من فضل الله - تعالى - على الأمة الإسلامية أن بعث فيها الحياة بعد سُبات طويل، وأنشأ فيها روحاً فيها سراية ضياء الفجر في ظلمات الليل، إذ أخلدت الأمة الإسلامية إلى الأرض منذ بدايات القرن الحادي عشر، ونست المعاني العلية، ورضيت بالدنايا، وتكالبت عليها الأمم، وانتقص الاستخراب ((الاستعمار)) أرضها من أطرافها وأوساطها، وإذا بالعالم الإسلامي قد دنس أرضه الكفار إلا بقعاً قليلة منه، واستطاع الكافرون تحطيم الدولة العثمانية واحتلال بيت المقدس ودمشق والقاهرة وبغداد والرباط وتونس وجاكرتا وسمرقند وبخارى وطشقند وحواضر إسلامية كثيرة كانت ملء السمع والبصر، وكانت عواصم الدنيا فيما مضى.
وليست هذه هي المصيبة وإن كانت من الحوادث العظام المفجعة لكن المصيبة كل المصبية هي أن الكفار تمكنوا من عقول وقلوب كثير من المسلمين خاصة الذين هم في مواقع التأثير، وغزوا أفكارهم ومعتقداتهم إلى الدرجة التي أصبح معها كثير من المسلمين أذناباً للكفار يرددون أفكارهم ويعجبون بطرائق حياتهم، وهذه المصيبة قد حدثت لأول مرة في بلاد المسلمين فكم من مرة استطاع فيها الكافرون السيطرة على بلادهم لكنهم لم يتمكنوا من عقولهم وقلوبهم، وفي كرة الكافرين الأخيرة تمكنوا ولا حول ولا قوة إلا بالله - من تغيير كثير من الأفكار والتصورات، وأنشأوا منابر لهم من صحف ومجلات وخطباء، ثم إذاعات مسموعة ومرئية، فكان العالم الإسلامي في أواخر القرن الثالث عشر ومعظم القرن الرابع عشر يعيش أهله في غربة غريبة، وضيعة عجيبة، وتأثر أفراده بالغزو الفكري كان أكبر بكثير من حظ الرجال، وذلك أن النسوة قد عشن دهراً طويلاً بمعزل عن حركات الإصلاح والتجديد لعوامل اجتماعية وبيئية، ولغلبة بعض التقاليد التي حالت دون توعيتهم وقيامهم بالمهمة التي ألقاها الشارع الحكيم على عواتقهن، ولتولي كثير من المشبوهات قيادة المجتمع النسائي الغائب عن الإصلاح والمصلحين إلا قليلاً.
وزاد الطين بلة ما وجه إلى حركات الإصلاح من ضربات على أيدي المشبوهين في طوال العالم الإسلامي وعرضه، فساد الشارع الإسلامي السفور في المظهر الخارجي، والضمور في الدين والأخلاق.
ولقد حدثني أحد العلماء الفضلاء أنه كان يدرس في الثمانيات الهجرية في إحدى العواصم العربية الكبيرة، وكان يريد أن يعُف نفسه فلم يجد امرأة محجبة حتى إنه كان يطلب امرأة تقبل أن تضع غطاء الرأس ((الإيشارب)) فلم يجد إلا بعد مشقة ومزيد بحث وتنقير.
هذه الفاجعة التي أصابت العالم الإسلامي كان لها أثر سيء في تربية الأجيال الإسلامية التي لا يربيها التربية الصحيحة إلا الأمهات المسلمات الملتزمات العاقلات.
وأنشئت تحت رعاية الكافرين وأذنابهم الجمعيات النسائية المشبوهة ذات الصلة بالماسونية واليهودية والصليبية، وأسفرت كثيرات من مدعيات الإسلام والعروبة عن وجههن القبيح، وخلعن ربقة الإسلام من أعناقهن بعد أن خلعن جلباب الحياء والخلق القويم، ولولا أن الله - تعالى - سخر للأمة الإسلامية نسوة صالحات لكان الحال أصعب والخطب أظلم.
ثم إن الله - تعالى - أتى الكافرين والمتغربين من حيث لم يحتسبوا، فبزغت شعلة من نار الحياء ونور الإيمان في صفوف المسلمين عموماً والنساء خصوصاً، وعاد كثيرات إلى الله تبارك و- تعالى -، ((والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعملون)) وفوجئ العالم كله بالعواصم العربية والإسلامية قد ارتدى النسوة فيها جلباب الطهر والعفاف والإيمان، ولم يقتصر الأمر على هذا بل إن جملة وافرة من نساء الطبقات المثقفة والغنية والحاكمة قد تُبن إلى رشدهن وأصبحن متمسكات بالحجاب والفضيلة والطهر والعفاف، وأنشئت مؤسسات وجمعيات لرعاية المرأة المسلمة والقيام على شؤونها، ووجد كاتبات مسلمات يعرفن دينهن ويحسنّ الحديث عنه.
بل إن السحر قد انقلب على الساحر، إذ أصبحت كثيرات من المسلمات في أوروبا وأمريكا ملتزمات بدينهن وحجابهن، فما أعجب هذا وما أحسنه وما أجمله!، ((صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون)) لكن هناك سكت المفسدون على هذا الذي يحدث وهل رفعوا الراية البيضاء أمام المؤيدات الإلهية التي أيد الله - تعالى - بها عبادة المؤمنين وإماءه المؤمنات؟
إن المفسدين قد ارتاعوا لما لحق مخططاتهم الخبيثة من تقويض وتدمير ولله الحمد، فكيف صنعوا وماذا عملوا؟
لقد عمدوا أولاً إلى السخرية والاستهزاء بالنسوة الملتزمات بدينهن وحجابهن، وذلك في الجرائد والمجلات والإذاعات المسموعة والمرئية بوسائل شتى كالكاريكاتير والكلمة المسمومة والحكايات المختلقة، وتعدى ذلك إلى التحرش بهن في الطرقات والمجامع من أسواق ومدارس وجامعات، فلم يزد ذلك الملتزمات إلا صموداً ورفعة، ولله الحمد.
ثم إن المفسدين عمدوا إلى اتهام المحجبات الملتزمات بأن وراء حجابهن فساداً يُخفينه بالغطاء الذي يضعنه، وساروا على هذا التعميم المجحف الظالم ردحاً من الزمان، وما زالوا.
ثم إنهم شككوا في أصل مشروعية الحجاب، وادعوا أنه من التقاليد العربية الزائدة على ما قرره الشرع بحق المرأة، وهذه مغالطة فادحة.
ولما استنفدوا الوسائل الفكرية الخبيثة في الطعن والدس عمدوا إلى سلاح العاجز فنزعوا الحجاب بالقوة في عدد من الدول العربية والإسلامية، وحاربوه بلا هوادة، ومنعوا دخول المحجبات إلى المدارس والجامعات ودوائر الدولة، وقد عجبت أشد العجب لما زرت قبل سبع سنوات دولة عربية وراعني أني لم أجد فيها امرأة محجبة، وأخبرني واحد من أهلها أن ذلك ممنوع بالقانون، فإنا لله وإنا إليه راجعون!، ويا لغربة الإسلام في تلك الديار.(15/79)
وما حادثة النائبة التركية الفاضلة مروة قاوقجي التي أقام المفسدون القيامة عليها بسبب تمسكها بحجابها في البرلمان، فطردوها منه وجردوها من جنسيتها التركية، إلى هذا الحد آلت الأمور في دولة بني عثمان التي حكمت أكثر العالم بالإسلام قروناً طويلات.
كل هذا الذي حدث يطمئن المرء أن الإسلام قادم وحاكم إن شاء الله وهذه إرهاصاته بادية ظاهرة، رائعة باهرة، وأصبح الحجاب سائداً في كل البلاد العربية والإسلامية أو في طريقه إلى السيادة والانتشار وخاب الكافرون والمفسدون، والمعركة بينهم وبين الصالحين طويلة ممتدة، والله المستعان.
أرجو أن لا يفهم من كلامي أن مظاهر الصحوة النسائية قد انحصرت في الحجاب ولوازمه لكن الأمر أوسع من هذا، فبالإضافة إلى الحجاب وهو أمر عظيم لا غنى للمجتمعات المسلمة عنه وإلا استبدل به العهر والدنس والفحشاء يستطيع المتابع رصد الظواهر التالية:
1- وجود نسوة صالحات مثقفات تولين الرد على المفسدين، وألفن كتباً وألقين محاضرات، وسعين إلى تقليص الفساد الفكري النسوي ومحاصرته في أطر ضيقة، وقد كان هذا المجال محصوراً في الرجال فيما مضى وقلما توجد امرأة تفهم دينها وتدفع عنه على هذا النحو الذي وجد بعد ذلك.
2- برزت نسوة داعيات إلى الله - تعالى - تولين قيادة المجتمع النسوي إلى الصلاح والرشد والهداية.
3- كونت مؤسسات وجمعيات نسائية تُعنى بشؤون النساء وترعى أحوالهن بمقتضي أوامر الشرع المطهر، وقد انتشرت تلك الجمعيات والمؤسسات في طول البلاد الإسلامية وعرضها، وذلك نحو مدارس تحفيظ القرآن الصباحية والمسائية، ولجان وجمعيات البّر والإغاثة، ونحو ذلك.
4- استطاعت بعض النسوة دخول البرلمانات العلمانية وتولين الدفاع عن الإسلام ورفع رايته ودحض النسوة المفسدات ومشاريعهن التي كُن ينشرنها في البرلمان بلا رادع ولا حياء، وأمر مشاركة النسوة في البرلمانات ومجالس الشعب اختلفت الأنظار فيه، وتُكلم فيه حلاً وحرمة، وأنا هنا لا أتحدث عن الحكم الشرعي الذي أميل إليه وهو بقاء المرأة خارج تلك المجالس المختلطة لكني أقول: إن وجودها قد يكون مهماً في بعض البلاد الإسلامية وتلك ضرورة تقدر بقدرها لا يتوسع فيها ولا يقاس عليها، وإنما قلت هذا حتى لا تنفرد النساء المفسدات بتمثيل النساء المسلمات في بعض البلاد العربية والإسلامية، والله أعلم.
5- ظهرت أنشطة نسائية جيدة تهتم بالبنات المراهقات والبنات والنساء لم تكن ظاهرة من قبل مثل المراكز الصيفية والدائمة، والمهرجانات والأسواق الخيرية، والمعروضات الخيرية والإغاثية، والأسواق التي تعرض المنتجات التربوية، وغير ذلك من الأنشطة التي كان لها أثر واسع في نشر الخير والهدى والتقى والصلاح.
تلك جملة وافرة من إيجابيات الصحوة النسائية الإسلامية، وهاهنا أذكر بعض السلبيات التي قد تغض من شأن هذه الصحوة قليلاً، وذكري لها إنما هو من باب التناصح لا من باب عد السلبيات والتشهير بها، معاذ الله فليس هذا من شيمة المسلم، وهذه السلبيات هي:
1- عدم وجود هدف واضح يجمع كثيراً من العاملات للإسلام، فكل واحدة تعمل كأنها في واد والأخريات في واد آخر، وليس بينهم رباط ولا تنسيق إلا القليل، وهذه مشكلة واضحة يراها المراقب بوضوح، وما لم تجتمع النسوة العاملات على كلمة سواء وبأهداف واضحة فإن الصحوة تظل محتاجة إلى لبنة لا يكتمل البناء بدونها.
2- كثرة الاختلافات بين النساء، ولعل ذلك يعود إلى عدم وجود رمز نسائي واضح تهرع النسوة إليه، وهذا لا يمنع وجود نساء عاملات عالمات فاضلات لكني أعني الرموز النسائية التي تجتمع حولها باقي النسوة ويُطعنها، فهذا الذي أزعم أنه قليل الوجود عزيز، ولهذا يكثر بين النساء الخلاف وتعدد وجهات النظر التي قد تقلل بركة العمل أو تمحقه لا قدر الله - تعالى -، ولعل هذه السلبية ناتجة بسبب السلبية الماضية.
3- سلبيات هي من خصائص المجتمع النسائي لا تكاد تنجو منها إلا القليل من النساء ألا وهي كثرة الكلام، وقصر النفس، واستعجال النتائج، وعدم كمال حسن التصرف، والغلو في العاطفة والاتكاء عليها، إلخ...
4- سلبيات يقع فيها المجتمع بعامة وتشارك النسوة بطبيعة الحال فيها، وهي تضييع الزمان، وسفول الهمة، والإخلاد إلى الأرض، والرضا بالواقع، وعدم الثبات على أمر واحد، وأنواع كثيرة من العجز ليس المقام مقام استقصائها.
وأخيراً أقول مؤكداً إني لم أعن بذكر هذه السلبيات إلا لكمال الشفقة على هذه الصحوة من أن تكبو أو تخبو أو تنعس مرة أخرى، إذ المرأة نصف المجتمع وعماده، والأمل فيها كبير أن تشارك بقوة لإعادة مجد الإسلام ورفعته مرة أخرى، وما ذلك على الله بعزيز.
http://www.muslema.com المصدر:
===========
مؤمن آل فرعون (1- 3 )
محمد سرور زين العابدين
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، أرسله إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على طريقته في الدعوة إلى سبيله، وصبروا على ذلك، وجاهدوا فيه وأظهر الله بهم دينه، وأعلى كلمته ولو كره المشركون، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:(15/80)
فقد لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ينفّذ أمر ربه في الصدع بالدعوة - من قومه عنتاً شديداً، وناصبه العداوة والبغضاء أهله وعشيرته، فهذا يعتدي عليه، وذاك يحذّر منه، وثالث يكذّبه ويتهمه بما ليس فيه. وكان الحق - جل وعلا - قريباً منه، يرعاه بعنايته، ويبصِّره بمفاوز الطريق - طريق النبوة - قال - تعالى -:
]ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين[[الأنعام: 34].
وقال جلّ من قائل:
[ ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم][فصلت: 43].
وقال: [فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون][الأحقاف: 35].
ولقد فعلت هذه الآيات فعلها في قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه صار يعلم من خلالها بأنه ليس وحده الذي سلك هذا الطريق، فقد سبقه إخوان له، نالهم من التكذيب والأذى ما ناله، ولقد نصرهم الله - جل وعلا - بعد صبرهم على المحن والابتلاءات، فاصبر كما صبروا، وأبشر بنصر الله:
[ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد][غافر: 51].
الدعاة إلى الله اليوم يتعرضون لألوان من القهر والتكذيب والتشريد لا تحصى، وليس لهم في هذه الأحوال التي تمر بهم إلا الالتجاء إلى الله يتلون آياته، ويستقون منها العبر والعظات، ويتأسون بسيرة رسول الله وسير من سبقه من الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعليهم أجمعين مع أقوامهم.
ومن أهم هذه السير: سيرة موسى - عليه السلام - مع الطاغية فرعون، وسيرته مع بني إسرائيل، وذلك لأننا نواجه في حياتنا طغاة مثل فرعون وملئه، كما نواجه أبناء القردة والخنازير الذين احتلوا قدسنا، وأقاموا دولة في فلسطيننا.
