في القوم؛ والريحُ وجنودُ الله تفعل بهم ما تفعل لا تقرُّ لهم قِدْراً ولا ناراً ولا بناء. فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش! لينظر امرؤ مَنْ جليسُه؟ قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي، فقلت: من أنت؟ قال: فلان ابن فلان (1).
6 - منع قيام التصورات الخاطئة في أذهان المدعوين، بتقديم توضيح لسلوك معين في المواقف ذات الاحتمالات المتعددة فهماً. ويمثله فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة كان يرافق إحدى أمهات المؤمنين إلى بيتها ليلاً من المسجد مخاطباً الصحابيين الجليلين اللذين قابلاه في الطريق، ثم أسرعا الخطى: على رِسْلِكُما! إنها صفية.
حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري، قال: أخبرني علي بن الحسين - رضي الله عنهما - أن صفية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: على رسْلكما إنما هي صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله! وكَبُرَ عليهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً(2).
7 - إثارة روح التساؤل وإذكاء الرغبة في معرفة الخير والعلم، وعدم إعطاء المعلومة بطريق مباشر، مع توسيع دائرة دلالة المفاهيم. ويمثله الكثير من المقدمات لأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - التي يستعمل فيها أسلوب السؤال، ومنها: أتعلمون مَنِ المفلس؟ مَنْ تعدون الشديد فيكم؟ أتدرون حق الله على العباد؟ أتدرون مَنِ السائل؟
8 - تصحيح أخطاء المدعوين عن طريق تغيير تصوراتهم من خلال فتح باب الحوار معهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن ـ خاصة عند وجود الشبهات وسوء الفهم غير المقصود ـ بدلاً من إصدار الأحكام القيمية عليهم وتأنيبهم وتوبيخهم وتبكيتهم ولو تجاوز الخطأ حجم المقبول عرفاً. ويمثله قصة الأعرابي الذي أخذ جانباً من المسجد يريد قضاء حاجته، وقصة من تحدّث في صلاته، وقصة الفتى الذي جاء يطلب الإذن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في مزاولة الزنا.(16/23)
عن أبي أمامة قال: إن فتى شاباً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه قالوا: مَهْ مَهْ! فقال: ادنه، فدنا منه قريباً، قال: فجلس؛ قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا، والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا، والله يا رسول الله! جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا، والله! جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا، والله! جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا، والله! جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء(3).
روى البخاري أن أبا هريرة قال: «قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعوه وهريقوا على بوله سَجْلاً من ماء أو ذَنُوباً من ماء؛ فإنما بُعِثتم ميسِّرين ولم تُبعثوا معسِّرين»(4).
9 - حُسن الاستماع لرأي المخالف، واعطاؤه فرصة لإتمام حديثه وقول ما يريد قوله دون مقاطعة، وتفهمه واستيعابه قبل محاولة الرد عليه. ويمثله قصة الوليد بن عتبة الذي أرسلته قريش لاستطلاع حقيقة ما جاء به من الوحي.
10 - منع ما من شأنه أن يثبط الهمم ويفت في عضد المجتمع المسلم في الأوقات العصيبة والأزمات ومواجهة الأعداء وإن كان حقاً. ويمثله خبر إرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب وصحابي آخر ليستطلعا له حقيقة خبر نقض يهود ـ لعنة الله عليهم ـ لعهدهم.
11 - حُسن تقدير احتمالات ردود الفعل السلبية عند إرادة القيام بعمل ما، واتخاذ القرار المناسب وفق ما يترجح ويغلب على الظن منها حتى لو أدى ذلك إلى التنازل عن تحقيق مصالح أو مكاسب لكنها لا تقارن بحجم المفسدة المترتبة على الفعل؛ يمثل هذا إرادة النبي - صلى الله عليه وسلم - إعادة بناء الكعبة على أصولها ألأولى وإدخال حِجْر إسماعيل ضمن البيت؛ لكنه لم يفعل ذلك، وأخبر عن نيته ورجوعه عنها لتبقى قاعدة عامة يرجع إليها المؤمنون ويعملونها. وهنا في الحقيقة ترك الفعل لدرء مفسدة؛ فترك الفعل فعل حكيم عند إعمال مثل هذه القاعدة.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم - عليه السلام -؛ فإن قريشاً استقصرت بناءه، وجعلت له خلفاً»(5).
وبينما كان عبد الملك بن مروان يطوف بالبيت إذ قال: قاتلَ اللهُ ابنَ الزبير؛ حيث يكذب على أم المؤمنين يقول: سمعتها وهي تقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا عائشة! لولا حدثان قومك بالكفر لنقبت البيت. قال أبي: قال الأنصاري: لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحِجْر؛ فإن قومك قصروا عن البناء فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين؛ فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا فقال: لو كنت سمعت هذا قبل أن أهدمه لتركته على بناء ابن الزبير(6).
قواعد وأصول عامة في ردود الأفعال:
وأختم الحديث عن موضوع الأسس بذكر قواعد وأصول عامة تفيد الدعاة والمؤسسات الدعوية في التعامل مع الموضوع:
1 - أهمية الاستعداد القَبْلي للردود المتوقعة، أو ما أسماه الإمام الشاطبي بتقدير مآلات الأقوال والأفعال في موافقاته.
2 - تطوير الاستعداد الآني لمواجهة المواقف غير المتوقعة؛ وذلك بإتقان ما يلي:
قواعد فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قواعد فقه الأولويات.
قواعد فقه الموازنات.
3 - أهمية المرونة في التعامل مع الناس والتدرب المستمر على ضبط النفس والتحلي بالصبر، والتحكم في الانفعالات والعواطف.
4 - الإفادة من خبرات الآخرين وتجاربهم.
5 - معرفة الواقع والبيئة المحيطة بالإنسان بما في ذلك الأفكار والاتجاهات والمدارس الفكرية والفئات.
6 - تطوير مهارة قراءة: أفكار الآخرين، ووجوههم، وحركاتهم وإشاراتهم، وهو علم أو فن أصبحت له مدارسه ومقالاته وكتبه التي يمكن الإفادة منها.
7 - معرفة أنواع الناس وأصنافهم وسمات كل نوع.
8 - تطوير مهارات التفكير المختلفة.
9 - وهذا يوجب على الدعاة - اليوم وفي كل زمان - حسن عرض دعوتهم للناس، وتزيين الحق والخير في قلوبهم، وتقبيح الباطل والشر في أنظارهم. ومخاطبة العقل والقلب معاً وعدم الاكتفاء بمخاطبة واحد منهما دون الآخر ولا سيما مع تفاقم الشر وتزيينه من قِبَل شياطين الجن والإنس، واستشراء الشبهات حتى كادت أن تزاحم الحق عند الكثير منهم.
فمن هذا الحسن: وجوب استعمال الاستدلال العقلي إلى جانب الاستدلال النقلي.
ومن ذلك حسن اختيار عناوين المحاضرات العلمية التي تجذب الناس وتشد أسماعهم فينقادون لحضورها، كما أن لحسن اختيار العناوين حسنات وإيجابيات أخرى منها أنها تضع إطاراً للموضوع المراد التحدث فيه يهدي الداعية إلى حسن الإعداد والتحضير، ويأخذ بيده للسير في دروب ذلك الإطار، وينبغي الابتعاد عن العناوين المرتجلة والمجردة وذات المحتوى الذي يكشف ما يريد الداعية قوله والتكلم فيه مما يزهِّد المدعو في الحضور.
فمثلاً بدلاً من: (العلم الشرعي والحاجة إليه) يمكن أن يقال: (العلم الشرعي ودوره في مواجهة التحديات المعاصرة).(16/24)
فلا يكون الحديث مجرد سَوْق للأدلة الشرعية على الحث على العلم وبيان فضله، بل يتعداه إلى كيف السبيل للحصول عليه، وكيف نستفيد من هذا العلم ونوظفه في ما يواجهنا من أحداث الحياة ومتغيراتها ومستجداتها، وكيف نطبقه في شتى مجالات الحياة، وكيف يتم تنزيله على وقائعها.
ومن الأمثلة في هذا الباب: ما جاء في شأن العقيدة: نلاحظ من أدلة القرآن والسنة أن الأصل في أمر العقيدة هو الثبات وعدم المساومة، ونلمح ذلك في سبب نزول سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]، كما روى ابن هشام في سيرته بقوله: «واعترض رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يطوف بالكعبة ـ فيما بلغني ـ الأسودُ بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، والوليدُ بن المغيرة، وأميةُ بن خلف، والعاصُ بن وائل السهمي، وكانوا ذوي أسنان في قومهم، فقالوا: يا محمد! هلمَّ فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في الأمر؛ فإن كان الذي تعبد خيراً مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيراً مما تعبد كنتَ قد أخذت بحظك منه. فأنزل الله ـ - تعالى - ـ فيهم: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون َ* لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 1 - 6]، أي إن كنتم لا تعبدون إلا الله إلا أن أعبد ما تعبدون فلا حاجة لي بذلك منكم، لكم دينكم جميعاً، ولي ديني»(1).
ويتكرر ذلك في حدث آخر من أحداث السيرة النبوية عندما طلب المشركون من أبي طالب لما ثقل به المرض عهداً بينهم وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليكف عنهم. يروي ابن هشام القصة فيقول: «قال ابن إسحاق: ولما اشتكى أبو طالب، وبلغ قريشاً ثقله قالت قريش بعضها لبعض: إن حمزة وعمر قد أسلما، وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب فليأخذ لنا على ابن أخيه وليعطه منا، والله ما نأمن أن يبتزونا أمرنا.
قال ابن إسحاق: فحدثني العباس بن عبد الله بن معبد (ابن عباس) عن بعض أهله عن ابن عباس، قال: مشوا إلى أبي طالب فكلموه، وهم أشراف قومه: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأبو سفيان بن حرب في رجال من أشرافهم، فقالوا: يا أبا طالب! إنك منا حيث قد علمت وقد حضرك ما ترى، وتخوَّفنا عليك، وقد علمتَ الذي بيننا وبين ابن أخيك، فادعه فخذ له منا، وخذ لنا منه ليكف عنا، ونكف عنه وليدعنا وديننا، وندعه ودينه، فبعث إليه أبو طالب فجاءه. فقال: يا ابن أخي: هؤلاء أشراف قومك، قد اجتمعوا لك، ليعطوك، وليأخذوا منك. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم! كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم. قال: فقال أبو جهل: نعم وأبيك! وعشر كلمات. قال: تقولون: لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه. قال: فصفقوا بأيديهم، ثم قالوا: أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلهاً واحداً؟ إن أمرك لَعَجَبٌ (قال): ثم قال بعضهم لبعض: إنه والله! ما هذا الرجل بمعطيكم شيئاً مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم وبينه. قال: ثم تفرقوا»(2).
--------------------
(*) أستاذ مشارك في الجامعة الإسلامية بماليزيا.
(1) رواه البخاري، الجهاد والسير، رقم 2812.
(1) عصرنا ملامحه وأوضاعه، دمشق، دار القلم، ص 93 ـ 101، 1420هـ ـ 1999م.
(1) سيرة ابن هشام، ج3، ص 262.
(2) سيرة ابن هشام، 2/224.
(1) زاد المعاد، 3/ 478.
(2) زاد المعاد، 3/ 263.
(3) هَوِيّاً من الليل: أي وقتاً من الليل.
(1) سيرة ابن هشام، 2/ 223 ـ 224.
(2) البخاري، رقم 1894.
(3) مسند الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي، رقم 21185.
(4) البخاري، رقم (213.
(5) البخاري، رقم 1482، ومسلم، رقم 2373.
(6) مسند أحمد، رقم 24955.
(1) سيرة ابن هشام، ج 1، ص 363.
(2) سيرة ابن هشام، ج 1/ 418.
جمادى الأول 1425هـ * يونيو/يوليو 2004م
http://www.albayan-magazine.com المصدر :
==========
هكذا علمنا السلف (81 ) صفة العبد الموفق انشغاله بما يعنيه:
د. يحيى بن إبراهيم اليحيى
قال ابن مسعود: «إذا أراد الله بعبد خيراً سدده وجعل سؤاله عما يعينه وعلّمه فيما ينفعه»(1).
من انشغل بما لا يعنيه ترك ما يعنيه:
قال زيد بن علي لابنه: «يا بني اطلب ما يعنيك بترك ما لا يعنيك، فإنه في تركك ما لا يعنيك دركاً لما يعنيك، واعلم أنك تقدم على ما قدمت ولست تقدم على ما أخرت، فآثر ما تلقاه غداً على ما لا تراه أبداً»(2)
لو كلفوا بما حملوا أنفسهم من البحث والتنقير لعجزوا عنه:
حدثني ابن الصوف قال: سمعت أبي يقول: سمعت بعض العلماء يقولون: «لو كلف الله هؤلاء ما كلفوه أنفسهم من البحث والتنقير لكان من أعظم ما افترضه عليهم»(3).
لا تتاح الفرصة لأصحاب الخيالات في أسئلتهم:
عن الصلت بن راشد قال: سألت طاووساً عن مسألة فقال لي: أكانت، قلت: نعم، قال: آلله، قلت: آلله، قال: إن أصحابنا أخبرونا عن معاذ بن جبل أنه قال: «أيها الناس لا تسألوا عن البلاء قبل نزوله فيذهب بكم ههنا وههنا، وإنكم إن لم تسألوا لم تبتلوا، فإنه لا ينفك أن يكون في المسلمين من إذا قال وفق أو قال سدد»(4)
الانشغال بما طلب منك يكفيك عن غيره:(16/25)
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر، هذا ينزع آية وهذا ينزع آية، فكأنما فقيء في وجهه حب الرمان، فقال: «أبهاذا أمرتم؟ أبهذا وكلتم؟ تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ انظروا إلى ما أمرتم به فاتبعوه وإلى ما نهيتم عنه فاجتنبوه»(5)
-----------------------
(1) الإبانة 1 / 419.
(2) الإبانة 1 / 419.
(3) الإبانة 1 / 421.
(4) رواه إسحاق في مسنده عن الصلت بن راشد قال: سألت طاووساً، وذكره وقال الحافظ: إسناده حسن. المطالب العالية للحافظ ابن حجر رقم 3009. (الإبانة 1 / 395).
(5) الإبانة 2/ 492 - 493.
http://www.taiba.org المصدر:
==========
خلاصة الخلاصة
محمد بن سرار اليامي
رأيت أن الذي يدمن القراءة ويطيل المطالعة..
ومن ثم ينعزل عن مجتمعه..
فإنه أن خالط المجتمع كان كارهاً له..، وقد مر ذلك علي كثيراً.
فوجدت ذلك خطأً..
فأنك إن داملت مطالعة خلاصة عقول الحكماء، والأدباء..
عشت في عالم رفيع الذوق والمستوي من المثالية...
ثم إنك أن خالطت الناس،
ورأيت ما رأيت..
قلت: على الدنيا السلام...
فقد اندرست المعالم، والأدب والمكارم..
وولد عندك هذا الأمر شعوراً بضيق العطن من المجتمعات ونظرة سوداوية لها..،
ويأساً من إصلاحها وإحباطا من محاولة التجديد والتغيير فيها للأحسن..
والسلامة في ذلك أن تطالع وتقراء بعين المستفيد الناقد، ويكون لك وقت لالفة الناس، وزيارتهم، ومخالطتهم..، والصبر على أذاهم.. والاحتساب في ذلك..، وتطبيق ما تعلمته عليهم للإصلاح والتقويم والدعوة إلى كل فضيلة..
فان جمعت بين خصال أربع حققت النجاح..
وهي العلم، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على ذلك..
حققت نجاحاً باهراً في حياتك.. وعشت في شي من الرضي عن الذات عظيم..
ولم يحصل لديك أي غبش في الرؤية لمجتمعك.. بل زاد العطف والشفقة في قلبك على ذلك المجتمع لاصلاحه، وتطويره.. والرقي به حتى يكون مثاليا أو قريبا من ذلك..، بهذا أيضا تحقق الرضى عن مجتمعك.. وعن ذاتك..، وتتجانس نظرتك له.. ولا يكون هناك غبش في الرؤية....
" وتذكر "
• أن الإنسان لا يمكن أن يحوز على العلم دون أن يفكر.. فتعلم كيف تفكر..
• الفكر أثمن ما يملك الإنسان..
• أنا أفكر إذن أنا موجود كما يقول بعضهم
• وأخيرا: لا تكن ممن يفكرون ببطونهم أو جيوبهم أو آذانهم..، أو مشاعرهم..إنما فكر بعقلك واستبصر بشرعك وكن صادقا مع نفسك.
http://saaid.net المصدر:
============
الدعوة الفردية
فهذه أمور تتعلق بالدعوة الفردية ذكرها الشيخ عبد الرحمن العايد في شريطه الذي بعنوان (الدعوة الفردية)
أولا: مراحل الدعوة الفردية:
1- تكوين العلاقة مع المدعو.
2- زيارته والتحدث معه في أمر معين وتربطه بالدين وتنتهز أي فرصة تقوي إيمانه كعن متوفى فتربط الموضوع بحسن الخاتمه وممكن ترغبه في الإلتزام أو الإلتحاق بالشباب الطيبين وتشعره أنهم كالناس عندهم من المرح والرحلات ولكن في حدود الإنضباط.
3- تحاول أن تقوي إيمانه بطريق مباشر بكتيب أو بشريط فيه قصص أو تذهب به إلى المحاضرات وقد يكون من المناسب ألا تذهب به إلى الدروس الجادة وقد يكون مناسبا.
4- تحاول ربطه بجماعة طيبة وتتابعه بحيث يندمج معهم.
5- تحاول توسيع مفهوم الإسلام عنده مما هو أشمل من أداء الصلاة والصوم وغيرها.
6- تشجعه للقيام للعمل للإسلام والدعوة إليه.
ثانيا: عقبات الدعوة الفردية:
1- الخجل من محاولة عقد الصلة مع من لا يعرفهم أو يخاف ألا يقابل بشكل جيد.
2- كثرة إنشغال الداعية بأمر دنيوي أو أخروي.
3- عدم الصبر والتحمل من قبل الداعية فقد يتعرض لعدم مبالاة وغيرها من المدعو فقد يواعده فلايجده وقت الموعد.
4- الدعوة الفردية تحتاج إلى نفسية طيبة وتعامل من نوع خاص.
5- تحتاج إلى وقت طويل لكي تبدي ثمارها.
ثالثا: عيوبها:
1- تحتاج إلى وقت طويل.
2- ربما إنتاجها يكون قليلا كأن تعمل سنة مع شخص.
3- تحتاج إلى نوع خاص من المعاملة.
رابعا: صفات الداعية:
1- الإخلاص لله - تعالى - فيبارك الله في العمل.
2- الصلة بالله بأن يكون الداعية كثير العبادة ويستعين دائما بالله.
3- العلم بأن يتعلمه ويتعلم ما يقوم به دينه ولا يلزم أن يكون عالما وكذلك العلم بحال المدعو.
4- الصبر بأن يصبر على الأذى والعقبات وكذلك يصبر على ترك جلساته مع الأصدقاء.
5- الحكمة.
6- أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة.
7- أن يكون قدوة صالحة في كل شيء حتى في الأعمال الدنيوية حتى الاجتهاد في الدراسة.
8- الرفق.
خامسا: أمور مهمة:
1- لا تقتصر على الدعوة الفردية بل اعمل في كل مجالات الدعوة.
2- لا تكن الدعوة الفردية سببا لتركك الاهتمام بنفسك كأن تترك طلب العلم والأعمال الصالحة.
3- لا تكن سببا في ابتعادك عن الرفقة الطيبة وإذا كنت في مجموعة فالأفضل أن تكون تحت متابعة المشرف على المجموعة.
4- لا تحملك على المجاملة على حساب دينك كأن ترى منكرا وتقول ليس الآن كأن يشاهد شيئا محرما وأنت موجود.
5- إذا رأيت أنك ربما تتأثر بالمدعويين فلا تذهب إليهم فربما جعلوك تنتكس بسبب أنك خرجت معهم في رحلة برية مثلا وكنت لوحدك أو كان المدعو ذا تأثير.
6- التنسيق مع الدعاة فلا يجتمع داعيتان على شخص واحد.
7- لا تهمل ذوي القربى فهم أولى بالدعوة.
8- النظر إلى ميول المدعو وعمله وظروفه حتى تستطيع أن تمارس الدعوة معه.
9- لا تواجه المدعو بإنتقاده المباشر واجعله مرحلة متأخرة.
10- لا تظهر له أنك أعلم منه أو أتقى لله منه.(16/26)
11- لا تتبع عثراته لئلا يكون ذلك مخذلا لك عن العمل كأن تخبر عنه أنه يشاهد التلفاز فتقول سبحان الله كل هذا العمل ذهب علي ولم يستفد، فلا يكون مخذلا لك وضع هذا في ذهنك واطرح هذه المواضيع بطريقة مباشره أو غيرها.
12- التدرج وعدم الاستعجال، فلا تضع في ذهنك أنه بيوم وليلة سيكون عابدا لله فلابد من التدرج.
13- لا تتركه بلا متابعة، فلاتكن رؤيتك لشيء من الصلاح دافعا لك على تركه وتقول انتهى العمل مع هذا الشخص.
14- لابد من مراعاة الفروق الفردية بين المدعوين لابد أن تعرف أنهم يختلفون في قدراتهم كالحفظ مثلا.
15- التأدب بأدب الزيارة عند زيارتك له كمراعاة الوقت المناسب وعدم الإطالة.
16- اقتصد في الموعظة فلا تمله بكثرة ما تقول إلا إذا رأيت تفاعلا وتجاوبا منه.
17- احتفظ بشخصيتك ولا تشوهها بكثرة المزاح واجعله بالقدر المعقول.
18- قد يكون المدعو ممن يعشق الرياضة فإذا علمت أنه في وقت العصر ينظر للمباراة إذا كنت تريد أن تدعوه فمن الأفضل ألا تذهب إليه في هذا الوقت لأنه ليس عنده من الإيمان ما يجعله يترك المباراة ويدخلك المنزل فالمتوقع أن يعتذر لشغله أو يرسل لك أنه غير موجود.
19- مشروع مقترح أن يحاول كل واحد منا أن يبدأ في الدعوة الفردية وأن يحدد شخصا من الآن ويضع له مدة معينه يكون قد استطاع بإذن الله ضم هذا الشاب إلى قافلة الملتزمين ويجعل هذا الأمر بمثابة الإختبار له يحدد فيه مدى نجاحه ونذكر بأن هذا الشخص سوف يكون في ميزان حسناتك يوم القيامة إذا أخلصت العمل لله فربما يصوم وأنت مفطر ويقوم وأنت نائم ويجاهد وأنت قاعد فيكون لك مثل أجره.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
http://saaid.net المصدر:
============
يمرضون قلوبهم في المستشفيات
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
مما لا شكَّ فيه أن من رحمة الله - تعالى - بالعبد المسلم أن يبتليه ببعض البلايا في جسده كالأمراض والعاهات ليدرك مدى حاجته لربه وعظيم فقره إلى رحمته، فيتطهر المسلم بذلك المرض من كثير من السيئات التي وقع فيها حال صحته وعافيته، ومن منا قد سلم من الذنوب، فمستقل ومستكثر.
ولذا فعلى كل مريض أن يراجع حساباته مع الله، ويجعل المرض فرصة للعودة إلى الله والتوبة من كل ذنب وخطيئة ألم بها في غابر أيامه.
هذا أصل أصيل ينبغي أن يكون على بال المرضى ومن يقوم عليهم ويشتغل بخدمتهم ويعتني بهم. فمتى يقترب العبد من ربه إن لم يكن ذلك حال مرضه وضعفه؟!
ولهذا وغيره شرعت زيارة المريض وعيادة السقيم لتذكيره بالله وحثه على التوبة إلى الله - تعالى -.
ولكن العجيب الذي يملك عليك حيرتك عندما تذهب للمستشفيات لتعود المرضى ترى بعين الحسرة كثيراً منهم منطرح على قفاه ويعاني من الويلات في جسده ولكنه وللأسف الشديد ما زال يطلق بصره وسمعه وقلبه فيما حرم الله - تعالى - عليه بمتابعة تلك القنوات الفضائية التي تبعد المرء عن ربه وتزيد من غيه وتحول بينه وبين التوبة والأوبة وتشغله في أحلك ظروفه بما يضعف إيمانه ويقوي شيطانه..
فمتى يفيق وهو ـ ربما ـ في آخر الطريق؟!
سؤال أطرحه على القائمين على هذه المستشفيات الحكومية والخاصة: ما الداعي لبث القنوات في المستشفيات؟ لم تعينون الشياطين على إخوانكم حال ضعفهم؟ لم تزيدون في غفلتهم؟ لم تحرمونهم لذة المناجاة لله وسعادة القرب من الله؟
لم تحرقون قلوبهم المريضة؟ وتضعفون إيمانهم مع ضعف أبدانهم؟
فبدلاً من تكثيف الأنشطة الدعوية في المستشفيات تأتون لهم بهذه الآفات المرديات، أما لكم من الله زاجر ومن الناس ناكر؟
يمرضون قلوبهم في المستشفيات
مما لا شكَّ فيه أن من رحمة الله - تعالى - بالعبد المسلم أن يبتليه ببعض البلايا في جسده كالأمراض والعاهات ليدرك مدى حاجته لربه وعظيم فقره إلى رحمته، فيتطهر المسلم بذلك المرض من كثير من السيئات التي وقع فيها حال صحته وعافيته، ومن منا قد سلم من الذنوب، فمستقل ومستكثر.
ولذا فعلى كل مريض أن يراجع حساباته مع الله، ويجعل المرض فرصة للعودة إلى الله والتوبة من كل ذنب وخطيئة ألم بها في غابر أيامه.
هذا أصل أصيل ينبغي أن يكون على بال المرضى ومن يقوم عليهم ويشتغل بخدمتهم ويعتني بهم. فمتى يقترب العبد من ربه إن لم يكن ذلك حال مرضه وضعفه؟!
ولهذا وغيره شرعت زيارة المريض وعيادة السقيم لتذكيره بالله وحثه على التوبة إلى الله - تعالى -.
ولكن العجيب الذي يملك عليك حيرتك عندما تذهب للمستشفيات لتعود المرضى ترى بعين الحسرة كثيراً منهم منطرح على قفاه ويعاني من الويلات في جسده ولكنه وللأسف الشديد ما زال يطلق بصره وسمعه وقلبه فيما حرم الله - تعالى - عليه بمتابعة تلك القنوات الفضائية التي تبعد المرء عن ربه وتزيد من غيه وتحول بينه وبين التوبة والأوبة وتشغله في أحلك ظروفه بما يضعف إيمانه ويقوي شيطانه..
فمتى يفيق وهو ـ ربما ـ في آخر الطريق؟!
سؤال أطرحه على القائمين على هذه المستشفيات الحكومية والخاصة: ما الداعي لبث القنوات في المستشفيات؟ لم تعينون الشياطين على إخوانكم حال ضعفهم؟ لم تزيدون في غفلتهم؟ لم تحرمونهم لذة المناجاة لله وسعادة القرب من الله؟
لم تحرقون قلوبهم المريضة؟ وتضعفون إيمانهم مع ضعف أبدانهم؟
فبدلاً من تكثيف الأنشطة الدعوية في المستشفيات تأتون لهم بهذه الآفات المرديات، أما لكم من الله زاجر ومن الناس ناكر؟
17-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
=============
ضع لنفسك حدا
محمد بن سرار اليامي
رأيت أن من أحسن صفات أهل التميز هو أن يضع أحدهم لنفسه حداً..
سوأءً في الطموحات..
أو في الأحلام..
أو في الآداب والسلوك..(16/27)
أوفي الأزمنة والأوقات..
فان النفس جموح..
والروح تواقة
ولتكن حدوده عالية، فان نفس عمر ابن عبد العزيز رحمة الله تاقت للخلافة، فنالها ثم تاقت للجنة، نسال الله لنا وله الفضل والمنة.. هذا في العموم أما الخصوص المقصود هو جعل الحدود في كثير من الإعمال الدنيوية، وبخاصة الطموحات المستقبلية، حتى تتمكن من حصرها، وتحقيق النجاحات المتتالية فيها..
بل حتى في فنون تعاملك مع الآخرين، اجعل لنفسك حدوداً في علاقاتك بهم.. في مدى مكاشفتهم..
في اسقاط الكلفة بينك وبينهم..
فى انفعالاتك النفسية، وردود فعلك معهم...
حتى في غضبك، وحبك..
اجعل لك حداً، وصدق علي - رضي الله عنه - إذ يقول: "أحبب حبيبك هوناً ما.. عسى أن يكون بغيضك يوماً ما.. وابغض بغيضك هوناً ما.. عسى أن يكون حبيبك يوماً ما "
فما أجمل الاعتدال في الميول للأقوال والأفعال..
وما أحسن وضع الحدود الفكرية للفكر، فلا يتجاوزها فهي خطوط حمراء.
وما أحسن وضع الحدود الاجتماعية للمجتمع، والعلاقات الاجتماعية، وقد جعل الله لكل شيء قدرا..
فإذا عرفت حدودك، وأيضاُ قدراتك فأبدع على قدرها، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها..
ولذا فإني ادعوك للسيطرة على حياتك، ليتكون الإحساس العميق فيك بالقوة والشجاعة الأدبية..
http://saaid.net المصدر:
===============
كل تعميم خطأ
محمد بن سرار اليامي
رأيت أن من الخطأ التعميم، وليس أخطر على الذهن من إطلاق اللسان، بالكلام، وبتعميم الأحكام، فإن الذي يعمم الكلام علي كل الأنام يتجاهل مواهبهم، ومقدراتهم، وعقولهم، بل ويفرض السيطرة الفكرية عليهم، وليس لهذا لأحد من البشر..
وقاعدة التعميم في كل شيء وعلي كل شيء محض الجور.. فهي اكتساح للعقول المحترمة..
ولذا فإن الحصيف، العاقل اللبيب يحترم عقول الآخرين، بل ويقدرها حق التقدير، وإذا كان هناك تباين في وجهات النظر فإن الحوار هو الحل الصحيح والمصارحة والمناصحة..
أما المناطحة فهي وظيفة التيوس حين تقف بين أقرانها..
تعمدني بنصحك في انفراد *** وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين القوم نوع *** من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري *** فلا تحزن إذا لم تعطى طاعة
والمقصود أن دحض الحجج، وبيان الأدلة والبراهين بروح الشفيق الرحيم وبنبرة الناصح الخافتة، مفتاح لكسب الرأي الآخر على الأقل ولو أن يكون عنصرا محايدا..
ثم إن ما لا يعقل لا ينقل..صيانةً، ورصانة، للدين والعقل..وفي المثل الإنجليزي:كل تعميم هو خطأ بما فيه هذا التعميم.
http://saaid.net المصدر:
==============
ذرات ضوء
غادة أحمد
كثيرًا ما يكتب الواحد منّا خواطره، ذكرياته، و لا يفكّر أنْ يشاركه فيها أحد، حتى ولو كانت تخصّ من لهم فضل علينا في هذه الحياة، بعد فضل الله - تعالى -، أيمنعنا أنّهم لا يعرفوننا؟
وأيّ عاقل يطالب الشمس أنْ تحدّد، وبدقّة كل موضع يصل إليه ضؤوها، فهذه ذرّات ضوء، وُلِدَت على استحياء من إضاءات أشرقت لها حياتي يومًا ما، أهدي سناها إلى من تربّى فكري على (وسطيّته) الهادئة في عالم يموج بالصّخب و الضّجيج، إلى من أعاد ثقتي في الكثير مما كاد أنْ يضيع مني في زحمة هذه الحياة، إلى كل من سمت نفسه، وفَقِه معنى الحب في الله.
ثِقَة
(ما قلّبت حَجَرًا في نفسي إلا وجدت تحته مرقومًا بخط دقيق أنا)، عندما يثق المرء بنفسه، و ينزلها المنازل السّامية، و لا يرضى لها بالدُّنُوّ أبدًا، فإنّ ذلك ينعكس على كل من يتلقّى منه، راحة وطمأنينة وجاذبيّة. أمّا الغرور، فإنّه يرتدّ عكسيًا على صاحبه، فيدمّره ويدمّر كل جميل حوله.
هواء
الغابات، و المروج الخضراء، و السهول الجميلة تتفرّق على مساحات شتّى من سطح الأرض؛ فحاجات الناس إليها تختلف، و الماء لا يغطّي كل المعمورة، فربما يصبر الإنسان عليه يومًا، أو يومين، أمّا الهواء، فالاستغناء عنه هو الموت، وحاجة الناس إلى العلم ربما تكون أشدّ من حاجتهم إلى الطعام و الشراب، كما قال الإمام أحمد، و لكن ليس كلُّ عالم يكون لك مثلَ الهواء.
مسارات مُتَعَدِّدة
هناك عالم تجلس أمامه يعلّمك، و تنال منه الكثير من الفقه، و لكنّ القلب لا يزال قاسيًا، تبحث عمن تسمع منه ما يرقّقه، قد تجده، و لكنّك تشعر بهوّة عميقة. تبحث عمّن يُقيم لك جسرًا بين ما تسمعه من مثاليّات، و الواقع الذي تعيشه، ربّما تجده، و لكنّ جلد الذات يحتل مساحة لا بأس بها من الخطاب، فتشعر بضيق في التنفّس، وتضيق عليك نفسك بما رحبت، تبحث عمن يفتح لها منافذ للهواء، يبحر في أعماقها، يحتويها بحنانه، يمسح عنها حزنًا كاد (يقعدها)، يرسم لها بحكمة قوله، و اتّزان قلمه، و عمق نظرته، (مسارات متعددة)، لتتربّى نفس- ما أحوج أمتنا لها اليوم- وليأوي طائر طالما أرهقه البحث إلى ركن شديد، عندها تتولّد ألوان من الحبّ، يصعب تصنيفها فيما تعارف عليه البشر.
ربما لو لملمت بين كفّيك كلّ لغات البشر، لعجزت المفردات أنْ تعبّر، فما أرقى المعنى! و ما أسمى المبنى!
في هذا الزمان، عندما تجد عالماً يُرَبّيك، و يصل بك إلى مستوى من الثّقة فيه، لا تحتاج (لا تقليدًا) أنْ تسأله عن السّند و الدّليل و التّخريج، فيطمئن قلبك، وتهدأ نفسك، فماذا تبقّى من متاع الدنيا لم تحصل عليه إذًا؟
مراجعات
من الوعي أنْ ندرك الضّغوط التي تحيط بعلمائنا، و من الإحساس بالمؤامرة، أنْ نسقط كلّ ضعف أصاب الأمّة، وأصاب مساراتنا، إلى فهمنا الخاطئ لمراجعاتهم، و استيعابهم لضرورات المرحلة، لا تراجعهم.(16/28)
- ألا ترى في انحناء الشجرة عند هبوب الريح العاتية إبقاءً لها، و انتفاعاً بثمارها، مع ثبوت أصلها، و تعمّق جذورها، و اتّساع رقعة ظلّها.
مليء السنابل تنحني بتواضعٍ *** والفارغاتُ رؤوسهن شوامخُ
- تبقى دوما مساحات، لعلّ من الحكمة، و الرجولة، و عمق النّظرة، ألا يقوم العالم في وقت ما بتلوينها أو تخطيطها.
يدعها لنا...
لماذا عندها تصمت حروفنا؟
حصار
لعلّك لا تألو جُهدًا، في البحث عن حصاد فكرة من خلال دور النّشر مثلا، و آخر لا يمكن تتبع جديده إلا من خلال الشّريط، و ثالث لا وسيلة لنيل ما عنده إلا من خلال الفضائيّات، ولكن هناك من لا يدعك تتكلّف في البحث عنه، فقد أبى إلا أنْ يشاركك كلّ الوحدات الزمنيّة من أيّام عمرك، فهو معك في السّيارة تسمعه، في المسجد، في الجامعة، في النادي، في المخيمات الصّيفيّة، في برامج (الراديو)، على الانترنت، في مطلع كلّ شهر، في وَمَضَات من الحنان و العطاء، يحاصرك حصارا ممتعًا، يستدرجك بسهولته الممتنعة، حتى تجد نفسك مأسورًا في قفص (إعادة صياغة الشخصيّة الإسلاميّة)، فقد عزم منذ زمن على إخراجك لأمتك إنسانًا آخر، فاستسلمْ، و لا تفكرْ بالمقاومة؛ لأنّك ستكتشف- و لأول مرّة- أنّه قد يكون للأسر مُتْعة.
- العالم يمنحك كلّه، و لا يسألك حفظ حقوق النشر!
- لكلّ قيمة يعتنقها الإنسان ثلاث محتويات: محتوى معرفيّ، ومحتوى وجدانّي، ومحتوى تطبيقيّ.
عند الأوّل: ترتفع الأصوات، و الكل يدّعيه.
وعند الثّاني: تسمع الانتقادات.
وعند الثّالث: لا تجد إلا من صمت في الأولى والثانية، فقد كان همّه... جودة الصّياغة والإخراج.
أنوثة
في هذا الزّمان، أسمع مَنْ لم يدعْ فيّ شيئًا إلا و جعله عوْرة، وكأنّي جسد بلا روح، فيزداد ألمي، و يأسرني حزن عميق، ألتفت... أرى من يفتح لي الأبواب على مصراعيْها، حتى لو أردت الوصول إلى رئاسة الدولة، فيتملّكني القلق، و التوتّر، أريد الأمان، وأبحث عنه سنوات طوال، فأجده قلبًا أمينًا قد حمل هموم نسائه، و فتياته، أراه يحترم كيْنونتي، و أسمعه يتفهم (قِوامتي)!
يخاف عليّ، لا يلغيني من هذه الحياة، لكنّه يرشد بحِكمة عمره خُطُواتي، يريدني امرأة بمئة، أو ربما بألف، و لكنّي ما زلت أنتظر منه صِناعة المرأة الأمّة.
- الفرق بين الرّجولة، و الذّكورة، كالفرق بين الثّكلى، و النائحة المستأجرة!
وِراثة
قد يقبِّل الآخرون جِباهنا، يشكرون (عقلانيّتنا)! وتحمّلنا لثورات غضبهم التي لا تهدأ، تموج معها تيّارات من التّجريح و الانتقاص، و لا يدرون عن عمليّة طرح قاسية، من ثمين عواطفنا، وغالي مشاعرنا قد تمّت، ربما كان الناتج معها بالسّالب، يواسوننا في جروح أجسادنا، إذ جرح الرّوح عندهم رفاهية، يتبرؤون من جفاف دموعنا، يتساءلون: أين بريق عيوننا؟!
يلومون علينا أن لاحت أشعته في عيون الآخرين، عنده تجده، بابتسامته الهادئة، يمنحك الأمل من جديد، يبعثه في عقلك و قلبك و روحك، من دفء إشراقاته، تذوب الحدود بينك و بينه، وريث القول (يارب أمتي)، حبه، دين تدين لله به، فارفق به، و حافظ عليه، لنفسك، و لدينك، ولأمتك، فما أقسى الحياة بدونهم!
دواء الحب
- اخفض صوتك قليلاً، فإني لا أسمعك بأذني، و لكني أستمع إليك بقلبي.
- فكرتك تهمّني أولاً، فهي أنت، ربما أبحث عن شخصك، اسمك أداة تعريف.
- لا توجّه معاول هدمك لنقد ذاتيّ، و ناولني أدوات بنائك لنقد مقالي.
- من أعلمك أنّ يوم سيري في طريق الدّعوة هو يوم موت قلبي؟ ومن أنباك أنّ حملي لهم ديني، قد أخرجني من نطاق البشر؟
لو قدر لك أن تعيش ولو للحظات في عالم غير عالمنا، تصل فيه بمجاهدة النفس من المعاناة إلى الاستمتاع، تكبح جِماح خيالك طاعة لله وحده، و تقف به عند ما أحلّ الله له فقط، تتفقه فيه (راقب دوافعك بصدق متناهٍ، ولا تخبر بذلك أحدًا)، تتيقّن أنّه لا طاقة لك أنْ تتجلّد على ربك، والله لا يريد منك ذلك، لشهدت مشهدًا تتحيّر فيه الألباب، في سكون الليل الآخر، أعانقت الأرض وقتها، أم عانقتك طويلاً، أروَيْت ظَمَأ شوقها إِليك بدموعك، أم فاض عذب مائها حنينًا إليك؟ أيّ عالم أنت فيه الآن؟ من قمّة الضّعف و الانكسار بين يديه - تعالى -، تستودعه أسرارك، ليس لك سواه، فتتولّد قوّة دفع هائلة، تدفعك لتكتشف نفسك، والتي وُلِدت في التوّ واللّحظة من فُيُوضات رحمته، لترى كم أنت إنسان رائع في عطائك، و إثرائك لهذه الحياة، في كل يوم لك جديد! إذا ما خالج قُواك ضعف، تذكرت هده اللَّحَظات، تجدّدها لنفسك، لا تعدل بها الدنيا و ما فيها، ما أوصلك إلا ما ظنّ الآخرون أنّ ظاهره عذاب، ولكن رَحَمات باطنه لا تتبدّى إلا لمن رحم الخلق، و خفض الجناح.
عِتاب
لا شكّ أنّ حُسْن عرض السّؤال، و الوصول به إلى أعلى درجات الوضوح و الشّفافية، يُريح العالم كثيرًا، و يعينه على تصدير إجابات قويّة ونافعة، بل هو وسيلة هامّة لصناعة العلماء، واستخراج الثمين من علمهم، و اكتشاف ما لم يُكتشف من كنوز فقههم، و لكن.....
إذا كان على الأمّة أنْ تصنع علماءها، فعلى علمائها أنْ يعلّموها أولا مهارة الصّنعة، و دقّة الإتقان.
مسارات فقهية(16/29)
رِقّة هذه الذّرات لا تحتمل الخلافات الفقهيّة، ومصطلحاتها، و لكن لا بأس أنْ تحمل الرقّة شيئًا من الشّراسة، إذا لزم الأمر، فالمدح منه المذموم، إذا كان بكذب، و تزوير للحقائق، و هذا مُجْمع على تحريمه، أو ما كان فيه مظنّة الوقوع في الحرام من قبل الممدوح، و هذا حكمه ما بين التحريم، و الكراهة، و من المدح المدح المحمود، فمنه ما هو واجب إنْ كان من باب ذكر الحقّ، أو عند طلبه كتزكية من شاهد على آخر، و منه ما هو مُستحَبّ، كمدح من يستحقّ المدح، أو من يكون المدح مشجّعًا له على الطّاعات و الخيرات و العمل الصالح، وهذا وقع من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا، فكان يمدح أبا بكر وعمر وعثمان وعليّ وجماعات، والأمر في ذلك مستفيض عنه، وعليه كان عمل السلف الصالح ي- رحمهم الله -، ولما جثا المقداد على ركبتيه يحثو التراب على وجه من مدح عثمان، فسّر الفقهاء ذلك بأنّه سمع مدحًا مذمومًا، ومع ذلك فإنّ جمهورهم على أنّ المقصود الإنكار بما يقع به الإنكار، لا أنّ ذلك كل طرق الإنكار، فيا من وحّدت رُؤاك، و حصرت فِقْهك، هلا أعملت بصيرتَك! تُرى... هل من غاب عن أمّته سنوات، أنتج فيها سبعة آلاف مادة، ترى كم كان نصيبه اليوم من عمر زماننا، و لا يزال مُنْحنى إنتاجه في صعود رائع؟ أترى مثل هذا يزيده مدح، أو يوقفه ذمّ؟ و لا نزكّي على الله أحدًا.
لماذا أصبحنا لا نكتفي بالبخل فقط عن التي أصلها ثابت، فوصلنا إلى مستوى من التعطّش لها كاد يهلكنا، فإذا بنا نزجّ بتنفسنا في الحالة النفسيّة المقتضية له، ألا وهي الشحّ (كما ذهب الكفوي في كُلّياته)!
فيا من تقبع في صحرائك القاحلة، هلا حفرْت بئراً! هلا زرعت نبتة خضراء يكون لك أجرها! هلا فجّرت عيناً! هلا سقيت ظبية أهلكها الظمأ! أم أنّك ستبقى تحثو التراب حتى تتلاشى يومًا ما مع غباره دونما أثر لك و لا سيرة!
- هذا زمان الفتن، و القلوب مريضة... وأيّ زمان قد خلا من الفتن، منذ أنْ خلق الله آدم - عليه السلام -.
و لماذا لا نؤسّس وننشئ على معاني الطّهر والتقوى القلوبَ والأنفسَ التي تحتاج إليها دعوتنا اليوم، ونصبر على ذلك، بدلاً من أنْ نؤكّد دوماً على عيْب زماننا وفِتَنه؟
أَوَ ليْسَ التأسيس أولى من التوكيد!
- خلق الله للطّيف سبعة ألوان جميلة، ولكنّنا لا نراها إلا عندما تغتسل الدنيا من ذنوبها، ونحن نريد أنْ نخنق البشر بحزام لونّي واحد، أليس في هذا مصادمة لسنن الله - تعالى - في كونه؟
و متى نرى ألوانهم الجميلة؟
إضاءات
عندما تطالع الكتب و المقالات تتعرّف على العالم والمفكر، وعندما تتجوّل في رياض الإضاءات، تكتشف الإنسان، روح تسبح في فضاء هذا الكون العريض، تبحث عن الحقيقة، الحبّ، الجمال، الصّدق، معها تواجه نفسك، تعيد ترتيب أوراقك، من بين سطورهم، سطور لم تقرأ بعد، تتساءل... لم لا تكتمل؟
هُمُومُه و هُمُومي
أمّته... وذاتي، شموخ عِلمه... وغرور جهالاتي، ورشد سيره... وطفولة خُطُواتي، وحِكمة عمره... وجنون أيّامي، و ثَراء حروفِه... وفَقْر مقالاتي، وعُمْق جذوره... وتسلّق وُرَيْقاتي، وهدوء بحره... وصَخَب شُطْآني، وصِدق وقائعه... وادّعاء أحلامي، وبيّنة دعواه... ويمين نُكراني، وفُيُوضات مِداده... وبخْل أنفاسي، وبسط كفّيه في زمن الانقباض، ووهج شموعه في حالك ظلامي، وبلْسم رياحينه... ووَخْز أشواكي، وذَوَبان حدوده... وتجمّد أسواري، وانطلاقة روحه من أغلال انتقاداتي، وتفرّد نسيجه... وتشابه خِيطاني، وجديد غزله... وقديم ثيابي، وجمال لبّه... وقشور بهائي، وطحْن خلاياه... وجَعْجعة نبراتي، ولوْعات قلبه... وجمود عَبَراتي، وأنين ليله... وطول غَفَواتي، وحرّ دموعه... وبرودة أجفاني، وعمق احتوائه... وشرود ذرّاتي، وفيء ظِلاله... وحر ّصحرائي، وروْعة مَتْنه... وعَبَث أشعاري، وإشراقات إضاءاته في ليل حياتي.
و بالرغم من كل هذا، لا زال يصبر، و يربّى، و يعلّم...
يا لها من نفس!
وأخيرًا
يا رُفْقةَ الرّوح في زمان غربتي، إذ الحديث منكم وإليكم، في ثوانٍ اختطفناها من عمر الزّمان، كان يومًا ما حلمًا جميلاً، يُداعب طيفه خيالي، فبات حقيقة، أَوْرَقت لها أيّام عمري، وأينعت زهور دربي، فكان ميلاد ذراتي، أين ما كنتم.
وحيثما ذُكِر اسمُ اللهِ في بلدٍ*** عدَدْتُ ذاك الحِمى من لُبّ أوطاني
في أيّ زمان جئتم، (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ...)[الحشر: من الآية10] يفيض الشّوق حنينًا إليكم، تترقرق دَمَعات في عيوني.
أُحبّكم في الله.
بعدها... تصمت ذراتي، فقد ذابت كل لغات البشر.
23/7/1425
08/09/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
==============
هكذا علمنا السلف ( 79 ) حجاب العقل الشهوة:
د. يحيى بن إبراهيم اليحيى
قال الوزير العباسي بن هبيرة الدوري: «إحذروا مصارع العقول، عند التهاب الشهوات»(1).
الباب الحادي عشر: عدم الانتماء إلى اسم يجر إلى التحيز عن سائر المسلمين:
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: «من أقر باسم من هذه الأسماء المحدثة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه»(2).
الانتماء إلى ملة محمد - صلى الله عليه وسلم - فقط:
عن ابن عباس قال: قال معاوية: «أنت على ملة علي، قلت: ولا على ملة عثمان، أنا على ملة محمد - صلى الله عليه وسلم -»(3).
عن ابن طاووس عن أبيه قال: قال رجل لابن عباس: «الحمد لله الذي جعل هوانا على هواكم، فقال ابن عباس: الهوى كله ضلالة».(16/30)
قال: فقال ابن عباس: قال لي معاوية: «أعلى ملة ابن أبي طالب أنت؟ قلت: ولا على ملتك، أو قال: ولا على ملة عثمان، أنا على ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»(4).
-------------------------
(1) ذيل طبقات الحنابلة 1 / 275.
(2) الإبانة 1 / 389.
(3) رواه عبد الرزاق في المصنف 11 / 453؛ واللالكائي من طريق إسحاق بن يوسف، ثنا سفيان به، رقم 133؛ وذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية رقم 2915. (الإبانة 1 / 354 - 355).
(4) رواه الآجري من طريق رباح بن زيد عن معمر به، ص 58؛ ورواه اللالكائي من طريق بشر بن موسى، رقم 225؛ ورواه الهروي في ذم الكلام(ق 54 /1). (الإبانة 1 / 355).
http://www.taiba.org المصدر:
============
غيث القلوب
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
المؤمن الصالح كالغيث النافع لا تطيب الحياة إلاَّ به، ولا يحلو العيش إلاَّ معه.
والناس في نفعهم لغيرهم على ضروب شتَّى ومنازل متفاوتة.
فمن الناس من خيره كماء الآبار المستقر في جوفها، لا تنال من خيره ولا تحصل على معروفه إلاَّ بالذهاب إليه، وإنزال دلوك فيه، وبذل المشقة في الحصول عليه.
ومن الناس من خيره كماء الأنهار الساري فوق وهادها والجاري في أوديتها، يدرك منفعته من يسري في أرضه ويجري على ثراه ومن يسعى إليه ويقف على ظفَّتيه.
ومن الناس من خيره كماء الغيث الذي يهمل فوق الوهاد ويهطل على الثنايا وينزل في كل واد، فينال منه السهل والجبل والمرتفع والمنخفض والبحر الأجاج وهامدات الفجاج.
فيحيي الله به الأرض بعد موتها، وتنشرح به الصدور بعد انقباضها، وينبت به الزرع الهامد، ويدر به الضرع الجامد، وتكتسي به الأرض زخرفها.
تفرح به البهائم وتحلو به النسائم، ولذا فالخلائق ترقبه والكائنات تنتظره، فإذا ما لاح برقه وصوَّت رعده وتلاحمت مزونه، ارتفعت الأيدي للمعيد المبدىء بأن يرسله من سمائه وينزله من عليائه.
فالغيث حيثما وقع.. نفع، فهو طاهر في ذاته ومطهر لغيره.
وهذا مثل العلماء والدعاة، فخيرهم متعدي لغيرهم، ونفعهم منبسط لسواهم، وفضلهم ليس حكرًا عليهم.
تعمر بهم المجالس، وتأنس بهم النفوس، وترتاح لهم الأرواح، فهم يعلمون الجاهل، وينبهون الغافل، ويذكرون الناسي، ويحذرون القاسي.
يذودون عن إسلامهم بنفوسهم، ويبذلون دنياهم لإعلاء دينهم، فإذا ما تلذذ أهل الدنيا بدنياهم، كانوا عنهم بمعزل، فلا لذَّة لهم في غير دينهم الذي ملك عليهم نفوسهم، وحكم بشرائعه وشعائره حركاتهم وسكناتهم.
فالناس في حاجة ملحة للعلماء والدعاة أكثر من حاجتهم لطعامهم وشرابهم، فحياة قلوبهم خير لهم من حياة قوالبهم، لو كانوا يفقهون!
وهل للأرض حياة دون ماء السماء؟!
وهل للقلوب حياة دون وحي السماء؟!
أجيبوا.. أيها العقلاء!
* لفته!
رعاكم مولاكم يا ورثة الأنبياء..
فما أجمل أثركم على الناس! وما أقبح أثر الناس عليكم!
فلا تحزنوا.. ولا تركنوا، فيوم الجزاء بين أيديكم!
وسلام الله عليكم!
17-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
================
سريع الذوبان
محمد بن سرار اليامي
رأيت أن الموافقة في الطبع تحمل الإنسان على فعل بعض مالا يعتقده وتبجيل من لا يحبه ولكن بدعوى موافقة الطبع وقع ما وقع هذا الإنسان سريع الذوبان شخصيا في الآخرين..والدافع لهذا أصلين:
أولهما:
الضعف الذي يكون في الشخصية
ثانيها:
التعلق بالطرف الأخر، لمشاكلته في الصفات، والسجايا، والأخلاق..
وقد يكون هذا نابع من المحبة، إذ أن المحب خاضع ذليل مذلل لمن يحبه..
إخضع وذل لمن تحب
فليس في شرع الهوى أنف يشال ويرفع
وكم من عمل كان الدافع له الموافقة في الطباع، والمشاكلة في الأخلاق، صار رفاتاً رميماً بالياُ..
لا روح فيه، ولا ثمرة منه إلا الخسارة..
إذا أن الدافع لأنشائه المشاكلة لا الموهبة والقناعة، وهذا مسقط للعمل من البداية..
والمقصود أن أعمالا كثيرة كان الدافع لإنشائها المشاكلة، والموافقة لأصحابها سقطت سقوطا سريعا.. وحققت خسائر عجيبة، وهذه ثمرة ما بني على العاطفة..
والعقل في هذا الباب هو الزمام للعاطفة..
فمن أهمل الإلتفات إليه إنطلق رباط غير العاطفة، ووقع فيما وقع فيه..
فلابد للنجاح في المشاريع على إختلاف أنواعها من التخطيط.. وحسن الإدارة المستقبلية، والتنظيم، وحسن إغتنام الفرص وليس العاطفة فقط...
يقول الدكتور عبد الكريم بكار كلاما لطيفاً في هذا مغاده أن الآخرون لا يؤثرون في أوضاعنا الشخصية إلا عند ما نكون في وضعية عقلية وشعورية هشة وغير متزنة ولذا فإن علينا أن نلوم أنفسنا، ونحاول جعلها أكثر تماسكا قبل أن نلوم الآخرين، ونوجهم على تدخلهم في شؤوننا.. أ. هـ.
"وتذكر"
يقول أحدهم: -
• تكون الحياة سعيدة عندما تبدأ بالحب وتنتهي بالطموح
• إذا لم تغامر في حياتك بشي والا فلن تملك شيء
• يقول أبو حنيفة رحمة الله:
عادات السادات، سادات العادات
يقول أهل الغرب: الكلب لا يحلم إلا بالعظم والضفدع لا تملك أثمن من مستنقعها..
" يقول القروي "
فلم أرى كالعادات شيئا
بناؤه يسير وأما هدمه فعسير
http://saaid.net المصدر:
==============
هكذا علمنا السلف ( 78 ) التخليط عاقبته التخليط والتصفية كذلك:
د. يحيى بن إبراهيم اليحيى
عن مالك بن دينار: «من خلّط خلّط له، ومن صفّى صفّى له، وأقسم بالله لئن صفيتم ليصفينّ لكم»(1).
لا تخادع نفسك:
أرسل عمر بن عبد العزيز إلى أحد ولاته فقال: «أما بعد: فاعمل عمل رجل يعلم أن الله لا يصلح عمل المفسدين»(2).
فلم خداع النفس وطلب النصرة بعمل فاسد في مضمونه أو نيته، فمن يعلم حق اليقين بأن الله لا يصلح عمل المفسدين فليجتهد بإصلاح العمل.(16/31)
قال سفيان بن عيينة: «من أصلح ما بينه وبين الله: أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه»(3).
لا خفاء وإن حرصت:
قال ابن تيمية: «إنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه»(4).
فاقد الشيئ لا يمنحه:
قال يحيى بن معاذ: «لا ينصحك من خان نفسه»(5).
السيئة تجر لك أخواتها:
قال سعيد بن جبير: «إن من ثواب الحسنة: الحسنة بعدها، وإن من عقوبة السيئة: السيئة بعدها»(6).
قال عروة بن الزبير بن عوام: «إذا رأيت الرجل يعمل السيئة فاعلم أن لها عنده أخوات، وإذا رأيته يعمل الحسنة فاعلم أن لها عنده أخوات»(7).
فما في الأرض أشجع من برى ولا في الأرض أخوف من مريب
---------------------
(1) الإبانة 2 / 480.
(2) تاريخ الطبري 6 / 567. (العوائق لمحمد الراشد / 206).
(3) مجموع فتاوى ابن تيمية 7 / 10.
(4) مجموعة فتاوى ابن تيمية 18 / 272
(5) العوائق لمحمد الراشد / 250.
(6) مجموع فتاوى ابن تيمية 10 /11
(7) تهذيب التهذيب 7/ 183
http://www.taiba.org المصدر:
-===========
همم لا ترضى بغير القمم
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
دخل أحد المشايخ إلى أحد المساجد ليصلي فيه صلاة المغرب، فإذا بغلام صغير يدخل في المحراب ليؤم الناس لتلك الصلاة..
قال الشيخ / فعجبت لجرأته وإقدامه!
وقام ليصلي بصوت شجي، ينشرح له الصدر، ويطيب به الخاطر، وإذا بالقرآن ينداح من فيه غضًا نديًا كما أنزل، تستعذبه الأسماع وتطرب له القلوب..
قال الشيخ / فسحَّت دمعتي وتحدَّرت عبرتي من غير حولٍ ولا طول مني..
وبعد أن فرغ الشيخ من صلاته.. تقدَّم ليسلِّم على الغلام الإمام..
وقال له: كم تبلغ من العمر يا بني؟
قال الغلام: إحدى عشرة سنة
قال الشيخ / فكم تحفظ من القرآن؟
قال الغلام: أحفظه كاملاً عن ظهر قلب ـ ولله الحمد والمنة.
قال الشيخ / فأكبرته وأعظمته، وقلت في نفسي / وا لهف نفسي على كثير من شبابنا الضائع الذي لا يحفظ إلاَّ ما يخجل! وقد غدا القرآن ـ فضلاً عن غيره ـ عنده نسياً منسيّاً واتخذه وراءه ظهريّاً.
قال الشيخ / فبادرت الغلام بالسؤال: من قدَّمك لتصلي بالمسلمين؟
ارتج عليه، وتناثرت الحروف على شفتيه، وتعثرت الكلمات في فيه، وقال بصوت متهدج:
والدي قدمني..
فقال الشيخ: لا.. يا بني!
لم يقدِّمك والدك، وإنما الله؛ هو الذي قدَّمك ورفعك ونفعك بهذا القرآن!!
وحقاً وصدقاً [إنَّ الله ليرفع بهذا القرآن أقواماً ويخفض به آخرين]
بقي أن نعلم ـ أحبتي ـ أن هذا الغلام وإخوانه الأصغر منه ـ ذكوراً وإناثاً ـ حفظوا القرآن بفضل الله ثم بفضل والدهم الذي كان يحبسهم من بعد صلاة العشاء إلى الساعة الثانية عشر ليراجع معهم القرآن، فأتموا حفظه في هذا السنِّ المبكر.
فسبحان من أوصلهم بهذه الهمم لهذه القمم!
سؤال أخير؛ ماذا يدور في بيوتنا بعد صلاة العشاء إلى ما بعد منتصف الليل؟ ماذا نقول ونعمل؟ ماذا نسمع؟ وماذا نرى؟!
تلك ـ والله! المعضلة العظمى والمشكلة الكبرى!
17-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
=============
لا تترك خبزك
محمد بن سرار اليامي
فإن من ترك خبزه أكلته الدجاج، ومن ترك فنه ولج فيه كل جاهل..ولقد رأيت أن السكوت عن الحق منه رفعة للباطل..
وجرئه للسفهاء، والعالة، علي بسط المقال في كل ما هب ودب..
ومن هذا يجب على طلاب العلم وأهل الفضل والصلاح بيان الحق في حال الحاجة إليه وعدم السكوت وقت الحاجة للبيان، إذ أن السكوت عند الحاجة للبيان نقص وضعف وخور.. في المنهج والطريقة يقول - عليه الصلاة والسلام - بلغو عني ولو آية "..
وقد حدثني أحد المحبين عن موقف له فقال كنت في منزل قريب لي، ودار الحديث عن بعض قضايا الشريعة، ولم يكن في المجلس من أهل العلم الشرعي المختصين إلا أنا...
ولكن منعني صغر السن، والحياء من صاحب الدار، أن أشارك في الحوار..
والشاهد..
أن كل من هب ودب شارك في طرق الموضوع وو الله لم أجد من بينه حق البيان...
وشفى صدري مما كان..
ثم طلب صاحب الدار مني أن أشارك في الحوار..
فحمدت الله وولجت في الموضوع وكنت على شدة فرحي بالبيان أشد فرحا بما قال أحدهم لي أين أنت عنا من الصباح؟ !!
فعلمت أن الناس بحاجة لطالب العلم أن يبين لهم الحق ولا يكتم ما يحمله فإنها الإثم على من كتم...
فقلت لصاحبي.. :
بعد هذا الموقف ماذا قررت؟!
قال قررت أن أشارك بكل أدب في طرح مؤدب، واضح بعيد عن الجرح
للأشخاص، والهيئات، والمؤسسات، قلت: نعم القرار..
وليس العلم إلا بالتعلم..
وليس الحلم إلا بالتحلم
و لا تنس..
أعمل بعلمك تغنم أيها الرجل *لا ينفع العلم إن لم يحسن العمل
فالله.. الله.. بالعمل بهذا القرار
"تذكر"
• إن الواثق بنفسه يقود الآخرين دائما فكن أنت القائد..
• يقول الترك: " من يتردد بين مسجدين لا يؤدي الصلاة.
• قلت: من يتردد بين المقعدين يسقط على الأرض.
• قال سفيان الثوري: " من عرف نفسه لا يضره ما يقوله الناس فيه
http://saaid.net المصدر:
=============
هكذا علمنا السلف ( 77 ) يقظة القلب:
د. يحيى بن إبراهيم اليحي
عن بكر بن ماعز قال: كان الربيع يقول إذا قيل له: كيف أصبحت يا أبا يزيد؟ يقول: «أصبحنا ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا، وننتظر آجالنا»(1).
رقة القلب تحمل على الاستفادة ممن دونك:
قيل للإمام أحمد: «يا أبا عبد الله: هذه القصائد الرقاق التي في ذكر الجنة والنار، أي شيء تقول فيها؟ فقال: مثل أي شيء؟ قال: يقولون:
إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني؟
وتخفي الذنب من خلفي وبالعصيان تأتيني؟(16/32)
فقال: أعد عليّ، قال: فأعدت عليه، فقام ودخل بيته، ورد الباب، فسمعت نحيبه من داخل البيت، وهو يقول:
إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني...؟ »(2).
قسوة القلب أعظم العقوبات:
عن جعفر: سمعت مالكاً (هو ابن دينار) يقول: «ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب»(3).
الاهتمام بصلاح القلب وطلب علاجه:
وقال مالك بن دينار: «لو أعلم أن قلبي يصلح على كناسة لذهبت حتى أجلس عليها»(4).
وقال مالك: «إن لله - تبارك وتعالى - عقوبات في القلوب والأبدان، وضنكاً في المعيشة، وسخطاً في الرزق، ووهناً في العبادة»(5).
تستقل القلوب في مجالس الذكر وبها تنال مراجعة للنفس:
عن بلال بن سعد أن أبا الدرداء قال: «كان ابن رواحة يأخذ بيدي، ويقول: تعال نؤمن ساعة، إن القلب أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غلياناً»(6).
قال عمر بن عبد العزيز: «ولتجلسوا، حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً»(7).
وصفة لتليين القلب؟
«إذا رأيت من قلبك قسوة فجالس الذاكرين، واصحب الزاهدين»(8).
قال علقمة بن قيس النخعي: «امشوا بنا نزدد إيماناً، يعني يتفقهون»(9).
كان ميمون بن مهران يذهب إلى الحسن البصري ويقول: «يا أبا سعيد: قد آنست من قلبي غلاظة، فاستلن لي منه»(10).
«من مثلك يا ابن آدم؟ خلي بينك وبين المحراب تدخل منه إذا شئت على ربك، ليس بينك وبينه حُجّاب ولا ترجمان»(11).
---------------------
(1) كتاب الزهد للإمام أحمد / 448.
(2) مناقب أحمد لابن الجوزي / 205. (المنطلق / 30).
(3) كتاب الزهد للإمام أحمد / 448.
(4) كتاب الزهد للإمام أحمد / 448.
(5) كتاب الزهد للإمام أحمد / 448.
(6) كتاب الزهد لابن المبارك / 490.
(7) صحيح البخاري 1 / 35.
(8) العوائق لمحمد الراشد / 193.
(9) العوائق لمحمد الراشد / 193.
(10) العوائق لمحمد الراشد / 194.
(11) العوائق لمحمد الراشد / 194.
http://www.taiba.org المصدر:
===========
ظاهرة مقاهي الإنترنت السلبيات والإيجابيات
محمد العولقي
الحديث عن الشبكة العنكبوتية الإنترنت حديث متشعب وذو شجون بقدر تشعب وتنوع هذه الشبكة العنكبوتية المترامية الأطراف، فما إن ظهرت خدمة الإنترنت في الساحة العربية والإسلامية وبالأخص في الشرق الإسلامي الشرق الأوسط [1] إلا وانتشرت معها الخدمات المساعدة والمتطلبات التأسيسية لهذه الخدمة فنجد أن شركات الاتصال والكهرباء، والإلكترونيات، وخدمات الحاسب والبرمجة كلها لها صلات تختلف في قوتها ومدى ارتباطها بالحاجة المقدرة في تفعيل الشبكة العنكبوتية وتشغيلها من واحدة لأخرى.
وتأسيسًا على ما سبق نعلم أن الساعي للحصول على هذه الخدمة وللإبحار في سماء الشبكة العنكبوتية، يحتاج لعدة متطلبات أساسية لكي يبدأ بالإبحار.
وذلك يكمن في وجود جهاز متطور فاكس مودم مزود للخدمة عن طريق الاتصالات، هذا في الأصل، ولا يخفى أن توفير مثل هذه المتطلبات لا يتأتى لكل إنسان خاصة في البلاد العربية والإسلامية؛ وذلك لضعف الدخل والتكاليف الباهظة التي تُوسَمُ بها هذه المتطلبات.
لذلك جاءت الفكرة المستقاة من الدول الغربية، وهي توفير أماكن عامة توفر هذه الخدمة بمقابل زهيد في أماكن عامة، علمًا بأن هذه الفكرة قد بدأتها في بلاد الغرب في جامعاتها ومعاهدها، ومراكز أبحاثها، ثم انتقلت لعامة الناس المريدين لها.
وقد انطلقت أول سلسلة في العالم من هذه المقاهي في عام 1995 م في المملكة المتحدة حيث تسمى هناك باسم YBERPUBS [2].
وعندما أريد توفير هذه الخدمة في المملكة كان الغرض منها تجاريًّا بحتًا بغض النظر عن العواقب [3]. فجاءت الفكرة بمسمى مقاهي إنترنت امتلأت بها الأحياء في مختلف البقاع.
وفي هذه الأسطر سنتطرق باقتضاب لـ مقاهي الإنترنت، وذلك من خلال المحاور التالية:
(خلفيات نشوئها وانتشارها، مكونات المقاهي، أصناف الطبقة المرتادة لها، السلبيات الناشئة منها، الإيجابيات).
خلفيات نشوئها وانتشارها:
لعلنا تطرقنا لشيء من هذا في المقدمة، وقلنا: إن التكاليف الباهظة وقلة الدخل هما السببان الرئيسان لنشوء تلك المقاهي، وتوجد أسباب أخرى كأن تكون هذه المقاهي مكانًا مناسبًا للزائرين من خارج المدينة كالطلاب، وأصحاب البعثات ونحوهم ممن لا يتنقلون، ولا يمتلكون أجهزة الحاسوب المحمولة، وأيضًا من مسوغات انتشارها الربح الناتج من تشغيلها، وذلك يرجع إلى سعر الساعة الواحدة في المقهى الذي يتراوح بين 15 إلى 8 ريالات للساعة الواحدة، وهذا يعتبر ثمنًا باهظًا لو نظرنا إلى قيمة الاشتراك بالمزود الشخصي عن طريق شركات البطاقات المدفوعة، حيث نجد أنها في الغالب تبلغ تكلفة الساعة ريالان أو أقل أحيانًا، وفي كل يوم تنخفض القيمة بسبب التنافس المحموم بين الشركات التي توفر هذه الخدمة لزبائنها.
مكونات المقاهي:
مكونات المقاهي والهيئة التشكيلية لها، اشتراكها في عنصر واحد أساسي وهو الذي قامت من أجله.
أجهزة الحاسب الآلي وملحقاتها التي تزودها بالاتصال بالشبكة العنكبوتية.
وتشمل بعض المقاهي إضافة للأجهزة على ركن المشروبات الساخنة والحارة، وتتفاوت أسعارها من الأسعار التقليدية إلى الأسعار الباهظة بحسب فخامة المقهى.
كما تحوي بعض المقاهي صالة ألعاب وبالأخص لعبة البلياردو، وقد يضاف إليها تنس الطاولة، وهذا يتطلب مكانًا رحبًا.
هذه باقتضاب مكونات مقاهي الإنترنت، وقد تفاوتت في خدماتها، فمنها ما اقتصر على الإنترنت، ومنها ما أضاف ركن المشروبات، والبعض جمع بينها كلها [4].
أصناف الطبقة المرتادة لها:(16/33)
قبل أن نخوض في أصناف المرتادين، يستحسن أن نعرج على سبب الإقبال على مقاهي الإنترنت، وسنذكر هنا باقتضاب أهم الأسباب المؤدية لزيادة الإقبال على هذه المقاهي غير ما ذكر سابقًا.
1- إهمال الآباء، وضعف مراقبة الأسر لأبنائهم، ففي إحصائية وجد أن 55% من رواد المقاهي من الأبناء لا يعلم أهلوهم بوضعهم [5].
2- الفراغ الممتد في يوم الشاب والفرار من الأعمال الجادة.
3- توفر السيولة المالية لدى كثير من الشباب.
4- لا يمكن إجراء رقابة صارمة أو محكمة على هذه الخدمة لأنها شبكة دولية تتجدد فيها المواقع خلال الدقيقة الواحدة.
5- الفضول والبحث عن الممنوع دون أي رقيب، أو حسيب من البشر.
6- أن الكثيررين من الذين يقومون بعمليات التخريب على أجهزة الآخرين يمكن التعرف عليهم فيما لو استعملوا أجهزتهم الشخصية، فيلجأون إلى هذه المقاهي لتقيد جرائمهم ضد مجهور.
7- تحفظ كثير من الأسر من إدخال الإنترنت في البيوت جعل العديد من الشباب يبحثون عن المتعة من خلال هذه المقاهي.
أما أصناف المرتادين من جهة أعمارهم فسأضع بين يديك أخي القارئ بعض الأرقام المخيفة والمهولة، علك أن تدرك شيئًا من أوجه الخطورة المتربصة بالشباب الناشئ:
1- في استبانة وزعتها مجلة خليجية على عدد من مقاهي الإنترنت وجد أن 80% من مرتادي هذه المقاهي أعمارهم أقل من 30 سنة [6].
2- تقول إحصائية أخرى أن 80% من رواد مقاهي الإنترنت في سن خطرة وحرجة جدًّا.
سلبيات المقاهي:
إن المشاهد لتلك المقاهي وروادها من الشباب لا يستطيع أن يتغافل عن المساوئ التي أنتجتها تلك المقاهي قاصدين ذلك، ولكن عندما يكون رواد تلك المقاهي من الناشئة والشباب الطموح نعلم مدى سلبيتها التي تنعكس على الكثيرين وليس الكل، ولعلنا نبرز المساوئ والسلبيات فيما يلي:
1- الحرية في استخدام الشبكة في الأمور المحرمة شرعًا، كالمواقع الجنسية المترامية الأطراف، وهناك إحصائية مهولة بعدد المواقع الجنسية على الشبكة العنكبوتية، وضحايا تلك المواقع من الشباب والمراهقين كثيرون جدًّا.
وتذكر الإحصائيات أن الصفحات الإباحية يبلغ عدد زوارها (280034) وبعضها يستقبل أكثر من (2000) زائر يوميًّا.
2- استخدام الحاسب في التعدي على الغير، وممارسة تخريب واختراق أجهزة المستخدمين بحيث يأمن أنه لن يخسر شيئًا لو تعرض جهازه الذي يعمل من خلاله لأي اختراق أو تخريب.
3- ضياع الوقت الكبير مع توفير الجو المساعد للبقاء في المقهى، كأن يتم إنقاص سعر الساعة في مقابل استخدام ساعتين فأكثر، مما يسيل لعاب المرتاد، خاصة إذا علمنا أن غالب تلك الأجهزة بطيئة جدًّا، يستغرق فتح الموقع فيها التحميل وقتًا طويلاً نسبيًّا.
وإليك أيها القارئ هذه الإحصائيات في إهدار الأوقات الطائلة في تلك المقاهي:
في استبانة وزعت في مقاهي الإنترنت في دولة خليجية وجد أن 68 % من مرتادي هذه المقاهي يقضون أكثر من 3 ساعات يوميًّا على الإنترنت. ومنهم من يزيد على 10 سنوات.
ويذكر أن أحد زبائن مقهى الإنترنت يجلس 16 ساعة يوميًّا على الرغم من كونه موظفًا يذهب للدوام الوظيفي للتوقيع وتوزيع الابتسامات فقط، يقول صاحب المقهى: يجلس معنا في المقهى من الظهيرة إلى صباح اليوم التالي، يضيع وقته في المحادثة فقط.
وقال صاحب مقهى إنترنت آخر من أغرب الأمور -ولعلك لا تصدقها - لدينا زبون لا يذهب إلى المنزل إلا ساعة واحدة فقط يوميًّا، ويقضي يومًا بالكامل أمام الإنترنت ويتراوح عمره بين 29 - 30 سنة ويقضي معظم الوقت في المحادثة [7].
وجاءت نتيجة استبانة مجلة سعودية بعد زيارة لعدد من مقاهي الإنترنت لتؤكد خطورة هذه الشبكة على كثير من الشباب، فمما ذكر فيها:
أ- 60 % من رواد المقاهي يقضون أوقاتهم في مواقع المحادثة أو ما يسمى بغرفة الدردشة (Chatting).
ب - 20 % للمواقع الثقافية.
ج- 12% للمواقع الطبية والحاسوبية والتجارية.
د- 8% للمواقع السياسية [8].
4- الجو غير الصحي لهذه المقاهي، فرائحة السجائر أمر مشاع في غالب المقاهي إن لم يكن كلها، مما يسبب بعض الأمراض الناتجة عن استنشاق الرواح المنبعثة من تلك السجائر المحرمة شرعًا، هذا مع وجود بعض الأحداث الذين يستمرئون استنشاق الدخان ومن ثم شربه وأيضًا وضع بعض المقاهي شاشات تعرض بعض القنوات الفضائية الخليعة ناهيك عن الموسيقى الهادئة التي تعم أرجاء المكان، وهذا كله من المحرمات.
5- اجتماع فئات قد لا تكون في الأعم الأغلب صالحة أو ممن يحسن الاجتماع بهم مما تنشئ لنا مع الزمن أصدقاء مقاه لا يعلم حالهم.
إيجابيات المقاهي:
الإيجابيات والمنافع التي تُرْجَى من تلك المقاهي قد تكون ضئيلة في ظل التكلفة الباهظة لها، والمفاسد الشرعية التي تحتف بها.
لكن ومن باب العدل لا بد من ذكر إيجابياتها فمما جاءت به تلك المقاهي:
1- تهيئة المكان والجهاز بأوضاع مناسبة غالبًا، مع الخدمة المتميزة بمتابعة المرتاد وتلبية طلباته تقنيا وتعليميا.
2- تمكين الزائرين القادمين من خارج المدينة من التصفح والاطلاع وإنجاز أعمالهم عن طريق المقهى.
3- اتصال المغتبربين القادمين من بلدان شتى، وتمكينهم من محادثة أقاربهم وذويهم عن طريق بعض البرامج المساعدة لذلك كتابة كانت أم صوتية.
4- استخدام المقاهي كبديل لمن تعرض جهازه للعطل حيث يمضي فيه بعض الوقت لإنجاز أعماله ريثما ينتهي إصلاح جهازه الخاص.
فتوى في مقاهي الإنترنت:
سئل عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ الدكتور عبد الله المطلق عن مقاهي الإنترنت وحكمها وحكم ارتيادها؟ فأجاب قائلا:(16/34)
مقاهي الإنترنت الموجودة الآن معظمها يظهر عليها الاستعمال السيئ فكثير من الشباب يستغلونها في الإيذاء والمغازلات المحظورة شرعًا، وبما أنه غلب عليها هذه الصفة فإنها تصبح حينئذ محرمة، لماذا؟ لأن أغلب مرتادي المقهى إنما يطلبون هذا الأمر ولو ظهر أن هناك مقهى اشترط الدخول إلى المواقع النافعة، والاستفادة من العلوم والتقنيات المعاصرة مما عند الآخرين فتكون حينئذ من الأمور المشروعة الطيبة، وينبغي تشجيعها والاستفادة منها، لكن الذي نعرفه الآن من هذه المقاهي أنها تعطي الشاب الحرية في الوصول إلى ما يريد، وهذه أصبحت الآن مثل السفر إلى الخارج، وبات مألوفًا أن بعض البلدان إنما يسافر الناس إليها للفساد ولهذا لو سئلنا عن السفر إليها فإننا ننهي عنها؛ لأننا نعرف أن هذه البلاد منذ أن يصل الإنسان فيها إلى المطار وهو يُدعى إلى الفساد فلذلك يحذر العالم الناس من الذهاب إلى هذه البلاد، فمثل هذا يشاكل المقاهي التي تكون مدخلاً سلبيًا يرتادها الشباب للإيذاء، والدخول إلى المناطق المحظورة، والاطلاع فيها فإن هذا مُضِرٌّ ولا يجوز أبدًا للمسلم أن يَتَّجِرَ فيها، ولا أن يكسب مالاً من تسهيل المحرمات على أبناء المسلمين اهـ.
هذا ما أسعفني به الخاطر في هذه العُجَالة، وظاهرة المقاهي حَرِيَّةٌ بالتوقف عندها، وإجراء الإحصائيات لقياس مدى تأثيرها على الشباب والنشء، لكن المتابع لها، والناظر لحالها يعلم أن ضررها أكثر من نفعها، وشرها أظهر من خيرها إن وجد والله الموفق.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تسمية الشرق الإسلامي بالشرق الأوسط تسمية لها غرض سياسي لا يعلمه الكثير، وذلك أن في تسميته بالشرق الإسلامي إخراج اليهود ودولتهم إسرائيل من خريطة هذا العالم المسلم، لكن عبارة الأوسط تشملهم بالتأكيد.
(2) انظر: مجلة الفتيان، عن الشباب والإنترنت لعادل عبد العالي.
(3) هذا في العموم الأغلب، إني لا أظن أن هناك من أنشأ مكانًا للإنترنت من ماله الخاص لغير الكسب المادي البحت.
(4) لا ننسى أن ننوه أن هناك مقاهي بتوفر بها قسم خاص للنساء، وفي البعض منها محذورات شرعية كالاختلاط.
(5) مجلة الفرقان عدد (108).
(6) المصدر السابق.
(7) مجلة الفرقان عدد (118).
(8) مجلة المعرفة عدد (51).
http://www.deen.ws المصدر:
=============
تعب السعداء
أحمد بن عبد الرحمن الصويان
روى البخاري في قصة نزول الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ورقة بن نوفل لمّا أخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى قال:
ليتني أكون حياً إذ يُخرجك قومك، فقال رسول الله: أومُخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي.
عجيب أمر المصلحين.. يواجهون بكل أنواع الظلم والمحاربة والاستهزاء، ومع ذلك فهم صابرون محتسبون.. !!
........................
عجيب أمر المصلحين، يخرج المصلح منهم وحيداً فريداً يقف بمفرده أمام الأمة بمجموعها لا يضره من خذله ولا من خالفه، يتألب عليه الخاصة وينفر منه العامة، يصفونه بأقذع الصفات ويتهمونه بأبشع الأخلاق، ومع ذلك فهو رافع الرأس، عالي الهمة، صادق العزيمة.. !
ينظر المصلح إلى الناس من حوله فيجد الانحراف والضلال والبعد عن شرع الله فيتحرك قلبه، ويهتز ضميره، ويصبح ويمسي مفكراً في هموم الأمة وأحوالها يظل قلق النفس حائر اللب لا يهدأ باله بنوم أو راحة، ولا تسكن نفسه بطعام أو شراب..
وكيف يقوى على ذلك أو يرضى به وهو يرى أمته تسير إلى الهاوية، وفصول الهزيمة والاستكانة تتوالى تباعاً.. !!
.......................
إنّ المصلح صادق مع نفسه، صادق مع الآخرين، يجهر بالحق، ويُسمي الأشياء بأسمائها، ويكره التدليس والخداع وتزوير الحقائق، ولا يرضى بالمداهنة أو المداورة، وهذا ما لا يرضي العامة الذين ألهتهم شهواتهم وأهواؤهم عن ذكر الله، كما لا يرضي المتنفذين الذين يستمدون وجودهم ومكانتهم من غفلة العامة وسكرتهم.
ينطلق المصلح مستعيناً بالله - تعالى - يجوب الآفاق رافعاً صوته بكلمة التوحيد الخالص لا يعتريه فتور ولا خور، ولا يقعده عن أمانة البلاغ رغبة ولا رهبة ولا خوف، لأن القلب العامر بنور الإيمان يكتسب قوة وثباتاً يستعلي بها على زخرف الدنيا وبطش الجبابرة.
إن عظمة المصلح تتجلى في ثباته ورباطة جأشه وقدرته على مواجهة الناس، بدون كلل أو ملل فالحق يمكن أن يصل إليه الكثيرون، ولكن الصدع به والثبات عليه والصبر على الأذى فيه منزلة شامخة لا يصل إليها إلا المصلحون الأفذاذ.
إن عظمة المصلح تتجلى في رعايته لهموم الأمة كبيرها وصغيرها، دينيها ودنيويها، فهو يعيش للأمة يذب عن بيضتها ويحمى حماها، ولا يتعلق قلبه بشكر الناس أو حمدهم، أو ترهب نفسه من غضبهم أو ظلمهم، يقولها صادقاً: [يا قوم لا أسألكم عليه أجراْ إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون] [هود: 51] إنّ المصلحين هم صانعوا الحياة، وباعثو الأمل في الأمة هم حرسها وقادتها وحداتها إلى كل خير، في زمن عزّ فيه الأحياء، وندر فيه الصادقون..
http://www.deen.ws المصدر:
=============
المسجد: دوره ومكانته في موضوعات القصة الإسلامية المعاصرة
مبارك عبدالله(16/35)
حفلت السيرة النبوية والأحاديث الشريفة بالحديث عن المسجد، فَعُرف دوره داراً للعبادة والقيادة، ومكاناً للقضاء بين الناس، ومركزاً لانطلاق الجيوش، ومدرسة للعلم والتعليم، ونادياً للحوار والمذاكرة، واستمر يؤدي مهمته في مختلف العصور كما في الأزهر الشريف، وجامع الزيتونة، ومسجد بني أمية، وكثير من المساجد، فقد كانت مراكز إشعاع، وقاعات مؤتمرات، وأندية مباحثات تُدرس فيها أوضاع الأمة، ويتخذ فيها أهم القرارات في حياة الأمة واقعاً ومستقبلاً.
وقد أبرزت القصة الإسلامية المعاصرة هذا الدور، ووضحت مكانة المسجد في حياة المسلمين، فبقي المسجد في ذاكرة القاص المسلم يستلهم من روحانيته، ويستمد من إشعاعه، ويعكس أثره في حياة الفرد والجماعة: مجاهدين ينطلقون من ساحاته، وتائبين يتأوهون في محرابه، وعلماء يصدعون بكلمة الحق فوق منابره، ودعاة يهزون أعماق الشاردين بمواعظهم وإرشادهم، وشباباً يؤوبون بعد أن انغمسوا في ملذات الحياة، حتى ليكاد تيارها يدفعهم إلى الأعماق لولا نقطة الضوء التي غرسها المسجد في قلوبهم، تضيء لهم طريق العودة، والفرار إلى الله.
ويظل المسجد رمزاً للطهر، وعنواناً لمواجهة الباطل، ومنارة خير يهتدي بها الخابطون إلى بر الهدى والأمان، ففي خضم الحياة، ومع تجاذب تياراتها للشباب يكاد الفتى "يسار" - كما في قصة "حديث الشيخ" لداود سليمان العبيدي - ينزلق في الهاوية بعد أن راهن أحدهم على إغوائه عن طريق جارية حسناء، تتعرض له في الطريق بحجة إعانتها على مشكلة حلت بها، ويتأرجح الفتى يسار وقد شغلته، فيستدرجه المراهن إلى منزله، ليطلعه على مخطوط نفيس، ويجمعه بالجارية، ويقدم له كأساً من الخمر، وهو يقول: اشربْ يا يسار لقد أقسمت أن أسقيك بنفسي، وبذلتُ للجارية ألف دينار؟ فيرتاع يسار، وتلوح له صورة المسجد بطهره وروحانيته، ويتذكر صورة إخوانه، وثقة الشيخ به، فينفجر غاضباً، يركل الطاولة، ويمضي يحث الخطى إلى المسجد، ليصل إليه، وقد أُديت صلاة العشاء، والشيخ لا يزال في مكانه كأنه ينتظره، وتتحول الكلمات إلى دموع، وهو يستمع إلى قوله - تعالى -: "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى" (82)(طه).
وفي قصة "فلا تنسَ الله" لليلى الحلو يصبح المسجد ملاذاً تلوذ به وقد داهمها السرطان، وهي في بلاد الغرب، واستولى عليها الرعب، ولكن الله فتح لها باب اللجوء إليه، والتوجه بالدعاء، فتسافر إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، وتنقطع للصلاة والدعاء، وتلزم الحرم، وتكثر من شرب ماء زمزم، فتحس بانشراح الصدر، وإشراق الإيمان في قلبها، ويمن الله عليها بالشفاء وهي في حرم مكة، وتعود إلى الغرب، ويشك الأطباء أنها المريضة التي كانت تتردد عليهم من قبل.
وفي أقصوصة "نور من المحراب" من مجموعة "يا أيها الإنسان" ليوسف العظم حديث عن رجل قوقازي مهاجر مستمسك بدينه، يحرص على ابنه الذي ينحرف فترة من الزمن ثم يؤوب إلى الله، وفي المسجد يكون اللقاء، فقد اصطف المصلون، وراح صوت الإمام رخياً ندياً "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم: 53 (الزمر).
وختمت الصلاة، وكانت مفاجأة للأب إذ كان الذي يجاوره ابنه، وعقدت الدهشة لسانه، فأمسك الشاب بيد أبيه يغسلها بدموع التوبة والندم، ليقول: أبي!! لقد أمضيت ليلة البارحة هنا في عتمة الليل، وصمت المحراب، لقد عدت يا أبي.
نعم يا أبي لقد عدت إلى الله.
كما يبرز المسجد بوصفه منطلقاً للجهاد يتربى فيه الشباب على التضحية والفداء، لينطلقوا في سبيل الله كما انطلق أسلافهم يواجهون الظلم بأشكاله وأنواعه، وتجلي القصة الإسلامية هذه الحقيقة من خلال أعمال متعددة! ففي رواية "الإعصار والمئذنة" يتحدث الدكتور عماد الدين خليل عن المواجهة بين الشيوعيين ومدينة الموصل في عهد عبدالكريم قاسم! فاتخذ المؤلف من المئذنة رمزاً لصمود المدينة المجاهدة في وجه الإعصار المخرب، إذ انطلق الشيوعيون آنذاك يقيمون المجازر، وينصبون المشانق على أعمدة الكهرباء، وأشجار الشوارع؟ فربط بين بطل الرواية هاشم الذي سقط من شدة التعذيب وهو يختلج والابتسامة على شفتيه، وسبابته تنطلق من أسر القبضة لكي ترتفع قليلاً، وبزاوية مائلة صوب السماء، وبين المئذنة التي ترمز إلى الإسلام الذي يتعرض للمحن والنكبات، ولكنه يظل كمآذن مساجده صامداً ناهضاً في وجه الأعاصير!.
وها هي ذي "فاطمة" في أقصوصة "بقعة الضوء" من مجموعة "المطر المر" لمحمد حمدان السيد، تحمل عبء المواجهة في الدفاع عن المسجد الإبراهيمي الذي دنسه الاحتلال، ووقف جنود البغي على أبوابه يهددون الداخلين إليه! الجنود الغرباء القساة يمرحون ويعربدون في ساحاته، والرجال يطأطئون الرؤوس، ويرفعون الأيدي للتفتيش.
تحسست فاطمة محفظتها، وأسكتت كل نداء للبقاء، فشدت طرفي غطاء رأسها على عنقها جيداً، وهي تتقدم بخطوات ثابتة وئيدة، واستلت من كمها سكيناً، وتعلقت بعنق الجندي صائحة! لقد دنستم المكان يا أوغاد، أما آن لكم أن ترحلوا؟ خذها من يد فاطمة، وطعنته في عنقه، وترنح الوغد تحت وطأة جراحه، وراح يخور بصوت أجش، والتفت الناس، وقد سمعوا صوت طلقات ليروا امرأة تغرغر بالروح، وهي لا تزال تتشبث بعنق الجندي المطعون، كانت فاطمة تهمس بصوت لا يكاد يُسمع! ماذا فعل الوغد؟ مشيرة إليه، ثم تتمتم: سمية كانت شهيدة! أليس كذلك؟!.(16/36)
وفي أقصوصة "متى تعود الطيور المهاجرة؟ " يدير محمد السيد في مجموعته "شاطئ الرؤى الخضر" حديثاً بين المدينة المقدسة ومنبر صلاح الدين، فالمدينة تتطلع إلى جنده، تترقب قدومهم، والمنبر يقف شامخاً في حزن؛ إذ لا يجد الرجال الذين عرفهم من قبل، وأما المدينة فيكاد صبرها ينفد، وهي تتساءل: متى سيحين الوقت الذي نخلص فيه من المحنة، ونفك القيد الذي كبلنا كل هذه السنين؟! ليجيب المنبر! عندما تلد الكتيبة الكتيبة، ويصبح الموت جرعة شراب مريئة، تزغرد لها النساء، ويطلبها الرجال، عندما يجتمع الصف إلى الصف، ويعضد الساعد الساعد، ويرفرف فوق كل ذلك روح صلاح الدين، ورايات عمر، وشعارات قُطز.
وإذا كان الكاتب قد أنطق الجماد فهو لم يبعد كثيراً، فللمناير قلوب، وللمدن مشاعر، وتبدل القاطنين لا يفتر من واقعها شيئاً، فكيف إذا تبدل عزها ذلاً؟ وشموخها انكساراً؟ وطهرها دنساً؟ إنها جماد ولكن تحن إلى سابق عهدها المجيد، ومن قبل قال رسولنا – صلى الله عليه وسلم -: (أُحدٌ جبل يحبنا ونحبه ) على الرغم من الجراحات وفقد الأحبة!.
لقد أخذ المسجد حيزاً لائقاً في موضوعات القصة الإسلامية المعاصرة يتناسب مع مكانته ودوره في حياة المسلمين، وهو دور لا يزال يتجدد ويمتد، ولعل الانتفاضة التي انطلقت من رحابه كانت أصدق تعبير، كما أن فتيانها كانوا أجمل بشارة في ليل الإحباط البهيم!.
http://www.al-eman.com المصدر:
===========
لو أننا فعلنا
سلطان العمري
لعل الكثير من شباب الصحوة، وأهل الغيرة، وأصحاب الإيمان يحزنون عندما يرون المنكرات تزداد وتنتشر
ولاشك أننا جميعا نحزن لذلك ولا نحب أن يُعصى الله في الأرض
ولكن دعونا ننتقل إلى باب من أبواب التغيير وعنوان من عناوين الإصلاح ومفتاح من مفاتيح النجاة إنه الإنكار، نعم، لماذا تعودنا على ترك إنكار المنكر؟؟
بصراحة إننا نمر على كثير من المخالفات في كل يوم ولكن القليل منا من يمارس تغيير المنكر
فمثلا: ذلك الرجل لما رأى تلك المرأة متبرجة
لماذا لم ينكر عليها بكلمة يسيرة لا تتجاوز (اتق الله يا أمة الله)
إنها كلمة قليلة لعلها لم تأخذ (ثوان معدودة)
ولكنها عظيمة لأنها في تغيير المنكر.
إن المرأة لما سمعت تلك الكلمة لاشك ولا ريب أنها تأثرت بها - مهما تظاهرت بعدم المبالاة - ومهما تكبرت وتغطرست
وسوف تضعها على بالها كلما خرجت.
ولو أن كل من مر بهذه المرأة قال لها مثل ما قال لها الرجل الأول لزال المنكر بإذن الله - تعالى -
ولكن المشكلة أن الذي ينكر المنكر (واحد من عشرين) من المستقيمين.
بصراحة
نحن نحتاج إلى رجال يسخرون طاقاتهم إلى إنكار المنكرات ولو باللسان.
لأننا إذا سكتنا فالخسران لنا جميعا، وسوف يكون الدمار على الجميع.
ذلك المحل الذي يبيع المجلات الماجنة
لو أن عشرة من أهل الخير أرسلوا له رسائل يطالبونه بإخراج المنكرات لأنها لا ترضي الله
لرجونا أن تكون هناك نتيجة
ولكننا نسكت ونهز الرؤؤس ونقول (حسبنا الله ونعم الوكيل) ونتوقف عند هذه الكلمة.
ذلك المدخن..... يا ترى كم رآه من رجل ولم ينكر عليه أحد
لو أن خمسة فقط أنكروا عليه هل سيستمر في تدخينه؟؟
ذلك المقهى (الانترنت) الذي يكون فيه غالبا من الصور والتسهيلات لأنواع من الفواحش
لو رسمنا خطة لزيارة صاحبة ومعنا هدية وأهديناها له وأعطيناه نصيحة هادئة هل سيقبل؟؟؟
والأمثلة كثيرة ليس مقصودي هو حصرها ولكن هذه إشارة إليكم يا شباب الصحوة.
الأمة تنتظر منكم (كلمة رقيقة تخرج من قلب رقيق)
على جناح الحكمة.....
مع عبير الصدق...
لتصل إلى القلوب.
وأذكركم بأن ربكم الذي خلقكم يقول (ولينصرن الله من ينصره).
http://saaid.net المصدر:
=============
كيف تكتسب شخصية جذابة ؟
خالد المسيهيج
كيف تكتسب شخصية جذابة؟
نصادف أحياناً في حياتنا أناس يملكون علينا عواطفنا، يتمتعون بشخصيات جذابة تؤثر فيمن يخالطون، وكل منا يتمنى أن يمتلك مثل هذه الشخصيات، وبالطبع هناك مقومات أساسية لتلك الشخصيات كنت قد ذكرت بعضاً منها في مقال سابق بعنوان (فن التعامل.. مفتاح لقلوب الناس) كان الحديث فيه عن فن التعامل بشكل عام، بينما هنا فيه بعض الخصوصية.. وسنركز الحديث عنها في هذا المقال بشكل صريح وبدون أي تحفظات:
أولاً - المظهر:
لأن الشكل أول ما يجذب العين، ويكون بمثابة تذكرة المرور إلى القلوب كان لا بد من أن نضعه في أول أولوياتنا.. وأن نوليه القدر الكافي من الاهتمام، وبطبيعة الحال أنا لا أعني هنا الخلقة فليس بمقدورنا تغييرها، لكن أقصد الأناقة وحسن الهندام، والاهتمام بالنظافة الشخصية كالأظافر والعناية بالشكل، والحرص على وضع عطر هادئ وجميل، لأن أغلب العطور الفواحة تسبب الصداع وتثير عند البعض الحساسية وبالتالي تشعر من تجالسهم بالضيق، إضافة إلى أن العطور الفواحة - فضلاً عما ذكر - لا تصلح للمجالس والأماكن المغلقة.
وعلينا أن ندرك أنه ليس شرطاً أن يرتدي أحدنا أغلى الملابس ويبتاع أثمن العطور ليحقق هذه الغاية، لكن يتم ذلك من خلال الاهتمام بالتناسق بين ألوانها حتى وإن اتسمت بالبساطة.
حاول أن تبدو مبتسماً هاشاً باشاً، فالابتسامة تعرف طريقها إلى القلب، ولا تتعارض أبداً مع الوقار، على العكس تماماً من الضحك.
ثانياً - آداب المجالسة:(16/37)
عندما تجلس مع أحد حاول بقدر الإمكان أن توليه كل اهتمامك ولا تتشاغل بالنظر إلى الأرض، ولا تحرص على الالتصاق به، فقد يكون معك ما ينفره منك، وقلل من الحركة والالتفات فهي دليل الحمق، وانتبه لكل حركاتك لأنك قد تغفل وتقوم ببعض العادات السيئة، وحاول أن تجعل كل تفكيرك في حديث من يقابلك فقد يسألك عن نقطة ولا تستطيع الإجابة عليها فيأخذ ذلك على أن حديثه مملاً ولا يروق لك.
عند الزيارة حاول بقدر الإمكان أن تكون خفيفاً، وألا تطيل البقاء خاصة إن كنت أنت الزائر الوحيد أو الغريب في مجتمع عائلي أو متجانس، وعليك أن تختار الأوقات المناسبة للزيارة، وأن تكون قدر الإمكان بدعوة، وحتى ولو رأيت استحسانه لمجالستك لا تكثر من زيارته إلا إن دعاك حتى لا تبدو شخصاً مزعجاً مملاً يندم على أنه تعرف إليك، كما يجب عليك ألا تجلس إلا في المكان الذي يختاره لك.
حاول عدم استخدام هاتفك المحمول بإجراء اتصالاتك أثناء اجتماعكما، وألا تستخدمه إلا لضرورة أو للرد على اتصال بهدوء وصوت منخفض وأن يكون الرد بشكل مقتضب، ولا تمد يدك لتستخدم هاتفه إلا لضرورة وبعد استئذان.
لا تقاطعه لتستأذن بالانصراف أثناء تحدثه معك، وإذا استأذنت لا تتحدث بأي شيء سوى الإطراء لجميل ضيافته لك، وعليك ألا تتحدث أمامه عن أحد بما يكره، ولا تظهر أخطائه أو هفواته أمام أحد فهذا سيعطي انطباعاً عنك بأنك غير جدير بأن يدعوك أحد لمنزله.
إن حدث ودعاك للطعام حاول بقدر الإمكان الاعتذار، وإن أُحضر لا تكثر من الأكل حتى وإن كنت جائعاً، ولا تأكل بسرعة، ولا تتحدث وبفمك طعام، وإن قدم لك القهوة أو الشاي احرص ألا تشرب إلا بعد أن يشرب هو من كوبه فقد يكون فيه ما تكره فيقع في حرج شديد.
حاول بقدر الإمكان عدم النظر لهيئة المجلس وأثاثه بحضوره، وابتعد عن الفضول بقراءة ما حولك من صحف ومجلات وأوراق، ولا تمد يدك لأي شيء مما تقع عليه عينيك فهذه صفات ذميمة.
حاول أن تكون معتدلاً في جلوسك، فبعض أوضاع الجلوس تعبر عن سوء الأدب، ولا تمد رجليك في حضرته، ولا تضع رجلاً على رجل.
عند بداية الحضور لا تسابقه إلى الدخول، وعند الانصراف لا تخرج قبله لتمنحه الفرصة في أن يصلح من شأن مكان مرورك.
عود نفسك على السيطرة على تصرفاتك والابتعاد عن العادات السيئة كالعبث في الأسنان والأذنين والأظافر والأنف، فهي أعمال منفرة تثير الاشمئزاز والاستقذار، وحاول ألا تظهر التثاؤب وأن لم تستطع أبقِ فمك مغلقاً أو سده بيدك، فالتثاؤب صفة مذمومة شرعاً وعرفاً، وفتح الفم فيها يعبر عن قلة الذوق والأدب.
ثالثاً - آداب الحديث:
حاول أن تكون منصتاً ومستمعاً أكثر من أن تكون متحدثاً، وفكر جيداً في صفة كلامك قبل أن تنطق به، وانتق مفرداتك بشكل جيد، ولا تتحدث فيما لا تفقه به أو ما لا يتوفر لديك معلومات كافية عنه، ولا ترفع صوتك، ولكن تحدث بشكل هادئ وطبيعي، ولا تقاطع محدثك بحديثك حتى وإن كان لديك توضيحاً أو اعتراضاً ما لم يتوجه لك باستيضاح أو سؤال، ولا تكثر من الاعتراضات حتى وإن كنت على حق، وإن كنت لا بد فاعلاً فحاول أن يكون ذلك بطريقة لطيفة ولبقة، وحاول أن يكون الحديث في نفس المجال الذي حدثك به، ولا تبادر في فتح مجال جديد للحديث حتى تعرف توجهات من تجالس، فقد تتحدث بما لا يناسبه أو يمسه، وإن كان لا بد من أن تبدأ أنت الحديث حاول انتقاء الموضوع الشيق، ولا تحرص على التحدث فيما لا يصدق حتى وإن كان ذلك حقيقياً وحدث بالفعل، ولا تحرص على الإسهاب بحديثك، وأعط من يجالسك الفرصة في أن يشاركك، وابتعد عن الغيبة والنميمة وكثرة الانتقادات.
إن كان لقاءكما هو الأول فلا تتحدث كثيراً عن نفسك حتى لا تبدو في نظره نرجسياً، ولا تتكلف ما ليس فيك، وعليك أن تتحدث بكلمات مفهومة، وأن تركز أفكارك حتى تبدو أكثر ثقة بنفسك، وألا تكثر من الحديث عن عملك وحياتك الخاصة فتبدو ثرثاراً ليست لديك أي خصوصية، وابحث عن مجالات الحديث العامة المشتركة.
وحتى وإن كانت لقاءاتك معه كثيرة هناك أموراً خاصة لا يليق بك الحديث عنها في حياتك الخاصة، ولا تسأل أيضاً في أموره الخاصة، وإن حاول هو الحديث عنها حاول أنت أن تبتعد في حديثك عن الخوض فيها حتى وإن كانت هناك مناسبة للمشاركة.
رابعاً حقوق الصحبة:
نصل الآن إلى المرحلة الثانية من حسن التعامل بعد أن تخطينا مرحلة التعارف، لنعرف حقوق وحدود الآخرين ولا نتعدى عليها، فمن السهل علينا أن نكسب حب الناس ولكن المحافظة على هذا الرصيد هو الصعب.
إن من أهم حقوق رفاقك عليك المحافظة على ما يدور بينك وبينهم، وأن تحفظ لهم الود والاحترام، وأن تبتعد عن المزاح الثقيل والكلام الجارح، والأدب والتهذيب مطلوبان مع جميع الناس حتى الأقارب منك مهما بلغت درجة العلاقة والقرب، فمن يزرع الحب لا يجني إلا الحب، ولتعلم أن الناس كالمرآة لا يعكسون إلا ما يقع أمامهم.
حاول أن تبتعد عن الأنانية وحب الذات، فهي تجعلك منبوذاً يتجنبك الآخرون، وحتى وإن ابتليت بها حاول أن تتخلص منها بالتدريج، والأمر قد يبدو صعباً لكنه ليس مستحيلاً، ودرب نفسك على ضبط أعصابك والابتعاد عن الغضب، فالحلم مصدر سعادة لك لأنه يقربك من الناس في الدنيا ومن الله في الآخرة.(16/38)
لا تكن لواماً، ولا متبرماً كثير الحجج، ولا مستكبراً ولا بخيلاً، وإن أخطأت فبادر بالاعتذار، وتعامل مع الآخرين بصراحة ووضوح متلمساً اللطف واللين فيها ومبتعداً عن الوقاحة وقلة الذوق، وعليك بالحياء والتواضع فإنهما من سمات الأنبياء، وحاول أن تبتعد عن نقل الأخبار السيئة حتى لا يربط الناس بينك وبينها، وتذكر أنه ليس كل ما يعلم يقال.
حاول أن تبدو متعاوناً مع الناس عندما يطلب منك المساعدة، ولا تحرج أحداً في قضاء حاجاتك، واحرص على استغلال المناسبات السعيدة في التهنئة، ولا تنس المواساة في الأحداث المؤلمة، ففي هاتين الحالتين ترسخ الأفعال والمواقف في الأذهان.
اختر الأوقات المناسبة دائماً لطلب حاجتك، وإن حدث وإن صادف لك حاجة عند أحد وكان الوقت غير مناسباً فغض النظر عن طلبها فإن تفقدها خير لك من أن تفقد معها علاقتك بأحد.
إذا كنت واقفاً أو جالساً مع مجموعة وأردت الانصراف فاستأذن ولا تنصرف فجأة حتى وإن لم يكونوا يتحدثون معك، وإذا توقفت عند بائع الصحف وشدك عنوان في أحدها فلا تلتقطها لتقرأ، بل خذها وأدفع ثمنها ثم أقرأها بعيداً، وإذا جلست إلى جوار أحد يقرأ كتاباً أو مجلة أو صحيفة فلا تسترق النظر إليها لتقرأ فهذا السلوكيات غير مقبولة في كل المجتمعات.
إذا هاتفت أحد معارفك فلا تطيل الحديث معه وأسأله عما إذا كان مشغولاً، وإذا هاتفك أوجز في كلامك ولا تتحدث معه في أمور يطول شرحها فقد يكون مشغولاً ويخجل أن يعتذر منك وحاول أن تجعل أمر إنهاء المحادثة في يده دائماً.
11/8/2004
http://www.tarbawi.com المصدر:
============
أخيه احذري البالتوك
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
يقول الله - تعالى -: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
أما بعد،،،
فإليك أُخيه بعض النصائح التي ما كتبتها إلا خوفاً وحرصا ومحبة وغيرة على الدرر المصونة من الأخوات الفاضلات، ممن يرتاد هذا الموقع، إن طبقت صانت النفس وحفظت الكرامة من أمور عدة:
أُخيه فلنتق الله عند دخولنا للبالتوك في جميع تصرفاتنا،،،
تعالي لنرسم هدفاً في دخولنا لهذا العالم: عالم البالتوك الغريب،
ما هدفنا من الدخول؟ أهو التسلية وإضاعة الوقت؟ أم طلب العلم؟
حددي الغرض من الدخول للبالتوك.
اسألي نفسك صراحة هذا السؤال؟
إن كانت إجابتك هي للتسلية وتضيع الوقت فأعلمي أنه فيه نهايتك ولا ريب في ذلك،،،
أما إن كان الهدف هو الاستفادة بالعلم الموجود فيه، فأعملي على إيجاد وتنمية هذا العلم بالطرق المشروعة وبالحضور للغرف العلمية السلفية المنهجية التي تنشر العلم وتذيع العلم من أفواه أهل العلم والدعاة.
اعلمي أختي الفاضلة أن هذا العالم يختبأ فيه الذئاب البشرية في هيئة حملان بريئة بلسان فصيح ومنطق جميل وحجج قوية لتصطاد فرائسها الضعيفة، فلا تكوني منهن،،، حماكِ الله.
أختي ضعي هذه الأمور نصب عينيك:
* أن تكون نيتك في الدخول إلى البالتوك الاستفادة وليس للتعارف، ومن ثم تكوين العلاقات الغير سوية المحرمة.
* استخدمي عقلك وابعدي عاطفتك عند دخولك البالتوك.
* اختاري الغرف الجيدة التي تبث الدروس المباشرة لكبار العلماء وطلبة العلم فإن العلم لا يؤخذ إلا من كِبارِها.
قال عبد الله بن مسعود: (لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قبل كبرائهم، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم هلكوا).
وقال ابن المبارك: (الأصاغر: أهل البدع).
* دربي عقلك على اكتساب الأشياء المفيدة في شبكة الانترنت.
* لا تدخلي الغرف إلا بعد أن تعرفي منهج تلك الغرف من الأشخاص الثقات، واحذري غرف اليهود والنصارى والرافضة والأحباش والمعتزلة والصوفية والتكفير وأهل البدع والضلال.
* لا تدخلي غرف العوام التي يكثر فيها السب والشتم واللهو والغناء.
* احذري الدخول إلى الغرف الإباحية، واعلمي إن فوقك رقيب لا تظني أنك مجهولة فكم من فتاة سقطت وكم من قصة اشتهرت وكم من أسرة هدمت وتفككت بسبب هذه الغرف. قال - تعالى -: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
* انتبهي لكتاباتك على التكست العام ولا تردي ولا تتمادي وإن أزعجك أحد فكلمي مشرف الغرفة يتصرف معه، فقد يكون هناك من في قلبه مرض فيصيبك منه أذى. قال - تعالى -: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ).
* أغلقي الخاص عندك ولا تضيفي الرجال إلى قائمتك إلا الثقات منهم وللضرورة القصوى، وبادري بمراجعة قائمتك.(16/39)
* الانتباه لعدم التحدث بشكل ملفت للنظر مع الأخوات على التكست أمام الرجال، وليكن حديثكن على الخاص.
* حصني نفسك بتقوى الله ومراقبته، كما حصنيها بالعلم الشرعي، وليكن منهجكِ هو منهج أهل السلف الصالح وابعدي عن أهل البدع ومجادلتهم.
* لا تشاركي في الغرف الصوتية باللاقط فإنه يمكنكِ المشاركة عن طريق الكتابة على التكست، فكم من فتاة سجل صوتها وشهر بها.
* لا تكثري من دخولكِ إلى الغرف الخاصة مع الأخوات والتحدث في أمور أنتِ لست أهلا لها، فكم من فتاة سحبت نصرانية ورافضية وحبشية لغرف خاصة ثم اكتشفت أن صوتها قد سجل.
* لا تقبلي أي ملفات من أشخاص لا تعرفينهم، فكم من ملف استقبل ثم أصبح جهازك فريسة لمن أرسله.
وفي الختام أرجو إني قد ساهمت ولو بجزء بسيط في المحافظة وصيانة الدرر والجواهر من أخواتنا الفاضلات.
أسأل الله أن يغفر لي ولكُنَّ، ويستر علينا في الدنيا والآخرة، ويجعلنا من المؤمنات العابدات الطاهرات الصالحات، اللهم آمين،،،
أخواتي
أوصيكن بالحذر من الرجال الذين يتخفون بأسماء نساء
وكثير ما يقع هذا في البالتوك والماسنجر
فلا تثقن بأي احد حتى لو قالت لك إنها امرأة والأفضل أن تقتصر معرفتك أختي على من تعرفيها جيدا قبل النت أو عن طريق أخت ثقة
أما من تدخل عليك وتقول أريد التعرف عليك فإياك ثم إياك أن تصدقيها فأكثر هذا النوع يكون من الرجال، وحتى إن كانت امرأة فعلا فلا تعرفين نواياها ربما تسجل صوتك أو يدخل زوجها أو أخوها باسمها ويكلمك على انه هي كما فعل بأخت كانت تقرأ القرآن بغرفة مغلقة لأخوات حتى تعلمهن وإذا بإحداهن تسجل صوتها وهي تقرأ وتضعه اليوم الآخر في غرفة عامة فيها الرجال والنساء!!!
الله المستعان
وكما فعل أحدهم عندما كان يستغل اسم زوجته ويكلم به النساء الآتي في قائمتها وأيضا أوصيكن أخواتي بعدم مراسلة الرجال في المنتديات (الرسائل الخاصة)
لأنها في البداية ثناء وشكر ثم يتطور الأمر إلى؟؟؟؟ الله المستعان
وأوجه نصيحة للمشرفين على المنتديات سواء العامية أو السلفية بمراقبة ما يحدث في منتدياتهم
لأن هذه مسؤولية كما قالت إحداهن وهي تروي ماساتها في التعرف على احدهم عن طريق المنتدى الذي تكتب به
قالت: مدير المنتدى: لن أسامحك أبداً على أي تقصير في ضبط منتداك ومراقبة أعضائه وعضواته أنت المسئول عن كل تقصير أو انحراف لأي عضو من الأعضاء إلى الأعضاء والمشرفين والمراقبين رفقا بالنساء فهن يحملن عاطفة قوية تنفجر مع كلامكم المعسول
انتهى كلامها.
فهل مِنْ مُعتبِر؟؟؟
وأخيرا أقول أختي الكريمة:
افزعي إلى عقلك ورشدك ولا تقدمي على أية خطوة بمجرد العاطفة أو الهوى المحض حتى تتأملي في عواقبها على دينك وعلى سمعتك وعلى عرضك وعلى نفسيتك وعلى أسرتك وعلى حاضرك وعلى مستقبلك.
أسأل الله تعلى أن يعصمك من الزلل وألا يكلك إلا نفسك طرفة عين وأن يأخذ بيدك إلى بر الأمان إنه هو الرحيم الرحمن،،
والسلام عليكم
http://saaid.net المصدر:
===============
خطورة التعبد بالخلاف
محمود بن أحمد مداد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله... وبعد:
اعلم أخي أن من أخطر البدع التي انتشرت بين عموم المسلمين والتي يتعين على الناصحين التصدي لها بدعة التعبد بخلاف الفقهاء وتصيد زلاتهم والإفتاء بها، هذا المنهج السقيم تبناه كثير من المتصدرين للفتيا.
فترى الواحد منهم إذا سُئل في مسألةٍ لم يبحث عن الدليل الشرعي ليفتي بموجبه كما هو شأن العلماء المتقنين، بل يبادر للتنقيب في بطون الكتب باحثًا عن قول عالم أباح، أو فقيه أجاز، فهو يرجح بالهوى لا بالوحي، ويفتي بالشهوة لا بالدليل، ويذكر لمن يستفتيه الأقوال المهجورة، والتي ردها العلماء على قائليها مبيحًا لهم الأخذ بها زاعمًا أن الدين يسر، ففلان أحل الغناء، وفلان أباح الشطرنج، وفلان أباح التعامل مع الكفار بالربا، وفلان أباح الاستمناء، وهكذا في سلسلة من الترخُّصات الجافية التي تنتهي بصاحبها إلى الانسلاخ من الشرع والتنصل من التكاليف تحت ستار "المسألة مختلف فيها".
وإلى هؤلاء نقول: قد حذر السلف من تتبع الرخص، وأنكروا على من يسلك هذا المسلك. قال سليمان التيمي: "من تتبع رخصة كل عالم فقد جمع الشر كله".
وبيّن العلماء أن أقوال الرجال يحتج لها لا يحتج بها، وأن اختلاف العلماء ليس حجة على كل أحد.
قال أبو عمر بن عبد البر: الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمتُهُ من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله. آه. "جامع بيان العلم وفضله" (ص359).
وهذا القول- أعني جواز اتباع أي قول في المسائل المختلف فيها- مبني على أن كل مجتهد مصيب، وهذا باطل محض، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر". قال الموفق ابن قدامة في روضة الناظر: هذا القول- يعني "كل مجتهد مصيب"- أوله سفسطة وآخره زندقة. اه.
وبيانه أن أول هذا القول جعل النقيضين حقّا وهو سفسطة وآخره جواز الاختيار والترجيح بمجرد الهوى فيؤول الأمر إلى الزندقة والعياذ بالله، وإذا كان السلف والعلماء قد أنكروا التقليد ونهوا عن أن يتبع المكلف عالمًا بعينه فيما أصاب فيه وأخطأ وأوجبوا البحث عن الدليل للقادر على ذلك فكيف بمن يقلد هواه ويتبع شهوته ويسير خلف مزاجه، ألا إنها قاصمة الظهر، نعوذ بالله من الخذلان.(16/40)
فاعلم أخي أن الواجب عليك إن كنت من أهل العلم العارفين بالأدلة أن تعمل وتفتي بما يقتضيه الدليل لا غير، وإن كنت ممن لا يحيط بالأدلة خُبرًا فعليك بسؤال أهل العلم المعروفين بتعظيم السنة وتقديمها على كل قول: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، وسر مع الدليل حيث سارت ركائبه، وانزل معه حيث استقلت مضاربه، فلا أفلح والله إلا من قدم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفعله على كل قول وفعل، وجعل سنته نصب عينيه يحكمها في كل قليل وكثير: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما، ومن فقد الدليل ضل عن سواء السبيل ولا دليل إلى الجنة سوى الكتاب والسنة.
وفق الله الجميع لتحكيم السنة والعمل بها.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://www.altawhed.com المصدر:
=============
الغسيل الذهني
محمد بن سرار اليامي
رأيت أن إدمان المطالعة لبعض أرباب القلم، ونجوم الكتابة فيه شيء من المنفعة العظيمة، خصوصاً، وأن الحكمة هي ضالة المؤمن..
بيد انه يورث القارئ أحياناً شيء من التشكل الثقافي ألا شعوري والانصباغ بصبغة صاحب القلم دون أن يشعر..
بل إني سمعت بعض أرباب البيان يقول:
إذا أردت أن اكتب مقالة، تركت كل ما اقرأه من كتب المعاصرين التي تزخر بالمعارك الكلامية، أو القصص الغرامية، أو السجع المتكلف، وطالعت مصادر البيان، السنة والقرآن.. فاجدنى اكتب بقلمى وقد رصعه البيان الأصيل.
قلت:
هذا هو الغسيل الفكري وتعقيم الذهن من أدران الثرثرة الممجوجة..
وقد وجدت هذا، وسابقه في قلم بين الفينة والفينة، فاعمد إلى الغسيل الذهني، لتصفية مخزن الألفاظ، وتنقية مستودع البيان.. عساه أن يجود بشيء جيد يطرب القارئ، ويهش له المغتني ويبش.. وينتفع منه.. وان كانت البضاعة مزجاة، والقلم كليل والطرف عليل، غير أني أدفق الحبر على الورق لفتح باب، أو رد جواب، أو صيد أبده، أو تقير فائدة، ثم إني اجبن على البخل عن نفسي وأخوتي الكرام بها بل منهجي، :
إن الكرام إذا ما ايسروا ذكروا *** من كان يألفهم في المنزل الخشن
فتجدنى أقدمها على طبق، مع علمي بان من كتب للناس فكأنما جعل عقله في إناء بين أيديهم يقلبونه كيف شاءوا..، ومن ألف فقد استهدف وكشف مقاتله للناس..
ولكن حسن ظني في أن أقدم لأمتي شيئاً ولو قليل يدفعني بذلك..
ولعل سمعي يطرقه على مدى الزمان " قليلك يا هاذا لدي كثير"..
ولكم دعائي....
http://saaid.net المصدر :
==============
اقتنعت بالدعوة السلفية بعد تسع سنوات من التردد
أجرى الحوار : إبراهيم رفعت
الشيخ محمد هاشم الهدية.. رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان:
نشرنا الدعوة السلفية في عموم القارة الأفريقية
داعية مغربي هو الذي أدخل السلفية إلى السودان
اتهمونا بإنكار الكرامات وأننا لا نصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -!
صبرنا كثيرا على معاكسات الصوفية
لدينا 700 داعية منتظمون وثمانية معاهد لتخريج الدعاة
محمد هاشم الهدية رجل فقيه سلفي كرس عمره الطويل في خدمة الدعوة مشمرا ساعده لمحاربة الخرافة والبدعة. والرجل يشهد له أبناء وطنه من أتباعه ومن خصوم دعوته بأنه إنسان هادئ الطبع واسع الأفق، عميق النظرة، غزير العلم، لين العريكة يتألف الناس لدعوته، ومع ذلك يمتاز بطلاوة الحديث وترك التكلف مما يضفي على الحوار معه متعة خاصة، عبر هذه الأسطر أجرت المجلة حوارا مع فضيلته طافت فيه معه في كل واد منذ تأسيس جماعته وإلى اليوم. في البداية نترك لفضيلته تعريفنا لشخصه الكريم؟ - بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، أنا محمد هاشم الهدية من مواليد مدينة رفاعة بالجزيرة حيث تلقيت القرآن الكريم وتعاليمه في القرية، عملت موظفا بالدولة لما يزيد عن ثمان وثلاثين عاما إلى أن تقاعدت في يناير 1968م. كنت صوفيا من أسرة صوفية حيث نشأت في بيت صوفي وبقيت صوفيا لأكثر من عشر سنوت وأخيرا عندما ظهرت دعوة التوحيد عندنا بالسودان دخلت فيها بعد نقاش طويل مع أصحابها الأمر الذي أدى لاقتناعي بها وظللت فيها منذ 1956م. تأسيس الجماعة.
* أرجو أن تحدثنا عن نشأة جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان بدايتها ومراحل تطورها؟
- دعوة أنصار السنة هي دعوة التوحيد أو الدعوة السلفية التي جاء بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي خلاف الدعوات التي نشأت بعد ذلك، وقد كانت السلفية مفقودة عندنا بالسودان، بل لم تكن معروفة إلا في نطاق ضيق في العالم الإسلامي وبدأ ظهورها في السودان بمدينة (النهود) عام 1917م، على يد رجل مغربي اسمه عبد الرحمن بن حجر حيث تلقى على يديه الدعوة ثلاثة من إخواننا الأفاضل وهم الذين شكلوا النواة الحقيقية فيما بعد للدعوة بالسودان. هؤلاء الثلاثة ظلت الدعوة في نفوسهم لم يتمكنوا في الجهر بها لتمكن التصوف والصوفية في البلاد ومؤازرة الحكومة لها ولرجالها ولم يصدع بهذه الدعوة إلا الحاج أحمد حسون وهو أمير الثلاثة الرواد عام 1936م بمدينة أم درمان حيث أخذ يدرس العقيدة السلفية في بيته منذ ذلك الوقت. وزميلي حاول إقناعي كثيرا ولم أستجب له إلا بعد تسع سنوات لم ينقطع فيها عن دعوتي• دخلت الدعوة عام 1948م حيث انتقلت من التصوف إلى العقيدة السلفية على يد الشيخ عبد الباقي يوسف نعمة وهو أحد دعاة السلفية بالسودان في ذلك الوقت وظللت في الدعوة حتى الآن ولله الحمد.(16/41)
كان العدد قليلا كالعادة حيث لم يتجاوز العدد عام 1948م الألف شخص لأننا كنا محاربين ومن توصية أستاذنا لنا أن لا نجابه السلطة ونحاربها وبالتالي هادنا السلطة نسيا لها لذلك صبرنا كثيرا على معاكسة الصوفية الذين يؤازرهم المستعمر في ذلك الوقت. صبرنا عليهم ولكن أراد الله - تبارك وتعالى - أن يهيىء من يلتحق بنا من الشباب المتعلم.
* شيخ محمد نريد نقطة محددة للبداية الفعلية لجماعة أنصار السنة كهيكل ونظام؟
- لم تصر الحركة هيكلا ونظاما إلا بعد تسع سنوات، كانت فيها عبارة عن ارهاصات ومبادئ قبلها البعض ورفضها الآخرون حتى جاء عام 1948م وسميت "جماعة أنصار السنة المحمدية" وهذا الاسم قد سبقتنا به مصر وهي لم تقم بابتكاره، فهو يستمد من الهدي النبوي، لسان حال جماعة أنصار السنة بمصر وفي عام 1948م أصبح لنا تصديق من الدولة حيث أصبح لنا مركز عام ولجان فرعية وظل نشاطنا حذرا مقصورا على عملية التبليغ دون الاحتكاك والمناكفات مع الناس. وظلت الدعوة تتدرج حتى تمكنا من الحصول على قطعة أرض في الدولة عام 1957م وبنينا دارا ومسجدا صغيرا وظلت الدعوة مستمرة تزداد عددا كل يوم، وقد نسجت حولنا شبهات كثيرة فقالوا عنا أننا ننكر الكرامات ولا نصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالوا الكثير، ثم يأتي المصلي مستفسرا ويرى ويسمع عكس ذلك تماما، ويسمع بأن لله أولياء لأنه هنالك إضافة "أولياء الله" وهذه الإضافة من أنكر وجودها يكون قد كفر، ثم أن هذه الآية بدأت بحرفين من حروف اللغة "ألا" للتنبيه"وإن" حرف توكيد لكن الفرق بيننا وبين الناس في تعريف الولي، فالولي عندهم صاحب الخوارق ونحن لا تهمنا الخوارق كثيرا، بل يهمنا ما في الآية {الذين آمنوا وكانوا يتقون (63)} [يونس: 63] وهؤلاء هم الأولياء حقيقة. لقد ظل عددنا يكبر ثم كانت زيارة ثالث سفير سعودي بالسودان لنا بالدار وهو الشيخ محمد عبد الرحمن العبيكان الذي صلى معنا الجمعة واستغرب أن وجد بالسودان من يرتجلون خطبة الجمعة وبفصاحة وعلم غزير وتكامل تام. فسر غاية السرور وجلس حتى نهاية الصلاة اتصل بنا وأخبرنا بأن سفارته دينية قبل أن تكون سياسية وطلب منا زيارته فكانت صلته طيبة ومباركة معنا وصار يصلي معنا ويمدنا بالكتب التي طبعت في عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله -، كل كتب السنة حيث كانت كتب شيخ الإسلام ابن تيمية معدومة تماما بالسودان، أمدنا السفير العبيكان بكميات من الكتب توسعنا
على أثرها وكذلك أعاننا بماله وأموال المحسنين بالمملكة وأصبحنا نبني مساجد ومعاهد متعددة دينية سلفية وقامت بدورها خير قيام في نشر السنة والتحذير من البدع.
النشاط الدعوي:
* بعد أن وجدتم هذا الأثر الطيب والفعال على الساحة السودانية والساحة العربية والإسلامية ما هي معوقات العمل الدعوي في السودان؟
- كانت الطرق الصوفية في الماضي تشكل عائقا حيث استعانت بالحكومات المتعاقبة وهذه بحمد الله تخطيناها بالصبر لكن الشباب الصوفي الآن بدأ في التغير وبدأت نظرته تتغير بعضهم يبنون المساجد ويطلبون أئمة من عندنا، وهكذا وهي بلا شك مكاسب فالصبغة السلفية تكاد تكون طغت على كل المجتمع السوداني لكن تنقصنا أشياء نسأل الله أن يهيئها لنا، السوادن قطر كبير "مليون ميل مربع" وفي البداية كان يأتينا أفراد للدخول في الدعوة والآن تأتينا قبائل بأكملها والمصائب تمحيص للناس لأن موقف أنصار السنة إبان الفيضانات بالسودان وما قامت به من أعمال لدرء أخطار هذه الكارثة ومواساة المتضررين جعلت معظم أو كثيرا من القبائل تهوي إليهم للدراسة والانتساب للدعوة فبصورة عامة الدعوة الآن انفتحت انفتاحاً شديداً.
* جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان عمرها الآن يفوق الخمسين عاما ما هي الإنجازات الفعلية التي نلمسها على أرض الواقع؟
- أولا: الطواغيت الذين كانوا يستعمرون الناس تحرر الناس منهم، فالمشايخ كانوا يعتقدون بأن في أيديهم الضر والنفع وبيدهم منح البنين والبنات وبيدهم كل شيء وهذه أشياء سائدة حتى في دول أخرى، الآن هذه الأشياء انعدمت أو كادت تنعدم تماما. وهذا أثر عظيم من آثار الدعوة.
علاقة الجماعة بالمؤسسات الدعوية:
* متى أكون سلفيا ملتزما بالمنهج وكيف؟
- المنهج هو العقيدة، الكتاب والسنة، وهي القضية الأساسية التي عاش عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه وتركوها لنا.
http://saaid.net المصدر :
===========
جهاد المنافقين
عبد العزيز كامل
تثبت الوقائع يوماً بعد يوم أن نكبة الأمة بالمنافقين تسبق كل النكبات، وأن نكايتهم فيها وجنايتهم عليها تزيد على كل النكايات والجنايات؛ فالكفر الظاهر ـ على خطره وضرره ـ يعجز في كل مرة يواجه فيها أمة الإسلام أن ينفرد بإحراز انتصار شامل عليها، ما لم يكن مسنوداً بطابور خامس من داخل أوطان المسلمين ويتسمى بأسماء المسلمين، يمد الأعداء بالعون، ويخلص لهم في النصيحة، ويزيل من أمامهم العقبات، ويفتح البوابات.
رأينا ذلك في عصرنا وسمعنا عنه قبل عصرنا؛ فمنذ أن افتتح (ابن سلول) طريق النفاق، سارت فيه من بعده أفواج المنافقين عبر التاريخ، وفي عصرنا الراهن لا تخطئ العين ملامح النفاق الظاهر المتظاهر مع الكافرين في القضايا الكبرى من قضايا المسلمين. رأينا ذلك في تركيا قبل سقوطها وبعد سقوطها خلال أكثر من ثمانين عاماً، ورأيناه في فلسطين بعد احتلالها منذ ما يزيد على خمسين عاماً، كما لا نزال نرى صوراً من ذلك في أكثر بلدان المسلمين التي سلخها المنافقون ـ لصالح الكافرين ـ عن هويتها الإسلامية وبنيتها الاعتقادية.(16/42)
وها نحن اليوم نفجع مرات أخر بما يحدث في أفغانستان وفلسطين وباكستان والصومال وغيرها من البلدان التي يتهيأ المنافقون فيها لجولة جديدة من قهر الأمة وإذلالها أمام أعدائها بتعلاّت ومسوّغات متعددة، لا يقف خلفها شيء من المبادئ والثوابت إلا الثبات أو الوصول إلى مقاعد السيادة وكراسي القيادة، التي يهون ـ عندهم ـ في سبيلها كل شيء، ويحل لأجل الوصول إليها كل شيء، ويحرم دون المساس بها أي شيء!!... إنه الكرسي الذي يكاد يُعبد، ويُركع له ويُسجد. راقب معي دور النفاق السياسي عبر التاريخ؛ فستجد ذلك الصنم من ذوات الأربع قابعاً خلف كل حركة نفاق خائنة لله ولرسوله وللمؤمنين.
وفي عصرنا، وفي ظل غياب الشريعة عن الحكم في الغالب الأعم من أوطان الإسلام، وفي ظل ضياع الضوابط التي يُختبر بها من يصلح ومن لا يصلح لقيادة المسلمين؛ خلا الجو لكل طاغية أفاك، من أهل النفاق لأن يركب شعباً من الشعوب بعد الوثوب إلى سدَّة الحكم، عبر طرق ومسالك وعرة، يعرف المنافقون وحدهم كيف يذللونها ويسبرون غورها ويعبرون من فوقها إلى القمة التي لا يسقطهم من فوقها إلا هازم اللذات.
يقوم المنافقون في كل مرة ينجحون فيها في ركوب شعب من الشعوب بدور عدائي مزدوج يستهدف أمرين لا ثالث لهما: استمداد أسباب البقاء على القمة من ظهير خارجي مقابل إمداد ذلك الظهير بأسباب استبقاء المصالح في الداخل الوطني، وما عدا ذلك تفاصيل؛ فكيفية الحكم.. ودستور الحكم... تمثيل الفئات.. النيابة عن الشعب.. المعارضة باسم الشعب... الخطط الخمسية.. المشاريع التنموية.. الصراعات الحزبية... المعارك الجانبية.. خارجية أو داخلية، قصة واحدة والمحصلة في النهاية واحدة وهي دعواهم العريضة: {إنَّمّا نّحًنٍ مٍصًلٌحٍونّ * أّّلا إنَّهٍمً هٍمٍ المٍفًسٌدٍونّ ولّكٌن لاَّ يّشًعٍرٍونّ} [البقرة: 11، 12]. لا فارق كبيراً بين نفاق الأمس ونفاق اليوم من حيث الجوهر، أما الظروف فقد اختلفت؛ فالنفاق بالأمس البعيد أيام تمكين الدين كان ذُلاً يستخفي، وضعفاً يتوارى، وخضوعاً مقموعاً يمثله عمالقة أقزام ورؤوس أزلام، حيات وعقارب موطوءة تكاد ألاَّ تنفث السم إلا وهي تلفظ الحياة. كان تمكين الدين وقتها يمكِّن المؤمنين من جهاد أولئك الأسافل باليد واللسان والقلب وبإقامة الحدود، فلا يُرى أحدهم إلا وهو محاصر مكدود، أو محدود مجلود. أما اليوم؛ فالنفاق صرح ممرد، وقواعد تتحرك، وقلاع تشيد، إنه اليوم دولة بل دول ذات هيئات وأركان، إنه أحلاف وتكتلات وكيانات، بل معسكرات ذات قوة وسلطان... سلطان سياسي واقتصادي وإعلامي وثقافي، يمارس الضرار في كل مضمار.
نخطئ كثيراً عندما نظن أن النفاق الذي أفاض القرآن في الحديث عنه، وأسهب في التحذير منه، كان يمثل مرحلة تاريخية انقضت بدخول الناس في دين الله أفواجاً؛ فالعصر الذهبي للبشرية الذي شهدته الأرض أيام الرسالة الخاتمة لم يخل من ظلم النفاق وظلماته؛ فهل تُعصم من ذلك العصور التالية؟! قد يُقال إن النفاق وقتها كان مقموعاً ممنوعاً فلهذا كان يستتر من الدين بالدين، وهو اليوم ليس في حاجة إلى ذلك؛ فاليوم مؤمن وكافر، أو مسلم ومرتد... أقول: إن القرآن الذي أمر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأتباعَه بجهاد المنافقين والكافرين سيظل يُتلى إلى يوم الدين. بقول الله - تعالى -: {يّا أّيٍَهّا النَّبٌيٍَ جّاهٌدٌ الكٍفَّارّ والًمٍنّافٌقٌينّ واغًلٍظً عّلّيًهٌمً ومّأًوّاهٍمً جّهّنَّمٍ وبٌئًسّ المّصٌير} [التوبة: 73] والآية تدل على أن النفاق سيظل موجوداً وسيظل محسوساً ملموساً من أشخاص تُرى فيهم آيات النفاق.
والنفاق المقصود في الآية ليس قاصراً على النفاق ذي المرامي السياسية والأهداف التسلطية، بل هو النفاق بكافة أشكاله وصوره عندما يكون موجهاً إلى ضرر الدين وأصحاب الدين، سواء كان صادراً من أهل السياسة أو من أهل الثقافة أو أهل الفن والقلم أو حتى بعض المنسوبين للعلم والفتوى في بعض البلدان.
نحن هنا لا نجادل في أن النفاق درجات أو دركات، وأن خطره يتفاوت بتفاوت كبره أو صغره؛ إذ من النفاق ما هو أكبر مخرج عن الملة: ومنه ما هو أصغر لا يخرج عن الملة، وفي كلا الحالين فنحن مأمورون بمجاهدة النفاق ولو كان ساكناً بين أضلعنا أو مختبئاً بين جوانحنا، ومن ذا الذي يأمن النفاق على نفسه وقد خافه على نفسه الفاروق عمر رضي الله عنه؟! ومن ذا الذي يضمن السلامة منه وقد علَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه التعوذ منه؟!
غير أني لا أقصد هنا إلى التأصيل والتفصيل في مسائل الإيمان المتعلقة بما يخرج أو لا يخرج منه من أعمال الكفر والنفاق، ولا إلى بسط الكلام في أحوال الأعيان من حيث ثبوت أو عدم ثبوت ما يتعلق بهم في ذلك من الأحكام؛ فالأمر الأول يقصر عنه علمي، والآخر يثنيني عنه تقصيري وظلمي، وأسأل الله العفو والعافية لي وللمسلمين، ولكن المقصود التماس نوع من القربى في جهاد صنف من أعداء الدين، طالما غفل أو تغافل عن جهادهم الكثيرون من أصحاب الدين، إما لذهن شارد أو ورع بارد، وهذا وذاك لا يعفيان من مسؤولية الذود عن الدين ضد شؤم النفاق ولؤم المنافقين. فتقصيرنا في جهادهم لا ينفي حقيقة أن جهادهم من فرائض الدين، بل من أجلّ فرائض الدين التي لا تقل شأناً عن فريضة الجهاد ضد الكافرين.
بين فريضتين:
وصف الإمام الفقيه المفسر (أبو بكر ابن العربي) واجب الجهاد باللسان ضد المنافقين بأنه فريضة دائمة(1)، وقد تأملت في هذا الوصف، فألفيته وصفاً دقيقاً يحكي فروقاً كثيرةً بين فريضتي جهاد الكفار وجهاد المنافقين من أوجه متعددة:(16/43)
ـ منها أن جهاد الكفار يجيء ويذهب باختلاف الأزمنة والأمكنة، وبحسب وجود دواعيه ومسبباته من مداهمة الكفار لبلدان المسلمين، أو فتح المسلمين لمعاقل الكفار الصادين عن سبيل الله، أما المنافقون فجهادهم قائم ودائم في السلم والحرب؛ لأن أذاهم للدين موصول في السلم والحرب.
ـ ومنها أن عداء المنافقين ـ في الغالب ـ مستتر خفي، وعداء الكفار معلن جليّ، ولا شك أن المستعلن بالعداء يعطي من يعاديهم فرصة للتحفز والاستعداد وأخذ الحذر، بخلاف من يتآمر في الخفاء، ويموه العداء.
ـ ومنها أن خطر المنافقين ينطلق من الداخل بين صفوف المسلمين، بينما يجيء خطر الكفار الظاهرين في أكثر الأحيان من الخارج، وخطر الخارج لا يستفحل دائماً إلا بمساندة من الداخل.
ـ ومنها أن عداوة المنافقين شاملة لا تقتصر على جانب دون جانب، فهي تبدأ من الكلمة همزاً ولمزاً وسخرية وغمزاً وتنتهي إلى الخيانة العظمى بالقتال في صف الكفار وتحت راياتهم والتآمر معهم على المسلمين وكشف أسرارهم.
ـ ومنها أن جهاد الكفار قد يكون عينياً أو يكون كفائياً، وقد يسقط بالأعذار أو الإعذار، أما جهاد المنافقين فهو غير قابل للسقوط إذا وجدت مسوغاته، فهو واجب على كل مكلف بحسبه، ففي الحديث عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلم قال: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسننه ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»(1).
ـ لهذا فإن جهاد المنافقين المأمور به في قوله - تعالى -: {يّا أّيٍَهّا النَّبٌيٍَ جّاهٌدٌ الكٍفَّارّ والًمٍنّافٌقٌينّ واغًلٍظً عّلّيًهٌمً ومّأًوّاهٍمً جّهّنَّمٍ وبٌئًسّ المّصٌير} [التوبة: 73]، يبدأ بالقلب حتى ينتهي إلى السيف.
هم العدو:
المتأمل في قوله - تعالى - عن المنافقين: {هٍمٍ العّدٍوٍَ فّاحًذّرًهٍمً قّاتّلّهٍمٍ اللَّهٍ أّنَّى يٍؤًفّكٍونّ} [المنافقون: 4] يرجع بمعنىً مهم، وهو أنه إذا كان المشرك الوثني عدواً، والكافر الكتابي عدواً، والمرتد المنقلب على عقبيه عدواً؛ فإن المنافق المتزندق هو العدو، وحزبه الممالئين له في النفاق الأكبر (هم العدو). قال المفسر ابن عاشور - رحمه الله - في تفسير تلك الآية: «والتعريف في (العدو) تعريف الجنس الدال على معين، لكمال حقيقة العدو فيهم، لأن أعدى الأعادي: العدو المتظاهر بالموالاة وهو مدَّاح، وتحت ضلوعه الداء الدوي، وعلى هذا المعنى رُتب عليه الأمر بالحذر منهم(2)، ولم يجاف ابن عاشور الحقيقة عندما أرجع وصف القرآن للمنافقين بـ (العدو) إلى «كمال حقيقة العدو فيهم»، وكيف لا تكمل حقيقة العداء في هؤلاء وهم ـ كما قال ابن الجوزي - رحمه الله -: «عيون الأعداء على المسلمين»(3)، لا بل إن هؤلاء ليسوا فقط عيون الأعداء بل قلوبهم وألسنتهم، كما ذكر الإمام الطبري في تفسير (هم العدو) حيث قال: «هم العدو يا محمد فاحذرهم؛ فإن ألسنتهم إذا لقوكم معكم وقلوبهم عليكم مع أعدائكم، فهم أعين لأعدائكم عليكم»(4).
لقد أفاضت نصوص الوحي ـ كتاباً وسنة ـ في تحذير المؤمنين من النفاق وأهله، بعد إسهاب طويل في كشف خباياهم وفضح نواياهم وهتك أسرارهم وطواياهم، حتى إن آيات الكتاب قد صرحت بذكر النفاق والمنافقين في نحو سبع وثلاثين آية، وفصَّلت وفرَّعت في الكلام عنهم في أضعاف ذلك من الآيات موزعة على إحدى عشرة سورة، هذا في الحديث عن المنافقين باسمهم ووصفهم الصريح (النفاق).
يضاف إلى هذا حديث آخر مطول عمن وُصفوا في القرآن بـ (الذين في قلوبهم مرض) وهم الرديف والمدد، والمخزون الطويل الأمد لمعلومي المنافقين؛ فقد ذكر القرآن مرضى القلوب في اثنتي عشرة آية ضمن اثنتي عشرة سورة، وكل آية ذكر فيها ذلك تتعلق بها آيات أخر. والمتأمل في حديث القرآن عن مرضى القلوب يمكنه أن يستنتج أن هؤلاء لديهم الاستعداد لأن يكونوا منافقين معلومي النفاق بما لديهم من أمراض الشهوة أو الشبهة؛ فهم قوم ضعاف الإيمان إلى أدنى حد، حتى إن أحوالهم تكاد تتقلب أو تنقلب إلى معسكر النفاق الصريح، لفرط قنوطهم وقلة يقينهم، ولشدة تعلقهم بالدنيا وحرصهم على الجاه، أو لمزيد شحّهم الخالع وجبنهم الهالع الذي يجعلهم كلما خُيِّروا بين الانتصار للدين والقيم أو الانتصار للناس أو النفس ما ترددوا في الانحياز إلى ما يخدم مصالحهم العجلى فقط؛ ولذلك قرن الله مرض القلوب بالمنافقين في أكثر مواضع القرآن.(16/44)
إن مرضى القلوب يمارسون لوناً صارخاً من التطرف ذي الاتجاهين؛ فهم يتطرفون في بُغض أهل الدين وإساءة الظن بهم، ويبالغون ـ إلى حد التطرف أيضاً ـ في الدفاع عن الكفار وحسن الظن بهم، وهذا هو جوهر مرض القلوب: التطرف وعدم الاعتدال، يقول الراغب الأصفهاني عن ذلك الداء: «هو الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان»(1) وقال بعد أن قسم المرض إلى قسمين: أحدهما مرض الجسم، والثاني مرض القلب: «والثاني عبارة عن الرذائل كالجهل والجُبن والبخل والنفاق وغيرها من الرذائل الخُلقية». وإذا أُطلق مرض القلب في نصوص الوحي فهو يعني في الغالب النفاق الأكبر ـ عياذاً بالله ـ وذلك حينما يستحكم ويستعصي علاجه، وهي حالة الكفر نفسها التي تموت فيها القلوب إلا أن يحييها الله - تعالى - بهداية من عنده. قال الأصفهاني: «ويشبه النفاق والكفر ونحوهما من الرذائل بالمرض لكونها مانعة عن إدراك الفضائل، كالمرض المانع للبدن من التصرف الكامل، وإما لكونها مانعة عن تحصيل الحياة الأخروية، وإما الميل النفسي بها إلى الاعتقادات الرديئة»(2).
إن المنافقين ومرضى النفوس لا يتيسر علاج أدوائهم من داخل أنفسهم ـ في غالب الأحيان ـ لفقدان الوازع وغياب الضمير، ولكن لما كانت عللهم متعدية في الضرر إلى غيرهم، لزم توجيه علاجهم من خارج ذواتهم لا طلباً لبرئهم هم بقدر ما هو لأجل حفظ الناس من شرور أمراضهم، وهذا ـ والله أعلم ـ السر في إيجاب مجاهدتهم والإغلاظ عليهم في قول الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {يّا أّيٍَهّا النَّبٌيٍَ جّاهٌدٌ الكٍفَّارّ والًمٍنّافٌقٌينّ واغًلٍظً عّلّيًهٌمً ومّأًوّاهٍمً جّهّنَّمٍ وبٌئًسّ المّصٌير} [التوبة: 73]. فكما أن الغلظة على الكافرين مطلوبة، فكذلك الغلظة على المنافقين، ولهذا قال القاسمي: (واغًلٍظً عّلّيًهٌمً): «أي على كلا الفريقين بالقول والفعل»(3)، وهذا لا يمنع من مواجهة شُبه المنافقين وطعونهم بالدلائل والبراهين و «بإلزامهم الحجج وإزالة الشبه»، وكذلك «بإقامة الحدود عليهم إذا صدر منهم موجبها»(1)؛ فهم أكثر الناس وقوعاً فيما يوجب الحد لعدم ورعهم وقلة ارتداعهم، ولهذا قال الحسن في تفسير الآية: «جهاد المنافقين بإقامة الحدود عليهم»، وقال قتادة بقوله، ووجَّها قولهما بأن المنافقين أكثر من يصيب الحدود(2). ولكن ابن العربي في تفسيره لم يرتض هذا القول ولا توجيهه، ووصف ذلك القول بأنه «دعوى لا برهان عليها، وليس العاصي بمنافق، إنما المنافق بما يكون في قلبه من النفاق كامناً، لا بما تلتبس به الجوارح ظاهراً، وأخبار المحدودين يشهد سياقها أنهم لم يكونوا منافقين»(3)، لكني أرى أن اعتراض ابن العربي لا يسلم له؛ لأن القائلين بأن المنافقين يجاهَدون بإقامة الحدود لم يقصدوا أن كل من تقام عليهم الحدود هم من المنافقين، ولكنهم قصدوا أن المنافقين هم أكثر الناس إصابة للذنوب التي تستوجب إقامة الحدود، وهذا صحيح؛ لأن هؤلاء لا يمنعهم من اقتراف الذنوب وإظهارها في دار الإسلام إلا عز الإسلام وإقامة الحدود، ولهذا فإن المنافقين
يكونون في صراع مع أنفسهم لكيلا يقعوا في موجبات إقامة الحدود عليهم. فجهاد المنافقين بإقامة الحدود هو نوع من جهادهم باليد؛ لأن جهادهم يشمل الجهاد بالقلب واللسان واليد كما قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في تفسير (جّاهٌدٌ الكٍفَّارّ والًمٍنّافٌقٌينّ): «بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه؛ فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه»(4). ولكن المشكلة هنا أن المنافقين اليوم هم أول من ضيَّع إقامة الحدود وعطل الحكم بها والتحاكم إليها.
وقد حكى الطبري أقوالاً أخرى في معنى الآية تدور حول الاقتصار في جهاد المنافقين على اللسان، ثم اتجه ـ كعادته ـ إلى الترجيح بين الأقوال واختيار ما يراه أولى بالصواب فقال: «وأولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب ما قال ابن مسعود من أن الله أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - من جهاد المنافقين بنحو الذي أمره من جهاد المشركين، فإن قال قائل: فكيف تركهم - صلى الله عليه وسلم - مقيمين بين أظهر أصحابه مع علمه بهم؟ قيل: إن الله ـ - تعالى - ذِكره ـ إنما أمر بقتال من أظهر منهم كلمة الكفر، ثم أقام على إظهاره ما أظهر من ذلك، وأما من إذا اطُّلع عليه منهم أنه تكلم بكلمة الكفر وأُخذ بها أنكرها ورجع عنها وقال إني مسلم؛ فإن حكم الله في كل من أظهر الإسلام بلسانه أنه يحقن بذلك دمه وماله وإن كان معتقداً غير ذلك»(5).
فجهاد المنافقين إذن ـ إذا أظهروا الكفر الجلي بقول أو فعل ـ أن يجاهدوا مثل جهاد الكفار. قال ابن كثير - رحمه الله -: (روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: «بُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأربعة أسياف: سيف للمشركين: {فّإذّا انسّلّخّ الأّشًهٍرٍ الحٍرٍمٍ فّاقًتٍلٍوا المٍشًرٌكٌينّ} [التوبة: 5]، وسيف لكفار أهل الكتاب: {قّاتٌلٍوا الذٌينّ لا يٍؤًمٌنٍونّ بٌاللَّهٌ ولا بٌالًيّوًمٌ الآخٌرٌ ولا يٍحّرٌَمٍونّ مّا حّرَّمّ اللَّهٍ ورّسٍولٍهٍ ولا يّدٌينٍونّ دٌينّ الحّقٌَ مٌنّ الذٌينّ أٍوتٍوا الكٌتّابّ حّتَّى يٍعًطٍوا الجٌزًيّةّ} [التوبة: 29]، وسيف للمنافقين: {يّا أّيٍَهّا النَّبٌيٍَ جّاهٌدٌ الكٍفَّارّ والًمٍنّافٌقٌينّ واغًلٍظً عّلّيًهٌمً} [التوبة: 73]، وسيف للبغاة {فّقّاتٌلٍوا التٌي تّبًغٌي حّتَّى تّفٌيءّ إلّى أّمًرٌ اللَّهٌ} [الحجرات: 9]»، ثم قال ابن كثير: (وهذا يقتضي أن يجاهدوا بالسيوف إذا أظهروا النفاق، وهو اختيار ابن جرير)(1).(16/45)
وهنا نقول: إذا كان واقع المسلمين اليوم في أكثر الأحوال لا يسمح بجهاد المنافقين بإقامة الحدود أو الإغلاظ عليهم لكف شرهم فلا أقل من تعويض ذلك بجهادهم باللسان وما يقوم مقامه من كل وسيلة ترد ما يستطاع من كيدهم للدين وإلا فإن ذلك النفاق سيظل يتوحش ويطغى حتى يهدد بهدم معالم الإيمان والدين في كل بلاد المسلمين، والجهاد المطلوب يشترط فيه أن يكون وفق الضوابط الشرعية والموازنة بين المصالح والمفاسد، المهم ألا ينسحب الترك العام لجهاد الكفار إلى ترك عام لجهاد المنافقين.
إن فقهاء الإسلام وعلماءه، عندما تحدثوا عن أحكام جهاد المنافقين، لم يفترضوا واقعاً خيالياً، بل تحدثوا عن واقع عاشته الأمة الإسلامية معهم منذ أن وُضعت لبنات مجتمعها الأول في المدينة المنورة، وصفحات السيرة والتاريخ تقطر بمواقف مخزية لحزب المنافقين الذي ظهر أول ما ظهر في مجتمع الطهارة والنقاء الأول في عهد الرسالة، ولم يستح ذلك الصنف من الناس أن يكون له حزبه وجنده في أطهر مكان وأفضل زمان في تاريخ الإنسان؛ ففي حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أطلت ظاهرة النفاق برأسها لتعلن أن خطرها لن يستثني زماناً دون زمان ولا مكاناً دون مكان بل ولا إنساناً دون إنسان، ولو كان هذا الإنسان هو خير البشر وسيد الرسل - صلى الله عليه وسلم -؛ ففي أخطر لحظات الدعوة الإسلامية وأدق المراحل التي واجهت فيها أعداءها الخارجيين؛ كان حزب النفاق بالمرصاد لهذه الدعوة في صف أعدائها، وقد أفاض القرآن في عرض مواقف المنافقين في تلك المراحل، ونحن بحاجة إلى جمع أبرزها في موضع واحد، ليتجسد معنا معنى قول الله ـ - تعالى - ـ لنبيه - صلى الله عليه وسلم - عن هؤلاء: {هٍمٍ العّدٍوٍَ فّاحًذّرًهٍمً قّاتّلّهٍمٍ اللَّهٍ أّنَّى يٍؤًفّكٍونّ} [المنافقون: 4]. ولنعلم أنه إذا كان هذا هو خطر النفاق في مجتمع النبوة، فكيف يكون شأنه في غيره.
المنافقون وخذلان المسلمين:
بعد أن عزمت قريش على الثأر لهزيمتها في بدر الكبرى، علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنواياهم وتحركاتهم، واستقر الأمر بعد المشورة ألا يمكث المسلمون في المدينة للدفاع عنها بل يخرجوا للقاء قريش قبل أن تهجم على المدينة، وهذا ما لم يكن زعيم المنافقين آنذاك (عبدالله بن أُبي بن سلول) موافقاً عليه، وجاءت قريش بجمع حاشد من ثلاثة آلاف مقاتل بكامل الإعداد والعتاد، وكان جيش المسلمين لا يزيد على ألف مقاتل في موقف دفاع، وبينما كان الفريقان يستعدان للنزال في معركة فاصلة، إذا بزعيم النفاق ينخذل عن جيش المسلمين بثلاثمائة من قومه، ليعود للقعود في المدينة، معللاً خذلانه للمسلمين بقوله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أطاعهم وعصاني» فلحق بهم الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن حرام يناديهم: «يا قوم! أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر عدوكم». ولكن هيهات أن يستجيب قوم ينتظرون ظرف الانتقام من الدعوة وأهلها لدعوات الرجولة والمروءة. ولهذا قال لهم ذلك الصحابي عندما علم خستهم وانتهازيتهم: «أبعدكم الله أعداء الله»(1) إن مصالحهم الأنانية الآنية ونجاتهم الشخصية وسوء ظنهم بالله ـ - تعالى - ـ جعلهم يخذلون المسلمين في هذا الظرف الدقيق متعللين بأن رأيهم لم يُحترم وكلامهم لم يؤخذ به؛ ولهذا فإن مشاركتهم لن تتم، وكأن المشورة يُشترط فيها ترجيح قولهم على قول غيرهم..!
يصور القرآن هذا المشهد ويحكي هذا التصرف في معرض حديثه عن غزوة أحد: {وطّائٌفّةِ قّدً أّهّمَّتًهٍمً أّنفٍسٍهٍمً يّظٍنٍَونّ بٌاللَّهٌ غّيًرّ الحّقٌَ ظّنَّ الجّاهٌلٌيَّةٌ يّقٍولٍونّ هّل لَّنّا مٌنّ الأّمًرٌ مٌن شّيًءُ قٍلً إنَّ الأّمًرّ كٍلَّهٍ لٌلَّهٌ يٍخًفٍونّ فٌي أّنفٍسٌهٌم مَّا لا يٍبًدٍونّ لّكّ يّقٍولٍونّ لّوً كّانّ لّنّا مٌنّ الأّمًرٌ شّيًءِ مَّا قٍتٌلًنّا هّا هٍنّا} [آل عمران: 154].
وقد عد القرآن هذه المواقف الانتهازية من المنافقين أكبر من مجرد جبن من جبناء، أو عدم مسؤولية في نفوس رعناء، إنه أخطر من ذلك، إنها خيانة لأهل الإسلام بإسلامهم إلى الأعداء، وتعريض الدين إلى خطر الضياع أو الضعف؛ وتعريض حَمَلته للاستئصال؛ ومن أجل هذا عُدَّت إعانة الكفار على المسلمين أو تمكينهم منهم مسارعة إلى الكفر ونصرة له، ولهذا قال الله - تعالى - لنبيه بعد أن سجَّل على المنافقين جرمهم: {ولا يّحًزٍنكّ الذٌينّ يٍسّارٌعٍونّ فٌي الكٍفًرٌ إنَّهٍمً لّن يّضٍرٍَوا اللَّهّ شّيًئْا يٍرٌيدٍ اللَّهٍ أّلاَّ يّجًعّلّ لّهٍمً حّظَْا فٌي الآخٌرّةٌ ولّهٍمً عّذّابِ عّظٌيمِ * إنَّ الذٌينّ اشًتّرّوٍا الكٍفًرّ بٌالإيمّانٌ لّن يّضٍرٍَوا اللَّهّ شّيًئْا ولّهٍمً عّذّابِ أّلٌيمِ} [آل عمران: 176، 177]. ويشاء الله - تعالى - أن تجري المقادير في غزوة أحد على نحو لم يفرح به المؤمنون، ولكن كان وراء ذلك حكمة بالغة سيقت في معرض الخطاب القرآني عن مصيبة أحد: {مّا كّانّ اللَّهٍ لٌيّذّرّ المٍؤًمٌنٌينّ عّلّى مّا أّنتٍمً عّلّيًهٌ حّتَّى يّمٌيزّ الخّبٌيثّ مٌنّ الطَّيٌَبٌ ومّا كّانّ اللَّهٍ لٌيٍطًلٌعّكٍمً عّلّى الغّيًبٌ ولّكٌنَّ اللَّهّ يّجًتّبٌي مٌن رٍَسٍلٌهٌ مّن يّشّاءٍ فّآمٌنٍوا بٌاللَّهٌ ورٍسٍلٌهٌ} [آل عمران: 179]، فهل كان بوسع المؤمنين أن يستظهروا ما خفي من بواطن المنافقين لولا تلك الشدائد؟
المنافقون ومناصرة اليهود:(16/46)
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما قدم المدينة واتخذها عاصمة لدار الإسلام، قد أرسى دعائم الاستقرار والاستمرار لمجتمع تسوده علاقات طيبة مع الطوائف المجاورة أو الساكنة مع المسلمين في أرض الإسلام، وكان من هؤلاء قبائل من اليهود، قدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم فيها، فأراد أن يقي المسلمين شرهم، فعقد معهم عهداً يؤمنهم على أرواحهم وأموالهم في مقابل ألا ينقلبوا على المسلمين بغدر أو خيانة أو مظاهرة للأعداء من خارج المدينة، ولكن طبع اليهود غلب محاولات تطبيعهم أو تطويعهم لقيم الأمانة والوفاء، فغدرت منهم قبيلة بني قينقاع وخانت العهد، فما كان من الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا أن استعد لحربهم وإخراجهم من المدينة، وبدأ في حصارهم مستمراً في ذلك نحو خمس عشرة ليلة حتى ألقى الله الرعب في قلوبهم، فطلبوا الاستسلام، وارتضوا المصير الذي يحكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم جزاء نقض العهد. ولكن اليهود وجدوا من يتصدر لهم، ويتوسط لإطلاقهم؛ إذ طلب زعيم المنافقين إطلاقهم بدعوى أنهم كانوا حلفاءه في الجاهلية، ووضع يده في جيب درع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى اشتد غضبه - عليه الصلاة والسلام -، وقال له: «ويحك أرسلني» قال: «لا والله، لا أرسلك حتى تحسن في موالىَّ.. قد منعوني من الأحمر والأسود وتريد أن تحصدهم في غداة واحدة! إني والله امرؤ أخشى الدوائر» فأنزل الله - تعالى - قوله: {فّتّرّى الذٌينّ فٌي قٍلٍوبٌهٌم مَّرّضِ يٍسّارٌعٍونّ فٌيهٌمً يّقٍولٍونّ نّخًشّى أّن تٍصٌيبّنّا دّائٌرّةِ فّعّسّى اللَّهٍ أّن يّأًتٌيّ بٌالًفّتًحٌ أّوً أّمًرُ مٌَنً عٌندٌهٌ...} [المائدة: 52](1)، لقد اكتفى الرسول - صلى الله عليه وسلم - منهم بالجلاء عن المدينة وألا يساكنوه فيها، فهل قرَّ قرار النفاق بذلك، وهل ارتدع بقية اليهود بذلك؟
لقد حدث أن أحد المسلمين قتل رجلين من المشركين ثأراً لمقتل نحو سبعين من الصحابة قتلوا ظلماً على يد قبائل مشركة، دون أن يعلم الرجل المسلم الذي قتل الرجلين أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - على عهد مع هؤلاء، فقرر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدفع دية القتيلين، ويطلب من قبيلة بني النضير اليهودية المعاهِدة أن تفي بأحد بنود العهد معها بأن تشارك في دفع دية القتيلين، وذهب بنفسه - عليه الصلاة والسلام - لطلب مشاركتهم، فتظاهروا بالقبول، ولكن سنحت لهم سانحة للغدر فلم يُفوِّتوها، فتآمروا لاغتيال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما أغراهم جلوسه أسفل أحد بيوتهم بأن يقتلوه بإلقاء حجر كبير عليه من أعلى البيت، ولكن الله - تعالى - أطلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتآمرهم، فانسحب بسرعة راجعاً إلى المدينة، وعازماً على حرب بني النضير. وبالفعل؛ سار بالمسلمين نحوهم في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة، فتحصنوا وراء الجدر والحصون فضرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليهم الحصار، وبينما هو مضروب حولهم بسبب جرمهم ونقضهم للعهد، إذا بالنفاق يطل برأسه من جديد ممالأة لقتلة الأنبياء، ويذهب وفد من المنافقين إلى معقل اليهود، ليهدئ من روعهم، ويكفكف لوعتهم ويعدهم بالوقوف والمساندة وبذل المستطاع في التحالف معهم، ولو اقتضى الدفاع عنهم أن يقاتلوا في صفهم ضد المسلمين!!
ممن يحدث هذا؟! من أناس يعيشون بين المسلمين، وينتسبون إليهم ويصلون معهم! لقد كان أمراً خارجاً عن الحد الأدنى من طبائع الأمناء الشرفاء، حتى جعل القرآن يتنزل بحكاية خبر القوم: {أّلّمً تّرّ إلّى الذٌينّ نّافّقٍوا يّقٍولٍونّ لإخًوّانٌهٌمٍ الذٌينّ كّفّرٍوا مٌنً أّهًلٌ الكٌتّابٌ لّئٌنً أٍخًرٌجًتٍمً لّنّخًرٍجّنَّ مّعّكٍمً ولا نٍطٌيعٍ فٌيكٍمً أّحّدْا أّبّدْا وإن قٍوتٌلًتٍمً لّنّنصٍرّنَّكٍمً واللَّهٍ يّشًهّدٍ إنَّهٍمً لّكّاذٌبٍونّ} [الحشر: 11].
لقد انتهى الأمر بإجلاء بني النضير إلحاقاً بإخوانهم في البُهت والسُّحت من بني قينقاع، وحالت عزة الإسلام أن يسل المنافقون سيوفهم ضد المسلمين معهم، وإلا فإنهم فلو تمكنوا لما تأخروا، ولكنها الرهبة من الإسلام، عظمت حتى ملأت قلوب الكافرين والمنافقين جميعاً {لأّنتٍمً أّشّدٍَ رّهًبّةْ فٌي صٍدٍورٌهٌم مٌَنّ اللَّهٌ ذّلٌكّ بٌأّنَّهٍمً قّوًمِ لا يّفًقّهٍونّ} [الحشر: 13](1). إن من يريد أن يقتفي أثر إفساد المنافقين خلال عهد الرسالة، عليه أن يبحث عن ذلك في مظان الحديث عن اليهود، فأينما وُجد اليهود، وُجد المنافقون.
المنافقون والتحالف مع الأحزاب:(16/47)
لما أجلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بني قينقاع ثم بني النضير جزاء خيانتهم ونقضهم للعهود، اجتمع بقايا من اليهود الساكنين في خيبر شمال المدينة المنورة، وتآمروا مع يهود بني قريظة لتهييج المشركين من العرب في أنحاء الجزيرة على أهل الإيمان، ليكون الجميع يهوداً وعرباً ضد المسلمين، وقد أسفرت جهود التآمر تلك عن تكوين تحالف من عدة أحزاب للهجوم على المدينة من الخارج، فاستشار النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمر، واستقر الرأي على ما أشار به سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ بأن يظل المسلمون في المدينة متحصنين بها بعد أن يحفروا خندقاً حولها من الجهة المكشوفة التي يمكن للأعداء أن يداهموا المسلمين منها. وبدأ الحفر، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه يبث الأمل ويشارك في العمل، وبدأ بعض المنافقين يتسللون بالرجوع بعد إظهار التثاقل والسآمة، وشكك بعضهم في فكرة الخندق نفسها، وأطلق آخرون عبارات التثبيط وإشارات الوهن لترويج الشائعات وبث الفرقة، وتجاسر أحدهم فقال والناس يسمعون بعد أن بدأت طلائع الأحزاب في القدوم حول المدينة: «كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يقدر أن يذهب إلى الغائط»! وجاء آخرون ليقولوا لأهل المدينة الصابرين الصامدين تحت الحصار: {يّا أّهًلّ يّثًرٌبّ لا مٍقّامّ لّكٍمً فّارًجٌعٍوا} [الأحزاب: 13] ويتبجح آخرون بضرورة الرجوع حمية للحرمات {ويّسًتّأًذٌنٍ فّرٌيقِ مٌَنًهٍمٍ النَّبٌيَّ يّقٍولٍونّ إنَّ بٍيٍوتّنّا عّوًرّةِ ومّا هٌيّ بٌعّوًرّةُ إن يٍرٌيدٍونّ إلاَّ فٌرّارْا} [الأحزاب: 13] أما أشدهم خسة وأبلغهم وضاعة، فأقوام لم يكتفوا بجبنهم وتشكيكهم في شجاعة الشرفاء، بل ندبوا أنفسهم إلى جر من يستطيعون إلى صفوف القاعدين وهؤلاء من {الًقّائٌلٌينّ لإخًوّانٌهٌمً هّلٍمَّ إلّيًنّا ولا يّأًتٍونّ البّأًسّ إلاَّ قّلٌيلاْ} [الأحزاب: 18] كل هذا قبل أن يأتي الخوف الحقيقي،
فلما جاء {رّأّيًتّهٍمً يّنظٍرٍونّ إلّيًكّ تّدٍورٍ أّعًيٍنٍهٍمً كّالَّذٌي يٍغًشّى عّلّيًهٌ مٌنّ المّوًتٌ}[الأحزاب: 19].
لقد بدأت تظهر أبعاد المؤامرة، وتبين أن قوى التحالف المعادي للإسلام قد قذفت إلى حدود المدينة بنحو أربعة آلاف من أشداء قريش ومن عاونها من قبائل العرب، ونحو ستة آلاف من قبائل غطفان، إضافة إلى جموع من اليهود الذي حزبوا تلك الأحزاب ودبروا الغارة وأوقدوا الفتنة، لقد استغل الجميع الفرصة وأحاطوا المدينة من جوانبها، وحاصروا المسلمين وراء الخندق الذي لم يقدروا على اختراقه، وطال الحصار قريباً من الشهر، حتى نزل بالمسلمين الخوف والجوع، والبرد والبلاء، وصوَّر القرآن هذه المشاهد في تلك اللحظات الرهيبة الرعيبة.. {إذً جّاءٍوكٍم مٌَن فّوًقٌكٍمً ومٌنً أّسًفّلّ مٌنكٍمً وإذً زّاغّتٌ الأّبًصّارٍ وبّلّغّتٌ القٍلٍوبٍ الحّنّاجٌرّ وتّظٍنٍَونّ بٌاللَّهٌ الظٍَنٍونّا * هٍنّالٌكّ ابًتٍلٌيّ المٍؤًمٌنٍونّ وزٍلًزٌلٍوا زٌلًزّالاْ شّدٌيدْا} [الأحزاب: 10، 11] كان المتصور من جميع الرعاديد الساكنين مع المسلمين أن يتماسكوا أو يتظاهروا بالتماسك في تلك اللحظات المصيرية، ولكنهم مضوا يخذلون ويحذرون ويشككون في كل شيء، حتى في الوعد الصادق من الله ورسوله {وإذً يّقٍولٍ المٍنّافٌقٍونّ والَّذٌينّ فٌي قٍلٍوبٌهٌم مَّرّضِ مَّا وعّدّنّا اللَّهٍ ورّسٍولٍهٍ إلاَّ غٍرٍورْا} [الأحزاب: 12]، آيات وعظات في السورة التي تحكي واقعة الأحزاب، لم تكن ليتنزل بشأنها وحي ويُتلى في أمرها قرآن؛ لولا أنها تحكي أحوال نفسيات وشخصيات قبل أن تقص أحداث لحظات وساعات، إنها شخصية ونفسية المنافقين في كل زمان ومكان(1)! خيانة وتآمر، ووضاعة وتخاذل وشك فيما وعد الله به، ونقض لما عاهدوا الله عليه {ولّقّدً كّانٍوا عّاهّدٍوا اللَّهّ مٌن قّبًلٍ لا يٍوّلٍَونّ الأّدًبّارّ وكّانّ عّهًدٍ اللَّهٌ مّسًئٍولاْ} [الأحزاب: 15] ولكن هذا الجبن المستحكم
سرعان ما يتحول إلى شجاعة مصطنعة وجسارة جبارة تقذف بالسموم من كل نوع على الصادقين العاملين الذين لا يرجون إلا رضا الله، ولا يكون ذلك الهجوم من المنافقين إلا بعد أن يولي الخطر وينقشع الغبار {فّإذّا ذّهّبّ الخّوًفٍ سّلّقٍوكٍم بٌأّلًسٌنّةُ حٌدّادُ أّشٌحَّةْ عّلّى الخّيًرٌ أٍوًلّئٌكّ لّمً يٍؤًمٌنٍوا فّأّحًبّطّ اللَّهٍ أّعًمّالّهٍمً وكّانّ ذّلٌكّ عّلّى اللَّهٌ يّسٌيرْا} [الأحزاب: 19].
المنافقون ومصانعة النصارى:(16/48)
في ظرف من أدق وأشق الظروف التي مرت على الدعوة الإسلامية في عهد الرسالة نما إلى مسامع المسلمين في المدينة في أواخر عمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن أكبر قوة في الأرض آنذاك تعد لسحق المسلمين في دارهم وطي صفحة الإسلام من التاريخ بتخريب مدنه واجتياح أرضه وتقتيل أهله وتشريدهم، لقد تواردت الأنباء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن نصارى الروم على وشك القدوم؛ فقرر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يباغت القوم بالحرب قبل أن يكملوا الاستعداد، وفي وقت نضج فيه الثمر وطاب فيه المقام، مع شدة حر نافست شدة الخوف من الحرب، ندب الرسول - صلى الله عليه وسلم - الناس للنفير دفاعاً عن الإسلام المستهدف من أعتى عدو في العالم آنذاك، فاستجاب الصادقون خفافاً وثقالاً رغم المكاره، وأطاعوا أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تقديرٍ شجاع لخطورة الموقف، وتحملٍ نادر لجسامة المسؤولية؛ فمن المسلمين من سارع فجهَّز نفسه وغيره، ومنهم من لم يجد إلا تجهيز نفسه فقط، ومنهم من لم يجد ما يجهز به نفسه ولا ما يجهزه به غيره؛ فما كان منهم إلا أن {تّوّلَّوًا وأّعًيٍنٍهٍمً تّفٌيضٍ مٌنّ الدَّمًعٌ حّزّنْا أّلاَّ يّجٌدٍوا مّا يٍنفٌقٍونّ} [التوبة: 92]، غير أن هناك من وجد النفقة وتكاليف الجهاز للحرب، إلا أنه لم يجد الرغبة في الالتحاق بالجيش المحارب، انسياقاً مع أماني النفس في الأمان والراحة، والسلامة والدعة. وهم مع ذلك لم يكونوا من الخائنين ولا الكاذبين رغم قعودهم، في حين أن غيرهم خرجوا كاذبين خائنين، التمسوا في الخروج مع الجيش ساعة تربص بالمسلمين، أو توهين لعزائمهم وحط من علو نفوسهم(1).
كان النفاق يتوق إلى يوم تتهاوى فيه قلعة الإسلام وتسقط راياته، ودلت أحداث الغزوة أن ذلك الأمل اليائس لم يفارق دخيلة القوم، القاعدين منهم والخارجين، حيث لم يقلَّ شر الخارجين عن شر القاعدين، فأما القاعدون وعلى رأسهم رأس النفاق ابن سلول، فبدلاً من أن يشدوا أزر المجاهدين المستجيبين لله وللرسول - صلى الله عليه وسلم - أو يسكتوا على الأقل، إذا بهم يُدخلون عليهم الغموم والهموم بمواقف التحزين وكلمات التخذيل وسوء الظنون.
وهذه ومضات مظلمة من بعض مواقف المنافقين في ذلك الظرف القاهر الحرج:
* تحادث قوم من القاعدين بغير عذر في المدينة متهكمين على المسلمين، فقال أحدهم: «يغزو محمد بني الأصفر (أي الروم) والله! لكأني أنظر إلى أصحابه مقرنين في الحبال»(2).
* لما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - علياً ـ رضي الله عنه ـ في المدينة ليخلفه في أهله قال المنافقون: «ما خلَّفه إلا استثقالاً له وتخففاً منه». ليشيعوا الفرقة والفتنة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وخاصة أصحابه وأهل بيته، وقد أحزن ذلك علياً وأدخل الغم على نفسه لما بلغه ذلك (3).
* ضلت ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - ببعض الطريق أثناء السير إلى تبوك، فأرسل بعض أصحابه في طلبها، فقال أحد المنافقين: «هذا محمد يخبركم أنه نبي ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته»! (4).
* أشار جمع من المنافقين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو منطلق إلى تبوك فقال بعضهم ساخراً: «أتحسبون جِلادَ بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً؟ والله لكأنكم تأتون غداً مقرَّنين»(1). ولما بلغت مقولتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: {إنَّمّا كٍنَّا نّخٍوضٍ ونّلًعّبٍ} [التوبة: 65]، فأنزل الله - تعالى - خبيئتهم وأظهر فضيحتهم فقال: {قٍلً أّبٌاللَّهٌ وآيّاتٌهٌ ورّسٍولٌهٌ كٍنتٍمً تّسًتّهًزٌءٍونّ * لا تّعًتّذٌرٍوا قّدً كّفّرًتٍمً بّعًدّ إيمّانٌكٍمً} [التوبة: 65، 66].
* بينما كان حذيفة رضي الله عنه آخذاً بخطام ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمار بن ياسر يسوقها، إذا باثني عشر رجلاً يعترضون الناقة برواحلهم، مزاحمين الرسول - صلى الله عليه وسلم - رغبة في إسقاطه عن راحلته ليتخلصوا منه، فصاح فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانبهتوا وتفرقوا، فقال ـ - عليه الصلاة والسلام - ـ لأصحابه: «أتدرون من هؤلاء؟ فقالوا: لا، يارسول الله، قد كانوا ملثمين» فقال: «هؤلاء المنافقون يوم القيامة، وهل تدرون ما أرادوا؟ » قالوا: «لا» فقال: «أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة فيلقوه فيها» فقال الصحابة للرسول - صلى الله عليه وسلم -: «أو لا نبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟ » قال: «لا، أكره أن يتحدث العرب أن محمداً قاتل بقومه، حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم»، وهم الذين أنزل الله ـ - تعالى - ـ فيهم (وهمّوا بما لم ينالوا. وما نقموا إلا أن أغناهم الله من فضله {وهّمٍَوا بٌمّا لّمً يّنّالٍوا ومّا نّقّمٍوا إلاَّ أّنً أّغًنّاهٍمٍ اللَّهٍ ورّسٍولٍهٍ مٌن فّضًلٌهٌ} [التوبة: 74](2).
* وتجيء قصة مسجد الضرار(3) لتبين أن النفاق لابد أن يتخذ له أوكاراً تضمن له أن يرصد منها ويدبر فيها كل ما تحتاجه حملات وجولات العداوة للدين وأهله {والَّذٌينّ اتَّخّذٍوا مّسًجٌدْا ضٌرّارْا وكٍفًرْا وتّفًرٌيقْا بّيًنّ المٍؤًمٌنٌينّ وإرًصّادْا لٌَمّنً حّارّبّ اللَّهّ ورّسٍولّهٍ مٌن قّبًلٍ ولّيّحًلٌفٍنَّ إنً أّرّدًنّا إلاَّ الحٍسًنّى واللَّهٍ يّشًهّدٍ إنَّهٍمً لّكّاذٌبٍونّ} [التوبة: 107].(16/49)
لقد حفلت سورة التوبة التي تسمى أيضاً بـ (الفاضحة، والبحوث، والمبعثرة)(4)، بأخبار النفاق وسلوك المنافقين، لترسخ في أفهام المسلمين أهمية أن يتفقدوا صفوفهم، ويختبروا بطانتهم حاملين قبس القرآن ليكشف لهم بإيضاح وجلاء ماهية ونوعية وسجية المنافقين والكافرين حتى يكونوا منهم على حذر، ويكونوا لجهادهم والتصدي لهم على أهبة واستعداد. فلا جهاد للمنافقين والكافرين أجدى ولا أكبر من جهادهم بالقرآن وفي ضوء القرآن {فّلا تٍطٌعٌ الكّافٌرٌينّ وجّاهٌدًهٍم بٌهٌ جٌهّادْا كّبٌيرْا} [الفرقان: 52].
-------------
(1) أحكام القرآن لابن العربي (2/966) بتحقيق محمد على البجاوي.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، باب 20 ـ ح (80) (1/69).
(2) تفسير التحرير والتنوير (13/241).
(3) تفسير زاد المسير لابن الجوزي (8/286).
(4) تفسير جامع البيان للطبري (30/70).
(1) مفردات القرآن، للراغب الأصفهاني، كتاب الميم ص 466.
(2) المصدر السابق. (3) تفسير محاسن التأويل، للقاسمي (8/203).
(1) المصدر السابق
(2) تفسير القرطبي (8/205).
(3) تفسير أحكام القرآن، (2/966).
(4) تفسير الطبري (30/71).
(5) المصدر السابق.
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/408)، طبعة الندوة العالمية.
(1) انظر: البداية والنهاية (م 2، ج 3، ص 14، 15، وانظر: سيرة ابن هشام (3/27).
(1) انظر البداية والنهاية (م 2، ج 3، ص 5)، وسيرة ابن هشام (3/10)، وتاريخ الطبري (2/480).
(1) ذهب ابن عاشور إلى أن الضمير في كلمة (صدورهم) يعود على المنافقين وأهل الكتاب معاً وقال: «ليس اسم أحد الفريقين أولى بعود الضمير إليه مع صلاحية الضمير لكليهما، ولأن المقصودين بالقتال هم يهود قريظة وخيبر، وأما المنافقون فكانوا أعواناً لهم» (التحرير والتنوير، (13/102).
(1) انظر تفاصيل غزوة الأحزاب في البداية والنهاية (م 4، ج 3، ص 100 ـ 106).
(1) انظر تفاصيل ذلك في قصة غزوة تبوك في سيرة ابن هشام (4/157).
(2) انظر: البداية والنهاية (م 3، ج 5، ص 8).
(3) انظر: البداية والنهاية (م 3، ج 5، ص 7، وسيرة ابن هشام (4/ 159).
(4) انظر: البداية والنهاية (م 3، ج 5، ص 9)، وسيرة ابن هشام (2/168).
(1) انظر: البداية والنهاية، (م 3، ج 5، ص 18، 19).
(2) انظر تفسير ابن كثير (2/409).
(3) انظر تفاصيل قصة مسجد الضرار في تاريخ الطبري، (3/110)، وسيرة ابن هشام (4/171).
(4) سُميت بسورة (البحوث) لأنها تبحث عن أسرار المنافقين و(المبعثرة) أو (البعثرة) للمعنى ذاته ـ انظر القرطبي (8/61).
ذو القعدة1422 هـ * فبراير 2002م
http://albayan-magazine.com المصدر :
==============
استخرج أحسن ما في السيئين
محمد بن سرّار اليامي
رأيت آن التعامل مع من لا تطيقهم مجلبة للموت المحتم..
بل هو الانتحار البطيء...
قال المتنبي:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يري *** عدواً له ما من صداقته بد
فأنت لا تطيقهم من زوايا عدة....
إما أن يكونوا فوقيي النظرة، فيزدرون الآخرين ويكتسحونهم، آو أن يكونوا متلوني الطباع من كذب ورياء، ومصالح شخصية تحكم تصرفاتهم...
أو أن يكونوا على قدر من السخافة كبير...، فان المتملقين من الناس ربما كانوا أكثر المستهلكين للوقت، واقلهم فعالية في إنجاز الأعمال.. كما يقرر ذلك صاحب كتاب "التعامل مع من لا تطيقهم".
آو يكونوا مرتزقة يعيشون على فتات موائد الآخرين، المادية والفكرية كذلك...
ومن هنا فانك مبتلى على كل حال بهؤلاء...، ولكن لا تيأس من النجاح في التعامل معهم..، أو على الأقل تحييدهم.. فأنك قد تسبب لنفسك الإحباط وأنت لا تشعر..، واستعمل معهم بعض هذه الأسلحة:
أولاً: تجنب ما استطعت الغضب، والسلوك القاسي في التعامل معهم..
ثانياً: جنب نفسك الزوايا الحادة التي تجبرك على ردة الفعل العنيفة، وابتعد من موطن الريب، ومن المواقف الغبية.
ثالثاً:كن صبوراً حليماً حكيماً، واجعل عندك بعد نظر في النتائج.
رابعاً: كن صريحاً في إيضاح موقفك من الآخر، وأيضا إيراد انتقاداتك له بهدوء.
خامساً: اعلم آن بعض سيئي التعامل لا يستطيعون آن يستمرون بهذه السوء على وتيرة واحدة فلا تتعجل النتائج، فإنهم يزيدون أحيانا، فيفضحون أنفسهم أمام المجتمعات...، وينقصون أحيانا فتزدريهم أعين الصبيان..
سادساً: لا تلزم نفسك لأحد بشيء إلا بعد دراسة لجدولك اليومي آو الأسبوعي، ولا تخجل من كلمة لا، فأنك قد تحمل نفسك أشياء لا طاقة لك بها فتخفق في الجمع بينها، أحيانا آو تعيش حياتك في حالة استنفار دائم.
سابعاً: اتخذ قراراتك في اللحظة المناسبة وإياك في التردد، فانه مضعف لردود فعلك في أعين الآخرين.
ثامناً: توقع من الطرف الآخر أي شيء، فآنت لا تعلم ما يفعل..
تاسعاً: الكلمة الطيبة صدقة، وقد يكون حل الخلاف، آو تقريب وجهات النظر في كلمة واحدة...
بل قد يكون الكلام أقوى من رصاص المجنزرات.. يهز العقول ويحرك القلوب..
عاشراً: تفائل دائماً في علاقاتك، وتعاملاتك، ولتكن إيجابية بقدر الإمكان..
الحادي عشر: أحذر من المتسخطين على القدر، فإنهم يقبعون وراء كواليس التشاؤم، بل هم محاطين بعالم ظالم يرونه بمناظيرهم المظلمة، والصواب عندهم هو ما وفق مقاييسهم الخاصة..
هؤلاء عليك التنبه منهم.. بل الحذر كل الحزر...
فإنهم محطمين نفسياً، بل ويموت أحدهم في يومه مرات، ومرات من تشاؤمه، ويأسه، وتوقعه للحوادث والكوارث والنكبات.. فيا بؤساً لهم. فاحمد الله على العافية، واغتبط بنعمة الله عليك، ولا تجلس مه هؤلاء، فإنهم يولدون الهموم، ويفرزون الغموم في قلوب أصحابهم، فتيأس من احتوائهم آو على الأقل تحييدهم..(16/50)
هذه بعض أسلحة أذكياء العالم في إخراج محاسن أهل السوء....
فكن على علم بها..
وأفد من تجارب الآخرين.
فإن الذين يقدرون المعرفة هم الذين يستطيعون الحصول عليها، والإنتقاء بها، وهذه ذكرى، ومن صفات أهل الإيمان الانتفاع بالموعظة قال - تعالى - " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين "...
وإلى سلامة من هؤلاء النشاز، وهذه الصور المقيتة المظلمة في المجتمع.قللهم الله، وصرفهم عنا وعن كل محب للخير...
http://saaid.net المصدر :
=============
تحذير عاجل ، ونذير خطير لا يحتم التأخير
الفلاح المعتصم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد:
مقدمة:
إنَّ الوصولَ إلى حقائقِ الأمورِ يُعدُ ظفراً كبيراً، ونصراً على الضبابيةِ مؤزراً، ولو كانت الحقيقة مراً وعلقماً، ولا يشكُ العاقل أن إجلاء الحقائقِ، وتجسيدَ صورِها ومعالجتها من المهمات الصعبة جداً، من حيث الانتصار على النفسِ، والسير في طلب الحقيقةِ بتجردٍ من العاطفةِ والتقليدِ، وطُلَّاب الحقائق هم فئام من صفوةِ الخلقِ، كالقلبِ موضع النظر ومحط القرار.
تتجلى حقائق:
إنَّ حالَ الأمةِ اليوم لهو حري بتتبعٍ لا يفتأ صاحبه ليصلَ إلى حقيقةِ أمرِ الهوانِ والذلِ دون أن يُخفي عن أمته ما يهوي بها إلى سحيقِ المستقر، وموطئِ القدم، ومن سبيلِ المهانةِ، وطريقِ الذلة، تخرج هذه الصرخات بالحقيقة من واقعها المر، لِتُعلِمَ الأمةَ بأمرٍ لا يقبل النقاش لأنه حقيقة، وإن كَثُرَ حوله الجدل، فهو وثيقة سالمة من العِلل.
بين يدي الحقائق:
أُخرج آدم من الجنةِ بذنبٍ، وأُغرقَ قوم ببعض ذنوب، وخُسِفَ بأمةٍ، ومُسِخَ قوم بسبب حيلتِهم على شرعتهم إلى قردة خاسئين، انهارت دول، ودمرت أخرى، وقُذِفَت أمم وماتت أخرى، كل ذلك بذنوب قال الله: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا).
وقال: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ).
وقال: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً)
الحقيقة الأولى:
إن الذي سَلَمَ رِقَابَنا إلى أيدي الكفار ليس الغرب أو الشرق، ولكن للأسف [نحن] حكاماً ومحكومين فسلط الله علينا ذلاً وعد أن لا ينزعه حتى نرجع إلى مُرَادِه قال - صلى الله عليه وسلم - " إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " فتبايعنا بالربا، وركوننا للدنيا، وتركنا للجهاد، هذا سبب التسلط، والحقيقة أن كل ذلك فينا واقع وحقيقة.
الحقيقة الثانية:
نحن نحارب الإسلام حرباً ضروساً لا هوادة فيها، فقد بلغ التنصير مبالغاً مهولاً، وانتشرت الأفكار الهدامة انتشاراً مرعباً، وبلغ الفساد الأخلاقي مبلغاً محرقاً، ولو سألت ماذا خصص الوالي والتجار والمقتدر من ماله لحربِ هذا البلاء على فرض عدم القدرة على الجهاد والزمن زمن دعوة؟ لوجدت الوالي سَهَلَ بل بعضهم دعا، والتاجر استثمر، والمقتدر تقهقر، وعلى الذوات والشهوات الصرف بغير حساب، ومن حقوق أهل السنة والكتاب، فلذلك يذكر ابن حزم - رحمه الله - تعالى - حال هؤلاء الولاة وأنهم سبب كبير في سقوط الأندلس فيقول: (والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم بادروا إليها، فنحن نراهم يستمدون النصارى فيمكنوهم من حُرَم المسلمين وأبنائهم... وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعاً فأخلوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس) انظر رسائل ابن حزم 3/176.
أقول فسبحان الله كأنه يتكلم عن عصرنا فلله الأمر من قبل ومن بعد.
الحقيقة الثالثة:
لسنا اليوم أولياء لله، ودليل هذا أنه من كلامه - عليه الصلاة والسلام - قوله: [إنه لا يذل من واليت] وقد وقع الذل الفاضح علينا إلا الثلة المجاهدة في سبيله، بل نحن أولياء الملذات، وسادات الشهوات، أبطال الألومبيات، ورجال السفريات بين ديانا بريطانيا، ورافعة لواء العفاف ديانا كرازون، ولك أخي أن تتصور سفالة الحال في ترشيح كرازون حيث بلغ عدد الناهقين بترشيحها كأفضل مغنية أكثر من خمسين مليون مسلم، والذين عارضوا الحرب على أفغانستان والعراق أربعة ملايين فقط!!، ويُستقبل ثاني بطل أكاديمي بثلاثين ألف منهم الحاضنات ومِنَ الرجالِ مَنْ ألحقَ نفسه بِتاءِ التأنيث، أو ياءِ المخاطبةِ وبهتافاتٍ باكيةٍ وكأنه محمد بن القاسم فاتح السند والهند فلله الأمر من قبل ومن بعد.
الحقيقة الرابعة :
لا بد من الملحمة مهما تأخر وقتها، فقد بدت أشراطها، وبرق في الأُفقِ حسامها، فبما أن الأمم من قبلنا أصابهم الله بذنب، وببعض ذنوب، فقد جمعت الأمة اليوم والأمم جمعاء كل الذنوب، ليذهب الرعاع، ويتلاشى الجُفاء، ويبقى ما ينفع الناس، وتكون العاقبة لوعد الله القاضي باستخلاف المتقين، فماذا نقول ربا بلغ ذروته، وعمالة وصلت منتهاها، وتفسخ أخلاقي نال الأمهات والأخوات، وفضائيات ما تركت للمسلمين بيتاً إلا ولعنته إلا من رحم الله، البيوت فساد، والشوارع فساد، والعمل فساد، والتعليم فساد، والسياسة فساد، والاقتصاد فساد، ورأس هذا فساد في التوحيد بسبب تفشي الشرك بكل أشكاله، والبدع بكل ألوانها، حكم الله مزدرى، وشرعته مقلاة، وكتابه قُدست أوراقه وقتلت أحكامه، يُرجع للكتاب حال موافقة الهوى ويُستظهر أو يخترق حده إذا هدد الهوى فلله الأمر من قبل ومن بعد.
الحقيقة الخامسة :(16/51)
وجهت قوانا لبعضنا، وكفينا العدو مؤنتنا، وعلا بعضنا على بعضٍ فيا لها من كارثة مستطيرة، ومصيبة مستشرية حارقة خطيرة، وإني أُذَكِّرُ قومي بحقائق من التاريخ معتبرة، يَتعِضُ بها أصحاب العقول النيرة، والنوايا الصالحة الخيرة، عندما فشى الفساد في بخارى، واستهان الناس بشرعة الله، سلط الله عليهم قوارع أعدمت كل جميل يُذكَر، وانتزعت منهم كل نعمة تُخفى أو تُشهر، مُلأت شوارعهم دماء، ورَمَّت مساكنهم بالأشلاء، فأنطق الله الكُفَار على آثامهم شهداء، فهذا عدو الله جنكيز خان لما دخل بخارى صعد المنبر من يوم الجمعة في موضع الخطيب ولم يبق من أهلها إلا ما يقارب الثلاثمائة ومع أنه كافر بالله قال: "يا قوم فاعلموا أنكم قد ارتكبتم جرائم بشعة، واقترفتم آثاماً كثيرة، ومن جملة تلك الجرائم والآثام ما فعله أمراءكم، فإن سألتموني عمن أكون الذي أخاطبكم؟ وعلى أي دليل أقول هذا الكلام؟ : أجبتكم أني سوط الله الذي بعثني إليكم، لأنزل بكم عقابه على جرائم اقترفتموها، وآثاماً ارتكبتموها، ولو لم تستحقوا ما نزل بكم من عذاب لما أرسلني الله إليكم ")) انظر تاريخ فاتح العالم 1 / 117 أو يأجوج ومأجوج فتنة الماضي والحاضر والمستقبل لـ د. الشفيع الماحي أحمد
الحقيقة السادسة:
أمة أوكَلَت حِماها لبعضِ حسناتِها التي تُعد قطرات في مستنقعات سيئاتها، فترى من يقول نحن أحسن من غيرنا، ويُعدِد لك بعض المحاسنِ التي تنبِئك قرائن من سيِئاتِهِم أن أكثرها يعتريها سقم أكل قوامها وثمرها، وقد قال قوم من قبل وتباهوا ببعض عملِهِم الحسن ليكون لهم حمى، فرد القرآن عليهم بأنها لا تمنعهم العذاب قال الله: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقد سَألت أم المؤمنين زينب - رضي الله عنها - الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقولها: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث) وأعجبتني هذه الوصية من هذا الخليفة الموفق عمر بن عبد العزيز لبعض عماله عندما قال: فَإِنَّ الذُّنُوبَ أَخْوَفُ عِنْدِي عَلَى النَّاسِ مِنْ مَكِيدَةِ عَدُوِّهِمْ، وَإِنَّمَا نُعَادِي عَدُوَّنَا وَنَسْتَنْصِرُ عَلَيْهِمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ لَنَا قُوَّةٌ بِهِمْ، لأنَّ عَدَدَنَا لَيْسَ كَعَدَدِهِمْ، وَلَا قُوَّتُنَا كَقُوَّتِهِمْ، فَإِنْ لا نُنْصَرْ عَلَيْهِمْ بِمَقْتِنَا لا نَغْلِبْهُمْ بِقُوَّتِنَا، ولا تَكُونُنَّ لِعَدَاوَةِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَحْذَرَ مِنْكُمْ لِذُنُوبِكُمْ، وَلا أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْكُمْ لِذُنُوبِكُمْ...... (وَلا تَقُولُوا أَنَّ عَدُوَّنَا شَرٌّ مِنَّا)، وَلَنْ يُنْصَرُوا عَلَيْنَا وَإِنْ أَذْنَبْنَا، فَكَمْ مِنْ قَوْمٍ قَدْ سُلِّطَ - أَوْ سُخِطَ - عَلَيْهِمْ بِأَشَرّ مِنْهُمْ لِذُنُوبِهِمْ.. رواه أبو نعيم في الحلية برقم (7502) 0
الحقيقة السابعة:
أمةٌ تسعى للتخلي عن الواجباتِ الشرعيةِ، وذلك باختلاقِ مسبباتٍ منكرة، وأمورٍ في الفطرة مستقذرة إلا من - رحمه الله -، ولكَِ أكبر شاهدٍ من تاريخِنا المعاصرَ مع الأحداثِ الأخيرةِ، وما كان فيها من خطأ، ترى الكثير من أنكر الجهاد برمته ولم يبق أو يذر فكل جهاد في الدنيا هو من شأن من سموهم " الإرهابيون " فتسمع العِواء من كل بلاد العالم، وتطاولت أعناق النفاق بأبواق الأعداء بقولهم ألم نقل لكم؟! ألم نخبركم؟! ولم يستثنى من ذلك أحد حتى في فلسطين، وفي العراق، وأفغانستان، وفي كل الثغور، فلم يَعُدْ هناك مجاهد يحمل للإخلاصِ راية، تلاشت قضية الأمة، ورُفِعَ عنها الواجب، ومسحَ فرض الجهادِ، كل ذلك بسببِ بعضِ المماسكِ، وواللهِ لزوال الدنيا أهون عند الله من طمسِ فرضٍ فرضَه، وما نراه ونسمعه لا شك أبداً أنه يُجَسِّدُ مدى الغثائية التي تُكوى الأمة بحَرِ اعوجاجها، وفقدان المرجعية التنظيرية إلا في قلة ابتلعتهم الضبابية القاتمة عن مسرح الأحداث يُصارعونها بلمع كلماتٍ تخرجُ إلى الأمةِ مجهدة، وهذا منهجُ أعداءِ المِلةِ قديماً وحديثاً فيُحَمِلوا خطأ أبناءِ الإسلامِ الإسلام نفسه لينالوا منه لِيَهون عند مريديه، ويقدموا التنازلات عن بعض فرائضِه وواجِبَاتِه، وليس العجيب أن نرى هذا من الأعداءِ، ولكن العجبَ أن نسمَعَه ممن لهج بلُغتِنا، ودان بِمِلتِنَا؛ والقولُ أن نقولَ لهم: كم من الشجبِ والتنديدِ سمعناه منكم على مر عقود من الزمان وكانت ثمرته لا حراك (أسمع جعجعة ولا أرى طحينا) فالنهيق لدينا معلوم، وغايته مفهومة، فلقد علَّمتنا هذه العقود من الزمن أن عِواءكم، وسكوتكم سواء، ولو كان لصرخاتكم ومض صدى لرأينا آثارها في فلسطين قبل أن تحمل بِجِيلِنا الأرحام!! ولو باليناكم لهان علينا ديننا من أيام القوة الكنسية.
وقفات مع الغثائية:
ماذا جنت أفغانستان من عواطفنا؟ وماذا حصدت فلسطين من مظاهراتنا؟ وماذا نال العراق من صرخاتنا؟ أقول: لا شيء، ومن هنا يتبين لك من نحن! نحن اليوم لا شيء فعواطفنا وصرخاتنا لها فلك تجري فيه وهو فلك من دخله كمن لم يدخله واستني الثلة.
خاتمة:
قد يقول قائل أهذه رسالة يأس؟! أقول بل هي صفحة أمل ولكن بعد الخلاص من الغثائية ولأجل تجسيد صورة جلية تفجر الآفاق وضوحاً أسأل هذا السؤال الطويل المُفَقَّر وهو هل هناك استعداد لدى من بيده الأمر أن يتخلص من سخط الله وغضبه ووعدِ عقابه المتمثل في البنوك الربوية؟ الجواب لا.(16/52)
وهل هناك استعداد لإغلاق القنوات الإباحية؟ الجواب هذا حلم .
وهل هناك استعداد لترك العمالة الغربية؟ الجواب أبداً.
وهل هناك استعداد لتطبيق الشريعة الإسلامية على مراد الله؟ الجواب محال.
وهل هناك استعداد لإعادة الدول الإسلامية المحتلة؟ الجواب خيال.
وهل هناك استعداد لفتح الحدود لمتطوعي ومريدي الجنة للجهاد في الأرض المحتلة؟ الجواب خيال.
وهل هناك استعداد لحضرِ ومنعِ وقَمعِ كلِ القنوات والمشارب التي تقوم بإفساد الأمة، ونشر النور الرباني دعوة صادقة مدعمة بسطوة السلطة لأجل تربية الأمة وإنقاذ الأجيال من الانسلاخ في سحيق الثقافة الغربية والشرقية التي تجرها إلى سرعة العقاب وشديد العذاب؟ الجواب لا.
إذاً نحن لا نريد طاعة الله نعم لا نريد هذه هي الحقيقة باستثنى طائفة على الحق ظاهرة تقاتل عليه، وبالمقابل هناك استعداد لاستقبال كل فساد، ودون أي ممانعة، وعلى جرعات متشكلة، وفي قوالب حضارية، وأحياناً دينية، فسفينتنا إلى مزيدٍ من الربا، إلى مزيدٍ من العمالة، إلى مزيدٍ العلمنة، إلى مزيدٍ من الإباحية، إلى مزيدٍ القوانين الغربية، إلى مزيدٍ من التبلد، والغثائية والإنحطاطية، والبعد عن الشرعة الربانية، الرسالة النبوية، وأعان الله من يلاطم الأمواج في قلب السفينة فهو بين لطمات الأمواج ولطمات السَّفَّان والرُكبان.
أمل:
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة. [رواه مسلم وغيره واللفظ له].
7 /3 / 1425 هـ
http://saaid.net المصدر:
================
رب همة أحيت أمة بإذن الله
خباب الحمد
لله درُّ المتنبي حين قال في ميميته الرائعة مادحاً الباحثين عن المتاعب بلا ملل ولا سأم:
عجبت لمن له حد وقد وينبو نَبْوة القضم الكهام
ومن يجد الطريق إلى المعالي فلا يذر المطي بلا سنام
ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام
يرتسم في هذه الأيام على وجوه الكثير من أبناء المسلمين حالةٌ مرعبة من الحزن والكآبة، ويسري في نفوسهم دخان الهزيمةَ والوهن؛ وذلك لما يرونه أو يسمعونه في وسائل الإعلام العالمية بشتى أنواعها، عن صور لمآسي المسلمين في أصقاع المعمورة؛ فمنهم المقتول قتلاً لا يحتمل المسلم أن يراه، ومنهم الذي سجن في صورة تأبى النفس البشرية أن تراها لحيوان فضلاً عن أن تراها لإنسان له شعوره وأحاسيسه، ومنهم تلك الثكلى التي فقدت زوجها وأبناءها تحت البيت الذي هدمته أسلحة الدمار التي لا ترحم، وتلك المنكوبة تبكي وتتأوه.....ولا نصير!!!
صور تتعدد، ومآسٍ تتكرر، اعتادت العين على رؤيتها، والأذن على سماعها.
في ظل تلك الأحداث المفجعة، والأزمات الموجعة، وفي أزمة الصراع العالمي بين الإسلام والكفر، وفي عصر الانقسامات والحزبيات، وفي زمن اليأس والقنوط الذي خيم بكلكله على قلوب كثير من المسلمين، وأطبق على أفئدتهم..في ذلك كله... ألا يجدر أن تتحدث الأقلام عن أهمية بروز القائد الذي يصنع الأجيال، ويربي الأبطال، ويبرز المواهب، ويصقل النفوس فيربيها على الإيمان والجهاد، ويعيد إكسير الحياة العزيزة إلى قلوب حطمتها أمم الكفر، وأذاقتها مر الويلات.
القائد الذي تنبع أفعاله وأقواله من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ويحكم الناس بلا إله إلا الله؛ فهي شريعة كاملة ومنهج حياة.
القائد الذي يمسك بزمام المبادرة لنصرة الإسلام، ويتحدث أمام العالم أجمع بأن المسلمين هم الأحق بالصدارة والريادة على جميع الأمم.
القائد الذي يزأر لصرخات المنكوبين، ويستعلي على علو الطغاة والكافرين، وتستروح النفوس لسماع كلماته، وجميل عباراته في إغاظة أعداء الدين.
ذلك القائد الذي يبدأ مفعوله من همة تحاكي القمة، وعزيمة تصنع الإباء، وجرأة بحكمة يسطرها التأريخ.
إنه أمل لأمة تحلم به منذ زمن بعيد، ويا له من أمل!
أمل إليه هفت قلوب الناس في الزمن البعيد.
أمل له غور القديم كما له سحر الجديد.
وبعد هذه الطرق لأوصاف هذا القائد الذي ينتظر المسلمون قدومه من وقت مديد، فإني وبكل صراحة أقول:
أيها القارئ الفاضل - إنني أخاطبك بكل شفافية وهدوء.....
أخاطب فيك عقلك الكريم، ونفسيتك الجذابة، وهمتك الوثابة، فأقول: لِمَ عَوَّدْنا أنفسَنا منذ أن خُلقنا لحالات الترقب والانتظار في أي شيء سيحصل للمسلمين، وأبعدْنا النُّجعةَ عن العمل لهذا الدين، وصناعة الحدث، وصياغة القرار؟
عذراً؛ فهذه هي الحقيقة، ولا بأس أن تطرح لتعالج، وقد قيل: (المؤمنون نَصَحَة، والمنافقون غَشَشَة)؟
لماذا إذا قرأنا عن القائد الذي سيقود الأمة إلى بر السلام والأمان قلنا: ومتى يأتي؛ فلطالما انتظرناه، وهفت قلوبنا للقياه؟ وهو ابن من؟ وما أوصافه؟ وما هي مؤهلاته؟ ومن أي بلد هو؟ وأين يقطن؟.. إلى غيرها من الأسئلة والاستفسارات التي ترطن بها ألسنتنا، وتبوح بها أفئدتنا، ونبقى نكررها إلى أن يوافينا الأجل.
ألم تفكر ـ أيها الأخ الكريم ـ أن تكون هذا الرجل المنتظر، والقائد المظفر؟!!
نعم! لِمَ لا يكون هو أنت؟!! فيغير الله على يديك ميزان التاريخ لصالح المسلمين، ويصلح بك الرحمن هذا العالم، بعد همة ومثابرة وعزم وتصميم وعلم وعمل؟
لقد حان هذا الوقت لتضرب بيدك على صدرك، قائلاً بأعلى صوتك للقيادة القادمة: أنا لها.. وتردد منشداً:
ما دام عرقي نابضاً لن تعرف النفس ارتياح(16/53)
إنها صناعة الحياة، وصياغة النجاح التي تجعلك كبيراً عند ربك، وكبيراً في تفكيرك، وكبيراً عند مجتمعك، بل كبيراً في كل شيء.
تخرج للناس لتعلمهم درساً لن ينسوه بأنه (رب همة أحيا الله بها أمة)، تخرج لهم وتقول:
بُغْضُ الحياة وخوفُ الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا
إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا
وكأني بسؤال يدور في خيالك، ويسيح في بالك، فينطق به لسانك قائلاً:
وهل أنا أصلح لهذه القيادة، ثم هل أستطيع بفردي أن أنفع أمة الإسلام، وأصلح على يدي فئاماً من البشر قد ركنوا إلى الدنيا وابتعدوا عن منهاج ربهم الذي رسمه لهم.....؟ فأقول لك بملء فمي: نعم!!
فلِمَ الاحتقار للذات، والانكفاء على النفس، والعزلة عن فعل الخير، والانكماش والانغلاق، وعدم محاولة الإصلاح والكفاح؟! ودعني أوضح لك حقيقة لا بد أن أبين عورها، وأكشف ضررها، وهي:
إن من مشكلات هذا الزمن الصعب (مشكلة التفكير الخاطئ)؛ وذلك بأن يرسم المرء لنفسه خطة يسير عليها في حياته، ومن ثم يطبقها على أرض الواقع، وهي من ألفها إلى يائها غلط في غلط... وخذ مثلاً: ها أنت ترى بعضاً ممن هم حولك يقولون في مجالسهم إننا في زمن انطبق فيه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن»(1).
ثم يسوقون أحاديث العزلة التي ذكرها الخطابي، وابن أبي الدنيا ـ - رحمهما الله - ـ في كتابيهما (العزلة)، ومن ثم يقولون: نحن في زمن جدير بنا أن نعتزل أهل الفساد في شرهم؛ فلن نستطيع التغيير، ولن يجدي الإصلاح شيئاً.
مرددين قول الشاعر:
ذهب الذين يُعاش في أكنافهم *** وبقيتُ في خَلَفٍ كجلد الأجربِ
ثم يختمون أمسيتهم بقولهم: ما أجمل ما قاله سفيان الثوري ـ - رحمه الله - ـ:
ما العيش إلا القفل والمفتاحُ
وغرفة تصفقها الرياحُ
لا صخب فيها ولا صياحُ
وأنا لا أتكلم من واقع خيال؛ فإن هذا واقع بعض أهل الاستقامة والديانة، والذي ذكرته آنفاً تشخيص لمثل من مشكلات التفكير المخطئ لأي عمل يراد القيام به، سُقته لك لمناسبته للمقام.
ولا شك أن تلك العقلية ليست هي عقلية المجدد القيادي الذي يقيم الله به الدين، وينصر به الملة.
غير أنه من الجيد أن يعرف الإنسان نفسه؛ فبعض الناس ـ وهم قلة ولله الحمد ـ لا يستطيعون الإصلاح، ويخشون على أنفسهم من الفتن، ويرون أن السلامة هي الابتعاد عنها، وعدم مخالطة أهلها، وهذا علاج نافع لهم، (ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه) لكن من الخطأ ظن بعضنا أن الذي يعتزل الناس ولم يصبر على أذاهم أفضل من ذلك الذي يخوض معامع المعارك، وصولات الحق على الباطل، ومراغمة الكفار وأهل البدع، ومناصحة المؤمنين، وتعليم الناس العلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح في جميع نواحي الحياة.
كلاَّ.. فلا مقارنة بين عابد معتزل، وقائد يقود الناس بالكتاب الهادي، والسيف الناصر مع الأذى والابتذال؛ فأين الشرق عن الغرب، وأين السماء عن الأرض؟! لذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»(2).
وعوداً إلى كلام بدأت به: فأنت تستطيع أن تعمل، وتكون قائداً ينفع الله بك؛ وكل الذي تحتاج إليه أن تنفث في واقعك همة من هممك، وتحاول أن تصلح وتغرس، فتحيي الموتى في حياتهم، وتستنهض همم الباقين.
فانهض؛ فقد طلع الصباح ولاح مُحْمَرُّ الأديم!
فإن الناس في سبات عميق، وبُعدٍ عن منهج الله ودينه سحيق، هذا مع تبلد الإحساس، وحب الدَّعة والراحة، والله المستعان.
تبلد في الناس حب الكفاحِ *** ومالوا لكسبٍ وعيش رتيب
يكاد يزعزع من همتي *** سدور الأمين وعزم المريب
وقد مضى عصر الكسل والنوم والخمول، وأقبل عصر العمل والتعب؛ فلا خمول........ وكأني بك قد اقتنعت بما كتبت، ولكن بقي لديك إشكال وهو قولك:
كيف وأنا فرد أستطيع أن أهدي أمة من الأمم، وأصلح شعباً من الشعوب، أو أقود المسلمين بالإيمان والجهاد...
كيف يكون ذلك؟!
فأجيبك جواباً يشفي غليلك، ويحل إشكالك؛ حيث سأذكر موقفين ذكرهما الله في كتابه العظيم تكمن فيهما الإيجابية الفعالة في المبادرة الذاتية للإصلاح والتغيير، وأعقبهما بموقف ثالث لأحد صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأذكر هذه المواقف الثلاثة حتى نعلم أن من يريد العمل والإنقاذ فإنه لا بد أن تظهر تلك السمة القيادية على أفعاله ولو كانت حشرة أو طائراً. ولا تستغرب ذكري لهما؛ فإنهما المثلان الأولان اللذان سأذكرهما؛ حيث أشاد الله بإرادتهما الإصلاحية، فلا بأس أن تقتفي أثرهما في همة الإصلاح، وإياك واحتقار ذاتك بقولك: (ومن أنا حتى أقود وأسود، وأصلح وأجدد؟) فإن هذا (ورع بارد) كفاك الله شره.
` الموقف الأول:
تأمل وأنعم النظر في موقف النملة الإصلاحي في هذه الآيات الكريمة من سورة النمل؛ بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 17 - 19].(16/54)
ومن هذه الآيات الكريمة نستنبط عدة فوائد منها:
1 ـ أن هذه النملة مفردة، وقد ذكرها الله في كتابه بصيغة التنكير؛ فهي نكرة في قومها كما هو ظاهر الآية؛ فليست ملكة أو وزيرة بل هي نملة من عوام النمل.
2 ـ هذه النملة أتت إلى قومها صارخة فيهم منذرة، قائلة: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}، فأخبرتهم بقرب وقوع خطر سيحيق بهم ويقضي عليهم وهم لا يعلمون.
3 ـ أن النملة لم تكتف بالإنذار بأن هناك خطراً سيداهم عشيرتها ثم تصمت كما هو حال بعض المسلمين اليوم يعي أن عدوه سيأتيه فلا يكون حاله إلا أن يصيح قائلاً: (احذروا الكفار؛ فإنهم قادمون)، ثم يرجع إلى فراشه ويغط في نوم عميق دون أي عمل يدفع به كيد الكفار.
إن هذه النملة لم تتقن فن الكلام فحسب، بل وضعت خطة لقومها، فقالت: {ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} ورأت أن المصلحة في كيفية درء المفسدة عن قومها بتبيين طريق النجاة لهم حتى لا يضلوا فيقعوا في شباك الصيد، وتحت وطأة أقدام الجيش القادم.
4 ـ والمعتبر بحال النملة يجد أن عندها نسيج الولاء لقومها، ومحبتهم كما تحب نفسها؛ فليست أنانية، بل تحب الخير لقومها، ولذا أنذرتهم جميعاً ولم تقل: (دعهم يهلكوا وهذا جزاؤهم؛ لأنهم لم يهتموا بحراسة أنفسهم) كلاَّ؛ بل أنذرتهم جميعاً، ولم تستثن أحداً.
5 ـ ومن الفوائد أن هذه النملة لم تنتظر أن يأتي أحد من قومها أو ممن يحرس وادي النمل ذاك، ويخبر النمل بأنه سيأتي جيش يحطمنا ويبيدنا، بل كانت عندها روح المبادرة الذاتية، في المسارعة إلى إنقاذ قومها وإقصائهم عن مواطن الهلاك.
6 ـ عند قوله ـ - تعالى - ـ: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} وقفة قصيرة مع هذا الاعتذار العجيب من هذه النملة الذكية؛ حيث ذكرت أن جند سليمان - عليه السلام - القادم قد يهلك النمل، وهم لا يشعرون بأن تحت أقدامهم وادياً من أودية النمل؛ فهذا الجيش لا يتعمد قتلنا، ولا يريد تحطيمنا عن قصد.
فتأمل هذا التحذير ثم الاعتذار؛ فالنملة تعلم أن سليمان ـ - عليه السلام - ـ نبي رحيم، لا يحب الشر للخلق أو يضمره لهم؛ فلنتأسَّ بها في اعتذارنا لمن أخطأ في حقنا وهو لا يقصد سواء بقول أو بفعل، أو لم يشعر بخطئه ذاك.
7 ـ وبالنسبة لتبسم سليمان ـ - عليه السلام - ـ فإما أنه تبسُّمٌ منه لهذه النملة العجيبة التي خافت على قومها وأنذرتهم بخطر قد يداهمهم، وإما لاعتذارها لجند سليمان بالثناء؛ فإن قولها: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} وصف لهم بالتقوى والتحفظ عن مضرة الحيوان، وإما أنه تبسم لإدراكه ما قالت تلك النملة وهي نعمة من الله ـ - عز وجل - ـ أنعم بها على سليمان ـ - عليه السلام - ـ وهي معرفته للغة الحيوان وفهمه لكلامه، ولذلك أعقب سليمان ـ - عليه السلام - ـ ذلك التبسم بشكر نعمة الله عليه، ومعرفة لحقه. (وما ذكرته للمراد بهذا التبسم فهو مجموع لتفسير أهل العلم لحقيقة ذلك التبسم؛ والله أعلم).
فانظر ـ أيها الأخ ـ إلى هذا الموقف ودقق النظر فيه لعلنا أن نتأسى به ونعتبر، ونعلم أن على الفرد مسؤولية يجب القيام بها، وأنه يستطيع أن يقود أمة كاملة بحسن تصرف وجميل تعبير.
ولو خرج المتأمل لهذه القصة بفائدة صحبة معلمي الخير لقومهم والمصلحين لأمتهم والابتعاد عن رفقاء السوء، ومتربصي الشر والفتن لخرج بفائدة لا ينساها طوال حياته، وقد قيل:
لا تصحب الكسلان في حالاته كم صالح بفساد آخر يفسد
عدوى البليد إلى الجليد سريعة كالجمر يوضع في الرماد فيخمد
فإياك ومصاحبة البطالين، وأهل الزيغ والهوى والنفاق؛ فإنه سم ناقع، وعلقم مر.
الموقف الثاني:
وهذا موقف آخر أنقلك به إلى موجة أخرى من موجات الإصلاح وعمليات التغيير لكي ترى أن من في قلبه شعلة إيمانية فلن تنطفئ عندما يرى الظلام المخيم على أكثر أهل الأرض من الكفر والنفاق. وزبدة ذلك أن سليمان ـ - عليه السلام - ـ حينما كان يتفقد الطير ولم يجد الهدهد قال بلهجة حادة: {مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [النمل: 20 - 21]، فجعل سليمان - عليه السلام - هذا العقاب للهدهد إما بالعذاب الشديد أو الذبح المريع له، أو أن يأتي بخبر مبين، وبينما هو كذلك جاء الهدهد وكان متأخراً لمهمة أحاط بها علماً ولم يعلمها سليمان - عليه السلام - فقد جاء من سبأ بنبأ لا شك فيه.
ومن قوة ملاحظته لنبأ سبأ أنه وجد امرأة تملكهم ـ ولعل هذا من استغرابه ـ وأنها أوتيت من كل شيء من الرخاء والترف والحياة المخملية، وفوق ذلك كله عرش تجلس عليه.
والطامة الكبرى، والأصل الأصيل الذي أدى إلى تأخر الهدهد عن الحضور مبكراً أنه رأى تلك الملكة وقومها يعبدون الشمس من دون الله، وهو شيء تأباه العقول السليمة والفطر المستقيمة؛ فكأن تلك العبادة استوقفت ذلك الهدهد عن الطيران والتبكير للمجيء في موعد تفقد سليمان - عليه السلام - لجنده.
ثم بين الهدهد عقيدته صادحاً بها أمام سليمان - عليه السلام - بقوله: {أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25]. ويا له من درس عظيم ألقاه هذا الهدهد في التوحيد لا يعلمه كثير ممن ينتسب إلى الإسلام.(16/55)
ومع ذلك كله قال سليمان - عليه السلام - : {سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل: 27] فابتلى الله الهدهد بعد تصديق سليمان - عليه السلام - له؛ وذلك يشي - والعلم عند الله - أن صاحب الدعوة إلى توحيد الله لا بد أن يبتلى في حياته، وأن دعوته تلك لن تمر دون تمحيص وابتلاء ليعلم الله الصادق من الكاذب.
وبعد عدة مراسلات من سليمان - عليه السلام - لتلك الملكة، أقرت بوجود الله وألوهيته على الخلق أجمعين، وأنه لا مستحق للعبادة قط إلا هو - سبحانه -؛ وذلك بقولها: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44].
فتدبر ـ أيها اللبيب ـ فعل ذلك الهدهد الغيور على التوحيد، وارجع البصر كرتين في تأمل موقف ذلك الطائر؛ فقد سرى بدمه حب (لا إله إلا الله) ودافعية الدعوة إليها، والصبر على الابتلاء فيها؛ فأين نحن وغيرتنا على دين الله من الهدهد؟
وتالله إنه لمشروع عظيم قام به هذا الطائر ليصلح الله به أمة كانت تعيش في مستنقعات الكفر، وبيداء الضلالة، فإياك إياك أن يحمل هذا الطائر همَّ دين الله في صدره أكثر منك أيها الموحد، وقد وصاك الإمام أبو معاذ الرازي ـ - رحمه الله - ـ بذلك فقال: (لا يكن الهدهد أغير منك على التوحيد).
ضربت لك هذين المثلين ليتضح لك أنه قد يصنع المواقفَ الجبارة حشرة أو طائر؛ فما بالك بإنسان أعطاه الله جميع الصفات والقوة العقلية والجسدية، إنه يستطيع بدون أدنى ريب أن يصنع الكثير، وأن يبدع الإبداع العظيم، ولو كان مشلولاً أو أعمى، فإن عنده العقل وهو آلة التفكير ومصنع العمل.
وما أنت بالمستسيغ القعود ولو قيدوك بهذي الحفر
وهاك مثلاً ثالثاً لرجل من الصحابة - رضي الله عنهم - أنقذ الله على يديه المسلمين من أزمة كادت أن تعصف بهم، وتوقعهم في أحلك الأمور وأصعب المواقف.
الموقف الثالث:
وهو موقف الصحابي الجليل: نعيم بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فقد أسلم في غزوة الأحزاب، التي صور الله حالة الصحابة فيها بالقرآن تصويراً واضحاً، وكيف أن الكفار أحاطوا بمدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبصحابته الكرام، وجنده الأبرار إحاطة السوار بالمعصم، فقال - تعالى - : {إذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا} [الأحزاب: 10 - 11].
وقد بانت في هذه الغزوة صورة المنافقين الكالحة، وصفاتهم القبيحة؛ حيث قالوا: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلاَّ غُرُورًا} [الأحزاب: 12].
وفي معترك الأحداث التي اشتبكت فيها الأمور، واختلط فيها الحابل بالنابل، صنع الله - تبارك اسمه - كما قال ابن القيم في زاد المعاد (3 / 273) أمراً من عنده، خذل به العدو، وهزم جموعهم، وَفَلَّ حَدَّهُمْ، فكان مما هيأ الله من ذلك: أن رجلاً من غطفان يقال له: نعيم بن مسعود بن عامر ـ رضي الله عنه ـ جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا رسول الله! إني قد أسلمت؛ فمرني بما شئت».
ولم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يقبل إسلام ذلك الصحابي الجليل، ثم قال له بعد أن طلب منه نعيم بن مسعود أن يأمره بما شاء: «إنما أنت رجل واحد؛ فخذِّلْ عنا ما استطعت؛ فإن الحرب خدعة».
فألهم الله هذا الصحابي أن يفعل فعلة يسطرها له التأريخ في أنصع أوراقه، وأجمل افتخاراته، وخلاصتها: أنه ذهب إلى اليهود وإلى قريش والقبائل التي تمالأت على حرب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فأفسد كل طائفة على صاحبتها، حتى جعلهم أعداءً، وفرَّق كلمتهم، وأضعف ثقة كل فئة بالأخرى، فتخاذلوا جميعاً عن الحرب، ثم أرسل الله عليهم جنداً من جنده من الريح العاصفة، والملائكة المرسلين فقوضت خيامهم، ولم تدع الريح قدراً إلا كفأتها، ولا طنباً إلا قلعته، وكفى الله المؤمنين القتال. فله الحمد والشكر(1).
وكان بداية غيث المسلمين بالنصر هي همة نعيم بن مسعود، رضي الله عنه؛ فقد أسلم، ثم فكر وقدر، فنِعْمَ ما قدر؛ فسلام الله عليه؛ فلم يكثر الكلام، بل جعل الجوارح تتكلم وتعمل، وصح فيه قول الشاعر:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم مَذِقُ اللسان يقول ما لا يفعلُ
وإلى هنا أتوقف عن ذكر المواقف التي تثير همم الفطناء، وتاريخ المسلمين مليء بمثل هذه المواقف الفردية العظيمة.
وكأنهم جميعاً يوصون بما قاله الأول:
وكن رجلاً من أتوا بعده يقولون مَرَّ وهذا الأثر
وللعلم فإني لم أذكر مواقف الأنبياء العظماء - عليهم الصلاة والسلام - فمواقفهم كثيرة لا تحصر، ولكن خشية إن ضربت بهم مثلاً أن يقول أحد: ومن نحن عند هؤلاء الأنبياء العظام؟! عليهم الصلاة والسلام.(16/56)
لذا ضربت أقل ما نرى في هذا الوجود همة مثل النملة والهدهد، ثمَّ أحد المواقف البشرية التي قام بها أحد الصحابة ـ رضي الله عنه ـ لعلها تقدح في أنفسنا نسائم الإرادة، و ليعلم المسلم سبب وجوده في الحياة؛ فلم يُخلق عبثاً، بل خلق للعمل والعبادة والابتلاء والتمحيص... فلا بد من استشعار المسؤولية الفردية التي كلفه الله بها؛ فقد قال ـ - تعالى - ـ: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92 - 93]، وقال: {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 93] وقال - تعالى - : {إن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 93 - 95].
ثم إنه - تعالى - أوصانا بالعمل جميعاً، فقال: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105]؛ فالعمل لهذا الدين مسؤولية الجميع.
أيا صاحِ هذا الركب قد سار مسرعاً ونحن قعود ما الذي أنت صانع؟
أترضى بأن تبقى المخلَّفَ بعدهم صريعَ الأماني والغرام ينازع
فـ {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42].
وما أجمل ما خطته يد ابن الجوزي حين كتب: (أول قدم في الطريق: بذل الروح... هذه الجادة؛ فأين السالك؟!!)(2).
وهناك ثمة تساؤلات يسألها المرء نفسه: (كيف العمل، وبماذا أبدأ، وكيف أخطط؟) فأقول: انظر إلى هديه - عليه الصلاة والسلام - ـ وسيرته في كيفية العمل لهذا الدين، وتجميع الناس تحت عقيدة الإسلام، ومحاربة المناوئين لهذه العقيدة؛ ولذا دخل الناس في هذا الدين راضين مقتنعين، وحج معه - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع أكثر من مائة وعشرين ألف صحابي - رضي الله عنهم أجمعين ـ وكل ذلك بعد توفيق الله من إرادة جبارة، وهمة وثابة... {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].
لا تقل كيف ولا أين الوصول واتَّبع خير الملا ذاك الرسول
واقرأ سير المصلحين والقادة، واستفد من تجارب الباقين، واسأل الله أن ينفع بك الإسلام، وتعلق بالله ولا تتعلق بأحد سواه.
ولا تلتفت هنا أو هناك ولا تتطلع لغير السماء
واسأله ـ - تعالى - ـ أن يجعلك مباركاً حيثما كنت؛ فقد كان هذا حال عيسى - عليه الصلاة والسلام - حين قال: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ} [مريم: 31]. فكن كالغيث أينما حل نفع.
وإن أول البداية هي أن تبدأ بنفسك؛ وفي المثل: احرص على إصلاح الذات قبل إصلاح الذوات... ومن قاد نفسه قاد العالم.
وانشط لدين الله لا تكن متكاسلاً واعمل على تحريك ما هو ساكن
فإن كان في نفسك كسل أو خمول، أو بدع وضلالات وشركيات، أو معاصٍ وانحرافات، فابتعد عنها وغيِّر ما بنفسك من تلك النواقص؛ فلعل الله أن يغيِّر بك حال المسلمين، وينفع بك في مواطن كثيرة تسعد بها إذا رأيتها مكتوبة في صحائف عملك يوم القيامة و (حَرِّكْ تَرَ).
لكن عليك بامتلاك الإرادة والهمة:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا
وأول الغيث قَطْرٌ؛ فكيف تطمح إلى العمل لهذا الدين ولم تتمكن الإرادة من سويداء قلبك، ولم تعزم على استسهال المصاعب، وتيسير العويص..... فإن كنت ذا همة فستقول قطعاً:
لأستسهلن الصعب أو أدركَ المنى فما انقادت الآمال إلا لصابرِ
وحذار من التسويف؛ فإنه رأس الأماني، وداء العمل، وقاتل الهمم، وحجة المفلسين.
فلا تبق فعل الصالحات إلى غدٍ لعل غداً يأتي وأنت فقيدُ
بل ردد بكل قوة وعزم:
أليس من الخسران أن ليالياً تمر بلا نفع وتحسب من عمري
وصح في الآفاق:
سأنفق ريعان الشبيبة دائماً على طلب العلياء مع طلب الأجر
وبقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى، ومن يعرف المقصود يحقر ما بذل، ومن المقت إضاعة الوقت، ولكل جيل قيادته؛ فلنكن خير قادة لجيل الحاضر والمستقبل؛ وذلك كله بالتعاون والتكامل لا بالمطاحنة والتآكل، فالجاهلية المنظمة لا يقلبها إلا إسلام منظم، ولتكن وحدتنا واجتماعنا على كتاب الله وسنة رسوله، وتحت لواء أهل السنة والجماعة، فوحدة صفنا تكون معهم لا مع غيرهم من أهل البدع المنحرفين، أو الفرق الضالة.
وختاماً:
ما أجمل كلام الإمام محمد الخضر حسين في كتابه الرائع (السنة والبدعة).. حين كتب: (وإنما يتحد المسلمون تحت راية من يحترمونه لعدله واجتهاده في الحق جهاداً يطمس على أثر الباطل، وإنما يقيم أحكام الشريعة على وجهها من يكون في لسانه حجة وفي يده قوة)(1).
---------------------
(1) رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ باب: من الدين الفرار من الفتن.
(2) أخرجه الترمذي بسند جيد.
(1) اقرأ الخطة التي فعلها نعيم بن مسعود - رضي الله عنه - مع أعداء المسلمين. في زاد المعاد (3 / 273 - 274).
(2) المدهش (ص 299).
(1) السنة والبدعة، ص 29.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
نصيحة وذكرى
فضيلة الشيخ الدكتور
سفر بن عبدالرحمن الحوالي
14/4/1424
بسم الله الرحمن الرحيم(16/57)
الحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فقد سبق لي الحديث – شفهياً وكتابياً – عن مسؤولية المتطرفين في الإدارة الأمريكية عما يحدث في بلاد الإسلام من ردود فعل غير محسوبة. وهنا أوجه حديثي إلى بعض المشايخ الفضلاء، الذين كان لهم قبل الأحداث الأخيرة وبعدها موقف متميز عن سائر العلماء، ذلك الموقف الذي جعل بعض الشباب لايأخذون العبرة مما حدث وأوقعهم في حيرة من أمرهم.
إن هؤلاء الشباب أمانة في أعناق الجميع، والصراحة والصدق معهم واجب على كل من يريد وجه الله ويحرص على قطع الطريق على من يتربص بالدين وأهله ويشوِّه سمعة الإسلام ويستر محاسنه.
إن مراعاة المصالح والمفاسد من أهم مايجب على الدعاة والمربين نشره وتأصيله في منهج الدعوة إلى الله والعمل لنصر دينه. بناء على القاعدة العظيمة التي ذكرها الله في كتابه كما في قوله تعالى ( ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم )، وانتهجها النبي – صلى الله عليه وسلم – في سيرته الزكية، ومن ذلك إبقاؤه بناء الكعبة على قواعد الجاهليين بدلاً من نقضها وبنائها على قواعد إبراهيم عليه السلام، ومثل تركه قتل المنافقين الذين أنزل الله تعالى فيهم قوله : ( لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) ، وقوله : ( يحلفون بالله ماقالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا)، وكان مما هموا به ارتكاب أكبر جريمة في الدنيا وهي اغتياله – صلى الله عليه وسلم – . وهؤلاء وغيرهم من المنافقين لم يَجْرِ عليهم من أحكام الكفر شيئاً، بل عاشوا وماتوا مشمولين بأحكام أهل القبلة ظاهراً.
مع استمراره – صلى الله عليه وسلم – في جهادهم بالحجة والموعظة، والتحذير منهم والإعراض عنهم وغير ذلك.
وإن مخالفة سنته واتخاذ غيره أسوة لايورث إلا الفتنة والعذاب ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )، وهذا إبراهيم عليه السلام الذي أوحى الله تعالى إلى سيد الخلق أجمعين باتباع ملته، كما في قوله تعالى : ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً ) تعلّل بأنه سقيم ولم يقل إني أريد أن أخلفكم في أصنامكم بما تكرهون، ولم يقر بأنه الذي حطم الأصنام بل أوقع أعداءه في الإيهام فقال : ( بل فعله كبيرهم هذا ) ، هذا وهو إمام الموحدين وهو القدوة في البراءة من المشركين، وقد خاطب أباه بألين خطاب وألطفه كما في سورة مريم، ولما يئس منه وعد بالاستغفار له حتى نهاه ربه.
كما أن السياسة الشرعية من أعظم أنواع الحكمة التي يهبها الله لأوليائه وجنده قبل أن يمكن لهم في الأرض وبعده، فهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يهادن قبائل اليهود، ويصالح قريشاً، وينصرف عن ثقيف، ويستميل زعماء غطفان وغيرها بالعطاء، وكان إذا أراد أن يغزو قوماً ورّى بغيرهم، وإذا عاداه قوم حرص على مصالحة الآخرين ليتفرغ لهم، وإذا حالفته قبيلة مثل خزاعة، وهب مشركها لمسلمها ولم يستعْدِه، إذ لو فعل فربما خسر القبيلة كلها، وكان – صلى الله عليه وسلم – يفرق بين من نصره وحماه من المشركين، وبين من عاداه وآذاه وآذى أصحابه، كما أن المشركين كان منهم من تقاسموا على الكفر وعلّقوا صحيفة الجور والحصار في الشعب، ومنهم من أنكره ومزَّقها.
إنه لمن المؤسف أن تغيب هذه الحقائق عن بعض الدعاة وطلبة العلم، أو يستجرهم حماس بعض الشباب إلى إهماله، فنجدهم يستسلمون لأمواج الأحداث، ويدفعون بأنفسهم إلى موقع التهمة المباشرة في كل حادث، ويظهرون خلجات صدورهم على الأوراق، ولايميزون بين ثبات مبدأ العداوة في الدين، وبين سعة أساليب التعامل مع المخالفين، مع صراحة النصوص في أن المخالفين لنا في الدين ليسوا على حكم واحد، بل منهم المحارب المعتدي، ومنهم المسالم العادل، ومنهم النائي بداره عنا فلا تربطنا به علاقة حرب ولاسلم ، بل منهم من تقتضي المصلحة أن نتركه ما تركنا ولانهيجه علينا. وقد جاء هذا الأخير منصوصاً عليه وهو مذهب بعض فقهاء الأمة (1) ، هذا عدا من يربطه بالمسلمين عهد ذمة أوصلح أوهدنة أو أمان، والأمة الواحدة أو القبيلة الواحدة يكون فيها نوعان من هؤلاء أو أكثر، والتفريق بينهم في التعامل ثابت بصريح القرآن، وصحيح السنة، وسيرة الخلفاء الراشدين، وإجماع العلماء.
إنني أذكّر هؤلاء الأفاضل بأن العلماء يجب أن يقودوا لا أن يقادوا، وبأن الشجاعة في مواجهة الحماس غير المحسوب لاتقل أهمية عن الشجاعة في مواجهة العدوان.
وإن اتهاماً يوجه إليك أيها الشيخ أو الداعية بأنك مخذِّل أو متخاذل- مع درء فتنة عظيمة عن الأمة والدعوة – خير لك وللإسلام من أن يكال لك الثناء ثم تلقى الله وفي عنقك أنفس مسلمة معصومة، وأموال مسلمة معصومة، أو أسرى من المسلمين بيد العدو أخذهم غنيمة باردة، وذرائع لأهل الكفر يتسلطون بها على أهل الإسلام، وأسباب لأهل النفاق يحاربون بها الدعوة، ولاشيء يقابل هذا إلا موت عدد من الناس قد يموتون في حادث سيارة، وقد يكونون ضد حكومتهم في عدوانها، بل قد يكون فيهم مسلمون كما رأينا في تفجيرات الرياض، فلو كان قتلهم جائزاً من كل الوجوه لكانت النتيجة خاسرة بميزان المصلحة والمفسدة.
إخواني :-(16/58)
إنه يجب إعادة النظر في مفهوم النصر والهزيمة، والربح والخسارة، وفقاً لطبيعة المرحلة وأهداف الدعوة على منهاج النبوة، وقد مرّ المسلمون في أول الإسلام بثلاث مراحل ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية؛ قال : " كانوا قبل بدر يسمعون الأذى الظاهر ويؤمرون بالصبر عليه، وبعد بدر يؤذون في السر من جهة المنافقين وغيرهم فيؤمرون بالصبر عليه، وفي تبوك أمروا بالإغلاظ للكفار والمنافقين فلم يتمكن بعدها كافر ومنافق من أذاهم في مجلس خاص ولاعام" (2) ، وإذا قمنا في كل مرحلة بواجب الوقت، وراعينا واجب المكان أيضاً فذاك مقتضى الحكمة والمصلحة الدينية، فمثلاً قبل أيام من وقوع التفجيرات الأخيرة حدث في السفارة الأمريكية في الرياض حادث كان مصلحة للدين، ونصراً للمؤمنين، وغيظاً لليمين المتطرف والأصوليين الإنجيليين، وكان بطل هذا الفتح هو الداعية الإسلامي (ذاكر نايق) الذي ألقى محاضرة عن الإسلام هزت قلوب الحاضرين وأسلم بعدها اثنان من الموظفين حالاً. وهنا نسأل : أليس الأجدر بالدعاة إلى الله أن يقتحموا ميدان الدعوة لفتح القلوب وأن لايخلطوا بين ميادين الجهاد هناك على الثغور، وبين ميادين الدعوة هنا في الرياض ؟ وأن يقاوموا العدوان متساندين لامتخالفين، وبذلك تتوازى أعمال الأمة ولاتتعارض، ويلقى المعتدون المحتلون جزاءهم العادل، وفي الوقت نفسه يجد المنصفون منهم والراغبون في الخير طريقهم إلى الإسلام،ويرون تقديرنا لرفضهم العدوان، عملاً بما أخبرنا به ربنا وما نراه بأعيننا من أنهم ليسو سواءً، وقد اعتقلت حكومتهم الطاغية أكثر من ألف منهم في يوم واحد بسبب رفضهم العدوان علينا، واحتجاجهم على ذلك بإقامة الحواجز على الطرق الرئيسية!
ومن جهة مراعاة واجب المكان نقول: هذه الحملة الظالمة التي قامت على الإسلام بسبب الحادث في أمريكا وغيرها، وهذه الضجة من الاستنكار له في العالم الإسلامي عامة، والمملكة خاصة، هل كانتا ستقعان لو وقع هذا الهجوم على قاعدة أمريكية في أفغانستان أو العراق؟
إذا كنا متفقين على الجواب بالنفي، فلماذا لانتفق على وضع كل شيء في موضعه الصحيح؟
إن حجم الاستنكار هنا في الداخل فاق كل التصورات، ولو قال قائل إنه إجماع لصدق، وهذا أمر عادي بل مطلوب، ولكن له جانب سيء هو أن مثل هذه التفجيرات التي تقع هنا وهناك من بلاد الإسلام تلحق ضرراً مباشراً بالمجاهدين المرابطين على الثغور، وبقضاياهم العادلة، وحقهم المشروع في مقاومة المحتلين، وهم أكثر الناس معرفة بحجم الضرر أو هكذا ينبغي أن يكونوا، فالقول قولهم لا قول الأدعياء الذين لايعرف من هم ! ومن هنا أدعوا الإخوة المشايخ إلى مراجعة موقفهم ومصارحة الشباب بذلك، كما أدعوا الإخوة المجاهدين جميعاً إلى استنكار هذه الأعمال، ودعوة الأمة إلى توحيد صفها لنصرتهم وتسديدهم، وأدعوهم إلى توجيه الشباب من أتباعهم إلى ترك هذه الأعمال ولاسيما في دار الإسلام، وتوجيه جهودهم إلى جبهات القتال، وثغور الرباط وحدها، والحرص على كسب تأييد الشعوب، وقبل نشر هذه السطور اطلعت على إعلان إخواننا المجاهدين في الأرض المقدسة واستنكارهم لما حدث فنعم مافعلوا.
إن أمن بلاد الحرمين أمن لكل مسلم من ساكن ومقيم وحاج ومعتمر، وهو أمن للدعوة وللجهاد في كل مكان،وهذا أصل عظيم يجب أن يكون نصب أعين كل عالم وداعية ومجاهد من المسلمين في أرجاء الأرض كلها، ولنكن جميعاً يداً واحدة في الضرب على يد من يريد مسخ عقيدة الأمة وتبديل شريعتها وتشويه مناهجها، وإفساد أبنائها وبناتها ويحارب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها كائناً من كان. فهؤلاء هم الذي يريديون أن يخرقوا السفينة، ويهدم الحصن الأخير للإسلام، وليس العدو هو حامل السلاح علينا فقط، بل هؤلاء الذين قال الله فيهم ( هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) وجهادهم نوع آخر مطلوب كجهاد أولئك لكن بغير وسائله قال تعالى : ( ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) ومايسعون إليه هو أكبر من كل تفجير وأعظم من كل تدمير قال تعالى : ( والفتنة أشد من القتل ) وللحديث عن هؤلاء مقامه الذي لاتحتمله هذه الذكرى.
إن من يتأمل حالنا مع الله، وموقعنا من الاعتصام بحبله والتمسك بهديه، لايعجب من وقوع البلاء، بل يعجب من سعة رحمة الله وفضله علينا وعفوه عن كثير مما كسبت أيدينا، فالابتعاد عن هدي الله وشريعته يتزايد، والمنكرات تتكاثر، والغفلة تستحكم، والاغترار بمتاع الدنيا يسلب الألباب، والركون إلى الظالمين وموالاة الكافرين يجاهر بهما الناعقون، وقائلوا كلمة الحق والناصحون المشفقون الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكرتسكتهم قوة الباطل، وتأكل لحومهم وسائل الإعلام، ودعاة الشرك والبدعة يرفعون رؤوسهم بلا حياء ولا وجل، وبعض المحسوبين على الدعوة أعرضوا عن قول الله تعالى: ( أشداء على الكفار رحماء بينهم ) وأمثالها من الآيات، وقوله- صلى الله عليه وسلم - : ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) وأمثالها من الأحاديث، واشتغلوا بالثلب والتجريح لمن يخالف رأيهم من العلماء والدعاة والخطباء، يلتمسون لهم العيوب ويتصيدونها بأبعد التأويلات ويطعنون في سرائر القلوب والنيات، ويطمسون المزايا والحسنات، ويستخفون بهذا من الناس ولايستخفون من الله، وأمة هذا حالها جديرة بأن يلبسها الله شيعاً، ويذيق بعضها بأس بعض، ويسلط عليها عدواً من سوى أنفسها. نسأل الله تعالى أن يتوب علينا جميعاً وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا إنه جواد كريم.
----------------
الهوامش :-(16/59)
1 ) في مذهب الإمام مالك أنه لايجوز ابتداء الحبشة والترك بالحرب عملاً بحديث ( اتركوا الحبشة ماتركوكم فإنه لايستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة) قال مالك ( لم يزل الناس يتحاشون غزوهم ) وهذا واضح في تاريخ الفتوحات الإسلامية فقد امتدت شرقاً وغرباً إلى أقصى الأرض ولم يحاول المسلمون فتح الحبشة مع قربها ومعرفتهم بأحواله، فلايبعد أن يكون ذلك مقرراً لديهم ومعلوم احتجاج الإمام مالك بعمل أهل المدينة والحديث المذكور رواه الإمام أحمد ( 5/371) وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلا موسى بن جبير وهو ثقة. وهذا غير مسلم ( انظر التهذيب ) والاستدلال بالمتفق عليه كافٍ في توجيه القول بترك إهاجتهم.
وأما حديث النهي عن قتال الترك فمن رواية ابن لهيعة ( انظر مجموع الزوائد ( 5/ 303-413) وتفصيل الكلام عن الروايات ليس هذا مقامه لكن الثابت تاريخيا أن إهاجة المغول على المسلمين بقتل رسل جنكيز خان فتحت على المسلمين شراً وبيلاً.
2 ) الصارم المسلول 227 ط المكتب الإسلامي.
المصدر http://www.almoslim.net/
============
هكذا علمنا السلف ( 76 ) حياة القلب:
د. يحي بن إبراهيم اليحيى
عن جعفر: سمعت مالكاً يقول: «القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب كما أن البيت إذا لم يسكن خرب»(1).
علامة حياة القلب إذا ذكر تذكر:
عن أبي عمران الجوني قال: «كنا في المسجد فوقف علينا شيخ، فقال: والله يا أهل المسجد ليكملن الله بكم عدة أهل الجنة أو عدة أهل النار، فأبكانا»(2).
عن ابن زهير قال: «كان ابن سيرين إذا ذكر الموت مات كل عضو له على حدته»(3).
لا يؤمن أحد بالقرآن إلا صدع قلبه:
قرأ مالك بن دينار هذه الآية: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ}(4)، فبكى وقال: «أقسم لكم لا يؤمن عبد بهذا القرآن إلا صدع قلبه»(5).
قال مالك بن دينار: «يا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع المؤمنين كما أن الغيث ربيع الأرض، فقد ينزل الغيث من السماء فيصيب الحش فيه الحبة ولا يمنعه نتن موضعها أن تهتز وتخضر وتحسن، فيا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ أين أصحاب سورة؟ أين (أصحاب) سورتين؟ ماذا عملتم فيها؟ »(6).
ذكر الله أعظم النعم:
عن جعفر قال: سمعت مالكاً (يعني ابن دينار) يقول: «ما تمتع المتمتعون بمثل ذكر الله»(7).
--------------------
(1) كتاب الزهد للإمام أحمد / 447.
(2) كتاب الزهد للإمام أحمد / 439.
(3) كتاب الزهد للإمام أحمد / 433.
(4) سورة الحشر الآية(21) .
(5) كتاب الزهد للإمام أحمد / 447.
(6) كتاب الزهد للإمام أحمد / 446.
(7) كتاب الزهد للإمام أحمد / 448.
============
كن مباركا
عبد الله بن سليمان العبد الله
(البركة) خيرٌ دائم.
فكلٌّ يرغب بها، و يتمنى (البركة) في أحواله و أيامه.
لكن كون المرء ذاته يكون هو (البركة) مما يُسْتَغْرَب و يُتَعَجَّبُ منه.
و لا عَجَب إذ كان عيسى ابن مريمَ قد قال كما حكى الله عنه : {و جعلني مباركاً أينما كنت}.
و المعنى: معلِّمَاً للخير.
و كل ما قيل في المعنى فهو عائدٌ إلى هذا.
فأخبر عيسى - عليه السلام - عن كينونته مبارَكَاً أينما كان.
و مما لا شكَّ أن كلاَّ يرغب في صيرورته مبارَكَاً في المكان الذي هو فيه، و المجتمع الذي يعيشه.
و لقد كشَف ابن القيِّم عن عملِ (المُبَارَك) فقال: (فإن بركة الرجل تعليمه للخير حيث حلَّ، و نصحه لكل من اجتمع به، قال الله - تعالى - إخباراً عن المسيح: {و جعلني مباركاً أينما كنت} أي: معلماً للخير، داعياً إلى الله، مرغباً في طاعته.
فهذه من بركة الرجل، و من خلا من هذا فقد خلا من (البركة)، و مُحْقَتْ بركة لقائه و الاجتماع به، بل تُمْحَقُ بركة من لَقِيَه و اجتمع به)
انظر: رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه؛ ص 5.
و (البركة) إذاً أنواع متنوِّعة، و أقسامٌ شتى، يجمعها أمورٌ:
الأول: (البركة) في النفس.
و لا يستريب عاقلٌ أن مراعاة المرء (البركة) في نفسه، وتربيتها و تنميتها أولى من مراعاتها في غيره.
و (البركة) في النفس تشملُ أصولاً ثلاثاً:
الأول: (البركة) في الإيمان.
و أعني بها: القُرُبات و الصالحات. (البركة) فيها حِرْصُ المرء على أن يكون من أهل الطاعات و الصالحات، ذا برٍّ و تُقى.
الثاني: (البركة) في العلوم.
و المعني: تنمية العقل و الذهن بما ينفعه من العلم.
الثالث: (البركة) في التعامل.
و هو فيما يتعلَّق بجانب الخُلُق، و الأدب.
و هذه الأصول جوامعُ (البركة) في نفس الرجل.
الثاني: (البركة) في المكان.
لا يخلو المرء من مكان يقطنه، و أرض يطأها، و الناس في ذلك أبناءُ عِلات تجمعهم طبيعة الركون إلى الأرض، و يختلفون في أجناس الأراضين .
و المُوَفَّقُ من كان في الأرض الحالِّ بها (مُبارَكاً) و (مُبَارِكَاً) فيها.
و كونه (مُبارِكاً) فيها أي: أن يكون آتياً بأعمالٍ ثلاث:
الأول: ناشراً عِلماً مُهْمَلاً.
الثاني: مُحْيياً طاعةً مُمًاتةً.
الثالث: نافياً معصيةً.
و لابدَّ من كونه ذا:
• حكمةٍ في التبيلغ.
• علمٍ فيما يدعو إليه.
• رحمةٍ بمن جانب طريق الطاعات.
الثالث: (البركة) في الزمان.
هذا ظرفٌ ثانٍ يكتنف الناس، و إيجادُ (البركة) فيه من جهة أن يكون الزمان محلاً مناسباً لإيجاد (البركة) فيه.
و الأزمنة أقسام:
الأول: أزمنة خاصة؛ فيُرَاعى فيها ما يليق بمن هي خاصةٌ به.
فمثلاً: الإجازات؛ زمانٌ خاصٌّ، فكلُّ واحد له عملٌ في زمنه.
فيأتي (المُبارَك) فيجعل زمن المرء (مُبارَكاً) بدلالته على أسنى درجات استغلاله، و أعلى أحوال الانتفاع به.(16/60)
و الناس مختلفون في الإجازة فمنهم من يستغلها في: علم، دعوة، عملٍ، سفرٍ.
فيُعطى كلٌ بحسب ما يناسبه.
الثاني: أزمنة عامة.
و هي الأزمنة التي تُشغلُ أقواماً و فئاتٍ من الناس.
و (المُبارَكةُ) فيها بإشغال الناس بما يتوافق مع حقيقة وضع ذاك الزمن.
ففي مناسبات (الجهاد) يكون حديث (المُبارَك) عن: أحكام الجهاد، و أسراره، موارد النصر، و... و....
و ليس من (المبارَكة) أن يُغْفَلَ حديث الساعة و يُشْغَلُ الناس بحديث مُجانِبٍ لما هم فيه.
و السرُّ الجامع لـ (البركة) أن يكون (المُبارَكُ) عارفاً بوظيفة الوقت، و هي: (العمل على مرضاة الربِّ في كل وقت بما هو مُقتضى ذلك الوقت و وظيفته). أهـ [المدارج 1/109]
و هو ما سبق أن بينته في ثنايا الكلام.
و أسَفٌ أن تَلْقَ (المُبارَك) نادراً في زمانه، و حيداً في مكانه، مُهْمَلاً من أخدانه...
و إن كان موجوداً فإنه على قلَّة، و التأريخُ مليء بأخبار (المبارَِكين) منهم على سبيل التمثال لا الحصر:
1- الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -، فإن الناظر في سيرته يرى أنه ما كان في أرض و لا في زمان إلا و هو ناشراً خيراً، و مُظْهِراً طاعة.
و لكَ أن تنظر شأنه في المحنة فإنه لما عَلِمَ أن ذاك زمانٌ لابدَّ فيه من إظهار الحق، و الجلَدِ في تبيانه كان منه ما كان.
2- شيخ الإسلام ابن تيمية الحرَّاني - رحمه الله - و شأنه معروف مشهور.
و حاله في موقفه مع أهل البدع، و حاله في ساحات العراك مع التتر، و تربيته لطلابه، و نفيه من بلاده....
تراه في كل ذلك يعيش عملاً يتناسب مع حاله و زمنه.
3- الشيخ عبد العزيز ابن بازٍ - رحمه الله - و هذا مدرسة (مبارَِكة) متكاملة.
و من عرفه عرف أبعادَ ما أقولُ.
و ختماً أبوح بنداءٍ لعلَّ هناك من يسمع دويَّه فأقول:
ألا لا يلعبنَّ بنا الهم، و لا يعبثنَّ بنا الشيطان صرْفاً عن إدراك مكنونات (البركة)، و ظَفَرَاً بنا في ساحات (المحق) و الصدِّ عن العمل للدين.
و لِيَعْلَمَ كلٌّ أن (البركة) سائرةٌ، و أن (المُبارَِك) لا تخلو منه أمكنة و لا أزمنة، و أن كلاًّ فيه من (البركة) ما كتب الله له، و لكن الموفَّق أظهره الله، و الآخر إما أنه أهملها الرجل نفسه أو أن الله حرمه (البركة).
و الاستسلام لأوهام (المحق) حاجبٌ لأنوار (البركة).
جعلني الله و إياكم مبارَِكين أينما كنا، و أن يجعلنا ممن إذا أعطيَ شكر، و إذا ابتليَ صبر، و إذا أذنب استغفر.
6/4/1423هـ
http://saaid.net المصدر:
-===========
( 47 ) طريقة لمواجهة دعاة التحرر
1- ضرورة استحضار الإخلاص في هذا الأمر؛ إذ إنه من وسائل الدعوة إلى الله - عز وجل -، وبدون الإخلاص تصبح كل هذه الأعمال هباءاً منثوراً يوم الدين.
2- الثقة بنصر الله والتفاؤل بالخير خاصة في مثل هذا الوقت الذي قلَّ فيه الناصر، وهكذا كان هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند الفتن تفاؤلاً وحسن ظن بالله وثقة به مع العمل الجاد المستمر.
3- تعميق قضية الهوية والانتماء لهذا الدين لدي المرأة المسلمة وتوضيح مقتضيات ذلك ولوازمه كوجوب المحبة الكاملة لله، والانقياد التام لشرعه فيما وافق هوى العبد وفيما خالفه، "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".
4- تجلية رسالة المرأة المسلمة في الحياة والدور المنوط بها في عصرنا في سبيل نهضة الأمة ورقيها واستعادتها لعزتها، والسبل المعينة لها على أداء ذلك.
5- العناية بالجوانب الإيمانية والعبادية لدى المرأة، وتزويدها بالعلم الشرعي، وبخاصة فيما تحتاج إليه ولا يسعها جهله في مراحل حياتها المختلفة.
6- رفع مستوى ثقافة المرأة وتحبيبها بالقراءة وتدريبها على ممارسة التثقيف الذاتي والاستفادة من الوسائل التقنية المتاحة في ذلك.
7- رفع مستوى وعي المرأة وإدراكها لواقعها والتغيرات الضخمة الحاصلة فيه، وما يحاك ضد الأمة عموماً والمرأة خصوصاً من مخططات تهدف إلى إبعادها عن دينها، وتهميش دورها في الحياة بشكل يجعلها تعيش في عزلة شعورية عن حاضرها.
8- الرقي باهتمامات المرأة وتعميقها وإبعادها عن السطحية، وتعويدها على الجدية وترتيب الأولويات وعدم الانشغال بالترهات والتوافه.
9- تقرير الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة، نحو: كون الأصل قرارها في البيت، والتزام الحجاب، وعدم إبداء الزينة والتبرج تبرج الجاهلية الأولى، ودعوة المرأة إلى التزامها.
10- رصد المشكلات التي تعاني المرأة منها في كافة الجوانب المختلفة، والسعي إلى تلافيها والتقليل من نتائجها السلبية.
11- العناية بوقت المرأة وشغله بالمفيد واقتراح السبل الملائمة لتحقيق ذلك.
12- تقوية البناء الأسري وبخاصة في المجال الدعوي؛ إذ إن للدعوة العائلية أهمية فائقة في تعليم المرأة دينها وتحصينها ضد طروحات العلمانيين ومكائدهم.
13- تفعيل دور المرأة في مواجهة مخططات العلمنة الساعية لإفسادها، وتشجيعها على القيام بدعوة بنات جنسها؛ لأنها الأعرف بمجتمعاتهن والأكثر تأثيراً فيهن والأقدر على الاتصال بهن والبيان لهن فيما يخصهن، مع أهمية العناية بجانب التحفيز لها وإيجاد الدوافع لديها لمواصلة نشاطها الدعوى حتى لا تفتر أو تصاب باليأس والإحباط نتيجة طول المسير ومشقته.
14- مطالبة النساء بالعناية ببيئاتهن الخاصة ـ أزواجاً وأولاداً ـ والقيام بالدور المنشود منهن في استصلاحها وإمدادهن بالوسائل والآليات والسبل المناسبة، وخاصة فيما تجهله المرأة؛ لأنهن الأكثر دراية بها، والأقدر على توجيهها والتأثير فيها(أي بيئاتهنّ) متى استخدمن الحكمة.(16/61)
15- توعية المجتمع بأهمية دور المرأة في نهضة الأمة ورقيها، ومطالبة أفراده بمؤازرتها والتواصي برفع صور الظلم المختلفة عنها والموجودة في بعض البيئات، وترك اللامبالاة والغفلة والتهميش للمرأة الذي يقع فيه بعض الأفراد، إقتداءً بنبينا - صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع المرأة.
16- إبانة أهداف العلمانيين والتي من أبرزها:
أ - التشكيك بالأصول وإزاحة ثوابت الأمة العقدية وأسسها الفكرية والسلوكية وإحلال حضارة الغرب وقيمه مكانها.
ب - إخراج المرأة عن العبودية لله - عز وجل - والاستمساك بشرعه، وجعلها مجرد متاع في مسارح الرذيلة وملاهي الخنا ووسائل الإعلان وأوراق الصحف والمجلات وشاشات التلفزة والقنوات الفضائية.
ج - الدعوة إلى التفلت الديني والفوضى الاجتماعية تحت مسمى الحرية والمساواة.
د - إيضاح أن حقيقة الحقوق المزعومة التي يطالبون بإعطائها للمرأة حق الإلحاد والزنا والعري والحمل السفاح والشذوذ الجنسي سالكين طريقة التلميع للوسائل والتزوير للحقائق والإظهار للباطل بمظهر أخاذ.
17- تتبع العلمانيين وكشف تاريخهم ودراسة إنتاجهم الفكري ورصد أنشطتهم ووزنها بميزان الشرع وإبانة ما فيها مما يتناقض مع ثوابت الأمة والسعي إلى زعزعتها لكي يتم فضح القوم وكشف انعزالهم عن قيم الإسلام وحضارته، وارتباطهم خدمة وتربية وفكراً وسلوكاً بجهات خارجية معادية تسعى إلى استئصال هوية الأمة وإحلال قيمها مكانها، وذلك من شأنه أن يمكن العلماء والدعاة من نقل الطرف الآخر من مرحلة الهجوم إلى الدفاع.
18- تتبع مداخلهم النفسية وأنشطتهم الجاذبة لكثير من النساء والعمل على الحد منها والتخفيف من آثارها وإيجاد بدائل إسلامية عنها.
19- العمل على استمالة القريبين فيهم (أي دعاة التحرر) من الحق ودعوتهم والعمل على كسبهم إلى جانب الموقف الشرعي الصحيح.
20- تحديد الشبهات التي يثيرونها حول النظام الإسلامي في مجال المرأة مما يتخذونه وسيلة لتشكيك المرأة في دينها وزعزعة عقيدتها، والقيام بتفنيدها والإثبات ـ عقلاً وواقعاً - أن النظام الإسلامي هو الطريق الأمثل لحماية المرأة من الظلم وصيانة المجتمع من الفساد، وإعطاء كل ذي حق حقه.
21- بيان حقيقة واقع المرأة في الغرب وكشف ضخامة الأمراض والمشكلات التي تواجهها على كافة الأصعدة، وفي ذلك أعظم تعرية للعلمانيين والذين يطالبون المرأة في مجتمعاتنا بمحاكاة المرأة الغربية والسير على منوالها إن هي أرادت سلوك طريق التقدم والمضي في دروب الحضارة ـ كما زعموا ـ.
22- إدراك الواقع إدراكاً جيداً وتحليل جوانب القوة والضعف لدى الطرفين، والاستفادة من ذلك في تحديد أهداف المرحلة والسبل المثلى للمدافعة. إبانة حقيقة النظام الإسلامي في معاملة المرأة، وتجلية محاسنه وإزالة الشبهات التي تثار حوله؛ لأنه لن يدحض الظلام إلا النور كما قال ـ - تعالى - ـ: ((وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)) [الإسراء: 18].
23- إيضاح الاختلاف الجذري بين النظام الإسلامي وواقع المجتمعات الغربية.
24- تفعيل دور العلماء والواجهات الاجتماعية الخيرة ـ ذكوراً وإناثاً ـ وكافة أفراد المجتمع ومطالبتهم بالقيام بالدور المنشود منهم في مواجهة طروحات العلمانيين ودفع خطرهم، استفادةً منهم من جهة وتوسيعاً لدائرة المعركة من جهة أخرى بدلاً من جعلها كما يريد العلمانيون بينهم وبين الدعاة فقط.
25- زيادة المناشط الدعوية والاجتماعية وتحسينها والاعتناء بتناول الموضوعات المختلفة التي تحتاجها المرأة مع الحرص على التجديد في الأساليب والإبداع في الوسائل لضمان تفاعل المرأة معها بشكل أكبر.
26- توثيق الصلة بالمثقفين ورجال الأعمال ومد الجسور معهم لترشيد أعمالهم من جهة والحيلولة دون أن تكون عوناً للعلمانيين على إفساد المرأة من جهة أخرى، وللتنسيق معهم في اقتحام مجالات جديدة تحتاجها المرأة كصناعة الترويح والملابس ونحوها وفق الضوابط الشرعية.
27- توسيع دائرة الانفتاح الدعوي على كافة مجتمعات النساء: ملتزمات وغير ملتزمات، مثقفات وعاميات، متزوجات وغير متزوجات، أمهات وأخوات وبنات، وعدم قصر النشاط على فئة دون أخرى.
28- إن الفتاة التي تعيش في عالم التيه والضياع، والفتاة التي تعيش همَّ الحب والعلاقة مع الطرف الآخر، والتي تعيش بين المسلسلات والقنوات الفضائية تحتاج لخطاب غير الذي تحتاجه المهتدية الصالحة، لذا يجب على الدعاة التنبه لذلك.
29- لا بد من تناول قضية المرأة تناولاً شمولياً، وأخذ الأمر من جميع جوانبه دون الاستجابة لتناول دعاة التغريب لجوانب معينة يحددونها ويريدون أن تكون هي موضع النقاش والحوار.
30- نصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها؛ وذلك بانتقاد بعض الأوضاع والعادات الخاطئة والمخالفة للشرع المطهر في المجتمع بسبب الجهل بالدين وعدم تطبيقه ولنا أسوة حسنة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد اعتنى بعلاج ما يقع من خطأ تجاه المرأة؛. ومن ذلك: الأوضاع الخاطئة والعادات المخالفة للشرع في تزويجها، كالمغالاة في المهر، واعتباره ميداناً للكسب المادي، وأخذ والدها لكثير من مهرها الذي هو حق لها، ومن ذلك العَضْلُ وتأخير تزويجها طمعاً في الاستفادة من راتبها حين تكون عاملة.(16/62)
31- لا بد من الاعتناء بتأصيل مبدأ التسليم والخضوع لله ـ تبارك و- تعالى - ـ والوقوف عند شرعه، والتأكيد على ذلك، وأن المسلم لا خيار له في التسليم لأمر الله سواء أدرك الحكمة أم لم يدركها ((ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)) [الأحزاب: 63].
32- ينبغي عند تناول القضية والحديث عن المخالفين ألا نحشر الجميع في زاوية واحدة ودائرة واحدة؛ ففرق بين من يساير هؤلاء فيما يطرحون وبين من يحمل الفكر والتوجه العلماني.
33- إتقان لغة الحوار، والحديث العلمي الموضوعي لان دعاة التحرر والمغترين بهم يُدبِّجون حديثهم بحجج ومسوغات تضفي عليه صبغة الموضوعية والحياد العلمي مما يغرر السطحيين من الناس بأقوالهم.
34- ينبغي الاعتناء بالبناء والإعداد، وألا تكون مواقفنا مجرد ردود أفعال لما يثيره الأعداء، ومع أن هذا لا يعني إهمال القيام بواجب الإنكار وبيان الموقف الشرعي في القضايا التي تثار، وأن ذلك ينبغي أن يكون في وقته، إنما الاعتراض على أن يكون هذا هو وحده محور الحديث ومنطلقه.
35- الاعتناء بتربية الفتيات وتنشئتهن، وهذا يتطلب من أولياء الأمور أن يعتنوا ببيوتهم ويعطوها من أوقاتهم.
36-العناية بمواهب الفتيات الأدبية وتربيتهن على الأدب الملتزم حتى لا يقعن وسط الضجيج الإعلامي في تمجيد رموز الحداثة والفساد، حيث أن الأدب المنحرف لعب دوراً كبيراً في مسيرة سفور المرأة كما هو معلوم.
37- التعرف على المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها المرأة: طالبة على مقاعد الدراسة في الجامعة والمدرسة، أو عاملة لها زوج وأولاد، أو مطلقة، أو ربة بيت، أو غير ذلك، ووضع الحلول الشاملة، وهذا يحتاج إلى إجراء بحوث مكثفة وربما دراسات أكاديمية للوصول إلى أفضل الوسائل للتعامل مع هذه المشكلات.
38- يجب أن يتحول الحجاب وعدم الاختلاط في حس المرأة المسلمة إلى عقيدة يُتعبد الله - عز وجل - بها بدلاً من أن تكون تقاليد وعادات وجد عليها المجتمع وذلك من خلال الاطلاع على الأدلة الشرعية التي تبين هذا الأمر وتوضحه، ويكون ذلك من خلال تعليم المرأة المسلمة وتعلّمها لأمور دينها من خلال البيت والمسجد والمؤسسات الدعوية والمؤسسات التربوية. )
39- استثمار شبكة الإنترنت في توجيه المرأة المسلمة في جميع أنحاء العالم فيما يعود عليها بالنفع في دينها ودنياها وفضح مخططات الأعداء الذين يتربصون بها، سواء بالمشاركة في المنتديات التي تهتم بشؤون المرأة أو فتح مواقع تساعد على ذلك الهدف النبيل.
40- دعم المكتبات الموجودة في المدارس وكليات البنات بالكتب والاشرطة الهادفة التي توضح للفتاة أمور دينها وما يحاك ضدها من مؤامرات.
41- ضرورة مشاركة مكاتب الدعوة والإرشاد والمؤسسات الدعوية للاستفادة من الفتيات الحاصلات على المؤهلات الشرعية بالدعوة إلى الله سواء في مجال إشراك هؤلاء بإلقاء المحاضرات والدروس الشرعية أو الأعمال الخيرية في المجال النسوي.
42- تفعيل دور الصالحات في المجتمع وإفساح المجال وفتح القنوات والميادين الملائمة أمامهن، ومحاولة إعداد بعض المتميزات ـ علماً وتفكيراً وسلوكاً ـ ثم إبرازهن بصفتهن قدوات لنساء المجتمع.
43- يجب أن يكون لإعلامنا مع المرأة المسلمة هدف رئيس ينشد تحقيقه؛ بحيث لا يكون جل نتاجه ردود أفعال لأطروحات الآخر أو تفنيداً لآرائه وهجماته فحسب؛ فالأصل تقديم مادة ذات مهمة وقائية بنائية معاً؛ بحيث تبني شخصية المرأة المتلقية المتزنة والمستقلة القادرة فيما بعد على تفنيد ما تسمعه أو تراه أو تقرؤه!.
44- وضع المسابقات والبحوث في أوساط العوائل والأحياء والمدارس والكليات، وتكون هذه الأسئلة والبحوث موجهة للمرأة المسلمة فيما يفيدها في أمور دينها ودنياها.
45- يجب على من يجيد فن الكتابة من النساء والرجال أن يبادروا إلى الكتابة في الصحف والمجلات وأن يردوا على أطروحات أدعياء التحرر بالأسلوب العلمي الرصين البعيد عن التجريح والتشنج ومقارعة الحجة بالحجة.
46- يجب على أولياء الأمور أن يعطوا أبنائهم وبناتهم الوقت الكافي من المشاركة معهم فيما يهمهم ويشبع جميع الجوانب النفسية والعاطفية والاجتماعية لديهم وحل المشكلات التي تواجههم حتى لا يتلقوا إشباع هذه الجوانب من قنوات ومصادر منحرفة.
47- مطالبة الجهات الإعلامية والتعليمية بإصلاح ما تقوم ببثه بالمجتمع من برامج ومناهج وان تكون جميعها متوافقة مع شرع الله - عز وجل -، حتى يخرج لنا جيلٌ يعتز بدينه ويخدم أمته.
http://saaid.net المصدر:
=============
كيف توصل فكرتك إلى الآخرين؟
خالد الصادقي
التواصل والاتصال بالآخرين ضرورة ملحة في حياتنا، وهو أمر لا مناص منه، فهذا الأب بين أبنائه، والمدير مع موظفيه، والمرأة مع زوجها، والبائع مع المشتري وهكذا..
والقضية ليست في الاتصال بحد ذاته، بل القضية في نتائج الاتصال، هل هو إيجابي أم سلبي؟ هل حقق رغبة الطرفين أم أحدهما أم لم يحقق لأي أحد شيئاً؟.
الناظر في معاملات الناس يرى النزاع والشجار والفهم السيئ للمراد، وهكذا تنشأ المشاكل بسبب ذلك، لذا كان لزاماً على المسلم أن يحرص كل الحرص على معرفة الطريقة الأمثل لإيصال الفكرة الصحيحة حتى تولد ناتجاً سليماً صحيحاً.
وقد ذكر أهل الاختصاص أن من أهم العوامل التي تعين على إيصال المعلومة ومن ثم الاقتناع بها إتباع الخطوات الآتية:(16/63)
1- الاقتناع الذاتي بالفكرة من حيث هي، والمقصود أن تكون مستوعباً للفكرة والقضية التي تريد طرحها أو ترغب من الناس أن يقتنعوا بها، فإذا كنت غير فاهم لها أو لست راغباً فيها أصلاً فمن الصعوبة إيصالها إلى الغير، ولا سيما إن كانت القضية متعلقة بعقيدة أو منهج ونحو ذلك، وربما يحصل هذا في مسألة الحزبيات والتجمعات والجماعات المعاصرة، أو في الأفكار المستوردة من الغرب، ولذلك لا نستغرب من الكثير الذين دخلوا غمار المسائل السابقة وهم غير مقتنعين بها.. حسبهم منها المصلحة الذاتية والمادية فقط..
2- الإلمام بالشبهات التي تحيط بالفكرة، ولا تخلو أي قضية من مداخل يستطيع غيرك أن يدخل من خلالها فيجد له طريقاً للعبث بالفكرة، وهذا ما نجده واضحاً عند علماء أصول الفقه حيث أنهم يذكرون ما يمكن أن يقوله الخصم أو المخالف تجاه المسألة، وربما المخالف لم يقل ذلك ولكنهم يتوقعون ومن ثم يضعون الجواب المناسب له، ومن ثم جاءت فكرة بعض المعاصرين بذكر ما قاله وما يمكن أن يقوله أعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم على الإسلام فألف كتاب (شبهات حول الإسلام)، وما ألف ذلك الكتاب إلا دفاعاً عن الإسلام وحمايته له من الشبهات - فجزاه الله خيراً - على حسن نيته، وإن كان المؤلف أو غيره يرى أن في أصل تأليف الكتاب نظر.
3- القدرة اللغوية التي تؤهلك لإيصال ما تريد إلى الآخرين، فالفصاحة والبلاغة والقدرة على تنويع الأسلوب وتغييره على حسب الزمان والمكان والشخص يعتبر من أعظم العوامل للنجاح، ولذلك نجد موسى - عليه السلام - يرى لهذا الأمر خطورة، ويخشى أن يقصر في التبليغ لِعِلّةٍ كانت في لسانه ربما تمنعه من تبليغ الدعوة قال تعالى: ((واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري...)) الآيات، وقال أيضاً في موضع آخر ((وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردءاً يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً..)) الآيات، والقارئ الكريم يسمع ويشاهد الدعايات والإعلانات التي تجعل من الرديء جيداً، ومن القديم جديداً، ومن غير المرغوب فيه إلى أن يكون مرغوباً فيه ومحبوباً للناس، والسباق في هذه الميدان مفتوح للجميع.
4- الاعتدال في الطرح بعيداً علن الانفعالات غير المبررة، وبعيداً عن الغلو، وهذا مما يجعل الجميع يُقْبِل عليك، ويتقبل فكرتك ويقتنع بها، ((ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك))، وفي الحديث ((وما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه)).
5- معرفة الناس ونفسياتهم: فطبائع الناس مختلفة، وهي متقلبة، وما كان يطرح قبل خمسين سنة لا يمكن أن يطرح الآن، وما كان يطرح قبل عشر سنوات قد تغير، وربما لا يقتنع الشخص بفكرة معينة ولكنه بعد سنوات سيقتنع بها ولاسيما في هذا الزمن حيث الثقافات المتنوعة، والسيل الجارف من المعلومات التي تصب صباً في الناس بكافة الوسائل المتاحة، وبتقنيات متطورة، وأصحاب التجارات الدنيوية يعرفون هذا جيداً فهم من أخبر الناس بما يريد الناس، وهم يدرسونه دراسة مستفيضة، والإدارة الحديثة تقول: الإدارة الناجحة هي التي تتأقلم مباشرة مع المتغيرات الطارئة، وهي الإدارة التي يمكن أن تقاوم وتستمر.
6- تقدير الآخرين واحترامهم والمعاملة معهم بالحُسنى، فكم رأينا من أناس غير مقتنعين بفكرة فلان أو علان ولكنه اقتنع بذلك الشخص وأحبه، فالقضية أصبحت متعلقة بمحبة ذلك الشخص فقط، وذلك نتيجة لحسن معاملته مع الآخرين، والإنسان مجبول على محبة من يقدره ويسبل عليه معروفه، وورد في الأثر: (الدين المعاملة)، وقد حث الشرع المطهر على حسن الخلق، وأن صاحبه يصل درجة الصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر، وأصحاب المبادئ السامية هم أحق بهذا الأمر، وأولى به، فالبدار البدار.
هذا ما سنح به الفكر، ولا شك أن الموضوع يحتاج إلى المزيد، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
المصدر :http://www.islamselect.com
-==============
الثوابت .. والمتغيرات
عبد الله الريمي
منذ مئات السنين والبحر يضرب بأمواجه الشاطئ.. في ظاهرة معروفة عند الجغرافيين تسمى المد. ثم ينحسر المد عن الشاطئ في ظاهرة أخرى ثابتة تسمى الجزر. هاتان الظاهرتان ثابتتان لا تتغيران في أي بقعة من العالم: يأتي الليل بمده، ويأتي النهار بجزره؛ ولكن التغير فيها هو ما يحمله إلينا المد والجزر من كائنات. يتحكم في هذا التغير المكان الذي تتم فيه العملية الجغرافية، ونوعية الكائنات التي تعيش في ذلك المكان.
وكذلك هي الأمور الدعوية التي تواجه الداعية، فيها ثوابت لا بد أن ينتبه لها الداعية وهي ثابتة في أي بقعة من العالم تتم فيه الدعوة، ويمكن أن نقول عنها إنها المنهج الذي ندعو إليه. ولكن المتغير هو طريقة الدعوة لهذا المنهج.. وطبيعة البرنامج الذي نقدمه، وكذلك نوعية المواد التي ندرسها؛ إذ لا بد أن ننتبه لما يأتي:
- الفروق بين مجتمع وآخر.
- وكذلك الزمن الذي نعيش فيه.
أذكر أنني أقمت في دولة أوروبية لفترة من الزمن، وساهمت في الدعوة هناك، وحضرت بعض الاجتماعات التي أقامها الدعاة المربون في تلك الدولة، ولاحظت التالي:(16/64)
- تعامل الدعاة مع الناس هناك على أنهم لا يصلحون أن يؤدوا أي عمل بمفردهم دون الرجوع إليهم؛ وهذا الأمر ربما كان طبيعياً لأول وهلة، ولكن إذا علمنا أن عمر الدعوة في تلك البلاد ليس بالقصير فإننا سنتساءل: لماذا لم يؤهل الدعاة التأهيل الكافي الذي يمكنهم من القيام بالعمل الدعوي، على الأقل كمنفذين متميزين إذا عجزنا أن نهيئهم كمعدي برامج ومنظرين؟
- لم يكن هناك مدرسة تأهيل للدعاة؛ يعني أن الداعية المراد تأهيله لم يكن يتلقى برنامجاً منظماً في الإعداد الدعوي، بل في أحسن الحالات يمكن أن نقول إنه يتلقى دورات سريعة (دورة اليوم الواحد) وربما تلقاها بطريقة غير منظمة فضاع الكثير منها.
- لم تكن هناك ثقة في الدعاة الموجودين؛ ليس فقط من الناحية العلمية.. بل حتى من الناحية التربوية، وربما تم اختيار داعية ووضع تحت المتابعة المملة، فيشعر الرجل أنه مراقب، وأنه لا يحسن عمل شيء، وربما لم يكن فعلاً مناسباً للعمل. ويعتذر بعض المربين أحياناً أنه أفضل الموجود، ومن خلال مشاهداتي رأيت أن هناك الكثير ممن هو أفضل منه، ويمكن الاستفادة منه وقد هُمشوا، ولم يُعطَوْا أي اهتمام دعوى.
والمفروض:
أن يتلقى الداعية الجديد برنامجاً منظماً يراعى فيه:
- التدرج.. في المادة الدعوية المقدمة.
- التأصيل الشرعي للمواد المقدمة.
- مراعاة الفروق بين دولة وأخرى؛ ففي السعودية مثلاً لو ألقيت دورة فسنجد أن مادة كأصول الفقه، أو القواعد الفقهية تشكل منهجاً طيباً لطلبة العلم، بينما لو ألقيت دورة في دولة أوروبية لوجدت أنك تحتاج أن تلقي دورة في الأحكام مثلاً، ولو ألقيت دورة في بعض دول شرق آسيا لوجدت أنك ستحول مادة الدورة إلى العقيدة مع تشابه الطلبة من حيث السن وربما مستوى الثقافة العامة. وفي مجال العلوم الشرعية وستجد هذا التغير الذي يفرضه عليك مستوى الطلبة من جهة، وحاجة المجتمعات من جهة أخرى.
ولذلك فإنه لا بد من المتابعة في الناحيتين: العلمية والعملية؛ بحيث يكون هناك موازنة بين:
- حجم المادة المقدمة.
- نوعية المادة.
- التناسب بين التلقي والعطاء.
مجمل هذا الكلام يدور حول الثوابت والمتغيرات، وأهمية الأمور الدعوية والتربوية مع الالتفات إلى جوانب أخرى مهمة كالبرنامج المقدم ووقته، وما شابه ذلك.
الثوابت في حياتنا تبقى ثوابت، ولكنها عند بعضهم تبدأ في أخذ طابع المتغير. وتساعد الرخصة في هذه النظرة؛ ومع قلة العلم والتربية تختلط النظرة، ويأتي جيل جديد لا يفرق بين هذا وذاك.
والمتغيرات تخضع لعدة أمور، وتقبل الأخذ والرد، ولكن أيضاً نتيجة لقلة العلم والتربية، وكثرة ضعاف النفوس تبدأ الوسائل في الخروج عن مسارها الصحيح، وكلما حاولت التوجيه فستجد أنك تعارض بنصوص وخلافات غير معتبرة بدأت تكتسب طابعاً قوياً بسبب التميع الذي وقع فيه بعضهم، وغياب المنهجية القوية؛ يضاف إلى ذلك التمكين لأهل البدع، واختلاط الكثير من المفاهيم.
أميل للأسلوب الإداري نوعاً ما في الدعوة، وهو باختصار وضع خطة طويلة المدى للعمل الدعوي يهتم فيها بـ:
- مراحل الدعوة.
- شروط الكوادر (والتشدد فيها بالنسبة للدعاة والمربين).
- المناهج التعليمية مع التأصيل الشرعي.
- الأنشطة الدعوية غير المنهجية كالنوادي والمراكز الصيفية وما شابه ذلك.
- تقسيم العمل إلى مراحل.
والاهتمام بالإدارة والدعوة بهذه الصورة الإيجابية سيستفاد منها بلا شك؛ فلنحاول، ولنعد النظر في الثوابت والمتغيرات. على أن يرافق هذه العودة علم أصيل يعتمد على موروثات السلف، وقلب واع يقظ للفتن ولمداخل الشيطان، ورغبة في تعبيد كل شي لله، على منهج الله، وفق فهم سلف الأمة - رضي الله عنهم - ورحمهم.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
أفكار دعوية للأعياد
1- بعض الأفكار للاجتماع الأسري في هذه المناسبة:
أ- تقديم بعض الأشرطة النافعة مع سلة الحلويات.
ب- توزيع مسابقة على شريط أو كتيب للحضور مع رصد جوائز قيمة لها.
2- الاستفادة من الإجازة في الدعوة إلى الله في بعض القرى والهجر.
3- وضع بعض الرحلات القصيرة للناشئة والشباب.
4- شراء بعض الملابس الجديدة وتوزيعها على المحتاجين والفقراء مع بعض الكتيبات والأشرطة
تتمة:
المعتاد أن الناس يتزاورون ويتصلون.. وهناك بعض الأنشطة:
1- عمل لقاء للحي في المسجد بعد صلاة العيد مباشرة لمدة نصف ساعة (أو في أحد البيوت المناسبة) للتعايد
2- عمل برنامج ترفيهي ومعايدة ومسابقات في ساحات المسجد بعد صلاة العشاء مع وجود كلمة قصيرة (جدا) ولكنها حاوية لمهمات المسائل
3- دعوة الأصحاب القدامى واللاحقين في لقاء عند أحد المعروفين ويكون في هذا اللقاء زيادة الروابط والأنس والتواصي.
4- توزيع هدية العيد للأقارب مكونة من بعض الحلوى وشريط مناسب وكتيبات مناسبة.
هناك شريط باسم (عيدكم مبارك للدويش) ممتاز.
http://saaid.net المصدر:
==============
مراد هوفمان : الإسلام في الألفية الثالثة
نبيل شبيب
تتسع القاعة زهاء مائة وخمسين شخصًا، وامتلأت يوم 28/3/2000م عن آخرها، وبقي كثير من الحضور واقفًا طول ساعتين تقريبًا، وهم يستمعون إلى مراد هوفمان، يقدّم لكتابه الجديد الصادر باللغة الألمانية تحت عنوان"الإسلام في الألفية الثالثة" ويجيب على تساؤلاتهم ومداخلاتهم.(16/65)
الحضور.. كانوا خليطًا متعدد الجنسيات والمشارب، منهم فريق من زملاء مراد هوفمان من فترة وجوده في السلك الدبلوماسي الألماني، ومنهم عدد من المسلمين والمسلمات، من مختلف الأعمار، من ذوي الأصل الألماني وسواهم ممن يحملون الجنسية الألمانية أو يحتفظون بجنسياتهم الأصلية، كما كان من الضيوف عدد لا بأس به من عامة المسيحيين، وكانت ضيفة الشرف في ذلك الجمع الحاشد المستشرقة الألمانية المعروفة آنا ماري شيمل.
الكاتب مراد هوفمان.. لا يحتاج إلى تعريف، فمنذ سنوات والمسلمون يتابعون مؤلفاته وكتاباته ونشاطاته الإسلامية، ويعلمون الكثير عنه منذ اعتنق الإسلام عام 1980م أثناء عمله في السلك الدبلوماسي الذي امتد 33 عامًا، وكانت آخر محطات عمله في المغرب، عندما أحدث ضجة لفتت الأنظار إليه داخل ألمانيا وخارجها بنشره عام 1996م كتاب " الإسلام هو البديل"، الذي يعتبر من " أجرأ " ما نُشِر باللغة الألمانية فهو على النقيض من كتب عديدة أخرى، لا يعرض بعض جوانب الإسلام عرضًا تقليديًّا، ولا ينطلق من منطلق الدفاع عنه تجاه ما يتعرض له من صور عدائية، بل يطرحه باعتباره البديل الضروري والأفضل ممّا يعتنقه المجتمع الغربي من تصوّرات في مختلف الميادين. وقد استضافته بلدان عربية عديدة وشارك في مؤتمرات إسلامية مختلفة، وما يزال، وهو في التاسعة والستين من عمره، في الذروة من النشاط الذي عرف عنه.. كما ظهر أثناء تقديمه لكتابه الجديد، الذي يخطو به خطوة أخرى في تقديم الإسلام كبديل، فيؤكّد عبر الحوار المنهجي المتوازن أن فيه الحلول لما يواجهه المجتمع الغربي الآن من مشكلات اجتماعية وثقافية مستعصية.
وأول ما أبرزه في حديثه كان إشارته إلى الإقبال على الإسلام في صفوف الناشئة والشباب، داخل المجتمع الغربي، وفي ظهور هذا الإقبال بقوة مع نهاية القرن الميلادي العشرين، الذي شهدت بدايته تنبؤات من جانب بعض المستشرقين بأنه لم يعد له وجود، ولن يستطيع الظهور ثانية إبان إسقاط الخلافة في إسطنبول. وهي المدينة التي يعيش فيها مراد هوفمان الآن، المتزوج من امرأة مسلمة تركية، بالإضافة إلى إقامته الرسمية في مدينة "آشافينبورج" بألمانيا.
ولم يلتزم مراد هوفمان في حديثه أسلوب التبرير لبعض المظاهر التي لا تلتقي مع أصول الإسلام، بل على النقيض من ذلك، أبرز من خلال أمثلة واقعية كيف أن فريقًا من المسلمين القادمين من بلدانهم الأصلية إلى الغرب، قد تبنى التصورات الغربية حتى النخاع.. وفريقًا آخر اتخذ موقفًا متشددًا رافضًا لسائر ما حوله، مؤكدًا من وراء ذلك أن الطريق الوسط هو الذي يلتقي مع " دين الوسطية " ويتفق مع الانفتاح على المنجزات العلمية والتقنية.. دون الانسياق وراء تصورات منحرفة، أثبتت النتائج خطأها، وفي الإسلام الدواء الشافي لها، سواء من حيث تعامله مع العلم والعلماء، أم من حيث تعامله مع الأسرة.. والشبيبة.. والأطفال.. أو تعامله مع مختلف المشكلات الاجتماعية الكبرى المعاصرة، فضلاً عن ميزته الكبيرة المتمثلة في اطمئنان معتنقيه إلى أن النصوص الملزمة بين أيديهم، هي بعينها تلك النصوص التي جمعها المسلمون قرآنًا وحديثًا منذ العهد الأول، وكان التحقيق فيها على أعلى المستويات العلمية المنهجية.
وكان مراد هوفمان يجد التأييد من خلال النقاش الحي الذي تلا الحديث، ومن ذلك شهادة آنا ماري شيمل بموافقتها على ما يقول من خلال ما عرفته عن الإسلام وما عايشته في بعض البلدان الإسلامية، حتى إن بعض النساء المسلمات الحاضرات تساءلن فيما بينهن، ما إذا كانت شيمل مسلمة أو كيف لم تعتنق الإسلام حتى الآن، وعندما تحدث عن موقع المرأة في الإسلام، وأبرز أن هذا بالذات ما دفع كثيرا من النساء الغربيات إلى اعتناقه، وجد التأييد لذلك من نساء مسلمات ألمانيات بين الحضور، وكما استشهد بعدد من العلماء والدعاة المصلحين وهو يتحدث عن النهضة الإسلامية المعاصرة، منذ عهد الأفغاني ومحمد عبده، إلى عهد حسن البنا ويوسف القرضاوي، فقد استشهد في حديثه عن المرأة وموقعها في الإسلام بكلمات للشيخ الداعية القرضاوي، يجد القارئ بعضها أيضًا في الفصل الذي خصص له زهاء عشرين صفحة تحت عنوان "مساواة في الحقوق أم مساواة.. ".. من أصل 286 صفحة، طرح الكاتب فيها تصوراته في صيغة نقاش، بدأه بفصلين عن الصحوة الإسلامية في الغرب والشرق، مقارنًا ذلك في الفصل الأول بخروج كثير من أتباع الكنيسة عليها، وعزوفهم عنها، ومشيرًا إلى الفطرة البشرية في الحاجة إلى العقيدة القويمة، ومقدمًا للفصل بكلمات منها قول صموئيل هينينجتون: (إن العقيدة التي تقول إن الشعوب غير الغربية، ينبغي أن تأخذ بالقيم والمؤسسات والثقافات الغربية، عقيدة غير أخلاقية)، وهو اختيار يرُدُّ بصورة غير مباشرة على نظرية الكاتب الأمريكي المعروفة بشأن صراع الحضارات. ويشبه ذلك اختيار الكاتب لعبارة سلمان رشدي وهو يستهل بها الفصل الثاني من الكتاب: (يجب أن يكون هذا هو العصر الذي نتجاوز فيه الحاجة إلى الدين)، فكل ما في الفصل يثبت مدى خواء تلك العبارة وتناقضها مع الواقع المنظور.(16/66)
ومن بين الفصول الخمسة عشر في الكتاب يبرز أيضًا الفصل الذي أعطاه عنوانًا بمعنى (الديمقراطية ونظام الشورى) استهله بكلمة الشيخ القرضاوي: (من يقول إن الديمقراطية إلحاد، لا يفهم شيئًا من الإسلام ولا الديمقراطية)، وقد ناقش في هذا الفصل عددًا من الشبهات، بشأن فصل الدين عن الدولة، وحقيقة عدم تطبيق ذلك في الدول الغربية نفسها كألمانيا، بالصورة التي شاع نشرها في بلدان إسلامية، كما تناول بالحديث شبهات أخرى تحيط بمعنى الحاكمية لله، قبل أن يشرح عددًا من القواعد الأساسية للشورى في الإسلام، وصورًا من ممارساتها التطبيقية منذ العهد النبوي، وعددًا من الاستشهادات من علماء معاصرين، لينتهي بتبني قول من يقول بديمقراطية إسلامية، وإن كان عنوان الفصل يشير إلى تبنيه مصطلح الشورى الإسلامي أيضًا.
وكما هو الحال مع الكتاب الذي يتجنب الأسلوب الاستفزازي في طرح موضوع لا يتوارى فيه معنى " التحدي " تجاه ما يعتبر من البدهيَّات في الغرب، فيطرح على مجتمعه الأخذ بالإسلام مدخلاً إلى النجاة من مشكلاته الاجتماعية في ألفيته الميلادية الثالثة، كذلك فقد كان النقاش الدائر عقب تقديم الكتاب متميزًا بالحوار المقنع، الذي يتجنب الاستفزاز، أو ردود الفعل على بعض الاستفزازات، وقد كانت نادرة أثناء اللقاء، ولعل أبرزها ما كان في نهايته عندما ذكرت امرأة من الكنيسة أن في الإمكان إذن الأخذ في الغرب بالدين المسيحي مع تطوير ما ينبغي تطويره تطبيقيًّا، فاكتفى مراد هوفمان بالجواب " الله أعلم "، وكان الجواب كافيًا بالفعل، فالاقتناع بما تحدث به في اللقاء كان ظاهرًا على وجوه الحاضرين، من مسلمين وغير مسلمين، بغض النظر عن مدى اتباعه أو عدم اتباعه.
http://www.islamonline.net المصدر:
============
عمارة المسجد وعمارة الأرض ... التوازن المفقود في حياة الأمة
د.محمد يتيم
هناك حقيقة يقررها المؤرخون والدارسون للحضارة الغربية المعاصرة، وهي أن روح المغامرة تُعد إحدى الخصائص السلوكية والنفسية والاجتماعية التي ساعدت في بناء تلك الحضارة.فهي التي قادت عدداً كبيراً من التجار والعلماء والمستكشفين إلى الضرب في أدغال القارات وركوب مخاطر البحر. ولقد كان اكتشاف الطرق التجارية مثل طريق رأس الرجاء الصالح، والقارة الأمريكية أو ما يُصطلح عليه بالعالم الجديد أثراً من آثار تلك الروح الاستكشافية.
ونصاب نحن المسلمين بالدهشة ونحن نتابع البرامج الوثائقية التي تصور «رهبانية» علماء وباحثين غربيين انقطعوا انقطاعاً تاماً لبحوثهم وكشوفاتهم ورحلاتهم، وخرجوا «في سبيل العلم» تاركين وراءهم أزواجهم ومتع الحياة الدنيا فنمتلئ تقديراً وإعجاباً بهم؛ فهم لم يكتفوا بما راكموه من حقائق علمية حول أسرار الكون وعجائبه، بل أبوا إلا أن ينقلوا ذلك في شكل برامج حية تسر الناظرين. ومن منا لم يتابع بتقدير كبير وبرامج مثل رحلات العالم الفرنسي كوسطو؟!
لكنه من اللازم أن ننبه إلى أن تلك الروح المغامرة إنما كانت أثراً من آثار نمو طبقة بورجوازية ضاقت بها أقطار العالم الأوروبي، ولم يستجب ضيقها لجشعها إلى المواد الأولية ولرغبتها في سوق واسعة تستهلك منتجاتها، مما أدى إلى تحول روح الاستكشاف عندها إلى واقع استعماري وتوسع استكباري.
ولقد ارتبطت النجاعة والفاعلية عند المستكشفين والمغامرين الغربيين بالأخلاقية العلمانية والنفعية مما جعل الحداثة الأوروبية انتقاماً من النظام الكهنوتي الذي كان قد تسلط على دنيا الناس وآخرتهم، وتحالف لقرون طويلة مع الإقطاع، وسانده وكرسه، وتحالف مع ملوك أوروبا خلال عصر، ولقد كان لذلك كله آثار كارثية أدت إلى تدمير حضارات وإبادة شعوب بكاملها دون رحمة أو شفقة كما هو شأن الهنود الحمر. ووصل الحد بتلك الأخلاقية الحداثية اللائكية إلى تسويغ تلك الجرائم التاريخية كما نجد ذلك في أكبر الفلسفات الأوروبية التي اعتبرت كل ما يحدث في التاريخ العالمي إنما هو ترجمة لصيرورة «منطق العقل» كما هو الشأن عند الفيلسوف الألماني هيجل من خلال مبدئه الشهير «كل ما هو عقليٌّ فهو واقعيٌّ، وكل ما هو واقعيٌّ فهو عقلي»، أي أن كل حدث تاريخي مهما كان سلبياً من الناحية الأخلاقية، فهو حدث في مكانه من ناحية منطق التاريخ أي منطق العقل الكلي.
ووجدنا في فلسفة ينتشه «أيضاً شيئاً شبيهاً بهذا التسويغ حينما تحدث عن أخلاق القوة (أخلاق الرأسمالية) وأخلاق الضعف (الأخلاق الدينية المسيحية)، وكذلك في فلسفة ماركس الذي اعتبر أن الأعمال القذرة التي قامت بها إنجلترا في الهند تندرج في إطار رسالة ومهمة «تحضيرية».
وهكذا؛ فوراء تلك الروح المغامرة التي قد تملأ بعضنا إعجاباً بحركة الاستكشاف الأوروبي، وروح المغامرة التي تدفع بعضهم إلى أدغال ومجاهيل إفريقيا، وتقود بعضهم الآخر إلى حياة أشبه ما تكون بحياة الزهاد الذين يتركون وراءهم ظهرياً مُتَعَ الدنيا ولذَّاتها ونعيم العيش وكمالياته ورفاهياته داخل المجتمعات الأوروبية. توجد أخلاق هي (أخلاق القوة) بتعبير هيكل، و (أخلاق الرأسمالية الجشعة) التي لا تعرف سوى لغة المصالح ولا تعترف بقوة الأخلاق.
* أمة خروج وانتشار.. لا مغامرة واستكبار:(16/67)
وإذا أردنا أن نقيم مقارنة بين ذلك الواقع التاريخي الأوروبي والثقافة التي أنتجها أي ثقافة المغامرة والإقدام المدفوعة بغريزة القوة والتسلط، وبين المسار التاريخي الذي انبنت فيه حضارة الإسلام وأمة الإسلام أمكننا أن نؤكد بأن الإسلام قد أخرج الأمة العربية من نطاقها الضيق المحدود كي تنتشر بسرعة مذهلة في الأرض؛ حيث أظلت رسالة الإسلام وحضارته العالم المعروف آنذاك في سرعة قياسية بالمقارنة مع الوسائل التي كانت متوفرة آنذاك.
ولنا أن نتصور كيف كان الصحابي الجليل يخرج من الحجاز قاصداً مجاهيل المغرب الأقصى أو مجاهيل الهند أو السند أو الصين ليس في يده خريطة توضح له المسارات، ولا يعرف لغة القوم ولا تخرَّج في معهد لتخريج الدعاة أو تعليم اللغات والتكوين على المهارات، وكيف كان يخرج مجاهداً أو داعياً لله وهو موقن بأنه لن يعود إلى أرضه ووطنه، ولن يستظل بعد ذلك بسمائه أو يشرب ماءه، وكيف كان الصحابة والتابعون يركبون أهوال البحر، ويخترقون فجاج الأرض بجبالها وسهولها ووديانها وشعابها، فلم يكونوا يحملون معهم سوى عقيدتهم وإيمانهم برسالة الدعوة التي فهموا أنهم مستأمنون عليها منذ أن قرؤوا قول الله ـ - تعالى - ـ: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، وقوله ـ - تعالى - ـ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
وهناك يكمن الفرق بين خروج وخروج؛ فذاك خروج منطلق من روح المغامرة المنبعثة من أخلاق القوة وروح السيطرة، والرغبة في العلو والاستكبار، استجابة لشهوات النفس المادية والمعنوية، وبين فلسفة الانتشار القرآنية الواردة في قوله - تعالى -: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ} [الملك: 15]، وقوله - تعالى -: {فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللََّّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10].
* بين الانتشار والانفضاض:
إنه الفرق بين المشي في مناكب الأرض باعتباره أكلاً من رزق الله والانتشار فيها ابتغاء فضله، وبين المغامرة باعتبارها اعتداء على الخلق وإفساداً في أرض الله. إنه الفرق بين الإعمار للأرض والاستخلاف الراشد الذي لا ينسى صاحبه ذكر الله وبين التسلط المفسد في الأرض المهلك للحرث والنسل وإن بدا في ظاهر أمره إصلاحاً وإعماراً.
إنه الفرق بين المغامرة باعتبارها انفضاضاً عن الدين؛ أي باعتباره انفصاماً بين حركة الإنسان على الأرض وأحكام الوحي ومبادئه وقيمه، وبين الانتشار باعتباره ذِكْراً متواصلاً لله، وتذكراً أن ثمرة كل زراعة أو تجارة أو صناعة إنما هي من رزق الله تقتضي شكراً وذكراً؛ وذلك هو المعنى الوارد في قوله في سورة الجمعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ #! 9! #) فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللََّّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ #^10^#) وَإذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 9 - 11].
لقد أُمرت الأمة أن تسعى إلى ذكر الله، فكانت الصلاة، وكان أكبر شيء فيها ليس هو حركاتها ووقوفها وركوعها وسجودها وقيامها وغير ذلك مما لا تقوم الصلاة إلا به مما أمرنا أن نقتدي فيه بهدي رسول الله، وإنما هو ذكر الله: {إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
وكان للصلاة وقت وجب المحافظة عليه، وكان من تمام إقامتها حضور جماعتها وجُمَعها، فكانت الصلاة واجباً، وكان إيقاعها في وقتها واجباً أيضاً. وأخذ من ذلك العلماءُ أن من الواجبات ما لا يسقط، وما لا تسقط به التبعة إلا إذا تم إيقاعه في الوقت، فأكدوا على وقت الواجب، وواجب الوقت.
ولذلك يتعين فضلاً عن القيام بالواجب إيقاعه في وقته: فللتنظيم الزماني للعبادات حكم ومقصد قد نعلم بعضاً منها، وقد يخفى عنا بعضها الآخر، ولذلك كان من الواجب السعي إلى الجمعة إذا وجبت بالنداء، وترك ما دون ذلك من الأعمال والطاعات. ولقد أبطل الفقهاء كل العقود والتجارات والمبادلات التي يتم عقدها في وقت الجمعة؛ لأنها ساعة ذِكْرٍ مخصوص في شكل مخصوص، وهي صلاة أسبوعية جامعة يستمع الناس قبلها لموعظة أسبوعية راتبة.
ومن آيات سورة الجمعة نقف على ذلك التوازن الجميل في هذا الدين. ومن جماله أن يأتي الأمر بالانتشار في الأرض بعد أن كان الأمر قبل ذلك بالسعي إلى ذكر الله، وترك البيع، وأن صلاة الجمعة هي أفضل عمل يرجوه الإنسان إذا حل وقتها، وأن يأتي بعده أيضاً الأمر بالانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله، ثم أن يأتي بعده ندم الانفضاض عن الصلاة والانشغال باللهو والتجارة في وقتها، وفي كلتا الحالتين أي عند الأمر بالسعي إلى إقامة الصلاة أو الأمر بالانتشار والابتغاء من فضل الله يبقى هناك قاسم مشترك ألا وهو ذكر الله في الصلاة، وذكر الله عند الانتشار من أجل إقامة العمران والابتغاء من فضل الله ورزقه.(16/68)
* الانتشار سر الانتشار، والانفضاض سر الانكسار:
والغريب أننا لم نقتبس من هذه الآية معنى جميلاً ـ وذلك هو سبب قبحنا الحضاري وتخلفنا التاريخي في القرون الأخيرة ـ وهو أن يوم الجمعة الذي يجله المسلمون ويعتبرونه عيداً ليس عيد عطلة وعطالة؛ فالخطاب موجه إلى أمة منغمسة في أعمالها التجارية والتعميرية ينبهها ألا تنسيها تلك الأعمال ذكر الله - سبحانه -.
وهنا وجه الفرق بين روح المغامرة والاستكشاف الأوروبيين المدفوعين فقط بالجشع الفردي والجماعي لقوم فقدوا صلتهم بالله، وبين فلسفة الانتشار القرآني التي هي سر الانتصارات الكبرى حين انتشروا دون أن يكفروا، فانتصروا دون أن يبطروا. والسر هو أن الحضارة الإسلامية كانت حضارة إنسانية «عمرانية» أي تعمر الأرض والإنسان وتبتغي الرزق دون أن تفسد في الأرض، أو تخل بالعدل وبين الحضارة الأوروبية التي تعتبر «التحضير» ملازماً جدلياً للتدمير والتخريب للإنسان والبيئة والقيم والأخلاق.
فأين نحن من الانتشار والضرب في مناكب الأرض، وألسنتنا رغم ذلك تلهج بذكر الله ودون أن تلهينا تجارتنا وأعمالنا عن ذكر الله؟ لماذا جعل بعضٌ منا «عمارة المساجد» بما ترمز إليه من التزام بفرائض التدين وسننه ملازماً للتخلي عن عمارة الأرض والسير في مناكبها والأكل من رزقه في تناقض فظيع مع قوله - تعالى -: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ #^36^#) رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 36 - 37]؟
فعُمَّار المساجد لا يغفلون عن ذكر الله ولكنهم تجار أغنياء يبيعون ويشترون، أي أنهم لم يبنوا نجاحهم الدنيوي على حساب آخرتهم، ولم يفهموا أن تعمير الآخرة يتطلب العطالة والتوقف عن السير في الأرض. إنهم عُمَّار للمساجد وعُمَّار للأرض.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===========
وصفة مواساة
بدرية الغنيم
هذه وصفة مواساة لمن اغبرّت قدماه، وتناولته الخطوب في مسيره لله؛ علّ فيها بلسماً لجرح يدمي.. وسدَّاً لباب يأس قد فتح، وباب عطاء يوشك أن يغلق.
على ضفاف نهر الإخلاص تنمو بذرة العطاء، وتضرب جذورها راسخة في الأرض ثباتاً لتشرب من العقيدة الصافية، فتنمو بذرة العطاء لتصبح شجرة، وكلّما كبرت زاد خيرها، وعمّ برها، وتنوعت عطاياها، قد تصفعها الريح، ولكنّها تمد أغصانها، وتلوح أنّ هذا هو النهر، هلموا فاشربوا، وقد يتعثَّر حولها إنسان فتمدّ أغصانها لتكون له سنداً، وقد يقطع الغصن الذي مدَّته إليه ويجعل منه عصا يتكئ عليها، أو عصا يضرب بها الآخرين.. فهي تعطي ولكن لا تأخذ، فكيف لها أن تعيد ما قُطع منها؟
ولتعوِّض ذلك تعود لماء الإخلاص فتشرب منه، فيشرق لها غصن جديد أبهى من الذي قطع، فيا طيب موردها، ويا طيب عطائها، وتلك أغصانها قد تدلَّت وامتدت أمام الشمس لتصنع الظلال للإنسان والحيوان، أتراها تفرح بالعطاء بدون مقابل؟ أم تأنس بخدمة الإنسان، وقد يستريح بظلها ثمّ يرمي بمخلفاته تحتها لينتن المكان، ولتعمى عينيه عن الحقيقة: أنَّ ذلك الظل ممدود بماء الإخلاص، والمورد الزلال، فلك في ذلك عبرة، ألا تعتبر بي كيف وصل خيري إليك؟
ثمّ هذه الأزهار تبتسم على وفرتها، تزيِّن الصباح، وتعطِّر المكان، فتغري الطير بالتغريد، وتفتح شهية النحل وما شابهها من عاشقات الرحيق، وكذا الإنسان قد هاتفته الريح، وأخبرته بقدوم الزهر: أن أقبل إن كان لك مطمع، فالكل يطمع في زهرها، ولم تطمع منهم حتى بالسلامة على زهرها الذي ينبئ عن قرب قدوم ثمرها، أتقطف الزهر ثمّ تطمع بالثمر؟ هلا انتظرت أيُّها العجول؟ فإنك تفوت حظَّك وحظ غيرك من الثمر، ثمَّ بعد ذلك تطلب الثمر فإن لم تجد قلت: شجرة عجوز أجدر بها أن تقلع، وإذا أقبل الثمر سال لعابك، وأقبلت بحصّاداتك ومنجلك، تجرع جذوعي، وتدمي سيقاني لتسبق الدواب والطير والحشرات، كم أنت ماهر أيُّها الإنسان في قطف الثمرة، لا يغلبك عليها أحد، ليتك ساهمت في غرسها، فأنت تعرف كيف تقطف لكنَّك لا تعرف أن تغرس، وإن غرست فلا تحسن المورد، ألم تعلم أنَّ المورد الزلال هو تلك العقيدة السمحة، وأنَّ هذه الشجرة هي المؤمن المعطاء الذي وصل خيره وبرّه للصديق وغيره، مهما تطاول شرُّ النَّاس في تثبيطه وثنيه عمَّا هو فيه من خير وعطاء فلا ينالون منه إلا العطاء؛ لأنه لا ينتظر منهم جزاءً؟ فهو صاحب همّة عالية، فمطامعه أخروية، ترك الانتقام والتشفي لأهل الدنيا، الذين مهما حاولوا البذل والعطاء تجدهم قصيري الأيدي في البذل؛ لأنَّهم يخشون على أنفسهم ويغارون عليها أكثر من غيرتهم لدينهم، ويخشون إن مدُّوا أيديهم بالعطاء أن تخدش أو تجرح أو تغبر حينما تلامس حاجات المحتاجين، ولكن المؤمن ـ وفاء لهذا النبع الذي ارتوى منه ـ تجده متجدد العطاء، متنوِّع الخيرات، باذلاً في ساعات فرحه وحزنه حتى وإن سار وحده، وخذله من حوله، فماءُ العطاء يجري في عروقه، وهمَّته العالية تأبي أن يعامل الآخرين بالمثل، فلله درَّه!
http://www.islamselect.com المصدر:
============
إقبال وإدبار
أ.مها الجريس
كم هي عجيبة تلك النفس التي أتعبت البشر في إرضائها وإدراك سعادتها، ثم هي بعد ذلك تسمو بهم إلى قمم الجبال، أو تهوي بهم إلى هوَّة سحيقة! منها نفوسٌ قوية تتحمل الأثقال، وأخرى هزال مسترخية لا تصلح بحال، عبَّر عنها من أوتي جوامع الكلم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة".(16/69)
ولكل نفس إقبال وإدبار، يغلب أحدهما حيناً ويتأخر أحايين، وهذا ما بيَّنه صلوات ربي وسلامه عليه بقوله: "إنَّ لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فطوبى لمن كانت فترته إلى سنتي".
والشرة: أقصى المجد، والفترة: ضعف الهمة وفتورها.
وهذا يعني أنَّ حياة المؤمن بين جد وفتور يتجاذبان ويتأرجحان.
وقد فقه الصحابة - رضي الله عنهم - إقبال النفوس وإدبارها، فأوصوا بالعمل عند إقبالها، والرفق بها عند إدبارها.. حتى يقودها المؤمن إلى مكانها اللائق بها؛ فنفس المؤمن نفسٌ قيادية، تحتل مقعداً في خيرية هذه الأمة التي أخرجها الله رحمة للناس.
فلسنا نرشح أنفسنا لقيادة هذه الأمة، بل هو وعدٌ إلهي مربوط بأسباب بقي علينا أن نأتي بها، لكن البعض يتلكأ بسبب ضبابٍ في الطريق، أو يأسٍ وضيق، ينسى معه أنَّ عقد الإسلام لا ينحل بازدحام الآثام، وأنَّ ألف حوبة ترتفع بتوبة.
فنحن التوابون ولا فخر، ومن نفوسنا التائبة سيسطع الفجر، وإن كان فينا كثير غثاء، فإنَّ قليلنا كرماء..
إنَّ فقه الصعود إلى القمم يحتاج إلى معرفة هذه الخلطة النفسية، وإلى أن نتعامل معها بحذر، ليس مع ذواتنا فقط، بل حتى مع الآخرين، ولهذا قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة مخافة السأم". فصلاح العبد وفوزه مرهون بتزكيته لنفسه، والعكس كذلك، وقد علَّم المصطفى - صلى الله عليه وسلم - البراء بن عازب - رضي الله عنه - دعاءً في هذا الشأن، فقال: "قل: اللهم ألهمني رشدي وقني شرَّ نفسي".
وإنَّ الحديث عن إقبال النفوس وإدبارها لا يعني الاسترسال في الغفلة والتساهل بالفتور وضعف الهمة؛ فالأمر مختلف، والعاقل يعرف ذلك من نفسه، ولكنها دعوةٌ إلى فهم النفس وحسن التعامل معها، كما قال الشاعر:
إذا هبَّت رياحها فاغتنمها *** فعقبى كلّ خافقة سكون
وما النفس إلا حيث يضعها المرء، فكن الحُرَّ وقُدها بزمام العبودية، ولا تكن لها عبداً، فما لهذا خلقت!!
http://saaid.net المصدر:
============
البراءة من الجاهلية
قال الله - تعالى -: {قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيمَ والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرءَاؤ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبَدا بيننا وبينكم العداوةُ والبغضاءُ أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قوْلَ إبراهيمَ لأبيه لأستغفرنّ لك وما أملك لك من اللهِ من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير * ربنا لا تجعلنا فتنةً للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم * لقد كان لكم فيهم أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتولَّ فإن الله هو الغنيُّ الحميد} [الممتحنة: 4 ـ 6].
يصعب هذا الموقف على الكثير من الناس وهو أن يتبرأ الإنسان من قومه المتنكّبين عن طريق الله الذين نشأ بينهم وعاش معهم، وقد تكون البراءة من الأهل والأقارب وهذا موقف لا يستطيعه إلا الأشدّاء من الرجال. ولكن المتفحِِّص لحقيقة الأمور بدوافعها وخلفياتها يجدها سهلة عند أولئك القوم الذين رسخت في نفوسهم معاني العقيدة وتأصَّلت في ضمائرهم تشريعاتها ومتطلباتها فأصبحت الدنيا ومَن فيها من حولهم ليس لها قيمة وليس لها وزن أمام ما تتطلّبه العقيدة من أمور، خاصةً أن الذي أمر بهذه العقيدة وفرضها إنما هو خالق هذا الكون وخالق هذا الإنسان والمانح لجميع القوى الموجودة في الإنسان ومَن حوله.
إنها العقيدة التي أمر الله بها أنبياءه وأنزلها عليهم فعملوا على تربية المؤمنين عليها. فهذا عبد الله بن أُبَيّ حين تكلم بحق النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين من المسلمين رضوان الله عليهم أجمعين فقال ـ في جملة ما قال ـ: ".. لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذَل.. " ووصل الخبر إلى ابنه عبد الله بأن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يريد قتله لمقولته هذه فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبيّ فيما بلغك عنه، فإن كنتَ لا بد فاعلاً فمرني فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبَرّ بوالده مني وإني لأخشى أن تأمر غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أُبَيّ يمشي بين الناس فأقتله فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار.. ".
إنها كلمات سجّلتها سطور التاريخ في بناء العقيدة للرجال وفي إعطاء الولاء على أساسها والبراءة على أساسها وهذه هي مسيرة الأسوة الحسنة في إبراهيم والذين معه الذين نظروا إلى قومهم وما فيهم من جاهلية تحيط بهم فنصحوا وبيّنوا وأقاموا الحجة وأظهروا البرهان... ولكنها الجاهلية بكبريائها وعنادها ومقاومتها لكل دعوة خير وكل دعوة حق. فالجاهلية هي الجاهلية إن كان في زمن الخليل إبراهيم أو كانت في زمن الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - أو كانت في أيّ زمانٍ ومكان. إنها تعمل على تعبيد العباد بعضهم لبعض وتصدهم بكل وسيلة عن أن يتوجهوا بعبادتهم لرب العباد. فهذه جاهلية واجبٌ على أتباع الأنبياء والمرسلين البراءة منها، البراءة من عقائدها، والبراءة من تشريعاتها ومبادئها والبراءة من أفكارها وفلسفاتها وألفاظها المعبِّرة عنها والعاملة على تقويتها ودعمها والتي تعتبر من أساسيات وجودها.(16/70)
ولا نعني بالبراءة من الجاهلية بدايةً الانعزال الحِسّي عنها والانزواء جانباً، إلا في بعض المواقف والمواضع ـ وقد بيّنها أهل العلم ـ إذ القدوة هي حياة جميع الأنبياء، فقد كانوا دعاةً بين أقوامهم وبين أهلهم يوجِّهون إليهم النصح والإرشاد ويبيّنون لهم وجوب توحيد الألوهية وحقيقة الربوبيّة وخطورة الفساد الذي هم عليه في الاعتقاد والتشريع والعبادة ولكنهم مع ذلك كانوا دائماً في حالة مفاصلة عقائدية نفسية شعورية.
فهي البراءة من القوم ومعبوداتهم وعباداتهم... إنها الكفر بهم والإيمان بالله. وهي العداوة والبغضاء لا تنقطع حتى يؤمن القوم بالله وحده. وهي المفاصلة الحاسمة الجازمة التي لا تستوفي شيئاً من الوشائج والأواصر بعد انقطاع وشيحة العقيدة وآصرة الإيمان.
فأتباع الأنبياء في زماننا وخاصة الذين يَسعَوْن لتعبيد العباد لرب العباد بحاجة ماسّة للنظر والاعتبار بموقف الخليل إبراهيم - عليه السلام - وهو يوجه قومه ويُعلن البراءة منهم ومما يعبدون من دون الله، ويكفر بما يؤمنون هم به من دون الله ثم يعلن لهم العداوة والبغضاء أبداً حتى يتركوا ما هم عليه من الكفر والإلحاد ويعودوا لعبادة الله وحده.
إنها قمة التحدي للجاهلية بما نملك من إمكانيات وقوى وبما نملك من إيمان وقوة اعتقاد ولو كانت الجهة المقابلة: الكون بأسره.
فالذين يريدون الله واليوم الآخر ولا ينظرون إلى الدنيا إلا أنها جسر عبور للآخرة عليهم أن يتأسِّوا بهذا الرهط من الأنبياء والصالحين، وأن يوطِّنوا أنفسهم بما وطنوا هم أنفسهم عليه من تحملٍ لتبِعات العقيدة التي يحملونها بعد إعلانهم عنها بمفهومها الشامل، لأن الجاهلية لن تقف مكتوفة الأيدي عديمة الحركة. فها هي تجمع الحطب في زمن الخليل إبراهيم من أجل إجراقه. وها هي تتحرك في زمن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وتأتمر لقتله، وهي في كل زمان ومكان تتحرك من أجل القضاء على الثُّلّة المؤمنة التي تدعو البشرية لعبادة الله وتحكيم شريعته والكفر بما سواه.
ولكنها مهما عظمت ومهما كبرت ومهما جمعت من عُدَدٍ من أجل القضاء على المؤمنين فهي لا تدري أنها تواجه القدرة الربانية التي لا تتساوى معها في شيء والتي تتدخل في اللحظات الحرجة لنصرة عباد الله كما حصل مع الخليل إبراهيم - عليه السلام -:
{قالوا حَرِّقوه وانصروا آلهتَكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نارُ كوني برداً وسلاماً على إبراهيم * وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين} [الأنبياء: 68 ـ 70].
ومن أهم الإرشادات والتوجيهات في الآيات ما يلي:
1 ـ الجاهلية هي كل أمر حُكم فيه بغير ما أنزل الله وكل مجتمع ساد فيه غير حكم الله.
2 ـ البراءة من الجاهلية واجبة وهي عمل الأنبياء والصالحين وأتباعهم.
3 ـ على الدعاة العمل على تصحيح المفاهيم وتبيان فساد العقائد والمفاهيم الجاهلية أولاً.
4 ـ المجتمع الجاهلي لا يعني أن جميع أفراده على الجاهلية.
5 ـ الجاهلية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تبيان حقيقة أمرها وإظهار اعوجاجها.
6 ـ على الدعاة الصبر والثبات والثقة التامة بنصر الله مهما اشتدّت المِحَن وعَظُمَ التضييق والإيذاء.
http://itihad.org المصدر:
==============
تعريف الأنام بمقاصد الإسلام
الخطبة الأولى
أمّا بعد:
فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوَى الله - عز وجل - فبها يحصل المخرجُ مِن كلِّ ضيق والتيسيرُ من كلِّ أمر عسير.
معاشرَ المسلمين، إنّ الشريعةَ الإسلامية ومِن منطَلقِ حِرصها على إسعادِ البشريّة وتحقيق الخير والفلاح للخليقة قد جاءت أحكامُها لمقاصدَ عاليةٍ وتحقيق غايات فاضلةٍ وأهدافٍ سامية، تلكم هي المقاصدُ الشرعيّة التي هي علمٌ من علوم الشريعة، حظِيت من المحقِّقين باهتمامٍ بالغ وعناية فائقة، ذلكم أنّ أيّ تصرُّفٍ يتصرّفه المسلم مهما حسُنت النوايا يجب أن يكونَ متَّفِقا مع مقاصدِ الدين متمشِّيًا مع سنّة سيّد الأنبياء والمرسلين، حتى لا يهدم المرءُ إسلامَه من حيث لا يشعُر، ولا يُفسِد دينَه من حيث لا يعقِل، وحينئذٍ مَتى حصلتِ المخالفة لمقاصد الدين حصَل الضلال والإضلال والضررُ والفساد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في حَقّ الخوارج الذين خرَجوا على صحابةِ رسول الله: "وقلَّ من خرَج على ذي السُّلطان إلاّ وتولَّد على فِعله من الشرِّ أعظمُ ممّا تولَّد من الخير ـ إلى أن قال - رحمه الله -: ـ فما أقاموا دنيا، ولا أبقَوا دينًا" انتهى[1]، ويقول ابن القيم - رحمه الله - بعد أن قرّر مجيءَ الشريعةِ لمصالح العباد: "وهذا فصلٌ عظيمُ النفع جدًّا، وقع بسبَب الجهل به غلطٌ عظيم على الشريعة" انتهى[2].
وإنَّ أمّتنا وهي تعاني ما تعاني من الشدائدِ والمِحن لفي ضرورةٍ لتفهُّم المقاصد العامَّة لهذا الدين، وفي حاجةٍ ماسَّة لدراسة أهداف شريعة الإسلام والتعمُّق فيها والعَمَل على وقفها؛ لإصلاح المنهَج النظريّ العلميّ والمنهج العمليّ الاجتماعي التطبيقي، خاصّة شباب الإسلام الذين هم عِماد الأمة ومصدرُ قوّتها. نعم، إنَّ الواجبَ عليهم التبصُّر في مقاصد دينهم والوعيُ التامّ لها؛ ليتجنّبوا سوءَ المأخَذ وفساد الاستنتاج وقُبحَ الأعمال، وحتى تترقَّى مداركُهم وتظهرَ جهودُهم في أجمل المظاهرِ التي أرادها هذا الدين، ولتنبع أفعالهم من روحِ الإسلام وتنساق من مقاصِده وتوفِي بحاجات الدّعوةِ وتواكِب مقتضياتِ الزمان وتغيُّرات العصر.(16/71)
معاشرَ المسلمين، مقاصِدُ الشريعة ترجِع في أصلها وتعود في مُجمَلها إلى تحقيق القاعدةِ الكلّية الكُبرى: الحرصُ الشديد على جَلب المصالح وتكثيرها، والتأكيدُ البالِغ على دَرء المفاسد وتقليلها. ومِن هنا فالغاية الجامعةُ والمقصَد العامّ من التشريع في الإسلام بعد تحقيق العبُوديّة لله هو حِفظ نظامِ الأمّة واستدامةُ صلاحها بعمارةِ الأرض، وحِفظُ نظام التعايُش فيها، والحرصُ على حِفظ نظام العالمَ وضبطِ تصرُّفات الناسِ فيه على وجهٍ يعصِم من التفاسُد والتهالك، يقول - جل وعلا -: ((وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا)) [الأعراف: 56]، ويقول - سبحانه -:(( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)) [محمد: 22، 23]، ويقول - جل وعلا - ((وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)) [المائدة: 64].
إخوةَ الإسلام، من المقاصدِ العليا للإسلام في هذه الحياة إقامةُ العدلِ بشتَّى صُوَره وإشاعة الرحمةِ بين الخلق بأوسَع معانيها وتحقيقُ الإحسان في جميع مجالاته،(( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)) [النحل: 90]، ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) [الأنبياء107]، ((وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ))[البقرة: 83]، ونبينا يقول: (إنَّ الله كتَب الإحسانَ على كلِّ شيء)[3].
معاشرَ المسلمين، ومِن المقاصِد الكبرى لشريعة محمّد تلك الملقَّبة عند العلماءِ بالضروريات الخمس: حفظُ الدين والنفوس والأموال والعقول والأنسابِ، تلك الكلِّيات الخمس التي هي بمنزلةِ الثوابت المطَّردة والقِيَم الخالدة في هذا الدين، والتي بها قِوام حياة الإنسان وعليها مدارُ العمران، وبها انتظامُ الإسلام، لا يستقيم النظام باختلالها، ولا يهنأ عيشٌ بدون سلامتِها، بل إذا انخرمت تَؤول حالُ الأمّة إلى فسادٍ وتلاشٍ وضعفٍ وهوان، ونصوصُ الشريعة في مراعاةِ هذه الضروريّات أشهرُ من أن تُذكَر، وأبرز ما أن تُحصَر، ولذا ففي التطبيقاتِ العملية من سيِّد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام ومن خلفائه الراشدين ممّا هو متواترٌ وشيء ظاهر مشتهِر في مراعاتها والعمِل في وفقها:
إنَّ النبيَّ وهو في حالة الحرب مع الكفار الحربيِّين ينهى عن قتلِ النساء والصبيان ومن ليس مِن أهل القتال حِفظًا للنفوس من الإهدار والإفساد.
وهذا عمر الفاروق - رضي الله عنه - ينطلِق في نظراته من هذه المقاصد، يقول: (والذي نفسي بيده، ما يسرُّني أن تفتَحوا مدينةً فيها أربعةُ آلاف مقاتِل بتضييع رجلٍ مسلم) أخرجه سيعد بن منصور في سننه[4]، ونراه يكتب إلى عمّالِه كاتبًا لهم: (لا تستعمِلوا البراءَ بنَ مالك على جيشٍ من جيوش المسلمين؛ لأنّه كان شديدَ الجراءة، يقتحم المهالكَ بأمّة محمد)[5].
وها هم علماءُ الإسلام يقرِّرون انطلاقًا من القرآنِ والسنّة بأنّ الكفار الحربيِّين متى تترَّسوا بمسلمين ولو واحدًا أو تترَّسوا بذمّيِّين يعيشون في ديار الإسلام فلا يجوز رميُهم صيانةً للنفوس إلاّ في حالات ضرورة قصوى يقرّرها وليُّ أمر المسلمين، بل وهكذا الحكمُ عندهم لو تترّس الكفّار الحربيّون بنسائهم وأطفالهم حِفظًا من الشريعةِ للنفوس البشرية التي خلقها الله - جل وعلا - وما خلقه مكرَّمٌ كما قال: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)) [الإسراء: 70].
ومِن مقاصد الإسلام الحرصُ على درءِ كلِّ ما يعود على هذا الدين بالتنفير منه، ومَنع إظهار أيّ صورةٍ قد تكون سببًا للمَنع من دخول الناس في دين محمّد،(( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)) [الأنعام: 108]، والنبيّ قد كفّ عن قتلِ المنافقين في المدينةِ مع كونه مِن أعظم المصالح ذاك الوقت لئلاّ يكون ذريعةً إلى تنفير الناس عن دين الإسلام وقولهم: إنّ محمّدًا يقتل أصحابه.
قال العلماء: لأنّ مفسدةَ التنفير أكثرُ من مفسدةِ [ترك] المنافقين، ومصلحةُ التأليف أعظمُ من مصلحة القتل؛ ولذا ففي عالم اليوم تجد المتربِّصين للإسلام يتصيَّدون لكلِّ تصرُّفٍ يصدُر من أبناءِ الإسلام لينالوا من الإسلام وخصائصِه ونبيِّه، مع أنَّ تلك التصرُّفات لا تمتُّ للإسلام بصلة؛ كترويع الآمنين وسفك الدماء وتخريب العمران.
ومن مقاصدِ شريعة الإسلام تحقيقُ وَحدة المسلمين والتأليف بين قلوبهم وجمعُ كلمتهم ومنع كلِّ ذريعة للتفرُّق والاختلاف والتنازُع، قال ابن القيم: "وهذا مِن أعظمِ مقاصد الشَّرع، وقد سَدَّ الشرع الذريعةَ إلى ما يناقضه بكلّ طريق حتى في تسوية الصفِّ في الصلاةِ لئلاّ تختلفَ القلوب، وشواهدُ ذلك أكثر من أن تُذكَر" انتهى[6]، يقول الله - جل وعلا -: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا)) [آل عمران: 103]، ويقول - جل وعلا - ((وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)) [الأنفال: 46]، ونبيُّنا يقول فيما رواه مسلم: (من خرَج من الطاعة وفارقَ الجماعةَ فمات ماتَ ميتةً جاهلية)[7] والعياذ بالله.
ومن هنا حرص الأعداءُ بكلِّ طريقٍ على تعميق الهوَّة بين أفرادِ الأمة وبين علمائها وولاةِ أمورها، حتى يحصل الشرّ العظيمُ بالأمّة ويتحقّق للأعداءِ ما يريدون، لذا فالضرورةُ اليومَ داعيةٌ إلى التكامُل والتعاضد بين العلماء والحكّام والمجتمع ككلّ على منوالِ الشريعةِ لتحقيق المقاصدِ الشرعيّة والأهداف المرعية التي جاء بها سيِّد الخلق محمد.(16/72)
إخوةَ الإيمان، ومِن مقاصد شريعة الإسلام سدُّ الفِتَن وأبوابها ومنعُ الشرور وطُرُقها، يقول ابن القيم - رحمه الله - في تأصيل قاعدةِ سدّ الذرائع: "الوجه الثامن والتسعون: نهيُ النبيِّ عن قتال الأمراء والخروج على الأئمة وإن ظلموا أو جاروا ما أقاموا الصلاة، سدًّا لذريعة الفسادِ العظيم والشرِّ الكثير بقتالهم كما هو الواقع، فإنّه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم أضعافُ أضعافِ ما هم عليه، والأمّة في بقايا تلك الشرور إلى الآن" انتهى كلامه المتين[8]، ويقول أيضًا في النهي عن إنكار المنكَر إذا كان يلزم منه ما هو أنكرُ منه، يقول - رحمه الله - في كلام عليه نورٌ: "وهذا كالإنكارِ على الملوك والولاة بالخروج عليهم فإنّه أساسُ كلِّ شرٍّ وفتنة إلى آخر الدهر ـ إلى أن قال: ـ ومن تأمّل ما جرى على الإسلام في الفِتن الكبار والصِّغار رآها مِن إضاعةِ هذا الأصلِ وهو إنكار المنكر إذا كان يترتّب عليه ما هو أنكرُ منه، ومِن عدم الصبر على المنكَر، فيُطلَب إزالتُه، فيتولّدُ منه ما هو أكبر منه" انتهى[9].
وانطلاقًا من هذا المبدأ قرّر محقِّقو العلماء مبدأً مهِمًّا يجب أن يُفعَّلَ في واقع المسلمين، وهو قولهم: ليس كلُّ ما هو حقّ معلومٌ يجوز نشرُه ممّا يؤدّي إعلانُه إلى مفسدَة من فتنةٍ وفوضى وشرّ، قال الشاطبي - رحمه الله -: "ومنها ـ أي: العلوم ـ ما لا يُطلَب نشرُه بإطلاق وذلك ممّا يتضمَّن ضررًا محضًا" انتهى[10]، خاصةً عند العامّة وشباب الأمة ممّن قد يكون لبعضهم فتنةً لعدم وجودِ العلم الكافي لديهم وعدمِ الإدراك الكامل، وهذا منهَج معروف عند سلفِ هذه الأمّة، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (ما أنتَ بمحدِّث قومًا حديثًا لا تبلُغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)[11]، وهذا عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - في حادثةٍ يقول لعمر حينما أراد عمر - رضي الله عنه - التحذيرَ من النفَر الذين تكلَّموا في مسألةٍ من مسائل الإمامةِ وهو في موسم الحجّ، قال عبد الرحمن: (لا تفعَل، فإنّ الموسمَ يجمع رعاعَ الناس، ويغلبون على مجلسك ـ أي: يقترّبون منك ـ، فأخاف أن لا يُنزلوا مقالتَك على وجهها، وأن يُطيروها كلَّ مطير، وأمهِل ـ يا عمر ـ حتى تقدُم المدينة، فتخلصَ إلى أصحابِ رسول الله، فيحفظوا مقالتَك، وينزلوها على وجهها)، فوافقه عمر وهو الموفَّق الملهَم[12].
ومِن مقاصد الإسلام تحريرُ العقول من التقليدِ والتَّبعيّة المجرّدَة، تلك التبعيّةُ التي تستعبد الأفكارَ وتستأسر العقولَ من باب الإعجابِ بالآراء ليس إلاّ كيفَ كانت، وتنزيهها من الخطأ، وبالتالي تنعدِم عند المسلمين ملكةُ النقد، وتسود عقليةُ التسليم مهما كانت الآراءُ المتلقّاة لا تنهَض على حجَّةٍ ولا يقودها دليلٌ سوى العاطفة والحماس.
لذا حريٌّ بشبابِ الأمّةِ شبابِ محمّد أن يتّقوا الله - جل وعلا - في دينهم، وأن لا يأخذوا الفتاوى والآراءَ إلا من أهلِها أصحابِ الدّراية والروايةِ، وليحذَروا من تلك الشّبكاتِ العنكبوتية التي تبرز الغَثّ والسمين والصوابَ والخطأ، لا يُعلَم مصدرُها، ولا يوثَق بخبرها، والله - جل وعلا - يقول ((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) [النحل: 43]، وفي الحديث: (حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتَّخذ الناسُ رؤوسًا جهّالا، فأفتوا فضلّوا وأضلّوا)[13] عياذًا بالله.
معاشرَ المسلمين، استقراءُ الشريعة في أقوالها وتصرّفاتها حجّةٌ قاطعة بأنّ من مقاصدها العليا أن يوجَد للأمة ولاةٌ يسوسون مصالحها ويقيمون العدلَ وينفِّذون أحكامَ الله فيها، لذا كانت الولايةُ السلطانية من لوازم الشريعة، لئلاّ تكون في بعضِ الأوقات معطّلةً، يقول عليّ - رضي الله عنه - وهو من مدرسةِ محمّد: (إنّ الناسَ لا يُصلحهم إلا إمامٌ برّ أو فاجر)[14].
ومن هنا ألزمتِ الشريعةُ الحاكمَ بتقوى الله - عز وجل - في كلّ أموره، وبالسّعي في جلب مصالح الأمة ودرء المفاسد عنها، وأوجبت على الرعيّةِ طاعةَ الحاكم في غير معصية الله، وعدمَ الخروج أو الافتيات عليه، بل له في الشريعة الدعاءُ والنّصحُ الصادق برفقٍ ولُطفٍ، مع المعاونة له على الحقّ.
أيّها المسلمون، أمّةَ الإسلام، شبابَ الإسلام، ها هي بعضُ مقاصِد سيِّد الخلق ودين محمّد، حينئذٍ فكلّ عاقلٍ وكلُّ متبصِّر لا يشكّ أدنى شكٍّ أنّ هذه الأعمالَ الإجرامية التي وقعت في أماكنَ من بلاد الحرمين كحادثة الرياض ثم حوادثِ جدّة ثم ما وقع أخيرًا في مدينة ينبع كلُّها أعمالٌ شنيعة، جمعت من القبائح ما لا يُحصَى، ومن مخالفةِ أمر الله ورسوله ما لا يعَدُّ ولا يُحصَر. أعمالٌ لا تستقيم مع مقاصد الشريعة التي سمعنا بأيّ وجهٍ من الوجوه، بل هي مضادَّة لها، مصادِمةٌ لمُجملها وتفصيلها، بل إنّ هذه الأعمالَ وأمثالها لا تصبُّ إلا في وخدمِة أعداء الإسلام وتحقيق مصالحهم في ضرب الإسلام وأهله، ولذا فما فرِح أعداء الإسلام بمثل فرحتِهم بمثل هذه الأعمال، فيا خيبةَ من كان وسيلةً للأعداء وآلةً سهلةً لهم في هدم مقاصدِ الإسلام، والله - جل وعلا - يقول: ((وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) [النحل: 94].(16/73)
ولنستمع إلى النورِ من مشكاةِ النبوَّة، يقول: (من خرج مِن الطاعةِ وفارق الجماعة فمات ماتَ مِيتةً جاهلية، ومن قاتل تحتَ راية عمِّيَّة يغضَب لعصبيّة أو يدعو إلى عصبة أو ينصُر عصبةً فقُتل فقِتلة جاهلية، ومَن خرج على أمّتي يضربُ برّها وفاجرَها ولا يتحاشى من مؤمِنها ولا يفي لذي عَهدٍ عهدَه فليس مني ولستُ منه)) أخرجه مسلم[15].