أي والله: في عصرنا هذا فراعنة يفكرون بالعقلية التي كان يفكر بها فرعون موسى: فهم يعتقدون أنهم معصومون [فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل]، وما يقولونه حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكل من لا يرى رأيهم ولا يقول بقولهم مجرم خائن، يجب أن ينال الجزاء الذي يستحقه، وهم الذين يختارون نوعية هذا الجزاء، فقد يختارون له السجن يعيش فيه حياة لا تطاق، ويبقى على هذه الحال حتى يفنيه الدهر، أو يموت تحت التعذيب، وقد يريحونه من حياة السجن وينفذون فيه حكم الإعدام.
وفي عصرنا هذا هامان وقارون وغيرهما من طغمة الفراعنة الجدد وملئهم.. هؤلاء الذين فقدوا أدنى معاني الخلق والمروءة والكرامة، فتراهم يزينون لفراعنتهم كل عمل قبيح، ويؤمّنون - إذا استشيروا - على كل قول يقوله سادتهم، ويبطنون في سرهم خلاف ما يعلنون، وهذا هو النفاق بأوسع معانيه، وهؤلاء هم بطانة السوء، لأنهم لا يبالون باتباع كل فرعون، فإن آمن آمنوا، وإن كفر كفروا، ومهما غيّروا وبدّلوا فإن شهواتهم ومصالحهم فوق كل اعتبار، وهي الدين الذي يدينون به، والفراعنة أنفسهم يعرفون حقيقة هذه البطانة.
وفي عصرنا هذا مؤمنون: يدعون إلى الله على هدى وبصيرة، ويعملون من أجل أن يكون الدين كله لله، ويصدعون بالحق حيثما كانوا، ولا يخشون بأس الفراعنة وكيدهم، ومن فضل الله على البشرية أنهم - المؤمنون - يتزايدون رغم الحرب الضروس التي يشنها فراعنة الأرض عليهم، ورغم استخدامهم لطرق جديدة في القتل والتعذيب والتشريد ما كان فرعون الفراعنة يعرفها.. وبين هؤلاء الدعاة مؤمنون يكتمون إيمانهم، وتختلف الأسباب التي تدفعهم لكتمان إيمانهم، ورغم كتمان إيمانهم فكل منهم يدعو إلى الله حسب طاقته، ووفق الإمكانات التي لا تجعله يخسر منصبه الكبير، لأنه يظن أن من مصلحة الدعوة ألا يخسر هذا المنصب، كما أنه من مصلحة الدعوة الابتعاد عن إخوانه والتنكر لهم في كثير من الأحيان، وفي ظنه هذا قليل من الحق وكثير من الباطل.
لهؤلاء وأولئك من المؤمنين أقدم قصة مؤمن آل فرعون لتكون زاداً لهم في طريقهم، وليعلموا من خلالها الحد الفاصل ما بين الإسرار والإعلان، والله أسأل أن يجعلنا من الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه.
مؤتمر فرعون:
ظهر أمر موسى - عليه السلام - رغم كل الإجراءات والاحتياطات التي اتخذها فرعون وملئه. لقد قتلوا أبناء بني إسرائيل ثم أبناء الذين آمنوا معه، واستحيوا نساءهم، واستذلوا الأحياء منهم واستعبدوهم، وفرضوا عليهم رقابة شديدة.. وكل ذلك لم يغن فرعون شيئاً، فدعوة موسى وهارون أصبحت حديث الناس، والمعجزات التي جاء بها نبي الله بهرت الطغاة وأذهلتهم لأنهم لم يشهدوا أحداً من قبل قد تغلب على سحرة فرعون، فكيف بهم وهم يرونهم يسجدون لرب هارون وموسى؟!.
إنه لأمر عظيم أن يزهد السحرة بالمكافآت السخية التي تقدم لهم، وبالمكانة الرفيعة التي كانوا يتبوؤونها في بلاط فرعون!!.. إن الأرض تتزلزل تحت أقدام الطاغية، ولابد من موقف حازم قبل أن يفلت الزمام.
دعا فرعون أركان نظامه إلى اجتماع حاشد يستأذنهم فيه بقتل موسى لأنه يخشى أن يبدل دينهم أو أن يظهر في الأرض الفساد!.
أن يبدل موسى دين القبط الوثني فهذا من صميم دعوته - عليه السلام -، وأن يهز فرعون الخبيث مشاعر قومه ضد من يندد بعادات وتقاليد الآباء والأجداد، فهذا ليس مستغرباً عليه، أما المستغرب جداً فهو قول الطاغية عن موسى: ].. أو أن يظهر في الأرض الفساد[، فرعون صار واعظاً مذكراً ومحذراً قومه من موسى ودعوته!!.
وفراعنة اليوم يتهمون العلماء والدعاة المصلحين بنشر الفرقة والشقاق والفساد!!.(15/81)
عجباً للفراعنة في القديم والحديث: ينامون على الفساد، ويتدثرون بالفساد، ويصبحون على الفساد، وكروشهم الضخمة، وأوداجهم المنتفخة ما نبتت ولا غذيت إلا بالفساد، وأحكامهم وقوانينهم وبطانتهم كلها فساد بفساد.. فكيف يتطاولون على أنبياء الله وخير خلقه ويتهمونهم بالفساد؟!.
إن هذا الاجتماع الذي دعا إليه فرعون جد لا هزل فيه، وإن القرارات التي يتخذها المجتمعون ستنفذ، ومما يساعد على تنفيذها أنها تمس طائفة دخيلة على المجتمع المصري ولا تجد من يتعاطف معها.. غير أن الله - سبحانه وتعالى- أتى فرعون وهامان وقارون وملأهم من حيث لم يحتسبوا. قال - تعالى -:
قال - تعالى -: [ وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب][غافر: 28].
والمشهور أن هذا الرجل المؤمن[1] كان قبطياً من آل فرعون، وقال السدي: كان ابن عم فرعون.. واختار هذا القول ابن جرير. وردّ قول من ذهب إلى أنه كان إسرائيلياً، لأن فرعون انفعل لكلامه واستمعه، وكف عن قتل موسى - عليه السلام -، ولو كان إسرائيلياً لأوشك أن يعاجل بالعقوبة، لأنه منهم.
وقال ابن جُريج، عن ابن عباس: لم يؤمن من آل فرعون سوى هذا الرجل وامرأة فرعون، والذي قال: [يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك][رواه ابن أبي حاتم][2].
لماذا يكتم إيمانه؟:
قدم مؤمن آل فرعون صورة أمينة عن مفهوم الكتمان في المقياس الشرعي الإسلامي.. كان الرجل يكتم إيمانه، وكان من وراء هذا الكتمان فوائد جمة للرسالة والرسول.. ثم جاء وقت لم يعد لهذا الكتمان معنى، وهنا تظهر معادن الرجال، وليس منتظراً من رجل رباه موسى - عليه السلام - إلا أن يكون بطلاً شامخاً بكل المقاييس.
- لو كان مؤمن آل فرعون يزن الأمور بموازين مادية أرضية لاختار من له ملك مصر والأنهار التي تجري من تحته.
- ولو كان يريد النجاة من وراء هذا الكتمان لما اختار هذه المواجهة المذهلة مع فرعون وملئه.
- لكنه رجل قد امتلأ قلبه بالإيمان واليقين، والإيمان يسمو بصاحبه فوق المنافع والشهوات والمناصب، وتغدو الدنيا أمام ناظريه أتفه من بعوضة.. وهكذا كان رسل الله وأنبياؤه، وحواريوهم، ومن نهج نهجهم.
ومن الأمثلة على ذلك قصة أصحاب الأخدود، فالراهب: كان يكتم إيمانه، فلما علم الملك بأمره، وطلب منه أن يرجع عن دينه، رفض طلب الملك وقبل النتائج التي تترتب على هذا الرفض مهما كانت، فما كان من الملك إلا أن وضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه. أما الغلام فقد أرشدهم للطريقة التي يقتلونه بها بعد أن أعياهم أمره، قال للملك: "إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلا فإنك لا تستطيع قتلي، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد ثم تصلبني على جذع، وتأخذ سهماً من كنانتي ثم قل: بسم الله رب الغلام، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. ففعل الملك من شدة حمقه، فمات الغلام، وآمن الناس جميعاً، فحفر لهم الأخاديد وأحرقهم"[3].
والمقصود من قصة أصحاب الأخدود أن كلاً من الراهب والغلام كانا يكتمان إيمانهما، وعندما علم الملك الجبار المستبد بأمرهما اختارا الموت على الوقوع في الشرك، وكان صبرهم وثباتهم سبباً في إيمان الناس جميعاً.
وفي سيرة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أمثلة كثيرة على الأخذ بالسرية عند الحاجة إليها:
- فدعوته - صلى الله عليه وسلم - كانت في البداية سرية، ثم أمره الحق - جل وعلا - بالصدع بالدعوة بعد ثلاث سنين، قال - تعالى -: [فاصدع بما تؤمر وأعرض عن الجاهلين]، ولم يكن الصدع بالدعوة بعد نزول هذه الآية واجباً على الجميع، فالمستضعفون من الموالي وغيرهم كانوا يتسترون بدعوتهم.
- والذين هاجروا إلى الحبشة كانت رحلتهم سرية، وكذلك كانت بيعة العقبة في منى، وهجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة.
- وكان - صلى الله عليه وسلم - يتكتم على معظم أخبار سراياه، لأن للمباغتة دوراً مهماً في تحقيق الانتصار على العدو، ومن الأمثلة على ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - عندما بعث عبد الله بن جحش إلى نخلة كتب له كتاباً، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، ولما فتح الكتاب، وجد فيه: "إذا نظرت في كتابي هذا، فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصُدَ بها قريشاً، وتعلم لنا من أخبارهم" فقال: سمعاً وطاعة، وأخبر أصحابه بذلك، وبأنه لا يستكرههم، فمن أحب الشهادة، فلينهض، ومن كره الموت، فليرجع، وأما أنا فناهض، فمضوا كلهم.. الخ[4].
- وكان النجاشي - صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكتم إيمانه، مع أنه كان ملكاً على شعب كافر، وما كان قادراً على إظهار إسلامه بينهم، ولهذا فقد نعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الذي مات فيه، وصلى عليه صلاة الغائب[5].
وجملة القول: فإن حياة الناس لا تستقيم إذا كان كل شيء فيها مكشوفاً تعلمه الخاصة والعامة، فللفرد أسراره الخاصة التي لا يمكن أن يبوح بها ولو لأقرب الناس إليه وألصقهم به، ومثل ذلك العلاقة بين الزوجين.. وللأحزاب والهيئات والدول أسرارها الخاصة، وهذا مبدأ مسلم به عند الأمم جميعاً سواء كانت مسلمة أو كافرة، وليس الخلاف في وجود هذا المبدأ، وإنما الخلاف في حجم كل من السرية والعلنية.(15/82)
فالسرية عند الأمم المسلمة وسيلة وليست غاية، وجميع المؤمنين الذين كانوا لا يكشفون عن انتمائهم كانوا يحققون مصلحة أكيدة للدعوة، ويتوقعون أن يعرف العدو نشاطهم وبلاءهم في الإسلام، ومعرفة العدو لذلك لابد أن يصاحبها محن وابتلاءات، ولا بد لهم من الصبر والثبات وإيثار الله والدار الآخرة، وهكذا كان شأن: الراهب، والغلام، ومؤمن آل فرعون، وعمار، وأمه سمية، وغيرهم، وغيرهم عندما ابتلاهم الله - تعالى -.. وهؤلاء - رضوان الله عليهم - كانوا وقود دعوة الحق.
قال - تعالى -: [ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون][العنكبوت: 2].
وقال: [ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب][البقرة: 214].
وقال ورقة بن نوفل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وهذا الناموس الذي نزله الله على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أو مخرجيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي"[6].
"لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي"، على مثل ذلك يتربى أصحاب الأنبياء وحواريوهم، ومن غير الممكن أن تتحقق الأهداف العظام من غير تضحيات عظام، يقول ابن القيم - رحمه الله -:
"والمقصود: أن الله - سبحانه - اقتضت حكمته أنه لابد أن يمتحن النفوس ويبتليها، فيظهر بالامتحان طيبها من خبيثها، ومن يصلح لموالاته وكرامته ومن لا يصلح، وليمحص النفوس التي تصلح له ويخلصها بكير الامتحان، كالذهب الذي لا يخلص ولا يصفو من غشه إلا بالامتحان، إذ النفوس في الأصل جاهلة ظالمة، وقد حصل لها من الجهل والظلم من الخبث ما يحتاج خروجه إلى السبك والتصفية، فإن خرج في هذه الدار، وإلا ففي كير جهنم، فإذا هُذبَ العبد ونقي أذن له في دخول الجنة"[7].
من الظواهر المؤسفة أن نرى بين المنسوبين للدعوة اليوم صنفين من الناس:
صنف: يظهر أيام الرخاء، فيشتهرون بخطبهم ومحاضراتهم، ويجيدون هزّ المنابر، وهم يتحدثون عن أئمة الإسلام الذين كانوا يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر أمثال: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وابن جبير، وابن تيمية، والعز بن عبد السلام، وغيرهم وغيرهم، فيفتتن جماهير المصلين بهم وهم يستمعون إلى تفسيرهم لآيات الصبر على المحن والابتلاءات.
فإذا زالت أيام الرخاء، وتعرضت الأمة لمحنة، وبلغت القلوب الحناجر من شدة الكبت والاستبداد، تطلعت أنظار الناس إلى هؤلاء الخطباء الدعاة منتظرة منهم موقفاً كمواقف أئمة الإسلام الذين كانوا يلهبون مشاعر الناس بالحديث عنهم، ويصاب الناس بخيبة أمل عندما لا يجدون من هذا الصنف إلا الجبن والهلع والرعب، والأسوأ من ذلك أنه يسمون مواقفهم الجديدة: واقعية، وحكمة، ثم يتحولون إلى دعاة لتجنب العنف ومواطن الهلاك، وتحذير الأمة من التسرع والطيش وتهييج الغوغاء.
وصنف: يكتمون انتماءهم الدعوي في الرخاء والشدة، فلا خطب ولا محاضرات ولو كانوا قادرين على ذلك، ولا يتحدثون عن الدعوة إلا في غرف مغلقة، وبين عدد محدود من أقرانهم الذين يطمئنون إليهم، ويكاد من يعرفهم لا يجد فرقاً من حيث المظهر بينهم وبين عامة الناس.. هؤلاء يحسبون ألف حساب لكل خطوة يخطونها، ولكل كلمة يتفوهون بها، ولكل موقف يقفونه، وبعد هذا الحساب كله، وما يتخلله من جمع وطرح لا ينتظر المراقب للأحداث منهم أي موقف يغضب الطغاة، وليسوا مستعدين للتضحية بمصالحهم ومناصبهم.