وعن رفاعة بن شدّاد قال: كنتُ أقوم على رأس المختار، فلمّا تبيَّنتُ كذبَه ـ وهو الذي ادّعى النبوة ـ هممتُ ـ وأيم الله ـ أن أسلّ سيفي فأضربَ عنقَه، حتى ذكرتُ حديثًا حدّثناه عمرو بن الحمِق قال: سمعتُ النبيَّ يقول: (من أمَّن رجلاً على نفسِه فقتله أُعطِيَ لواء الغدر يومَ القيامة)[16].
نفعنا الله بما سمعنا، وبارك الله لنا في القرآن والسنّة، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبيّنا وسيدنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أذكِّر نفسي وإياكم بتقوى الله - عز وجل - فهي وصيّة الله للأوّلين والآخرين.
معاشرَ المسلمين، من مقاصدِ شريعة الإسلام التركيزُ على الفقهِ في الدّين ومداولةِ تعاليمه بعلمٍ شرعيٍّ فيه من الله برهانٌ مبين فالخير كلُّ الخير للأفرادِ والأمّة جميعًا بثُّ العلوم الشرعيّة والمعارف السُّنِّيّة، فرسولنا يقول: (من يُردِ الله به خيرًا يفقِّهه في الدين)[17].
والأمّة على مستوى آحادِها ومجتمعاتها ينبغي أن لا تصدُر ولا ترِد إلاّ بعلمٍ دقيق وفقهٍ ضليع في عباداتها وفي جميع شؤون حياتها، وذلك لا يكون إلاّ عن طريق التلقِّي من العلماء ذوي النظرِ السديد في فقه الشريعة والتمكُّن الدقيق في معرفةِ مقاصدها، مع الخبرة بمواضِع الحاجة في الأمّة والمقدِرة على إمدادِها بالمعالجة الشرعية لاستبقاءِ عظمتِها واستِرفاء خُروقها.
وحينئذ فقضايا الأمّة ومسائلُها النازلة لا ينبغي بأيّ حالٍ عَرضُها على الاجتهادات الفرديّة، بل لا بدّ من جمع مجامعَ علميّةٍ من أكابر علماء الإسلام، ليبسطوا بينهم حاجات الأمة، ويصدروا فيها عن وفاقٍ فيما يتعيَّن عملُ الأمة عليه، فكفانا وكفانا تفرّقًا واختلافًا.
فتحقيقُ مقاصد الشريعة التي هي أمانةٌ على كلّ فردٍ من أفراد الأمة، تحقيقُها على نحوٍ أكمل غيرُ ممكِن بدون استيعابٍ لواقع الأمّة السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ وتقديرٍ دقيقٍ لحاجاتها وإحاطةٍ شاملةٍ لعلاقاتها مع غيرها من الأمم، وذلك كلُّه لا سبيلَ إليه إلاّ بالدراية العلميّة المتخصِّصة الرصِيفة، والعمل الدؤوب في إطارٍ عملٍ جماعيّ مؤسَّسي.
قال أهل التحقيق من علماء الإسلام قديمًا: "ومعرفة المقاصد الشرعيّة المتعلِّقة بالأمّة توكَل إلى نظر علماء الأمة وولاةِ أمورها الأمناءِ على مصالحها أهلِ الحلِّ والعقد ليُعيّنوا لها الوصفَ الجدير بالاعتبار في أحد الأحوال دون غيره". يقول هذا القولَ قبلَ أكثرَ من سبعين سنة.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وممّا ينبغي أن يُعلَم أنَّ أسبابَ هذه الفتنة تكون مشتركةً، فيرد على القلوب من الوارداتِ ما يمنع القلوبَ من معرفةِ الحقّ وقصدِه" انتهى[18].
وحينئذٍ فلا مفرَّ من ذلك إلاّ بالعلم وعدَم الإقدام على ما يمسّ قضايا الأمّة إلاّ بالاجتهادات الاجتماعية لا المعارف الفردية.
عباد الله، خير ما نختم به حديثَنا صلاةٌ وسلامٌ على نبينا محمد.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
-------------------
[1] منهاج السنة النبوية (4/527-528).
[2] إعلام الموقعين (3/3).
[3] أخرجه مسلم في الصيد (1955) عن شداد بن أوس - رضي الله عنه -.
[4] أخرجه الشافعي في الأم (4/252)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9/42).
[5] أخرجه ابن سعد في الطبقات (7/16)، والحاكم في المستدرك (5271) عن محمد بن سيرين قال: كتب عمر بن الخطاب وذكره.
[6] إعلام الموقعين (3/145).
[7] صحيح مسلم: كتاب الإمارة (1848) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
[8] إعلام الموقعين (3/159).
[9] إعلام الموقعين (3/4).
[10] الموافقات (4/189).
[11] أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه.
[12] أخرجه البخاري في الاعتصام (7323).
[13] أخرجه البخاري في العلم (100)، ومسلم في العلم (2673) عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -.
[14] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/463).
[15] صحيح مسلم: كتاب الإمارة (1848) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
[16] أخرجه أحمد (5/223، 224، 436)، والنسائي في الكبرى (5/225)، وابن ماجه في الديات (2688)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2345)، والبزار (2306)، والطحاوي في شرح المشكل (1/77)، وقال البوصيري في الزوائد (3/136): "إسناده صحيح، رجاله ثقات"، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (440).
[17] أخرجه البخاري في العلم (71)، ومسلم في الزكاة (1037) عن معاوية - رضي الله عنه -.
[18] منهاج السنة (4/538).
18/3/1425
http://www.alminbar.net المصدر:
============
قواعد في منهج الدعوة إلى الخير
د.فريد الأنصاري
مقدمة:(16/74)
العمل الإسلامي أو الإصلاحي، أو الدعوي، في كل زمان وفي كل مكان، يقوم على أصل كلي في الإسلام، وكليته استقرائية ترجع إلى عدد كثير من النصوص القرآنية والسنية. ومن هنا قلَّما تجد حركة إسلامية، سواء في التاريخ القديم أو المعاصر، إلا وهي ترجع إليه، وتؤصل لوجودها به، وذلك هو «أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، إلا أن النظر في تحقيق مناط هذا الأصل، في ظروف الزمان والمكان، يجعلنا ملزمين بضبط توقيعه بقواعد منهجية، مشهورة عند العلماء، إن لم يحترمها الداعية صار إلى عكس المآل الذي وُضِع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجله. وهي:
القاعدة الأولى: في أن (الدعوية) صفة لازمة عن الإسلامية:
وهي قاعدة مبدئية؛ ولذلك فإننا ننطلق ابتداء من المقولة التالية: «أنت مسلم إذن أنت داعية».
وبيان ذلك كما يلي:
ألست مسلماً؟ إن كنت كذلك حقاً؛ فقد تعلقت بك أهم صفات ما انتسبت إليه من الإسلام: الرسالية. قال - صلى الله عليه وسلم - في أمر مطلق لكل الأمة: «بلِّغوا عني ولو آية»(1). ومن هنا كان المجتمع الإسلامي حركة دعوية بطبيعته، وجماعة إصلاحية بفطرته. إنه منذ أعلن أن محمداً رسول الله؛ تقلد ـ بمقتضى عقيدة الاتباع ـ مهمة الدعوة إلى الله، فليس عبثاً أن يحض النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ بكل وسائل التحريض والتشجيع ـ على الدعوة إلى الخير والهدى، كما في قوله: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم»(2).
ومن هنا شهادة الله بالخيرية لهذه الأمة، في قوله - تعالى -: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِوَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [آل عمران: 110]. إنها صفة عامة في كل من أسلم لله الواحد القهار. ومن هنا كان حديث تغيير المنكر دالاً على العموم، وليس له ما يقيده ـ في المأمورين به ـ إلا شرط الاستطاعة ورتبتها؛ وذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»(3). وقد بينا في كتيب (الفجور السياسي) مراتب التغيير، وطبيعة كل رتبة منها بما يغني عن تفصيله هنا، فكان أن بينا إلزامية ذلك على كل مسلم على قدر مرتبته من الاستطاعة(1). بل قد عزم النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك عزمة شديدة على المسلم؛ هي أن يتجرد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلما حضره. قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن الله - تعالى - ليسأل العبد يوم القيامة؛ حتى يسأله: ما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقن الله العبد حجته قال: يا رب! رجوتك وفرقت من الناس»(2).
فالمسلم المستقيم لا يمكن إلا أن يكون داعية إلى الخير. تلك صفته فرداً، وجماعة؛ إذ الرابط الاجتماعي القائم على الشهادتين في الإسلام يقتضي ذلك بداهة. قال - عز وجل -: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرحمهم الله إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71]، فجاءت صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المؤمنين، مقرونة بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله، وكل ذلك جاء نتيجة الموالاة في الله.
تلك صفتهم قبل التمكين في الأرض، وتلك صفتهم بعد التمكين؛ إذ الدعوة إلى الخير هي غاية ووسيلة في الوقت نفسه، تماماً كما تحدثنا عن الصلاة، فالمجتمع المسلم لا يقوم إلا بالدعوة إلى الله، قال - عز وجل -: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125]. وإذا قام كان من أهم خصائصه الدعوة إلى الله، إلى جانب الصلاة والزكاة على سبيل التلازم، فتدبر قوله - تعالى -: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41]، ومن هنا رسم الله سبيل الرسول - صلى الله عليه وسلم - صراطاً مستقيماً، يتبعه عليه كل المسلمين، قوامه الدعوة إلى الله على بصيرة؛ وهي سبيل ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، مستقرة كذلك أبداً، قال - تعالى -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
فقوله - تعالى -: {هَذِهِ سَبِيلِي} جملة اسمية دالة ـ كما هو معروف عند النحاة ـ على الثبات، وثباتها هو على ما جاء بعد لتفسير السياق: {أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} الآية. وجاء تفسيرها جملة فعلية للدلالة على الحركة، وفي ذلك إشارة إلى ما ذكرناه من خصيصة الدعوة اللازمة للجماعة الإسلامية، قبل التمكين وبعده، وأنها صفة تابعة لإسلام المسلم متى تفاعل مع إسلامه واستقام عليه.(16/75)
ومن هنا جاء أمر الدعوة والإصلاح مقروناً بالأمر بالصلاة، في غير ما آية من القرآن الكريم؛ وذلك على نحو ما في وصية لقمان الحكيم لابنه، في حكاية الله عنه من قوله - تعالى -: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17]، وقال ـ جل جلاله ـ في وصف جميل لمؤمني أهل الكتاب، تناسق فيه جمال تلاوة القرآن قياماً بالليل، مع جمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمسارعة في الخيرات: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ {113} يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ {114} وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 113 - 115].
وجعل من سننه ـ - تعالى - ـ في الخلق أن كان أمنهم الوجودي والنفسي والاجتماعي مرتبطاً باستقامة أحوالهم، وذلك الثبات على الصلاة، والصبر عليها، وحفظ البيئة الدينية الموفرة لظروفها؛ بالإصلاح والنهي عن الفساد. فإذا اختلت تلك الشروط اختل الأمن الوجودي للأمة، قال - تعالى - يعرض صورة شاملة لإحسان التدين: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {114} وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {115} فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ {116} وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 114 - 117].
القاعدة الثانية: في أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعوة إلى الخير أولاً:
والخير كل الخير هو معرفة الله، فكل معروف إنما كان كذلك من حيث هو يؤدي إلى معرفة الله أو هو عين معرفة الله، وكل منكر إنما كان كذلك من حيث هو جهل بالله. فإذا اتفق أن كان أمر بمعروف ما ينتج عنه منكر أكبر منه؛ توجه حينئذ وجوب ترك الأمر بذلك المعروف. وكذلك إذا كان نهي عن منكر ما يؤدي إلى ما هو أفظع منه؛ توجه وجوب ترك ذلك النهي إلى حين، كما قرره الإمام ابن تيمية - رحمه الله - في قوله: «وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة: فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيئات، أو تزاحمت؛ فإنه يجب ترجيح الراجح منها... فإن الأمر والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر؛ لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته»(1). وربما كانت الوسائل المستعملة في ذلك سيئة، أو اختيار العبارات غير موفق، أو نحو ذلك من وسائل تحقيق المناط الفاشلة ابتداء؛ مما لم يراع فيه الزمان وأهله، فيؤدي إلى عكس النتائج المرجوة.
ومن هنا كانت الآية المشهورة على ألسنة الدعاة: {لْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] من ألطف الإشارات إلى هذا المعنى العجيب الذي يجعل المرء يضع نصب عينيه تحقيق مفهوم (الخير) أولاً. فلا عبرة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن تحقق الداعي من أنه يخطئ به الوصول إلى الخير. وإنما الخير ـ كما قلنا ـ هو التعريف بالله. هذا معنى عظيم من أسرار كتاب الله.
ولذلك فقد جاءت الآية في سياق امتنان الله على المؤمنين بنعمة الإسلام، والتأليف بين قلوبهم، وإنقاذهم من النار، وإرجاع الفضل في كل ذلك إلى الله. فاقرأ السياق كله وتدبر، ثم أنصت إلى قلبك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ {102} وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {103} وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {104} وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {105} } [آل عمران: 102 - 105].
إنها آيات تُشَدُّ إليها رحال المصلحين الربانيين.. فتدبر! ألا ما أبعد واقعنا المنحط عن سمائها العالي الرفيع! فالدعوة إن لم تراع أصل الاعتصام بحبل الله، وعدم التفرق عنه، ولم تنضبط بقصد النجاة من النار، للداعي والمدعو سواء؛ كانت منحرفة عن (الخير)، وإن كانت في ظاهرها أمراً بمعروف ونهياً عن منكر، فلا قيمة لهذا إلا إذا صار إلى خير. فتدبر!
القاعدة الثالثة: في أن اتباع السنة تزكية وتعلماً وتحلماً هو مفتاح دعوة الخير:(16/76)
لا سبيل إلى كل ما ذكر من بلاغات قرآنية إلا عن طريق اتباع المبلغ: محمد بن عبد الله، رسول الله إلى العالمين. هذه عقيدة، بل أصل من أصولها الكبرى، وكلي من كلياتها العظمى، لا استقامة لشيء من ذلك كله إلا به. وإن شئت فقل: هذا هو البلاغ القرآني الجامع، والضابط الكلي المانع. قال الله - عز وجل -: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الحشر: 7]، وقال - سبحانه -: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {31} قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 31، 32]. والنصوص القطعية في هذا المعنى كثيرة، فهو أمر لا يماري فيه إلا جاهل بحقيقة الإسلام، أو من لا إيمان له به أصلاً.
فإذن؛ كل حديثنا ـ مما كان قبلُ ـ لا يمكن تحقيق مناطه، وتصور تطبيقه إلا من خلال السنة النبوية، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا واضح وضوح الآيات: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»(2). لا نقاش في هذا، وما هو بحاجة منا إلى تقرير أو تحرير، وإنما الحاجة في بيان طبيعة الاتباع للرسول - صلى الله عليه وسلم -: كيف؟ هذا الذي تخبط فيه كثير من الناس.
وهذا هو مربط الفرس، وبيت القصيد: كيف نتبع السنة؟ وكيف نتأسى بالرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ ذلك أن كثيراً من المتدينين اليوم يسيء للسنة من حيث هو يزعم أنه متبع للسنة، ويحارب السنة من حيث هو يظن أنه ينافح عن السنة. وتلك أم المصائب؛ إذ يصنع الإنسان عكس ما يعتقد أنه يصنعه. لقد اقتصر كثير منهم في السنّة على منهج التعلم دون التزكية والتحلم. فضلوا وأضلوا.. تدبر قول الله - عز وجل -: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } [آل عمران: 164]، وقوله - سبحانه وتعالى - : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } [الجمعة: 2]. فهو - صلى الله عليه وسلم - بتلاوته القرآن على المؤمنين، ومدارسته معهم؛ يقوم بعمليتين اثنتين لا واحدة: التزكية والتعليم، فاقرأ الآيتين وتدبر.. فعجباً، كيف فهم بعضهم من اتباع السنة والتأسي بها مجرد استظهار بعض الأحاديث دون الرحيل إلى أخلاقها، والتزكي بمقاصدها، والانتقال إلى منازلها؟!
أما التعليم: فهو للحلال والحرام وسائر أحكام القرآن وفقه السنة. وأما تعلم ما تحصل به الكفاية من ذلك لعبادة الله والالتزام بحدوده؛ فهو فرض عين على كل مسلم ومسلمة، في كل ما يهمه من شؤون العبادات والمعاملات.
وأما التزكية: فهي التطهير للنفس والتربية لها، {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 9، 10]، فالرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - كان حريصاً على تطهير صحابته من الأهواء، والارتقاء بهم عبر مدارج الإيمان إلى ما هو (أحسن عملاً)، من مثل قوله لعبد الله بن عمر: «نِعْم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل»(1).
وانظر ـ رحمك الله ـ كيف ذكر (التزكية) قبل (التعليم) في الآيتين، مع أنه لا تزكية بغير تعليم ابتداء، على ما ترجم له الإمام البخاري - رحمه الله - في كتاب العلم من صحيحه قال: «باب العلم قبل القول والعمل». وقد تقدم ذكر التعليم على التزكية ـ بناء على الأصل ـ في قوله - تعالى - من سورة البقرة: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } [البقرة: 129].
صحيح أن العطف بالواو في الآيات ـ كما هو في العربية ـ لا يفيد الترتيب، لكن التقديم والتأخير في البلاغة يفيد الأهمية؛ ومن هنا جاءت التزكية في الآيتين الأوليين مقدمة على التعليم؛ من باب ذكر المقاصد قبل الوسائل؛ لشرف الغاية وعلوها، وحتى لا يفتتن السائر بالوسيلة عن الغاية؛ فيضل عنها، ويكون من الخاسرين.
تقول لي: وما بال التحلم؟ أقول: ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - ما عَلَّم ولا زَكَّى إلا بحِلْم؛ فهو الخاصية العظمى لمنهج التعليم والتزكية لديه - صلى الله عليه وسلم -، كما سترى بحول الله.
والحِلْمُ: الرزانة، والكياسة، والرحمة، والأناة. وهو ضد الجهالة والسفه. والتَّحَلُّمُ: تخلق الحلم وتكلفه حتى يصير لك خلقاً، ومعنى (اتباع السنة تحلماً): التخلق بأخلاقه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك. أي في حلمه، وصبره على جهالة الناس، وسفههم. قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم. ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه»(2).(16/77)
إن الاتباع العام للرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل شيء، إنما مفتاحه في التحلم بحلمه. وهذا ـ من حيث المعنى ـ في كتاب الله، ألم تقل عائشة - رضي الله عنها -: «كان خلقه القرآن»(3)، فالعود إذن للقرآن نبحث فيه عن معنى الاتباع ومفهوم التأسي. الآية واضحة ظاهرة لكل ذي قلب شهيد، قال - تعالى -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وإنها لآية عظيمة، وحكمة بالغة، وصراط مستقيم؛ تدبر هذه العبارة الربانية: {أٍُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}؛ فأما الأسوة: فهي التَّخَلُّقُ. فالتأسي: اتباع السيرة والتخلق بما كان عليه المتأسَّى به من خلق عام. والخلق هنا هو كل الأوصاف التي كان يوصف بها في سلوكه وعمله، عدا الأوصاف الجبلِّية التي لا يمكن اكتسابها بالتأسي ولا بغيره. ووصف الأسوة بـ (الحسنة) دليل على علو شأن الخلق النبوي، وكمال سيرته وسلوكه العام والخاص، فهو لذلك كان أرقى نموذج بشري للتأسي والتخلق. أليس هو (رسول الله) المصنوع على عين الله، والمتأدب بأدب الله؟ بلى والله! فإذن من ها هنا يبدأ التأسي والاتباع، ومن أخطأ هذا المدخل للسنة النبوية فقد أخطأها كلها؛ إذ أتى البيوت من غير أبوابها.
وتلك شهادة الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، تلك هي الأسوة الحسنة؛ ولذلك قال بعد ذلك: {لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}؛ إذ الخلق الحسن هو باب العمل الصالح، وسبب قبوله؛ فليس عبثاً أن يصرح الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله العجيب: «ليس شيء أثقل في الميزان من الخلق الحسن»(4)، وقوله في نحو هذا أيضاً: «إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وإن حسن الخلق ليبلغ درجة الصوم والصلاة»(5)؛ ولذلك فإنه: «لا يكون المؤمن لعاناً» كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -(1)، وقال لعائشة أم المؤمنين إذ استغربَتْ منه أنه دارى أحد الناس ممن يكره: «يا عائشة! متى عهدتني فحاشاً؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره»(2). والقصة كما في صحيح البخاري أنه «استأذن رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة ـ أو ابن العشيرة ـ. فلما دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله، قلت الذي قلت، ثم ألنت له الكلام؟ » فقال لها - صلى الله عليه وسلم - ما قال.
قلت: هذا حديث تشد إليه رحال القلوب، {لٌمّن كّانّ لّهٍ قّلًبِ أّوً أّلًقّى پسَّمًعّ و هٍوّ شّهٌيدِ} [ق: 37]، وإنه والله سر حُسْنِ الأسوة، وجمالها في رسول الله، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة»(3)؛ ذلك خلق رسول الله، ذلك خلق القرآن، وهو قول الله - تعالى -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]، وقوله - تعالى -: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128]. ألا ما أحوج الناس اليوم عامة، والدعاة منهم خاصة إلى استيعاب هذا البلاغ القرآني العظيم. فتعلم من السنة أخي الداعية أخلاق النبوة تكن من الراشدين.
ذلك خلقه الجامع المانع؛ ومن هنا جعلنا عنوان هذا البلاغ الضابط لكل ما قبله: «اتباع السنة تزكية وتعلماً وتحلماً هو مفتاح دعوة الخير»؛ إذ النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث معلماً ومزكياً، وكان كل ذلك منه على منهج الحلم والرأفة والرحمة والأناة. فما أعظمه - صلى الله عليه وسلم - من نبي حليم، ورسول كريم!
القاعدة الرابعة: في أن الصلوات وحفظ الأوقات عمود الدعوة إلى الخير:
لو أدرك المسلمون اليوم ما معنى (الصلاة)؟ ما تركها واحد منهم إلا من أصر على ضلاله وعماه، أو كزّ على كفره وزندقته!
أما أنت أيها الداعية إلى الله؛ فاعلم أن السير الدعوي من غير مسلك الصلاة ضرب في التيه!
كل أعمالك في الجهاد، والدعوة إلى الله، وما تستكثره من حركات وسياسات راجع إلى مدى سلامة هذا الأصل عندك؛ قصداً، ووقتاً، وأداء. وإلا فعلى دينك السلام! {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39].(16/78)
إنك يا صاح! لن تذوق ما الإيمان وما الإسلام؛ حتى ترحل إلى الصلاة تكتشف أسرارها الممتدة إلى بحر الغيب المطلق؛ فترى عجباً.. فهي نتيجة فعلية لكل من تلا القرآن حق تلاوته، إنها أول ما يبادر إليه المحب أول ما يتذوق معنى المحبة؛ إذ يتعرف على جمال الله من خلال القرآن الكريم؛ ومن هنا أمره - عز وجل - بالصلاة؛ مباشرة بعد أمره - تعالى - بالتلاوة، على سبيل العطف المباشر المشعر بالتساوي بين الفعلين؛ مما يوحي بانعدام الفرق بينهما لما بين الاستجابتين من ارتباط وثيق. إن من تعرف على القرآن الكريم حقاً لا يملك إلا أن يصلي. قال - تعالى -: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
اعلم أن العلماء يجمعون على أن الوظيفة الوحيدة للإنسان في الكون هي عبادة الله. فكل حظوظه الدنيوية إنما هي منجرة بالتبع مع أصل العبادة، وإنما أتيح له أن ينال من حظه ما يعينه على وظيفته الأساس؛ وأصل ذلك ومستنده قوله - تعالى -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
إن خلاصة دين الإسلام عقيدةً وشريعةً: هي إخلاص العبادة لله الواحد القهار، والصلاة منه هي مفتاح كل شعيرة من شعائره، وروحها، وغايتها؛ زكاةً، وصياماً، وحجاً، وجهاداً... إلى آخر ما تفرع عن هذه وتلك من سائر أعمال البر. ولذلك كانت الصلوات الخمس ـ بعد الشهادتين ـ هي العنوان الجامع المانع لكل أعمال الإسلام؛ إذ كل ما سواها داخل في معناها، وليس عبثاً أن يعدَّها الرسول - صلى الله عليه وسلم - خير أعمال المسلم، قال - صلى الله عليه وسلم -: «سددوا وقاربوا ـ وفي رواية: «استقيموا ولن تحصوا» ـ واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة. ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن»(4).
ولقد فصلنا هذا في غير هذا المكان من كتبنا(5)، لكنا نقتصر ها هنا على ما يفيد السياق.
لقد جعل الله الصلاة هي آية المسلم، والعلامة الجميلة التي تميزه في مسيرة التاريخ النبوي، قبل القرآن وبعده، فهي الفصل الذي لا يعرف إلا به، والنور الذي لا يمشي إلا به، قال - عز وجل -: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الفتح: 29]، وإنما اكتسبوا صفتيهم الأوليين: الجهادية {َشِدَّاء عَلَى الْكُفَّار}، والخُلُقية: {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} من كونهم رهباناً بالليل؛ أي قوله: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} الآية؛ لأن ذلك هو المعين الصافي الذي يتزود منه المسلم الصادق المجاهد الداعية إلى الله؛ بصدق التوجه والسير؛ من حيث إن قوله - تعالى -: {ّتَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} فيه إشارة إلى أن ذلك هو دأبهم وحالهم المستمر في حركتهم التعبدية؛ إذ التعبير باسم الفاعل {رُكَّعًا سُجَّدًا} يوحي بصورة حية لقافلة المؤمنين وهم منخرطون في حركة الصلاة المتواترة، من غير فتور أو انقطاع، سيراً مستمراً حتى كان ذلك صفة ثابتة لهم، حيثما تراهم {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا}.
ولذلك كان تشبيه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ في حياة المسلم التعبدية بالنهر الجاري، قال: «أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من دَرَنِه شيء؟ قالوا: لا يبقى من دَرَنِه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا»(1).
إن الإسلام في نهاية المطاف هو الصلاة بالمعنى الذي سبق بيانه؛ وعلى هذا الوزن تُقَوّم أعماله كلها يوم القيامة، وعلى ذلك يتحدد مصيره الأخير..! قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الحاكم الحاسم: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة؛ فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر! وإن انتقص من فريضة قال الرب: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك»(2).
وأوضح من هذا دلالة على ما نحن فيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله»(3)، فليس عبثاً إذن أن قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة في مراتب أعمال ابن آدم على سبيل ترتيب الأولويات: «أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله»(4). إن الأمر يا صاح جدّ!(16/79)
وما بقي لمسلم تَرَك الصلاةَ من إيمانه إلا ما لا يخلده في النار، لا ما ينقذه منها بإطلاق. قال - صلى الله عليه وسلم -: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»(5)، وقال أيضاً: «بين الكفر والإيمان ترك الصلاة»(6)، ومثله قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة فإذا تركها فقد أشرك»(7). وهذه الأحاديث وما في معناها تقتضي أن المسلم التارك لصلاته قد شابه الكفار في صفاتهم، فكفر عملاً وإن أسلم عقيدة؛ لأن المسلم إنما يتميز بصفة الصلاة التي هي عنوان إسلامه ـ كما بيناه قبل ـ فمن فقد عنوانه فَقَدَ هويته.
ولنعد إلى جمال القرآن الكريم؛ ذلك أن الله - تعالى - إذ يصف جمال المؤمنين يذكر الصلاة باعتبارها أول وسام نوري ـ بعد الإيمان ـ يشع من قلوبهم، وهو أمر يكاد يكون مطرداً في كل آي القرآن العظيم، يقول المولى الكريم في أول سورة البقرة: {الم {1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [البقرة: 1 - 3]، ومن أجمل ما ورد في ذلك فاتحة سورة (المؤمنون)؛ إذ جعل الله أول صفاتهم الخشوع في الصلاة وآخرها المحافظة على الصلاة. وكل أعمال الصلاة من فعل الخيرات وترك المنكرات جعلها فيما بينهما؛ فاقرأ وتدبر.. واحفظها واحدة واحدة: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {7} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ {8} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {9} أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ {10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 1 - 11].
فالخير كله فاتحته الصلاة، والخير كله خاتمته الصلاة. والخير كله غايته الصلاة، والخير كله وسيلته الصلاة.
ومن أعجب العجب أن ألزم الله ـ جل جلاله ـ المسلمين بالصلاة إلزاماً؛ حتى في أحرج الظروف وأخطرها: الحرب.. قال ـ جل جلاله ـ: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ {238} فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 238، 239].
فقوله - سبحانه -: {فّإنً خٌفًتٍمً} يعني في حال الحرب وانعدام السلم والأمن، سواء لحظة الاشتباك أو لحظة الترقب. وقوله: {فّرٌجّالاْ أّوً رٍكًبّانْا} أي فصلوا (صلاة الخوف) باصطلاح الفقهاء. وهي عندهم: الصلوات الخمس إذ تؤدى في ظروف الحرب. فتؤدى {رٌجّالاْ}، أي: على أرجلكم، أو {رٍكًبّانْا}، أي: راكبين خيولكم أو دباباتكم. وقد فصَّل الفقهاء، والمفسرون، وشراح الحديث صور صلاة الخوف وأشكالها؛ بناء على قوله - تعالى -: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا {102} فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا }. [النساء: 102، 103].
ولصلاة الخوف صور كثيرة معروفة في كتب السنن وكتب الفقه. وإنما الغاية عندنا ها هنا العبرة من الأحكام لا نفس الأحكام؛ وذلك أن الله - عز وجل - طلب من المسلم الصلاة على كل حال ما دام عقله سليماً، لا ينقصه جنون أو إغماء أو ما في معناهما.
وأحب ها هنا ـ وأرجو أن تصبر علي قليلاً ـ لتعرف حجم هذه الفريضة التي ضيعها كثير من الناس اليوم، ولتعرف حجم الخسارة الواقعة بما ضيعوا؛ أن أعرض لبعض الفقه في صلاة الخوف، ليس لذات الفقه، ولكن لبيان خطورة هذه العبادة في الدين، ومقامها عند رب العالمين. جاء في حاشية السندي على النسائي: «قال النووي: روى أبو داود وغيره وجوهاً في صلاة الخوف يبلغ مجموعها ستة عشر وجهاً. وقال الخطابي: صلاة الخوف أنواع، صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أيام مختلفة، وأشكال متباينة، يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة، وأبلغ في الحراسة، وهي على اختلاف صورها متفقة المعنى. قال الإمام أحمد: أحاديث صلاة الخوف صحاح كلها، ويجوز أن تكون كلها في مرات مختلفة، على حسب شدة الخوف، ومن صلى بصفة منها فلا حرج عليه»(1).(16/80)
ومن أحرج الوجوه في صلاة الخوف ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ، فوازينا العدو، فصاففنا لهم، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي لنا، فقامت طائفة معه تصلي، وأقبلت طائفة على العدو،، وركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن معه، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل، فجاؤوا فركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم ركعة، وسجد سجدتين، ثم سلم، فقام كل واحد منهم، فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين»(2). ومن ذلك ما رواه البخاري أيضاً؛ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «قام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام الناس معه فكبر وكبروا معه، وركع وركع ناس منهم، ثم سجد وسجدوا معه، ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه، والناس كلهم في صلاة، لكن يحرس بعضهم بعضاً»(3).
ولعل أحرج صورها على الإطلاق أن يصليها كل واحد لنفسه ركعة واحدة بالإيماء؛ وذلك أنه إذا اشتد الخوف، كما هو الحال عند المسايفة، ونحوها من الاشتباك في القتال، يصلي كل واحد لنفسه ركعة واحدة، راكباً أو راجلاً، مقبلاً ومدبراً. قال القرطبي في تفسيره: «واختلفوا في صلاة الخوف عند التحام الحرب، وشدة القتال، وخيف خروج الوقت، فقال مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وعامة العلماء: يصلي كيفما أمكن؛ لقول ابن عمر: «فإن كان خوف أكثر من ذلك فيصلي راكباً أو قائماً يومئ إيماء». قال في الموطأ: مستقبل القبلة وغير مستقبلها»(4)، وهذه من عجيب صورها. فانظر ـ رحمك الله ـ هل يبلغ شيء من أعذار الناس اليوم ما ذكره العلماء من الشدة والحرج في القتال، ولم يروا مع ذلك رخصة في تركها، أو تأخيرها عن وقتها؟
فعجيب أمر هذه العبادة العظمى.. لا تبرأ ذمة المسلم منها حتى يؤديها. وقد جاء تأكيد ربطها بالوقت في ظروف الحرب كما قرأت؛ حتى لا يؤخرها مسلم عن وقتها الذي فرضها الله فيه. فالحرب، بل الاشتباك في المعركة؛ أي ما يسمى عندهم بـ (المسايفة)، ليس عذراً لتأخير الصلاة عن وقتها، بله أن يكون عذراً لتركها. وإنما هو يؤثر فقط في شكل أدائها لا في إسقاطها، أو إخراجها عن وقتها. صلّ على أي حال كنت، وخذ حذرك؛ {إنَّ پصَّلاةّ كّانّتً عّلّى پًمٍؤًمٌنٌينّ كٌتّابْا مَّوًقٍوتْا} [النساء: 103]، في السلم وفي الحرب سواء.
فإلى الذين يرابطون في أسواق التجارات، أو يرابطون في أسواق السياسات والنقابات، ويفرطون ـ أو يتكاسلون ـ في أداء الصلوات، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً؛ إليكم المفهوم النبوي للرباط!.. قال - صلى الله عليه وسلم - في سياق التنبيه والترشيد: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟! إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة.. فذلكم الرباط! فذلكم الرباط! فذلكم الرباط! »(1). إنه تفسير نبوي لقول الله - تعالى - في محكم البلاغ القرآني: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ {36} رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ {37} لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } [النور: 36 - 38].
يا حسرة على العباد!.. لو يدركون ما هذه الصلوات؟.. ويا حسرة ثم يا حسرة! على نابتة من أبناء الحركات الإسلامية، تعددت بهم السبل من هنا وهناك، وتفرقت بهم الأهواء، وانغمسوا في التيه من كل صوب، وأضاعوا هذه الصلوات، خشوعها ومواقيتها وجمالها؛ فصدق عليهم قوله - تعالى -: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]. وإن للسياسة والرياسة لشهوة لو كنتم تعقلون، وإن لأشعة الإعلام وزينة الكاميرات لشهوة لو كنتم تتفكرون، تلك آية فاصلة بين نوعين من الأجيال، بينهما ما بين النور والنار من دلالة، فللآية رهبة عظيمة لو تدبرتها، اقرأها! ها هي ذي كاملة، فتدبر: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا {58} فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {59} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم: 58 - 60].
فتدبر.. ثم تدبر عسى أن تدرك بذوقك ما هذه الصلوات في الإسلام، وتركب أوقاتها؛ لتدور بفلك العابدين سيراً إلى الله العلي الكبير. فالصلاة هي العبادة التي تدخل من خلالها إلى نسق الكون، في صحبة الكائنات السائرات من النباتات إلى المجرات، لا فوضى ولا عصيان ولا تمرد، {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].. فأين أنت من المدار؟
ذلك نص البلاغ النبوي المستمد من وحي الله رب العالمين.. فاختر لنفسك ما ينجيها إن كنت من العاقلين!(16/81)
القاعدة الخامسة: في اعتماد مجالس القرآن:
نسمي «مجالس القرآن» مساهمة في تصحيح ما انحرفت إليه بعض الحركات الإسلامية؛ حيث تحولت مجالسهم التربوية إلى اعتماد كتاب فلان أو علان من التآليف الفكرية البشرية منهاجاً للدين والتدين. وهذا خطر كبير قد بيناه من قبل(2)؛ إذ بسببه يصيب الدعوات ما يصيبها من أنانية، وذاتية، وشركية نفسية في كثير من الأحيان، إن التربية الدعوية لا يمكن أن تستقيم على التوحيد الاعتقادي والعملي والوجداني إلا بالتعلق المصدري بكتاب الله وسنة رسول الله في المجال التربوي، بالنسبة للمربي والمتربي سواء.
وقد تبين مما سبق أن عملنا يقوم على منهج واضح وبسيط: الاعتصام بالقرآن آية آية؛ مصدراً أول للتدين، والدعوة إليه، وبالشمائل المحمدية نموذجاً أعلى للتطبيق. فهو قسمان. وبيان ذلك كما يلي:
القسم الأول: اُسْلُكْ نفسَكَ وصاحبك في مجلس من (مجالس القرآن)، وسرْ من خلالها إلى الله. لا تهتم كثيراً في ـ هذا الشأن خاصة ـ بالتنظيمات والجماعات، فما نحن فيه أعم ـ من وجه ـ بكثير مما هي فيه. وهما أمران لا يتعارضان. لك أن تنتظم فيما شئت منها، ما دام فضلها يغلب على نقصها. ولكن لا تنس (مجالس القرآن) فذلك منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلقين صحابته صفات الصلاح، ومقومات الإصلاح. تعلم من القرآن مباشرة دعوة الخير: (يدعون إلى الخير).
تتبع منهج القرآن كما عرضه القرآن: التلاوة، والتعلم والتعليم، والدراسة والتدارس، ثم التدبر. فاجعل مجلسك القرآني على هذه الفقرات الأربع. وبيانها كما يلي:
1 - فأما التلاوة: فبركة وزكاة في نفسها، فقد ثبت الأجر ـ كما بيناه قبل ـ على كل حرف تتلوه من القرآن؛ فلا تنس هذا. والله - عز وجل - أمر بالتلاوة للقرآن في غير ما آية، قال ـ - عز وجل - ـ: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا } [الكهف: 27]، وقال - سبحانه -: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [فاطر: 29].
وقال: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113]، وقال - تعالى -: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا اْ} [المزمل: 4]، ثم قال: {ففَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]. وفي الحديث الصحيح: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه ويتعتع فيه، وهو عليه شاق؛ له أجران»(3). فاقرأ كما استطعت؛ وتعلم كي تتزكى. فقد رأيت أن التلاوة بدء فعله - صلى الله عليه وسلم - من التزكية والتعليم، كما مر في قوله - تعالى -: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: 164].
2 - وأما التعلم والتعليم: فهو لأحكامه كما ذكرنا. وهو يكون بتحصيل العلم للنفس وتلقينه للغير؛ وذلك لقول الله - تعالى -: {وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79]. فقد قُرِئَتْ (تَعْلَمُون) و (تُعَلِّمُونَ) فهي عملية مزدوجة، الجمع بين شقيها أوْلى: التعلم والتعليم. وأقل ذلك يا صاح! أن تكون أحَدَهما: معلماً أو متعلماً. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالماً أو متعلماً»(1)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً؛ ولكن بعثني معلماً ميسراً»(2).
3 - وأما الدراسة والتدارس: فهو تتبع وجوه المعاني والدلالات للمقاصد والغايات، من كل آية وسورة. ويجمع الثانية والثالثة مما ذكرنا من قوله - تعالى - : {وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79]، ويجمع المراحل الثلاث كلها ما جاء عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: «جاء ناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا أن ابعث معنا رجالاً يعلمونا القرآن والسنة. فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار يقال لهم القراء، فيهم خالي حرام، يقرؤون القرآن، ويتدارسون بالليل يتعلمون»... الحديث(3). فالتدارس هو أساس التعلم كما في هذا الحديث؛ إذ لا علم إلا به، فأنت تبحث عن وجوه المعاني وتتدارسها؛ لتتعلم أحكامها ومقاصدها. وذكر التدارس أيضاً في الحديث المشهور من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه»(4).
4 - وأما التدبر: فهو ـ كما سبق بيانه ـ أنك إذ تقرأ الآيات، وتدرس، وتتعلم؛ تنظر إلى مآلاتها، وعواقبها في النفس وفي المجتمع؛ فتكتسب بذلك من الصفات الإيمانية ما يعمر قلبك، ويثبت قدمك في طريق المعرفة الربانية، ونحو ذلك من المعاني؛ مما فصلناه قبل في محله، فلا حاجة لتكراره.
ذلك كله هو أساس التزكية، ومقياس التصفية، ومنهاج التربية، وسلم العروج إلى رضى الرحمن، فاقرأ القرآن، وتدارس، وتعلم، وتدبر... حتى يأتيك اليقين.(16/82)
فاصبر على هذا المنهج؛ فإن كل آية تسلمك إلى الأخرى، وتفتح لك باب أسرارها وأنوارها. فتتبع مسالك النور حتى تصل إن شاء الله.
ذلك هو الاعتصام بكتاب الله، وأما الاعتصام بالشمائل المحمدية نموذجاً أعلى للتطبيق؛ فهو:
القسم الثاني: وهو أن تتبع معالم سَيْرِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل ذلك، وهي مبثوثة في كل كتب السنة وعلومها؛ إلا أن أجمع علوم السنة الموضوعة لبيان هذا المنهج؛ هو (علم الشمائل المحمدية): وهو علم يبحث في صفات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخِلْقية والخُلُقِية، وكيفية سيرته مع ربه، وسيرته في نفسه، وفي أهله، وفي أصحابه والناس أجمعين. وإن ذلك لهو القرآن كله مطبقاً، والإسلام كله حيا متحركاً، فادرس من الكتب في ذلك ما شئت ولا حرج، أو اجمع نصوصه من حيثما شئت ولا حرج، وإنما الشرط أن تتحرى الصحة في الخبر. ويكمل بذلك ما أردناه من معنى: (مجالس القرآن) التي كانت هي مجالس الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين.
خاتمة:
ذلك هو المنهج التطبيقي البسيط والفعال للوصول إلى مقاصد البلاغ الرباني، وإيصالها إلى كل إنسان؛ معرفة وذوقاً. فاهتم بالقرآن والسنة، اهتم بترتيل أحكامهم على نفسك وعلى أهلك، ثم على من حواليك من الناس، واسع من أقصى المدينة إلى أقصاها؛ لتذكير المسلمين وغيرهم ببلاغات القرآن.. أعني الأصول الكبرى للدين، اعتقاداً وعملاً، كما بينا وشرحنا، اُطْرُقْ أبواب القلوب، وخاطب فطرتها؛ تجد الأسماع مصغية، والأفئدة واعية؛ عسى أن يجعل الله لك القبول في الأرض والقبول في السماء؛ فتكون إن شاء الله من الصالحين.
---------
(1) رواه البخاري.
(2) متفق عليه.
(3) رواه مسلم.
(1) الفجور السياسي: انظر: ذلك مفصلاً في المقدمة الرابعة من الكتاب: 27 إلى 36، منشورات الفرقان، الدار البيضاء.
(2) رواه أحمد، وابن ماجه، وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، رقم 1818.
(1) كتاب الاستقامة، 2/ 218، ومجموع الفتاوى، 28/129. (2) رواه مسلم.
(1) متفق عليه.
(2) رواه الدارقطني في الأفراد عن أبي هريرة، ورواه الخطيب البغدادي عنه، وعن أبي الدرداء، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير، 2328.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه أحمد، وأبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، 5390، 5721. (5) رواه البزار بسند صحيح، صحيح الجامع الصغير، 1578.
(1) رواه الترمذي، وصححه صاحب صحيح الجامع الصغير، 7774.
(2) متفق عليه.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه أحمد وابن ماجه، وابن حبان والحاكم، والدارمي والبزار، والبيهقي والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، رقم 952.
(5) انظر: كتابنا: قناديل الصلاة. منشورات التجديد، الدار البيضاء.
(1) متفق عليه.
(2) رواه الترمذي والنسائي، وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، 2020.
(3) رواه الطبراني في الأوسط، والضياء عن أنس، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، 2573.
(4) متفق عليه.
(5) رواه مسلم.
(6) رواه الترمذي بسند صحيح، انظر: صحيح الجامع الصغير، 2849.
(7) رواه ابن ماجه بسند صحيح، انظر: صحيح الجامع الصغير، 5388.
(1) حاشية السندي على النسائي، 3/168.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه البخاري.
(4) تفسير القرطبي، 5/369.
(1) رواه مسلم.
(2) انظر: التوحيد والوساطة في التربية الدعوية للكاتب، الجزء الأول، نشر وزارة الأوقاف القطرية ضمن سلسلة كتاب الأمة.
(3) متفق عليه.
(1) رواه الترمذي وابن ماجه بسند حسن، كما في صحيح الجامع الصغير، 1609.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه مسلم.
صفر 1423 هـ - أبريل- مايو 2002 م
http://albayan-magazine.com المصدر:
============
وواجبك أيضا يا أخي
بدأت المرأةُ المسلمة مسيرتَها في الدعوة إلى الله، شأنُها في ذلك شأن الطفل في أُولى خطواته: لديها الطموح والأمل والاندفاع، ومع هذا كله... لا بد من التعثّر. وإن من تلك العثرات ما هو طبيعي ومُتوقَّع وذلك لقلّة باع المرأة في هذا المضمار؛ ولكنْ أن تكون تلك العثرات بفعل فاعل، فهذا ما يؤسَف له لا سيّما إذا كان الفاعلُ هو الزوج!! يأتي الأخ طالباً لمن ستصبح سكناً له ويصبح هو سكناً لها، مشترطاً ـ بورِكَ فيه ـ التقوى ومكارمَ الأخلاق والارتباط بالدعوة إلى الله؛ وقد يقع اختياره على واحدةٍ من أنشط الداعيات، أو على الأقل واحدة ممن تتوسّم الدعوة فيهنّ خيراً بالنسبة لفهمها الإسلامي واستقامتها ونشاطها الدعوي. وتمضي الأيام، وتبدأ عزيمةُ هذه الأخت بالتراخي وهِمّتُها بالتراجع، وتبدأ بالتخلّف عن مواعيد كثيرة. وإذا سُئلت عن سبب تخلفّها تقول: منعني زوجي من الخروج في هذا الطقس الممطر، أو تقول: منعني زوجي من السير منفردة على الطريق خوفاً عليّ وكان مشغولاً فلم يستطع مرافقتي. وقد تقول ـ بعد الإنجاب ـ: يخاف زوجي على طفلي كثيراً وأشترط أن لا أسير به في الشارع، فأنا بحاجة لمن يُوصلني بالسيارة. وتقول أخرى: أصابني زكام فأمرني زوجي بعدم الخروج من المنزل. وتعتذر أخرى قائلة: لقد حظّر عليّ زوجي الخروج من المنزل أكثر من مرة في الأسبوع. وعلى هذا المنوال... تكثر الأقاويل والاعتذارات ورمي الاتهامات على الزوج.
وما هذا الذي ذكرناه إلا غيض من فيض!!
وبكل حسرة وأسى، وبألم جامح يعتصر أفئدتنا، نسألك يا أخي: لماذا؟
أَلأَنَّك تستكثر على المرأة ـ بسبب مفهوم خاطىء لديك ـ أن يكون لها دور في العمل الإسلامي والدعوة إلى الله - تعالى - أم لأنك تستلذّ بتطبيق حقك في القِوامة على زوجتك، فتأسُرُها متى تريد وتُطْلِقُها حين يحلو لك؟
أم هي أنانيّتك؟(16/83)
إن إقدامك على الزواج من امرأة ملتزمة بدعوة إسلامية هو دليل اقتناعك بالعمل النسائي الإسلامي، إذن فقد سقط الأمر الأول من الحسبان. وإذا كان الأمر الثاني هو السبب، فلا تجعل يا أخي قوامتك على زوجتك حَجَرَ عَثْرة في طريق نهضتها لنشر الإسلام فتأثم بذلك؛ لأن عمل المرأة في الدعوة إلى الله في يومنا هذا واجب شرعي، كما قد علمت من افتتاحية العدد السابق (وبالمناسبة هنا فإنّ من المفيد جداً قراءة الكتيِّب النافع "دور المرأة في العمل الإسلاميّ" للداعية الشيخ فيصل مولوي حفطه الله في شأن هذا الواجب). ويغلب على الظنّ أن تكون أنانيّتُك هي الدافعة لاصطناع مثل هذه الموانع السطحية. فأنت حين ترجع من عملك، تحب أن تستقبلك زوجتُك بابتسامتها الناعمة التي ربما تُنسيك تعب النهار، وتحب أن تجد الطعامَ الشهيّ حاضراً، والبيت مرتَّباً، والأولادَ هادئين وعلى أحسن حال، وهذا بلا أدنى شك من حقك. ولكن ينبغي أن تعلم بأن القيام بالواجب والنهوض بالأمة من كبوتها وتخلّفها والرقيّ بحال المرأة المسلمة لا يكون إلا بالتضحية وعلى حساب شيء من راحتك ورفاهيّتك. نعم، على الأخت الزوجة بحكمتها وهِمّتها أن توفِّق بين بيتها وبين مشاركتها في العمل الإسلامي ودعوتها لهذا الدين. والملاحظ فعلياً أن المرأة الداعية إلى الله ـ إن كانت منظَّمة وصاحبة همّة ـ تحافظ دائماً على نظافة بيتها وترتيبه ونظافة أولادها، كما تحافظ على حُسْن تبعّلها لزوجها، وربما أكثر بكثير من اعتناء سائر النساء بذلك؛ وذلك بفضل الله، وبحسن توكّلها على الله.
وكما أن لكل حالة ما يُستثنى منها، فإن المرأة الداعية قد تتخلّى أحياناً ـ مضطرّة ـ عن القيام بكامل واجباتها تجاه زوجها لانشغالها بالدعوة، وفي هذه الحالة لا تنسَ يا أخي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكون في مهنة أهله إذا دخل بيته، ولا تنسَ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم خيركم لأهله".
تذكّر يا أخي أن المرأة اليوم عادت لتظهر على ساحة العمل الإسلامي بعد غياب طويل، فهي في بداية طريقها، وهي إذن في أشدّ الحاجة لمساعدتك ومساندتك وتشجيعك لكي تخوض غمار الدعوة إلى الله وتكتسب الخبرة اللازمة حتى تستطيع أن تنطلق في دعوتها بخُطاً ثابتةٍ واثقةٍ. وإن هذا الأمر يفرض على المرأة الخروج من منزلها ـ من أجل واجبها الشرعي وفي حدود مرضاة الله - تعالى - مما يستلزمُ التضحية بالوقت والجهد والمال والراحة، ويفرض عليك يا أخي أن تأذن لزوجتك ـ بل وتدفعها دفعاً إذا وجدتَها متخاذلة ـ بالإسهام بدورها في بناء المجتمع النسائي المسلم، وأن تضحّي براحتك ما دام ذلك في سبيل مرضاة الله - تعالى -. واعلم أن هذه ليست صدقة تتصدّق بها على زوجتك أو على الدعوة بل هي أمانة أنتَ مسؤول عنها ولا تتمكّن زوجتُك من أدائها والقيام بحقِّها إلا بإذنك.
وفي الحقيقة إن موقفك، أيها الأخ، من هذه القضية ينجلي بعدة أسئلة تطرحها بينك وبين نفسك وتُجيب عليها بصدق وصراحة:
هل للإسلام من همّي ونفسي ووقتي المقام الأول؟
هل يمكن بناء أمة الإسلام وإقامة حضارته بالرجل دون المرأة؟
وهل يمكن لزوجتي وبناتي المشاركة في العمل النسائي الإسلامي إذا لم أسمح لهن أو لم أساعدهنّ بشتى الوسائل ولم أبذل راحتي ومالي ووقتي في سبيل ذلك؟.
أخي المسلم، إن الدعوة إلى الله متى كانت هدف الزوجين، أمكن التفاهم بينهما وأصبح التوفيق بين الواجبات المتزاحمة ميسوراً بالتعاون. فاذكر قول الله - تعالى -: {وتعاونوا على البرّ والتقوى} وتضرّع إليه بقوله - عز وجل -: {ربَّنا أفرِغْ علينا صبراً وثبّت أقدامَنا وانصرنا على القوم الكافرين}.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
http://itihad.org المصدر:
=============
ما هي الوهابية ؟
محمد صالح المنجد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن نعمة الله - تعالى - على هذه الأمة، ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأسِ كل مائة سنة من يجدد لها دينها)) رواه أبو داود، وهو حديث صحيح.
إحياء ما ذهب من العمل بالكتاب والسنة، إحياء السنن التي ماتت بإظهار البدع والمحدثات، فيرزق الله من هذه الأمة جبالاً يجددون لها ما اندرس من دينها؛ فلله دَرُهم في الإمامة والحكم، ولله دَرُهم في العلم والتعليم، ولله دَرُهم في ساحات الوغى والجهاد.
عمر بن عبد العزيز والشافعي وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم، ولا يلزم أن يكون المجدد واحداً؛ بل قد يكونون جماعة كل يجدد في جانب من جوانب الدين.
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل أُمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره)) حديث حسن بطرقه؛ فالخير باقي في هذه الأمة إلى يوم القيامة.
وهكذا لما غلب الجهل على الناس، وكان الشرك عاماً عليهم في هذه الجزيرة، بعث الله - سبحانه وتعالى- الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، فجدد الله به الدين، وجلى به التوحيد، بعد أن ران الشرك على الكثيرين، وبيّن الله به السنة بعد أن انتشرت البدع، وأحياء الله به العلم، بعد أن عم الجهل، ورفع الله به لواء الجهاد في سبيله، بعد أن تركت تلك الفريضة، وصارت حروب الناس تقاتلاً بينهم، ونهباً للأموالِ وسلباً وحرباً، وجهلاً وظلماً، واعتداءً.
عباد الله:(16/84)
ولما كان هذا المجدد ممن نفع الله به العالم، كالوا له أي: أعداء الإسلام- الاتهامات من كل جانب وشوهوا صورته، ولا يزالون يفعلون ذلك، ويبتلي الله المصلحين في وقتهم وبعد وقتهم بما يزيد حسناتهم ويرفع درجاتهم من هؤلاء المعتدين الذين يلغون في أعراضهم، يبتلي الله المصلحين بمن يتهمهم بالباطل ليرفع الله شأن هؤلاء المصلحين.
وهكذا إذا رأيت أعداء الله يتكلمون اليوم في الوهابية؛ فأعلم أنها تقض مضجعهم، وأنها تسبب لهم أرقاً؛ فهل هناك شيء اسمه الوهابية؟!!
الوهابية نسبة إلى ماذا؟!
أليست نسبة إلى اسم الله الوهاب؟!
الوهاب؟!
الوهابية؟!
فإذاً ما يقولونه عن النسبة إلى محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - بأنها وهابية:
أولاً: نسبة خاطئة؛ فإن الوهابية نسبة إلى اسم الله الوهاب، الذي وهب هذه الأمة مثل هذا الرجل في ذلك الوقت العصيب الذي ظهر فيه.
وقد أرسل الله الرسل لعبادته وحده لا شريك له، وعرفهم أن التوحيد أساس العمل، وأن الشرك مُحبط لسائر الأعمال.
وقد كان عند الناس في ذلك الوقت من أنواع الشرك ما كان؛ بدعٌ منتشرة، عبادة الأضرحة والقباب، توسلٌ بالأموات.
كان قبر محجوب وقبة أبي طالب يأتون إلى الاستغاثة بها، ولو دخل سارق أو غاصب أو ظالم قبر أحدهما لم يتعرضوا لهُ؛ لما يرون من وجوب التعظيم والاحترام لهذا الضريح.
وكان عندهم رجل من الأولياء بزعمهم- يسمى تاج، سلكوا فيه سبيل الطواغيت، وصرفوا إليه النذور، واعتقدوا فيه النفع والضر، وكان يأتي إليهم لتحصيل ما لديهم من النذور والخراج، وينسبون إليه حكايات عجيبة، منها: أنه أعمى، وأنه يخرج من بلدة الخرج بدون قائدٍ يقوده.
وشجرة تدعى الذئب، يأُمها النساء اللاتي يُردن المواليد الذكور، ويعلقن عليها الخرق البالية، لعل أولادهنّ يسلمون من الموت والحسد.
ومغارة في جبل يسمونها بنت الأمير، وأن بعض الفسقة أراد أن يظلم بنت الأمير، فصاحت ودعت الله فأنفلق لها الغار، فأجارها من السوء؛ فكان العامة من هؤلاء الجهلة المشركين يسعون إلى ذلك الغار يقدمون اللحم وصنوف الهدايا.
وكان بعض النساء والرجال يأتون إلى ذكر النخل المعروف بالفحال في بلدة معينة، يفعلون عنده أقبح الفعال، وكانت المرأة إذا تأخر زواجها تضمُهُ بيدها، ترجوا أن تفرج كربتها، وتقول: يا فحل الفحول، أُريد زوج قبل الحول.
كانت شجرة أبي دجانة في العيينة، وقبة رجب، وقبة ضرار بن الأزور، وشجرة الطرفيين مثل ذات أنواط، وكانت هذه القباب والقبور تُعبد من دون الله.
وأفرادٌ من المتصوفة على مذهب الملاحدة من الحلولية الذين يعتقدون أن الله حل في كل مكان، وأنه حل في المخلوقات، وأن كل ما ترى بعينك فهو الله، لا يميزون بين مخلوقٍ وخالق، كان لهم انتشار في بلاد نجد وغيرها.
وكانت الموالد التي فيها الشرك تُقرأ على الناس، وكانت الحجب تكتب بالطلاسم وتعلق.
وكانت الكتب مثل: دلائل الخيرات وروض الرياحين التي فيها استغاثة وتوسل بغير الله مشهورة لها قرأه في الموالد بين الناس.
وخلت كثير من المساجد من المصلين، وانتشرت عبادة النجوم، واعتقاد تأثيرها في الحوادث الأرضية.
تبركٌ بالأشجارٍ والأحجارِ والجمادات، وأمرٌ عظيم قد ران الجزيرة في نجد وغيرها.
فقدر الله - تعالى - أن يولد ذلك المصلح المجدد محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن راشد التميمي، وقد قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "مازلت أحب تميماً منذ ثلاث سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن ذلك أنه قال فيهم: ((هم أشد أمتي على الدجال)) رواه البخاري-. وجاء في الحديث أيضاً: ((أن أطول رماح هذه الأمة على الدجال رماح بني تميم)).
فبنو تميم كان في أولهم استعصى في الدعوة النبوية؛ لكنهم بعد ذلك جاءوا مسلمين، وسيكون لهم شأنٌ في محاربة الدجال شأن عظيم.
وكان هذا المصلح التميمي محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - من أشد الناس على الدجالين، محارب للدجل والشرك والشعوذة.
قيضه الله - عز وجل - فولد عام ألف ومائة وخمسة عشر للهجرة، وحفظ القرآن مبكراً، وتفقه على مذهب أحمد بن حنبل في أول أمره، وكذلك تعلم على أبيه، وحج البيت الحرام، ورزق سرعة في الحفظ والكتابة، وفصاحة في الكلام، وكان يتعجب من شأنه، طاف البلاد، وأخذ العلوم، ودرس على المشايخ، وكذلك فإنه تأثر بشيخه محمد حياة السندي، وأصله من السند، وكان مقيماً في المدينة، مُحدث الحرمين، محمد حياة السندي - رحمه الله - الذي كان موحداً غير راضي بكل هذه الشركيات، وكانت الاستغاثات تسمع عند قبر النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في المدينة، فقال الشيخ محمد حياة السندي يوماً لتلميذه: ما تقول في هؤلاء؟ فأجابه: إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعلمون.
لم يكن منغلقاً الأفق ضيقاً، وإنما كانت رحلاته إلى أماكن مختلفة حتى خارج الجزيرة إلى العراق إلى البصرة وغيرها من أسباب تفتحه وأخذه للعلم عند المشايخ في الأماكن المختلفة.
وبدأ - رحمه الله - بعد عودته من رحلاته العلمية، ومعرفته بأوجب الواجبات، دعوة الناس إلى التوحيد، وأنه لابد من محاربة هذا الشرك، لابد من تغيير الواقع، أحس بالمسئولية العظيمة تجاه دين الله - عز وجل -، الكفر والشرك منتشر.
وهكذا بدأت الدعوة، وبدأ الإصلاح في العيينة والدرعية، وهكذا تحالف الشيخ مع محمد بن سعود وغيره لأجل إقامة دين الله - عز وجل -.(16/85)
واتجه إلى هدم القبة التي كانت مبنية على قبر زيد بن الخطاب ومعه ستمائة من المقاتلين فهدمها؛ ثم قبة ضرار بن الأزور فهدمت، وأشجار كانت تعبد من دون الله وتصرف لها أنواع من العبادات فقطعها الشيخ - رحمه الله -.
بدأت الدعوة إلى التوحيد، ورأى الناس بأم أعينهم أن هذه الأشياء التي كانوا يعظمونها من دون الله لا تدفع عن نفسها ضراً، ولا تملك نفعاً، وأنها أُزيلت وقطعت فلم يحدث شيء.
بدأ الأثر العملي في القلوب، بدأ الشيخ - رحمه الله - الدعوة بالنصيحة والحسنى، بالتذكير، بوعظ الناس، بالتبيان، بالتأليف، وكان أول ما ألفه كتاب التوحيد، الذي يدرس اليوم في كثير من الأماكن، التوحيد الذي هو حق الله على العبيد.
وإذا كان هناك استعصاء من قبل سدنة الأضرحة وعباد القبور، فإن الشيخ - رحمه الله - بدأ يُجرد المفارز من أهل التوحيد لإزالة هذه الأشياء بالقوة، إذا لم يستجيبوا لإزالتها بالنصح واللين، فثارت ثائرة بعض هؤلاء الجهلة من المشركين والذين لهم مصالح في القبور والأضرحة، والذين كانت تأتي إليهم الأموال من الناس، أصحاب المصالح الشخصية، أعداء الدعوات في القديم والحديث، فثاروا على الشيخ، ناوئوه، عادوه، أرادوا تشويه سمعته، وكتبوا إلى أماكن مختلفة في التحذير منه؛ بل إنهم جردوا الجيوش لحربه.
وهكذا؛ مكن الله للشيخ تمكيناً عجيباً، ووفقه بمن أعانه على إقامة الدين والتوحيد.
كان عفيفاً؛ لم يأخذ الأموال كغيره؛ وإنما يعطي العلم الذي عنده، وكان له طلاب وأنصار وأعوان يبثهم لنشر الدين والدعوة، يعلمهم توحيد الله - عز وجل -، يقرءون عليه الكتب، ولازالت تنتشر من مكان إلى مكان، ومن بلدة إلى بلدة، في نجد وغيرها، حتى وصل الأمر إلى خصوم اجتمعوا وأرادوا القضاء على هذه الدعوة المباركة، ولما كان الله - سبحانه وتعالى- قد قال في كتابه العزيز عن المشركين: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} أي شرك وكفر {ويكون الدين كله لله] أي مسيطرا حاكماً {فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير}.
ولما قال الله في كتابه: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب، إن الله قوي عزيز} إذاً أنزل الله الكتاب ليحكم، وأنزل الحديد لكي يجاهد به المناوئين للكتاب.
فلما قام الشيخ بالدعوة فانتشرت؛ ثم صار لها أعداء أرادوا أن يرفعوا السلاح في وجهها ويمنعوا انتشارها، عرف الشيخ أنه لابد من الأخذ بالحديد لقتال من ناوئ الكتاب، وهكذا قام الجهاد في سبيل الله ضد المشركين، ونصر الله الشيخ.
وعاش عمراً مباركاً إلى عام ألف ومائتين وستة للهجرة.
رسائل وكتب في داخل الجزيرة وخارجها، دعوة وتبيان للأمور وجلاء ورد على الشبهات ودفاع.
وهكذا يبتلي الله المصلحين باستمرار بمن يشوه سمعتهم، ويسبهم ويشتمهم، وهذا طريق الأنبياء؛ ألم يقولوا عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - ساحر، كذاب، مجنون، به جِنة!!
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه *** فالناس أعداءٌ له وخصوم
كضرائر الحسناء قُلنَّ لوجهها *** حسداً وزوراً إنه لذميم
واتهم الشيخ بتهم كثيرة، منها: استحلال الدماء، وتكفير المسلمين، فكان يبين باستمرار أنه لا يستحل دماء المسلمين، وإنما يقاتل المشركين، ومتى كان قتال المسلمين في دينه ومنهجه؟!! وهو يعلم أنه لا يحل دم امرأ مسلم إلا بإحدى ثلاث، بما جاءت به الشريعة من إحلال الدم.
وكان يخاطب الناس بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)) شهادة حقيقية؛ ليس لفظاً يُقال، وإنما شهادة تطبق بشروطها، حتى يعبد الله ويكفر بالطاغوت، هذه دعوة الرسل {أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} إنما يقول بلسانه أشهد أن لا إله إلا الله؛ ثم يعبد الطاغوت من دون الله؛ فليست هذه شهادة {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها}.
وكل ما جاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع طاغوت يقاتل. وكل من أراد حمايته والدفاع عنه فإنه يقاتل أيضاً.
وبيّن الشيخ - رحمه الله - موانع التكفير، وأنه لا يتسرع بتكفير كل أحد، لابد من إقامة الحجة أولاً، لابد من البيان، لابد من إزالة الشبهات، قد يكون الشخص جاهلاً فيعلم، أو لديه شبهات فيناقش، أو مكره فلا يكفر وهو مكره.
واتهم الشيخ بالظلم والتعدي، فكان يبيّن ويكتب عن فلان (استدعيته أولاً بالملاطفة)، ولفلان يقول: (ولست والحمد لله ممن ادعوا إلى مذهب صوفي، أو فقيه، أو متكلم، أو إمام من الأئمة، إنما ادعوا إلى الله وحده لا شريك له، وادعوا إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
استعمل الحكمة في دعوته، وكان يتلطف في مخاطبة مخالفيه، يبدأ أولاً باللين، ويقول لفلان: (لعلك تكون مثل الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل) أي تكون على طريقته.
وكذلك فإنه قال: (فإننا نرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله) فبيّن أنه ليس بخارج على خليفة للمسلمين، ولا إمام لهم موحد يقودهم إلى عبادة الله، ولم تكن دولة الخلافة في ذلك الوقت قد بسطت سلطانها على نجد، وكان فيها تقصير من جهة دعوة التوحيد، فجاء الشيخ لتكميله - رحمه الله -.
وممن تآمر عليه بعض الصليبيين الذين أيدوا بعض الباشوات في قتال اتباع تلك الدعوة، وهذا واضح في مكاتباتهم ومخاطباتهم وشهادة أهل التاريخ.(16/86)
لقد انتشرت دعوة الشيخ - رحمه الله -، ووصلت إلى أصقاع مختلفة، ووصل معها أيضاً تشويهات من أطراف أخرى، مما كان يملأ به أذهان بعض الحجاج عن دعوة الشيخ تشويهاً وتعسفاً.
فممن وصلت إليه دعوة التوحيد في بلاد الهند عدة، وفي بلاد اليمن، وغيرها، حتى قال القائل:
سلام على نجد ومن حل في نجد وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
قفي واسألي عن عالمٍ حل سوحها به يهتدي من ضل عن منهج الرشدِ
محمد الهادي لسنّة أحمدٍ فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
لقد سرني ما جائني من طريقه وكنت أرى هذه الطريقة لي وحدي
ويُعزى إليه كل ما لا يقوله لتنقيصه عند التهامي والنجدي
فيرميه أهل الرفض بالنصب فرية ويرميه أهل النصب بالرفض والجحد
وليس له ذنبٌ سوى أنه أتى بتحكيم قول الله في الحل والعقدِ
ويتبع أقوال النبي محمد وهل غيره بالله في الشرع من يهدي
لئن عدّه الجُهّال ذنباً فحبذا به حبذا يوم انفرادي في لحدي
وهكذا كتب عدد من علماء الهند واليمن، يؤيدونه في دعوته.
وكذلك صار لهُ أعداء بفعل ما شوهت به السمعة بين الحجاج الذين كانوا يعودون إلى أمصارهم، فاتهموا الشيخ بالكفر والإلحاد والزندقة والتكفير واستحلال الدماء؛ ولكنه - رحمه الله - استمر على منهجه حتى دان للدعوة عند وفاته قريباً من مليونين ونصف من الناس.
وكتب أهل العلم في تأييده على ذلك من العراق واليمن والشام ومصر.
وفي ذات الوقت كان لهُ أعداء قد كتبوا ضد دعوته، والله - سبحانه وتعالى- يبتلي: {ألم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}
وكانت قريش تجتهد في أن تملأ أذهان الحجاج الذين يأتون مكة بالباطل حول النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعوته، حتى أن بعض من قدم مكة سد أُذنيه بالقطن حتى لا يسمع دعوته النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهكذا فعل هؤلاء، ونسبوا إلى الشيخ أباطيل كثيرة؛ ولكن يشاء الله - سبحانه وتعالى- أن تستمر القضية والمسلسل في الاتهامات في القديم والحديث.
حتى ذكروا أن تاجراً مسلماً قد اختصم مع تاجر هندوسي في الهند حول سلعة عند الهندوسي؛ فخرج المسلم غاضباً وعزم على إفساد تجارة الهندوسي، فأشاع في المسجد أن الهندوسي وهابي، فهجر الناس دكان الهندوسي، واستاءوا منه، وحاصروه، ولم يجد الهندوسي طريقةً لإعادة تجارته إلا ليعلن على الملأ أنه قد تاب من الوهابية وعاد إلى الهندوسية، فتأملوا كيف بلغ التشويه إلى هذا الحد!!
ولما سافر بعض أهل العلم من نجد إلى الهند ليطلب الحديث على أحد مشايخها الذين تأثروا بالدعايات ضد دعوة الشيخ، أخذ هذا الرجل كتاباً للشيخ - رحمه الله - ونزع غلافه الذي عليه اسم المؤلف ووضعه على طاولة المحدث العالم الهندي.
فلما جاء الشيخ أخذ الكتاب فقرأه، فأعجب به، وقال: ليتني أعرف من هذا الذي ألف هذا الكتاب؟
فقال له التلميذ، طالب العلم، الراحل للعلم: أتريد أن تعرف المؤلف إنه الذي تقع فيه في دروسك، وتتكلم عليه بما وصلك من الإشاعات، إنه محمد بن عبد الوهاب.
فانقلب المحدث إلى أكبر داعية في الهند لدعوة الشيخ - رحمه الله -.
ويقوم أعداء الدين في هذه الأيام بالطعنِ في دعوة الشيخ - رحمه الله -، وإعادة الثارات والنعرات ورفع راية محاربة الوهابية!!
لماذا إذاً؟!!
لأن تلك الدعوة المباركة، وهي إحياء السنة المحمدية، والدعوة إلى الكتاب والسنة أشد ما يقظ مضاجع هؤلاء.
ويريدون أيضاً أن يستفيدوا من التشويهات الحاصلة عند بعض الناس ضد الوهابية ليكسبوهم إلى صفهم.
ويُريدُ الصليبيون اليوم أن يرفعوها دعوة ضد الوهابية، ليكسبوا بزعمهم طوائف من الناس المنتسبين للإسلام الذين يعادون الدعوة، وفي ذات الوقت يشوهون الذين يقفون أمامهم وفي طريقهم من أبناء الإسلام.
فإذا عُرفت حقيقة هذه الدعوة المباركة، فات الهدف على هؤلاء؛ ولن يستطيعوا إن شاء الله أن يصلوا إلى دعوة الحق بسوء.
اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
_______________
فرغها ونقلها:
أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة
http://saaid.net المصدر:
===========
ثقافة النخبة .. مساحات وفواصل
محمد أحمد منصور
جعلت الحداثة من الثقافة العربية جُزراً وسط محيط، كل جزيرة معزولة في ذاتيتها بينما هي تحوي كيانات، وكل كيان يزعم أنه وحده الذي يملك المطلق الثقافي! وفي كل كيان نماذج بشرية ما تختلف فيه أكثر مما تتلاقى عليه، وداخل كل نموذج مساحات من التاريخ والفكر والتقليد، وهي على ما بينها من فواصل تشكل كل منها ظاهرة جديرة بالتأمل والتنقيب عن القاسم المشترك بين هذه الظواهر على علاتها واختلافها. وفي هذه الدراسة نحاول أن نكشف أهم ملامح الخريطة بصورة كلية دون أن يمنعنا هذا من حرث بعض هذه المساحات.
فرنَسَةُ العمامة!
رفاعة الطهطاوي: خطوط كثيرة في واقعنا الثقافي يمكن القول عنها إنها تمر عبر رفاعة بوصفه رمزاً وشخصيةً تكررت في العديد من البلدان التي استهلكت التنوير، حين ذهب الشاب واعظاً للبعثة العلمية، كان الفرنسيون يدركون جيداً أن حاجتهم إلى هذا الشاب أضعاف حاجتهم لسائر أفراد بعثته؛ لأن تطويعه يعني الكثير والكثير مما ستكشفه الأيام.(16/87)
ومن ثم فقد مورس عليه دور الأستاذية(1) بذكاء ودقة واقتدار؛ إذ وُكل الدور لمجموعة متكاملة من الخبراء الفرنسيين ذوي الاطلاع والمعرفة بأحوال المسلمين في الشمال الإفريقي المسلم كان من بينهم: (كوسيه دي برسفال، وسيلفستر دي ساس، وفرانسوا جومار) وثلاثتهم كان له دور كبير في الحملات على مصر وبلاد الشام والشمال الإفريقي.
لقد دارت سلسلة من النقاشات الطويلة التي تهدف إلى ترسيخ وبناء قناعات جديدة: تخلف العقل العربي (ويُعنى به الإسلامي طبعاً) ـ أن هذا التخلف له سبب تاريخي هو الدين (الإسلامي) ـ أن التقدم له طريق أدق، وهذا الطريق غير ممكن إلا عن طريق فرنسا، وها هي الفرصة قد لاحت له وهو الشغوف بها.
لقد بدأ رفاعة أول الأمر مستعصياً لكنه ما لبث أن لان؛ ومن هنا بدأت رحلة الأَوْربة التي لم تفلح فيها مدافع نابليون، وإن عباراته في كتابه: «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» تكشف قدراً من الاهتمام الحافل به.
لكن الذي نريد أن نبينه هنا هو النقلة الكبيرة حين يقول: «فالفرنساويون أقرب إلى العرب من الترك»، ولا شك في أن الجملة تثير تساؤلات عديدة؛ لكن مفرداتها تثير تساؤلات أكثر وأكبر (الفرنساويون ـ العرب ـ الترك)! ولعله أيضاً من المهم أن نشير إلى نص ليس وحيداً في كتابه؛ فقد كان يستخدم في مسوداته كلمة «الكفرة» تعبيراً عن «النصارى» يقول مثلاً: «فبلاد أوروبا أغلبها نصارى أو كفرة».
ثم يتحدث عن القوانين الفرنسية فيقول: «لتعرف كيف حكمت عقول الكفرة بأن العدل والإنصاف من أسباب تعمير الممالك وراحة العباد».
كان هذا النص في المسودات لكن ـ على حد تعبير رفعت السعيد ـ: لكن سلفستر دي ساس(1) يعترض على وصف الكفرة ويتواصل النقاش ويوافق رفاعة ويشطب كلمة «الكفرة»(2).
تعميم الفرنسة:
كانت تلك السابقة الأولى لعمامة تغطي رأساً فرنسياً عاد لتوه ليقيم مدرسة للألسن ينتقي فيها رفاعة 150 شاباً من مختلف قرى مصر ليكونوا نواة لمشروع التطوير الذي تبناه محمد علي، وحين تخرج هؤلاء وجدوا أنفسهم من بين كبار الدولة التي منحتهم النياشين، وأسبغت عليهم الهبات ليصبحوا من كبار الملاك أيضاً، وقامت على أكتافهم عملية ترجمة واسعة للأدب والتاريخ؛ وقليل من العلوم الأوروبية كان لها أثرها خاصة في عهد إسماعيل الذي افتخر بأن بلاده قد صارت قطعة من أوروبا. ويعلق الرافعي المؤرخ على ذلك: «ومن تهكم الأقدار أن تصبح مصر على ما يقول إسماعيل قطعة من أوروبا في الوقت الذي فقدت فيه استقلالها المالي، وضربت أوروبا وصايتها القهرية عليها، ولعمري ليس مما يفخر به صاحب العرض أن يجعل بلاده جزءاً من أوروبا على الطريقة المعكوسة»!
كان ـ بلا شك ـ عصر إسماعيل هو الأكثر تأثيراً في عملية الاختراق الثقافي الكامل لمصر، بل كان أكثر تأثيراً على الشخصية المصرية حتى الآن.
ولأول مرة يشهد المجتمع المصري ازدواجاً في ثقافته؛ فمنذ ذلك التاريخ تحولت الثقافة من ثقافة المجتمع بكل فئاته إلى ثقافة الدولة، ومن ثقافة الجماهير العريضة من أبناء الأمة إلى ثقافة النخبة التي مارست نوعاً من الوصاية باسم التنوير.
ولقد ظلت هذه النخبة منعزلة عن ثقافة الجماهير في مصر منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم تقبع في المكاتب والجامعات ومراكز البحوث ودور النشر، وتعكف على صياغة نظريات بعيدة عن عقيدة الجماهير منبتَّة الصلة بأحاسيسها واتجاهاتها. إن طبيعة الدور الذي قاموا من أجله جعلهم آخر من يفكر فيما يحدث ويتشكل، وأقل من ينتج في عالم الأفكار التي يتداولونها في خطاباتهم؛ إذ كانوا يفكرون من الشمال إلى اليمين، ثم يصوغون ذلك بعربية لا تخلو من رطانة.
الأستاذية:
الانبهار ـ الذي لف رفاعة ـ بالشخصية الأوروبية ـ الإنسان والمكان ـ سرى ليشمل كل ما هو أوروبي ـ وجعل الأستاذية عنده شيئاً مقدساً يرقى في بعض نماذجه لأن يتقمص دور النبي والتابع.
فحسن حنفي طالب السوربون كان يسمي أستاذه (جان جيتون) العلماني المقدس بـ «المسيح»، بينما يسميه أستاذه: «تلميذي الحبيب» كما سمى المسيح ـ - عليه السلام - ـ يوحنا: «الحبيب» على نحو ما نقرأ في الجزء السادس من كتاب الدين والثورة في مصر(1)؛ فالاستعارة الإنجيلية قد غلفت هذا الانبهار بنوع من القداسة ليس للشخص فقط وإنما للأفكار والنظريات، ومن هنا كان الانبهار (أو الانسحاق) في مقابل الأستاذية هي الثنائية التي حكمت علاقة التلقي عن الآخر ـ كما يسميه حنفي ـ والتي أوجدت الثنائيات الشقية أو وطنت لها: العقل ـ الوحي، الحداثة أو المعاصرة ـ الأصالة، العلم ـ الدين، التنوير ـ التقليد والتخلف.
السلطة الجديدة:
إن الجيل الذي مورس عليه دور الأستاذية باقتدار قد عاد بعدها ليمارس نفس الدور على بني جلدته ـ ولعل نظرية عدوى السلوك تمدنا بتغير لبعض ما يحصل؛ فرطانة اللسان والنظريات المحفوظة والتفسيرات الجاهزة، كل ذلك أمر جديد على مسامع الناس لم يألفوه إلى جانب المناصب الكبيرة في الدولة التي من خلالها يمكن فرض ما يريد الأستاذ الجديد قوله ولو بالقوة! ومن هنا بدأ نوع جديد من فرض الوصاية يقوم به التلميذ المفتون بأستاذه الغربي على مجتمعه لنشر ما ادعاه الأستاذ الأول أنه رسالة الغرب في تنوير الشعوب، ومن هنا أيضاً استغل التلميذ علاقته بالغرب وما تلقاه عنه في تكريس سلطته على الشعب في مواجهة المعترضين، ولا بأس حينئذ من استخدام فعل الشرطي بدلاً من رأس المفكر كلما لزم الأمر.(16/88)
كان ذلك نوعاً من التجهيل المركب الذي مورس باقتدار ـ أيضاً ـ على المجتمع المسلم؛ حيث استفرغت قوى المجتمع بين المعارضة وبين تعلم نظريات لا يمكن تطبيقها في الواقع الشرقي الإسلامي، ومن ثم لم تنجح خطط التنمية الحقيقية والتنمية البديلة عندما وقع الصدام، وفرضت الوصاية على عقل المجتمع.
إننا لا نجد مثقفاً عربياً واحداً نجح في الكلام بصورة جديدة غنية أو فريدة عن المقولات التي يتداولها المثقفون في خطاباتهم منذ عقود كالديمقراطية والحداثة والعقلانية والعلمانية والتنوير والاشتراكية؛ هكذا جرت الأمور من الأفغاني حتى حسن حنفي، ومن محمد عبده حتى محمد أركون، ومن شبلي شميل حتى محمود أمين العالم؛ لقد تعامل أهل الفكر مع أنفسهم كدعاة ومبشرين أو كمناضلين وثوريين يهمهم بالدرجة الأولى قلب الأوضاع وتغيير المجتمعات أو تحرير الشعوب وفق تصورهم، ولعلنا نجد نموذجاً لذلك في كلام سلامة موسى شيخ المتغربيين؛ إذ يرى أن الصراع الدائر بين النخبة ـ وهم قلة معزولة ـ وبين المجتمع يجري لهدف ووفق تصور: «إن في العالم العربي صراعاً بين المبادئ التي ينصرها ويذود عنها رجال الدين، والمبادئ التي تدين لها، وتعمل على نشرها «طبقة صغيرة» عدداً، ولكنها كبيرة حرمة وجاهاً، باعتبار أن في يدها مقاليد الحكم؛ فهذه الطبقة تستطيع أن تحضر العالم العربي بسن القوانين ـ ثم يشرح ـ كأن تعاقب المرأة المحجبة، ولا قبل لنا بانتظار المنظور الاجتماعي؛ لأن العالم يثب إلى الإمام»(1).
فهكذا التنويري ليس عن طريق التفكير والإبداع وإنما عبر القهر والقسر!
ومن هنا نجد أن هذه الأدوار مورست على حساب النشاط المفهومي والإنتاج المعرفي، بل مورست على حساب هذا النشاط والإنتاج، بل مورست ضد إرادة المعرفة وعلى حساب الفهم؛ ولهذا فلا يحتاج المرء إلى بيانات لكي يقول بأن هذه المهمة الطليعية قد ترجمت على الأرض فشلاً ذريعاً وإحباطاً مميتاً؛ فالمثقفون حيث مضوا إلى تغيير الواقع، من خلال مقولاتهم، فوجئوا دوماً بما لا يتوقع؛ فحين حاولوا تحرير المجتمع من التبعية والجهل لم يزد المجتمع العربي إلا تبعية وجهلاً، وحين طالبوا بالوحدة، فإذا بالواقع ينتج مزيداً من الفرقة، وناضلوا من أجل الحرية، فإذا الحريات تتراجع، وآمنوا بالعلمنة؛ فلم يزدادوا إلا بعداً من مجتمعاتهم(2).
الحرمان العلماني:
الحرمان الكنسي الذي مارسته الكنيسة خلال القرون الوسطى كان مثاراً للسخرية وسبباً للخروج على الكنيسة؛ إذ من خلاله استطاعت الكنيسة أن تفرض رؤيتها وحقها في تبديل نصوص الإنجيل وتفسيرها على سائر قوى المجتمع بأسره؛ فقد مورست باسمه أبشع المحاكمات وعمليات التصفية لكل من يخالف الكنيسة أو تشك في أمره؛ هذا الوضع أفرز ظروفاً بالغة السوء من التسلط والتخلف والظلم الاجتماعي والفساد السياسي والقانوني، وكان مما أفرز الثورة على الكنيسة نفسها باسم العلم.
هذه الصورة التي ثار من أجلها علمانيو الغرب هي عين ما يحاول علمانيو الشرق بسطه تحت مسمى التحرير أو التنوير، وليس باسم الدين طبعاً، وإنما باسم العقل أو العلم وفي مواجهة الدين ـ الإسلام بالطبع ـ بتأليب ودعم من الغربيين. لقد مورس الحرمان العلماني من خلال السلطة النخبوية ـ كما تصور سلامة موسى ـ من خلال القانون والفكر، ومن خلال أساليب أخرى ضد جميع المناهضين للمشروع التغريبي وعلى رأسهم دعاة الإسلام والمتمسكون به، وتعرضوا لكل صور الحرمان التي مارستها الكنيسة في القرون الوسطى، والفارق الوحيد هو أن هذا باسم العلم وذاك باسم الدين، وكلاهما يحمل نفس القدر من الخداع والتسويغ وأساليب القهر وأدواته، والدوافع في كلتا الحالتين هو الحفاظ على أحدية المرجعية داخل المجتمع مرة لحفنة من الباباوات، وأخرى للقلة التي أشار إليها سلامة موسى.
وإذا كانت الكنيسة قد أضفت القداسة على نصوص «الكتاب المقدس» فإن للعلمانية من المقولات ما تدعي له القداسة.
ولهذا نجد أن ثورتهم على تقليد علماء الشريعة ـ كرمز للإسلام ـ بدعوى الإبداع في الفكر والاستقلال في النظر إلى المعارف لا تعني إلا التمرد على سلطان الشريعة بدعوى محاربة التقليد، ومن ثم فإن هذا المنهج يفترض أن يأتي بطرح علمي جديد غير قائم على التقليد؛ إلا أن الحقيقة غير ذلك؛ حيث نجد المتمرد على الأقربين قد انقلب مقلداً للأبعدين بصورة تستثير الضحك عند تجريده والتدقيق فيه.
فاصلة:
الثورة على الدين هي حقيقة جامعة ما بين النخبة الغربية والنخبة المتغربة؛ فالأخيرة ما هي إلا ترجمة ركيكة للأولى مع فارق أن هؤلاء هاجموا صورة مزيفة من الدين لم يعرفوا غيرها، وعمموها ـ جهلاً ـ على الدين كله، بينما المتغربون التنويريون يهاجمون الدين الحق فيقولون فيه ما قاله أولئك في بضاعتهم المزيفة، فيرتكبون في الواقع حماقتين: التقليد بغير بصيرة، وحماقة وضع الكلام في غير مواضعه التي يمكن أن يصح فيها، وما كان من كتاباتهم ضد الإسلام بالذات فهو ترديد لما يقوله المستشرقون حرفاً حرفاً، وافتراء محضاً، فيرتكبون مرة أخرى حماقتين «عقلانيتين»: حماقة التقليد بغير بصيرة، وحماقة أخذ الحكم على الشيء من أعداء ذلك الشيء الذين هم بداهة حكام غير أمناء؛ لأنهم أعداء!
ظاهرة صوتية:(16/89)
الثقافة في بلادنا ظاهرة صوتية؛ فإن ما لا يقل عن 95% ممن يسمون أنفسهم بالمفكرين لا يستحقون هذا الاسم. إنك تقرأ للواحد منهم مقالة فلا تجد إلا كلاماً مرصوصاً لا يؤدي إلى نتيجة، لم يجدوا من يكتب عنهم، فقرروا أن يكتبوا عن أنفسهم، ولم يجدوا من يعرف أسماءهم ووجوههم، فقرروا أن يسلط بعضهم الضوء على وجوه بعضهم، ويلمعوا أسماء رفاقهم، ولم يجدوا من يشتري مجموعاتهم الشعرية، فقرروا أن يجروا عليها تخفيضات انتحارية تصل إلى 90% أي بأقل من ثمن الورق الذي طبعت عليه، وأخيراً لم يجدوا من يحضر أمسياتهم، فقرروا أن يستأجروا من يسمعهم.
ومن هنا فإن مشروع المثقف ـ أعني المثقف ذاته ـ بات أعجز من أن يقوم بتنوير الناس؛ إذ هو ـ أي المثقف ـ يحتاج إلى التنوير بنقد دوره وتفكيك خطابه عن العقل والاستنارة ـ إن كان له خطاب ـ وذلك بقدر ما تعامل مع فكرة التنوير بصورة غير تنويرية وفق مقاييس التنوير التي يدَّعونها!
ومن هنا فإن مشكلة النخبة الثقافية هي في نخبويتها بالذات؛ ذلك أن النخبوية قد آلت إلى العزلة والهامشية، وأنتجت التفاوت والاستبداد بقدر ما جسدت الاصطفاء والنرجسية(1) لدى النخب الثقافية، ولهذا لم يعد بوسع المثقفين أن يؤدوا الدور الطليعي بعد الإخفاق النضالي والعقم الفكري الذي يؤذن بنهاية المثقف(1)؛ لأن معظمهم ما زالوا غارقين في سباتهم الأيديولوجي ـ رغم انتهاء الأيديولوجيات وسقوطها ـ لا يحسنون سوى نقض الوقائع لكي تصح مقولاتهم أو نظرياتهم. إنهم يرون الصلة في الواقع لا في الأفكار أو في أنماط الفهم أو طريقة التعامل مع الحقائق، ومن هنا يأتي سعيهم الدائم لمطابقة الوقائع مع مقولاتهم المتحجرة، أو قولبة المجتمع حسب أطرهم الضيقة وتصنيفاتهم الجاهزة؛ وبهذا المعنى مارس المثقفون دكتاتوريتهم الفكرية أو عنفهم الرمزي باسم الحقيقة أو الحرية، أو تحت شعار الديمقراطية هكذا؛ فهم بدلاً من أن يثقلوا على عقولهم لفهم ما يحدث أو لاستباق ما قد يقع، كانوا فعلاً بمثابة «شرطة للأفكار»، ولعل هذا يفسر لنا كيف أن الحرية تتراجع مع كثرة المطالبة بها، وكيف أن النهوض يترجم تقهقراً، وكيف أن المناداة بالتنوير العقلي تفضي إلى انتعاش اللامعقول، وكيف أن مقاومة الغزو تؤول إلى زيادة التبعية للغرب(2).
تنويـ (ر أم م)!
نعود لنكرر أن مشروع رفاعة التنويري القائم على الترجمة هو عين ما نادى به أحمد لطفي السيد وشركاؤه؛ إذ نادى بوجوب تأسيس النهضة العلمية على الترجمة قبل التأليف؛ فقد صنفت علة مجتمعاتنا ـ كما يدعي سلامة موسى ـ أنها ما زالت تعتقد أن هناك مدنية غير المدنية الأوروبية، ومن ثم تمت حركة الترجمة الواسعة، ولاكتها الألسن مرة بعد مرة دون هضمها، وقد أثبتت النتيجة أن الاندماج في ثقافة الآخر ليست صكاً للمعاصرة والتقدم؛ لأن أوروبا بتاريخها ومنهجها الإمبريالي لا توزع التقدم على غير أبنائها الذين صنعت وتصنع لهم وبهم حضارة التقدم؛ هذا فضلاً عن أن مريديها من أبناء العالم الثالث ومنهم مثقفونا لا يفعلون أكثر من أنهم يستهلكون أوروبا في أوطانهم دون أن ينتجوا المعاصرة تماماً كما يفعل اقتصادهم.
وقد أكدت التحولات العالمية والمحلية أن النخبة ليست على قدرة حقيقية على إقامة مشروع نهضة قادرة على تنوير العقول تنويراً حقيقياً والتأثير في الرأي العام بصورة بناءة؛ وذلك لأنه لم يكن يوماً صاحب عقيدة صلبة قادرة على قيادة الناس لتطوير المجتمع وتغيير العالم.
شاكلة شايلوك:
الصراع داخل المجال الثقافي اليوم صراع على هامش الفكرة وليس صراعاً معها أو حولها؛ بحيث أصبح مجال الثقافة مجالاً للتنافس والنزاعات بين علاقات القوى والتجمعات ذات المصالح التي تدار في كثير من الأحيان بعقلية المافيا؛ حيث يحتمي كل طرف فيها بقوة ويحاول توظيفها في صالحه، وفي هذا الخضم تنزلق الخطابات الثقافية إلى مهوى استخدام كل ألوان التضليل والتمويه والانتهازية التي تخرج التمايزات الثقافية من دائرة الاختلاف المعرفي الذي يثري الساحة ويقدم نماذج وصور البناء إلى واقع الحرب التي تدور في كثير من الأحيان في ساحة اللامعقول، وحول اللاشيء إلا إثبات الذات واحتكار المركزية وجعل الآخرين في الأطراف. هذا بعض واقع النخب الثقافية في ندواتها ومجلاتها وصحفها ووسائلها المختلفة تقرأ كل شيء فلا تخرج بشيء، وهكذا يترسخ الانفصام الذي يحياه المثقف بين مثالياته التي ينظر لها في كتاباته، وبين نشاطه المجتمعي حين يلقي عن وجهه مساحيق التجميل التي يظهر بها أمام جمهوره.
موت المثقف!
ومن هنا فإن فقدان المثقف لمصداقيته ليس لمجرد أن المجتمع متخلف أو يأبى التطور، أو أنه حتى متمسك بدينه، وقد يكون هذا بعض الأسباب؛ ولكن السبب الحقيقي هو موت أيديولوجيات المثقف حين استوردها ميتة لا روح فيها، وتوقف نشاطه العقلي في إطارها بحيث تحولت أفكاره إلى أسماء على غير مسمياتها؛ فما هي إلا مطلقات خاوية أشبه بالمثالب لا المثال.
إن الكتابات التي قالت بموت الأيديولوجيات الوضعية إنما تعني موت المثقف الذي فقد آلته وتحول إلى طاقة عاطلة معطلة داخل المجتمع.
وإخفاق آخر يضاف إلى هذا الإخفاق هو أن المثقف حين تحول إلى شرطي للأفكار، وحكم بالحديد والنار، وأدى دور الحرمان ضد الاتجاهات الإسلامية بحيث جفف منابعها وصادر منابرها فإن ذلك لم يُخْلِ له الجو كما توقع؛ لأن بديله لم يكن سوى إغراق في الشهوات وجذب الناس عبر فروجهم وبطونهم، وهو أمر لا يجدي في مواجهة الحق.(16/90)
وقد شهد عدد من الكتاب والمثقفين بأن المشروع التنويري أخفق فكرياً واجتماعياً لصالح المشروع الإسلامي الذي هو آخذ في الصعود رغم ما يحيطه من عقبات وتشويه وتعتيم، هذا إلى جانب الإخفاق بالقياس إلى الذات أو بالقياس إلى الآخر.
استراحة الختام:
هذه قصة أطبع بها بسمةً على وجه القارئ أختم بها مقالي، وهي ذات دلالات عميقة وخطيرة في ذاتها أولاً، ثم في تكرارها وذيوعها في الأوساط الثقافية، يرويها أديب ومثقف له احترامه، هو د. محمد رجب البيومي. يقول: كنت في أوائل الستينيات أقضي شهرَيِ الصيف بالإسكندرية، ولي بها صديقان أثيران، هما الأستاذ صديق شيبوب والأستاذ نقولا يوسف وكلاهما من ذوي الكفاية المشهورة في الأدب والنقد والتاريخ، وذات يوم زرت الأستاذ شيبوب في مكتبه بإدارة جريدة البصير، فوجدت الأستاذ نقولا معه، وأمامهما كتابان يضمان مجموعة من القصص، وقد أهدى المؤلف لهما هذين الكتابين، ولكن انقباضهما النفسي كان ملحوظاً لا يخفى على مثلي، فتساءلت، فقال الأستاذ شيبوب: قد يكون السكوت أفضل، ولكن نقولا قال: وماذا لو علم رجب بما نأسف له، ثم توجه بالحديث إليَّ قائلاً: كنا منذ عامين ثلاثة من المحكَّمين في مسابقة قصصية أقامها نادي الثقافة بالإسكندرية، أنا والأستاذ شيبوب وصاحب هذه المجموعة القصصية، وقد قرأنا أكثر من ثلاثين قصة واخترنا ثلاثاً للجوائز المقررة، ووكلنا إلى الزميل تقديم الأصول إلى النادي، لكنه لم يفعل، وقد تسلمت بالأمس مجموعته التي لم يخجل من إهدائها إلينا معاً! فماذا رأينا؟ رأينا عشراً من القصص المرفوضة التي بدلت عناوينها وبعض العبارات التي لا تقدم ولا تؤخر، ثم جمعت في هذا السِّفر البائس وليس لصاحبها منها غير اسمه فقط! وهي كل ما في الكتاب!
قلت: ولماذا لا تواجهانه؟ فصاح نقولا: نحن لم نسلم من شره دون أن نجاهره بسوء! فما ظنك لو جابهناه بما اقترف! إنه بطل الشكاوى الكيدية للمباحث وصاحب الدعايات المسمومة، ولخطره البالغ تقبله المجتمع الأدبي بيننا بمرارة؛ إنه يعيش بين الناس كما يعيش الثعبان في برج الحمام، يعيش ليلدغ، قال عني: إني بهائي، وأنا لا أعرف شيئاً عن البهائية، وقال عن صديق شيبوب إنه ينشر الإعلانات للمرابين في البصير بأجر مضاعف يأخذ نصفه، وصديق له غير الصفحة الأدبية التي تصدر يوم السبت؛ فما له وللإعلان أهو صاحب الجريدة؟ فتوجهت إلى صديق سائلاً: وهل توافق أنت على الصمت أيضاً؟ قال: أرجو أن ينكشف الأمر على غير أيدينا(1).
وما زالت القصة تتكرر بين سرقة وصمت.
ختامه:
أما آخر المقال فقد اكتشف أحد الباحثين أن وزارة الثقافة في بلاده تعيش أزمة؛ وليست الأزمة بالطبع أعشاب البحر، فإن الوزير سئل في إحدى لقاءاته عن استراتيجية لمستقبل الثقافة فاكتشف الجميع أن الوزير لا يملك أي استراتيجية، وعندما وجه السؤال ذاته إلى عدد كبير من المثقفين كان الجواب السكوت، وقد علق أحد الظرفاء بأن الاستراتيجية موجودة ومحفوظة ودائمة، وقد صاغها شيخ الماركسية محمود أمين العالم في أغنية الإنسان:
لا أدري عما أبحث
بل أتحدث، أتحدث
أتسول تأويلاً
أنسج بالشعر بديلاً
وإن كان لدينا على الأقل سؤال عن كل مقطع إلا أنَّا نكتفي بالسكوت أمام حيرة المتحدث وتسوُّل البديل!
--------------
(1) يأتي أداء هذا الدور بعد سلسلة أدوار من التجهيل قامت بها الحملة الفرنسية حين قتلت العلماء والفنيين الذين كانوا يشكلون نواة نهضة حديثة منبثقة من الأزهر. هذا الدور يفتح ملف الاستشراق والدور الاستخباري الذي لعبه إلى جانب الرحالة منذ عودة لويس التاسع وحتى حملة نابليون الذي كان له دور كبير في إفلاح أساتذة رفاعة في أداء الدور المطلوب.
(1) لعب هذا المستشرق دوراً خطيراً في عملية الغزو الفرنسي للجزائر؛ إذ كلف بتحرير ثلاثة بيانات تبعت الإنزال العسكري وسربت عبر تونس، وقد كان لها الأثر البالغ في نسف الروح القتالية في العاصمة الجزائرية. وعموماً هناك أسماء كثيرة تتكرر بين الجزائر وتونس والمغرب ومصر والشام من أمثال تشرشل، روث، دي ساس، دوماس، جومار.
(2) شهدت العديد من مقاهي باريس جلسات طويلة انتهت بقناعات جديدة لدى رفاعة أن تاريخ مصر لا يبدأ مع الإسلام، وأن تاريخ مصر القديمة ليس وثنياً، بل هو تاريخ حضارة ومدنية، تاريخ يتواصل مع تواريخ لاحقة يونانية وعربية وإسلامية، وأوروبية! وأن التاريخ الإسلامي لم يعد التاريخ العالمي! وهكذا حتى فكرة المقهى الثقافي مستوردة من فرنسا أم التنوير!
(1) نقلاً عن ضد التعصب، د. جابر عصفور، ص 297.
(1) لم يخجل سلامة موسى النصراني الحاقد من تحريف التنوير إلى الحد الذي تسن فيه القوانين لحرب الدين صراحة، كما لم يخجل أن يمارس دور الشرطي في فرض ما يريده وهو العقلاني! لا غرابة عندي في هذا؛ لكن الغرابة في أن عين ما نادى به تحقق على يد فئام من أبناء المسلمين!
(2) أوهام النخبة أو نقد المثقف، علي حرب، ص 98، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت.
(1) هذه الملامح ظاهرة بادية في كلام سلامة موسى السابق، وكأنهم تربوا على ذلك ودربوا!
(1) أوهام النخبة أو نقد المثقف، ص 10.
(2) انظر: أوهام النخبة، ص 42 ـ 43.
(1) انظر مجلة الهلال، عدد أكتوبر 2000م، ص 51 ـ 52.
http://albayan-magazine.com المصدر:
===========
دور العقيدة الصحيحة في الجندية المعاصرة
د. جبران بن مرعي القحطاني
على مر الأزمان كانت الحاجة قائمة لحراسة المجتمعات والكيانات، وصيانة المبادئ والمناهج والمعتقدات.(16/91)
ولقد تضاعفت تلك الحاجة وتطورت جيلاً بعد جيل وعصراً بعد عصر، الأمر الذي أدّى إلى تكوين جيوش منظمة تضم جنوداً نظاميين.
ولقد عُنيت كل أمة أو دولة بتأهيل جنودها ليكونوا على درجة عالية من المقدرة والكفاءة التي تمكنهم من حماية المكتسبات ورد أي عدوان.
وبشكل عامّ يرتكز تأهيل الجنود على محاور ثلاث:
1 المحور الفكري العقدي.
2 المحور العلمي النظري.
3 المحور العملي التطبيقي.
فمثلاً تدريبات اللياقة البدنية، وتعليم الرماية، وتنفيذ الخطط، وصيانة الآلات، كل هذه الأمور تندرج تحت المحور الثالث (العملي التطبيقي).
وفي المحور الثاني (العلمي النظري) تتم الدراسات النظرية كتعليم اللغات والشفرات السرية، وشرح مكونات الأجهزة ورسومات الخرائط، ودراسة الخطط وغير ذلك.
وفي الظروف الاعتيادية والحالات التدريبية يكفي هذان المحوران لتشكيل الجندي أي جندي وتهيئته ليكون قادراً على التطبيق العملي لما سبق وأن تعلّمه نظرياً.
ولكن الحال يختلف تماماً عندما تكون الظروف حقيقية كحالة الحرب مثلاً إذ لابد من وجود الوازع الفكري العقدي لدى الجندي ليكون دافعاً له إلى الصمود، ورادعاً له عن الانهزام، فضلاً عن الخيانة وتغيير الولاء.
ولذلك تسعى الأمم والدول حتى الكافرة منها لإعطاء جرعات فكرية، ورسم مبادئ وقيم، ورفع شعارات يلتف حولها جنودها، وتكون لهم بمثابة الراية التي تقودهم وتحفزهم على الصمود، بغض النظر عن كون هذه القيم صحيحة أو باطلة، حقيقية أو وهمية.
خصوصية الأمة أو الدولة المسلمة:
يمتاز الجندي المسلم بأن المحور الأول لديه المتمثل في العقيدة الإسلامية قوي ومتأصل، وبأنه ثابت وشامل، ويغطي مراحل جنديّته بل حياته كلها في السلم والحرب، في العدل والجور، في الرضا والغضب، في المنشط والمكره.
ولقد عرف التاريخ على مدى قرون من الزمان بسالة وثبات الجندي المسلم وولاءه الذي لا يتزعزع، وهي عوامل قوة كانت تعوض كثيراً من العجز المادي والقصور العددي في الجيوش المسلمة.
وما ذاك إلا لأن هذا الجندي قد حمل بين جنبيه عقيدة لا تهزها الويلات ولا تزحزحها الإغراءات، ولم يعرف التاريخ حالات الانهزام والخذلان فضلاً عن الخيانة عند جنود المسلمين، بل كان حالهم الثبات حتى ينالوا إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة.
والذي يدرس حالات الخيانة، وتاريخ الثورات والانقلابات في بعض جيوش المسلمين يدرك مدى الخلل الذي أصاب المحور الأول الفكري العقدي لدى تلك الجيوش، فنتج عن ذلك أن سخر بعضهم طاقاته العلمية وقدراته العملية في غير محلها فارتدت على أمته أو دولته وكانت معول هدم وأداة شر، وسبيلاً لتقديم مصالح الذات والاعتبار بها فوق كل اعتبار.
ومن هنا تتأكد الحاجة الماسة إلى وجوب إعادة النظر في تأصيل النواحي الفكرية العقدية المنبثقة من القرآن والسنة لدى جيوش المسلمين وإصلاح ما قد يكون طرأ عليها من خلل أو انحراف.
بعض من آثار العقيدة الصحيحة على الجندي المسلم:
إن الدين الصحيح والعقيدة الصافية تحكم المسلم وبالتالي الجندي المسلم في كل شؤونه دقيقها وجليلها، قال الله - تعالى -: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162) "{الأنعام: 162}.
والجندي المسلم يلتزم بتوجيهات هذا الدين القويم في كل ما يأتي ويذر، مما يشكل لديه ثباتاً في المبادئ واطراداً في المواقف لا تشوبه الشوائب ولا تعكّر صفوه المنغصات.
ولعلي بعد هذا السرد المجمل أشير إلى بعض الأدلة لبيان ما سبق:
1- الجندي المسلم وهو يقاتل في سبيل الله لا يخشى الموت بل هو ثابت الجنان والأركان، مستشعراً قوله - تعالى -: " قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون 52 " {التوبة: 52}.
2- الجندي المسلم وهو يرابط في الثكنات يتذكر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله، أو الغدوة، خير من الدنيا وما عليها"(1).
و قوله - صلى الله عليه وسلم -: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه. وإن مات، جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتاّن"(2).
و قوله - صلى الله عليه وسلم -: "رباط يوم في سبيل الله؛ خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل"(3).
3- الجندي المسلم وهو يحرس ساهراً مكابداً مشقة الليل، يفعل ذلك بكل إخلاص وإقبال. وكيف لا يفعل ذلك وهو يعرف قوله - صلى الله عليه وسلم -: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" (4).
4- الجندي المسلم لا يجد غضاضة في القيام بما يسند إليه من أعمال، ولا أنفة في تأدية ما يؤمر به من معروف. وهو في ذلك كله لا تنتابه عزّة بالإثم أو كبرياء، وحاديه في ذلك قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: "تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع" (5).(16/92)
5- لا يعرف الجندي المسلم الخيانة ولا الغدر، ولا يدفعه إلى أي منهما طمع في مال أو إغراء بعرض من الدنيا قلّ أو كثر، ذلك أنه يحفظ جيداً حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أربع خلال من كن فيه كان منافقاً خالصاً: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر. ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها" (6).
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء، فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان " (7).
6- الجندي المسلم لا يفر من مواطن الزحف فينخذل أو يخلي موقعه، معرضاً بذلك إخوانه الجنود وقادته إلى خطرٍ عظيم.
الجندي المسلم لا يفعل ذلك لأنه يعرف أن هذا العمل من الموبقات التي توجب غضب الله والتي تذهب بعمل الإنسان وتحبطه، والتي قرنت بعظائم الذنوب وعلى رأسها الشرك بالله - تعالى - قال - تعالى -: ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى" فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير 16 {الأنفال: 16}.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: يا رسول الله: وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات"(8).
7-الجندي المسلم حريص على قوة بدنه فلا يضعفه ولا يفرط في صحته بأي شكل ولأي سبب، وذلك في حرص منه على ملازمة وصف الخيرية في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله. ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله. وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان"(9).
8- يؤدي الجندي المسلم ما يسند إليه من أعمال بكل صدق وتفانى وإتقان، حباً منه لما يحبه الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله - تعالى - يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"(10).
9- الجندي المسلم يأخذ بأسباب القوة في مجاله ويحرص عليها وخصوصاً في مجال الرماية بأنواعها وبكل الآلات الحديثة المؤدية لها، كيف لا ورسول الله عليه وسلم يقول: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة. ألا إن القوة الرمي. ألا إن القوة الرمي. ألا إن القوة الرمي" (11).
بل إن وقت راحته ولهوه يقضيه في ذلك امتثالاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر"(12).
ومع استتباب الأمن وحلول السلم لا ينسى أن يكون دائماً على أهبة الاستعداد والدربة في هذا المجال المهم عملاً بوصية نبي الإسلام؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إن القوة الرمي - ثلاث مرات - ألا إن الله سيفتح لكم الأرض وستُكفَون المؤنة، فلا يعجزن أحدكم أن يلهو بأسهمه"(13).
10- يمتاز الجندي المسلم بتمام السمع والطاعة في المعروف؛ لأنه يعتقد جزماً أن طاعة ولي الأمر من تمام طاعة الله وذلك في غير معصية الله، وأن عصيان ولي الأمر في المعروف من عصيان الله - تعالى -.
قال - صلى الله عليه وسلم - "من أطاعني فقد أطاع الله و من عصاني فقد عصى الله و من أطاع الأمير فقد أطاعني و من عصى الأمير فقد عصاني" (14).
وفي الصحيح: "بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية وأمّر عليهم رجلاً من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطباً وأوقدتم ناراً ثم دخلتم فيها. فجمعوا حطباً فأوقدوا ناراً؛ فلما هموا بالدخول فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم: إنما تبعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فراراً من النار أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذا خمدت النار وسكن غضبه، فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف" (15).
11- وبإجمال فإن العقيدة الصحيحة بالإضافة لما سبق تمنع الجندي المسلم من تناول الشهوات، ومن ارتكاب المحرمات التي صارت من أهم عوامل الفتك بالجيوش في غير بلاد الإسلام.
كما أن العقيدة الصحيحة تحمل صاحبها على حفظ العهود، وصيانة الأمانات، وكتم الأسرار، وهذه من أعظم الخصال ومهمات الخصائص التي يسعى أرباب الجيوش لغرسها في نفوس جنودهم.
هذا غيض من فيض وأعود فأقول إن نشر وترسيخ العقيدة الصحيحة في قلوب جنود المسلمين يمثل صمام أمان محكم لجيوش الدول المسلمة يحفظ عليها تماسكها، ويضمن انضباطها، ويحول دون وقوع الخيانات بين صفوفها، كما أن الجندي المسلم المتمسك بدينه لا يمكن أن يستدرج إلى صفوف العدو بشهوة فضلاً عن شبهة.
وفوق كل ذلك فإنه ثابت الجنان، قوي الأركان، مرابط، حريص على تأدية الواجب المنوط به من غير تفريط أو تخاذل. فهو في كل ذلك يستشعر أنه يؤدي عبادة لله الواحد الديان فهو مأجور على كل حال.
ومن الوسائل المقترحة لترسيخ مبادئ الإسلام ما يلي:
1- إقامة الدروس العلمية في ثكنات الجنود.
2- الإكثار من المحاضرات والكلمات الوعظية.
3- نشر الشريط والكتيبات والمطويات النافعة.
4- إقامة معارض الكتب والأشرطة.
5- إضافة دورات تدريبية وحلقات دراسية في هذه المواضيع ضمن المناهج المعتمدة للجنود.
6- ربط الجنود بمبادئ الإسلام وتحبيبها إليهم وخصوصاً في باب التعامل بين القادة والجنود.
7- إحياء سنن الصيام كصيام الاثنين والخميس والأيام البيض وعشر ذي الحجة وعاشوراء، والاجتماع على الإفطار فيما تيسر منها.
8- القيام برحلات منتظمة للعمرة، والحج إن تيسر بحيث يستفاد منها في ذلك.(16/93)
9- إحياء دور المساجد والمصليات في الثكنات ودعم برامجها واختيار الأكفاء لتولي أمانتها.
10- إنشاء ودعم حلقات تحفيظ القرآن وبذل الحوافز وإقامة المسابقات فيها.
أسأل الله أن يحفظ الإسلام وأهله من شر كل ذي شر وأن يديم عليهم الأمن والإيمان والسلامة والإسلام.
ــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1- البخاري 2982.
2- مسلم 1913.
3- صحيح الترغيب 1224.
4-مشكاة المصابيح 3752.
5-البخاري 2887.
6-البخاري 3178.
7- مسلم 1735.
8-البخاري 2766.
9-مسلم 2664.
10- صحيح الجامع 1880.
11- مسلم 1917.
12-صحيح النسائي 3353
13-صحيح الترمذي 2462.
14-صحيح الجامع 5920.
15- البخاري 7145.
http://jmuslim.naseej.com المصدر:
===========
رسالة من القلب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
يقف الإخوة الأفغان في خنادقهم ثانية لمواجهة الحرب الشرسة التي شنتها عليهم هذه المرة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها؛ ومن حكمة الله - تعالى - أن جعل أرضهم موطئاً لملاحم كثيرة وطويلة جداً؛ فبعد هزيمة بريطانيا العظمى مرات متتالية، ثم الاتحاد السوفييتي البائد، جاءت إليهم أمريكا بطغيانها وجبروتها، والفرق في هذه الحرب عن الحروب الأولى أن العالم كله بشرقه وغربه اجتمع عليهم هذه المرة، وراح الناس ـ كل الناس ـ يتحدثون عن سقوطهم وهزيمتهم، وشكل الحكومة الأفغانية القادمة قبل أن تبدأ الحرب..!! فكانت من البيان هذه الرسالة.
أيها الإخوة الأفغان:
إننا نعلم أنكم تعيشون أياماً قاسية عصيبة، وأنتم الآن في شغل ـ وأي شغل! ـ وليس من الحكمة أن نلقي عليكم المواعظ، ونظهر أمامكم بمظهر المشيخة والأستاذية، وأنتم تبيتون على أصوات الانفجارات والقنابل العنقودية والصواريخ المدمرة، ثم تصبحون على حساب الخسائر وكفكفة الجراح..! ولكن عذرنا أن الله - تعالى - أوجب علينا محبتكم فيه، وأن نتألم لألمكم ونحزن لحزنكم، ومن واجبنا أن نخلص النصيحة لكم بمحبة وإشفاق، لعلَّ ذلك يكون زيادة في تثبيتكم والشدّ من أزركم، وهذا خطاب لنا ولكم ولجميع قرائنا. نسأل الله - تعالى - أن يستعملنا جميعاً في طاعته، وأن يجعلنا وإياكم مفاتيح للخير، مغاليق للشر.
أولاً: ففروا إلى الله:
قال الله - تعالى -: [ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ][آل عمران: 126]. وقال - تعالى -: [ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ][الأنفال: 10]. وقال - تعالى -: [ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ][محمد: 7].
فعليكم بالعودة الصادقة إلى الله - تعالى - فما خاب من استعان به - عز وجل -،[ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ][الذاريات: 50]، والمنصور من نصره الله - تعالى -. قال الله - تعالى -:[ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ][آل عمران: 160]، وفتشوا في قلوبكم، وأعلنوها توبة صريحة صادقة من كل اعتقاد أو عمل أو قول لا يرضي الله - تعالى -، وليس موافقاً لشرعه، وأخلصوا له العمل وحده لا شريك له، وأفردوا نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالمتابعة؛ فإن ذلك من أعظم العدة، وأقوى العتاد. قال - تعالى -: [ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ][الكهف: 110].
وإنّ من أعظم ما ينبغي تجريد النية له الجهاد لإقامة الدين ورفع لواء التوحيد. قال الله - تعالى -:[ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ][الأنفال: 39]، وقد جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه؛ فمن في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»(1).
ثانياً: إياكم والقنوط:
حذار.. حذار من اليأس والقنوط، مهما طال الطريق أو تكالب الأعداء؛ فإن ذلك بداية السقوط والهلاك أعاذكم الله من ذلك، وأهل الإيمان الراسخ يملكون يقيناً عامراً لا تهده الفتن ولا تزلزله الأعاصير.
إنّ الهزيمة النفسية من أشد وأنكى أنواع الهزائم، فترى المرء يسقط قبل أن يبدأ المعركة. كما أن الانتصار النفسي من أعظم أنواع النصر، ولهذا ترى العبد المؤمن يُقبل على الله ـ - تعالى - ـ بنفس واثقة مطمئنة يرجو ما عند الله والدار الآخرة، يحدوه قول الله - تعالى -:[ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ][التوبة: 52].
والثبات عند الفتن من أعظم الأدلة على صدق الإيمان، قال الله - تعالى -: [ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ][العنكبوت: 1 - 3]. وقال - تعالى -:[ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ *أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ][آل عمران: 141، 142].(16/94)
إنّ طريق الجهاد في سبيل الله طريق طويل لا يقوى على تحمل تبعاته إلا الرجال الأشداء ذوو القلوب المؤمنة، والنفوس الكبيرة، والهمم الشماء. أما النفوس الهزيلة، والقلوب الخاوية؛ فإنها تتراجع في بداية الطريق،[ لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ][التوبة: 42].. نعم كثيرون أولئك الذين تدفعهم العاطفة لخدمة هذا الدين، لكن قلَّة قليلة منهم تتماسك وتثبت عند المحن، وتتجرع الآلام والمصاعب دون خور أو ضعف أو قنوط، وهنا يتجلى أثر الإيمان الحق في النفوس الأبيّة، والقلوب المخلصة. قال الله - تعالى -:[ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ً][الأحزاب: 23]. وقال - تعالى -:[وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ][آل عمران: 146 - 148].
ونصر الله - عز وجل - لا يتنزل على أوليائه إلا بتحقيق أمرين عظيمين هما: الصبر، والتقوى؛ فهما أعظم بواعث النصر والتمكين. قال الله - تعالى -:[ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ* و َمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ][آل عمران: 125، 126]، وقال - تعالى -:[ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ][آل عمران: 186].
والصبر ليس موعظة تتلى، أو خطبة تنتفخ لها الأوداج، بل هي عقيدة راسخة ضاربة بأطنابها في أعماق القلب، وتثمر ـ بإذن الله ـ إقبالاً صادقاً على البذل والعطاء، والجود بالنفس والنفيس ابتغاء وجه الله.
ثالثاً: فلا تخافوهم:
لا يهولنكم ذلك الجمع الدولي، ولا يهولنكم تواطؤ أمم الأرض عليكم، ولا تهولنكم أمريكا بقواتها العسكرية وترسانتها الجوية؛ فإن قوَّتهم لا تساوي شيئاً أمام قوة الله - تعالى - جبَّار السماوات والأرض، ولا يهولنكم ذلك الإرجاف الإعلامي الذي طغى ضجيجه في كل مكان؛ فإنما ذلك من تخذيل الشيطان وأوليائه. قال الله - تعالى -:[ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ][آل عمران: 173 - 175]. وقال - تعالى -:[ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ][الأنفال: 48].
وإنَّ لكم في هود - عليه الصلاة والسلام - قدوة حسنة؛ حيث قال الله - تعالى - على لسانه:[ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ][هود: 54 - 56].
وإننا على يقين راسخ بأن النصر متحقق لهذه الأمة إن عاجلاً أو آجلاً. قال الله - تعالى -:[ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ][القمر: 45]، وقد يتأخر النصر لحكمة يريدها الله - تعالى -؛ فقد قال - عز وجل -: [حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ][يوسف: 110]. وقال - تعالى ـ:[ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ][البقرة: 214].
وكيف تنهزم أمة يؤمن رجالها بأن ريح الجنة يفوح عبيره بين الصفوف، فيتتبعون الموت مظانه مقبلين غير مدبرين..؟!
وكيف تنهزم أمة يؤمن رجالها بأن استشهادهم في سبيل الله - تعالى - هو طريق الحياة والعزة والتمكين..؟!(16/95)
نعم ربما يحرز الكفر نصراً على المسلمين، ولكنه نصر بارد مؤقت، ومن حكمة الله - تعالى - أنه قد يقدر على بعض المؤمنين انكساراً في وقت ما من الأوقات، ليبلوهم بذلك، كما حصل للنبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه في غزوة أحد(1)، ثم يُعدِّهم لنصر قادم بقوته وتأييده، وفي قصة صاحب الأخدود مثل عظيم؛ إذ إن قتله وتحريقه أدى إلى انتشار عقيدته.
إنَّ أول مراحل النصر: الانتصار على النفس، وطرد الخوف من القلب؛ فما دب الخوف في قلب إلا تصدع كيانه، وتزلزلت أركانه، وألبسه الله لباس الذل والهوان. والخوف الحابس عن العمل آية من آيات النفاق؛ أعاذنا الله من ذلك. قال الله - تعالى -:[ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ][الأحزاب: 19].
وكل كريهة ترفع، أو مكرمة تكتسب لا تتحقق إلا بالشجاعة. وبقوة القلب يقتحم المرء الأمور الصعاب، وبقوة القلب يتحمل أثقال المكاره، وبقوة القلب تنفذ كل عزيمة أوجبها الحزم والعدل(2).
ولن يُستلَّ الخوف من القلب إلا بصدق اليقين والإيمان. قال - تعالى -:[ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً][الجن: 13]. وأهل التوحيد الخالص هم أعظم الناس قوة وثباتاً، وكيف يخاف من أمَّنه الله - تعالى - وهداه؟! قال الله - تعالى - على لسان إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -:[ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ][الأنعام: 81، 82]؛ ولهذا ترى المؤمن يقبل على الله ـ - تعالى - ـ بقلب ثابت ثبوت الجبال الرواسي لا يخاف إلا الله - عز وجل -، وإن الجبن آفة سائدة تنخر القلوب المريضة، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ منه في دعائه قائلاً: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن... الحديث»(1).
فما وجفت تلك القلوب ولم تكن *** كأخرى لها من هدة الرعب زلزال
رجال رسا الإيمان ملء نفوسهم *** فلا الجبن منجاة ولا البأس قتَّال
ولا الموت مكروه على العز ورده *** ولا العيش مورود إذا خيف إذلال
تداعوا فقالوا: حسبنا الله إنه *** لما شاء من نصر الهداة فعَّال
لقد خلع الخوف قلوب كثير من الناس في هذا الزمان، وارتعدت فرائصهم جبناً وهلعاً، لِمَا رأوا من اجتماع الحشود الكافرة، وهم يبعدون عنهم مفاوز؛ فهل يمكن أن تنتصر أمة شلّها الخوف والهلع بهذه الصورة المحبطة..؟! وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «شرُّ ما في رجل: شح هالع، وجبن خالع»(2).
رابعاً: ادعوني أستجب لكم:
إن الدعاء من أعظم الأسلحة التي تظهر بركتها عند التحام الصفوف واحتدام القتال؛ فهو استغاثة بمن لا يُردُّ قضاؤه، ولا يهزم جنده، وقد أمر الله - عز وجل - باللجوء إليه في مثل هذه المواطن خاصة. قال الله - تعالى -:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ][الأنفال: 45]. وقال - تعالى -:[ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء][النمل: 62]، وقد كان من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يستغيث بالله - تعالى -، ويستجير به بإلحاح، ويطلب منه المدد والعون، وخاصة عندما يحمى الوطيس؛ ففي غزوة بدر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في قبَّة: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم». فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك يا رسول الله! ألححت على ربك.. الحديث»(3)، وفي رواية مسلم: «فاستقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة، ثم مدَّ يديه فجعل يهتف بربه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني. اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» فما زال يهتف بربه مادّاً يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه من منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله! كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله - عز وجل -:[ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ][الأنفال: 9]، فأمده الله بالملائكة(4).
وإن من أعظم النصرة التي يحتاجها الإخوة الأفغان دعاء إخوانهم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، في خلواتهم وسجودهم، وفي آخر الليل، وعند الإفطار، ونحوها من مواطن وأوقات الإجابة.
خامساً: لنستثمر الحدث:(16/96)
على العلماء والدعاة والمصلحين في جميع أنحاء العالم أن يستثمروا هذه النازلة في استنهاض الهمم والطاقات، وإحياء الغيرة في النفوس؛ فتتابع الفتن وتكالب الأعداء يمكن أن يكون محبطاً مقعداً عن العمل، ويمكن أن يكون ـ بإذن الله ـ من أعظم الأسباب المحركة للنفوس، المستحثة للعمل والمدافعة إذا أُحْسِنَ استثمارها وتوظيفها لخدمة الأمة. ونعني بالاستثمار: تشجيع جميع المسلمين ـ كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم ـ لبذل المعروف والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى المقصرين بل والعصاة منهم، وها هو ذا أبو محجن الثقفي يُسجَن ويقيد لشربه الخمر في معركة القادسية، ولكن الغيرة على الدين وأهله تأججت في صدره فيبلي بلاءً حسناً في نصرة الدين وقتال الكافرين(5).
ومن الاستثمار أيضاً: إحياء وعي الأمة بحقيقة المعركة التي توجه ضدها من النصارى وأنصارهم، والملحدين وأشياعهم، وبيان سبيل النهوض والعزة، وأنه بالعودة الصادقة إلى دين الله - تعالى -.
ومن الاستثمار أيضاً: تذكير الدعاة والصالحين بوجوب رصِّ الصفوف، والتعاون على البر والتقوى، وعلاج الخلافات اليسيرة بعلم ومحبة بعيداً عن التقاطع والتهارش الذي آذى الأمَّة أذى عريضاً.
سادساً: لا يضرهم من خذلهم:
أحزن الغيورين كثيراً إرجاف المخذلين، وربما كان أثرهم في النفوس أشد إيلاماً من العدو الكافر ـ نسأل الله السلامة ـ كما قال الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على الحر من وقع الحسام المهنَّدِ
لكن المؤمن الحق لا يفتُّ ذلك في عضده؛ فهو واثق الخطى، خالص التوكل، عظيم الثبات، يلهج لسانه بقوله الله ـ تعالى - :[ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ][التوبة: 129]، وقوله - تعالى -: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ][الأنفال: 64].
إن الاستسلام لإرجاف الناس، وتخذيل المخذلين يجر الإنسان إلى حضيض الانتكاس، ويسقطه في دركات الهزيمة، وقد حفظ الله - تعالى - أولياءه من ذلك؛ فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك»(1). والناظر في سير الأنبياء ـ عليهم أزكى الصلاة والسلام ـ يجد أنهم ثبتوا على الحق، وعضوا عليه بالنواجذ، على الرغم مما أصابهم؛ فها هو ذا أبو الأنبياء إبراهيم الخليل ـ - عليه الصلاة والسلام - ـ يصدع بالحق، ويعلن براءته من قومه ومن معبوداتهم. قال الله - تعالى -:[ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ][الممتحنة: 4].
سابعاً: من القلب إلى المجاهدين القدامى في المعارضة الشمالية:
لقد وقف المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها معكم عندما رفعتم راية الجهاد في سبيل الله لمواجهة الشيوعيين، وكان الناس ينظرون إليكم بإكبار وإعزاز؛ فالتضحيات التي قدمتموها كانت تضحيات جليلة أحيت في الأمة علم الجهاد. ثم لمَّا حصل ما حصل من التنابذ والصراع بين الفصائل الجهادية ضاقت صدور المسلمين بذلك؛ فثمرة الجهاد كادت أن تصبح سراباً..! وازداد ضيقهم لمَّا كان بعض المنتسبين إلى الجهاد يسقطون في لعبة التوازنات السياسية ويتحالفون مع الشيوعيين تارة ومع الغرب تارة أخرى، وكان يصدر من بعضكم كلاماً شديداً في حق هؤلاء(2)، ثم دارت الأيام وحصل التنازع والتهارش، وتحزبت الجموع هنا وهناك لأغراض لا تخفى عليكم.. ولكن ما كنا نظن أن الجسد الواحد سيصيبه هذا الشرخ النازف؛ فها هم بعض المجاهدين القدامى(!!) يعودون لقتال إخوانهم، لتحقيق مكاسب دنيوية حزبية وقبلية وشخصية رخيصة..!
على رِسْلكم أيها الناس! أليس من المخجل جداً أن يضع المسلم يده بيد الأعداء لحرب إخوانه..؟! ألم تقاتلوا تلك السنين المتتابعة، وتضحوا تلك التضحيات المشهودة من أجل إخراج الشيوعيين من دياركم؟! فما بالكم الآن تقاتلون المسلمين؟! أتطيب نفوسكم وأنتم ترون تلك الحشود الزاحفة تجتمع لقصف المسلمين بالقنابل الانشطارية والعنقودية، وتدمير ديارهم وأهليهم بالصواريخ والطائرات المدمرة باسم الحرب على (الإرهاب الإسلامي) الذي كنتم تعتزون به فيما مضى من سالف الأيام..؟!
لقد عطرت دماؤكم ربى أفغانستان وجبالها لإخراج الشيوعيين.. ولكنكم ها أنتم تنكصون على أعقابكم وتعودون ثانية لإدخالهم أرضكم وتسليمهم أمركم..!!(16/97)
نعم.. اختلفتم مع إخوانكم وصارت بينكم محن ومنازلات لا ترضينا، وهَبُوا أنهم أخطؤوا في حقكم أو ظلموكم، أيكون ذلك مسوغاً لظلمهم والجور عليهم؟! أيكون ذلك مسوغاً لمناصرة الكافرين عليهم؟! ألا تقرؤون قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلِمُه»(1)؟! إنهم إخوانكم مهما اختلفتم معهم بنص القرآن الكريم؛ فالله - تعالى - وصف الطائفتين المتقاتلتين بأنهم إخوة ما دام الإيمان يجمعهم(2). أتضيع تلك الثوابت الشرعية المسلَّمة في دين الله وتتحالفون مع العدو الكافر لتصفية إخوانكم وإبادتهم عن بكرة أبيهم؟! آلله يرضى لكم ذلك..؟! أين المروءة ومكارم الأخلاق فضلاً عن العقيدة والدين..؟!
يا سبحان الله! ألا تقرؤون القرآن..؟! إننا نناشدكم بالله العلي العظيم أن تقرؤوا قول الله - تعالى -: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ][آل عمران: 118]، وقوله - تعالى -: [ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا - رضي الله عنهم - وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ][المجادلة: 22]. وقوله - تعالى -:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ][المائدة: 51].
أتظنون أن الأمريكان والروس وأعداء الملَّة يقاتلون من أجلكم ولتحقيق أهدافكم، أو أنهم راضون عنكم أو يحبون نصرتكم..؟! لا والله؛ فإنَّ صدورهم تغلي بالحقد عليكم وعلى إخوانكم كغلي المرجل، ولكنها تستخدمكم لأهداف رخيصة مؤقتة، حتى إذا تحققت مآربهم رموكم بأقدامهم الحاقدة كما رموا غيركم..! إننا نربأ بكم أن تكونوا كما قال الشاعر:
قطيع يساق إلى حتفه *** ويمضي ويهتف للسائقين
إن معاشر المسلمين في أصقاع الأرض يناشدونكم من كل قلوبهم.. فاتقوا الله.. ولا تنظروا إلى خلافات حزبية أو قبلية عارضة، ولا إلى مصالح دنيوية زائلة.. ولكن انظروا إلى دينكم فاحفظوه، وانظروا في أيديكم أين تضعونها..!
إننا نعلم أن بعض ذوي النفوس المريضة والأهواء الوضيعة قد جرّوكم لمثل هذه الكبوة وراحوا يتاجرون بشعاراتكم، وصدق الله - تعالى -:[ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ][المائدة: 52]، فالله الله..
نرجو الله - عز وجل - أن تكونوا صادقين مع الله، وأن تؤوبوا إلى الحق؛ فالعودة إلى الحق خير من التمادي في الباطل، ووالله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم لن ينفعكم شيء من أعمالكم إذا كان الدافع لها مغنماً زائداً من مغانم الدنيا،[ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً][الإسراء: 18 - 20].
أيها المسلمون: اعقدوا قلوبكم وأيديكم بعضها ببعض؛ فهذا هو طريق النصر بإذن الله، [ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ][الأنفال: 46].
---------------
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، رقم (2810)، ومسلم في كتاب الإمارة، رقم (1904).
(1) انظر في هذه الحكمة: زاد المعاد (219 ـ 220) تحقيق شعيب الأرناؤوط. (2) سراج الملوك، للطرطوشي، (2/ 668 ـ 670) بتصرف.
(1) أخرجه: البخاري في كتاب الدعوات، رقم (6363). ومسلم في كتاب الذكر، رقم (2706).
(2) أخرجه: أحمد (13/385)، وأبو داود في كتاب الجهاد، رقم (2511)، وإسناده صحيح.
(3) أخرجه: البخاري في كتاب التفسير، رقم (4875).
(4) أخرجه: مسلم في الجهاد والسير، رقم (1763).
(5) انظر قصته في: البداية والنهاية (9/632 ـ 633).
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، رقم (1920). (2) انظر مثلاً: مجلة البنيان المرصوص، العدد (11)، يناير 1987م.
(1) أخرجه: البخاري، في كتاب المظالم، رقم (2442)، ومسلم في كتاب البر، رقم (2580).(16/98)
(2) قال الله - تعالى -: [ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ][الحجرات: 9، 10].
رمضان 1422 هـ - ديسمبر 2001 م
http://albayan-magazine.comالمصدر:
===========
مساهمة المدرسين والطلاب في دعوة الجاليات
صالح بن عبد الرحمن القاضي
ينبغي للمعلمين الذين لديهم الحس الدعوي الجاد ويحملون الهم العظيم لمصلحة هذا الدين توفير المطبوعات والأشرطة الدعوية المختلفة وباللغات المتعددة من خلال القنوات المختلفة؛ كالمكتبات التي تبيع هذه الأشياء أو دور النشر أو مكاتب دعوة الجاليات، ويمكن تأمين قيمة المشتريات أو بعضها من خلال المبلغ المستحصل من صندوق الإحسان بالمدرسة، أو من مجهودات خيِّرة أخرى.
كيفية مساهمة الطلاب العملية:
أولاً: خلال فترة التمارين الصباحية أو في وقت الصلاة أو من خلال جولات على الفصول يتم إبلاغ الطلاب بأنه تتوفر لدى المرشد الطلابي أو من ينوب عنه بالمدرسة مجموعة من الكتب والمطويات والأشرطة والأفلام الدعوية، ويمكن لأي طالب أن يوصل شيئاً منها إلى العمال أو السائقين والخدم الذين هم في كفالة ولي أمره؛ ليساهم في نشر الخير والدعوة إلى الإسلام وتصحيح عقائد وعبادات المسلمين منهم، مع بيان ثواب هذا الجهد للطلاب حتى تصدق نيتهم لله ويقبلون عليه عن اقتناع واهتمام.
ثانياً: أخذ الطلاب في زيارة إلى أحد مكاتب دعوة الجاليات لاطلاعهم على جهوده واهتماماته ولمعرفة الطلاب لدور كل منهم مع المكتب، فالدعوة الإسلامية واجب الجميع وخاصة طلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية.
ثالثاً: توسيع دائرة الدعوة ومفهومها لدى الطلاب وخاصة في المرحلة الثانوية، وذلك بتعويدهم على استخدام كل أسلوب محبب في الدعوة، فمن ذلك اللطف مع العمالة الأجنبية والابتسامة لهم وتقديم الهدايا لهم ولو أشياء يسيرة، كأن تهدي أحدهم شيئاً بعد تعبئة السيارة بالوقود أو تعطي حامل المشتريات لك في سوق الخضرة وغيرها مبلغاً يزيد قليلاً عن المتفق عليه، أو تدفع طعاماً لعامل النظافة وغيره ذلك، وتكون معك كتب وأشرطة نافعة لهم بحسب اللغات الخاصة بهم.
رابعاً: أن يقوم الطلاب بتوزيع عناوين مكاتب دعوة الجاليات على العمالة مع شرح مبسط عن مهمات المكاتب، وكذلك جمع عناوين المراسلة لذوي العمالة وأقربائهم وتسليمها للمكاتب ليقوم المكتب بمراسلتهم وإهدائهم مطبوعات لدعوتهم وهم في بلادهم.
خامساً: استخدام خدمة الإنترنت في توجيه الدعوة إلى الإسلام والتعريف به والدلالة من خلال هذا العمل على المراكز الإسلامية والجمعيات الدعوية، والتعريف بأهم الكتب والمراجع وعناوين العلماء والدعاة ومواعيد المحاضرات والندوات والمؤتمرات. ويمكن أن يتم هذا بين الإخوة المعلمين المهتمين بهذه الجوانب العظيمة وبين الطلاب الذين لديهم المقدرة والكفاءة والخبرة في مجال الإنترنت لخدمة الدعوة، وتدريب الآخرين على هذه الأشياء لكسب المزيد من الاهتمامات الطلابية والحرص على تربيتهم على هذه الاهتمامات العالية.
سادساً: الحقيبة الدعوية والتي أعدها أحد مكاتب دعوة الجاليات بالرياض، وهي عبارة عن حقيبة صغيرة وجميلة، وبداخلها مجموعة جيوب بلاستيكية مرتبطة مفهرسة بحسب اللغات المختلفة، وبكل جيب مجموعة من الكتيبات والنشرات والأشرطة لتساعد حاملها وهو في سيارته من تزويد المحتاجين من العمالة بما يدعوهم إلى الإسلام أو يزيد في المحصلة الشرعية للمسلمين منهم.
وصلى الله على نبينا محمد
من كتاب (الأفكار التربوية للمدارس)
تأليف الأستاذ / صالح بن عبد الرحمن القاضي
http://saaid.net المصدر:
===========
الحب في الجامعة
في جامعات كثيرة ـ للأسف ـ ينتشر التعليم المختلط، وتعاني في هذه الأجواء الطالبة الملتزمة بدينها. هذه المعاناة الشديدة تتمثل في الحفاظ على المبدأ والعفة والاحتشام في ساحات وفصول توجد بين جنباتها دعوات الإغراء عبر الكلمة واللباس، وغير ذلك، المباشرة وغير المباشرة. وما أكثر القصص المحزنة التي سمعناها نتيجة هذا التفلت الأخلاقي على الأسرة والمجتمع.
ومما يزيد الطين بلة: ما تمارسه الفضائيات من تحريض على التمرد على الأخلاق والفضيلة، وهدم الضوابط الشرعية؛ بحجة التمدن والتحضر. وإذا كان الشباب يتعرض كل لحظة لهذا الغزو الثقافي في المساء، ويواجه في الصباح الفتنة مباشرة؛ فلكم أن تتصوروا النتائج!
السؤال الكبير هو: كيف يمكن للفتاة أن تكون في حصن حصين في ظل هذه الظروف المأساوية التي نعيشها؟ وكيف تحافظ على مكانتها وكرامتها وعفتها وحيائها؟ وكيف يمكن للشاب كذلك أن يحافظ على دينه في الوقت الذي لابد فيه من التعليم؟
وحتى نكون عمليين فإننا نوصي إخواننا وأخواتنا بالبحث عن الكليات والجامعات غير المختلطة في بلادهم، وإن لم توجد فتلتحق بأخفها ضرراً بحيث يكثر فيها الطيبون الحريصون على الخير، أو تلك التي تكثر فيها الأنشطة المحافظة.(16/99)
ومع هذا، فإن الفتاة خصوصاً لابد لها وهي تدرس أن تحافظ على حجابها غير المتبرج، حفاظاً على نفسها وعلى الشباب، كذلك نوصيها بتقليل الاختلاط في الممرات والمطاعم، وأن يكون لها صحبة من أخواتها تتواصى وإياهن على إيجاد مصلى للنساء تقام فيه أنشطة حسب الإمكان.
ثم بعد ذلك يحرص الشباب على الاتصال بإدارة الجامعة من حين لآخر، مطالبين بحقوقهم في بيئة تعليمية محافظة، واقتراح بدائل تخفف على الأقل من الشر.
هناك قناعة لدى قطاع عريض من إخواننا وأخواتنا بأن الواقع لا يمكن تغييره، وأن بعض الأمور أضحت من المسلمات، وهذا أمر لا يصدقه الواقع ولا مجريات الحياة على كافة الأصعدة.. كل شيء يمكن أن يتغير؛ بشرط صحة النية وبذل الجهد. اجتمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دار الأرقم بن أبي الأرقم وكان بيته على الصفا التي تشتد حركة الناس منها وإليها، ومع ذلك اختار هذا البيت! لماذا؟ يجيب المباركفوري في الرحيق المختوم: "لأن الأرقم لم يكن معروفاً بإسلامه، ولأنه من بني مخزوم التي تحمل لواء التنافس والحرب ضد بني هاشم، إذ يستبعد أن يختفي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قلب العدو، ولأنه كان فتى صغيراً عندما أسلم (في حدود 16 سنة)، إذ إنه في هذه الحالة تنصرف الأذهان إلى منازل كبار الصحابة"اهـ.
هل يكفي هذا المثال النبوي لبيان الحاجة إلى التفكير لوضع حد لمشكلاتنا الكبيرة والصغيرة؟
عندما تتبلور الإرادة للخروج؛ ستفتح أبواب كثيرة!
http://www.lahaonline.com المصدر:
============
من جماليات القول (الصدق)
د. وليد قصاب
أثرت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقوال كثيرة نهى فيها عن التكلّف في الكلام، وعن المبالغة فيه، وحذّر من التشادق التنطع؛ فإن ذلك كله يبعد الكلام عن الصدق، ويصمه بوصمة الكذب والغلو، فيفقد تأثيره، وينحجب عن قلب المتلقي ويوقع صاحبه تحت شبهة النفاق والتزلق والتزيد وتزوير الحقائق.
قال - عليه الصلاة والسلام -: (هلك المتنطعون) أو (هلك المكثرون) وقال في حديث آخر: (أن أبغضكم أليّ، وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون) والتشدق: لوي الشّدق بالكلام تفاصحاً والتفيهق: التوسع والتنطع والتبختر.
وإن البلاغة في المنظور العربي الإسلامي- لتنفر من التكلف في القول؛ لأن التكلف يجافي الصدق كما ذكرنا-، وهو في الوقت نفسه نتاج الكدَّ والاستكراه. وهو لا يدل على طبع سليم، أو سليقة أدبية صافية.
ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أنا وأتقياء أمتي برآء من التكلف)، وأن التفاصح والتفيهق في الكلام زيادة على ما فيهما من معنى التكلف والسماجة- يحملان معنى الغرور والتطاول على الناس، إذ نجد المتشدّق أو المتفيهق يملأ فمه بالكلام، ويتوسع فيه ويضرب به تكبراً أو ارتفاعاً وإظهار للفضيلة على غيره. وقد أشار حديث لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه الدلالة عندما قالوا له: "يا رسول الله قد علمنا الثرثارين والمتشدقين، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون".
وقد أكثر النبي - عليه الصلاة والسلام - في مواطن التعليم والإرشاد وفي موطن وضع التصور الإسلامي لفن القول به من التنفير من أي تقعر في الكلام أو تصنع في التعبير فقال: " إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها".
والتفت - عليه السلام - إلى القوم الذين جاؤوه وكلموه في شأن الجنين الذي مات فقالوا له: " كيف ندي من لا شرب ولا أكل ولا صاح فاستهل، أليس دمه قد يُطلّ" التفت إليهم ناعياً عليهم تكلّفهم، ذاماً سجعهم المصطنع المقيت، وقال: " أسجاعة كسجاعة الجاهلية" وفي رواية " أسجعاً كسجع الكهان".
إن تكلف الكلام والتصنع فيه وإن اصطياد الألفاظ الوحشية، والكلمات الغريبة المهجورة غير المألوفة مما ينفر منه الذوق الأدبي السليم وفطرة الإنسان الأدبية السوية، وهي أبعد ما تكون عن جماليات الأسلوب، وبلاغة القول، وتحسين الكلام.
وعلى أن هنالك فرقاً بعيداً بين تحسين الكلام والاهتمام به باختيار الألفاظ وانتقاء الكلمات وبين هذا الصنيع المقيت الذي نفَّرت منه الأحاديث الشريفة التي أوردنا بعضها. وقد أشار إلى ذلك الإمام الغزالي عليه رحمة الله- في كتابه العظيم (إحياء علوم الدين) فبيّن أن الأول مطلوب، لأن تحسين الألفاظ ودقة انتقاء الكلمات، وتخيّر الرشيق الأنيق منها هو من أصول البلاغة، وهو ركن ركين فيها، ولكن الثاني وهو التكلّف التصنّع- بفيض مكروه، لأنه يورث الكلام فجاجة وهجنة، ولأنه بعيد عن الصدق والعفوية.
قد وجّه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قوله: (إن من البيان لسحراً) توجيهن؛ فقال قول إنه مدح، وقيل إنه ذم، فأما المدح فلا يخفى وجهه، وهو أن البيان يؤثر في النفس فيحملها على تقبل الحق، والأنس به، والاستجابة له والمبادرة إلى العمل به. وأما وجه الذم -عند من حمله على هذا الوجه- فهو عندما يلجأ صاحبه إلى التصنّع والتكلف ليستميل الناس، ويعطف على القلوب، فيزيف لها الحق باطلاً والباطل حقاً فكأنه يسحرها عن الحق، ويُلَبّسه عليها، ويجمّل لها صورة الباطل، ويحسّنه في عينها.
وانظر إلى قول العلامة الخطابي في هذا الحديث في معالم السنن، قال: " اختلف الناس في تأويله، فقال بعضهم: وجْهُه أنه ذمّ التصنّع في الكلام، والتكلف لتحسينه وتزويقه ليروق السامعين، ويستميل به قلوبهم، فيحيل الشيء عن ظاهره، ويزيله عن موضوع، إرادة التلبيس... ".(16/100)
إن الكلام في مثل هذا التوجيه- شراك لخداع العقول، وتزييف الحقائق، وهو يتذرع بطلاء التكلف، وبهرجة الألفاظ، لتحقيق هذا الخداع، سحر النفوس عن الحق. ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث نهى فيه عن اصطناع حسن الكلام وبلاغة القول لمثل هذه الغاية الدنيئة، وهي اصطياد النفوس وسبيها من غير صدق أو حق. قال - عليه السلام -: " من تعلّم صرف الكلام ليسبي به عقول الرجال لم يقبل الله له يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً".
وهكذا يبدو الصدق ومجانبة التكلف والمبالغة والغلو من ملامح فن القول في التصور الإسلامي.
12/4/1425
31/05/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
=============
لماذا لا نتساءل ؟
د.عبد الكريم بكار
طالما حدثت نفسي عن الأسباب التي تجعل شهيتنا للتساؤل ضعيفة؛ مما أدى إلى تراكم المشكلات وضعف خبرتنا العامة في التحليل والوقوف على العلل الخفية التي دفعت بالأمة إلى الوضعية التي تعاني منها الآن، وقد بدا لي أن ذلك يعود إلى عدد من الأسباب، أذكر منها:
1 - سيطرة الموروثات والتقاليد الشعبية على مداخل التفكير لدى معظم الناس؛ وتلك الموروثات تنظر إلى الإكثار من طرح الأسئلة على أنه دليل الجهل وقلة الخبرة. كما أن المبادرة إلى الإجابة على أي سؤال يُطرح تعطي انطباعاً معاكساً؛ ولذا فإن من الملاحظ أنه حين يطرح سؤال يتعلق بالصحة ـ مثلاً ـ وفي المجلس طبيب فإن أكثر من شخص يجيب قبل أن يتمكن الطبيب من إبداء رأيه! وهذه الوضعيةـ ذاتها تشجع الناس أيضاً على أن يجيبوا أنفسهم على التساؤلات التي تثور في أذهانهم بعيداً عما في الكتب، وعما لدى أهل العلم، وهذا يؤدي بهم إلى أن يشعروا بنوع من الامتلاء الكاذب، ويكونون بذلك كمن يتجشأ من غير شبع!
2 - طريقة التعليم السائدة في المدارس تكرس ما تشيعه الثقافة الشعبية؛ حيث إن أسلوبنا في تلقين المعلومات يجعل المعلم يظهر في موقف الإنسان الذي يعرف كل شيء، أو موقف الفارس الذي يجول ويصول في الحلبة وحيداً دون أن يحسب حساب أي شيء. وتتجلى المعلومات التي يسوقها في شكل معطيات قطعية، تجاوزت مرحلة الجدل والنقاش. وبعض المعلمين يزيد الطين بلة، فيمنع الطلاب من إلقاء أي سؤال؛ لأن ذلك قد يشير إلى أنه لا يشرح بطريقة وافية، أو لأنه قد يوقعه في الحرج مما يدفع الطلاب إلى الصمت المطبق!
3 - في المجتمعات الإسلامية جماهير غفيرة يعشقون الغرائب ويروجون لها لأسباب مختلفة منها إمتاع السامعين، وإظهار العلم بما يجهله غيرهم، والتسويق لشخص أو جماعة أو فكرة أو طريقة.... والارتزاق من وراء الإثارة التي تحدثها القصص والحكايات العجيبة! من طبيعة الغرائب أنها لا تعرف الوقوف عند أي حد؛ ولذا فإنها تتطور في كثير من الأحيان لتأخذ شكل الخرافة، ولتبني من ثم عقولاًَ خرافية. من مخاطر الغرائب والخرافات أنها تمحو في أذهان الناس الفروق بين الطبيعي وغير الطبيعي، والجائز والممنوع، والقريب والبعيد، والممكن والمستحيل... ومن خلال زوال الفروق بين هذه الثنائيات تتهيأ أذهان الناس لقبول أي شيء والاستسلام للوضعية الراهنة بوصفها شيئاً لا بديل عنه.
4 - اليأس والإحباط بسبب سوء الأحوال وتدهور مكانة الأمة بين الأمم الأخرى؛ مما يؤدي إلى الإحجام عن التساؤل حيث يفقد المحبط الحيوية الذهنية، كما يفقد روح الانفتاح والتفاعل التي كثيراً ما تتمظهر في التساؤل، فتؤول الأمور إلى السكون التام وانتظار المصير المحتوم.
5 - جفول الوعي الإسلامي في وقت مبكر من تاريخ هذه الأمة من (الفلسفة) بسبب تجاوز بعض فلاسفة المسلمين للعديد من الأصول والثوابت الشرعية، وقد أدى ذلك إلى ضعف صناعة المفاهيم لدينا، وإصابتنا بقصور مريع في عدد كبير منها. وحين يتضاءل مفهوم ما عن المستوى الذي ينبغي أن يبلغه، ينحط مستوى العمل ورد الفعل؛ مما يجعل الانحدار نحو القاع أمراً مقبولاً أو غير مستنكر، ومن ثم فلا يثار حوله أي تساؤل. إذا أردنا لشهية التساؤل لدينا أن تنفتح من جديد، فلا بد من معالجة الأسباب التي أدت ـ وما زالت تؤدي ـ إلى اضمحلالها. والله الهادي إلى سواء السبيل.
المحرم 1423 هـ - مارس - أبريل 2002 م
http://albayan-magazine.com المصدر:
=============
كيف تكون محبوباً ؟
إنه مما لا شكَّ فيه أنَّ كلَّ واحدٍ منا يريد أن يكون محبوباً عند الناس، يفرحون بلقائه، ويحزنون لغيابه، فتنشرح صدورهم بإيابه، وتظلم قلوبهم لذهابه، يفتقدونه إذا غاب، ويسألون عنه إذا ذهب، ويعينونه إذا احتاج، ويناصرونه إذا ألمَّت به حادثة، يحزنون لحزنه، ويفرحون لفرحه، ويتألمون لألمه، ويسعون فيه رضاه..
فأيُّ نعمة هو فيها؟ مع ذلك المحروم الذي حُرم محبة الناس، فهاهم تضيق صدورهم برؤيته، وتنشرح صدورهم بذهابه عنهم، يفرحون بسقوطه في كلِّ نائبة، ويشمتون بوقوعه في أيِّ داهية، يرغبون في موته وفنائه، ويأملون في الحماية من حضوره والوقاية من شروره، إذا غاب لم يفتقد، وإذا حضر لم يستشار، وإذا قال لم يُسمع له، فلا هم يعتدُّون به، ولا يرفعون به رأساً؟!
فمن أيِّ الصنفين تريد أن تكون؟!
أحسب أنَّ كلَّ عاقل يتمنى أن يكون ذلك الرجل المحبوب الذي تأنس له القلوب، ولكن كيف السبيل لذلك الحلم الجميل؟!
إليك الطريقة التي جاء بها خير الخليقة، فكان بحق أحب الخلق وأفضل الناس وأكمل من درج على الأرض؛ إنه محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.(16/101)
فعن سهل بن سعد الساعدي ـ رضي الله عنه ـ قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل، فقال: يا رسول الله! دلني على عمل، إذا أنا عملته، أحبني الله، وأحبني الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ازهد في الدنيا يُحبَّكَ الله، وازهد في الناَّسِ يُحبُّكَ الناس " 1 وفي رواية: " ازهد في الدنيا يُحبَّك الله، وازهد فيما في أيدي الناسِ يُحبَّكَ الناسُ " 2
هكذا يحبك الناس، فإنهم يأمنون معاملتك، ويثقون بقولك، ويعتقدون فيك الأمانة، ويستبعدون عنك الخيانة، فيطمعون فيك لعفَّتك عن الطمع فيهم، وزهدك عن التشبث بما في أيديهم، فها أنت تعطيهم حقوقهم في سهولة، وتتنازل عن بعض حقِّك في كرم وأريحية، فكيف لا يحبونك ويغرسونك في قلوبهم وقد استغنيت عما في أيديهم؟!
فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: أتى رجلٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! حدِّثني بحديثٍ واجعله موجزاً؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " صَلِّ صلاةَ مُودِّعٍ، كأنَّك تراه، فإن كنتَ لا تراهُ، فإنَّه يراكَ، وايأَس مِما في أيدي الناسِ تكُن غَنيَّاً، وإيَّاكَ وما يُعتذرُ مِنهُ " 3
وهل شرفك إلا في عدم التطلُّع لما لهم؟
وهل عزَّتُك إلا في الاستغناء بالله عما عندهم؟!
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " شَرَفُ المؤمنِ صلاتُه بالليل، وعِزُّه استغناؤه عما في أيدي الناس " 4
فلا تلتفت عمن بيده ميراث السموات والأرض، وهو الغني الكريم، إلى الفقراء الضعفاء الذين لا يملكون لأنفسهم من قطمير، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ليستَغنِ أَحَدُكُم عنِ الناسِ ولو بقَضيبٍ مِن سواكٍ " 5
قال ابن عُيينة: دخل هشام بن عبد الملك الكعبةَ فإذا هو بسالم بن عبد الله، فقال: سَلني حاجةً؛ قال: إنِّي أستحي من الله أن أسألَ في بيته غَيرَه، فلما خرجا قال: الآن فسلني حاجةً. فقال له سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ فقال: من حوائج الدنيا. قال: والله ما سألتُ الدُّنيا من يَملِكُها، فكيف أسألُها مَن لا يملِكُها؟ 6
فهل يكفيك هذا؟!
اسمع لهذه الخاتمة الطيبة، لتعيش حياة طيبة، قال - تعالى -: [ولا تمدنَّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى] 7
بهذا تكون محبوباً، وإلاَّ فلا تلم إلا نفسك عندما تعبس الوجوه في وجهك، وتدبر الظهور عن محيَّاك!
ـــــــــــــــــــــــ
1 صحيح سنن ابن ماجه (2/392) (3310).
2 صحيح الترغيب والترهيب (3/253) (3213).
3 رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الزهد، انظر: السلسلة الصحيحة (4/544) (1914).
4 أخرجه العقيلي في الضعفاء وتمام في الفوائد، انظر: السلسلة الصحيحة (4/526) (1903).
5 أورده السيوطي في الزيادة وابن أبي حاتم في العلل، انظر: السلسلة الصحيحة (5/232) (2198).
6 ـ سير أعلام النبلاء ـ الذهبي (4/466).
7 طه: 131
06-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
============
بلاغ الرسالة القرآنية معالم في المنهج الدعوي
د.فريد بن الحسن الأنصاري
{هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم: 52].
مقدمة:
عندما نهمل التدبر لبعض المنطلقات المنهجية للعمل الإسلامي بحجة أنها من البَدَهِيّات الإسلامية، ومن المعلومات من الدين بالضرورة؛ فإننا كثيراً ما نقع في الانحراف عنها تدريجياً، فلا نشعر بذلك إلا بعد فوات الأوان!
ذلك أن الانغماس في الشأن اليومي السياسي، والنقابي، والاجتماعي العام للحركة الإسلامية؛ قد يصنع مناخاً سيئاً لتربية الخَلَف من النشء الإسلامي. وكذلك الدوران الداخلي حول الذات الحركية عندما تثقل أعباء العمل الإدارية والتنظيمية الداخلية؛ فكل ذلك قد ينسي الجيل الجديد أنه يشتغل ضمن حركة إسلامية قامت أساساً على أصل تعبدي، وقد يعصف الصراع السياسي الدائر في المجتمع بالبقية الباقية من الإحساس التعبدي في العمل لدى كثير من الشباب، فتبدأ النتوءات المنحرفة في الفكر والممارسة تبدو من هنا وهناك، وهو ما لاحظناه فعلاً في بعض القطاعات الطلابية والنقابية والسياسية التي أنشأها العمل الإسلامي أساساً لإقامة الدين وعدم التفرق فيه؛ مما يفرض على ذوي الرأي والتوجيه في الحركة الإسلامية ضرورة الحرص في العمل التربوي على تجديد الوعي بالمنطلقات المنهجية، والثوابت الدينية في كل عمل يراد له أن يكون إسلامياً.
وأحسب أن أول ما ينبغي أن نأخذه من المفهومات بقوة، هو: مفهوم (القرآن)؛ من حيث هو المتن الرئيس لرسالة الله إلى الناس، والمؤسِّس لمقاصد التعبد في كل عمل.
هذا خطاب الشباب اليوم في المنتديات، والجامعات، وسائر أنواع التجمعات، هو في أغلبه خطاب فكري متخشب، لا نداوة فيه ولا طراوة. فيه كل شيء من النصوص والاستشهادات والمرجعيات إلا آيات القرآن العظيم ونصوص السنة النبوية! تفرقت بهم الأهواء بين أقوال المفكرين والسياسيين من الزعماء والعلماء، حتى أحلُّوها في أنفسهم في بعض الأحيان محل القرآن، تقديساً وتوقيراً، ولو ذكرت له: (قال الله، قال رسوله) لوجدت منه استهجاناً على المستوى النفسي ـ والعياذ بالله ـ قد لا يشعر به هو نفسه؛ لأنك إنما تحدثه بما هو (معروف)، وبما هو (متداول) لا بما هو (جديد)، هكذا!(16/102)
ولقد بلغ الزيغ والضلال ببعض النابتة ممن يُحسَبون على الحركة الإسلامية أن صاروا إلى تمجيد كتابات بعض العلمانيين المتلبسين بالمسوح الإسلامية، من أمثال الدكتور نصر حامد أبو زيد، والدكتور حسن حنفي! أما النهل من كتابات الروافض ـ خاصة في الظروف السياسية الراهنة المعروفة ـ فحدث ولا حرج! فماذا إذن تنتظر من حركة ينهل شبابها من كتابات أمثال هؤلاء؟! إن عدم توحيد المرجعية، وعدم ضبط المنطلقات لن يضمن استمرار التوجه الإسلامي الصرف لأي حركة قامت في الأصل على منهج كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم غفلت عن (بدهياتها).
إن القول بوجوب رجوعنا إلى القرآن الكريم ليس بمعنى تزيين الكلام بآية أو أخرى هكذا اعتباطاً، ولكنه رجوع منهجي مبدئي يجب أن يتقرر في الأذهان، ويستقر في الوجدان؛ ليكون فعلاً نوراً يمشي به المسلم في طريقه إلى الله، ويبقى ذاكراً جيداً أنه بهذا العمل السياسي، أو النقابي، أو الاجتماعي، أو الإعلامي... إلخ، إنما يعبد الله. هذا هو الأصل العظيم الذي كثيراً ما يغيب، فيغيب معه كل شيء؛ لأنه (الفصل الجوهري) ـ على حد تعبير المناطقة ـ الذي يَسِمُ العمل بوصف (الإسلامية).
الإسلام بلاغ:
من أخطر مزالق العمل الإسلامي أن يغيب عنه في خضم الصراع السياسي، والتدافع الاجتماعي، أن طبيعة مشروعه قائمة أصلاً على أنه (رسالة ربانية) بالقصد الأول، وجب على حملتها الانضباط إلى شروط الأمانة في تبليغها، كما تقتضيه شروطها هي، لا كما تقتضيه أمزجتهم هم حسب أغراضهم وأهوائهم.
إن (البلاغ) ـ بمفهومه القرآني ـ هو أصل العمل الدعوي؛ ذلك أنه بصيغته هذه مشترك الدلالة بين معنيين: لازم، ومتعد. فهو بلاغ في ذاته، أي أنه مضمون رسالي جاء من رب العالمين يحمل عدداً من البلاغات الربانية إلى الناس أجمعين، ثم هو مقصود بـ (البلاغ) تكليفاً، أي بالتبليغ؛ ذلك أن (البلاغ) يرد في العربية بمعنى (التبليغ، والإبلاغ) أيضاً؛ فهو لفظ مزدوج الدلالة، وكذلك ورد في القرآن ـ كما سترى بحول الله ـ. جاء في لسان العرب: (والبَلاغُ: الإبْلاغُ. وفي التنزيل: {إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ} [الجن: 23]، أي لا أَجِدُ مَنْجى إلا أن أُبَلِّغَ عن اللهِ ما أُرْسِلْتُ به. والإبلاغُ: الإيصالُ، وكذلك التَبْلِيغُ، والاسم منه البَلاغُ)(1).
قلت: هذا أصل عظيم في الدين وجب الثبات على تذكره والتذكير به، بلا ملل ولا خجل، والتأكد من سلامة استقراره في الوجدان الحركي للعمل الإسلامي؛ ذلك أن دوَّامة التدافع الدولي والاجتماعي المعاصر كفيلة بجرف الماء عن أبسط منطلقاته، وأوضح مبادئه، في أي لحظة من لحظات انغماسه الإداري والتنظيمي في وطيس الاستفزازات السياسية، والمنافسات التنظيمية، إلا أن يعتصم بالمناط الرسالي لعمله، يدور معه حيث دار وجوداً وعدماً، في كل أمره، جليله وحقيره، وبيان ذلك كما يلي:
سألني أحد المحبين يوماً في غمرة الحيرة التي انتابته؛ إذ لاحظ ما آل إليه الوضع الإيماني من انحطاط، في بعض مظاهر العمل الإسلامي الراجعة إلى نوع من الاستفزازات، وبعض ردود الأفعال، قال: كيف نجدد ديننا؟
قلت: هناك سؤالان كبيران يرتبطان بوجود الإنسان في الكون، ويحددان مصيره فيه، وهما أول الخطو في طريق المعرفة الربانية التي هي مرجع كل عمل إسلامي، وأساس كل تجديد ديني، لكن قلما نضعهما ـ نحن المسلمين ـ اليوم على أنفسنا؛ لأننا نزعم أننا نعرف الجواب بداهة؛ فهل حصل لك أن جردت نفسك من نفسك وسألتها يوماً كأنها شخص آخر:
السؤال الأول: هل تعرفين الله؟
السؤال الثاني: هل تعرفين القرآن؟
المشكلة هي أننا عندما نكتفي بـ (نعم) نكف بها عن البحث، وننقطع عن السير في طريق المعرفة الربانية، واستكشاف هذا القرآن العظيم؛ ومن ثم نفقد بوصلة الصراط المستقيم في عملنا الدعوي.
افترض إذن أنك ـ مثلي ـ لا تملك الحقيقة كاملة، ولنتابع البحث معاً:
ألسنا مسلمين؟ ألسنا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ بلى طبعاً. هذا شيء حسن؛ فدين الإسلام الذي هو باب النجاة يوم القيامة إنما ينبني بعد الإيمان بالله على شهادة أن محمداً رسول الله. هذا بدهي، ومعلوم من الدين بالضرورة، نعم، ولكن تأمل: عبارة (رسول الله)، هذا الوصف للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - هو مناط الدين الذي قال عنه الله - عز وجل -: {إنَّ الدٌَينّ عٌندّ اللَّهٌ الإسًلامٍ} [آل عمران: 19]، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]. فكل الإسلام قائم على شهادة أن محمداً رسول الله؛ فنتج عن هذا الوصف (رسول) أن الدين كل الدين ـ أعني الإسلام ـ هو عبارة عن (رسالة). وهذا شيء عظيم جداً، ندرك رسمه، وقلما نتذوق حقيقته. وإليك البيان:
عندما نقول: (محمد رسول الله) فإن الحقيقة اللغوية والحقيقة الشرعية كلتيهما تقتضيان أن محمد بن عبد الله قد جاء برسالة معينة؛ أي أنيطت به مهمة يقوم بتبليغها، فكان بذلك (رسولاً)، ولولا ذلك لما كان له شأن في الكون ولا في التاريخ.
نعم هذه بدهيات.. ولعل عدم تأملنا لهذا الذي نسميه (بدهيات)، أو معلومات من الدين بالضرورة، هو سبب شرودنا بعيداً عن حقائق الإسلام.
إن (الرسالة) ـ أي رسالة، مهما كانت ـ لها أربعة أركان هي:
الأول: المرسِل وهو من قام بإرسال الرسالة.
والثاني: المرسَل إليه، وهو الطرف المعني بها والمخاطب بفحواها.
والثالث: الرسول، وهو حامل الرسالة المبلغ لها، بتكليف من المرسِل.(16/103)
ثم الرابع: وهو الخطاب المرسَل وهو مضمونها، أي متن الرسالة، ونصها اللغوي الحامل لمقاصد مرسلها.
وهذا كله ـ لو تدبرت ـ منطبق على الإسلام من حيث هو رسالة.
فالخلاصة إذن، هي أن الإسلام: رسالة مضمنة في متنها، أي في خطابها الحامل لمضمونها الرسالي، وهو القرآن الكريم الذي هو متن الرسالة، ثم السنة النبوية التي هي ملحقها الشارح، تلك هي أول مراتب {اهًدٌنّا الصٌَرّاطّ الًمٍسًتّقٌيمّ} [الفاتحة: 6]، لو تدبرت قليلاً.
إنك لو قرأت القرآن بهذا المنطق لوجدت عجباً!
إن تجديد الدين يقوم أساساً على تبين ما {الصٌَرّاطّ المٍسًتّقٌيمّ}؟ ثم كيف الاستقامة عليه؟ وبغير ضبط (الحقيقة الرسالية) للقرآن يكون كل فعل من محاولات التصحيح خارج {الصٌَرّاطّ الًمٍسًتّقٌيمّ}. وليس عبثاً أن يكون ذلك هو دعاء المسلم في كل صلاة، سبع عشرة مرة في اليوم والليلة على الأقل.
مهم جداً أن تستحضر في ذهنك ووجدانك أن القرآن يخبرنا عن نفسه، أنه رسالة، جاءت تحمل (الهداية) للناس الحيارى ـ وكل الناس لولا الدين حيارى ـ ويرسم لهم معالم الصراط المستقيم، فتدبر قوله - تعالى -: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 52، 53].
هذه أول درجات الوعي التي يجب أن تحققها لذاتك وللآخرين: (الإسلام رسالة)، متنها القرآن. إن الشعور بالمعنى الرسالي للقرآن إنما يتحقق لك على المستوى النفسي إذا تصورت طبيعة الوجود البشري؛ ذلك أن الإنسان وقد جاء من عالم الغيب، قد أحاطت به حجب عالم الشهادة ففقد الاتصال بأصله الغيبي إلا ما كان من نداء الفطرة الخفي في قلبه. إن ميلاد كل شخص من بطن أمه ونزوله إلى الدنيا هو كنزول آدم - عليه السلام - من الجنة في عالم الغيب إلى الأرض؛ حيث تبدأ حجب الحياة الدنيا تنسج عليه غلائل النسيان وتغرقه في جزئياتها اليومية، فيضرب بعيداً عن استشراف السماء مرة أخرى؛ ومن هنا اقتضت رحمة الرب العظيم ـ وهو الرحمن الرحيم ـ أن يرسل الرسل إلى الناس: أنْ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21، 22]، جاءت الرسالة من عالم الغيب لتربط الإنسان بأصله الحقيقي، ولتشعره بسعة الكون، وربوبية الخالق - عز وجل - المحيطة بكل شيء ثم لتعلمه بقصته كاملة من النشأة حتى المصير، وما له في ذلك كله وما عليه، فجاء القرآن لذلك في صورة (بلاغ) رباني. هذا مصطلح مهم جداً للتعرف إلى طبيعة القرآن: إنه (بلاغ) فيه دلالة عميقة جداً على (قصد التبليغ) لمضمون الرسالة؛ حتى يتم العلم بها على التمام عند من قُصدوا بالتبليغ والإعلام، قال - عز وجل -: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم: 52].
بلاغ قادم من عالم الغيب، من فوق سبع سماوات إلى عالم الشهادة، إلى الإنسان المتحرك فوق هذه الأرض، وبين العالمَيْن مسافة رهيبة، لا تستطيع النفس استيعابها مهما أوتيت من قدرة على الخيال، فجاء القرآن رسالة تعبر تلك المسافات كلها لتلقي على الإنسان خطاباً ربانياً عظيماً يحمل قضايا محددة قصدَ (إبلاغها) للإنسان، قضايا أو إن شئت فقل: (بلاغات) هي مناط مسؤوليته ووظيفته في الأرض.
ولقد كان أول هذه البلاغات هو القرآن نفسه، أعني أن أول ما جاء القرآن ليبلغه إلى الناس هو هذا المعنى الرسالي للقرآن، حتى لا يقرأه أحد أو يستمع إليه بعيداً عن هذه الحقيقة الكونية الكبرى، فلا يستفيد من بلاغاته الربانية شيئاً.
إن أول ما يجب أن يعرفه الإنسان من القرآن هو طبيعة هذا القرآن، من حيث هو رسالة رب الكون مرسلة إلى واحد من أهم سكان الكون: أنت، وأنا، وكل إنسان.. فكان ذلك هو البلاغ الأول للقرآن.
ومن هنا فما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الله إلا بهذا القرآن استجابة لقوله ـ - تعالى - ـ: {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} [الفرقان: 52]، وكذلك كان صحابته الكرام على هديه؛ فما أسلم أغلب من أسلم من الصحابة إلا بعد سماع القرآن، وهذا أمر متواتر في كتب السنن، وكتب السير والمغازي لمن استقرأه وتتبعه، ومن أشهر الأمثلة على ذلك قصة مفاوضة قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ بعثت إليه ممثلها الوليد بن عتبة، فكلمه في أن يكف عن تسفيه أحلامهم، حتى إذا فرغ من مقالته قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «أفرغتَ؟ » قال: نعم! قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {حم* تّنزٌيلِ مٌَنّ الرَّحًمّنٌ الرَّحٌيمٌ} [فصلت: 1، 2] حتى بلغ: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13](2).(16/104)
وكذلك كانت سفارة النبي - صلى الله عليه وسلم - في البلاد؛ إذ يرسل صحابته إلى الأقاليم والأمصار؛ فإنما كانوا يدعون الناس بالقرآن، كما هو الشأن في بعث أصحابه إلى المدينة؛ فعن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال: «أول من قدم علينا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، فجعلا يقرئاننا القرآن»(3).
في اكتشاف البلاغ القرآني تدبراً وتفكراً:
لا سبيل إلى معرفة الحقيقة إلا عبر هذا القرآن أولاً، ولا يكون ما دونه من طرق المعرفة إلا توابع له وملاحق؛ فهو متن الرسالة التي أرسلها رب العالمين إلى الخلق، وما سواه شروح وتفاسير، ويا لتعاسة من ضل عن هذا الأصل العلمي العظيم! إذن يضرب في التيه على غير هدى.. قال - عز وجل -: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً * وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [الإسراء: 9، 10]. وقال مستدركاً بقوة على الذين حرفوا وبدلوا وغيروا: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79]. ذلك سبيل الربانية الأوحد، لا سبيل سواه، فتدبر.
ومن هنا وجب أن تكون خطوتك الأولى في طريق المعرفة الربانية أن تتعرف إلى القرآن، بل أن تكتشفه؛ ولذلك جاء الخطاب القرآني يحمل أمر القراءة للقرآن تلاوة وترتيلاً، وأمر التعلم للقرآن مدارسةً وتدبراً.
والتدبر هو غاية كل ذلك ونتيجته؛ ولذلك قال - عز وجل -: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]. فجعل غاية الإنزال للقرآن التدبر والتذكر، ولولا التدبر لما حصل التذكر الذي هو يقظة القلب، وعمران الوجدان بالإيمان؛ فالتدبر هو المنهج القرآني المأمور به لقراءة القرآن العظيم؛ ومن هنا زجره - تعالى - للناس الذين لا يتدبرونه. قال - سبحانه -: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء: 82].
فما التدبر إذن؟
تَدَبَّرَ الشيء ـ في اللغة ـ يَتَدبَّرُه: تتبع دبره، أي نظر إلى أواخره وعواقبه ومآلاته، كيف هو إذا صار إليها؟ وكيف يكون؟ جاء في لسان العرب: (ودَبَّرَ الأَمْرَ وتَدَبَّره: نظر في عاقبته، واسْتَدْبَرَه: رأى في عاقبته ما لم يرَ في صدره، وعَرَفَ الأمْرَ تَدَبُّراً أي بأَخَرَةٍ. والتَّدْبِيرُ في الأمر: أن تنظر إلى ما تَؤُول إليه عاقبته. والتَّدَبُّر: التفكر فيه)(4).
فتدبر القرآن وآيات القرآن: هو النظر إلى مآلاتها وعواقبها في النفس وفي المجتمع؛ وذلك بأن تقرأ الآية من كتاب الله، فتنظر ـ إن كانت متعلقة بالنفس ـ إلى موقعها من نفسك، وآثارها في قلبك وعملك، تنظر ما مرتبتك منها؟ وما موقعك من تطبيقها أو مخالفتها؟ وما آثار ذلك كله في نفسك، وما تعانيه من قلق واضطراب في الحياة الخاصة والعامة؟ تحاول بذلك كله أن تقرأ سيرتك في ضوئها، باعتبارها مقياساً لوزن نفسك وتقويمها، وتعالج أدواءك بدوائها، وتستشفي بوصفاتها.
وأما إن كانت تتعلق بالمجتمع، فتنظر في سنن الله فيه كيف وقعت؟ وكيف تراها اليوم تقع؟ وكيف ترى سيرورة المجتمع وصيرورته في ضوئها، عند المخالفة وعند الموافقة؟ ثم تنظر ما علاقة ذلك كله بالكون والحياة والمصير؟ وهنا تلج إلى باب آخر من أبواب القرآن رديف للتدبر، بل هو منه، ذلك هو: التفكر. إن التفكر غالباً ما يرد مذكوراً في القرآن في سياق النظر في خلق الله، والتأمل في بديع صنعه، كما في قوله - تعالى -: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 190 - 194]؛ فكل هذه الأدعية العابدة، الحارة، الخاشعة، الباكية؛ إنما هي نابعة عن الإحساس الحاصل للعبد بُعَيد التفكر في خلق الله، فاقرأ الآيات وتدبر تجد أن المؤمن لمَّا يسيح في جنبات الكون الفسيح فإنه يشعر بعظمة الله الواحد القهار، وتأخذه الرهبة من جلال ملكه وعظمة سلطانه، فيسرع هارباً إلى مساكن رحمته، وجمال غفرانه.(16/105)
وبما أن القرآن كتاب يحيل المتدبر له إلى امتدادات الكون، ويرجع به إلى كشف كثير من أسرار الوجود، وغرائب الخلق؛ فإن (التدبر) الذي هو المنهج الرباني لقراءة القرآن، يحيل الإنسان إلى (التفكر) الذي هو المنهج الرباني لقراءة الكون، فيكون كل متدبر للقرآن متفكراً في الكون، فيقرأ ـ بقراءة القرآن ـ كل آيات الله المنظورة والمقروءة سواء.
هكذا وجب أن تقرأ القرآن آية آية، اقرأ وانظر.. عسى أن ترى ما لم تر، وتدرك من حقائقه ما لم تدرك من قبل، فتكون له متدبراً.. فتدبر.
ولنسأل الآن: ما القرآن؟ ما هذا الكتاب الذي هزَّ العالم كله، بل الكون كله؟
أجمع العلماء في تعريفهم للقرآن على أنه (كلام الله)، واختلفوا بعد ذلك في خصائص التعريف ولوازمه، ولا نقول في ذلك إلا بما قال به أهل الحق من السلف الصالح. وإنما المهم عندنا الآن ها هنا بيان هذا الأصل المجمع عليه بين المسلمين: (القرآن كلام الله). هذه حقيقة عظمى، ولكن لو تدبرت قليلاً.
الله ـ جل جلاله ـ خالق الكون كله، هل تستطيع أن تستوعب بخيالك امتداد هذا الكون في الآفاق؟ طبعاً لا أحد له القدرة على ذلك إلا خالق الكون - سبحانه وتعالى-؛ فالامتداد الذي ينتشر عبر الكون مجهول الحدود، مستحيل الحصر على العقل البشري المحدود.. هذه الأرض وأسرارها، وتلك الفضاءات وطبقاتها، وتلك النجوم والكواكب وأفلاكها، وتلك السماء وأبراجها، ثم تلك السماوات السبع وأطباقها، إنه لضرب في غيب رهيب لا تحصره ولا ملايين السنوات الضوئية. أين أنت الآن؟ اسأل نفسك.. أنت هنا في ذرة صغيرة جداً تائهة في فضاء السماء الدنيا: الأرض. وربك الذي خلقك، وخلق كل شيء، هو محيط بكل شيء قدرة وعلماً.. هذا الرب الجليل العظيم، قدَّر برحمته أن يكلمك أنت، أيها الإنسان، فكلمك بالقرآن.. كلام الله رب العالمين، أوَ تدري ما تسمع؟ الله ذو الجلال رب الكون يكلمك {فّاسًتّمٌعً لٌمّا يٍوحّى} [طه: 13]، أيُّ وجدان، وأيُّ قلب، يتدبر هذه الحقيقة العظمى فلا يخر ساجداً لله الواحد القهار رغباً ورهباً؟ اللهم إلا إذا كان صخراً أو حجراً. كيف، وهذا الصخر والحجر من أخشع الخلق لله؟ {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]، وهي أمثال حقيقية لا مجاز، ألم تقرأ قول الله - تعالى - في حق داود - عليه السلام -: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} [ص: 18، 19]، وقوله - تعالى -: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِين} [الأعراف: 143].
كلام الله هو كلام رب الكون، وإذا تكلم - سبحانه - تكلم من عَلُ: أي من فوق؛ لأنه العلي العظيم - سبحانه وتعالى - فوق كل شيء، محيط بكل شيء علماً وقدرة. إنه رب الكون.. فتدبر، {أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت: 54]. ومن هنا جاء القرآن محيطاً بالكون كله، متحدثاً عن عجائبه. قال - تعالى - في سياق الكلام عن عظمة القرآن: { فّلا أٍقًسٌمٍ بٌمّوّاقٌعٌ النٍَجٍومٌ * وّإنَّهٍ لّقّسّمِ لَّوً تّعًلّمٍونّ عّظٌيمِ * إنَّهٍ لّقٍرًآنِ كّرٌيمِ * فٌي كٌتّابُ مَّكًنٍونُ * لا يّمّسٍَهٍ إلاَّ الًمٍطّهَّرٍونّ * تّنزٌيلِ مٌَن رَّبٌَ الًعّالّمٌينّ * أّفّبٌهّذّا الًحّدٌيثٌ أّنتٍم مٍَدًهٌنٍونّ * وّتّجًعّلٍونّ رٌزًقّكٍمً أّنَّكٍمً تٍكّذٌَبٍونّ} [الواقعة: 75 - 82]. سبحانك ربنا ولا بأي من آياتك نكذب.
ذلك هو القرآن.. كلام من أحاط بمواقع النجوم؛ خلقاً، وأمراً، وعلماً، وقدرة، وإبداعاً، فجاء كتابه بثقل ذلك كله، أنزله على محمد - صلى الله عليه وسلم -، من بعدما هيأه لذلك، وصنعه على عينه - سبحانه وتعالى - فقال له: {إنَّا سّنٍلًقٌي عّلّيًكّ قّوًلاْ ثّقٌيلاْ} [المزمل: 5]. ومن هنا لما كذَّب الكفار بالقرآن نعى الله عليهم ضآلة تفكيرهم، وقصور إدراكهم، وضعف بصرهم، عن أن يستوعبوا بُعده الكوني الضارب في بحار الغيب، فقال - تعالى - : {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان: 5، 6]، وإنه لرد عميق جداً؛ ومن هنا جاء متحدثاً عن كثير من السر في السماوات والأرض. قال ـ عز وجل -: {وّلّقّدً صّرَّفًنّا فٌي هّذّا الًقٍرًآنٌ لٌلنَّاسٌ مٌن كٍلٌَ مّثّلُُ وّكّانّ الإنسّانٍ أّكًثّرّ شّيًءُ جّدّلاْ} [الكهف: 54]. وقال: {سّنٍرٌيهٌمً آيّاتٌنّا فٌي الآفّاقٌ وّفٌي أّنفٍسٌهٌمً حّتَّى يّتّبّيَّنّ لّهٍمً أّنَّهٍ الًحّقٍَ أّوّ لّمً يّكًفٌ بٌرّبٌَكّ أّنَّهٍ عّلّى كٍلٌَ شّيًءُ شّهٌيدِ * أّلا إنَّهٍمً فٌي مٌرًيّةُ مٌَن لٌَقّاءٌ رّبٌَهٌمً أّلا إنَّهٍ بٌكٍلٌَ شّيًءُ مٍَحٌيطِ} [فصلت: 53، 54].(16/106)
فليس عجباً أن يكون تالي القرآن متصلاً ببحر الغيب، ومأجوراً بميزان الغيب، بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، والحرف إنما هو وحدة صوتية لا معنى لها في اللغة، نعم في اللغة، أما في القرآن فالحرف له معنى، ليس بالمعنى الباطني المنحرف، ولكن الرباني المستقيم، أوَ ليس هذا الحرف القرآني قد تكلم به الله؟ إذن! يكفيه ذلك دلالة وأي دلالة! ويكفيه ذلك عظمة وأي عظمة! فعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»(5)، {ذّلٌكّ فّضًلٍ اللَّهٌ يٍؤًتٌيهٌ مّن يّشّاءٍ وّاللَّهٍ ذٍو الًفّضًلٌ العّظٌيمٌ} [الجمعة: 4].
إنه - تعالى - تكلم، وهو - سبحانه وتعالى- متكلم، سميع، بصير، عليم، خبير، له الأسماء الحسنى والصفات العلىا، نثبتها كما أثبتها السلف، بلا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه. لقد تكلم - عز وجل -، وكان القرآن من كلامه الذي خص به هذه الأمة المشرفة أمة محمد - عليه الصلاة والسلام -، فكان صلة بين العباد وربهم، صلة متينة، مثل الحبل الممدود من السماء إلى الأرض، طرفه الأعلى بيد الله، وطرفه الأدنى بيد من أخذ به من الصالحين.
قال - عليه الصلاة والسلام - في خصوص هذا المعنى، من حديث لطيف تشد إليه الرحال: «كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض»(6)، وقال في مثل ذلك أيضاً: «أبشروا.. فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به؛ فإنكم لن تهلكوا، ولن تضلوا بعده أبداً»(7). وروي بصيغة أخرى صحيحة أيضاً فيها زيادة ألطف، قال - صلى الله عليه وسلم -: «أبشروا.. أبشروا.. أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ » قالوا: نعم! قال: «فإن هذا القرآن سببٌ طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به؛ فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبداً»(8).
ذلك أن القرآن جاء ـ وهو من رب العالمين ـ بلاغاً إلى الناس أجمعين، يحمل رسالة ذات مضامين من النبأ الرباني العظيم، نبأ الخلق، ونبأ الكون، ونبأ الغيب، ونبأ الشهادة، ونبأ الحياة، ونبأ الموت، ونبأ البعث القريب، ونبأ الأمر الإلهي الحكيم في ذلك كله، وكلف رسوله ببلاغه جميعاً إلى الناس، فقال له - عز وجل -: {يّا أّيٍَهّا الرَّسٍولٍ بّلٌَغً مّا أٍنزٌلّ إلّيًكّ مٌن رَّبٌَكّ وإن لَّمً تّفًعّلً فّمّا بّلَّغًتّ رٌسّالّتّهٍ واللَّهٍ يّعًصٌمٍكّ مٌنّ النَّاسٌ إنَّ اللَّهّ لا يّهًدٌي القّوًمّ الكّافٌرٌينّ} [المائدة: 67]، وقال أيضاً: {قٍلً إنٌَي لّن يٍجٌيرّنٌي مٌنّ اللَّهٌ أّحّدِ ولّنً أّجٌدّ مٌن دٍونٌهٌ مٍلًتّحّدْا * إلاَّ بّلاغْا مٌَنّ اللَّهٌ ورٌسّالاتٌهٌ ومّن يّعًصٌ اللَّهّ ورّسٍولّهٍ فّإنَّ لّهٍ نّارّ جّهّنَّمّ خّالٌدٌينّ فٌيهّا أّبّدْا} [الجن: 22، 23]، وقال - سبحانه ـ: {هّذّا بّلاغِ لٌَلنَّاسٌ ولٌيٍنذّرٍوا بٌهٌ ولٌيّعًلّمٍوا أّنَّمّا هٍوّ إلّهِ واحٌدِ ولٌيّذَّكَّرّ أٍوًلٍوا الأّلًبّابٌ} [إبراهيم: 52]، وقال: {فّإنَّمّا عّلّيًكّ البّلاغٍ وعّلّيًنّا الحٌسّابٍ} [الرعد: 40]، ومن أشد المعارض القرآنية لهذا المعنى وقعاً على النفس، قوله - تعالى - للمؤمنين من هذه الأمة بعد آية تحريم الخمر مباشرة: {وأّطٌيعٍوا اللَّهّ وأّطٌيعٍوا الرَّسٍولّ واحًذّرٍوا فّإن تّوّلَّيًتٍمً فّاعًلّمٍوا أّنَّمّا عّلّى رّسٍولٌنّا البّلاغٍ المٍبٌينٍ} [المائدة: 92]، ونحو ذلك كثير في القرآن الكريم مما ينطق عن طبيعته (البلاغية) بالمعنى الرسالي للكلمة، وما ينتج عن ذلك كثير من إعذار وإنذار، ومن ثقل الأمانة الملقاة على عاتق كل مسلم، بل كل إنسان (بلغته) الرسالة.
ها هي الرسالة وصلت من رب العالمين إليك أيها الإنسان؛ فاحذر أن تظنك غير معني بها في خاصة نفسك، أو أنك واحد من ملايين البشر، لا يُدْرَى لك موقع من بينهم؛ كلا، كلا، إنه خطاب رب الكون، فيه كل خصائص الكلام الرباني من كمال وجلال. أعني أن الله يخاطب به الكل والجزء في وقت واحد، ويحصي شعور الفرد والجماعة في وقت واحد، {قٍلً إن تٍخًفٍوا مّا فٌي صٍدٍورٌكٍمً أّوً تٍبًدٍوهٍ يّعًلّمًهٍ اللَّهٍ ويّعًلّمٍ مّا فٌي السَّمّوّاتٌ ومّا فٌي الأّرًضٌ واللَّهٍ عّلّى كٍلٌَ شّيًءُ قّدٌيرِ} [آل عمران: 29]؛ فهو - سبحانه جل جلاله ـ لا يشغله هذا عن ذاك، وإلا فما معنى الربوبية وكمالها؟ وكما أنه قدير على إجابة كل داع، وكل مستغيث، من جميع أصناف الخلق، فوق الأرض وتحت الأرض، وفي لجج البحر، وتحت طبقاته، وفي مدارات السماء... إلخ، كل ذلك في وقت واحد ـ وهو - تعالى - فوق الزمان والمكان ـ لا يشغله شيء عن شيء، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فبذلك المنطق نفسه أنت إذ تقرأ القرآن تجد أنه يخاطبك أنت بالذات، وكأنه لا يخاطب أحداً سواك، فاحذر أن تخطئ هذا المعنى.. تذكر أنه كلام الله، وتدبر.
قال ـ جل جلاله ـ: {أّفّلا يّتّدّبَّرٍونّ القٍرًآنّ أّمً عّلّى قٍلٍوبُ أّقًفّالٍهّا} [محمد: 24]، {أّفّلا يّتّدّبَّرٍونّ القٍرًآنّ ولّوً كّانّ مٌنً عٌندٌ غّيًرٌ اللَّهٌ لّوّجّدٍوا فٌيهٌ اخًتٌلافْا كّثٌيرْا} [النساء: 82].. فتدبر!(16/107)
ذلك هو القرآن: الكتاب الكوني العظيم، اقرأه وتدبر؛ فوراء كل كلمة منه حكمة بالغة، وسر من أسرار السماوات والأرض، وحقيقة من حقائق الحياة والمصير، ومفتاح من مفاتيح نفسك السائرة كرهاً نحو نهايتها، فتدبر؛ فإن فيه كل ما تريد. ألست تريد أن تكون من أهل الله؟ إذن، عليك بالقرآن، اجعله صاحبك ورفيقك طول حياتك، تكن من (أهل الله) كما في التعبير النبوي الصحيح. قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله - تعالى - أهلين من الناس: أهل القرآن هم أهل الله، وخاصته»(9).
هذا غاية ما عندي عن القرآن، فلا تغتر بما عندي، إنه لا يحدثك عن القرآن إلا القرآن، فتدبر.. اقرأه آية فآية، وتدبر.
خاتمة:
القرآن ـ إذن ـ هو متن رسالة الله يمنحك أول مقاصده الإرسالية: معرفة الله، مرسل الرسالة إلى الخلق، تلك حقيقته الأولى، وهي أول ما يرفع بصيرتك إليه، عسى أن تبصر جمال الخالق جل جلاله، فتكون له من العابدين.
فاسأل نفسك: هذه هي الرسالة: القرآن، ولكن هذا المرسل.. من يكون؟ ومن هو؟
هذا أول المعرفة الربانية، وهو في مقاصد؛ الخطاب القرآني، البلاغ الأول من بلاغات القرآن، ذلك من حيث الرتبة لمقاصد الإرسال، وهو ها هنا من حيث ترتيب السير المنهجي في التعرف إلى معالم الطريق، ومنازل السير يحتل الرتبة الثانية منهجياً لا مقاصدياً؛ إذ لا يعرف الله إلا بمعرفة القرآن، كما أنه لا يمكن أن يعبد الله ـ عملياً ـ إلا باتباع رسوله، وإن شئت فقل: معرفة الله وتوحيده هو غاية الغايات، ومنتهى الخطوات، ولكن أولاها قطعاً وإنجازاً هي معرفة القرآن، فإذا أنت عرفت ما القرآن؟ وبدأت تغرف من مأدبة الله، وجدت الله - جل وعلا - أول المقاصد التي يدعوك القرآن لتعرفها، ومن هنا لم تكن الأمة لتنبعث من جديد إلا ببعث القرآن فيها من جديد؛ ذلك صمام الأمان لسلامة السير في كل عمل إسلامي، والمقياس الفاصل بين الحق والباطل في كل استقامة أو انحراف عن الصراط المستقيم من المنهج الدعوي العام، والله الموفق للحق والمعين عليه، فتدبر!
ـــــــــــــــــــ
(1) لسان العرب: مادة (بلغ)، طبعة دار صادر، بيروت.
(2) أخرجه أبو يعلى في مسنده، وابن هشام في السيرة، والبيهقي في الدلائل، وأبو نعيم في دلائل النبوة، وابن أبي شيبة في المصنف، وعبد ابن حميد، والحاكم في المستدرك، ووافقه الذهبي، وحسنه الأستاذ إبراهيم العلي في صحيح السيرة النبوية، ص 64، دار النفائس، الأردن، الطبعة الثانية، 1416هـ ـ 1996م.
(3) رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، صحيح السيرة النبوية، لإبراهيم العلي، ص 58.
(4) لسان العرب، مادة: (دبر).
(5) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، انظر سنن الترمذي، (كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء فيمن قرأ حرفاً من القرآن ما له من الأجر؟)، كما رواه الحاكم في المستدرك.
(6) رواه الطبري في تفسيره، (4/31)، نشر دار الفكر، بيروت لبنان، 1405هـ، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، 4473، نشر المكتب الإسلامي بيروت، دمشق، الطبعة الثالثة، 1408هـ ـ 1988م.
(7) رواه الطبري بإسناد صحيح. (صحيح الجامع الصغير، ص 34).
(8) رواه ابن حبان في صحيحه، والبيهقي في شعبه، وابن أبي شيبة في مصنفه، والطبراني في الكبير، وعبد بن حميد في المنتخب من المسند، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ص 713، نشر مكتبة المعارف بالرياض، لصاحبها سعد عبد الرحمن الراشد، طبعة جديدة بتاريخ 1415هـ ـ 1995م.
(9) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، ص 2165.
شوال1422 هـ
http://albayan-magazine.com المصدر:
============
كيف تعيش كبيراً ؟
الحمد لله الذي يخلق ما يشاء ويختار، فالخلق خلقه، والأمر أمره، ولا إله غيره، والصلاة والسلام على الرسول المجتبى والنبي المصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه، أما بعد:
فإن الناس يحيون على هذه الأرض ما شاء الله أن يحيون، ثم يموتون، ثم يبعثون، ثم ينشرون ويحشرون، فيقفون بين يدي الله ليحاسبون ويسألون؛ عن أعمارهم فيما مضت؟ وحياتهم كيف انقضت؟ فينقسمون لذلك إلى منعمين ومعذبين، وسعداء وأشقياء، وبينهم في التفاوت في المنازل ما الله به عليم!
بل إن أهل النعيم المقيم في جنات النعيم ليتفاوتون في منازلهم ودرجاتهم كما بين الأرض وأبعد كوكب دريٍّ عنها، ولذلك فالمؤمنون المنعمون في الجنة لا يتساوون في حبورهم وسرورهم، ومكانتهم وكرامتهم، مع أن مُلك أقل واحد فيهم مسيرة مائة عام ينفذه بصره.
تلك هي النهاية، ولنعد هنا إلى البداية...
فبداية التفاوت في المراتب واقع في الحياة الدنيا قبل الآخرة، فإن الناس في تباين عجيب واختلاف غريب، [إن سعيكم لشتى] و [ولا يزالون مختلفين].
فإن من الناس من يعيش لنفسه، يرعى مصالحه، ويسوس أمره، لا يرى غير صورته، ولا يسمع إلا صوته، ولا يشير إلا لنفسه، قد انغلق على ذاته، وعكف على شئونه، وانفرد بحياته، فليس له في الحياة أثر، ولا في الواقع موقع.
إن سألت عنه غيره أنكره، فلا أحد يعرفه، وإن غاب لم يفتقد، وإن حضر لا يفرح به ولا يستبشر، ليس له موقع من الإعراب، فحضوره كالغياب، وسفره كالإياب، ومجيئه كالذهاب، وموته كالحياة، فلا يُعرف بالمعروف، ولا يذكر بخير، فليس له على الناس يد، وليس له عليهم فضل.
يموت حين يموت فتبكيه زوجته مجاملة، ويتصنع عليه البكاء ولده، ويتظاهر بفقده الجيران، والحقيقة أنهم نسوه حالما دفنوه، وأصبح مدفوناً تحت ركام النسيان!(16/108)
هل يستوي هذا مع من تبكيه الدنيا ـ كل الدنيا ـ ويحزن عليه الناس ـ كل الناس! عند موته أو غيابه؟!
يغيب فيزيد حبه، ويبعد فيتضاعف قربه، تحن لذكره الأسماع، وتتشوف لرؤيته الأنظار، وتتشوق لمجالسته القلوب، يتكلم فيسمع الناس، ويأمر فيأتمر له الخلق، ليس لسلطانه أو ماله أو حسبه ونسبه، وإنما لسلطان حبه، فيده تعطيهم، وجاهه يشملهم، وماله يصلهم، وكلامه العذب يسل سخيمة نفوسهم، وهداياه تزرع المحبة في قلوبهم، وعطاياه تفرج عن مكروبهم وتنفس عن منكوبهم، فله عليهم ـ بعد الله ـ سابقة الفضل!
ترتفع أيديهم له بالدعاء، وتنطلق ألسنتهم عليه بالثناء، وتخفق قلوبهم بحبه، وتحن نفوسهم لقربه، وإنما تُغشى بيوت الكرماء، وتقصد منازل النبلاء!
وهنا تبرز الإجابة على السؤال الكبير: كيف أعيش كبيراً؟!
والجواب الصواب؛ تعيش كبيراً، وتموت كبيراً، وتبعث ـ إن شاء الله ـ كبيراً، إذا عشت لغيرك، ترعى مصالح الناس، وتقوم على منافعهم، وتفني نفسك في خدمتهم، وتسعى لمصلحتهم، أصابك من جرّاء ذلك ما أصابك، فلا تعطيهم لتأخذ منهم، وإنما تجود بالموجود، وتتعنى لحصول المفقود، لتعطي من حُرم، وتنصر من ظُلم، وتعين الضعيف، وتؤمن الخائف، وتكسب المعدوم، وتمنح المحروم، وتشجع العامل، وتنفخ في رماد الخامل، وتعلم الجاهل، وتوظف العاطل، وترحم اليتيم، وتداوي السقيم، وتنفس عن المكروب، وتفرج عن المنكوب، وتعيد حق المسلوب، فلا يعرف الناس منك إلا المعروف، فأنت به موصوف، وإلى بذله ملهوف، فعليك قلوب الناس تطوف، وإليك نفوس الخلق تميل، فليس لك في نفوس من عرفك من الأحياء عديل أو مثيل!!
لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد حُرٍّ يموت بموته خلق كثير
وإليك المثال على رجل ليس كالرجال، وإنما سيد من ساداتهم، وكبير من كبرائهم، وعظيم من عظمائهم، لأنه عاش للناس إماماً، فقال - تعالى - عنه: [إن إبراهيم كان أمَّة من الناس]
فهلاَّ دعوت الله...[واجعلنا للمتقين إماماً]
06-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
==========
تقويم ذاتي لزوجات الدعاة
[يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر ما قدمت نفس لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون]..
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد:
أخواتنا الكريمات!
فيسرنا أن نلتقي بكن عبر هذا التقويم الذاتي الذي نرغب فيه من كلِّ أخت أن تُجيب عليه بصدق مع نفسها، ثم ترى مواطن الخلل في سيرها إلى الله - تعالى -، لتقوم بإصلاح ما يمكن إصلاحه قبل أن تقدم على الله - تعالى - في يومٍ لا تخفى فيه خافية.
ولقد طرحنا عليكن هذه الأسئلة لعلمنا الأكيد بأن زوجة الداعي إلى الله - تعالى - هي كذلك داعية بسلوكها القويم ومنهجها المستقيم، وإن الناس عندما يسمعوا من الداعية قوله، فإنهم يلتفتون بعد ذلك إلى فعله، وخصوصًا مع أهل بيته، فإن رأوا أهله مستمسكون بما يقول، ملتزمون بما يأمر، كان لقوله في قلوبهم أثر ولدعوته قبول، وإن كانت الثانية زهدوا فيه وفي علمه، وقالوا لو كان فيه خيرًا لرأيناه على أهل بيته فهم أقرب الناس منه وأحق الخلق به، فلا تكوني قاطعة طريق على زوجك، بارك الله فيك، ونفع بك.
طريقة التقويم الذاتي:
ـ إقرائي كلَّ سؤال على حدة، ثم أجيبي عليه [بنعم] أو [لا] ثم انظري للإجابة الصحيحة التي ينبغي أن تكون، وصححي المسار إلى العزيز الغفار قبل الوقوف بين يديه في يوم الحسرة، فأنت ـ يا أختاه ـ محتاجة إلى محاسبة النفس بصدق وتصحيح ما يمكن تصحيحه قبل فوات الأوان، والورود على يوم لا عذر فيه لمفرط، ولا حجة فيه لمقصر!
مع زوجك الداعية:
الإجابة حسب الواقع بصدق الإجابة الصحيحة:
1 ـ هل أنت فخورة به؟ [نعم ـ لا] [نعم].
2 ـ هل أنت عونًا له في طريق دعوته؟ [نعم ـ لا] [نعم].
3 ـ هل تدعين له بالقبول والتوفيق في دعوته؟ [نعم ـ لا] [نعم].
4 ـ هل تسترين عيوبه وتظهرين صورته الحسنة للناس حتى يقبلوا دعوته؟ [نعم ـ لا] [نعم].
5 ـ هل تثبطينه عن البذل من ماله في المجالات الدعوية؟ [نعم ـ لا] [لا].
6 ـ هل تتنازلين عن بعض رغباتك من أجل دعوته؟ [نعم ـ لا] [نعم].
7 ـ هل تصبرين على بعض تقصيره في البيت لكثرة انشغاله بالدعوة؟ [نعم ـ لا] [نعم].
8 ـ هل تغضبين لكثرة قراءته في الكتب عند وجوده في البيت؟ [نعم ـ لا] [لا].
9 ـ هل تكثرين اللوم عليه والتأنيب له والعتاب على تأخره؟ [نعم ـ لا] [لا].
10 ـ هل تقومين بمتابعة شئون الأبناء عند تغيبه عن البيت؟ [نعم ـ لا] [نعم].
11 ـ هل تعظينه إذا رأيت تقصيرًا منه في حق الله؟ [نعم ـ لا] [نعم].
12 ـ هل تذكرينه بمواعيده الدعوية التي نسيها؟ [نعم ـ لا] [نعم].
13 ـ هل تهتمين بمظهره الخارجي كداعية؟ [نعم ـ لا] [نعم].
14 ـ هل تساعدينه في تحضير الدروس والمواعظ والخطب؟ [نعم ـ لا] [نعم].
15 ـ هل تكثرين عليه الطلبات المنزلية؟ [نعم ـ لا] [لا].
16 ـ هل تهيئين له الجو المناسب في البيت للقيام بواجباته الدعوية؟ [نعم ـ لا] [نعم].
17 ـ هل تذكيرنه بوجوب موافقة القول للعمل؟ [نعم ـ لا] [نعم].
18 ـ هل ترغبينه في الدعوة إلى الله - تعالى - إذا رأيت منه فتورًا؟ [نعم ـ لا] [نعم].
مع النفس وتربيتها على العبادة:
19 ـ هل تكفلين يتيمًا؟ [نعم ـ لا] [نعم].
20 ـ هل تطعمين المساكين وتعولين الأسر الفقيرة؟ [نعم ـ لا] [نعم].
21 ـ هل أنت راضية بما قسم الله لك من رزق؟ [نعم ـ لا] [نعم]
22 ـ هل تحسدين أحدًا على نعمة أكرمه الله بها؟ [نعم ـ لا] [لا]
23 ـ أنت كثيرة الخروج من البيت؟ [نعم ـ لا] [لا]
24 ـ هل تتصدقين بصفة مستمرة؟ [نعم ـ لا] [نعم](16/109)
25 ـ هل لك ورد من القرآن في كل يوم؟ [نعم ـ لا] [نعم]
26 ـ هل تقومين بحفظ جديد لشيء من القرآن الكريم؟ [نعم ـ لا] [نعم]
27 ـ هل تصلين ركعتي الضحى؟ [نعم ـ لا] [نعم]
28 ـ هل تصلين سنة الوتر؟ [نعم ـ لا] [نعم]
29 ـ هل تحافظين على السنن الرواتب؟ [نعم ـ لا] [نعم]
30 ـ هل تصومين يومي الإثنين والخميس؟ [نعم ـ لا] [نعم]
31 ـ هل تصومين ثلاثة أيام من كل شهر؟ [نعم ـ لا] [نعم]
32 ـ هل تذكرين أذكار الصباح والمساء بإنتظام؟ [نعم ـ لا] [نعم]
33 ـ هل تقرأين الكتب الإسلامية؟ [نعم ـ لا] [نعم]
34 ـ هل تكثرين من سماع الأناشيد الإسلامية؟ [نعم ـ لا] [لا]
35 ـ هل تطالعين المجلات الإسلامية؟ [نعم ـ لا] [نعم]
36 ـ هل تسمعين أشرطة المشايخ بصفة مستمرة؟ [نعم ـ لا] [نعم]
37 ـ هل تتابعين الجرائد اليومية؟ [نعم ـ لا] [لا]
38 ـ هل تنظرين للمسلسلات اليومية؟ [نعم ـ لا] [لا]
39 ـ هل تسمعين الأغاني والموسقى؟ [نعم ـ لا] [لا]
40 ـ هل تنامين عن الصلوات المفروضات؟ [نعم ـ لا] [لا]
41 ـ هل تؤخرين الصلاة عن وقتها؟ [نعم ـ لا] [لا]
42 ـ هل تخشعين في الصلاة؟ [نعم ـ لا] [نعم]
43 ـ هل تطيلين الحديث بالهاتف مع الصديقات؟ [نعم ـ لا] [لا]
44 ـ هل تذكرين الله - تعالى - كثيرًا؟ [نعم ـ لا] [نعم]
45 ـ هل تضيعين الوقت بالنوم كثيرًا؟ [نعم ـ لا] [لا]
46 ـ هل تحضرين المحاضرات؟ [نعم ـ لا] [نعم]
47 ـ هل تشاركين في تحفيظ نسائي؟ [نعم ـ لا] [نعم]
48 ـ هل تنظرين في المجلات السيئة؟ [نعم ـ لا] [لا]
49 ـ هل تركبين مع السائق لوحدك أو مع طفل صغير؟ [نعم ـ لا] [لا]
50 ـ هل تغتابين المسلمين؟ [نعم ـ لا] [لا]
51 ـ هل تقومين بنقل الكلام بين الناس بقصد أو بدون قصد؟ [نعم ـ لا] [لا]
52 ـ هل تكثرين الكلام بدون فائدة؟ [نعم ـ لا] [لا]
53 ـ هل تحافظين على الوقت؟ [نعم ـ لا] [نعم]
54 ـ هل تسخرين من المسلمين؟ [نعم ـ لا] [لا]
55 ـ هل ترحمين الخادمات في العمل؟ [نعم ـ لا] [نعم]
56 ـ هل تلحين على الزوج في السفر للخارج في الإجازة؟ [نعم ـ لا] [لا]
57 ـ هل تطالبين زوجك بالأكل في المطاعم العائلية؟ [نعم ـ لا] [لا]
58 ـ هل تشعرين بقسوة في قلبك؟ [نعم ـ لا] [لا]
59 ـ هل ترائين ببعض أعمالك الصالحة الخلق؟ [نعم ـ لا] [لا]
60 ـ هل تبكين كثيرًا من خشية الله؟ [نعم ـ لا] [نعم]
61 ـ هل تذكرين الموت دائمًا؟ [نعم ـ لا] [نعم]
الدعوة إلى الله - تعالى - وإنكار المنكر:
62 ـ هل تلقين الدروس والمواعظ في مجالس النساء؟ [نعم ـ لا] [نعم]
63 ـ هل تمارسين الدعوة إلى الله - تعالى - مع أقاربك وجيرانك وصديقاتك؟ [نعم ـ لا] [نعم]
64 ـ هل تستغلين المناسبات الاجتماعية في نشر الخير فيها؟ [نعم ـ لا] [نعم]
65 ـ هل تطهرين البيت من المنكرات؟ [نعم ـ لا] [نعم]
66 ـ هل مجالسك عامرة بالخير والذكر؟ [نعم ـ لا] [نعم]
67 ـ هل تحملين هم الأمة المسلمة؟ [نعم ـ لا] [نعم]
68 ـ هل تربيتك لأبنائك تربية صالحة؟ [نعم ـ لا] [نعم]
69 ـ هل تتساهلين مع أبنائك في أمر المنكرات؟ [نعم ـ لا] [لا]
70 ـ هل أنت حريصة أن تكوني داعية؟ [نعم ـ لا] [نعم]
71 ـ هل تنكرين المنكر؟ [نعم ـ لا] [نعم]
72 ـ هل تحضرين المناسبات التي يوجد بها محرمات؟ [نعم ـ لا] [لا]
73 ـ إذا حصل هذا فهل تنكرين؟ [نعم ـ لا] [نعم]
74 ـ أم تخرجين؟ [نعم ـ لا] [نعم]
75 ـ أم تصمتين؟ [نعم ـ لا] [لا]
76 ـ أم تشاركين؟ [نعم ـ لا] [لا]
77 ـ هل تدافعين عن الملتزمين عند الطاعنين فيهم؟ [نعم ـ لا] [نعم]
78 ـ هل تتابعين سلوك الأبناء؟ [نعم ـ لا] [نعم]
79 ـ هل تهتمين بصديقات البنات؟ [نعم ـ لا] [نعم]
80 ـ هل توزعين الكتب والأشرطة والمطويات على النساء؟ [نعم ـ لا] [نعم]
81 ـ هل تنبهين الزوج على بعض المنكرات لدى مجتمع النساء؟ [نعم ـ لا] [نعم]
الحجاب واللباس:
82 ـ هل أنت ملتزمة بالحجاب الشرعي عند خروجك من البيت؟ [نعم ـ لا] [نعم]
83 ـ هل تلبسين في الزيجات ملابس مظهرة للصدر والكتفين والساقين؟ [نعم ـ لا] [لا]
84 ـ هل تنتعلين الكعب العالي؟ [نعم ـ لا] [لا]
85 ـ هل ترتدين البنطلون أمام النساء؟ [نعم ـ لا] [لا]
86 ـ هل تطيلين أظافرك؟ [نعم ـ لا] [لا]
87 ـ هل تأخذين من شعر الجفون؟ [نعم ـ لا] [لا]
88 ـ هل تقصين الشعر على الموضة؟ [نعم ـ لا] [لا]
89 ـ هل تلبسين القصير ـ تحت العباءة ـ عند خروجك من البيت؟ [نعم ـ لا] [لا]
90 ـ هل عباءتك مطرزة؟ [نعم ـ لا] [لا]
91 ـ هل ترتدين العباءة فوق الكتفين؟ [نعم ـ لا] [لا]
92 ـ هل تبالغين في الزينة؟ [نعم ـ لا] [لا]
93 ـ هل تفصلين الثياب الغالية كأقرانك من النساء؟ [نعم ـ لا] [لا]
94 ـ هل تلبسين الثياب التي بها الصور؟ [نعم ـ لا] [لا]
95 ـ هل تلبسين الثياب الضيقة التي تحدد معالم الجسم؟ [نعم ـ لا] [لا]
96 ـ هل تتزينين بالحلي الذي به مجسمات لذوات الأرواح؟ [نعم ـ لا] [لا]
97 ـ هل ترتدين النقاب؟ [نعم ـ لا] [لا]
98 ـ هل تلبسين الجوارب والقفازات عند الخروج من البيت؟ [نعم ـ لا] [نعم]
99 ـ هل تتطيبين عند خروجك من البيت؟ [نعم ـ لا] [لا]
100 ـ هل تلبسين الثياب الشفافة التي تصف بعض أجزاء الجسم؟ [نعم ـ لا] [لا]
وبعد هذه الأسئلة، نرغب منك أن تضعي خطة محكمة في تغيير ما يلزم الأهم فالمهم، ولا تؤجلي أو تسوفي، فللموت فجأة تعقبها فجعة لا تحتمل، وسؤال عن كل كبير وصغير يوم تقفين ـ وحيدة فريدة ـ بين يدي العظيم الكبير.
قال - تعالى -: {وقفوهم إنهم مسؤولون}
وقال - سبحانه -:{فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون}(16/110)
فأعدي للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا، فإن السائل خبير، والناقد بصير، وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير.
06-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
============
حسن الخلق مفتاح القلوب
من الجاهلية إلى الإسلام في ثلاثة أيام
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلاً قِبَل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثُمامَةُ بن أُثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " ماذا عندك يا ثمامة؟ " فقال: " عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تُنْعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فَسَلْ تُعْط منه ما شئت "، فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان بعد الغد، فقال: " ما عندك يا ثمامة؟ " قال: " ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت ".
فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان من الغد، فقال: " ما عندك يا ثمامة؟ "، فقال: " عندي ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت "، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أطلقوا ثمامة "، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فقال: " أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا محمد! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليّ، وإن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ ".
فبشّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة، قال له قائل: " أصبوتَ؟ " فقال: " لا، ولكني أسلمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " رواه البخاري ومسلم، واللفظ له، زاد ابن هشام: " أنه انصرف إلى بلاده، ومنع الحمل إلى مكة، حتى جهدت قريش، وكتبوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلى إليهم حمل الطعام، ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
[تقتل ذا دم معناه: صاحب دم، لدمه موقع لرياسته وفضله].
فتأمل يا أخي كيف كانت ثلاثة أيام من مشاهدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام في المسجد كافية في إحداث هذا التحول العظيم من شدة العداوة والبغضاء إلى شدة المحبة والموالاة، ولا شك أن الحياة في مجتمع مسلم، والاقتراب من السلوك الإسلامي لابد وأن يكون له مثل هذا الأثر، وربما كان له أثر أكبر من مجرد الكلمة والبيان، فعلى الدعاة إلى الله أن يعلموا هذا الأثر، ويستثمروه في دعوتهم إلى الله - تعالى -، ويظهر من الحديث كيف أن الإنسان عدو ما يجهل، فإذا علمه قبله، وأحبه والتزم به.
فهذا ثمامة بن أثال - رضي الله عنه -، كان مبغضاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولدينه ولبلده بسبب ما يسمع عنه من المنفرات، والأباطيل، والتهم الكاذبة، وهكذا الكثير من الكفار، يبغضون الإسلام وأهله لمثل ذلك، ولن نستطيع أن نغير ذلك فيهم إلا بتقديم الصورة المشرقة للإسلام من خلال معاملتنا معهم، وانظر كيف طالت رحمةُ الله هذا الرجل رغماً عنه، فقد كان أسره سبباً في إسلامه ونجاته في الدنيا والآخرة، ففيه شاهد للحديث الصحيح (أنتم خير الناس للناس تدخلونهم الجنة في السلاسل) فقد يكون الأسر والهزيمة التي تلحق بالكفار سبباً لفوزهم بالجنة لأنهم إذا شاهدوا الإسلام لم يُمسوا إلا والإسلام أحبُ إليهم من أنفسهم، وأهليهم، والناس أجمعين، وهذه الإنسانية الضالة المعذبة لن يصل أكثرها إلى الحق إلا بظهوره وغلبته وانتصاره.
فإنما يدخلون في دين الله أفواجاً إذا جاء نصر الله والفتح، فالعمل من أجل نصرة الإسلام رحمة بالبشرية عامة، ومراعاة لحقوقها، وحفظ لكرامتها، لا كما يزعم الملحدون أن ذلك يكون من خلال الحرية الفوضوية المزعومة التي هي في حقيقتها عبودية للشيطان والهوى.
وتأمل كذلك أثر حُسن المعاملة في جواب ثمامة فإنه في اليوم الأول بدأ بقوله: " إن تقتل تقتل ذا دم " وفي اليوم الثاني بدأ بقول: " إن تنعم تنعم على شاكر " فكأنه لما رأى حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - طمع في كرمه وإحسانه وعفوه، وهكذا يكون المسلم: كل من يراه يطمع في إحسانه، ألم تعلم قول صاحبي يوسف - عليه السلام - في السجن وهما حديثا عهد بلقائه: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} … (يوسف: 36)، وقول إخوته له وهم لا يعرفونه: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} … (يوسف: 78).(16/111)
وفي الحديث من الفوائد: مشروعية غُسل الإسلام للكافر، والجمهور على وجوبه إن كان عليه جنابة في الشرك أما إذا لم يجنب، كالصبي يسلم قبل البلوغ، فالغسل مستحب وليس بواجب، وقال البعض بوجوبه، وفيه جواز المن على الأسير، وإطلاق سراحه دون مقابل لقوله - تعالى -: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} … (محمد: 4)، وهو أحد خيارات خمسة للإمام المسلم يختار بينها تخيير مصلحة لا شهوة، وهي القتل، والفداء بمال أو بأسرى المسلمين، أو بعمل، والمن، والاسترقاق، وضرب الجزية عليه، وجعله ذمة، هذا في حق الرجال البالغين، فأما النساء والصبيان، فلا يجوز قتلهم، ويلزم استئذان الغانمين في المن عليهم، ولا يجوز فداء الصبيان لأنهم صاروا مسلمين بنفس الأسر، وفيه من الفوائد: جواز إدخال الكافر المسجد لمصلحة شرعية كدعوته إلى الإسلام، وعرضه عليه، وأن الكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم، فإنه يؤمر بالاستمرار عليه، وفي الحديث الصحيح:(أسلمت على ما أسلفت من خير)، وفيه مشروعية الحصار الاقتصادي للكفار، وجواز مبايعة المسلم للكفار، إذا كانت المصلحة البيع لهم.
http://www.islamic-mail.com المصدر:
===========
دفع المفاسد
محمد أبو بصير
قاعدة «دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح» قاعدة أصولية صحيحة أقرها علماء الأمة وساروا عليها. ورغم تسليمنا بصحة العبارة إلا أن الواقع الإسلامي أساء استخدامها.
كثير من الأنشطة الإسلامية توقفت، والكثير من الأعمال الدعوية أُجِّلت اعتمادًا على فهم غير موفق للقاعدة، حيث فهم بعض الدعاة أن التخوف والتحرز هو الأصل وأن الانطلاق والإيجابية تستدعي الدراسة والتريث. بعض الأنشطة واضحة المعالم وأطرها محددة وآثارها السلبية غير مؤكدة ومع ذلك تجد التوقف وعدم الإقدام.
هناك هاجس أمني غير طبيعي يعشعش في أوساط بعض الدعاة وهناك ظنون سوداء تجاه الآخرين وتحفظات غير مبررة.
الكثير من الاجتهادات المبنية على القاعدة آنفة الذكر لا تنطبق عليها بشكل صحيح، حيث الاعتماد ليس على الوقائع، إنما على التوهمات والتخرصات في كثير من الأحيان.
المفاسد يجب أن تكون حقيقية ومؤكدة ومعلومة وأن يكون هناك سوابق وأدلة تثبتها وإلا فإن الأصل هو جلب المصالح وتعدية النفع على الأمة، خصوصًا في هذا الزمان الذي كثرت فيه مصادر الخلل فلا يدري المصلحون كيف يبدؤون ومن أين يبدؤون.
اليقين قد لا يتيسر لكن لابد من بذل الجهد واستقصاء المعلومات وجمع الأدلة والمسوغات، حتى لا تتحول القاعدة في دفع المفاسد إلى تراخي في أوساط الدعاة في التصدي للشر وأهله والوقوف الحازم أمام المخربين والمفسدين فضلاً عن المحاربين لدين الله والمعادين لأوليائه.
http://www.almuhayed.com المصدر:
============
لا تقرأ هذا الموضوع !
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد:
فما الذي جاء بك إلى هذا الموضوع؟! أما قرأت النهي عن قراءته؟ أم أن كلَّ ممنوع مرغوب؟!
حسناً!
أهلا بك، فلن تعود إلا بفائدة ينفعك الله بها ـ إن شاء الله ـ ويسرنا أن تلامس عينك ما كتبناه لك، فأنت رأس مالنا، وأساس ربحنا، فحيّهلاً بك!
واسمح لي أن أطرح عليك جملة من الأسئلة المخجلة أرجو أن تفكر فيها قبل أن تجيب عليها، ومنها؛ ماذا يعني انتماؤك للإسلام؟!
ماذا يعني لك أنك مسلم؟!
ألا تشعر أن لهذا الانتساب تبعات تتعلق بذمتك، فتعظم بها مسؤوليتك؟!
أم أن القضية لا تعدو قدرها في أنك من جملة مليار ومائتي مليون مسلم ينتسبون إلى هذه الأمة، والكثير منهم لا يعرفون من إسلامهم إلا اسمه، ومن قرآنهم إلا رسمه، ومن دينهم إلا بعض شعائره وشرائعه؟!
إذا كان ذلك كذلك، فما دورك في نصرة دينك؟ وحماية معتقدك؟ ووقاية منهجك؟
وبصورة أخرى، أقول: هل تحمل هم الإسلام؟!
هل يؤرقك حال المسلمين، وما وصلوا إليه من حال مهين وواقع مشين؟!
هل تشعر بلوعة تحرق فؤادك المبارك عندما ترى أعداءك يحاربون إخوانك؟
هل تحس بحرارة اللوعة تجري في أوردتك على تمكن الأعداء البغضاء من ثروات وخيرات أمتك كتلك اللوعة التي تسكن في شرايينك عندما ترتفع حرارة أحد أبنائك أو أحبابك؟
هل يهجرك النوم عندما ترى في القوم من ينشب معول الهدم في مبادىء الإسلام كما يهجرك لذيذ المنام عندما يعتدي عليك بعض اللئام بالكلام؟
هل يعصف بك الألم ويجتاحك الندم حالما ترى عجز الأخيار وفوز الأشرار؟
هل يتنغص عيشك وتتكدر حياتك برؤيتك لمآسي المسلمين المستسلمين لمكائد الكفار ومصائد الفجار؟
هل.
وهل..
وهل...
أعلم ـ جزماً ـ أنها أسئلة مزعجة معجزة!!
ولكن، من لهذا الدين المتين ـ بعد رب العالمين ـ إلا أنت وأمثالك، ممن يحملون راية الذود عنه، والقتال دونه، والمنابذة عن حماه؟!
ما لم تقم بالعبء أنت فمن يقوم به إذاً؟!
لا بد أن تعرف دورك فيه، وأنك مسئول عنه، ومحاسب عليه!
فإن الله - تعالى - اصطفاك به، وأكرمك بانتسابك إليه، وشرفك بدخولك تحت مظلته، فهيّا...
قم من رقدتك، واستيقظ من سباتك، وقل للدنيا، وأسمع الكون، صرختك في وجه العجز: أنا لها!
سأنتفض في وجه الهوان، ولن أرضى لأمتي بالذلة، ولن ينتقص الدين من أطرافه، ولن أرضى بالدنية، وفي صدري نفس يتردد، وبين ضلوعي قلب يخفق..
فمن دمي أسقي أمتي، ومن ضلوعي أبني صرحها، وفوق هامتي تعلو رايتها، ومن بين عيوني يشرق مستقبلها....
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيض العدا
وصدق الله: [وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون]
أما قلت لك أنك ستخرج بفائدة عليك عائدة؟!(16/112)
أما فائدتنا نحن، فوجودك معنا، فلا تضيعنا!
وطاب يومك!
06-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
============
نحو تنسيق أمثل في مجال الدعوة النسائية
د. خالد بن عبدالله القاسم
بدأ الاهتمام بقضية المرأة مع بواكير الصحوة الإسلامية، وبغض النظر عن نسبة هذا الاهتمام، وما عسى أن يقدم للمرأة من عمل، فقد حظيت قضية المرأة باهتمام متزايد من قبل الدعاة والمصلحين، سواء في الجانب الشرعي والاجتماعي وغيرهما من الجوانب المهمة، على تفاوت في مقدار الأهمية التي يحظى بها كل جانب، وهنا تكمن المشكلة إذ إن بعض الجوانب حظيت باهتمام زائد ربما جاوز الحد في بعض الأحيان (الجانب الشرعي مثلاً) بينما نجد جوانب أخرى لم تحظ بجهد يذكر، اللهم من بعض الدعاة على أهميتها وخطورتها، وعلى سبيل المثال يمكن أن نشير إلى الجانب القانوني في حقوق المرأة وإعداد مواثيق إسلامية بهذا الخصوص.
وأحسب أن الدعاة والمصلحين لو اجتهدوا المصلحين في تنسيق قضايا المرأة بكافة أبعادها وترتيب أولويات العمل الدعوي من جوانبه المختلفة؛ لكان ذلك كفيلا بأن يظهر جلياً ما يقوم به الدعاة من جهد في معالجة قضايا المرأة في المجتمع في جميع المجالات.
ضرورة تنسيق الجهود الدعوية النسائية
إن مهمة إعادة ترتيب وتوحيد وتنظيم الجهود الدعوية النسائية تتطلب درجة قصوى من التعاون بين الدعاة والعاملين في الساحة الإسلامية، ولاسيما الذين يدركون الأخطاء والمزالق التي تهدد مستقبل الأمة، قال - تعالى -: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
ونعتقد أن مثل هذا التعاون يمكن أن يكون فعالا ومثمرا على أقصى حد إذا ما تم تنظيمه في إطار مؤسس وفق أهداف متفق عليها، فإن التعاون المنشود يساهم في جوانب عدة، منها:
1ـ تبادل الخبرات والمعرفة والمعلومات بين المؤسسات الإسلامية المختلفة في البلاد الإسلامية.
2ـ وضع الخطط والبرامج المنهجية في الأنشطة المتنوعة.
3ـ تشجيع العلماء والمهتمين بالدعوة النسائية على إصدار الأبحاث والمقالات والدراسات المتخصصة، التي تغطي كل ما تحتاجه المرأة.
4ـ تماسك واجتماع كلمة الأمة أمام جحافل الباطل وأدعياء التحرر. قال - تعالى -: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق).
5ـ حماية أبناء المجمع من المزالق التي يحيكها أعداء الإسلام صباح مساء.
6ـ تسديد النقص، وتحديد الاحتياج الوارد في هذا المجال، وهو ضمان من كل تكرار لا يفيد.
3. تكامل وتنوع الجهود الدعوية النسائية:
المرأة المسلمة هي تواجه التحديات المعاصرة تحتاج إلى من يعينها على الصمود ويأخذ بيدها إلى بر الأمان، ونعني بشكل خاص العمل المؤسسي المخصص.
فيمكن لفئة من الداعيات أن تتجه إلى التركيز على عقد وإقامة المحاضرات، والندوات والمؤتمرات، وفي المقابل هناك من يركز على كتابة البحوث والدراسات والمقالات، وفئة أخرى تتجه لإقامة المعارض الخيرية، وغيرهم، يهتم بتوزيع الأشرطة، وجوانب الإنفاق والتبرعات، وهذه المجالات التي مر ذكرها سريعا يكثر حولها الحديث والعمل وهي بحاجة ماسة إلى جهة تسعى للتنسيق بين مختلف الجهات المساهمة فيها، كما لا يفوت أن نشير إلى مجالات أخرى مهمة يجب أن ينبري لها فئة أخرى كقضايا الحقوق والبدائل الشرعية لما يطرح من فكر مختلف عن البيئة مخالف للشريعة دون الاكتفاء بمجرد الإنكار.. وهكذا.
مرة أخرى نؤكد أن هذا الجهد بحاجة إلى إعادة تنسيق وترشيد من حيث الوسيلة والأسلوب من جانب، ومن حيث الموضوعات المطروحة من جانب آخر.
فالوسائل متعددة:
فمنها إقامة المحاضرات والندوات، ومنها كتابة البحوث، والنشرات، والمقالات، ومنها حلقات الذكر وحلقات تحفيظ القرآن، ومنها المشاريع الخيرية، ومنها المشاريع التعليمية، والمشاريع الإغاثية.
وكل وسيلة لها ما يناسبها من الأساليب، تربوية كانت أو دعوية، أو علمية، أو عاطفية، أو أدبية أو آنية.
كما أن الموضوعات المطروحة متنوعة:
فمنها الشرعي: كموضوع تحديد النسل، والطلاق، وحجاب المرأة.
و منها الاجتماعي كظاهرة العنوسة ودراسة بعض العادات الجديدة في علام النساء التي تمس السلوك الإنساني في المجتمع.
و منها العقدي كأصول الإيمان ومحبة المؤمنين وبغض الكافرين..
ومنها الفكري كحرية المرأة، وحقوق المرأة في المجتمع.
هذه الوسائل والأساليب والموضوعات لابد من التنسيق فيما بينها، والقيام بتربيها، أن انعدام التنسيق في هذه المجالات أو ضعفه يسبب أزمة خطيرة تدعونا إلى سرعة تنسيق الجهود الدعوية بين المؤسسات الدعوية الخيرية في الداخل والخارج وبالذات فيما يتعلق بقضية المرأة خاصة إذا أدركنا شدة الهجوم عليها واستهدافها أولاً دون غيرها من فئات مجتمعنا المحافظ.
4ـ الخروج من الأسباب التي أدت إلى افتقار التنسيق بين الجهود الدعوية النسائية.
إذا نظرنا إلى هذا التنسيق الآنف الذكر، لوجدنا هذا التعاون والتنسيق بين تلك الجهود سيؤدي إلى ثمرات عظيمة وينتج الخير الكثير، وهنا في هذا المقام سؤال يطرح للإجابة على السؤال بين الجهود الدعوية النسائية؟
للإجابة عن السؤال لا بد أن نحمل أنفسنا جميعا على الخروج من:
1. دعوى الكمال الزائف، وأن ما عندنا من جهد يغنى عن الحاجة للآخرين.
2. التخلص من حظوظ النفس، إلى جانب تقدم الآخرين وغيرهم، فكل جهد يقوم به غيرنا يحقق أهدافنا هو من جهدنا.
3. عدم القناعة لدى بعض الدعاة بقضايا الدعوة بين أوساط النساء.
4. ندرة الطاقات النسائية القادرة على تبني الدعوة، وتقديمهن للمجتمع، فضلا عن ضعف التكوين الثقافي والتربوي لديهن.(16/113)
5. سلامة البنية الأساسية للأسرة في كثير من بلاد العالم الإسلامي.
وعلى الرغم من وجود مثل هذه العوائق إلا أننا لابد وإن ننطلق بعزيمة وإخلاص واثقين بنصر الله هذا الدين، وحسن الظن بالله، والتفاؤل بالخير مهما كان وزنه، خاصة في مثل هذا الوقت الذي قل فيه الناصر، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق".
لا سيما وأن المرحلة التي نعيشها اليوم تتطلب اهتماما كبيرا بقضايا المرأة في بين أوساط المسلمين وغيرهم، آخذين في بعين الاعتبار بعض النقاط التالية:
1. ضرورة عقد ورش عمل بين المهتمات بالدعوة، يتم خلالها تطبيق بعض البرامج المنشطة للجهود.
2. التأكيد على إيجاد آلية لتبادل الخبرات بين الجهود النسائية في الدعوة.
. استكتاب المهتمين بالدعوة للكتابة حول مشكلات الدعوة في الوسط النسائي.
4. إقامة مركز يتولى تحويل التوصيات وغيرها على الواقع العملي، ويمكن أن يكون فقط في الانطلاق للوصول إلى جهد منسق في الدعوة النسائية، ومثل الأخوة في الندوة يمكنهم القيام بهذا الجهد المبارك ولهم أجر جمع الكلمة إن شاء الله.
5. آثار التنسيق المنشود:
إذا ما تضافرت جهود العالمين في الدعوة النسائية فذلك بلا ريب سيؤدي على نتائج عظيمة منها:
1. التخفيف من حدة الاختلاف، والخروج من دائرة ردود الأفعال.
2. توثيق العلافة بين العاملين والعاملات في الدعوة.
3. وحدة الصف، وتكوين رأي عام مبني على الكتاب والسنة مستصحبا لظروف الواقع.
4. قوة الأعمال الدعوية الموجهة للمجتمع، من خلال التعرف على المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها المرأة.
5. ترشيد الكتابات الموجهة للمرأة، وتغطية لقضاياها المختلفة في جوانب متعددة.
6. ظهور نشاطات جديدة متميزة، القيام بمتابعتها ورصدها من خلال ما ينشر في اللقاءات والصحافة والمؤتمرات.
7. توفير الجهد من خلال تحقيق الأهداف المنشودة بأقل ما يمكن، وبالتالي تفريغ الجهد المتبقي في الأنشطة الأخرى الشاغرة.
8. توفير الوقت، وذلك من خلال الاستغلال الأمثل للوسائل الدعوية التي تستهدف أكبر قدر من المستهدفات.
5. ومن أمثلة التنسيق المنشود:
1. إقامة مجموعات عمل ممثلة من مختلف المؤسسات الخيرية لمناقشة قضايا اجتماعية ملحة كالطلاق والعنوسة وعمل المرأة، وآثارها على بنية المجتمع، وكينونة الأسرة، ووضع التوصيات عليها.
2. التعاون بين الهيئات والمؤسسات النسائية الدعوية القائمة في بقاع العالم.
3. إجراء الدارسات الميدانية عن العادات الاجتماعية، وأثرها على أنماط السلوك النسائي في مختلف البلاد الإسلامية.
4. إعداد قاعدة معلوماتية لكل ما ينشر عن المرأة، وتنشيط حركة البحث والتأليف والدراسة.
5. إصدار الدوريات والمجلات التي تخدم القضايا النسائية والتي تخاطب فئة معينة، وأخرى موجهة لمعالجة القضايا الفكرية، وثالثة تخاطب الفتاة في المرحلة الجامعية أو الثانوية وهكذا.
6. متابعة المؤتمرات الدولية والمشاركة فيها بغرض الدفاع العلمي الرشيد عن قضايا المرأة المسلمة.
7. صناعة بعض الرموز المصلحة للمجتمع، وتقديم القدوم لكافة شرائح المجتمع، فتقدم مثلا المرأة الواعية في فكرها ومعاملتها من خلال التزامها بدينها.
8.التعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث لأدراج المرأة ضمن أولوياتها، كالتعاون مثلا في البحوث الأكاديمية التي تتناول تأثير القنوات الفضائية على أفكار البنات في المراحل الدراسية المختلفة.
http://www.lahaonline.com المصدر:
===========
أحد أعيان الزيدية سابقاً ينصح بقراءة الكتب التالية
من التشيع إلى السنة .. من الفرقة إلى الجماعة .. من الضلال إلى أقوال الرسول . المُحدِّث
رحم الله الشيخ مقبل .. أسد يزأر في وجه الباطل .. حياة مليئة بالتضحيات ..
الشيخ مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله - من مواليد مدينة شيعية باليمن .. يُقال لها (صعدة)
كان شيعياً زيدياً ..-نعم وليس الشيعة إلا الزيدية أما بقية الطوائف ممن ينتسبون للتشيع فهم روافض وحتى فرقة من فرق الزيدية وهم الجارودية في الزيدية يسمونهم رافضة- .. ثم شرح الله صدره للتوحيد فأصبح سنياً سلفياً ..
هدى الله على يديه إلى توحيد من ظلمات الشرك آلآف من البشر وعدد من المناطق والقرى والهجر ..
كان منشغل بأقوال قال فلان وفلان .. فأصبح ليله ونهاره قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
كان يعيش مع الناس فأصبحت أنفاسه لا تهدأ إلا بتلاوة وتدبر وتعليم أحاديث نبينا محمد - عليه السلام - ..
فسبحان الهادي ..
ولأن بيئته شيعية -من جميع الفرق- فقد رموهُ عن يدٍ واحدة .. وتهجموا عليه حتى بطلق النار والتشابك .. لأن الشيخ (وحد الله) فقالوا أراغب أنت عن آلهتنا؟!!
جرد حسام التوحيد بضياء السنة محتمياً بالكتاب والسنة-فهما العاصمان والمعصومان- فأزال لوثة الشرك وبدد ظلام المبتدعة .. وكسر وثن الشرك .. وجرد المسلم للإسلام .. وحسم (الاستغاثة) والشرك بتوحيده جل في علاه ..
ما هي الكتب التي تنصح بقراءتها في التوحيد ومحاربة الشرك؟
أجاب العلامة مقبل الوادعي:
أيها الإخوة هذا سؤال أجاب عليه فضيلة الشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي (قمع المعاند وزجر الحاقد الحاسد: 28)
ما هي الكتب التي تنصح بقراءتها في التوحيد ومحاربة الشرك؟
قال فضيلة الشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله - تعالى - مجيباً:(16/114)
الذي أنصح به هو (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد) لحفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكذلك أيضاً (تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد) أنصح بقراءة هذين الكتابين والاستفادة منهما، وكذلك (تطهير التوحيد) للصنعاني، و (الدر النضيد) للشوكاني، و(شرح الصدور في تحريم رفع القبور) للشوكاني أيضاً، ولو لم يكن إلا هذه الكتب التي ذكرت بل (فتح المجيد) كاف في تصفية العقيدة.
وقد يقول قائل إن مؤلفه من نجد وهابي؟ الوهابي أحسن منك يا صوفي وأحسن منك يا شيعي. والوهابية يدعون الله ويعتقدون في الله، وأنا لا أقول لك تقلد الوهابيبة، أقول لك: تأخذ الدليل من كتاب الله ومن سنة رسول الله من تلك الكتب التي جمعت الأدلة.
ويمكن أن تقول إن البخاري وهابي لأنه قال في صحيحه: باب إتيان الكهان، أي إتيان الكهان وأتى بأدلة تنهى عن ذلك وهو أن أناساً يأتون الكهان، قال: فلا تأتيهم أو بهذا المعنى. فأقول لك: تأخذ الحق ممن جاء به وعند من وجتموه.....
ثم قال فضيلته 35(فهذه الكتب التي أرشدنا إليها قبل، ليست كافية فلا بد من طلب علم ومجالسة إخوانك أهل السنة والاستفادة منهم ومناقشتهم، وإلا فالكتاب وحده ليس كافياً والقراءة، ونسيت من الكتب الطيبة " القول المفيد " لأخينا في الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب العبدلي الوصابي فهذا كتاب قيم وبحمد الله قد انتفع به، فجزى الله مؤلفه خيراً....) ا. هـ.
http://saaid.net المصدر:
===========
بذرة الأمل
وعدت إلى بيتي..وقد خطت أقدام الليل الثقيلة على بدني المهترىء لتجعله ركاماً من تعب..
أشعر وكأنما السماء أطبقت فوق صدري، وكأني أحمل فوق ظهري أحمال الجبال.. خارت قواي، وتكدَّرت نفسي، وضعفت خطاي..
أحمل نفسي تارة، وتحملني أخرى، فأقول لها:متى أنتهي من هذه الأعمال المضنية التي أكلت عمري من أطرافه؟ متى أشعر بالراحة والسكون؟ أليس من حقِّ البركان أن يخبو، والعاصفة أن تسكن، والموج أن يستقر؟!
تزجرني نفسي: أليس لأبنائك عليك حق؟! ألا يستحقون منك هذا العناء؟ لتبني لهم مستقبلاً زاهراً وتوفر لهم عيشاً كريماً؟ كفاك ما دهاك في ماضي عمرك، أتريد لهم حياة كماضيك؟!
إنه ليس من حقِّ الشمعة أن تسأل: لماذا أحرق أطرافي بأطيافي؟
إنما عليها أن تُضيء، وكفى!
رضيت بانتصار فكرة التضحية على نفسي التي سئمت تكاليف الحياة .. ورددت برضى: الحمد لله.. الحمد لله..
سرت في أوردتي ومضة فرح، ورعشة سرور، فسكنت.
وقبل خطوات من دخولي منزلي، ليضمني بين ضلوعه بأحبتي..
وإذا بالفاجعة!
أرسلت بصري ليجول بين شباب اجتمعوا كالذئاب في ظلمة الليل، وقد سكنت أعين الناس وغطُّوا في سبات عميق.. فقادتني عيوني إليه..
أهذا ولدي معهم؟! أيعقل أن يكون فلذة كبدي بينهم؟!
وما تلك بيمنه يا عيني؟
يا لمصيبتي!
إنها سيجارة قذرة تندس بين أصابعه كالحية، تلدغه بين شفتيه كالعقرب، تعبره إلى صدره.. تسري في شرايينه.. وتنفث سمومها بين ضلوعه كالكير...
لهفي عليك يا بني!
كيف وصلَت إليك؟ وماذا جلبت عليك؟ إنها بوابة الدخول إلى عالم السوءات.. فهي خطوة البداية، وتأت بعدها خطوات المخازي!!
أمل تحوَّل في لحظة إلى ألم شعرت بأني بنيت قصري فوق الرمال، وغرست بذري في أرض لا تنبت إلا المحال
أحسست بدوار يعصف بي، وبحسرة مرَّة في قلبي، وشعرت ببركان الغضب يجتاحني، وبزلزال القهر يعبرني.. تبعثرت أحلامي مع دخان سيجارته!
سقطت عيني في عينه، فتفجرت عيوني بالدموع!
وليس الذي يجري من العين ماؤها ولكنها روح تسيل فتقطر، أركبته بجواري، وذهبت به إلى جوار بيتي.. انسلَّت رائحة الدخان من بدنه لتستقرَّ في أنفي كسهم مسموم غُرس في حبَّة القلب.
طلبت منه أن يبقى في مكانه حتى أعود إليه..
دخلت إلى بيتي في عجل.. أخذت ما وقع تحت يدي من طعام وشراب، وعدت إليه وقد ذهب به الروع كلَّ مذهب!
لم أنبس ببنت شفة.. غمست وجعي في صبري، وأسررت بألمي لنفسي ولم أبده له.. لم تفضحني سوى زفراتي!!
توجهت به من جدة إلى بيت الله العتيق بمكة..
وهناك حيث تتنزل الرحمات، وتقال العثرات.. طفنا ببيت الله الحرام ، تناثرت خطايانا مع خطواتنا.. هكذا شعرنا!
صلينا ما كُتب لنا.. تخففنا من أحمالنا.. وخلعنا ما على ظهورنا من هموم وغموم.. جلسنا سوياً، والكعبة أمامنا، والمصاحف بأيدينا، والطائفون يحومون بجوارنا في مشهدٍ لا أجمل منه! يفيض بالأنس، وينطق بالطهر، وينبض بالنقاء..
وفي لحظة من لحظات الصفاء..
قام الابن صوب رأس أبيه يجرُّه إليه، ويقبِّله عليه..
ودموع الندم البريئة تغسل آثار الخطيئة..
وعاد الابن الصالح ليغرس بذرة الأمل في صحراء اليأس.. وقد كان!
06-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
==========
الخير باق في أمتنا إلى يوم الدين
محمد المأمون الهضيبي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد...
فقد قضى الله - تعالى - لهذه الأمة المسلمة أن تكون في رباط إلى يوم القيامة؛ قيامًا بمهمة البلاغ عن الله والشهادة على العالمين، تلك المهمة التي أكرمها الله بها وجعل خيريتها رهنًا بأدائها "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" (آل عمران: 110).
وفي عصرنا هذا تداعت الأمم علينا كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، منتهزين فرصة الضعف التاريخي الذي تمر به أمتنا، وقد أرهقها طغيان الساسة، واستبداد الحاكمين، ونهب الثروات، وتقطيع الأواصر، وتحلل الأخلاق، وتخاذل الضمائر، والغزو الثقافي المتفنن في أدواته، والمصرّ على بلوغ غاياته.(16/115)
غير أنّ قدر الله الرحيم بهذه الأمة قضى ألا تزال طائفة منها ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، ولا من ناوأهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.. وقد رأينا أمثلة وضيئة لهم في أرضنا المحتلة في فلسطين، يدافعون- ليس فقط عن حريتهم ودينهم- بل أيضًا عن كرامة الأمة ومستقبلها.. ورأينا مقاومة ومصابرة من أهلينا الذين أجهدهم الحصار سنين عددًا في أفغانستان والعراق، حتى بدت القوة الأمريكية في استكبارها وصلفها عاجزة عن فرض إرادتها، بل بدت دلائل تراجعها، وهي دلائل تتعمق كل يوم بفضل الله، لتلحق عما قريب بأخوات لها من دول الاستعمار القديم كانت هزيمتهم على يد الشعوب المستضعفة بداية لتراجعهم عن مكان الصدارة في العالم.
واليوم نرصد ظاهرة أخرى لا تقل أهمية عن الصمود أمام الاستعمار العسكري الأمريكي والصهيوني، إنها ظاهرة المقاومة الثقافية والفكرية لمحاولات فرض النموذج الغربي على المسلمين، وترويض العقل الإسلامي ليتقبل فكرة الاحتلال، ويسلم بتفوق أهله، وقد رأينا عما قريب أمثلها لها في مقاومة علماء المسلمين في دول الخليج لما يسمونه بمشروع تطوير مناهج التربية والتعليم، الذي أقرت بعض ملامحه للأسف الشديد القمة الخليجية التي انعقدت في ذلك الشهر؛ ذي القعدة سنة 1424هـ.
وفكرة تطوير مناهج التربية والتعليم في بلادنا الإسلامية فكرة أمريكية روجت لها الإدارة الأمريكية والصهيونية، وحاولت فرضها منذ مدة بعيدة، غير أنها أصبحت بالنسبة لهم أكثر إلحاحًا بعدما اصطدموا بالمقاومة الإسلامية الصلبة لمشاريعهم في الهيمنة والاستعمار.
وحسنًا فعلت تلك الجماعة من العلماء الأجلاء حين فضحت هذه المخططات، وكشفت عن حقيقة أهدافها، وأنها لم تقصد إلا تفريغ مناهج التربية والتعليم عندنا من كل ما يعمق هوية الأمة الإسلامية، ويؤكد تميزها وأصالتها، ويثير فيها روح الجهاد والمقاومة، لتصبح بعد ذلك صيدًا سهلاً لأعدائها، وغنيمة باردة لا تستعصي عليهم.
إنّ معارضتنا لذلك المشروع لا يعني بحالٍ رضانا المطلق عن مناهجنا التربوية والتعليمية، فإننا نراها قاصرة عن تحقيق الغاية التي نصبو إليها في تكوين أمة العقيدة والريادة والشهادة على العالمين.. غير أنّ ذلك لا يعني أيضًا أن نزيد الأمر سوءً بقبول إملاءات العدو، وتخريب بيوتنا بأيدينا، وهدم قلاع المقاومة داخلنا، والتآمر على بقية الخير فينا.
أيها الإخوة والأخوات:
لقد كنا نأمل في هذه الفترة العصيبة من تاريخنا أن يجتمع أولو الأمر فينا، والمسئولون عن تربية وتعليم أمتنا ليتدارسوا معًا كيف يلبون نداء شعوبهم وأشواقهم نحو منظومة تربوية وتعليمية تزيل من نفوسنا الجهالة بديننا وتراثنا، وتدفع بنا إلى آفاق تستحقها أمتنا المجاهدة من الرفعة في ميادين البحث العلمي والنهضة التقنية، وتعيد أمتنا إلى مكانتها اللائقة بها مكانة الصدارة بين الأمم، بعدما أصبح تخلفنا مزريًا في ذلك المجال، ومهددًا لنا بالتجمد والاضمحلال.
إنّ ما ينفقه الكيان الصهيوني على البحث العلمي يبلغ 2. 4% من الناتج القومي الإجمالي لهم، في حين لا تتجاوز نسبة الإنفاق 0. 6% في أكثر البلدان العربية إنفاقًا على البحث العلمي، وهي الإمارات العربية المتحدة، ناهيك عن غيرها من الدول، وبشكل عام فإن متوسط الإنفاق على البحث العلمي لدى الكيان الصهيوني يزيد عشرة أمثال ما عند العرب مجتمعين، وإذا أخذنا في الاعتبار التباين في عدد السكان وحجم الناتج السنوي لاتسعت الفجوة إلى أكثر من ثلاثين مرة، ولسوف تزداد تلك الفجوة اتساعًا إذا أضفنا الإنفاق على الأبحاث العسكرية في كلا الجانبين!!
وقد سجل العلماء العرب 24 براءة اختراع سنة 1997م، في حين سجل العلماء الصهاينة 577 براءة اختراع في العام نفسه، ويصدر الكيان الصهيوني تكنولوجيا بمليار دولار سنويًا، بينما سجلت الهند صادرات في مجال تقنية المعلومات بمبلغ 150مليون دولار سنة 1990م، وارتفع سنة 1999م إلى أربعة مليارات ويتوقع أن يرتفع إلى 50 مليار دولار سنة 2008م.
ولمَّا صنف تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة الدول- حسب الإنجاز التقني- إلى خمس فئات: (القادة، القادة المحتملون، النشطون، المهمشون، الآخرون) جاء الكيان الصهيوني ضمن الفئة الأولى من الدول القادة، وهي 18 دولة، وليس من بينها دولة عربية أو إسلامية واحدة!!
ومن المؤسف أن خمس سكان عالمنا العربي (20% منه) يعانون البطالة، بحسب تقارير منظمة العمل العربي، وأن 70 مليون عربي أميون، لا يعرفون القراءة أو الكتابة، بينهم 45 مليون امرأة وصبي، ويبلغون نحو 43% من الأمة العربية بحسب إحصاء سنة 1998م، ولا تزيد نسبة الأمية لدى الصهاينة عن 5%، أما عن مستوى التعليم الذي يتلقاه طلاب المدارس والجامعات عندنا فقد علم الكافة مدى تدنيه وانحداره، وأنه يخرّج في حالات كثيرة جماعات من أنصاف المتعلمين، الذين لا يجيدون التعامل مع آليات العصر الحديث ومناهج البحث العلمي فيه.
أين نحن من ذلك الواقع:(16/116)
ولنا أن نتساءل أين نحن من ذلك الواقع المخزي الذي سبق بيان بعض جوانبه؟ وأين المؤتمرون الذين جلسوا يتباحثون حول تطوير مناهج التربية والتعليم منه؟ ولماذا لم يشغلهم البحث عن مخرج منه بدل أن ينشغلوا في المقام الأول بإرضاء السيد الأمريكي، وتطويع مناهجنا لإرضائه وإنجاز سعيه في تركيعنا وإذلالنا؟ وترويض الإنسان المسلم الذي استعصى على القهر بدوام صلته بالله - تعالى -، وإيمانه بفرضية الجهاد في سبيل الله، وحتمية انتصار الإسلام وإن طال الزمن.. "كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" (المجادلة: 21).
وإذا كانت شريعة الجهاد وصور البطولات الإسلامية التي يدرسها طلابنا تؤرق الضمير الأمريكي، ويجد فيها مجافاة لمنطق السلام، وحائلاً دون التعايش المذلِّ مع الصهاينة والأمريكان، وإذا كان ذلك يجد صدى له عند بعض حكامنا أفلا ينظرون إلى مناهج التربية والتعليم لدى الكيان الصهيوني، وكيف يربون أولادهم على العنصرية والتفوق اليهودي وكراهية العرب، ووصفهم في كتبهم الدراسية وقصص أطفالهم بأنهم كلاب قذرة، عدوانيون يعشقون الدماء والإرهاب؟ أفلا ينظرون إلى الصهاينة كيف تتحدث كتبهم الدراسية عن حق الاستيطان والهجرة لليهود إلى فلسطين أرض الميعاد والأجداد، لتكوين إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل إلى الفرات؟
إننا نذكرهم بقانون التعليم اليهودي العام الصادر سنة 1953م، والذي تنص المادة الثانية منه على أن (التعليم في دولة إسرائيل يجب أن يرتكز على قيم الثقافة اليهودية، والولاء لدولة إسرائيل والشعب اليهودي، وتحقيق مبادئ الريادة في العمل الطلائعي الصهيوني).
وتقول المادة الثالثة منه "يجب أن يُخضع الحاضر لتقييم متواصل في ضوء أحلام الشعب اليهودي وذكرياته، ويجب أن ينعكس الماضي اليهودي على النظام التعليمي الذي نحن بصدده، لأن التأهيل التاريخي والذاكرة والاهتمام بالعمل والإيمان بتجدد المجتمع اليهودي المتكامل مقومات لابد منها لبناء فلسفة التعليم اليهودي".
ولم ينزعج أحد لمستوى التعليم الديني عند اليهود الصهاينة، ولم يطالبهم أحد بتغيير مناهجهم أو تعديل مسارهم، أو الحد من نشاطهم، أو الحيلولة دون ازدواج النظام التعليمي العلماني والديني، كما يحدث في بلادنا.
فلدى الكيان الصهيوني تعليم ديني نشط ينضم إليه سنويًا حوالى 5500 ألف طالب جديد، بل إن عدد الطلاب المنتظمين في المدارس الثانوية لحزب (شاس) الصهيوني المتطرف بلغ (111) ألفًا سنة 2000م، واستطاع ذلك الحزب أن يقتطع من الميزانية العامة للدولة خمسين مليون شيكل للإنفاق على التعليم الديني لديه في مقابل موافقته على موازنة الدولة لعام 2000م.. بل إن نحو خُمس تلاميذ المرحلة الابتدائية في الكيان الصهيوني ينتظمون في المدارس الدينية هناك!!، تلك المدارس التي تعمق الكراهية للمسلمين والعرب، وترفض تعليم المواد العلمية التجريبية كالرياضة والكيمياء والطبيعة، وتقدم تعاليم التوراة على قوانين الدولة، وفتاوى الحاخامات على الأوامر العسكرية، وتقوم بإعداد الكوادر الشبابية للمنظمات الإرهابية، وهم الذين قاموا بمحاولات متكررة لهدم المسجد الأقصى، والهجوم على الحرم الإبراهيمى، وقتل "إسحاق رابين" رئيس وزرائهم، وتأييد سياسات "شارون" الدموية.
وبعد كل ذلك نوصم نحن المسلمين بالتطرف، وتوصف مناهجنا التربوية والتعليمية بالحض على الإرهاب؟!! وتُحارب مدارسنا الإسلامية حربًا لا هوادة فيها.
وعلى كل حال فإننا إذا كنا نرسل تحية الإجلال لكل علمائنا الذين ناهضوا تلك الخطوة المسيئة في دول الخليج فإننا مازلنا نأمل أن يعيد المسئولون هناك- وغيرهم ممن يسير سيرهم دون إعلان- التفكير في ذلك القرار، والعودة إلى جادة السبيل.
مرة أخرى الحجاب وشيخ الأزهر:
وكان لعلمائنا في مصر وغيرها من بلدان الإسلام وقفتهم المشهودة في إنكار توجه الحكومة الفرنسية لاتخاذ قرار بمنع الفتيات المسلمات في فرنسا من ارتداء الحجاب في المدارس، ولقد أصدر الإخوان المسلمون بيانًا في ذلك الأمر بمجرد إعلانه، وبينوا فيه مخالفه ذلك القرار لمواثيق حقوق الإنسان وجهود الأمم المتحدة التي تنص على ضمان الحريات الدينية للأفراد، كما يخالف مصالح الدولة الفرنسية نفسها لدى العالم الإسلامي، وصورتها التي تسعى للترويج لها كحامية للحرية والمساواة، أما مخالفته لصريح الإسلام قرآنًا وسنة فهو معلوم من الدين بالضرورة، وهو فرض ديني لا يجوز لمسلمة التفريط فيه بحال، وليس رمزًا للتباهي والتميز أو الاستفزاز.
ولقد ساءنا- كما ساء علماء الإسلام في شتى الأرجاء- تصريح شيخ الأزهر في لقائه بوزير الداخلية الفرنسي الذي قال فيه: "إذا كانت المرأة المسلمة تعيش في دولة غير مسلمة وأراد المسئولون فيها أن يقرروا قوانين تتعارض مع مسألة الحجاب فهذا حقهم، هذا حقهم، هذا حقهم"
والحق أن ذلك القول من شيخ الأزهر قد أثار غضب قطاعات عريضة من المسلمين الذين رأوا فيه تهاونًا وإعطاءً للدنية، ورضًا بأن تكون المرأة المسلمة في وطنها الذي تقيم فيها مستضعفة مضطرة إلى غشيان الحرام والعمل به.(16/117)
ونحن ننضم إلى الغيورين على الأزهر من مشايخه وعلمائه الذين تصدوا للرد على شيخ الأزهر وتفنيد فتواه، وننبه إلى خطورة ذلك المنحى منه، إذ إنّ مشيخة الأزهر ظلت طوال تاريخها موضع إجلال المسلمين في كافة أنحاء الأرض، والدفاع عنهم، ويجب أن تحافظ على ذلك الرصيد التاريخي والواقعي العظيم.. فشيخ الأزهر رمز كبير من رموز الإسلام، يقود مؤسسة هي الأعظم بين المؤسسات الدينية الإسلامية، التي تدافع عن المسلمين في شتى بقاع الأرض وتناصر المسلمين المستضعفين، وتؤكد على شرائع الإسلام وشعائره.
إننا نشفق أن ينعكس تردي الأوضاع عندنا والانهزام النفسي الناتج عن ذلك على فتاوانا الدينية، ونتطلع في ذات الوقت إلى أن تكون مؤسساتنا الدينية الرسمية نموذجًا للشورى من العلماء، تلك الشورى التي تعصم من الزلل والانفراد بالرأي الذي قد يصدر أحيانًا عن عدم فهم جيد للواقع، وقراءة حصيفة للتحديات التي تواجهنا، وأوضاع المسلمين الصامدين في بقاع شتى يتوقون إلى دعم مشايخهم وعلمائهم، لا أن يكونوا عونًا لظالميهم عليهم من حيث لا يشعرون، والله - تعالى - يقول الحق وهو يهدي إلى سواء السبيل.
07/01/2004
http://www.ikhwanonline.com المصدر:
==========
الوصية
الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، والصلاة والسلام على خير الأنام سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
فما أجمل أن تجد في مواطن البلاء من يقف معك، ويشدُّ من أزرك، ويمدُّ بيده إليك، وأنت في أمسِّ الحاجة إليه، وأعظم الرغبة فيه!
ذلك هو الصديق الذي لا يخون، والصاحب الذي لا يمكر، والمعين الذي لا يغدر..
إنه عملك الصالح من الإيمان والطاعة والعبادة، فأنت تحيى معه في سعادة، ولا يتخلَّى عنك عند موتك، ويلحق بك في قبرك، ويتبعك في يوم نشرك وحشرك.
فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم -: " الأخلاّءُ ثلاثةٌ، فأما خليل، فيقول: أنا معك حتى تأتي باب الملك، ثم أرجع وأتركك، فذلك أهلك وعشيرتك، يشيعونك حتى تأتي قبرك، ثم يرجعون فيتركونك، وأما خليل فيقول: لك ما أعطيت، وما أمسكتَ فليس لك، فذلك مالك، وأما خليل فيقول: أنا معك حيث دخلت، وحيث خرجت، فذلك عملك، فيقول: والله! لقد كنتَ من أهون الثلاثة عليَّ. (رواه الحاكم في المستدرك، انظر: صحيح الترغيب والترهيب ـ الألباني 1/386 ـ 910).
وسوف تُصاب عند موتك في مالك بمصيبتين؛ فقده كلُّه، والسؤالُ عنه كُلُّه، فلا يكن مال غيرك أحبُّ إليك من مالك.
فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أيُّكُم مالُ وارثه أحبُّ إليه من ماله؟ " قالوا: يا رسول الله! ما مِنّا أحدٌ إلا مالُهُ أحبُّ إليه. قال: " فإنَّ مالًهُ ما قدَّم ومالُ وارثه ما أخَّر " (صحيح البخاري 7/226 ـ 6442).
استثمر في مالك بعد مماتك:
فمن رحمة الله بك أن أذن لك بالاستثمار في مالك بعد وفاتك، وتصدَّق عليك بثلث مالك، فتوصي به في وجوه الخير، وسبل المعروف، لتجني ثمرته وتحصد بركته بعد رحيلك عنه وحرمانك منه، فلا تبخل على نفسك بما جمعته يداك، فالوصيَّة نهر من الحسنات يجري، يرتشف منه في قبره بعد وفاته من أجراه في حياته، فلا تكونن من المحرومين.
فعمرك ـ وإن طال ـ قصير، وحياتك ـ وإن امتدَّت ـ إلى نهاية، فلا تُطوى صحائف أعمالك، بانتهاء آخر صفحات حياتك، وليكن لك حبل من العمل الصالح ممدود!
قال - تعالى -: [كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية...].
فربما بالوصية تنال من الحسنات بعد مماتك أكثر مما نلت منها في حياتك، وترفع درجتك عند ربِّك بما قدَّمت بين يديك من عمل صالح، وما أخَّرت خلف ظهرك من صدقات جارية بفعلك، أو بوصيِّتك، أو بوقفك تتبعك وأنت في لحدك لوحدك بلا أنيس أو جليس.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا مات الإنسان انقطع عملُه إلا من ثلاث؛ صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " (صحيح مسلم 3/1016ـ1631).
والوصية نبعٌ من الخير يجري، وقطرٌ من الغيث يهمي، فهي امتداد عملك الصالح بعد وفاتك، فلا يجف نهر حسناتك بموتك!
فأسرج بالوصية في قبرك شمعة ضياء، تنير لك حالك الظلمات في بطون الألحاد، ولا تبخل على نفسك بخير، وقدِّمه بين يديك، فلن يكون غيرك أكرم منك عليك!
نماذج من الصدقات الجارية:
هذه نماذج مباركة من الصدقات الجارية التي ينتفع بها الميت في قبره لأنه أجراها في حياته، أو أمر بها في وصيَّته، أو جاد بها عليه أبناؤه بعد وفاته.
* عن أنس - رضي الله عنه - قال ـ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " سبعٌ يجري للعبد أجرهنَّ وهو في قبره بعد موته: من علَّم عِلماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مُصحفاً، أو تركَ ولداً يستغفر لهُ بعد موته " (أخرجه ابن خزيمة والبيهقي، انظر: صحيح الترغيب والترهيب 1/36 ـ 74).
* عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علماً نشره، وولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته " (صحيح سنن ابن ماجه 1/46 ـ 198).(16/118)
* عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من حفر بئر ماءٍ لم يشرب منه كبدٌ حرَّى من جنٍ ولا إنسٍ، ولا طائرٍ إلا آجره الله يوم القيامة " (رواه ابن خزيمة، انظر: صحيح الترغيب والترهيب 1/110 ـ 267)
* عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسولا الله - صلى الله عليه وسلم -: " من علَّم علماً فله أجرُ مَن عمِلَ به، لا ينقُصُ من أجر العاملِ شيءٌ " (صحيح سنن ابن ماجه 1/46 ـ 196).
* عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من علَّم آية من كتاب الله ـ - عز وجل - ـ كان له ثوابها ما تُليت " (أخرجه أبو سهل القطان في حديثه عن شيوخه، انظر: السلسلة الصحيحة 3/323 ـ 1335).
* عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال ـ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أربعةٌ تجري عليهم أجورهم بعد الموت؛ من مات مرابطاُ في سبيل الله، ومن علَّم علماً، أُجري له عمله ما عُمل به، ومن تصدَّق بصدقة، فأجراها يجري له ما وُجدت، ورجل ترك ولداً صالحاً يدعو له " (رواه أحمد في المسند، انظر: صحيح الجامع رقم 890).
أحكام مهمة في الوصية:
1 ـ يشرع للمسلم أن يوصي لنفسه بجزء من ماله ينفق في وجوه الخير والبر بعد مماته، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنَّ الله تصدَّق عليكم عند وفاتكم، بثلث أموالكم، زيادة لكم في أعمالكم " (صحيح سنن ابن ماجه 2/111 ـ 2190).
2 ـ تجب كتابة الوصية على من له أو عليه حقوق للناس.
فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ما حقُّ امرى مُسلمٍ له شيءُ يُوصي فيه، يبيتُ ثلاثَ ليلٍ إلا ووصيَّتهُ عندهُ مكتُوبةٌ " (صحيح البخاري 3/253 ـ 2738، وصحيح مسلم 3/1012 ـ 1628).
3 ـ يستحب للموصي كتابة الوصية والأشهاد عليها.
4 ـ يحرم الجور والظلم فيها، وللظلم صور، منها:
أ ـ الوصية بأكثر من الثلث في المال، ولا تنفذ إلا بإجازة الورثة.
فعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: عادني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع من وجعٍ أشفيتُ منه على الموت، فقلت: يا رسول الله! بلغني ما ترى من الوجع، وأنا ذو مالٍ، ولا يرثني إلا ابنةٌ واحدةٌ، أفأتصدَّقُ بثلثي مال؟ قال: " لا " قال: قلتُ: أفأتصدق بشطره؟ قال: " لا. الثلثُ، والثلثُ كثيرٌ، إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خيرٌ من أن تذرهم عالةُ يتكفَّفون الناسَ.. " (صحيح البخاري 3/254 ـ 2742 وصحيح مسلم 3/1013 ـ 1628).
ب ـ تفضيل بعض الورثة على بعضهم.
فعن قال: قال رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم -: " لا وصية لوارث ".
جـ ـ حرمان من له حق في الإرث من نصيبه المقدَر شرعاً.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنَّّ الرجل ليعمل بطاعة الله سبعين سنة ثم يحضره الموت فيضار في الوصية فتجب له النار " (رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه).
5 ـ تحرم الوصية بإنفاق المال في وجوه الحرام. فقد قال الله - تعالى -: [ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.. ].
6 ـ لا يُعمل بالوصية في المال إلا بعد إخراج نفقة تجهيز الميت، وإخراج ما وجب في تركة المتوفى من الواجبات الشرعية كالزكاة المتأخرة ونفقة الحج لغير عذر والنذور والكفارات " فدين الله أحق بالقضاء " ثم استيفاء ديون الناس وما في ذمَّته من حقوقهم.
نموذج للوصية الشرعية:
[الصيغة ليست إلزامية فلم يرد فيها دليل بالنص على صيغتها].
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا ما أوصى به الفقير إلى رحمة الله وهو في حالته المعتبرة شرعاً من كمال عقله وسلامة إدراكه...
(يوصيهم بما شاء من أمر الآخرة والدنيا)..
وأوصي بأن ينفق:
ثلث تركتي ربعها خمسها سدسها سبعها ثمنها تسعها عشرها
مبلغ وقدره []
نسبة (%) منها
في وجوه الخير والمعروف كالتالي:
طباعة المصاحف
بناء المساجد
حفر الآبار والمشاريع المائية
المستوصفات والمراكز الصحية
بناء المراكز الإسلامية
طباعة الكتب والأشرطة الشرعية
كفالة الأيتام
نشر العلم الشرعي
الأوقاف الخيرية
الأربطة
المساكين والأرامل
تنمية الموارد
الصدقات الجارية
تجهيز الموتى
بناء المساكن للمحتاجين
تحافيظ القرآن الكريم
المشاريع الموسمية والطارئة
أخرى
وهي:....................
وأوصي بأن تكون مؤسسة () أو (اسم القائم على الوصية) الناظر والقيم على تنفيذ هذه الوصية، والله خير الشاهدين.
الموصي؛
شاهد أول:
شاهد ثاني:
06-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
============
الطريق السريع إلى القلوب
رفْع شعار "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها" ليس مجرد كلمات طنانة تعبر عن حماس آني للفكرة الإسلامية؛ بل تدلل على مشروع بناء أُولى لَبِنَات النهضة الإسلامية المأمولة "الفرد"، وبالتالي سعيًا من (إخوان أون لاين) لوضع أبناء الحركة الإسلامية على الطريق الصحيح يقدم لهم من خلال السطور القادمة، وعلى مدار حلقتين، أقصر الطرق إلى القلوب وأسرعها من خلال دورة متكاملة في أصول الدعوة الفردية..
خطة الدورة:
1. مقدمة ماهية الدعوة الفردية
2. أهداف الدورة
3. أهمية الدعوة الفردية
4. فضلها
5. ميزاتها
6. بعض الحالات التي لا تجدي معها سوى الدعوة الفردية
7. العوامل المساعدة على نجاح الدعوة الفردية
المقدمة: ما المُراد بالدعوة الفردية؟(16/119)
اهتم النبي- صلى الله عليه وسلم - بالدعوة الفردية، خاصةً في أولى مراحل الدعوة، فقد تمَّ وضع اللبنات الأساسية للدولة الإسلامية عن طريق الدعوة الفردية التي أثَّرت في الناس أيما تأثير، فجعلت الأفراد المتمسكين بهذا الدين مضحِّين في سبيله بالغالي والنفيس.
المراد بالدعوة الفردية:
• "دعوة الأفراد" أي دعوة الناس منفردين، فالفردية هنا من حيث المدعو، ويقابل هذا دعوة الناس مجتمعين من خلال الدروس والمحاضرات؛ ولا نريد به (العمل الفردي) الذي يقابله (العمل الجماعي).
• وهي أيضًا التوجُّه بالخطاب إلى المدعوِّ على انفراد، أو مع جمعٍ قليل من الناس لهم صفة الخصوص دون العموم.
• وهي كذلك ممارسة الدعوة إلى الله- سبحانه وتعالى- لنقل المدعوِّ أو المدعوين ممَّا هم فيه إلى ما هو أفضل من حاله أو حالهم الراهنة.
أهداف الدورة:
لدورة الدعوة الفردية أهداف عامة وأخرى تفصيلية، كما يلي:
1- الأهداف العامة:
- اكتساب الأفراد القدرة على القيام بها.
- تنمية مهارات وقدرات الأفراد عليها.
2- الأهداف التفصيلية:
في نهاية البرنامج يُتوقَّع أن يكون الأفراد قادرين على:
- التعارف الوثيق والتواصل مع المدعوين.
- إيقاظ الإيمان المخدَّر لدى المدعوين وتصحيح عباداتهم.
- تصحيح المفاهيم عن الإسلام خاصة مفهوم الشمولية.
- إقناع المدعو بوجوب العمل للإسلام والعمل الجماعي.
أهمية الدعوة الفردية:
كثير من الناس يجهل أهمية الدعوة الفردية ظنًّا منهم أن الدعوة ينبغي أن تكون للناس عامة؛ وذلك بإلقاء المواعظ والمحاضرات والدروس، والحقيقة أن هذا لا يكفي، فالدعوة الفردية تكون نافعة في أغلب الأحيان أكثر من الدعوة الجماعية؛ ولهذا نجد أن النبي- صلى الله عليه وسلم - اهتم بالدعوة الفردية، خاصة في أول مراحل الدعوة، فقد كان وضع اللبنات الأساسية للدولة الإسلامية من طريق الدعوة الفردية التي أثَّرت في الناس أيما تأثير، فجعلت الأفراد المتمسكين بهذا الدين مضِّحين له بالغالي والنفيس.
إن أهمية هذا النوع من أنواع الدعوة تنبثق من أهمية الدعوة إلى الله من حيث هي.. فالدعوة إلى الله - تعالى - على بصيرة واجبة على المسلمين، قال - تعالى -: ?وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ? (آل عمران: 104)، ويقول - عز وجل -: ?ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ? (النحل: 125).
وفي الصحيحين من حديث "عبادة بن الصامت"- رضي الله عنه- قال: "بايعنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، على أثرة علينا، وعلى ألاَّ ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنَّا، لا نخاف في الله لومة لائم" (الفتح 13/192، النووي على مسلم 12/228).
فضل الدعوة إلى الله:
وردت أحاديث كثيرة في فضل الدعوة الله- تبارك و- تعالى - منها:
1- روى "مسلم" في صحيحه من حديث "أبي هريرة"- رضي الله عنه-: "أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا" (النووي على مسلم 16/227).
2- وروى "البخاري" وغيره أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال لـ"علي بن أبي طالب"- رضي الله عنه- لما بعثه إلى خيبر: "لأَن يهدِيَ الله بِكَ رجلاً واحدًا خيرٌ لكَ من حُمر النَّعمِ" (الفتح 7/7).
ميزات الدعوة الفردية:
هناك ميزات عدة للدعوة الفردية كما يلي:
1- الدعوة الفردية تربي الأفراد تربية متكاملة، فلا تقتصر على جانب واحد وتهمل الباقي، وهذا ما يُعرَف بالشمولية في التربية؛ ولهذا فإن الدعوة الفردية تكون أنجح من الدعوة العامة في تربية الأفراد؛ ولأن الدعوة الجماعية لا يمكن أن تتبع أخطاء الأفراد خطأً خطأ؛ بل نجد أن الدعوة الفردية من خلالها يمكن التنبيه على كثير من الأخطاء التي يقع فيها الأفراد، وبهذا يمكن استكمال التربية.
2- تحدث الدعوة الفردية صلة بين المدعو والداعية مما يهيئ المدعو للاستجابة، ولا شك أنها أفضل من الدعوة الجماعية؛ حيث إنها لا يمكن أن تحدث صلة بين المدعو والداعية.
3- يمكن للداعي أن يستفسر بالدعوة الفردية عن متابعة التطبيق العملي للتوجيهات الملقاة على الأفراد، ويمكن متابعة الأفراد متابعة دقيقة بخلاف الدعوة الجماعية، فإنه لا يمكن متابعتهم.
4- بالدعوة الفردية يمكن الرد على كثير من الشبهات التي تُلْقى على مسامع الأفراد، والتي لا يمكن التحدث بها في الدعوة الجماعية.
5- بالدعوة الفردية يمكن غرس المبادئ الإسلامية الصحيحة، ويمكن التحدث عنها بكل جدية ووضوح إذا جاء الوقت المناسب لكل مبدأ ويمكن للداعية أن يتدرج في توجيه المدعو، فيعطيه في كل وقت ما يناسبه.
6- بالدعوة الفردية يمكن إيصال الحق إلى الذين نفروا- أو نُفِّرُوا- عن سماعه وعن مجالسة الدعاة.
7- هذا النوع من أنواع الدعوة طريقة سريعة لكسب أكبر عدد من أنصار الدين.
8- هذا النوع من أنواع الدعوة لا يحتاج إلى غزارة علم بقدر ما يحتاج إلى حكمة في الدعوة، فيمكن أن يقوم به أفراد محبون للدعوة الفردية لا تحتاج إلى كثير معاناة فهي سهلة، ويمكن أن يقوم بها كل داعية من خلال عمله.
9- فالطالب في مدرسته أو كليته، والموظف في مكتبه، والعامل في مصنعه، وهكذا يمكن القيام بها في أي مكان وفي أي وقت، فهي تنعم بالحرية المطلقة في كل الحالات والظروف.
10- يمكن عن طريق الدعوة الفردية الوصول إلى ما لم تصله الدعوة الجماعية.(16/120)
11- تُكسب الداعية خبرة ومعرفة بأحوال الناس، وتكسر الحاجز الوهمي الذي تضعه بين الناس.
12- تدفع من يعمل بها إلى العلم والعمل فيكون قدوة صالحة للمدعو.
13- تتيح للداعية أن يطبق ما تعلمه من مفاهيم؛ كالصبر، والتضحية، والإيثار.
بعض الحالات التي لا تُجدي معها سوى الدعوة الفردية:
هناك بعض الحالات يستلزم الداعية أن يستخدم فيها الدعوة الفردية؛ لأن الدعوة الجماعية لا تجدي في مثل تلك الحالات، وإن كانت الدعوة الجماعية أيسر وروادها أكثر.
ومن هذه الحالات التي يجب استخدام الدعوة الفردية فيها ما يلي:
1- المكانة الاجتماعية للمدعو:
بعض الأفراد يكون معتزًّا بوضعه الاجتماعي، ويرى أنه لو خالط عامة الناس في تجمعاتهم لذهبت تلك المكانة التي يتمتع بها، وهذا بالطبع لا يكون إلا لأنه غير ملتزم بالشرع التزامًا كاملاً، ففي مثل هذه الحالة يجب أن يستخدم الداعية الدعوة الفردية.
2- جليس السوء:
البيئة التي يعيش فيها المدعو لها تأثير على شخصيته، فمن خالط جلساء السوء انحرفوا به عن الجادَّة، فالمرء على دين خليله؛ ولذلك فمن كانت هذه حالته فإنه يصعب التأثير عليه نظرًا لتكالب رفقة السوء عليه، ولقلة حيائهم ومجاهرتهم برد الحق، وتفاخرهم بارتكاب المعاصي والآثام، ففي هذه الحالة يجب الانفراد بالمدعو بعيدًا عن هذه الرفقة السيئة حتى يمكن التأثير عليه إن شاء الله - تعالى -.
3- الحالة النفسية للمدعو:
إن من الأسباب العائقة عن الهداية نفور المنحرفين من الدعاة والمتمسكين بالدين، وهؤلاء إما أن يكون الشيطان قد استحوذ عليهم، فهم يعرفون الحق؛ ولكنهم يبتعدون عنه كبرًا وعنادًا، أو لأنهم يرون أنه لا يمكن الالتقاء مع المتمسكين بالدين؛ نظرًا لتنافر الطباع والأمزجة، فهؤلاء يصعب دعوتهم إلى محاضرات عامة، فيلزم على الداعية أن يستخدم معهم الدعوة الفردية حتى يبين لهم الحق، ثم إن هداهم الله - تعالى - يمكن أن ينخرطوا ضمن الدروس العامة.
4- معالجة جوانب النقص في الأفراد:
قد يكون عند بعض الأفراد جوانب نقص أو عيوب شخصية؛ ولهذا لا يمكن أن تعالج هذه الأمور ضمن الدعوة الجماعية؛ بل يجب أن يستخدم الداعية الدعوة الفردية لمناقشة المدعو وتبصيره بهذه الأمور.
ولبناء الشخصية الإسلامية يجب أن تشمل ثلاثة جوانب مجتمعة بعضها مع بعض:
- النفسية الإسلامية.
- العقلية الإسلامية.
- الفاعلية بالإسلام.
فنبدأ بمحاولة بناء هذه الصفات في المدعوِّ كما يلي:
- النفسية الإسلامية: نعني بها الإيمان بالله وأخلاق الإسلام، ونبني هذا الإسلام بالعبادة: كلمات طيبة، ندوات، قراءة ومناقشة الكتب، الشريط الإسلامي، ممارسات إسلامية مشتركة، زيارات، وفي مراحل متقدمة تزرع في نفسه الانضباط والطاعة.
العقلية الإسلامية (الثقافة الإسلامية): أي إن يُصبح منهج التفكير عنده إسلامي؛ ولكن كيف يمكن أن نبني هذه العقلية؟ يمكن بناؤها عن طريق زيادة الثقافة الإسلامية في نفسه بواسطة الكتب، الأشرطة، الندوات وغيرها، وهذه الجوانب الثلاثة تكون مع بعضها البعض وغير منفصلة بعضها عن بعض.
العوامل المساعدة على نجاح الدعوة الفردية:
هناك عواملُ عدَّة إذا أخذ بها الداعي كانت سببًا في نجاح الدعوة الفردية، وأهمها:
1- الإخلاص لله - تعالى -:
إن أيَّ عبادة من العبادات لابد لها- لكي تكون مقبولة- من شرطين أساسين:
أ- الإخلاص لله - تعالى -.
ب- المتابعة للرسول- صلى الله عليه وسلم -.
فالداعية يجب عليه أن يبتغي بدعوته للأفراد والجماعات وجه الله - تعالى -، ويجب عليه أن يبتعد عن كل ما يقربه من الرياء والسمعة أو أن يكون له أتباع أو جماعة أو حزب. قال - تعالى -: ?وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ? (البينة: 5)، وقال - تعالى -: ?فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا? (الكهف: 11).
فإذا أخلص الداعية عمله لله، ورزق المدعو الاستقامة، فإن الله - تعالى - يكتب للداعية مثل أجر المدعو، ولا ينقص من أجره شيئًا. ففي الحديث الصحيح: "من دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه غير أنه لا ينقص من أجورهم شيئًا" (النووي على مسلم 16/227).
2- صلة الداعية بالله - تعالى -:
إن صلة الداعية بالله - تعالى - من أهم الأسباب لنجاح الداعية في عمله، وهذه الصلة تكون بالتقرب إلى الله - تعالى - بجميع أصناف العبادة، خاصة الدعاء والتضرع بين يدي الله - تعالى -. ففي الحديث الصحيح: "الدعاء هو العبادة" (رواه أبو داود 2/76- 77؛ والترمذي5/211، 5/374- 375، 5/456؛ وابن ماجة 2/ 1258).
فالداعية إلى الله يخوض في معارك، كلما انتهت معركة نشبت أخرى، ولا يمكن أن ينتصر ما لم يكن ناصرًا لشرع الله. قال - سبحانه -: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ? (محمد: 7)، وفي صحيح البخاري من حديث "أبي هريرة"- رضي الله عنه-: "أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: يقول الله- عز وجل -: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إليَّ ممَّا افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمعُ به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه" (الفتح 11/34).(16/121)
فلاح الداعية هو الصلة بالله- عز وجل - خاصة، في هذه الأزمنة التي تتحالف فيها قوى الشر على الإسلام والمسلمين؛ ولهذا كانت وصية الله - تعالى - للنبي- صلى الله عليه وسلم - في بداية الدعوة أن يكثر من الاتصال به، ومن التقرب إليه، فقال - سبحانه -: ?يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمْ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً? (المزمل: 1-2).
وهكذا أوصى النبي- صلى الله عليه وسلم - "ابن عباس- فقال له: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك" (تحفة الأحوذي 7/ 219)، وهذه الوصية ليست خاصة بـ"ابن عباس"؛ وإنما هي للأمة كلها إلى قيام الساعة.
ينبغي للداعية أن يحافظ على السُّنن ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأن يحرص على إحيائها، ولا يستهين بسنة من هذه السنن، وإنه من جملة الفواقر التي أصيب بها المسلمون وجود فئة منهم يقسمون الدين إلى قشور ولباب، ويعنون بالقشور تلك السنن الثابتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وليت الأمر يتوقف عند ذلك؛ بل الأدعى من ذلك هو أنهم يحتقرون من طبق تلك السنن.
3- العلم:
إن العلم ضرورة شرعية خاصة للدعاة إلى الله، فالعلم بالنسبة لهم سلاح يدافعون به عن دين الله- عز وجل - ويدحضون به الشبهات التي تلقى من أعدائه، يجب على مَن تعلَّم أن يعمل بعلمه، وأن يدعو إليه؛ ولهذا قيل: "هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل".
ولهذا يكون علم الداعية شيئًا رئيسيًّا لتأثر المدعو، فإذا كانت قدرة الداعية العلمية محدودة- لأننا ذكرنا قبل أن الدعوة الفردية لا تحتاج إلى كثير من العلم- فإنه ينبغي للداعية أن يستخدم الوسائل المتاحة؛ كأن يهدي للمدعو كتابًا أو شريطًا مسموعًا أو مرئيًّا أو مجلة... إلخ.
وهذا ليس مبررًا لتقاعس الداعية عن طلب العلم؛ بل يجب عليه أن يتزود أكثر من العلم، وأن يجعل لنفسه وقتًا يتزود من العلم الشرعي، وأن يخالط العلماء.
4- التخطيط والتنظيم:
بعض الدعاة إلى الله- ممن عندهم نشاط في المواعظ والخطب- يبذلون جهودًا كبيرة؛ ولكن هذه الجهود في الغالب لا تثمر؛ وذلك لفقدان التخطيط والتنظيم.
فالواجب على الداعية أن يركِّز على الأفراد الأكثر قابلية للدعوة، خاصة الذين يرجى من وراء دعوتهم نصرة دين الله- عز وجل -.
وللداعية أسوة في رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حيث إنه- عليه الصلاة والسلام - لم تنته فترة الدعوة السرية في مكة إلا وقد دخلت الدعوة إلى كل القبائل المشهورة في مكة، فأسلم من كل عشيرة بعض أفرادها.
إن الدعوة تحتاج إلى بعض الأفراد الذين لديهم القدرة على القيادة والتخطيط، فيجب على الداعية أن يعمل جاهدًا على كسب هؤلاء الأفراد؛ لكي تستفيد منهم الدعوة، ولهذا كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حريصًا على إسلام "عمر بن الخطاب"، وكان يدعو الله أن يعز الإسلام بأحد العمرين، حتى قال "ابن مسعود"- رضي الله عنه- فيما رواه عنه "البخاري": "ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر".
5- لا بد من تعرف الصفات الشخصية للأفراد:
يجب على الداعية أن يتعرف على صفات المدعوين؛ إذ إن لكل فرد منهم صفات حسنة وصفات سيئة، وتختلف هذه الصفات من فرد إلى آخر.
فالداعية الناجح هو الذي يستطيع أن يحوِّل هذه الصفات إلى صفات خير تخدم الدعوة إلى الله، فمثلاً هناك من الناس من عنده قوة الإقناع قبل أن يهديه الله، كأن يكون من دعاة الأحزاب الهدامة، فيمكن صقل هذه الموهبة بعد هدايته، فيصير هذا الفرد من الدعاة المبرزين؛ ولهذا يقول نبينا- عليه الصلاة والسلام -: "النَّاس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" (النووي على مسلم 16/185).
والأمثلة لهذا الجانب كثيرة، منها- على سبيل المثال- أن "عمر بن الخطاب"- رضي الله عنه- كان يتصف قبل إسلامه بالشجاعة، فلمَّا أسلم- رضي الله عنه- استفاد المسلمون من شجاعته حتى إنهم خرجوا وأعلنوا تحديهم للمشركين.
6- البدء بالأقربين:
إن لنا في نبينا- عليه الصلاة والسلام - الأسوة الحسنة أمر ربه- تبارك و- تعالى - أن ينذر عشيرته الأقربين فقال - سبحانه -: ?وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ? (الشعراء: 214).
وفي حديث عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: لما نزلت: ?وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ?، قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا فاطمة ابنة محمد، يا صفية ابنة عبدالمطلب، يا بني عبدالمطلب، لا أملك لكم من الله شيئًا، سلوني من مالي ما شئتم" (النووي على مسلم 3/54).
وذكر صاحب (أسد الغابة) أنه لما أسلم "الطفيل بن عمرو الدوسي"- رضي الله عنه- قال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "إني امرؤٌ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم وأدعوهم إلى الإسلام، فلما رجع إلى قومه دعا أباه إلى الإسلام، فأسلم ثم دعا امرأته إلى الإسلام فأسلمت، والأمثلة لهذا كثيرة.
7- إظهار الاهتمام بكل شخص:
إن من الدعاة إلى الله مَن إذا زار أخًا له أو وجده في أي مكان ما بشَّ في وجهه وعانقه بحرارة، ثم لا يُظهر اهتمامه بمن كان بجانب ذلك الأخ؛ وهو ما يحدث في نفوسهم شيئًا؛ لأنه غير مهتم بهم، وأنه إنما جاء لزيارة ذلك الأخ فحسب.
8- التدرج في الدعوة:(16/122)
يجب على الداعية أن لا يحاول تغيير المدعو دفعةً واحدةً؛ لأن ذلك مخالف لسنة الله ومخالف لمنهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهذا لا يمنع وجود القابلية عند بعض الأفراد على التحول دفعةً واحدةً، فمن كان عنده الاستعداد للتغيير دفعةً واحدةً دون أن يؤثر سلبيًّا على نفسه فلا يجوز التواني في ذلك.. أما من كان لا يقبل التحول إلا بالتدرج فيجب تقديم الأهم في دعوته؛ وذلك لأنه قد تؤثر سرعة التحول في حقه سلبيًّا فلربما عاد إلى جاهليته.
9- المتابعة:
إن الدعوة الفردية تتطلب من الداعية جهدًا ليس بالقليل، خاصة في المدن الكبيرة.. فينبغي للداعية أن يهيئ نفسه حتى تعطي دعوته الثمرة المرجوة، فالمتابعة أمر مهم في الدعوة الفردية؛ وذلك نظرًا لأن كثيرًا من المدعوِّين يتأثرون بالدعوة، فيبدءون بالاستقامة، فإن لم يجدوا من الداعية التعهُّد فَتَرُوا؛ لأن البيئة التي يعيشون فيها لا تساعدهم على الاستقامة؛ بل تتحول إلى حرب شعواء ضد هذا العائد إلى الله.. فربما أحاط به قرناء السوء حتى يعيدوه إلى ما كان من الفساد والانحراف.
10- إيجاد البيئة الصالحة للمدعو:
كما ذكرنا سابقًا فإن البيئة التي يعيشها المدعو لا تساعده على الاستقامة؛ لذلك لابد من إيجاد البيئة الصالحة له، فيَبعُد عن جلساء السوء، وينتقل إلى الجلساء الصالحين.. ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم - ذكر رجلاً من بني إسرائيل قتل تسعة وتسعين نفسًا، ثم أتى راهبًا فسأله: هل لي من توبة؟ فإني قتلت تسعة وتسعين نفسًا، فقال له: ليس لك من توبة، فقتله، فأكمل به المائة.. ثم دُلَّ على عالم فسأله قائلاً: إني قتلت مائة نفس؛ فهل لي من توبة؟ فقال: نعم، وما يحول بينك وبين التوبة! انطلق إلى أرض كذا، كان بها أناسًا يعبدون الله - تعالى -، فاعبد الله معهم.. ونهاه عن أن يعود إلى أرضه؛ معللاً ذلك بأنها أرض سوء.
11- الاقتصاد في الموعظة:
مما ينبغي على الداعية في حالة زيارته للمدعو أن لا تنتهي زيارته دون موعظة، وينبغي أن تكون هذه الموعظة مختصره ومركزة. ففي صحيح البخاري من حديث ابن مسعود أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان يتخولهم في الموعظة كراهة السآمة عليهم، وعلى الداعية أن لا يُكثِر من الزيارة للمدعو، وإلا أصيب المدعو بالملَل والتضجر من الداعية، وخير الأمور أوسطها.
12- الالتزام بآداب الزيارة:
يجب على الداعية أن يتقيد بآداب الزيارة فيختار الوقت المناسب، وذلك على حسب ظروف المدعو.. فلا يزور في حالة نوم المدعو، ولا في حالة تجهزه للذهاب إلى عمله مثلاً وهكذا، ومن الآداب أن لا يتدخل في الشئون الخاصة بالمدعو؛ كتقليب أوراقه مثلاً، أو سماع أشرطته، ومن الآداب أنه يطلب من المزور أن لا يتكلف في إكرامه حتى لا يستثقل، وهكذا..
13- القدوة الحسنة:
يقول الله - عز وجل -: "َا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ"(الصف: 2، 3).
فهذا ذم لمن يأمر بالمعروف ولا يأتيه فإذا كان الداعية آمرًا للمدعو بأمر هو نفسه لا يفعله، أو ينهاه عن شيء ويفعله، فإن دعوته تبوء بالفشل؛ فلهذا يجب على الداعية أن يكون قدوة حسنة.
14- الهدية:
ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "تهادوا تحابوا" (البيهقي في الكبرى 6/169؛ وانظر: إرواء الغليل 6/44).
نعم، إن الهدية تورث المحبة، ولها ذكرياتها الخاصة، فيجب على الداعية أن لا يبخل بشيء من الهدايا ولو كانت متواضعة، فإن الهدية عنوان المحبة.
15- التلطف والرفق بالمدعو:
يقول الله - عز وجل -: "دْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ? (النحل: 125)، ويقول كذلك: ?فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"(آل عمران: 159).
وفي الصحيح أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه" (رواه مسلم رقم 2594)، ويقول أيضًا: "إن الله رفيق يحب الرفق" (البخاري 10/375؛ ومسلم رقم 2165).
فالداعية الناجح هو الذي يرفق بالمدعوين ويستخدم في دعوته الحكمة والموعظة الحسنة.
16- لا بأس من استعمال شيء من الدعابة والمزاح المباح:
وذلك لإبعاد استثقال المدعو للداعية، فإن الداعية إذا كان مرحًا كان أدعى إلى حبه من المدعوين؛ ولكن من دون إفراط. فقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم - يستخدم بعض الدعابة والمزاح؛ لكنه إذا مزح لا يقول إلا حقًّا.
18- إنزال الناس منازلهم:
إن من عوامل نجاح الدعوة أن ينزل الداعية كل إنسان منزلته، فمن كان من أهل المكانة والوجاهة أنزله المنزلة التي تليق به، ومن كان شيخًا للقبيلة أنزله منزله، وهكذا.. ومن أراد أن يسوي بين الناس في دعوته فيبوء بالفشل. فلقد روى مسلم في مقدمة صحيحه من حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: "أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن ننزل الناس منازلهم".
19- الاستمرار في تقويم المدعو:
إن التقويم من الداعية للمدعوين أمر ضروري؛ إذ من خلاله يمكن أن يتعامل مع المدعوين بناء على ذلك التقويم.
20 - لا اعتبار للسوابق:(16/123)
من الناس من إذا أراد أن يقوِّم فردًا نظر ما قد سلف منه من زلات وأخطاء ولو قد تاب عنها، فيظل يذكر تلك السوابق للمدعو ويقرعه بها، وهذا خطأ محض؛ إذ إن التوبة تمحو ما قبلها، فلا داعي إذًا من ذكر العثرات والسقطات، فإذا أراد الداعية أن يكون تقويمه مثمرًا، فعليه بمعالجة حاضر المدعو لا ماضيه.
21- تنويع وسائل وأساليب الدعوة والتقويم:
مما ينبغي للداعية أن ينوع أساليبه في الدعوة والتقويم؛ حتى لا يسبب ردة فعل عند المدعو، وكل بحسبه..
فمن الوسائل: النصح بالحكمة والموعظة الحسنة، وإخلاص النية لله، وأن يكون ذلك على انفراد.
11/04/2004
http://www.ikhwanonline.com المصدر:
-============
الدعاة .. والهم المقعد !
خالد عبد اللطيف
عندما يجمعُ السائرين على درب الدعوة إلى الله مجلسٌ للتواصي، فإن من أبرز ما يغلب على تلك الملتقيات المباركة: اتهام النفوس بالتقصير، وعدم القيام بواجب الدعوة على الوجه الأمثل..
وحُقَّ لهم ذلك؛ فإن الصالحين من عباد الله ما زال هذا دأبهم وديدنهم على مر التاريخ؛ وتمتلئ كتب السير والرقاق بالمأثور عن السلف - رحمهم الله - في محاسبة النفس، ولومها على التفريط في جنب الله - تعالى -، مع أنهم هم القدوة في الزهد والورع والعبادة، لكنهم عبدوا الله على بصيرة، فكانت خشيتهم لله - تعالى - ثمرة علمهم وفقههم في الدين، ومعرفة الله - عز وجل -، قال - سبحانه -:[إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء] (فاطر: 28)، قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: "ليس العلم عن كثرة الحديث ولكن العلم عن كثرة الخشية" (ذكره ابن كثير في تفسير الآية).
لكن أمراً مهماً ينبغي ألا يغيب عن الأذهان، وهو أن شرود الكثير من الناس عن الحق والهدى ليس بالضرورة وفي كل الأحوال أن يكون سببه هو تقصير الدعاة وأهل الخير. ومن القواعد المعلومة بنص القرآن الكريم أن هداية الناس أمرها إلى الله - تعالى -، وليس العبد مأموراً بتحقيقها، لكنه يبذل جهده في هداية الدلالة والإرشاد، ويكل حصول هداية القلوب إلى من بيده قلوب العباد يقلبها كيف يشاء:
قال - تعالى -:[وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ](النور: 54).
وقال - سبحانه -:[إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ](القصص: 56).
وقال الله - عز وجل -:[وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ](الأنعام: 35).
قال الشوكاني - رحمه الله - في "فتح القدير": ".. عن ابن عباس قال:[فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض]والنفق: السرب، فتذهب فيه فتأتيهم بآية، أو تجعل لهم سلماً في السماء فتصعد عليه[فتأتيهم بآية]أفضل مما أتيناهم به، فافعل[ولو شاء الله لجمعهم على الهدى]يقول - سبحانه - لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين".
وقال القرطبي - رحمه الله - في "الجامع لأحكام القرآن": "..[فلا تكونن من الجاهلين]أي: من الذين اشتد حزنهم وتحسروا حتى أخرجهم ذلك إلى الجزع الشديد وإلى ما لا يحل. أي: لا تحزن على كفرهم فتقارب حال الجاهلين".
والأعجب من ذلك أن يُنسب إلى تقصير الدعاة: انتكاس المنتكسين، ورجوع بعض التائبين على أعقابهم بعد حين! فهل يملك الدعاة مفاتيح الثبات؟! أم أنهم هم أنفسهم يتعوذون بالله من الحور بعد الكور، ومن مضلات الفتن والأهواء؟!
[وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ.. ](المائدة: 41).
إن الغلو شرٌّ كله، حتى في المشاعر! وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد نُهي (وهو خير البشر وأصدقهم غيرة وأعلاهم همة) عن إهلاك النفس بالحسرات:
[فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا](الكهف: 6).
[فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ](فاطر: 8).
وبهذا يتضح الفرق بين الهم النابع من علو الهمة، ومحاسبة النفس، الذي لا يكاد ينفك عنه الدعاة الصادقون؛ فيؤجج الحماسة في نفوسهم للمزيد من البذل والعطاء، وبين الهم المحبط المقعد الذي يقبع أصحابه في دائرة مغلقة عليهم لا يكادون يبرحونها، بدلاً من مغالبة التقصير (الذي ينتقدونه!) ودفعه عن أنفسهم.
http://www.lahaonline.com المصدر:
===========
الشتات في الشات
عبد الفتاح الشهاري
إذا فكرت وتأملت في مسألة الشات تنتابك الحيرة والأنات، عندما تجدين تلك الابتكارات والاختراعات تأتي من الغرب نتاج إعمال الفكر وبذل الطاقات، وتأتي إلينا لنستعملها في ما يشبع الشهوات، ويطفئ نار الرغبات، توحش شهواني بغيض ينطلق من أنفس بعض العابثين والعابثات!!
إذا ُعاينت شخصيات مرتاديه، ترين منهم من لا يجيد من أمر الحاسوب شيئا، وليس له في هذه الحياة ظلال ولا فيء، يعيش تحت وهج الشمس المحرقة، ليس يؤمل منه خير أو منفعة، فهو من جهةٍ سندان ومن جهة مطرقة، كَلٌّ على صاحبه أينما توجهه لا يأت بخير، تطفل على عالم الحاسوب، لا لشيء إلا لأنه سمع أن بداخله سحراً وعشقاً، ومن العشق ما قتل، فانطلق مسرعاً نحو هذا الاختراع يجلس أمامه ليبحر في بحاره، ويغوص في أعماقه!!(16/124)
ولنا أن نسأل هذا الشخص وغيره عن جدوى الجلوس أمام الشات، وماذا سيعود إليه من نفع وفائدة، لماذا لا نستغل كل ما يأتينا الاستغلال الأمثل؟! ولماذا لا نستخدمه في ما يرضي الله؟! لم نفكر يوماً أن نحول تلك التقنيات التي تصل إلينا إلى قناة نوصل من خلالها إلى الناس صوتنا، ونرسل عن طريقها معاني الإسلام الطاهرة الفاضلة؟!
الشات من وسائل التخاطب المباشر بين طرفين أو عددٍ من الأطراف في وقتٍ واحد عن طريق قناة معينة، يتم فيها تبادل الحديث والحوار، فلماذا لا يكون التناول للمواضيع جاداً ومفيداً، ولدي فكرةٌ ورأي في هذا المجال، يمكن أن تعين من أدمنه على أن يستفيد من وقته على الشات:
أولاً: اسألي نفسك عن جدوى جلوسك أمام الشات، وتفكري - في وقت صفاء مع الذهن - ما الذي استفدته خلال الأوقات التي قضيتها أمامه؟ وهل أنت راضية عن نفسك أن تكوني أسيرة لهذه الشهوة؟ أم أنك تشعرين بالحرقة والألم من داخلك؟!
ثانياً: ذكري نفسك دائماً وابدئي بقول الله - تعالى -: [إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً] فاعلمي وتذكري أن الله - عز وجل - سائلك يوم الموقف العظيم عن كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية من عمرك، ويومها ستعضين أصابع الندم على كل لحظة قضيتها في ما يغضب الله - عز وجل -.
ثالثاً: إن كنت ولابد داخلة على موقع الشات وتحبذين تجاذب الكلام، فحددي لك من يومك وقتاً محددا، وتعلمي أن تكون نفسك ملكك، لا أن تكوني ملك نفسك، واعلمي أن دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان، وتنبهي إلى أن عليك من الواجبات ما هو أولى من الاستمرار في تضييع الوقت أمام الشات.
رابعاً: حددي لنفسك موضوعاً معيناً تريدين مناقشته، وازرعي من داخلك الرغبة الجادة والصادقة في أن تطلعي على رأي الآخرين حول ذلك الموضوع دون الخروج عنه ودون الاستدراج إلى غيره.
خامساً: تذكري أن كل كلمة تقولينها سيحاسبك الله عليها، وتأملي فيما قاله الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -: (لن تزولا قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ما فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه)، فأعدي للسؤال جواب، وللجواب صواب، واعلمي أن الله ما ميزك إلا بعقلك فلا تسخريه فيما يغضب الله - عز وجل -..
http://saaid.net المصدر:
============
الفزعة يا شباب.. الفزعة يا بنات لابن البلد..!
هل هذه هي أكاديمية القرن الواحد والعشرين؟!!..
سلام نجم الدين الشرابي
حزن وكآبة كبيران في قلوب الشباب والفتيات.. هو حزن ليس بسبب اغتيال الشيخ ياسين، وليس بسبب ما يحدث في العراق من قتل وقصف وعدوان.. حزن يسيطر على مشاعرهم والسبب.. هو انتهاء الدورة الأولى لبرنامج "ستار أكاديمي"..
قالت لي إحداهن: منظر القناة غدا كئيباً بارداً بعد أن كانت تنضح حيوية وتشويقاً..
وهم وهن ينتظرون بفارغ الصبر.. ولكن ماذا ينتظرون؟.. تحرير فلسطين؟..
خروج الاحتلال الأمريكي من العراق؟.. لا لم يكن هذا ما ينتظرونه..
إنهم ينتظرون الدورة الثانية والمشتركين الجدد لستار أكاديمي..
"ستار أكاديمي" برنامج ضمن سلسلة من برامج " تلفزيون الواقع" استنسخته الفضائية اللبنانية LBC من برنامج فرنسي، يجمع مجموعة من الشباب والفتيات يعيشون في مكان واحد يسمونه "أكاديمية" يتعلمون فيه الغناء والرقص التمثيل، القبل والضم.. وحركات أخرى عجيبة في بث حي ومباشر على مدى أربع وعشرين ساعة.
حظي هذا البرنامج بقبول ومتابعة كبيرين، ليس على مستوى الشباب فحسب بل لمن هم أكبر سناً..
وحسب إحصاءات شركات الاتصالات العربية فإن البرنامج تلقى سبعين مليون اتصال هاتفي منها 23 مليونا من مصر و18.5مليون من لبنان و 17 مليونا من سوريا و4 ملايين من السعودية و1.2 مليون من الإمارات.
هذه الاتصالات تقرر من المتسابق الذي سيستبعد كل أسبوع، وبالطبع يأخذ التصويت منحى التعصب القطري.. والفزعة الفزعة يا شباب لابن البلد.. حتى تصبح حرباً قطرية، وكأننا حتى في البرامج الهابطة ضائعة الهدف والقيم نأبى إلا أن تكون النعرة العصبية هي التي تحركنا وتتحكم في تصرفاتنا وتدفعنا إلى الوقوع في الخطأ.
إلا أن البرنامج من جهة أخرى استطاع أن يوحد غالبية الشعوب العربية ـ التي يصعب توحيدها - أمام شاشة LBC يوم الجمعة؛ يوم إعلان النتيجة!..
موقع "لها أون لاين" أجرى استطلاعاً وزع فيه حوالي 200 استبيان، عمدنا فيها إلى شرائح عمرية مختلفة (من 14- 57) فتيات، متزوجات وأمهات، وشرائح ثقافية أيضاً مختلفة (طالبات في المرحلة المتوسطة، ثانوية، جامعية)؛ لمعرفة مدى متابعة البرنامج والآراء حوله.. ونعرض بأسف شديد نتائجه..
هروب من الواقع:
تردد الحديث حول المتابعة الكبيرة التي حظي بها البرنامج، وكانت إشارات الاستفهام تتجه نحو سبب المتابعة له والتعلق به.. لذا كان من أول أسئلتنا التي توجهنا بها عن مدى متابعة العينة للبرنامج وأسباب هذه المتابعة..
كانت نسبة من تابعوا البرنامج 82. 5% بينما كانت نسبة من أجابوا بأنهم لم يتابعوه 11. 7% و5. 8% قالوا إنهم أحياناً ما يشاهدونه.
وكانت أكثر الأسباب التي دعتهن لمتابعته حسب ما ورد في إجابتهن أن فيه تسلية وترفيها عن النفس وتغييرا عن باقي البرامج، ولأنه ممتع برأيهن.
ومنهن من أجبن بأنهن يتابعنه لشهرته ولأن الجميع (كباراً وصغاراً) يتحدث عنه عدا المجلات والجرائد والمحطات الفضائية سواء كان تناولها له بالنقد أو المدح، فضلاً عن وسائل الجذب المتاحة فيه.(16/125)
وكانت إجابة من كن أكبر سناً بأنهن يتابعن البرنامج ويصوتن فيه؛ لأنه يمنحهن الديمقراطية التي لم يشعرن بها في أي مرحلة من مراحل حياتهن.
وما يحدث في العالم من حروب وضغوطات دفعت بعضهن للجوء إلى هذه البرامج حسب قولهن ويستغربن ممن يعاتبهن في أنهن تتجاهلن ما يحصل في هذا العالم وتتابعن مثل هذه البرامج بأن من يتابع الأخبار ويتأثر بما يحدث لا يقدم شيئا سوى المشاهدة والاستياء اللذين لا جدوى منهما.
ومنهن من سقن للمتابعة نتيجة متابعة أحد من أفراد الأسرة كالزوجة التي كانت تضطر لمتابعته بسبب حرص زوجها على مشاهدة البرنامج، وأخرى بسبب متابعة وتعلق أختها به، وطالبة في المتوسطة تعلقت به بعد أن كانت تجهل هذا البرنامج بسبب حرص والديها على المتابعة والتصويت والاندفاع لابن بلدهم.
ومنهن عللن سبب متابعتهن له بأنه موضة بكل شيء فيه، وهن من محبي الموضة وآخر صرعاتها، وكان دافع بعضهن للمشاهدة الفضول والتعرف على ما يفعله الآخرين لما يفعله المشتركون وكيف يتعاملون مع بعضهم خاصة وسط الاختلاط الغريب عن مجتمعاتهن وللتعرف على شيء جديد، فيه ما يشد وبرأيهن هو من أجمل البرامج وأفضلها!!
والكثير منهن حرصن على متابعته لأن ابن بلدها فيه وكانت تريد تشجيعه.
أما من لم يتابعن البرنامج فكان السبب، عدم اقتناعهن به، ومنهن رأين أن ما فيه لا يحمل أي فائدة أو جديد وليس فيه ما يشد الإنسان الواعي المثقف، كما أنه يبعث على الاشمئزاز.
وعن الوقت الذي يمضينه في متابعة البرنامج تراوح بين ساعتين إلى ثلاث ساعات في اليوم عند 35% من العينة و23% قلن إنهن يتابعنه كلما سنحت لهن الفرصة (في أوقات الفراغ)، 18% قلن إنهن جندن كل وقتهن لمشاهدته، 6% يتابعنه لمدة ساعة و6% يتابعنه بين الثلاثة أرباع إلى الربع ساعة. بينما وصلت نسبة من يتابعنه يوم الجمعة يوم إعلان النتائج إلى 88% وهي نسبة المتابعين للبرنامج.
منا وفينا:
الإحصاءات التي أوردتها شركات الاتصالات العربية تدل على اهتمام الناس بالتصويت، وقد بلغت نسبة من شاركن بالتصويت من العينة35. 3% بينما 64.7 لم يصوتن لأحد.
كان السبب في مشاركة النسبة الأكبر بالتصويت تحمسهن لنصرة ابن بلدهن وليفخرن أن من ينال اللقب كما عبروا "منا وفينا":
ووردت في إجابتهن ذكر لأسماء صوتوا لها - لا أرى فائدة من عرضها - وقد بررن اختيارهن لتلك الأسماء لجمال صوت بعضها برأيهن، أو للوسامة وجمال المظهر، مع ملاحظة أنه لم يرد في إجابتهن أنهن صوتن للمشتركات في البرنامج حيث اقتصر التصويت للشباب فقط.
كان رأي بعضهن بأنهن لم يستطعن أن يقررن أو يخترن أي شيء يتعلق بحياتهن، لذلك هن حريصات على الاختيار، ولأنهن يعرفن أن اختيارهن سيؤثر في البرنامج، وهو الأمر الذي افتقدنه في حياتهن الاجتماعية والعملية.
ولا نفرح بنسبة من قلن "لا" لأن وراء هذه لا - أسباب: فمنهن من لا تملك حاسبا آليا مما منعها من التصويت عبر الإنترنت، وعن فرصة التصويت في الجوال فمنهن من تجهل كيفية التصويت، والمتزوجات منهن خشين من معرفة أزواجهن بأنهن يصرفن أموالهن في التصويت لشاب مما منعهن من التصويت آسفين طبعاً.. ومنهن من لم تكن مهتمة بالتصويت، ومنهن لعدم تضيع المال، ومنهن من رأت بأنه لا يوجد أي مشترك يستحق التصويت.
و اختلفت الأسباب عند بعضهن برفض التصويت ـ مع الحرص على المتابعة -لأن مشاركتهن تعني أنهن سيشاركن في نشر الرذيلة والإثم وخوفاً من أن يعود أي إثم عليهن في كل خطأ يرتكبه من ساهمن في تقديمه إلى الوسط الفني، وبنفس الإطار أجابت منهن أنهن امتنعن عن التصويت لئلا يساعدن في بناء ما لا يرضي الله ومن ثم أخذ سيئاته، ومنهن من أجابت بأنها غير مقتنعة بالبرنامج وأنها لن تستفيد أو يستفيد مجتمعها إن فاز أحد من المشتركين. ومنهن من أجبن بأنهن يخشين عقوبة الله ويطمعن أن تستمر حمايته لهن.
لا يصلحن له!..
سمعنا الكثير عن رغبة الشباب والفتيات في المشاركة في هذا البرنامج، وقد أوردنا هذا السؤال في الاستبيان فكانت نسبة من رغبن في المشاركة 11.8% ونسبة من لم يرغبن 88.2 %.
وعللت الراغبات في المشاركة تمنيهن الدخول في هذا البرنامج بأنهن يرغبن في أن يصبحن فنانات، ومنهن من رأين بأنه وسيلة لإبراز القدرات التي ربما لا يعلم بها الشخص ذاته، ومنهن من رأين أن جو المنافسة الموجود في البرنامج يرغّب في المشاركة فيه، ومنهن من رأين أنه يفسح المجال لإبداء المشاعر.
أما من لم يرغبن في المشاركة فكانت لديهن أسبابهن، أكثرها كان واقعياً ومنطقياً تمحور حول أنه لا يتماشى مع ديننا الإسلامي وتقاليدنا العربية، ومنهن من أجبن بأنه لا يتناسب مع أحلامهن وأخلاقهن ليشاركن في برنامج فاشل..
والمفاجأة كانت كبيرة حين جاءت إجابات البعض بأنهن لا يرغبن بالمشاركة؛ لأنهن غير مناسبات للمشاركة في هذا البرنامج ولا يصلحن له، إذ إنهن لا يتمتعن بصوت جميل أو موهبة مميزة تمكنهن من الاشتراك، ومنهن من رأين أن عدم موافقة الأهل يمنعهن من التفكير في هذا الموضوع، ومنهن من رأين أن العائق الوحيد للمشاركة في هذا البرنامج هو الجلوس مع جنس آخر.
يبحثون عن أخباره
انتهت الدورة الأولى لبرنامج ستار أكاديمي، إلا أن متابعيه مازالوا يبحثون عن أخباره، إذ إن الكثير منهم يلاحقون الصحف والمجلات لمتابعة أخبار المشتركين ويتعقبون الدورة القادمة والمشتركين الجدد.
وليس غريباً أن تكون نسبة 83% من أجابوا بالرغبة في إعادة البرنامج بمشتركين جدد، بينما كانت نسبة من تمنين عدم إعادته 17%..
واجب وطني!..(16/126)
ولكن وسط هذه المتابعة القوية خاصة بين صفوف المرحلة المتوسطة والثانوية وهي أكثر المراحل العمرية تأثراً بما يعرض هناك سؤال يطرح نفسه:
أين دور الأهل هنا، هل من المعقول أن تشاهد الفتيات تلك البرامج دون علم أهلهن أو موافقتهن، أين الرقابة؟!
يقول المثل: "إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص" هذا المثل كان الجواب الذي وجدناه على تساؤلنا إذ إن 70. 5% من آباء وأمهات العينة يتابعن البرنامج بينما 29.5% لا يتابعن.
وتحدثت بعضهن عن الجو الديمقراطي الذي يعشنه في منزلهم حسب قولهن- فيما يتعلق بالمشاهدة والتصويت، حيث تصوت الأم لأحد المشتركين بينما يصوت الأب لإحدى المشتركات وأخوها يصوت لهذه وأختها لذاك..
وتحدثت أخريات عن حماس عائلتهن للتصويت وتشجيع ابن البلد فيتحول التصويت في العائلة إلى واجب وطني..
رائع وسيئ بكل ما تحمله الكلمة من معنى!!
تباينت الآراء حول البرنامج إلا أن النسبة الأكبر منها قلن بأنه برنامج جميل للتسلية والترفيه وهو شيء جديد رغم تخلله لبعض التصرفات المبالغ بها، وبأنه رائع بمعنى الكلمة وممتع للغاية وعبره قضين أمتع الأوقات وأجابت بعضهن بأنه حقق كثير من المشاهدين والإيرادات، وهذا يدل على أنه جيد - حسب قولهن - وبعضهن رأين جودة الفكرة التعليمية الموجودة فيه مع التحفظ على نوع العلم الذي يقدم فيه.
ومنهن من رأين أنه ممتع ومسلي، لكنه هابط من الناحية الأخلاقية، إذ يكثر فيه الانحراف والضياع، كما أجابت بعضهن بأنهن لم يجدن أروع ولا أجمل من هذا البرنامج لكن يجب أن يلتزم بالحشمة.
ومن جانب آخر وبنسبة أقل رأين بأنه يبث في عقول الجيل الصاعد أفكارا مستوردة من الغرب، وهو غير لائق بأخلاقيات المجتمع الإسلامي تافه وسخيف، فاشل وفيه إفساد للأخلاق، سيئ بما تحمله هذه الكلمة من معنى.
فحش أكاديمي:
من خلال نتائج الاستبيان تبين لنا أن اشتراك محمد خلاوي ابن البلد - كان له دور كبير في متابعة العينة للبرنامج، بل والاشتراك في التصويت لتشجيعه.. وعن اشتراكه وخروجه من البرنامج تعلق الدكتورة د. "حياة بنت سعيد باأخضر":
بعد أسابيع طويلة من الفجور والفسق وإعلان الفواحش. خرج الإنسان محمد الخلاوي من مسابقة الفحش أكاديمي ولنا وقفات مهمة مع كل حدث:
أولاً: اشتراك شاب سعودي مسلم في هذه المجاهرة العلنية بالفواحش ومن المنطقة الغربية يستدعي منا:
أ- إصدار فتوى عاجلة من هيئة كبار العلماء ومجلس القضاء الأعلى بحقه توجب إقامة العقاب الشرعي عليه، والذي يوقفه وأمثاله عند حدهم، ولمنع تفشي وانتشار هذه المظاهر العلنية والافتخار بها.
ب- إصدار فتوى عاجلة بخصوص سجوده بعد إعلان التصويت ببقائه في (الفحش الأكاديمي).
ج- إصدار فتوى عاجلة تبين الحكم الشرعي عن حكم اشتراك المسلمين عامة وأبناء هذه البلاد خاصة في أمثال هذه البرامج، ووجوب إيقاف كل مسلم سعودي أو مسلمة سعودية يفكران في الذهاب لها، والإيقاف يكون بحكم شرعي موثق من هيئة القضاء الأعلى وهيئة كبار العلماء لردع الجميع، فإن الله يزع بالسلطان، ما لا يزع بالقرآن.
د- رفع دعوى قضائية من جميع سكان المنطقة الغربية عامة، ومدينة جدة خاصة على المدعو (الخلاوي)؛ لأنه قد أضر بدين وسمعة سكان هذه المنطقة المباركة فهي تحتضن الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين، ومسجد الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وجدة هي بوابة هذه الأماكن، فهي تعطي الصورة الأولى لسكان الحرمين، وبالتالي كأن المدعو (الخلاوي) يقول للمسلمين ولجميع المشاهدين: إن هذه طبيعة أهل جدة ومن جاورهم في الرضا بمثل هذه التصرفات الشاذة والدعوة إليها وتشجيعها.
ه- مخالفة الخلاوي الصريحة والعلنية لأنظمة الحكم في بلادنا التي يدعي انتماؤه إليها، وهذه الأنظمة مستمدة من الشريعة الإسلامية، مما يستوجب عقوبته فوراً.
ثانياً: وقفات مع كل مسلم:
أ- المدعو (محمد الخلاوي) ما الذي يعرفه عن اسم (محمد)؟ هل يعرف أنه اسم أعظم الرسل والأنبياء ـ - عليهم السلام - ـ وأحب خلق الله إليه؟! هل يعرف أنه الرسول الذي يجب أن يحبه أكثر من نفسه وأهله وماله والناس أجمعين، وهذه المحبة تعني طاعته فيما أمر وترك ما نهى عنه وزجر؟!
ب- هل يعلم كل مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سيأتي يوم القيامة عند حوضه، فمن كان وارداً على شريعته في الدنيا كان وارداً عليه في الآخرة ويشرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، ومن لم يكن وارداً على شريعته فإنه محروم منه في الآخرة: بل تأتي الملائكة وتدفعه فيقول - صلى الله عليه وسلم - الرحيم بأمته: يا رب أمتي أمتي، فيقال له: لا تدري ماذا أحدثوا بعدك. فهل يعلم الخلاوي هذا أم أنه يجب أن يُعلّم؟!
ج- ماذا يعني الانتماء للإسلام والنطق بالشهادتين عند المسلم؟ هل يعني عقيدة المرجئة وهي: الاعتقاد بالقلب والنطق باللسان فقط، أما العمل فلا يدخل في مسمى الإيمان؟ أم يعني مع ما سبق العمل بالجوارح مع إيماننا الجازم بأن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي..
ث- هل يعلم كل مسلم الفرق عند فعل المعاصي بين من كان مستحلاً لها ومن كان غير مستحلٍ لها؟ مع ملاحظة أن أهل السنة والجماعة يخطئون ولا يكفرون، ويضعون ضوابط ومحاذير للحكم على المسلم إذا فعل ناقضاً من نواقض الإسلام، بل ويفرقون في الحكم بين الفعل والفاعل وجعلوا لكل شروطا خاصة به.
وقفات مع توقيت عرض البرامج والتصويت:(16/127)
أ- اختيار الأشهر الحرم في عرض هذه البرامج الساقطة من أواخر شهر ذي القعدة وشهر ذي الحجة، ثم شهر الله المحرم الذي لبعض أيامه فضيلة ومزايا ليس فقط عند المسلمين بل حتى عند اليهود في السابق كما هو معلوم لدينا. وهذا يمثل قمة الوقاحة والتبجح في طعننا من قبل شرذمة من أبناء المسلمين.
ب- اختيار يوم الجمعة للتصويت، وهو يوم له قدسيته وأهميته عند المسلمين في جميع بقاع العالم، والله لو كان هناك يهودي معلن ليهوديته بين هؤلاء الشرذمة لما تجرأ وأعلن اختيار يوم السبت للتصويت.
لذا يتوجب علينا:
- إقامة مساءلة شرعية وقانونية على أصحاب هذه القنوات، وبيان أن حريتهم الشخصية ليست أمراً مفتوحاً بلا حدود، بل هي محدودة بحدود شرعية تكفل سلامة المجتمع وتصونه من العقوبة الإلهية.
- إقامة دعوى قضائية من جميع المسلمين في أنحاء العالم ضد أصحاب هذه القنوات يقيمها محامون أتقياء أذكياء في كل بلد ثم تكون كلمتهم واحدة لإقامة دعوى واحدة باسم جميع المسلمين.
- على وزراء الإعلام المسلمين تقوى الله في أنفسهم وأموالهم وأبنائهم بإيقاف هذه البرامج التي تمثل قمة الحرب على الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وقمة الوقاحة والاستهتار بحدود الله، ثم بجميع الناس؟! ونحن نخاطبهم لأنهم أهل لكل خير، ولن نعدم الخير منهم.
- محاسبة الصحف المحلية التي تعلن عن هذه البرامج وتسوقها وإظهار شباب هذا البرنامج على أنهم نجوم يستحقون هذه المساحة الإعلانية.
- مقاطعة الشركات التي تدعم وترعى هذه البرامج.
خامساً: وقفات مع آثار هذه البرامج:
لقد تركت هذه البرامج آثارا سلبية مسخت الفطر السوية، وجعلت من العفة والطهارة أموراً منسية لا طائل منها، ومن الفحش والقذارة أمجاداً يتمنى الشباب الوصول إليها بأي ثمن حتى ولو ببيع دينه بعرض من الدنيا زائل، فقد وجدنا من الفتيات المسلمات من تتمنى أن تعمل ولو عاملة نظافة في مقر أكاديمية الفحش، ولو أن تمسح بلاط الغرف والصالات.. بل وجدت من تتمنى أن تعيش حياتهم البهيمية، وهذا أمل الكثيرات جداً، أما الشباب فالكل يتمنى أن يستمتع بهذه اللحوم المعروضة أمامه خلال 24 ساعة ومجاناً. بل وجد من الآباء من يصرح بقوله: لابد أن نشجع ولد بلدنا ونصوت له. فأي انحطاط هذا في النوايا والألفاظ والأعمال؟! وأي مسخ للفطرة الصحيحة التي خُلقنا عليها؟!
وأخيراً أذكر الجميع بهذه الكلمات لعلها تثير بعض النخوة:
إن وزارة الخارجية الأمريكية شكلت لجنة تعرف باسم: لجنة تطوير الخطاب الديني في الدول العربية والإسلامية. وأول توصيات اللجنة: تهميش الدين في الحياة الاجتماعية للناس، وذلك عبر إغراق الشعوب العربية والإسلامية بأنماط مختلفة من الحياة العصرية الغربية وحيازة التكنولوجيا الحديثة ذات الطابع الترفيهي.
وخير دليل على صدق ذلك هو: من يتكفل بوضع تفاصيل هذه البرامج وتسويقها والإنفاق السخي عليها؟!
وقبل الختام أذكر كل من في قلبه مثقال ذرة من إيمان وحب للجنة ونعيمها بهذه الآيات: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
يقول الشيخ السعدي - رحمه الله - في تفسير ذلك ما ملخصه: إن الفاحشة هي الأمور الشنيعة المستقبحة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة في الذين آمنوا، فيتوعدهم الله بعذاب موجع للقلب؛ وذلك لغشهم لإخوانهم المسلمين ومحبتهم الشر لهم وجراءتهم على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة واستجلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك من إظهاره ونقله؟! ".
"ستار أكاديمي"
رؤية نفسية تحليلية، ونداء عاجل لوحدة الرأي وتوحيد الكلمة!.
وتحدثت الدكتورة "أسماء الحسين" ـ الأستاذ المساعد في الصحة النفسية والعلاج النفسي بكلية التربية ـ في لقاء لها مع موقع "لها أون لاين " برؤية تحليلية نفسية، تقول: تختلف طبيعة المجتمعات كما تختلف أديانها ومعتقداتها، بل ومستوى تدينها ضمن إطار الدين الواحد، هذا الاختلاف يبينه توجهاتها الفكرية والإعلامية، ويعكسه الأسلوب الذي تعتمده في عرض مضامينها وأهدافها..
ونحن لا نستنكر في إطار الرأي العام عدم اتفاق الأغلبية في بلادنا لكثير مما يقدم أو يعرض من خلال وسائل العرض أو القنوات الإعلامية، ولا سيما العربية وعلى رأسها الفضائيات.
وذلك لسبب معروف وأكيد، وهو المرجعية الدينية الأساسية، ونبذها لهذه المعروضات. وما دام النبذ قد أتى من الدين، بل والدين المرتضى؛ لزم التعاون في المحافظة على الهوية الدينية، ومحاربة كل ما يحاول تعكير صفوها أو زعزعة كيانها الشامخ.. فما من خير إلا ويدلنا الدين عليه، وما من شر إلاّ وينهانا عنه..(16/128)
"ستار أكاديمي".. لم يكن حجر عثرة وحده، أو فلتة زمانه في الفساد والتهميش للذوق الإسلامي الراقي، بل جاء ضمن مسلسل فساد يترجم أمرين: أما أحدهما فهو الرغبة الأكيدة في التحرر من الأديان السابقة المحرفة وهيمنتها على حرية الفرد، أو كرامته واحترام إنسانيته، وكأنها دعوة أو صرخة علنية للتحرر من القيود التي فرضها ذوو الأغراض أو الأهواء الشخصية من رجال دين لا ينتمون في حقيقتهم للأديان السماوية قال - تعالى -: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ..} (البقرة: 120) وقال - سبحانه -: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا} (النساء: 27). ساعد في ذلك وجود عناصر مختلطة بالفكر الغربي ـ أو تنتمي إليه ـ الذي يهمه بالإضافة إلى هذا طعن الإسلام ومحاربته فكرياً بالدرجة الأولى؛ لأن العقل إذا سقم؛ سقمت الأعضاء والأحوال الأخرى للإنسان. فالعقل أساس التكريم، ولأجله تسامى، ومن خلاله يُحاسب.
أما الجانب الآخر.. فهو الجانب المادي. التجاري أو الابتزاز المالي، وهذا الجانب لا يُهْمش، ولا سيما في ظل ضعف الوازع الديني. وما يحدث في "ستار أكاديمي" كما يحدث في كثير من البرامج غيره؛ ابتزاز للعقول والجيوب وعزف على وتر الشهوانية، وهي الوسيلة الرخيصة، ولكنها مع الغفلة وضعف الإيمان تجلب لذويها المكاسب الباهظة على حساب الدين أولاً، والإنسانية ثانياً، فبدون عقل لن يستفيد الإنسان من المعطيات الدينية، ومع ضعف الإيمان يصبح العقل في وضع حرج وهوان. كما أن المال قوام الحياة وقوة في وجه العدو وإرهابه، والعكس.
• كيف يعكس "ستار أكاديمي" الفساد على أولادنا أو مجتمعاتنا الإسلامية؟
- الحقيقة.. قد يُهون البعض من الناس من أهمية وخطورة مثل هذا البرنامج، لكن الواقع يقول: إن ما تخطط له تلك القيم الهدامة يجعل مستقبل الأمة في حرج إلاّ من رحم الله -.
ولأبرهن على ما أقول تمعنوا في الأمثلة التالية:
- طفل ـ في الثانية عشرة من العمر ـ يستنكر بشدة أن تتحجب أمه عن عمه ـ أخي أبيه ـ وهو من أحرص الأطفال على متابعة هذا البرنامج.
- طفلة ـ في المرحلة المتوسطة ـ تتمرد على أبويها وهما يطلبان منها ارتداء الحجاب الساتر الشرعي، وتنعتهما بالرجعية، ولا سيما في إصرارهما على أن تضع الحجاب على الرأس!
- وهذا طفل آخرـ على أبواب المراهقة ـ يضعف مستواه الدراسي، ويتغيب عن المنزل كثيراً لحرصه على متابعة هذا البرنامج مع زملائه وأقرانه.
ويمتد الخطر ليشمل جميع أفراد الأسرة، فها هي الزوجة تضيع الساعات الطوال وهي تمسك خط الهاتف الخارجي وزميلاتها للتصويت لرجل من أسرة النجوم الأرضية للأكاديمية المنحلة!!.. وزوجها يمسك الهاتف الآخر للتصويت لـ امرأة سافرة!
"ستار أكاديمي" خطوة إضافية وجريئة في سبيل الفساد وتهميش الذوق الإسلامي الراقي، والعزف على هوى الفضول أو فضول الهوى، والتنافي مع الحياء الذي لا يأتي إلا بخير، وهو من الإيمان. وماذا بعد صور واقعية حية وطبيعية تعكس أحوال الجنسين الأجنبيين داخل مكان واحد؟
بل ونقل سلوكيات لا يرضاها إلا الديوث!!
كم هو مؤسف جداً أن نجد منهم من يشجع هذا الأمر، والطامة الكبرى أن نجد منهم من يشارك في أوكار الخراب هذه، التي ليست من التحضر أو الذوق أو الأهمية في شيء، لا فكرة ولا مضموناً، ولا أسلوباً، ولا فائدة، بل قشوراً، وسطحية، وتشويهاً لقيمنا الدينية الخالدة.
وعبر هذا المنبر أوجه نداء إلى الأمة المسلمة وإلى كل رب وربة أسرة أن يتقوا الله في الأمانة الملقاة على عاتقهم والرعية التي تحت أيديهم، ولا يستهونوا بمثل هذا البرنامج وغيره فالنار إنما تأتي من مستصغر الشرر، رغم أن ما يقدم هو النار بعينها.
والحل..
كثيرة هي العناصر الغيورة، والأساليب التقويمية الطيبة، أو البدائل المفيدة، والبرامج الناجحة، فإن تجمعت بعضها مع بعض وجدنا المخرج الآمن، والحل الأمثل بعد توفيق الله لنحتسب، ولنثق أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وأن الله - تعالى - وعد بنصرة من ينصره.
إذن هي وقفة جادة وكلمة موحدة لرد مثل هذه المهاترات، ودرء فسادها.. وبهذه المناسبة أنقل لكم إصرار ما يزيد على خمسمئة طالبة ـ من طالباتي بالكلية التربوية بالرياض ـ على استنكار ورفض مثل هذا البرنامج، وأمثاله، وأثق أن هناك الآلاف غيرهن في كل مكان من مجتمعاتنا الإسلامية الغيورة.
إن معادلة "ستار أكاديمي": استهتار بالعقول وإضعاف وخلخلة لأحد أهم عناصر بناء الكيان الإسلامي (خسارة مادية × معنوية)!!
أن الأوان أن نقول: - "إن وقت الضحك على الأذقان يجب أن يغادرنا الآن.. وإلى غير رجعة، ونحن (بإذن الله) متعاونون على البر والتقوى، لما فيه صالح أمتنا المسلمة؛ لنكون بعون الله وتوفيقه خير أمة أخرجت للناس".
- وقفة مع رأي فضيلة الشيخ خالد الشايع المستشار الشرعي: "ستار أكاديمي":
- ابتزاز عاهر
- وتعلق بالتافهين.
- وانحدار في الثقافة
- واستجابة لدعاة الانحراف.
- ومظهر من مظاهر الهامشية للمتأثرين به وقرة عين لليهود {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا}.
ماذا قال علماء الدين فيه:(16/129)
اتخذ علماء الدين موقفاً صريحاً وواضحاً حيال برنامج ستار أكاديمي، حيث أصدرت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، فتوى تحرم فيها بث ومشاهدة وتمويل برنامج "ستار أكاديمي" وما شابهه من البرامج الأخرى تحت عنوان "بيان في التحذير من برنامج "ستار أكاديمي" وما شابهه من البرامج"، وشمل التحريم أيضاً المشاركة في مثل هذه البرنامج أو الاتصال من أجل التصويت فيها أو من أجل إظهار الإعجاب بها.
حملت الفتوى توقيع العلماء الأفاضل أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، برئاسة فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.
وهذا نص البيان كاملاً:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
"فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاءات الواردة إليها من عدد من الغيورين عن البرنامج الذي تبثه بعض القنوات الفضائية العربية المسمى: "ستار أكاديمي"، وما يشابهه من البرامج، وبعد دراسة الموضوع رأت اللجنة تحريم بث هذه البرامج ومشاهدتها وتمويلها، والمشاركة فيها والاتصال عليها للتصويت أو لإظهار الإعجاب بها، وذلك لما اشتملت عليه تلك البرامج من استباحة للمحرمات المجمع على تحريمها والمجاهرة بها، ففي الحديث قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف»، رواه البخاري من حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -، وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله - تعالى - فيقول: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه» رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وأي مجاهرة بالمحرمات والفواحش تفوق ما تبثه هذه البرامج التي اشتملت على جملة من المنكرات العظيمة، من أهمها:
أولاً: الاختلاط بين الجنسين من الذكور والإناث، وقد قال الله - عز وجل -: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: من الآية53]، وفي الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم -: « لا يخلون أحدكم بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما » رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فكيف بهذه البرامج التي تقوم فكرتها الرئيسة على خلط الجنسين من الذكور والإناث وإزالة الحواجز فيما بينهم، مع ما عليه الإناث من التبرج والسفور وإظهار للمفاتن مما يسبب الشر والبلاء، وقد قال الله - عز وجل -: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ...} [النور: من الآية31].
ثانياً: الدعوة الصريحة للفاحشة ووسائلها، قال الله - عز وجل -: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].
ثالثاً: الدعوة إلى إماتة الحياء وقتل الغيرة في قلوب المسلمين بألفة مشاهدة هذه المناظر المخزية التي تهيج الغرائز وتبعد عن الأخلاق والفضائل، ففي الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: « إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت » رواه البخاري من حديث أبي مسعود البدري - رضي الله عنه -، وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان" متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وعنه - صلى الله عليه وسلم - أيضاً: « أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه، والله أغير مني » رواه البخاري من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -.
ولا يكفي في ذلك أيها المسلم أن تترك المشاركة في هذه البرامج والنظر إليها بل يجب عليك النصح والتذكير لمن تعلم أنه يشارك فيها بأي وجه من الوجوه لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى والتناهي عن الإثم والعدوان.