هؤلاء يقرأون في كتاب الله قصة مؤمن آل فرعون ويتأثرون بها في حدود سياقها التاريخي، ولكن ليس بينهم من يسأل نفسه:
لماذا لا يكون لي موقف كموقف مؤمن آل فرعون؟!.
ولماذا لا أنتصر لعلماء الأمة كما انتصر المؤمن لموسى؟!.
وخلاصة القول: سواء أسر المرء بدعوته أو جهر بها لابد أن يكون عمله نابعاً من مصلحة أكيدة للدعوة وليس لنفسه، ولابد أن يكون مستعداً دائماً للتضحية في سبيل الله، فالابتلاء سنة من سننه - تعالى - في خلقه، والله - تعالت أسماؤه وصفاته - الذي حفظ ذكر مؤمن آل فرعون، وحفظ ذكر أوليائه في جميع العصور سيحفظ ذكر أوليائه في هذا العصر، وسيعلي شأنهم وشأن دعوتهم كره من كره، ورضي من رضي...
----------------------
[1] - قال صاحب أضواء البيان - رحمه الله -: "واختلف العلماء في اسمه اختلافاً كبيراً فقيل: اسمه حبيب، وقيل اسمه شمعان، وقيل اسمه حزقيل، وقيل غير ذلك ولا دليل على شيء من ذلك" [أضواء البيان: 7/85].
[2] - تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 7/129، مطبعة الشعب.
[3] - رواه أحمد في مسنده: 6/16، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام: 8/229، وقال مقاتل: أصحاب الأخدود ثلاثة: واحد بنجران، والآخر بالشام، والثالث بفارس.
[4] - زاد المعاد، 3/167، مؤسسة الرسالة.
[5] - متفق عليه، وخبر الصلاة عليه وردت في كتب الفقه أيضاً، انظر المغني: 3/421، طبعة دار هجر.
[6] - صحيح البخاري: 1/2.
[7] - زاد المعاد: 3/18.
شعبان 1420 هـ - ديسمبر (كانون الأول) 1999
http://www.alsunnah.org المصدر:
===========
كيف تعيش أكثر من مرة ؟
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي(15/83)
ومن منا لا يريد أن يعيش في الدنيا أكثر من مرَّة؟ لا لجمالها، ولا لنعيمها، ولا لما فيها من متع وشهوات، فما عند الله لعبده المؤمن يوم القيامة من الخير، خير له مما يطمع في تحصيل أضعاف أضعافه في الدنيا التي لا يساوي نعيمها في الآخرة مثقال خردل في النعيم المقيم والخير العميم في جنات النعيم، وإنما ليستكثر من الحسنات والباقيات الصالحات التي ينتفع بها يوم لقاء ربه على تلك العرصات في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة!
والمصيبة الرهيبة أننا لن نعيش في الدنيا إلا مرَّة واحدة، إذا ذهبت لم تحصل مرة أخرى، وتلك ـ والله ـ داهية كبرى!
فرصة واحدة يشتري فيها العبد نفسه من ربه، فينجو، وإلا فالنار..النار، وبئس القرار!
ولكن، هل تعلمون أن من الناس ناساً يعيشون مرَّات وكرات؟!
يعيشون في مصرهم وغير مصرهم..
يحيون في عصرهم وفي غير عصرهم..
وكلما مرَّ الزمان عليهم، طال عمرهم أكثر، وغنموا من الأعمال أكثر وأكثر..
تقول: يا ليتني كنت منهم فأفوز فوزاً عظيماً!!
فهل تعلم؛ أنه يمكنك أن تكون منهم ـ إذا شئت ـ وأدركتك رحمة أرحم الراحمين!
إنهم الدعاة إلى الله - تعالى -..
يموت الناس بحسناتهم معهم، وتبقى حسنات الدعاة إلى الله - تعالى - من بعدهم، فتأتيهم في قبورهم وهم في أمسِّ الحاجة إليها وأعظم الرغبة فيها، فيغنمون من الحسنات بعد مماتهم أكثر مما نالوا منها في حياتهم!
فعن أبي مالك الأشجعي عن أبيه ــ قال: قال رسول الله ـ : " من علَّم آية من كتاب الله - عز وجل -، كان له ثوابها ما تليت " 1
فهم ينشرون الخير للغير، ويعلمون الناس المعروف، ويدلونهم على الأعمال الصالحات، فيفعلها الناس إقتداء بهم، وتأسياً بفعلهم، وتعلماً منهم، وللدعاة ـ بفضل ربهم عليهم ـ صورة طبق الأصل من ذلك الأجر وتلك الخيرات والأعمال الصالحات.
فعن أنس بن مالك عن رسول الله أنه قال: " أيُّما دَاع دعا إلى ضلالةٍ فاَتُبعَ، فإنَّ لهُ مِثلَ أوزارِ من اتَّبعَهُ ولا يَنقُصُ من أوزارهم شيئاً، و أيُّما دَاع دعا إلى هدى فاَتُبعَ، فإنَّ لهُ مِثلَ أجورِ من اتَّبعَهُ ولا يَنقُصُ من أجُورهم شيئاً " 2
فتمتد أعمارهم لسنين طويلة، وإن دفنوا في التراب، فالغاية من الحياة؛ الاستكثار من الحسنات، فها هي تأتيهم في قبورهم، فمن مثلهم؟!
بل ويعيشون في مصرهم، وفي غير مصرهم بانتشار الخير الذي علموه إلى البلدان وفي كل مكان، فتمتد حسناتهم إلى حيث البقاع التي لم تطأها أقدامهم ولم تدخلها أبدانهم، فيأتون بالناس في موازين أعمالهم يوم لقاء ربهم، وذلك الفوز المبين!
فعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه - رضي الله عنهم - أنَّ النبيَّ قال: " من علَّم علماً؛ فله أجرُ مَن عمِلَ به، لا ينقُصُ من أجرِ العاملِ " 3
وما من يوم ينشق فجره ويبزغ نوره إلا وفضل الصحابة يعظم، وأجرهم يكبر، لأنهم نقلة الدين إلينا من خير المرسلينا ـ - صلى الله عليه وسلم -، فما من طائع في مشرق الأرض أو مغربها، إلا وكان ذلك زيادة في أجر من نقل هذا العلم، وبين الناقل والعامل مئات من السنين، وآلاف من المسافات، فهل أدركت كيف تعيش؟! ولماذا تحيى؟! وكيف تعيش أكثر من مرة؟!
فعن أبي قتادة قال: قال رسول الله : " خيرُ ما يُخَلِّفُ الرَّجلُ مِن بعدِهِ ثلاثٌ: ولدٌ صالحٌ يدعُو لهُ، وصدقَةٌ تجري يبلُغُهُ أجرُها، وعلمٌ يُعملُ به مِن بعدِهِ " 4
وعن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله يقول: " أربعةٌ تجري عليهم أجورهم بعدَ الموت: رجلٌ مات مُرابطاً في سبيلِ الله، ورجلٌ علَّمَ علماً، فأجرُه يَجري عليه ما عُمِلَ به، ورجلٌ أجرى صدقةً، فأجرُها له ما جَرَت، ورجلٌ ترك ولداً صالحاً يَدعو له " .
وصدق الله: [ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين] 5
ــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو سهل القطان في حديثه عن شيوخه، انظر: السلسلة الصحيحة (3/323) (1335).
2 صحيح سنن ابن ماجه (1/41) (171).
3 صحيح سنن ابن ماجه (1/46) (196).
2 صحيح سنن ابن ماجه (1/46) (197).
5 فصلت: 33
06-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
============
عندما يحكم الإسلام وعندما تحكم الجاهلية
د.منير محمد الغضبان
رؤية إسلامية للأحداث المعاصرة على ضوء السيرة النبوية:
الجاهلية التي نتحدث عنها اليوم هي جاهلية القرن الحادي والعشرين التي مثلها النظام الأمريكي، وهو الذي يزعم أنه يمثل أقصى ما وصلت إليه البشرية من تقنين لقضايا الحرية، وقضايا حقوق الإنسان؛ وتمثال الحرية شاهد عليها بأنها هي أم الحريات في الأرض، وقد آلت على نفسها أن تحارب الإرهاب وتلاحقه في كل مكان في الأرض، ولو احتملت الحرب خمسين عاماً؛ فلا يضرها ذلك.
أما حكم الإسلام فنعرض له من خلال فتح مكة على يدي رسول رب العالمين محمد - عليه الصلاة والسلام -.
أمريكا هي الأقوى اليوم، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الأقوى آنذاك، وسيتم هذا العرض والمقارنة في قضايا سبع محددة.
• القضية الأولى:الدولتان تعرضتا لاعتداء:
فالولايات المتحدة الأمريكية تستيقظ على هجوم عليها صباح الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر؛ حيث تنقضُّ طائرات مدنية على برجي التجارة فتدمرهما تدميراً كاملاً، وتضرب البنتاغون مقر وزارة الدفاع الأمريكية، وتكون الضحايا البشرية قرابة أربعة آلاف شخص من القتلى كما تقول الإحصائيات الرسمية.
والخسائر المدنية بعشرات الآلاف من المليارات تصيب الاقتصاد الأمريكي في قلبه.(15/84)
في المدينة المنورة عاصمة دولة الإسلام يصل وفد خزاعة حليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليعلن لمحمد أن قريشاً وحليفتها قبيلة بكر قد انقضوا على خزاعة ليلاً وقتلوهم رُكَّعاً وسُجَّداً؛ إذ يقول وافد خزاعة وسيدها عمرو بن سالم:
يا رب إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتمُ ولداً وكنا والدا ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصراً أعتدا وادعُ عباد الله يأتوا مددا
في فيلق كالبحر يجري مزبدا إن قريشاً أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا وجعلوا لي في كداء رصدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا وهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا وقتلونا ركعاً وسجدا(1)
إذن هو اعتداء سافر من حلفاء قريش وقريش نفسها التي هادنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إيقاف الحرب معه عشر سنين، ونقض لهذه الهدنة.
• القضية الثانية: التثبت من هوية المعتدين:
لقد أعلن الإعلام الأمريكي للوهلة الأولى أن الطائرات لم يكن فيها أحد من الركاب العرب، ثم عاد فذكر أن في هذه الطائرات تسعة عشر عربياً هم الذين نفذوه. ثم أعلن أن الشيخ أسامة بن لادن هو المتهم الأول بالتخطيط له. كما ذكر الإعلام الأمريكي أن هناك أربعة آلاف محقق يدرسون أربعين ألف دليل للتعرف على هوية المنفذين للهجوم. وقياساً على تفجير المدمرة كول فقد استغرقت التحقيقات عامين كاملين ولم يصدر بعد التقرير النهائي عن الهجوم.
وأعلن مدير التحقيقات الأمريكية في22/2/2000م عن كشف كثير من المعلومات والأدلة الجديدة في تفجير المدمرة كول الذي حدث في شهر 3/2000م، وقياساً على هذه الدقة في التحقيق فيحتاج حادث الأبراج لأربع سنين على الأقل للتثبت من هوية المنفذين والمخططين. لكن العالم فوجئ بإعلان أن التسعة عشر هم المنفذون، وأن المدبر للعملية هو أسامة بن لادن بعد أقل من أسبوع واحد، وأعلنت أمريكا الحرب على بن لادن، وطالبت دولة طالبان بتسليمه من دون تقديم أي دليل على أنه هو الذي خطط ونفذ الهجوم على الأبراج والبنتاغون. وأعلنت دولة طالبان استعدادها لتسليمه إلى محكمة عادلة لو قدمت أمريكا الأدلة على ذلك. فرفضت أمريكا العرض الأفغاني، وأعلنت الحرب على دولة طالبان ما لم تسلم دولة أفغانستان بن لادن إليها خلال مدة معينة هي أقل من شهر. هذا في دولة الجاهلية الحديثة التي تمثل أعلى مستويات العدالة والحرية في الأرض كما تزعم؛ فماذا في دولة النبوة؟
لقد جاء الوحي من السماء بنقض قريش للعهد؛ فقد روى محمد بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة صبيحة كانت وقعة بني نفاثة وخزاعة بالوتير: يا عائشة! لقد حدث في خزاعة أمر. فقالت عائشة: يا رسول الله! أترى قريشاً تجترئ على نقض العهد الذي بينك وبينهم، وقد أفناهم السيف؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ينقضون العهد لأمر يريده الله - تعالى -. فقالت: يا رسول الله! خير؟ قال: خير.
ورغم ذلك فقد بعث يتثبت من صحة الأمر من قريش أنفسهم:
قال عبد الله بن عمرو ـ - رضي الله عنهما - ـ: إن ركب خزاعة لما قدموا على رسول الله وأخبروه خبرهم قال: فمن تهمتكم وظنتكم؟ قالوا: بنو بكر. قال أكُلُّها؟ قالوا: لا، ولكن بنو نفاثة قصرةً ورأس القوم نوفل بن معاوية النفاثي، قال: هذا بطن من بني بكر، وأنا باعث إلى أهل مكة أسألهم عن هذا الأمر ومخيرهم بين خصال ثلاث».
فبعث إليهم ضمرة يخيرهم بين إحدى ثلاث:
بين أن يَدُوا قتلى خزاعة، أو يبرؤوا من حلف بني نفاثة، أو يُنبذَ إليهم على سواء.
فأتاهم ضمرةُ رسولُ رسولِ - صلى الله عليه وسلم - وأخبرهم بالذي أمره رسول الله به، فقال قرظة بن عبد عمرو الأعمى: أما أن ندي قتلى خزاعة؛ فإن نفاثة فيهم عُرام (قوة الشراسة) فلا نديهم. وأما أن نتبرأ من حلف نفاثة فإنه ليس قبيلة من العرب تحج هذا البيت أشد تعظيماً له من نفاثة وهم حلفاؤنا فلا نبرأ من حلفهم، ولكن ننبذ إليه على سواء. فرجع ضمرة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك من قولهم»(1) وأدرك أبو سفيان خطورة إعلان الحرب على محمد، وعدم البراءة من بكر، وعدم دفع ديات خزاعة، فقال: ما الرأي إلا جحد هذا الأمر؛ والله ليغزونا محمد إن صدقني ظني وهو صادقي، ولا بد من أن آتي محمداً فأكلمه أن يزيد الهدنة ويجدد في العهد»(2).
وجاء دور الموقف السياسي:
جاء أبو سفيان المدينة، ودخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد، فقال: يا محمد! إني كنت غائباً عن صلح الحديبية فاشدد العهد وزدنا في المدة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فلذلك جئت يا أبا سفيان؟ » قال: نعم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل كان قِبَلَكم مِنْ حَدَثٍ؟ قال: معاذ الله! نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل. فأعاد أبو سفيان القول على رسول الله فلم يرد علينا شيئاً»(3).
إن أبا سفيان هو القائد الأعلى لقريش؛ وبناء على جواب قريش بإعلان الحرب كان بإمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعتقله ويقتله؛ فهو رئيس دولة مكة، وهو ينكر نقض العهد، وهو في حالة حرب مع المسلمين بعد هذا النقض. فجحد ما جرى كله. وجاء الجواب النبوي: إنه إذ لم يكن هناك حدث؛ فنحن على الصلح. وأدرك أبو سفيان إخفاق سفارته؛ وإخفاق سياسة التجاهل، وعاد إلى مكة، فقال له قومه: ما وراءك، هل جئت بكتاب من محمد أو زيادة في مدة ما نأمن به أن يغزونا محمد؟(15/85)
فقال: والله لقد أبى عليَّ، وفي لفظ: لقد كلمته فلم يرد عليَّ شيئاً. ولم يعتقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان ولم يقتله حتى لا تنكشف المخططات النبوية في قرار غزو مكة وفتحها بعد أن نبذت له على سواء.
• القضية الثالثة: الحرب الجاهلية والحرب الإسلامية:
هذه هي حرب أمريكا في أفغانستان بدون تقديم أدلة، وبدون إثباتات: تضع هدفها الأكبر قتل بن لادن رئيس تنظيم القاعدة، والقضاء على تنظيم القاعدة، وقتل رئيس دولة طالبان والقضاء على الدولة كلها؛ لأنها لم تتخل عن ابن لادن.
يقول الأستاذ أحمد منصور واصفاً هذه الحرب: أخذت الولايات المتحدة الأمريكية زمام القانون بيدها في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الماضي، وأصبحت هي الخصم والحكم في مواجهة كل من تعتقد أنه يهدد أمنها ومصالحها دون حاجة إلى أدلة أو إثباتات، فقامت بحرب طاحنة في أفغانستان أزالت فيها نظام طالبان عن السلطة، وولت نظاماً جديداً حليفاً لها، ونتج عن حملتها العسكرية على أفغانستان تدمير عشرات القرى، ومقتل آلاف الأفغان من المدنيين وتشريد عشرات الآلاف، عدا القتلى من تنظيم القاعدة وحركة طالبان؛ وذلك وفق تقارير عديدة أهمها التقرير الذي أصدره البروفسور الأمريكي (مارل دبليوهيرولد) من جامعة «ديوها مبشير» حول القتلى المدنيين الأفغان والذي قدرهم من بداية الهجوم الأمريكي في السابع من أكتوبر وحتى الثالث من ديسمبر الماضي فقط بأنهم 3767 قتيلاً من الأطفال والنساء والعجائز والعزل، ولا يزال القصف الأمريكي مستمراً حتى الآن. والآن تدور في الأفق سيناريوهات عن أهداف أخرى وعلى رأسها العراق والصومال. هذه هي حرب الأشهر الأربعة وهذه ثمارها المرة في الشعب الأفغاني فماذا عن فتح مكة؟
أ - وقع أبو سفيان أسيراً بيد محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وأبو سفيان هنا مثله مثل أسامة بن لادن لو أنه وقع أسيراً في يد القوات الأمريكية أو الملا عمر رئيس دولة طالبان. وبدلاً من أن يمثل به أو ينزل به أشد أنواع التعذيب قبل التنكيل به وقتله، ويضع رأسه على الرمح يعلن بذلك انتصاره على قريش، ويصلبه أو يمثل بجثته. نستمع معاً إلى هذا الحوار:
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا سفيان! ألم يأنِ لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟
أبو سفيان: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك! إنه لو كان مع الله إله، لقد أغنى عني شيئاً بعد. لقد استنصرتُ إلهي، واستنصرتَ إلهك؛ فو الله ما لقيتك مرة إلا نصرت علي؛ فلو كان إلهي محقاً وإلهك مبطلاً لقد غلبتك.
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ويحك يا أبا سفيان ألم يأنِ لك أن تعلم أني رسول الله؟
أبو سفيان: بأبي أنت وأمي يا محمد ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك! أمَّا هذه؛ فو الله إن في النفس منها شيئاً حتى الآن... وظاهر كلام ابن عقبة ومحمد بن عمر في مكان آخر أن أبا سفيان قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله من غير أن يعرض ذلك عليه أحد.
قال أبو سفيان، وحكيم بن حزام: جئت بأوباش الناس من يعرف ومن لا يعرف إلى أهلك وعشيرتك (أي لفتح مكة).
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنتم أظلم وأفجر: قد غدرتم بعهد الحديبية، وظاهرتم على بني كعب (خزاعة) بالإثم والعدوان في حرم الله - تعالى - وأمنه.
قال حكيم وأبو سفيان: صدقت يا رسول الله!
قالا: يا رسول الله لو كنت جعلت جدتك ومكيدتك لهوازن؛ فهم أبعد رحماً وأشد عداوة لك.
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني لأرجو ربي أن يجمع لي ذلك كله: فتح مكة، وإعزاز الإسلام، وهزيمة هوازن وغنيمة أموالهم وذراريهم؛ فإني لأرغب إلى الله - تعالى - في ذلك.
أبو سفيان وحكيم: يا رسول الله! ادع الناس بالأمان: أرأيت إن اعتزلت قريش وكفت أيديها: آمنون هم؟
رسول الله: نعم.
العباس: يا رسول الله! إن أبا سفيان وجه الشرف والفخر فاجعل له شيئاً.
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن)(4).
وأثمرت المفاوضات عن إعطاء الأمان لدولة مكة وشعب مكة إذا كفوا عن القتال، ودخلوا بيوتهم.
غير أن فريقاً من المتطرفين رفضوا هذه المفاوضات، وكانت قيادتهم لعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو، وهند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، فواجهوا فصيل الجيش الإسلامي الذي يقوده خالد ابن الوليد، ووقعت الحرب لعدة ساعات، ثم انهزم جيش مكة وفرت قياداته، وقتل منهم أربعة وعشرون رجلاً من قريش، وأربعة من هذيل؛ ومع ذلك أجرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حساباً لخالد على حربه.
رسول الله: لِمَ قاتلت وقد نُهيت عن القتال؟
خالد: يا رسول الله! هم بدؤونا بالقتال، ورشقونا بالنبل، ووضعوا فينا السلاح، وقد كففت ما استطعت، وقد دعوتهم إلى الإسلام، وأن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فأبوا حتى إذا لم أجد بداً قاتلتهم فظفَّرنا الله ـ - تعالى - ـ عليهم فهربوا في كل وجه.
رسول الله: كفَّ عن الطلب.
خالد: قد فعلت)(5).
• القضية الرابعة: آثار الحرب على أفغانستان:(15/86)
على الرغم من أن أفغانستان تصنف ضمن الدول الأكثر فقراً في العالم إلا أنها تعرضت لأقسى حربين من أكبر قوتين في العالم خلال عقدين من الزمان؛ بحيث لم يبق شبر من أراضيها إلا وزرع بصاروخ أو قنبلة أو لغم، وأكملته الحرب الأهلية في تدمير ما تبقى من مظاهر الحياة الإنسانية في هذا البلد البائس.. إن إعادة بعث أفغانستان من الركام بعد 32 عاماً من الخراب والتدمير والصراعات تبدو من المهمات الصعبة إن لم تكن المستحيلة نتيجة كبر حجم المشكلة؛ فقد تسببت هذه الحروب في تشريد نحو 6 ملايين أفغاني بالإضافة إلى مليون مشرد داخل أفغانستان، كما يتهدد الجوع نحو سبعة ملايين آخرين؛ بينما دُمرت الطرق والمؤسسات والمنازل. ويقول تقرير البنك الدولي: (إن المؤسسات الاقتصادية للدولة الرئيسية مثل البنك المركزي والخزانة والضرائب والجمارك والإحصاءات والخدمات والأمن والقانون والنظام الفضائي في حالة ضعف شديدة أو غير موجودة في الأصل. وكدليل على تردي الأوضاع الاقتصادية فإن نسبة الوفيات بين الأطفال تصل 49% وهي من أعلى النسب في العالم، كما أصابت الألغام الزراعة بالشلل التام؛ إذ سيجد كل عائد إلى أفغانستان أكبر نسبة من المعاقين في العالم؛ مع سقوط ما يصل إلى 500 ضحية شهرياً بسبب الألغام ومخلفات القنابل. وتقول الأمم المتحدة إن ما يتراوح بين خمسة وعشرة ملايين لغم ما زالت مزروعة في أفغانستان عدا تلك التي ستخلفها الغارات الأمريكية)(6)، ونحن نعلم أن هذه آثار حرب ثلاثة وعشرين عاماً في أفغانستان، وليست آثار حرب أربعة أشهر. لكننا نعلم كذلك أن القنابل التي استعملت في هذه الحرب لا مثيل لها في تاريخ البشرية، ونعلم أن الحرب التي شنتها أمريكا من أجل شخص في أفغانستان إنما شنت على دولة بهذه المواصفات، وشعب بهذه المواصفات. وأضخم الجرائم الأمريكية على الإطلاق هو الجانب الاجتماعي؛ إذ غذّت وأججت الأحقاد والثارات في أبناء الشعب الأفغاني؛ حيث سندت فريقاً وطائفة وحزباُ على آخر؛ فهي تدمر. وتحالُف الشمال يقتل ويحتل ويمثل وينكل وكل هذا لمصلحتها. وعقوبة هذه الدولة أنها آوت بن لادن ولم تسلمه لها؛ فمن أجل شخص يُدمّر شعب وتحطم أمة.
فماذا عن نتائج فتح مكة عند إمام الأنبياء في معركة الثأر والانتقام ممن أخرجوه وحاربوه وطاردوه وقادوا الجيش لاستئصال شأفته، واحتباس دينه وصحبه؟
1 - حادث سرقة واحدة لأخت أبي بكر الصديق لم يعرف صاحبها «فقام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال: أنشدكم بالله والإسلام طوق أختي؛ فو الله ما جاء أحد، ثم قال الثانية والثالثة فما جاء به أحد، فقال: يا أخية احتسبي طوقك؛ فو الله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل»(7).
2 - حادث سرقة آخر قامت به امرأة قرشية مخزومية ضبطت متلبسة بجرمها، وجرت محاولات ووساطات كبرى لتفادي عقوبتها بقطع يدها.
وروى البخاري عن عروة بن الزبير أن امرأة سرقت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه.
قال عروة: فلما كلمه أسامة فيها تلوّن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أتكلمني في حد من حدود الله؟
قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله.
فلما كان العشي قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيباً فأثنى على الله بما هو أهله.
ثم قال: أما بعد؛ فإنما اهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد؛ والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتلك المرأة فقُطعت يدها، فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت. قالت عائشة: فكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)(8).
3 - حادثة قتل واحدة لثأر قديم: أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخزاعة التي قُتل منها أربعة وعشرون قتيلاً غدراً ونُهبت أموالها حق الثأر لنفسها ساعة محددة من النهار فقال: «كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر إلى صلاة العصر، فخبطوهم ساعة وهي الساعة التي أحلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما كان بعد الفتح بيوم أقبل خراش بن أمية فحمل على جندب بن الأدلع الهذلي، فطعنه في بطنه فمات. فجعلت حشوته تسيل من بطنه، فسمع بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا معشر خزاعة! ارفعوا أيديكم عن القتل؛ فقد والله كثر إن نفع. إن أعدى الناس على الله من قتل في الحرم أو قتل غير قاتله أو قتل بذحول الجاهلية. فقد قتلتم قتيلاً لأدِيَنَّه. فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين إن شاؤوا فدِيتُه كاملة، وإن شاؤوا فقتله. ثم ودى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الرجل الذي قتلته خزاعة. قال ابن هشام: مائة ناقة. وبلغني أنه أول قتيل وداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»(9).
4 - بيوت المسلمين المهاجرين جميعاً كانت في مكة، وهي حقهم المغتصب؛ ومع ذلك فقد أبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استردادها، بل نزل خارج مكة. فقد روى البخاري وغيره عن أسامة بن زيد أنه قال: يا رسول الله! أين تنزل غداً؟ تنزل في دارك؟ قال: وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دار»(10) وكان عقيل قد باع منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنزل إخوته من الرجال والنساء بمكة، فقيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انزل في بعض بيوت مكة غير منازلك، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: لا أدخل البيوت»(11) ولم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطرباً بالحجون لم يدخل بيتاً، وكان يأتي المسجد لكل صلاة من الحجون»(12).(15/87)
5 - الثلاثة والعشرون الذين قتلوا في مكة كان هناك من قتل في الحرب والمواجهة مع خالد وخراش الذي سبق ذكره، وكان هناك مجرمو حرب فثلثهم كانوا بالمدينة، فارتدوا عن الإسلام وهربوا إلى مكة وقتلوا بعض القتلى. وآخرون كانوا من عتاة المجرمين ومن بينهم ثلاثة نسوة ارتدت إحداهن وكانت اثنتان منهن تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان عددهم ثلاثة عشر أسلم ثمانية منهم واستؤمن لهم، وقتل منهم خمسة»(13).
6 - هدمت أصنام المشركين فقط؛ فعن ابن عباس ـ - رضي الله عنهما - ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة يوم فتحها وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً مرصعة بالرصاص، وكان هبل اعظمها، وفي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوس وقد أخذ بسِيَة القوس فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما مر بصنم منها يشير إليه ويطعن في عينيه ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 18] فما يشير إلى صنم إلا سقط لوجهه، وفي لفظ لقفاه من غير أن يمسه»(14).
7 - عفا رسول الله عن فضالة بن عمير الليثي من بني بكر الذي حاول اغتياله ومسح صدره ودعاه إلى الإسلام فأسلم.
8 - أما موائد الفاتحين الكبرى، والسرادقات الضخمة التي أقيمت لطعام قائد الجيش الفاتح فها هي:
روى الطبراني عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لام هانئ (ابنة عمه) يوم الفتح: هل عندك من طعام نأكله؟ قالت: ليس عندي إلا كسر يابسة (خبز يابس جاف)، وإني لأستحي أن اقدمها لك، فقال: هلمي بهن. فكسَّرهن في ماء وجاء بملح، فقال: هل من أدم؟
فقالت: يا رسول الله! ما عندي إلا شيء من خل، فقال: هلميه، فصبه على الطعام وأكل منه، ثم حمد الله، ثم قال: يا أم هانئ! لا يفقر بيت فيه خل»(15).