كما تدعو اللجنة التجار الممولين لهذه البرامج أن يتقوا الله - تعالى - فيما منَّ به عليهم من نعمة الأموال فلا يستخدموها فيما يدمر شباب الأمة، ويهدم شعائر الدين، ويخدم أعداء الإسلام، فإن ذلك من كفران النعم وهو سبب في زوالها.
ولا يخفى أن هذه البرامج وأمثالها هي من أسباب جلب المصائب والبلايا على الإسلام والمسلمين، يقول الله - عز وجل -: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، وفي الصحيحين من حديث زينب - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فزعاً يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث».
نسأل الله - عز وجل - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعصمنا وسائر المسلمين من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منها، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين".
أكاديمية الشيطان:(16/130)
أصدرت تسجيلات التقوى مؤخراً شريط حمل اسم "أكاديمية الشيطان" شمل خطبة لفضيلة الشيخ "محمد صالح المنجد"، وتعليقاً للشيخ الدكتور "ناصر سليمان العمر"، كما تحدث فيه الدكتور "عبد الله الصبيح" عن الآثار النفسية، وتحدث الدكتور "محمد الدويش" عن الآثار التربوية.
يقول الشيخ محمد صالح المنجد: كثرت هذه الدعوات للفساد وأخذت أشكالاً متنوعة من ذلك هذه البرامج التي تدعو إلى الفساد وإقامة العلاقات بين الجنسين وهدم الحواجز النفسية بين المسلم والمسلمة وبين المعصية وانتهاك حقوق الله..
وعن سبب الإقبال الذي تجده مثل هذه البرامج والشعبية التي حققتها يقول الشيخ: لقد درس هذا البرنامج نفسيات الناس، وكانت العقلية التسويقية مصاحبة لترويج هذه البرامج ليكون شيء حديث ومتجدد، فاعتمدوا على أساليب جديدة ومختلفة، فلجؤوا إلى عالم الحقيقة، فهي برامج غير مسجلة وليست حوارات مكتوبة سلفاً، والناس تريد الشيء الطبيعي، والنفس تميل للشيء الطبيعي وليس حواراً مكتوبا سلفاً، ثم إنه مباشر حي والناس يميلون للأشياء الحية، وهذا ما يحدث أيضاً في متابعة الأخبار والأحداث والحروب حيث انتقلوا بالإعلام من حدث إلى يحدث..
والناحية الأخرى والمهمة: أن البرامج السابقة والأفلام كانت بلغات أجنبية، أما الآن فهي بلغة القوم منهم وفيهم.
كما أن تدخل الجمهور والمشاهدين في البرنامج وسيره يساهم في تعلقهم به حيث لهم دور في الترشيح وإرسال الرسائل التي تظهر فوراً على الشاشة والتصويت ليبقى فلان أو لا يبقى، وتحديد مواعيد لحسم التصويت، كل ذلك من شأنه أن يجعل النفوس تتعلق زيادة بالبرنامج..
ودعا الشيخ محمد لأن يكون للجمهور المسلم موقف حيال مثل هذه البرامج حيث قال: دلت الأحداث والتجارب على أنه إذا تم الاعتراض على المنكرات وعدم الرضا عنها والمطالبة بحجبها وإلغائها سيحدث ذلك رضوخاً من منتجي هذه البرامج ومموليها والذين يتبنوها.
لا بد من محاربة الشر من مصدره؛ لئلا يسري إلى الآخرين، وكل منا مسؤول عن ذلك {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
ويرى الشيخ الدكتور "ناصر بن سليمان العمر" أن هذا البرنامج هو سلسلة من برامج كثيرة تبث للأمة عبر الفضائيات، والتي سبق التحذير منها قبل أكثر من عشر سنوات من عدد من العلماء والمشايخ والدعاة لكن الأمر أصبح أكبر مما كان يتوقع.
يقول: يعتبر هذا البرنامج من حيث نوعيته وإعداده من أخطر البرامج؛ لما له من آثار عاجلة أو آجلة على الأمة، وهو ينساق في قوله - تعالى -: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} وهذه البرامج لم تأت عبثاً وإنما جاءت بتخطيط بعيد المدى من الناحية المالية والإدارية والنفسية والاجتماعية، لذلك كان له هذا الصدى الذي نراه ونسمع به، إذ إنه يصب في سياق تغريب الأمة وإغراقها بالشهوات تبعاً للمخطط العالمي الرهيب الذي يتزامن بالمقابل مع حرب كما يقولون عنها الإرهاب وهو حرب على الإسلام والمسلمين، لذلك فمن الخطأ أن يتصور أحد أن مثل هذه البرنامج منفصلة ولا علاقة لها بما يحدث، بل هي ضمن منظومة متكاملة يتآلف فيها اليهود والنصارى والمنافقون وأصحاب الشهوات لتغريب هذه الأمة، وللأسف فإن هذا البرنامج من أكثر من يدعمه هم المسلمون كما بينت الإحصاءات، وذكرت الصحف وهذا من المآسي التي تعيشها الأمة حيث تقتل بسهامها وخناجرها.
ودعا الشيخ ناصر إلى مقاطعة الشركات التي ترعى هذا البرنامج؛ لأن أقوى دعم لها يأتي من بلاد المسلمين إذ إنها شركات متخصصة في المواد الغذائية. يقول: من واجبنا الشرعي أن نقاطع هذه الشركة؛ لأنها ما دعمت هذا البرنامج إلا من أجل أن تقدم دعاية لمنتجاتها فإذا عرفت أن مقابل هذا العمل هي المقاطعة وسوء السمعة ستسحب إمدادها، وننجح فيما نريد كما نجحت المقاطعة مع عدد من المطاعم التي تدعم اليهود.
وأفتى الشيخ بأن البرنامج حرام ومشاهدته حرام فعلى الخطباء وأمة المساجد والمدرسين وأولي الأمر والعلماء والكبار أن يتبينوا في مجتمعنا خطورة مثل هذه البرامج والحل: في إخراج تلك الوسائل التي تبث تلك البرامج وأيضاً في تربية الأجيال طويلة الأمد، التربية المعتدلة المنطقية التي تؤدي في النهاية (بإذن الله) لتحسين الذات.
وحذر الشيخ ناصر من العقوبة التي يخشى أن تحل بنا، حيث أورد حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سألته زينب: "أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث"؛ لذا علينا أن نقف وقفة حازمة ليحفظنا الله ويحفظ بلادنا، فإذا قمنا بالإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حمى الله بلادنا وأنجانا، قال الله - تعالى -: {أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} ووجه الشيخ نداء لكل مسؤول؛ عالم، أب، معلم، كل إنسان كما وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني هاشم ونبي قريش نداء "أنقذوا أنفسكم من النار".. كل منكم عليه أن يقوم بالمسؤولية التي سيسأله الله عنها، أما أن نقف متفرجين فهذا هو البلاء.(16/131)
وحول الآثار النفسية يقول الدكتور صبيح: إن الذين يشاركون أو يروجون لهذه البرامج إنما هم من حيث يشعرون ولا يشعرون يتآمرون على هذه الأمة وعلى أخلاقها. مناصرون لعدوها لأن المستفيد الأول لمثل هذه البرامج هو هذا العدو.
وبين الصبيح أن الهدف من مثل هذه البرامج هو كسر حاجز الحياء عند المسلم الحياء الذي يحول بين المسلم وارتكابه للمعصية وكسر هذا الحاجز سيفرز في المجتمع السلوك المستقبح دون كوابح أو ضوابط تمنعه ونتيجة لذلك سوف تنشأ اتجاهات في لمجتمع مخربة ومدمرة لشخصية المسلم..
وحلل الصبيح الآثار التي يتركها زوال الحياء على الفرد:
أولاً: يؤثر ذلك على علاقة الفرد مع الله حيث يشعر الفرد بالبعد عن الله، فبدل أن يشعر بأن الله - سبحانه وتعالى- كريم رحيم يتجاوز هذه المعاني لينسى الله - تعالى - ويبادر إلى المعصية.
الأمر الثاني: توتر العلاقة مع الناس، وإذا سقط الحياء تزول تلك العلاقة الدافئة بينه وبين الناس ليحل محلها شيء من الوقاحة والتعدي على حرمات الناس.
الأمر الثالث: حينما يسقط خلق الحياء يشعر بعلاقة متوترة مع ذاته، فهو يعلم أن ما يأتيه من خلق قبيح، وهذا يجعله في مصادمة تامة مع فطرته، والنتيجة لهذا كله هو شخصية قلقة متوترة غير مبالية بالعرف الاجتماعي، غير مبالية بالحكم الشرعي، والنتيجة عدم الاطمئنان وفقدان الشعور بالسعادة ويتساءل "الصبيح": هل يمكن أن يحقق مثل هذا البرنامج إشباع لهؤلاء الشباب، إشباع لغرائزهم، ويجيب: بالطبع لا؛ لا يمكن أن يحقق ذلك لأمور كثيرة، لعل من أهمها أن علم النفس يقول: إن السعي المستمر نحو الإشباع لا يحقق الإشباع، بل هو ـ كما يقول عالم النفس الألماني فيكتور فرانكل ـ يسبب نوعاً من "العصاب" أي الاضطراب النفسي والتوتر الداخلي؛ لأن هذا الإشباع لا يتحقق، وما نقوله متفق مع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تَعِسَ عبد الدينار تعس عبد الدرهم تَعِسَ عبد الخميصة تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش".
فذلك الشخص الذي يسعى باستمرار إلى الدرهم والدينار، فلا يتحقق له الإشباع في المال ولا في السلطة، إنما يزداد نهمه بمقدار زيادة سعيه، كذلك السعي المستمر نحو الشهوات لا يحقق إشباعاً لها، بل يزيدها سعارة في الجسد.
وحول الآثار التربوية يقول الشيخ الدكتور "محمد بن عبد الله الدويش: حينما نتناول البعد التربوي المرتبط بهذه القضية نركز على أمرين رئيسيين:
الأول: الآثار والأخطار التربوية لدى الأبناء.
الثاني: هو واجب المربين.
لا جديد في الأخطار التي تبثها الفضائيات، إنما الجديد في الدرجة، حيث إن درجة ما يعرض في هذه البرامج أكثر تأثيراً.
فارق آخر: يتجلى في الجاذبية التي تتمتع بها هذه البرامج باعتبار كونها جديدة، ووسائل عرضها تشد الجمهور على المتابعة، وهذه المتابعة يترتب عليها أن تتعلق في آذانهم صور ومواقف كثيرة.
جانب آخر من أخطرها: هو تطبيع هذه المظاهر، الجمهور حينما يشاهدون مشهدا تمثيليا مع ما فيه من مساوئ يتعاملون معه على أنه تمثيل، أما هذه المشاهد فهي تعرض على أنها صورة واقعية تلقائية، وهذا فيه تطبيع لهذا السلوك وجعل القيم السيئة سلوكاً عادياً مشروعاً.
هذه المواقف قد تعامل بالبداية بنوع من الاستنكار لكن مع مرور الوقت تتحول إلى سلوك طبيعي، عادة حتى تتحول الصورة كما ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - يصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا.
الجانب الآخر يتعلق بواجب المربين (الآباء الأمهات المربين الدعاة): من أهم ما ينبغي أن يتم بهذا الشأن: التوعية بأخطار هذه البرامج لكونها مستوردة.
أيضاً سيبقى مهما قلنا إننا نعيش عصر الانفتاح مطلوب أن نمنع من بيوتنا مثل هذه البرامج، وكان ينتظر من الحكومات الإسلامية أن تقف موقفاً حازماً من الهجوم على قيمها، ولو أرادوا لاستطاعوا فهي تبث عبر أقمار صناعية يمكن التحكم بها.
وكل هذا يدعونا إلى التغيير في أساليب تربيتنا؛ لأننا مهما منعنا سيبقى أبناؤنا عرضة لهذه المؤثرات وهذا يختلف عن التربية التي تفترض أن الإنسان يعيش في مجتمع محافظ.
لذا يجب تقديم بدائل إعلامية تحقق نوعاً من الجاذبية والتميز وشد الناس لمتابعتها والتفاعل معها، وليس بالضرورة أن تكون جادة وصارمة، أعتقد أنه ينبغي أن لا يقتصر أداؤنا في البرامج الإعلامية التي تقدمها على مجرد ندوات ومحاضرات وأحاديث لعلماء وطلبة علم، إنما نحن بحاجة إلى تقديم برامج ترفيهية، بحاجة إلى تقديم برامج ليس فيها إلا المباح الذي يخرج من دائرة الحرام، بحيث تكون بديلا لهؤلاء عن متابعة هذا الغثاء، برامج بحاجة أن تكون على قدر من الجاذبية والاعتناء بالجانب الفني والإنتاج.
أين البديل؟
من السهل أن نحرم مشاهدة برنامج ما أو المشاركة فيه، ولكن الصعب والضروري في الوقت ذاته إيجاد البديل لهذه البرامج، فما رأيناه من انسياق الشباب له يدل على أن هناك جمهوراً كبيراً من جيل الشباب يعيش في فراغ بحاجة إلى ملئه بما هو مفيد فعال ملتزم بقيمنا الإسلامية وديننا الحبيب..
لذا يناشد "موقع لها أون لاين" المسؤولين والتربويين والإعلاميين إيجاد البديل الذي يحمل الفائدة والمتعة والجاذبية أيضاً.. وعلينا أن نعي بأننا في سباق مع الزمن، وأن شريحة كبيرة من جيل الغد تترقب وتنتظر الدورة الثانية من ستار أكاديمي، وأن خطره لم ينته بانتهاء دورته الأولى.. علينا أن نوجد البديل وبالسرعة الممكنة؛ لئلا نخسر أكثر مما خسرناه..!
http://www.lahaonline.com المصدر:
===========
موقف أبكاني
د. سلوى زاهر(16/132)
ذهبت في إحدى ليالي رمضان المباركة لأداء صلاة التراويح بالمسجد، وكان المسجد يمتلئ بالنساء، وحين أقام الإمام للصلاة اصطفت النساء واتجهت نحو القبلة، إلاّ امرأة مسنّة اتجهت إلى ناحية أخرى تماماً، فقلت في نفسي: لماذا تصر هذه السيدة على الصلاة في عكس اتجاه القبلة؟ ورأيت أن من واجبي إخبارها بالاتجاه الصحيح، ولكن ترددت قليلاً فإن بعض كبار السن لا تتقبل النصح بسهولة، وربما رفعت صوتها علي، ولكنّي قررت أن أحدثها وأجري على الله.
فذهبت إليها وقلت لها بلطف: يا أمي، ليس هذا هو اتجاه القبلة. فقالت لي بهدوء ورفق - على عكس ما توقعت -: والله ـ يا ابنتي ـ ما أدري فإني لا أرى!!
فأصابني قولها بقشعريرة، ثم وجهتها إلى الاتجاه الصحيح ورجعت إلى صلاتي وأنا أبكي؛ فإن الله - سبحانه وتعالى- وهبني نعمة البصر التي حرم بعض الناس منها، وأنا غافلة عن هذه النعمة ولا أؤدي شكرها، وظللت أبكي، وأخذت عهدا على نفسي بيني وبين ربي أن أسعى جاهدة لأداء حق بصري عليّ.
يقول الله - سبحانه وتعالى-: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، فكلنا مسؤولون عن جوارحنا هل استعملناها في الطاعة فنأخذ عليها الثواب والفوز بالجنة، أم استعملناها في المعصية التي توجب علينا العذاب؟
ولكي أستعمل بصري في الطاعة يجب علي:
1- غض البصر: يقول الله - تعالى -: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}. وغض البصر يكون بكف النظر عن كل المحرمات والمنكرات.
2- نظر العبرة: يقول زين العابدين "وأما حق بصرك: فغضه عما لا يحل ابتذاله، إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصراً أو تستفيد بها علماً فإن البصر باب الاعتبار". ونظرة الاعتبار تكون في التفكر والنظر في السماوات والأرض وفي خلق الإنسان وفي الموتى وفي كل ما حولنا.
3- نظر العلم: وهو إمعان النظر لطلب العلم وتعليمه الناس فيقول الله - تعالى -: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} فبالعلم تزيد الخشية والخوف من الله.
4- تحويل النظر إلى عبادة:
• فالنظر إلى الكعبة عبادة، ويزيد تلك الرؤية حسناً الدعاء بالمأثور حال النظر إليها.
• النظر إلى الوالدين نظرة الرحمة والعطف والتفقد لحالهما.
• النظر إلى المصحف عبادة.
• نظر الزوجة لزوجها، ففي الحديث: "إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله إليهم نظرة رحمة فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما".
• البكاء من خشية الله: وهذا مما نغفل عنه بعض الشيء وننساه في مشاغل الحياة وكثرة المسؤوليات، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله".
5- النظر للغير: فيقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "وبصرك للرجل الرديء البصر صدقة"، فهداية الطريق لمن لا يرى، والقراءة لمن لا يستطيع القراءة، تكون صدقة وزكاة عن العين.
http://www.lahaonline.com المصدر:
=============
همسات للدعاة
موسى بن ذاكر الحربي
الحمد لله الذي جعل الدعاة ورثة الأنبياء.وسادات الأتقياء. ومصابيح الدجى. وأئمة الهدى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم.
وصلى الله وسلم على من قال بلغوا عني ولو آية وقال نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها فوعاها فبلغها كما سمعها فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.
أما بعد: -
فالهمم تتفاوت حتى بين الحيوانات.
فالعنكبوت من حين يولد ينسج لنفسه بيتا ولا يقبل منّة الأم.
والحية تطلب ما حفر غيرها إذ طبعها الظلم.
والغراب يتبع الجيف.
والصقر لا يقع إلا على حي.
والأسد لا يأكل البايت.
والخنفساء تطرد فتعود
ومن أسباب التفوق والنجاح في ميادين الحياة التي تتلاطم فيها المحن ويواجه فيها الإنسان ألوانا من العقبات التي تحول بينه وبين مطمعه أو يحصل له فشل في بعضها. فمن أقوى أسباب النجاح الهمة العالية.
وهنا ينقسم الناس إلى قسمين:
الأول: من يصيبه يأس وقنوط وفتور فتنهار قواه وتغرورق عيناه من الحزن فهذا النوع هم أصحاب الهمم الضعيفة فالفشل دائما حليفهم.
والقسم الثاني: من إذا أصابه فشل بادي الأمر عاد الكرة مرة بل مرات وزاده هذا الفشل قوة وإصرار على مواصلة الطريق يتجاوز كل العثرات ويحطم كل العقبات بكل صبر وعزيمة إنهم أصحاب الهمم العالية.
ذريني أنل ما لا ينال من العلا *** فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل
تريدين إدارك المعالي رخيصة *** ولابد دون الشهد من إبر النحل
وقال الأخر:
لو لا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يفقر والإقدام قتّال
فيا أخي الداعية:
لا تظن أن الطريق مفروشة بالورد وأنك إذا أتيت الناس بما يخالف هواهم سيرحبون بك ويجعلونك على الرؤوس. لا ليس الأمر كذلك فهاهم أنبياء الله - عليهم الصلاة والسلام - الذين بعثهم الله ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور ومن الذل إلى الكرامة ومن الهوان إلى العزة ومع هذا قال الله (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا) فالعداوة أمر طبيعي ولكن تأمل أخر الآية - وكفى بربك هاديا ونصيرا- فالنصر حليفك مادام الله معك فهو هاديك وناصرك فلم الحزن والضجر ولم البرود والكسل؟
لا تعجز:(16/133)
فإياك وداء العجز فإنه مهلكة يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) وكان - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من (العجز والكسل)
وانظر كيف شنع الله على الذين رغبوا في الدنيا وبهرجها وأعرضوا عن الآخرة ونعيمها (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل)
وأن طرق الدعوة إلى الله - تعالى - هو طرق الجنة الذي تعب فيه الأنبياء.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
والطريق طريق تعب فيه آدم وناح لأجله نوح ورمى في النار الخليل وأضجع للذبح إسماعيل وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ونشر بالمنشار زكريا وذبح السيد الحصور يحيى وقاسى الضر أيوب وزاد على المقدار بكاء داود وسار مع الوحش عيسي وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد - صلى الله عليه وسلم - تزها أنت باللهو واللعب.
فيا دارها بالحزن إن مزارها *** قريب ولكن دون ذلك أهوال
كن كالنحلة:
كن كالنحلة لا تقع إلا على طيب ولا تخرج إلا طيبا ولا تكن كالجعل الذي يأنف من الطيبات ويألف الخبائث.
أنه حال صغار الهمة (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف)
فعالي الهمة لا يرضى أبدا بالدون ولا يقبل إلا معالي الأمور فيترفع عن كل ما يخرم المرؤة ويزيل الهيبة ويبتذله الناس بسببه فهذا يوسف - عليه السلام - يدعونه النساء للفحشاء وهو يقول (رب ا لسجن أحب إليّ مما يدعونني إليه)
و لما جاءه الرسول وهو في السجن قال له (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم) كان يريد أن تندحر كل شبهة تحوم حوله أنها النفس الأبية التي لا ترضى بالدون ولا تقبل أن تعيش إلا في عالي القمم.
فكن رجلا رجله في الثرى *** وهامة همته في الثريا
الحلم حلية الداعية:
قال - تعالى - (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)
و في الصحيح عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأشج عبد القيس إن فيك لخلقين يحبهما الله الحلم والأناة
وإذا انحرفت عن خلق الحلم انحرفت: إما إلى الطيش والترف والحدة والخفة وإما إلى الذل والمهانة والحقارة ففرق بين من حلمه حلم ذل ومهانة وحقارة وعجز وبين من حلمه حلم اقتدار وعزة وشرف كما قيل:
كل حلم أتى بغير اقتدار * حجة لاجئ إليها اللئام
وكان معاوية - رضي الله عنه - يقول (أني لآنف من أن يكون في الأرض جهل لا يسعه حلمي، وذنب لا يسعه عفوي، وحاجة لا يسعها جودي)
وقال الأخوص.
ما من مصيبة نكبة أرمى بها *** إلا تشّرفني وترفع شاني
وإذا سألت الناس الكرام وجدني ** كالشمس لا تخفى بكل مكان
احذر تلبس الشيطان:
ليس عذر ما يتعذر به بعض الناس بأنه مقصر فكيف يدعو وهو مقصر؟ هذا من تلبيس إبليس فلو كان لا يدعوا إلا الكُمّل من الناس ما دعا بعد الأنبياء أحد.
نعم قبيح بالداعية أن تخالف أعماله أقواله قال - تعالى - (يا أيها الذين أمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)
ولكن ليس الحل أن يتنحى المسلم عن الدعوة بل الواجب عليه أن يجاهد نفسه على الالتزام بما يقول ويتوب من الذنوب ويواصل طريق الدعوة فالدعوة ليس حكرا على أحد أو فئة من فئات المجتمع فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (بلغوا عني ولو آية) وهذا الأمر عام لكل مسلم ومسلمة.
وكل بحسبه فعلى العالم ما ليس على غيره فالدعاة يتفاوتون في علمه وقدراتهم ولكن كل بقدر ما يستطيع فهذا الدين أمانة في عنق كل مسلم.
وهذا أبو محجن الثقفي - رضي الله عنه - لم يمنعه شربه للخمر من الجهاد في سبيل الله لما كان يوم القادسية وبلغه ما فعل المشركون بالمسلمين وهو محبوس بسبب الخمر قال.
كفى حزنا أن تطعن الخيل بالقنا *** وأترك مشدودا علي وثاقيا
إذا قمت عنّاني الحديد وغلقت *** مغاليق من دوني تصم المناديا
وقد كنت ذا أهل كثير وإخوة *** فقد تركوني واحدا لا أخا ليا
هلمّ سلاحي لا أبا لك إنني *** أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا
فقالت أم ولد سعد ((أترجع لي إن أنا أطلقتك أن ترجع حتى أعيدك في الوثاق؟ )) قال نعم فأطلقته وركب فرسا لسعد بلقاء وحمل على المشركين فجعل سعد يقول لولا أن أبا محجن في الوثاق لظننت أنه أبو محجن وأنها فرسي، وانكشف المشركون وجاء أبو محجن فأعادته في الوثاق وأتت سعدا فأخبرته فأرسل إلى أبي محجن فأطلقه وقال (والله لا أحبسك فيها أبدا) وقال أبو محجن (وأنا والله لا أشربها بعد اليوم أبدا)
فلم تكن معصية أبي محجن - رضي الله عنه - حائلا دون نصرة الدين وكذلك أنت أخي الحبيب لا يكن تقصيرك مانعا من الدعوة إلى الله.
الصبر طريق النجاح:
اعلم أخي الداعية أن الصبر طرق النجاح والتفوق بإذن الله جلا وعلا فلم تحصل الإمامة في الدين إلا بالبصر واليقين قال - تعالى - (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بأياتنا يوقنون)
إني رأيت وفي الأيام تجربة **** للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقل من جد في أمر يطالبه ****واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
رأس الأمر:
كل ما ذكرت عوامل بلا شك في نجاح الدعوة ولكن العامل الأهم هو الإخلاص لله - سبحانه وتعالى - فاستصحاب النية وتخليصها من الشوائب وتنقيتها من حظوظ النفس وطلب الشهرة وكلامات الثناء هو عنوان قبولها.
أخي الداعية احذر أن تكون ممن قال الله فيهم (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا)(16/134)
فكل عمل تشوبه شائبة الرياء فإنه يكون هباء منثورا فكم يا أخي الحبيب تكتب في هذه المنتديات وكم تلقي من الكلامات.
فلا يكن ما تسطره يمينك ويقوله لسانك عليك غمة يوم القيامة احذر أن يزين لك الشيطان سوء عملك ويغرك عن محاسبتك نفسك فتكون ممن قال الله فيهم (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)
هذه كلامات يسيرة لعلها تكون زادا للداعية وهناك أشياء كثيرة لم أتعرض لها طلبا للاختصار ولكن ما ذكرت في نظري أنه أهم مقومات النجاح والله أعلم.
http://saaid.net المصدر:
============
هموم وهموم ..!
د.رقية بنت محمد المحارب
حينما اشتكى الشعب الفرنسي لملكته الجوع وعدم القدرة على وجود الرغيف، قالت لهم: "كلوا كعكاً".. فكانت الكلمة مؤذنة بزوالها!
حينما تغيب عن ذهن الكاتبة هموم أمتها وتراها القارئات تغط في سبات عميق؛ يكون ذلك دافعاً للشعور بالغثيان، ومحفزاً على ترك الصحيفة التي تكتب فيها، بله عمودها الهزيل..!
يضجُّ العالم للإرهاب الأمريكي الصهيوني الحاقد الجسور بقتل الشيخ المقعد "أحمد ياسين" وهو خارج من صلاة الفجر بوجهه الطاهر، صائماً موجهاً وجهه إلى خالقه، فيعلو صوت الحق ويتظاهر آلاف البشر باختلاف ألسنتهم وألوانهم، بل ومشاربهم وأديانهم فيدينوا قتله.. ويكون حديث الصغار والكبار والنساء والرجال عن أحمد ياسين.. بينما تبحث الكاتبة الضليعة قضيتها الساخنة وتعتب على الشعب السعودي.. كيف لم يدعم نجمه الفذ في "ستار أكاديمي"..! فهل يصوِّت الكويتيون وهم مليون، ولا نصوِّت ونحن سبعة عشر مليوناً؟
يا للعجب من تسويق الدياثة! في وقت نتوارى فيه حياء من هواننا وقلة حيلتنا، ونحن نسمع لزوجات الشهداء الفلسطينيين وهن يحكين المعاناة رافعات الرؤوس منتشيات بالسعادة التي تغمرهن؛ لأنهن في أرض الرباط والجهاد.. ولا يخفين الحاجة للدعم المعنوي قبل المادي..!
أين نحن من الله - تعالى - ونحن نغرق في الهوى والفن والتفاهة والانحطاط.. والناس من حولنا يتخطفون؛ في العراق، فلسطين، أفغانستان، الشيشان؟! ثم إذا كنا لا نستحي من الله.. فلنستح من الناس على الأقل.. فليس هذا وقته أيتها الكاتبة الفاضلة؟! حين ذمَّ الله - تعالى - قوماً يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضي من القول، لم يكن معنى ذلك أنَّ الذين لا يستخفون من الله ولا يستخفون من الناس أحسن حالاً، فإنَّ الله يغفر ذنب العبد ما لم يجاهر به.
فهل وصلنا إلى درجة الاستخفاف بمشاعر المسلمين المكلومة من اليهود.. أم نحن في غينا نَعْمَه؟!
نداء.. إلى الفتيات.. إلى الشباب.. استمعوا إلى هذه الآية واقرؤوها بتمعن:
{وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا}
لا تضيعوا أموالكم في الاتصال ولا التصويت ولا المتابعة لهذا البرنامج الماجن، فإنَّ كل واحد منكم مسؤول عن ماله وعمره ونظره وسمعه، ولن تزول قدمه حتى يُسأل.. فمن يكابر فليتربص.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
تحية وإضاءة:
تحية أزجيها لقناة "المجد" الفضائية، على وجودها المتميز في الساحة الإعلامية، فهي تخدم شريحة عريضة من المجتمع الإسلامي، لا يطربه الغناء ولا تستهويه الفواحش، ويأنف من المنكرات التي تلاحقه عبر القنوات العربية في كل برنامج، حتى نشرة الأخبار..!
أهنئهم على التميز، وأهمس في آذانهم: ليس شرطاً أن تجذبوا أهل الهوى بما حرَّم الله، فإن كانوا لا يبحثون عن القناة، ولا يتابعونها، فلهم مئات القنوات تحقق رغبتهم، وتبقون أنتم الوحيدون تحققون رغبة من لم يتابع التلفزيون ولم يدخله بيته إلا من أجلكم، واصلوا على طريق الهدف، ونحن معكم ونتابعكم، وما كان لله فهو يبقى!
إضاءة:
اللجنة الدائمة أصدرت فتواها في "ستار أكاديمي" وبيَّنت حرمته وأثره على الأسر، وخاصة الشباب والفتيات. والذي يعيش بين الفتيات يؤيد اللجنة في فتواها؛ للآثار السلبية والسلوكيات التي لم يستطع الوالدين ولا المدارس ولا الجامعات معالجتها..
فليتق الله أصحاب هذه القنوات، وليتق الله أصحاب الأقلام، فإنَّ من دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها..!
http://saaid.net المصدر:
=============
دعيني أعاتبك يا أمي
عبد الرزاق المبارك
أمي الحبيبة.. يا من منحها الله المواهب والعطايا وجعلها أحق الناس بحسن الصحبة وطيب العشرة..
أمي.. يا من حملتني في أحشائها وأرضعتني لُبانة حُبها وعطفها وكلأتني بعينها الحنون وقلبها الرؤوم.
أمي.. يا حبَّةَ قلبي وخفقة حُبي، دعيني أترفق إلى عتابك وأرتمي على أعتاب بابك وهذه العبرة تخنقني والدمعة تسبقني..
أوّاه لو تشعرين بحالي وليلي الطويل وتقاسمينني همي الثقيل..
الفتن يا أماه تحاصرني من كل مكان كأني صرتُ هدفاً لسهام الأعداء.. والشيطان يغويني وشياطين الأنس تغريني والنفس تأمرني ولكن لا يزال في نفسي بقية من خشية الله.
رفيقات السوء.. الجوال.. القنوات الفضائية.. الإنترنت.. الأسواق وأشياء أخرى كثيرة وفتن كقطع الليل المظلم.
توقفي معي قليلاً يا أماه وراجعي يومك المملوء بالمشاغل.. وقتك الذي لم يعد لنا فيه إلا القليل. فاليوم عندك تهنئة بمولود وغدا شطر المساء في السوق وبعده مباركة لأخرى بالعودة من السفر ويوم آخر تهنئة لفلانة بسكنى البيت الجديد وهكذا فهي مناسبات لها أول وليس لها آخر..(16/135)
أمي.. يحزنني أنه يعنيكِ من قصة شعري ولبسي ومظهري.. فكم ألقيت عليّ من العتاب في ذلك تلو العتاب، ولكن ماذا عن مخبري وجوهري.. وحبيبنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "..
ألا سألتِ فيم أفكر وماذا يدور في قرارة نفسي.. كيف يصحو قلبي وأنا هاجرة لكتاب ربي، بل كيف يزيد إيماني وأنت ترين غذاءه مجلات تافهة أستحيي أن يراها أحد في يدي.. فهي لا تهتم إلا بالممثلة الفلانية والمغني الفلاني وكل فاسد ورخيص..
فأين أنا من أخي الذي يصغرني سنوات فقد رأيته غير مرة دون أن يشعر بي يناجي الله في الخلوة ويبكي عند قراءة القرآن رغم أنه لم يلق منك أو من أبي توجيهاً كافياً ولكنها هداية الله وحسن الصحبة التي وفقه الله لها.
وأين أنا من أخيّتي التي أتمت حفظ كتاب الله كاملاً وحفل تكريمها هذا الصباح.. وحفل تكريمك أنتِ وأبي عندما تتوجان بتاج الوقار في الجنة.. الجنة يا أماه هل نسيناها؟؟
رأيتني على تلك الصورة التي لا تليق بمؤمنة وكأني على ملة غير ملة الإسلام. استحييت من نظر الله إليّ وأنا على تلك الهيئة التي لا تمت إلى ديننا بصلة.. الاسم والسحنة عربية ولكن الباقي كله شيء آخر وقد وضعتُ يدي على وجهي عندما تخيلت أني بهذه الصورة المزرية وهذا المظهر بين جمع من أمهات المؤمنين ونساء المهاجرين والأنصار لقد أحسستُ وكأن ماء وجهي يراق وأنا أمسكه بكلتا يدي حفاظاً عليه!!
ولكن ألا أخبرتُكِ بما هو أعظم من هذا كله وأشد، يوم أقف أنا وأنتِ وأبي وإخوتي وكل البشر الصالح منهم والطالح بين يدي العزيز الجبار والملك القهار، إنه مشهد مهول أريدكِ أن تتفكري في فصوله. يومٌ من فاز فيه فاز ومن خسر فيه خاب وخسر.. أريدكِ أن تتأملي مشاهده بقلبك اليقظان وتقرأينه وتسمعينه آية آية: (كلا إذا دكّت الأرض دكاً دكا
وجاء ربك والملك صفاً صفا
وجيء يومئذ بجهنم
يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى
يقول يا ليتني قدمتُ لحياتي
فيومئذ لا يعذّب عذابه أحد
ولا يوثق وثاقه أحد
يا أيتها النفس المطمئة
ارجعي إلى ربك راضية مرضية
فدخلي في عبادي
وادخلي جنتي)
أمي الغالية.. لقد أقض مضجعي ليلةَ البارحة تذكرُ ذلك اليوم الذي طلبت مني فيه مرافقتك إلى حفل زفاف إحدى القريبات معللة ذلك للحرج الذي يصيبك إذا سُألت عن سبب غيابي فأبيتُ وتحججتُ بأني لا أجد ثوباً مناسباً وأنا غير صادقة في ذلك يغفر الله لي فعلتً ذلك لأني كنتُ على موعد مع صويحباتي ولأني فوق ذلك مللتُ هذه المظاهر وهذه الزخارف وكرهتها!!.. ولكن الحق والحق أقول أنك لو طلبت مني هذه الليلة مرافقتك إلى مثل تلك الحفلة لما تغير موقفي شيئا.. ولكن لماذا أرفض الآن وأنا نادمة على ما حدث مني بالأمس؟؟
لأني أعلم كما تعلمين ما تحويه هذه المناسبات مما يجلب سخط الرب فلكم أخشى أن نكون أنا وإياك أولَ من تصيبهم العقوبة لو نزلت من السماء عقوبة! وهي ليست من الظالمين ببعيد!!
وإن أنسَ لا أنس ذلك العرس الذي حضرناه إلى ساعات الصباح بل إلى طلعة الشمس.. ليلة امتلأت بكل ما يغضب الله ويرضي الشيطان.. موسيقى وصخب.. امرأة متعطرة وأخرى متبرجة وجموع من النامصات وأخريات ركبت كل واحدة منهن بمفردها مع السائق وهي خلوة محرمة وتلك فتاة تلبس ثياباً تكاد تتمزق من الضيق وعري وغفلة وذكر للدنيا وزخرفها ونسيان لأيام الله وتهاون في أمر الصلاة حتى إني رأيت مجموعات من النسوة لم تتحرك من أماكنها إلى طلوع الشمس وأخريات قمن كأنهن يردن الصلاة ثم تشاغلن بأشياء أخرى ولا يعقل أن يكن كلهن ذوات أعذار.
والمأساة الأخرى أني ما رأيتُ من يذكرهن بشأن الصلاة أو بشيء من أمر الدين.. اللهم إلا ثلاث فتيات نضّر الله تيك الوجوه الناعمة جئن إلى الحفلة لغرض الدعوة والاحتساب.. رأيتهن ورأيت فيهن العزة والشموخ.. أكبرتُ همهن وطموحهن.. مع أني أيضاً رأيتُ من يسخر منهن غير ما مرة وهن ماضيات في أمرهن لا يخشين إلا الله.
آه يا أماه لو تعلمين الخوف الذي ملأ قلبي ودب في مفاصلي واقشعر له جسدي عندما قعقعت السماء في تلك الليلة بصوت الرعد الرهيب وهبت العاصفة ولمع برق السحاب!!
لقد انتابني فزع شديد وكدتُ أهوي إلى الأرض من الدوار الذي ألمّ بي فلقد خفت أن تسقط علينا السماء أو تنشق عنا الأرض وما نعلم أن عندنا براءة من الله أن يصيبنا ما أصاب الأمم من قبلنا من العذاب والهلاك.
فكل هذه المنكرات ونحن نعيش في بلاد التوحيد وعقر دار الإسلام وقد عرفنا الله وعرفنا الحلال والحرام وتعلمنا أحكام الشريعة منذ نعومة أظفارنا.. أخشى أن نكون ممن أضله الله على علم.
أما في بيتنا فقد صار المعلم والمربي هي الشاشة التي قتلت حياءنا بل سلبت عقولنا وديننا، تقولين إن أبي هو المسؤول عن إحضارها إلى منزلنا الوادع وهذا صحيح تماماً.. ولكن بربك يا أماه لقد رأيتك قادرة على إقناع أبي وتغيير رأيه في أشياء عزم عليها وكان لك فيها رأيُ آخر.. كانت مسائل من أمور الدنيا فما بال ديننا.
وإن من أعز ما أملك من ذكريات ذلك المجلس الذي كنا نجلسه معك، نتحلق فيه على كتاب الله.. وكنت اخترت لذلك وقت ذهاب أبي وإخوتي لصلاة الجمعة. وعندما سألتك عن سبب اختيارك لهذا الوقت، أجبتِ لأنها ساعة من أفضل الساعات وأنها على الأرجح ساعة الإجابة التي لا ترد فيها دعوة.. ثم رفعتِ يديك لله بالدعاء بأن يتقبلنا عنده وأن ينصر الإسلام ويعز دين خير الأنام.
أذكر أني نظرتُ إلى أبي مرة وهو يتعجل إخوتي للصلاة ويرمقنا بعينيه ونحن على تلك الحالة.(16/136)
رأيت محياه يتهلل بالسرور.. فيما تتابع إخوتي إلى السيارة يتسابقون.
ولقد مرّت سنوات منذ أن فقدنا هذه البادرة، فما بالنا الآن هل استغنينا عن الله وهل رغبنا عن كتاب الله!!
ترفقي يا أماه فهذه نفثة مصدور وخفقة قلب مكسور أبعثها إليك بصادق الود وعبير الوجد.. فإني أصبحت هذا اليوم صباحاً جديداً ونهاراً بإذن لله سعيداً وفتاة أخرى غير التي عرفت بالأمس...
أصبحتُ في غدوة هذا اليوم نادمة على كل ذنب مضى في ربيع العمر، مقلعة عنه عازمة على عدم العودة إليه..
هنئيني يا أماه خذيني بالأحضان.. فلقد أصبحتُ تائبة.. أصبحتُ تائبة!
http://saaid.net المصدر:
=============
وقفات مع الدعوة إلى الله
القرآن الكريم "مصحف":
إن مما خص الله به نبي هذه الأمة محمد- صلى الله عليه وسلم - وخص به رسالته، والنور الذي جاء به أنها رسالة ودعوة عامة للثقلين الإنس والجن، والعرب والعجم، والأسود والأبيض، والذكر والأنثى، والسادة والعبيد، كما قال - جل وعلا -: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا? (الأعراف: 158)، وقال - سبحانه وتعالى-: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا" (سبأ: 28)، وقال - تعالى -: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" (الأنبياء: 107)، وقال - صلى الله عليه وسلم - "بعثت إلى الناس كافة وكان الأنبياء تبعث إلى أقوامهم خاصة".
أيها المسلمون:
وبعد أن تقرر ما سبق.. فإن هذه الأمة مأمورة بما أمر بها نبيه، فهي مأمورة بتبليغ الدين إلى الناس كافة، كما قال - سبحانه -: " وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ " (آل عمران: 104).
هي المكلفة بنشر هذا الدين الذي فيه سعادة البشرية ولا نجاةَ ولا مخلص للناس إلا بالدخول في هذا الدين، والانضواء تحت لوائه، والاهتداء بتعاليمه وتشريعاته، إننا لا نشك لحظةً واحدةً أن دين الإسلام هو الدين الذي به تُحل كل المشاكل العالمية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، العسكرية، وسوف نقف مع هذه العبادة العظيمة والمهمة الجسيمة، والوظيفة الشريفة وقفات عدة.
الوقفة الأولى: الدعوة إلى الله أشرف الوظائف:
الدعوة إلى الله وظيفة من أشرف الوظائف، ومهمة من أعظم المهمات كيف لا وهي وظيفة الأنبياء والرسل؟ ومهمة كل من أراد الله به خيرًا ورفعةً وسعادةً في الدنيا والآخرة، ولا أعظم وصفًا، ولا أصدق قولاً من قول ربنا- جل وعلا - حيث يقول: " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ " (فصلت: 33) قال "الحسن البصري" عن هذه الآية: هو المؤمن أجاب الله في دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، فهذا حبيب الله، هذا ولي الله.. فمقام الدعوة من أشرف المقامات، فيا خسارة من قامت حياته وذهبت أيامه ولم يكن له نصيب من هذه العبادة العظيمة!!، فيا عبد الله، تدارك أيامك، واضرب بسهم في هذا الميدان المبارك بعلمك أو بجهلك، أو بمالك أو برأيك، على قدر استطاعتك؛ حتى تنال هذا الشرف العظيم.
الوقفة الثانية: العلم وأثره في الدعوة:
الله - سبحانه - أمر بالدعوة إليه، وأوجبها على هذه الأمة على كل من قدر، وعلى حسب مقدار العلم الذي مع الإنسان، قال - سبحانه -: " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" (يوسف: 106)، فالبصيرة: العلم، وقال - سبحانه -: " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل: 125)، فالعلم يتضمن العلم بما تدعو إليه والعلم بحال الداعي، وكلما كان العلم أغزر كانت الدعوى أقوى وأنفذ، ولكن لا يقعدنَّ بك هذا الأمر وتقول: أنا لست من أهل العلم، فنقول لك: ادع على قدر العلم الذي معك، كما قال - صلى الله عليه وسلم - "بلغوا عني ولو آية"، وكن دليلاً على الخير، ومساهمًا بمالك، ورأيك وجهدك؛ فأنت بإذن الله من الدعاة إليه.
واعلم أن أجرك عظيم، كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا"، وقال: - صلى الله عليه وسلم -: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم"، قال ابن القيم: وهذا يدل على فضل العلم والتعليم، وشرف منزلة أهله، بحيث إذا اهتدى رجل واحد بالعالم كان ذلك خيرًا له من حمر النعم، وهي خيارها وأشرفها عند أهلها، فما الظن بمن يهتدي به كل يوم طوائف من الناس... وفقنا الله وإياكم لهذه النعمة العظيمة.
الوقفة الثالثة: الحكمة في الدعوة:
الحكمة في الدعوة إلى الله هي كما قال ابن القيم- رحمه الله - معلقًا على قول الله: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ " (النحل: من الآية 125) "جعل - سبحانه - مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيب القابل الذكي الذي لا يعاند الحق ولا يأباه يُدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر يُدعى بالموعظة الحسنة وهي الأمر والنهي المقرون بالرغبة والرهبة، والمعاند المجادل يجادل بالتي هي أحسن.
الوقفة الرابعة: الإخلاص:(16/137)
لا تنس إخلاص النية فهي الأساس في الدعوة، كما قال - جل وعلا -: " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ " لا إلى سبيل أحد غيره، وقال في الآية الأخرى: " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ" لا إلى نفسي أو إلى مطمع من مطامع الدنيا، ومن خلصت نيته بارك الله له في جهده ووقته، وظهر أثر ذلك عليه.
ليكن شعارك في الدعوة إلى الله: " إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ " (هود: من الآية88) وأيضًا: "إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ " وقوله - تعالى -: " لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ " (البقرة: من الآية 272)، وقوله - تعالى -: " وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ" (آل عمران: من الآية20) فيا من تدعو إلى الله لا تذهب نفسك حسرات، ولكن احذر من التقصير في الدعوة إلى الله والعلم والعمل، فإن لم تجد الثمرة فلا تترك هذا الطريق.. فإن الهداية وإدخال الإيمان إلى القلوب ليس إليك، وإنما إلى الله ?إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ? (القصص: من الآية56)، والنبي يأتي يوم القيامة ويأتي معه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد.
إن مهمة الدعوة إلى الله يستطيع كل إنسان أن يقوم بها كل على حسب جهده وقدرته كما سبق، ولكن مهمتنا نحن أن نرسخها في قلوب الأجيال وفي نفوس الناشئة وفي عقول الناس، وتكون من أولى اهتماماتهم.
فيا أيها المدرس الناصح، وأيها المربون والمربيات، والمعلمون والمعلمات، ويا أئمة المساجد، يا طلاب العلم، أيها الموظفون... لا تتركوا هذه الوظيفة وهذه المهمة لحظة واحدة من لحظات حياتكم فبها سعادتكم وعزكم ونصر دينكم وظهوره على كل الأديان، وهنا أقف وقفة عتاب ووقفة تعجب مع ذلكم الكاتب في صحيفة من الصحف اليومية- هداه الله- الذي كتب مقالاً جرح أفئدتنا، وآلم نفوسنا لما عاب على إخواننا المدرسين نُصحَهم وإرشادَهم في المدارس، وقال: "لسنا في مكان للدعوة إلى الله"، فنقول يا مسلم، يا عبد الله، نحن بغير الدعوة إلى الله وبغير الدين لا وزن لنا بين الناس..، ولا عز لنا إلا بهذا الدين..، فوجب أن نكون كلنا دعاة إليه، ولا خير فينا إذا لم نكن كذلك، فالله الله.. أيها الإعلاميون، اعتزوا بدينكم وانشروه، وساهموا في الدعوة إليه وحث الناس على القيام بهذه العبادة العظيمة، وفقنا الله وإياكم لكل ما يحبه ويرضاه.
30/11/2003
http://www.ikhwanonline.com المصدر:
=============
ذروني أقتل موسى ( 1 )
محمد سرور زين العابدين
مقدمة:
الذين يريدون أن يفهموا منطق الطغاة، وأساليبهم، وخططهم، ووسائلهم، ومكائدهم، ومؤامراتهم، وكيف يتعاملون مع العلماء الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، والدعاة الذين يصدعون بالحق غير هيابين ولا وجلين.
والذين يريدون أن يعرفوا طبيعة المواجهة مع الطغاة المستبدين الذين لا يرقبون في المؤمنين إلا ولا ذمة، والمواجهة معهم حتمية شئنا أم أبينا، وسنة من سنن الله في الأرض... هؤلاء الذين يبحثون عن هذه المعرفة عليهم أن يتدبروا كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويستعرضوا سير رسل الله وأنبيائه مع الطغاة، قال - تعالى -: ((ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم)) [فصلت/43].
والذي اختاره الطبري وقاله ابن كثير في تفسير هذه الآية: "ما يقال لك [أي لخاتم الأنبياء صلى الله عليهم وسلم] من التكذيب إلا كما قيل للرسل من قبلك فكما كذبت كذبوا، وكما صبروا على أذى قومهم لهم فاصبر أنت على أذى قومك".
وما يقال للعلماء والدعاة في هذا العصر إلا ما قد قيل لنبينا محمد ومن سبقه من الأنبياء والرسل صلى الله عليهم وسلم، من التكذيب وغير ذلك من الاتهامات والافتراءات الباطلة.
وهذا هو المنهج الحق لفهم واقعنا، وللتعامل مع المشكلات: السياسية والدعوية والاقتصادية التي تواجهنا، والذين يعتقدون أنهم يحكمون اجتهاداتهم في هذه المشكلات يسرفون في الخطأ، والاجتهاد في مفهومهم أن يقولوا رأيهم الذي كونوه من منطلق خبرتهم في حياتهم الدعوية والسياسية دون أن يكون هذا الرأي مؤصلاً تأصيلاً شرعياً، والاجتهاد الشرعي يخضع لضوابط، منها أن يملك المجتهد الأدوات الشرعية التي تمكنه من ولوج هذا الميدان.
ومن المؤسف أن بعض الدعاة ملمون بالعلوم الشرعية بينما نجد اطلاعاتهم ومعرفتهم بالعلوم السياسية وغيرها من قضايا العصر دون الحد الأدنى، والبعض الآخر على نقيض ذلك، فهم ملمون بالقضايا المعاصرة دون أن يكون عندهم حد أدنى من العلوم الشرعية، ولابد من الوسطية في ذلك، واقتفاء آثار المحققين المصلحين من علماء السلف - رحمهم الله -.
من أجل الجمع بين الحسنيين كتبت عن منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، وصدر جزءان من هذه السلسلة، وهذا هو الجزء الثالث، وقد يكون العنوان الذي سأختاره له "موسى بين طغيان فرعون وخذلان بني إسرائيل"، وإن وجدت أفضل من هذا العنوان لن أتردد في اختياره.
ذروني أقتل موسى:
قال - تعالى -: ((ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين، إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب، فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال، وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد، وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب)) [غافر: 23 /27].(16/138)
اختار الله نبيه وكليمه موسى - عليه السلام -، وأرسله إلى: فرعون ملك مصر وطاغوتها المتجبر، وهامان وزيره والرجل الثاني في مملكته، وقارون الذي كان من أغنى أغنياء عصره. قال - تعالى -: ((وآتيناه من الكنوز ما إنَّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة))، ورجال المال شركاء للحكام في قراراتهم وأوامرهم، وقد كان المال ولا يزال يرفع أقواماً لا خلاق لهم لأنه عصب الحياة ومصدر مهم من مصادر قوة الشعوب والأفراد.
وهؤلاء الثلاثة - فرعون وهامان وقارون - رموز الشر والفساد والضلالة والطغيان، وأعمدة الكفر والشرك وعبادة الأوثان، فكيف سيواجههم موسى - عليه السلام -، وهو الذي خرج من بلدهم خائفاً لا يأمن على نفسه، ومن جهة أخرى لم يكن مستعداً لهذه المهمة، ولا كان يستشرف إلى النبوة.
شكا نبي الله لربه ضعفه أمام فرعون وقومه، كما شكا عقدة في لسانه، فقال له الحق - جل وعلا -: ((قالا ربنا إننا نخاف أن يَفْرُطَ علينا أو أن يطغى، قال: لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى)) [طه 45/46]
لا تخافا [الخطاب لموسى وهارون] من فرعون، وجيشه، وماله، وملئه، وطغيانه، فهو عبد من عبيد الله مهما تجبر وتطاول، ولا يقوى على تغيير أو تبديل أمر قضى به الله... وثق موسى من وعد ربه وتحرر من الخوف، كما تحرر من مقاييس أهل الأرض وأحكامهم المادية، وأصبح فرعون وهامان وقارون وسائر الملأ لا يساوون في عينيه جناح بعوضة، وكيف لا يشعر هذا الشعور، ويتحرر هذا التحرر والله يقول له ولأخيه هارون ((لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى)). وقال - تعالى -: ((لقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب)) [غافر: 23، 24]، تشير هاتان الآيتان إلى أن الله - تعالى - أرسله بالآيات البينات، والدلائل الواضحات، والحجج والبراهين القطعية، قال - تعالى - عن هذه الآيات البينات: ((ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات)) [الإسراء/101].
قال صاحب زاد المسير:
"اتفق جمهور المفسرين على سبع آيات منها، وهي يده، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، واختلفوا في الآيتين الآخرتين" [1]
وقال ابن كثير:
"وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد وعكرمة والشعبي وقتادة: هي يده، وعصاه، والسنين، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وهذا القول جلي حسن قوي" [2].
وقال ابن كثير أيضاً:
"وقد أوتي موسى - عليه السلام - آيات أخر كثيرة بعد خروجه من مصر، ولكن ذكر هاهنا التسع الآيات التي شاهدها فرعون وقومه من أهل مصر" [3]
وإذا كان مجموع الآيات التي شاهدها فرعون وقومه تسع، ففي لقائه الأول مع موسى - عليه السلام - بعد البعثة شاهد الطاغية وملؤه آيتين: العصا واليد.
موقف فرعون: لا تسل كيف دخل موسى على فرعون وملئه، وكيف أذن له حرس فرعون ورجال أمنه؟ ولا كيف خرج من المقابلة الأولى عزيزاً منتصراً؟، ولماذا لم يستغل الحاكم المتجبر مسألة قتل موسى - عليه السلام - للقبطي ويعتقله ثم يأمر بقتله... لا تشغل نفسك بمثل هذه الأمور التي حسمتها الآية القرآنية السابقة ((قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى))، وتعال لنستمتع بهذا الحوار الطريف:
((وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين، حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل، قال: إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين، فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين)) [الأعراف: 104 108].
كان وقع هذه المفاجأة على فرعون وهامان وقارون أقوى من الصاعقة، وأشد أثراً من الزلزال المدمر، ولهذا فقد اضطربوا وفزعوا، وغلبت شهواتهم الشريرة على عقولهم فقالوا [ساحر كذاب]!!، ويعلم هذا الفرعون بأنه هو الكذاب، وذلك للأسباب التالية:
1- نشأ موسى وترعرع في قصر فرعون منذ ولادته وحتى أصبح شاباً يافعاً، ولم يجرب عليه كذباً أو خيانة، وكان معروفاً بصدقه وأمانته وشجاعته وعفته.
2- كان للسحرة شأن كبير عند الفراعنة، وكانوا يقربونهم ويدفعون لهم المكافآت السخية، ويعرف فرعون أن ليس لموسى - عليه السلام - أدنى علاقة بهذه التجارة الخاسرة والبضاعة المزجاة.
3- طلب فرعون من موسى آية فأراه آيتين: عصاه ويده، فكيف يطلب دليلاً، وعندما يأتيه يتهم نبي الله بالسحر والكذب؟!.
4- كان فرعون يعلم بقرب ظهور نبي من بني إسرائيل، ولهذا فقد كان يقتل أبناءهم في العام الذي ولد فيه موسى - عليه السلام -، وها قد جاءه هذا النبي الذي يعرف حسبه ونسبه.
وظن فرعون وهامان وقارون أن إشاعة هذا الخبر الذي لفقوه - ساحر كذاب!! - كاف لتشويه سمعة موسى وهارون، وانفضاض الناس من حولهم، لاسيما وأن الدعوة لا تزال في بدايتها، ولم تنتقل أخبارهم إلى سائر أرجاء مصر، وكان خطؤهم في تقديرهم وتدبيرهم. قال - تعالى -: ((فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا: اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه، واستحيوا نساءهم، وما كيد الكافرين إلا في ضلال)).(16/139)
عندما تواترت المعجزات الباهرة، وأخذ أمرها ينتشر بين الناس، وأدرك فرعون وهامان وقارون أن دعاياتهم وإشاعتهم فشلت لجأوا إلى إصدار أوامرهم المعتادة ((اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم)). قال الرازي: "والصحيح أن هذا القتل غير القتل الذي وقع في وقت ولادة موسى - عليه السلام -، لأن في ذلك الوقت أخبره المنجمون بولادة عدو له يظهر عليه، فأمر بقتل الأولاد في ذلك الوقت، وأما في هذا الوقت فموسى قد جاءه وأظهر المعجزات الظاهرة، فعند هذا أمر بقتل أبناء الذين آمنوا معه لئلا ينشأوا على دين موسى فيقوى بهم، وهذه العلة مختصة بالبنين دون البنات، فلهذا السبب أمر بقتل الأبناء ثم قال - تعالى - ((وما كيد الكافرين إلا في ضلال)) ومعناه أن جميع ما يسعون فيه من مكايدة موسى ومكايدة من آمن معه يبطل، لأن ((ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها))" [4].
ومع أن جند فرعون ما كانوا يترددون في تنفيذ أوامر سيدهم، وخاصة إذا كان الضحايا من بني إسرائيل المقهورين الممتهنين، أو من عائلات مغمورة لا يتبناها ولا يدافع عنها أحد من ملأ فرعون، أما هذه المرة فلم ينفذوا أمر الطاغية لأن الله حفظ موسى وهارون والذين آمنوا معهما، وقال لهما عندما أرسلهما إلى فرعون: ((لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى))، وبشكل مفاجئ ينتقل فرعون من الأمر بالقتل العام ((اقتلوا أبناء الذين آمنوا)) إلى الاستئذان بقتل موسى وحده ((ذروني أقتل موسى وليدع ربه))، فماذا وراء هذا التحول واستئذان ملئه بذلك؟!.
يقول المفسرون: كانت هناك معارضة لفرعون، ولم يوافق بعض الملأ على قتل موسى - عليه السلام - أو أبناء الذين آمنوا معه، ولهذه المعارضة أسباب:
منهم: من كان يعتقد أن موسى صادق، فيأتي بوجوه الحيل في منع فرعون من قتله، وهذه حال مؤمن آل فرعون الذي سنتحدث عنه في حلقة أخرى إن شاء الله.
ومنهم: من كان يخشى من الهلاك، ولهذا قال فرعون ((وَلْيَدْعُ ربه)) الذي يزعم أنه أرسله فليمنعه من القتل.
ومنهم: من كان يرى أن فرعون لو قتل موسى فسيقول الناس: إنه كان محقاً وعجزوا عن جوابه فقتلوه.
جاء هذا الاستئذان بعد أن قطع موسى - عليه السلام - مراحل في دعوته، وأصبح أمره معروفاً عند الخاصة والعامة، ووجد - عليه السلام - من يتعاطف معه إيماناً بدعوته - وإن كانوا قلة - أو خوفاً على أنفسهم وقومهم من سوء العاقبة، والآيات التي تلي هذه الآيات التي تحدثنا عنها في هذه الحلقة، تعرض لنا صورة رائعة للحوار الذي دار بين مؤمن آل فرعون وفرعون، وواضح من هذا الحوار أن فرعون قد عقد العزم على قتل موسى ((ذروني أقتل موسى)) أي دعوني أقتله، ويؤكد هذا الحوار أن هناك معارضة، وأهم المعارضين كان مؤمن آل فرعون، لكنه ليس المعارض الوحيد، ولو كان كذلك لقال له فرعون "ذرني"، وفي نهاية الحوار استجاب فرعون لرأي الذين يعارضون اقتراف هذه الجريمة ولو كان المقصود من هذه الاستجابة تهيئة الظروف المناسبة لتنفيذ الجريمة بموسى - عليه السلام - والذين آمنوا معه.
وقفات:
الوقفة الأولى:
في أول لقاء بعد البعثة بين موسى - عليه السلام - والطغاة: فرعون وهامان وقارون، قالوا عن موسى [ساحر كذاب] رغم الأدلة والبراهين التي واجههم بها.
وعندما استأذن فرعون ملأه في قتل موسى قال عن الأسباب الموجبة لذلك ((إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)).
يخشى فرعون أن يبدل موسى دينهم، وكان للأقباط دين، فهم وثنيون يؤمنون بتعدد الآلهة، والناس، كل الناس يمجدون دينهم ويقدسونه، وحبهم له فوق حبهم لأنفسهم وأموالهم، ولو كان هذا الدين باطلاً وخرافياً... ولو كان فرعون مصدراً أساسياً لهذا الدين، فإذا قال لهم: ((أنا ربكم الأعلى)) قالوا: سمعاً وطاعة، وإن قال لموسى: ((لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين)) [الشعراء/29]، قال قومه: أنت إلهنا ولا إله غيرك.. وهذا هو الدين الذي يخشى الطاغية أن يغيره موسى!!.
أما فساد الدنيا ((أو أن يظهر في الأرض الفساد)) فلابد أن يجتمع عليه قوم، ويصير ذلك سبباً لوقوع الخصومات وإثارة ا لفتن.
وفرعون من الخبث والمكر بحيث يعلم أن دعوة موسى - عليه السلام - شاملة لجميع أمور الناس في حياتهم الدنيوية وفي آخرتهم، واجتماع الناس على موسى يعني أموراً كثيرة:
منها: أن دور فرعون وطغيانه واستبداده سينتهي إلى غير رجعة.
ومنها: أن دينهم سينتهي دوره، ويعبد الناس الله الواحد القهار، ويقرون بوحدانيته، وعدم الإشراك به أحداً من خلقه.
ومنها: إلغاء قوانينهم ومراسيمهم ودستورهم... وماذا يبقى للأقباط إذا تغير دينهم وفرعونهم وتغيرت قوانينهم ومراسيمهم وطريقة حكمهم، وجاء هذا التغيير على يد رجل من بني إسرائيل الذين ينظرون إليهم نظرة احتقار، ولا يتمتعون بالحقوق التي يتمتع بها السادة الأقباط، وهم بالتالي ليسوا أكثر من خدم وعبيد؟!.
عرف فرعون كيف يستفز الأقباط ويجندهم ضد موسى والذين آمنوا معه، لا سيما وهو يعلم، كما يعلم غيره من الطغاة أن شعوبهم تألف التقليد والتمسك بعادات وتقاليد الآباء والأجداد، وتكره التجديد وتخشاه، كما أنها تكره الخصومات مهما كان سببها حتى لو كانت صراعاً بين الحق والباطل، ويجد كبراؤهم المسوغات والأعذار التي تبيح لهم التقاعس عن نصرة دعاة الحق والتجديد.(16/140)
وخلاصة القول: ما كنا نتصور أن يؤمن فرعون برسالة موسى - عليه السلام -، ويتخلى عن جبروته وطغيانه، ولو كان يعلم أن ما جاء به موسى هو الحق الصراح، وإذن لا بد من رد، وحملة إعلامية شعواء ضد الدعوة والداعية - عليه السلام -، وجاء الرد مختصراً: إن موسى ساحر كذاب يريد أن يغير دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد!!
هذا ما قاله فرعون عن موسى - عليه السلام -، فماذا يقول طغاة عصرنا عن: العلماء العاملين، والدعاة الصادقين، والجماعات الإسلامية العاملة من أجل نصرة الحق، والتمكين لدين الله في الأرض؟ لم يتردد الطغاة في وصفهم: بالكذب، والفساد، والإجرام، والتزمت، والطائفية.
ويتهمونهم بإثارة الفتن والأحقاد والشغب، وافتعال المعارك بين أبناء البلد الواحد، والسعي من أجل تفريق صف الأمة.
ويقولون أيضاً: يطالبون بإلغاء الدساتير والقوانين لتعم الفوضى، ويأكل القوي الضعيف، ويعودون بالناس إلى عصور الانحطاط والتخلف والجهل.
وآخر ما تفتقت عنه قرائحهم من الوصف والهجوم قولهم: جماعات الإسلام السياسي، التي تتستر بالإسلام من أجل الوصول إلى الحكم!!
وهناك اتهامات كثيرة:
منها: الارتباط والتعاون مع الإنكليز، وإسرائيل سابقاً، وأمريكا لاحقاً.
ومنها: الاتصال بجهات أجنبية، ويحرصون على التعميم في وصف هذه الجهات، ويَعِدُونَ المواطنين بأنهم سيقدمون الأدلة والبراهين التي تثبت إدانة جماعات الإسلام السياسي، وتمر السنون والشهور والأيام دون أن يقدموا ما وعدوا به، وهيهات لهم ذلك، والذي يحدث أن سادة الطواغيت من اليهود والنصارى والأمريكان والإنكليز يسربون أخبار اجتماعاتهم ومعاهداتهم إلى الصحف، وبعد الصحف يأتي دور نشر المذكرات التي تكشف حقيقة عداوة الطواغيت لشعوبهم، وعقيدة أمتهم، وتاريخ المجاهدين من آبائهم وأجدادهم، كما تكشف هذه المذكرات التي ينشرها سادة الطواغيت مدى ولائهم لأعداء الله.
ولا بأس من المضي قليلاً في مناقشة ما يقوله الفراعنة عن موسى وإخوانه أنبياء الله، ومن سار على دربهم من المصلحين والمجددين.
هل موسى - عليه السلام - سيظهر في الأرض الفساد - كما زعم فرعون الأمس -؟!، وهل العلماء والمصلحون اليوم من دعاة الفساد - كما يزعم فراعنة هذا العصر؟!.
عجباً لأمر الطغاة الفراعنة في القديم والحديث، ينامون على الفساد، ويتدثرون بالفساد، ويصبحون على الفساد، وكروشهم الممتلئة، وأوداجهم المنتفخة ما نبتت إلا من الفساد ولا غذيت إلا بالفساد، وأحكامهم وقوانينهم وحاشيتهم وبطانتهم كلها فساد بفساد... فكيف يتطاولون على خير خلق الله ويتهمونهم بالفساد؟!.
من فضل الله علينا أننا لم نخالط فراعنة هذا العصر، ولم ندخل قصورهم... لكن الذين دخلوها من نصارى الغرب ذكروا أموراً تجري داخل هذه القصور يندى لها الجبين خجلاً وعاراً، تحدث الغربيون في كتب منشورة عن مخازن الخمور، وعن المخدرات، والقينات، والفسق والفجور والعصيان، وعن الليالي الحمراء.
وكما قلنا سابقاً: من سوء حظ الطغاة أن سادتهم في ديار الغرب لا يكتمون لهم سراً، وخاصة عندما يزورون العواصم الغربية، ويهيمون على وجوههم كالوحوش بحثاً عن شهواتهم ومتعهم، وتنشر صورهم وهم في حالة لا يحسدون عليها، أو قد يحتفظون بها للتهديد عند الضرورة، وتبقى هذه الصور ورقة واحدة من أوراق كثيرة يملكها السادة ويستخدمونها عند الحاجة.
ولابد أن يكون الفاسد كذاباً، ففراعنة عصرنا يجري الكذب في عروقهم مجرى الدم من بني آدم، ولا يخجلون من تبديل المواقف، والانتقال من النقيض إلى ضده فجأة ومن غير مقدمات، وقد يلتقي عدد من المراجعين الذين يترددون على مكاتبهم، ويحظون بمقابلتهم بعد استدرار عطف البطانة وتقديم الرشوة لها، وكل مراجع يحدث زميله عن وعودهم الكاذبة وأيمانهم المغلظة التي يحنثون بها... أتدرون ماذا يريد المراجعون؟، يريدون الحصول على تعويضات مقابل عقاراتهم وأملاكهم التي اغتصبها أقرباء الفراعنة أو كبار الموظفين عندهم، وأكثر الذين انتزعت حقوقهم يحتسبونها عند الله، لأنهم يخشون على أنفسهم ومستقبل أبنائهم إذا تجرءوا على المطالبة بها.
ولم يعد سراً من الأسرار أن فراعنة اليوم وكبار المسؤولين في دولهم يتعاطون المخدرات ويتاجرون بها، ولهذا يستشري هذا الداء الفتاك بالأمم والشعوب، وتعلن الأجهزة الأمنية عجزها عن القضاء على هذه التجارة، لكنها لا تستطيع أن تقول الحقيقة كاملة.
الإسلام السياسي:
وهذه من أشد تهمهم ضد الإسلاميين، ويضطر بعض المنسوبين للدعوة الإسلامية، أو الدعاة الضعفاء إلى تبرئة أنفسهم من هذه التهمة، ويكثرون من القول: لا علاقة لنا بالسياسة أو لا نفهم بالسياسة وغير ذلك من الأقوال المؤسفة، وحتى لا نظلم هؤلاء الدعاة فهم لا يقصدون فيما يقولون: إن السياسة ليست من الإسلام، لئن مثل هذا القول لا يقوله إلا كافر زنديق، لكنهم - غفر الله لنا ولهم - يَضْعُفون أمام الحملات الإعلامية التي لا يقوى على التصدي لها إلا الرجال الأفذاذ من العلماء والدعاة.
وهذه ليست تهمة بل هي شرف للإسلاميين أن يعملوا ويجاهدوا من أجل تحكيم شريعة الله التي نحاها الطغاة، ووضعوا بدلاً منها شرائع الإنجليز والفرنسيين، وما تمليه عليهم أهواؤهم وشهواتهم.(16/141)
والمسلمون يتعبدون الله بتنصيب خليفة، وإعطائه البيعة، كما يتعبدون الله بالصلاة والصوم، ويتعبدون الله بإقامة الحدود الشرعية، كما يتعبدون الله بالزكاة والحج، ومن أصول عقيدتنا: موالاة المؤمنين والبراءة من المشركين، ومن يجهل أو يتجاهل هذه الحقائق - التي لا خلاف عليها بين المسلمين - نقيم عليه الحجج الدامغة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فإن أعرض عن هذا وذاك فهو مرتد كافر، ونكرر القول: من زعم أن لا علاقة لدين الإسلام بالسياسة فهو أيضاً كافر مرتد.
هذه واحدة، أما الثانية: فمن المؤتمن على تحكيم شريعة الله وإقامة الحدود، ونشر العدل بين الناس؟!
يستحيل أن يأتمن الإسلاميون المنافقين، والعلمانيين، والزنادقة والمرتدين على تحكيم شريعة الله، ومن هديه - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يسند ولاية ولا قيادة لمنافق، وتمسك الشيخان - رضي الله عنهما - بهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعده... وهذه المسألة لا يختلف فيها عالمان منصفان، إذ كيف يؤتمن من يعادي شريعة الله على تطبيقها، وكيف نطلب ممن يكفر بالله أو يعادي أولياءه أن يعلن الجهاد في سبيل الله.
وإذا كان الأمر كذلك - وهو كائن - فلابد أن يكون الحكم بيد العلماء والدعاة الذين نذروا أنفسهم وأموالهم لدعوة الحق، وأبلوا في هذا الميدان بلاء حسناً، وشهد لهم كل من يعرفهم من عباد الله الصالحين بالتقوى والصدق والأمانة... وهؤلاء الأبرار لا يطلبون الولاية، ويؤثرون إخوانهم على أنفسهم، ويقدمون الفاضل على المفضول، ولكن لا يؤثرون ولا يقدمون العلمانيين والمنافقين على أنفسهم وإخوانهم.
- لا أدري من أباح لأعداء الله من العلمانيين والمنافقين حق الحكم، والعمل من أجله إذا فقدوه وحرّم ذلك على العلماء والدعاة؟!.
- ولا أدري من أباح لهم تطبيق القوانين الأرضية الجائرة الظالمة، وحرّم على الجماعات الإسلامية العمل من أجل تطبيق شريعة الله؟!.
- ولا أدري من أباح لهم سفك الدماء، وهدم المدن والأحياء، بل وقتل كل من يقف في طريقهم ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم، وحرّم على الجماعات الإسلامية حق الجهاد في سبيل الله؟!.
- ولا أدري من أباح لهم الاستبداد والربا وموالاة أعداء الله، وحرّم علينا إنكار هذه المنكرات... لا تتحدثوا عن الشورى، ولا تتعرضوا في كتبكم وصحفكم وخطبكم للربا، ولا تحرجونا في هجومكم على اليهود والنصارى، وفي كل يوم يتحفون شعوبهم بأوامر تغضب وجه الله - تعالى -، ولا يجوز السكوت عنها وبيان مفاسدها؟!.
فلينتبه إلى هذه المزالق إخواننا الدعاة الذين يرددون فيما يكتبون ويخطبون:
- نحن لسنا دعاة حكم، ولا نبتاعه بفلس واحد.
- نحن مع الذين يحكمون شرع الله.
وهم - أي إخواننا الدعاة - ينشطون في تقديم العرائض لأعداء الله من أجل أن يحكموا شرع الله، ومنذ أكثر من نصف قرن وهم يقدمون هذه العرائض، ولا يزداد الذين تقدم لهم إلا حقداً على الدعاة وبطشاً بهم، وإخواننا هؤلاء يخلطون ما بين زهد علماء السلف في الحكم لأنه في عصورهم كان لشرع الله، وإن كان الحاكم يرتكب بعض المعاصي ولا يستطيع أن يجهر بها، فليس مثل هؤلاء كمثل العلمانيين والمنافقين الذين يحكمون شريعة الشيطان ولا يجوز الخلط بينهم.
---------------------
[1] - زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي، الجزء الخامس، ص: 92
[2] - تفسير ابن كثير، دار الكتب العلمية، بيروت، 3/109
[3] - المصدر السابق مع الاختصار، 3/109
[4] - التفسير الكبير، للرازي، وبمثل هذا قال الطبري وابن كثير.
http://www.alsunnah.org المصدر:
==============
ذروني أقتل موسى ( 2 )
محمد سرور زين العابدين
الوقفة الثانية:
عندما جاء موسى فرعون وهامان وقارون بالحق الذي أمره به الله جلَّ شأنه قالوا: ((اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم)) [غافر: 25]. وقال فرعون: ((ذروني أقتل موسى)) [غافر/26]. وجاء من يخبر موسى بمؤامرة يدبرها الملأ في الخفاء: ((قالوا يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك)) [القصص/20].
واتفق الملأ بعد اختلاف مع فرعونهم على وجوب قتل موسى: ((وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك؟ قال: سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم، وإنا فوقهم قاهرون)) [الأعراف/127].
فالقتل عند فرعون وملئه عقوبة يستحقها من يدعو إلى وحدانية الله - تعالى - وعدم الإشراك به أحد من خلقه، وكانوا لا محالة سينفذون تهديدهم ووعيدهم لولا أن أهلكهم الله باليم، وهذا هو رد الطغاة على كل نبي أو مصلح:
قال قوم إبراهيم: ((حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين)) [الأنبياء/68]. وقالوا: ((ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم)) [الصافات/97]. ((ونفذوا تهديدهم فألقوه في الجحيم الذي صنعوه، لولا أن أنقذه الله منه: ((فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون)) [العنكبوت/24].
وقال قوم نوح: ((لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين)) [الشعراء/116].
وقال أهل مدين لنبيهم شعيب: ((ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز)) [هود/91].
وقتل بنو إسرائيل عدداً من أنبياء الله، ومن الذين يأمرون بالقسط من الناس، قال - تعالى -: ((إن الذين يكفرون بآيات الله، ويقتلون النبيين بغير حق، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم)) [آل عمران/21].
وقال - تعالى - عن بني إسرائيل ((ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس، وباؤوا بغضب من الله، وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله، ويقتلون الأنبياء بغير حق، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)) [آل عمران/112].(16/142)
وقال أصحاب القرية للمرسلين: ((لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم)) [يس/18].
وتُحدِثُنا سورة البروج عن أصحاب الأخدود الذين كانوا يحفرون شقوقاً في الأرض، ويوقدون فيها النار، ثم يلقون المؤمنين من الرجال والنساء فيها، روى ابن جرير وغيره أن هؤلاء المجرمين كانوا من بني إسرائيل، قال - تعالى -: ((قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد)) [البروج/ 4-8].
وعندما استيقظ أصحاب الكهف من نومهم الطويل، وأرادوا أن يبعثوا أحدهم إلى المدينة ليبتاع لهم طعاماً، كانوا يخشون أن يفتنهم أهل المدينة فيعيدوهم إلى ملتهم أو يرجموهم، وهذا هو أسلوب الكفار مع المؤمنين - كما يفهمه أهل الكهف -، قال - تعالى -: ((إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم، ولن تفلحوا إذن أبداً)) [الكهف/20].
وبعد أن أسلمت الأنصار، اجتمعت قريش في دار الندوة، ليتشاوروا في أمر محمد - صلى الله عليه وسلم -، واتفقوا أخيراً على قتله، قال - تعالى -: ((وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)) [الأنفال/30].
وليس هناك أي أمل في تغيير موقف الطواغيت من أنبياء الله، ومن سار على نهجهم من المصلحين والعلماء في القديم والحديث، قال - تعالى -: ((ولا يزالون يقاتلوكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)) [البقرة/217]. إخبار من الله - جل وعلا - عن دوام عداوة الكفار للمسلمين، وأنهم لا ينفكون عنها حتى يردوهم عن دينهم [عن الكشاف]، ولا مجال للمصالحة والتقارب بين الطرفين، اللهم إلا إذا تنازل الدعاة والمصلحون عن أهم ما يدعون إليه، أو إذا تاب الطغاة وآمنوا بالمنهج الرباني الخالد... وهذا أو ذاك يعني حدوث تغيير أساسي في مسار المعركة.
ليس أمام الطغاة إلا أن يتخلصوا من الأنبياء والمصلحين، ولهذا فهم يرفعون شعار: اقتلوهم، حرقوهم، ارجموهم!!، أو يردوهم عن دينهم، وينتزعوا منهم أهم ما يؤمنون به ويدعون إليه، وقد ثبت فشل ما يسمونه اليوم سياسة الجسور المفتوحة، وبئست هذه الجسور التي تقوم على الرياء والمداهنة والتضليل.
إن الطغاة يحيطون أنفسهم بهالة من التعظيم والتقديس، ولا يسمحون لأحد من رعيتهم بنقدهم وبيان فساد أنظمتهم، وقد اعتادوا على بطانة فاسدة تزين لهم الباطل، ولا تعترض أو تستنكر أي فعل يفعلونه.
إنهم - الطغاة - عاجزون عن مقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل، ولا يفهمون منطق الوصول إلى الأصلح عن طريق الحوار، ويدركون جيداً أن حبل الكذب - مهما طال - قصير... ولهذا كله فإن قلوبهم تطير فزعاً وقلقاً من الأنبياء ومن اقتفى أثرهم من الدعاة والمصلحين، ويقفون منهم موقفاً حاسماً، ويحاولون وأد هذه الدعوات في مهدها: ((ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)).
ومن هنا نعلم:
- لماذا دبّر ملك مصر المخلوع - فاروق - جريمة اغتيال الشيخ: حسن البنا - رحمه الله -؟!. فاروق المسؤول الأول عن أمن المواطنين يخون واجبه، ويأمر قادة جهاز أمنه باغتيال مواطن أعزل لا يملك جيشاً ولا شرطة ولا مخابرات ورجال أمن.
- ولماذا أقدم جمال عبد الناصر على إعدام الشيخين: محمد فرغلي وعبد القادر عودة ومعهما نخبة من الدعاة بعد أن نسب إليهم مؤامرة صنعها رجال أمنه.. وبعد أحد عشر عاماً أو يزيد قليلاً أقدم الطاغية نفسه على إعدام سيد قطب ومعه مجموعة من إخوانه، ونكب العاملون إلى الله في مصر كلها على مختلف اتجاهاتهم وانتماءاتهم؟!.
- ولماذا تطالعنا أخبار الصحف ووكالات الأنباء يومياً عن إعدام مجموعة من الشباب الدعاة في أكثر من بلد عربي... كما تطالعنا المصادر نفسها عن أخبار مجموعات من الشباب يقتلهم رجال الجيش والشرطة في معارك يومية غير متكافئة في عدد من البلدان العربية؟!.
- ولماذا يمنع طاغية من الطغاة شيخاً فاضلاً من خطبة الجمعة، والشيخ أعمى، ومعروف أنه لا ينتسب إلى حزب أو جماعة، ولا يدعو إلى ثورة أو انقلاب، وجلَّ ما يقوله في خطبته: الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والطاغوت يريد شيوخاً يجعلون المنكر معروفاً.
ومن جهة أخرى: فقد تضاعف إقبال الناس على مسجد الشيخ لسماع خطبه، وانتشرت أشرطته انتشاراً واسعاً، وهذا بحد ذاته تجاوز للخط المرسوم لمثل هذا الشيخ، ولابد من إيقافه، وسجنه في بيته.
وفي السنوات الأخيرة تفشت ظاهرة منع الخطباء والوعاظ والمحاضرين الذين يصدعون بالحق في جميع البلدان والأمصار، وأقل الطواغيت شراً هم الذين يكتفون بمنع الداعية من تبليغ الدعوة دون سجنه أو إلصاق مؤامرة به، والحكم عليه بالإعدام.
وآخر الأوامر الصادرة عن هؤلاء الظالمين تقول: لا تخطبوا الجمعة، ولا تحاضروا، ولا تؤموا المصلين في المساجد، ولا تؤلفوا الكتب، وغير مسموح لكم بتسجيل الأشرطة، ولن نوافق على انتشار ما كان مسموحاً به... ولو شئنا صياغة هذا الأمر بشكل آخر لقلنا: "عطلوا عقلوكم، ولا يرضينا أن تفكروا، وإذا فعلتم مالا يرضينا؛ فلن نقبل انتشار أفكاركم بين الناس، وستكون عاقبتكم وخيمة إذا خالفتم هذه الأوامر".
وهذا بحد ذاته نوع من القتل أو الرجم حيث لا قيمة لعالم - رزقه الله مواهب كثيرة - يعيش في بيته، ولا يُسمح له بتبليغ ما أمره الله بالصدع به، ولو أن موسى - عليه السلام - قَبِلَ الجلوس في بيته، وسكت عما أمره الله بتبليغه، لتركه فرعون وشأنه، ولما حاول قتله.(16/143)
وأخيراً: من هنا نعلم لماذا ينفق الطواغيت عشرات المليارات من أموال الشعوب المسلمة على أجهزة إعلامهم الفاسدة المفسدة، ويسلمون زمام هذه الأجهزة لدعاة الخبث والفجور والعصيان من العلمانيين الذين يسخرون هذه الأوكار لنصرة الشيطان وزبانيته... ولا يسمح هؤلاء الطواغيت بصدور جريدة أو مجلة إسلامية تواجه هذا الفساد، وتبين للناس الطريق الحق والتصور الإسلامي الشامل لجميع جوانب الحياة والممات.
- ولماذا يسمح الطغاة بتأسيس الأحزاب الجاهلية الحائدة عن منهج الله، ولا يسمحون بقيام أحزاب وجماعات إسلامية، وأي عمل إسلامي إذا كان جماعياً ومنظماً يعتبره الطغاة مؤامرة ضد النظام والوطن والشعب، وما أكثر هذه المؤامرات المزعومة التي يعلنون عنها.
الوقفة الثالثة:
من أكثر استبداداً وطغياناً وجبروتاً: فرعون الأمس أم فراعنة اليوم؟!.
للإجابة على هذا السؤال لابد من المقارنة التالية:
1- دخل موسى على فرعون في مجلسه، فدعاه إلى الإيمان بالله وحده لا شريك له، كما دعاه إلى الإيمان بنبوة موسى - عليه السلام -، وأنه مرسل من رب العالمين... وهذه الدعوة تعني زوال حكم فرعون، وزوال طغيانه وجبروته واستبداده، مع ذلك فقد حاوره فرعون موسى أمام الملأ، وخرج رسول الله من مجلس الطاغية دون أن يسجن أو يقتل، بل دون أن يحاكمه على قتله لأحد الأقباط.
وتكررت اللقاءات والحوارات بين موسى وفرعون، وأتاح عدو الله لموسى فرصة ثمينة عندما جمع الناس يوم الزينة ليشهدوا ما حدث بين موسى وسحرة فرعون، وشهد فرعون بنفسه انتصار موسى وإيمان السحرة بنبوته... فمَنْ مِنْ فراعنة اليوم يسمح لخصمه - الذي يهدده بانتزاع الحكم منه - بالدخول عليه في مجلسه، ويحاوره أمام كبار مساعديه؟!.
ومَنْ مِنْ فراعنة اليوم يجمع رعيته ويتيح لخصمه أن يقول ما يريد؟!. لقد رأينا فيما مضى أنهم - أي فراعنة اليوم - لا يسمحون بتأسيس حزب أو جماعة إسلامية، ولا يعطون الدعاة ترخيصاً بإصدار جريدة أو مجلة... وحتى المساجد لا يسمحون للعلماء والدعاة الأحرار بإلقاء المحاضرات والخطب فيها.
2- كان فرعون الأمس يجمع الملأ، ويعرض عليهم مشكلات الدولة، ويصغي إلى أقوالهم التي قد تخالف رأيه وقوله، ولا يتردد في التراجع عن رأيه أمام رأيهم، فقد تراجع عن قراره القاضي بقتل موسى أمام معارضة مؤمن آل فرعون وغيره من الملأ.
وفي مشهد آخر نقرأ في كتاب الله أن فرعون لجأ إلى الملأ يستشيرهم في أمر موسى، فقالوا له: إنه ساحر عليم، فاجمع له السحرة، وليشهد الناس ما سوف يحدث بينه وبينهم، وعندئذٍ سيعلم الناس بأنه ساحر وليس نبياً مرسلاً، قال - تعالى -: ((قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم، يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون، قالوا: أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين، يأتوك بكل ساحر عليم)) [الأعراف/109-112].
فاستجاب فرعون لرأي الملأ، وعندما نصر الله موسى على فرعون وسحرته في مشهد يوم عظيم لم يعاقب عدو الله أحداً من الملأ، وإنما استمر يستشيرهم ويحترم رأيهم. فهل بين فراعنة اليوم من يستشير ملأه، ويتراجع عن رأيه أمام رأيهم؟!.
3- استمر هامان وقارون يؤديان الدور المطلوب منهما إلى أن أهلكهما الله، وكذلك استمر الملأ يحيطون بفرعون ويشاركونه في إصدار القرارات... كانوا جميعاً صفاً واحداً في السراء والضراء، فعندما قرروا قتل موسى والذين آمنوا معه لم يصدر فرعون أمره لجنده، ثم توارى في أحد مخابئ قصره، وإنما تقدم قواته ومعه الملأ، وعندما انشق البحر فكان كل فرق كالطود العظيم لم يتراجع حتى لا يتهم بالجبن والخور، وتبع موسى محاولاً اللحاق به، فأهلكه الله ومن معه.
فهل بين فراعنة اليوم من يقود جيشه في المعارك؟، وهل بينهم من يحافظ على أعوانه ومساعديه في الحكم فلا يبطش بهم لأتفه الأسباب، أو يبطشون به عندما تسنح الفرص، ويقتلونه شر قتلة؟!.
4- أما فراعنة اليوم، فكل منهم يجمِّع حوله أرقاماً من الإمعات، ويمنّ عليهم بما يشاء من المناصب: فهؤلاء أعضاء مجلس قيادة الثورة أو أعضاء الأسرة الحاكمة، وأولئك رئيس الوزراء وأعضاء وزارته، والثالث قائد الجيش... ثم تتوالى الأرقام، وليست أكثر من أرقام!!.
ووظيفة هؤلاء المسؤولين هز رؤوسهم بالموافقة على كل ما يقوله سيدهم، وقد يتراجع السيد فيقول رأياً مخالفاً لما قاله بنفس الجلسة، فيوافقون على الرأي الآخر، ولا يوجد بين هذه الدمى من يجرؤ على أن يقول للزعيم: قرارك خطأ، ثم يذكر ما يراه صحيحاً ويشرح أسباب مخالفته.(16/144)
حدث ذات مرة أن أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة في بلد عربي، قال رأياً يخالف رأي الزعيم، فسفه الأخير رأي العضو، وفوجئ الأعضاء برفيقهم يرد على الزعيم بقوة ويسرد الأدلة والبراهين التي تؤكد صحة قوله وبطلان قول الزعيم، ولم يتحمل الحاكم المستبد هذا التطاول الذي يخالف الأعراف المتبعة في نظام حكمه، فأوقف الاجتماع، ثم استدعى العضو إلى غرفة مجاورة لقاعة الاجتماعات، وأغلق بابها، ثم أخرج مسدسه وأطلق النار على رفيقه، فأرداه قتيلاً مضرجاً بدمائه... وعاد إلى الاجتماع وحده واستأنف مناقشة جدول الأعمال ببرودة أعصاب عجيبة، وكأن شيئاً لم يحدث، واستأنف الرفاق هز رؤوسهم، وهم في حالة من الخوف والهلع لا يحسدون عليها، ولم يستطع أحد منهم أن يسأل السيد الزعيم: أين رفيقنا؟، ولماذا لم يعد؟... إن مثل هذا السؤال يعتبره الزعيم جريمة لا تغتفر، فهم يعرفون كيف يواجه قائدهم المشكلات، وكيف يحاسب من يعترض عليه، وقد سمعوا صوت الرصاص، وما عليهم إلا أن يتعظوا بما حل برفيقهم، وما عليهم إلا هز رؤوسهم بالموافقة، وإن كان لابد من الحديث والتعقيب فليكن في الثناء على آراء القائد الملهم المعصوم، والتأكيد على أنه لا صلاح للأمة إلا إذا تمسكت بهذه الآراء وعضت عليها بنواجذها.
هكذا يفكر أحد فراعنة هذا العصر، وبهذه الطريقة يسوس أمور دولته، أما بقية زملائه الفراعنة: فمنهم من يتفق معه في الهدف، ويختلف معه في الطريقة، فالمعارض عندهم يموت موتاً بطيئاً في زنزانة لا تصلح كمأوى للكلاب، أو تدبر أجهزته الأمنية أمر اغتياله، ويمشي فرعون في طليعة المشيعين لجثمانه، ويذرف عليه دموع التماسيح.
وأقل هؤلاء الفراعنة استبداد وطغياناً وهمجية، هم الذين يكتفون بتنحية من اعتاد الاعتراض على قراراتهم، ويسمع المسكين قرار تنحيته من نشرة أخبار الإذاعة، وقد لا يكون المسؤول المعزول من المعترضين على قرارات فرعون، ولكنه منع أحد أقرباء الزعيم من اختلاس عقار أو مال فجاءته العقوبة العاجلة لأنه في شريعة فرعون عبد ذليل ولا يحق لمثله أن يتطاول على السادة... وبعد صدور قرار التنحية يدخل المسؤول عالم النسيان، فلا يستشار ولا يشارك بأي قرار، بل وتغلق الأبواب في وجهه.
ومن جهة أخرى لا يحافظ فراعنة اليوم على أعوانهم ومساعديهم، كما كان فرعون يحافظ على هامان وقارون وغيرهما من ملئه، ومن يستعرض سيرهم يجد العجب العجاب، فالقائد الثوري غدر برؤسائه الذين طالما أقسم الأيمان المغلظة على طاعتهم وامتثال أوامرهم، وكل من هؤلاء القادة الثوار يعتقد أن حكمه وزعامته لا تقوم إلا على أشلاء زملائه، أما تاريخ شيوخ القبائل الحاكمة فهو حافل بالأمثلة والشواهد على غدرهم وخيانتهم لأقرب الناس إليهم، فكم من أخ قتل أخاه، وابن فتك بأبيه، وشقيق تآمر مع بقية أشقائه من أجل تنحية أخيه والإطاحة به، وكم منهم استعان بأعداء الله ضد أبناء عمومته.
لا أدري بعد ذلك كله لماذا يغضب هؤلاء الظالمين إذا قيل أو كتب عنهم: أنتم مثل فرعون؟!. ففرعون كان مستبداً ظالماً جباراً، كما كان عدواً لدوداً لنبي الله والذين آمنوا معه، فمن تنطبق عليه هذه المواصفات من طغاة عصرنا سميناهم فراعنة ولا كرامة، ومن كان يخشى هذه التسمية، فليتجنب أعمال فرعون وأخلاقه.
الوقفة الرابعة:
عندما هدد فرعون موسى بالقتل، كان رد رسول الله على هذا التهديد: ((وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب)) [غافر/27].
عذت بربي: أي لذت واعتصمت به، والتجأت إليه، وتوكلت عليه.
من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب: أي متصف بالكبر لا يصدق بالبعث والجزاء.
وعياذ موسى بالله إنما هو في الحقيقة من فرعون، وإن كانت العبارة أعم من خصوص فرعون ((من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب))، وهكذا كان أنبياء الله ورسله يلتجئون إلى الله - جل وعلا -، ويعلمون أن الاعتماد عليه - سبحانه وتعالى- هو الطريق المؤكد المعتبر في دفع الشرور والآفات. قال - تعالى -: ((قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق...)). وقال: ((قل أعوذ برب الناس)) وقال: ((وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم)) [فصلت/36].
والاستعاذة من العبادات التي أمر الله - تعالى - بها وصرفها لغير الله شرك. قال - تعالى -: ((وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً)) [الجن/6].
قال ابن جرير الطبري: "كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي، فزادهم ذلك إثماً" [1]
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خاف قوماً قال: "اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم وندرأ بك من نحورهم".
ونبي الله موسى - عليه السلام - مدرك لفضل الله ومنته عليه:
- فالله - جل وعلا - هو الذين أنقذه من بطش فرعون يوم ولدته أمه، وهيأ له الأسباب ليتربى في قصر الطاغية المتأله وليكون عدواً له.
- وعندما قتل موسى القبطي قبل البعثة سخَّر له الرجل الذي أخبره بأن فرعون وملأه يتآمرون عليه ليقتلوه، وكتب الله له النجاة من القوم الظالمين.
- وعندما استعاذ بالله، والتجأ إليه يسر له الرجل الصالح الذي آواه وأطعمه، وزوجه إحدى ابنتيه.
- وعندما تغلب عليه طبيعته البشرية، فيخشى من فرعون وجبروته وبطشه يتذكر وعد الله له ولأخيه هارون - عليهما السلام -: ((لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى))، فتسري الطمأنينة في نفسه، ويعلم أن العاقبة للمتقين، وأن ((كيد الكافرين في ضلال)).(16/145)
إن قوى الأرض - مهما عظمت - المعادية لله ولرسوله وللمؤمنين تافهة وتافهة جداً في نظر ومقاييس العصبة المؤمنة التي تتوكل على على الله، وتتذلل له، وتستعيذ به، ولا تغفل عن الأخذ بأسباب النصر والتمكين.
فمن كان يدري أن الاتحاد السوفييتي ودول المعسكر الاشتراكي سوف يصيبها ما أصابها من ضعف وانهيار في السنوات القليلة الماضية... ومن يدري أن الولايات المتحدة الأمريكية سائرة في هذا الطريق؟!، وإذا كان هذا هو مصير السادة، فكيف يكون مصر العبيد الأقزام؟! فما أحوج العلماء والدعاة - وهم قادة الأمة المسلمة - إلى إدراك أهمية الاستعاذة بالله لا سيما وهم الذين يعلمون الناس ويقولون لهم: "الاستعاذة بالله عبادة، ومن صرفها لغيره فقد جعله شريكاً لله في عبادته، ونازع الرب في إلهيته"...
---------------------
[1] - انظر فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد، ص 62.
http://www.alsunnah.org المصدر:
=============
هناك مشكلة
سعيد بن صالح الغامدي
لا يكفي أن تهدم مسجد الضرار، بل الواجب أيضا أن تبني مسجدا على التقوى...
لذلك لا يمكن أن تنهض الأمة و تستقيم الحال و ينتصر الإسلام بمجرد أن نعزل أعداءنا و نحصّن صفوفنا من دسّهم و مكرهم و أفكارهم الخبيثة.
لا بد إذن أن يصاحب هدم ما يبنيه الأعداء بناء صروح للخير.
أقول هذا للذين يظنون أن راصد ليس غير موقع للرد على المبطلين و هدم صروحهم فوق رؤوسهم... و لا شك أن أصحاب الوعي و الكياسة يدركون أن مشروع الخير في هذا العالم أكبر بكثير من الرد.
الرد مطلوب، و دحر أصحاب المشاريع التضليلية مطلوب، و مطلوب كذلك البناء و إعطاء البديل.
لا يكفي أن نحطّم المشروع الليبرالي و أن نحدّ من تأثيره و انتشاره في المجتمع، لذلك لا بد من خطوة أخرى، من مشروع بديل يأخذ المبادرة.
الحياة تأبى الفراغ، و ما لا يملأه الماء من الكأس يبقى للهواء، و ما لا تنتشر عليه الشمس من الأرض يكون للظل، و هكذا، لذلك فأي منبر أو ميدان يقصر في ملئه أصحاب الحق، سيستحوذ عليه أصحاب الباطل، و هذا يمتد في انكماش ذاك.
هل يجب علينا طرد جيوش العدو من قلعة ما، ثم ترك تلك القلعة للريح و الفراغ؟!
إن الإسلام بحاجة إلى ورشة عمل لا تهدأ بليل و لا بنهار، فيها على كل ثغر و اختصاص مرابطون، لا يكلون و لا يملون، كل منهم يحرص على أن لا يتسلل الأعداء للإسلام من جهته.
الإسلام بحاجة إلى أصحاب تخصص لا إلى هواة.
الإسلام بحاجة إلى متفرغين لا إلى من يجود بفضول وقت و جهد.
الإسلام بحاجة إلى مؤسسات متخصصة تنتشر على مساحة اهتمام الناس و مطلب الشرع، في كل المجالات، العلمية و الإعلامية و الحقوقية و الاقتصادية و غيرها.
هل سينتصر الإسلام حين يكون مجهود المسلمين كله منصبا على تحطيم الأوثان و أوكار الجاهلية و الضلال بالرد عليهم و بيان ضلالهم و تحذير الناس منهم؟
الإسلام دين شامل لا يحتاج من اعتنقه إلى غيره معه، دين يجيب على جميع تساؤلات البشر، و يقنن حياتهم في كل صغيرة و كبيرة، مهما كان مجالها.
لا يوجد في الإسلام مساحة ليست من اختصاصه، لأنه صبغة لحياة البشر بكل ما فيها من الجوانب و المتطلبات.
لهذا نؤكد دائما على أن راصد لا يمكن أن يكون موقعا لا يهمه من واجبات المشروع الإسلامي إلا الرد على كتاب بدؤوا هم أنفسهم يفقدون حماسهم لأفكارهم تلك بعد الصفعات التي تلقوها في الواقع.
لا بأس إذن أن نقول: لقد ضعف مشروع الأعداء في المنطقة، فهل نلدغ من الجحر نفسه مرة أخرى و نترك مجالات حياة أمتنا للفراغ؟ أم أن الواجب هو أن نكون مع أمتنا أينما التفتت؟
و ما دمنا ننأى بأنفسنا عن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة المصيرية فستبقى المشكلة موجودة...
إننا نكسر حصون الأعداء، لكن من يمكن أن يبني بدلها حصونا للخير و للأمة؟
فهل من مجيب على هذا السؤال؟
17-05-2004
http://www.rassid.com المصدر:
===============
عراقيل في الطريق
د. عائض القرني
عند هؤلاء الشباب صور ضياع، ونسأل الله أن يرحمنا وإياهم، وأن يتوب علينا وعليهم، وأن يردنا وإياهم ردًّاً جميلاً، ونسأله - سبحانه - أن يسترنا، وأن يحفظنا، وأن يهدينا، وأن يتولاّنا.
1. فمن صور الضياع عند هؤلاء الشباب: الاستهزاء بالعلماء وبالدعاة، والسخرية منهم، وأكل لحومهم، وربما جعلوها فاكهة لمجالسهم، وهذه خطيئة كبيرة لا بد أن ينتبه لها شباب الإسلام، " قل أباللهِ وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ". (التوبة: الآية 65).
لا يمكن أي أمة أن يرتفع شأنها وهي لا تحترم علماءها ودعاتها.
قال - تعالى -: " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم ". (آل عمران: الآية 18). وقال - تعالى -: " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ". (المجادلة: الآية 11). وقال أيضاً: " هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما ". (الزمر: الآية 9). وقال - تعالى -: " إنما يخشى الله من عباده العلماء ". (فاطر: الآية 28).
2. ومن تلك الصور أيضاً: هجرُ المساجد، وحِلَقِ العلم والدروس والمحاضرات، فشاب لا يصليّ، ولا يحضر حِلَق العلم والدروس والمحاضرات كيف يهتدي؟
وطرق الهداية عندنا هي: المسجد، والعالم، والداعية، المنبر، والكتاب، والمصحف، والشريط، والذكر والدعاء.
وتجدهم تعمر بهم المقاهي، وأماكن اللَّهو، واللغو، والأرصفة، والجلسات الخلوية على الضياع، ويجلسون المجالس أوقاتاً طويلة، لا يذكرون الله، ولا يصلون على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل كلام فُحش، أو غيبة، أو نميمة، أو تهتك في أغراض المسلمين.(16/146)
هؤلاء إذا استمروا على ما هم عليه، فإنهم يشكِّلون على المجتمع والأمة خطراً عظيماً، فهم يحفظون الأغاني الماجنة المائعة، والقصائد الساقطة الفاحشة، وعندهم أشرطة فاسدة، وأفلام هائلة الدمار.
3. أيضاً: عندهم إسراف في ممارسة الألعاب الرياضية ومتابعة أخبارها ودوراتها، حتى تصبح شغلهم الشاغل وهمهم الأول، قال الله - تعالى -: " أفرأيت مَنِ اتخذ إلهه هواه وأضلّه الله على علمٍ وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوةً فمَن يهديه مِن بعد الله ". (الجاثية: الآية 23).
4. وأيضاً: يرتدون الملابس القصيرة، التي لا تجوز الصلاة فيها، وهي نصف الفخذ، فلا يجوز النظر إليهم، ولا يجوز اللعب معهم، لأن عورة المسلم من السُرّة إلى الركبة.
5. وأيضاً: يطيلون الشعور إطالةً فوق الحد، تقليداً لمن يُسمّون بالنجوم من الكفرة، فيقلّدونهم في قصّات الشعر وفي التسريحات، وعندهم صور لهم يحتفظون بها ويحبونهم، ويعشقونهم، ويتولونهم، وهذا جرح في العقيدة، وفي معالم التوحيد. وهؤلاء نجدهم مع إطالتهم لشعورهم، يحلقون لحاهم، ويحتجون بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يطيل شعره، " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ". (البقرة: الآية 85).
6. وأيضاً: نجد بعضهم يطيل أظفاره، وبعضهم يطيل ظفراً واحداً، وفي هذه خطورة ما بعدها خطورة، لأنهم يمثلون مسارات خاصة من المعصية والخلاعة والدمار في الخلق.
ومنها: تعليق السلاسل في الرقاب، وربط الخيوط في المعاصم، وهي موضة خاصة، يفعلها جيل من الشباب وطائفة، نسأل الله أن يتوب علينا وعليهم.
7. وأيضاً: عندهم إهمال الرياضة الحقيقة، رياضة محمد - صلى الله عليه وسلم - ورياضة أصحابه التي هي: السِّباحة، والرماية، وركوب الخيل، ويأتون بالرياضة الأخرى التي تورث الذلة، والانهيار عند الأمة، أما رياضة محمد - صلى الله عليه وسلم - التي هي: القوة، والمناعة، والحصانة، والرجولة، فيهملونها تماماً، ولا يفعلونها.
8. وأيضاً: عندهم إطلاق الصَّيحات، والصّرخات، بالسّبِّ، والشتم والألفاظ النابية، ويجعلها بعضهم تحية عند لقاء صاحبه، وقد سمعتها بأذني، وكثير منكم يسمع هذا، إذا لقيه لعنه أول ما يراه.
ويشتمه شتماً لو وجَّهته لبعض الناس لقاتلك، ويتلقّاها ذاك برحابة صدر! فهذه خطورة ودليل على أنه لا يتصور شيئاً من الرسالة التي أتى بها محمد - صلى الله عليه وسلم - في الأدب، وفي الخلق.
فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يتابع الألفاظ حتى في أقل ما يمكن أن يجرح ويقول مثلاً: " لا يقل أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي "، (1) لأن الخبث لا يُذكر في مثل هذا، فكيف اللعنة؟ وكيف الشتم؟ وكيف القذف؟ وكيف بأمور تشيب لها الرؤوس يقولونها ويزاولونها؟
9. وهناك الهوس التشجيعي حتى يكون ديدنه ليلاً نهاراً يشجع، ويموت، ويتفانى، ويدافع عن ناديه فرداً فرداً، ويأتي بالمحاسن إلى هذا النادي، ويشيع فضائل وانتصارات هذا النادي، كأنه أعاد لنا القدس، وأفغانستان، والأندلس المفقود، وعمُّورية.
فعندهم تقليدٌ للغرب في كل ما يتصل بالرياضة: في الملابس، والتمرينات، والجوائز، والدروع، والكؤوس، والميداليات، حذو القذَّة بالقذَّة.
10. من القضايا التي نعيشها: عزوفُ الشباب والشابات عن الزواج، خاصة خرِّيجي الجامعات، ورفض الزواج بحجة إكمال الدراسة، حتى أصبح إكمال الدراسة عندنا طاغوتاً كأنه يُعبد من دون الله، (لا بد أن يُكمل الدراسة)، ومَن يمنع أنك تتزوج، وتكمل الدراسة؟
وللمرأة أن تتزوج في هذا السنِّ، لأن هذا سن الفتوة، وسن إعمار الحياة، " أفمنْ أسَّس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خيرٌ أم مَنْ أَسّس بُنيانه على شفا جُرفٍ هارٍ فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القومَ الظالمين ". (التوبة: الآية 109).
بعضهم يقول: الزواج متاعب في الحياة، يعني: أنه يتطلب مصاريف وتكلفة للحياة، والعجيب: أن السلف الصالح كادوا أن يجمعوا على أن من كان فقيراً فعليه أن يتزوج، لقوله - تعالى -: " إن يكونوا فقراء يُغنهم الله من فضله ". (النور: الآية 32).
قال عمر: " من كان فقيراً فعليه بالزواج "، كانوا يرون أن الزواج فاتحة خير، وهذا مجرَّب، وبالاستقراء.
طبيبة بلغت الثلاثين من عمرها ولم تتزوّج، والأخرى بلغت الأربعين، والأخرى تتكلم وهي في الخمسين تقول: خذوا مني كل شيء وامنحوني زوجاً، ألمانية تقول: ليتني رابعة عند المسلمين لرجل مسلم، وتمدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه دعا إلى التعدد.
يقول شوقي:
شعوبك في شرق البلاد وغربها *** كأصحاب كهف في عميق سُبات
بأيمانهم نوران ذكر وسنة *** فما بالهم في حالك الظلمات
11. وأيضاً: عندهم متابعة ما يسمّى بأخبار الموضة، وملاحقة أخبار الأزياء، والحرص على شراء واقتناء مجلاتها الباهظة السعر.
يقول هاري فورد اليهودي: " وإن اليهود من أجل تحقيق غاياتهم قد سيطروا على ثلاثة أمور: منها الأزياء ".
12. ومنها: التأثر بالدعايات، والإعلانات التي طغت على إعلامنا، ووسائله الإعلامية بشكل لا يصدّق، حتى أصبح الشباب والشابات والشيوخ العجائز يصدِّقون الدعايات الإعلامية، أكثر من تصديقهم لبعضهم البعض، وقد أشارت بعض الدراسات: أن الفتاة أكبر تأثراً بالدعاية، وأسرع تجاوباً معها.
13. ومن نقاط الضعف عند الفتيات: إرتداء محلاّت الكوّافير، ودور التجميل التي انتشرت هنا وهناك، فدورٌ هنا للتزيّن، وهناك للقص، وهناك للتسريح، وهناك للدّلك، كلها تعمل وتوزّع، رأينا نشراتها ومعنا منها الكثير.(16/147)
وهذا عبث بمسار الأمة، وخطورة على الشابات، وقد طاوعها الكثيرات منهن، وقد عبثت هذه الدور بشعور المسلمات، ولطَّختها بالأصباغ، وأفسدتها بالمقصات.
والعرب تقول: ليس التكحل في العين كالكُحل، وقال المتنبّي:
حُسن الحضارة ممزوج بتطرية *** وفي البداوة حسن غير مجلوب
فالحُسن الذي لم تتدخل فيه الأيادي العابثة، هو: الحسن المطلوب، وهو المقرر، ولذلك لعن - صلى الله عليه وسلم - النامصات، ولعن الواشمات والواشرات والمتفلِّجات ". (2) لأن تجميل الخلاق أحسن، وأكمل من تجميل الحلاّق! " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ". (التِّين: الآية 4)، فله الحمد وله الشكر.
14. أيضاً: من هذه الظواهر عند هؤلاء: التدخين الذي يكون أوله: دلع، وآخره: ولع، أو ندم، فقد نجح الشيطان في جعل أبناء المسلمين يستبدلون السواك بالسيجارة.
وقد جاء في إحدى الدراسات أن المدخّن إذا كان يستغرق ست دقائق في شرب سيجارة، فإنه يهدر من وقته ست ساعات يومياً، أي: ربع اليوم، ومئة وثمانين ساعة شهرياً، وألفين ومئة وتسعين ساعةً سنوياً، أي: ما يعادل واحداً وتسعين يوماً من السنة الواحدة، وذلك في ما يهدر من صحّته، ومن دينه، ومن مستقبله.
15. أيضاً: من نقاط الضعف عند هؤلاء والمخالفات: السفر إلى الخارج بكثرة، لحاجة أو غير حاجة، منهم من يسافر، لا لدعوة، ولا لطالب علم يُستفاد من تلك البلاد ينفع المسلمين، ولا علاج، وإنما فقط للضياع، فبعضهم يجعل هذا مَدعاة للتفاخر في المجالس، وبعضهم يكدِّس أمواله للعطلات، ليذهب هناك في بلاد، يعلم الله - عز وجل - ماذا يفعل، " يعلم خائنةَ الأعين وما تُخفي الصدور ". (غافر: الآية 19).
هذا هو ما يفعلونه، مع ما يحدث لهم من المشكلات هناك، وما يعاني أهل هؤلاء من مشقة من غيابهم، وترك بيوتهم، وترك أعمالهم، ومنْ ترك دراستهم، ومن ضياع أموالهم، ورصيدهم الذي ينفعهم في الحياة، والآخرة يذهبون به في المعصية، والعياذ بالله.
16. أيضاً: من المشكلات عند بعضهم: إدمان المخدِّرات، وهذا الوباء الذي فتك بالأمة الإسلامية، هو أخطر عليها من البندقية، والدبابة، والصاروخ، والقنبلة، وقد استعملها المستعمر في الصين عندما عجز في حروبه، فقالوا: إن اليابانيين استعملوا سلاح الأفيون ضد الجيش الصيني حتى هُزم.
ويذكرون: أنه عندما التفت داحس والغبراء في معركة، ما غابت نجومها في ليلة من الليالي، أتت قبيلة داحس إلى القبيلة الأخرى بعطر.
ثم قالوا للعطارة واسمها (منشم): إذا اشتبكت المعركة اذهبي إلى أولئك، ووزعي بينهم العطور، فوزعت بينهم العطور، فلما شمُّوا العطور ماتت أعصابهم وارتخت، وتذكروا بالعطور أشياء أخرى فانهزموا، فتولوهم أولئك بالسيوف.
يقول زهير بن أبي سلمى يمدح هرم بن سنان وقيس بن زهير:
تداركتما عبساً وذبيانَ بعدما *** تفانوا ودقوا بينهم عطر (منشم)
فكيف تنتصر أمة شبابها غرقى في المخدِّرات؟ وفي السجون حبسوا من أجل حبوب لاهية عابثة، أرسلها الكافر إليهم في بلادهم، هؤلاء أحفاد عمر، وخالد، وصلاح الدين تحولوا إلى هذا؟ ولكننا نرجو أن يعودوا، وأن يعرفوا مستقبلهم، وما ذلك على الله بعزيز.
وأنا أطلب منكم مسألة، وهي: أن تدعوا لهؤلاء، وأن تهدوا لهم الأشرطة، أسمعه الشريط، أسمعه الدرس، أسمعه المحاضرة، أسمعه الموعظة، تحدَّث إليه، ناقشه، حاوره، كن جريئاً، ادخل معه مباشرة، استضفه، زره في بيته.
أما أن نبقى في عزلة بيننا وبينهم، فهذا ليس بصحيح، وكلّما تذكرناهم، قلنا: الله المستعان، ضاع شباب الأمة!
نحن الذين فرّطنا في شباب الأمة، نحن المسؤولون عن الشباب، فلنتق الله فيهم، إن من عباد الله من يُقاد إلى الجنة بالسلاسل، اذهب إلى هنالك، وقدهم بالسلاسل إلى جنة عرضها السموات والأرض.
17. أيضاً: مما ورد عند هؤلاء: مشاهدة المسلسلات التلفزيونية، ومتابعة الأفلام السينمائية عن طريق أجهزة الفيديو، والتي نعلم أنها تخالف تعاليم ديننا، وهدي رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وعاداتنا، وتقاليدنا، لأنها تعتمد على الحب، والغرام، والجريمة، والقتل، والسرقة، والرشوة، والاختلاط، وخروج المرأة، فتخرج في صور، وتخرج في دعاية، حتى يخرج الواحد منهم، والعياذ بالله، سارقاً، أو زانياً، أو شارب خمر.
حتى فيلم الكرتون أنتجته شركة يهودية إيطالية فأصبحت تربي الأطفال على مسألتين:
1. مسألة حب المال والجنس.
2. ضياع الأوقات وصرفها فيما لا فائدة فيه. ولم يعلموا أن:
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها *** فالذكر للإنسان عمر ثانِ
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري (6179)، ومسلم (2250) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(2) أخرجه البخاري، (5949)، ومسلم (2125) من حديث ابن مسعود، رضي الله عنه.
المراجع د. عائض القرني، للشباب خاصة، ص 44-51
29/4/2004
http://www.tarbawi.com المصدر:
===============
طلب الشهادة فلم ينلها إلا بالصدقة والقيام
قصة الرجل القرآني محمود المدني...
• من مواليد نابلس في 4/4/76 واستشهد يوم 19/2/2001.
•هو الذكر الثاني في أشقائه وهم أحمد ومحمود ونور وله خمس شقيقات أربعة منهن متزوجات.
•تعود جذور العائلة للمدينة المنورة في الديار الحجازية المقدسة حيث قدم جده لوالده منها واستقر في نابلس وتزوج وأنجب فيها وكان منهم والد الشهيد وهو متوفى منذ 24/9/1999م.
•معروف لدى الجميع بحبه العظيم لكتاب الله - تعالى - الذي لا يفارقه ويحفظ نحو ثلث القرآن وبذلك يعرف بالرجل القرآني.(16/148)
•يقرأ القرآن باستمرار وبصوت مرتفع ويسمعه الإنسان عن بعد 2000 متراً وهو يقرأه بصوت مرتفع وكان يردد آيات القرآن والأذكار وعبارة التوحيد لا اله إلا الله محمد رسول الله أثناء نقله للمستشفى وأثناء إسعافه في مستشفى رفيديا وهو ما بهر الأطباء والممرضين وشهود العيان.
•صلى صلاته الأخيرة إماماً في المسجد وهو ما يدلل على حب الناس له.
•يقول أشقاؤه إن ما يجمعه من ماله الخاص يتصدق به على شقين الأول شهري لشقيقاته والآخر لإخوانه من أبناء الحركة الإسلامية والمحتاجين ممن يعرفهم ويثقون به.
•دفع لأحد إخوانه مبلغ 200 شيكل ليلة استشهاده من جيبه الخاص لأنه رآه متضايقاً وشعر بحاجته للمال.
•كان يحافظ على أداء الصلوات الخمس في المسجد وكان يتلذذ بأداء صلاة الفجر.
•استاء من أحد زملائه لأنه أكل مؤخراً معه طعامًا في الشارع وقال له ' لا أريد أن أراك على هذا الشكل فمن يأكل في الشارع لا تقبل له شهادة '.
•كان يحب قيام الليل بشكل كبير ويتأخر في رمضان لإكمال جزء القرآن مع نحو 20 من المصلين بعد أداء الصلاة مع المصلين والإمام الراتب.
•كان عنوانًا للصدقات وأموال المحسنين ليوزعها على المستحقين بما يرضي الله - سبحانه وتعالى- وكان يرعى متضرري الانتفاضة ويوزع المساعدات عليهم.
•اضطر لتأجيل دراسته الجامعية في كلية الشريعة بعد وفاة والده لإعالة العائلة والقيام بواجباتها ولم يتزوج.
•تتهمه سلطات الاحتلال بالوقوف خلف عمليات التفجير البطولية في الخضيرة ونتانيا وأنه كان يعد للتخطيط لغيرها.
•أثناء قيادته لسيارته قبل إطلاق النار عليه بساعة ونصف ردد أحد زملائه 'أخي جاوز الظالمون المدى' فقال محمود معقباً: [الآن حق الجهاد وحق الفدا].
•كان يعشق الشهادة ويدعو أن ينالها باستمرار ويطلب من الناس أن يدعوا له بها.
•زار أحد إخوانه من أبناء حماس قبل استشهاده بيوم وقال له: 'طولت' أي تأخرت فلما سأله ما هي قال محمود: ' الشهادة'.
•قال الأطباء لعائلته: إنه كان يتمتم بقراءة القرآن أثناء إسعافه.
•بكاه كل المصلين في المسجد وخاصة من كبار السن الذين تعلقوا به بشكل لافت للنظر.
تعليق: [من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر...] لطالما اشتقنا إلى رجال تنطبق عليهم هذه الآية الكريمة، حتى يسر الله - عز وجل - لنا في السنوات الأخيرة من المجاهدين رجالا أعادوا إلى أذهاننا ذكرى عصور انقضت كانت العزة فيها قرينة الإسلام والمسلمين، ونحسب أن من هؤلاء هذا الشاب البطل الذي جمع من أسباب الخير الكثير، ما يجعله قدوة لكل مسلم يعمل من أجل نصرة هذا الدين وإعلاء رايته، ونعتقد يقينا أن احتواء العمل الإسلامي علي نماذج كافية من هذا المجاهد القرآني لهو من أسباب النصر الأساسية علي أعدائنا...
إننا لا نحتاج إلى دعاة هوائيين تنتفخ أذهانهم وتتقلص أعمالهم، وإنما نحتاج إلى دعاة عاملين تتلاقح في دعوتهم الأفكار والأعمال لتثمر نصرا مؤزرًا...
http://links.islammemo.cc المصدر:
============
إلى طالب علم خامد !
إلى طالب علم خامد!
قم أيها المارد!
استيقظ من رقدتك، وانتبه من غفلتك، فما عاد يُحتمل منك طول الرقاد!
أيُنقص الدين من أطرافه وأنت تنام قرير العين، هانىء النفس، مرتاح الضمير؟!
أترضى بالدنيَّة في دينك وبك رمق من عيش، أو بين جوانحك عرقٌ ينبض بالحياة؟!
لك الله! كم علاك ران الغفلة حتى ما عاد يرهقك الوجع!
أما أيقظتك صيحة النملة في أهلها: [يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم]؟!
أما أحرجتك غَيرة الهدهد على جناب التوحيد، وهو ينادي بالوعيد: [ألَّلا يسجدوا لله..]؟!
أما أحيت قلبك لهفة الميِّت على قومه بقوله: [يا ليت قومي يعلمون]؟!
أم أخافتك حمحمات الباطل، فقعدت تلملم أطرافك من شدَّة الفزع؟!
كيف تنام ملء عينيك وعواء الذئاب من حولك؟
لقد علا صوت الباطل، وظهرت خفايا الرزايا، وقام قائم البدعة لينعق بما كان يتوارى به بين الزوايا، وأطلَّ الشرك برأسه البغيض، وأطبقت الفتن على القلوب، وأنت تغط في سبات عميق، فمتى تُفيق؟!
أراك ركنت للراحة والدَّعة، واشتغلت بالعرض الفاني، وانغمست في فضول المساكن والملابس والمراكب والمطاعم والمشارب، فقل لي: متى تشبع؟
أو لعلَّك انكفأت على نفسك تجمع من المسائل العلمية فروع الفروع، والكثير من الناس أضاعوا أصول الأصول، فيا لك من جموع منوع!
أما آن لما في قرطاسك المكنون أن تراه العيون؟!
انفض عنك غبار الكسل، واطرد عن جفنك خدر الوسن، فميدان الدعوة إلى الله - تعالى - يناديك ـ أحوج ما يكون إليك ـ فجد بما لديك ـ جُعلت فداك! قبل أن يصل داعي الضلالة إليك، فيدركك الهلاك.
17-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
=============
إلى كل داعية : توقفي الآن ..!
إلى أختي الحبيبة التي مدت يدها لتهز سرائر الغفلة، لتصحو الضمائر، فتنطلق إلى جادة الدين القيم.. من سارت في طريق الدعوة إلى الخير.
لا شك أنك في نعمة عظيمة، إذ اصطفاك الله على كثير من خلقه بنعمة الهداية، فحافظي على هذه النعمة واحرصي على أن لا تشوبها شائبة فتفقدي والدعوة الكثير من الفرص.
وحتى تكوني صادقة موثوقة، مقربة محبوبة، وذات تأثير إيجابي عميق قفي معي هذه الوقفات:
الوقفة الأولى:
كم هي كثيرة المحاضرات التي نثني الركب فيها، ولكن قلة منها فقط هي التي ترسخ العقيدة، فنخرج منها بزيادة إيمان ويقين.
هناك قاعدة مهمة في الدعوة: اهتمي بالدعوة إلى الأهم فالمهم، بمعنى أن عليك الاهتمام بتقويم ما يمس العقيدة أولاً، ثم الفرائض، ثم السنن، وهكذا..(16/149)
قد تكون من أمامك وتدعينها إلى إتقان الحجاب أو قيام الليل، ذات قلب ٍ مليء بالوساوس العقدية، فحاولي في أي دعوة أن ترسخي العقيدة الصحيحة في نفوس من أمامك، لا أن تعرضي الأفكار والأحكام مجردة، لأنها إذا صلحت ستصلح باقي الأعمال تلقائياً أما إذا كانت هشة ركيكة فلن يصلح أي عمل حتى وإن كان ظاهره كذلك..
الوقفة الثانية:
لا تعتمدي الترهيب دون الترغيب، فهذا يؤدي إلى خلل في العقيدة..!
إن الذين يتعمدون الترهيب والتهويل والصراخ والبكاء في دعوتهم، يخلون بالعقيدة الصحيحة التي تجمع بين الخوف والرجاء..
الخوف الذي يحول بين صاحبه وارتكاب المعاصي لا الخوف الذي نهايته اليأس والقنوط، والرجاء لثواب الله على العمل الصالح ومغفرة الذنوب لا الرجاء للرحمة بلا عمل الذي يؤدي إلى الغرور والتمني..
فهما كجناحي طائر إذا استويا استوى الطير وإذا نقص أحدهما كان في حد الموت.
الوقفة الثالثة:
من أمامك بشر لهم مشاعر وعقول، ومن الخطأ أن ترتكزين على جانب وتهملين الجانب الآخر، فلا بد من التوازن حتى تؤتي دعوتك أكلها..
إن الخطأ القاتل الذي تقترفه بعض الداعيات هو إهمال مشاعر من أمامهما..!
إن ديننا هو دين الرحمة وحبيبنا ما بعث إلا رحمة للعالمين، وهو قدوتنا، فخذي جميل صفاته وكريم أخلاقه مثلاً وتطبيقاً..
تصفحي سيرته، وتعلمي منها، ستجدين الرحمة والشفقة، والعطف والرأفة حتى مع خصومه وأعداءه، فدعيك ِ من أولئك الذين يصورون العصاة بأبشع الصور، دونما إشفاق عليهم، فهذا يتناقض مع مبدأ الدعوة القائم على إنقاذ الآخرين رحمة بهم.. ولا تكوني سبباً في تنفير الناس من الدين.
الوقفة الرابعة:
لا شك أن القصة ذات تأثير لا يحققه لون آخر من ألوان الأداء، وهي كما قيل: " جند من جنود الله " ولكن:
حينما تكون القصة خيالية، لا يتقبلها العقل، أو مبالغ فيها، أو لا يعرف لها أصل أو مصدر، توقفي عن سردها وتناقلها..
من المؤسف حقاً أن نصدق هذه القصص وننقلها بمنتهى السذاجة بحجة أنها مؤثرة، ولا يمكن لأحد أن يكذب في أمور كهذه..!
لقد وصل الأمر ببعض الزهاد أن يضعوا أحاديث على لسان الرسول من باب الترغيب والترهيب، فلا تستبعدي مبدأ المبالغة في القصص من هذا الباب..
تذكري حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع "، فلا داعي أن تتحدثي بكل ما تسمعين، بل حاسبي على كلمة تخرج من فيك ِ، وفي القرآن الكريم، و السيرة النبوية الصحيحة وكتب الثقات ما يغنيك..
الوقفة الخامسة:
لا تهملي شكلك ِ وأناقتك، بحجة الزهد والتواضع!!
إن اهتمامك بأناقتك، لا يتنافى مع روح ما تدعين إليه، فلا تعارض في ديننا بين هذا وهذا، فديننا دعا أيضاً إلى تحسين الهيئة؟
إن اهتمامك بشكلك الخارجي طريق لقبول دعوتك، وإذا كان المقصد الدعوة وهو شريف وسامي فإن الوسيلة تلحق به منزلة..
أنت ِ تحت المجهر، وهناك من يستقي دعوتك من خلال ما يشاهده منك ِ قبل ما يسمعه، ومظهرك أول ما يواجه الأخريات..!
لا تهمليه بالكلية فينقص من عملك، ولا تعمليه بالكلية فيطغى على عملك، فخير الأمور الوسط.
أدعو الله لك ِ التوفيق والسؤدد، وأن يجعلك ِ هادية مهدية.
http://saaid.net المصدر:
===============
التماس البركة في الوقت
صالح عبد الهذلول
كثير من أهل الخير والصلاح وخاصة من تكون الدعوة إلى الله هي شغلهم ومعظم اهتمامهم يشكون من قلة الوقت وسرعة مروره دونما نتائج تستحق كل ذلك، بل إن بعضهم يتحسر أحياناً بسبب فوات كثير من الفرص وترك كثير من الأعمال بسبب ضيق الوقت.
ولكن مما ينبغي معرفته في هذا الشأن وملاحظته أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما رغب في قيام الليل مثلاً وصلاة الوتر أو قراءة القرآن، لم يكن جاهلاً بمشاغل الداعية أو أنه قال ذلك الكلام من فراغ، بل إنه - صلى الله عليه وسلم - كبير الدعاة إلى الله ومع ذلك رغب فيما رغب فيه، هذه ناحية، وأخرى أن جهد البشر قاصر وطاقتهم محدودة، فلهذا لابد من التزود من مثل هذه المحاطِّ التي ذكرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعملها، وإلا فالمخالفة والضعف، وربما غيرها كذلك.
ثم إنه لا يستبعد أن قلة البركة في الوقت والتي يشكو منها الدعاة ناتجة عن الارتجالية في توزيعه، لا تلمس هدى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، نعم قد يمر على الداعية وقت ينشغل فيه عن قراءة القرآن أو صلاة الوتر أو يعجز عن قيام الليل أو... بسبب انهماك في أعمال الدعوة لكن هذا لا يكون دائماً، وإنما هي حالات تطرأ، كما ورد عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها كانت تؤخر قضاء أيام من رمضان حتى يأتي عليها شعبان لانشغالها بأعمال الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولكن ذلك أحياناً وليس غالباً.
ومرة ثانية أقول: إن توزيع الوقت لنا - نحن المسلمين - يجب أن يكون أصيلاً مستلهماً من شريعتنا ومتبعاً فيه هدى الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وسأذكر مثالاً على التخبط عندنا في توزيع الوقت: وهو ترك صلاة الوتر وعدم قيام الليل وإن من أسباب ذلك وأقواها النوم متأخراً، وهذا لا شك خلاف هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا ما استثني من ذلك - فتجد كثيراً من أهل الصلاح لا ينام إلا متأخراً، وربما منعه شغل يسير أو تشاغل حتى منتصف الليل أو بعده حتى لا يقال نام مبكراً أو يعرف عنه التبكير بالنوم! !
صحيح أن الداعية يجب أن يبذل نفسه ووقته في سبيل الله ولكن يراعي في ذلك تلمس السنة ويراعي في ذلك أيضاً تفاضل الأعمال، ثم إذا جاءه عارض وشغله عن التبكير أحياناً، فلا ينبغي أن يعتاد ذلك.(16/150)
ثم لنعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عوتب في موقفه من عبد الله أم مكتوم -رضي الله عنه- حينما جاءه ليعلمه الرسول مما علمه الله، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - مشغولاً مع صناديد قريش يطمع في إسلامهم، فعاتبه الله في ذلك عندما ردَّ وعبس في وجه ابن أم مكتوم، فلنتذكر مثل هذا الموقف عندما يجيء أحد ليسمع منك أيها الداعية كلام الله أو يشكو إليك أمراً في دينه فتمنعه أو تغلق الباب دونه بحجة النوم مبكراً.
هذا والله أسأل أن يمن علي وعلى إخواني المسلمين بالهدى والسداد وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله أجمعين.
http://www.deen.ws المصدر:
=============
هل سبق الإسلام إلى أمريكا ؟
عمرو محمد
ـ المسلمون استوطنوا أمريكا الشمالية قبل قيام الولايات المتحدة.
ـ النشأة الحديثة بدأت بهجراتٍ إفريقيةٍ وشرق أوسطية.
في بلاد كثيرة من العالم أقليات مسلمة تتباين نسبتها إلى مجموع السكان في الدول التي تعيش فيها، كما يتباين موقعها بين فئات المجتمع الأخرى في تلك الدول، ونصيبها من الثروة والنفوذ، وما يتاح لها من حرية العقيدة، وحرية العبادة وفرص التعليم والعمل، وإمكانات المحافظة على تراثها وهويتها الثقافية، وما قد تتعرض له من اضطهاد أو ضغوط سياسية.
وفي دراستها حول نشأة الأقليات المسلمة في أمريكا الشمالية وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية تدور دراسة منظمة إذاعات الدول الإسلامية.. تلقي الضوء على هذه الأقليات واستخلاص النتائج التي يمكن أن تستعين بها الدول والمنظمات الإسلامية في تحديد توجهاتها إزاء هذه الأقليات، وإزاء الدول والمجتمعات التي تعيش فيها سياسيًّا واقتصاديًا وثقافيًا وإعلاميًا، والواقع أن المداخل إلى دراسة موضوع الأقليات المسلمة في أمريكا الشمالية تتباين، وفقًا للهدف من الدراسة التي تتبعت تاريخ الإسلام في أمريكا الشمالية من البذور الأولى، وخلال القرن العشرين، وخاصة الأعوام الأخيرة التي تشهد نموًّا بعيد المدى، وانتشارًا واسعًا، وزيادة في وضوح الملامح للأقليات بتشكيل هويّة إسلامية أمريكية تعمل على إثبات ذاتها، واحتلال مكانها في ساحة واسعة تضم هويّاتٍ متعددةً في قارة بأكملها، معظم سكانها من الذين هاجروا إليها بدوافع مختلفة عبر البحار والمحيطات في موجات مختلفة؛ بعضها اختياري، وبعضها الآخر إجباري، خلال ما يقرب من خمسة قرون.
ومن مجموع السمات والبصمات التي تركتها هذه الموجات مع مقدمها من حيث أتت، وبعد مقامها في هذه الأرض، ومن خلال التجارب التي خاضتها حاولت الدراسة أن تبرز صورة الأمريكي المسلم كما هي الآن منتميا إلى ثلاثة كيانات رئيسية: الأقلية المسلمة في أمريكا مهما تعددت كياناتُها الجزئية محلية كانت أو عرقية أو مذهبية، والمجتمع الأمريكي سواءً في الولايات المتحدة أو كندا مع تعدد فئاته، والمجموعات التي ينقسم إليها سياسيًّا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا.
واتبعت الدراسة منهجًا اعتمد على المداخل السابقة مجتمعة، نظرًا للوضع الفريد الذي يميز الأقليّات تاريخيًّا واجتماعيًا، خاصة وأنها لا تشبه الأقليّة المسلمة في الهند أو الصين أو الفلبين أو فرنسا أو غيرها من الدول التي توجد بها أقليّة مسلمة، نظرًا لأن الولايات المتحدة كانت وما تزال دار هجرة ينتقل إليها المسلمون من مختلف بلاد العالم ليعيشوا فيها ويتخذوها وطنًا جديدًا.
وعلى الرغم من أوجه التماثل بين الأقليّة المسلمة في كندا والأقلية المسلمة في الولايات المتحدة، ونظرًا لأن كندا تعتبر امتدادًا اقتصاديًّا وثقافيًا للولايات المتحدة؛ فإن بينهما أوجهَ تباينٍ كثيرة؛ مرجعها إلى الظروف التاريخيّة التي أحاطت بانتشار الإسلام في كلٍّ منهما، وللتركيب البشري في كل من الأقلّيّتين.
لذلك أفردت الدراسة قسمًا خاصًّا لكل منهما في معالجتها لأوضاع المسلمين في أمريكا الشمالية؛ مبتدئةً بالأقلية المسلمة في أمريكا غيرَ متجاهلةٍ ما بينهما من سماتٍ مشتركة، وما هو قائم بينهما من اتصالٍ وتعاون مما يساعد كثيرًا في تنسيق التوجّه الإعلاميّ والثقافي، وخاصةً عن طريق الراديو والتليفزيون، والإعلام المتعدد الوسائل في خدمة الإسلام والمسلمين في أمريكا الشمالية بأكملها.
المسلمون الأوائل:
وتذكر الدراسة أنه يصعب باليقين العلميّ تحديد تاريخ معين لبداية الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة، أو في أمريكا الشمالية إلاّ أن القرائن تشير إلى أن مقدم المسلمين الأوائل سابقٌ على قيام الولايات المتحدة والمستعمرات التي تكوّنت منها هذه الولايات؛ فقد اعتمد المستكشفون الأوائل في إبحارهم إلى شواطئ أمريكا على خبرة ملاحين كان منهم عددٌ من المسلمين.
وقد سبقت ذلك رحلات أخرى في عهودٍ أقدم من حركة الاستكشاف الأوروبية، وتشير وثائق صينية يرجع تاريخها إلى أواخر القرن الثاني عشر الميلادي إلى رحلةٍ قام بها ملاحون مسلمون إلى هذه الشواطئ التي كانت مجهولة للعالم القديم حتى ذلك الحين وهناك رحلات أخرى من الشرق الأقصى ومن إفريقيا في أوائل القرن الرابع عشر، وهناك من يشير إلى أن مستكشفين مسلمين من مالي دخلوا أمريكا الشمالية من خليج المكسيك واتجهوا شمالاً عن طريق نهر المسيسبّي، وهناك أيضًا مسلمون جاءوا إلى أمريكا من المغرب حوالي منتصف القرن السادس عشر، وعبروا القارة من شرقها إلى غربها بعد وصولهم إلى فلوريدا في الجنوب الشرقي.(16/151)
على أن وجود المسلمين في أمريكا بأعداد كبيرة بدأ فعلاً مع وصول أفواج متلاحقة من العبيد الإفريقيين الذين اختطفهم تجار الرقيق الأوروبيون ليبيعوهم في سوق النخاسة الأمريكية وتمتد جذور التواجد الإسلامي في أمريكا إلى ما قبل القرن العشرين، أو التاسع عشر، أو الثامن عشر قبل أن يأتي أسلاف المسلمين السود من إفريقيا إلى الشواطئ الأمريكية أسرى في سفن العبيد، ويفرض على معظمهم النصرانية قهرًا، وهم في أسر العبودية؛ فمنذ منتصف القرن السادس عشر إلى أن تمّ تحريم تجارة الرقيق رسميًّا بقرار الكونغرس الأمريكي في أوائل القرن التاسع عشر اقتلع تجار الرقيق ملايين من جذورهم في غرب أفريقيا، ونقلوهم إلى المكسيك وكوبا وجنوب أمريكا.
ويقدر المؤرخون عدد المسلمين من هؤلاء بأكثر من 30% فيما يرجع وثائق تاريخها إلى عام 1717 وتشير إلى وصول عبيد يتكلمون اللغة العربية ولا يأكلون الخنزير ويؤمنون بالله ورسوله محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ورغم التنصير الإجباري الذي استمرّ سائدًا أكثر من قرنين فقد بدأت أسماء عددٍ من المسلمين تظهر من جديدٍ في السجلات الرسميّة للسود مع كل خطوةٍ في تنفيذ تحرير العبيد.
وتشير الدراسات الحديثة التي أجريت حول هذا الموضوع إلى أسماء مثل يارو ماموت (محمود) الذي اعتنق في عام 1807 في واشنطن العاصمة ثم أصبح من أوائل المساهمين في بنك كولومبيا، ويقال إنه عاش حتى بلغ عمره 128عامًا إضافةً إلى الحاج عمر بن سيد الذي أسر بعد فراره من السجن تشارلستون عام 1809، ومثل الأمير عبد الرحمن إبراهيم بن صوري، وكان من قبل أحد أمراء غرب إفريقيا ثم صار عبدًا في إحدى مزارع جورجيا، وصدر قرارٌ بإعتاقه، وكان يعرف باسم"أمير العبيد".
وبعد الحرب الأهلية واستقرار الأوضاع قرب نهاية القرن التاسع عشر بدأت روافد أخرى في تكوين الأقليات المسلمة تمثلت في اعتناق بعض المنصرين للإسلام ودعوتهم إليه، وكذلك عدد من الأمريكيين الأفارقة، ويُعزَى إلى أحدهم قوله إن تفضيل الإفريقيين للإسلام يرجع إلى أن القرآن يحمي الرجل الأسود من المهانة.
الحركات الحديثة:
ومع مطلع القرن العشرين بدأت جماعات إسلامية صغيرة تتكون بين الأمريكيين السود، وكان من أهمها حركة نوبل درو علي الذي أنشأ في مدينة نيوجرسي معبد العلم المراكشي الأمريكي عام 1913، ويقال إن سلطان المغرب كلفه آنذاك بنشر تعاليم الإسلام بين زنوج الولايات المتحدة، ولا تزال هذه الحركة ماضيّة في نشر الدعوة الإسلاميّة بين السود إلى الوقت الحاضر.
كما شهد العام 1926 قيام الجمعية الإسلامية العالمية التي أسسها دوس محمد علي الذي يعتبر أستاذًا تثقف على يديه ماركوس جارفي زعيم الحركة التحريريّة التي عرفت باسمه وكان شعار الجمعية "إله واحد"، "هدف واحد"، "مصير واحد".
وفي أوائل الثلاثينيات بدأت حركة "أمة الإسلام" التي تعتبر مرحلة تاريخية في انتشار الإسلام بين الجماهير السوداء في الولايات المتحدة، وتعتمد فلسفة هذه الحركة التي لم تكن صورتها الأولى ولا تزال موضع ارتياح وقبول من الأمة الإسلامية على أفكار والاس فارضي المعروف باسم فارضي محمد؛ الذي اختفى بطريقة غامضة في العام 1933 تاركا عقيدتها وبرنامجًا شاملا للوصول بها إلى أعدادٍ كبيرة من السود إلى أن بدأت من داخلها حركةٌ تصحيحية قادها واحدٌ من أهم دعاتها، وهو الحاج مالك شباز المعروف باسم مالكوم.
وإلى جانب أمة الإسلام ظهرت حركات إسلامية أخرى بين الأمريكيين الإفريقيين من بينها جمعية الإرسالية الإسلامية التي أسسها الشيخ داود أحمد فيصل من نيويورك العام 1939 وأصدرت مجلةً بعنوان "الشروق الإسلامي" وانبثقت منها حركة "دار الإسلام" التي ظلت نشطة حتى أواسط الثمانينات.
كذلك نشطت حركة "الأحناف" في أواخر الستينات بعد أن أسسها في نيويورك حماس عبد الخالص ثم نقل قيادتها إلى العاصمة، وتعرض لحوادث مأساوية نتيجة لبعض الصراعات التي اغتيل أثناءها عدد من أفراد أسرته ثم أودت به إلى السجن حيث يمضي مدة عقوبة طويلة.
التقريب بين الحركات:
وعلى الرغم من وجود 17 فئة أو جماعة لكل منها قيادتها بين الجماهير السوداء التي اعتنقت الإسلام فإن غالبيتها تتبع النهج الإسلامي المتعارف عليه بين غالبية مسلمي العالم، وتتخذ من كتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أساسًا لعقيدتها وسلوكها الديني، كما أن الجهود لا تنقطع من أجل التقريب بين الحركات الإسلامية وتوحيد صفوفها، وهناك الكثيرون ممن يتبعون القيادة الروحية لواحدٍ من أبناء اليجا محمد هو"وريث الدين محمد" الذي قاد مؤيديه بعيدًا عن الأفكار العنصرية إلى السماحة الإسلامية يؤيدون جهوده من أجل تضييق شقة الخلاف.
وقد أدت جهود التقريب بين الجماعات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى نتائج ملموسة ظهرت آثارها في مواقف التضامن عندما يتعرض الإسلام أو المسلمون لمحاولات التشهير المغرضة، كتلك الأخيرة التي استتبعت أحداث 11 سبتمبر دون أن يكون هناك تضامن باختلاف الأداء، وهناك من يتساءلون عن نسبة المسلمين بين جموع السود الأمريكيين.. حوالي 6% ومدى تأثرهم بمظاهر التقارب أو التباعد فيما بين جماعات السود، وبينهم وبين الجماعات الأخرى فضلاً عن التساؤل حول هجرة المسلمين من الشرق الأوسط إلى أمريكا، والتي كانت أولى موجاتها من سوريا في العام 1875 وكانت تضم آنذاك سوريا ولبنان والأردن وفلسطين.(16/152)
وكان معظم هؤلاء المهاجرين من العمال والفلاحين الذين اجتذبتهم قصص النجاح الذي حققه في المهجر مواطنوهم المسيحيون المهاجرون من لبنان، وأصبح عددٌ منهم باعةً متجولين، بينما وجد آخرون أعمالا في المصانع والمناجم واشتغل البعض بالتجارة وحقق الكثيرون منهم قدرًا من النجاح والثروة.
وكان منهم إلى جانب العرب من البلاد التابعة للدولة العثمانية أتراكٌ وأكراد وألبانيون؛ لكن هذه الموجة الأولى توقفت بنشوب الحرب العظمى عام 1914 ليتبعه إخوانهم في ولاية كونتكت في عام 1919 بمسجد ورابطة إسلامية.
ثم تلت ذلك موجة ثانية في الثلاثينيات وتوقفت بدورها عندما نشبت الحرب العالمية الثانية عام 1939 ثم بدأت الموجة الثالثة العام 1947 واستمرت حتى منتصف الستينات في ظل ظروف مختلفة وقوانين أكثر تيسيرًا للهجرة، وأقل تحيزًا ضد المسلمين وطبعي أن يكون عددٌ كبير من مهاجري هذه الفترة من المصريين والفلسطينيين والعراقيين ممن هاجروا بسبب الظروف السياسية في بلادهم، وهاجر أيضًا مسلمون من شرق أوروبا هربًا من الحكم الشيوعي فيما كان يعرف باسم يوغسلافيا، وما كان يعرف باسم الاتحاد السوفييتي وألبانيا.
ونتيجة للتغيّرات الجوهرية في قوانين الهجرة الأمريكية جعلت احتياجات سوق العمل من أمريكا، وقدرة المهاجرين على تلبية حاجة السوق إلى أنواع معينة من العمالة والتخصصات عاملاً حاسمًا في السماح لهم بالهجرة، وبهذا تميزت الموجة الرابعة والتي بدأت في العام 1967 بمستوى تعليمي أعلى وإجادة للغة الإنجليزية، وتنوع التخصصات والخبرات والمهارات.
كما أن الدول التي أتى منها مهاجرو هذه الموجة شملت بلادًا أخرى كثيرة غير بلدان الشرق الأوسط، وتميز هؤلاء المهاجرون المسلمون أيضًا بأنهم لم يأتوا إلى أمريكا لجمع مدخرات أو اكتناز ثروة يعودون بها إلى أوطانهم، ولكن ليستقروا ويندمجوا في الحياة الأمريكية، وفي الوقت نفسه أتاح لهم هذا الاستقرار النسبي الفرصة لتكوين تنظميات ومجتمعات ومؤسسات إسلامية تضمهم جميعًا أو تضم فئات منهم وفقًا للبلاد التي أتوا منها أو الولايات والمناطق التي يقيمون بها، أو تضم معهم في بعض الأحيان مسلمين أمريكيين بالمولد معظمهم من السود، وبعضهم أحيانًا من البيض، وكانت الرابطة الأساسية بينهم على تعدد ثقافاتهم وانتماءاتهم الوطنية هي رابطة الإسلام كما أن الملتقى لهم وحتى اليوم هو المسجد أو المركز الثقافي الإسلامي أو المدرسة الإسلامية التي تعمل طوال الأسبوع بنظام اليوم الكامل.
22/3/1425
11/05/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
============
إنهم أناس يتطهرون !
د. محمد عمر دولة
ما قرأ الواحدُ منّا قصةَ لُوطِ - عليه السلام - وقولَ الفاسقين من قومِه: (أخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَريَتِكم إنهم أُناسٌ يتطهَّرون)(1) إلا تَحَيَّرَ، وما تأمَّلَ عِلَّةَ هذا الطردِ والإخراجِ بأنهم (أُناسٌ يتطهَّرُون)؛ إلا انقلب إليه البصرُ خاسئاً وهو حَسِير! "يا عجباً؛ أوَ من يتطهرُ يُخرَج من القريةِ إخراجاً؛ ليبقى فيها المُلَوَّثُون المُدَنَّسون؟! ولكنْ لماذا العجب؟ وماذا تصنع الجاهلية الحديثة؟ أليست تطاردُ الذين يتطهرون؛ فلا ينغمسون في الوحلِ الذي تنغمس فيه مُجتمعاتُ الجاهلية؛ وتُسمِّيه تقدميةً وتحطيماً للأغلال ـ عن المرأة وغيرِ المرأة ـ أليست تُطاردُهم في أرزاقِهم وأنفسِهم وأموالِهم وأفكارِهم وتصوُّراتِهم كذلك؛ ولا تُطيق أن تراهم يتطهَّرون؛ لأنها لا تتسعُ ولا تُرحِّبُ إلا بالملوَّثِين الدَّنِسين القذِرين! إنه منطقُ الجاهليةِ في كلِّ حين"! (2)
فليس سببُ هذا الطردِ والإخراجِ والاضطهادِ؛ أنهم أنجاسٌ في أفكارِهم أو عقائدِهم أو أخلاقِهم أو تعامُلِهم! ولكنْ لأنهم (قومٌ يتطهَّرُون)! قال القرطبي: "قال قتادة: عابوهم واللهِ بغيرِ عيبٍ؛ بأنهم يتطهَّرون من أعمالِ السوء". (3) وقال ابن عاشور: "لكن القوم لما تمردوا على الفسوق؛ كانوا يَعُدُّون الكمالَ مُنافِراً لطباعِهم؛ فلا يُطِيقُون مُعاشرةَ أهلِ الكمال، ويذمُّون ما لهم من الكمالات... وهذا من قلبِ الحقائق لأجل مشايعةِ العوائد الذميمة". (4)
أيُّ انقلابٍ في المعاييرِ؟ وأي ردةٍ في المقاييس يمكن أن يرتكسَ فيها الإنسان إذا جرَتْ به الأهواءُ فصار من الأشقياء؟! كما قال صاحبُ الظلال في تفسير قولِ الله - تعالى -: (وإذا قيل لهم لا تُفسِدوا في الأرضِ قالوا إنما نحن مُصلحون ألا إنهم هم المفسِدُون ولكنْ لا يشعرون) (5): "الذين يُفسِدون أشنعَ الفساد، ويقولون: إنهم مُصلِحون كثيرون جدّاً في كل زمانٍ؛ يقولونها لأنَّ الموازينَ مُختَلَّةٌ في أيدِيهم! ومتى اختلَّ ميزانُ الإخلاصِ والتجرُّدِ في النفسِ اختلَّتْ سائرُ الموازينِ والقيم؛ والذين لا يُخلِصُون سَريرتَهم لله يَتعذَّرُ أن يَشعُروا بفسادِ أعمالِهم؛ لأنَّ ميزانَ الخيرِ والشرِّ والصلاحِ والفسادِ في نفوسِهم يتأرجحُ مع الأهواء الذاتية ولا يثُوب إلى قاعدةٍ ربّانية". (6)
ومَن يُشاهِد اليومَ هذه الحربَ الظالمة التي يَشُنُّها الصَّلِيبيُّون واليهودُ الأشقياء على الأنقياء الأتقياء من المسلمين؛ فيحتلون ديارَهم وينتهكون مُقدساتهم ويُظهِرون في الأرضِ الفسادِ؛ ثم يقولون: إنما نُحارب (الإرهاب)، ويرى الأشرارَ المجرمين في تحالفِهم مع الصليبيين والصهاينة الحاقدين على الإسلام وهم يُصنِّفون حلفاءَهم في معسكرِ الخيرِ وأعداءَهم من الأحرارِ في معسكرِ الشر؛ يتذكَّر قولَ الظالمين: (إنهم أناسٌ يتطهَّرون)!(16/153)
ومن المحزنِ أنَّ كثيراً من المسلمين في زماننا ما زالوا يهتمُّون بانقلابٍ في دولةٍ من دُولِ (مُلوكِ الطوائفِ) يُودِي بطائفةٍ ويأتي بأُخرى؛ كلما دخلتْ أمةٌ لعنتْ أُختَها! ولكنْ قَلَّما ينتبهون إلى أخطرِ انقلابٍ على الإطلاق: ألا وهو انقلابُ المعاييرِ؛ الذي يؤدِّي إلى الانحرافِ عن الثوابتِ. فهذه الحربُ التي تتعمد تحريفَ المعاييرِ وإعطاءَ الأسماءِ مُسمَّياتٍ جديدةً مُزوَّرةً؛ تهدف إلى تغييرِ المفاهيم الإسلامية وزلزلةِ الأسُسِ الفكريّة، وهَزِّ الثوابت الدينية؛ حتى لا تترك ثابتاً من الثوابتِ يثوبُ الناسُ إليه ولا ضابطاً من الضوابط تحتكم الأمة إليه!
إنها معركة المفاهيم بين الحقِّ والباطل.. منذ فجرِ التاريخ؛ ألم يقل قومُ نوح وهم في غيِّهم سادِرُون لنبيِّهم - عليه السلام - الذي جاء لإنقاذِهم من الضلال: (إنا لنراك في ضلالٍ مبين)! (7) ألم تقل عادٌ لهودٍ - عليه السلام -: (إنا لنراك في سفاهةٍ وإنا لَنَظُنُّك مِن الكاذبين)! (8) ألم يقل الملأُ المفسِدون في الأرضِ من قومِ فرعون عليهم لعائنُ الله: (أتذرُ موسى وقومَه ليُفسِدُوا في الأرضِ ويذَرَ وآلهتَك)؟! (9) فـ"هكذا تنقلب الموازينُ، وتبطل الضوابط، ويحكم الهوى؛ ما دام أنَّ الميزان ليس هو ميزانَ اللهِ الذي لا ينحرف ولا يميل... وماذا تقول الجاهلية اليومَ عن المهتدين بهدى الله؟ إنها تُسمِّيهم الضالِّين... وماذا تقول الجاهلية اليومَ للفتاةِ التي لا تكشف عن لحمِها؟ وماذا تقول للفتى الذي يستقذر اللحمَ الرخيص؟ إنها تُسمِّي ترفُّعَهما هذا ونظافتَهما وتطهُّرَهما رَجْعِيةً وتخلُّفاً وجموداً"! (10)
ألمْ يقلْ فرعونُ إمامُ المفسدين وهو يسعى إلى القضاءِ على نبي الله موسى - عليه السلام -؛ فيتهمه بتهمة هي أقرب ما تكون إلى (تهمة الإرهاب) في زماننا؛ باعتبارِها إظهاراً للفسادِ في الأرض، (وقال فرعونُ ذروني أقتلْ موسى وليدعُ ربَّه إني أخاف أن يُبدِّلَ دينَكم أو أن يُظهرَ في الأرضِ الفساد)! (11)
سبحان الله.. المقالة واحدة، والتهمة واحدة، والحكم واحدٌ.. فقد صارتْ شعارًا لكلِّ الظالمين، كلما خلت منهم أمةٌ خلفتْ أخرى: (أخرِجُوهم من قريِتكم إنهم أُناسٌ يتطهَّرون)! (12) وسُنَّةُ الله تمضي عليهم جميعا: (كذلك ما أتى الذين من قبلِهم من رسولٍ إلا قالوا ساحرٌ أو مجنونٌ أتواصوا به بل هم قومٌ طاغون)! (13)
فهذه الحرب الفكرية التي تستهدف ثوابتَنا الدينية ومبادئنا الشرعية لا يمكن أن نَصُدَّها بالسلاحِ وحدَه، ولكن بالوعيِ بطبيعةِ هذه الحرب على الإسلام، والتمسكِ بالمفاهيم الشرعية؛ وأن لا ندع أعداءَ الإسلام يَسْتَخِفُّون بنا؛ "وما كان فرعونُ بقادرٍ على أن يَستخِفَّ قومَه فيُطيعوه؛ لو لم يكونوا فاسِقين عن دينِ الله؛ فالمؤمن بالله لا يستخفه الطاغوتُ ولا يُمكن أن يُطيعَ له أمراً وهو يعلم أنَّ هذا الأمرَ ليس من شرعِ الله"! (14)
إنَّ أعظمَ ما يُثبِّتنا في هذه الحرب الضارية ويُنجينا في الآخرة هو استمساكُنا بدينِنا وثوابتِنا، وتمييزُنا بين الحقِّ والباطلِ؛ ورحم اللهُ أسماءَ ذاتَ النطاقين فقد سألها عدوُّ الله الحجاج بن يوسف بعد أن قتلَ ولدَها عبدَ الله بن الزبير: (ما ترينني فعلتُ بعدوِّ الله؟) فأجابتْه - رضي الله عنها - بقولِ كلِّ مؤمنٍ ثابتٍ يعلم طبيعةَ المعركة ومآلَها في النهاية: (رأيتُك قد أفسدتَ عليه دنياه؛ وأفسدَ عليك آخرتَك)! (15)
وإن أشدَّ ما يتهدَّدنا في الدَّارَيْن هو انحرافُنا عن هذه الثوابتِ والمبادىء؛ فلْنحذَرْ عاقبةَ المنحرفين من أهلِ القرى في شعابِ التاريخ الطويل، الذين قال الله - تعالى - فيهم: (وما وَجَدْنا لأكثرِهم مِن عهدٍ وإنْ وَجَدْنا أكثرَهم لَفاسِقين) (16)؛ فـ"هذه ثمرةُ التقلُّبِ ونقضِ العهدِ واتباعِ الهوى؛ ومن لم يُمسِكْ نفسَه على عهدِه مع الله مستقيماً على طريقتِه مُسترشِداً بهداه؛ فلا بد أن تتفرَّقَ به السُّبُلُ، ولا بد أن ينحرفَ، ولا بد أن يفسق؛ وكذلك كان أهلُ تلك القرى؛ وكذلك انتهى بهم المطاف"(17).
-----
1) النمل 56.
2) في ظلال القرآن 8/1316.
3) الجامع لأحكام القرآن 13/219.
4) التحرير والتنوير 8/235.
5) البقرة 12.
6) في ظلال القرآن 1/44.
7) الأعراف 60.
8) الأعراف 66.
9) الأعراف 127.
10) في ظلال القرآن 8/1309.
11) غافر 26.
12) الأعراف 82.
13) الذاريات 52-53.
14) في ظلال القرآن 9/1354.
15) رواه مسلم.
16) الأعراف 9/1342.
17) في ظلال القرآن 9/1342.
http://new.meshkat.net المصدر:
============
التجار والاستثمار
د.علي بن عمر بادحدح
في نفوس كثير من المسلمين حب الخير، ولديهم رغبة صادقة في نصرة الدين، ومساعدة المسلمين، وبعض أهل النعمة والثراء من تجار المسلمين، عندهم مسابقة إلى الخيرات، وتنافس في شتى المجالات؛ من إعانة للفقراء، وكفالة للأيتام، ومساعدة للغارمين، ودعم للمجاهدين، مع بناء المساجد، وتشييد المعاهد، وكل ذلك من أبواب الخير العظيمة، التي تحظى بتفاعل كبير من غالبية المسلمين، وخاصة في القضايا التي تتجسد فيها صور المعاناة من إزهاق الأرواح، وإراقة الدماء، وتدمير المنازل، وتهديم المساجد، وممارسة التعذيب، والعمل على التجهيز، وقد زادت - بحمد الله - مساحة الاهتمام، والتفاعل العملي مع القضايا الإسلامية وهذه بشائر خير، وعلامات وعي، ودلائل صحوة.(16/154)
ومن اللازم أن ندرك مع ما سبق أن نصرة الإسلام، ونشر رسالته ليسا مقصورين على تلك المجالات، بل هناك مجالات أخرى لا تقل أهمية عن تلك، إن لم تكن أكثر منها أهمية، ولكي تتضح الصورة، ويتعمق الوعي بهذه المسألة أقول: فلنتصور المسجد الذي أنفق على بنائه عشرات أو مئات الآلاف، وإذا بإمامه شبه أمي لا يجيد التلاوة، ولا يحسن الخطابة، ولا يتقن الفقه، ولنتصور كذلك المدرسة أو المعهد والمدرسين ثلة من أنصاف المتعلمين، الذين يهدفون إلى إنهاء بطالتهم، بعمل يجدون من ورائه لقمة العيش، وليس عندهم خبرة تعليمية، ولا ممارسة تربوية، إضافة إلى كون المناهج ضعيفة، والإعداد للبرامج والمراحل ليس له أساس علمي، ولا هدف دعوي، لا شك إذن أن هذا الإنفاق والاستثمار أصبح ضئيل المردود، محدود الأثر.
ومن هنا تبرز أهمية الاستثمار البشري، وتتجلى الحقيقة في أن الاستثمار النوعي أولى وأجدى؛ لأن بناء الإنسان أعظم من تشييد البنيان، فلو أننا أعددنا طالب العلم الداعية الفعال، فإنه يمكن أن يؤدي في مجتمعه رسالة المسجد في مصلى متواضع مفروش بالحصير، إذ سيحيى الإيمان في قلوبهم، ويغذيهم بالعلم والمعرفة، ويربيهم على الاستقامة، والالتزام، ويعودهم على التضحية والتعاون، وإذا لزم الأمر؛ فإنه سيكون الرائد لتشجيعهم على الإنفاق، في بناء المسجد وغيره، مما يكون له نفع ظاهر، ودور حيوي في حياة الفرد والمجتمع، ومثل هذا لو أننا أنفقنا الأموال على نفر من أهل الدعوة والعلم، ليخرجوا عصارة فكرهم وعلمهم، في صورة مناهج تعليمية أو رسائل تثقيفية، أو خطط دعوية، لكان لهذا مردود عظيم على المدى القريب والبعيد.
إنك تحتاج إلى جهد كبير، عندما تخاطب التاجر المسلم، ليتبرع لبناء مسجد، أو إغاثة المنكوبين، أو إعانة المحتاجين، ولكنك ستحتاج إلى الجهد، وحسن العرض ولباقة الإقناع إذا أردت دعوته للتبرع لكفالة داعية، أو منحة طالب في مجال علمي أو شرعي، أو دعم لأنشطة ثقافية دعوية، من ندوات ومؤتمرات برغم ما لهذه المجالات وأشباهها من فوائد عظيمة، تسهم في علاج تلك المشكلات التي تعاني منها الأمة المسلمة، ولعل من أسباب ذلك الميل أن هذه الأمور ليست من مصارف الزكاة إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن هناك قولاً لأهل العلم يدخل تلك الأعمال في مصارف الزكاة تحت بند [وفي سبيل الله مع الجهاد والحج] وقد صدرت بتأييد هذا الرأي فتوى بالإجماع عن المجمع الفقهي، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومثلها من اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة، وذلك يعضد أهمية الاستثمار في التأهيل العلمي، والنشاط الدعوي.
http://islameiat.com المصدر:
==============
معا نرتقي
نزار محمد عثمان
كيف ترى الدنيا؟ هل تراها من خلال ثقب ضيق؛ فتبدو لك صغيرة الأرجاء، ضيقة الأركان، قليلة الموارد، شحيحة الإمكانيات، مليئة بالمنافسين الذين يسعون للتغلب عليك؟ هل تتألم لنجاح الآخرين؟ هل تحبط لتفوق الأقران؟ هل ترى الدنيا كمعركة لا بُدَّ أن يكون فيها منتصر ومهزوم؟ أم هل تراها قليلة الخيرات إذا نال فيها شخص شيئاً من نجاح فمعنى ذلك أنه يُنقص من نصيبك.
إن كنت تراها كذلك فاعلم أن أعتى كفار قريش (أبا جهل) كان يراها كذلك؛ فإياك والتشبه به، فقد أخرج ابن اسحاق والبيهقي عن الزهري قال: حُدّثت أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله وهو يصلي بالليل في بيته، وأخذ كل رجل منهم مجلساً ليستمع منه، وكلٌّ لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون له، حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق، فتلاوموا، قال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً. ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق: فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا، فلما كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق، فقالوا: لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود، فتعاهدوا على ذلك، ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج، حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد فقال: يا أبا ثعلبة لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها. فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت. ثم خرج من عنده، حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا؛ حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى نُدرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه. فقام الأخنس بن شريق(1).
عقلية السعة وعقلية الشح:
إن أبا جهل لم يمنعه من الإيمان إلا ظنه أن بني عبد مناف سيذهبون بالشرف كله ولن يبقى له و قومه شيء، وما درى أن هناك جوانب من الشرف لا تحصى ولا تعدُّ في اتِّباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - حازها الذين اتبعوه من أنصار وفرس وروم.
إن عقلية الشح تطلب الشرف كله لها وحدها، ولا تقبل أن تشارك الآخرين في ربح أو نجاح أو شرف، حتى ولو كانت مشاركة الآخرين تعود عليها بأضعاف ما تحصل عليه منفردة من ربح و نجاح وشرف، بل حتى ولو كان من يريد مشاركتهم أحد أصحاب الفضل عليهم من ذوى القربى.(16/155)
وفي الجانب الآخر هناك عقلية السعة، التي ترى أن الكون واسع رحيب، موارده متجددة، وخيراته متعدده، يكفي الجميع، ويسع الكل، (ولله خزائن السموات والأرض والله على كل شيء قدير)، وأن النجاح والتفوق والسعادة والشهرة والثروة كلها ليست تقبل المشاركة فحسب بل تزكو وتتضاعف بالمشاركة، فقد صحّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما نقص مال عبد من صدقة))(2)، كما صح قولهم عن العلم:
يزيد بكثرة الإنفاق منه *** وينقص إن به كفاً شددتا(3)
إن النجاح الحقيقي هو النجاح في نقل النجاح للآخرين، وإن الفرح الحقيقي هو الفرح بنقل الفرح للآخرين، يقول الشيخ سيد قطب - رحمه الله -: "إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لأن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكاً للآخرين ونحن بعد أحياء، إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح ـ ولو بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض ـ زاداً للآخرين ورياً، ليكفي لأن تفيض قلوبنا بالرضى والسعادة والاطمئنان!
(التجار) وحدهم هم الذين يحرصون على العلاقات التجارية لبضائعهم؛ كي لا يستغلها الآخرون ويسلبونهم حقهم من الربح، أما المفكرون وأصحاب العقائد فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم، ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لأنفسهم لا إلى أصحابها الأولين! "(4).
إن الذي امتلأ شحاً وأنانية، واحتكر عمره لنفسه، وعاش حياته لذاته، وحجب خيره عن غيره، سيعيش عمراً قصيراً مهما طال، وسيموت حقيراً مهما حاز، يقول الشيخ سيد قطب - رحمه الله -: "عندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة قصيرةً ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود! أما عندما نعيش لغيرنا، أي عندما نعيش لفكرة، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتنا لهذه الأرض!
إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة، نربحها حقيقة لا وهماً، فتصور الحياة على هذا النحو، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا، وليست الحياة بعدد السنين، ولكنها بعدد المشاعر، وما يسميه الواقعيون في هذه الحالة وهماً هو في الواقع حقيقة أصح من كل حقائقهم! لأن الحياة ليست شيئاً آخر غير شعور الإنسان بالحياة، جرِّد أي إنسان من الشعور بحياته تجرِّده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي، ومتى أحس الإنسان شعوراً مضاعفاً بحياته، فقد عاش حياة مضاعفة فعلاً.. يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج إلي جدال!
إننا نعيش لأنفسنا حياةً مضاعفة حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما يضاعف إحساسنا بالآخرين نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية"(5).
طرق التفاعل الإنساني:
يري بعض علماء الاجتماع(6) أن فلسفات التعامل الإنساني يمكن أن تلخص في الآتي:
[1] فلسفة أنا أكسب وأنت تكسب:
وهي فلسفة المنفعة المشتركة المرضية للطرفين في كافة المعاملات، والتي تقوم على نظرةٍ تعاونية ـ وليست تنافسية ـ للحياة، نابعةٍ من عقليةٍ تؤمن أن هناك متسعاً للجميع، وأن نجاح فرد لا يعني بالضرورة فشل الآخرين.
أكثر الناس ينظرون للحياة بحدية: أبيض أو أسود، أكسب أو أخسر، وهذه النظرة خاطئة؛ لأنها تعتمد على القوة والمركز الاجتماعي وعلى المنصب، لكن دائماً هنالك الخيار الثالث الذي توفره فلسفة (أنا أكسب وأنت تكسب)، الخيار الذي يقول ليست طريقتي ولا طريقتك، بل طريقتنا الأفضل.
إن فلسفة (أنا أكسب وأنت تكسب) تجعل الطرفين يقفان في خط واحد، يفكران ويتعاونان ويرتقيان، لذلك فهي تلغي التنافس الذي ينطلق من عقلية الشح، والذي يجعل الطرفين المتعامِلَين متضادين، غير أنها تتيح مجالاً للتنافس الشريف (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، التنافس في نشر الخير، ونفع الناس، وفعل الصالحات، والتقرب إلى الله، فذلك نبع مدرار، لا يغيض ولا ينضب، يأخذ فيه كل فرد بقدره، ويكون كالإخاذ(7)، قال مسروق: "لقد جالست أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فوجدتهم كالإخاذ (الغدير)، فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المئة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، فوجدت عبد الله ابن مسعود من ذلك الإخاذ"(8)، وصدق الله العظيم: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها)(9).