• القضية الخامسة: أسرى الحرب:
وندع الحديث عنها في حرب الجاهلية الحديثة إلى جمعية أصدقاء الإنسان الدولية:
أعربت منظمة أصدقاء الإنسان الدولية عن استيائها الشديد للأسلوب الذي تعامل به القوات الأمريكية أسرى الحرب الذين احتجزتهم في أفغانستان، ثم رحلتهم إلى قاعدة (جوانتانامو)، وشبهت المنظمة التي تتخذ من فيينا مقراً ملابسات ترحيل الأسرى، وطريقة احتجازهم برحلات أساطيل الرقيق البحرية من أفريقيا إلى أمريكا منذ منتصف القرن الخامس عشر مشددة على أنها تراقب بقلق بالغ عمليات نقل أسرى الحرب وظروف احتجازهم. وأضافت المنظمة في بيان لها:
لقد استدعت معاناة هؤلاء الأسرى خلال عملية نقلهم وطبيعة الظروف التي يحتجزون فيها لدى أصدقاء الإنسان الصور المشينة لعمليات شحن المستعبدين الأفارقة من مواطنهم الأصلية إلى بلاد الاستعباد بواسطة بعض القوى الغربية، والآن تتم عمليات النقل والاحتجاز لأسرى حرب أفغانستان تحت مسمى مكافحة الإرهاب والمحافظة على قيم السلامة والحرية.
وقال البيان: إن أصدقاء الإنسان يتساءلون عن طبيعة الجرم الذي ارتكبه هؤلاء الأسرى، وطبيعة التهم الموجهة إليهم، وبناءً على فرضية ضلوع مجموعة ما في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م في مدينتي نيويورك وواشنطن؛ فهل يسوِّغ ذلك اعتقال مئات البشر ونقلهم واحتجازهم بطريقة همجية بعيدة عن القيم العرفية الحضارية؟
وأعربت (أصدقاء الإنسان الدولية) عن استيائها؛ لأن اعتقال هؤلاء الأسرى واحتجازهم في أوضاع مهينة، وكذلك إبادة ما يربو على 600 أسير في قلعة جانجي بالقرب من مدينة مزار شريف الأفغانية في 25 و 26/9/2001م من قبل القوات الأمريكية والبريطانية والمليشيات الأفغانية المحلية هناك لتشكل خروقاً خطيرة للقانون الإنساني الدولي تستوجب التحقيق فيما إذا كانت تساوي جرائم الحرب» وأشارت أيضاً إلى أن تسلُّم الولايات المتحدة لستة من حملة الجنسية البوسنية من السلطات البوسنية بتاريخ 18/1/2002م بعد قرار المحكمة العليا للاتحاد الفيدرالي البوسني الكرواتي الإفراج عنهم لعدم تقديم أدلة تصلح لمحاكمتهم ليشكل ذلك خرقاً واضحاً من قبل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة البوسنية لقرارات القضاء التي تستوجب الاحترام والتنفيذ.
وفي الصفحة المقابلة لهذا التقرير نجد الخبر التالي:
صرح الجنرال عبد الرشيد دوستم نائب وزير الدفاع الأفغاني بأن لديه زهاء أربعة آلاف أسير من قوات طالبان، ولا أحد يدري عن أوضاعهم وأحوالهم وحياتهم ومعاناتهم»(16).
فماذا عن أسرى الحرب في فتح مكة؟ ليس لدى المسلمين أسير واحد في هذه الغزوة، وحتى لا تبقى الصورة غائمة عن معاملة أسرى الحرب تجدنا مساقين لعرض معاملة أسرى بدر السبعين كما ورد في السيرة النبوية.
وندع الحديث هنا للمباركفوري صاحب الرحيق المختوم يلخص لنا هذه المعاملة:
ولما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة استشار أصحابه في الأسرى.
فقال أبو بكر: يا رسول الله! هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما ترى يا ابن الخطاب؟
قال: قلت: يا رسول الله! والله ما أرى رأي أبي بكر، ولكن أرى أن تمكنني من فلان ـ قريب لعمر ـ فأضرب عنقه وتمكن علياً من عقيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه. حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين. وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم.
فهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلتُ وأخذ منهم الفداء.(15/88)
وأنزل الله ـ - تعالى - ـ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنفال: 67 - 69].
والكتاب الذي سبق من الله هو قوله ـ - تعالى - ـ: {فَإمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] ففيه الإذن بأخذ الفدية من الأسرى؛ ولذلك لم يعذبوا. وإنما نزل العتاب؛ لأنهم أسروا الكفار قبل أن يثخنوا في الأرض، ثم إنهم قبلوا الفداء من أولئك المجرمين الذين لم يكونوا أسرى حرب فقط، بل كانوا أكابر مجرمي الحرب الذين لا يتركهم قانون الحرب الحديث إلا ويحاكمهم. ولا يكون الحكم في الغالب إلا في الإعدام أو بالحبس حتى الموت.
واستقر الأمر على رأي الصديق فأخذ منهم الفداء، وكان الفداء من أربعة آلاف درهم إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألف درهم. وكان أهل مكة يكتبون، وأهل المدينة لا يكتبون. فمن لم يكن عنده فداء دُفِعَ إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم. فإذا حذقوا فهو فداء.
ومنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عدة من الأسرى، فأطلقهم بغير فداء. ومنَّ على ختنه (زوج ابنته) أبي العاص بن الربيع بشرط أن يخلي سبيل زينب، وكانت قد بعثت في فدائه بمال، بعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص. فرقَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقة شديدة، واستأذن أصحابه في إطلاق أبي العاص ففعلوه، واشترط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخلي سبيل زينب فخلاها، فهاجرت... »(17) ونعرض صورة واحدة فقط من طبيعة معاملة الأسرى لأحدهم وهو أبو عزيز بن عمير. يقول: كنت في الأسارى يوم بدر فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: استوصوا بالأسارى خيراً؛ فإن كان ليقدم إليهم الطعام؛ فما يقع بيد أحدهم كسرة إلا رمى بها إليّ ويأكلون التمر فيؤثروني. فكنت أستحي فآخذ الكسرة فأرمي بها إليه فيرمي بها إلي»(18) وأما سبايا هوازن اللاتي تجاوزن ستة آلاف سبية كن قد شاركن جيش هوازن وحضرن الحرب معه انتهى أمرهن بأن منَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهن بدون فداء بعد أن صرن بيد المسلمين. ومن تمسك بسبيه من المسلمين وعده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بست جمال من أول غنم يغنمه»(19).
• القضية السادسة: التعامل مع المدنيين:
وحرب القرن الحادي والعشرين إنما كانت ذريعتها في تدمير أفغانستان من أمريكا هو سقوط القتلى من المدنيين الأبرياء في برجي التجارة الذين بلغوا بضعة آلاف.
يقول الأستاذ منير شفيق في مقال له: مع إعلان الحرب العالمية على الإرهاب ركزت إدارة بوش على الضحايا البريئة من المدنيين الذين سقطوا في هجمات نيويورك وواشنطن حتى كاد الإرهاب يعرف بأنه قتل مدنيين. والأمر نفسه تكرر بالنسبة إلى الإسرائيليين وفقاً لخطاب وزير الخارجية كولن باول في كنتاكي 19/11/2001م فاعتبرت الانتفاضة والمقاومة في كل من فلسطين ولبنان إرهاباً، وحتى الرئيس الفلسطيني اتهم بالتواطؤ والإرهاب. أما قتل المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين والأفغان ومن وصله أو سيصله الدور من العرب والمسلمين وغيرهم من بلدان العالم الثالث فالقاتل هنا لا يسمى إرهابياً؛ فهو يمارس حق الدفاع عن النفس.
وقد لفت وزير العدل الأمريكي الأسبق ورئيس مركز العمل الدولي رمزي كلارك في قناة الجزيرة برنامج بلا حدود في 9/1/2001م إلى أن امريكا شنت 75 تدخلاً عسكرياً رئيسياً منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد بطشت في حربها ضد الأسبان بالمدنيين وأثخنت في التدمير. وفي حرب فيتنام قتل أكثر من مليون، وسقط في حروب كوريا 5. 3مليون مدني، وسلَّط الضوء على القصف ضد المدنيين الأفغان ضحايا الحرب الراهنة وعلى معاملة أسرى غوانتانامو كما ركز على مئات الآلاف من الأطفال العراقيين الذين ماتوا بسبب الحصار. ونشر نعوم تشومسكي مقالة حول الحرب الجديدة ضد الإرهاب في موقعه على الإنترنت بتاريخ 18/10/2001م أجاب خلالها على خمسة أسئلة، وقد عززها بأمثلة على ما اقترفته أمريكا من جرائم بحق المدنيين في عشرات البلدان، فشدد بداية على أن الحرب الني يشنها بوش على أفغانستان عرَّضت ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين مدني للمجاعة والموت. وهؤلاء لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بمن وجهت الحرب ضدهم مستنتجاً أننا أمام إبادة بشرية.
وباختصار: إن من تأمل السجل التاريخي يفهم بعمق لماذا لا تطرف عينا بوش ورامسفيلد بينما الطائرات الأمريكية تدك المدنيين في أفغانستان وفلسطين؟ ولماذا هما متفاهمان كل ذلك مع شارون وبيريز وإيلعازر وموفاز حول سياسات الاغتيالات والتدمير والاعتداء على المدنيين؟ »(20).
هذا عن المدنيين عند زعيمة الجاهلية الحديثة زعيمة العالم الحر.
فماذا عن المدنيين في فتح مكة، والذين أغلقوا بيوتهم طلباً للأمن، وكانوا في المسجد طلباً للأمن يستمعون لرسول رب العالمين - صلى الله عليه وسلم - خطبته.(15/89)
راويتنا هنا امرأة صحابية هي زينب بنت أبي تجراة قالت: أنا أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرج من البيت، فوقف على الباب وأخذ بعضادتي الباب فأشرف على الناس وبيده المفتاح، ثم جعله في كمهِ. وقد ليط بهم حول الكعبة فهم جلوس. قال: الحمد لله صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ماذا تقولون؟ وماذا تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: نقول خيراً. ونظن خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قدرت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف: « {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 29]. اذهبوا فأنتم الطلقاء»(21)، فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا الإسلام.
لقد كان هؤلاء جميعاً محاربين لكنهم عندما سمعوا نداء الأمان التزموا بيوتهم أو المسجد أو دار أبي سفيان، فأصبحوا مدنيين لا يمسون بسوء. ورأينا كيف أن رجلاً واحداً فقط هو الذي قُتِلَ بعدما توقفت الحرب ووداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وألغى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكرة الثأر والانتقام نهائياً في تحركه وهجومه، وحرض على حياة مكة وسلامتها، ورد على مقولة سعد بن عبادة: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشاَ». بمقولة النبوة الشهيرة: «اليوم يوم المرحمة، اليوم تعظيم الحرمة، اليوم أعز الله قريشاً».
• القضية السابعة: خطاب الرئيس الأمريكي:
وهو الخطاب الذي ألقاه في الكونغرس بمناسبة مرور سنة على حكمه مساء الثلاثاء 29/1/2002م، ونشهد تحليلاً قيماً له للأستاذ حسن منيمنة ننتقي مقتطفات من هذا التحليل. يحدد الخطاب أهداف الحرب عبر صيغتين: تسرد الأولى منها الدول والمنظمات المستهدفة. وباستثناء كوريا الشمالية فإن كافة الأطراف المستهدفة إما عربية أو إسلامية «العراق، ايران، حماس، الجهاد الإسلامي، حزب الله، جيش محمد، أبو سياف؛ بالإضافة إلى القاعدة». وإذا جاء إدراج كوريا الشمالية ليثير الاستغراب دولياً ويذكر في هذا الصدد فإن معظم لوائح المنظمات الإرهابية الصادرة عن السلطات الأمريكية تتضمن أقلية ضئيلة من المنظمات غير المسلمة، بما يضفي على اللوائح من وجهة نظر شعبية أمريكية طابعاًَ من المصداقية والموضوعية من دون أن يبدد الواقع الذي يتفق عليه معظم الأمريكيين ضمناً من أن الخطر الإرهابي هو أولاًَ خطر إسلامي.
أما الصيغة الثانية التي يعتمدها خطاب «حال الاتحاد» في تحديد أهداف الحرب فهي التي تؤكد الطبيعة العقائدية للمواجهة. وذلك عبر إعلان المبادئ غير القابلة للتفاوض وفق نص الخطاب والذي تعتزم الحكومة الأمريكية العمل بها في مختلف أرجاء العالم «حكم القانون، الضوابط على سلطة الدولة، احترام النساء، الملكية الشخصية، حرية التعبير، المساواة امام القضاء، التسامح الديني».
يمكن بالطبع نقد استعمال بوش لهذه المبادئ من حيث الانتقائية في اختيارها ومن حيث اعتبار الحكومة الأمريكية ضمناً الجهة المخولة الحكم على سلامة تطبيقها. فحق تقرير المصير، والحق بعدم النزوح تحت الاحتلال الأجنبي مثلاًَ ليسا مدرجين على هذه القائمة. والولايات المتحدة ليست بصدد الاعتراض على التجاوز اليومي الفادح الذي تقدم عليه الحكومة الإسرائيلية لمعظم هذه المبادئ.. ولا يغيب عن ذهن المستمع الأمريكي لخطاب الرئيس بوش أن المعني بطرح المبادئ غير القابلة للتفاوض هو العالم الإسلامي؛ ذلك أن المجتمع الأمريكي في صورته الذاتيه قد تجاوز موضوع مساواة المرأة مع الرجل ومسألة التسامح الديني. فإدراج هذين المبدأين هو تعبير وحسب عن القصور المفترض في الثقافة الإسلامية.. فالحرب على الإرهاب من وجهة نظر معظم الأمريكيين ليست بالطبع حرباً صليبية، ولا علاقة للمسيحية بها. لكنها رغم ذلك بالإضافة إلى كونها حرباً دفاعية مشروعة هي حرب عقائدية بين مفهوم مستنير متطور، وآخر ظلامي متخلف للحاكمية والعدالة الاجتماعية. وتأكيد خطاب الرئيس حول إصراره على دعم الرجال والنساء من الذين يعتنقون المبادئ الأساسية التي تلتزم بها الولايات المتحدة في مختلف أرجاء العالم بما في ذلك العالم الإسلامي. ويقدم خطاب بوش للمستمع الأمريكي في استخلاص العبر من مجريات الأحداث في أفغانستان تأكيداً على أن القيم والمبادئ الأمريكية ولا سيما الحرية والعدالة هي الأسمى.
ومن كان لديه شك في ذلك فعليه أن ينظر إلى أفغانستان؛ حيث استقبل الشارع المسلم سقوط الطغيان بالغناء والاحتفال ومن نص الخطاب.
وكان الرئيس الأمريكي قد أعلن مراراً في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول أنه أضحى يعتبر مواجهة الإرهاب هدفه الأول مشدداً على أن الحرب لن تقف عند حد أفغانستان، وأنها قد تمتد إلى أمد طويل»(22).
لا أدري كيف تجتمع الحرية والإرهاب في آن واحد؟ فهو يريد أن يحقق الحرية بإرهاب العالم.
ولا أرى تعريفاً للإرهاب أوجز من قوله: من لم يكن معنا فهو ضدنا. فإما أن تسير في ركاب أمريكا وقيمها ومبادئها، وإما أنك إرهابي يجب أن تحارب؛ لأنك ضد معسكر الحرية. خلاصة الخطاب تأليه أمريكا قيماً وسلوكاً وحرباًَ، والعالم كله يجب أن يسير بعصاها النووية.
فماذا عن عبد الله ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح مكة وانتصاره ليكون السيد الأول في الجزيرة العربية؟
لقد كان الفعل قبل الكلام؛ فقد أطلق الحرية لأعدائه وخصومه قائلاً لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
وجاء بعدها ليحدد المبادئ العليا التي تنطلق منها البشرية.
1- إعلان التوحيد:(15/90)
«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده»(23).
2 - إلغاء الجاهلية وآثارها:
«ألا إن كل رباً في الجاهلية أو دم أو مأثرة أو مال يدعى فهو تحت قدميَّ هاتين. وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث إلا سدانة البيت وسقاية الحاج»(24).
فقد أعلن المبدأ، وأعلن تنفيذه مباشرة، فأسقط دم ابن عمه ربيعة بن الحارث «وفي رواية: وأول رباً أضعه ربا العباس بن عبد المطلب» فيسقط ربا عمه العباس مع دم ابن عمه ربيعة.
لو كان الرئيس بوش صاحب مبدأ حقيقة؛ وكما أعلن انه سيحارب الدنيا ليحكم القانون لوضع نفسه تحت تصرف الأمم المتحدة لتحاكمه على الآلاف من المدنيين الذين أزهقهم في أفغانستان هو وجيشه وكبار قادته. ولكنه الهوى البشري يقابله الوحي النبوي، وليس الإلغاء في الإسلام للإلغاء والسيطرة؛ فسدانة البيت وسقاية الحاج من بقايا حنيفية إبراهيم ـ - عليه الصلاة والسلام - ـ يوم أن أمره ربه أن يؤذن للناس في الحج.
3 - دية قتيل الخطأ:
«ألا وفي قتيل العصا والسوط والخطأ شبه العمد الدية مغلظة مائة ناقة منها أربعون في بطونها أولادها»(25).
وذلك لتغليظ حرمة الدم فلا يتساهل فيه.
4 - إلغاء الفوارق الطبقية، ووحدة البشرية:
«ألا وإن الله ـ - تعالى - ـ قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتكبرها بآبائها. كلكم لآدم وآدم من تراب» ثم تلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]»(26).
فالناس كلهم من أصل واحد. يتفاوتون بقربهم من ربهم أو بعدهم عنه. وليس الأمر الضابط على سلطة الدولة فقط كما يقول الرئيس الأمريكي؛ بل الضوابط على سلطة الخلق جميعاً بحيث لا يطغى فرد على فرد بنسب أو جاه أو مال. إنما الكفاءة والبر التقي الكريم.
لقد كان يعلن هذه المبادئ في بيت الله الحرام، وفي سلطان قريش التي تفخر على العرب جميعاً بأنسابها، وفي عشرة آلاف من العرب وبجوارهم ألفان من قريش، ويسقط كل الفضل العربي أو المصري أو اليمني أو القرشي؛ يعلن هذا ضد عواطف جيشه كله الذي يفخر بانتمائه العربي ويعتز بنسبه، ويخوض الحروب والأهوال من أجل كرامة القبيلة وسيادتها. ولم يكن إعلان هذا المبدأ نتيجة ثورة شعبية مثلت أكثرية جيشه اضطر لمجاراتها من الفرس والروم، بل أعلن ذلك امام قريش ومَنْ وراءها من العرب: «إن الله اذهب عنهم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء. كلكم لآدم وآدم من تراب»(27).
5 - حرمة مكة والبيت الحرام، واعتبار السلم أساس العلاقات الدولية:
«ألا إن الله ـ - تعالى - ـ حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، ووضع هذين الأخشبين؛ فهي حرام بحرام الله، لم تحل لأحد كان قبلي ولن تحل لأحد كائن بعدي، لم تحل لي إلا ساعة من نهار ـ يقصرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده هكذا ـ ولا ينفَّر صيدها، ولا يعضد عضاها، ولا تحل لقتطها إلا لمنشد، ولا يختلى خلاها» فقال العباس وكان شيخاًَ مجرباً: إلا الإذخر يا رسول الله؛ فإنه لا بد منه للقبر وظهور البيوت. فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة، ثم قال: إلا الإذخر؛ فإنه حلال»(28) فرمز السلام في الوجود ومعقله هو مكة والبيت الحرام حيث يأمن الطير فلا يصاد، والحشيش فلا يقطع، والشوك فلا يقلع. بَلْهَ الإنسان إنه مركز السلام والأمن في الوجود.
• كلمة أخيرة وتقويم موضوعي:
فماذا جرى في حرب الجاهلية في القرن الواحد والعشرين في تقويم عام لها مع مبادئها؟ ندع للكاتب السعودي خالد الدخيل وصفه بقوله:
أ - دور إسرائيل واليهود:
«التأثير اليهودي على بنية الخطاب الثقافي السياسي الأمريكي يتجاوز ذلك إلى التناقض مع منطلقات الديموقراطية الإسرائيلية؛ فنقد إسرائيل يعتبر من المحرمات الذي قد يصل إلى نوع من العداء للسامية. حتى عضو الكونغرس في واشنطن لا يملك الجرأة على توجيه النقد للسياسة الإسرائيلية، أو للقوة السياسية والمالية الضخمة التي يتمتع بها اللوبي الصهيوني في العاصمة الأمريكية. هذا النقد يعني الدخول في القائمة السوداء لهذا اللوبي، وكل من تجرأ على ذلك حتى لو لم يكن معادياً للسياسة الإسرائيلية لن يتمكن من كسب معركة الترشيح للحزب؛ دع عنك الفوز في الانتخابات. وإذا كانت هذه حال من يعمل في المجال السياسي؛ فلك أن تتصور حال من يعمل في المجال الإعلامي. هذا هو ثمن فقدان الاستقلال الذي تراجعت بسببه الحرية وتوارت معها المصداقية، مصداقية الخطاب الذي يصدر عنه الإعلام، ومصداقية الموقف الذي يعبر عنه رجل السياسة؛ ويخطئ الأمريكيون إذا اعتقدوا أنهم بذلك يساهمون في تحقيق المزيد من الحرية، والمزيد من السلام.
إنهم يدفعون العالم نحو المزيد من العنف ونحو المزيد من الإرهاب»(29).
ب - عسكرة جديدة للعالم: وهذا ما يتحدث عنه الأستاذ منير شفيق بقوله: «وباختصار فإن أمريكا راحت تفرض أجندتها على العالم الآن. ولكي يتحقق ذلك أصبحت دول العالم ترزح تحت الابتزاز، وعاد التهديد بالتدخل العسكري مسلطاً على رؤوس الكثيرين أي ثمة مسعى أمريكي لفرض حال الطوارئ عالمياً تحت حكم البنتاغون، وهو ما يترجم قول بوش: من ليس مع أمريكا فهو مع الإرهاب.(15/91)
ولم يقتصر الانقلاب الذي أحدثته عمليات خرجت عن كل سياق على اهتبال الفرصة من قبل أمريكا لفرض حكم عسكري على العالم، وإنما امتداد إلى الداخل الأمريكي والداخل الأوروبي من جهة التوسع في التشريعات التي تحد من الحريات المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان مثل قوانين المراقبة، والتوقيف إلى أجل غير مسمى، والتنصت والتفتيش واستباحة الإنترنت ومراقبة الحسابات الشخصية، وهو الأمر الذي يعطي للأجهزة الأمنية صلاحيات تفوق ما أعطي للجنة مكارثي في أوائل الخمسينيات.
فالذي يشهده عالم الغرب اليوم مسح ما كان يفاخر به من جهة الحريات المدنية وحقوق الإنسان، ولا أحد يعرف مداها. أيضاً من ناحية تأثيرها في الأوضاع الداخلية من دول العالم الثالث؛ فقد سقطت ورقة التوت عن تصدير أمريكا لشعار الديمقراطية وحقوق الإنسان للعالم كله ليعود الوجه الحقيقي لأمريكا، أمريكا الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ولكن: هل يمكن أن يعزى هذا كله لما حدث في ذلك اليوم، أم كان هذا هو المخبوء الذي وجد ذريعته ليخرج إلى السطح؟؟ »(30).
ج - فوضى شاملة يختفي في غبارها كل الأقطاب:
ويحدثنا عنها الكاتب المصري عبد الله الأشعل فيقول: «عندما انتهت الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة هي التي حسمت نتائجها سواء في ساحات القتال في مراحلها الأخيرة، أو في وضع اللمسات الأخيرة على مصير المهزومين وعلى شكل النظام الدولي الجديد. أما في أفغانستان فقد اختلطت الأوراق كما اختلط الحق بالباطل، وارتد المجتمع الدولي مسافة قرنين من الزمان بعدما استبشر الجميع منذ ميثاق روما في تموز ـ يوليو 1997م الذي قرر إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ووضع لها تشريعاً جنائياً أدرج فيه أحدث جرائم النظام العام الدولي، وبعدما وصلت الجرائم الدولية إلى مراتب العصور القديمة وهمجية الشعوب السابقة على عصر الحضارات.
صور الارتداد: وأما صور الارتداد فهي لا تقع على ما يبدو تحت حصر؛ فمن ناحية اندفع الجميع وراء واشنطن من دون وعي. فالحرب في أفغانستان حرب عالمية بين معسكرين: الأول تقوده الولايات المتحدة ووراءها العالم. أما المعسكر الآخر فهو الفضاء الأفغاني. فتشكل مسرح الإبادة التاريخي الذي ساهم فيه العالم كله... والصورة الثانية بربرية المجتمع الدولي كله ضد شعب بعينه بدون جريرة؛ وكأن إبادة الشعب الأفغاني أتعس شعوب الأرض بأحدث أنواع الأسلحة هو تطهير لمصير البشرية واسترداد لكرامتها المهدورة. من ناحية ثانية تخلت الولايات المتحدة عن كل مبادئها. فأباحت الاغتيال والقتل والإبادة، واستخدام كل الأسئلة المحرمة. وضربت أسوأ مثال على الفوضى، وكان أخلص زبائنها إسرائيل أكثر الأطراف إعجاباً بسلوكها؛ حيث تشابهت مأساة شعبي فلسطين وأفغانستان، بل اعتبرت أعمال الإبادة الإسرائيلية امتداداً للجهاد الأمريكي في أفغانستان. وقررت إسرائيل أن كلا الشعبين اليهودي والأمريكي في خندق واحد وهما ضحايا الإرهاب الفلسطيني والأفغاني. وإذا كانت واشنطن هزمت في فيتنام فإن قيم المجتمع الدولي قد هزمت كلها في أفغانستان، وإذا كانت الحرب العالمية الثانية أسفرت عن نظام القطبية الثنائية التي لم تلبث بعد خمسة وأربعين عاماً أن انتهت إلى قطب واحد؛ فإننا لا نستبعد أن يعقب الحرب العالمية الثالثة فوضى شاملة يختفي في غبارها كل الأقطاب»(32).
وأخيراً: ندعو الجاهلية الأمريكية التي أعادتنا إلى القرون الخالية أن تصطف بجوار الجاهلية العربية قبل خمسة عشر قرناً. ونترك الساحة لشريعة الله في الأرض، مرددين قول الله ـ - تعالى - ـ الخالد: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].
-------------------
(1) البداية والنهاية، ابن كثير، ج 4، ص 013، ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.
(2) المغازي، للواقدي، ج 2، ص 687، وهو في فتح الباري، ج 8، ص 713.
(3) المغازي، للواقدي، ج 2، ص 887.
(4) المغازي النبوية، للزهري، ورجاله رجال الصحيح، 78 ـ 88.
(5) السيرة النبوية، لابن هشام، 2/4/63، والمغازي، للواقدي، ج 2، ص 618، ومجمع الزوائد، للهيثمي، وقال فيه: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
(6) المغازي، للواقدي، ج 2، ص 938، وفتح الباري، ج 8، ص 323.
(7) المجتمع الكويتية، العدد 4841.
(8) السيرة النبوية، لابن هشام، 2/4/73، ورجالها رجال الصحيح، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع.
(9) البخاري، ح 4034.
(10) المغازي، للواقدي، ج2، ص 448، وغيره.
(11) البخاري، ح/ 2824.
(12) البخاري، ح/4824، وفتح الباري، ج 8، ص 423.
(13) انظر تفصيل ذلك في فتح الباري، ج 8، ص 323 ـ 423.
(14) مسلم، ح/ 1871، والبخاري، ح 7824.
(15) السيرة النبوية، لابن هشام، م 2، ج 4، ص 64.
(16) مجمع الزوائد للهيثمي، ج6، ص 671، قال فيه: رواه الطبراني في الصغير، وفيه سعدان بن الوليد ولم أعرفه.
(17) المجتمع الكويتية، العدد 7841، 22/2/2002م.
(18) الرحيق المختوم، للمباركفوري، 552 ـ 652، وهي مبثوثة في الصحاح.
(19) أسد الغابة، لابن الأثير، ج 5، ص 453.
(20) انظر فتح الباري، ح 8134، وشرحه، 053 ـ 153.
(21) الحياة، العدد 00241، الأحد/3/2002م.
(22) المغازي، للواقدي، ج2، ص 538، والسيرة النبوية، لابن هشام، ج2، ص 214، والطبري، ج2، ص 161.
(23) الحياة، العدد 00241، الأحد، شباط، 2002م.
(24) المغازي، للواقدي، ج2، ص 538، والسيرة النبوية، لابن هشام، ج2، ص 161، وتاريخ الطبري، ج2، ص 214.
(25) المصدر السابق.(15/92)
(27، 26) المغازي، للواقدي، ج2، ص 538، والسيرة النبوية، لابن هشام، ج2، ص 161، وتاريخ الطبري، ج2، ص 214.
(28) سنن الترمذي، 74/ كتاب تفسير القرآن، حديث رقم 0723، عن ابن عمر بلفظ: «عُبِّيَّة الجاهلية».
(29) المغازي، للواقدي، ج2، ص 538، والسيرة النبوية، لابن هشام، ج2، ص 161، وتاريخ الطبري، ج2، ص 214.
(30) الحياة، العدد 48041، 7/11/1002م.
(31) الحياة، العدد 00241، 3/2/2002م.
(32) الحياة، العدد 65141، 91/21/1002م.