[2] أنا أكسب وأنت تخسر:
وهي الفلسفة التي ترى الحياة مضمار سباقٍ كبير يتنافس فيه الناس، وإذا كسبت أنا فأنت لا شك خاسر.
الناس غرقوا في هذه الفلسفة، وكثيراً ما نشجع الآخرين على التصرف وفق هذه الفلسفة دون أن ندري. إننا عندما نقارن شخصاً بآخر وعندما نقدم حبنا وجهدنا ومساعدتنا على أساس المقارنة؛ فإننا نخلق جواً مناسباً لهذه الفلسفة. كم من الآباء من يُنشّيء أبناءه على هذه الطريقة! ويربي عقولهم على هذه الفلسفة! ويقف موقف المشجع في حلبة صراع ليهنئ الفائز ويتحسر على الخاسر.
إن كل مقارنة لا يحدد فيها وجه المقارنة تعد من قِبل العموميات التي لا يقبلها منصف، ذلك لأن الناس ليسوا أرقاماً ولا كميات حتى نقول إن زيداً أكبر أو أصغر أو حتى مساوٍ لعمرو دون تقييد ذلك بجانب محدد، فكل إنسان متفرد عن الآخرين في جانب من الجوانب، ولا يمكن لأحدٍ أن يحل محل أحد بالتمام والكمال، والفروقات الفردية لا يمكن إلغاؤها بحال.
[3] أنا أخسر وأنت تكسب:
وهي الفلسفة التي تقوم على التضحية، ويسعى فيها أحد الطرفين للخسارة تضحية منه حتى يفوز الآخر، وهى كسابقتها تقوم على أن ما بالعالم لا يسعنا نحن الاثنين فلابد أن أضحي حتى تكسب أنت.(16/156)
هذه الفلسفة عادة ما تخفي تحتها كثيراً من المشاعر العارمة غير المتوقعة، وربما المتناقضة، والتي تتجمع مع مرِّ الأيام لتنفجر في أبشع صورها.
كثير من الناس ـ خاصة الزوجات والأمهات وبعض المديرين ـ يتأرجحون بين فلسفة (أنا أكسب وأنت تخسر) وفلسفة (أنا أخسر وأنت تكسب)، فعندما يرهقهم الاضطراب وعدم الاستقرار، وتنقصهم القدرة على المواجهة؛ يفكرون بعقلية (أنا أخسر وأنت تكسب)، وعندما يتعبهم الإحباط، ويؤرقهم العجز يدفعهم الغضب إلى عقلية (أنا أكسب وأنت تخسر).
[4] أنا أخسر وأنت تخسر:
وهي الفلسفة التي يغذيها العجز وبغض الآخر وحب الانتقام، إنها فلسفة اليهود حينما كانوا (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين)(10)، فلسفة شمسون حين قال: "علىّ وعلى أعدائي"، وهي النتيجة الطبيعية لفشل فلسفة (أنا أكسب وأنت تخسر)، فتتحول عند استحالة الكسب إلى العمل على خسارة الجميع.
[5] أنا أكسب:
وهي الفلسفة الأكثر شيوعاً، فالمهم هو أن أكسب أنا، أما أنت فلا يهمني ما يحدث لك: تكسب أو تخسر، عليك أن تتدبر أمرك، وهذه الفلسفة أقل أنانية من فلسفة أنا أكسب وأنت تخسر. وقد تبدو لأول وهلة أنها فاعلة مُبلِغَة، لكنها تؤدي إلى فشل أكيد مع مرور الوقت.
أي الفلسفات أفضل؟
لا شك أن الفلسفة القائمة على المنفعة المتبادلة للطرفين هي الأفضل؛ لأنها تحقق قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - الوارد في الصحيحين: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، ولأنها تنطلق من عقلية تؤمن بسعة الكون وتجدد موارده، ولأنها تقوم على نظرة تعاونية ـ وليست تنافسية ـ للحياة. ولأنها لا تصدر إلا من شخص: نبيل النفس، حر الخلال، محمود الشمائل، أريحي الطباع، ينطق الإيمان من محاسن خِلاله، ويتمثل الكرم في منطِقه وأفعاله، فلنسع إلى إيجاده بيننا، ولنسع إلى منفعة الآخرين، مثل سعينا لنفع أنفسنا أو أكثر، ولنردد: "معاً نرتقي".
-----
(1) الخصائص الكبرى، ج: 1، ص: 192.
(2) سنن الترمذي، ج6، ص: 591، وتهذيب الكمال، ج: 8، ص: 354.
(3) انظر وصية أبي إسحاق الإلبيري لابنه أبي بكر يحضه على طلب العلم في ديوان الإلبيري.
(4) أفراح الروح للشيخ سيد قطب - رحمه الله -، ص: 7-8.
(5) أفراح الروح للشيخ سيد قطب - رحمه الله -، ص: 4.
(6) انظر كتاب The seven Habits of highly effective people لمؤلفه س. ر. كوفي.
(7) الإخاذ والإخاذة: الغدير.
(8) المدخل إلى السنن الكبرى، ص: 16، نقلاً عن تفسير الصحابة للقرآن، مساعد بن سليمان الطيار، مجلة البيان، العدد: 98، ص: 20.
(9) سورة الرعد: 17.
(10) سورة الحشر: 2.
http://new.meshkat.net المصدر:
==========
كن ربانيا .. تبتسم لك الحياة
بدر علي قمبر
الربانية.. تجرد وخُلق.. روحانية وعمل
ها هي شمسنا تسطع من جديد على الأخ الرباني الذي جعل حياته مُسَخّرة لخدمة هذا الدين، وخدمة أهله، وقوته الفاضلة، الأخ الرباني الذي لا يتعجرف، ولا يتكبر، ولا يتطاول على غيره، بل ترى نفسه ترف كالعلم الشامخ على القلوب الظامئة المشتاقة للنهل من ينابيع المحبة والخيرات.. فمن الأخ الرباني حقاً؟
الأخ الرباني الذي لا يبتغي كلمة الشكر من الآخرين، ولا الأجر من البشر من وراء ما يقوم به من أعمال، إنما يبتغي الأجر من ربه - عز وجل -، الأجر الذي يجعل كفة حسناته تطغى على كفة سيئاته، ولكن في الوقت ذاته يحذر من بعض النفوس الضعيفة التي تسعى لنشر دعوة الله، ولكن من خلال بعض الأساليب غير المستساغة، تلك النفوس التي لا همّ لها إلا تطوير ذاتها من خلال الآخرين، أو من خلال العمل المتناغم مع أفكارها الطموحة التي تسعى من خلالها إلى كسب الشهرة، أو تجميع الأموال دون الالتفات لمسوغات إخلاص النية والصدق مع الله.
إن الفرد الرباني هو الذي لا يهتم بصغائر الأمور، ولا يلتفت لدنايا النفوس، بل يهتم بالمعالي التي ترفع من إطار طموحاته الإيمانية فتزيده قرباً إلى الله - تعالى -.. الرباني هو الذي يحرص على حضور حلقات العلم، والتزود من معين الإيمان، ويُقبل على الله - تعالى - بالفرائض التي افترضها عليه بالقدر الذي لا يشق على النفس، حتى لا تسأم، فقليل دائم خير من كثير منقطع، فيقوم بالعمل وبالفرائض بالقدر الذي لا يتسبب في التقصير بالحقوق المفروضة.
الأخ الرباني هو الذي لا تهمه الحياة الزائلة، ولا رغد العيش، بل يعيش العيشة السوية الهنيئة التي يحيا في إطارها دون مد يد الحاجة لأحد أياً كان، فلا يكون كمن يلهث وراء المال، وينسى دعوته، ودعوة الناس للخير، فيبيت عقله يفكر في المال بصورة تجارية بعيدة عن مصداقية العمل الدعوي التطوعي في هذه الحياة التي تحتاج أنموذجاً يُحتذى به في الحياة، وبعد الممات.
وسائل للربانية:
أخي الكريم: كن مع الله في جميع أحوالك.. بذكره في الغدو والآصال، لا تتساهل في الذِكر فهو الباب الذي تلج من خلاله للتوبة والاستغفار الدائم، فاذكر الله كثيراً، وادخل في دائرة المئات بل الألوف بالذكر والاستغفار، وليكن قدوتنا في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، والسلف الصالح، فالذكر ميدان خصب لكسب الأجر، وتضاعفه في ميزان الحسنات.(16/157)
أما بيوت الله العامرة، فليكن لك منها أوفر الحظ والنصيب من خلال المكوث فيها، واستشعار أجر الاعتكاف الذي يسبغ عليك - بإذن الله - تعالى - ثوب الراحة النفسية الإيمانية، ثم عليك بأذكار الصباح والمساء، وقراءة كتاب الله الكريم الذي لا يجب ألا يمر يوم دون أن تطيل النظر فيه، فهي عبادة في حد ذاتها، وهو الذي تجيش منه المعاني المتآلفة العذبة التي تعطر بريحها كل أنف، وتتساقط الدموع من الأجفان عندما تقرأ آياته، فتغتسل النفس من أدرانها وترق القلوب.
ثم احذر - كل الحذر - من أن تقبل على أي عمل دون أن تعرف حكم الله - تعالى - فيه، فربما كان موطن شبهة يجرك للويلات، والشبهات الآثمة، فكما قال الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه).. وكن حكيماً في التكلم عن العلماء، فتحدث عنهم بأدب فإن لحوم العلماء مسمومة، واللبيب من يعرف كيف يتأدب معهم، حتى وإن اجتهدوا باجتهاد لا يتناسب مع رأي بعض العلماء الآخرين.
أخي الحبيب:
تذكر أن الربانية ثقافة، وخُلق، وروحانية، وعمل، فسلم نفسك للأقدار مع الأخذ بالأسباب، وراقب الله - تعالى - حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، واصبر على ما ابتلاك الله - تعالى - به، وتأدب مع الله في الدعاء، وعليك بالإلحاح فيه فهو الطريق لصفاء النفس، وتحقيق رغباتها، وتذكر أن مرجع الأمور إلى الله - تعالى -، ولا يستطيع أي كائن أن يمنع عنك رزقك، أو أن يسلبك حقك، ولا تنس بأي حال أن تكون مُعلماً، وخادماً لإخوانك فتعمل على قضاء حوائجهم، ثم في نهاية المطاف تكون لك خلوات إيمانية مع الله - تعالى -، تستذكر فيها ما قمتَ به طوال اليوم لترى نفسك عقب ذلك:
هل ارتقت إلى مرتبة "الربانية"؟ وهل أصبحت "ربانياً" بمعنى الكلمة؟
اللهم اجعلنا من "الربانيين" الذين يعرفونك حق معرفتك، ويقومون بواجباتك.. يا من يُرجع الأمر كله إليه.
http://islameiat.com المصدر:
==========
ماذا يحدث إذا كان العلم بلا إيمان ؟
إبراهيم بن محمد الحقيل
لا يستطيعُ المرءُ أن يعرف أثر العلم في حياة البشر على اختلاف المستويات وتنوع المجالات إلا إذا قارن بين عالِم متبحر، وبين أمِّيٍّ نشأ في أحد الأدغال بعيداً عن أيِّ منفذ معرفي. لا شك أنه سيجدُ أن ما يُفرق بينهما أكثر مما يجمع، كما أنه سيجد أن عيش هذين الرجلين في مكانٍ واحد يكاد يكون مستحيلاً.
ومن رحمة الله - تعالى - بعباده أن علمهم ورزقهم وسائل تحصيل العلوم والمعارف؛ فأعطاهم الأسماع ليسمعوا العلم فيستفيدوا، وأعطاهم الأبصار ليبحثوا ويقرؤوا، وأعطاهم الأفئدة حتى يتفكروا ويتدبروا ويستنبطوا. قال - تعالى -: {واللَّهٍ أّّخًرّجّكٍم مٌَنً بٍطٍونٌ أٍمَّهّاتٌكٍمً لا تّعًلّمٍونّ شّيًئْا وجّعّلّ لّكٍمٍ السَّمًعّ والأّّبًصّارّ والأّّفًئٌدّةّ لّعّلَّكٍٍمً تّشًكٍرٍونّ} [النحل: 78].
لقد علّمهم الله - تعالى - ما يوصلهم إليه وإلى رضوانه وجنته، فأرسل لهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وأراهم من آيات عظمته، وعجائب قدرته ما يدل على ربوبيته وإلهيته.
وسخر لهم الأرض وما عليها، ورزقهم وسائل الانتفاع بها، وجعل إفادتهم منها على قدر بحوثهم وتجاربهم، وعملهم وجِدِّهم. وحكمةُ هذا التسخير جَعْلُه وسيلةً إلى الغاية العظمى الموصلة إلى رضوانه وجنته.
والعلمُ بحرٌ لا ساحل له، سواءٌ منه ما ينفعُ في الدنيا أو ما ينفع في الآخرة، ولا يستطيعُ أحدٌ الاستحواذ على كل العلم؛ فهناك دائماً من هو أكثر إحاطة به وهو الله - تعالى -، كما قال - سبحانه -: {نّرًفّعٍ دّرّجّاتُ مَّن نَّشّاءٍ وفّوًقّ كٍلٌَ ذٌي عٌلًمُ عّلٌيمِ} [يوسف: 76].
إن القرآن يقررُ وجوبَ أخذ العلم عن أهله، ورجوع من لا يعلمُ إلى من يعلم لكي يتعلم؛ فحين أنكر مشركو مكة نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسولُه بشراً فهلاَّ بعث ملكاً! حينذاك أنزل الله - تعالى - قوله: {ومّا أّّرًسّلًنّا مٌن قّبًلٌكّ إلاَّ رٌجّالاْ نٍَوحٌي إلّيًهٌمً فّاسًأّّلٍوا أّّهًلّ الذٌَكًرٌ إن كٍنتٍمً لا تّعًلّمٍونّ * بٌالًبّيٌَنّاتٌ والزٍَبٍرٌ} [النحل: 43 - 44]. أي: اسألوا يا معشر قريش العلماء بالتوراة والإنجيل يخبروكم أن جميع الأنبياء كانوا بشراً إن كنتم لا تعلمون ذلك.
وحقيقةٌ كبرى يقررُها كتابُ الله - تعالى - تتمثلُ في أن أكثر الكفار إنما أعرضوا عن اتباع الحق بسبب عدم توافر العلم الصحيح لديهم. قال - تعالى -: {بّلً أّكًثّرٍهٍمً لا يّعًلّمٍونّ الحّقَّ فّهٍم مٍَعًرٌضٍونّ} [الأنبياء: 24]، وهذا يلقي مسؤولية عظمى على أمة الإسلام؛ حيث إن عليها إيصال الحق إلى الناس وبيانه لهم ودعوتهم إليه.
إن كثيراً من عبَّاد الأوثان، وعبَّاد البقر، وعبَّاد الصليب، وعبَّاد العجل ظنوا جهلاً أن عبادتهم تقربهم إلى الله زلفى، فعبدوا ما عبدوا من دون الله - تعالى -.
وإن كثيراً من عبّاد المادة وعبّاد العقل البشري ظنوا أن (لا إله، وأن الحياة مادة) فعملوا للدنيا وأهملوا الآخرة؛ لأن ما ينقصهم من حقيقة العلم جعلهم يجهلون حتمية الآخرة. فكيف السبيل إلى إخراج هذه الجموع من شركها وتحويلها من عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده إلا أن يُعلَّموا حقيقة الدنيا وما لها، وحقيقة الآخرة وما يجب لها، وأن يُبصَّروا بالحق المبين، والصراط المستقيم.(16/158)
وفي جانب آخر فإن العلم إذا لم يُضبط بالإيمان عاد نفعه ضراً، وخيرُه شراً؛ حيث يقود إلى الاستكبار عن الحق على علمٍ وبكل إصرار وجحود؛ منكراً صاحبُه نعم الله عليه. وقد قص الله علينا أخبار أقوام أوتوا من العلم ما أوتوا لكنهم أوتوا علماً بلا إيمان فجحدوا نعم الله - تعالى -، واستكبروا عن الحق المبين. قال - تعالى - : {فّلّمَّا جّاءّتًهٍمً رٍسٍلٍهٍم بٌالًبّيٌَنّاتٌ فّرٌحٍوا بٌمّا عٌنًدّهٍم مٌَنّ العٌلًمٌ وحّاقّ بٌهٌم مَّا كّانٍوا بٌهٌ يّسًتّهًزٌئٍونّ} [غافر: 83]. وقارون جحد نعمة الله عليه ونسب ما أوتي من مال إلى علمه فـ {قّالّ إنَّمّا أٍوتٌيتٍهٍ عّلّى عٌلًمُ عٌندٌي} [القصص: 78].
وحضارةُ اليوم توصفُ بأنها حضارةٌ علمية لكنها علمانية، أي: لا دينية، لا إيمانية، ليس للإيمان بالآخرة فيها مكان، ولا للتصديق بالغيب مجال. هي حضارة سعت في عمارة الأرض مادياً، وحصرت اهتمامها بالحياة الدنيا في انفصال تام عن الموت وما بعده، وأصحابُها كما أخبر الله - تعالى -: {يّعًلّمٍونّ ظّاهٌرْا مٌَنّ الحّيّاةٌ الدٍَنًيّا وهٍمً عّنٌ الآخٌرّةٌ هٍمً غّافٌلٍونّ} [الروم: 7].
وها هنا سؤال يرد: هذا النوعُ من الحضارة المبني على علوم الدنيا بانفصالٍ تام عن علوم الآخرة هل أسعد الإنسان وحقق له ما يريد؟! لا؛ فالجميعُ لاحظوا أنه كلما خطا الإنسانُ خطوات في التقدم الدنيوي زاد عددُ زائري العيادات النفسية، وكلُ الناس يتفقون على أن الحياة البسيطة أكثرُ سعادةً من الحياة المادية المعقدة.
إن العلوم الدنيوية التي حازها البشرُ في القرون المتأخرة قد أسهمت وبشكل مباشر في رفاهية الإنسان وراحته؛ فقد تنوعت مآكله ومشاربه، وتعددت ملابسه ومراكبه، وصار مَن في طرف الأرض الشمالي يستطيع محادثة من في طرفها الجنوبي، والحدث الذي يحصلُ في أقاصي البلدان، ووراء الجبال والبحار يعلمه من هو في أدناها، والمنتجات التي كان الإنسانُ ينتج القليل منها في عام كامل أصبحت الآلاتُ تنتج الكثير منها في ثوانٍ معدودة. كلُّ هذا حصل ولا زال يحصل؛ ولكن ماذا حدث حينما انفصل العلم عن الإيمان، وأصبح علمانياً دنيوياً مادياً لا يؤمنُ بالغيب ولا يعرفُ للآخرة سبيلاً؟
إنه صارَ علماً يسعى في تدمير الأرض ومن عليها، في سبيل الهيمنة والسيطرة على العالم. لقد فقد الإنسان السيطرة على العلوم التي تعلمها، فصارت بعد فقد الإيمان أهم سبب لتدمير العالم؛ فبواسطة العلوم الفيزيائية صنع الإنسان القنابل الذرية والنووية والبيولوجية والجرثومية التي يعلم مكتشفو نظرياتها وصانعو صواريخها أنها لو أطلقت لأهلكت ملايين البشر بمن فيهم صانعوها ومطلقوها ومع ذلك صنعها الإنسان؛ لأنه لا إيمان يضبطه، ولا خوف من الآخرة يردعُه عن الإسهام في دمار البشرية. وكم من الوزر يحملُه صانعو هذه المدمرات التي أطلق بعضها في الحرب الكونية الثانية فأهلكت ملايين البشر!!
وفي مجال الهندسة الوراثية صاروا بالعلم يلعبون بالأجنةِ يريدون أن يخلقوا كخلق الله - تعالى -.
إنهم وبالعلم لوَّثوا البحار والأنهار، وأفسدوا الزروع والأشجار؛ حتى ما عاد لأثمارها طعم بسبب الكيميائيات التي تنضجها قبل وقتها، وتجعلها أكبر من حجمها، وتزيد في محصولها، والضحية من يأكلها. وأعظم من ذلك أنهم صاروا يأكلون ما يُخرجون بعد تحليله ومعالجته كما تفعل الجلاّلة من الحيوان!!
إنهم وبالعلم أطلقوا الأقمار الصناعية التجسسية فهل سعدوا؟!
إن التجسس يدل على الخوف، والخوفُ دليل شقاءٍ لا دليل سعادة!!
إنهم وبالعلم سهلوا ارتكاب الفواحش وعرضوها عبر فضائياتهم، وتفننوا في مداعبة الغرائز والهبوط بالإنسان إلى الحيوانية وإلى ما هو أقلُّ منها؛ فهل شبعوا؟! لا؛ لأنهم يريدون فناً أكثر إثارة وأكثر غريزية وبهيمية، ولستُ أعلم في مجال الشهوات شيئاً يُعرض أقل وضاعة من الزنا واللواط والسحاق وسائر الشذوذ فماذا يريدون؟ وإلى أي مدى سيصلون؟
إنهم وبالعلم نوّعوا التجارات، وعددوا سبل الحصول على المال، وصار البيعُ والشراء عن طريق شبكات الاتصال العالمية؛ فهل شبع أهلُ المال من المال؟ لا؛ فإنهم يريدون المزيد والمزيد، وإلى متى؟ وكلُّ ما يجري على الأرض يجري إلى متى؟!
إن له أجلاً وإن له نهاية فهل يعقلون؟ وهل يضبطون ما أوتوا من علوم الدنيا بالإيمان بالغيب والإيمان بالدارِ الآخرة؟! إنهم لن يتعظوا ولن يعقلوا حتى تقع الواقعة. فلينظر كل عاقل إلى أي مدى وصل العلمُ: إنه لما انفصل عن الإيمان أشقاهم في الدنيا ويوشك أن يدمرهم.
وصدق الله العظيم إذ يقول: {فّأّعًرٌضً عّن مَّن تّوّلَّى عّن ذٌكًرٌنّا ولّمً يٍرٌدً إلاَّ الحّيّاةّ الدٍَنًيّا * ذّلٌكّ مّبًلّغٍهٍم مٌَنّ العٌلًمٌ إنَّ رّبَّكّ هٍوّ أّعًلّمٍ بٌمّن ضّلَّ عّن سّبٌيلٌهٌ وهٍوّ أّعًلّمٍ بٌمّنٌ اهًتّدّى * ولٌلَّهٌ مّا فٌي السَّمّوّاتٌ ومّا فٌي الأّرًضٌ لٌيّجًزٌيّ الذٌينّ أّسّاؤٍوا بٌمّا عّمٌلٍوا ويّجًزٌيّ الذٌينّ أّحًسّنٍوا بٌالًحٍسًنّى}. [النجم: 29 - 31].
ذو القعدة1422 هـ * فبراير 2002م
http://albayan-magazine.com المصدر:
===========
أخي الشاب احذر الاشتغال بتصنيف الخلق
المسلمون صنفان لا ثالث لهما: أهل السنة، وأهل القبلة:(16/159)
من العادات السيئة، والصفات الرذيلة المذمومة التي درج عليها بعض الشباب في الآونة الأخيرة وابتلوا بها الاشتغال بتصنيف العلماء، والدعاة، وطلاب العلم، والبحث والتنقيب عن تصوراتهم، واتجاهاتهم، وانتماءاتهم، ثم بعد ذلك تحديد المواقف منهم، وتتبع عثراتهم وزلاتهم، وتجريحهم، بل وتشريحهم، ثم نشر ذلك على الملأ بغرض التشهير، وإشانة السمعة، والتحذير منهم.
ومما يحزُّ في النفس أن القائمين بذلك مجموعة من الشباب المنتسبين إلى السنة والسلفية، وعلى من؟ على مجموعة من إخوانهم المنتسبين كذلك إلى السنة والسلفية، على من هم أكبر منهم سناً، وأكثر منهم علماً وورعاً، من العلماء، والمشايخ، والدعاة الفضلاء، غير مكتفين بما يلاقي هؤلاء من أعداء الملة والدين، مما يجعل ظلم هؤلاء على إخوانهم أشد مرارة من وقع الحسام المهند.
وبادئ ذي بدء يجب أن أؤكد على أمور، منها:
1. ليس هناك أحد معصوم سوى الرسل والأنبياء، والنصيحة مطلوبة ومرغوب فيها إذا التزم الناصح بالآداب الشرعية، وتخلق بالأخلاق الإسلامية، واتبع الطرق السوية.
2. أن المسلمين عند أهل السنة مصنفون إلى قسمين كبيرين لا ثالث لهما:
أ. أهل السنة: ويشمل هذا الصنف كل من اعتصم بكتاب الله، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما أجمعت عليه الأمة، وكان على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الاعتقاد، والتصور، والعبادة، والسلوك، وقد سئل مالك عن أهل السنة، فقال: كل من سوى الخوارج، والقدرية، والرافضة؛ أو كما قال.
قال الشاطبي: (وقال رجل لأبي بكر بن عيَّاش: يا أبا بكر، من السُّني؟ قال: الذي إذا ذكرت الأهواء لم يغضب لشيء منها).
ب. وأهل القبلة: وهم من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، وهو اسم شامل لمن عدى أهل السنة من أهل الأهواء، كالخوارج، والرافضة، والمعتزلة، والمرجئة، والقدرية، وغيرهم، ومن ثم فينبغي للسني أن تكون موالاته لأهل السنة أكبر من موالاته لغيرهم، لأنهم نقاوة المسلمين كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -.
3. أن الإسلام نهى عن الخصومات والنزاعات في الدين.
4. من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وعدم اشتغاله بما لا مصلحة له فيه.
5. لا يعني الانتساب إلى أهل السنة انتفاء الفوارق بينهم أو تحريم الانضواء إلى جماعة معينة أو حلف من باب التعاون على البر والتقوى، طالما أنهم ملتزمون بما كان عليه السلف الصالح، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لقد شهدتُ في دار عبد الله بن جُدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعي إليه في الإسلام لأجبتُ".
وبعد..
ليت هذا التصنيف قائم على أسس بينة، وقواعد واضحة، بل في كثير من الأحيان يحكمه الهوى، وتمليه النظرة الحزبية الضيقة: "من ليس معنا فهو ضدنا"، ولا أدل على ذلك من تلك التصنيفات التي ابتدعوها وصدقوها، نحو تكفيري، سَرُوري، قطبي، وغيرها، التي لا تقل خطراً وضرراً من تصنيف الناس إلى وهابي، أو خامسي، وغيرهما، إذ الهدف من إطلاق هذه المصطلحات التحذير من أهلها، وازدراء من ينتسبون إليها، وإشانة سمعتهم، بحجة أن جميع هذه المسميات حادثة ومخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، بينما إذا دققت النظر تجد أن جلَّ من يُنسبون إلى هذه الأسماء ويلقبون بهذه الألقاب على منهج أهل السنة والجماعة في الجملة، مع تفاوت بينهم يمكن أن يتدارك، ونقص يمكن أن يتمم، هذا كله إذا افترضنا سلامة العقيدة والتصور، التي هي الأساس والمعيار، وما سواها تبع لها، نحو الوسائل والمناهج وطرق العمل، حيث يمكن للناس أن يأخذوا ويردوا فيها، ويقبلوا ويرفضوا منها، فمصطلح أهل السنة شمل جميع أتباع المذاهب السنية الأربعة وغيرهم مع اختلافات طفيفة بينهم، فهناك مدرسة فقهاء الحديث، والمدرسة التي غلب عليها القياس، وهناك أهل الظاهر الذين خالفوا أهل السنة في مصدر من مصادر التشريع وهو القياس حيث لم يعتدوا به، فما كان من أهل العلم إلا أن خطؤوهم في ذلك وبكتوا عليهم، ولكنهم لم يخرجوهم من جملة أهل السنة، إذ لا يمكن أن يخرج من أهل السنة أمثال داود بن علي الظاهري، ومحمد بن حزم، وهما هما.
كذلك من أئمة أهل السنة المقتدى بهم والمستفاد من علمهم ومصنفاتهم طائفة من جلة أهل العلم، منهم على سبيل المثال لا الحصر الإمام النووي، والحافظ ابن حجر العسقلاني، وابن العربي المالكي، وابن الباقلاني، على الرغم من أشعريتهم واقترافهم للتأويل غير المحمود، فهم محسوبون على السنة، ومنسوبون إليها، مع اجتناب ما خالفوا فيه أهل السنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - معدداً جهود الأشاعرة في كسر شوكة المعتزلة والجهمية، وذاكراً لبعض أعلامهم، كابن مجاهد، والباقلاني، والقلانسي، والأشعري: (وصار هؤلاء يردُّون على المعتزلة ما رده عليهم ابن كلاب، والقلانسي، والأشعري، وغيرهم من مثبتة الصفات، فيبينون فساد قولهم بأن القرآن مخلوق وغير ذلك، وكان في هذا من كسر سورة المعتزلة الجهمية ما فيه ظهور شعار السنة، وهو القول بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يُرى في الآخرة، وإثبات الصفات والقدر، وغير ذلك من أصول أهل السنة).
وإذا كان الشيخ محمد رشيد رضا سامحه الله على الرغم من تتلمذه على محمد عبده وتأثره به، وعلى الرغم من تضييقه لدائرة الغيبيات، وعقلانيته المفرطة، وتأثره ببعض الأفكار المغايرة لمذهب أهل السنة، كعقائد بعض المرجئة والمعتزلة التي سرت منه إلى بعض أهل السنة المعاصرين، يُعتبر من أهل السنة ومن السلفيين، الذين كانت لهم مجاهدات، وانتصارات لمذهب أهل السنة والجماعة لا ينكرها إلا جاحد.(16/160)
مما لا شك فيه أن كثيراً من الذين يصنفهم بعض الشباب تصنيفات جائرة، ويرمونهم بشيء من البدع، وهم بريئون من ذلك براءة الذئب من دم ابن يعقوب، لم يذهبوا إلى ما ذهب إليه أمثال الأئمة الذين سلف ذكرهم، وإنما اجتهدوا في أمور خالفوا فيها بعض أهل العلم، وربما كان الحق معهم أو مع غيرهم، فكل مجتهد إن كان من أهل الاجتهاد فهو مأجور، إما أجراً واحداً وإما أجرين، خاصة واجتهادهم ليس في المسائل العقدية وإنما في مسائل الفروع، وقد اختلف من هم خير منهم وتناظروا، وأدلى كل منهم بحجته، واحتفظ برأيه ووده لصاحبه، كما هو حال الإمام أحمد مع الشافعي في تكفير تارك الصلاة كسلاً وعدم تكفيره، ومع ذلك كان أحمد يقول: الشافعي حبيب قلبي؛ وكان الشافعي من جملة من يدعو لهم أحمد في السحر مع والديه، ويقابل الشافعي هذا الفضل بالعرفان بالجميل، فيثني على أحمد ويقول: خرجتُ من بغداد ولم أخلف بها أورع ولا أعلم ولا أزهد من أحمد بن حنبل؛ - رحمهما الله -، والأمثلة على ذلك من سير علماء السلف وتراجمهم لا تحصى كثرة، وفي تحملهم لخلاف بعضهم لبعض، ولرجوعهم إلى الحق، ولاعتذارهم عن إخوانهم من أهل العلم والفضل.
فلا ينبغي لأحد أن يُحَجِّر واسعاً، ولا يحل لأحد أن يحتكر مذهب أهل السنة والجماعة، ولا يضيِّقه ليدخل فيه من شاء ويخرج منه من شاء، فتضليل مستوري الحال من عامة المسلمين دعك من أهل العلم العاملين من سمات أهل البدع والأهواء، وكذلك الهجر والتشهير بهم.
فعلى هؤلاء الشباب أن يشتغلوا بتزكية نفوسم، وترقية عباداتهم، وتهذيب أخلاقهم، وتحصيل ما فيه فائدة من العلوم الشرعية وغيرها، ومحاسبة أنفسهم، بدلاً من هذا التطاول على الآخرين، وتجسيد أخطائهم، ونشر زلاتهم، وبثها بين العالمين، فرحم الله امرءاً عرف قدر نفسه، وشغلته عيوبه عن عيوب الآخرين، وأن يتسلحوا بالعلم، ويتدثروا بالورع، فهذا خير لهم من الجسارة والجرأة على عباد الله، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وصلى الله وسلم وبارك على الناصح الأمين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه الغر الميامين.
http://www.islamadvice.com المصدر:
=============
احذروا الركون إلى الكفار
"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسَّكم النار"(1)
لم يواجه الإسلام عقيدة وشريعة منذ عهد أبينا آدم - عليه السلام - وإلى اليوم خطراً أشد ولا أكبر مما يواجهه اليوم، حيث لم يُستهدف الإسلام كما استهدف اليوم، فالحرب الصليبية اليهودية التي تقودها أمريكا في هذا العصر ليست حرباً عسكرية ولا اقتصادية فحسب، بل هي حرب عقدية، وثقافية، وحضارية، وسلوكية، واجتماعية، ويخطئ من يتوهم أن هدف الكفار من تلك الحرب الصليبية الشرسة هو القضاء على الإرهاب ممثلاً في تنظيم القاعدة وحكومة الطالبان لإيوائها لقادة القاعدة، أو لتخليص العالم من أسلحة الدمار الشامل، ومن أجل ذلك غزوا أفغانستان والعراق واستعمروهما، وليس كذلك هو تأمين إسرائيل والهيمنة على مصادر النفط العربي فحسب، بل هدفها القضاء على الإسلام، إسلام الوجه واليد واللسان، هدفها كل مسلم معتد بدينه، معتصم بربه.
هدفها محاربة العقيدة الصحيحة، والدفاع عن الشرك، وحماية الوثنيات القديمة، والمحافظة عليها وبثها من جديد، ومحاولة إرجاع الناس إليها، فإخراج الناس سيما المسلمين من النور إلى الظلمات مطلب أساسي من إشعال هذه الحرب وتوسيع دائرتها.
هدفها كذلك تغيير الهوية الإسلامية، ولذلك عمدوا إلى تغيير المناهج وقفل الجامعات والمدارس والمعاهد الدينية، والتضييق على المنظمات والجمعيات الطوعية والخيرية، والعمل على منع العلماء والدعاة المؤثرين من التدريس والخطابة، وقد صدرت تعليماتهم الصارمة إلى الحكام بذلك، وشرع كثير من الحكام في تنفيذ هذا المخطط وإعانة الكفار على تحقيق مآربهم، وإنجاح حملتهم الصليبية.
هدفهم كذلك أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا كما شاعت في ديارهم، وذلك بإخراج ما تبقى من النساء المسلمات من بيوتهن، ونزع الحجاب والعفاف عنهن، وتوسيع دائرة الاختلاط، وتنويع محاوره وأشكاله.
هدفهم أيضاً أن تسيطر حضارتهم المادية اللادينية على جميع الحضارات، سيما الإسلام، إذ ليس هناك حضارة أو فكر يخشون منه سوى الإسلام.
هدفهم القضاء على المظاهر الإسلامية، نحو إعفاء اللحى وغيرها.
هدفهم كذلك القضاء على عقيدة الولاء والبراء عند المسلمين، التي هي سر بقاء هذا الدين، وسبب مقاومته للكفر والكافرين.
هدفهم كذلك زيادة عملائهم والتمكين لهم، والسعي على تسليم السلطة إليهم بعد أن يئسوا من عملائهم التقليديين، فلكل مرحلة صنف من العملاء وفريق من الخونة والبلهاء.
لقد سعى الكفار لتحقيق هذه الأهداف وغيرها منذ أمد بعيد، وسلكوا من أجلها كل سبيل، وجربوا كل طريق، وبذلوا ولا يزالون يبذلون كل غال وثمين.
لذلك فقد حققوا قدراً كبيراً مما يريدون، ونالوا نصيباً وافراً مما يصبون إليه.
ما كان لهؤلاء الكفار أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه أو أن ينالوا ما رموا إليه لولا شيئين، هما:
الأول: العمالة والموالاة لهم من بعض المنتسبين إلى الإسلام، فقد زاد عدد عملائهم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، فقد انحاز كل عملاء الشيوعية إلى الإمبريالية العالمية بقدرة قادر، فاتسعت دائرة حزب الشيطان لتشمل الشيوعيين والعلمانيين وكافة أعداء الدين، فالكفر ملة واحدة، والأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.(16/161)
الثاني: الركون إلى الكفار والتنازل لهم، وسرعة الاستجابة إلى مطالبهم بصورة لم يكن الكفار يحلمون بها من قبل، فاقت تصوراتهم وزادت من طموحاتهم، من العامة قبل الخاصة، ومن بعض الدعاة والمنتسبين إلى العلم والمحسوبين على الإسلام قبل غيرهم، ولخطورة الركون جعلت عقوبته النار: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار"، ولا أدل على ذلك من مطالبة "الكنقرس" حكام المسلمين بعدم تصدير كلامهم وخطبهم وأحاديثهم الرسمية بـ"بسم الله الرحمن الرحيم"، وألا يفتتحوا المجالس والبرلمانات بقول - عز وجل -: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم" الآية.
والسبب الثاني أخطر من الأول، لأنه سبب وغاية لما يهواه الكفار.
حفظ الدين له شقان: نظري وعملي.
فالحفظ النظري قد تكفل به ربنا - سبحانه -، فقال: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"2، ولم يدعه لغيره، والذكر يشمل القرآن والسنة.
أما الحفظ العملي فهو مسؤولية المسلمين عامة، بجميع طوائفهم وشرائحهم، حكاماً ومحكومين، علماء وعامة، وإن كان دور الحكام والعلماء أكبر من غيرهم، والمراد بذلك الثبات على المبادئ، والمحافظة على المسلمات، وعدم التنازل والركون مهما كانت النتائج.
فالركون هو طاعة الكفار والمنافقين والمبتدعة والفاسقين، ومداهنتهم، ومصانعتهم، والميل والتودد إليهم، والرضا عنهم.
أخطر صور الركون:
لا شك أن مسؤولية الحفاظ على هذا الدين من الناحية العملية هي مسؤولية تضامنية، لكل مسلم منها حظ ونصيب، ذكراً كان أم أنثى، عالماً كان أم جاهلاً، حاكماً كان أم محكوماً، عاصياً كان أم طائعاً، شاباً كان أم شيخاً.
فما من مسلم إلا وهو على ثغرة من ثغور الإسلام، ومسؤول عن جانب من جوانبه: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" الحديث، حيث لم يستثن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن المسؤولية أحداً، فقد عمم فيه وخص ثم عمم.
ينبغي على كل مسلم أن يستشعر هذه المسؤولية، وينبغي لولاة الأمر من العلماء أن يذكِّروا إخوانهم المسؤولين بذلك، وأن ينبهوهم إلى الأخطار التي تحيط بهم من كل جانب، فالذكرى تنفع المؤمنين، وتنبه الغافلين، وفيها معذرة لرب العالمين.
صور الركون وأمثلته في هذا العصر، وفي هذه الأيام خاصة التي انفرد فيها الأمركان بقيادة العالم لا تحصى كثرة، ولكن سنشير إلى طرف منها تنبيهاً إلى غيرها، من تلك الأمثلة الواضحة الفاضحة على الركون والاستكانة والخضوع للكفار ومن والاهم في هذا العصر ما يأتي:
1. الدعوة إلى تقارب الأديان وتوحيدها، والمناداة بالتعايش السلمي بين أتباعها، وعقد المؤتمرات والندوات، والكتابة في الصحف والمجلات، ممن ينتسبون إلى ديننا ويتكلمون بلغتنا ويرفعون شعاراتنا، وينتمون إلى جماعتنا.
وهذا من أخبث أنواع الركون والاستكانة، وهو ناقض من نواقض الإسلام، علم دعاة ذلك بهذا أم لم يعلموا.
2. الدعوة إلى إباحة الردة عن الدين الحق، الإسلام، وإنكار حدها، وهذا مما لا ينتطح فيه عنزان، ولا يختلف فيه عاميان، من أنه ناقل عن حظيرة الإسلام، ونشر ذلك في وسائل الإعلام المختلفة من غير نكير من المسؤولين.
3. الدعوة إلى السفور والتبرج والعمل على تحرير المرأة من القيود الشرعية، والمناداة بمساواتها بالرجل.
4. التشكيك في المسلمات والثوابت، والدعوة إلى إعادة النظر فيها، نحو سن قانون يحرم تعدد الزوجات، أويساوي بين الذكر والأنثى في الميراث، ولا شك أنه ناقض من نواقض الإسلام كذلك.
5. سن القوانين الوضعية والرضا بها والتحاكم إليها، ونبذ شرع رب العالمين، مع صريح قوله - عز وجل -: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون".
6. بعض الفتاوى الفاجرة، نحو تجويز شيخ الأزهر للحكومة الفرنسية أن تسن قانوناً يحرم الحجاب على المسلمات هناك، وقد فرضه الله عليهن، ونحو إباحة البعض للفوائد الربوية من المصارف وغيرها.
7. منافقة كثير من المنتسبين إلى الإسلام في وسائل الإعلام لمن يمجد الزنادقة والملاحدة والمرتدين، الذين قتلوا بسيف الشرع، ووصفهم بأنهم مفكرون، وأنهم قتلوا ظلماً وعدواناً، وقد علم من دين الله ضرورة أن من لم يكفر الكافرين أوشك في كفرهم فقد كفر.
8. نبذ الجهاد ودعوى أن الإسلام لم ينتصر بحد السيف، ورد القاعدة: "الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة"، والاستخفاف بها.
9. التوسع في إباحة الأغاني والملاهي التي حرمها الله ورسوله.
10. البحث والتنقيب عن زلات وهفوات بعض أهل العلم ونشرها والاستدلال بها لما تهواه أنفسهم، منافقة للكفار والمنافقين.
11. الذبُّ والجدل عن البدع والمحدثات الشرعية وإشاعتها بين العامة.
12. محاولة البعض إجازة بعض الممارسات الشركية التي هي سبب لكل بلية.
13. التوسع في التشبه بالكفار في المخبر والمظهر، وقال رسولنا - صلى الله عليه وسلم -: "من تشبَّه بقوم فهو منهم".
14. الاستجابة لطلبات الكفار في تعديل المناهج، وحذف الآيات والأحاديث التي تتكلم عن الجهاد والولاء والبراء، ولعن اليهود والنصارى، وفي قفل بعض المدارس والمعاهد، وفي منع بعض الأئمة والخطباء والدارسين، وفي قفل كثير من المنظمات الطوعية، وفي التحكم في مصارف الزكاة.
وكما قلت فإن الأمثلة على الركون كثيرة، وفيما ذكرنا غنى عما أغفلنا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
فاحذر أخي المسلم الركون والاستكانة إلى الكفار والمنافقين، الموجب لغضب الجبار، قليلاً كان هذا الركون أم كثيراً، فقد قال الله - عز وجل - محذراً لنا في شخص نبيه - صلى الله عليه وسلم -: "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً"5، وتذكر أنك لن تقوى على النار.(16/162)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد الداعي إلى صراطه المستقيم.
http://www.islamadvice.com المصدر:
=============
وظيفة تدر عليك الملايين
وداعا للملل والضجر يا خريجة الثانوية...
بل وداعا للهم وعدم الثقة يا خريجة الكلية
فقد حان الوقت لنبني أنفسنا ونثبت ذاتنا ونبين للعالم أجمع أننا حفيدات خديجة وعائشة
وبعد
فلنبحر في خضم هذه الوظيفة فهي سهلة على من سهل الله عليها ولا يتقدم لها إلا من يملك هذه الشروط الأساسية
1- لا يشترط لمن تتقدم سن معين فهي تناسب جميع الأعمار
2- أن تكون المتقدمة متمكنة من القراءة والكتابة
3- أن تكون متفرغة بعض الوقت
4- أن تكون اجتماعية تستطيع التحدث مع الصغير والكبير من بنات جنسها
5- أن يكون هناك حضور يوميا وعدم الغياب
6- أن تكون ذات همة عالية
ومميزات هذه الوظيفة كالتالي:
• تستطيع الموظفة القيام بها في المنزل دون مشقة، وعلى أية حال: مستلقية، جالسة، قائمة، ومنهمكة في أعباء المنزل
• هذه الوظيفة تدر عليك الملايين وربما المليارات (والله يضاعف لمن يشاء)
• ترفع مكانتك في المجتمع
هل تشوقتي الآن لمعرفة هذه الوظيفة.... أختاه الوظيفة هي
استغلال الوقت
تلك النعمة التي جهل قدرها وكثر الغبن فيها كما أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ)
أختاه دعي النوم ودعيه ونظمي حياتك منذ الصباح الباكر فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم بارك لأمتي في بكورها)
* ولتبدأي يومك بقراءة القرآن الكريم واجعلي لك كل يوم آيات معينة للحفظ
* وعليك قراءة تفسير ابن كثير لهذه الآيات التي حفظتيها
* وفي كل أسبوع مرة واحدة اقرئي في أحد كتب الفقه مثل كتاب (شرح عمدة الأحكام للمقدسي) وكتاب (الملخص الفقهي للشيخ الفوزان) هذه الكتب للمبتدئين
* وأيضا يجب عليك أن تتفقهي بأمور العقيدة بقراءة كتب التوحيد
مثل كتاب (الأصول الثلاثة) أو (شرح كتاب التوحيد) وذلك بتخصيص يوم لها في الأسبوع
* وكذلك أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا ما أنكرتي على أحد منكر تستطيعين الرد عليه بالقرآن والسنة وانصحك بكتاب (الأربعين النووية) وهو كتيب صغير في كل مرة احفظي حديثا واحداً فقط، مع قراءة شرحه... ثم تنتقلين بعد ذلك إلى (رياض الصالحين)
* اقرئي سيرة سيد الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم سير الصحابة والسلف الصالح وبعد القراءة قومي بتطبيق ما كان يفعله الرسول الكريم في كل أحواله وكذلك اجعلي من الصحابيات قدوة لك.
وخير الكتب التي تعينك على ذلك (زاد المعاد في هدي خير العباد).
للإمام ابن القيم و(سير أعلام النبلاء) للإمام الذهبي.
* وعليك بالصبر والمجاهدة حتى تكسبي ثروة من العلم الشرعي في نهاية العام.
* ثم عليك بالمداومة على سماع إذاعة القرآن الكريم والبرامج المفيدة.
* عند محادثتك بالهاتف إحدى الصديقات اجعليها عبادة بأن تسألي عن أخبارها وكأنك عدتي مريضا.
* لا تكثري من الذهاب للأسواق فهي أبغض البلاد إلى الله.
وأخيرا اعلمي أيتها الفتاة بأن هذه الوظيفة ليست متوفرة لأي فتاة وإنما هي فقط لمن أحبها الله واختارها من بين مئات الفتيات فهنيئا لمن تقبل في هذه الوظيفة بالملايين من الحسنات.
http://saaid.net المصدر:
============
لقد تغير كل شيء ؟!!..
قلبي على وجل.!!..
أضع يدي على قلبي، أطلب السكينة.. أتلو آياتها، ألتمس الطمأنينة..
كأني أركب سفينة، في بحر هائج يموج بها، يمنعها، يلعب بها، يحرف سيرها..
أرقب في الأفق أملا، وأخشى ليلا مدلهما، وصبحا فجره لا يبزغ.
---------------
عشنا في زمان، لا نخاف إلا الله، والذئب على الغنم..
عشنا في الأفراح، لا نعرف الأتراح.
في بيت متواضع من طين، نشأنا، وعشنا.. نأكل ما تيسر، لا نرى اللحم إلا في الشهر مرة، وفي الأضحى.
نركب أحيانا، ونمشي دوما..
ننام بعد العشاء، ونصحو عند الفجر.. نسير مع الكون، في صبحه وليله..
الرجال ينطلقون إلى معاشهم، وفي الليل لباسهم..
والنساء سكن النفوس، وزهرات البيوت، مصونات..
إذا خرجن أفسح الطريق لهن.. عفيفات:
يخبئن أطراف البنان من التقى ***** ويخرجن جنح الليل معتجرات.
الأطفال يلعبون، بالتراب، والطين.. لعبهم يبتكرون، فرحهم دائم، وحزنهم زائل.. على الحب يجتمعون.
-----------------
لم نكن نفقه كثيرا من العلم، لكن الإيمان يعمر القلوب.. لا تعرف إلا الصدق.
لم نكن نعرف طرائق علم النفس، ولا علم الاجتماع، ولم نسمع بالرقاة، ولا أطباء النفس..
غير أننا عشنا في سكون وطمأنينة، لا نشكو ضجرا، ولا اكتئابا..
حياتنا مملوءة بالألفة، والمحبة، وسلامة الصدر، وصدق المودة، والعطف والتراحم..
كنا فقراء: نعم.
لكن أغنياء، بالقناعة، والرضا، والتوكل على المولى..
--------------------
بيوتنا الضيقة، ذات الغرفة، والغرفتين، والثلاث، في مساحة أرض لا تتجاوز 10متر مربع، كانت في أعيننا واسعة، يقطنها عشرة، من غير تزاحم، ولا ضيق.
نفوسنا المنشرحة، وقلوبنا الفرحة: وسّعتها، وكبّرتها، في أعيننا..
----------------------
كان ذلك فيما مضى..
واليوم.. تغير كل شيء؟؟!!..
http://saaid.net المصدر:
=============
لقاء وعبرة
د. حياة بنت سعيد با أخضر(16/163)
تقول إحدى الممثلات لما سُئلت عن أحد أفلامها: أثناء تصوير الفيلم هل قابلتك بعض المشكلات والصعوبات؟ فقالت: بالفعل واجهتني، ففي الفيلم أجسد شخصية فتاة مدخنة بشراهة لا تفارق السيجارة يدها، في حين أني كنت لا أحب السجائر، ولا أطيق رائحتها، وعندي حساسية منها، ولكن المخرج أصر على أن أتمرن على التدخين لمدة شهرين قبل بداية التصوير، وبالفعل تدربت، وهذا كان ضرورياً جداً لتظهر الشخصية كما أرادها المخرج والكاتب..
أخيتي: بعد قراءتك لهذه الأسطر أقول لك أيتها المسلمة العبر الآتية التي نستخلصها:
تذكري قول عمر - رضي الله عنه - " اللهم أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة"، فتأملي أهل الباطل كيف هم صبورون ومثابرون للوصول إلى مبتغاهم، وأنت المسلمة صاحبة الحق ومن أهل الدين الخالد عاجزة عن أن تتوقفي عند التدخين، بل وعاجزة عن التوبة الصادقة من بقية المعاصي كالغناء والغيبة والملابس العارية!!
قالت الممثلة: "كنت لا أحب السجائر، ولا أطيق رائحتها، وعندي حساسية منها.. أسباب قوية ومانعة من التدخين تعود إلى فطرة سوية وأمراض عضوية، ورغم هذا شوهت ومسخت فطرتها النقية، ورضيت أن تعيش آثاراً مدمرة لأمراضها العضوية.. فعلت كل هذا من أجل فيلم سينمائي!! وأنت ماذا فعلت لتنقذي نفسك من أخطار التدخين وبقية المعاصي المدمرة التي تتعدى عقوباتها الدنيا إلى الآخرة.
تقول الممثلة: "ولكن المخرج أصر على أن أتمرن على التدخين"!! فأقول لك يا أختي المسلمة المدخنة: كم عدد الذين أمروك بترك التدخين وأصروا عليك في ذلك؟ لا شك أنهم كثيرون.. وأول من أمرك بهذا خالقك ورازقك - سبحانه وتعالى- لأنها من الخبائث المحرمة. فقد قال - تعالى -: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) ثم والداك الحبيبان، ثم إن كان لك زوج وأبناء، ثم كل المجتمع من حولك، ثم صحتك التي تهمك قبل أي شخص، ثم مكان عملك، ثم مكة حرم الله الآمن الذي نهينا عن إيذاء شجره وطيره والتقاط لقطته.. فهل حسبت حساب هؤلاء؟ هل توقفت عند تحذيراتهم لك وحبهم الدافق نحوك؟ ألم يكفك قوله - تعالى -: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"؟! هل.. ؟! وهل.. ؟! وهل.. ؟!
توقفي أيتها الحبيبة أليس فعل هذه الممثلة التي استجابت لأوامر مخرج لا يهمه مصلحتها أو صحتها وهي تعلم يقيناً أن همه الأكبر نجاح الفيلم وتحقيق الإيرادات المالية الضخمة، ورغم علمها بكل ذلك استسلمت ونفذت في المدة المحددة لها وهي شهران ونصف لتتحول إلى مدخنة شرهة. وأنت يمهلك الجميع وقتاً كافياً ولم تستجيبي!!
تقول في آخر لقائها: لتظهر الشخصية كما أرادها المخرج والكاتب!!
انظري إلى مدى الطاعة العمياء لرغبات بشر مثلها! لو اجتمعوا على أن يضروها بشيء فلن يضروها إلا بشيء قد كتبه الله عليها!! ولكنها وضعت حساباً دنيوياً خالصاً وخاصاً وهو ظهورها بالشخصية المطلوبة، ليس من أجل المخرج والكاتب، ولكن من أجل نفسها في الحقيقة، فهي تريد أن تظهر في صورة الممثلة القديرة الذكية فيتهافت عليها المخرجون وتكسب الآلاف وتصبح مشهورة يشار إليها بالبنان في كل مكان!!
وأنت يا أختي المسلمة المدخنة: هل أعدتِ حسابك وكنت أذكى منها في أن تقدمي نفسك خالصة لله - تعالى -. وتكونين فقط أمةً منفذة لأوامره فتفوزين بنعيم الدنيا والآخرة خير وأبقى.
وأخيرا.. أرأيت كيف يعمل أعداؤنا وأتباعهم من أبناء المسلمين على حربنا وتدميرنا واجتثاث جذورنا الدينية العميقة ونحن نضحك لهم ونصفق!! بل وندفع أموالنا رخيصة لهم لنشاهد صوراً لفتاة مدخنة بشراهة، تعلمنا وتعلم أجيالنا كيف نستسهل الوقوع في المعاصي!
http://www.lahaonline.com المصدر:
=========
وذكرهم بأيام الله
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فلم تكن الأحداث التي وقعت في أمريكا وأفغانستان مؤخراً هي الأولى من الأحداث الفارقة في التاريخ، ولن تكون الأخيرة؛ فتاريخ البشر حافل بأقدار من الخير والشر دارت بشأنها سنن، وجرت بسببها ابتلاءات، وحصلت بعدها تغيرات في أحوال الأفراد والمجتمعات والأمم.
كان بوسعنا أن نسجل عدداً من الآراء في نقاط تُظهر ما تتبناه المجلة من موقف تجاه الأحداث، ولكنا آثرنا أن نستخرج من خلال نصوص الوحي مواقفنا جميعاً؛ فما أشد احتياجنا واحتياج الناس كلهم في أزمنة الشدائد إلى النظر في الثوابت الشرعية والسنن الإلهية؛ لنقيس عليها الأمور ويعتبروا بها في التغيير، وينطلقوا منها في التأملات والتوقعات والتحليلات؛ ومن ثم في التحركات والتصرفات وأداء الواجبات.
فالأيام لا تزال تتوالى بجديد، بين خير وشر، ونفع وضر، ومحن ومنح يُختبر بها العالمون {ليعلم الله من يخافه بالغيب } [المائدة: 94].(16/164)
ومخافة الله بالغيب تعني الالتزام بطاعته طمعاً في ثوابه وخوفاً من عقابه؛ وهذا لا يكون إلا بالإذعان لأحكامه الشرعية الدينية، والإيمان بأحكامه القدرية الكونية. إن هذا الالتزام دعت إليه الرسالات كلها تحقيقاً للمعنى الشامل للتوحيد المتضمن إفراد الله - تعالى - بالطاعة تحقيقاً لعبادته والإيمان المطلق بقيُّوميته، وهذا هو المعنى الذي هتف به يوسف * عندما قال: {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدو إلا إياه ذلك الدين القيثم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [يوسف: 40]؛ فالدين القيِّم يتضمن إفراد الله - تعالى - بالحكم شرعاً وقَدَراً، وقد صرَّح بهذا المعنى قبل يوسف أبوه يعقوب - عليهما السلام - فقال: {إن الحم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون} [يوسف: 67]، وهو المعنى نفسه الذي أمر الله - تعالى - خير الأنبياء وسيد المرسلين محمداً - صلى الله عليه وسلم - أن يعلنه في العالمين بأفصح لسان وأصرح بيان: {قل إني نهيت أن أعبد الذي تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين (56) قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين..} [الأنعام: 55 - 67].
حكم الله إذن يتضمن نوعين: حكماً تشريعياً للعمل والامتثال، وحكماً كونياً يُجري به الله - تعالى - المقادير في الدنيا بحسب مواقف الناس من الحكم الشرعي. وأحكام الله القدرية تتضمن ما يُطلق عليه: السنن الإلهية، وهي تلك القوانين التي تجري على وفقها المقادير؛ فلا تقبل التخلف ولا تتعرض للتبديل {سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ْ} [الإسراء: 77]، {سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا} [فاطر: 43].
والله - تعالى - أراد من عباده أن يفقهوا سننه الكونية مثلما هداهم إلى سننه الشرعية، فقال - سبحانه -: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم } [النساء: 26]، قال ابن كثير: «عليم حكيم في شرعه وقدره، وأفعاله وأقواله»(1).
إن من سنن الله التي تجري عليها الوقائع والحوادث هي المسماة في القرآن: (أيام الله)، وكما أن السنن تحتاج إلى من يستخرجها، ويعرِّف بها؛ فإن أيام الله تحتاج إلى من يلحظها ويذكِّر الناس بها، وهي تجري على البر والفاجر، والمؤمن والكافر. قال - تعالى - عن نبيه موسى - عليه السلام -: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} [إبراهيم: 5]، ومعنى أيام الله في الآية: «وقائع الله في الأمم السالفة، والأيام التي انتقم فيها من الأمم الخالية»(2)، وقال الطبري في معنى: {وذكرهم بأيام الله}: «وعِظْهُم عما سلف في الأيام الماضية لهم بما كان في أيام الله من النعمة والمحنة»(3).
إن ها هنا معنى عظيماً، وهو أن أيام الله هي تفسير لسنن الله؛ فتلك السنن ليست معاني مجردة أو افتراضات محضة، بل هي حُكم وتطبيق، ودرس وشرح، وعظة وعبرة، ولكن ها هنا أيضاً معنى أعظم، يحتاج إلى تأمل وتدبر وهو أن: (أيام الله) التي تفسر سنن الله ليست ماضية فقط، بل هي حاضرة أيضاً ومستقبلة؛ فكما جرت بشأن السنن أيام ووقائع في الماضي الغائب عنا؛ فهي تجري في الحاضر المحيط بنا والمستقبل البعيد منا.
وكل هذا يؤكد الفائدة العظمى والأهمية القصوى للنظر في تلك السنن واستحضار الحقائق المحتفَّة بها؛ لأنها حكم الله الذي لا يُخالَف ولا يستطيع أحد عصيانه؛ فلئن كان بإمكان العصاة أن يخالفوا حكم الله الشرعي؛ فإن أحداً من الخلق لا يستطيع الخروج قيد أنملة عن حكمه القدري، وتجيء (أيام الله) بما فيها من محن أو منح لتثبت ذلك.
ما أحوجنا في أزمنة الأحداث الجسام إلى أن نذكِّر أنفسنا ونذكِّر الناس بأيام الله، وأن نبصِّر أنفسنا ونبصِّر الناس بسنن الله الكونية القدرية مع إرشادهم إلى سننه الدينية الشرعية؛ فالأحداث الكبرى قد تطيش فيها عقول، وتذهل فيها أفئدة، وقد تزل فيها أقدام أقوام، وتضل أفهام آخرين، ولا يثبت إلا من ثبَّته الله، {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} [إبراهيم: 27].
إن تلك الآية نفسها تشير إلى عدد من الأحكام القدرية والسنن الإلهية؛ فهي تفيد أن الله - تعالى - قضى قدراً بأنه لا يثبت أمام فتن الدنيا والآخرة إلا من يثبته الله، وتثبيت الله إنما يكون لمن هداه إلى كلمة لا إله إلا الله بمعناها الشامل المقتضي إفراده - سبحانه - بالمحبة والخوف والرجاء؛ فمن أحب الله وحده، ورجا الله وحده، ولم يخف إلا من الله وحده فذلكم الثابت بتثبيت الله. والآية أيضاً تفيد أن الثبات يذهب عمن أخل بذلك فظلم نفسه بمحبة غير الله ـ على وجه التعبد ـ أو صرف رجاءه أو خوفه لغير الله {ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء}.
إن الزمان كلما تقارب كان فعل الفتن في الناس عجيباً؛ لأنها تتوارد وتتكاثر حتى يرقق بعضها بعضاً، وتتابع بالهلاك على أقوام ما كانوا يظنون أو يظن الناس فيهم أنهم يفتنون ـ حيث تجيء الفتنة، فيقول المؤمن ـ كما جاء في الحديث ـ: «هذه مهلكتي ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه»(4)، ولا يزال الأمر في تصاعد وتزايد حتى تتغير الأحوال من تنقُّل بين فتنة وفتنة إلى تقلُّب بين كفر وإيمان ـ عياذاً بالله ـ؛ حيث «يصبح الرجل مؤمناً أو يمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا»(5).(16/165)
فالناس مواقف في أزمنة الشدائد، ومواقفهم بحسب معادنهم؛ فالمعادن الأصيلة تجلِّيها نار الاختبار، أما الرخيصة فتُنفى مع الخبث.
إن كل موقف من المواقف له حكم شرعي، وعلى كل موقف ديني ينبني حكم قدري كوني في الدنيا وحكم جزائي في الآخرة؛ ذلك أن الأحكام الجزائية في الآخرة ـ ثواباً أو عقاباً ـ هي امتداد للأحكام الكونية والسنن الإلهية في الدنيا، وكلاهما يُبنى على الطاعة أو العصيان.
نحن هنا لا نتحدث عن أحداث أمريكا الأخيرة، أو ما تولدت عنه، حيث إن ذلك قد أفاض الناس في الكلام عنه منددين أو مؤيدين، ولكنا نتحدث عن صراعات ستجري وأحداث ستتفاقم خلال مراحل يبدو أنها ستتتابع على شكل سلسلة من التغيرات الحادة في العالم ـ والله أعلم ـ؛ فما الذي يحكم كل ذلك؟
أولاً: سنن الله في موجبات التغيير:
حركة التغيير على مستوى الأمم والجماعات والأفراد لا تتوقف؛ فإما أن تكون إلى الأحسن وإما أن تكون إلى الأسوأ؛ فأما التي إلى الأحسن، فتحكمها السنة القائلة: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد: 11].
فما من أهل قرية ولا بيت ولا بلد كانوا على ما كره الله من المعصية، ثم تحوَّلوا عنها إلى ما أحب من الطاعة إلا حوَّلهم الله عما يكرهون من العذاب إلى ما يحبون من الرحمة (6)، وأما التغيير إلى الأسوأ فتحكمه السنة القائلة: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم (53) كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين} [الأنفال: 53، 54].
ثانياً: سنن الله في موجبات العز أو الذل:
العزة لله وإلى الله كلها، وقد كتب العزة قدراً للمستقيمين على دينه شرعاً، فبقدر استقامتهم تكون عزتهم، قال ـ سبحانه -: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون } [المنافقون: 8]، وقد أخبر - سبحانه - أنه وحده الذي يعز ويذل: {وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير} [آل عمران: 26]؛ ولهذا فإن من أراد العزة فليستمدها منه وحده: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعا} [فاطر: 10]، أما الذين يريدون أن يستمدوا العزة من عند غير الله، فأولئك لهم شأن آخر مع الله. قال - سبحانه -: {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما (138) الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا (139) وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا } [النساء: 138 - 140]. وهذا ذل الدنيا والآخرة، الذي أعلم الله به كل من يحادُّ دينه ويعادي أولياءه: {إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين } [المجادلة: 20].
ثالثاً: سنن الله في موجبات النجاة:
يتطلع الناس إلى النجاة إذا جاء أمر الله بالانتقام أو العذاب الشديد بالكوارث والمحن أو الحروب والفتن، وقد يعم العذاب بذلك في الدنيا، ثم ينجي الله - تعالى - من أراد نجاته في الآخرة، ولكن تقوى الله - تعالى - في أوقات الرخاء تنجي وقت الشدة؛ تنجي على الأقل من الفتنة، وهي أعظم النجاة. قال - تعالى -: {ثم ننج رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين} [يونس: 103]. وقد نجى الله أصنافاً وأصنافاً من المؤمنين من الرسل وأتباع الرسل (عليهم صلوات الله وسلامه) من أنواع شتى من المحن والفتن، نجى نوحاً: {فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم} [الأنبياء: 76]، وهوداً: {ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا} [هود: 58]، وصالحاً: {فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه} [هود: 66]، وإبراهيم: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجيناه من النار} [العنكبوت: 24]، ولوطاً: {وإن لوطا لمن المرسلين (133) إذ نجيناه وأهله أجمعين ّ} [الصافات: 133، 134]، ويونس: {فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبياء: 88]، وموسى: {وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا} [طه: 40]، وعيسى: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} [النساء: 157]، {بل رفعه الله إليه} [النساء: 158]، ومحمداً (صلوات الله عليه وعلى جميع رسل الله): {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40]، نجَّى الله هؤلاء الرسل ونجَّى أتباعهم من نوائب وشدائد ومصائب حلت بأقوامهم، وقد كان الدعاء بالنجاة ـ بعد تحقيق الإيمان ـ هو أقرب سبل النجاة، ولا يشابهه في الأثر إلا القوة في القيام بالحق وقت الفتن، والجرأة على إنكار المنكر رغم المحن. قال - تعالى - عن رهط من قوم موسى - عليه السلام -: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن
السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون}. [الأعراف: 165].
رابعاً: سنن الله في موجبات الهلاك:
القانون في ذلك، أن الله - تعالى - لا يهلك أمة ظلماً، ولا يهلك أمة بغير نذير وتحذير. قال - سبحانه -: {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} [الأنعام: 131]، فلا بد من انحرافٍ ما يستوجب الهلاك، وقد نص القرآن على عدد من الانحرافات المستوجبة للهلاك الذي قد يكون هلاك استئصال أو هلاك تعذيب واختبار، وقد يسلط العذاب على الكافرين، وقد يُبتلى به بعض المسلمين؛ إذ إنهم لا يخرجون عن السنن الإلهية إذا فرطوا في الشرائع الدينية.
ومن موجبات الهلاك التي تجري بها سنن الله:(16/166)
* الظلم والطغيان: قال - تعالى -: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين } [يونس: 13]، وقال: {فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد} [الحج: 45]. {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا } [الكهف: 59]، وقد أخبر القرآن أن الظلم والطغيان كانا يقبعان خلف إهلاك أمم عظمى وقوى كبرى كانت ذات عمارة وحضارة. قال - سبحانه - {وأنه أهلك عادا الأولى (50) وثمود فما أبقى(51) وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى (52) والمؤتفكة أهوى (53)فغشاها ما غشى }. [النجم: 50 - 54].
* البطر والأشر وعدم الشكر: قال - تعالى - عن قارون: {قال إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون (78) فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم } [القصص: 78، 79]، وقال - سبحانه -: {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين }. [القصص: 58].
* الجبروت والبطش: قال - تعالى -: {وكم أهلكنا من قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص } [ق: 36]، وقال: {فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين ّ} [الزخرف: 8].
* التجاوز في السفاهة والتعالي بالترف والفسوق: قال - تعالى - عن قومٍ: {قالوا سواء علينا أوعظت أو لم تكن من الواعظين (136) إن هذا إلا خلق الأولين (137) وما نحن بمعذبين (138) فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين } [الشعراء: 136 - 139]، وقال - سبحانه - عن موسى وقومه: {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين } [الأعراف: 155].
وقال - سبحانه -: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها فسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدمير } [الإسراء: 16].
* السكوت عن قول الحق وترك الإصلاح: قال - تعالى -: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين (116) وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} [هود: 116، 117].، وقال - سبحانه -: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصةْ} [الأنفال: 25]، والفتنة هنا هي المحن التي تصيب المسيء وغيره إذا لم تُدفع وتُرفع(7).
* موالاة الظالمين: قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور } [الممتحنة: 13] وقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين (51) فترى الذين ف قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} [المائدة: 51، 52]. وقال - سبحانه -: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا}. [النساء: 144].
* معاداة المؤمنين: قال - تعالى -: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} [الأنفال: 73].
خامساً: سنن الله في موجبات الهزيمة والخذلان:
* التفرق والتنازع: قال - تعالى -: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}. [الأنفال: 46].
* طاعة الأعداء واتخاذ البطانة منهم: قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون} [آل عمران: 118]. وقال: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين} [آل عمران: 149]، وقال: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم (25) ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم (26) فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم (27) ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم } [محمد: 25 - 28].
سادساً: سنن الله في موجبات النصر والتمكين:(16/167)
رُبط تحقيق النصر لأهل الإسلام بتحقيق الإيمان ونصرة الدين. قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} [محمد: 7]، وقال: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده} [آل عمران: 160]، وقال: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} [الحج: 40]، وقال: {ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين} [الروم: 47]، وقال: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} [الحج: 39، 40]، ونصرة الدين تتضمن الامتثال له، والقيام به، ووحدة الصف من أجله والصبر عليه، والجهاد في سبيله.
وأخيراً: لا بد أن يعلم الناس أن هذا الدين منصور، وأن الله - تعالى - قد قيَّض له طائفة لا يخلو منها زمان إلى آخر الزمان، ومن صفات هذه الطائفة:
1 - أنها على الحق والسنة.
2 - أنها ظاهرة على هذا الحق معلنة به.
3 - أنها منصورة بالحق مقاتلة عليه.
4 - أنها محفوفة بمن يسلمونها ويخذلونها.
5 - أنها محاطة بالمخالفين.
6 - أنها لا يضرها هذا الخذلان وتلك المخالفة.
7 - أنها جامعة لشرائح مختلفة من الأمة.
8 - أن الله يبعث منها المجددين للدين.
9 - أنها لا تنحصر بمكان واحد؛ ولكن تتنقل عبر الزمان في أكثر من مكان.
10 - أنها باقية إلى يوم القيامة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال عصابة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس»(8).
إن كل السنن الإلهية المذكورة، وغيرها كثير تحققت بشأنها أقدار ووقائع، وتواريخ وحوادث هي من (أيام الله) وقد مضت بها سنة الأولين وستمضي عليها سنن الآخرين، وقد ظل الإسلام عزيزاً شامخاً، وسيبقى كذلك إلى ما شاء الله؛ فلنتدارس هذه الأيام والسنن، ولنذكِّر الناس بها، فالخوف ليس على الإسلام، ولكن على من يتخلف عن ركب الإسلام.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير ابن كثير، (1/522).
(2) تفسير القرطبي، (9/342).
(3) تفسير الطبري، (7/122).
(4) أخرجه: مسلم، رقم (1844)، وأحمد (11/47).
(5) أخرجه مسلم، رقم (118)، والترمذي، رقم (2196).
(6) انظر هذا المعنى في تفسير ابن كثير، (2/554).
(7) انظر: تفسير ابن كثير، (2/331).
(8) أخرجه مسلم، رقم (1037).
http://albayan-magazine.com المصدر:
==============
وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد المرسل رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، وعلى آله وأصحابه الذين حملوا كتاب ربهم - سبحانه -، وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إلى من بعدهم، بغاية الأمانة والإتقان، والحفظ التام للمعاني والألفاظ - رضي الله عنهم - وأرضاهم وجعلنا من أتباعهم بإحسان.
أما بعد: فقد أجمع العلماء قديماً وحديثاً على أن الأصول المعتبرة في إثبات الأحكام، وبيان الحلال والحرام في كتاب الله العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وثم سنة رسول الله - عليه الصلاة والسلام - الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، ثم إجماع علماء الأمة واختلف العلماء في أصول أخرى أهمها القياس، وجمهور أهل العلم على أنه حجة إذا استوفى شروطه المعتبرة، والأدلة على هذه الأصول أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر.
أما الأصل الأول: فهو كتاب الله العزيز، وقد دل كلام ربنا - عز وجل - في مواضع من كتابه على وجوب اتباع هذا الكتاب والتمسك به، والوقوف عند حدوده، قال - تعالى -: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون) (الأعراف/3)، وقال - تعالى -: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون) (الأنعام/ 105). وقال - تعالى -: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم) (المائدة/ 15 16). وقال - تعالى -: (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) (فصلت/ 41 42). وقال - تعالى -: (وأوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) (الأنعام/ 19). وقال - تعالى -: (هذا بلاغ للناس ولينذروا به) (إبراهيم/ 52).
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقد جاءت الأحاديث الصحاح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آمرة بالتمسك بالقرآن والاعتصام به، دالة على أن من تمسك به كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلال، ومن ذلك ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: في خطبته في حجة الوداع: (إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله) رواه مسلم في صحيحه، وفي صحيح مسلم أيضاً عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به(، فحث على كتاب الله، ورغب فيه، ثم قال: (وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي)، وفي لفظ قال: (في القرآن هو حبل الله من تمسك به كان على الهدى ومن تركه كان على الضلال).(16/168)
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وفي إجماع أهل العلم والإيمان من الصحابة ومن بعدهم على وجوب التمسك بكتاب الله والحكم به والتحاكم إليه، مع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما يكفي ويشفي عن الإطالة في ذكر الأدلة الواردة في هذا الشأن.
أما الأصل الثاني: من الأصول الثلاثة المجمع عليها، فهو ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان، يؤمنون بهذا الأصل الأصيل، ويحتجون به ويعلمونه الأمة، وقد ألفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة، وأوضحوا ذلك في كتب أصول الفقه والمصطلح، والأدلة على ذلك لا تحصى كثرة، فمن ذلك ما جاء في كتاب الله العزيز، من الأمر باتباعه وطاعته، وذلك موجه إلى أهل عصره ومن بعدهم، لأنه رسول الله إلى الجميع، ولأنهم مأمورون باتباعه وطاعته، حتى تقوم الساعة، ولأنه - عليه الصلاة والسلام - هو المفسر لكتاب الله، والمبين لما أجمل فيه بأقواله وأفعاله وتقريره، ولولا السنة لم يعرف المسلمون عدد ركعات الصلوات وصفاتها، وما يجب فيها، ولم يعرفوا تفصيل أحكام الصيام والزكاة، والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يعرفوا تفاصيل أحكام المعاملات والمحرمات، وما أوجب الله بها من حدود وعقوبات.
ومما ورد في ذلك من الآيات قوله - تعالى - في سورة آل عمران: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) (آل عمران/ 132)، وقوله - تعالى - في سورة النساء: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) (النساء/59).
وقال - تعالى - في سورة النساء أيضاً: (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً) (النساء/80). وكيف تمكن طاعته ورد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله، إذا كانت سنته لا يحتج بها، أو كانت كلها غير محفوظة، وعلى هذا القول يكون الله قد أحال عباده إلى شيء لا وجود له، وهذا من أبطل الباطل، ومن أعظم الكفر بالله وسوء الظن به، وقال - عز وجل - في سورة النحل: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (النحل/44)، وقال فيها أيضا: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) (النحل/ 64). فكيف يكل الله - سبحانه - إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - تبيين المنزل إليهم، وسنته لا وجود لها أو لا حجة فيها، ومثل ذلك قوله - تعالى - في سورة النور: (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين) (النور/54). وقال - تعالى - في السورة نفسها: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون((النور/56)، وقال في سورة الأعراف: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) (الأعراف/ 158).
وفي هذه الآيات الدلالة الواضحة على أن الهداية والرحمة في اتباعه - عليه الصلاة والسلام -، وكيف يمكن ذلك مع عدم العمل بسنته، أو القول بأنه لا صحة لها، أو لا يعتمد عليها، وقال - عز وجل - في سورة النور: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (النور/63)، وقال في سورة الحشر: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (الحشر/7)، والآيات في هذا المعنى كثيرة كلها تدل على وجوب طاعته - عليه الصلاة والسلام -، واتباع ما جاء به، كما سبقت الأدلة على وجوب اتباع كتاب الله، والتمسك به وطاعة أوامره ونواهيه، وهما أصلان متلازمان، من جحد واحداً منهما فقد جحد الآخر وكذب به، وذلك كفر وضلال، وخروج عن دائرة الإسلام بإجماع أهل العلم والإيمان، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجوب طاعته، واتباع ما جاء به، وتحريم معصيته، وذلك في حق من كان في عصره، وفي حق من يأتي بعده إلى يوم القيامة، وفي ذلك ما ثبت عنه في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله) وفي صحيح البخاري عنه - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل يا رسول الله: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)). وخرج أحمد وأبو داود والحاكم بإسناد صحيح عن المقدام بن معدي كرب، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انه قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه).
وخرج أبو داود وابن ماجه بسند صحيح: عن ابن أبي رافع عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا ألفين أحدهم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه).(16/169)
وعن الحسن بن جابر قال: سمعت المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - يقول: (حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر أشياء ثم قال: يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ يحدث بحديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله). أخرجه الحاكم والترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح. وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان يوصي أصحابه في خطبته، أن يبلغ شاهدهم غائبهم، ويقول لهم: رب مبلغ أوعى من سامع ومن ذلك ما في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خطب الناس في حجة الوداع في يوم عرفة وفي يوم النحر، قال لهم: فليبلغ الشاهد الغائب، فرب من يبلغه له أوعى له ممن سمعه، فلولا أن سنته حجة على من سمعها وعلى من بلغته، ولولا أنها باقية إلى يوم القيامة، لم يأمرهم بتبليغها، فعلم ذلك أن الحجة بالسنة قائمة على من سمعها من فيه - عليه الصلاة والسلام - وعلى من نقلت إليه بالأسانيد الصحيحة.
وقد حفظ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنته - عليه الصلاة والسلام - القولية والفعلية، وبلغوها من بعدهم من التابعين، ثم بلغها التابعون من بعدهم، وهكذا نقلها العلماء الثقات جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن، وجمعوها في كتبهم، وأوضحوا صحيحها من سقيمها، ووضعوا لمعرفة ذلك قوانين وضوابط معلومة بينهم، يعلم بها صحيح السنة من ضعيفها، وقد تداول أهل العلم كتب السنة من الصحيحين وغيرهما، وحفظوها حفظاً تاماً، كما حفظ الله كتابه العزيز من عبث العابثين، وإلحاد الملحدين، وتحريف المبطلين، تحقيقاً لما دل عليه قوله - سبحانه -: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر/ 9)، ولا شك أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحي منزل، فقد - حفظها الله - كما حفظ كتابه، وقيض الله لها علماء نقاداً، ينفون عنها تحريف المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويذبون عنها كل ما ألصقه بها الجاهلون والكذابون الملحدون، لأن الله - سبحانه - جعلها تفسيراً لكتابه الكريم، وبياناً لما أجمل فيه من الأحكام، وضمنها أحكاماً أخرى، لم ينص عليها الكتاب العزيز، كتفصيل أحكام الرضاع، وبعض أحكام المواريث، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، الى غير ذلك من الأحكام التي جاءت بها السنة الصحيحة ولم تذكر في كتاب الله العزيز.
ذكر بعض ما ورد عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم في تعظيم السنة، ووجوب العمل بها.. في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وارتد من ارتد من العرب، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فقال له عمر - رضي الله عنه -: كيف تقاتلهم وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) فقال أبو بكر الصديق: أليست الزكاة من حقها، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها. فقال عمر - رضي الله عنه -: فما هو إلا أن عرفت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت انه الحق، وقد تابعه الصحابة - رضي الله عنهم - على ذلك، فقاتلوا أهل الردة حتى ردوهم إلى الإسلام، وقتلوا من أصر على ردته وفي هذه القصة أوضح دليل على تعظيم السنة، ووجوب العمل بها، وجاءت الجدة إلى الصديق - رضي الله عنه - تسأله عن ميراثها، فقال لها: ليس لك في كتاب الله شيء، ولا أعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضي لك بشيء وسأسأل الناس. ثم سأل - رضي الله عنه - الصحابة: فشهد عنده بعضهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الجدة السدس، فقضي لها بذلك، وكان عمر - رضي الله عنه - يوصي عماله أن يقضوا بين الناس بكتاب الله، فإن لم يجدوا القضية في كتاب الله، فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولما أشكل عليه حكم إملاص المرأة، وهو إسقاطها جنيناً ميتاً، بسبب تعدي أحد عليها، سأل الصحابة - رضي الله عنهم - عن ذلك، فشهد عنده محمد بن مسلمة والمغيرة ابن شعبة - رضي الله عنهما - بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في ذلك بغرة عبد أو أمة، فقضى بذلك - رضي الله عنه -، ولما أشكل عن عثمان - رضي الله عنه - حكم اعتداد المرأة(16/170)
في بيتها بعد وفاة زوجها، وأخبرته فريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعد رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بعد وفاة زوجها: أن تمكث في بيته حتى يبلغ الكتاب أجله، قضي بذلك - رضي الله عنه -، وهكذا قضى بالسنة في إقامة حد الشرب على الوليد بن عقبة، ولما بلغ علياً - رضي الله عنه - أن عثمان - رضي الله عنه - ينهى عن متعة الحج أهل علي - رضي الله عنه - بالحج والعمرة جميعاً، وقال: لا أدع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقول أحد من الناس، ولما احتج بعض الناس على ابن عباس - رضي الله عنهما - في متعة الحج، بقول أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - في تحبيذ إفراد قال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء!! أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقولون قال أبو بكر وعمر، فإذا كان من خالف السنة لقول أبي بكر وعمر تخشى عليه العقوبة فكيف بحال من خالفها لقول من دونهما، أو لمجرد رأيه واجتهاده؟ ولما نازع بعض الناس عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - في بعض السنة، قال له عبد الله: هل نحن مأمورون باتباع عمر أو باتباع السنة؟ ولما قال رجل لعمران بن حصين رضي الله عنهما: حدثنا عن كتاب الله، وهو يحدثهم عن السنة، غضب - رضي الله عنه - وقال: إن السنة هي تفسير كتاب الله، ولولا السنة لم نعرف أن الظهر أربع، والمغرب ثلاث والفجر ركعتان، ولم نعرف تفصيل أحكام الزكاة الى غير ذلك، مما جاءت به السنة من تفصيل الأحكام، والآثار عن الصحابة - رضي الله عنهم - في تعظيم السنة ووجوب العمل بها، والتحذير من مخالفتها كثيرة جداً.
ومن ذلك أيضا أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - لما حدث بقول - صلى الله عليه وسلم -: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، قال بعض أبنائه، والله لنمنعهن. فغضب عليه عبد الله وسبه سباً شديداً، وقال: أقول قال رسول الله وتقول: والله لنمنعهن، ولما رأى عبد الله بن المغفل المزني - رضي الله عنه -، وهو من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض أقاربه يخذف، نهاه عن ذلك وقال له: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحذف، وقال إنه لا يصيد صيدا ولا ينكأ عدواً، ولكنه يكسر السن ويفقأ العين، ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال: والله لا كلمتك أبداً، أخبرك ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن الخذف ثم تعود.
وأخرج البيهقي عن أيوب السختياني التابعي الجليل، أنه قال: إذا حدثت الرجل بسنة فقال: دعنا من هذا، وأنبئنا عن القرآن فاعلم أنه ضال. وقال الأوزاعي - رحمه الله -. السنة قاضية على الكتاب، أي تقيد ما أطلقه، أو بأحكام لم تذكر في الكتاب، كما في قول الله - سبحانه -: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (النحل/44). وسبق قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه)، وأخرج البيهقي عن عامر الشعبي - رحمه الله - أنه قال لبعض الناس: (إنما هلكتم في حين تركتم الآثار) يعني بذلك الأحاديث الصحيحة.
وأخرج البيهقي أيضاً عن الأوزاعي - رحمه الله - انه قال لبعض أصحابه: إذا بلغك عن سول الله حديث، فإياك، أن تقول بغيره، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مبلغاً عن الله - تعالى -.
وأخرج البيهقي عن الإمام الجليل سفيان بن سعيد الثوري - رحمه الله - أنه قال: إنما العلم كله العلم بالآثار، وقال مالك - رحمه الله -: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال أبو حنيفة - رحمه الله -: إذا جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلى الرأس والعين. وقال الشافعي - رحمه الله -: متى رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثاً صحيحاً فلم آخذ به، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب، وقال أيضاً - رحمه الله -: إذا قلت قولاً وجاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلافه، فاضربوا بقولي الحائط، وقال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - لبعض أصحابه: لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي، وخذ من حيث أخدنا، وقال أيضاً - رحمه الله -: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يذهبون إلى رأي سفيان، والله - سبحانه وتعالى- يقول: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (النور/63).
ثم قال: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله - عليه الصلاة والسلام -، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، وأخرج البيهقي عن مجاهد بن جبر التابعي الجليل أنه قال: في قوله - سبحانه -: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) (النساء/59). قال: الرد إلى الله الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول الرد إلى السنة.
وأخرج البيهقي عن الزهري - رحمه الله - انه قال: كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، وقال موفق الدين بن قدامة - رحمه الله - في كتابه روضة الناظر، في بيان أصول الأحكام، ما نصه: والأصل الثاني من الأدلة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة، لدلالة المعجزة على صدقه، ولأمر الله بطاعته، وتحذيره من مخالفة أمره. انتهى المقصود.(16/171)
وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسير قوله - تعالى -: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم) (النور/ 63). أي عن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو سبيله ومنهاجه وطريقته، وسنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائناً ما كان، لما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي فليخش وليحذر من خالف شريعة الرسول باطناً وظاهراً: (أن تصيبهم فتنة) أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة (أو يصيبهم عذاب أليم) أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس و نحو ذلك، كما روى الإمام احمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب اللائي يقعن في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها قال فذلك مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن الناس فتغلبوني وتقتحمون فيها) أخرجاه من حديث عبد الرزاق، وقال السيوطي - رحمه الله - في رسالته المسماة مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة ما نصه: (اعلموا رحمكم الله أن من أنكر أن كون حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة، كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى، او مع من شاء الله من فرق الكفرة) انتهى المقصود.
والآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم في تعظيم السنة، ووجوب العمل بها، والتحذير من مخالفتها كثيرة جداً، وأرجو ان يكون في ما ذكرنا من الآيات والأحاديث والآثار كفاية، ومقنع لطالب الحق، ونسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق لما يرضيه، والسلامة من أسباب غضبه، وأن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم إنه سميع قريب.وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
http://www.alsunnah.org المصدر:
==============
عشر وسائل لنشر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
عبد الله بن سليمان آل مهنا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، وبعد:
فإن الله - سبحانه وتعالى- أنعم على هذه الأمة بهذا الدين الخاتم، وتكفل - سبحانه - بحفظه، وشرّف بعض خلقه بأن هيأهم ووفقهم للقيام بهذا الأمر، فما يزال الرب - تبارك وتعالى - يبعث لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها، بل لا يخلو زمان من الأزمنة من طائفة منصورة قائمة بدين الله ظاهرة على أعدائها بالحجة والبيان تارة وبالسيف والسنان تارة أخرى، وهي في كلا الحالين قاهرة لعدوها، ظاهرة عليه كما صرّحت بذلك أحاديث الطائفة المنصورة.
ولا شك أن هذه الطائفة التي تقوم بدين الله هي خيرة الله من أهل زمانها كما قال - تعالى -: "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ... الآية" (القصص: من الآية68)، وقال: "وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ... الآية" (الحج: من الآية78)، وأهل هذه الطائفة هم الغرباء الذين ورد النص الصحيح في مدحهم وذكر أوصافهم، فهم أهل طوبى، وهم الذين ينازعون قبائلهم على دين الله، وهم الذين يكثرون من الخير إذا أقل الناس منه، وهم الذين يعاديهم ويناوئهم ويخذلهم الخلق حتى أقرب الناس إليهم، وقد وقع ذلك لكثير من المجددين في تاريخ الإسلام الطويل، ومن أولئك الإمام الأوحد، والعلم المفرد، مجدد القرن الثاني عشر الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - الذي قام بتجديد ما اندرس من دين الله في جزيرة العرب حتى ناوأه القريب قبل البعيد، ورماه خصومه الفكريين والسياسيين عن قوس واحدة إما حسداً وكبراً، وإما زيغاً وإمعاناً في الباطل، وكالوا له التهم التي لم تنسب إلى أكابر الطغاة وصناديد الكفر فضلاً عمن دونهم، وهو في ذلك كله صابر محتسب، متأسٍ بالأنبياء في الدعوة إلى الله والصبر على الأذى، مستيقناً بما هداه الله إليه من الحق الذي اختلفوا فيه وضلوا عنه.
ولما أراد الله الخير للناس في هذه الجزيرة على وجه الخصوص ولمن انتفع بدعوته في خارجها ثبّت الله الشيخ وقوّى عزمه وهيأ له رجالاً صادقين أولي بأس شديد شاركوه في حمل الدعوة وتبليغها إلى الآفاق، وهم: الإمام المجاهد محمد بن سعود، وأولاده من بعده وأعوانهم من أهل نجد وممن أحبهم وقبِل دعوتهم من أهل الحجاز والجنوب وغيرهم...
وكما أن تاريخ هذه الدعوة ثروة وشرف للآباء، فهو أيضاً مجد للأحفاد والأتباع، ولذا فمن أوجب الواجبات المحافظة على أصول تلك الدعوة، ومبادئها وتحرير العقول من الأوهام، ومقارعة المخالفين لها، ورد سهام الطاعنين والمشككين الذين لا يألون جهداً في كل زمان في صد الناس عنها والكذب عليها وتنفير الناس منها ولمز أتباعها.
كما أنه من الضروري في هذا المضمار السعي الحثيث لنشر تراث أئمتها لا أقول طباعة فحسب فإن ذلك قد حصل منه خير كثير - بحمد الله-، ولكن جدّت أساليب كثيرة للنشر ينبغي الاستفادة منها لنشر دعوة الشيخ في الآفاق منها:
1- إفراد الرسائل المختصرة والنبذ المفيدة على هيئة مطويات ونشرات.
2- تسجيل الرسائل والكتب على أشرطة (كاسيت وسي دي) بطريقة الإصدارات مع المؤثرات الصوتية الجذابة يذكر في أولها ترجمة للمؤلف.
3- عمل المسابقات الشرعية في حفظ المتون من مؤلفات الشيخ المجدد وغيره من أئمة الدعوة وتكثيف ذلك.(16/172)
4- أن تتبنى وزارة الشؤون الإسلامية أو غيرها من المؤسسات الدعوية إحداث موقع على شبكة الإنترنت باسم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ينشر فيه جميع تراث الشيخ وتلاميذه وكل من سار على طريقته في البلدان الأخرى ممن جعل همه نشر التوحيد الخالص، وكذا نشر كل ما كتب عن الشيخ وأئمة الدعوة من تراجم وبحوث ورسائل علمية، وكذلك ما كتب في تاريخ الدعوة من مؤلفات، وما كتب من ردود على الشبهات والطعون التي وجهت للشيخ ودعوته، وأن يصنف ذلك كله ويبوب ويرتب ترتيباً يسهّل الوصول إلى المعلومة المطلوبة.
5- أن تتبنى إذاعة القرآن الكريم تخصيص برنامج للقراءة في مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، على غرار قراءة الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - لفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -.
6- أن ينبري الشباب النشيطون المتحمسون لهذه الدعوة للدخول في الحوارات عبر ساحات الحوار في شبكة الإنترنت لرد شبهات الطاعنين على الدعوة، وتجلية الحقائق لدى من التبس عليه الأمر، والإحالة على المصادر الموثقة في هذا الموضوع، كل ذلك مع التزام أدب الحوار الإسلامي الذي يشعر الخصم بالحرص على تعريفه بالحق للحق دون تعصب لشخص أو عنصر...
7- أن ينشط طلاب العلم في تدريس وإقراء مؤلفات الشيخ وتلاميذه في المساجد والمدارس وأنشطة حلقات تحفيظ القرآن الكريم والمراكز الصيفية وغيرها من دور العلم والتربية، بل حتى في دوريات الأحياء السكنية في البيوت والاستراحات ونحوها.
8- أن ينشط أصحاب الأقلام من الصحفيين الإسلاميين وطلاب العلم في عرض موجز لرسائل الشيخ وأئمة الدعوة في الصحف والمجلات المحلية والعالمية.
9- أن تفرد الرسائل المختصرة من مؤلفات الشيخ وتلاميذه بالطباعة الفاخرة ليسهل اقتناؤها وحفظها، وتحقق تحقيقاً جيداً، وتخرج أحاديثها وآثارها، وذلك ييسر ويعين على حفظها واعتمادها في مقررات الدروس والدورات العلمية، وقد لاحظ الجميع عناية الناس بالقواعد الأربع والأصول الثلاثة وكشف الشبهات ونواقض الإسلام وكتاب التوحيد حفظاً وتدريساً لأجل العناية بإفرادها وحسن طباعتها وفوق ذلك مضمونها.
ولا ينبغي التخفي والتورية في اسم المؤلف، فهذا هو الحق الذي نعتقده لا نحابي فيه أحداً، ولا نستحي من الانتساب إليه، ونحن في زمن كل صار يجاهر بمذهبه وينافح عنه، فهلاّ جاهرنا بالمذهب الحق الذي ندين الله به.
10- إبراز الصور المشرفة والجوانب المضيئة في حياة أئمة الدعوة، سواءً ما يتعلق بالجانب الدعوي أو الجهادي أو التعبدي، ويكون ذلك بطرق متعددة منها:
- الجمع والتأليف واستنباط الدروس والعبر.
- النشر في المجلات والصحف.
- عن طريق المحاضرات والدورات العلمية في سير العلماء.
- جمع أخبارهم من أفواه كبار السن والمهتمين بالتاريخ، وتحديث الناس بها في المجالس ليرتبط ناشئة الأمة بهذا التاريخ المجيد فيتصل اللاحق بالسابق.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.
http://saaid.net المصدر:
============
أيها العلماء والدعاة احذروا أسباب التفرق : التشرذم، والانغلاق، وسوء الظن
من أشد الصحابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغضاً للاختلاف، وكرهاً للتفرق والتشرذم، وتحذيراً من كل الأسباب والوسائل التي قد تؤدي إلى ذلك، الخليفة الملهم المحدَّث الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، لإدراكه لخطورته ومغبة نتائجه، وفساد منقلبه، ولحدة فراسته لأنه كان ينظر بنور الله.
أخرج الإمام الطبري في تاريخه بسنده إلى ابن عباس - رضي الله عنهما -: (أن عمر - رضي الله عنه - قال لناس من قريش: بلغني أنكم تتخذون مجالس، لا يجلس اثنان معاً، حتى لا يقال: مَنْ صَحَابة فلان؟ مَنْ جلساء فلان؟ حتى تحوميت المجالس، وأيم الله إن هذا لسريع في دينكم، سريع في شرفكم، سريع في ذات بينكم، ولكأني لمن يأتي بعدكم يقول: هذا رأي فلان، قد قسموا الإسلام أقساماً، أفيضوا مجالسكم، وتجالسوا معاً، فإنه أدوم لإلفتكم، وأهيب لكم في الناس).
ها نحن نرى أن عمر فطن لسبب رئيس من أسباب تفرق الأمة، فحذر منه في الحال، ومنع من تعاطيه لما يخشى من نتائجه في المآل، ألا وهو التشرذم والانغلاق والتحزب المؤدي إلى تعدد الولاءات، وتفرق الأمة إلى طوائف وجماعات، وإعجاب كل فرقة بما تهواه من العقائد والمقالات، وسوء الظن بالمخالف، ولو في الوسائل والاجتهادات.
ينتج عن ذلك كله ما حذر منه رسول هذه الأمة، وهو الشح المطاع، والهوى المتبع، والدنيا المؤثرة، وإعجاب كل رأي برأيه، الذي هو من الطوام العظام، والفتن الجسام، حيث لا يجدي معه أمر ولا نهي، ولا نصح ولا رشد.
لقد خشي عمر - رضي الله عنه - أن تكون تلك المجالس والمنتديات نواة لتجمعات وتكتلات صغيرة، وبذرة للتفرق والتشتت المذموم، فمعظم النار من مستصغر الشرر، لذلك نهى عنها وحذر منها، من باب سد الذرائع؛ لأن التفرق في المجالس، والانغلاق عن المجتمع، ينتج عنه تفرق في الرؤى، فينتسب أهل كل مجلس إلى البارزين منهم، ويتعصبون لهم، ويعجبون بآرائهم، وأقوالهم، وتأخذهم حمية الألفة والاجتماع.(16/173)
لذات السبب عندما أراد الأنصار أن يتحزبوا بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سقيفة بني ساعدة، وقال سعد بن عبادة رضي الله عنه: منا أمير ومنكم أمير؛ رد عليه أبو بكر وعمر في الحال، فقالا: منا الأمراء ومنكم الوزراء؛ حسماً لمادة التحزب والتشرذم؛ لأن هذه الأمة سر قوتها في اجتماع كلمتها، وتوحد صفها، فالإسلام لا يقوم إلا بالجماعة، ونبذ الفرقة، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار"، أو كما قال.
المتقون سادة والفقهاء قادة، كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه -، والقادة ينبغي عليهم أن يترفعوا عن الصغائر، ويدركوا المخاطر، ويسعوا لرأب الصدع، ولَمِّ الشمل، وتوحيد الكلمة، قبل فوات الأوان، وحلول الندامة والخسران، فما لا يدرك كله لا يترك جله، ويكون ذلك بالآتي:
1. تحسين الظن بالآخرين، ونعني بذلك كل المسلمين، سيما أهل السنة، فكثير من أسباب الفرقة مردها إلى سوء الظن، وانعدام الثقة، فإذا حَسَّنَ أحدنا ظنه بأخيه المسلم، وحكم عليه بما ظهر منه، وسار فيهم بسيرة ابن عمر - رضي الله عنه -: "من خدعنا في الله انخدعنا له"، زالت كثير من تلك الأسباب، وصفت القلوب، واطمأنت النفوس.
2. إجابة الدعوات والإكثار من الزيارات في جميع المناسبات تذيب كثيراً من تلك الأوهام.
3. اللقاءات الدورية والندوات المشتركة والاجتماعات تقرب من وجهات النظر.
4. منع الأتباع من نقل الأخبار عن الغير، اللهم إلا من أهل البدع الكفرية، الداعين لبدعتهم، فكثير من الجفاء وتوغير الصدور مرده إلى تلك النقول، ولا تقل أخي الكريم أخبرني الثقة!! فالثقة لا يبلغ، كما قال ابن عمر - رضي الله عنه -، وإن كان لابد من ذلك فالتثبت واجب.
5. ما صح من المنقول إلينا علينا أن نحمله على أحسن وجه، عملاً بنصيحة عمر - رضي الله عنه -: "ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير مدخلاً، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك".
6. عدم الخوض في الجدل والمنازعات والخصومات، فعلينا بيان الحق وتجلية السنة، فمن قبل ذلك يُشكر ومن لم يقبله يترك.
7. لا نقصر حقوق المسلم على أفراد جماعتنا، فهي حقوق عامة لكل المسلمين، عصاة كانوا أم طائعين.
8. أن يشتغل كل منا بعيوبه وسلبيات جماعته، فما أكثر عيوبنا وما أخطر سلبياتنا.
9. الصبر والمداراة لإخوة العقيدة ورفقاء الدرب.
10. اعمل بالحكمة: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
11. أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون عدوك يوماً ما، وأبغض عدوك هوناً ما عسى أن يكون صديقك يوماً ما"، كما أثر عن علي - رضي الله عنه -.
12. توالي أخاك المسلم بقدر ما فيه من خير وإيمان.
13. تبرأ من الأعمال والأقوال السيئة ولا تتبرأ من فاعلها، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - عندما قتل خالد - رضي الله عنه - متأولاً بني جذيمة: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد"، ولم يتبرأ من خالد.
14. لا نحاسب على ما مضى، فالإسلام والتوبة تجبان ما قبلهما.
15. احذر مسلك أهل الأهواء الذين يبغضون ويقتلون أهل الإسلام، ويتركون ويوالون أئمة الكفر وعباد الأوثان.
أو أن يكون بغضك وعداوتك لمن فارقك وانفصل عنك أشد من بغضك وعداوتك لمن هو أسوأ معتقداً وعملاً منه، ولله در ابن عمر عندما قال عن الخوارج بسبب تكفيرهم لبعض: "ماذا تركوا من دناءة الأخلاق إلا أن يكفر بعضهم بعضاً".
فالدخول في جماعة تكون على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من باب التعاون على البر والتقوى، والخروج منها لغيرها لا يقدح بمفرده في عدالة المرء.
16. نعمل على أن لا تفترق صفوفنا وإن لم تتوحد آراؤنا.
والله أسأل أن يؤلف بين قلوب المسلمين، ويهديهم سبل السلام، وأن يجنبهم الفتن والآثام، وأن ينصرهم على أنفسهم وأعدائهم والشيطان، وصلى الله وسلم وبارك على محمد خير الأنام.
http://www.islamadvice.com المصدر:
============
أيها المجاهدون إنكم تقاتلون عن دين وعد الله بنصره
أيها المجاهدون في فلسطين، والعراق، والشيشان، وأفغانستان، وفي كشمير، وفي جنوب الفلبين، وفي كل مكان، اصبروا وصابروا ورابطوا فإنكم على الحق المبين والصراط المستقيم، فحسنوا نياتكم، وجددوا توباتكم، ووحدوا هدفكم لإعلاء كلمة الله وإقامة شرع الله: "فمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى فهو في سبيل الله".
أيها المجاهدون عن الإسلام، اعلموا وثقوا أنكم تقاتلون عن دين وعد الله بنصره، وتكفل بحفظه، وكتب بغلبته: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز"، وأمر بالذب والدفاع عنه، فانتم تتقلبون بين حسنتين، وتقاتلون لإحدى الحسنيين: الشهادة أو النصر.
كثير من المسلمين يلهث لتأمين رغباته ولتحقيق نزواته، أو لتأمين سلطانه، وأنتم مشغولون بالدفاع عن دينكم، وأعراضكم، وحريمكم، وإخوانكم، وأخلاقكم، عن قرآنكم وسنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم -.
أيها المجاهدون يكفيكم شرفاً وفخراً أنكم رفعتم الإثم عن إخوانكم الذين ركنوا إلى الدنيا، وأثاروا العاجلة على الباقية، برفعكم لراية الجهاد الواجب، وبدعمكم لإخوانكم المستضعفين الذين تخلى عنهم القريب قبل البعيد، والصديق قبل العدو.
اعلموا أيها المجاهدون أن الله معكم، ولن يدعكم لعدوكم ولا لأنفسكم، فمن كان الله معه فلا يخاف ولا يحزن، فأنتم الأعلون بإيمانكم وباعتمادكم على ربكم، وتوكلكم عليه، فالنصر آتٍ، والفرج قريب، لأنكم لا تقاتلون عدوكم بعددكم وعتادكم فحسب.(16/174)
لتكن لكم الأسوة الحسنة في إخوانكم في بدر، وأحد، والخندق، وغيرها من الغزوات والمواقع، الذين نصروا الله فنصرهم الله، وصدقوه فصدقهم، واستغاثوه فأغاثهم: "ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون. إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين"2، "الذين قال لهم الناسُ إن الناسَ قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل".
واحذروا أسباب الفشل والخذلان، وهي الذنوب والآثام، والتفرق، والتنازع، والانقسام، والعزوف عن الدعاء والاستغاثة وطلب النصر من الكريم المنان: "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسُّونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل عظيم".
اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على اليهود والنصارى والشيوعيين، اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم واجعلهم عبرة للمعتبرين، اللهم إنك تعلم أن الأمركان طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم يا ربنا صوت عذاب، اللهم أنزل عليهم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، وأرنا فيهم وفي عملائهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين، وصلى الله وسلم على رسوله الصادق الأمين.
http://www.islamadvice.com المصدر:
==========
معوقات أمام المرأة في الدعوة
عفاف فيصل
تظل الدعوة إلى الله - تعالى - من أنبل وأشرف المهن، كيف لا وهي مهمة الأنبياء والرسل الذين اصطفاهم الله من خيرة خلقه ليحملوا على عواتقهم مسئولية تبليغ هذه الدين للناس كافة؟ إن الدعوة إلى الله - تعالى - مجال خصب وميدان فسيح للجهاد في سبيل الله، فالمجاهد والداعية كلاهما يسلكان كل الطرق للوصول لهدف واحد.
وإن من المعلوم أن الفرد يجب أن تتوافر معه أدوات معينة كي يمارس هذا النوع من النشاط وليس المجال هنا مجالاً لبسطها - ويحلو لنا في بداية هذا الموضوع أن نؤكد على أن الدعوة إلى الله - تعالى - ليست حكراً على الرجال كما يظن البعض؛ بل إن الدعوة مهمة الرجل والمرأة على حدٍ سواء ويكون كل منهما لبنة في صرح هذا البناء الشامخ.
وتتبوأ المرأة في هذا الجانب موقعاً في غاية الأهمية كيف لا وهي مربية الأجيال والنواة الأولى لكل أسرة. ومما يؤكد لنا أهمية وضرورة ممارسة المرأة للدعوة وجود نصوص من الكتاب والسُنَّة تفيد اشتراك المرأة مع الرجل في خطاب التكليف قال - تعالى -: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}... وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكم منكر فليغيره بيده.. ".
وكذا وجود نص صريح خاص بتكليف النساء بالدعوة كقول الله - تعالى - في حق نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - {وقلن قولاً معروفاً}، وقوله أيضاً في حقهن{واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة}. كذلك من المعلوم أن الإسلام وضع ضمانات خُلقية للمرأة تتمثل في وجوب حشمتها عن الرجال الأجانب، وهذا يستوجب وجود داعيات في الوسط النسائي، ومن الأمور المؤكدة لأهمية وضرورة وجود الداعية في النساء وجود أعذار شرعية خاصة بالنساء لا يطلع عليها غيرهن فهن أقدر على الإيضاح فيما بينهن.
وإن كانت المرأة المسلمة قد كلفت شرعاً بالقيام بالدعوة إلى الله فإن ذلك التكليف مبني على عدة مسوغات وأسباب يتضح من خلالها مدى ما تحققه تلك المسوغات والأسباب من بيان شامل لإمكانية مشاركة المرأة بالدعوة، فإن المرأة في الغالب تكون أقدر من الرجل على بيان وتبليغ بعض ما يخص الوسط النسائي نظراً لتجانس الظروف. أضف إلى ذلك أن مجال تأثر المرأة بأختها سواء في القول أو في العمل والسلوك أكثر مما تتأثر المرأة فيه بالرجل، لأن فعل المرأة الداعية هو نفسه نوع من دعوة النساء بفعلها على عكس الرجل حيث يكلف بأمور لا تكلف بها وتكلف المرأة بما لا يكلف به الرجل. والمرأة بحكم معاشرتها لمجتمع النساء تستطيع أن تطرق المجالات كافة التي تحتاجها المرأة في مجال الدعوة. كذلك تميز الأولويات في القضايا الخاصة بهن وتستطيع وبشكل واضح ملاحظة الأخطاء سواء ما يتعلق بالعقيدة أو العبادات المفروضة أو السلوك مما يدفعها إلى التنبيه وتصحيح الخطأ.
ويتسنى للمرأة القيام بالدعوة الفردية الذي يصعب على الرجل القيام به مع تحريم الخلوة. كذا سهولة الاتصال وذلك من خلال المدرسة والزيارات المتكررة والهاتف.
بل إن المرأة الواعية لأهمية دورها لهي خير قائد وخير حامل لهذا اللواء خاصة، ونحن نؤمن فيما لا مجال للشك فيه أن مجتمع النساء بحاجة إلى تكلم المرأة الداعية الموجهة، مع وجود ذلك التيار القوي الذي يستهدف المرأة لكونها مربية الأجيال، فهو لن يهدأ حتى يخرج المسلمة من بيتها سافرة متبرجة تبيع دينها بعرض من الدنيا زائل.
إذاً فللمرأة في هذا المجال هموم وآمال وأفق جميل تنطلق إليه، ولكن قد يقف أمام تحقيقها عوائق ومصاعب ربما تقضي على مشروع المرأة الداعية في مرحلة من المراحل.
ويمكن تقسيم تلك المعوقات إلى نوعين:
الأول: هو نابع من المرأة نفسها فالسبب فيه عائد للمرأة نفسها.
الثاني: من قبل البيت الذي تعيش المرأة فيه ومدى دفعه ومنعه لها. ويشاركنا في مناقشة هذا الموضوع من زوايا مختلفة كل من: الشيخ سعد الغنام الداعية المعروف والأستاذة البندري العمر عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بالرياض.
ويحسن أن نبدأ الموضوع من المعوقات داخل البيت فيأتي في مقدمتها:
أولاً: الأعباء المنزلية:(16/175)
إننا إذا أمعنا النظر في نظام الحياة في العالم الإسلامي فيما يتعلق بخدمة البيت والزوج والأولاد لوجدنا أن طابع الحضارة الغربية والشرقية يكاد يسيطر على بيوت المسلمين. وإن استمرار هذا الطابع لهو أشد العوائق أمام المرأة عن الدعوة، وعلى ذلك فعلى الأمة إعادة رسم خارطتها الفكرية والعلمية من جديد على الأسس الموجودة في الكتاب وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - حتى تستطيع المرأة تحديد مسئوليتها في بيتها وأسرتها بدقة وفق وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث المسئولية الذي يتضمن "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها".
يقول الشيخ سعد الغنام في أثناء حديثه عن الأثر المترتب على إهمال المرأة الدعوة داخل نطاق البيت والأسرة قال: إن عجز المرأة عن إقامة محضنٍ تربوي في مقر بيتها، يعني شللها التام عن القيام بدور فعال في المجتمع الكبير، وهذا هو الواقع مع الأسف، ونرجو أن لا يكون ذلك سبباً للإحباط بقدر ما يكون دافعاً للتصحيح والنقد الهادف، التربويون يقولون بأن السنوات الأولى من حياة الطفل تترك آثاراً عميقة في نفسه، فهل يا ترى استشعرت المرأة المسلمة هذه المرحلة الذهبية للنقش والتكوين لتجذير مسائل العقيدة والأخلاق؟ ولا شك أن خلايا المجتمع تبدأ من الأسرة ولذلك سارعت وسائل الدمار العقدي والأخلاقي لتقويض دعائم الأسرة المسلمة، ومن ثم تفتيت المجتمع الإسلامي وإفراغه من محتواه.
كثيرة هي البيوت التي تضج بالمنكر بأنواعه وفنونه، ولا تخلو كذلك من وجود فتيات صابرات ويسكتن على ذلك على مضض ويستعظمن ممارسة الدعوة في بيوتهن رهبة وإكباراً لأمرها. الأستاذة البندري العمر عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة تضع إشارات على طريق من كانت تلك حالها تقول: لا بد من الصبر والمصابرة وعدم اليأس، والاستعانة بالله - تعالى - والاستمرار في الدعاء، ثم على من كانت تعاني من مثل هذا الحال أن تحرص على فن التعامل معهم واكتساب ذلك عن طريق القراءة في الكتب التي تعتني بالموضوع وسماع الأشرطة التي تتحدث عن ذلك؛ حتى تكسب قلوب أفراد عائلتها وإذا تم لها ذلك سهل الطريق أمامها، كما عليها أن تفقه الأولويات وكذلك تعرف المصالح والمفاسد وتعلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، كما عليها أن تسعى وتعمل لنقلهم من المعاصي إلى المباحات، فإذا تيسر وحان وقت العبادات التطوعية وتهيأت أنفسهم لها نقلتهم إليها، كما أن عليها أن تحرص على غرس احترامها في نفوسهم حتى لا يجاهروا أمامها بالمعصية فتضطر إما للسكوت على الإنكار أو الانفعال فيحسب عليها لا لها وينهدم ما قد بنته في أيام وليال، وعليها أن تحرص على التخلق بالحلم والصبر والأناة، وكذلك تحرص على الدعوة بطرق غير المباشرة كالثناء عليهم ثم استهجان بعض التصرفات التي تقع من الناس في مجلس آخر وقد تقع منهم، أو الثناء مع إظهار أنهم لا ينقصهم إلا ذلك الأمر فإن هذا يدعوهم لقبول النصح لذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل".
ثانياً: داخل البيت رب الأسرة:
أيضاً يدخل ضمن المعوقات داخل البيت رب الأسرة، فترى كثير من النساء أن رب الأسرة أباً كان أو أخاً أو زوجاً يمثل عائقاً أمام المرأة في الدعوة.
ويعود هذا العائق إلى عدة أسباب لعل من أبرزها:
أ- عدم اقتناع رب الأسرة بمسئولية المرأة الدعوية، فكثير هم أولئك الرجال الذين يهمشون دور المرأة ولا يرون أنها أهل لأي عمل علاوة على أن يكون عملاً دعوياً. فيظن أحدهم أن دور المرأة ينحصر في تربية الأولاد والقيام على شئون البيت وسد متطلباته وحسب، ولا يراها مجدية في غير ذلك؛ لكونه يرى كثرة الدعاة إلى الله والعلماء، وفي المقابل تراه يتحرج من سؤال زوجته أهلَ العلم إن هي اضطرت لذلك، مما يدل دلالة واضحة على أهمية انخراط المرأة في هذا المجال ولو على الأقل لسد حاجة النساء في أمور الفقه وغيرها.
ولعل غالب أحوال أولياء الأمور من هذا النوع عدم الاستقامة، لكن نقول أن على المرأة الداعية القيام بواجبها في الدعوة بأساليب الدعوة المعروفة.
كذلك من الأمور التي يمكن أن تكون عائقاً للمرأة عن الدعوة.
ب- سوء استخدام ولي الأمر للقوامة: فإن بعض أولياء الأمور لا يفهم من قوله - تعالى -: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض}إلا معنى التسلط وظلم المرأة وعدم إعطائها الحرية في مشاركته الرأي، في حين أن قوامة الرجل على المرأة إنما هي قوامة تنظيم وإدارة ورياسة عامة للأسرة ليس لأحد من أفرادها الخروج عليها، وإذا كان المسلم يعرف أن سبب إسناد هذه القوامة إليه من الله - عز وجل - إنما هو ما فضل الله به الرجال على النساء وبما أنفقوا؛ فإن هذه المكانة لا تعطيه حق ظلم رعيته أو توجيه الإهانة والازدراء لهم والتضييق عليهم.
ويؤكد الشيخ سعد الغنام ذلك فيقول: إن الوسطية والتوازن من أعظم النعم التي يمن بها - سبحانه - على عباده، وفي موضوعنا هذا هناك أناس محرومون من فتح باب الخير لمحارمهم للانطلاق في ميدان الدعوة، وهناك آخرون منفلتون في ذلك بدون ضوابط والتوفيق بيد الله.
ج- صعوبة المواصلات عقبة كئود أمام انخراط المرأة في الدعوة إلى الله، فالمرأة المسلمة الواعية تعرف أن دينها يحرم عليها التبرج والسفور والاختلاط والخلوة مع الرجل الأجنبي، كما أنه يحرم عليها السفر بدون محرم، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف تعمل المرأة الداعية في مجال الدعوة الذي يحتاج إلى الحركة والانتقال والاتصال بالأخوات لدراسة مشروع أو لإلقاء محاضرة أو غير ذلك؟(16/176)
وقد تكفل الدكتور أحمد بن محمد أبابطين الأستاذ المساعد في قسم الدعوة والاحتساب بالرياض بالإجابة عن هذا السؤال في كتابة المرأة المسلمة المعاصرة إعدادها ومسئوليتها في الدعوة. فقال: إن الله - سبحانه وتعالى- وضع للرجل والمرأة أحكاماً فقهية لا يجوز لأي منهما أن يتجاوزها، وهو كذلك لا يحاسب عباده على شيء لم يكلفهم به وما ليس في طاقاتهم كما قال - تعالى -: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} وعلى ذلك فما الذي يحرج المرأة الداعية في هذه القضية فتحمل نفسها ما لم تكلف به شرعاً، وهي تعلم علم اليقين أن لها أوضاعاً خاصة تختلف فيها عن الرجل، وهذه الأوضاع لها أحكام خاصة في الشريعة تتفق مع الفطرة التي خلقت عليها المرأة ولا ينبغي منها الخروج عنها.
عندما فرض الإسلام الحجاب في حق المرأة، وكلف الرجل بالقوامة عليها وأعطاها حقوقها كما قرر - سبحانه -: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة}كما أن للمرأة حق المعاشرة بالمعروف تنفيذاً لأمر الله - سبحانه - {وعاشروهن بالمعروف}وهذا الحق الذي لهن ومعاشرتهن بالمعروف وفق ما شرع الله يختلف من عصر إلى عصر، فإذا غلب على طابع العصر أن تخرج المرأة لطلب العلم أو للتعليم أو التطبيب أو أي خدمة اجتماعية أو زيارة أو حضور حفل؛ فإن من الحق الذي لهن ومعاشرتهن بالمعروف أن يؤمن لهن سبيل وصولهن إلى هذه الأماكن مع المحرم بعد إذن ولي المرأة.
ويضيف د. أحمد فيقول: وإذا أذن ولي أمر المرأة من زوج أو أب أو أخ للمرأة بالخروج لأماكن العلم أو الدعوة فيلزم اتخاذ الإجراءات التالية:
1. أن يتولى ولي الأمر أو أحد المحارم إيصالها.
2. إذا تعذر الأمر الأول فبالإمكان الاستعانة بسائق مسلم ثقة ترافقه زوجته أثناء خروج المرأة داخل البلد.
3. كما يجوز لامرأتين فأكثر استخدام السيارات العامة الصغيرة والحافلات الكبيرة بشرط أن يكون السائق مسلماً مأموناً.
4. إذا تعذر ذلك وجب على ولي الأمر في الدولة المسلمة تأمين وسائل المواصلات الخاصة بنقل النساء.
5. هذا بالإضافة على وجود مجالات الدعوة داخل البيت، كقيامها على تربية الأولاد ودعوة الزائرات والدعوة عن طريق الهاتف والكتابة في مواضيع الدعوة الكثيرة.
ما سبق نعدها عوائق أمام المرأة عن ممارسة الدعوة نابعة من البيت.
وبعد هذا التطواف بعدد من العوائق المانعة للمرأة من ممارسة الدعوة، يحلو لنا أن نعرض لعدد من المجالات التي يمكن للمرأة ممارسة الدعوة بنجاح فيها. فتعد الأستاذة البندري العمر لنا مجالات سبع ترشحها كمجالات ناجحة يمكن للمرأة أن تشارك فيها بالدعوة دون أدنى عائق وهي:
1. الأسرة: فتستطيع أن تؤثر على أطفالها ووالديها وإخوانها وخادمتها دون عائق.
2. المدرسة: سواء كانت طالبة أو معلمة فتستطيع أن تؤثر على الزميلات والطالبات، وحتى الطالبة تستطيع أن تؤثر على معلمتها عن طريق المطويات والمجلات الحائطية والإذاعة المدرسية، وعن طريق كلمة صادقة تلقيها أثناء درسها أو محاضراتها أو حديثها مع من حولها.
3. الأقارب: فتستغل الجلسة العائلية والجلسة مع الأقارب، فتؤثر عليهم عن طريق قصة تقف معها بعض الوقفات، أو مسابقة هادفة تخللها ببعض الأحكام الفقهية والتعليق على بعض الآيات والأحاديث.
4. الكتابة في المجلات الحائطية في المدارس وأماكن العمل، والمشاركة في المجلات الإسلامية والردود على الأفكار الهدامة في بعض المقالات.
5. المستشفيات: فيمكن للمرأة أن تستغل فترة انتظارها بالتأثير على من حولها من المراجعات والممرضات، ووضع الكتيبات والمطويات النافعة على أرفف مكتبات استراحات المستشفيات.
6. دور تحفيظ القرآن الكريم فهي مجال خصب لتربية نساء الأمة، فتضاف إلى حفظ القرآن ودروس التجويد المحاضرات والندوات والبرامج، والمسابقات الهادفة. والتأثير على الحي بكامله من خلالها عن طريق إقامة المسابقات ثم إعلان النتائج في الدار وإقامة محاضرة مؤثرة لهم.
7. دار رعاية الأيتام ودار الملاحظة الاجتماعية فمن استطاعت أن تتعاون معها فهو أمر عظيم لمسيس حاجتهم وقلة المهتمين بهم.
ويدعم الشيخ سعد الغنام المجالات التي ذكرتها الأستاذة البندري بقوله: هذه الجوانب وغيرها لا يمكن للرجل أن يفيد فيها مثل إفادة المرأة؛ لأنها من بنات جنسها وأقرب لمشاعرها من الرجل الذي قد لا يفهم مشكلاتها بالشكل الصحيح، وقد لا تقبل منه كل شيء؛ لأنها تشعر بالفرق بينهما في أمور كثيرة، ومن الجوانب التي تحتاج للنساء فيها بشكل كبير قضايا الفتوى وما يكتنفها من مسائل دقيقة يمنع المرأة الحياء من الخوض فيها مع الرجل.
ويقول أخيراً أن كل من حملت هم الدين وعرفت المسئولية العظيمة للقيام بحقه ستعرف كيف تعمل؟ وأين تعمل؟ وستعرف كيف تذلل العقبات وتتجاوز مرارة الفشل لو أصابتها، وستعرف كيف تستفيد من خبرات من لهن قدم سابقة في المجال، وكيف تنشئ علاقات تستفيد منها معهن.
ونؤكد هنا على أنه يجب على كل أحد إذا أراد أن يدخل مجالاً يعلم صعوبته يجب عليه أن يتزود بأمور تضمن له بإذن الله - تعالى - النجاح، وهكذا الدعوة يجب أن تتحلى المسلمة قبل الدخول في مضمارها بحلة العلم.
فما هو القدر المطلوب منه والذي يجب أن يكون عند المرأة حتى تقوم معه بالنشاط الدعوي؟ وهل توفره شرط في الحقيقة؟ سؤال طرحناه على الأستاذة البندري العمر فكانت الإجابة: العلم قبل العمل، والدعوة إلى الله شرط لا بد منه، ولذا قال - تعالى - آمراً ورسوله - صلى الله عليه وسلم -: أن يقول للمشركين وغيرهم: {قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}.(16/177)
فالبصيرة: الفقه في دين الله، بأن يعلم بما يأمر به وما ينهي عنه. وذلك أن العلم يقي من الشبهات ويحفظ من الزلات والهنات، والجهل باب كل شر وفتنة فقد زين له الشيطان أمراً فيدعو له فيضل ويضل، والقدر المطلوب أن تفقه حكم ما تريد إيضاحه للناس بكل جوانبه وما يتصل به من معانيه وحكمه وأدلته وما يعرض له من شبه وكيف تدفعها. وتعرف المادة العلمية المراد عرضها وتأخذها من مصادرها، فإن كانت في أول الطريق يحسن بها أن تعرض المادة على من عرف علمه كالمشايخ المعتبرين والدعاة البارزين والداعيات الراسخات المعروفات بالعلم والعمل، فتصوب ما أمر بتصويبه وتتعلم مع ذلك الكيفية الصحيحة التي تعرض بها المادة العلمية فتعرف طريق الدعوة وأساليبها والأنسب منها لكل مقام امتثلاً لقول - تعالى -: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}.
فالحكمة تشمل:
1. معرفة المخاطبين ومراعاة أحوالهم.
2. اختيار الوقت المناسب والمكان المناسب والموضوع المناسب، فلا تعظ عن الموت في حفل زفاف وما أشبه ذلك لئلا ينفر الحاضرين.
3. التشويق قبل عرض المادة العلمية وتحبيب الخير للناس وتبغيض الشر لهم ليقبلوا على الخير بحماس.
4. فقه الأولويات والبدء بالأهم فالمهم، ومعرفة المصالح والمفاسد.
الآثار المترتبة لممارسة المرأة للدعوة: -
لا بد أن يكون لجهودها آثار ملموسة ولعل تلك الجهود تتلخص في الآتي:
1. إن عدم قيام المرأة بالدعوة يؤدي إلى الوهم واعتقاد عدم تكليف المرأة المسلمة بالدعوة.
2. إن قيام المرأة بالدعوة يؤدي إلى انتشار العلم بصورة أوسع وأشمل.
3. كما أن قيام المرأة بالدعوة يجعل منها رقيبة على نفسها في قولها وفعلها وحركاتها وسكناتها حتى لا يختلف القول عن العمل فتظهر مالا تبطن.
4. إن عمل المرأة الدعوي يؤدي إلى اختفاء كثير من الممارسات الخاطئة التي أخذت طابع الظاهرة الاجتماعية في المجتمع النسائي بالذات.
5. إن مشاركة المرأة في الدعوة يؤدي إلى إبراز المكانة الشخصية للمرأة في تعاليم الإسلام.
6. من الآثار المهمة سد ثغرة من ثغور الإسلام؛ لحماية عرينه وتماسكه الاجتماعي، والصمود أمام الباطل الموجه ضده بعامه وشئون المرأة المسلمة خاصة.
7. إن مشاركة المرأة المسلمة للرجل في الدعوة إلى الله مما يوجد التوازن في التوجيه واتحاد الأهداف وتضافر الجهود؛ لإخراج جيل مسلم مستنير بعلوم القرآن الكريم والسنة المطهرة مترب على الأخلاق الحسنة ويسوده التعاون والألفة والمحبة.
وبعد أختي المسلمة: فلعل الجميع يدرك أهمية الدعوة إلى الله - تعالى -، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاحتساب على عامة المجتمع وعلى مختلف أصنافه وجميع أجهزته وإداراته.
وأن العمل للدين مسئولية الجميع كل بحسبه، وأن على المسلم بوجه عام والداعية وطالب العلم على وجه الخصوص المساهمة الفعلية في خدمة الإسلام والدعوة إليه.
وليعلم كل مسلم أنه في هذه الحياة إما أن يتقدم إلى الخير والإيمان أو يتأخر نحو المعصية والنقصان، فليس هناك وقوف أو استراحة.
فانظري أختي الكريمة إلى رصيدك من الخير وما نصيبك من الاحتساب وما سهمك في تلك القافلة التي يقودها الأنبياء والمرسلون.
لقد تعددت وسائل الدعوة وطرقها فأين وقع سهمك.
فالبدار البدار والمسابقة المسابقة والتنافس التنافس في طريق الخير وسبل الحق: روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا".
http://saaid.net المصدر:
============
أيها المسلمون لا تبخلوا على إخوانكم المجاهدين بأموالكم ودعائكم
جهاد الكفار والمنافقين الذي أوجبه رب العالمين على كل مسلم ومسلمة حسب الطاقة ليس قاصراً على الجهاد بالنفس، وإن كان الجهاد بالنفس أعلى أنواعه وأزكاها، فمن لم يتمكن من جهاد الكفار والمنافقين بالنفس فعليه أن يجاهدهم: بالمال، باللسان، والبنان، بالدعاء والابتهال، والسؤال والإعلام، والاختراق والتخذيل بالامتناع عن شراء منتجاتهم.
فاليهود والنصارى بقيادة أمريكا وربيبتها إسرائيل في حربهم الصليبية هذه يحاربون الإسلام بكل الوسائل، بغزو ديارنا، وإرهاب حكامنا، واغتيال قادتنا، والتعتيم على انتصاراتنا، والتضييق على محسنينا وموسرينا من أن يخرجوا زكوات أموالهم لمستحقيها، بإشعال الفتن بين شرائح مجتمعنا، بين حكامنا ومحكومينا.
هذه الحرب غير المتكافئة بين الحق والباطل، والخير والشر، بين الإسلام وملل الكفر، التي فرضها الكفار وحددوا توقيتها وأمسكوا بزمامها تحتاج إلى تضافر الجهود، والبذل والتضحية بأعز الموجود، واستشعار المخاطر المترتبة عليها على الإسلام وأهله في مستقبل الأيام والدهور.
فإن فاتك أخي المسلم جهاد الكفار بالنفس فلا يفوتنك جهادهم بالمال، والاستغاثة، والابتهال، فلا تحقرنَّ عطاءك في ذلك مهما قل أوكثر، فالقليل يكثر بالقليل، والله يبارك في القليل حتى يكون أكثر من الكثير وأبرك، وربما صادفت استغاثة ساعة إجابة فتنكشف بها الكرب، وتنحل بها العقد، وتتغير بسببها موازين الأمور.
فعليك أخي المسلم بالتجارة الرابحة والبيعة الناجحة لتنال السلعة الغالية، وهي الجنة.
أيها المسلمون استجيبوا لله والرسول ولنداء إخوانكم المستضعفين في فلسطين، والعراق، وأفغانستان، وكشمير، والشيشان، والفلبين، وفي غيرها من الديار.(16/178)
"يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم. وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين".
"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة".
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة".
وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم".
وعن أبي يحيى خُريم بن فتيك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أنفق نفقة في سبيل الله كُتب له سبعمائة ضعف".
وعن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي بناقة مخطومة، فقال: هذه في سبيل الله؛ فقال رسول الله: "لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة".
وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثنتان لا تردان، أو قلما تردان، الدعاء عند النداء، وعند الباس حين يُلحَم بعضهم بعضاً ".
فالبدار البدار أخي المسلم بالإنفاق، وثق بسرعة الخلف، وإياك أن تتباطأ فتخذل إخوانك المجاهدين وتسلمهم وحريمهم للكفار، فيخذلك الله يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
http://www.islamadvice.com المصدر:
===========
هكذا علمنا السلف ( 72 ) السبب في تأديب عمر لصبيغ:
د. يحيى بن إبراهيم اليحيى
وفي حديث أخر: «طوبى لمن قتلهم، وطوبى لمن قتلوه، قيل: يا رسول الله ما علامتهم، قال: سيماهم التحليق»، فلما سمع عمر - رضي الله عنه - مسائلته فيما لا يعنيه كشف عن رأسه لينظر هل يرى العلامة التي قالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصفة التي وصفها، فلما لم يجدها أحسن أدبه لئلا يتغالى به في المسائل إلى ما يضيق صدره عن فهمه فيصير من أهل العلامة الذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتلهم فحقن دمه وحفظ دينه بأدبه رحمة الله عليه ورضوانه، ولقد نفع الله صبيغاً بما كتب عمر في نفيه، فلما خرجت الحرورية قالوا لصبيغ: إنه قد خرج قوم يقولون كذا وكذا، فقال: هيهات نفعني الله بموعظة الرجل الصالح، وكان عمر ضربه حتى سالت الدماء على وجهه أو رجليه أو على عقبيه، ولقد صار صبيغ لمن بعده مثلاً وتردعة لمن نقر وألحف في السؤال»(1).
عن أبي إدريس الخولاني أنه رأى رجلاً يتكلم في القدر فقام إليه فوطئ بطنه، ثم قال: «إن فلاناً لا يؤمن بالقدر فلا تجالسوه، فخرج الرجل من دمشق إلى حمص»(2).
حكاية نشر البدعة نشر لها:
قال سفيان الثوري: «من سمع بدعة فلا يحكها لجلسائه، لا يلقيها في قلوبهم»(3).
الصاحب من فقه الرجل:
عن أبي قلابة قال: قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: «من فقه المرء ممشاه ومدخله ومخرجه ومجالسه، ثم قال أبو قلابة: قاتل الله الشاعر حين يقول: عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه»(4).
-----------------------
(1) الإبانة 1/417.
(2) الإبانة 2/450.
(3) العوائق لمحمد الراشد 206.
(4) الإبانة 2/437.
http://www.taiba.org المصدر:
=============
رسالة ونداء لرجال المال والأعمال
إلى إخواننا رجال المال والأعمال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إننا إخوانكم ومؤسساتكم الخيرية الوفية معكم، لا نخاطبكم لأجل أموالكم، ولكننا في هذه الرسالة الصغيرة نخاطبكم لكم ومن أجلكم قبل أن يكون من أجلنا..إن الله قد أعطاكم الكثير وطلب منكم إقراضه اليسير ليضاعفه لكم: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون}.
إنكم يا إخواننا بحاجة ماسة إلى معرفة حقائق في غاية الأهمية، من أبرزها:
* لقد أصبح غيركم يأكل كما تأكلون، ويشرب كما تشربون، ويسكن كما تسكنون، ويركب كما تركبون، ويسعد بالحياة أكثر مما تسعدون وماذا بعد كل ما تجمعون، أفلا تفكرون؟ وتعلمون شيئاً عن غيركم بن تتميزن؟ وهذا ميدانكم الذي به تتنافسون، لئلا تكون أموالكم لغيركم غنماً وعليكم غرماً، لقد كان سلفكم سباقين لتجهيز كل أنواع البر والإحسان من أعمال القطاع الخيري ومشروعاته وهذا حق المال وتلك تزكيته وإنماؤه.
* إن المال مال الله - ليس لكم - فأنتم مستخلفون فيه مناظر ماذا تعملون.
* إن المال المكتسب من حلالا لا يسوغ أن يشقي صحابه، بل هو راحة له في الدنيا والآخرة، فانظروا وتأملوا في حالكم معه لتحكموا على أنفسكم وأموالكم.
* إنه من مصادر السعادة في العاجل والآجل حينما يكون تابعاً لكم ولستم تابعين له.. حينما يكون مقوداً لا قائداً: {ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء}
* إنكم سوف ترحلون عنه ولكن تبعاته لن ترحل عنكم، فسيكون السؤال عن المال: (من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟) فأعدوا للسؤال جواباً.
* إنكم محتاجون إلى مؤسسات القطاع الخيري أكثر من احتياجها لكم؛ لأنها تحقق النيابة عنكم في فريضة التكافل والتعاون والتآخى، وفريضة التداعي لآلام الجسد الإسلامي الواحد.
أحبابنا رجال المال والأعمال:
إننا لا نخاطبكم من أجل واجب الزكاة، فهذا أمر محسوم، من لا يؤدي هذا الواجب فلا خير لمخاطبته، ولكننا نخاطب من كتب الله عليه أن يكون من أهل المال ومن أحفاد المهاجرين والأنصار، ممن ابتلاهم الله بالغنى، كما ابتلى، غيرهم بالفقر: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة}، {إنما أموالكم وأولادكم فتنة}.(16/179)
إننا معشر المؤسسات الخيرية نحقق لكم الغنم ونتحمل عنكم مسؤولية الغرم، وإننا ندرك أن رسالتنا صعبة أكثر منكم، ولأجل هذا فقد أشركنا التشريع الإسلامي بالأجر مثلكم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله).
إننا نرفع لكم تبعات المسؤولية، وتبعات التقصير، وتبعات الهواجس الأمنية، وإن كنا لا نستغني عن مساندتكم المعنوية.
إننا (مؤسساتكم) بأعمالنا ومشاريعنا نعتبر من خطوط الدفاع الأولى عنكم وعن مصالحكم، حيث إن المؤسسات الخيرية من خير ما يوفر الأمن الوقائي لدولنا ومجتمعاتنا، ولأننا بوجودنا المؤسسي أصبحنا حجة عليكم ولسنا حجة لكم.
إن أعمالنا الخيرية صمام أمان للقطاع العام والخاص، إننا حماة لكم، فهلا بحثتم عن مؤسساتكم الخيرية قبل أن تبحث عنكم؟ وهلا أعطيتموها قبل أن تطلبكم؟ وبادرتم إليها قبل أن تبادر إليكم؟ فمتى تستقيم الأهداف بجمع الأموال لإنفاقها على أبواب الخير والنفع العام لتكون التجارة الرابحة؟
وإنكم لن تتحملوا أخطاء ما يمكن أن يحدث من تجاوزات أو اجتهادات أو تصرفات إننا صوتكم المسموع وسفيركم في الداخل والخارج، حيث لا يعرف العمل الخيري حدوداً ولا سدوداً، ولم يفرق بين المحتاجين عبر جميع العصور والأزمان وفي أي مكان.
وإن العمل الخيري العالمي الآن يتجاوز حدود الزمان والمكان لتحقيق أهدافه المتباينة، ولكنه في الإسلام يتحرك بدوافع الإيمان والإحسان، وسفير خير وأمان إلى كل الأوطان، ليمد جسور التلاحم بين الأمم والدول.
وإننا إياكم بحاجة ماسة إلى العمل على رضى الرحمن ودفع غضبه دون غيره، فعمل الخير لا ينتظر الشكر والعرفان، فتقديمه للآخرين واجب وهو بحد ذاته شكر وثناء للرحمن، وإننا جميعاً بحاجة ماسة إلى الإخلاص ووضوع الهدف: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً * إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً}.
وإننا واثقون وإياكم أننا بهذا الهدف وبتلك التضحيات بأنفسنا وأوقاتنا وأموالنا ومصالحنا الشخصية سوف نحظى بتقدير الجميع طال الزمن أم قصر، فالعاقبة للمتقين: (من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضاء الله كفاه الله مؤنة الناس).
لقد سبقكم أبو بكر ببذله وعطائه، حتى ليكاد الناظر إلى نفقاته أن يقول: سوف يصبح فقيراً، ولكن الإنفاق يزيد من أصل المال (ما نقص مال من صدقة، بل تزده، بل تزده).
وهل نسيتم ما فعل عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - في عام الرمادة؟ ثم هل يخفاكم تجهيز عثمان - رضي الله عنه - لجيش العسرة وإرهاب الرومان حماية لدولة الإسلام والقرآن؟
لقد تنافس سلفكم الصالح على بذل أصول أموالهم دون فضولها {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} فكانت خير النتائج لأمة الإسلام ودولته.
لقد سبقكم الآباء والأجداد بإيقاف معظم ما يملكون لإيمانهم العميق باستمرار الملكية الحقيقية بثواب لا ينقطع وأجر لا يتوقف.
إخواننا... خصصوا لأنفسكم أوقاتاً يسيرة لتقرؤوا عن سلفكم، كيف أسهموا في الحفاظ على قوة الأمة وبناء حضارتها الزاهرة بالوقف على الجوامع والجامعات، والإسكان والبيمارستانات (المستشفيات)، وعلى العجزة والأيتام والمساكين، بل وعلى الثغور والمجاهدين.
إخواننا رجال المال والأعمال:
أيرضي ربنا، أم يرضي مجتمعاتنا؟ أم سوف يرضي ضمائرنا؟ (واقع حالنا مع أموالنا)، وأن تكون ثرواتنا في بنوك غيرنا، أو في بنوكنا، ولكنها تسهم في فعاليات التنمية لغيرنا. أم يرضيكم أن تكون أموالكم وسيلة ضغط وابتزاز عليكم وعلى دولكم؟
أليس من المخجل حقاً علينا جميعاً أن الإيداعات النقدية العربية في البنوك الأجنبية بلغت في دول السوق الأوربية المشتركة (650) مليار دولار، كما بلغت في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي ترليون (975) مليار دولار، كما أن حجم ثروات الأثرياء العرب الشخصية فقد (800) مليار دولار، كما أن هناك مصادر أخرى تقول إنها بلغت (1. 2) ترليون دولار مجمل الثروات الفردية الخليجية المستثمره في الخارج؟
وماذا لو تم إخراج زكاة هذه الأموال فقط فضلاُ عن التبرع والوقف والهبات؟
وأين مساهمات البنك المحلية في عالمنا العربي والإسلام في مجالات أعمال مؤسسات القطاع الخيري قرضاَ أو تبرعاً أو مساندة استثمارية، ولو بجزء يسير من تلك الإيداعات النقدية التي فاقت فوائدها نظيراتها في بقية دول العالم.
فأيد رد الجميل للمودعين؟ وأين البنوك من الوجه الحضاري والإنساني للحياة بالوفاء للأفراد والمجتمعات وأعمال الخير للمؤسسات؟ أم أن التكديس والتقديس للمادة أصبح هدفاً للحياة؟!
أيرضيكم إخواننا رجال المال والأعمال أن يسبقكم غيركم من اليهود والنصارى في الإنفاق والأوقاف، وقد تجرد كثير منهم من ماله أو من جزء كبير من ماله؟
اقرؤوا عن سورس اليهودي الأمريكي (suros) الذي فتح بأمواله (33) فرعاً لأعماله الخيرية، وخص منها (28) فرعاً في بلادكم الإسلامية، ومن أبرز أعماله، برنامج المنح الدراسية لآلاف الطلاب، وخص منها بلادكم بلاد البلقان المسلمة، والتي دفع لها بمفرده (350) مليون دولار، ثم تجاوز عمله إلى بلادكم الأخرى (الجمهوريات الإسلامية).
ولا بد من وقفات طويلة عند حجم وقوة مؤسسات غيرنا الوقفية من أمثال: (ليلي أند أونت) (12. 5) مليار دولار، ومؤسسة (نوبل) وجوائزه الوقفية، ومؤسسة (فورد) بجامعتها ومستشفاها (10. 8) مليار دولار، ومؤسسة (روكفلر ودوك) بتعليمها وطبها، ومؤسسة (روبرت وودجونسون (8. 7 مليار دولار) وغيرها كثير.(16/180)
وقفوا عند تبرع (موناهان) الأمريكي الذي تبرع بكل ثروته (دومينوز بيتزا) لصالح الكاثوليك، بل تبرع ببيوته وقصره ويخونه، وذلك تجاوباً وتفاعلاً منه بعد قراءاته لكتاب أحد القسس.
وإذا لم تكف هذه النماذج فهلاً اطلعتم على أعمال وأنشطة مؤسسة (بل غيتس وزوجته ميلندا) الخيرية ملك شركة مايكروسوفت الأمريكية، والذي أوقف أكثر من (24) مليار دولار عام 2000م وذلك يساوي 40% تقريباً من ثروته؟
هل يرضيكم - إخواننا رجال المال والأعمال - أن يسبقكم غيركم في البذل والعطاء، حيث يدفع الأصوليون النصارى في أمريكا وعددهم يتجاوز (80) مليون: 5% من دخلهم الصافي للمنظمات غير الربحية، وذلك في تسديدهم الضرائب إضافة لتسديد معظم الضرائب لتلك المؤسسات.
ولعله من المهم لإخواننا أرباب المال والأعمال أن ذلك الحدث (11 سبتمبر) الذي وقع في أمريكا قد تم تسخير معظم المحطات التلفزيونية والإذاعية والوسائل الإعلامية لتغطيته والدعوة للتبرع إليه حتى بلغت التبرعات حوالي (2) مليار دولار (1. 88) مليار حتى أواخر ديسمبر 2001م فقط حينما تم إيقاف التبرعات نظراً للاكتفاء، رغم تغطية شركات التأمين للمؤسسات والمباني والأفراد والطائرات.
ولقد ساهم القطاع الخاص بحوالي (ثلث) المبلغ الكلي حينما ساهمت (543) مؤسسة تجارية بمبلغ إجمالي إلى (621. 5) مليون دولار، وقد أثبتت المسوحات الاجتماعية الأمريكية عن أحداث 11 سبتمبر ارتفاع معدلات الوصايا والأوقاف، فهلا كانت كارثة فلسطين المتجددة عاملاً مساعداً لنا جميعاً على الزيادة فيكف بالنقصان؟
وهل ترضيكم الحملات الدائمة والطارئة للتبرع داخل أمريكا وخارجها لصالح إسرائيل دعماً لإرهابها وسحقاً لإخوانكم وقضيتكم في فلسطين، الذين ما زالوا يقيمون ببطولاتهم وانتفاضتهم درعاً واقياً وسياجاً أمنياً لكم ولمجتمعاتكم ولدولكم بل ولأموالكم؟
إخواننا رجال المال والأعمال:
لقد حان الوقت لتوسيع مفاهيم الخير والبر، ولقد حان الوقت للإسهام في كل جوانب الخير المباشرة وغير المباشرة والتي لا تدعم فعل الخيرات فحسب، ولكنها تتجاوز ذلك إلى جوانب تنشيطه وتنميته لمضاعفة الثمرات، فأين الإسهام في إيجاد قنوات الإعلام المتخصصة والهادفة؟ وأين حجم الإسهام في تأسيس الصحف والمجلات والإذاعات؟ وأين حجم الإنفاق على إخوانكم من ذوي الحاجات؟ وأين نصيب مراكز البحوث والدراسات، وتشجيع الباحثين والباحثات، المتخصصين في تنشيط أعمال المؤسسات؟ أم أن لها فضول الثروات رغم أنها من أساس الخيرات؟ إننا بحاجة إلى إعادة المؤسسات الخيرية بكل وسائل التنشيط والفعالية العلمية والإعلامية وجوانب التدريب والإدارة، إضافة لدعمها التقليدي بجوانب التشغيل والتبرعات والزكاة والصدقات.
إن دعاوى الإرهاب علينا وعليكم يجب أن تكون خير مذكر لكل مدكر، وخير حافز للمراجعات مع النفس دون التراجعات عن نفع الغير، فالخوف والرجاء يجب أن يكون الله، والثواب والعقاب من الله، وهما خير حافز على العمل: {إن الله لا يضيع أجر المحسنين}، {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}.
إن بوادر السنن الكونبة الربانية بالعقوبات قد بدت من خلال المحق والكساد للاقتصاد، ومن خلال التهديد بالمصادرة والتجميد، تحت مشجب دعاوى الإرهاب والتهديد.
وأخيراً.. فإننا وإياكم بحاجة على أن نزكي أنفسنا وأموالنا وان نقابل الإيمان بالإيمان، وقوة التبرعات من قبلهم بقوة الأوقاف والهبات من قبلنا، وأن نتجاوز بأعمالنا وثقتنا مراحل الشكوك وهاجس الأمن وحب الذات، وتقديس المال، وتكديس الثروات، لننقذ أنفسنا قبل غيرنا.
وشكرنا وتقديرنا سلفاً لحسن استجابتكم لما فيه الخير لكم.
التوقيع:
مؤسساتكم وجمعياتكم الخيرية والأهلية في أنحاء العالم.
نقلاً من كتاب: (القطاع الخيري ودعاوي الإرهاب)
http://islameiat.com المصدر:
=============
إلى زوجة الداعية
سلطان العمري
إن من النعم عليك يا أختاه أن أختار الله لك هذا الداعية ليكون زوجاً لك وأب لأبنائك.ولكنك قد لا تشعرين بهذه النعمة لأن العادة أن أزهد الناس في الدعاة هم أقرب الناس لهم.
أختي المؤمنة:
لابد أن تعلمي أن هناك نساء يشكون من أزواجهن.
فهذه زوجها مدمن مخدرات وصاحب فساد.
وهذه زوجها مدخن ومن أهل السفر إلى الخارج.
وهذه زوجها مصاب بداء المعاكسات.
وأخرى.... ماذا تصنع بزوجها الذي كل همه هو الرياضة ومتابعة المباريات؟
وأخرى زوجها من عشاق القنوات الفضائية فهو أمام القنوات في الليل والنهار لا يفتر عنها إلا إذا وضع رأسه للنوم!
وهكذا حالات غربية من الرجال والأزواج يا أختاه.
هل عرفت قدر زوجك الذي يمارس الدعوة إلى الله في ليله ونهاره؟
هل استشعرت نعمة ذلك الداعية الذي يسعى في كل لحظة إلى تبليغ دين الله - تعالى -؟
أختاه.... لحظة....
لو أن زوجك هذا الذي هو من (الدعاة)
لو أنه مات، أو حصل طلاق بينكم
ثم تزوجت زوجاً آخر وتفاجئت بأن الزوج الآخر من أصحاب الذنوب والشهوات
بصراحة...
ماذا تتمنين في هذه اللحظة؟
بلا شك سوف تبكين، وتحزنين، وتعودين بذاكرتك إلى ذلك الزوج الأول (الداعية) وتعاهدين نفسك لو أنه يعود لأكون خامةً له عاكفةً عليه، صابرة على ما يصدر منه.
أختي يا زوجة الداعية...
اعلمي أن زوجك من البشر والخطأ وارد منه ولا يتعجب من صدور الذنب منه وقد يقصر معك في بعض الأمور وقد يتأخر عليك وقد يسافر كثيراً وقد يأت بالضيوف إلى بيتك لكي يكرمهم ولكن يا أختي لماذا لا تحتسبين الأجر والثواب من الله - تعالى -؟
لماذا لا تقفين معه في نصرة دين الله - تعالى -؟(16/181)
لماذا لا تأخذي بيده في سبيل تبليغ دين الله - تعالى -؟
أختاه...
لماذا نساء التجار يصبرن على سفر أزواجهن وأنت لا تصبرين على سفر زوجك في أمور الدعوة إلى الله - تعالى -؟
لماذا نساء الغرب تصبر على رحيل زوجها لأجل البحث عن وظيفة وأنت لا تصبرين على رحيل زوجك إلى بعض القرى للدعوة إلى الله؟
يا مسلمة....
ألا تحمدين الله - تعالى - أن رزقك مثل هذا الزوج؟
والله... إن بعض زوجات الدعاة تتمنى أن يقف زوجها عن الدعوة لكي يبقى معها ومع أطفالها لكي يتجولون في الأسواق والمدن وعلى شواطيء البحار...
وهذه الصنف من النساء...
لا كثرهم الله، يعتبرون من العوائق في طريق الدعوة إلى الله - تعالى - لأن الداعية إذا وجد كثرة الجدال من زوجته وكثرة العتاب فإن هذا سيؤثر بلا شك في نشاطه الدعوي.....
إن الرجل الداعية:
يحتاج إلى أن تقف زوجته بجانبه لكي تحفزه وتشجعه لكي يمارس الأعمال الدعوية
وهكذا كانت خديجة - رضي الله تعالى عنها - مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -
وأخيراً...
أخي الداعية لابد لك من أمور:
1. احرص على أن تكسب زوجتك في أمور الدعوة.
2. رتب وقتك واعلم بأن أهلك لهم حق عليك.
3. إبدا بدعوة أهلك {وأنذر عشيرتك الأقربين}.
4. املأ وقت الفراغ لدى زوجتك لكي لا تمل من غيابك عنها.
5. اعلم بأن الزوجة تريدك لها ولكن الله يريدك لدينه.
6. قد تجد زوجتك عائق كبير في طريق دعوتك فلا تحزن فهذا نوح - عليه السلام - كانت زوجته تقول للناس لا تطيعوه إنه مجنون... وهذا لوط - عليه السلام - كانت زوجته تخبر قومها عن ضيوفه ليفعلوا اللواط بهم.
ومع ذلك فإن نوح ولوط لم يتركا الدعوة إلى الله - تعالى - .
http://saaid.net المصدر:
==========
دعوة إبراهيم وواجبات الدعاة
خالد أحمد *
كانت دعوة إبراهيم - عليه السلام - لهذه الأمة أن يبعث الله فيها رسولاً لأغراض معلومة وردت في قوله - تعالى - {ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليه آياتك و يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} البقرة 129. ركز فيها أبو الأنبياء على مهام محددة لهذا الرسول هي الكليات وهي الأسس التي ينبني عليها عمل الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وكانت استجابة الله - عز وجل - كما وردت في آيات عديدة {في سورة البقرة وآل عمران والجمعة}. ونشهد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أدى هذه المهام وقام بها خير القيام والله خير الشاهدين.
ثم جاء دور العلماء والدعاة من بعده فهم ورثة الأنبياء وعليهم السير في نفس الطريق فليس اتباع سنن الرسول - صلى الله عليه سلم - قاصراً على جانب دون غيره، وقد لا يوفق المرء في أداء دور من الأدوار أو اتباع سنة من السنن ولكن يبقى تائقاً لأدائها، كما يبقى احترامها واحترام من يقوم بها في نفسه وقلبه دليلاً على الإيمان.
وإذا لم يستطيع القائد أن يؤدي أحد المهام فليس أقل من أن يوجه أتباعه إلى من يسد النقص. وكل من له أتباع أو سامعون ممن أوتي شيئاً من العلم عليه الاعتبار بمعاني هذه الآيات:
1- يتلو عليهم آياتك: -
إن كان المقصود بها آيات القرآن فقد نبهت آيات القرآن نفسها إلى الآيات الكونية، ودعت إلى التفكر في الخلق، استدلالاً بها على وجود الخالق وعلى أسمائه وصفاته {ويتفكرون في خلق السموات والأرض} آل عمران 191{وفي أنفسكم أفلا تبصرون} الذاريات، والآيات في ذلك كثيرة. ولو ذكّر الداعية السامعين بآيات الله الكونية في القرآن؛ لجمع الاثنين. ذلك أن تلاوة الآيات توصل السامع إلى أغراض القرآن، وليس فقط للتبرك أو التعبد فحسب، وكلاهما (التبرك والتعبد) مرجو ومطلوب، ولكن للداعية أهدافاً أخرى تجعله يتلو الآيات، ويشرحها، ويدعو بها إلى أركان الإيمان، ويذكر بها الاستعداد للآخرة إلي غير ذلك مما توصله تلاوة الآيات القرآنية استدلالا وبياناً وموعظةً وتذكيراً. وثمرات ذلك تأتي في صور الإيمان والإسلام و الإحسان.
2- ويعلمهم الكتاب والحكمة: -
وهذه خطوة أخرى غير مجرد التلاوة؛ إنه التعليم للكتاب وهو القرآن، والحكمة وهي السنة. وبهذا التعليم يعلم الأصول التي يجتمع عليها المسلمون، والشواذ التي تجتنب لمخالفتها لهما مما يخطو بالمتعلم خطوات في طريق العلماء وعلمهم وسمتهم، ويثمر هذا أيضاً تقريباً للمسلمين بعضهم لبعض.
وأذكر هنا بعض العلوم التي قد ينساها بعض العلماء في خطاباتهم للمسلمين: -
أ - الإيمان بالله: -
ينسى كثير من الدعاة التذكير بأسماء الله وصفاته إلا حينما يأتي السؤال {أو الجدل} حول التأويل والتعطيل ـ وهذا أمر هام ـ ولكن لماذا لا يكون الكلام متصلاً عن أسماء الله وصفاته كما هي في القرآن والسنة وكلام السلف تفسيراً لمن جهلها وتذكيراً لمن علمها، بل وللداعية نفسه فتأتي ثمرات ذلك عبودية أفضل و أكمل،. انظر لخواتيم الآيات وفواتح الدعاء عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخواتيمه وما فيها من ثناء على رب العزة، بل انظر إلى تفسير ابن عباس لاسم الله الصمد: {السيد الذي قد كمل في سؤدده والشريف الذي قد كمل في شرفه والعظيم الذي قد كمل في عظمته والحكيم الذي قد كمل في حكمته وهو الذي قد كمل في أنواع شرفه وسؤدده وهو الله - سبحانه - هذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفواً أحد وليس كمثله شيء - سبحانه - الله الواحد القهار} وهكذا كان تناولهم للأسماء الحسنى.
ب- واضرب مثلاً بالإيمان بالقدر رأيت عدداً من الدعاة يزلون فيه والخطأ من العلماء الذين لم يذكروهم بمعناه حتى لا يعترضوا على قدر الله بل وحتى لا يبرئوا أنفسهم من الخطأ حينما يأتي بلاء: صغيراً كان أو كبيرا(16/182)
ج - وفي حديث {نافق حنظلة} ما يبين أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان دائم التذكير بعلم الآخرة وما فيها {تذكرنا بالنار والجنة كأنها رأي العين} فما بال بعض علمائنا يهملون هذا الأمر
د- ومن العلوم التي ينبغي أن يخص بها بعض السامعين علم أصول الفقه وقضايا الإجماع والاختلاف السائغ وغير السائغ ليكون لهم عصمة من الزلل حينما تعصف ريح الفتن فيضيء العلم ظلمات الجهالة ويثبت سفينة الدعوة.
هذه أربع أمثلة لنسيان بعض الدعاة علوماً ينبغي أن يعلموها وأن يذكروا بها وقد نعود لبعضها في مقالات تاليه حتى تثمر هذه العلوم ثباتا على الحق وإيماناً صادقاً راسخاً وعملاً صالحاً فيخطو إلي: -
3- ويزكيهم: -
وهذه الكلمة ينبغي أن تفرد بالكتابة والبحث فيها تخلية وتحلية علماً وعملاً. وما أشد التقصير في هذا الجانب.
فقد بحث بعض المسلمين عن هذا الجانب فلما صعب عليه الوصول إلى الثقات، ركنوا إلي دعاة الضلال أو لبعض الجهلة فسلخوهم عن الإسلام وأرجو أن يوفق الله بعض العلماء ليكتبوا مذكرين بهذا الجانب وغيره.
وبعد؛ فلست بعالم ولكن واجب النصح قضى علي أن أسطر ما سطرته تنبيها للعلماء فلست بأقل من الهدهد وهم ليسوا بأفضل من سليمان، أسال الله لي ولهم التوفيق والسداد.
http://new.meshkat.net المصدر:
============
أين الخلل وما العمل (1)
م. عبد اللطيف البريجاوي
عقلية البعد الواحد:
الحمد لله والصلاة على رسول الله ومن والاه وبعد:
المفترض أن تكون الأمة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس من المفترض أن تكون هذه الأمة هي الأمة القائدة للعالم والشاهدة عليه فنحن أمة الشهود وأمة الخيرية وأمة التمكين في الأرض ومع ذلك فإن كل هذه الافتراضات ليس منها شيء على أرض الواقع فالأمة الإسلامية على مختلف أقطارها هي في العالم الثالث وبعض منها في المؤخرة منه و بالإطلاع على بعض الإحصائيات يتوضح هذا فعالم الأرقام عالم كشاف يكشف الحقيقة التي يحاول الكثير إخفاءها
(... بعض البلدان تصل نسبة الأمية إلى 90 % مثل اليمن ومالي و60% في المغرب وبنغلادش والسودان و 30% في البحرين وأندنوسيا والجزائر بينما نسبة الأمية في أوربا 3% فقط..) د. البكار (نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي).
(متوسط دخل الفرد في الصومال /190/ دولار وفي باكستان/ 370/دولار وفي النيجر /310/ دولار بينما دخل الفرد في فرنسا / 16800 / دولار وفي اليابان/ 15030 /دولار وفي الولايات المتحدة/13800 / دولار والفرق بين باكستان مثلا والولايات المتحدة حوالي /36/ ضعفا.) المرجع السابق.
هذه الأرقام وغيرها توضح لنا وبشكل صريح واقع الأمة وأين هي بين دول العالم..
لكن السؤال لماذا ونحن أمة الشهود وأمة الخيرية وأمة التمكين؟؟؟
لماذا الأمية ونحن أمة اقرأ وأمة العلم؟؟
لماذا ونحن أمة موعودة بالغنى فقد وعدنا رسول الله بذلك عندما قال (ستفتح عليكم كنوز كسرى) فلماذا هذا الدخل المتدني للفرد المسلم؟؟
لعل هناك أسباب عديدة متراكبة ومتواكبة هي التي جعلت الأمة الإسلامية في هذا الوضع المزري الذي لا يسر صديقا ولا أقول لا يفرح عدوا بل إن أعداء الأمة هم أول الفرحين بهذا الوضع، ولعلنا من خلال هذه المقالات يوفقنا الله إلى إدراك بعض مكامن الخلل ونعمل على تلافيها بعون الله - تعالى - نحاول من خلال هذه المقالات على تسليط الضوء على بعض الجوانب المختلفة أول خلل أصيبت به الأمة هو:
1- عقلية البعد الواحد :
ومعنى عقلية البعد الواحد باختصار"هو أن المسلمين يرجعون مشكلة معينة أو حادثة معينة إلى سبب واحد وغالبا ما يكون هو الأخير دون النظر إلى الأسباب المتراكبة والمتواكبة والمتضافرة التي أدت إلى هذا الحدث أو ذاك ونتيجة لذلك تكون النظرة الدارسة لذلك الحدث قاصرة وسطحية والمعالجة جزئية ومحدودة"..
إن الإسلام طلب منا أن لا نكون بعقلية البعد الواحد وإنما طلب منا التفكر والتدبر والمشاورة فما حقيقة الشورى في وجه من وجوهها إلا أنها دراسة للمشكلة من جميع الجوانب وفي كل الاتجاهات، وإن ختم الآيات القرآنية بقوله - تعالى - أفلا يتدبرون أفلا يتفكرون لتعطي للإنسان الأفق الواسع في دراسة ظاهرة أو حادثة معينة..
ولما جاء رجل إلى النبي - عليه السلام - يشكو له الفقر لم تكن نظرة النبي نظرة بعد واحد"أنه إنسان يحتاج مبلغا من المال وانتهى الأمر"إنما قال له اشتر قدوما ثم غب عني خمسة عشر يوما أي أنه حاول علاج لمشكلة بأبعاده حيث إن النبي - عليه السلام - قرر لنا في هذا الحديث ثلاثا من العوامل المهمة لحل مشكلة الفقر وهي:
- اليد العاملة.
- أدوات النتاج (القدوم).
- الزمن.
- وأضاف في حديث آخر لنفس القصة والموضوع (السوق التصريفية) في حديث: "لأن يأخذ أحدكم حزمة حطب قيبيعها في السوق خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه".
وبهذه الطريق للتفكير أبعدنا النبي - عليه السلام - عن عقلية البعد الواحد.
ومن المؤسف حقا أن كثيرا من الحوادث التاريخية الكبيرة التي وقعت في تاريخنا الإسلامي تعزى إلى سبب واحد ومن هذه الأمثلة سقوط بغداد في أيدي المغول فسقوطها لم يكن لضعف الحالة العسكرية فقط إنما كان هناك عوامل كثيرة ومتضافرة هي التي أدت إلى سقوط بغداد منها:
أن المسلمين كانوا منهزمين داخليا قبل أن ينهزموا عسكريا , كان هناك أكثر من خلافة وكان الفحش الأخلاقي والزنا متفشيا بشكل غير طبيعي وكان الضرائب على أشدها وكان الوضع العقائدي الذي هو الالتجاء إلى الله في الأزمات على أسوء حال ولقد اختصر أحد الشعراء هذا الوضع العقائدي بقوله:
يا خائفا من التتر *** لذ بقبر أبي عمر(16/183)
فبدلا من أن يلوذ بالله ويلجأ إلى السلاح ها هو يقول لذ بقبر لا ينفع..
وإذا سألنا مثلا ما هو الحل لخروج الأمة من هذا المأزق الحضاري لوجدنا كثيرا من الناس يقولون بطرف لسانهم نحتاج إلى صلاح الدين دون التفكر أن خروج مثل صلاح الدين لابد له من جهود جبارة من جميع أطياف الأمة.
إن عقلية البعد الواحد هي عقلية قاصرة ومحدودة وجزئية تحاول إصلاح الأمر دون النظر إلى مسبباته وأسبابه ولذلك خرجت حلولنا المحلية والعالمية حلولا مجتزأة وقاصرة.
إن المنح الإلهية للإنسان بإعطائه القدرة على التحليل والتركيب والاستقراء والاستنتاج وغيرها عطلت في حياة المسلم وذلك لأسباب كثيرة منها:
الخوف غير المبرر على الإسلام وطريقة التربية و عدم تقبل النقد والظنيات التي جعلناها قطعيات وغير ذلك.
إن هذه العقلية ليست على مستوى الأمة فقط بل أصابت حتى الأفراد فإذا سألنا أبا لماذا رسب ابنك سيقول إنه لا يدرس دون النظر إلى الأسباب التي جعلته لا يدرس والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة لكن يجب أن نؤكد أن الحبل الواحد والسميك هو مجموعة من الخيوط الرفيعة والمتماسكة وأن الأحداث هي نتيجة لمجموعة أسباب وليست لسبب واحد وبمعرفة هذه الأسباب يمكن الوصول إلى حل كلي وربما جذري أو إلى رؤية مستقبلية مشرقة.
http://saaid.net المصدر:
============
أين الخلل وما العمل ( 2 )
م. عبد اللطيف البريجاوي
الخلط بين الوسائل والأهداف:
هذا خلل آخر وقع فيه المسلمون وازدادوا بسبب ذلك تخبطا فوق تخبطهم.
من المعلوم أن الله - سبحانه و تعالى - وضع أهدافا محددة للمسلم على هذه الأرض , وجعل للوصول إلى هذه الأهداف طرقا وأساليب متنوعة وسكت عن هذه الوسائل والطرق وسكوته عنها هو من باب التوسعة فيها عن طريق التفكير والإبداع والتنوع وشرط شروطا عامة لهذه الوسائل من أهمها:
- ألا تكون مخالفة للشرع.
- أن تكون مناسبة ومتناسبة مع العصر.
وأوضح مثال لذلك هو النبي عليه الصلاة السلام فالهدف الأساسي من دعوته هو إنقاذ الناس من النار و أن يحيوا حياة طيبة ملؤها الحب والتسامح (هذا هو الهدف) لكنه - عليه السلام - كان يتبع طرقا عديدة ومتنوعة لاستجلاب الناس إلى هذا الهدف وإقناعهم به واستعمل لذلك أساليب مختلفة فمرة تراه يستقبل الوفود في بيته ويكرمهم كما فعل مع عدي بن حاتم الطائي وتارة ينزل الناس منازلهم كما فعل مع أبي سفيان يوم فتح مكة وتارة يفرش للوفود رداءه الشريف احتراما لهم كما فعل مع نصارى نجران
وتارة يعطي الأموال تأليفا للقلوب وتارة وتارة وفي كل مرة وسيلة جديدة متناسبة مع الموقف ومع الأشخاص للوصول إلى الهدف المحدد.
وما رفع الإسلام السيف في وجه أحد إلا بعد أن عرض عليه الحلول والوسائل الإسلامية الثلاثة الإسلام أو الجزية أو الحرب فكان هدف الإسلام إخراج الناس من الظلمات إلى النور فلم تكن الحرب هي الوسيلة الوحيدة بل كان هناك وسائل أخرى للوصول إلى هذا الهدف..