جمادى الآخرة 1423 هـ * أغسطس - سبتمبر 2002 م
http://albayan-magazine.com المصدر:
===========
الداعية البريطانية سارة جوزيف
اعتنقت الإسلام منذ سنة 1988
متزوجة ولها ولد وبنت "حسن" و"سمية"
تَدْرُس في الكلية الملكية بإنجلترا قسم "الدراسات الإسلامية"
تعد لدراسة الدكتوراه في موضوع (اعتناق البريطانيين الإسلام) وذلك في الجامعة الملكية بلندن
تعمل محررًا بجريدة المجلس الإسلامي ببريطانيا والذي يمثل منظمة كبيرة تضم مائة عضو من المنظمات والجماعات التي تسعى للضغط على الحكومة والإعلام وذلك بهدف تعزيز وجود الإسلام وخدمة المسلمين هناك
محرر سابق في مجلة (الاتجاهات) أكبر مجلة إسلامية في بريطانيا
تكتب في العديد من وسائل الإعلام المختلفة كـ "البي سي للخدمات العالمية" "وقفة للأفكار" و "الحمد لله"، بالإضافة إلى إلقاء محاضرات في الغرب عن الإسلام في مجالات العقيدة، والمرأة والمسئوليات الاجتماعية
ما الذي جعلك تدخلين الإسلام وهل كان اختيارا حرا وكيف حدث ذلك؟
نعم، لقد كان اختياري الشخصي الحر كنت صغيرة جدًا، وكنت مختلفة قليلا عن مثيلاتي من المراهقات، وقد كنت دائًما اؤمن بالله، وكان الإيمان جزءًا كبيرا في حياتي دائمًا، وكنت كذلك مؤمنة بخيرية المجتمع، راغبة في العدالة والمساواة، والجودة. ويمكن أن تقول أنني كنت مسيحية عن إيمان وكنت أمارسها عن حق، أو علىالأقل حاولت أن أكون، وعندما بلغت الرابعة عشر اعتنق أخي الإسلام لكي يتزوج، وهذا جعلني غير سعيدة، وكنت مقتنعة أنه فعل شيئا مخالفا لشرع الله، كأنه باع نفسه في غير مرضاة الله، حتى هذا الوقت كنت لا أعرف شيئًا عن الإٍسلام سوى ان المرأة عبارة عن خيمة سوداء، وأن لها علاقة بالإرهابيين، وأن هناك شيئًا ما يفعلونه مع علبة سوداء (الكعبة). وأخيرًا أخبرتني أمي أن عيسى - عليه السلام - قد ولد من امرأة عذراء. لم أكن أستطيع أن أفهم كيف حدث هذا بالنسبة لسيدنا عيسى - عليه السلام -، ولكن في يوم ما عندما كنت في المكتبة طلبت نسخة من القرآن، وذهبت إلى فهرس القرآن، ووجدت الآية التي تتحدث عن عذرية السيدة مريم وولادتها لسيدنا عيسى - عليه السلام -، كنت سعيدة بعض الشيء وبعد ذلك تركت الأمر.
وعندما بلغت السادسة عشر من عمري تركت مدرستي المسيحية وذهبت إلى الجامعة وهناك بدأت في دراسة تاريخ الكنيسة وهناك وجدت أشياء محددة حالت بيني وبين المسيحية. ثلاثة أشياء كانت وراء ذلك وهي: في اعتقادهم أن البابا معصوم غير خطاء، هذه العقيدة توحدت إيطاليا و تعرضت الباباوية للخطر. وكان كانت موجودة في ستينات القرن التاسع عشر عندما صعبا. الأمر الآخر الذي وجدت صعوبة في تقبله هو علي تقبل هذه العقيدة التي لها مثل هذه الصلة بالسياسة. التناقضنايسيا، ولكن أربعة فقط منها كانت مقبولة ومرة الذي في الإنجيل مثل وجود أربعين نسخة أقرها مجلس اخرى أنزله الله - تعالى -. أخيرًا وجدت في العقيدة وجدت صعوبة في تقبل وجود بشر يتدخلون في تحديد ما: الكاثوليكية يرثون خطيئة آدم وحواء التي لم يغفرها الله. الرومانية مبدا الخطيئة الأصلية التي تقتضي أن الأطفال لهم حتى سن السادسة عشر، أن كل عقيدة الكنيسة في اعتقادهم، وأنا لم أعتقد في هذا الأمر أبدًا، لكنني لم أدرك مبنية فلا حاجة للصلب والقيامة. على هذه العقيدة. إذا لم تعتقد في مبدأ الخطيئة الأصلية، إذاً!
لقد قلت ذلك لأوضح كيف أن الإسلام مختلف تمامًا. باختصار، فإن من عجائب الله تنزيل القرأن عن طريق الوحي على الرسول - عليه الصلاة والسلام -، وكيف أن القرآن ظل محفوظا، وفهمَ أن عيسى - عليه السلام - ولد من امرأة عذراء ليس لأنه ابن الله ولكن لأنها قدرة الله فإن الله يقول للشيء كن فيكون.
إن قصة اعتناقي الإسلام هي أكثر تعقيدًا من ذلك ولكن في الأصل هذه هي أهم الأشياء التي جعلتني اعتنق الإسلام والشيء الأخير الذي جعلني اعتقد أن الإسلام دين الحق هو رؤية فتاة في العشرين تصلي وعندما سجدت رأيت أن السجدة هي قمة الاستسلام لله - سبحانه وتعالى-.وفي هذا اليوم عرفت أن الإسلام هو الحق.
http://arabic.islamicweb.com المصدر:
============
الفتور الدعوي عند الشباب الأسباب والحلول
د. عبد الله بن علي الجعيثن
الدعوة إلى الله اليوم واجب الأمة الإسلامية جمعاء لا يشذ عن ذلك إلا عاجز، كل على حسب قدرته وما وهبه الله من استعدادات وإمكانات.
والناظر في حال شباب الأمة يجد تقهقراً عن القيام بهذا الواجب وتراجعاً عن الاشتغال بهذه الوظيفة وعزوفاً عن التصدي لتلك المهمة من قِبَل كثير من الشباب!
وحين نتلمس الأسباب التي أدت إلى ذلك، والصوارف التي صرفت أولئك عن الاشتغال بتلك الأعباء فإننا نجد أنها ترجع إلى أمور كثيرة يمكن الإشارة إلى شيء منها في هذا المقام:
1 - ضعف استشعار المسئولية والغفلة عن استحضار ذلك الواجب، فلا يشعر المرء بأنه مطالب بعينه بالنهوض بالأمة ومداواة عللها وتضميد جراحها.
2 - اعتقاد بعضهم أن في الساحة من يكفي، إذاً فلا حاجة إليه.(15/93)
3 - الاشتغال بالدنيا وملذاتها من الأموال والبنين والمراكب والمساكن والمناصب.
4 - الانهزامية والشعور بالضعف أمام تيارات الفساد، وتطرُّق الإحباط إلى النفوس من جراء كثرة الشر والباطل وتفنن أهله في عرضه وترويجه، فوقع في بعض النفوس أن الأمر أكبر مما يمكن أن يقدمه، وأنه يتطلب جهوداً ليس هو من أهلها ولا من القادرين عليها. ووصل الحال بآخرين بعد بذل شيء من الأسباب إلى أن يقول بلسان الحال: إما أن تصلح الأوضاع ويستقيم أمر الناس أو ننسحب من الميدان ونخلي المكان.
5 - تصور بعضهم ضيق ميدان الدعوة وأنه محصور في خطبة على منبر أو محاضرة مرتجلة أو كلمة أمام الجماهير، وهو غير قادر على شيء من ذلك، فينصرف عن الدعوة بالكلية.
6 - الصدمات التي قد يتعرض لها بعض العاملين في حقل الدعوة والمضايقات التي قد تحصل لبعض الدعاة، فربما كان ذلك سبباً في تطلب بعضهم للسلامة بزعمه، وقد وقع في العطب!!
7 - تقصير المنظِّرين والدعاة في تحفيز الشباب نحو العمل الدعوي وفتح الآفاق أمامهم للولوج إلى ميدان الدعوة الفسيح كل على حسب ما آتاه الله من علم ومقدرة وموهبة.
8 - دعوى بعضهم أن المشكلة ليس من أسبابها جهل الناس وحاجتهم إلى التعليم والدعوة والبيان، بل إن الناس بزعمهم عاصون على بصيرة ومعاندون للحق؛ فما ثمرة السعي في تعليمهم ما يعلمون وتبصيرهم فيما لا يجهلون؟!
9 - ميل الكثيرين إلى الكسل والبطالة أو كثرة الرحلات والمخالطات، وبعدهم عن الجدية في عموم أحوالهم وأمورهم؛ ومن ذلك أمر الدعوة إلى الله؛ فليس عند الواحد منهم استعداد لأن يناط به عمل أو يتحمل مسؤولية؛ لا عجزاً، ولكن تهاوناً وكسلاً.
10 - اشتغال بعضهم بالجدل والمراء في بعض القضايا الفكرية، وبعض الأطروحات المعاصرة مما شغله عن الاهتمام بالنهوض بالأمة في أعمالها وسلوكها وأخلاقها.
11 - اشتغال بعضهم بالتنقيب عن عيوب الناس وخصوصاً العاملين في حقل الدعوة، وإظهار تلك العيوب ونشرها وتضخيمها، وربما لبَّس عليه الشيطان بأن هذا في سبيل الإصلاح وأنه محسن في ذلك قائم بأمر الدعوة.
12 - اشتغال بعضهم بالنظر في الواقع وتتبع ما يجري في الساحة والمبالغة في ذلك إلى حد الانهماك فيه، ثم يظن أنه بذلك قدم شيئاً للأمة بمجرد هذه المتابعة وحصوله على هذا الفقه. وهو بهذا قد لا يعدو أن يكون نسخة مما تحتفظ به أجهزة الإعلام من أخبار وتقريرات وتحليلات!!
13 - عدم التوازن والاعتدال لدى بعض الشباب في توزيع الحقوق والواجبات؛ فربما انهمك في جانب على حساب الجوانب الأخرى؛ كمن ينهمك في طلب العلم أو في تربية النفس وتهذيبها أو في جانب من جوانب الخير على حساب أبواب أخرى من الخير كالدعوة إلى الله - سبحانه -؛ حتى ربما اعتقد أنه إذا خرج عن هذا الأمر الذي رسمه لنفسه قد ضيع زمانه وأهدر جهده فيما لا ينفع.
14 - تثبيط القاعدين وتحبيط المتقاعسين عن القيام بأمر الدعوة؛ فلا يكتفي أولئك بقعودهم وتقاعسهم، بل ربما سعوا إلى تثبيط غيرهم والحط من قدر أعمالهم، وأنه لا فائدة من جهودهم؛ فربما قاد ذلك بعض الضعفاء إلى التأثر بذلك الهذيان ومن ثم إخلاء الميدان.
15 - اشتراط بعض الشباب أن يكون في موقع معين في المشروع الدعوى، فإن لم يتحقق له ذلك المكان، ولم يحصل له المركز الذي يريده أنف أن يكون في موضع أقل مما يطمح له، فيكون البديل أن يولي الأدبار، وينأى بجانبه، ويترك المجال برمته، وهو الخاسر بكل حال.
العلاج:
بمعرفة الأسباب يتضح العلاج. وهناك بعض الأدوية التي تداوى بها تلك العلة منها:
1 - استشعار المسئولية العظمى المناطة بكل مسلم تجاه دينه وأمته، وخصوصاً الشباب الصالح الذي تربى على الخير واغترف من معين الحق؛ فهو أجدر من يتصدى للنهوض بأمته ورفع الجهل عنها ورأب صدعها ومعالجة عللها وأدوائها. ويزيد من عظم الأمر أن واقع الأمة الإسلامية اليوم بحاجة ملحة إلى دعاة كثيرين بل إلى استنفار عامٍّ من قِبَل كل طالب علم وصاحب غيرة ليؤدي دوره، وبخاصة أن الدعاة الموجودين اليوم لو اجتمعوا في بلد واحد لما سدوا الحاجة القائمة؛ فكيف مع قلتهم وتوزعهم؟
ثم على فرض وجود من يكفي ألا يسر المرء أن يكون من جملة قافلة الدعاة وركاب سفينة النجاة؟
2 - معرفة حقارة الدنيا وأنها لا تستحق انصراف القلب إليها وانهماك البدن في الاشتغال بها، وأن قيمتها الحقيقية تكمن في كونها ميداناً للأعمال الصالحة والجهود المباركة التي تنفع المرء في آخرته. ومن ذلك العمل الدعوي ونفع الخلق بجميع صور النفع.
3 - الثقة بنصر الله واليقين بوعده، وأنه - تعالى –: {يؤيد حَمَلَة هذا الدين، وأنه مهما تآمر العدو وتفنن في عرض باطله فإنه مهزوم أمام قدرة الله وقهره، ولكن لا بد من الابتلاء والامتحان. قال - تعالى -: ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض } {محمد: 4}.
4 - إدراك اتساع ميادين الدعوة والعمل لهذا الدين يتيح للجميع فرصة المشاركة، كل فيما يخصه وما أعطاه الله من مواهب وقدرات. ومن ذلك:
- النصيحة الفردية ملفوظة ومكتوبة.
- الكلمة القصيرة. - المراسلة لهواة المراسلة.
- كتابة المقالات في الصحف والمجلات.
- التعقبات والردود على بعض الكتابات المغرضة في الصحف والمجلات وأجهزة الإعلام الأخرى.
- المشاركة في الكلمات والندوات في الإذاعة والتلفاز.
- كتابة القصص الهادفة.
- تأسيس قناة تلفازية أو مجلة إسلامية أسبوعية أو شهرية في شبكة "الإنترنت" وعرض البرامج التربوية والعلمية والمقالات الهادفة من خلال ذلك.
- توزيع الشريط النافع والكتاب الهادف والمطويان والنشرات الجيدة.(15/94)
- نظم الشعر في مناصرة الدعوة الإسلامية وقضايا المسلمين.
- الأعمال الإغاثية داخل البلاد وخارجها.
- معالجة قضايا الشباب ومشكلاتهم.
- تربية الشباب من خلال الحلقات القرآنية ومكتبات المساجد ومجموعات الأحياء.
- الدراسة والتخطيط للبرامج الدعوية، ووضع الخطط للمشروعات الخيرية، واقتراح الأمور النافعة في حقل الدعوة التي يقوم بها غيره من القادرين الأكفاء.
وهذا الإدراك لاتساع ميادين الدعوة يقطع الطريق على كل معتذر ويسد الباب أمام أي متنصل.
7 - فهم أن ابتلاء أصحاب الدعوات سنة ماضية، ولا بد من توطين النفس على التعرض لشيء من الابتلاء القولي وربما الفعلي. يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على" ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور {لقمان: 17}.
وإن كان الملحوظ في عصرنا أن ممارسة الكثير من ميادين الدعوة ومجالات العمل الإسلامي الأصل فيه السلامة وعدم التعرض للفتنة.
8 - التفاؤل في الأعمال الدعوية مطلب، وهو حافز للعمل ودافع إليه؛ ومع ذلك فلا تفترِضْ سلفاً عدم جدوى شيء من هذه الأعمال، ولا تُصَبْ بالإحباط حينما لا ترى الثمرة ماثلة للعيان؛ لأنك مطالب ببذل الأسباب، والنتيجة أمرها إلى رب الأرباب، وليس بالضرورة أن يرى المرء ثمرة دعوته وقد يراها غيره، وربما كان الغرس على يده وجني الثمار على يد غيره.