المسلمون وقعوا في مشكلة كبيرة هي أن الوسيلة التي هي الطريق التي توصل إلى الهدف أصبحت هدفا بحد ذاتها وازداد تمسك الناس بها إلى درجة أنهم نسوا الهدف الأساسي وأصبح هذا الهدف مهمشا وأصبح لدينا إرباكات كثيرة وكثيرة من هذه المشاكل:
1- الاهتمام بالوسيلة أكثر من الهدف:
ومثالنا عليه الزواج فهل الزواج وسيلة أم هدف بحد ذاته؟
الإسلام اعتبر أن الزواج وسيلة لإنشاء أسرة صالحة و للاحتماء من نار الشهوة الجنسية أن تضل طريقها وللمحافظة على الجنس البشري لكن المسلمين جعلوه هدفا بحد ذاته ونتيجة لذلك ظهرت عندنا مشاكل كثيرة وكثيرة:
• ارتفاع سن الزواج وصل في بلد مثل مصر إلى ستا وثلاثين عاما للذكور وثمان وعشرين عاما للإناث.
• ارتفاع المهور بشكل فاحش.
• ارتفاع نسبة العزوبة والإعراض عن الزواج بسبب التكاليف الباهظة لهذا الأمر.
2- تحول الوسيلة إلى هدف:
وفي هذه الحالة ينسى الإنسان الهدف الأساسي ويدافع عن الوسيلة ويبرهن على صحتها وينسى الهدف الذي وجدت من أجله هذه الوسيلة.
والمثال على ذلك هو اجتماع الناس لسماع بعضا من أمور دينهم فهذا الاجتماع الذي حصل هو اجتماع له هدف هو تعليم الناس أمور دينهم وتوضيح الصورة الإسلامية أمامهم (كأي مؤتمر يعقد) لكننا نفاجئ بأناس اهتموا بهذا الشكل من الاجتماع وصاروا يبرهنون على صحته وبدؤوا يهتمون بطقوسه وترتيباته ونسوا الهدف الأساسي الذي وجد من أجله هذا الاجتماع ونتج عن ذلك تشرذمات مختلفة ومتعددة.
3-عدم معرفة أن الأهداف المرحلية هي وسائل لأهداف جديدة:
وهذا ما يحصل لكثير من الناس فما أن يحقق هدفا معينا فتراه وكأنه حاز كل شيء دون الانتقال إلى أهداف أخرى..
وأوضح مثال على ذلك هو أن أغلب الذين ينهون حياتهم الجامعية هم أقل الناس قراءة وذلك لأنهم اعتبروا أن الهدف هو الحصول على الشهادة الجامعية دون معرف أن هذه الشهادة هي هدف لكنها وسيلة لمرحلة جديدة يتابع الإنسان بسببها علمه وثقافته وقراءته فنشأ بذلك جيل جديد من الأميين هم الذين يعلمون القراءة لكنهم لا يقرؤون.
إن الخلط بين الوسائل والأهداف وعدم توضيحها بشكل جيد يجعلنا في جو أشبه بالسراب يحسبه الظمآن ماءا وبذلك يتخبط الإنسان بين الوسيلة والهدف فلا يعرف ماذا يقدم وماذا يؤخر وهذا ما أصيب به المسلمون عدم وضوح للأهداف وخلط بينها وبين وسائلها فنشأ ما نشأ من تخبط و تشرذم.
http://saaid.net المصدر:
=============
أين الخلل وما العمل ( 3 )
م.عبد اللطيف البريجاوي
ضعف القدرة على إيجاد البدائل الإسلامية المناسبة:
هذا خلل ثالث وقع فيه المسلمون وازدادوا بسبب ذلك تخبطا فوق تخبطهم.(16/184)
فبعد هذا التطور الكبير والثورة الصناعية أصبح المجتمع الإسلامي مجتمعا مستهلكا أكثر من كونه منتجا وبالتالي دخل في مجال التبعية بشتى أشكالها وأنواعها ومن المعروف أن الاقتصاد هو الذي يحدد كثيرا من سياسات الدول.
والمسلمون لن يخرجوا من هذه التبعية إلا إذا استطاعوا أن يلغوا هذه التبعية بشتى أنواعها وذلك عن طريق إيجاد البدائل الإسلامية المناسبة وفي كل المجالات.
فمن الميزات الكثيرة التي يتمتع بها الإسلام أنه لم يأت على مشكلة إلا ويفندها ويضع لها الحلول فهو لم يكتف بطرح المشكلة فقط بل كان له في معالجة المشكلة خطوات مهمة
1- التعريف بالمشكلة وأبعادها. 2- تفنيد هذه المشكلة ومسبباتها. 3- طرح الحل والبديل المناسب لهذه المشكلة.
والخطأ الكبير الذي وقع به المسلمون أنهم كانوا يعرضون المشكلة دون التطرق إلى أسبابها المختلفة ودون التطرق إلى البديل المناسب لهذا الأمر أو ذاك. والإسلام علمنا أن نتعامل مع كل مشكلة تطرأ على أساس من المناقشة والحوار لإيجاد بديل مناسب وحل مناسب لهذه المشكلة فمثلا الرسول الكريم - عليه السلام - عندما جاءه رجل يشكو الفقر تعامل مع هذا الأمر على أنه مشكلة لابد لها من حل وليس مجرد إنسان يحتاج إلى قوت يقوته
نظر فوجد أن مشكلة الفقر لا تحل إلا بتضافر عوامل وهي:
نية الرجل للعمل ووجود أداة يعمل بها وفترة زمنية.
وبهذه النظرة النبوية أوجد النبي - عليه السلام - حلا لهذه المشكلة ولم يكتف بطرح المشكلة.
إن عدم قدرة المسلمين على إيجاد البدائل الإسلامية أفرز أخطاء كثيرة وكثيرة ما زلنا نعاني منها حتى الآن منها:
1- استمرار الفقر في المجتمع المسلم: مع أن الإسلام وعد بالغنى فأخبرنا بأنه ستفتح عليكم كنوز كسرى وحث على العمل في مواضع كثيرة كقوله - عليه السلام - "اليد العليا خير من اليد السفلى" لكن المجتمع المسلم ما زال يعاني من الفقر وذلك لأسباب عديدة منها عدم القدرة على إيجاد بدائل وآليات جديدة.
فمن ذلك مثلا الزكاة فالزكاة كفيلة بالقضاء على الفقر في المجتمع المسلم لو أنها وزعت بآليات جديدة غير الآليات السلبية التي توزع بها اليوم فمن الخطأ في آليات توزيع الزكاة هو تفتيت الكمية الكبيرة من الزكاة إلى أجزاء صغيرة بحيث تضيع قيمتها الاقتصادية والشرائية وبالتالي فالإنسان الفقير الآخذ للزكاة لن تقيم هذه الزكاة أوده إلا أياما معدودة ويقعد كامل العام وهو لا يدري ما يفعل وأفضل الحلول أن يجتمع عدد من التجار في محلة واحدة وأن يجمعوا زكاتهم ويعطوها لشخص واحد على أن يقوم هذا الشخص بتنميتها وبالنتيجة يصبح هذا الشخص قادرا على دفع الزكاة بعد عامين على الأقل إن الدراسة الإحصائية والاقتصادية لمثل هذا الأمر ستؤدي إلى تخفيف نسبة الفقر من 10% إلى حاولي 50 % خلال عشر سنوات.
2- إدخال قوانين أجنبية إلى البلاد الإسلامية:
لقد ظلم كثير من المسلمين الإسلام بعبارات عديدة وكثيرة ومن هذه العبارات التي لاقت رواجا عبارة إغلاق باب الاجتهاد
وهي أخطر كلمة جابهت المسلمين حيث إن هذه الكلمة تعني " أننا نحن المسلمين غير قادرين على إيجاد الحلول للمشاكل الجديدة وعلى غيرنا أن يقوم بحلها "
وهذا ما جعل كثيرا من القوانين الأجنبية تدخل البلاد الإسلامية
ومن ذلك ما حصل في الدولة العثمانية حيث استنجد السلطان العثماني بأشياخ السلطنة لحل بعض المشاكل العالقة في أراضي السلطنة لكن أشياخ السلطنة كانوا قد تشددوا في المذهب الحنفي ولم يرضوا أن ينتقلوا إلى اجتهاد آخر مما جعل السلطان يغضب ويطلب من خبراء فرنسيين حل هذه المشكلة بقانون فرنسي ما زال يعمل به حتى الآن في بعض البلاد الإسلامية.
وبالتالي فإن أصعب ما يواجهه المسلمون اليوم هو عدم القدرة على إيجاد بدائل مختلفة إسلامية لحل كثير من المشاكل.
3 - الفشل في التربية:
وهذه طامة أخرى وقع بها المسلمون نتيجة عدم وجود البدائل الإسلامية المناسبة
فبدلا من أن تكون تربيتنا لأولادنا نابعة من الإسلام ولها هدف إسلامي واضح تركنا تربيتهم للظروف المحيطة وللعوامل المختلفة الواردة علينا من شتى أقطار العالم
وأبسط مثال على ذلك هو هذا الكم الهائل من الرسوم المتحركة التي يشاهدها أطفالنا و التي قد صنعت بأيد غربية وربما حاقدة على الإسلام ونتيجة لهذا الأمر تجد كثيرا من التصرفات التي يتصرفها الأطفال عن تقليد لهذه الأفلام المتحركة تخالف معتقداتنا السمحة وربما لا ينتبه كثير من الآباء لهذا الأمر مع العلم أن الطفل يشكل 70% من معارفه وأساسياته خلال السنوات السبع الأولى من عمره
ولعل هناك مشاكل كثيرة في هذا الباب لم نأت على ذكرها لكن الذي يجب أن نعلمه هو أن إيجاد البدائل الإسلامية مهمة كل مسلم على المستوى الفردي والجماعي وإننا إذا لم نحقق هذه البدائل المختلفة فسنبقى في ظل التبعية وينطبق علينا قوله - عليه السلام -: " لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه " البخاري
والحمد لله رب العالمين.
http://saaid.net المصدر:
============
أين الخلل وما العمل ( 4 )
م. عبد اللطيف البريجاوي
4 - السقوط في التبرير:
هذا خلل من نوع آخر وقع فيه المسلمون وازدادوا بسبب ذلك تخبطا فوق تخبطهم. إنه السقوط في التبرير وعدم الجرأة على مراجعة الأخطاء وهذه صفة لا زمت بني إسرائيل في كثير من تصرفاتهم فقال الله عنهم في سورة الأعراف " واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون " (163) الأعراف(16/185)
قال القرطبي - رحمه الله - في تفسير هذه الآية "... وأن إبليس أوحى إليهم فقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت، فاتخذوا الحياض; فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة فتبقى فيها، فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء، فيأخذونها يوم الأحد.. ".
فطريقة الاعتداء كانت هي عبارة عن تبرير لهم واقتنعوا وأقنعوا أنفسهم بهذا التبرير فكان جزاؤهم أن مسخهم الله قردة وخنازير قال - تعالى -: "ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" (65) البقرة.
إنها عقوبة من الله لم يعاقب بها قوم غيرهم وذلك؛ لأنهم اعتدوا وبرروا لأنفسهم ما نهاهم الله عنه.
إن هذه الصفة لم تقتصر على بني إسرائيل فقط بل و يا للأسف الشديد تعدت هذه الصفة وغيرها إلى كثير من المسلمين فوقعوا بها.
إن سقوط المسلمين في عقلية التبرير جعل كثيرا من الأخطاء تتراكب وتتواكب لتشكل حملا ثقيلا على صدر الأمة لا يزاح إلا بالاقتناع الكامل بضرورة الجرأة على مراجعة أخطاء الماضي ونفي عقلية التبرير والخروج من هذا الكبرياء المزيف.
لقد كان من ميزة الأخيار في هذه الأمة الأخذ بالأمر دون التبرير والسقوط فيه، فالصحابة رضوان الله عليه كانت ميزاتهم كثيرة ومن هذه الميزات أنهم لم يبرروا لأنفسهم خطأ ارتكبوه بل كانوا يسارعون إلى تصويب الخطأ وفق الخيارات الصحيحة.
فمن ذلك مثلا قصة كعب بن مالك ورفيقاه الذين لم يبرروا لأنفسهم ما ارتكبوه من تقصير في عدم خروجهم إلى غزوة تبوك مع النبي - عليه السلام - كما فعل غيرهم من المنافقين بل واجهوا الخطأ واعترفوا به وسعوا إلى إزالته بالطرق الشرعية حتى تاب الله عليهم وكانت النتيجة لهذه الجرأة قرآنا يذكر قصتهم وتوبة الله عليهم إلى يوم الدين.
ويوم وقف السلطان عبد الحميد - رحمه الله - رافضا كل الرفض أن يسمح لليهود بالدخول إلى فلسطين (ومن كان يمنعه وهو خليفة المسلمين وكانت الضغوطات الأجنبية على أوجها والضعف في بلاده يستفحل) فكان بإمكانه أن يوافق متذرعا بتبريرات مختلفة لكنه وقف وقفة البطل الأوحد في ساحات الوغى ولم يسمح لعقلية التبرير أن تدخل إلى خلافته ودفع بذلك ما دفعه! والحياة مواقف!!.
لكن الكثير من المسلمين اليوم وقعوا في عقلية التبرير ولم يقتصر الأمر على الأفراد بل تعداه إلى الشعوب والدول.
فعلى صعيد الأفراد مثلا ترى كثيرا من الناس يتذرعون لأتفه الأسباب ويتحججون بضائقة مادية (حقيقية أو وهمية) ليمدوا أ يدهم إلى الربا والرشوة بحجة عدم القدرة على الإنفاق ويبررون لأنفسهم ما حرمه الله
وعلى صعيد الدول ترى الكثير من الدول الإسلامية تبرر لنفسها بطريقة أو بأخرى التعامل مع ألد أعداء المسلمين بحجة المصالح واختلال ميزان القوى وغير ذلك.
إن عقلية التبرير من أخطر ما يصاب به العقل المسلم من مرض فهي عقلية المصلحة وعقلية المنافع الآنية لا تأبه بالضوابط ولا بالقيم.
ومن أهم الأسئلة التي يمكن أن تطرح على بساط البحث لماذا يقع الإنسان عموما والمسلم خصوصا في عقلية التبرير؟؟
الحقيقة أن هناك أسبابا كثيرة منها:
1 - الكبر: وهو من أول الأسباب وأهمها التي تجعل عقلية التبرير تتسرب إلى عقل الإنسان المسلم فهو يرى نفسه أنه أكبر من أن يتراجع عن خطأ ارتكبه وأن الحق في جانبه وأنه لا يقول إلا حقا وأن غيره دائما على خطأ وقد عرف النبي - عليه السلام - الكبر فقال: "الْكِبْرَ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَغَمَطَ النَّاسَ " أبو داود قال النووي: بطر الحق هو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا (وغمط الناس): أي استحقارهم وتعييبهم ".
2 – حب الدنيا: وهو من الأسباب المهمة في عقلية التبرير فالذين لم يذهبوا مع رسول الله إلى غزوة تبوك جعلوا يتذرعون الحجج الواهية لأنفسهم وللناس لتبرير هذا التقصير لكن كعبا وضح ذلك قائلا ".. وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال وتجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه.. "
فكان حب الدنيا سببا مهما من أسباب السقوط في هذه العقلية.
3 – الجهل: وهو آفة في كل الحالات والأوقات فمن لا يعرف الخير من الشر والحق من الباطل تلتبس عليه الأمور ويدخل في حيزات كبيرة من عقلية التبرير.
إن عقلية التبرير من أخطر ما يصيب الأفراد والدول والشعوب وإن بني اسرائيل لما سقطوا في عقلية التبرير مسخهم الله إلى قردة وخنازير.
والمسلمون لما سقطوا في هذه العقلية عوقبوا بعقوبة المسخ ولكن ليس إلى قردة وخنازير تكرمة لهذه الأمة ولكنها عقوبة المسخ بين الأمم حتى أصبحوا أمة ممزقة لا سيادة لها،لا يهاب لها جانب ولا تستشار في أمر من أمورها.
ومن المهم أن نؤكد على نقطة بالغة الأهمية وهي أن عقلية التبرير ليست هي عقلية الاستراتيجية الإسلامية التي تختار الأنسب من بين كل الاحتمالات بل هي تلك العقلية التي تفعل الخطأ عيانا وجهارا ثم تأبى أن تعود عنه متذرعة بحجج واهية وأسباب بالية والله ولي التوفيق.
http://saaid. net المصدر:
==========
أين الخلل وما العمل ( 5 )
م. عبد اللطيف البريجاوي
5 - التقييم السطحي للأحداث:
هذا خلل من نوع لآخر إنه السذاجة والبساطة في تقييم الأحداث التي جرت أو التي تجري دون القراءة المبصرة والواعية لهذه الأحداث مما يجعل الرؤية لدينا ضبابية وغير واضحة ويبنى على ذلك كثير من الاستراتيجيات المختلفة والتي تكون غالبا فاشلة بسبب هذا التقييم السطحي.(16/186)
إن العقلية الإسلامية - على الرغم من كونها تحاسب الناس عل ظاهر الأمر وتكل السرائر إلى الله - إلا أنها كانت عقلية تنظر إلى الأحداث بعمق يستوعب الحدث بكل أبعاده منطلقا ومستقرا وأهدافا و وثمارا وكانت تحول هذه النظرة العميقة للأحداث إلى نظرة تستفيد منها خلا ل مراحلها القادمة.
ولقد علمنا القرآن الكريم أن تكون نظرتنا للأحداث الجارية والسابقة والتي سوف تأتي ذات نظرة عميقة وليست سطحية فعندما وصف القرآن الكريم الكلمة الطيبة بقوله - تعالى -: " ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء(24) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون " (25)إبراهيم
تكلم لنا عن عمق هذه الكلمة فتكلم عن:
1 - الأصل: "أصلها ثابت".
2 - الهدف: "وفرعها في السماء".
3 - النتائج والثمار: " تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها " وهذه قاعدة ذهبية في تقييم الأحداث والأمور " أن نبحث في أصلها وجهتها وأهدافها ". و علمتنا السنة كذلك أن ننظر بعمق إلى الأحداث ولا نكتفي بالنظرة السطحية فمثلا لما وقعت مشكلة بين الأنصار والمهاجرين في إحدى الغزوات كما يروي البخاري وغيره عن جابر - رضي الله عنه - قال: (كنا في غزاة فكسع (أي ضرب) رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال " ما بال دعوى الجاهلية " قالوا يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال: " دعوها فإنها منتنة " فلم تكن نظرة النبي إلى هذا الحدث الخطير نظرة سطحية بسيطة (أن الأمر هو رجل ضرب رجلا وانتهى الأمر) لكنه نظر إلى هذا الأمر نظرة عميقة وتحليلية مما استدعى تدخله المباشر والسريع لحسم الأمر.
لقد كانت نظرة النبي عميقة جدا إلى أبعد ما يمكن أن تصور ويتضح ذلك من تحليل هذه الحادثة:
1 - نظر النبي إلى أصل هذا الفعل فوجد أنه من أفعال الجاهلية وأن هذا الفعل الذي حصل من ضرب رجل لآخر استدعى إلى عقولهم أفعال الجاهلية وبرز هذا واضحا في تتداعيهم وتجمعهم كلا في جهة كما صرح - بذلك ابن حجر في شرحه للحديث - .
2 - ونظر إلى آثار هذا الفعل فوجد أنه مدخل كبير من مداخل الحاقدين على الإسلام فوصف هذا الفعل بقوله دعوها فإنها منتنة وهذا ما فعله عبد الله بن أبي حيث روى البخاري أنه لما سمع عبد الله بذلك قال:" فعلوها أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ".
والمثال الثاني في الرؤية النبوية العميقة للأحداث هو أن عمر كما يروي البخاري وغيره
قال يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ".
فالنبي - عليه السلام - راعى هذا الأمر الإعلامي الذي يمكن أن تسير به الركبان ويتحدثوا بقتل النبي لهذا الرجل ولم ينظر إلى أنه له السلطة المطلقة في المدينة يفعل ما يشاء.
إن الخلل الذي وقع به المسلمون في التقييم السطحي للأحداث جعل المسلمين يقعوا فريسة لكثير من الذين اتخذوا الإسلام وسيلة للوصول إلى مآربهم فساروا خلفهم وأذعنوا لهم دون أن يعلموا أن وراء الأكمة ما وراءها.
وقد سببت هذه العقلية مشاكل فكرية واجتماعية كثيرة منها:
1 - انتشار فكر التعميم: وهي أخطر ما أصاب العقل المسلم فنتيجة لعدم الرؤية العميقة والسابرة للأحداث انتشر فكر التعميم للخير والشر فمن يشتهر بشره وسوء أفعاله قد يبدو منه فعل واحد أو أكثر من أفعال الخير فيتناول الناس هذا الخير وينسون كل الأفعال الشريرة والسيئة ويعممون هذه الأفعال على كثير من أفعاله السابقة فمثلا تبرعت إحدى عارضات الأزياء بجولة في إفريقيا لمعالجة مرض الإيدز فمشى الإعلام بذلك وأكبر من هذا الخير ونسي أنه بجسد هذه العارضة وأمثالها ينتشر ذلك المرض الفتاك وكما قال الشاعر:
شر الخير نعممه وخير الشر نعممه
والأمر في التعميم وانتشار فكره يقاس على الأفراد والشعوب والدول.
2 - الصورة المسبقة في الأذهان لأي فعل: حيث أنه ما من خير جديد ينبت في المجتمع إلا ونبدأ نقيسه على عمل قديم أو جديد مشابه قد فشل فنحكم عليه بالفشل نتيجة الصورة الذهنية المسبقة لأمثال هذا لفعل دون النظر إلى عمق الحدث فربما تغيرت الظروف وتغيرت الرجال وغير ذلك.
إن هذه الصورة المسبقة في الأذهان دون الولوج والتقييم العميق للأحداث قتلت كثيرا من الحالات الإيجابية في المجتمع المسلم وحالت دون حسن نمو الحالات الأخرى.
إن عدم التقييم العميق للأحداث والرؤية المجتزأة والسطحية كانت إحدى العوامل الكبيرة في وقوع المسلمين في أزمات كثيرة وكثيرة أوصلت المسلمين إلى هذا الحال الذي ندعو الله أن يرزقنا العمل لتحسينه وإزالة الشوائب منه.. آمين.
http://saaid. net المصدر:
============
أين الخلل وما العمل ( 6 )
م. عبد اللطيف البريجاوي
التعلق بالأشخاص دون المبادئ:
ومن أنواع الخلل الأخرى التي وقع بها المسلمون هو التعلق بالأشخاص ونسب الكمال لبعضهم، والسير خلف البعض منهم ولو كانوا قد زلت بهم القدم وضلوا عن الطريق المستقيم.
يقول د. الكيلاني في كتابه هكذا ظهر جيل صلاح الدين:
" كل مجتمع يتكون من ثلاثة عناصر رئيسة الأفكار والأشخاص والأشياء ويكون المجتمع في أعلى درجات الصحة حين يكون الولاء للأفكار هو المحور الذي يتمركز حوله سلوك الأفراد وعلاقاتهم وسياسات المجتمع، ويدور الأشخاص والأشياء في فلك الأفكار "
هذا ماكتبه د. الكيلاني يمثل القمة في طريقة التعامل التي أرادها الإسلام.(16/187)
فالإسلام يريد منا أن نقتنع بالمبادئ الصحيحة والسليمة دون أن نتأثر بطارحيها وتخلفهم عنها
ولذلك حذر الإسلام الانقياد وراء الأشخاص دون علم ودون بصيرة قال - تعالى -: " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين " (108) يوسف
أي لست أنا العالم (أو القائد أو الشيخ) فقط على بصيرة إنما كذلك من يتبعني ويجعلني قدوة أمامه.
وقال - سبحانه - " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون(23) الجاثية
قال ابن كثير: "وأضله الله بعد بلوغه العلم ".
وأكد النبي - عليه السلام - هذا المعنى فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ".
وهنا دور المسلم مهم جدا في عدم الانقياد لهؤلاء الرؤوس الجهال.
وخشية أن ينقاد المسلم خلف هؤلاء الجهال وينحرف عن الصراط المستقيم، وضع الإسلام ميزانا واضحا وبيننا، لا يحيد عنه إلا ضال، إنه ميزان الكتاب والسنة قال - عليه السلام - " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه " مالك.
ومهما علت رتبة الإنسان فلا يمكن أن ينسف هذا الميزان، فقد روى الإمام الترمذي نقاشا جرى بين رجل نقل علما بخلاف ما كان عليه رسول الله واحتج بقول إبراهيم النخعي فقال وكيع " أقول لك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول قال إبراهيم؟؟ ما أحقك بأن تحبس ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا ".
لذلك كان الميزان دائما هو قياس الأمر على الكتاب والسنة لا على الأشخاص، ومن هنا ندرك أهمية قول علي - رضي الله عنه -: " اعرف الحق تعرف رجاله ".
إن الإسلام على الرغم من تعظيمه لشخصية النبي العظيم - عليه السلام - طلب منا أن نتعلق به كونه القالب الذي سكب الله فيه الإسلام، حتى لا تؤثر وفاته في مسيرة الحق والهداية فقال - تعالى -: "إنك ميت وإنهم ميتون " (30)الزمر .
وقد كان أبو بكر - رضي الله عنه - أول من أدرك هذه النقطة عند وفاته - عليه السلام - حتى أن عمرا الذي هو عمر في حزمه استل سيفه و أعلن أنه قاتل لمن يدعي وفاة النبي - عليه السلام - لكن أبا بكر رضي الله عنه كان قد أدرك أن الأمر لا يتعلق بشخص النبي إنما يتعلق بالإسلام فصعد المنبر وقال كلمته المشهورة: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا قوله - تعالى -: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين(144) آل عمران.
وعلى مر العصور جاء من يؤكد فكرة عدم الافتتان بالأشخاص، وضرورة العودة دائما إلى المصادر الرئيسة في الإسلام والمبادئ الثابتة فيه، وما فعله عمر في عزل خالد بن الوليد مثلا عن قيادة الجيش في اليرموك إلا لأن الناس بدؤوا يفتنون بجيش فيه خالد فكانت نظرة عمر هو تصحيح المسار بأن النصر من عند الله لا من عند خالد بن الوليد - رضي الله عنهم -.
ثم جاء من بعد ذلك العصور المختلفة والتي كان يؤكد فيها العلماء على أهمية عدم اعتبار الأشخاص هم الميزان فمثلا كان يقول أحدهم: " لو رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في السماء فاعرضوا أعماله على الكتاب والسنة " وما هذا العرض إلا لعدم الافتتان بهذا الرجل أو غيره.
إن الغرب اليوم يحاول أن يربطنا بالأشخاص أكثر من الأفكار والمبادئ رغبة منه في تحجيم الإسلام وتهميشه ورغبة منه في موت المبدئ بموت حامله، وهذا ما نلاحظه في كلام أحد المستشرقين الذي يقول: " لو أن محمدا حي لحل مشاكل العالم وهو يشرب فنجان قهوة ".
إنها من أخطر العبارات التي قيلت وإن حملت في ظاهرها مدحا للنبي - عليه السلام - لكنها تحمل في ثناياها سما قاتلا إنه إعلان موت المبادئ التي جاء من أجلها محمد أو باختصار إعلان موت الإسلام.
إن الافتتان بالأشخاص والتعلق بهم دون ضابط وتقييد أدى إلى مشاكل كبيرة، و تراجعات أكثر في العمل الإسلامي ومن هذه المشاكل:
1- ظهور الإقطاعات الدينية: " إن قيم العصبية الأسرية تسللت إلى مدارس الإصلاح إذ أن الأبناء والأحفاد تسلموا مشيخات المدارس الإصلاحية بعد وفاة الآباء دون أن يكون لهم المؤهلات العلمية والدينية والخلقية " د. الكيلاني المرجع السابق.
وهذا الذي حصل في المدارس الإصلاحية في القرون الوسطى لم يكن ليحصل لولا افتتان الناس بشخصية المصلحين أمثال الجيلاني و الرافعي وغيرهم فاحتراما لهم ووفاء لهم دون الوفاء للمبادئ قدموا الأبناء والأحفاد وبالتالي انحدرت هذه المدارس بالمجتمع بدلا من الارتقاء به.
2 الافتتان بشخصية صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله -: حيث يعتبر العديد من المسلمين أن حل مشاكلنا لا تكون إلا برجل مثل صلاح الدين دون أن يعلموا أن صلاح الدين لم يكن مجرد طفرة في المجتمع المسلم إنما كان نتيجة جهود طويلة من العمل الإسلامي الجاد، فهو حلقة من سلسلة حلقات طويلة ساهم فيها العلماء والحكام وعامة الناس و استغرق ذلك زمنا دام أكثر من أربعين سنة.
إن اعتماد المسلمين على الطفرات في تغيير أحوالهم، تهرب من المسؤولية، وإلقاء لكاهل الأمانة عن الأكتاف، وإضعاف للهمم في تهيئة أجواء مناسبة لظهور مجدد للدين يحمل فكر صلاح الدين.(16/188)
3 الاحتكام لوجود الأشخاص: إن الرجل الوحيد الذي يكون وجوده وسكوته إقرار بشرعية أي أمر هو النبي - عليه السلام -، فلا ينبغي للمسلم إذا شاهد أمرا مخالفا أن يكون وجود بعض الأشخاص بمثابة شرعية هذا الأمر أو غيره.
إن الاحتكام لوجود الأشخاص في بعض الأمور ليس دليلا لشرعية هذا الأمر أو غيره وإنما الأصل في الأدلة هي الأدلة التي اعتمدها الإسلام وهي القرآن والسنة والإجماع وغيرها وليس في واحدة منها وجود الأشخاص.
وإنه على الرغم من أهمية عدم الافتتان بالأشخاص فيجب أن يعلم الإنسان المسلم أهمية العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، وضرورة احترامهم والذب عنهم، معتمدين القاعدة الذهبية " الحب والاحترام لا يمنع النقد ".والحمد لله رب العالمين.
http://saaid.net المصدر:
(((((((((((((
الفهرس العام
البابالحادي عشر – كشكول الدعوة إلى الله (6)
الباب الحادي عشر – كشكول الدعوة إلى الله (6)
شيخ الإسلام ابن تيمية يحاور دجاجلة الصوفية البطائحية
رسالة إلى مشترك بالإنترنت
الداعية المطلوب
سبق درهم مائة ألف درهم !
رأي في المراجعات
القنديل المكسور
قل لا إله إلا الله … وحطم الأصنام من داخلك
رسالة إلى كل الإداريين والمشرفين والمشرفات وإلى كل من يتمنى الإشراف في المنتديات
الوقاية خير من العلاج
الحفاظ على المكتسبات
الابتلاء في حياة الدعاة (1- 2 )
أبناء الدعوة بالنسب وأبناؤها بالتبني
هكذا علمنا السلف ( 83 ) امتلاكهم زمام أنفسهم:
لا تتغير
هكذا علمنا السلف ( 82 ) منهج تربوي في معالجة ابن عباس لأهل الشك السائلين عما لا يعنيهم:
عندما أكون جبانا
أسس ترشيد رد الفعل الدعوي في ضوء القرآن والسنة
هكذا علمنا السلف (81 ) صفة العبد الموفق انشغاله بما يعنيه:
خلاصة الخلاصة
الدعوة الفردية
يمرضون قلوبهم في المستشفيات
ضع لنفسك حدا
كل تعميم خطأ
ذرات ضوء
هكذا علمنا السلف ( 79 ) حجاب العقل الشهوة:
غيث القلوب
سريع الذوبان
هكذا علمنا السلف ( 78 ) التخليط عاقبته التخليط والتصفية كذلك:
همم لا ترضى بغير القمم
لا تترك خبزك
هكذا علمنا السلف ( 77 ) يقظة القلب:
ظاهرة مقاهي الإنترنت السلبيات والإيجابيات
تعب السعداء
المسجد: دوره ومكانته في موضوعات القصة الإسلامية المعاصرة
لو أننا فعلنا
كيف تكتسب شخصية جذابة ؟
أخيه احذري البالتوك
خطورة التعبد بالخلاف
الغسيل الذهني
اقتنعت بالدعوة السلفية بعد تسع سنوات من التردد
جهاد المنافقين
استخرج أحسن ما في السيئين
تحذير عاجل ، ونذير خطير لا يحتم التأخير
رب همة أحيت أمة بإذن الله
نصيحة وذكرى
هكذا علمنا السلف ( 76 ) حياة القلب:
كن مباركا
( 47 ) طريقة لمواجهة دعاة التحرر
كيف توصل فكرتك إلى الآخرين؟
الثوابت .. والمتغيرات
أفكار دعوية للأعياد
مراد هوفمان : الإسلام في الألفية الثالثة
عمارة المسجد وعمارة الأرض ... التوازن المفقود في حياة الأمة
وصفة مواساة
إقبال وإدبار
البراءة من الجاهلية
تعريف الأنام بمقاصد الإسلام
قواعد في منهج الدعوة إلى الخير
وواجبك أيضا يا أخي
ما هي الوهابية ؟
ثقافة النخبة .. مساحات وفواصل
دور العقيدة الصحيحة في الجندية المعاصرة
رسالة من القلب
مساهمة المدرسين والطلاب في دعوة الجاليات
الحب في الجامعة
من جماليات القول (الصدق)
لماذا لا نتساءل ؟
كيف تكون محبوباً ؟
بلاغ الرسالة القرآنية معالم في المنهج الدعوي
كيف تعيش كبيراً ؟
تقويم ذاتي لزوجات الدعاة
حسن الخلق مفتاح القلوب
دفع المفاسد
لا تقرأ هذا الموضوع !
نحو تنسيق أمثل في مجال الدعوة النسائية
أحد أعيان الزيدية سابقاً ينصح بقراءة الكتب التالية
بذرة الأمل
الخير باق في أمتنا إلى يوم الدين
الوصية
الطريق السريع إلى القلوب
الدعاة .. والهم المقعد !
الشتات في الشات
الفزعة يا شباب.. الفزعة يا بنات لابن البلد..!
موقف أبكاني
همسات للدعاة
هموم وهموم ..!
دعيني أعاتبك يا أمي
وقفات مع الدعوة إلى الله
ذروني أقتل موسى ( 1 )
ذروني أقتل موسى ( 2 )
هناك مشكلة
عراقيل في الطريق
طلب الشهادة فلم ينلها إلا بالصدقة والقيام
إلى طالب علم خامد !
إلى كل داعية : توقفي الآن ..!
التماس البركة في الوقت
هل سبق الإسلام إلى أمريكا ؟
إنهم أناس يتطهرون !
التجار والاستثمار
معا نرتقي
كن ربانيا .. تبتسم لك الحياة
ماذا يحدث إذا كان العلم بلا إيمان ؟
أخي الشاب احذر الاشتغال بتصنيف الخلق
احذروا الركون إلى الكفار
وظيفة تدر عليك الملايين
لقد تغير كل شيء ؟!!..
لقاء وعبرة
وذكرهم بأيام الله
وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها
عشر وسائل لنشر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
أيها العلماء والدعاة احذروا أسباب التفرق : التشرذم، والانغلاق، وسوء الظن
أيها المجاهدون إنكم تقاتلون عن دين وعد الله بنصره
معوقات أمام المرأة في الدعوة
أيها المسلمون لا تبخلوا على إخوانكم المجاهدين بأموالكم ودعائكم
هكذا علمنا السلف ( 72 ) السبب في تأديب عمر لصبيغ:
رسالة ونداء لرجال المال والأعمال
إلى زوجة الداعية
دعوة إبراهيم وواجبات الدعاة
أين الخلل وما العمل (1)
أين الخلل وما العمل ( 2 )
أين الخلل وما العمل ( 3 )
أين الخلل وما العمل ( 4 )
أين الخلل وما العمل ( 5 )
أين الخلل وما العمل ( 6 )(16/189)
المفصل في فقه الدعوة إلى الله تعالى (17)
الباب الحادي عشر - كشكول الدعوة إلى الله (7)
جمعها وأعدها وفهرسها
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الحادي عشر - كشكول الدعوة إلى الله (7)
يا ابنتي الذئاب لا تعرف الوفاء
خليل بن إبراهيم أمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أنا - يا ابنتي - رجل خبرت الحياة وخبرتني، وعاركت الأيام وعاركتني، وصارعت الليالي وصارعتني، وسحت في الديار شرقها وغربها، وتعاملت مع النفوس شريفها ووضيعها، فخذي مني نصيحة أب مشفق، يحب لك الخير ويتمنى لك الرفعة، نصيحة من يرى كرامتك وشرفك ورفعتك أعز وأغلى عليه من نفسه التي بين جانحتيه.
إي والله - يا ابنتي - هذا هو شعور أي أب نحو ابنته، فخذيها واقبليها وضعيها نصب عينيك، لأني أرى سهاماً نحوك مرصودة قد أصابت حرابها، وأرى شباكاً حولك منصوبة قد امتلأت فخاخها، وأرى الترائي بالرذيلة قد جرت ثيابها، وأرى البراءة من الفضيلة قد اتسع خرقها، وأرى حولك قلوباً من الرحمة قد أقفرت، وأرى أمامك عيوناً عن البكاء قد جمدت، وأرى بوناً شاسعاً بين دخائل القلوب وملامح الوجوه، وأرى كذب الأسماء عن حقائقها، فالإجرام والفجور فتوة، والتبذل والتفسخ حرية، والرذيلة فناً، والربا فائدة، وأم الخبائث- الخمر- مشروباً روحياً، والانحلال حضارة، ألا ساء ما يزرون.
كل هذا- يا ابنتي- لكي يستمتع بجسدك الطاهر ودمائك النقية ذئاب، بك متربصة، قد سخَّروا أقلاماً غلب جهلها على علمها، لبست لك ثياب النصح والإرشاد، فأقبلوا يخلطون بالبيان شبهاً، وبالدواء سماً نقاعاً، وبالسبيل الواضح جرداً مضلاً، فالجلود جلود الضأن، والقلوب قلوب الذئاب، فترى وتسمع منهم حشفاً وسوء كيله، قد بيتوا أمراً تكالبوا عليه مجمعين على غير هدى ولا مثال سابق حتى وقع الحافر على الحافر، ألا ساء ما يزرون.
إنهم يخطون نحوك خطواتهم الأولى ثم يدعونك تكملين الطريق، فلولا لينك ما اشتد عودهم، ولولا رضاك ما أقدموا، أنت فتحت لهم الباب حين طرقوا فلما نهشوا نهشتهم صرخت "أغيثوني"، ولو أنك أوصدت دونهم أبوابك، ورأوا منك الحزم والإعراض لما جرؤ بعدها فاجر أن يقتحم السوار المنيع، لكنهم صوروا لك الحياة حباً في حب، وغراماً في غرام، وعشقاً في عشق، فلا تسير ولا تصح الحياة بدون هذا الحب الجنسي الذي يزعمون، وبه يتشدقون. قالوا: لابد من الحب الشريف العذري بين الشاب والفتاة، والله يقول {فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب: 32-33]. فأي حب هذا الذي يزعمون، وأي شرف هذا الذي يتشدقون، {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.
لا- يا ابنتي- لا تصدقيهم، ولا تصدقي الذئب، لا تصدقيه بأنه يطلب منك الحديث فقط، أترينه يكتفي به، لا، سيطلب المقابلة، فهل يكتفي بهذا؟ لا، سيطلب النظر، ثم العناق، وثم وثم....
فما حديث الحب العذري الشريف إلا شهوة لم تقض، ورغبة لم تتحقق، وما دون ذلك وهم وضلال وتدليس على النفس، إن حديث الحب العذري بين شاب وفتاة خرافة لا تروج شوقه إلا على المجانين والمراهقين وأهل الدياثة والخنا.
فلا تستمعي بما زخرفه الشعراء من أمثال، عنترة وعبلة، وقيس وليلى، وجميل وبثينة، والفرزدق والنوار، وكثير وعزة، وغيرهم.
ولا بما زوره الأدباء في مجدولين، وبول وفرجيني، وكرازبيلا، والأجنحة المتكسرة، فما هذا إلا صورة من صور الرغبة في الاتصال الجنسي لم تجد طريقها إلى التنفيذ، إنها غريزة النوع فلا يرويها إلا ما يتم به، هذه حقيقة ومن أنكرها وجد الرد عليه داخل نفسه، ففي كل نفس يكمن الدليل على أنها حقيقة لا سبيل إلى إنكارها، وفى الحديث « ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما » أخرجه البخاري برقم (5233).
فالحب العذري الذي يزعمون ما هو إلا جوع جنسي، فهل يصدق الجائع إذا حلف بأغلظ الأيمان أنه لا يريد من المائدة الشهية إلا أن ينظر إليها، ويشم ريحها من على البعد فقط، كي ينظم في وصفها الأشعار ويصوغ القوافي.
فالضحية أخيراً أنت - يا ابنتي - يأتي الشاب فيغوي الفتاة، فإذا اشتركا في الإثم ذهب هو خفيفاً نظيفاً، وحملت هي ثمرة الإثم في حشاها، ثم يتوب هو فينسى المجتمع حوبته، ويقبل توبته، وتتوب هي فلا يقبل لها المجتمع توبة أبداً، وإذا هم هو بالزواج أعرض عن فتاته التي أفسدها مترفعاً عنها، ومدعياً أنه لا يتزوج البنات الفاسدات، ولسان حاله يقول: أميطوا الأذى عن الطريق؟ فإنه من شعب الإيمان،
أين ما أخذه على نفسه من وعود؟ أين ما قطعه من عهود؟(17/1)
كتبت إحداهن وكانت سليلة مجد ومن بيت عز تستعطف الذئب بعد أن سلبها عذريتها، فقالت: لو كان بي أن أكتب إليك لأجدد عهداً دارساً أو وداً قديماً ما كتبت سطراً، ولا خططت حرفاً، لأني لا أعتقد أن عهداً مثل عهدك الغادر، ووداً مثل ودك الكاذب، يستحق أن أحفل به فأذكره، أو آسف عليه فأطلب تجديده، إنك عرفت حين تركتني أن بين جنبي ناراً تضطرم، وجنيناً يضطرب، تلك للأسف على الماضي، وذاك للخوف من المستقبل، فلم تبل بذلك، وفررت مني حتى لا تحمل نفسك مؤونة النظر إلى شقاء أنت صاحبه، ولا تكلف يدك مسح دموع أنت مرسلها، فهل أستطيع بعد ذلك أن أتصور أنك رجل شريف؟ لا، بل لا أستطيع أن أتصور أنك إنسان، لأنك ما تركت خلة من الخلال المتفرقة في نفوس العجماوات والوحوش الضارية إلا جمعتها في نفسك، وظهرت بها جميعها في مظهر واحد، كذبت عليَّ في دعواك أنك تحبني وما كنت تحب إلا نفسك، وكل ما في الأمر أنك رأيتني السبيل إلى إرضائها، فممرت بي في طريقك إليها، ولولا ذلك ما طرقت لي باباً، ولا رأبت لي وجهاً، خنتني إذ عاهدتني على الزواج، فأخلفت وعدك ذهاباً بنفسك أن تتزوج امرأة مجرمة ساقطة، وما هذه الجريمة ولا تلك السقطة إلا صورة نفسك، وصنعة يدك، ولولاك ما كنت مجرمة ولا ساقطة، فقد دفعتك - جهدي- حتى عييت بأمرك، فسقطت بين يديك سقوط الطفل الصغير، بين يدي الجبار الكبير، سرقت عفتي، فأصبحت ذليلة النفس حزينة القلب، أستثقل الحياة وأستبطئ الأجل، وأي لذة في العيش لامرأة لا تستطيع أن تكون زوجة لرجل ولا أماً لولد! بل لا تستطيع أن تعيش في مجتمع من هذه المجتمعات البشرية إلا وهي خافضة رأسها، ترتعد أوصالها، وتذوب أحشاؤها، خوفاً من تهكم المتهكمين، سلبتني راحتي لأني أصبحت مضطرة بعد تلك الحادثة إلى الفرار من ذلك القصر... وتلك النعمة الواسعة وذلك العيش الراغد إلى منزل لا يعرفني فيه أحد... قتلت أبي وأمي، فقد علمت أنهما ماتا، وما أحسب موتهما إلا حزناً لفقدي، ويأساً من لقائي، قتلتني لأن ذلك العيش المر الذي شربته من كأسك، وذلك الهم الذي عالجته بسببك، قد بلغا مبلغهما من جسمي ونفسي فأصبحت في فراش الموت كالزبالة المحترقة... فأنت كاذب خادع ولص قاتل، ولا أحسب أن الله تاركك بدون أن يأخذ لي بحقي منك... [النظرات للمنفلوطي].
ذئب آخر: كان من شباب الخلاعة واللهو، علم أن المنزل الذي يجاور منزله يشتمل على فتاة حسناء من ذوات الثراء والنعمة والرفاهية والرغد، فرما إليها النظرة الأولى فتعلقها، فكررها أخرى، فبلغت منه، فتراسلا، تم تزاورا، ثم افترقا، وقد ختمت روايتهما بما تختم به كل رواية غرامية يمثلها أبناء آدم وحواء على مسرح هذا الوجود، عادت الفتاة تحمل بين جانحتيها بما يضطرم في فؤادها، وجنيناً يضطرب في أحشائها، ولقد يكون لها إلى كتمان الأول سبيل، أما الثاني فسرٌّ مذاع، وحديث مُشاع، إن اتسعت له الصدور، فلا تتسع له البطون، وإن ضن به اليوم فلا يضن به الغد... فلما أسهر الهم ليلها، وأقض مضجعها، لم تر لها بداً من الفرار بنفسها، والنجاة بحياتها، فعمدت إلى ليلة من الليالي الداجية فلبستها وتلفعت بردائها، ثم رمت بنفسها في بحرها الأسود، فمازالت أمواجها تتلقفها وتترامى بها حتى قذفت بها إلى شاطئ الفجر، فإذا هي في غرفة مهجورة في إحدى المنازل البالية، في بعض الأحياء الخاملة وإذا هي وحيدة في غرفتها لا مؤنس لها إلا ذلك الهم المضطرم.(17/2)
وتدور عجلة الزمان دورتها، تلك العجلة التي لا حيلة لنا في إيقافها فماذا كان؟ يغفر المجتمع للجاني الذئب، ويقبل توبته، وينسى زلته، ويُعَيَّن قاضياً، وتضع المسكينة طفلتها في تلكم الغرفة المتهالكة، باعت جميع ما تملك يدها وما يحمل بدنها وما تشتمل عليه غرفتها من حلي وثياب وأثاث، حتى إذا طار غراب الليل عن مجثمة أسدلت برقعها على وجهها وائتزرت بمئزرها، وأنشأت تطوف شوارع المدينة وتقطع طرقها، لا تبغي مقصداً ولا ترى غاية سوى الفرار بنفسها من همها، وهمها لا يزال يسايرها ويترسم مواقع أقدامها، وفي إحدى الليالي سيق إليها رجل، كان ينقم عليها شأناً من شؤون لشهواته ولذاته، فزعم أنها سرقت كيس دراهمه... ورفع أمرها إلى القضاء... وجاء يوم الفصل.. فسيقت إلى المحكمة، وفي يدها فتاتها، وقد بلغت السابعة من عمرها فأخذ القاضي ينظر في القضايا ويحكم فيها... حتى أتى دور الفتاة، فما وقع بصره عليها حتى شدهت عن نفسها وألم بها من الاضطراب والحيرة ما كاد يذهب برشدها، ذلك أنها عرفته وعرفت أنه ذلك الفتى الذي كان سبب شقائها، وعلة بلائها، فنظرت إليه نظرة شزراء، ثم صرخت صرخة دوى بها المكان دويا وقالت: "رويدك أيها القاضي، ليس لك أن تكون حكماً في قضيتي، فكلانا سارق، وكلانا خائن، والخائن لا يقضي على الخائن، واللص لا يصلح أن يكون قاضياً بين اللصوص " فعجب القاضي والحاضرون لهذا المنظر الغريب... وهم أن يدعو الشرطي لإخراجها، فحسرت قناعها عن وجهها، فنظر إليها نظرة ألمّ فيها بكل شيء، وعادت الفتاة إلى إتمام حديثها فقالت: "أنا سارقة المال، وأنت سارق العرض، والعرض أثمن من المال، فأنت أكبر مني جناية، وأعظم جرماً، وإن الرجل الذي سُرق ماله ليستطيع أن يعزي نفسه باسترداده أو الاعتياض عنه، أما الفتاة التي سَرق عرضها فلا عزاء لها؟ لأن العرض الذاهب لا يعود، لولاك لما سُرقت، ولما وصلت إلى ما وصلت إليه، فاترك كرسيك لغيرك، وقف بجانبي ليحاكمنا القضاء العادل على جريمة واحدة، أنت مدبرها وأنا المسخرة فيها... رأيتك حين دخلت هذا المكان، وسمعت الحاجب يصرخ لمقدمك، ويستنهض الصفوف للقيام لك! ورأيت نفسي حين دخلت والعيون تتخطاني والقلوب تقتحمني، فقلت يا للعجب، كم تكذب العناوين، وكم تخدع الألقاب، أتيت بي إلى هنا، لتحكم علي بالسجن كأن لم يكفك ما أوزعت إلي من شقاء حتى أردت أن تجيء بلاحق لذلك السابق، ألم تك إنسانا، فترثى لشقائي وبلائي؟ إن لم تكن عندي وسيلة أمت بها إليك، فوسيلتي إليك ابنتك هذه فهي الصلة الباقية بيني وبينك.
وهنا رفع "الذئب"- عفواً- رفع القاضي رأسه، ونظر إلى ابنته الصغيرة وأعلن أن المرأة قد طاف بها طائف من الجنون، وأن لابد من إحالتها على الطبيب فصدق الناس قوله، تم قام من مجلسه... (المصدر السابق). يا الله؟
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ
عوى وصوت إنسان فكدت أطير
أرأيت- يا ابنتي- كيف تنكر الذئب من فعلته بكل يسر وسهولة، إن كل فتاة من هاتين الفتاتين كانت لها أم تحنو عليها، وتتفقد شأنها، وتجزع لجزعها، وتبكي لبكائها، ففارقتها، وكان لها أب لا هم له في حياته إلا أن يراها سعيدة في آمالها، مغتبطة بعيشها، فهجرت منزله، وكان لها خدم يقمن عليها ويسهرن بجانبها فأصبحت لا تسامر إلا الوحدة، ولا تساهر إلا الوحشة، وكان لها شرف يؤنسها ويملأ قلبها غبطة وسروراً ورأسها عظة وافتخاراً ففقدته، وكان لها أمل في زواج سعيد مع زوج محبوب، فرزأتها الأيام في أملها، كل هذا لأنها صدقت ما وعدها، وانساقت وراء نزوة عابرة ولم تمتثل قول الله - عز جل -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الأحزاب: 59].
فلا تغرنك- يا ابنتي- الصورة البشرية التي يتصور فيها الذئب وتلك الملابس التي يتسربل داخلها، فلو كشف لك عن أنيابه لرأيت الدم الأحمر يترقرق فيها، أو عن أظفاره لرأيتها مخالب حادة، أو عن قلبه لرأيت حجراً صلداً من أحجار الغرانيت لا ينبض بقطرة من الرحمة، ولا تخلص إليه نسمة من العظة، فهم سباع مفترسة، وذئاب ضارية، فكم حمَّلوا من فتاة شقاءً وآلاماً لا قدرة لها ولا لمخلوق باحتماله، وكم قرحوا من كبد أب لو عرضها في سوق الهموم والأحزان ما وجد من يبتاعها منه بدرهم، وكم سرقوا فرحة زوج في ليلة عرسه فطلق زوجته قبل أن يبني بها غير آسف ولا حزين.
جاء رسول البريد بكتاب إلى زوج في ليلة بنائه على زوجته فإذا فيه الرسالة التالية: "علمت أنك خطبت (فلانة) إلى أبيها وأنك عما قليل ستكون زوجها، ولعمري لقد كذبك نظرك وخدعك، من قال لك: إنك ستكون سعيداً بها، فإنها لن تكون لك بعد أن صارت لغيرك، ولا يخلص حبك إلى قلبها بعد أن امتلأ بحب عاشقها، فاعدل عن رأيك فيها، وانفض يدك منها، وإن أردت أن تعرف من هو ذلك العاشق وتتحقق صدق خبري وإخلاصي لك في نصيحتي، فانظر إلى الصورة المرسلة مع هذا الكتاب" التوقيع.
وقصص الذئاب أكثر من أن يحصيها العد، ولكن اللبيب بالإشارة يفهم، وقلما تتزوج فتاة ذات صلات فاسدة مع رجل إلا وردت عليها ليلة البناء بها أو صبيحتها كتب الوشاية والسعاية ممن أحبتهم وأخلصت إليهم سابقا، فينتهي أمرها أيضا إلى الشقاء والعار، وليس هناك فتاة بدأت حياتها بحب وغرام كان باستطاعتها أن تتمتع بالحب في زواج سعيد شريف، جزاء وفاقاً ولا يظلم ربك أحداً.(17/3)
والآن آن لك- يا ابنتي- أن تفرقي بقوة بين من يريدك مستترة فتُعزي، وممتنعة فتطلبي، وبين من يريدك معروضة فتُهاني، وكل معروض مهان، قد آن لك أن تتشبثي بحجابك وسترك وعفافك وطهرك امتثالاً لقول ربك - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَِّزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الأحزاب: 59]. لا تستمعي للناعقين، الذين يغمزون ويلمزون، فمازالوا بأختك في أماكن أخر حتى نزعوا عنها حجابها، فهل اكتفوا بهذا؟ لا، بل نزلوا إلى ثوبها، حتى قصرت من هنا أصبعاً ومن هناك أصبعاً، إلى أن ألقوا بها على شاطئ البحر عارية تماماً من كل شيء، إلا الشيء الذي يقبح مرآه، ويجمل ستره، ثم تركوها تمشي في الشارع، كاسية عارية، مائلة مميلة، لا يكلف أحدهم نيل إحداهن (من هذا الكائن المشوه) إلا أن يشير بيده، فتترامى عليه، لا يحجزها دين، ولا يمنعها عرف، ولا يمسكها حياء، قد هانت حتى صار عرضها يبذل في ملء بطنها وستر جسدها، ويل لها من النار، أين هي من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: « صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» رواه مسلم برقم (3971).
ولكن القوم خدعوها قالوا لها: هذه هي الحضارة والمدنية، فصدقتهم، وكذبوا والله، أيكون الطهر عيباً، والعفاف عاراً، والخير شراً، والنور ظلاماً؟ وما لنا وللغرب، ليذهب الغرب بنسائه إلى الجحيم، أما كفانا تفكيراً برؤوس غيرنا؟ أما كفانا نظراً بعيون عدونا؟ أما كفانا تقليداً كتقليد القردة؟ ليصنع بنات الغرب ما شئن وشاء لهن رجالهن، فما لنا ولهم، وتكوني أنت - يا ابنتي- كما نريد نحن ويريد لك الله.
فليس في الدنيا أكرم منك وأطهر، ما تمسكت بدينك، وحافظت على حجابك، وتخلقت بأخلاقك الحسنة، فمن نساء الغرب من تبارز الرجال صنعتهم الثقيلة، إنها ممتهنة في عقر دارها، تربح المال من لديها جمال، فإن ذهب جمالها رموها كما ترمى ليمونة امتص ماؤها.
لكننا قلدناهم، تركنا الحسن، وأخذنا القبيح، من تمثيل، وغناء؟، وفن، ورقص، كأننا ما خلقنا إلا للغناء والطرب والفن والرقص.
ولابد من شكوى إلى ذي مروءة يواسيك أو يسليك أو يتوجع
وأخيراً: أهمس إليك- يا ابنتي - بكلمة لابد منها بعد أن خبرت الذئب وأفعاله، أقول لك: أنت الآن صبية جميلة، وإلى الخامسة والعشرين تَطلبين وبعد ذلك تُطلبين فإن طرق داركم من ترضين دينه وخلقه، فلا تترددي في قبوله ولا تتمنعي ولا تسوفي، فإن الجمال والصبا لا يدومان، فإما المرض، وإما القبر، نعم القبر الذي لابد لكل حي منه، القبر، يا ابنتي الذي يفد إليه كل يوم وفود البشر محمولين على أيدي آبائهم وأمهاتهم وأحبابهم، ليقدموهم بأنفسهم هدايا ثمينة إلى الدود، ثم يخلون بينهم وبينه يأكل لحومهم ويمتص دماءهم ويتخذ من أحداق عيونهم، ومباسم ثغورهم مراتع يرتع فيها كما يشاء بلا رقبى ولا حذر من حيث لا يملك مالك، عن نفسه دفعاً، ولا يعرف إلى النجاة سبيلاً، نعم يا ابنتي.
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب إذا حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها لعل الردي فيما نرجيه أقرب
ونبني القصور المشمخرات في الفضا وفي علمنا أنا نموت وتخرب
الموت- يا ابنتي- يقتحمك بلا موعد ويدخل بلا استئذان: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] فرب فتاة كانت فتنة القلب وبهجة النظر، تفيض بالجمال وتنثر السحر والفتون، جاءت عليها لحظة، فإذا هي قد آلت إلى النتن والبلي، ورتع الدود في هذا الجسد البض، وأكل ذلك الثغر الجميل، فهل تظنينه عنك ببعيد؟
يحكي الهاشمي في جواهر الأدب أن عائشة التيمورية الشاعرة الأديبة كانت لها بنت رُبيت في بيت عز ودلال، قد جمع الله لها جمال الخفق وسمو الخلق، فياضة الأنوثة، ساحرة الطرف، بليغة النطق، مهذبة الحواشي، ما رآها أحد إلا أحبها، وفجأة أصابها مرض فما لبثت أن ماتت وهي بنت ثماني عشرة سنة، وروعت الصدمة كل من شاهدها وعرفها، وذهلت أمها ورثتها بقصائد تبكي الصخر وتحرك الجماد، لعلك تريدين أن تقفي على شيء منها، هاكه فتجلدي:
لبست ثياب السقم في صغر وقد ذاقت شراب الموت وهو مرير
جاء الطبيب ضحى وبشر بالشفا إن الطبيب بطبه معرور
وصف التجرع وهو يزعم أنه بالبرء من كل السقام بشير
فتنفست للحزن قائلة له عجل ببرئي حيث أنت خبير
وارحم شبابي إن والدتي غدت ثكلى يشير لها الجوى وتشير
لما رأت يأس الطبيب وعجزه قالت ودمع المقلتين غزير
أماه قد كل الطبيب وفاتني مما أؤمل في الحياة نصير
أماه قد عز اللقاء وفي غد سترين نعشي كالعروس يسير
وسينتهي المسعى إلى اللحد الذي هو منزلي وله الجموع تصير
قولي لرب اللحد رفقاً با بنتي جاءت عروساً ساقها التقدير
وتجلدي بإزاء لحدي برهة فتراك روح راعها المقدور
أماه قد سلفت لنا أمنية يا حسنها لو ساقها التيسير
كانت كأحلام مضت وتخلفت مذ بان يوم البين وهو عسير
جرت مصائب فرقتي لك بعد ذا لبس السواد ونفذ المسطور
أماه لا تنسي بحق بنوتي قبري لئلا يحزن المقبور
وهاكِ جواب الأم:
بنتاه يا كبدي ولوعة مهجتي قد زال صفو شأنه التكدير
لا توصي ثكلي قد أذاب فؤادها حزن عليك وحسرة وزفير
وبقبلتي ثغراً تقضي نحبه فحرمت طيب شذاه وهو عطير
والله لا أسلو التلاوة والدعا ما غردت فوق الغصون طيور(17/4)
كلا ولا أنسى زفير توجعي والقد منك لدي الثرى مدثور
إني ألفت الحزن حتى أنني لو غاب عني ساءني التأخير
قد كنت لا أرضى التباعد برهة كيف التصبر والبعاد دهور
أبكيك حتى نلتقي في جنة برياض خلد زينتها الحور
فبادري يا ابنتي بالتوبة وامتثلي لأوامر الله - عز وجل - وغضي البصر عن النظر المحرم طاعة لقول ربك - عز وجل -: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: 31] فللسان زنا، وللبصر زنا، واستمعي إلى قول نبيك - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: {إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه} أخرجه البخاري.
وقد رأى - عليه الصلاة والسلام - عذاب أهل الزنا والعياذ بالله فقال - صلى الله عليه وسلم -: « فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، يتوقد تحته نار، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا، فيها رجال ونساء عراة، فقلت: من هذا؟ قالا: انطلق، فلما أخبراه قالا:... والذي رأيته في الثقب هم الزناة » أخرجه البخاري برقم (1122).
فالمبادرة المبادرة يا ابنتي وباب التوبة مازال مفتوح و « إن الله - تعالى - يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.. » أخرجه مسلم برقم (2760)، ويقول - سبحانه -: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 153].
لبيك يا رب، فعجلي- يا ابنتي - ولا تسوفي فلا تساوي هذه اللذة بتلك الآلام ولا تشتري هذه البداية بتلك النهاية.
فسمو هذا الدين وشرفه أنه يبني النفس الإنسانية ويربيها على قاعدة: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 9-10]. وأن مبدأ الثواب والعقاب فيه مرتكز على قاعدة: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8].
هذه نصيحتي لك- يا بنيتي-، نصيحة من يحب لك الخير، ويتمنى لك الرفعة، ففكري فيها، وضعيها نصب عينيك، واحملي عقلك دائماً في رأسك، لا تنسيه أبداً، لا تنسيه في قصة غرام، أو ديوان غزل، أو بين صفحات مجلة، أو عبر حرارة الهاتف، أو أمام شاشة التلفاز، أو عند نظرات ذئب جائع أو بين معسول حديثه، ضعي عفتك وكرامتك وشرف أهلك بين عينيك، تعرفين جيداً كيف تردين أي شيطان، فإن أفسق الرجال وأجرأهم على الشر، يخنس ويبلس ويتوارى إن رأى أمامه فتاة متسترة، مرفوعة الهامة، ثابتة النظر، تمشي بجد وقوة وحزم، لا تلتفت تلفت الخائف ولا تضطرب اضطراب الخجل، حينئذ يطرح الذئب عن جلده فروة السباع، وينزل من على الجدار، تائباً مستغفراً ليطرق الباب في الحلال، رجلاً وسط أهله وعشيرته، بل ويستشفع بأهل الخير والصلاح ليشفعوا له عند أبيك، كي يمدحوه بالدين والخلق، فكفى بالدين والخلق مدحاً أنه ينسب إليهما كل أحد، وكفى بالرذيلة والخديعة مذمة أن يتبرأ منهما كل أحد.
هنالك تزفين وسط قبلات الأهل، ودموع الأم، وحنان الأب، مرفوعة هامتك، عزيز جانبك، إلى بيت الشرف والكرامة... يا صانعة الرجال.
http://www.islamway.com المصدر:
====================
طاعة الوالدة فرض لازم يجب على الولد الالتزام به
مما يبرز مكانة الأم، ويظهر الدرجة الرفيعة التي رفعها الإسلام إليها، والمقام العلي الذي بوأها إيَّاه: أنَّ الله - تعالى - جعل طاعتها فرضاً لازماً يجب على الولد التزامه، ولا يجوز له عصيانها في أمر من الأمور، إلا أن تأمر ولدها بمعصية الله - تعالى -..
فلا سمع ولا طاعة لها حينئذ في ذلك الأمر، ويبقى على طاعته لها فيما عدا ذلك، والإحسان إليها، ومصاحبتها بالمعروف، وكذا إن أمرته بأمر فيه إيذاءٌ لغيره، فلا يطعها في إيذاء غيره، سواء كان الذي سيقع عليه الأذى ابنه، أو زوجه، أو شريكه، أو غيرهم؛ وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ضرر ولا ضرار)).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)).
قال الله - تعالى -: [وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً].(17/5)
وهذا بيان جلي من الله - تعالى - لعباده أن إذا جاهد الولدَ والداه على الإشراك بالله - تعالى -، بدعوته إليه، وإظهار غضبهم عليه، ومحاولتهم قسره على الوقوع فيه؛ فإنه لا يطيع والديه في ذلك، أي في الشرك الذي دعاه والداه إليه، ولكن رفضه يجب أن لا يكون بالقول القبيح الشديد، بل بالقول الحسن، الذي يظهر فيه الولد تمسكه بدينه، ويحرص على تيئيس والديه من إجابته دعوتهما إيَّاه إلى الشرك، كما في قصة إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، وقصة سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، عندما دعته والدته إلى ترك دين الإسلام، والرجوع إلى عبادة الأوثان، وأقسمت أن لا تذوق طعاماً ولا تستظل حتى يعود أو تموت، فيعيره النَّاس بقولهم: قاتل أمه، فكان رده عليها أن قال: يا أماه، والله لو كانت لك كذا وكذا نفس فخرجت كل نفس إثر الأخرى ما تركت ديني. وبهذه الكلمة الموجزة قطع سعد - رضي الله عنه - أمل أمه أن يعود إلى ملتها بعد أن هداه الله للإسلام، وهو مع ذلك لم يؤذها بغير ترك ما طلبت منه من الإشراك.
http://www.dawahwin.com المصدر:
===================
هكذا إسلام الغد الفرنسي
إكزافييه ترنزيان وترجمة شيرين مجدي -
السيدة فتيحة الجبلي قامت بدراسة اجتماعية حول ظاهرة التحول للإسلام في الشمال الفرنسي. وبالنسبة لها يعد عدد المتحولين للإسلام "مدهشا". وذلك على الرغم من الصورة السلبية للإسلام في ذهن المجتمع الفرنسي. وتقول: "يكفي أن تذهب إلى أحد المساجد في مدينة "ليل" أو "روبيه"، لترى أن مظهر المسلم لا يختلف، ولكنك سوف تستنتج النسبة الكبيرة للمتحولين للإسلام.
ذلك ما يؤكده فريديريك بقوله: "أنا أعرف حارسا لحانوت كبير للملابس في وسط المدينة، وهو شاب أشقر ضخم، وهو يذهب إلى المسجد كل جمعة! ".
في مدينة مثل روبيه، يمثل جمهور المتحولين للإسلام عينة ممثلة للتنوع الإسلامي. فهناك الشباب الذين يرتدون الملابس الرياضية، والسلفيون بلحاهم الطويلة وجلابيبهم، وكذلك المتعبدون الصوفيون الذين لا تطأ أقدامهم المساجد.
الجديد في الأمر أن النوع الأول هو الأكثر عددًا بين المسلمين. فقد خرج التحول إلى الإسلام من الدائرة الشرقية البحتة، ليلمس مجتمعا شعبيا شابا.
وتؤكد السيدة فتيحة الجبلي أن "ذلك تأثير ما تسميه الاجتماعية المختلطة، ففي إقليم مثل الشمال الفرنسي يمثل الإسلام جزءا من الحياة اليومية للشباب. فالمسلمون وغير المسلمين يقضون يومهم على نفس المقعد في المدرسة".
ولكن كم يبلغ عدد من اختاروا الإسلام؟ يقدرهم البعض بنحو 50 ألفا في فرنسا حتى ديسمبر 2001. وتشير فتيحة الجبلي إلى صعوبة تحديد رقم؛ "فسجلات التحول للإسلام في المساجد وسفارات الدول الإسلامية ليست مستفيضة".
ولكنني أعتقد أن إعلان الفتيات لإسلامهن أقل من الشباب، وذلك لأن تقديم شهادة التحول ليس إجباريًّا بالنسبة للسيدة عند الزواج المختلط. وكذلك فإن عدد السيدات اللائي يقمن بالحج أقل من الرجال.
إذن، ولكل هذه الأسباب، يبدو لي أن نسبة الفتيات المتحولات للإسلام ليس مقدراً بشكل صحيح.
وقد تحاورت فتيحة الجبلي مع نحو ثلاثين مهتديا للإسلام في الشمال، وحاولت أن تصل إلى الأسلوب النموذجي الذي يهتدون من خلاله إلى الإسلام. وتوصلت، من وجهة نظرها، إلى أن اختيار التحول يتم غالباً فيما بين سن الثامنة عشرة والرابعة والعشرين عاماً، "فتلك هي فترة التمرد على ما تم تعلمه في فترة الطفولة. وكذلك هي الفترة التي تتضح فيها ميكانيزمات الهوية. والتحولات للإسلام فيما بعد سن الأربعين تعد استثنائية".
وترى الباحثة الشابة أن تغيير الدين في الاتجاه الآخر، من الإسلام إلى المسيحية، موجود كذلك ولكن بنسبة أقل. "من ذلك نستنتج أن الإسلام دين قادر على استبقاء معتنقيه. فهو ليس مجرد دين، بل هو عالم يحدد الحياة اليومية للفرد، ويدخله في وسط عائلي وطائفة متسعة". والسبب الآخر في رأي الباحثة لانخفاض نسبة المتحولين للكاثوليكية هو بطء الإجراءات؛ ففي مدينة "ليل" يطالب المطرانُ المتحولَ "بالتعليم لمدة سنتين قبل التنصير. فالدخول إلى الإسلام أسهل كثيراً؛ لأنه أمر بين الإنسان وربه ولا يوجد وسطاء.. وفي هذا الإقليم، يعد البروتستانت الإنجيليون هم الأكثر انجذاباً للوسط الإسلامي، خاصة أن أساليبهم التنصيرية غير قوية، وبالتالي من السهل عندهم التحول إلى دين آخر".
والخلاصة التي توصلت إليها فتيحة الجبلي هي أن هؤلاء المتحولين للإسلام يمثلون ما سيكون عليه الإسلام الفرنسي في العقود القادمة، خاصة أن هناك العديد من النقاط المشتركة بينهم وبين مسلمي الجيل الثالث المنحدرين من المهاجرين. فهم غير متمكنين من اللغة العربية، وليس لديهم علاقات بالدول الإسلامية، كما أنهم يعيشون بشكل أو بآخر توازناً بين كونهم مواطنين فرنسيين، وبين انتمائهم الديني.
ويلعب المتحولون للإسلام كذلك دور همزة الوصل بين ثقافتين. ففي سياق اعتداءات 11 سبتمبر، قام المتحولون بدور تربوي، مثل مانويل، تاجر الورق في توركوانج الذي تحول إلى ميلود، عندما قرأ القرآن منذ عشرين عاماً شعر بـ"نور يفيض". وعلى الرغم من "الضغوط الرهيبة" التي تعرض لها من المحيطين به فإنه تمسك بموقفه. وحتى اليوم يتعجب ذلك الرجل عريض المنكبين، زلق اللسان، من الصمت الذي يسود في المساجد. وهو يؤكد على ضرورة التفرقة بين ما ينتمي للتقاليد العربية وبين الإسلام. كما أنه يكافح في حانوته، أو في المقهى المجاور ليشرح الإسلام ويطمئن الناس.(17/6)
"فالناس قلقة، وتتساءل. لذلك لا بد من إجابتهم. وأنا أعتقد أن الدين الإسلامي بدأ يدخل شيئاً فشيئاً إلى الأخلاقيات".
http://www.islamway.com المصدر:
===============
من لي بأمثال هذا الداعية ؟
محمد بن عبد الله الدويش
في قرية نائية من قرى مالي التقينا مع داعية من الدعاة يحدوه الهم لتعليم الناس وتبليغ الدين؛ قام من خلال جهد فردي بإنشاء إذاعة محلية في منزله، هذه الإذاعة يُشغلها ويديرها ويقدم برامجها بنفسه، ولا تتجاوز تكلفتها بطارية بقيمة مائة دولار، ويبث من خلال هذه الإذاعة برامج تعليمية وأشرطة قرآن كريم على مدى ساعتين في الصباح، وساعتين في المساء، وحين يسافر يكون قد أعد مجموعة من الأشرطة الصوتية وأناب زوجته بتشغيلها فترة غيابه.
ويقبل أهل القرية على سماع هذه الإذاعة ومتابعة برامجها، وينتظرونها ويتلهفون عليها بشغف.
إن هذا الداعية ـ الذي ربما لم يحمل تأهيلاً جامعياً ـ ينتج بعمله هذا على المدى الطويل أضعاف ما ينتجه كثير ممن يملك أعلى المؤهلات.
كثيراً ما نقدم أفكاراً طموحة، ونتحدث عن مشروعات ضخمة، وكثيراً ما يبدو في حديثنا عن الأعمال والمشروعات تهميش الأفكار الجزئية والأعمال الصغيرة.
ومن هنا تعلو لدى بعض الناس وتيرة النقد، وكلما ارتبط النقد بالأكابر ـ أفراداً أو مؤسسات ـ صار أكثر شهية.
ومما لا شك فيه أن مشروعنا الدعوي يحتاج منا إلى أن نفكر بطريقة أعمق، وإلى أن نقدم برامج طموحة، وإلى أن نخضع مشروعاتنا للنقد والتقويم؛ فإننا نعاني من سطحية في التفكير ومحدودية في الآراء.
لكن هذا قد يدعونا إلى أن نغفل عن أمر له آخر ألا وهو الروح العملية والإنتاج.
فمع أهمية الأفكار الطموحة، ومع ضرورة معايشة تحديات الواقع، إلا أن ذلك كله ما لم يقرن بجهد عملي يبقى حبراً على ورق.
والناقدون للأعمال والعاملون ما لم يقدموا برامج عملية واقعية فإنهم لا يحققون أمراً ذا بال.
أينما رحلت في المشرق والمغرب ولقيت العديد من شباب الصحوة فأنت ترى فئات عديدة من الخيرين، وتسمع ما يسرك من الأفكار والآراء، لكن حين تنتقل إلى الواقع العملي وتبحث عما يقدمه هؤلاء فسترى أن العامل قليل.
وتزداد المشكلة حين يكون التحليق في جو الأفكار المثالية والمشروعات الطموحة وسيلة نفسية يمارسها أصحابها للهروب عن العمل المنتج؛ فحين تبدو أمامهم مجالات للعمل، وحين يدعون للمشاركة يحتقرون ما يدعون إليه، ولو أنهم انشغلوا عنه بما هو أوْلى وأجدى نفعاً لكان مسلكهم محموداً، لكنهم إنما ينشغلون باجترار الكلام وترديد المقولات.
وأمثال هؤلاء ينبغي أن يُذكَّروا بقول الله - عز وجل -:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2 - 3].
وحري بالمربين والموجهين أن يُخرِّجوا جيلاً يكون العمل أول ما يفكر فيه، ويدرك أنه إنما يُسأل يوم القيامة عما قدم وعمل، وإنما يجزى على عمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وهذا لا يتم إلا من خلال قدوات واقعية يرونها، ومن خلال فتح مجالات عمل يُشرك الناس فيها.
والاهتمام بالعمل لا يعني إهمال الفكر وإلغاءه؛ بل نحن بحاجة إلى أن ننفق المال من أجل الوصول إلى أفكار بناءة تختصر علينا الكثير من الخطوات.
لكن ينبغي أن ندرك أن قيمة هذه الأفكار إنما تظهر حين تكون خطوة نحو العمل الإيجابي، وإلا صارت علماً لا ينفع، وقد استعاذ من ذلك خير الخلق - صلى الله عليه وسلم -.
كما ينبغي أن ندرك طاقات الناس وإمكانياتهم، وأن الداعية الناجح هو من يستطيع أن يدفع الناس لأن يعملوا ويقدموا ما يطيقون من جهد وعمل، وأن يتقي كل منهم ربه فيما يستطيع.
شعبان 1423هـ *أكتوبر - نوفمبر 2002م
http://albayan-magazine.com المصدر:
================
ثلاث رسائل
د.عبد الله قادري الأهدل
الرسالة الأولى: إلى الشعب العراقي:
أيها الشعب المسلم الشجاع الأبي، لقد ابتليت بمحن كثيرة من حكم كثير من أبنائك، وآخرهم النظام الذي أطيح به قبل عام.
ولكن البلاء الأشد جاء من بعض أبنائك الذين باعوك وباعوا وطنك وعزتك وخيرات واقتصادك ومقدساتك وعرضك، عندما ذهبوا يستجدون البيت الأبيض، ليزيح النظام السابق، ويعتلون هم كرسي الحكم في العراق، على سُلَّمٍ أجنبيٍّ، هو الدبابة الصليبية الأمريكية، لأن غالبهم كانوا يعلمون أن الشعب لا يمكن أن يقبل عملاء أعدائه الذين يتخذون أولئك العملاء همزة وصل تسقط عند الدرج، أو محللين كمحلل المطلقة ثلاثا لمن طلقها...
وكان أولئك العملاء يظنون أنهم سينعمون تحت مظلة الجيش الأمريكي، بحكم مستبد جديد، اسمه الحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان، ويصدرون القوانين والأنظمة باسمهم، بعد أن يتلقوا التوجيهات بها من ولي الأمر الحقيقي!
ولم تخف على عقلاء الشعب وأحراره قبل الاحتلال وبعده، أهداف الحملة الأمريكية الظالمة، وهي السيطرة على العراق والشعوب العربية والإسلامية، واستغلال خيرات المنطقة، وإيجاد الفرقة والشقاق بين أهلها، ومحاربة الإسلام باسم الإرهاب، وتمكين الدولة اليهودية من السيطرة على الشرق الإسلامي، باسم الشرق الأوسط الكبير، كل ذلك تحت الشعارات الكاذبة السابقة.
واليوم يا شعب العراق، ظهر للعالم كله سوء النوايا المبيتة ممن باعك من أبنائك، وممن قتلك وشردك وانتهك مقدساتك وعرضك، ودمر كل مرافقك، إضافة إلى السيطرة على خيراتك.(17/7)
وعندما سقط تمثال حاكم العراق السابق في وسط بغداد، كان كل من له عقل رشيد سليم، يعلم أن احتلال العراق ليس نزهة يتمتع بها العدو المغتصب، لأن العراق هو العراق في القديم وفي الحديث، وإلي ذلك أشار الكاتب، بهذا العنوان صباح سقوط بغداد:
و بقي العراق!
ولقد أثبت الشعب العراقي أنه باق، لم تخضع الأسلحة الفتاكة ولا الجيوش المتوحشة، والمشاهد هو البرهان...
اعتدى العدو الأجنبي الظالم على الشعب العراقي في بلده، فوقف وقفة المعتدى عليه المظلوم، خذله إخوانه وأهله المحيطون به، فلا نصير له إلا ربه، ثم إيمانه وجهاده وصبره ومصابرته، وتلك هي أسس عوامل نصره...
واليوم عرف المعتدون أنهم في ورطة لم يكونوا يتوقعونها، ولم تنبئهم بها استخباراتهم وأقمارهم التجسسية، لأن القوة العراقية لم تكن تحت ضوء الشمس حتى تنقل لهم استخباراتهم وجواسيسهم صورها، وإنما كانت في نفوس العراقيين وقلوبهم، فأبانت عن نفسها في وقتها!
اليوم عادت الطائرات الحربية والصواريخ والأسلحة الثقيلة تدمر على أهل العراق بيوتهم، وتقتلهم قتلا جماعيا في شوارعهم وأسواقهم ومنازلهم ومستشفياتهم ومساجدهم، لا تفرق بين كبير وصغير وامرأة ورجل... وهم يناشدون إخوانهم العرب والمسلمين والجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي أن يستنكروا [فقط] ظلم حكام أمريكا وعدوانهم، فلم يجدوا من تلك المؤسسات من يستجيب لندائهم...
اليوم نقول لك يا شعب العراق، لا تنتظر من أولئك كلهم نصرا، فقد سبقك الشعب الفلسطيني الذي ينادي هذه النداءات منذ أكثر من خمسين عاما، ولم يتلق إلا الخذلان، لأن أمريكا قد قالت لهم جميعا، كما قال فرعون: "أنا ربكم الأعلى"
ولم يبق لك أيها الشعب إلا توكلك على ربك واللجوء إليه ونصح كل رجل وكل امرأة وكل طفل، أن يتقربوا إلى الله بالصلاة والدعاء ليلا ونهارا، بأن ينزل الله عقابه بالمعتدين الظالمين، وهذا ما يجب أن يفعله جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولا بيد أن يستجيب الله دعاء المظلومين، وينصرهم على الظالمين، كما نصر رسله على أممهم المعتدين، من نوح - عليه السلام - إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -... وفي قصصهم القرآني آيات وآيات:
"وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد" "وانصرنا على القوم الكافرين" وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) وقال لمعاذ العالم الصحابي الجليل: (واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) وفي الاتحاد السوفييتي عبرة...
فأكثروا من دعاء الله والاستعانة به، واتخذوا ما تملكون من أسباب الدفاع عن نفوسكم ودينكم وذريتكم وأموالكم، وأبشروا بنصر ربكم، فأنتم بلادكم وعدوكم زبد طارئ عليكم:
"فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ" [الرعد (17)]
الرسالة الثاني: إلى الشعوب الإسلامية وحكامها:
أيتها الشعوب الإسلامية، إن العدو الصليبي الجديد، والعدو اليهودي الأثيم، مصممان على هذه الحملة الظالمة المتجبرة على عدوانهما عليكم وعلى دينكم الذي سموه "العدو الأخضر" بعد قضائهم على الاتحاد السوفييتي الذي كانوا يسمون "العدو الأحمر" ولسنا في حاجة إلى إقامة البينات على هذا التصميم وهذا العدوان، فسماؤنا، وأرضنا ورمالنا وصحارينا وودياننا وجبالنا، وبحارنا وأنهارنا، ومساجدنا وعلماؤنا ونساؤنا وأطفالنا، ومستشفياتنا، كلها تؤذن وتسمعنا أذانها كل حين، بهذا العدوان السافر...
وإن ما يقع في فلسطين والعراق وأفغانستان، في طريقه إلى كل بلد إسلامي، وبخاصة البلدان العربية، التي هي أرض الرسالات وقلب الأمة الإسلامية، ولولا أن الله وفق الشعب العراقي المسلم الشجاع، أن يقف أمام المعتدين هذا الموقف الجهادي العظيم، لكان المعتدون قد ألحقوا به شعوبا أخرى مجاورة...
وهذا يوجب على علماء الأمة الإسلامية وحكامها ومفكريها وعقلائها، أن يتنبهوا لهذا الخطر الداهم، ويبصروا الأمة بالعواقب الوخيمة التي ستنزل بهم إذا استكانوا وتنازعوا فيما بينهم ذلك التنازع الذي ذكر الله - تعالى - ما يترتب عليه، من الذل والهوان وذهاب القوة: " وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " [الأنفال (46)]
فنحن جميعا في سفينة النجاة أو الهلاك، سفينة النجاة إذا تعاونا على البر والتقوى وتناصحنا فيما بيننا تناصح صدق ووفاق، لا كلام ألسن ونفاق، فلا نجاة إلا بالنصح والصدق والوئام...
وسفينة هلاك إذا نحن نأينا بأنفسنا عن النصح والتعاون على البر والتقوى، وبقينا ننظر إلى هذا السيل الجارف الذي يريد أن يحطم كل السدود التي تغرقنا وتغرق سفينتنا، أشد مما أغرق سيلُ العرم أهلَ سبأ، وذلك الزلزال المدمر الذي سيعم تدميره ولا يخص:
"وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " [الأنفال (25)]
ارجعوا إلى ربكم، وفتشوا عن عيوبكم، وأصلحوا شأنكم، أنفسكم واقضوا على كل فساد حل بدياركم، ما دام في الوقت سعة، ولا تنتظروا ما ينادي به عدوكم من الصلاح، فهو لا يريد إلا مزيدا من فساد هذه الأمة.
اعرفوا الله في الرخاء يعرفكم في الشدة، ولا تستجيبوا لما يريده بكم عدوكم، من التفريق بينكم، واتخاذه بعضكم سلما للسيطرة عليكم، كما فعل بغيركم قبلكم...(17/8)
وتذكروا هذا المثل العظيم الذي ضربه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، في حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -، عندما قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو: أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا) [صحيح البخاري (2/882)]
الرسالة الثالثة إلى الشعب الأمريكي
أيها الشعب الأمريكي تنبه لسياسة زعمائك الخارجية الخرقاء التي جعلت تتعجب من سكوتك على عدوان زعمائك ودعمك لهم بالضرائب التي أثقلت كاهلك، وهم يستغلونها في ظلم الشعوب والعدوان عليهم، وقتل أبنائهم وتخريب ديارهم، والسيطرة على مصالحهم بدون حق..
إنهم يخدعونك أيها الشعب ويزينون لك الباطل، ويسمون الظلم عدلا والاستعباد حرية، وإخافة الناس وإرهابهم أمنا واستقرارا.
إنهم يدفعون بأبنائك إلى الحروب الظالمة، ليعيدوهم إليك في نعوش أو معوقين فقدوا العيش الرغيد الذي كانوا يتمتعون به بجوار أسرهم في ربوعك.
أترضون أيها الآباء والأمهات والإخوان والأخوات والأبناء والبنات، أن تروا أقرباءكم يحترقون في دباباتهم وفي طائراتهم التي يصطادهم فيها المظلومون في الأرض والجو، أترضون أن تستقبلوا أقرباءكم في النعوش وقد ودعتموهم أحياء؟
أترضون أن تروا أبناءكم يقتلون النساء والشيوخ والأطفال في منازلهم؟
ألا ترون أنه من الجنون والحمق والخرق، أن تختاروا لقيادتكم من يقودكم إلى دماركم وهلاككم؟
ألا تعتبرون بالاتحاد السوفييتي الذي اعتدى وظلم وتجبر، وكان غنيا قويا، فتمزق إلى دويلات وأصبح ضعيفا فقيرا؟
إن شعوب العالم مهما ضعفت لا بد أن تدافع عن نفسها، ولو بأسنانها و أظفارها، وإن هذه الشعوب التي كانت ترى في الشعب الأمريكي شعب النظام والقانون والعدل والديمقراطية والتسامح، أصبحت ترى فيه الفوضى والظلم والاستبداد والتعصب البغيض، بسبب مواقف قادته.
إن علماء المسلمين وزعماءهم لا يقرون العدوان على أبنائكم ومؤسساتكم في بلادكم، وقد أنكروا ما حصل في 11 سبتمبر، ولكن الظلم الذي يصدر من قادتكم على الشعوب الإسلامية في فلسطين والعراق وغيرهما، يثير في كثير من أبناء الشعوب الإسلامية الغيرة والحقد ويتصرفون تصرفات من قبل أنفسهم تصرفات لا يستطيع كثير من آبائهم ولا أسرهم ولا حكوماتهم أن يحولوا بينهم وبين تلك التصرفات.
ولكنكم تستطيعون أنتم أن تعيدوا احترام أبناء الشعوب الإسلامية لكم وتوقفها عن محاولة الهجوم عليكم في بلادكم وفي خارجها، إذا توقفتم عن دعم ظلم زعمائكم لتلك الشعوب، فلم تنتخبوا من يعتدي عليها ولا من يقف مع الظالمين اليهود على المظلومين في فلسطين وفي غيرها...
لقد كان أبناء الشعوب الإسلامية لا يرضى غالبهم بأمريكا بديلا في طلب العلم وفي السياحة وفي التدريبات المتنوعة، وفي التجارة والاقتصاد وغيرها...
وقد خسرتم اليوم أموالكم وأبناءكم وأصدقاءكم، فهل يليق بكم أن تستمروا في دعم زعمائكم الذين جلبوا لكم تلك الخسارات، وجعلوكم تعيشون في رعب ممن لم يستطيعوا السيطرة على أنفسهم بعد أن حصل العدوان على بلدانهم...
إننا ندعوكم إلى التفكير في مصالحكم ومصالح أبنائكم وشعبكم، وأمنكم، ونعتقد أن هذا الشباب الذي يقوم بهجماته عليكم في الداخل والخارج، سيقف عن تلك الهجمات وسيسمع ويطيع للمفكرين والعقلاء الذين ينصحونه اليوم فلا يبالي بهم.
18/2/1425هـ ـ 8/4/2004م
http://saaid.net المصدر:
================
القاديانية .. تسعى للنيل من الإسلام
أكد الشيخ منظور أحمد رئيس الإدارة المركزية للدعوة والإرشاد بباكستان أن نحلة القاديانية معول من معاول الهدم التي تسعى للنيل من الإسلام وأهله. وقال: لقد بدأت هذه الحركة التمني تأسست عام 1900م بتخطيط من الإنجليز وتعرف باسم الأحمدية وأسسها ميرزا غلام أحمد الذي ادعى النبوة وبدأت في قرية قاديان الواقعة جنوب إقليم البنجاب في الهند. ثم انتقلت إلى الباكستان عقب تقسيم شبه القارة الباكستانية الهندية إلى دولتي الباكستان والهند.
ويصل عدد القاديانيين اليوم إلى ما يقرب من مائة ألف نسمة منهم عدد من رجال الأعمال والموظفين الكبار.
وتستخدم القاديانية أساليب عدة لاستمالة الناس وجذبهم إلى معتقداتهم من بينها توزيع المساعدات المالية على أبناء المسلمين واستغلال الفقراء والمحتاجين وإفساح المجال للدخول في مدارسهم وجامعاتهم وتقديم الخدمات الصحية والغذاء وبناء المدارس.
وذكر الشيخ منظور أحمد أن رئيس هذه النحلة الضالة حاليًا اسمه «طاهر أحمد» ومقيم الآن في لندن حيث بنى مركزًا كبيرًا وأنشأ قناة فضائية تعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة تبث أفكار هذه النحلة الضالة باسم الإسلام. والقاديانيون منتشرون في العديد من مناطق العالم خاصة في قارتي آسيا وأفريقيا، ويتواجدون أيضًا في استراليا وبريطانيا وألمانيا وكندا وغيرها البلدان الأخرى.
http://www.almuhayed.com المصدر:
================
6 أسباب تجعل الإنترنت في مقدمة وسائل الدعوة إلى الله
للإنترنت وجه آخر غير ما يشار إليه من تحطيم للحواجز وتجاوز للحدود. هناك حسب الإحصائيات نحو 150 مليون مستخدم لهذه التقنية في مختلف أنحاء العالم الأمر الذي يعتبره المهتمون فرصة مواتية وتاريخية لنشر الدعوة الإسلامية سيما وأن هناك الألوف ممن نطقوا الشهادة كان للإنترنت دور مهم في إسلامهم.(17/9)
لم تنل وسيلة من وسائل نقل ونشر المعلومات في تاريخ البشرية ما نالته الإنترنت من سرعة في الانتشار والقبول بين الناس، وعمق في التأثير في حياتهم على مختلف أجناسهم وتوجهاتهم ومستوياتهم، وما يميز الإنترنت هو تنوع طبيعة المعلومات التي توفرها، وضخامة حجم هذه المعلومات التي يمكن الوصول إليها دون عقبات مكانية أو زمانية، وتتوقع الدراسات أن ينمو عدد المستخدمين إلى ما هو أكثر من 150 مليوناً في الأعوام القادمة فقد أصبح الناس اليوم ينظرون إلى الإنترنت على أنها المصدر الأول والمفضل للمعلومات والأخبار، وقد يقال أن وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والمجلات والإذاعات لن تلبث أن تنقرض على يد الإنترنت، كما انقرضت ألواح الحجارة على يد ورق البردي وكما انقرض النسخ اليدوي للكتب على يد روتنبرج، من الطبيعي أن زعماً جريئاً مثل هذا لا يمكن أن ينشأ من فراغ ولا بد أن تكون هناك أسباب قوية ووجيهة تستطيع بها الإنترنت أن تهدم إمبراطوريات إعلامية وجدت من قرون.
فيما يلي بعض الأسباب التي تجعل الإنترنت وسيلة إعلام واتصال المستقبل بلا منازع.
وبالتالي من أفضل وسائل الدعوة إلى الله ونشر الدين الإسلامية.
1- اللامكان:
تتخطى الإنترنت كل الحواجز الجغرافية والمكانية التي حالت منذ فجر التاريخ دون انتشار الأفكار وامتزاج الناس، وتبادل المعارف، ومن المعروف أن حواجز الجغرافيا منها اقتصادي (تكلفة شحن المواد المطبوعة من مكان إلى آخر) ومنها فكري وثقافي (حيولة بعض الدول دون دخول أفكار وثقافات معينة إلى بلادها)، أما اليوم فتمر مقادير هائلة من المعلومات عبر الحدود على شكل إشارات إليكترونية لا يقف في وجهها شيء وفي ذلك نواح إيجابية لا تعد ولا تحصى. والتي يمكن تجنيدها في قضية الدعوة.
2- اللازمان:
إن السرعة الكبيرة التي يتم بها نقل المعلومات عبر الشبكة تسقط عامل المعلومات عبر الشبكة تسقط عامل الزمن من الحسابات، وتجعل المعلومة في يدك حال صدورها، وتسوي بينك وبين كل أبناء البشر في حق الحصول على المعلومة في نفس الوقت وبالتالي فأنت تعيش في عصر (المساواة المعلوماتية).
3- التفاعلية:
تعودت وسائل الإعلام التقليدية أن تتعامل معك كجهة مستقبلة فقط، ينحصر دورك في أن تأخذ ما يعطونك وتفقد ما لا يعطونك، ولذلك فهم الذين يقررون ما تقرأ أو تسمع أو تشاهد أما في عصر الإنترنت فأنت الذي تقرر ماذا ومتى تريد أن تحصل عليه من معلومات، وأكثر من ذلك فبإمكانك الآن من خلال منتديات التفاعل والحوار أن تنتقل من دور المستقبل إلى دور المرسل أو الناشر. وهذه نقلة تحصل لأول مرة وتمكن الناس من التحرك على أرض مستوية دون أن يطغى صوت أحدهم على الآخر، ولهذا أهمية كبيرة بلا شك في الحوار الشرعي أو حوار الأديان، وينبغي علينا كمسلمين إدراك ما تحمله هذه التقنية من دعم لقضية الدعوة.
4- المجانية:
وهي أمر لم يحصل تماماً بعد. لكنه سيحصل خلال السنوات القادمة، حيث إن الكثير من الأنماط التجارية بدأت تتبلور لتمكن المجتمع من اعتبار خدمة الإنترنت من الخدمات الأساسية في الحياة والتي سيتم توفيرها للجميع بشكل مجاني أو شبه مجاني، ومعروف اليوم في الغرب أنه بإمكانك أن تتصل بالإنترنت 24 ساعة يومياً مقابل مبلغ 20 دولاراً شهرياً، وهو مبلغ رمزي حتى للطبقة المتوسط في كثير من المجتمعات، الأمر الذي يجعل من الإنترنت الوسيط الذي يصل إلى أكبر عدد من شرائح المجتمع ولا سيما الفقيرة منها، علاوة على ذلك تتمتع الإنترنت بميزة الربط الدائم، حيث إنه ومع تطور التقنيات التي تمكنك من الاتصال بالإنترنت، لم تعد بالضرورة تقتصر على استخدامها من حسبك الشخصي في العمل أو المنزل، بل أصبح بإمكانك أن تتصل بالشبكة من مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأدوات كحاسبات الجيب والهواتف النقالة وحتى جهاز الثلاجة في المطبخ، وبذلك ستكون على ارتباط دائم بالإنترنت في كل مكان وزمان، تتابع الأخبار وتتسوق وتستدعي المعلومات المهمة في الوقت المناسب.
5- تنوع التطبيقات:
ما ذكرناه من أمثلة قليلة على استخدامات وفوائد الإنترنت ما هو إلا غيض من فيض، إذ إن التطبيقات والخدمات التي تقدمها الشبكة تبلغ سعتها سعة الحياة فمن التطبيقات التعليمية والتربوية التي تخدم أطفالنا في تعلمهم واستكشافهم للعالم، إلى الخدمات التي تسهل الاتصال كالبريد الإلكتروني وغرف الحوار، إلى التطبيقات التجارية التي تحول العالم بأسره إلى سوق صغيرة يستطيع فيها البائع والمشتري إتمام صفقاتهم في لحظات، إلى المواقع الإخبارية والمعلوماتية والأكاديمية والمرجعية التي تخدم الباحثين والمطلعين في شتى المجالات بإمكاننا نحن الدعاة المسلمين أن نعمل على صب كل هذه التطبيقات في بحيرة الدعوة ونشر ديننا الحنيف، للاستفادة من هذه الإمكانات الهائلة التي توفرها لنا التقنية الحديثة يوماً بعد يوم.
6- سهولة الاستخدام:
لا تحتاج أن تكون خبيراً معلوماتياً أو مهندساً أو مبرمجاً حتى تستخدم الإنترنت، ولا يحتاج رواد الشبكة إلى تدريبات معقدة للبدء باستخدامها، بل إلى مجرد مقدمة في جلسة لمدة ساعة مع صديق يوضح له المبادئ الأولية للاستخدام.
لماذا الإنترنت؟(17/10)
لأنه أصبح بإمكانك إطلاع العالم بأسره وتعريفه بدينك الذي يقوم بعض الناس بتشويه صورته يومياً باستخدام تقنيات العصر ومنها (الإنترنت) إن هذه الأداة التي ألهم الله بها الإنسان ليخترق المسافات في سرعة البرق وليدخل بيوت الناس جمعياً بلا حواجز فرصة تاريخية للعاملين في مجال الدعوة إلى الإسلام وللحريصين على نشر كلمته، ليصلوا إلى العالمين ويقولوا لهم هذا ديننا وهذه دعوتنا، ويكونوا شهداء على الناس، ويا لها من أمانة!!
فالله الله في الدعوة يا دعاة الإسلام.. !!
http://www.dawahwin.com المصدر:
================
الكشاف في الفتن
د. يحي إبراهيم اليحي
الحمد الله كاشف الغم مزيل الهم مبين الحق والصلاة والسلام على النعمة المسداة والرحمة المهداة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
عند وقوع الفتن تتباين مواقف الناس، وتكثر الأقوال وتختلط المفاهيم، ويزداد الخوض فيما لا يعني، وتتضارب التفسيرات للأحداث، وتكثر الجرأة على الحق ويتكلم الرويبضة في أمر الأمة، ويمتزج الخوف وحب الذات بتفسير الفتن، ويستغل عدد من الناس تلك الفتن في تصفية الحسابات مع الآخرين.
ويرتقي أناس مرتقى صعبا لم يكلفوا به، ولم يحمِّلهم الله إياه، ولم يتأهلوا له، فيتفوَّهون بالفتوى ويجترئون على إصدار الأحكام بالتصحيح والتخطئة، ونسوا أو جهلوا قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «أجرؤوكم على الفتيا أجرؤوكم على النار».
ويحتار الشباب وحدثاء الأسنان والأفهام، ويموجون في أمورهم ويصبحون في أمر مريج، وتتغيَّر مواقفهم في الساعة الواحدة فرأي يصرفهم نحو اليمين، وكلمة جميلة تأخذهم إلى الجهة المعاكسة تماما، فيبقون حيارى مضطربين يبحثون عن الهادي والدليل في ظلمات الفتن، وقلما يجدون من يوجههم إلى الموقف الصحيح الذي يقيهم من المزالق والاضطرابات.
وغفل الكثير عن تلك الوصفة النبوية الشريفة التي تعطي بعداً في النظر وصفاءً في الرؤية وقوةً في إدراك الأحداث، ومعرفةً لخلفياتها ودقةً في تفسيرها ووعياً في اتخاذ المواقف السليمة تجاهها، ووضوحاً في المنهج، وطمأنينةً في النفس، وأمناً فكرياًّ، وتؤدي إلى السلامة من الندم في اتخاذ رأي معين أو الاضطراب في المواقف والخطوات، أو الاستعجال في الحلول المسلوقة أو المتطرفة.
ففي صحيح مسلم عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «العبادة في الهرج كهجرة إلي»، والهرج هو كثرة القتل، وقال بعض أهل العلم: هو كثرة الكذب، وقد اجتمعا في هذا الزمان.
فالعبادة واللجوء إلى الله - تعالى - مصرف الأمور ومقدر الأقدار ومغير الأحوال الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا يحدث في الكون مثقال ذرة إلا بقدره وأمره فمنه - سبحانه - يستمد الحكم على كل شيء، فاللجوء إليه والانطراح بين يديه - سبحانه - في الأوقات العصيبة وساعات الشدائد، وحين اختلاط الأمور وكثرة الهرج وانتشار الكذب وشيوع التزوير وكثرة الاختلافات، يعطيك الموقف العملي الدقيق والواضح والثابت والموافق لسنن الله في الكون وحياة الناس.
وإن من أعظم العبادات الصلاة بدءاً بالفرائض من الاستعداد لها والتبكير إليها حتى تعطيَ أثرها الحقيقي على النفس والقلب، قال أحد السلف: كان الرجل فينا إذا سمع المؤذن وفي يده ميزان يزن للناس وضعه حتى يصلي، وهذا جهد المقل الذي لا يأتي إلا إذا نودي. فهذا الكسلان عندهم، ولهذا كانت مواقفهم من الفتن متقاربة إن لم تكن متماثلة، لحرصهم على العبادة فرضها ونفلها.
والآن، وفي هذا الزمن العصيب ومع كثرة الفتن والملاحم تجد الرجل فينا يسمع النداء لصلاة الفريضة خمس عشرة جملة ثم يتأخر عنها وقد لا يأتي إلا حين الإقامة، فأين العبادة وكيف نرجو الخلاص والسلامة وهذا تعاملنا مع ربنا؟!
أما النوافل فكان السلف الصالح قليلا من الليل ما يهجعون، فما حظنا نحن من صلاة الليل، أم أن تلك النصوص المتكاثرة في منزلة وفضل قيام الليل خاصة بذلك الجيل؟!
هذا وإن الله - عز وجل - جعل للكون سننا ثابتة وقوانين لا تتغير ولا تتبدل ولا تزيد ولا تنقص، نستطيع من خلالها معرفة الأحداث ومآلات الأمور، كل ذلك في كتاب الله - عز وجل -: {فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا}. فأين تدبرنا للقرآن؟ بل أين تلاوتنا له؟ هل نختم في كل خمس ليال كما كان عليه أكثر السلف أم كل ست أو سبع ليال؟ لا، إنني أقول: يا ليتنا نختم في كل عشر ليال! فكيف نطلب النور في ظلمات الفتن ونحن بعيدون عن كتاب الله - عز وجل -؟!
أسأل الله - تعالى - أن يكشف عن المسلمين ما بهم، وأن يُريَنا الحق حقاًّ ويرزقَنا اتباعه، وأن يريَنا الباطل باطلاً ويرزقَنا اجتنابه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://www.taiba.org المصدر:
================
الغش .. تعريفه ، مظاهره ومضاره
زاهر الشهري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً... وبعد:
لقد ذمّ الله - عز وجل - الغش وأهله في القرآن وتوعدهم بالويل، ويُفهم ذلك من قوله - تعالى -: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينْ. الّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 1-3].
فهذا وعيد شديد للذين يبخسون- ينقصون- المكيال والميزان، فكيف بحال من يسرقها ويختلسها ويبخس الناس أشياءهم؟ 1 إنه أولى بالوعيد من مطففي المكيال والميزان.(17/11)
وقد حذّر نبي الله شُعيب- عليه السلام - قومه من بخس الناس أشياءهم والتطفيف في المكيال والميزان كما حكى الله - عز وجل - ذلك عنه في القرآن.
وكذلك حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغش وتوعّد فاعله، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً. فقال: « ما هذا يا صاحب الطعام؟ » قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: « أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني » وفي رواية: « من غشنا فليس منا » وفي رواية: « ليس منا من غشنا » [رواه مسلم].
فكفى باللفظ النبوي "ليس منا" زاجراً عن الغش، ورادعاً من الولوغ في حياضه الدنسة، وحاجزاً من الوقوع في مستنقعه الآسن.
إننا يا أخي في حاجة شديدة إلى عرض هذا الوعيد على القلوب لتحيا به الضمائر، فتراقب الله - عز وجل - في أعمالها، دون أن يكون عليها رقيب من البشر.
وصدق من قال:
ولا ترجع الأنفس عن غيِّها *** ما لم يكن منها لها زاجر
ولا يكن مثلنا في معالجة هذه الظاهرة، وغيرها من الظواهر المدمرة في المجتمع- كمريض بالزائدة الدودية يحتاج إلى مبضع الجراح.. فتعمل له كمادات ساخنة عساها أن تخفف الألم.. إن المريض سيموت قبل أن التفيكر في استدعاء الطبيب!!
وإليك يا أخي المبارك وقفات مع ظاهرة الغش بعد ما علمت ما رُتب عليه من الوعيد:
الوقفة الأولى: تعريف الغش:
قال المناوي: "الغش ما يخلط من الرديء بالجيد".
وقال ابن حجر الهيثمي: "الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئاً لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذ بذلك المقابل".
وقال الكفوي: "الغش سواد القلب، وعبوس الوجه، ولذا يطلق الغش على الغل والحقد".
الوقفة الثانية: مظاهر الغش:
إن التأمل في واقع كثير من الناس ليجد أنهم يمارسون صوراً من الغش في جميع شؤون حياتهم ومن ذلك:
أولاً: الغش في البيع والشراء:
وما أكثره في زماننا في أسواق المسلمين!! ويكون الغش فيهما بمحاولة إخفاء العيب، ويكون في طرق أخرى كالغش في ذاتية البضاعة أو عناصرها أو كميتها، أو وزنها أو صفاتها الجوهرية أو مصدرها، كما حدد ذلك نظام مكافحة الغش التجاري الصادر بالمرسوم الملكي رقم (45) في 14/8/ 1381 هـ
وإليك طرقاً من مظاهر ذلك على التفصيل:
1- بعض البائعين للفاكهة يضع في نهاية القفص المعد لبيعه الفاكهة أوراقاً كثيرة، ثم يضع أفضل هذه الفاكهة أعلى القفص، وبذلك يكون قد خدع المشتري وغشه من جهة أن المشتري يظن أن القفص مليء عن آخره، ومن جهة أنه يظن أن كل القفص بنفس درجة الجودة التي رآها في أعلاه.
2- وبعضهم يأتي بزيت الطعام ويخلطه ببعض العطور على أن تكون كمية الزيت هي الغالبة وبعضها في عبوات زجاجية ويخرج منها ريح العطر ويبيعه بثمن قليل.
3- وبعض التجار يشتري سلعة في ظرف خفيف جداً ثم يجعلها في ظرف ثقيل نحو خمسة أضعاف الأول، ثم يبيع ذلك الظرف وما فيه، ويوزن جملة الكل، فيكون الثمن مقابلاً للظرف والمظروف.
4- وبعض التجار يخيط الثياب خياطة ضعيفة، ثم يبيعها من غير أن يبين أن هذا مخيط، بل ويحلف بالله إنه لجديد وما هو بجديد فتباً له!!
5- وبعضهم يلبس الثوب خاماً إلى أن تذهب قوته جميعها ثم يقصره حينئذ ويجعل فيه نشاً يوهم به أنه جديد، ويبيعه على أنه جديد.
6- وبعض العطارين يقرب بعض السلع إلى الماء كالزعفران مثلاُ فتكتسب منه مائية تزيد وزنه نحو الثلث.
7- وبعض التجار وأصحاب المحلات يسعى إلى إظلام محله إظلاماً كثيراً باستخدام الإضاءة الملونة أو القاتمة، حتى يعيد الغليظ من السلع والملابس- خصوصاً- رقيقاً، والقبيح حسناً، زين لهم الشيطان سوء أعمالهم.
8- وبعض الصائغين يخلط مع الذهب نحاساً ونحوه، ثم يبيعه على أنه كله ذهب.
9- وبعضهم يعمد إلى شراء ذهب مستعمل نظيف، ثم يعرضه للبيع بسعر الجديد دون أن يُنبّه المشتري على انه مستعمل.
10- يعمد بعض البائعين في مزاد السيارات إلى وضع زيت ثقيل في محرك السيارة حتى يظن المشتري أنها بحالة جيدة.
11- وبعضهم يعمد إلى عداد الكيلو في السيارة الذي يدل على أنها سارت كثيراً فينقصه بحيلة حتى يتوهم المشتري بذلك أنها لم تسر إلا قليلاً.
12- وبعضهم إذا كان معه سيارة يريد بيعها، ويعلم فيها خللاً خفياً، قال لمن يريد شراءها: هذه السيارة أمامك جرّبها إن أردتها، ولا يخبره بشيء عنها.. ولعَمر الله إنه لغش وخداع.
13- وبعضهم يعمد إلى ذكر عيوب كثيرة في السيارة وهي ليست صحيحة، ويهدف من وراء ذلك إلى إخفاء العيوب الحقيقية في السيارة تحت هذه العيوب الوهمية المعلن عنها.
والأدهى من ذلك أنه لا يذكر العيوب إلا بعد البيع وتسليم العربون، ولا يمكّن المشتري من فحص السيارة بل ولا يسمح له بذلك.
14- وبعضهم إذا كان معه سيارة يريد بيعها صار يمدحها ويحلف بالله أنها جيدة، ويختلق أعذاراً لسبب بيعها. والله - عز وجل - يعلم السر وأخفى.
15- وبعضهم يتفق مع صاحب له ليزيد في ثمن السلعة فيقع فيها غيره. وهذا هو النجش الذي نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
16- ومن الغش في البيع أن يقوم القصّاب- الجزار- بنفخ الذبيحة التي يراد بيعها، ليبين للمشتري أن المنفوخ كله لحم.
17- وبعضهم يعمد في مزاد الأغنام إلى تغذيتها بالملح- وكذلك في محلات بيع الدجاج- حتى يظن المشتري أنها سمينة وهي بخلاف ذلك.
18- وبعض أصحاب بهيمة الأنعام يعمد إلى صرِّ- أي شد وربط- ضرع ذات اللبن من بهيمة الأنعام قبل بيعها بأيام ليظهر أنها حليب.
وهي ليست كذلك فلا ينطق لها ضَرْعٌ إلا بعد تَضَرُّع!!
19-..........
20-..............(17/12)
وأدع لك المجال لتضيف ما خطر في ذهنك من صور الغش في البيع والشراء. وأعيذك بالله إن كنت بائعاً أو مشترياً من الغش والاتصاف بشيء مما سبق.
ثانياً: الغش في الزواج:
ومن مظاهر الغش فيه ما يلي:
1- أن يقدم بعض الآباء للمتقدم لإحدى بناته ابنته الصغيرة البكر، ويوم البناء- ليلة العرس- يجدها الكبيرة الثيب، فيجد بعضهم لا مناص ولا هروب من هذا الزواج.
2- وبعض الآباء وأولياء النساء يُري الخاطب البنت الجميلة، ويوم البناء يرى أنها الدميمة القبيحة فيضطر للقبول- إن قبل.
3- وبعض الآباء قد يخفي مرضاً أو عيباً في ابنته ولا يبينه للخاطب ليكون على بينة، فإذا دخل بها اكتشف ما فيها من مرض أو عيب.
4- وبعض الآباء وأولياء البنات إذا طلب منهم الخاطب رؤية المخطوبة- وهو جائز بشروطه- أذنوا في ذلك بعد أن تملأ وجهها بكل الألوان والأصباغ التي تسمى "مكياجاً" لتبدو جميلة في عينيه، ولو نظر إليها دون هذا القناع من المساحيق لما وقعت في عينيه موقع الرضا.
أليس هذا غشاً يترتب عليه مفاسد عظيمة في حق الزوج والزوجة؟!
5- وبعض الأولياء يعمد إلى تزويج موليته دون بذل جهد في معرفة حال الخاطب وتمسكه بدينه وخلقه.. وفي هذا غش للزوجة وظلم لها.
6- ومن الغش في الزواج أن يعمد الخاطب إلى التشبع بما لم يعط، فيُظهر أنه صاحب جاه وأنه يملك من العقارات والسيارات الشيء الكثير. بل ويسعى إلى استئجار سيارة فارهة تكلف المئات من الريالات ليظهر بأنه يملك، ولا يملك في الحقيقة شيئاً.
7- ومن الغش كذلك أن يعمد بعض الناس إلى تزكية الخاطب عند من تقدم لهم، ومدحه والإطراء عليه وأنه من المصلحين الصالحين، مع أن هذا الخاطب لا يعرف للمسجد طريقاً.
فكفى- أيُّها الأحبة -غشاً وخداعاُ يهدم البيوت، ويشتت الأسر.
8- ومن الغش ما تقوم به بعض النساء- وخاصة الكبيرات- من الفَلَج- وهو برد الأسنان لتحصل بينها فرجة لطيفة تظهر بها الكبيرة صغيرة، فيظن الخاطب أنها كذلك فإذا تزوجها اكتشف أنها بلغت من الكبر عتياً. وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - المتفلجات للحسن المغيرات خلق الله - تعالى -.
ثالثاً: الغش في النصيحة:
وذلك بعدم الإخلاص فيهان والقصد من بذلها أغراض دنيوية وأغراض دينية، ومن حق الأخُوّة بين المؤمنين أن يتفانى الأخ في نصح أخيه ويمحص له ذلك، فالمؤمنون نَصحة والمنافقون غششة.
والمؤمن مرآة أخيه إذا رأى فيه عيباً أصلحه. والنصيحة تكون بكف الأذى عن المسلمين، وتعليمهم ما يجهلونه من دينهم، وإعانتهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، بجلب النافع لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير كبريهم، ورحمة صغيرهم، وتخوُّلهم بالموعظة الحسنة، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير، ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه.
روى الحافظ أبو القاسم الطبراني بإسناده أن جرير بن عبد الله البجلي- رضي الله عنه- أمر مولاه أن يشتري له فرساً، فاشترى له فرساً بثلاثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس- وانظر إلى النصيحة: فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبد الله. فقال: فرسك خير من ذلك أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة، وصاحبه يرضى وجرير يقول: فرسك خير إلى أن بلغ ثمانمائة فاشتراه بها. فقيل له في ذلك فقال: إني بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النصح لكل مسلم.
رابعاً: الغش في الرعية:
عن معقل بن يسار المزني- رضي الله عنه- أنه قال في مرضه الذي مات فيه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة » [رواه البخاري ومسلم واللفظ له].
وأحد لفظي البخاري: « ما من مسلم يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة »
فهذا وعيد شديد يدخل في كل من استرعاه الله رعيّة سواءً كانت صغيرة أم كبيرة، ابتداءً من أفراد الأسرة إلى الحاكم، فيجب على الكل النصح لرعيته وعدم غشهم.
فالموظف يجب عليه أن ينصح في وظيفته وأن يؤديها على الوجه المطلوب شرعاً دون غش ولا خداع، ودون تأخير لأعمال الناس ومصالحهم، وليعلم أنه موقوف بين يدي الله - عز وجل -. فما ولاه الله - عز وجل - هذه الوظيفة إلا ليديم النصح للمسلمين.
وكذلك الأب يجب عليه أن ينصح أولاده، وألا يفرط في تربيتهم بل يبذل كل ما يستطيع ليقي نفسه وأولاده من نارٍ وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد.
قال ابن القيم - رحمه الله -: "وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد- رأيت عامته من قبل الآباء" [تحفة المودود ص146].
خامساً: الغش في الامتحان:
وما أكثر طرقه ووسائله بين الطلاب والطالبات!! وسبب ذلك هو ضعف الوازع الديني، ورقة الإيمان، وقلة المراقبة لله - تعالى - أو انعدامها.
قال سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله -: "قد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: « من غشنا فليس منّا » وهذا يعم الغش في المعاملات، والغش في الامتحان، ويعمّ اللغة الإنجليزية وغيرها، فلا يجوز للطلبة والطالبات الغش في جميع المواد لعموم هذا الحديث وما جاء في معناه. والله ولي التوفيق".(17/13)
هذا بعض مظاهر الغش تدل على غيرها، وهي غيض من فيض، وقطرة من بحر، ليحيا من حيي على بيّنة ويهلك من هلك على بيّنة.
وإلى كل من وقع في صورة من صور الغش ذُكرت أو لم تذكر نقول له: اتق الله يا أخي واستشعر رقابة علام الغيوب، وتذكر عقابه وعذابه {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] واعلم أن الدنيا فانية وأن الحساب واقع على النقير والفتيل والقطمير، وأن العمل الصالح ينفع الذرية، والعمل السيئ يُؤثّر في الذرية، قال - تعالى -: {وَلْيَخْشَ الَّذينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء: 9]. فمن تأمل هذه الآية خشي على ذريته من أعماله السيئة وانكفّ عنها، حتى لا يحصل لهم نظيرها.
ثم اعلم أن للغش مضاراً عظيمة وإليك بيانها في الوقفة التالي:
الوقفة الثالثة: مضار الغش
من مضار الغش:
1- الغش طريق موصل إلى النار.
2- دليل على دناءة النفس وخبثها، فلا يفعله إلا كل دنيء نفسٍ هانت عليه فأوردها مورد الهلاك والعطب.
3- البعد عن الله وعن الناس.
4- أنه طريق لحرمان إجابة الدعاء.
5- أنه طريق لحرمان البركة في المال والعمر.
6- أنه دليل على نقص الإيمان.
7- أنه سبب في تسلط الظلمة والكفار، قال لابن حجر الهيثمي: "ولهذه القبائح- أي الغش- التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والبضائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم، وهتكوا حريمهم، بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم، وأذاقوهم العذاب والهوان ألواناً.
وكثرة تسلط الكفار على المسلمين بالأسر والنهب، وأخذ الأموال والحريم، إنما حدث في هذه الأزمنة المتأخرة لمّا أن أحدث التجار وغيرهم قبائح ذلك الغش الكثيرة والمتنوعة، وعظائم تلك الجنايات والمخادعات والتحايلات الباطلة على أخذ أموال الناس بأي طريق قدروا عليها، لا يراقبون الله المطلع عليهم" ا.هـ.
http://saaid.net المصدر:
================
دور زوجة الداعية مع زوجها بين الواقع والمطلوب ، مواقف وتجارب
للشيخ يحيى بن إبراهيم اليحيى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،،،
تجهل، أو تنسى وتغفل كثير من الزوجات الطيبات أنها مشاركة لزوجها في الأجر والعمل الذي يجريه الله على يديه؛ متى ما احتسبت، وهيأت له الجو المناسب في منزله لاستجماع قوته وأفكاره، وشجعته وصبرته، وقوت من عزيمته على المضي في دعوته، ونشاطاته الخيرية.
هذا الجهل، أو التجاهل أحيانًا، أو الغفلة والنسيان أسفر عن نتائج غير جيدة في علاقاته معها بل تسببت في زرع عوائق في طريق الداعية ومن ذلك:
1- كثرة التشكي منه بسبب بعده عن المنزل، أو تقصيره في طلباتها، أو من لعب أطفالها وأذاهم لها، أو من الجو والمناخ … وقد روى 'مسلم' عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلَاةَ يَوْمَ الْعِيدِ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بلالٍ فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ فَقَالَ: [تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ] فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ فَقَالَتْ لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: [لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ] قَالَ فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ.
2- كثرة الطلبات، وعدم مراعاة الأوقات المناسبة في طرحها أو طلبها.
3- عمل مقارنة ظاهرية بعيدة عن الوعي مغفلة أسرار البيوت غير مدركة للسلبيات، بين زوجها وأزواج أقاربها، أو صديقتها ومعارفها. وليتها عملت مقارنة مع كثير من البيوت التعيسة التي تعيش حياة الصخب والتهديد والضرب، والاعتداء من جراء المخدرات، أو الفضائيات، أو غيرها.
4- ضعف الأداء التربوي لأبنائها؛ بحجة أن المسئولية تقع عليه أولًا.
5- فقدان البسمات الجميلة على وجهها بسبب تأخر زوجها، أو كثرة مشاغله.
6- إجراء المواعيد مع الأقارب والأحباب دون النظر إلى إمكانات زوجها في تحقيق مطلوبها.
7- سرعة التأثر بأحاديث النساء، وتصديقها لكل ما يقال.
8- التنكر لحسناته ومواقفه الطيبة معها.
9- الاهتمام بالمظاهر والزخارف الجوفاء.
===============
تفعيل دور الفرد
تتجرع أمتنا في هذا الوقت العصيب أنواعاً من الذل والمهانة، في صور شتى، مادية ومعنوية في أكثر من منطقة من مناطق العالم الإسلامي، ولا نظن أنه مرت على الأمة أوقاتاً عصيبة كهذه ولم تر أسوأ مما تراه اليوم في أي حقبة من حقب التاريخ الإسلامي حين اجتمعت قوى الشر من اليهود والنصارى و الوثنيين والملحدين من الخارج، وناصرهم المنافقون والعلمانيون وأصحاب البدع والأهواء وغيرهم من الداخل، حتى رميت الأمة بسهام عديدة عن قوس واحدة.
ومظاهر العجز والنكوص والانهزام والاستسلام لرغبات العدو والإذعان بتنفيذ أوامره بادية لا تحتاج إلى تدليل، وزاد على ذلك انتشار الفساد بأنواعه في قطاعات واسعة حتى أصبحت الأمة تابعة لا متبوعة، لا تملك من أمرها شيئاً.
في ظل هذه الأوضاع تحتاج الأمة إلى أبنائها ليبنوا مجدها ويعيدوا عزها ويصدوا هجمة أعدائها.(17/14)
ومن هنا تأتي أهمية طرح مثل هذه الموضوعات التي تسعى إلى تفعيل دور الفرد المسلم ليكون لبنة صلبة في هذا البناء العظيم كما فعّلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه الراشدون المهديون من بعده.
* قبل الخطوة الأولى:
كثيراً ما يطرح الناس أسئلة تدور حول قدرتهم على العمل لهذا الدين:
فمنهم من يقول: أنا فرد مسلم واحد، ما الذي يمكن أن أعمله في مواجهة كل هذه القوى؟
ومنهم من يقول: هل يمكن للفرد المسلم أن يمارس دوراً مؤثراً، وفاعلاً في ظل هذا الواقع الأليم؟
يجيب على ذلك الشيخ ناصر محمد الأحمد فيقول: "إن إحداث التغيير من الأسوأ إلى الأحسن يرتبط بمدى فهم الفرد المسلم لأهمية دوره في هذا الإطار، وإن الدور السلبي الذي يمارسه كل فرد من أفراد المسلمين، إنما يعود في أساسه إلى الجهل المطلق، لما يوجبه الإسلام على الفرد المسلم من مسؤولية تجاه مجتمعه.
لقد وردت أحاديث كثيرة تحدد دور الفرد المسلم، في وسط المجتمع المسلم، وترتبط معرفة هذا الدور بفهم هذه الأحاديث، وربطها بالواقع، والتفاعل مع مدلولها العام الشامل، ثم إنزالها على حال الأمة في هذا الزمان".
ويقول الشيخ عبد الرحمن المحمود: "الجواب على ذلك من ثلاثة أوجه:
أولا: أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، فأنت بحسب ما أتاك الله - سبحانه وتعالى- لا يكلفك الله غير ذلك، وهذه قاعدة شرعية ربنا - سبحانه وتعالى- هو الذي شرعها لك ولغيرك، فهل أنت قمت بما أوجب الله - سبحانه وتعالى- عليك مما تستطيعه، اسأل نفسك وانظر في حالك.
ثانياً: ينبغي للمسلمين عموماً أن يعلموا أن من وسائل الشيطان التي تدخل إليهم وهم قد لا يشعرون بها وسيلة التيئيس والقنوط، ويتخذ الشيطان لذلك عدداً من الأسباب والأوهام، ومنها ما ورد في السؤال: أنا لا أستطيع، أنا واحد فرد، ثم ينتهي الأمر بالشاب إلى القعود وترك العمل، فنقول: هذا من الشيطان، هذا التيئيس والتوهم أنك لا تستطيع أن تنصر هذا الدين أنما هو من وساوس الشيطان، فعليك ألا تقنط من رحمة الله ومن نصر الله - سبحانه وتعالى- لهذا الدين، وأن توقن يقيناً أن الله تبارك و- تعالى - ناصر هذا الدين، فيجب أن يكون لديك أمل عظيم في أن كل ابتلاء يصيب هذه الأمة بشكل جزئي أو بشكل كبير فإن لله - سبحانه وتعالى- من وراء ذلك حِكماً عظيمة، وأن مستقبل هذا الدين الإسلامي أخبر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن الله ناصر هذا الدين،، وكل المبشرات تؤكد قرب انتصار هذا الدين فكن أنت من أنصار هذا الدين.
ثالثاً: نقول لهؤلاء الذي يسألون عن كيفية نصر الدين: انظروا إلى من حولكم ممن وفقهم الله - سبحانه وتعالى- للعمل لدينه. لا شك أن المتأمل يجد أنواعاً وألواناً من الشباب ذكورا وإناثاً وفقهم الله - سبحانه وتعالى- وسددهم قد نذروا أنفسهم لخدمة هذا الدين ونفع الله - سبحانه وتعالى- بهم نفعاً عظيماً.
وهؤلاء الشباب أنواع منهم إمام المسجد نفع الله به الحي، ومنهم خطيب الجامع نفع الله به الحي، ومنهم المعلم نفع الله به طلابه، ومنهم الموظف نفع الله به زملاءه، ومنهم التاجر نفع الله - سبحانه وتعالى- به أمة الإسلام بما يبذل، ومنهم، ومنهم، ومنهم، حتى الشابات من أخواتنا المسلمات كم منهن من نفع الله - سبحانه وتعالى- بها في دعوة و تربية.
فأنت تشاهد أن هؤلاء ينصرون هذا الدين.. فكن معهم انصر هذا الدين، وخذ بنصيبك من هذا الفضل ولو القليل.. المهم أن تخطو إلى الأمام وألا يصيبك اليأس، وأن تنصر هذا الدين على قدر طاقتك،
ولا شك أن من تأمل فسيجد أن مجالات نصر هذا الدين كثيرة جداً، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا عن شعب الإيمان "الإيمان بضع وسبعون شعبة" فهذه الشعب التي تزيد على السبعين كلها مجالات بعضها لازم وبعضها متعدٍ، بعضها عبادة محضة وبعضها عبادة وطاعة يتعدى نفعها إلى الآخرين، وكل ذلك والحمد لله مجالات واسعة لمن يريد أن يعمل لهذا الدين، وأمة الإسلام والحمد لله أمة ثرية برجالها وشبابها وعلمائها ودعاتها إلى الله - سبحانه وتعالى- ويكفي في أمة الإسلام أنها إنما تعمل لدينه، وأنها إنما تعبد ربها وتتوكل عليه، وأنها إنما تجاهد في سبيله فيكفيها هذا عزاً ونصراً حتى لو لم يتحقق لها في هذه الدنيا شيء، فإن ما عند الله خير وأبقى.
هل العمل لهذا الدين من خصوصية العلماء؟
قد يتبادر إلى ذهن البعض أن الدعوة إلى الله مقتصرة على العلماء فقط، ولكن الشيخ حمد حسن رقيط يفند هذه الشبهة مستدلاً على ذلك بما جاء عن الله - جل وعلا - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فيقول: "إذا كانت الدعوة إلى الله واجبة على كل فرد سواءً كان ذكراً أو أنثى، كما قال - تعالى -: "قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"، فمعنى هذا أنها لا تختصّ بالعلماء فقط وإن كان العلماء هم المختصون بتفاصيل الدعوة وأحكام الشريعة وهم قدوة الداعين إلى الله... إلا أنه يتوجّب على كل فرد المسلمين أن يدعو إلى الله بما يعلم من أمر الله؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " بلّغوا عني ولو آية " رواه البخاري.
ويوضح أيضاً أن العلم يتجزأ وكل إنسان يعلم شيئاً ويجهل أشياء، فمن يعلم بمسألة ويجهل الأخرى يجب عليه أن يبلغ ما يعلم، فيقول: "إن البصيرة والعلم إذا كانت من شروط الدعوة إلى الله، فإن هذا الشرط ليس على إطلاقه؛ لأن العلم ليس شيئاً واحداً لا يتجزأ وإنما هو بطبيعته يتجزأ، فمن علم مسألة وجهل أخرى فهو عالم بالأولى وجاهل بالثانية، وعليه واجب التبليغ فيما يعلم".(17/15)
ويوضح الشيخ خالد الدرويش أن المسلم إذا استشعر أهمية التكاليف المناطة به فسوف يبادر ذاتياً للعمل، فيقول: "إن أول دوافع المبادرة للعمل لهذا الدين التي يجب أن يتذكرها الداعية المسلم هو أن يعلم:
أولاً: أن مناط التكليف فردي.
ثانياً: أن كل فرد سيحاسب يوم القيامة فرداً.
ثالثاً: وأنه "لا تزر وازرة وزر أخرى".
رابعاً: وأن الحساب بالثواب والعقاب لا يكون إلا فردياً".
* معرفة خصائص الفرد بداية الطريق:
لاشك أن لكل فرد خصائصه التي يتميز بها عن غيره، وهذا يدعونا إلى معرفتها قبل تفعيل دوره مما يسهل لنا كيفية التعامل مع قدراته، يقول الشيخ سلمان العودة: "إن الرجال الذين تحتاجهم الدعوة لابد أن يكونوا متميزين بخصائص فطرية جُبلوا عليها، تناسب المهمة التي خلقوا من أجلها وأخرى مكتسبة حصّلوها بتكميل أنفسهم، وأخذوها بالجد والحزم إلى دعوة الإسلام ".
ويشير الشيخ إلى أن الإسلام لا يهدف إلى إلغاء الخصائص الفطرية الموجودة عند الناس، بل يعمل على توجيهها توجيهاًَ صحيحاً، والاستفادة منها، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان قوياً شديداً في الجاهلية، وكان كثير من القرشيين يهابه ويخشاه من يوم أن أسلم تحولت هذه القوة والشدة الموجودة فيه إلى شجاعة في سبيل الله - عز وجل -، وإلى جرأة في مواجهة الكفار والمشركين، وهذا ما يذكره لنا المصنِّفون في سيرته رضي الله عنه.
فلابد من استغلال الخصائص النفسية والإفادة منها وتنميتها وتوجيهها التوجيه الصحيح.
ويركز الشيخ سلمان على الجوانب الإيجابية في النفس البشرية، فيقول: "وكما نعلم جميعاً أنه لا يكاد يوجد إنسان مهما يكن شريراً إلا و فيه قدر من الخير، وقد يكون هذا القدر من الخير مغطى بطبقة من الانحراف أو الفساد، بحيث إن الإنسان الذي يقابله لأول وهلة يتصور أنه مجموعة من الرذائل تمشي على الأرض، وأنه لا خير فيه أبداً، لكن لو وُفق هذا الإنسان إلى يد حانية تعمل على إزالة الغبار والانحراف الموجود على الفطرة لتكشّفت الفطرة عن خصائص جيدة محمودة عنده ".
ويقول أيضاً: "ولا شك أننا نجد أن كثيراً من الناس وخاصة الشباب يتمتعون بطاقات كبيرة جداً: طاقات جسمية وعقلية.... وغيرها، فحين لا يوجد من يستثمر هذه الطاقات فإنها سوف تذبل أو تذهب إلى مجالات ليست محمودة؛ فتضيع في الركض وراء الشهوات وإشباع الغرائز، أو قضاء الأوقات مع الأصدقاء المنحرفين أو تضيع بأي صورة من الصور. لكن التربية الإسلامية الصحيحة أوجدت المجالات التي يمكن استثمار هذه الطاقات من خلالها".
وبين الشيخ خالد الدرويش بعض الصفات التي يحسن بالداعية والمربي أن يتخلق بها، فيقول: "يحسن بالفرد أن يكون متصفاً ببعض الصفات المثالية، فمن صفاته أنه:
• مخلص العمل لله - تعالى -.
• صحيح العقيدة.
• مثقف الفكر.
• قوي الجسم.
• منظم في شؤونه.
• حريص على وقته ونافعاً لغيره.
• نشيط في دعوته.
• يحمل هموم أمته بين جوانحه.
• لا يهدأ من التفكير في مشاريع الخير والدعوة.
• غدوه ورواحه وحديثه وكلامه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له.
• يشغل الناس بهموم دعوته.
• له جزء يومي من القرآن.
• يذكر الله في كل أحيانه.
• بيته وأهله مسخرون لخدمة الإسلام وأهله.
• له في كل سهم غنيمة.
• محب للقراءة والاطلاع.
• له مشاركة فعالة مع مؤسسات الإسلام.
• مخصص جزءًً من ماله لأعمال البر والدعوة.
• مهتم بأهله إيماناً ودعوياً وثقافياً.
• يعيش عيشاً جماعياً مع إخوانه المؤمنين
* وسائل تفعيل الفرد المسلم:
يرى الدكتور / عبد الكريم بكار أن رسم الأهداف هو من أهم الوسائل المعينة لتفعيل دور الفرد، بل وسبيل للتأثير على الآخرين، فيقول:
" إن الأماني الوردية حول قيادة أمتنا للعالم تداعب أخيلة الكثيرين منا، وتدغدغ مشاعرهم، لكن لا أحد يسأل عن آليات تحقيق ذلك، ولا عن الإمكانات المطلوبة للسير في طريقه!
إني أعتقد أن هناك حقيقة أساسية غائبة عن أذهان الكثيرين منا، هي أننا لا نستطيع أن نوجد مجتمعًا أقوى من مجموع أفراده؛ ولذا فإن النهوض بالأمة يقتضي على نحوٍ ما أن ينهض كل واحد منا على صعيده الشخصي، وما لم نفعل ذلك، فإن الغد لن يكون أفضل من اليوم".
ويضيف قائلاً: "إن رسم الأهداف نوع من مدِّ النظر في جوف المستقبل، وإن الله ــ - جل وعلا - ــ يحثنا على أن نتفكر في الآتي، ونعمل له: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".
إن المسلم الحق لا يكون إلا مستقبليًا، ولكننا بحاجة إلى أن نعمم روح الالتزام نحو الآخرة على مسلكنا العام تجاه كل ما يعنينا من شؤون وأحوال".
ثم يبين أهمية وجود الأهداف في حياة الفرد، فيقول: (من الأدوات الأساسية في تحسين وضعية الفرد أن يكون له هدف يسعى إلى تحقيقه. ونرى أن حيوية وجود هدف واضح في حياتنا تنبع من اعتبارات عديدة، أهمها:
1 - إن كل ما حولنا في تغير دائم، والمعطيات التي تشكل المحيط الحيوي لوجودنا لا تكاد تستقر على حال، وهذا يجعل كل نجاح نحققه معرضًا للزوال؛ ووجود هدف أو أهداف في حياتنا، هو الذي يجعلنا نعرف على وجه التقريب ما العمل الذي سنعمله غدًا، كما أنه يساعد على أن نتحسس باستمرار الظروف والأوضاع المحيطة؛ مما يجعلنا في حالة دائمة من اليقظة، وفي حالة من الاقتدار على التكيف المطلوب.(17/16)
وقد جرت عادة الكثيرين منا أن يسترخوا حين ينجزون عملاً متميزًا؛ مما يضعهم على بداية الطريق إلى أزمة تنتظرهم. ولذا فإن الرجل الناجح، هو الذي يسأل نفسه في فورة نجاحه عن الأعمال التي ينبغي أن يخطط لها، ويقوم بإنجازها؛ فالتخطيط هو الذي يجعل أهمية المرء تأتي قبل الحَدَث. أما معظم الناس فإنهم لا يفكرون إلا عند وجود أزمة، ولا يتحركون إلا حين تحيط بهم المشكلات من كل جانب، أي يستيقظون بعد وقوع الحدث، وبعد فوات الأوان!
2 - إن وعي كثيرين منا بـ (الزمن) ضعيف، ولذا فإن استخدامنا له في حل مشكلاتنا محدود.
وحين يجتمع الناس برجل متفوق فإنهم يضعون بين يديه كل مشكلاتهم، ويطلبون لها حلولاً عاجلة متجاهلين عنصر (الزمن) في تكوينها وتراكمها، وطريقة الخلاص منها. ووجود هدف في حياة الواحد منا يجعل وعيه بالزمن أعظم، ويجعله يستخدمه في تغيير أوضاعه.
إذا سأل كل واحد منا نفسه: ماذا بإمكانه أن يفعل تجاه جهله بعلم من العلوم - مثلاً - أو قضية من القضايا؟ فإنه يجد أنه في الوقت الحاضر لا يستطيع أن يفعل أي شيء يذكر تجاه ذلك. أما إذا سأل نفسه: ماذا يمكن أن يفعل تجاهه خلال خمس سنين؟ فإنه سيجد أنه يستطيع أن يفعل الكثير؛ وذلك بسبب وجود خطة، واستهداف للمعالجة، وهما دائمًا يقومان على عنصر الزمن.
إني أعتقد أن كثيرًا من الخلل المنهجي في تصور أحوالنا، وحل أزماتنا، يعود إلى ضيق مساحة الرؤية، ومساحة الفعل معًا، وذلك كله بسبب فقد النظر البعيد المدى.
3 - إن كثيرًا من الناس يظهرون ارتباكًا عظيمًا في التعامل مع (اللحظة الحاضرة) وذلك بسبب أنهم لم يفكروا فيها قبل حضورها، فتتحول فرص الإنجاز والعطاء إلى فراغ قاتل ومفسد؛ وهذا يجعلنا نقول: إننا لا نستطيع أن نسيطر على الحاضر، ونضبط إيقاعه، ونستغل إمكاناته، إلا من خلال مجموعة من الآمال والأهداف والطموحات، وبهذا تكون وظيفة الهدف في حياتنا هي استثمار اللحظة الماثلة على أفضل وجه ممكن.
إني أتجرأ وأقول: إن ملامح خلاص جيلنا، والجيل القادم ــ على الأقل ــ من وهن التخلف والانكسار قد تبلورت في أمرين: المزيد من الالتزام بالمنهج الرباني، والمزيد من التفوق، ولا نستطيع أن نجعل هذين الأمرين حقيقة واقعة في حياتنا من غير تحديد أهداف واضحة.
ويرى الشيخ خالد الدرويش أن من أهم وسائل تفعيل دور الفرد المسلم في مجتمعه أو أمته أن يوجد لديه ما يسمى بالذاتية الدعوية، وهي كما يعرفها:
(انطلاقة المؤمن ومسارعته للعمل الدعوي بحافز ذاتي من نفسه للعمل لهذا الدين دونما طلب من أحد أو متابعة بل هو السعي لطلب الأجر والمثوبة من الله).
ويبين الدرويش هذه الوسائل فيقول:
أولاً: التميز الإيماني والتفوق الروحاني:
لابد أن ندرك أن أول أساسيات المبادرة والعطاء حسن الصلة بالله - تعالى - وعظيم الإيمان به وجميل التوكل عليه والخوف منه وهكذا كان السلف الصالح عندما أخلصوا لله كان سمتهم ورؤيتهم موعظة مؤثرة وأن الواحد منهم ليقول الكلمة يهدي بها الفئام من الناس فقوة الصلة بالله تجلب التوفيق والتأثير في الآخرين كما كان الرجل الصالح محمد بن واسع إذا رؤي ذُكر الله.
ثانياً: الزاد العلمي والرصيد الثقافي:
إن التميز الإيماني لابد أن يعضده الجانب العلمي لذا علينا أن نفهم الإسلام بشموله ونقف على حقائقه وأحكامه ونعنى بقواعده وأصوله وأن نتدارسه من مصدريه الكتاب والسنة (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك..)
فالإسلام له خصائص تميزه عن غيره فينبغي للمؤمن الداعية أن يتعرف عليها ويستشعرها في نفسه شعوراً بعظمة دينه وزيف ما سواه ليتحرك من أجله ويكون الدين كله لله.
فإذا توفر للداعية رصيد علمي مناسب وزاد ثقافي جيد كان ذلك عوناً له في دعوته ورافداً من روافد نجاحه ومبادرته الذاتية.
ثالثاً: معرفة فقه الدعوة والعمل للإسلام:
لابد ابتداء معرفة الدافع للحركة: لمن يتحرك الداعية؟؟ فمتى اتضح الهدف من التحرك وهو: رضى الله ونصرة دينه ثم الجنة زادت الذاتية الدعوية والعطاء فوضوح الهدف من شأنه أن يجعل الداعية لا يهدأ حتى يحقق الهدف.
رابعاً: استشعار الأجر:
وهذه مسألة ضرورية وعامل رئيس في الاندفاع نحو العمل والدعوة الذاتية ولعل هذا هو السر في تبيان أجر بعض العبادات حتى يكون دافعاً للعمل والعطاء فإذا عرف صاحب الذاتية أن كل حركة وسكنة يتحركها المهتدي وكل تسبيحة أو ركعة أو سجدة يفعلها وكل إحسان يجريه الله على يديه فإنما يكون في ميزان أعماله وأن له مثل أجره مصداقاً لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الدال على الخير كفاعله) فإنه لا شك سيتحرك الحركة الذاتية التي تجلب له هذا الخير الذي يتنامى يوماً بعد يوم.
خامساً: النظر في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأحوال السلف والدعاة مع العمل للإسلام:
إن المتتبع لسيرة سيد الدعاة - عليه الصلاة والسلام - وأحوال السلف الصالح والدعاة مع العمل للإسلام له دور كبير في إشعال الهمة واكتساب الخبرة وإيقاظ الحماسة في قلب المرء المسلم لاستغلال وقته وجهده للعمل لنصرة هذا الدين.
سادساً: استشعار أن الجنة محفوفة بالمكاره:
لذا يتطلب منه طاقة وهمة عالية تتناسب مع ذلك المطلب العالي وهو الجنة فإذا عرف المسلم هذا سوف يجعله يتحرك التحرك الذاتي للوصول إلى الهدف قال الله - تعالى - (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم منقرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)
سابعاً: حمل هم الدعوة للعمل للإسلام:(17/17)
إن انتمائي للإسلام يجب أن يجعل مني صاحب رسالة وهم في الحياة ويفرض عليّ كذلك أن أعمل ليكون المجتمع الذي أعيش فيه مسلماً ملتزماً بقوانين الله - تعالى - إنه لا يكفى أن أكون مسلماً وحدي دونما اهتمام بمن حولي.
ثامناً: المعايشة الجماعية:
من أهم عوامل اكتساب الذاتية الفاعلة: المعايشة الدعوية فالجماعية دافع للحركة وتوظيف الداعية لملكاته وجهوده وطاقاته في خدمة دعوته ونشر دينه بعكس الفردية والانعزالية فإن المرء يشعر غالباً معها بالفتور والكسل.
تاسعاً: الدعاء:
إن العمل لهذا الدين هو هبة ومنحة من الله يمن بها على من شاء من عباده ومادام الأمر كذلك فالجأ أخي المسلم إلى ربك ومولاك واسأله بقلب خاضع ولسان صادق وجوارح خاشعة فهو المسؤول أن يقوي إرادتنا ويعلي همتنا وحركتنا لهذا الدين قال الفاروق - رضي الله عنه - في دعائه: اللهم إني ضعيف عن العمل بطاعتك فارزقني النشاط فيها.)
* قواعد قبل الانطلاقة:
ويبين الشيخ حمد حسن رقيط أن هناك جملة من القواعد تعين الداعية على انطلاقته في دعوة الناس وتعطيه التصور الصحيح للخطوات التي ينبغي أن يسلكها، فقبل أن يشرع في دعوته للمجتمع ينبغي له أن يبدأ بنفسه فيصلحها حتى يكون القدوة الحسنة، ثم يمضي إلى تكوين بيته وإصلاح أسرته، ثم بعد ذلك يتوجه إلى المجتمع وينشر الخير فيه ويقاوم الشر والرذائل بالحكمة ويشجع مكارم الأخلاق.
* خطوات على الطريق:
ويذكر أيضاً أنه في حال مباشرة الدعوة لا بد للداعية من اتخاذ الخطوات التالية:
1. تشخيص الداء ومعرفة الدواء لأن الداعية المسلم طبيب الأرواح والقلوب وعليه أن يعطي كل حالة ما يناسبها من علاج، فدواء الكفر الإيمان بالله ودواء المعاصي التوبة والإكثار من الطاعات ودواء الجهل العلم والتعلم.
2. دراسة نفسية الرأي العام لاختلاف ميول الناس ومستوياتهم الثقافية والعلمية ليخاطبهم على قدر عقولهم.
3. ترغيب الناس في الخير وترهيبهم من ترك الاستجابة لهذا الخير.
4. إزالة الشبهات والشكوك التي تمنع من قبول الحق.
5. معرفة القواعد والضوابط التي يجب مراعاتها في الدعوة حتى يكون الداعية مُسدداً في دعوته.)
ويُحرص الشيخ إبراهيم الفارس على موضوع دراسة نفسية الناس، فيقول:
(اعلم أن الناس متباينون في طبائعهم، مختلفون في مداركهم، في العلم والفهم، في الأمزجة والمشاعر، مختلفون في الميول والاتجاهات، مما يدعو رجل العلم والدعوة إلى تخير المدخل … بل المداخل المناسبة لتلك النفوس المختلفة، والعقول المتباينة.
نعم، إن فيهم الغضوب والهادئ، وفيهم المثقف والأمي، وفيهم الوجيه ومن هو دونه، فعلى الداعية الحصيف أن يراعي هذه الفروقات فينزل الناس منازلهم، ويخاطب الناس بما يعقلون، بل إن ثمت كلمة رائعة لعلي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه -، يصف فيها القلوب، كل القلوب بأنها وحشية تحتاج إلى تأليف وترويض فيقول: القلوب وحشية فمن تألفها أقبلت عليه وصاحب الترويض الناجح هو الذي يحرص على تلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، ويقصد في شيء من العطف على أخطائهم وغفلاتهم، مقروناً ذلك ببعض العناية بهمومهم واهتماماتهم، وسوف يصل إلى مصدر النبع الخير في نفوسهم، وحينئذ يمنحونه حبهم وثقتهم، فـ" لإن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم" (رواه البخاري).)
* صور من البرامج الدعوية الفردية:
يذكر الأستاذ خالد الدرويش بعضا من الوسائل الدعوية التي يمكن أن يؤديها الفرد بشكل فردي فمن ذلك:
• التفكير فيما ينفع الدعوة والتخطيط لها:
إن أول خطوة للعمل الجاد هي التفكير لذا يلزم على الداعية أن تكون له جلسة تفكر لإيجاد الجديد من الوسائل الدعوية أو تطوير للموجود.
• ومن أهم الوسائل الدعوية المعنوية التي يمكن أن يباشرها الداعية إلى الله: الدعاء للمدعو بأن يهديه الله - تعالى - ويشرح صدره ويفتح عليه وهذا أسلوب قرآني قال - تعالى - (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين). وأسلوب نبوي قال - صلى الله عليه وسلم - في دعائه شفقة على أمته (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)
• تشجيع كافة أعمال البر والخير: ولا سيما في مجال الدعوة ونشر العلم وتقديم الخدمات.
• إظهار المحبة والمودة:
في المقابلة والمهاتفة والدعاء للشخص المقابل بأدعية تؤثر في نفسه مثل: بلغك الله أعلى منازل الجنة. فهي وسيلة للتآلف وزيادة المودة.
• طرح مشاريع خيرية دعوية:
في المجالس العامة أو الخاصة مثل: كفالة داعية وتفطير صائم وكفالة يتيم وبطانية الشتاء ووقف خيري. وفي هذا الطرح فوائد: 1- دعمها بالدعاء. 2- دعمها مادياً. 3- معرفة الناس لها وتفاعلهم معها ونشر الحس الدعوي لدى المدعوين. 4- إشادة بالعاملين وتثبيت لهم.
• الهدية الهادفة:
1- مثل إهداء كتاب أو شريط أو اشتراك في مجلة أو مصحف مكتوب عليه اسم المُهدَى إليه. 2-سد النقص لدى المهدى إليه فإن كان في حاجة إلى مدفأة مثلاً أهديت إليه فهذا أولى لأن في ذلك تلمس لحاجة الأخ.
• تخصيص وقت دعوي ساعة في الأسبوع:
مثلاً لزيارة الأرحام والجيران وأن تكون الزيارة هادفة بمعنى أن يضع الداعية هدفاً تربوياً يحققه من خلال الزيارة.
• الدلالة على كل خير للمسلمين (الكلمة الطيبة):(17/18)
هي التي تؤدي إلى العمل الصالح قال - تعالى - (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فالكلمة تثمر لقائلها عملاً صالحاً في كل وقت. *فالدلالة والكلمة الطيبة من الداعية قد تنشئ دعوة وقد تبني مؤسسة خيرية وقد ينقذ الله بها أقواماً أو يعمر بها نفوساً بل قد يحي بها أقواماً من السبات وما على الداعية إلا التبليغ ولا يترك الفرصة تفوت من يديه لعل الله - تعالى - يكتب له أجر الكلمة التي أعطاها ولا يلقي لها بالاً وترفعه الدرجات.
صور للدلالة على الخير: فلا يفوت على الداعية فرص الكلمة المؤثرة البليغة مثل: 1- رفيق السفر في القطار أو الطائرة. 2- اللقاء العابر على وليمة أو مناسبة. 3- في السوق وعند الشراء. 4- في المسجد بعد الصلوات. 5- عند التعارف مع الغير في السفرات والخلوات. 6- دعوة الغير لسماع محاضرة أو ندوة. ((إن قول الكلمة الطيبة بهذه النيات ظاهرة من ظواهر العطاء الذاتي والإيجابي في حياة الداعية)).
• استثمار الفرص:
وأقصد بذلك توظيف هذه الفرصة في خدمة الدعوة مثل: 1- المناسبات الإسلامية: رمضان الحج الأعياد.... الخ. 2- الأفراح والأتراح المجالس العائلية العامة والخاصة. 3- السفر كالمرور بقرية على الطريق العام لتوزيع الكتيبات والأشرطة.. الخ فالداعية الناجح هو من يمتلك صفة استغلال الفرصة وتوظيفها في خدمة الدعوة بل ويصنع الفرصة ويوظفها توظيفاً سليماً في خدمة الدين.
• دعوة فرد بعينه لرفع درجة التزامه (الدعوة الفردية).
• المشاركة في المجلات الإسلامية وذلك بدعمها معنوياً بالمراسلة والتشجيع أو مادياً بالاشتراك فيها.
• تقوية العلاقة بالمؤسسات الدعوية والإغاثية والمشاركة معها بقدر الإمكان وخاصة في المواسم كرمضان.. الخ.
• التسخير:
وأقصد بذلك: توظيف الداعية لطاقته وإمكاناته وما آتاه الله من النعم في خدمة دعوته. مثل 1- النفس 2- المال 3- الوقت 4- التفكير.. الخ.
• الحوار الهادف:
وهو الذي يكون اثنين أو أكثر حول قضية من القضايا بهدف إحقاق الحق والدفاع عنه بالحجة والبرهان.
• التزام الإمامة في أحد المساجد
لتفعيل رسالة المسجد ودعوة أهل الحي للهداية قال - تعالى - (واجعلنا للمتقين إماماً)
• التعاون الدعوي مع الآخرين
لنشر الدعوة الإسلامية بأقصر وقت ممكن (وتعاونوا على البر والتقوى).
• المساهمة في دعم نشاطات الدعوة مادياً ومعنوياً.
• التخطيط بجدية لبرامج الدعوة:
وضع خطة سنوية / شهرية / أسبوعية / يومية / مناسبات.
• على الأخ الداعية الفعال أن يسعى لتصميم منزله دعوياً
وذلك بعمل جملة من الأمور:
- أن يكون قريباً من المسجد.
- أن تكون واحدة من غرف البيت إن أمكن مصلى لا تستخدم إلا لذلك.
- أن يجعل واحدة من غرف المنزل مكتبة عامة.
- التزام الشخصية الإسلامية في المنزل.
- نشر الآداب والأعراف الإسلامية قي البيت.
- وضع طاقات منزله لخدمة الدعوة.
- تأثير البيت المسلم على ما حوله وذلك بنشر الدعوة بينهم.
• استثمار همة الناس في الدعوة مثل:
من كان ذا غنى ومال وفير يستثمر للمشاركة في أعمال الخير العامة مثل بناء المساجد وإقامة المنشآت النافعة ونحو ذلك.
• المبادرة الذاتية لفتح أنشطة دعوية:
مثل: دورية الحي، نشاط مدرسي، تفعيل دور المسجد، نشاط عائلي هادف).
* قبل الوداع:
هذه إضاءات في طريقك...
لطرق باب الدعوة إلى الله...
ولتكسر حاجز الخوف من وضع قدمك على الأرض لتعلن الخطوة الأولى في الدعوة إلى الله...
* أخيرا..
يا أخي… اقلب قلمك وامح هذه الكلمة للأبد (كيف أعمل لِوَحدي...؟)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد....
15/3/1425هـ
http://www.almoslim.net المصدر:
============
الحركة في قاموس الدعاة
الحركة كما يقولون ولود، والسكون عقيم، والحركة في قاموس الدعاة هي الحياة، والسكون هو الموت، والحركة هي الحد الفاصل بين عهد الرخاوة، وبين عهد حمل الأمانة بعزم وحزم ووفاء.
وبالحركة انتشر المسلمون الأوائل مثل شعاع الشمس في أقطار الأرض، يفتحون البلاد، وقلوب العباد، ويدعون إلى التوحيد، ويحطمون الطواغيت، ويقودون الناس إلى الجنة. وبالحركة صاروا في ظلمات الحياة سراجًا وهَّاجًا، فإذا الباطل رماد بعد التهاب، وخمود بعد حركة.
والماء إذا سكن فسد، والأسد إذا توقفت عن الصيد ماتت جوعا، والسهم لا يصيب إلا إذا أطلق من كنانته وقوسه كما قال الإمام الشافعي - رحمه الله -:
إِني رأيتُ وقوف الماء يفسده....... إن ساح طاب، وإن لم يجر لم يطب
والأُسْدُ لولا فراق الأرض ما افترست....... والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة....... لملَّها الناس من عجم ومن عربِ
فعلى الداعية أن يتحرك، ويحرك الآخرين، مبتدئًا بعشيرته الأقربين:
كُنْ مشعلاً في جُنْح ليلٍ حالكٍ....... يهدي الأنَامَ إلى الهدى ويُبيِّنُ
وانشط لدينك لا تكنْ متكاسلاً..... واعمل على تحريك ما هو ساكنُ
وابدأ بأهلك إنْ دعَوَتَ فإنهم....... أولى الورى بالنصح منك وأَقْمَنُ
والله يأمر بالعشيرة أوَّلا....... والأمر من بعد العشيرة هَيِّنُ
الحركة قيامة وبعثُ للرُّوح:
"لا يكون المؤمن العامر القلب إلاَّ متحركًا محركًا، أما المتباطئ الذي يعد بالالتحاق بعد ما تظهر بوادر النجاح، فإنما يعد وعد الضعاف. فلا تؤجل الانضواء تحت لواء الحق، وإلاَّ عضضت أسنة الندم.(17/19)
دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذا الجوشن الضبابي إلى الإسلام بعد بدر؛ فقال له: "هل لك إلى أن تكون من أوائل هذا الأمر؟ قال: لا. قال: فما يمنعك منه؟ قال: رأيت قومك كذبوك، وأخرجوك، وقاتلوك، فانظر: فإن ظهرت عليهم آمنت بك واتبعتك، وإن ظهروا عليك لم أتبعك". فكان ذو الجوشن يتوجع على تركه الإسلام حين دعاه إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
فكن رائدًا، وأجب داعي الله، بلا تلكؤ ولا تلعثم، ولا تردد، فهذا هو شأن المؤمنين.
قال إبراهيم - عليه السلام -: "يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر". قال: "فاصنع ما أمرك ربك". قال: "وتعينني؟ ". قال: وأعينك".
وقد كان الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - ينادي في موسم الحج: "من يحملني حتى أبلغ رسالة ربي؟ ". وهاهو - صلى الله عليه وسلم - يناشدك: "بلِّغوا عني ولو آية". ويدعو لمن يبلغ عنه: "نضَّر الله امرءًا سمع منَّا شيئًا، فبلَّغه كما سمعه، فرُبَّ مُبلِّغٍ أوعى من سامعٍ". ورُوي أنه كان يقول - صلى الله عليه وسلم - في دعائه: "اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين".
واسمع إلى الغزالي - رحمه الله - وهو يقول:
"اعلم أن كل قاعدٍ في بيته أينما كان فليس خاليًا في هذا الزمان عن منكر، من حيث التقاعد عن إرشاد الناس وتعليمهم وحملهم على المعروف، فأكثر الناس جاهلون بالشرع في شروط الصلاة في البلاد، فكيف في القرى والبوادي ومنهم الأعراب والأكراد والتركمانية، وسائر أصناف الخلق. وواجب أن يكون في كل مسجد ومحلة من البلد فقيه يعلم الناس دينهم، وكذا في كل قرية، وواجب على كل فقيه - فرغ من فرض عينه وتفرغ لفرض الكفاية - أن يخرج إلى ما يجاور بلده من أهل السواد ومن العرب والأكراد وغيرهم، ويعلمهم دينهم وفرائض شراعهم"اهـ.
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يفسر قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ)[المدثر: 1، 2] فيقول:
"فواجب على الأمة أن يُبَلِّغوا ما أُنزل إليه، وينذروا كما أنذر، قال الله - تعالى -: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[التوبة: 122].. والجن لما سمعوا القرآن: (وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)[الأحقاف: 29]"اهـ.
وهذا تلميذه الإمام المحقق ابن قيم الجوزية - رحمه الله - يقول: "وتبليغ سنته - صلى الله عليه وسلم - إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو، لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلاَّ ورثة الأنبياء، وخلفاؤهم في أممهم، جعلنا الله - تعالى - منهم بمنه وكرمه"اهـ.
إن سناء الهمة في نشدان الكمال الممكن، ومن أراد المنزلة العليا القصوى من الجنة، فعليه أن يكون في المنزلة القصوى في هذه الحياة الدنيا، واحدة بواحدة، ولكل سلعة ثمن.
إذا ما علا المرء رام العلا....... ويقنع بالدون من كان دونا
وليست هذه المنزلة العليا في الدنيا إلاَّ منزلة الدعوة إلى الله، ووراثة وظائف النبوة، التي ليس أشرف منها إلاَّ منزلة النبوة نفسها، وهذا الإمام أبو الفرج بن الجوزي - رحمه الله تعالى - يناديك:
"ألست تبغي القرب منه؟ فاشتغل بدلالة عباده عليه، فهي حالات الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، أما علمت أنهم آثروا تعليم الخلق على خلوات التعبد، لعلمهم أن ذلك آثر عند حبيبهم". و"هل كان شغل الأنبياء إلاَّ معاناة الخلق، وحثهم على الخير، ونهيهم عن الشر"اهـ.
وهاهو - رحمه الله - يقارن بين الشجعان الذين يخالطون الناس لدعوتهم، ويصبرون على أذيتهم، وبين المتخاذلين المعتزلين القاعدين عن الدعوة إلى الله - تعالى -، فيقول:
"الزهاد في مقام الخفافيش، قد دفنوا أنفسهم بالعزلة عن نفع الناس، وهي حالة حسنة إذا لم تمنع من خير، ومن جماعة واتباع جنازة وعيادة مريض. إلاَّ أنها حالة الجبناء. فأما الشجعان فهم يتعلمون ويعلمون. وهذه مقامات الأنبياء عليهم السلام".
ويقول الشيخ عبد القادر الجيلاني وهو في شيخوخته: من كملت معرفته لله - عز وجل - صار دالاًّ عليه، يصير شبكة يصطاد بها الخلق من بحر الدنيا، يعطي القوة حتى يهزم إبليس وجنده، يأخذ الخلق من أيديهم. يا من اعتزل بزهده مع جهله؛ تقدم واسمع ما أقول، يا زهاد الأرض تقدموا. خربوا صوامعكم، قد قعدتم في خلواتكم من غير أصل، ما وقعتم بشيء، تقدموا".
وكذلك فهم العالِم العامل، وإن كلماته ليهتز لها القلب اهتزازًا. هكذا كان شأن الدعاة دومًا، وعلى داعية اليوم أن يكون رحالة سائحًا في محلات مدينته، ومدن قطره، يبلغ دعوة الإسلام.
انظر مثلاً كيف كانت رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسيح في البوادي تبلغ الأعراب كلمة الإسلام، وتبشر به، ولم يكن ثمة انتظار ورودهم إلى المدينة، ألاَّ ترى أن الأعرابي الذي سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أركان الإسلام، فلما أخبره بها وقال: "لا أزيد عليهن ولا أنقص" كيف كان قد بدأ سؤاله بأن قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا محمد! أتانا رسولك، فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك؟ ".
أتاهم رسوله داعيًا، وكذلك الناس تُؤتى، ومن انتظر أن يأتيه الناس فليس بداعية، ولو فصَلت كلمة هذا الأعرابي، لتبين لك كيف فارق هذا الصحابي الداعية المدينة لما أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوم هذا، وكيف فارق أهله وبيته وأولاده، وكيف اجتاز المفاوز وصحراء من بعد صحراء، وكيف تعرض للمخاطر والحر أو البرد، ليبلغ دعوة الإسلام.(17/20)
وهذا شأن الدعوة التي تريد أن تصل إلى أهدافها، لا بد من تحرك ومبادأة وغدو ورواح وتكلم، ليس القعود والتمني من الطرق الموصلة، فافقه سيرة سلفك وقلدهم، تصل، وإلاَّ فراوح في مكانك، فإنك لن تبرحه.. ".
ويروي لنا التابعي الكروفي، الفقيه النبيل، عامر الشعبي، أن رجالاً "خرجوا من الكوفة، ونزلوا قريبًا يتعبدون، فبلغ ذلك عبد الله بن مسعود، فأتاهم، ففرحوا بمجيئه إليهم، فقال لهم: ما حملكم على ما صنعتم؟. قالوا: أحببنا أن نخرج من غمار الناس نتعبد. فقال عبد الله: لو أن الناس فعلوا مثل ما فعلتم؛ فمن كان يقاتل العدو؟ وما أنا ببارح حتى ترجعوا.
كان الإمام أحمد إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد، أو قيام بحق، أو اتباع للأمر: سأل عنه، وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة، وأحب أن يعرف أحواله.
لم يكن بالمنعزل المتواري الهارب من الناس، فالداعية يفتش عن الناس، ويبحث عنهم، ويسأل عن أخبارهم، ويرحل للقائهم، ويزورهم في مجالسهم ومنتدياتهم، ومن انتظر مجيء الناس إليه في مسجده أو بيته، فإن الأيام تبقيه وحيدًا، ويتعلم فن التثاؤب.
نماذج من حركة السلف:
عن جعفر بن سليمان قال: "سمعت مالك بن دينار يقول: لو استطعت أن لا أنام؛ لم أنم مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائم، ولو وجدت أعوانًا، لفرَّقتهم ينادون في سائر الدنيا كلها: يا أيها الناس! النارَ النارَ".
وعن إبراهيم بن الأشعث قال: "كنا إذا خرجنا مع الفضيل في جنازة لا يزال يعظ، ويذكر ويبكي، حتى لكأنه يودِّعُ أصحابه ذاهبا إلى الآخرة، حتى يبلغ المقابر، فيجلس فكأنه بين الموتى حتى يقوم، ولكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها".
وعن شجاع بن الوليد قال: "كنت أخرج مع سفيان الثوري، فما يكاد لسانه يفتر عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاهبًا وراجعًا".
والإمام الزهري: "لم يكتف بتربية أجيال وتخريج أئمة في الحديث، بل كان ينزل إلى الأعراب، يعلمهم".
أما الشيخ أبو إسحاق الفزاري - رحمه الله -: فقد "كان رجل عامة، وهو الذي أدَّب أهل الثغور الإسلامية التي في أعالي بلاد الشام والجزيرة تجاه الروم، وعلَّمهم سنن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان يأمر وينهى، وإذا دخل الثغر رجل مبتدع أخرجه".
وأما الإمام الجليل الخِرقي صاحب "المختصر" فقد قال الإمام ابن قدامة - رحمه الله -: "وسمعت من يذكر أن سبب موته، أنه أنكر منكرًا بدمشق، فضرب، فكان موته بذلك".
وقال جعفر بن برقان: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز، وقال في كتابه: "ومُرْ أهل الفقه من جندك، فلينشروا ما علمهم الله في مساجدهم ومجالسهم، والسلام".
وعن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: "إن أوثق عملي في نفسي نشري العلم". وعطاء بن أبي رباح مفتي مكة هو القائل: "لأن أرى في بيتي شيطانًا؛ خير من أن أرى فيه وسادة، لأنها تدعو إلى النوم".
وما أجمل ما قال الشيخ القرضاوي وهو يجادل الخاملين، ويحاج الخامدين، ويوبخ الهامدين:
قالوا: السعادة في السكون..... وفي الجمود وفي الخمود
في العيش بين الأهل....... لا عيش المهاجر والطريد
في المشي خلف الركب في..... دعة وفي خطو وئيد
في أن تقول كما يقال....... فلا اعتراض ولا ردود
في أن تسير مع القطيع....... وأن تقاد ولا تقود
في أن تصيح لكل وال:....... عاش عهدكم المجيد
قلت: الحياة هي التحرك....... لا السكون ولا الهمود
وهي الجهاد، وهي يجا....... هد من تعلق بالقعود؟
وهي التلذذ بالمتاعب....... لا التلذذ بالرقود
هي أن تذود عن الحياض....... وأي حر لا يذود؟
هي أن تحس بأن كأس....... الذل من ماء صديد
هي أن تعيش خليفة..... في الأرض شأنك أن تسود
وتقول: لا، ونعم، إذا ما....... شئت في بصر حديد
ــــــــــــــــــــ
انظر "علو الهمة" للشيخ محمد إسماعيل
الأربعاء:28/04/2004
http://www.islamweb.net المصدر:
==========
الرغبة في الصدارة رؤية دعوية حول حقيقتها ومظاهرها وآثارها
عبد الحكيم بن محمد بلال
لا غرابة في حرص أهل الدنيا على الإمارة والولايات؛ فذلك أمر تعوّده الناس منهم، حتى أفضى الأمر إلى نزاعات وخلافات ومفاسد وفتن كثيرة، وأدى كثير منها إلى سقوط بعض الدول، كسقوط الأندلس وغيرها.
لكن الغريب أن يتسلل هذا الداء إلى داخل التجمعات الدعوية، ويسيطر على بعض النفوس المريضة، شعرت أم لم تشعر، حتى يصير همّ الواحد منهم أن يسود على بضعة أفراد، دون التفكير بتوابع ذلك وخطورته، وأنها أمانة، ويوم القيامة خزي وندامة(1).
التطلع للإمارة في ضوء النصوص الشرعية:
إن الحرص على الإمارة يفسد دين المرء الحريص عليها، ويضيع نصيبه في الآخرة، ويجعله شخصاً غير صالح لهذا المنصب، وتوضيح ذلك كما يلي:
أولاً: تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - من عواقب التطلع إلى الإمارة: قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على الشرف والمال لدينه)(2).
فبين أن الفساد الحاصل للعبد من جراء حرصه على المال والشرف: أشد من الفساد الحاصل للغنم التي غاب عنها رعاتها ليلاً، وأُرسل فيها ذئبان جائعان يفترسان ويأكلان، وإذا كان لا ينجو من الغنم إلا القليل منها؛ فإن الحريص على المال والشرف لا يكاد يسلم له دينه.
ثانياً: بيان طرق الناس في طلب الجاه:
للناس في طلب الجاه طريقان:(17/21)
الطريق الأول: طلبه بالولاية والسلطان وبذل المال، وهو خطير جداً، وفي الغالب يمنع خير الآخرة وشرفها؛ فإن الله جعل الآخرة لعباده المتواضعين، فقال: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُواً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص: 83] فنفى عنهم مجرد الإرادة، فضلاً عن العمل والسعي والحرص لأجلها، فإن إرادتهم مصروفة إلى الله - عز وجل -، وقصدهم الدار الآخرة، وحالهم التواضع مع الله - تعالى - والانقياد للحق والعمل الصالح، وهم الذين لهم الفلاح والفوز. ودلت الآية على أن الذين يريدون العلو في الأرض والفساد ليس لهم في الآخرة حظ ولا نصيب(3).
الطريق الثاني: طلب الجاه بالأمور الدينية، وهذا أفحش وأخطر؛ لأنه طلب للدنيا بالدين، وتوصل إلى أغراض دنيوية بوسائل جعلها الله - تعالى - طرقاً للقرب منه ورفعة الدرجات، وهذا هو المقصود بحديثنا هنا.
ثالثاً: النهي عن سؤال الإمارة:
وقد وردت نصوص تنهى عن سؤال الإمارة وتمنيها، وتحذِّر من ذلك، وتبين عاقبته، وتنهى عن تولية من سألها أو حرص عليها. وهي وإن كان يتبادر إلى الذهن أنها واردة في الإمارة الدنيوية ـ إمارة السلطان والوالي ـ إلا أن دلالتها أشمل من ذلك وأوسع، فهي تتناول ما نحن بصدد الحديث عنه. ومن تلك الأحاديث:
أ - قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا عبد الرحمن بن سمرة: لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أُعنت عليها)(4) وفي رواية: (لا يتمنّينّ)، والنهي عن التمني أبلغ من النهي عن الطلب(5).
ب - وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة، وبئست الفاطمة)(6) فهي محبوبة للنفس في الدنيا، ولكنها (بئست الفاطمة) بعد الموت؛ حين يصير صاحبها للحساب والعقاب. وفي رواية أخرى: (أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة، إلا من عدل)(7).
ج – وقال - صلى الله عليه وسلم - للرجلين اللذين سألاه الإمارة: (إنا لا نولّي هذا مَنْ سأله، ولا من حرص عليه)(8).
والسبب في عدم توليته الإمارة لمن سألها أنه غير صالح ولا مؤهل لهذا الأمر؛ لأن سؤاله له وحرصه عليه ينبئ عن محذورين عظيمين:
الأول: الحرص على الدنيا وإرادة العلو، وقد تبيّن ما فيه.
الثاني: أن في سؤاله نوع اتكال على نفسه، وعُجباً بقدراتها وغروراً بإمكاناتها، وانقطاعاً عن الاستعانة بالله - عز وجل - التي لا غنى لعبد عنها طرفة عين، ولا توفيق له إلا بمعونته - سبحانه وتعالى- (9).
فما أشبه حرص الداعية على رئاسة مركز إسلامي، أو إدارة مكتب دعوي، أو ترؤس لجنة، أو هيئة، أو مجموعة... ما أشبه كل ذلك بما نهى عنه - صلى الله عليه وسلم -، نسأل الله السلامة من الفتنة.
وما أحسن وصف شدّاد بن أوس ـ رضي الله عنه ـ لها بالشهوة الخفية حين قال محذراً: (يا بقايا العرب... يا بقايا العرب... إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء، والشهوة الخفية)، قيل لأبي داود السجستاني: ما الشهوة الخفية؟ قال (حب الرئاسة)(10). وصدق والله؛ فإنها مهلكة كالرياء. وعلى كثرة ما ورد من التحذير من حب المال؛ فإنها أشد إهلاكاً منه، والزهد فيها أصعب؛ لأن المال يبذل في حب الرئاسة والشرف.
مظاهر الحرص على الإمارة والظهور(11):
1- العجب بالنفس، وكثرة مدحها، والحرص على وصفها بالألقاب المفخمة كالشيخ، والأستاذ، والداعية، وطالب العلم، ونحوها، وإظهار محاسنها من علم وخُلُق وغيره.
2- بيان عيوب الآخرين ـ وخاصة الأقران ـ والغيرة منهم عند مدحهم ومحاولة التقليل من شأنهم.
3- الشكوى من عدم نيله لمنصب ما، وكثرة سؤاله عن الأسس والمعايير لتقلّد بعض المناصب.
4- الحرص على تقلّد الأمور التي فيها تصدّر وبروز؛ كالإمامة والخطابة والتدريس والتأليف والقضاء. وهي من فروض الكفاية، لا بد لها ممن يقوم بها، مع مراعاة أحوال القلب، والتجرد من حظوظ النفس؛ كما هو حال السلف.
5- عدم المشاركة بجدية عندما يكون مرؤوساً، والتهرب من التكاليف التي لا بروز له فيها.
6- كثرة النقد بسبب وبغير سبب، ومحاولة التقليل من أهمية المبادرات والمشاريع الصادرة من غيره والعمل على إخفاقها.
7- الإصرار على رأيه، وعدم التنازل عنه، وإن ظهرت له أدلة بطلانه.
8- القرب من السلاطين والولاة ومن بيده القرار في تقليد المناصب، وكثرة الدخول عليهم.
وهذا باب واسع يدخل منه علماء الدنيا لنيل الشرف والجاه، وهو مظنة قوية للفتنة في الدين، كما في الحديث: (من أتى أبواب السلطان افتتن)(12).
9- الجرأة على الفتوى، والحرص عليها، والمسارعة إليها، والإكثار منها.
وقد كان السلف يتدافعونها كثيراً؛ ومن ذلك ما قاله عبد الرحمن بن أبي ليلى: (أدركت عشرين ومئة من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، فما كان منهم محدّث إلا ودّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفتٍ إلا ودّ أن أخاه كفاه الفتيا)(13).
آثار ومفاسد التطلع للإمارة: أولاً: مفاسد التطلع إليها والرغبة فيها:
1- فساد النية، وضياع الإخلاص، أو ضعفه، ودنو الهمة، والغفلة عن الله - تعالى -، وعن الاستعانة به. (14).
2- انصراف الهمّ عن المهمة الأساس، والغاية الكبرى من حياة العبد، وهو تحقيق العبودية لله - عز وجل -. والاشتغال عن النافع الذي أمر النبي- صلى الله عليه وسلم - بالحرص عليه فقال: (احرص على ما ينفعك)(15) وصرف الوقت والجهد والفكر فيما هو غني عن الاشتغال به، من مراعاة الخلق، ومراءاتهم، والحرص على مدحهم، والفرار من مذمتهم، وهذه بذور النفاق، وأصل الفساد.(17/22)
3- المداهنة في دين الله ـ تبارك و- تعالى -، بالسكوت عما يجب قوله والقيام به من الحق، وربما بقول الباطل من تحليل حرام، أو تحريم حلال، أو قول على الله بلا علم.
4- اتباع الهوى، وارتكاب المحارم من الحسد والظلم والبغي والعدوان ونحوه مما يوقع فيه هذا الحرص ـ ويستلزمه أحياناً ـ قال الفضيل بن عياض: (ما من أحد أحب الرئاسة إلا حسد وبغى، وتتبع عيوب الناس، وكره أن يُذكر أحد بخير)(16).
ثانياً: مفاسد الحصول عليها للراغب فيها المتشوِّف لها(17):
1- الحرمان من توفيق الله وعونه وتسديده؛ (فإنك إن أُعطيتها عن مسألة وكلت إليها).
2- تعريض النفس للفتنة في الدين، والتي يترتب عليها غضب الله - تعالى - إذ ربما يَنْسى مراقبة الله، وتبعات الأمر، ويغفل عن الحساب، فقد يظلم ويبغي؛ ويُشعِرُ بذلك كله وصف النبي: بأنها أمانة وملامة وندامة.
3- تضاعف الأوزار وكثرة الأثقال؛ حيث قد يفتن؛ فيكون سبباً للصد عن سبيل الله - تعالى - وأشد ما يكون ذلك حين يكون منتسباً لأهل العلم والصلاح، قال - عز وجل -: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) [النحل: 25].
4- توقع سوء العاقبة في الدنيا، وحصول بلاء لا يؤجر عليه، قال الذهبي: (فكم من رجل نطق بالحق وأمر بالمعروف، فيسلط الله عليه من يؤذيه لسوء قصده، وحبه للرئاسة الدينية)(18).
5- التبعة والمسؤولية الشديدة يوم القيامة، قال: (ما من أمير إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً لا يفكه إلا العدل، أو يوبقه الجور)(19).
ثالثاً: آثاره على صعيد الجماعة والمجتمع:
الفرد والجماعة كلٌ منهما مؤثر في الآخر متأثر به، فإذا ما وقع الأفراد في مزلق كهذا، فإن الداء عن الجماعة ليس ببعيد؛ إذ سرعان ما تفسد الأخوة، وتَحل الخلافات، ويسهل اختراق الصف الإسلامي، وتحصل الشماتة به وبأهله.
وما أبعد هؤلاء عن تنزّل النصر، وحصول التمكين، مع هذا الاعوجاج والانحراف. بئست الدعوة حينما تكون مغنماً وجاهاً، ينتفع فيها المرء ويتبختر، وبئس الداعية حينما يسعى لاهثاً وراء زخارف الدنيا ومتاعها الفاني؛ فإن حب الظهور والبروز بداية الانحراف والسقوط والإخفاق.
وإذا كان الله - عز وجل - يعطي الكافر والمؤمن من الدنيا لهوانها عنده، ولكنه - سبحانه - أغير من أن يتم أمره بالتمكين لهذا الدين في الأرض على يد أناس عندهم شوب في الإخلاص، ويحبون الرئاسة والاستعلاء في الأرض؛ فكيف إذا كانوا يتخذون الدين مطية للدنيا، يبيعون دينهم بعرض قليل؟! (20).
أسباب الرغبة في الزعامة والتطلع للصدارة:
يُبتلى بهذه الشهوة العلماء والعباد والدعاة والمجاهدون ونحوهم؛ وذلك أنهم منعوا أنفسهم من المعاصي والشهوات، حتى لم يعد لهم فيها مطمع، ولكن نفوس بعضهم تبحث عن بديل ومكافأة لشدة المجاهدة، فتجده في التظاهر بالصلاح والعلم والدعوة... ولذة القبول عند الخلق، وتوقيرهم له واحترامهم وطاعتهم، فيهون عليها ترك المعاصي؛ لأنها وجدت لذة أعظم منها، وهذه مكيدة عظيمة؛ فقد يظن العبد نفسه مخلصاً، وهو في عداد المنافقين(21) ـ والعياذ بالله ـ ولكن يا ترى ما أسباب هذا الأمر في الحقيقة؟ (22).
1- ضعف الإيمان والرغبة فيما عند الله، الذي بسببه يركن هؤلاء إلى الدنيا، ويؤثرونها على الآخرة، وأشد من هذا: فساد النيّة، واتخاذ سبيل العلم والدعوة سُلماً لنيل الأغراض الشخصية، وما لهذا في الآخرة من نصيب، فلْيَنَلْ حظه من الدنيا!!
2- وهناك أخطاء تربوية تسهم في إشعال فتيل حب الزعامة، منها: الإكثار من مدحه والثناء عليه، أو عدم الكشف عن الطاقات الكامنة في المتربي لتوظيفها فيما يناسبها، مما يجعله يسعى لتوظيفها في هلاكه، ومنها: الغفلة عن بذور هذا المرض الأولية التي قد تبدو في سن مبكرة من المراحل التربوية، فتحتاج إلى تهذيب وترشيد ومتابعة؛ لئلا تجمح بصاحبها.
3- التوهم بخدمة الدعوة من خلال المنصب، والظن ـ أحياناً ـ بأن الإصلاح لا يكون إلا من مصدر القوة، وسبب هذا: عدم وضوح المنهج النبوي في الدعوة.
4- طبيعة الشخص نفسه، فقد يكون فيها من الثغرات ما يسبب مثل هذا، كالغيرة من أقرانه الذين نالوا ما يتمناه هو، أو غروره بسبب تفوقه على غيره، أو بروزه في الدعوة أو النسب، أو توليه بعض المسؤوليات والمهام.
5- الظن بأن المنصب تشريف، والغفلة عن كونه تكليفاً ثقيلاً، ومسؤوليةً ضخمة، وعبئاً ثقيلاً، وهذا يتطلب من صاحبه التضحية بوقته وماله ونفسه وراحته لمصلحة الآخرين، وأن التقصير فيه خيانة للأمانة وتضييع للواجب.
علاج الآفة وحلول المشكلة:
بعد تدبر الأسباب يظهر أن العلاج يتطلب خطوات أهمها(23):
1- تكثيف التربية الإيمانية؛ القائمة على الإخلاص والتجرد لله ـ تبارك و- تعالى -، والعمل للآخرة، والزهد في الدنيا.
2- التربية على الطاعة وهضم النفس منذ الصغر، والرضا بالموقع الذي يعمل فيه، وأداء واجبه أياً كان نوعه، كما صوّر النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الحال في قوله: (طوبى لعبد آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعثٍ رأسه، مغبرةٍ قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يُشَفّع)(24).
3- التزام الضوابط الشرعية في المدح، وتجنب مدح أحد الأقران أمام قرينه مطلقاً.
4 - توضيح الأسس الشرعية لاختيار الأمير، وأنه لا يجوز طلب الإمارة، ولا الحرص عليها، وأن من طلبها لا يُوَلاّها، وإن وُلِّيها لم يُعَن عليها.(17/23)
5- المصارحة والمكاشفة لمن تبدو عليه علامات الحرص، مع إحسان الظن به، فقد يكون متميزاً أو لديه مهارات فطرية، ومن ثَمّ النصيحة الفردية، فقد نصح النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر ـ رضي الله عنه ـ في هذا الأمر خاصة(25).
6- تبيان الآثار المفسدة لنفس العالم والداعية من جرّاء حرصه عليها(26).
7- توضيح تبعاتها في الدنيا والآخرة. ومما ورد في ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة)(27). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من أمير عشيرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً، لا يفكه إلا العدل، أو يوبقه الجور)(28).
8- الاعتبار بحال السلف الصالح في تواضعهم لله - تعالى -، وكراهيتهم الشهرة والتصدّر، وكل ما يؤدي إليها، ومحاولة عزل أنفسهم من بعض المواقع كما حصل من أبي بكر، وعبد الرحمن بن عوف، والحسن، وعمر بن عبد العزيز - رضي الله عنهم -، والأمثلة كثيرة... تركوها لله، لانشغالهم بمرضاته، وتوحّد همّهم وقصدهم، فتكفّل الله لهم بخير الدارين، فعوّضهم الله بشرف التقوى، وهيبة الخلق، قال - عز وجل -: ?إنَّ الَذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وداً? [مريم: 96]، وقال: (وما تواضع أحد لله إلارفعه)(29). وقال: (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي)(30).
ولا يمكن بحال تحصيل هذه المنزلة لمن كان في قلبه حب المكانة في قلوب الخلق في الدنيا؛ لأن هذا من أعظم الصوارف عن الله - تعالى -. كتب وهب بن منبه إلى مكحول: (أما بعد: فإنك أصبت بظاهر علمك عند الناس شرفاً ومنزلة، فاطلب بباطن علمك عند الله منزلة وزلفى، واعلم أن إحدى المنزلتين تمنع من الأخرى). والمراد بالعلم الباطن: المودع في القلوب من معرفة الله وخشيته ومحبته ومراقبته، والتوكل عليه والرضى بقضائه والإقبال عليه دون سواه... فمن أغل نفسه بالمحافظة على ما حصل له من منزلة عند الخلق كان ذلك حظه من الدنيا، وانقطع به عن الله(31).
التوازن بين كراهية الصدارة والشهرة، وبين وجوب قيادة الناس:
لا ينبغي أن يفهم من هذا الموضوع إرادة قتل الطموح، وتفضيل دنو الهمة والقعود والخمول والعجز والكسل والتهرب من المسؤولية، وترك العمل، والتخاذل عن الواجبات، وفروض الكفايات ـ خاصة إذا تعينت على الأكفاء ـ، وترك اغتنام الفرص النافعة في الدعوة إلى الله - عز وجل -.
وقد جعل ابن القيم - رحمه الله - تعالى - الفرق بين الأمرين كالفرق بين تعظيم أمر الله وتعظيم النفس. فالناصح لله المعظم لله يحب نصرة دينه، فلا يضره تمنيه أن يكون ذلك بسببه وأن يكون قدوة في الخير. أما طالب الرياسة فهو ساعٍ في حظوظ دنياه، ولذا ترتب على قصده مفاسد لا حصر لها(32).
والمقصود أن الداعية المخلص يكره التصدر والإمارة والشهرة بطبعه؛ لإخلاصه وبعده عن الرياء، ولكنه في نفس الوقت هو صاحب المبادرة الخيرة، وهو فارس الميدان إذا تعين عليه التصدر؛ وقد حكى الله من دعاء المؤمنين قولهم: ?وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَاماً? [الفرقان: 74] أي: أئمة هدى يقتدى بأفعالهم، وهذا لشدة محبتهم لله، وتعظيمهم لأمره، ونصحهم له، ليكون الدين كله لله، وليكون العباد ممتثلين لأمره.
وقال - سبحانه وتعالى- قاصاً كلام يوسف - عليه السلام -: ?قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ? [يوسف: 55]، وليس ذلك حرصاً منه على الولاية، وإنما هو رغبة في النفع العام، وقد عرف من نفسه الكفاية والأمانة والحفظ ما لم يكونوا يعرفونه، فقصده إصلاح أموال الناس، وهو جزء من رسالة الداعية إلى الله، الذي يكون همه الأول فعل الخير طلباً لمرضاة الله - تعالى -، وليس قصده إرواء غليله، وإرضاء شهوته في الزعامة؛ فالضابط فيها هي النية والموازنة بين المصالح والمفاسد العامة.
فبالجملة: هاتان الآيتان توضحان أن المسلم هو الرائد والدليل، بل قد ينبغي له طلب هذه الوظيفة الشريفة، بل قد تتعين عليه للمصلحة. والأدلة والأقوال المحذرة لا تنطبق على داعية تصدّر لإرجاع قومه إلى الحق، حتى لو اشتهر وعرف فلا بأس(33). ويجب التنبيه إلى أن هذا الأمر مزلق؛ لالتباس النية فيه كثيراً، وصعوبة تمحيص القصد، وذلك علمه إلى الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور: ?وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ? [آل عمران: 30]
الكشف عن القدرات:
كون بعض الدعاة لا يصلح للإمارة لا يعني إخفاقه وضعفه في كل شيء، بل إن غاية الأمر أنه لم يؤت قدرة في هذا الجانب، وقد يكون لديه من القدرات والإمكانات في العلم والعمل ما يفوق ما عند غيره ممن أُهل للإمارة مثلاً، وهذه سنة الله - تعالى - في توزيع القدرات، ليحصل التكامل والتوازن، قال - تعالى -: (وَهُوَ الَذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الأنعام: 165] فعلى العبد أن يفتش في نفسه عما هو أهل له، ليقوم بحق الله - تعالى - فيه.
وهكذا كانت نصيحة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر حين قال له: (يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرنّ على اثنين، ولا تَولّيَنّ مال يتيم)(34). ولا يقدح هذا في شيء من منزلة أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ وجلالته وقدره.
-------------------
الهوامش:
(1) انظر: مجلة البيان، ع 90، ص 111.(17/24)
(2) رواه أحمد، ج3، ص 456، 460، وانظر: صحيح الجامع، ح/5620، وانظر: رسالة بعنوان: (شرح حديث: (ما ذئبان جائعان? لابن رجب - رحمه الله - تعالى -، فقد أخذت منه كثيراً في هذا الموضوع، وقد لا أشير إليه في بعض المواضع تحاشياً لإثقال الهوامش.
(3) انظر: تفسير السعدي، ص 575. (4) رواه البخاري، ح/7146.
(5) انظر: الفتح، ج13، ص 133. (6) رواه البخاري، ح/7148.
(7) وسندها صحيح. انظر: الفتح، ج13، ص 134. (8) رواه البخاري، ح/7149.
(9) انظر: شرح جوامع الأخبار، للسعدي، ص 105. ضمن المجموعة الكاملة.
(10) شرح حديث أبي ذر، ص 25، وجامع الرسائل، ج1، ص 233، كلاهما لابن تيمية.
(11) انظر: شرح حديث (ما ذئبان جائعان) لابن رجب، وانظر مشكلات وحلول في حقل الدعوة الإسلامية للبلالي، ص 85، 143.
(12) رواه أحمد، ج2، ص 371، 440، وانظر: صحيح الجامع، ح/6124.
(13) جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، ج2، ص 1120.
(14) خواطر في الدعوة، محمد العبدة، ج2، ص 23. (15) رواه مسلم، ح/2664.
(16) جامع بيان العلم وفضله، ج1، ص 571.
(17) انظر: آفات على الطريق، السيد محمد نوح، ج2، ص 67، وأخذت منه في مواضع أخرى من هذا الموضوع.
(18) السير، ج 18، ص 191، 192.
(19) رواه أحمد، ج2، ص 231، وانظر: صحيح الجامع، ح/5695.
(20) انظر: خواطر في الدعوة، محمد العبدة، ج2، ص 23.
(21) انظر مختصر منهاج القاصدين، ص 267. وانظر سير أعلام النبلاء، ج18، ص 191، 192.
(22) انظر: مشكلات وحلول، للبلالي، ص 85، 143.
(23) انظر آفات على الطريق، ج1، ص 72، ومشكلات وحلول، ص 86، 144.
(24) رواه البخاري، ح/2887. (25) رواه مسلم، ح/1826.
(26) انظر كلاماً نفيساً حول هذا للآجري في: أخلاق العلماء، ص 100، 121، 122.
(27) رواه البخاري، ح/7150.
(28) رواه أحمد، ج2، ص 231، وانظر: صحيح الجامع، ح/5695.
(29) رواه مسلم، ح/2588. (30) رواه مسلم، ح/2965.
(31) انظر: شرح حديث (ما ذئبان جائعان...)، ص 65. (32) انظر: الروح، ص 560 ـ 562.
(33) انظر: التنازع والتوازن في حياة المسلم، محمد بن حسن بن عقيل بن موسى، ص55، 61.
(34) رواه مسلم، ح/1826.
http://www.quranway.net المصدر
============
هكذا علمنا السلف (71 ) تأديب أهل الأهواء:
د. يحيى بن إبراهيم اليحيى
هجر المبتدع والبعد عن أهل الأهواء ومجالستهم:
عن أبي عثمان: «أن رجلاً كان من بني يربوع يقال له: صبيغ، سأل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن الذاريات والنازعات والمرسلات أو إحداهن، فقال له عمر - رضي الله عنه -: ضع عن رأسك، فوضع عن رأسه، فإذا له وفيرة فقال: لو وجدتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك، قال: ثم كتب إلى أهل البصرة أن لا تجالسوه، أو قال: كتب إلينا: أن لا تجالسوه، قال: فلو جلس إلينا ونحن مائة لتفرقنا عنه»(1).
عن إسحاق بن إبراهيم بن هانئ قال: سألت أبا عبد الله عن رجل مبتدع داعية يدعو إلى بدعته، يُجالَسُ، قال أبو عبد الله: «لا يُجالَس ولا يُكَلَّمُ لعله يتوب»(2).
بعض الشبه لا تخرج إلا بالضرب:
عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد قال: «أتى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقيل: يا أمير المؤمنين إنا لقينا رجلاً سأل عن تأويل القرآن، فقال عمر: «اللهم مكِّنّي منه، فبينا عمر ذات يوم جالس يغدي الناس إذ جاءه عليه ثياب فتغدى، حتى إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً فَالحَامِلاتِ وِقْراً} فقال عمر: أنت هو، فقام إليه وحسر عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته، فقال: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك، ألبسوه ثيابه واحملوه على قتب، ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلادكم، ثم ليقم خطيباً ثم ليقل: إن صبيغاً.. »(3).
أخطأه فلم يزل وضيعاً في قومه حتى هلك وكان سيدهم، قال أبو حاتم: ولم يقل أبو حفص في حديثه ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلادكم»(4).
-------------------
(1) روى هذه القصة الدارمي في مقدمته من طريق ابن عجلان عن نافع مولى ابن عمر (1/55). الإبانة 1/414.
(2) الإبانة 2/475.
(3) قال المحقق: كذا في ظ، لوجود مسح.
(4) الإبانة 1/414-415.
http://www.taiba.org المصدر:
=========
كلمة للدعاة والمصلحين ( الخطاب الدعوي ومذابح المسلمين )
د مهدي قاضي
هذه الكلمات في الفقرات التالية موجهةٌ لروح الأمة، وحاملي همها من الدعاة والمصلحين، وأصحاب الأقلام الطيبة، وإن كان الأصل أن كل الأمة تكون كذلك، فالدعوة إلى الله مسؤولية الجميع.
أولا: إشكالات في الخطاب:
1- يحز في النفس كثيراً أن العديد من الخطباء والمحاضرين والكتاب والشعراء في وقتنا الحاضر وبالذات في مآسينا (وأيضاً تخبطاتنا) الأخيرة الرهيبة، لا يقومون في خطبهم ودعائهم وتوجيهاتهم -عند الحديث عن هذه المآسي- بتذكير المسلمين بواجب العودة إلى الله، وواجب كل مسلم في تحقيقها بالشكل الواضح والكافي، والمؤثر الحار، الذي يوصل هذه الحقيقة إلى كل المسلمين، مبيناً لهم بوضوح أن هذا هو الحل،..... ومشعراً لهم بأن مسؤولية تحقيقه تقع على كل فرد مسلم،
مع أن هذا هو الحل الحقيقي الجذري( (الموصل لتحقيق النصر، وإيقاف المآسي، وردع أعداء الدين.
قال - تعالى -: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ).. الآية (محمد: 7)،
وقال - تعالى -: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).. الآية(الرعد: 11)،(17/25)
وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح عن ابن عمر (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) (سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني).
ويبدو أن عدم وضوح بعض الأسس الإسلامية، إضافة إلى الضياع الفكري والتوجهي الذي تعيشه أمتنا حاليا، قد أثرا أيضا حتى على العديد من الدعاة والمصلحين؛ فرأينا البعض يتكلم ويكتب عن مآسي ومذابح الأمة بنظرة سمتها التركيز على الحلول الجزئية بما فيها الإكثار من نقد التوجه العالمي، والتحدث عن الأسباب السياسية والمادية أكثر من النظر للخلفيات الشرعية() المتعلقة بهذه الأحداث.
والأهم من ذلك عدم التركيز بدقة، وإيضاح تام كافٍ على الحل الحقيقي لكل هذه المآسي بالشكل الذي يصل إلى قلب ويقين كل مسلم (وليس إلى فكره فقط)، مشعرا له بواجبه في التغيير() والعودة والدعوة إلى الله.
وفي بعض الخطابات والبيانات المتعلقة بالمآسي وكثير من المشكلات التي تعيشها الأمة ذكر موضوع التوبة وعودة الأمة والحذر من المعاصي ولكنه كان يذكر عَرَضَاً، أو باختصار شديد قد لا ينتبه له، أو فقط كنقطة من النقاط ضمن نقاط أخرى عديدة وبدون التركيز الكافي عليه، مع أنه أس قضايانا وكما يقال قضية القضايا.
2- أيضاً وعلى الرغم من سرور قلوبنا بما نقرؤه ونسمعه من العديد من الصادقين من تألم على الواقع والجراح، إلا أننا من كثرة المآسي والجراح، وفي غياب التذكير بالحل الحقيقي بوضوح، أصبحنا نمل أحيانا من كثرة البكاء والتباكي على واقع الأمة المتكرر،
فهل الهدف هو البكاء للبكاء؟
أم هل الهدف هو البكاء والتألم فقط لجمع المال للمنكوبين والمشردين؟ والذي لاشك
في أهميته إلا أنه حل جزئي ووقتي، خاصة إذا لم يربط بالحل الحقيقي،...
فالأصل أن يكون الهدف والمؤمل الأكبر من البكاء والتألم هو جعل ذلك شعلة ((للأمة للانطلاقة نحو التغيير في واقعها، والعودة إلى الله، والدعوة إليه، التي -بإذن الله- بها وبنتائجها وثمراتها تعز الأمة، ويعود مجدها، وينطلق بقوة جهادها، وتنتصر وتحل كل مشكلاتها (وتخبطاتها).
3- أيضاً يلاحظ في الكثير من المآسي التركيز على الدعاء والدعم المالي مع الضعف في تذكير الأمة بواجب التوبة والعودة وإصلاح المسار،.... والدعاء والدعم المالي على الرغم من أهميتهما وضرورتهما إلا أنهما ليسا الواجب الوحيد والأهم، وقد أصبح هذا المظهر أي مواجهة المذابح فقط بالدعاء والدعم المالي سمة لأمة الإسلام في العقود الأخيرة، وهل يعقل أن يستمر حال أمة الإسلام في كل مذبحة لأبنائها بهذا الشكل، بل إن أي أمة لا ترضى أن يستمر حالها هكذا في كل مذبحة ومأساة تتعرض لها، فكيف بنا أمة الإسلام ونحن مَنْ مِنَ المفترض أننا ندرك قيمة الدم المسلم عند خالقنا العظيم - سبحانه وتعالى-.
لذا فبالإضافة إلى تذكير الأمة بواجب الدعاء والدعم المالي وقت حدوث المآسي، فلا بد من التذكير والتركيز في ذات الوقت على واجب التوبة والعودة وإصلاح المسار؛ لأنها الطريق الذي سيقود الأمة بإذن الله إلى العزة والجهاد والنصر، حتى يأتي اليوم الذي توقف هذه المذابح والمآسي حال حدوثها، ولا نكتفي عندها فقط بالدعاء وتضميد الجراح، بينما السفاحون يقتلون ويبيدون!!.
بل في ذلك الوقت أي عندما تسترجع الأمة عزتها لن يتجرأ عليها بإذن الله أعداء الدين، ويستبيحون كرامتها في كل حين، كما هو حاصل الآن حتى أننا أصبحنا أذل أمة على وجه الأرض.
خاصة أن الأمة في أيام الأحداث تكون متأثرة ومتفاعلة، وخسارة عظيمة أن لا تذكر بواجب التوبة وإصلاح المسار وهي في قمة تفاعلها.
وإن من سلبيات التركيز على الدعاء المقتصر على الدعاء للمنكوبين، وعلى الدعم المالي لهم مع ضعف التركيز على تذكير الأمة بالتوبة والإصلاح أن قد يحدث تخدير للمسلمين، فيشعرون أنهم -بعمل ذلك فقط- يكونون قد أدوا ما عليهم، بينما هم مستمرون ويستمرون في الغفلة واقتراف المنكرات والإصرار على المعاصي التي هي مصيبتنا العظمى()، وأساس ذلنا وضعفنا وهواننا، واستئساد الكفار علينا وتمكنهم منا، وعجزنا عن إنقاذ إخواننا، كما بين ذلك لنا كتاب ربنا العظيم وأحاديث رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
4- يتكلم العديد من المحاضرين والشعراء والكتاب وتصدر توجيهات من بعض الدعاة بعد العديد من المآسي والمحن عن الجهاد وعزة الأمة ووحدتها ونخوتها، ولاشك أن هذا تذكير نحتاجه وأن هذه أسس هامة جداً ونحن بأمس الحاجة إليها وبها بإذن الله يتحقق النصر ولكن......
كيف السبيل إليها؟
وهل وُضِّح للناس كيف نصل لطريق الجهاد؟ وكيف يتحقق النصر فيه؟
وكيف تحدث العزة والوحدة؟
هل نريد من المسلمين أن يثبوا فجأة للجهاد، رغم كل العوائق وأهمها الذنوب والمعاصي؟،.. ونتمنى أن يحدث ذلك ولكن المخدر بشكل عام عادة لا يقوم فضلاً من أن يثب وثوباً حقيقياً.
ثم لو حصل الجهاد من أمتنا بدون تركها المعاصي ومجاهرة الجبار بها فلن يحصل النصر الحقيقي التام. ()
وحتى لو حصل نصر مؤقت فهل يكفينا حدوثه بينما أمتنا مستمرة في بعدها، وأين نضع هذا بالنسبة لأهداف الجهاد العظيمة وغاياته؟!! وهل هدف الجهاد في الإسلام هو فقط إنقاذ المسلمين؟! فعلى الرغم من أهمية وضرورة هذا الهدف، إلا أن الهدف الأعلى والأعظم للجهاد هو حفظ الدين وإقامته وتعبيد الناس لله رب العالمين (ويكون الدين لله)(البقرة: 193، الأنفال: 39).(17/26)
ولا يخفى على الدعاة والمصلحين ما حصل في أمتنا من بعد كبير عن حقيقة دينها، ولا يخفى أيضا ما يفعله المفسدون في الأمة، حتى وصل الأمر إلى حد محاربة أوامر الله وتحكيم غير ما يرضاه.
وليتنا نرجع إلى كتب التفسير ونتأمل بعض الحكم المستفادة من قوله - تعالى - في سورة محمد[سورة القتال]: (طاعةٌ وقولٌ معروفٌ فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم) (محمد: 21).
ومسألة أخرى هامة تجدر الإشارة إليها هنا وهي: أن تذكيرنا للأمة بالجهاد بدون توجيهها للتوبة والعودة قد يؤدي إلى حدوث اتكالية وتأخر في التغيير والإصلاح - الذي هو الطريق الذي يقود الأمة بفاعلية للجهاد ويحقق لها النصر فيه بإذن الله- بين أفراد الأمة، بحجة أن الجهاد لم يقم وأننا ننتظر اليوم الذي يبدأ فيه حتى ننصر إخواننا بمشاركتنا فيه، فتنسى الأمة وتغفل عن أن استمرارها في الذنوب والغفلة وعدم تحقيق العودة الصادقة إلى الله هو أحد أهم أسباب تأخر الجهاد في الأمة وتأخر تحقيق النصر فيه.
وكم واجهنا من المسلمين الذين عندما نذكرهم بترك اللهو والمعاصي غِيرةً على الأقل على واقع الأمة نجدهم يحتجون بحجة عدم وجود الجهاد الآن، وأنه لو كان موجوداً لتفاعلوا معه في إنقاذ إخوانهم، ونَسوا أنهم بأعمالهم هذه ولهوهم يكونون من أهم أسباب تأخر بدء وحصول الجهاد في الأمة.
وأبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - وسلفنا الصالح كانوا عندما يرسلون جيوشهم التي حوت خيار الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم كانوا يوصونهم بتقوى الله والحذر من الذنوب وأنها أهم العدة على الأعداء()...... فكيف يُنسى هذا -أو يذكر بدون إعطائه حقه- عندما نذكر أمتنا بالجهاد، وهي على ما هي عليه من الغفلة والبعد وتضليل المضلين وإفساد المفسدين.
بل ويبدو أن تذكير الأمة بالجهاد بدون تذكيرها بالتوبة والرجوع ومساعدتها على تحقيقه، قد يؤدي إلى نشوء شوائب الحمية في إخلاص الأمة عند حماسها للجهاد، مما قد يجعل توجه البعض للجهاد تشوبه نية الحمية، التي تضعف تحقق العبودية فيه. وفي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً أي ذلك في سبيل الله؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله). وصفاء النية من شوائب الإخلاص تحتاج إلى أفرادٍ تربوا على الصدق مع الله، والتزام أوامره، والحرص على ما يرضيه.
5- وبالنسبة لجانب تفرق الأمة ووحدتها فمن الإشكالات في الخطاب الدعوي والإصلاحي أن تُوْهَم الأمة أن السبب الأساس لتخبط الأمة وتأخر النصر هو عدم وحدة الأمة وإتحاد صفها وتلاحمها، فليس الأساس كذلك، بل نحتاج في الخطاب الدعوي إلى أن نؤكد للمسلمين بأن أمتنا لن تنتصر النصر الحقيقي وتحفظ حتى ولو اتحدت وتلاحم أبناؤها طالما أنها لم تطبق شرع الله وتحترم أوامره.
وذلك حتى لا تعتقد الأمة أن أساس دائها هو التفرق (ولا خلاف في أنه مشكلة هامة)، ولتدرك في واقعنا الحالي أنه ليس إلا عرضاً من أعراض مأساتها الكبيرة، ألا وهي بعدها عن حقيقة الدين، وعن التمسك الكامل به في كل أمور وجوانب الحياة. قال - تعالى -: (أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض) الآية (الأعراف: 65).
ورجوع الأمة إلى دينها وتمسكها به سيكون أقوى دافع لاتحاد الأمة ولحمتها، بل هو جزء أساس من معاني الرجوع إلى الدين وصدق التمسك به وبتعاليمه.
6- أيضا يلاحظ في أحيانٍ عديدة التركيز على كيد الكافرين ومؤامراتهم وخططهم وخطورتهم والسبل المادية لمواجهتهم أكثر من التركيز على الإصلاح وعودة الأمة، مع أن صلاح الأمة هو الأساس لردنا أي كيد وأي اعتداء، وخالقنا العظيم العليم أخبرنا - سبحانه - بأن كيدهم لن يضرنا إذا صبرنا واتقينا (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا) (آل عمران: 120).
ولا شك أن أقوى ما نواجه به الكافرين هو صدقنا مع الله والتزامنا بأوامره، وأن أهم أسباب هزيمتنا وذلنا هو المعاصي، وبعدنا عن الله وعن التطبيق الحقيقي الكامل لشرعه وأوامره، ولا رد حقيقي لكيد الأعداء ونحن نقويه بذنوبنا ومعصيتنا.
بل وإن التركيز على كيد الأعداء(الذي من المُسَلّمْ بأنه لا خلاف في الأصل على أهميته) بطريقة تُشْعِر بأنه الأساس في مصائبنا وبدون تذكير الأمة بأمراضها التي كانت السبب في ذلها واستئساد الأعداء عليها وتمكنهم منها، قد يكون أيضا عاملاً آخراً يضعف التفات الأمة لمرضها الأساس، ودائها الأهم، وأولوياتها في طريق إنقاذ نفسها من الأخطار المحيطة بها؛ قال - تعالى -: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم)(آل عمران: 165).
7- يكثر بعض الدعاة أحيانا من ذكر "صلاح الدين" وغيره من أبطال الأمة خاصة في الأشعار والأناشيد عند كلامهم عن مآسينا، ولاشك في أن أمتنا تحتاج إلى أمثالهم وبشدة، ولكن.......
أن نجعل أن كل مشاكل الأمة وكل مآسينا بسبب عدم وجود"أمثال صلاح الدين" يعتبر فهماً خاطئاً، وله خطورته من حيث أنه يصرف أنظار الأمة عن أمراضها الحقيقية التي تنخر في جسدها، كما وضح ذلك صاحب كتاب " هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس" الدكتور ماجد الكيلاني.
ثم كيف يخرج لنا مثل "صلاح الدين"؟!، هل ننتظر أن يوجد بيننا حتى ونحن على ما نحن عليه!!!!؛
إن العودة إلى الله ومناهج الإصلاح هي التي تخرج لنا" صلاحاً" -بإذن الله-!!. و"صلاح الدين" نفسه كان أحد ثمار المنهج الإصلاحي الذي عاصره وسبقه.(17/27)
ولا شك أن ذكر" صلاح الدين" والأبطال مهم ونحتاجه، ولكن ليكن وسيلة لتحفيز الأمة للعودة إلى الدين، والنخوة له، والجهاد الصادق في سبيله، وليكن حافزا لنا لنكون على مثل ما كان عليه "صلاح الدين" من صلاح() وتقوى، سبقت بطولته وإنجازاته.
وذلك حتى يكون ذكره حافزا لنا في معرفة واجباتنا ومسؤوليتنا في الإصلاح، لا أن يكون ذكره وذكر عدم وجود أمثاله شماعة!!!! يستغلها الشيطان لكي تُلقي الأمة عليها أخطاءها بينما هي سادرة في غفلتها ولهوها وذنوبها، والتي هي أساس مأساتها وتخبطها وتفرقها وضياعها وهوانها.
8- يبدو أيضا أن كثرة استخدام الدعاة والمصلحين والشعراء مصطلح العودة إلى الدين بالشكل الذي يخاطب الأمة بشكل عام لا بشكل فردي مثل عبارة "عودي إلى الله" التي تخاطب الأمه وعبارة "الحل في عودتنا لما كنا عليه سابقا" قد لا تشعر الفرد المسلم بواجبه في التغيير، خاصة مع وجود الغبش الكبير في فكر وسلوك أمتنا الديني، فقد يعتقد الكثير من أبناء الأمة أنهم ليسوا هم المقصودين بهذه العودة، خاصة مع وجود عدو الإنسان الكبير الشيطان الرجيم وشياطين الإنس، الذين يلبسون على المسلم أحكام دينه ويجعلونه يرضى بواقعه، على الرغم من وجود التقصير الكبير في تطبيقه والتزامه بالدين وأحكامه. وأيضا قد لا يكون واضحا للفرد أن بداية تغيير واقع الأمة وعودتها إلى الله تبدأ بالفرد نفسه، بالتزامه الصادق الكامل وبدعوته غيره من أفراد المجتمع (عودة ودعوة()).
9- مما يدل أيضا على أن خطابنا الدعوي كان ناقصاً هو ما نلاحظه من البرود و الانتكاس العاطفي والعملي السريع، والعودة للضلال واللهو الذي يحدث للأمة بعد فترة وجيزة من انتهاء إحدى نكبات المسلمين.
بل حتى أنه مع استمراء الواقع وكثرة المذابح أصبح الكثير من الأمة يلهو ويغني، وينشغل بالدنيا، والمعاصي التي يؤخر بها نصر أمته في نفس الوقت الذي يرى أمامه يوميا إخوانه وهم يذبح أطفالهم، وتهدم منازلهم، وينكل بهم أشد تنكيل.
10- يبدو أن من آثار عدم تركيز الدعاة وغيرهم من المصلحين والغيورين على طريق النصر الحقيقي-بالقدر الكافي- في خطابهم الدعوي أننا أصبحنا نرى العديد من الإنتاجات الطيبة التي كانت ردة فعل للمحن من مقالات وأشعار وكتابات، وإصدارات إعلامية متنوعة، وتوجهات شعوبية()، كلها طيبة لكن الكثير منها يتسم بعدم تلمس طريق النصر الحقيقي بإيضاح جيد لا بكلمات رنانة عامة، وأفعال حماسية غير دقيقة في توجهها لأساس الداء والدواء.
بل إن بعض ردود الفعل تجاه المحن سواء كانت نثراً أو شعراً أو خطابةً أو مظاهرات أو غير ذلك كانت تتكلم عن المحن بالطريقة التي يتكلم بها أي إنسان يضيع عليه مجده أو وطنه أو ينتهك عرضه ودمه، فبعضها جاف من المعاني الإسلامية، ومعاني العبودية، وفي بعضها سمة الحمية أظهر من سمة العبودية والإخلاص والتجرد والعمل من اجل إرضاء الله.
11- ومن الإشكالات التي لوحظت ما يمكن أن نسميه التخدير بالنصر والتفاؤل الذي يحدث عندما يحرص بعض الأفاضل الكرام الغيورين من الدعاة والمصلحين في خطاباتهم -كلمات كانت أو شعرا أو توجيهات- على طمأنة الأمة بأن النصر قادم، وبث روح التفاؤل فيها بدون أن ُتذَكَّر الأمة بأهمية أن تصحح مسارها، وتتوب من المعاصي التي وقعت فيها، وتعلن وتبدأ بجدية في العودة الصادقة إلى الله، وإلى حقيقة دينها وتطبيقه الكامل، والدعوة والبذل والتضحية من أجله، فنكون بذلك كمن يطمئن الطالب الكسول المحبط بأن عليه ألا ييأس وأنه سينجح بدون أن يذكره بان عليه أن يثابر ويجتهد.
ولا يعني هذا عدم التشجيع على بث روح الأمل والتفاؤل، فهو أمر مطلوب محمود، ولكن القصد أن يكون معه تذكير واضح بالعمل والسعي للتغيير، حتى تُتَلافى سلبية الركون واستمراء الواقع.
((إن أمتنا تحتاج إلى التفاؤل ولكنها.....
تحتاج أكثر ما تحتاج إلى من يهزها بقوة لتستيقظ من نومها العميق وبُعدها،
تحتاج أكثر من التفاؤل إلى من يحذرها من حدوث مآسٍ وعقوبات أخرى من الجبار - سبحانه - لها فهي:
لم تفق وترجع إلى الله وهي في أشد مآسيها وذلها وهوانها،
لم تعد ولم تتب من المعاصي() وهي ترى المسلمين يذبحون ذبح النعاج بما فيهم أطفالهم!!! الأبرياء،
لم تعد() وهي تسمع بآلافٍ!!!! من أخواتهن يغتصبن!!!!.
لم تعد ولم تتب وهي ترى الأعداء يتربصون بها من كل جانب!!
لم تعد ولم تتب وهي ترى العالم يعيش في قمم من الضياع والتعاسة والكفر
والضلال، وهي المسؤولة عن تبليغه طريق النجاة... أولاً: بتمثلها هي نفسها الإسلام
حقيقة وصدقاً (فهو الأهم لنشر الدين)، وثانياً: بتبليغها الإسلام بكل عزم وهمة.
إن أمتنا التي لم تفق() ولم تعد وهي ترى كل هذه البلايا....
تحتاج أكثر ما تحتاج إلى من يخوفها من حصول مثل ما حصل لإخوانهم عليهم.
وإذا أردنا أن نخفف بعض إحباطاتها فليُصاحب ذلك تذكيرٌ بالطريق والوسيلة التي بحصولها وبالبدء بتحقيقها نتفاءل التفاؤل الحقيقي الذي يكون تفاؤلا مفيداًً لا أماني قد تضر أكثر مما تفيد ((().(17/28)
12- ومن سلبيات بعض الألفاظ التي تستخدم للتعبير عن بعض مآسي ومحن الأمة ووصفها مثلاً بأنها القضية الأخطر التي تواجهنا ونعيشها أو بأنها مشكلة المسلمين وقضيتهم الكبرى -وذلك في غياب أو ضعف تذكير الأمة بواجبها في الصلاح والإصلاح عند الحديث عن هذه الأحداث- أن تصرف الأمة عن التركيز على قضيتها الكبرى و مأساتها الأكبر ألا وهي بعدها عن حقيقة الدين، والالتزام بأوامره، والتي نتجت واستمرت بسببها شتى المآسي التي تعيشها الأمة من ضعف وتفرق وتخبط، وذل وهوان، وضياع للمقدسات والأوطان،..... فتعتقد الأمة أن المأساة هي فقط فيما حصل من فقدان للأراضي والبلاد،... وكأنه يرضي الله وتتحقق رسالتنا في الأرض فقط باسترداد ما فقد منا، وبأن ننتصر على الأعداء، وإن استمررنا على مداومة المعاصي والبعد عن حقيقة الدين.
13- وختاماً فمن بعض النقاط السابقة يلمس المرء أن بعض أحبتنا من الدعاة والمصلحين في حديثهم عمّا يتعلق بالمآسي التي نعيشها يخاطبون(في أحيانٍ قليلة أو كثيرة) الأمة أو بعض فئاتها وكأنها بشكل عام الأمة المستقيمة على ما يرضي الله والمطبقة لشرعه والسائرة على هداه، والتي لم يبق لها إلا توجيه لقضية معينة قصرت فيها، أو مسألة واحدة أخطأت في فهمها، أو فقط اجتماع كلمتها على حُكمٍ في مسألة،..... ولكن القضية أكبر وأشمل من ذلك،.... إنها قضية إحياء أمتنا التي قتلها الأعداء والمفسدون والشيطان والهوى منذ عقود عديدة بإبعادها عن أساس حياتها، ومقتضيات رسالتها، وسر سعادتها في الدنيا والآخرة.
ثانياً: ما نتمناه في خطابنا الدعوي عن المآسي:
1- نتمنى من الخطاب الدعوي والإصلاحي عن مآسي امتنا وتخبطاتها أن يكون مركزا على الحل الأساس الأهم حسبما عرفنا من السنن الربانية التي عرَّفنا بها قرآننا العظيم، ونبينا - صلى الله عليه وسلم -، وعلماء الأمة وسلفها الصالح، ألا وهو رجوع الأمة إلى دينها، وتطبيقه الكامل، وابتعادها عن المعاصي والذنوب التي هي أساس المصائب والفتن والنكبات والشرور.
وأن يركز على علاج مرض أمتنا أكثر من التركيز على علاج أعراضه()،
وأن يكون مستمرا لا منقطعا، حتى لا يكون فقط ردة فعل تأخذ وقتها ثم تبرد وتنتهي.
2- نتمنى أيضا من الخطاب الدعوي - عندما يوضح أن نصرنا بالعودة() إلى ديننا- أن يكون خطابه معروضاً بطريقة مفصلة دقيقة، تبين لكل فرد كيف يكون دوره في العودة والتغيير، لا أن يكون الخطاب بكلمة عامه فقط لا تُشعر الفرد بدوره ومسؤوليته في تحقيقها، بل وتؤدي أحيانا إلى أن نَجْعَل الفرد ممن يقول ما لا يفعل، فهو قد يتغنى بأن الحل في العودة ولكنه بعيد عن تحقيقها وعن معانيها وواجباتها.
فنحن نتمنى أن تكثر الكلمات القوية والأشعار المؤثرة التي تجعل الفرد المسلم يخرج منها بخطوات عمليه عمَّا ينبغي أن يفعله هو بنفسه لتغيير واقع أمته، لا أن يخرج فقط بحماس وانفعال قد يبرد سريعا، فأمتنا تريد عملا وعاملين.
3- حبذا أيضا لو كان في خطابنا الدعوي- نثرا كان أو شعرا أو خطابة -تبيين وتذكير ببعض المنكرات التي انتشرت في الامه وخاصةً التي استمرأها المسلمون، وهذا أفضل من العموميات في الكلام عن العودة والذنوب، لكي يتضح للفرد المسلم نقاط خلله وتقصيره()، ومن ثم يكون خطابنا أقوى في النتيجة العملية الناتجة منه بإذن الله.
وليت خطابنا الدعوي لا يُغفل تذكير الفرد والمجتمع بخطر المعاصي كلها بشتى أنواعها، بما فيها خطر الإصرار على الصغائر()، الذي تساهل به حتى الكثير من الأفاضل والطيبين، نسياناً منهم لبعض الحقائق والأسس المتعلقة بهذا الموضوع، ومنها تحول الصغائر إلى كبائر بأمور عديدة منها الإصرار والمجاهرة وعدم الحياء والخجل من الله في عملها كما وضح هذه الحقائق علماء الأمة وسلفها الصالح.
فنحتاج في خطابنا إلى تبصير الأمة بهذه الحقيقة التي نُسيت، وخاصة وأننا نرى الانتشار الضخم في الإصرار على كثير من الصغائر في واقع أمتنا الحاضر، والذي لا شك في أن إفساد المفسدين وتضليل المضلين دعمه وقوَّاه في قضايا كثيرة.
وعلينا أن لا ننسى أن كثيراً من الكبائر التي انتشرت في الأمة كان مبدؤها التساهل بصغائر متعلقة بها وتؤدي إليها. كما أن التهاون والإصرار على الصغائر يُجَرِّئ المسلم على غشيان غيرها من المعاصي ولو لم تكن متعلقة بها.
4- نتمنى أن يُشْعِر الخطاب الدعوي والإصلاحي المسلمين بفاعلية بالتحديات الخطيرة التي تواجه الأمة، ويربطها بضرورة تصحيح المسار والإصلاح،... حتى يكون الشعور بالتحدي فعالا في إيقاظ المسلمين وعودتهم.
وقد كان الشعور بالتحدي فعالا في تغيير حياة كثير من شعوب العالم بعد نكبات ألمت بهم)اليابان أحد هذه الأمثلة(.
5- نحن في حاجة كبيرة إلى الخطاب الدعوي الذي -عندما يخاطبنا في مآسينا، ومشكلاتنا، وفي كل أمور وشؤون حياتنا وانفعالاتنا وتحركاتنا- يربطها بعبوديتنا لله، فهذا هو الأصل الذي ربانا الإسلام عليه وامرنا الله به وخلقنا من أجله،
قال - تعالى -: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) (الأنعام: الآيات 162-163).
وإن صدق الإخلاص لله في أمورنا -مع التزامنا بالنهج الصحيح بالطبع - من أهم أسباب نصرنا، بل حتى حميتنا وغيرتنا عندما نرى ذبح إخواننا ينبغي أن تكون مربوطة بعبوديتنا لله، فنسعى لإيقاف ذلك لأنه يغضب ربنا - سبحانه -، ويعوق نشر دينه، وتحقيق خلافة الإنسان في الأرض، لا أن يكون غيرة وحمية أرضية.(17/29)
6- يحدونا أملٌ كبير -إن حقاً ذكرنا أمتنا بفعالية بدائها الأساس وجعلناه قضيتها الكبرىالأهم- أن ينتج عن ذلك حصول توجه كبير لأمتنا نحو الحل الأساس بما يمكن أن نسميه للتذكير "مقاطعة الذنوب".
وعلى الرغم من أهمية وضرورة المقاطعة الاقتصادية وفرحنا بها إلا أن مقاطعة الذنوب! هي المقاطعة الأهم، وهي الدواء الأساس الذي بِعَدَمِهِ يفشل أي دواء أو عمل مساند في تحقيق الشفاء والتمكين لأمتنا المريضة الجريحة الذبيحة.
بل إن مقاطعة الذنوب بمفهومها الحقيقي الكامل تشمل المقاطعة الاقتصادية، وتقويها، وتدعمها، وتحفز الأمة لها.
وإن تحمس المسلمين الكبير للمقاطعة الاقتصادية التي دعا إليها الكثير من الدعاة والمصلحين لهي دلالة واضحة عن وجود البذرة الصالحة والاستعداد في الأمة للتوجه بحماس للعودة إلى الله في حال تذكيرها بهذه القضية بصورة مركزة كما حدث في المقاطعة الاقتصادية.
فكما فرحنا بإحساس أمتنا بالمقاطعة الاقتصادية الذي أدركه وتحمس له حتى الكثير من أطفالنا!!!.... فإننا ننتظر فرحنا بحصول توجه كبير في الأمة نحو المقاطعة الأهم التي هي الأساس لحصول النصر واستعادة العزة.
ختاماً:
نقول لكل غيور قال أو كتب كلمة قوية مؤثرة وذرف الدموع تأثرا بالمآسي، وكتب الكلمات الحارة، نقول له: أكثر الله من أمثالك فبالصادقين أمثالكم- الذين يوضحون للأمة نهج الحق والصلاح بصدقٍ وغيرةٍ- تنتصر الأمة بإذن الله ويقترب فرجها.
وإنكم عندما تتألمون لقلة الناصر للمسلمين فثقوا-كما لا يخفى عليكم- بأن النصر الأعظم والأكبر سيكون بإذن الله عندما تعود الأمة لله، فيومئذ يعظم العطاء و التضحية () من أمة عظيمة عاشت لله بمنهج الله، وتضحي بالمال والأنفس رخيصة في سبيل الله.
(ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله) سورة الروم.
http://www.awda-dawa.com المصدر:
===========
كلمة الحق
العلامة أحمد محمد شاكر
ما أَقلَّ ما قلنا (كلمةَ الحق) في مواقف الرجال، وما أَكثر ما قصّرنا في ذلك، إن لم يكن خوفاً فضعفاً، ونستغفر الله، وأَرى أَنْ قد آن الأوان لنقولها ما استطعنا؛ كفَّارةً عما سَلَف من تقصير، وعما أَسْلَفْتُ من الذنوب، ليس لها إلاَّ عفوُ الله ورحمته، والعمر يجري بنا سريعاً، والحياة توشك أن تبلغ منتهاه.
وأَرى أنْ قد آنَ الأوانُ لنقولها ما استطعنا، وبلادُنا، وبلاد الإسلام تنحدر في مجرى السَّيْل، إلى هُوَّة لا قرار لها، هُوَّةِ الإلحاد والإباحية والانحلال، فإن لم نقف منهم موقف النذير، وإن نأخذ بحُجَزِهم عن النار انحدرنا معهم، وأصابنا من عَقَابيل ذلك ما يصيبهم، وكان علينا من الإثم أضعاف ما حُمِّلو.
ذلك بأن الله أخذ علينا الميثاق (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ)آل عمران: 187.
وذلك بأن ضرب لنا المثل بأَشقى الأُمم (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)) المائدة.
وذلك بأن الله وصفنا- معشرَ المسلمين - بأننا خيرُ الأمم: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ)آل عمران: 110.
فإن فقدنا ما جعلنا الله به خير الأُمم، كنَّا كَمَثَل أشقاها، وليس من منزلة هناك بينهم.
وذلك بأن الله يقول: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39))الأحزاب.
وذلك بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَلاَ لا يمنعنَّ أحدكم رهبة الناس أن يقول بحقٍّ إذا رآه الناس أو شَهِدَه؛ فإنه لا يُقرِّب من أَجَلٍ ذلك، ولا يُبَاعد من رِزْقٍ، أَنْ يقولَ بحقٍّ، أو يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ".
وذلك بأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم –قال: "لا يحقرنَّ أحدكم نفسه، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أَحدنا نفسه؟ قال: يرى أمراً لله عليه فيه مقال، ثم لا يقولُ فيه؛ فيقولُ الله - عز وجل - له يوم القيامة: ما منعك أن تقولَ فيَّ كذا وكذا؟ فيقولُ خَشْيَة الناس، فيقول ُ: فإياي كنت أَحقَّ أن تَخْشَى".
نريد أن نقول (كلمة الحق) في شؤون المسلمين كلها، نريد أن ننافح عن الإسلام ما استطعنا، بالقول الفصل، والكلمة الصريحة، لا نخشى أحداً إلاَّ الله؛ إذ نقول ما نقول في حدود ما أنزل الله لنا به، بل ما أوجب عليه أن نقوله، بهدي كتاب ربنا، وسنة رسوله.
نريد أَن نحارب الوثنية الحديثة والشرك الحديث، اللذين شاعا في بلادنا وفي أكثر بلاد الإسلام، تقليداً لأُوربة الوثنية الملحدة، كما حارب سلفنا الصالح الوثنية القديمة، والشرك القديم.
نريد أن ننافح عن القرآن، وقد اعتاد ناس أن يلعبوا بكتاب الله بين أَظهرنا، فمن متأول لآياته غير ِمؤمن به، يريد أن يَقْسِرَها على غير ما يدل عليه صريح اللفظ في كلام العرب، حتى يوافق ما آمن به، أو ما أُشْرِبتْهُ نفسه، من عقائد أُوربة ووثنيتها وإلحادها، أو يُقَرِّبه إلى عاداتهم وآدابهم -إن كانت لهم آداب - ليجعل الإسلام ديناً عصريَّاً في نظره ونظر ساداته الذين ارتضع لبانهم، أو رُبِّي في أحضانهم!!.(17/30)
ومن منكر لكل شيء من عالم الغيب، فلا يفتأ يحاور ويداور؛ ليجعل عالم الغيب كله موافقاً لظواهر ما رأى سنن الكون، إن كان يرى، أو على الأصح لما فهم أَن أُوربة ترى!! نعم، لا بأس عليه -عنده- أن يؤمن بشيء مما وراء المادة، إن أثبته السادة الأُوربيون، ولو كان من خرافات استحضار الأرواح!
ومن جاهل لا يفقه في الإسلام شيئاً، ثم لا يستحي أن يتلاعب بقراءات القرآن وألفاظه المعجزة السامية، فيكذب كل الأئمة والحفاظ فيما حفظوا ورووا؛ تقليداً لعصبية الإفرنج التي يريدون بها أن يهدموا هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ ليجعلوه مثل ما لديهم من كتب.
وهكذا ما نرى وترون.
نريد أن نحفظ أعراض المسلمين. وأن نحارب ما أحدث (النسوانُ) وأنصار (النسوانُ)من منكرات الإباحة والمجون والفجور والدعارة، هؤلاء (النسوانُ) اللائي ليس لهن رجال، إلاَّ رجال (يُشْبِهْنَ) الرجال!! هذه الحركة النسائية الماجنة، التي يتزعمها المجددون وأشباه المجددين، والمخنثون من الرجال، والمترجلات من النساء، التي يهدمون بها كل خلق كريم، يتسابق أولئك وهؤلاء إلى الشهوات، وإلى الشهوات فقط.
نريد أن ندعو الصالحين من المؤمنين، والصالحات من المؤمنات: الذين بقي في نفوسهم الحفاظ والغيرة ومقومات الرجولة واللاتي بقي في نفوسهن الحياء والعفة والتصوُّن إلى العمل الجدِّي الحازم على إرجاع المرأة المسلمة إلى خدرها الإسلامي الموصون، إلى حجابها الذي أمر الله به؛ طوعاً أو كره.
نريد أن نثابر على ما دَعَوْنَا وندعو إليه من العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله في قضائنا كله، في كل بلاد الإسلام، وهدم الطاغوت الإفرنجي الذي ضُرب على المسلمين في عقر دارهم في صورة قوانين، والله - تعالى - يقول:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61)) النساء، ثم يقول: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65))النساء.
نريد أن نتحدث في السياسةِ العليا للأمة الإسلامية، التي تجعلهم (أمة واحدة)، كما وصفهم الله في كتابه، نسمو بها على بدعة القومية، وعلى أهواء الأحزاب.
نريد أن نُبَصِّر المسلمين وزعماءَهم بموقعهم من هذه الدنيا بين الأمم، وتكالب الأمم عليهم بغياً وعَدَوْاً، وعصبية وكراهية الإسلام أولاً وقبل كل شيء.
نريد أن نعمل على تحرير عقول المسلمين وقلوبهم من روح التهتك والإباحية، ومن روح التمرد والإلحاد، وأن نريهم أثر ذلك في أوربة وأمريكا، اللتين يقلدانها تقليد القردة، وأن نريهم أثر ذلك في أنفسهم وأخلاقهم ودينهم.
نريد أن نحارب النفاق والمجاملات الكاذبة، التي اصطنعها كُتَّاب هذا العصر أو أكثرهم فيما يكتبون وينصحون! يظنون أن هذا من حسن السياسة، ومن الدعوة إلى الحق (بالحكمة والموعظة الحسنة) اللتين أمر الله بها!.
وما كان هذا منهما قط، وإنما هو الضعف والاستخذاء والملق والحرص على عَرَض الحياة الدني.
وما نريد بهذا أن نكون سفهاء أو شتاميين أو منفِّرين، معاذ الله، و(ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، والفاحش ولا البذيء) كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
ولكنَّا نريد أن نقول الحق واضحاً غير ملتوٍ، وأن نصف الأشياء بأوصافها الصحيحة بأحسن عبارة نستطيعها، ولكنا نربأ بأنفسنا وبإخواننا أن نصف رجلاً يعلن عداءه للإسلام، أو يرفض شريعة الله ورسوله- مثلاً - بأنه (صديقنا)، والله - سبحانه - نهانا عن ذلك نهياً حازماً في كتابه.
ونربأ بأنفسنا أن نضعف ونستخذي؛ فنصف أمةً من الأمم تضرب المسلمين بالحديد والنار، وتهتك أعراضهم، وتنهب أموالهم، بأنها أمة (صديقة)أو بأنها أمة (الحرية والنور)إذا كان من فعلها مع إخواننا أنها أمة(الاستعباد والنار)! وأمثال ذلك مما يرى القارئ ويسمع كل يوم والله المستعان.
نريد أن نمهد للمسلمين سبيل العزة التي جعلها الله لهم ومن حقهم إذا اتصفوا بما وصفهم به: أن يكونوا(مؤمنين).
نريد أن نوقظهم وندعوهم إلى دينهم بهذا الصوت الضعيف، صوت مجلتنا هذه المتواضعة ولكننا نرجو أن يدوِّي هذا الصوت الضعيف يوماً ما؛ فيملأ العالم الإسلامي، ويبلغ أطراف الأرض، بما اعتزمنا من نية صادقة نرجو أن تكون خالصة لله وحده؛ جهاداً في سبيل الله، إن شاء الله.
فإن عجزنا أو ذهبنا، فلن يعدم الإسلام رجلاً أو رجالاً خيراً منا، يرفعون هذا اللواء، فلا يزال خَفَّاقاً إلى السماء، بإذن الله.
http://www.toislam.net المصدر:
=============
رسالة إلى حكوماتنا العربية والإسلامية
إلى حكومتنا الموقرة في عالمنا العربي والإسلامي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إننا مؤسساتكم الخيرية والأهلية - حسب اعتقادنا - خط الدفاع الأول لكم ولنظامكم، ولكن أعداءنا اعتبرونا الضحية الأولى قبلكم - لأننا حسب إيماننا ورسالتنا - مصدر قوة لكم بشكل مباشر، أو غير مباشر، لقد حان الوقت أن نقول: إننا مظلومون من الخارج والداخل، وأنتم تدركون قول الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة **** على المرء من ضرب الحسام المهند(17/31)
لقد تمت مكافأتنا - عبر عالمنا العربي والإسلامي - كلما أصيبت بلادنا بكارثة أو نازلة حيث نجاحنا المشهود في علاج الفيضانات في أحد أقطارنا العربية أقفل أبواب العشرات من مؤسساتنا الخيرية العاملة، ومبادراتنا المتميزة في قطر آخر لعلاج آثار الزلازل ألغى بعض مؤسساتنا وجمعياتنا الأهلية، كما أن الهاجس الأمني الموهوم لدى كثير من أقطارنا حال بيننا وبين ميلاد الحد الأدنى من مؤسساتنا الخيرية.
لقد أصبحت أنفاسنا معدودة، وحساباتنا محدودة، وخطواتنا مرصودة، فكيف لنا إعانتكم ومشاركتكم آلام شعوبكم وإخوانكم وتطلعاتهم إلى الكرامة التي هي مصدر لقوتكم وصمودكم في مرحلة جديدة أطلت ببداية ذكية تنتهي بكم في حين أن الحاجة ماسة إلى التلاحم الكبير بين المؤسسات والجمعيات، والشعوب والحكومات.
يا من توليتم أمرنا:
لقد أطعناكم وعملنا تحت إشرافكم ودعمكم المحدود، وكفيناكم كثيراً من المعالجات لقضايا متنوعة تشغل دوائركم ومؤسساتكم في القطاع العام والخاص.
وفوق هذا لقد سجّل التاريخ أننا لسنا كالقطاع غير الحكومي أو القطاع غير الربحي في دول الشمال مثل أوربا وأمريكا، حيث يكون دعم الأعمال السياسية وإنشاء المنظمات المتخصصة لتلك الأغراض كما يدعمون منظمات ومليشيات التسلح والتدريب والإرهاب!!
إننا نقول بملء أفواهنا:
لقد رضينا بأن نكون شراء لكم في الغرم دون الغنم الذي أكثره لكم، ولقد رضينا أن نقتصر على إطعام الطعام ومواساة الأيتام وتعليم المحرومين، وتربية المنحرفين.
لقد اقتصرنا على سد الثغرات وتلبية الاحتياجات في أعمالنا الإغاثية والدعوية والتعليمية، فكان الجزاء الأخير هو ذلك التجاوب المحدود واللا محدود مع دعاوى تستهدفكم قبل أن تستهدفنا، وتخطط لكم وعليكم قبل أن تجهز علينا، وهي حملات دعوى الإرهاب!! التي تسعى لتحجيم ما بقي من مؤسسات، وإجهاض ما حملت به بعض المجتمعات والحكومات.
لقد استوعبت مؤسساتنا - وهي مؤسساتكم - ما لم تستطع قطاعاتنا الحكومية استيعابه، كما أن مؤسسات الخير سخرت ووجهت من الطاقات والأعمال ما شهدت به الإدارة الحديثة (شرقية وغربية) أن القطاع الخيري بعد الحصول على حقوقه المشروعة صمام أمان للدول والشعوب، وهو يتأكد أكثر في بلادنا الإسلامية لأنه مصدر وقاية ومناعة، وحماية لدينا وشعوبنا وشريك فعال وقوي في التنمية.
تصوروا مؤسساتنا الضعيفة في إمكاناتها، المباركة في أعمالها، أنها انتهت معنوياً أو حسياً. فكم من محروم سيتخرج من مدراس الحرمان؟ وكم من جاهل سوف يتعلم من عصابات الإجرام؟ وكم من يتيم؟ وكم من جائع؟ وكم من مريض؟ وكم من ضال ومنحرف؟ سيكون معظم هؤلاء إن لم يكن الجميع مصدر إزعاج وتخريب!! لأنهم عاشوا في مجتمعات لا ترحمهم وبين أناس لا يحملون همهم.
إننا لا نطلب منكم أن تمارس من خلالنا الحقوق السياسية ولا الشعارات الحزبية؛ لأننا بعملنا الخيري نحسب أننا كفيناكم الكثير من المتاعب والاحتياجات الشعبية.
ولأننا - بعطائنا الخيري والإغاثي والتعليمي والدعوي - قد حققنا - قدر استطاعتنا - معظم الحقوق المشروعة للإنسان مما يغني عن الكثير من المنظمات السياسية والصراعات الحزبية.
ولماذا لا تكون تلك الحملات الإعلامية والميدانية دلالة على مصداقية مؤسستنا ونزاهتها والتي أصبحتم أنتم تحسدون عليها؟
إننا أصحاب فضل على القطاع العام والخاص، فلا تنسوا الفضل بيننا، وإننا لا ننكر أن لنا مثل غيرنا اجتهادات قد تكون خاطئة أحياناً ولكنها محدودة لا تبرر بعض فكيف بكل ما يتخذ بحقنا من قرارات ونظم ومجالس ولجان تتحكم بعملنا وتعيقه بدل أن تدفعه وتنميه.
إن نظيراتنا من المؤسسات العالمية نجحت بحريتها واستقلاليتها كقطاع خيري ثالث، وشريك في معظم جوانب التنمية، وإننا نرفع صوتاً هادئاً قائلين لكم: " إننا لا نستطيع أن نكون أقوياء مثلهم " ونحن لا زلنا محرومين من حقوقنا المسلوبة (الزكاة والصدقات) (الاحتساب والتطوع)، إلا أننا بهذه الركائز حين نتمتع بها سوف تسهم في الوقاية والعلام في الداخل والخارج لكثير من الالتزامات والواجبات، وسوف نكون من خير الشركاء - بإذن الله - تعالى - في معظم جوانب التنمية، كما سوف نكون - بإذن الله - خير سفير لبلادنا نقرب البعيد ونمد جسور التواصل مع الشعوب والحكومات، فهلا أدركتم رسالتنا ودعمتم مسيرتنا وتجاوزتم عن عثراتنا وأحبطتم مخطط أعدائنا؟!
إننا نشكر لكم بعض مواقفكم من خلال تصريحات كثير من وزراء الداخلية العرب بالدفاع عنا تارة، والحديث عن دعاوى الإرهاب تارة أخرى، وأن الدفاع عن النفس والمال والعرض ودعم هذا الدفاع ليس إرهاباً، ولكن هذا ليس مطلبنا الأساس الذي تعرفونه.
إننا مؤسساتكم طال الزمن أم قصر، نحتاجكم وتحتاجوننا، نعينكم وتعينوننا، فنحن سندكم وأنتم سندنا بعد الله، وذلك من خلال حمل هموم أمتنا، ومجتمعاتنا، إنكم تعرفون حق المعرفة أننا بعيدون عن تلك الدعاوى المغرضة، فلماذا الهزائم النفسية!!
ولكننا محتاجون جميعاً إلى فهم واستيعاب لغة الأرقام بيننا وبين خصومنا، في حجمهم ومواردهم البشرية، كما أن الحاجة ماسة إلى معرفة نوع العمل بيننا وبينهم، حتى نعرف أن حجمنا وقوتنا من حيث العدد والموارد البشرية والمالية مخجل حقاً، ولكنه موجب للتأمل وإعادة النظر حتى في دعاواهم عن الأصولية الإسلامية كما يقولون والتي لم تصل في بلادنا 10% من حجم أصوليتهم: (المسيحيون المولودون من جديد).
إن مؤسساتكم الخيرية والأهلية تقول:(17/32)
إننا بحاجة إلى الشقة والتلاحم والتعاون فيما بيننا حتى لا يسهل ابتلاعنا جميعاً، وأملنا بالله كبير أن لا تتنكر دول الطوائف بعزلنا جميعاً عن مصدر من مصادر قوتنا ووحدتنا شعوباً ودولاً، وأن تكون الاستفادة من التاريخ، والله غالب على أمره، وحسبنا أننا أبلغناكم رسالتنا وأبلغناهم رسالتنا، وعجلة التاريخ سائرة بسوادها وبياضها تدويناً وتسجيلاً.
{فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد}.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نقلاً من كتاب: (القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب)
الدكتور / محمد بن عبد الله السلومي
http://islameiat.com المصدر:
-===========
شبابنا وجحور الضباب !!
د. فيصل بن سعود الحليبي
لقد تفضل الله على هذه الأمة فأكمل لها دينها، وأتمَّ عليها النعمة، فرضي لها أعظم دين عرفته البشرية، وأرسل لها أفضل مخلوق - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل لها أجل كتاب، إنه اصطفاء تكريم ونجاة، فأدركت الأمة في قرونها الأولى حجم هذا التكريم، فأحسوا بمسؤولية عظيمة أمام الله - تعالى - تجاه هذا الدين العظيم، ليس في أنفسهم فحسب، بل في كل قطر من أقطار الأرض، فراحوا يفتحون البلدان، ويجوبون الفيافي، ويقطعون الوديان، ليبلغوا دين الله - تعالى -، حتى حكمت الخلافة أرض الله - عز وجل -، فأصبح المسلمون مناراً يهتدى به، ونبراساً يستضاء بنوره، أمتهم قائدة، وبالحق ظاهرة.
ملكنا هذه الدنيا قرونا *** وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضياء *** فما نسي الزمان وما نسينا
ودارت رحى السنين، لتطحن في شبابنا هويتهم الإسلامية، فضعفت الهمم، وانهزمت أمام تيارات الغرب والشرق، حتى لهى شبابنا بأتفه الأمور، وأهون الأشياء، فتناسوا تاريخهم، وانشغلوا عن ماضيهم، فأضاعوا حاضرهم ومستقبلهم، فانساقت منهم طائفة خلف وهم السعادة، يبحثون عنها فلم يجدوا إلا سرابها.
وما فتئ الزمان يدور حتى *** مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يرى في الركب قومي *** وقد عاشوا أئمته سنينا
وآلمني وآلم كل حر *** سؤال الدهر أين المسلمونا
نعم أين المسلمون: وقد تعلقت فئة من شبابهم بأذيال أرذل الخلق، فتشبهوا بأخلاقهم، ولباسهم، وعاداتهم، حتى أصبح الفخر بما يلبسون، وما يتكلمون، وما يفكرون.
وصلى الله وسلم على الرحمة المهداة الذي خشي على أمته من هذا الانصياع والتراجع عن الدين فقال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ )) رواه البخاري ومسلم.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاع، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَفَارِسَ وَالرُّومِ؟ فَقَالَ: وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ)) رواه البخاري.
فتأمل يا رعاك الله كيف أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه سيكون في أمته مضاهاة لليهود والنصارى وهم أهل الكتاب، ومضاهاة لفارس والروم وهم الأعاجم.
واليوم نشهد جميعاً أحوالاً غريبة وتصرفات مريبة من بعض شبابنا هدانا الله وإياهم: اللباس غير لباسنا، والألفاظ غريبة على لغتنا، حتى حاولوا تغيير الخلقة لتناسب الطريقة الأجنبية!!
وليت أن الأمر استقر على طريقة واحدة فحسب، بل ما بين فترة وأخرى نرى أشكالاً جديدة، ملامحها: البعد عن سنة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - و هدي السلف الصالح - رضي الله عنه -، فحينما نتساءل عن هذا الوضع، نجاب بأنها الموضة الجديدة التي يشاهدها أبناؤنا عبر بعض القنوات الفضائية!! ولو تأملت فيها لوجدت أن غايتها تأنيث الرجال، وقتل حياء النساء.
وليحذر المسلمون من أن يعتقدوا أن التشبه قضية سطحية لا عمق لها، بل إن لها أبعادًا خطيرة، وخطيرة جداً، وهذه الأبعاد أدركها سلفنا فأبوا أن يقلدوا الكفرة في كل صغير وكبير، فهذا عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: ((أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتاً وهديًا، تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا)).
فهل أدركت يا أخي أن التشبه في المظهر قد يوصل إلى الانسلاخ من الدين والعقيدة!!
لنتساءل: لماذا نصوم يوماً قبل عاشوراء أو يوماً بعده؟ صحّ عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: ((صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود)) أخرجه عبد الرزاق والبيهقي وغيرهما.
لنتأمل: لماذا رسول الأمة - صلى الله عليه وسلم - يأمر بإعفاء اللحى وحف الشوارب؟ يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوا اللِّحَى وَخَالِفُوا الْمَجُوسَ)) رواه أحمد وهو صحيح.
ليعلم الذائبون من شبابنا في تفاهات التشبه بالكفرة والملحدين أن التقليد في الأزياء والعادات لن يرضي من يقلدون ويتمثلون، حتى يتبعوهم في ملتهم، وهذا مصداق قول الله - تعالى -: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}.
إن سببًا خفيًا وراء هذه التقليعات الغريبة على ديار الإسلام لم يكن سريانه في النفوس في وقت قصير أو بطرق قليلة، بل أخذ وقتًا من أعداء الدين وجهدًا ليسا باليسيرين؛ ألا هو الهزيمة النفسية، وسحق الثقة في تعاليم الدين ونصرته، وغرس فكرة اقتران الرجعية بالإسلام، وأن الحضارة صناعة الغرب فحسب!!(17/33)
غير أنه من لب القول هنا في هذا المقام أن أنوه بالجهود الخيرة التي تبذلها المؤسسات التعليمية في بلادنا الحبيبة التي تجبر الطلاب على نبذ التقليد الأعمى لغير المسلمين، يتمثل ذلك في منعهم من ارتداء أنواع من الملابس التي تحمل شعارات هدامة، أو صور تافهة، وإلزام الفتيات بزي موحد شعاره الحشمة والأدب، وإنزال العقوبات الرادعة بكل من يخل بتعاليم الدين وهدي خير المرسلين، فالحمد لله على نعمة الإسلام وعلى تطبيقه، اللهم دلنا إلى تعاليم دينك، وحبب إلينا سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -، إنك سميع مجيب.
http://saaid.net المصدر:
==========
الروحانية ... في اللقاءات الدعوية
الشيخ علي العمري
في وقت انشغل فيه الكثيرون بمجالس اللهو، ولقاءات اللغو، المباح منها والممجوج، ينشغل الدعاة العاملون بما يصلح أنفسهم، ويزكِّي قلوبهم، ويوحد كلمتهم، فيلتقون في لقاءات الدعوة والخير لإنشاء جيل صالح يقود الأمم إلى الله - تعالى -.
ومع كثرة الأعمال والمتطلبات، والنظر في خطة العمل والترتيبات النافعة، يحتاج الدعاة إلى وقفة تأمل، ونسمة روحانية، وإشراقة ربانية، تضفي على العمل خصوبة، وتورث في النفس همة.
وهذا المسلك الحميد، والمنهج التربوي العظيم، كان مؤسسه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قَلّما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم في مجلس حتى يدعو بهذه الدعوات لأصحابه: (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا) رواه الترمذي.
ما أجمل أن يتأمل الدعاة هذه الدعوات المباركات، فيرفعوا أكفهم في مجلسهم ليحددوا طريقهم، ويتذكروا هدفهم، فيطلبوا المدد والعون من الله - سبحانه وتعالى-. ذلك أنه لن تنجح أي خطوة، ولن تربو أي ّ فكرة إلا بتوفيق الله وعونه.
ومع هذا الاستشعار العظيم لمعية الله، تتطور الأفكار، وتعالج المشكلات، وتبارك الأعمال، بالتعاون المثمر والنقد البناء والجد والنقاء، والألفة والأخوة، وهذا ما كان يشير إليه الإمام البنا - رحمه الله - حين علَّم الدعاة هذه الكلمات النافعات: "اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك، وتوحدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك، فوثّق اللهم رابطتها، وأدم ودّها، واهدها سبلها، واملأها بنورك الذي لا يخبو، واشرح صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك، وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير".
إنه لحري بالداعية أن يحفظ هذا الدعاء الملهم، الذي يعبّر عن صدق الدعوة، وحسن التوجه.
يذكر الشيخ يوسف القرضاوي - حفظه الله - أيام سجته مع مجموعة من المعتقلين من الإخوان المسلمين في مصر، وهم في حالة محنة شديدة، وبلية عصيبة قوله: "لا زلت أذكر دعوات إمامنا في صلاة الليل شيخنا محمد الغزالي - رحمه الله - ونحن في السجن، وهو يدعو ربه قائلاً: "اللهم فكّ بقوتك أسرنا، واجبر برحمتك كسرنا، وتولَّ بعنايتك أمرنا، اللهم استر عوراتنا، وآمّن روعاتنا... ".
فيا ليت الدعاة اليوم يضفون على مجالسهم مثل هذه النفحات الإيمانية والدعوات النورانية.
http://islameiat.com المصدر:
=========
مقترح دعوي
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
الورشة الدعوية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد:
الفكرة:
هي عبارة عن ورشة إصلاح للسيارات ـ أو ما في معناها ـ الهدف منها اعفاف بعض الشباب الملتزم عديم الدخل أو محدود الدخل (من ليس له وظيفة) وجعل هذه الورشة مكان للدعوة إلى الله - تعالى -، ويمكن أن تكون مرد مالي ثابت لبعض الجمعيات الخيرية أو المؤسسات الدعوية.
الأهداف:
ـ الدعوة إلى الله - تعالى - على بصيرة للعاملين فيها والمنتفعين بها.
ـ إعفاف مجموعة من الشباب الملتزم بدينه والمستقيم على شرع ربه، والذي ليس له فرصة مناسبة للعمل وهو قليل ذات اليد.
ـ تعارف وتألف وتكاتف العاملين فيها والقائمين عليها والمنتفعين منها.
ـ إيجاد مورد مالي ـ شبه ثابت ـ للمشاريع الخيرية.
ـ القيام بخدمة بعض المؤسسات الدعوية والإغاثية، وذلك بإصلاح مركباتهم بدون عوض.
الأسلوب:
* تتولى جمعية خيرية أو مؤسسة دعوية تكاليف المشروع، ليكون مورد مالي لهم ثابت.
* وإذا تعذَّرت الفكرة الأولى فيمكن إقناع بعض المحسنين من أهل الخير بالفكرة لتموين المشروع، وهو صدقة جارية له، ولا بأس بكتابة اسمه عليه أو ما يشير إليه.
* إذا تعذرت الفكرة الثانية فيمكن. إنشاء شركة مساهمة بين مجموعة من الصالحين يُساهم كلُّ واحدٍ منهم بعدد من الأسهم فيها، والأفضل أن يكونوا من العاملين بها.
* إذا تعذرت الفكرة الثانية فيمكن لأحد الأثرياء القيام بهذا المشروع بمفرده.
* تجهيز الورشة بجميع مستلزماتها وبمواصفات ممتازة تسمح بإجادة العمل على أحسن مستوياته وأعلى درجاته.
* يختار لها مجموعة من الشباب الصالح (يختار بعناية ضمن جملة من الضوابط) ليس لهم مورد مالي يقوم بحاجتهم (كخريجي بعض الجامعات ـ الكليات التقنية ـ المعاهد المهنية ـ العاطلين عن العمل ـ أصحاب الأسر الفقيرة....)
* تعين هيئة مشرفة على الورشة وإدارة مستقلة ذات خبرة عالية.
المهام الدعوية ومستلزماتها:(17/34)
* تجهز الورشة بشبكة من السماعات الصوتية الموزعة بإتقان على أنحاء الورشة، ليبث من خلالها إذاعة القرآن الكريم أو بعض الأشرطة المختارة.
* يوضع في مسجل كل سيارة شريط إسلامي في الرقائق دون علم صاحبها.
* يهدى لكلِّ صاحب سيارة مجموعة من الكتيبات والأشرطة والمطويات عند خروجه من الورشة.
* تعد غرفة انتظار مستقلة يوجد بها عدة أمور، منها:
• جهاز فديو مع مجموعة من الأشرطة الإسلامية.
• لوحة إعلانات عن المحاضرات والدروس والندوات والأنشطة الدعوية.
• سبورة معلقة بالجدار يعلق عليها بعض الحِكم والأحكام.
• حاملة كتيبات، يختار لها بعض الكتيبات المناسبة.
• طاولة يوضع عليها بعض المجلات الإسلامية.
• عرض بالصور والأرقام لبعض المؤسسات الخيرية أو الدعوية، ووضع صناديق خاصة بجمع التبرعات في هذا الغرفة.
• يخصص فيها جهاز هاتف لإيصال المراجعين بالمشايخ والمفتين وعرض مشاكلهم على الدعاة وطلاب العلم بعد تنسيق المواعيد الأسبوعية مع المشايخ مسبقًا.
• يمكن استغلال طول مكث المراجعين في هذه الغرفة في دعوتهم إلى الخير بالمكوث معهم و التنسيق مع الوعاظ والدعاة لنصحهم وكسب قلوبهم.
• بعض المشروبات كماء زمزم والشاي والقهوة والعصير.
* تقسم الأرباح على جميع المنتفعين كالتالي (مثلاً):
• المشاريع الخيرية أو الدعوية ـ داخل الورشة أو خارجها ـ نسبة [10 %].
• صاحب راس المال (مجموعة أو أفراد) بنسبة [30 %].
• العاملين فيها والقائمين عليها نسبة [60 %].
ـ أنشطة أخرى:
* إصلاح السيارات التابعة للمؤسسات الدعوية والإغاثية والهيئات دون مقابل.
• طباعة النشرات الدعائية والدعوية للورشة، للتعريف بها، و كتابة بعض العبارات الوعظية على المطبوعات.
http://saaid.net المصدر:
===========
كتيبات الأسماء
د. يوسف محمد علي السعيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فكتيبات الأسماء، فكرة تنبثق من فكرة ميداليات الأسماء أو مجوهرات الأسماء، فكما تعلمون أن السوق لا يخلو من ميداليات مفاتيح مربوطة بأحرف هجائية أو مربوطة بأسماء علم، فتجد ميدالية مكتوب عليها آدم، وأخرى إبراهيم، وثالثة موسى، ورابعة عيسى، وخامسة محمد، وسادسة يوسف، وسابعة شعيب.. الخ.
وكذلك في مجال المجوهرات النسائية، نجد حلقا (خروص) أو قلوباً، مربوطة بأحرف هجائية أو مسماة باسم حواء، آسية، خديجة، مريم، فاطمة.. وغيرها من الأسماء النسائية.
الذي أطمح إليه أن يستحدث محبو التأليف كتيبات أو كتبا تأخذ العناوين التالية:
كتاب آدم، كتاب إبراهيم، كتاب موسى، كتاب عيسى، كتاب محمد، كتاب يوسف، كتاب شعيب.. الخ من أسماء الرجال المتداولة في عالم اليوم.
وفي المجال النسائي نجد، كتاب حواء، كتاب آسية، كتاب خديجة، كتاب مريم، كتاب فاطمة.. وما إلى ذلك من الأسماء النسائية.
لماذا نستحدث كتب الأسماء؟
لأسباب متعددة، منها إهدائها في المناسبات للمتسمين بأسماء هذه الكتب، ومنها: تحفيز الناس على القراءة، حيث أنه قد يستهوي الشخص قراءة كتاب يتسمى باسمه، ومنها أنها وسيلة دعوية مستجدة.
ما هي محتويات هذه الكتب؟
في ذهني خطان للمحتويات، الأولى عامودية، والثانية أفقية.
العامودية:
أن ينتقي المؤلف (المؤلفة) مواقف هادفة من التاريخ حدثت لشخصية الكتاب، مواقف سياسية اجتماعية اقتصادية، عسكرية، فإذا كان اسم الكتاب إبراهيم مثلا فينقب في كتب العصور السابقة عن مواقف لأشخاص اسمهم إبراهيم، يعني يتفقون في الاسم الأول فقط، ولا أحبذ أن يزيد الموقف الواحد عن صفحتان.
الأفقية:
أن يتابع المؤلف (المؤلفة) الصحف والمجلات السيارة في عالمنا العربي والإسلامي، قل مثلاً لعشرين سنة مضت إلي يومنا هذا، ثم يلتقط أكبر قدر من المقالات الهادفة التي كتابها أناس اسمهم الأول يتفق مع اسم الكتاب.. بالطبع نتوقع أن تكون هذه المقالات تتطرق للحقول العلمية المختلفة، عند نقل المؤلف لكل مقال، لابد من الإشارة لكل مرجع ينقل عنه وينسب كل مقال لصاحبة.
هذه العملية قد يتوسع فيها من يريد التوسع، كأن يخرج لنا بكتاب "يوسف السياسي"، وكتاب "يوسف الاجتماعي"، وكتاب "يوسف الاقتصادي"، بحيث فعلاً كل كتاب لا يخرج عن حقله. يعني كتاب يوسف السياسي، يحتوي على مقالات كتبت بأقلام يوسفية وهي في نفس الوقت سياسية.
كما يمكن للمؤلف أو المؤلفة أن تمزج بين مقالات في صالح امتنا العربية والإسلامية ومقالات ضدها، أملا بان يدرك القارئ للكتاب الفرق بين الحق والباطل ويتعرف على الكتَّاب الذين يخدمون أمتهم والكتَّاب الذين سخروا أقلامهم لسحق أمتهم وتغريبها وسلخها من دينها وعقيدتها.
مما ينبغي مراعاته أن يستهدف المؤلف (المؤلفة) شريحة معينة من المجتمع، كأن يستهدف طلبة أو طالبات المرحلة المتوسطة أو طلبة وطالبات المرحلة الجامعية أو شريحة المعلمين والمعلمات أو شريحة المتقاعدون. فإذا فرضنا جدلا أن المؤلفة في حوزتها ألفا مقال كتَّابها يتفقون في الاسم الأول فعليها أن تقوم بفرزها، وتصنيفها حسب شرائح المجتمع المختلفة، أي أن المحتوي يناسب الشريحة المستهدفة.
http://islameiat.com المصدر:
==========
ردود أفعال
محمد أبو بصير(17/35)
رغم قدم الإعلام بأنواعه المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية وتغلغله في المجتمعات المسلمة وتأثيره الضخم على الأفكار والمبادئ والقيم وفضلاً عن العادات والتقاليد الحسنة ذات الأصول الإسلامية، إلا أن الحركات الإسلامية لم تُعِر الإعلام أهمية كبيرة، بل كان في ذيل القائمة وأحياناً خارج القائمة.
كانت الاهتمامات منصبة على الدعوة الفردية وأحياناً إن سمحت الظروف الدعوة العامة من خلال بعض المنابر المتاحة: في الجانب الثقافي انصب الاهتمام على الكتب بحثاً وتأليفاً ونشراً، وإن كان الغالب هو الناقد للأوضاع العامة للأمة الإسلامية أو دراسات حديثية أو فقهية ذات طبيعة أكاديمية في كثير من الأحيان، وبعيداً عن الدراسات التحليلية والحلول المتكاملة والبرامج الإيجابية والمشاريع الناجحة لإصلاح الأوضاع وإعادة الأمة إلى حظيرتها.
أما في جانب الإعلام فكان الموقف ــ غالباً ــ الترك والمجانبة الكاملة لكافة الوسائل الإعلامية؛ نظراً لما قد ينطوي عليه المشاركة من سلبيات لا تُدرك أبعادها.
كانت السلبية تجاه وسائل الإعلام تعتمد منهجية تقول أن المشاركة في وسيلة يعني الموافقة على ما تقدمه من برامج و مواد، وأن هذا إقرار للكثير من وسائل الإعلام المخلّطة فضلاً عن المنحرفة. رغم الفضيلة في هذا الرأي وروح الصفاء والخيرية المعتمدة عليه إلاّ أن الأمر كان تعميمياً قاصراً وفهماً مغلقاً.
كانت لدى الصحوة الإسلامية الفرصة الهائلة لبيان حكم الإسلام في الكثير من القضايا وتوجيه الناس للحق والتحذير من الباطل، إلا البقاء في الدائرة الحمراء حرم الناس الكثير من الخير.
بعد سنوات طوال، وبعد سبر كثير انقلبت الصورة بالكامل، وتحول المعارضون إلى مؤيدين وبشكل مبالغ فيه. أصبحت الدعوة لمشاركة الإسلاميين في مختلف وسائل الإعلام المتاحة حمى الديدن العام للكثيرين منهم.
الغريب أن هذه الدعوة جاءت من المعارضين السابقين أنفسهم رغم أن الأوضاع ازدادت سوءاً في جانب وسائل الإعلام. هل السبب هو رؤية جديدة للواقع؟ ربما. أم السبب ردود أفعال حيال ضغط الواقع؟ أيضاً الجواب ربما.
الحقيقة التي يجب التوقف عندها أن مشاركة الإسلاميين في كافة وسائل الإعلام المتاحة سواء ذات المنهج التغريبي والعلماني بالكامل و المخلّطة يجب أن تخضع لقواعد مبنية على دراسة مفصلة بواقع الحال، وأيضاً بناء على المحتوى الذي سيقدم.
وبتفصيل أوضح نقول: ليس من المناسب لكل من حمل قلماً أن يكتب في أيّ صحيفة، وليس كل من أوتي لساناً أن يشارك في أي برنامج حواري وفي أي قناة تلفازية. الأمر يعتمد من المشارك وأين يشارك وفيم يشارك، والأمر يعتمد على التقدير الشخصي والاجتهاد الإنساني المبني على المصالح المعتبرة شرعاً، وليس الأهواء الذاتية والاندفاعات غير المنضبطة، والحماس الآني.
السلبية الكاملة مرفوضة، وأيضاً المبادرة غير المحسوبة والمطلقة في الخوض في كافة القنوات الإعلامية أيضاً ليس بإيجابي.
وأخيراً لابد من مراجعة دورية لهذا الاجتهاد ووضعه في أطره الصحيحة بناء على معطيات الواقع والنتائج والمصالح المتحققة وقواعد المصالح والمفاسد المؤصلة شرعاً.
http://www.almuhayed.com المصدر:
===========
حاجة الحركة الإسلامية إلى إطالة اللبث في المساجد
المصطفى مسالي
(1)
المسجد عنوان الرجعة والتوبة بعد التوبة.
تتنكب الحركة الإسلامية الطريق عندما تظن أن المنطلق غير المسجد.
من جانب المحراب، ومن على حصيرة المسجد يبدأ السير القاصد لحركة الإسلام نحو ساحات الفعل وميادين الجهاد، وإلا كان وجودها استعراضا وما يغني الاستعراض والقلوب غافلة والمنطلق مخروم.
في البدء كان المسجد ومن المسجد وإليه.
(2)
يتهارش السياسيون ويتعالى لغط الساحة وهذيان العالم وهوسه، وتكثر التكهنات والتخرصات: علاقات بين العباد غافلة عن رب العباد.
موعدنا المسجد يا من تريد التوبة والرجعة والإقبال على الله - عز وجل -، موعدنا المسجد يا من تريد تجديد الخلافة من جديد، موعدنا المسجد يا من تريد تجديد اللقاء التاريخي النوراني المقدس: لقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصحابته الكرام، وإلا فخبرني بربك كيف يصل بالنبع من هو مقطوع؟
ماذا يفيد أن تتسكع الحركة الإسلامية في دروب الغفلة عن الله، وتعرض عن بركات الرباط: انتظار الصلاة بعد الصلاة، وتظن أنها قادرة على الفعل، قادرة على التغيير، هيهات هيهات فمن لم تحلق به روحه إذ هو على حصيرة المسجد البالية فلن يطير به بساط السندباد كما يقول محمد أحمد الراشد - حفظه الله -.
من فناء الكعبة والمسجد الحرام انطلقت مسيرة عظيمة ابتدأت بصحبة مباركة وثنت بجماعة مجاهدة أقامت دولة على مرأى ومسمع من ملأ القرشيين المتربصين.
المنطلق صحبة وجماعة في فناء الكعبة والمسجد الحرام.
(3)
الإسلام الفكري والتوبة الفكرية شتات وسطحية وضياع في ميادين الجدل تواترت ضحاياه وكثرت نكباته.
صف إسلامي يريد التغيير، جدل وسفسطة ونقد ذاتي مزعوم، ما هكذا تورد الإبل، ويرد الأفراد على حوض الحركة الإسلامية الفياض.
التوبة الفكرية العقلية انحصار واندثار، وإلا فالمعول عليه اقتباس القلوب من القلوب.
من بوابة المسجد ينبغي أن ندلف، ومن صحبة أهله ينبغي أن نقتبس.
حركة إسلامية يراد لها أن تستقيم لا بد أن تدلف من محراب الاستقامة أول ما تدلف.
(4)
منطلق التوبة: الصحبة، صحبة أهل المسجد أساسا.
يقول الإمام عبد القادر الجيلاني قدس الله سره: "التوبة قلب دولة" قلب دولة الغفلة التسيب يبدأ أساسا من صحبة أهل المسجد الذاكرين.(17/36)
يقول الكاتب الألمعي مصطفى صادق الرافعي - رحمه الله - في سفره التحفة "وحي القلم": " فالمسجد هو في حقيقته موضع الفكرة الواحدة الطاهرة المصححة لكل ما يزيغ به الاجتماع.
هو فكر واحد لكل الرؤوس. ومن ثم فهو حل واحد لكل المشاكل وكما يشق النهر فتقف الأرض عند شاطئيه لا تتقدم، يقام المسجد فتقف الأرض بمعانيها الترابية خلف جدرانه لا تدخله... فما المسجد بناء ولا مكانا كغيره من البناء والمكان، بل هو تصحيح للعالم الذي يموج من حوله ويطرب، فإن في الحياة أسباب الزيغ والباطل والمنافسة والعداوة والكيد ونحوها، وهذه كلها يمحوها المسجد، إذ يجمع الناس مرارا في كل يوم على سلامة الصدر، وبراءة القلب وروحانية النفس، ولا تدخله إنسانية الإنسان إلا طاهرة منزهة مسبغة على حدود جسمها من أعلاه وأسفله شعار الطهر الذي يسمى الوضوء، كأنما يغسل الإنسان آثار الدنيا عن أعضائه قبل دخول المسجد ".
روح المسجد وفيضه مما يطرد الله به الزور، ويكشف به كيد الطحالب السياسية المستور.
(5)
يقول الإمام عبد القادر الجيلاني قدس الله سره: " إذا خرج الزور دخل النور ".
بماذا سيخرج الزور المعشش في القلوب، المنتشر في الساحات السياسية والمحافل الدولية؟
كذب وهراء وسفسطة وازدراء، عما قريب ينكشف الزيف، ويدخل النور الجحور المظلمة مؤذنا بفجر جديد.
وأنت يا أيتها الحركة الإسلامية:
رب نفس تلفها ظلمات وهي في عالم كثير الضياء
مصاب الأمة عظيم، ولوثة الغفلة، والتسطيح والعنف الأعمى الأهوج مزالق تمد رجليها في طريق الراكضين إليه، وهل طريقنا إلا ركض إليه ومسارعة إليه - سبحانه وتعالى-.
المنطلق الله، الهدف الله، الغاية الله.
(6)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن للمساجد أوتادا، الملائكة جلساؤهم إن غابوا افتقدوهم وإن مرضوا عادوهم وإن كانوا في حاجة أعانوهم، جليس المسجد على ثلاث خصال: " أخ مستفاد أو كلمة حكمة أو رحمة منتظرة " رواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما.
على الأوتاد نبني ثم ننطلق، وإلا فخيمة الحركة الإسلامية ستعصف بها الرياح: رياح الغفلة، رياح الإسلام الفكري الطاحونية، رياح التسطيح والسطحية المقيتة.
كيف يطيب لابن الحركة الإسلامية أن يطيل العنق في المجالس، وهو لم ينل بعد من بركات الرباط، وتهجد الثلث الأخير من الليل، وقراءة القرآن وزيارة القبور، وحلق الذكر؟.
المقدمات التربوية أساس لكل تغيير.
(7)
مسجدي هو ابن الحركة الإسلامية، يسبق الأذان إلى المسجد، يحث الخطى إليه، يدخل الأوقات الإلهية بأدب، لا تفوته البلاليتان، يتغير لونه لحظة الأذان، وكأني أراه في مسجده تارة متبتلا وأخرى باكيا، وطورا ممرغا جبهته من على حصيرته، ينتظر الصلاة بعد الصلاة، يرابط ما بين العشائين، وكذلك دأب الصالحين: شغل ما بين العشائين بالذكر والأنس بالله - عز وجل - مقبلين عليه بقلوبهم وأرواحهم.
مسجدي هو ابن الحركة الإسلامية، عرفته سواريه، وبكته لياليه، وسكنت إليه جوانبه، وانطوى فيه عالمه. آه يا سيدي كم هو جميل فضاء المسجد، وروحانية أهل المسجد.
مسجدي هو ابن الحركة الإسلامية، يحذر الانكفاء والانزواء، ينطلق إلى ساحات العمل والمدافعة والمثافنة السياسية وقلبه مشدود إلى السماء، وإلا فكيف بالأرضي المقطوع أن يعيد الفتل والبناء من جديد؟
يا أيتها الحركة الإسلامية وأنت في بحر القرن الموصول بقرن الخلافة، ما اسمك وما عنوانك في ميادين الإقبال والتوبة بعد التوبة؟
27/04/2004
http://www.ala7rar.net المصدر:
=============
نصف قرن من البحث عن الحقيقة في حوار مع : البرفسور رجا جارودي
من هو البروفيسور رجاء الجارودي؟
• أديب، وفيلسوف، ومفكر فرنسي بارز.
• ولد عام 1913م. في مارسيليا من أسرة عمالية.
• حصل على منحة الدولة لدراسة الفلسفة.
• انضم في العشرين من عمره إلى الحزب الشيوعي.
• تنقل بين السجون والمعتقلات.
• أنتخب نائبًا عن منطقة تارن عام 1945م، وعضوا في مجلس الشيوخ، ورئيسًا للمجلس الوطني الفرنسي من عام 1956م إلى 1958م.
• كان مديرًا لمركز البحوث والدراسات الماركسية عام 1960م.
• أبعد عن الحزب الشيوعي عام 1960م.
• في رحلة القلق الحضاري والتفتيش عن معنى للحياة:
آمن بالمسيحية بصورتها البروتستانتية في سنة 1927 - على الرغم من أن أبويه كانا بعيدين عن التدين - ومع نذر انفجار الأزمة العالمية الكبرى عام 1930 فكر في أسلوب مواجهة الأزمة فاتجه إلى اعتناق الماركسية فكرًا وممارسة عام 1933، لكنه جمع - في الوقت نفسه - بين عضوية الحزب الشيوعي ورئاسة منظمة الشباب المسيحيين البروتستانت.
• رسالته في الدكتوراه (النظرة المادية في المعرفة) جاءت صدىً لتوجهه، حيث ضمنها الموضوعات التي عالجها أساتذة الفلسفة المادية: ماركس، وأنجلز، ولينين، وماوتسي تونج وغيرهم.
* جاءت مراجعته الشاملة للماركسية نتيجة الصدمة الشديدة بما عرفه عن "ستالين" بناءً على ما جاء في البيان السري الذي ألقاه خروتشوف عام 1956م في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي، وكان ذلك مأساة انعطافية كاملة، ترتبت عليها النتائج اللاحقة كلها، وكان من أبرز نتائجها امتناعه عن نشر رسالته للدكتوراه، ومن نتائجها أيضًا إصدار كتابه الهام "نظرات حول الإنسان " عام 1959 حيث بدأت عملية النقد الداخلي.
وفي عام 1960 أسس (مركز الدراسات والبحوث الماركسية) الذي أداره لمدة 10 سنوات، وكان المسؤول عن الترجمة الفرنسية لمؤلفات لينين جميعها.(17/37)
يقول: بأن البيان (بيان خروتشوف عام 1956) هو الذي أيقظه من سباته العقائدي فأجرى دون كلل نقدًا ذاتيًّا لعقيدته الوثوقية.. وبدأ يتكرّس الشرخ بين جارودي والأنموذج السوفييتي للماركسية منذ اطلاعه على جرائم ستالين.
• وفي تلك الفترة أيضًا أصدر كتابه (واقعية بلا ضفاف) الذي انتقد فيه بشدة الواقعية الاشتراكية التي تجمدت في قوالب حالت بينها وبين التطور الحضاري.
• وفي عام 1966 أصدر كتابه (ماركسية القرن العشرين) حيث نقد فيه نقدًا مميزًا المسلّمات الماركسية. وفي هذا الكتاب اتهم جارودي الماركسية بالتحول إلى دين رسمي ذي طقوس وأتباع، وكانت قولته الشهيرة - ردّا على الفهم الجزافي لمقولة: الدين أفيون الشعوب -: (إن القول بأن الدين في كل زمان ومكان يصرف الإنسان عن العمل والكفاح متناقض تناقضًا صارخًا مع الواقع التاريخي).
• وفي عام 1968 نشر كتابه (في سبيل نموذج وطني للاشتراكية) بعد أحداث تشيكوسلوفاكيا واحتلالها من قبل قوات حلف وارسو.
• وفي عام 1969 أصدر كتابه (منعطف الاشتراكية الكبير) الذي طالب فيه بتصحيح وتعديل الماركسية تحت عنوان: (إن مراجعة مؤلمة هي اليوم ضرورية).
وقد أفسح في هذا الكتاب مجالاً أوسع للمثقفين، إذ رأى أن أهميتهم العددية والاستراتيجية تتزايد باطّراد، بينما تتناقص أهمية الطبقات الوسطى.
• بعد أن اجتاز منعطف الأحلام باحثًا عن اليقين والإيمان بعينين مفتوحتين، انتقد جذور الدغماتية الستالينية، والمادية الاقتصادية المبتذلة، والجبرية الميكانيكية، والمواقف العدمية من الفرد وطاقته الذاتية، والتصلب الفلسفي، والحزبية العقلية، والتقنين المدرسي لمبادئ الديالكتيك، والعزلة الذاتية عن بقية الأفكار.
• وفي عام 1970م ازدادت حدة التوتر بينه وبين حزبه، وكانت هناك مناقشات ومجادلات انتهت إلى فصله، ويلخص هذه الأحداث بقوله:
كنت في هذه الفترة أعمل أستاذًا بالجامعة، ولكني تعلمت من طلبتنا وعمالنا درساً كبيرًا، مفاده أن بعض الأنظمة قد يشكل خطورة كبيرة بنجاحه، أبعد من الخطورة التي تنتج عن فشله. ويتمثل هذا النظام في النمط الغربي في التقدم والنماء سواء عبرت عنه برأسمالية تعزز الحروب والاستعمار والأزمات الداخلية المميتة، أو اشتراكية سوفييتية تضطهد شعبها، وتستغل العالم الثالث، وتتسابق إلى التسلح الرهيب، والسيطرة، ذلك أن الاتحاد السوفييتي يتبع النمط ذاته.
وبعد عامين من الخروج على الحزب الشيوعي أصدر كتابه (البديل) الذي هو أقرب للنداء، وإيجاد الحافز لصناعة المستقبل، أكثر منه برنامجًا يرمي إلى إنشاء حزب، حتى يمكن وصفه بأنه مشروع حضاري.
* وفي عام 1974 أصدر مجلة سياسية أسماها (البدائل الاشتراكية) حيث أعلن أنه يجب إعادة الغرب إلى وضعه الحقيقي من خلال حوار حقيقي بين الحضارات.
* وفي عام 1976 قام بتأسيس (المعهد الدولي للحضارات) وكان يعتبر أن الحضارة الغربية استنفدت أغراضها، ولم تعد لها ضرورة، وكان من أهم ما كتبه في هذه المرحلة (حوار الحضارات) حيث يمكن تلخيص وجهته في ذلك بقوله: (إن حوار الحضارات - حقيقة - ليس بجائز إلا إذا اعتبرت الإنسان الآخر والثقافة الأخرى جزءًا من ذاتي يعمر كياني، ويكشف لي عما يعوزني).
* وفي عام 1981 أصدر كتابه (وعود الإسلام) الذي يجعل الإسلام الخيار الوحيد أمام البشرية للخروج من المأزق.
* أعلن إسلامه في 11 رمضان سنة 1402 هـ في مدينة جنيف.
* يتحدث عن مساهمة النصرانية في الاستعمار فيقول في كتابه "المرض الأبيض":
لقد ساهم الدين في الاستعمار، فكانت الصيغة الدائمة أن يذهب المبشّر أولاً، ثم يلحقه الجند، كي يصل بعد ذلك التاجر.
ويمثل لهذه الروح الاستعمارية بقوله: إن أجرة العامل الأسود لستة أيام ينالها العامل الأبيض في ساعة واحدة.
ويقول: بعد خمسة قرون من سياسة الغرب تتلخص حضارته فيما يلي:
لقد صرف على التسلح عام 1982 مبلغ 650 مليار دولار، لو وزع على أفراد البشرية لأصاب الفرد 4 أطنان من المتفجرات، في السنة نفسها توفي في العالم الثالث خمسون مليونًا بسبب الجوع وسوء التغذية.
• يعتقد أن إسرائيل تلعب دور مندوب الاستعمار الغربي، وهو ما يفسر الدعم المالي والمساعدات غير المشروطة من الأسلحة التي تتلقاها من الولايات المتحدة الأمريكية ومن شبكته الصهيونية العالمية.
• اتهم بعدائه للسامية بعد أن نشر بحثه "ملف إسرائيل" ورفعت منظمة (ليكر) اليهودية الفرنسية ضده قضية بتهمة العنصرية ومعاداة السامية، فدافع عن نفسه بأنه قضى ثلاث سنوات في السجون النازية، وحمل رسالة من غولدمان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي إلى الرئيس جمال عبد الناصر.
ويمكن أن نقول: بأن حركته الذاتية لم تكن قفزاً بهلوانيًّا من موقع لآخر، بقدر ما هي مراجعة ذاتية لجزء هام من الفكر الغربي.
• ومما يلفت النظر أنه يعتبر من أبرز الداعين إلى وحدة الأديان، ورفع شعار العودة إلى الإبراهيمية، وإحياء روح جامعة قرطبة. وقد أقام مؤتمرًا لذلك دعا إليه مجموعة من المفكرين والباحثين من يهود ونصارى ومسلمين (؟!!)
• يرى أنه من الممكن - استنادًا إلى الوحي القرآني - أن نجد في الطريق الصحيح حلولاً للمشاكل التي تفرضها الحياة اليوم، دون أن نمزج ذلك بتقليد النماذج الأمريكية والسوفييتية. ودون أن نخلط بين الاتجاه نحو العصرية والاتجاه نحو الغرب.
• ويرى أن ادعاء الاختصاص لمجرد الاختصاص، والعلم للعلم، والفن للفن هو نسيان مميت للهدف، وإحلال للوسائل محل الغايات.(17/38)
• وتجربة جارودي ليست نادرة؛ فكثيرون هم الذين تحولوا إلى نقيض فكرهم، لكنها تبقى تجربة متميزة حدثت من مفكر كبير، ارتبط بالشيوعية، وله في ذلك كتب ودراسات؛ لكنه وصل في النهاية إلى الطريق المسدود فبدأ بالبحث عن البديل.
• ويمكن اعتبار تلك التجربة طريقًا للخروج من حضارة الأزمة للكثيرين الذين لا يزالون في غرف الانتظار.
• وبعد فقد قدمت للحوار الذي أجريته معه في جمادى الأولى 1403هـ كلمة بعنوان (جارودي شاهد سقوط الحضارة الغربية) قد يكون من المفيد إثباتها: الحضارة الأوروبية المادية، تشرف على السقوط وتنتهي إلى الانتحار الجماعي، إنها امتلكت الوسيلة وافتقدت الهدف والغاية، وحصلت على شيء من العلم، لكن غابت عنها الحكمة.
وقد نكون نحن المسلمين - من خلال موقعنا المتخلف حضاريّاً، واضطراب مقاييسنا، بسبب ضعف التزامنا بهذا الدين - عاجزين عن التعرف بشكل دقيق على أزمة الحضارة الأوروبية، لأن بعضنا يعاني مأساة الانضباع الحضاري، وتتحكم بنظرتنا مجموعة عوامل أخرى، ليس أقلها عقدة القهر والاستعمار، والحقد الصليبي على الإسلام والمسلمين، التي لا نزال نعيش آثارها، وقد تتحكم بموقفنا الروح الدفاعية، والوسائل العاطفية، في بعض الأحيان.
من هنا تأتي أهمية الشهادة الحضارية التي يدلي بها المفكر الفرنسي الكبير "رجاء جارودي" ابن هذه الحضارة الذي عاش أزمتها، وخبرها من الداخل، وتنقل بين صورها الفكرية المتعددة، من بروتستانتية وكاثوليكية إلى شيوعية أرثوذكسية، وتبين له أنها وجوه متعددة لحقيقة واحدة؛ فانتهى إلى الإسلام.
لقد قطع جارودي رحلة فكرية شاقة تزيد على النصف قرن قبل إسلامه من البحث والتفتيش عن الإنسان في الحضارة الأوروبية المادية، واستجلاء الهدف الذي يستأثر بنشاطه، وينتظم فاعلياته، فرجع بالخيبة المريرة، ورأى بارقة الأمل تلوح بالشيوعية كحل للخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية، باعتبارها طرحت كنقيض للصورة الرأسمالية، لكنه تبين بعد أن وصل إلى عضوية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي أن الشيوعية جاءت لتعالج الانحراف الرأسمالي المادي فعالجت الانحراف بانحراف أشد، لكن في الاتجاه المعاكس، ولم تخرج في حقيقتها عن أن تكون الوجه الآخر للحضارة الأوربية النصرانية، فعاد مرة أخرى إلى النصرانية، وطرحت عنده من جديد قضية الأديان.
عاش ويلات الحرب، وظروف الاعتقال، وحكم عليه بالإعدام، ورب ضارة نافعة كما يقال.
أول مرة يلتقي بالإسلام، عندما امتنع الجنود العرب المسلمون الجزائريون عن تنفيذ إطلاق النار عليه (لأن شرف وأخلاق المحارب المسلم يقتضيه ألاّ يطلق النار على إنسان أعزل).
يدعو الغرب ليراجع موقفه المتصلب من الإسلام، ويرى ضرورة قيام حوار حضاري، على ألا تدور المناقشة والحوار بين رأسمالية تولد الاستعمار والحروب والأزمات الداخلية، واشتراكية من النمط السوفييتي تستغل العالم الثالث.
يأخذ على الكنيسة موقفها الرسمي من القضية الفلسطينية، وتبنيها للدعاية الصهيونية والرؤية التلمودية، على أساس خرافة أرض الميعاد التي يعلمونها للأطفال في مدارس الأحد.
إنه شاهد وليس كأي شاهد على السقوط الحضاري الأوروبي، وما ينتظر إنسان هذه الحضارة العدمية المجنونة الجانحة.
ونحن إذ نقدم الحوار معه لنرجو أن نستطيع بذلك المساهمة في تحديد النوافذ المضيئة، والمداخل الحقيقية لأزمة الحضارة، يطل من خلالها جيل الانبهار بالحضارة الأوروبية، والافتتان بوسائلها وإنجازاتها المادية، وذهولها عن الغايات والأهداف.
بقي أن نقول: إلى أي مدى نستطيع نحن المسلمين أن نستفيد من موقع المفكر الفرنسي المسلم "رجاء جارودي" والثغر الذي هو عليه، ونستطيع مساعدته للمحافظة على الموقع نفسه لأهميته، ولا نندفع وراء عواطفنا لنحمله إلى مواقع أخرى في العمل الإسلامي ليست من طبيعته ولا من اختصاصه واهتمامه؛ على طريقنا في الرفع والخفض.
فقد تكون المشكلة كلها فينا نحن الذين يقودنا الاندفاع وراء عواطفنا إلى بعض التصرفات المخطئة. ولا نزال نقول: إن الثغر الذي يقف عليه جارودي عظيم وخطير، فلو أعنّاه عليه، وهيأنا له الوسائل المطلوبة للمرابطة في هذا الثغر لكان أولى من أن نحمله إلى مواقع قد لا تكون من طبيعة اختصاصه، فماذا يستطيع أن يقدم في مؤتمرات للفقه الإسلامي والحديث والطب، عدا أن يكون ذلك على حساب موقعه الأصلي؟! فهل نعود إلى القول: بأن المشكلة فينا؟! ونرجو الله لنا وله حسن الإسلام.
ومن الحقائق التي نرى أنه لا بد من إثباتها هنا أن الإسلام بما يمتلك من حقائق خالدة مجردة عن حدود الزمان والمكان، لا يزال قادرًا على مخاطبته أرقى العقول البشرية، وأن قدرته على الانتشار دائمة سواءً في ذلك المجتمعات المتقدمة أم المجتمعات المتخلفة على الرغم من الحالة المتخلفة التي يعيشها المسلمون. وما إسلام جارودي وغيره إلا مؤشرات ومبشرات في الوقت نفسه، ونحن بالطبع لا نتطلب أن يأتي جارودي إلى الإسلام عالمًا به منظّرًا لجماعته حيث لا يجوز أن يغرب عن بالنا أنه سوف يكون لتاريخه الطويل وخلفيته الفكرية بعيدة الغور التي تشكلت من خلال رؤىً فلسفية وتجارب عملية ومعاناة اجتماعية وتأملات أخلاقية حضورًا دائمًا في حياته.
المقدمة
* بعد رحلة فكر وبحث وحوار : شاقة وطويلة، أسقط كل المعتقدات والفلسفات والأفكار، انتهى المفكر العالمي (الشيوعي الكاثوليكي سابقًا) روجيه جارودي إلى الحقيقة الأزلية: (لاَ إِلهَ إِلاَّ الله، مُحَمَّدُ رَسُولُ اللهِ)(17/39)
ورجاء جارودي (اسمه الجديد) إنسان متفوق ومتميز بالمنطق وبالحس معًا، أكثر ما كان يشغله هو البحث عن النقطة التي يلتقي عندها الوجدان والعقل. وهو يمثل اختيارًا، ويشكل تيارًا فكريًّا قويًّا في الأوساط الثقافية العالمية عامة، وفي المحيط الغربي الذي نشأ فيه بشكل خاص.
ويرى أن الحوار القائم محكوم عليه بالفشل؛ لأنه يسلك طريقًا مسدودًا إذا ظلت عقيدة أحد أطرافه - الأوروبيين - غير مصقولة من صدأ قرون السيطرة والاضطهاد. ويرى في ثقافة الغرب أنها فقدت المعنى والغاية، فقامت خديعة العلم للعلم، والفن للفن، فانتهت إلى العدمية في الأهداف؛ تقنية غايتها التقنية لذاتها، وعلم يهدف إلى العلم ذاته، وحياة لا تهدف إلى شيء.
ويرى أن التنمية على النمط الغربي تبتر من الإنسان أبعاده الإنسانية، وتفصله عن السمو الروحي، وتقتل فكرة الجماعة، وتضع سدًّا بين العلم والتقنية من ناحية، والحكمة من ناحية أخرى، وهذا النمط الغربي يتمثل في الرأسمالية التي تولّد منها الاستعمار والحروب والأزمات الداخلية المميتة، وفي الاشتراكية التي تضطهد شعبها وتستغل العالم الثالث.. وتتسابق إلى التسلح الرهيب والسيطرة.
إن فكر جارودي كان يقربه دائمًا من الحقيقة، لكن أكثر ما تأثر به هي التجارب التي التقي فيها مع الإسلام مرات متعددة، بدأت في مرحلة مبكرة من حياته. يقول عن إحداها، وكانت بسبب موقف أخلاقي إسلامي:
[…وهذه التجربة المبكرة - بالنسبة لي- قد علمتني أكثر من دراسة نظرية لعشر سنوات في السوربون]..
ويعقب على تجربة قريبة فيقول: [... وهكذا ترون كيف كنت قريبًا جدًّا من الإسلام].
أما النقلة المباشرة إلى الإسلام، فقد جاءت بعد اكتشافه حقيقة الموقف الذي تتبناه الكنيسة الكاثوليكية من القضية الفلسطينية، ذلك الموقف الذي يعتمد الفكرة الصهيونية حول خرافة "أرض الميعاد "، ووهم "الشعب المختار".
ولكن إذا كانت القضية تتعلق بالإسلام، فإما أن تكون التجربة كاملة أو لا تكون، والشرط الأول لتمام كمالها هو الهداية الإلهية؛ إذ بدونها لا يتحقق سر انشراح الصدر.
من هنا نتبين نعمة الإسلام التي تتجلى في حفظ الطاقات، وتوفير الجهد؛ بوضع الإنسان في مكانه الصحيح من الكون، وإعادته إلى توازنه الفطري الأصيل، حتى يحيا تجربته البشرية كاملة، ويسهم إسهامًا فاعلاً في إعمار الأرض.
ولن يتأتي ذلك إلا بمشيئة من الله - تعالى -، الذي خلق الإنسان ومنحه القدرة على الاختيار، وكرمه دون بقية المخلوقات الأخرى.
مرحلة النقلة المباشرة:
* اعتبر العلماء والمفكرون مرارًا بأن خطواتهم في ميادين العلم والفكر قادتهم دومًا إلى الإيمان المبصر بالله تبارك و- تعالى -، وربما يكون من المفيد والضروري أن يتعرف القارئ المسلم على قصة إيمان الرجل وهو يتلمس طريق الهداية، ويزيل الضباب والغشاوة عن بصيرته.
المفكر والفيلسوف العالمي جارودي، كيف سارت رحلتك إلى الإيمان؟
بالنسبة لي، لا يعتبر الأمر تحولاً من الإلحاد إلى الإيمان، فلم أكن في يوم من الأيام ملحدًا؛ حتى عندما كنت عضوًا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفرنسي في عام 1933م، فقد كنت في الوقت نفسه رئيس الشبان المسيحيين كمسيحي [هذا اتفاق مع النظرية التي تقول: إن الشيوعية إنجاز نصراني لمعالجة القضية الاقتصادية]، وفي الحقيقة لم أكن مسيحيّا بالميلاد لأن أبوي لم يكونا كذلك، لقد كانا ملحدين، ليس بسبب ارتباطهما بالشيوعية أو أي مذهب آخر، ولكنهما كانا من الأجيال التقليدية، لهذا فأنا أعتبر نفسي قد اخترت مرتين.
في عام 1933م عانت أوروبا من أزمة كبيرة، استمرت حتى عام 1939م - وهي الفترة نفسها التي شهدت صعود هتلر إلى السلطة - وشهدت اختياري الأول - وكنت في هذه المرحلة لا أزال طالبًا - ويرجع السبب في اختياري النصرانية إلى رغبتي في أن أعطي لحياتي معنىً في وقت كنا نعتقد - لشدة الأزمة - أننا نعيش نهاية العالم، أما الشيوعية فقد كانت الاختيار الوحيد الذي يطرح بديلاً للخروج من أزمة الرأسمالية، كما أنه كان أفضل جبهة تقاوم هتلر والنازية في هذه الفترة.
وفي فرنسا - على سبيل المثال - كان معظم المشتغلين بالكتابة والفنون وأساتذة الجامعات، وحائزي جائزة نوبل إما أعضاء في الحزب الشيوعي أو أصدقاء للشيوعيين، وذلك بسبب الحالة السيئة التي نشأت عن أزمة الرأسمالية وتيار المقاومة لنازية هتلر.
وقد أدّى بي موقفي - في ذلك الوقت - إلى السجن لمدة ثلاث سنوات، حيث اعتقلت في سبتمبر (أيلول) 1940م بواسطة مارشال بيتان وحكومة "فيشي". وبقيت رهن الاعتقال حتى نهاية الحرب العالمية الثانية في معسكر بمنطقة جلفا بالصحراء الجزائرية، وهناك وقع حادث عجيب فعلاً، فقد تزعمت تمردًا في معسكر الاعتقال، وأجرى "الكوماندور" الفرنسي قائد المعسكر محاكمة سريعة، وأصدر حكمًا بإعدامي رميًا بالرصاص، وأصدر أوامره بتنفيذ ذلك إلى الجنود الجزائريين المسلمين، وكانت المفاجأة عندما رفض هؤلاء تنفيذ إطلاق النار، ولم أفهم السبب لأول وهلة؛ لأنني لا أعرف اللغة العربية، وبعد ذلك علمت من "مساعد" جزائري بالجيش الفرنسي كان يعمل في المعسكر أن شرف المحارب المسلم يمنعه من أن يطلق النار على إنسان أعزل، وكانت هذه أول مرة أتعرف فيها على الإسلام من خلال هذا الحديث الهام في حياتي، وقد علمني أكثر من دراسة عشر سنوات في السوربون.(17/40)
وعندما أطلق سراحي، بقيت في الجزائر مدة عام، وخلاله التقيت برجل عظيم، كان له أكبر الأثر في نفسي - هو الزعيم الإسلامي الشيخ البشير الإبراهيمي، رئيس رابطة العلماء المسلمين الجزائريين - وقد قمت بزيارته، بصحبة عمّار أوزيجان (صاحب كتاب: الجهاد الأفضل)، وفي مقر الشيخ الإبراهيمي لاحظت صورة كبيرة لرجل مهيب. ولأول مرة أتعرف على صاحبها، عندما شرح لي الشيخ البشير جوانب من حياة الأمير عبد القادر الجزائري - عدو فرنسا - كبطل محارب وعابد ناسك؛ بل كواحد من أعظم أبطال القرن التاسع عشر.
ويعتبر هذا الدرس من الشيخ الإبراهيمي - بالنسبة لي - المرة الثانية التي ألتقي فيها بالإسلام.
بعد ذلك عدت إلى فرنسا، وكانت المرة الثالثة إبان الحرب الجزائرية، وأنا أعتبر الجزائر وطني الثاني، وقد اتخذت موقفًا ضد الدعاية الفرنسية - كما هو معلوم - ونشرت موضوعات كثيرة عن الممارسات الفظيعة التي كان يباشرها قادة الحرب من أمثال الجنرال بيجو.
أما آخر وأطول اتصال لي بالإسلام، فقد بدأ عام 1968م عندما ظهرت - في اعتقادي - أول بادرة تغيير عند الأوروبيين بشكل عام، وفي السياسية الفرنسية بشكل خاص، ولم يكن هذا التغيير فوريًّا بطبيعة الحال، ولكنه كان فعالاً لأنه يتعلق بمعتقدات وأفكار الناس، من الطلبة والعمال - وقد كنت في هذه الفترة - أعمل أستاذًا بالجامعة، ولكنني تعلمت من طلبتنا وعمالنا درسًا كبيرًا، مفاده أن بعض الأنظمة قد يشكل خطورة كبيرة بنجاحه أبعد من الخطورة التي تنتج عن فشله. ويتمثل هذا النظام في النمط الغربي في التقدم والنماء، سواء كانت تعبر عنه رأسمالية تفرز الاستعمار والحروب والأزمات الداخلية المميتة، أو اشتراكية سوفييتية تضطهد شعبها، وتستغل العالم الثالث، وتتسابق إلى التسلح الرهيب والسيطرة؛ ذلك لأنهم في الاتحاد السوفييتي يتبنون النمط ذاته، ولنتذكر شعارات ستالين ومن بعده خروتشوف التي تركز على حتمية اللحاق بالرأسمالية وسباقها. وفي الحقيقة لا أدري أي نوع من الاشتراكية هذه؟ هل تهدف إلى إثبات أن الرأسمالية أفضل من الرأسماليين القائمين عليها؟!
ولأنني عبرت عن اعتقادي بأنه في ظل هذا النمط من التوسع والنماء يستحيل إقامة بناء اشتراكي، وأن الاتحاد السوفييتي ليس اشتراكيًا بحال من الأحوال، وأن الاشتراكية ليس لها وجود في أي مكان في العالم، طردت فورًا من الحزب الشيوعي، وكان ذلك في عام 1970م أي منذ ثلاثة عشر عامًا.
بعد ذلك قمت بالتعاون مع مسؤولى منظمة اليونسكو بتأسيس "المعهد الدولي لحوار الحضارات" بهدف إبراز دور البلاد غير الغربية وإسهامها في الثقافة العالمية، حتى يتوقف الحوار ذو البعد الواحد من جانب الغرب أو "المونولوج" الذي يقوم على وهم وعقدة التفوق عند الإنسان الغربي، وقمت بنشر عدة كتب في هذا المجال تبرهن على أن الحضارة الغربية التي تمجد الفردية، وتبتر من الإنسان أبعاده الإنسانية، وتفصله عن السمو الروحي، وتغتال الفكرة الجماعية، وتضع حاجزًا بين العلم والتقنية من ناحية وبين الحكمة من ناحية أخرى، هذه الحضارة قد استنفدت أغراضها، ولم تعد لها ضرورة.
وأخيراً نشرت عدة كتب تدحض زعمهم بعدم إسهام العالم غير الغربي في الثقافة والحضارة الغربية منها كتاب "مبشرات الإسلام" و "الإسلام يسكن حضارتنا".
وهكذا ترون كيف كنت قريبًا من الإسلام، لأني بدأت السير على طريقه الموصلة بشكل مبكر.
**الفيلسوف المسلم جارودي: إن القدرة على النفاذ والإحاطة والفهم العميق قد تختصر الطريق إلى الإيمان، ولكن تبقى خفقة القلب، والهزّة الروحية التي تحدث النقلة المباشرة؛ فهل يمكن أن نقف على تفاصيل هذه المرحلة الهامة في حياتك؟
اتخذت خطوة علمية بعد تكشف الموقف الذي تتبناه الكنسية الكاثوليكية من القضية الفلسطينية - ولا أقول هذا من منطق توجهات شخصية - ولكن يبدو لي أن الأسلوب الذي يسود الكاثوليكية، وطريقتهم في تعليم الأطفال الإنجيل في فصول كمدارس الأحد عند البروتستانت، هذا الأسلوب يعتمد الدعاية الصهيونية، حيث يخلف انطباعًا - على سبيل المثال - بأن أرض فلسطين قد منحت لليهود بوعد إلهي مقدس لإبراهيم - عليه السلام -، الأمر الذي يوضح مدى تأثير اليهود في التعاليم النصرانية. وإبان الغزو الإسرائيلي الأخير على لبنان نشرت بيانًا في صحيفة "لوموند" أعلنت فيه إدانة الصهيونية، وكانت النتيجة أنني الآن ومدير تحرير "لوموند" نعتبر متهمين بمعاداة السامية. وعلى العكس من ذلك تمامًا، فإن الصهيونية لا تنبع من اليهودية كدين، إنما هي نتاج مناخ القوميات العرقية والعنصرية في أوروبا في القرن الثامن عشر، فصّل الدين عليها أو فُصِّلت عليه، وتيودور هرتزل - الذي أنشأ الصهيونية السياسية - لم يكن رجل دين، بل إنه إنسان ملحد، استخدم الإنجيل فقط لكي يثبت ادعاءاته.
على أي حال، فقد اتهموني بمعاداة اليهودية. ولا يفوتني هنا أن أنوه بلقائي بسلمى نور الدين - زوجتي المسلمة - عندما دعيت إلى جنيف لإلقاء محاضرة حول كتابي "الإسلام يسكن حضارتنا"، فقد رأيت فيها صورة حية للإسلام وسط محيط أوروبي، صحيح أنني زرت عدة بلاد إسلامية، مثل الجزائر - حيث تأثرت كثيرًا بوجودي هناك - والمغرب وإندونيسيا ومصر والعراق، ولكني لم أكن أقترب كثيرًا من العلاقات الحياتية للإنسان المسلم.
الإنسان مخلوق متفرد:
* المفكر العالمي جارودي: عند هذه المرحلة من الحوار، قد يكون من المناسب أن نسأل عن الهاجس الفكري الذي كان يشغل حياتك، وكيف وجدت الإجابة عليه بعد أن هداك الله - تعالى - إلى الإسلام.(17/41)
* إذا حكمت على الأمور في ضوء تجربتي الشخصية، فإنني أقول بأن ما كان يشغلني هو البحث عن النقطة التي يلتقي فيها الوجدان بالعقل، أو الإبداع الفني والشعري بالعمل السياسي العقيدي، وقد مكنني الإسلام بحمد الله من بلوغ نقطة التوحيد بينهما، ففي حين أن الأحداث في عالمنا تبدو عمياء متطاحنة، وقائمة على النمو الكمي والعنف، يروضنا القرآن الكريم على اعتبار الكون والبشرية وحدة واحدة، يكتسب فيها الدور الذي يسهم به الإنسان معنىً. وفي حين أن نسيان الله يجعل منا عبيدًا هامشيين خاضعين لضرورات وصدف خارجية، فإن ذكر الله - تعالى - في الصلاة يكسبنا وعيًا بمركزنا وبموردنا؛ الذي هو أصل الوجود.
ويدعو القرآن الكريم إلى أن نكتشف في كل شيء وفي كل حدث إشارة للخالق، ورمزًا لواقع يعلو النظام الفريد الذي يسوس الطبيعة والمجتمع الإنساني والنفس البشرية. فطرة الدين الأساسية هي فطرة التناسق والوحدة الصادرة عن الله - سبحانه - والراجعة إليه.
إن ما يجعل الإنسان إنسانًا هو إمكانية تحقيقه للمقاصد الإلهية، وفي استطاعته أن يلتزم بالعهد أو أن ينقضه، فعلى حين أن الإسلام لا يدخل في نطاق إرادة المخلوقات الأخرى من نبات وحيوان وجماد، إذ لا تستطيع الهروب من القوانين التي تسوسها، نجد أن الإنسان وحده يستطيع عدم الامتثال، فيصبح مسلمًا بقرار حر وباختيار كامل، عندما يعي نظام الوحدة والكل الذي يكسب الحياة معنى، وهو مسؤول مسؤولية كاملة عن مصيره طالما باستطاعته أن يرفض أو يستسلم للإرادة الإلهية القدرية. وقد أرسل الله - تعالى - الرسل إلى كل الأمم يدعونهم إلى الله - سبحانه -، والملة الأولى التي دعا إليها إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من رسل الإسلام - عليهم السلام -، قبل أن تحمل الرسالة الخالدة في تمام كمالها النهائي الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -. فالعقل الكامل الذي لا يقتصر على ربط العلة بالعلة وإنما يرتقي من غاية إلى أخرى ليرجع كل شيء إلى الغاية القصوى، هذا العقل لا يتعارض مع الوحي بل يستنير به.
تحريف اليهود والنصارى:
** في الندوة التي عقدتها منظمة "اليونسكو" في باريس - واشتركتم فيها - تحت عنوان: "هل يستطيع الإسلام الهيمنة على مستقبل الغرب " طرحتم فكرة إمكانية قراءة التاريخ من وجهه نظر وحدوية؛ على أساس أن إبراهيم والمسيح - عليهما السلام - ومحمدًا - صلى الله عليه وسلم - يكمل بعضهم بعضًا، فماذا تعني بهذه الفكرة؟
** هذا التكامل في نظري عبارة عن حلقات تاريخية، فكل نبي أرسل في مرحلة تاريخية قد مهد لمن جاء بعده، وانتهت أصول هذه الديانات السماوية إلى الرسالة الكاملة الخاتمة كما جاء بها (محمد - صلى الله عليه وسلم -)باعتبار أن الإسلام قد اكتمل بنزول القرآن الكريم، والقرآن قد أورد هذا، وسمى الأنبياء السابقين كلهم مسلمين، وبالنسبة للإسلام فهو الدين الوحيد الذي يعترف بالأديان السابقة. ويعتبر إبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام أنبياء مسلمين. ورسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في القرآن- لم يقل في الأحاديث الشريفة إنه جاء بعقيدة جديدة، ولكنه أوضح أنه جاء ليذكر بملة أبينا إبراهيم. كما بين أن تعاليم هؤلاء الأنبياء المسلمين من قبله قد حُرِّفت، وأن التحريف بدأ من أيام اليهودية، وقد تضمن كتابي الأخير "ملف إسرائيل" معلومات تاريخية موثوقة تفيد بأن التحريف بدأ بعد العودة من بابل، أما بالنسبة للنصرانية فإن التحريف بدأ بإعلان "نيقية" الذي حرروه سنة 325 للميلاد، وتضمن فكرة أن المسيح ابن الله - - سبحانه وتعالى- وبالنسبة للكاثوليك أو الأورثوذكس أو البروتستانت، فكلهم يؤمنون بإعلان "نيقية" وفكرة أن المسيح ابن الله، التي لم ترد في الإنجيل، ولكن وضعت وضعًا، ولذلك فأنا أؤمن بأن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاء بالملة الأولى - ملة إبراهيم - وهي أكثر صور العقيدة تكاملاً، فاليهود يكفرون بالمسيح - عليه السلام - ويكفرون بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والنصارى بدورهم يكفرون به، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - يؤمن بإبراهيم وموسى وعيسى - عليه السلام -.
الثقافة.. والعلم والحكمة:
في الحقيقة يمكن الانتقال إلى نقطة ثانية، وهي أن الإنسان الأوروبي في فترة من الفترات كان يعتقد أن حضارته وتصوراته وثقافته هي المقياس الذي يجب أن تقاس به سائر الحضارات، فكل ما وافق الفكر الأوروبي اعتبره حضارة، وكل ما خالف الفكر الأوروبي لم يعتبر حضارة، وهكذا مرت أوروبا بفترة الإنسان المتفوق، وأصيب الأوروبي بعقدة التفوق، واعتبر أن المسلمين ليسوا سوى نقلة أو وعاءٍ فقط للحضارة اليونانية القديمة والرومانية القديمة؛ الأمر الذي يعبر عن عجزهم عن قراءة التاريخ الحضاري قراءة أمينة وصحيحة، فالحضارة - تاريخيًّا - لم تكن حكرًا على عرق بشري معين، ولو كانت كذلك لاستوطنت تاريخياً في مكان واحد، أما وقد تنقلت من شعب إلى شعب، ومن أمة إلى أمة، فإن قضية المراهنة الحضارية على الإنسان الأوروبي فيما نعتقده خاسرة؛ فما هو موقفكم من هذه القضية؟(17/42)
لقد ورثت الثقافة الأوروبية - التي تعتمد عليها حضارة الغرب - مضمونها من أصل مزدوج من التراث اليوناني الروماني، واليهودي النصراني، وأغفلت عمدًا التراث الثالث، أي التراث العربي الإسلامي. وقد وقع الحط من قيمة التراث العربي الإسلامي لسببين؛ أولهما: أنه اعتبر - عمدًا - عاملاً بسيطًا ناقلاً لثقافات وأديان قديمة، أو مجرد مترجم ومعلق على الفكر اليوناني، وثانيًا: اعتبر - عمدًا - مجرد فترة تاريخية سابقة لثقافتنا، وبالتالي يمكن أن تنحصر دراسته في نطاق المهتمين بالتاريخ القديم، وبهذا المنظار قالوا بأن الإسلام لا يمكن أن يأتي بجديد، ولا يحتوي على أي مضمون حيوي.
والرأي عندي أن هذا الاتجاه المزدوج ينبغي لنا أن نحاربه لأنه اتجاه خطير، وتأتي خطورته من أنه يمنعنا من فهم الحاضر وبناء المستقبل.
وقبل كل شيء، فإن القول بأن الفكر الإسلامي مجرد مترجم وناقل للفكر اليوناني أمر لا أساس له من الصحة؛ فالرياضيات اليونانية تعتمد على مفهوم "النهائي" على حين أن الرياضيات العربية تعتمد على مفهوم اللانهائي. كما أن "المنطق" اليوناني كان "منطقًا نظريًّا" على حين أن العلم العربي علم تجريبي في أساسه، والهندسة المعمارية اليونانية تعتمد على الخط المستقيم، أما الهندسة الإسلامية فهي سيمفونية من الأقواس والمنحنيات كما تبدو واضحة في المساجد، ومن ناحية الفلسفة نجد أن الفلسفة اليونانية ابتداءً من "برمنيد" إلى "أرسطو" هي فلسفة "الوجود"، أما الفلسفة العربية الإسلامية فهي فلسفة "الفعل" والمأساة اليونانية لا يمكن تصورها في النظرة الإسلامية للحياة، كما أن الشعر العربي لا يعقل في التصور اليوناني للحياة بمفاهيمه "النهائية" و "الكمية".
** في الحقيقة.. هذه الإيضاحات تنقلنا إلى سؤال آخر يتعلق بطبيعة الاختلاف بين الثقافة الأوروبية والثقافة العربية الإسلامية حول مفهوم العلاقة بين العلم والحكمة، الأمر الذي يؤكد عدم صحة المقولة الأوروبية التي تنال من دور الحضارة الإسلامية وتأثيرها.
** إن العلم العربي الإسلامي - على عكس مفهومنا الوضعي - لا يفصل بين العلم والحكمة، بمعنى أنه لا يغفل أبدًا عن المعنى والغاية، ولا يفصل بين تحليل الروابط التي تصل الأشياء بعضها ببعض، وتساعد على اكتشاف القوانين التي تسوسها - وبين ربط هذه العلاقة مع "الكل" الذي يكسبها "معنىً"، فهو علم دنيوي بعلاقاته مع الأشياء، وهو مقدس - حتى أبسط عناصره - لصلته بالخالق. وإن العلم يتحول إلى "علمية" إذا تخلى عن المعنى والسمو الروحي، كما تؤدي "التقنية" إلى تقنوقراطية ما دام التطور الكمي للعلم وللتقنية قد أصبح غاية في حد ذاته.
وفيما يتعلق بمقولات الأوروبيين فإن نهضة الغرب لم تبدأ في إيطاليا مع إحياء الثقافة الرومانية اليونانية، بل بدأت في إسبانيا مع إشعاع العلوم والثقافة العربية الإسلامية، ولكن النهضة الغربية هذه لم تأخذ من العلوم الإسلامية سوى منهجها التجريبي وتقنياتها، وتركت جانبًا الإيمان الذي يوجهها نحو الله - تعالى - ويسخرها لخدمة البشر. على حين أن الإسلام لا يفرق بين البحث عن القوانين والأسباب والبحث عن الغايات والمعاني. ولا بين القوة التي توفرها لنا التقنية للسيطرة على الأشياء، ووجوب استعمالها كوسيلة لعبادة الخالق. كما أن الإسلام لا يفرق بين الإيمان في الاقتصاد والإيمان في السياسة، بل على العكس يوحِّد بينهما في بنية واحدة على أساس إرجاع كل "ملك" وكل "مقدرة" كما هو الشأن بالنسبة لكل "علم" إلى الله الواحد الأحد.
"الله أكبر".. والحرية الحقيقية:
** ربما يؤكد هذا أيضًا أن المفهوم الإسلامي للدولة والقانون هو عكس ما ذهب إليه القانون الروماني، الذي يعتبر أصل القانون الأوروبي، وكل القوانين التي تدور في فلكه.
هذا صحيح، فالملكية في المفهوم القرآني - على سبيل المثال - ليست ملكية رأسمالية بمقتضى حق الاستعمال والاستغلال كما هو الشأن في القانون الروماني، بل الله - سبحانه - هو المالك الوحيد، والتصرف في الأشياء الدنيوية ليس سوى وظيفة اجتماعية، واستعمال الملك يكون موجهًا دائمًا إلى غايات تتجاوز الفرد في حد ذاته ومصلحته الخاصة. وهذا هو الفرق بين النزعة الفردية والنزعة الجماعية، فلا سلطان سوى سلطان الله تبارك و- تعالى -، وهذا ما يجعلنا نستبعد الملكية المقدسة (الثيوقراطية) التي تدَّعي بأنها تستمد سلطتها من إرادة الله - كما هو الشأن بالنسبة لملوك أوروبا في القرون الوسطى - والتي تجعل من الأمير ممثلاً لله في الأرض، ونستبعد في الوقت نفسه النظام الديمقراطي الذي يعتمد على إسناد الحكم إلى فرد منتخب أو حزب.(17/43)
إن عبارة "الله أكبر" التي يطلقها المسلم للتعبير عن عقيدته: تجعل من كل سلطان ومن كل ملك، ومن كل علم أمرًا نسبيًّا. إن هذا النداء هو تعبير عن الحرية الحقيقية، لأنه تأكيد للبعد المتسامي للإنسان، أي تأكيد لقدرته على الخروج من حتمية طبيعته وغرائزه وعاداته وتجاوزها جميعًا. وهذه القدرة على التسامي هي المبدأ الأساسي لكل مجموعة إنسانية حقيقية. وإن ما تميزت به الدولة الإسلامية الأولى - التي أسسها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينة كدولة مثالية - أنها تجاوزت المجموعة القبلية المرتكزة على رابطة الدم، كما تجاوزت رابطة الأرض، ولم تعتمد على مصلحة اقتصادية واحدة أو تاريخ واحد، ولا حتى معطيات طبيعية وجغرافية - أي على "الطبيعة" وعلى "الماضي"، إنها "دولة رسولية" وأعني بذلك أنها تأسست على إيمان مشترك بالعظمة والكمال الإلهي، وتمثل مجموعة قدسية حقيقة متفتحة على الإنسانية بأسرها، فالخضوع لله وحده والصيغة الجماعية يمثلان البعد السماوي والإنساني اللذين يفتقدهما الغرب اليوم.
الكتاب.. والمحاكمة:
** قد يكون من المناسب الآن السؤال عن مهمة "المعهد الدولي لحوار الحضارات" الذي قمتم بإنشائه مؤخراً، وتصوركم عن الدور الذي يمكن أن يؤديه، والمشروعات التي يضطلع بتنفيذها في المرحلة الحالية؟
في المرحلة الحالية، وبالنظر إلى أن الدعاية الصهيونية منظمة تنظيمًا محكمًا في الغرب، وهي تمثل أحد العوائق الأساسية أمام تفهم العالم الغربي للحقائق وفهمه الصحيح للإسلام، فإن المعهد قد رسم لنفسه مهمتين:
الأولى: إيجاد جواب مقنع للدعاية الصهيونية، والثاني: إبراز صورة أمينة للإسلام في لغة تمكننا من تحقيق أكبر إشعاع ممكن في العالم الغربي، وقد بدأنا هذا العمل بكتابين اثنين - كمرحلة أولى لمشروع كبير - صدر أحدهما تحت عنوان: "مبشرات الإسلام"، أما الكتاب الثاني فهو عبارة عن ملف عن الصهيونية، وقد حرصت فيه على إظهار الحقيقة التي تتمثل في أن الصهيونية تلاقي اليوم خيبة عميقة في العالم الغربي لأنها قدمت ادعاءات أسطورية في قالب الحقيقة الواقعة، معتمدة في ذلك على التعاليم النصرانية القديمة، أولاً: مسألة "أرض الميعاد"، بدعوى إضفاء رؤية توراتية وتاريخية لملكية أرض فلسطين بتشريع إلهي، مبررين بهذا الوعد المزعوم احتقارهم لحقوق الشعب الفلسطيني.
وثانياً: مسألة "شعب الله المختار" حتى يكون هذا الشعب هو القدوة في العالم، وتعتبر الكنائس النصرانية، ومن ورائها كل العالم الغربي، أنها الوريثة لهذا الشعب المختار، ومتضامنة معه حيث إنها مكلفة بالرسالة نفسها. وبهذا الخلط المستمر بين إسرائيل الواردة في التوراة، ودولة إسرائيل المعاصرة، فإن الأخيرة تمكنت من أن تواصل - بدون رادع - القيام بدور الوكيل للاستعمار الغربي الجماعي، وهذا يوضح كثرة الأموال الطائلة التي تتلقاها من الخارج خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الشبكة العالمية للصهيونية، التي تمثل أهم مواردها المالية. كما يوضح أيضًا إيمان الغرب بالأساطير الصهيونية التي تقدم إسرائيل في صورة من يعمل على إحياء "الصحارى" - وهي الصورة التقليدية لكل استعمار - ويفسر في الوقت نفسه المساعدات العسكرية الرهيبة التي تغمرها بدون قيد ولا شرط، بما في ذلك تجهيزاتها النووية. إن الأسطورة الصهيونية تستخدم المبرر التاريخي التوراتي للسياسة التوسعية لإسرائيل، ليس فقط من النيل إلى الفرات، ولكن - كما صرح بذلك أرييل شارون - الدردنيل، والسويس، والخليج، والمغرب تهمهم أيضًا وتثير شرههم.
وأخيراً أرفقت بالكتاب وثيقة هامة جدًّا، وهي مقال نشرته صحيفة "كيفونيم ريفيو" الإسرائيلية بواسطة الحركة الصهيونية العالمية، وهي ليست ورقة عفوية أو عادية، والكاتب هو واحد من القدماء العاملين في حقل السياسة الخارجية في إسرائيل، الذي أوضح أن سياسة إسرائيل في الثمانينيات ستعتمد على تقسيم جميع الدول العربية على أساس عرقي أو عنصري Disintegration.
- الأردن: بتقسيمه بين الأردنيين والفلسطينيين، بعد توطينهم هناك. والعراق: بتقسيمه بين السنّة والشيعة - ومصر بإثارة الصدام بين الأقباط والمسلمين. والجزائر: بإشعال الحرب بين القبائل.
- أما عن منطقة الخليج، فتقول الوثيقة، إن هذه الدول ضعيفة لأن معظم شعبها من الأجانب، وسيكون من السهل إثارة الحرب بينها من أجل البترول.
أما تاريخ نشر هذه الوثيقة فهو شهر يونيو عام 1982م - في الوقت الذي جرى فيه غزو لبنان - وقد قمت بتوزيعها على سفارات الدول العربية جميعها. وفي رأيي أنه من المفيد ترجمتها إلى عشر لغات مثلاً وتوزيعها بكميات كبيرة على العالم أجمع. يقول جارودي:
لقد سلمت أصول الكتاب إلى مسؤول دار النشر التي أتعامل معها، وهي (سييل Seuil) بباريس، وهو إنسان ممتاز من أصل بولندي واعتنق الإسلام، وبعد عرض الأصول على مجلس الإدارة، رفضوا طباعته ونشره لأنهم يخشون أن تنسف الدار أو تتعرض للإفلاس بسبب النفوذ الصهيوني المعروف في مجالات النشر والتوزيع والإعلام والصحافة في فرنسا والغرب بصفة عامة، فتركت الكتاب عند أحد المحامين لبحث عن دار أخرى، ربما تكون صغيرة، فتجازف بنشره.
وأضاف: وربما إذا توصل المحامي إلى نتائج طيبة يتصل بي. إن ما يهمني هو التعجيل بالنشر لأنني أنتظر محاكمة في مارس القادم بتهمة معاداة اليهودية والسامية بعد نشر إعلان المبادئ في صحيفة "اللوموند" في يونيو الماضي، والذي أستنكر فيه الغزو الإسرائيلي للبنان. وأود أن يتم النشر قبل المحاكمة، ولكن الكتاب سوف ينشر بإذن الله.(17/44)
** وبعد.. ففي الوقت الذي بدأت فيه الحضارة الغربية تمتلك كل الإنجازات المادية، ونعيش نحن أزمة التخلف في وسائلنا لا بد من الاعتراف بأن بعضنا قد يمارس - بغير إرادته - نوعًا من التعويض، فيندفع نحو القادمين إلى الإسلام بدون قيد وبلا حدود.
فإلى أي مدى نستطيع أن نستفيد من خلال تعاملنا مع الذين يقدمون على اعتناق الإسلام ويدخلون ساحة الأخوة الإسلامية، بالقدر الذي يسمح به تخصصهم واهتمامهم ومعرفتنا الكاملة لخلفيتهم الفكرية والعقائدية؟!
"جمادي الأولى 1403 هـ - شباط (فبراير) 1983م"
http://www.islamweb.net المصدر:
=============
دعوة إبراهيم عليه السلام في القرآن
محمد بن عبد العزيز الخضيري
إن الدعوة إلى الله - تعالى - طريق الأنبياء - عليهم السلام - وأتباعهم كما قال - تعالى -: ((قُلْ هَذِهِ سَبيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي وسُبْحَانَ اللَّهِ ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ)).
وكان مما اعتنى به القرآن الكريم ذكر قصص دعوات الأنبياء، وتصويرها بأبلغ أسلوب، وعرضها بأدق عبارة، حتى أصبحت أخبارهم في القرآن نماذج حيّة يحتذيها الدعاة ويقتبسون من نورها، ويهتدون بهداها ((أُوْلَئِكَ الَذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)). وقد اخترنا دراسة موضوع الدعوة إلى الله من خلال قصة إمام الحنفاء وأبي الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - ولم يكن اختياري لهذه الدعوة جزافاً بل لأسباب أوجزها فيما يلي:
أولاً: أنها دعوة خليل الرحمن، ومؤسس الحنيفية، وأحد أولي العزم الخمسة من الرسل.
ثانياً: أن رسولنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - قد أمر باتباع ملته ((ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ومَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ)).
ثالثاً: تلك الصفات العظيمة التي تحلى بها إبراهيم حتى قال الله - تعالى - فيه ((.. وإبْرَاهِيمَ الَذِي وفَّى)) فكانت نبراساً يقتفى أثره فيها الدعاة إلى الله.
رابعاً: استغراق القرآن واستقصاؤه لأساليب إبراهيم المتنوعة في عرض دعوته على قومه، حتى إنه ليعز على الباحث أن يجد لنبي من الأنبياء خلا نبينا - صلى الله عليه وسلم - مثلما يجد لهذه الأيام من الطرائق والسبل في إقناع المدعوين وترويضهم على قبول الدعوة. ولا غرو فقد سنَّ للناس من بعده من الدعوة أساليب لم تعهد لأحد من قبله ولم تقف عند حد الكلمة بل تخطتها إلى الحركة والفعل.
خامساً: رسمت هذه الدعوة للدعاة منهاجاً في الصبر يحق لهم أن يقتدوا به، فقد صبر إبراهيم - عليه السلام - في أحوال مختلفة وظروف متباينة وأعمال متنوعة كالصبر على جفاء الأبوة، وعدوان العشيرة، وهجران الأرض، والفتنة بالنار، والأمر بذبح الولد، وغير ذلك.
وسنعرض الموضوع من خلال نماذج من صفات إبراهيم - عليه السلام - الدعوية وأساليبه في نشر دعوته.
نماذج من صفات إبراهيم الدعوية:
لن يتسع المقام لحصر تلك الصفات التي اتسم بها إبراهيم - عليه السلام - فلقد وصفه ربه بأنه وفّي جميع مقامات العبد مع ربه ولذلك سنقتصر. على جملة من الصفات ونخص بالذكر منها ما له صلة ظاهرة بدعوته، وله أثر ظاهر في الاهتداء والاقتداء به.
1- أمة:
قال - تعالى -: ((إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً..)) وهذه الكلمة تأتي لعدة معان، منها الجماعة ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً))، ومنها الزمان والحين ((وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ)) ومنها: الرجل الجامع لخصال الخير حتى يقوم مقام أمة من الناس، وهذا هو المقصود في حق إبراهيم، وهذه تدلنا على عظيم ما كان يتصف به إبراهيم من عبادة ودعوة وخلق حري بأن يحتذي به الدعاة في حياتهم وتزكية أنفسهم، واجتهاد أحدهم في تقويم أخلاقه والنشاط في دعوته ليقوم مقام أمة في ذلك. وقيل أن المقصود بالأمة هنا: أي الإمام، أي قدوة يقتدى به في الخير، وممن قال به ابن جرير الطبري وابن كثير.
2- قانت:
قال - تعالى -: ((إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِّلَّهِ حَنِيفاً))، والقنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع، وكذا يجب أن يكون الداعية ملازماً لطاعة الله على كل حال، فلا يكون كالمنبت يجتهد حتى تكلّ راحلته، ثم ينقطع، بل يلازم ويستقيم.
3- حنيفاً:
والحَنَف: الميل عن الضلال إلى الاستقامة، والحنيفُ: المائل والجنف: ضده. والأحنف: مَنْ في رجله ميل سمي بذلك تفاؤلاً، وقيل لمجرد الميل.
قال ابن كثير: الحنيف: المنحرف قصداً عن الشرك إلى التوحيد. وقد كان ذلك من إبراهيم حتى عُدَّ إمام الحنفاء الموحدين، قال - تعالى -: ((ولَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ))، وقال: ((ومَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ))، وهكذا فليكن أولياء الله.
4- شاكر:
قال - تعالى -: ((شَاكِراً لأَنْعُمِهِ)) أي قائماً بشكر نعم الله عليه (وأصل الشكر) ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان ظهوراً بيناً. يقال: شكرت الدابة: أي سمنت وظهر عليها العلف، وكذلك حقيقته في العبودية: وهذا ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافاً، وعلى قلبه: شهوداً ومحبة، وعلى جوارحه: انقياداً وطاعة. والشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه، وأن لا يستعملها فيما يكره(1)، وقد كان ذلك من إبراهيم - عليه السلام -.
5- الحلم:
قال - تعالى -: ((إنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ)).(17/45)
والحلم: ضبط النفس والطبع عن الهيجان عند الاستثارة. والحليم: الكثير الحلم وموقف إبراهيم من مقالة أبيه ((لأَرْجُمَنَّكَ)) ومن العتاة قوم لوط حينما مرت به الملائكة وأخبرته بما أمرت بها قال: ((فلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وجَاءَتْهُ البُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ))، ولم يكن حلم إبراهيم ذريعة يتذرع للسكوت عن المنكر بل كان يعلن الحق وينكر الباطل ((وتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)).
6- أوّاه:
قال الراغب الأصفهاني: "الذي يكثر التأوه وهو أن يقول: أوّه وكل كلام يدل على حزن يقال له التأوّه، ويعبر بالأوّاه، عمن يظهر خشية الله - تعالى -"(*)، والذي يتحقق من معنى الأوّاه أنه الخاشع الدعّاء المتضرع، وكثرة تأوّه إبراهيم وتضرعه بين يدي ربه قد ذكرت في آيات كثيرة تدل على تحقيق إبراهيم ((رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وإلَيْكَ أَنَبْنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ))وجدير بمن سلك طريق الدعوة أن يجعل تعجيل الإنابة من أبرز سماته ليكسب عون ربه وتسديده ومحبته.
7- السخاء:
قال - تعالى -: ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ * إذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًاً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ)) فذكر أن الضيف مكرمون لإكرام إبراهيم لهم، ولم يذكر استئذانهم ليدل على أنه قد عرف بإكرام الضيفان، مع أنهم قوم منكرون لا يعرفهم فقد ذبح لهم عجلاً واستسمنه، ولم يعلمهم بذلك بل راح: أي ذهب خفية حتى لا يُشعر به، تجاوباً لضيافة، فدل على أن ذلك كان معداً عندهم مهيئاً للضيفان، وخدمهم بنفسه، فجاء به ومرّ به إليهم ولم يقربهم إليه، وتلطف مبالغة في الإكرام فقال: ((أَلا تَأْكُلُونَ)). قال ابن القيم: "فقد جمعت هذه الآية آداب الضيافة التي هي أشرف الآداب، وما عداها من التكلفات التي هي تَخَلف وتكلف: إنما هي من أوضاع الناس وعوائدهم، وكفى بهذه الآداب شرفاً وفخراً فصلى الله على نبينا وعلى إبراهيم وعلى آلهما وعلى سائر النبيين"(2).
8- الصبر:
كان إبراهيم مثلاً يحتذى في الصبر حتى استحق أن يكون من أولي العزم الذين أمر رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن يصبر كصبرهم ((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)). وكان صبر إبراهيم شاملاً لابتلاءات كثيرة، سيأتي بيان جملة منها بإذن الله.
9- رعايته لأهله:
لم يكن إبراهيم ممن يلتفت إلى الناس بدعوته ويترك أهله، بل بدأ بهم وخصهم بمزيد الرعاية والعناية وقد قال الله لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ((وأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)) وكذلك كان إبراهيم، فدعا أباه ((يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ))، ووصى أبناءه بالتمسك بالدين ((ووَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ..))، وكان يدعو ((واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ))، ويتضرع بقوله: ((رَبَّنَا إنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ وارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)).
10- شجاعته:
واجه إبراهيم قومه ولم يخش كيدهم وقال مقسماً: ((وتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ))، وقوله لهم: ((أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ..)).
وكان ذلك لعلم إبراهيم بأن معه القوة التي لا تهزم، وأن ما أصابه لم يكن يخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فرسم للدعاة منهجاً في الشجاعة المنضبطة بضوابط الشرع بلا تهور يحتذونه في مواجهة الباطل من إقرار الحق.
11- تحقيقه الكامل لعقيدة الولاء والبراء:
قال - تعالى - عن ((فَمَن تَبِعَنِي فَإنَّهُ مِنِّي))، وقال: ((وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إلاَّ الَذِي فَطَرَنِي فَإنَّهُ سَيَهْدِينِ)) فكل عدو لله وإن قربه النسب تجب البراءة منه، وكل ولي لله وإن باعدت به الأوطان والأزمان تجب موالاته ومحبته وقد أمرنا أن نتأسى بإبراهيم في ذلك: ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ ومِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وبَدَا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ والْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وحْدَهُ..)).
12- سلامة القلب:
قال - تعالى -: ((وإنَّ مِن شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ * إذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)) وسلامة القلب نوعان: كلاهما داخل في مضمون الآية، أحدهما: في حق الله وهو سلامة قلبه من الشرك، وإخلاصه العبودية لله، وصدق التوكل عليه. والثاني: في حق المخلوقين بالنصح لهم وإيصال الخير إليهم، وسلامة القلب من الحقد والحسد وسوء الظن والكبر وغير ذلك.
وبعد فهذه جملة مختصرة من الصفات الدعوية لإبراهيم - عليه السلام - سائلاً الله - تعالى - أن يوفقنا لاتباع ملته والسير على منهجه وبالله التوفيق.
مراحل دعوة إبراهيم
ذكر القرآن الكريم لدعوة إبراهيم - عليه السلام - ثلاث مراحل، نوجزها فيما يلي:
المرحلة الأولى:(17/46)
دعوته لأبيه، وقد صورتها أبلغ تصوير آيات سورة مريم حيث يقول الله - جل وعلا - ((واذْكُرْ فِي الكِتَابِ إبْرَاهِيمَ إنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِياً (41) إذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً (42) يَا أَبَتِ إنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِياً (43) يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِياً (44) يَا أَبَتِ إنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ ولِياً (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ واهْجُرْنِي مَلِياً (46) قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إنَّهُ كَانَ بِي حَفِياً (47) وأَعْتَزِلُكُمْ ومَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِياً))[مريم41 / 48].
لقد كانت كلمات إبراهيم تفيض حناناً وشفقة وتتدفق عطفاً ورقة، فبيّن لأبيه أن ما يعبده فاقد لأوصاف الربوبية من السمع والبصر فضلاً عن الخلق فكيف يضر أو ينفع ثم أردف ذلك ببيان ما قد أوتيه من علم وحكمة وأن دعوته فد بنيت عليهما ففي اتباعه سلوك الصراط السوي، ثم حذره من عدو البشرية الذي تلبس بمعصية الرحمن فهو جدير بأن يتخذ عدواً وأن لا يطاع بل يعصى، ثم أعلمه بشدة خوفه عليه من أن يمسه مجرد مس عذاب من الرحمن فيكون ولياً للشيطان، وأمام هذه الدعوة الحانية الرفيقة المتزنة نسمع عبارات الأب الفجة الغليظة التي تمثل صورة التقليد الأعمى وإغلاق القلب عن النظر والتأمل، ومع ذلك كله فإن الابن البار لم يواجه تلك السيئة إلا بالتي هي أحسن (سلام عليك) كحال عباد الرحمن الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا: (سلاماً) بل وعد بالاستغفار لأبيه، وذلك قبل أن يتبين له أنه عدو لله ((فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ)) ثم قرر اعتزاله ليراجع الأب نفسه، ولينأى إبراهيم بنفسه عن الشر ومواطنه، وكانت رحمة الله لإبراهيم أن عوضه بأبناء صالحين بررة عن أولئك القوم الفجرة.
المرحلة الثانية:
دعوته لقومه. بعد أن دعا إبراهيم أباه لقربه توجه بالدعوة إلى قومه، وكانوا فيما قبل قسمان، منهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يعبد الكواكب، وقيل: إنهم كانوا يعبدون الكواكب ويصورون أصناماً على صورها يعبدونها ويعكفون عليها، وعلى أي، فقد أبطل كلا المعبودين بالأدلة القطعية وبين وهاء ما هم عليه من العبادة، وبدأهم بالدعوة إلى توحيد الله بالعبادة وتقواه وبين لهم أن ما يعبدون ما هو إلا إفك مفترى، وأنها لا تملك لهم رزقاً فليعبدوا من يملك رزقهم، ثم أخبرهم بأنه مبلغ لا يستطيع هدايتهم إلا بإذن الله، ولفت أنظارهم إلى أن مصيرهم إن لم يستجيبوا للدعوة مصير أمثالهم فقد سبقهم على ذلك أمم ولحقهم من ربهم من النكال والعذاب ما لا يخفي عليهم، قال - تعالى - ((وإبْرَاهِيمَ إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * إنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وتَخْلُقُونَ إفْكاً إنَّ الَذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ واعْبُدُوهُ واشْكُرُوا لَهُ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وإن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ومَا عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ البَلاغُ المُبِينُ))[العنكبوت: 16-18].
- ولقد سلك إبراهيم في إقناع قومه مسلك المساءلة عن جدوى أصنامهم، هل تنفع أو تضر أو تسمع الدعاء، فما وجد إلا التبعية العمياء ((واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إبْرَاهِيمَ * إذْ قَالَ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)) فما كان من إبراهيم إلا أن أعلن البراءة مما هم عليه، وأوضح سبب ذلك وسبب قصره العبادة على الله ((قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إلاَّ رَبَّ العَالَمِينَ * الَذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ * وإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ… الآيات)) [الشعراء: 69 -80].(17/47)