9 - واجب على من ولاَّهم الله أمر تعليم الأمة وتوجيهها من العلماء والدعاة أن يوجهوا الشباب إلى الانخراط في مجال العمل الإسلامي وأن يحفزوهم إلى ذلك، ويفتحوا لهم الآفاق الدعوية التي يمكنهم العمل من خلالها.
10 - لا بد من معرفة أن الناس وإن كان الغالب عليهم أنهم متعلمون إلا أنهم يجهلون الكثير الكثير من أمور دينهم ولا سيما في المناطق والهجر النائية؛ فواجب على كل من يحمل علماً ولو قليلاً أن يقوم بوظيفة البلاغ؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بلغوا عني ولو آية" رواه البخاري(1).
ثم إنه ليس المقصود بالدعوة التعليم فحسب، بل الناس بحاجة إلى تذكيرهم بما يعلمون وهم عنه غافلون، والله - تعالى - يقول:{ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} {الذاريات: 55} وما أكثر ما يقع فيه الناس من المخالفات والأخطاء؛ فإذا ذكّروا بالله تذكروا فإذا هم مبصرون.
11 - الجدية وعلو الهمة مطلب في حياة الشاب الملتزم؛ فلا بد من البعد عن مظاهر الكسل والبطالة والإخلاد إلى الراحة، بل المبادرة بملء الوقت بمعالي الأمور من علم وعمل ودعوة، مع إجمام النفس الفينة بعد الأخرى. على أن الأمر كما قال الشاعر:
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
12 - إدراك أن الاشتغال بالجدل والمراء مما يورث قسوة القلب والضغائن بين الناس، ويصد القلب عن الاشتغال بما ينفع العبد وينفع أمته، فليبتعد المرء عن المراء والجدال، وليشتغل بنشر الخير وتأليف القلوب على الحق.
13 - التنقيب عن عيوب الأنام سمة اللئام، وليست من خصال أهل الإسلام؛ وتزداد قبحاً وسوءاً حينما يصورها الشيطان بأنها من مناصرة الحق وتقويم الخلق، فيصد العبد بذلك عن نشر الخير وإيصاله إلى الناس بتتبع عثراتهم وإبراز عيوبهم، خصوصاً القائمين بالحق منهم؛ فعلى من كانت هذه سمته أن يتقي الله ويشتغل بعيبه عن عيوب الناس، ويمحض الناس النصح والتوجيه، ويجتهد في إيصال الخير إليهم بكل طريق.
14 - معرفة الواقع والاطلاع عليه وسيلة وليس غاية في نفسه؛ فإن لم يكن إطلاعك عليه طريقاً إلى القيام بالمسئولية تجاهه وبذل الأسباب في معالجته فلا تعدو أن تكون أقمت الحجة على نفسك، وأعلنت أمام الله والملأ بقلة مبالاتك!! فاتقِ الله ولا تجعل الاشتغال بتتبع الأخبار ورصد الواقع غاية في نفسه فتظن أنك بذلك قدمت شيئاً للإسلام؛ بل استثمر ذلك في القيام بما يجب عليك نحوه حسب استطاعتك.
15 - التوازن في الأمور مطلب شرعي، فلا يكن اشتغالك بجانب من جوانب الخير سبباً في اشتغالك عن جوانب أخرى ربما كانت واجبة كالدعوة إلى الله - تعالى -. وليست العبرة في ذلك بالميول القلبية والرغبات النفسية، فالشرع هو الميزان في ترتيب الأولويات وتوزيع الواجبات.
16 - مجانبة المتقاعسين والبعد عن مخالطة القاعدين؛ فالمرء على دين خليله؛ فإذا بُليت بمثل أولئك فكن معهم ببدنك لا بقلبك، ولا تكترث بتثبيطهم، واحمد الله الذي عافاك مما ابتلاهم به، من غير أن يصيبك الإعجاب بالنفس؛ فالله هو المانُّ عليك بذلك.
17 - الإخلاص أعظم الحوافز نحو العمل الدعوي ونفع الخلق، لما يرجوه العبد من الثواب ويؤمله من الأجر. كما أنه سبب من أسباب الثبات على الطريق مهما حصل من إخفاقات كالارتباك والعي أثناء إلقاء الكلمات، أو كان ذلك في حصول أخطاء غير متعمدة في المشروع الدعوي؛ لأن العامل حينئذ يشعر أنه بذل ما يستطيع وصدق في ذلك وأراد الخير فلا يقلق حينما يقع أمر بغير اختياره أو لم يتمكن من إنجاز ما يريد إنجازه، وهو لا يرجو من الناس ثناء ولا شكوراً؛ فلا يضيره إن لم يحصل على شيء من ذلك.
كما أن الإخلاص من عوامل الاستمرار في دعوة الناس مهما أعرضوا؛ لأن المخلص لا يزال يؤمل صلاحهم، كما أنه يرجو الثواب في استمراره في دعوتهم، فلا يضيره إعراضهم.(15/95)
وكذلك فإن الإخلاص يجعل المرء يرضى بما يناط به من عمل في أي مشروع خيري أو دعوي؛ فهو لا يشترط منصباً أو مكاناً معيناً إن حصل له وإلا فإنه لا يعمل؛ لأن همَّ المخلص أن يقدم خيراً لأمته في أي موقع كان، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "طوبى لعبد آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة"(2) فهمُّه الجهاد ونصرة هذا الدين، فلا يبالي في أي موقع وُضِعَ، وحيثما وضع نفع؛ وهذا لا يعني أن لا يسعى المرء إلى أن يقدم لهذا الدين وينفع الأمة من خلال القدرات والمواهب التي يحسنها؛ لكن الكلام هنا في أن المخلص لا يسعى للصدارة والظهور والرئاسة، بل هو مجتهد مستجيب لكل ما يناط به مما له قدرة عليه.
18 - علم المرء بفضائل وثمرات الدعوة إلى الله من أعظم ما يدفعه نحو الاشتغال بذلك. ومن ذلك قوله - تعالى -: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين {فصلت: 33}، وقال - عليه الصلاة والسلام -: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" متفق عليه(3).
وقال أيضاً: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" (4). فكم يكون لك من الأجر إذا كانت الأعداد الكبيرة من الناس تعمل على ضوء ما أرشدتهم إليه! وكم من الأجر يلحقك من آثار ذلك حتى وأنت مفارق للدنيا في قبرك!
أسأل الله أن يجعلني وإياك من الهداة المهتدين، والصالحين المصلحين، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر بمنه وكرمه.
وصلِّ اللهم على الهادي البشير وعلى آله وأصحابه أجمعين. (*)
---------------------
(1) صحيح البخاري (6-496)، ح- 3461.
(2) صحيح البخاري (6-81)، ح- 2887.
(3) صحيح البخاري (6-111)، ح- 2942، وصحيح مسلم (4-1872)، ح- 2406.
(4) صحيح مسلم (3-1506)، ح- 1893.
(*) مجلة البيان
http://www.saaid.net المصدر:
============
الداعية إذا تزوجت
محمد رشيد العويد
تكون الفتاة الملتزمة شعلة في الدعوة إلى الله، وتحبيب أوامره للقلوب، وتكتب بعاطفة صادقة مشبوبة، وتدعو بلسان يأسر النفوس، ويقنع العقول، حتى إنها لتكسب داعيات جديدات، يقتبسن منها ويحذون حذوها.
وتتزوج هذه الفتاة، فإذا بها تنزوي في بيتها، ويخفت صوتها، وتفتقدها أخواتها، تعتذر منهن إذا دعونها إلى لقاء، وتتوارى عنهن إذا صادفنها في الطريق.
ولقد تكرر هذا حتى أطلقت المسلمات على الزواج "مقبرة الداعيات"، وصرن "يشيّعن" المتزوجة إلى بيتها بدلاً من "زفها" إليه.
فما السر في هذا الانقلاب؟ وهل هو طبيعي مقبول؟ أم أنه شاذ مرفوض؟
علينا أن نقرّ أن حال فتاة ليس عليها مسؤوليات تجاه زوج وأولاد، وتبعات بيت، يختلف عن حال زوجة تحمل هذه التبعات وتلك المسؤوليات.
ومن ثم فإن من الطبيعي أن ينقص عطاء الفتاة لدعوتها خارج بيتها بعد زواجها، وأن يقل الوقت الذي تمضيه مع أخواتها الداعيات، وأن تغيب كتاباتها الحماسية أو تضعف نبرتها وتخفت حرارتها.
لقد أصبح للفتاة بعد زواجها رسالة ليست هيّنة، رسالة جليلة خطيرة، تسعى من خلالها لتأسيس خلية صالحة من خلايا المجتمع المسلم، خلية ترعى فيها زوجاً، تكون له سكناً، وتربي فيها أطفالاً، تكون لهم راعية ومرشدة ومعلّمة. فهل يمكن لمن هذا شأنها وحالها أن تستمر في عطائها القديم؟ هل نتهمها بالهروب، والتخلي عن الدعوة، ومفارقة أخواتها الداعيات؟
علينا ألا نطالبها بعطائها الذي كان قبل الزواج قدراً وحماسة، وعلينا أن نقدر انشغالاتها بزوجها وأولادها وبيتها، وعلينا ألا نهوّن من مسؤولياتها الجديدة وأعبائها التي لم تكن تحملها من قبل، لكن هذا لا يعني أبداً تبريرنا انصرافها عن أخواتها، أو مقاطعتها لهن، أو تراجع التزامها بدينها، وضعف تطبيقها أوامره، بل لعل استقرارها، الذي أثمره زواجها، يساعدها على مواصلة دعوتها بطمأنينة أكثر، وراحة نفسية أفضل، وربما بمساندة من زوجها إذا كان ملتزماً مثلها، كما أن استقلالها عن أهلها في بيت هي ملكته، يساعدها في دعوتها، ويمنحها فرصاً ربما لم تكن تتوافر لها في بيت أهلها، ولعل إنفاق زوجها عليها يكفيها عملها خارج بيتها، فيعينها على اتخاذ قرار الاستقالة، وهذه الاستقالة تمنحها وقتاً كان يأخذه عملها منها، فتجعل لدعوتها نصيباً من ذاك الوقت الذي كسبته بترك عملها.
وعليه فإن المرجو من الداعية التي تتزوج أن تحرص على ما يلي:
• أن تقوّي التزامها بدينها؛ لأن زواجها يحصّنها ويعفّها ويقطع الطريق على وساوس إبليس بالتبرج وإظهار الزينة أمام غير المحارم.
• على الرغم من أن واجباتها ومسؤولياتها تجاه زوجها وأولادها تأخذ كثيراً من وقتها وطاقتها، فإن تنظيمها أعمالها يساعدها على توفير قدر من الوقت، وإعطاء شيء من الجهد لدعوتها.
• زياراتها واستقبالاتها لغير الأهل والأقارب يمكن أن تبقى لأخواتها في الله، تواصل من خلالها دعوتها إلى الله، وعملها في سبيله، بالتشاور والتحاور مع أخواتها، واستكمال دراسة ما وضعنه من برامج.
• تفاهمها مع زوجها يساعدها على إقناعه بأهمية الدعوة وفضلها وبركتها، ويجعله من ثم يساندها ويحثها على مواصلة عملها الدعوي، ويقدر بعض انشغالها عنه (زوجها)، وغيابها قليلاً عن البيت.
• على أخواتها الداعيات، من جهتهن، ألا يقطعن المتزوجة وإن بدأتهن بالقطيعة، وأن يزرنها وإن قصّرت في زيارتهن، وألا يلمنها ويعتبن عليها كثيراً فيُعِنَّ الشيطان عليها.
لتعذرها أخواتها، ويخففن عليها في بداية زواجها، دون أن ينسحبن من حياتها، ويبتعدن عنها.
http://www.saaid.net المصدر:
============(15/96)
كيف تدعو من تعول ؟ ليكونوا دعاة
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
قال - تعالى -: {ولتكن منكم أمَّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المهتدون} 1
(مكتب دعوة في البيت):
إنشاء مكتبة مقروءة في البيت تناسب جميع المستويات، وتتوافق مع كلِّ الأذواق المشروعة، لتصبح حديقة غنَّاء، يدخل إليها من يريدها فيجد فيها بغيته، ففيها ما يناسب طالب العلم، والرجال والنساء والأطفال، والمتخصص، والمطلع.
إعداد مكتبة سمعية: تحتوي على أشرطة متنوعة تناسب جميع الأعمار والمستويات، وتتناول أكثر القضايا والموضوعات، وتتوافق مع الأذواق والرغبات المشروعة، للعلماء والمشايخ والدعاة، ويتم تحريك المكتبة بعدة طرق منها:
ـ السماع للأشرطة.
ـ تفريغها على الورق.
ـ تلخيص ما ورد فيها.
ـ فهرسة مواضيعها.
* يمكن تجهيز ركن في المكتبة للإهداء والدعوة.
(ابنِ مع البنائين)
المشاركة في الهيئات الشرعية والمؤسسات الدعوية والمكاتب التعاونية، والمراكز الإغاثية وغيرها.
(صندوق الخير)
تجهيز صندوق خيري جميل المنظر لجمع المال للمشاركة في أفعال الخير، ويأمرهم بوضع المال فيه، ويوضع في مكان بارز ومناسب في البيت.
ويحتوي هذا الصندوق على عِدَّة خانات، فمنها جزءٌ للمشاركة في بناء المساجد، وآخر للدعوة إلى الله - تعالى -، وآخر لطباعة الكتب، وآخر لكفالة الأيتام ورعايتهم، وآخر لمجالات خيرية ودعوية مختلفة.
* يمكن للضيوف المشاركة والمساهمة فيه.
(قديم.. لكنه.. جديد!)
ترغيبهم في التصدق بما هو قديم ونافع كالملابس القديمة، والأواني المستخدمة، والأثاث المستعمل على المحتاجين لها والراغبين فيها، بدلاً من إلقائها، والتخلص منها.
(الرضخ! )
حثهم على اقتطاع يومي أو أسبوعي ـ ولو كان قليلاً ـ من مصروفهم للمشاركة في أفعال الخير والإحسان، ويمكن تسميته بالتوفير الخيري مثلاً
(السلاح المعطل)
ترغيبهم في الدعاء لأنفسهم والدعاء لغيرهم مبتدئين بالوالدين والأقربين، وخصوصًا حال الملمات والنكبات، وتذكيرهم بأهميَّة الدعاء للإسلام والمسلمين في المشارق والمغارب، ليكون ذلك ديدنا لهم وطبعًا فيهم.
(من استطاع أن ينفع أخاه، فليفعل! )
تعليمهم الرقية الشرعية وضوابطها، فيتعلمون كيف يرقو المريض نفسه أو كيف يقرأ بالتعاويذ الشرعية من الكتاب والسنة على غيره.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفثُ على نفسه في المرضِ الذي ماتَ فيه بالمعوِّذاتِ، فلما ثقُلَ كُنتُ أنفثُ عليهِ بهنَّ، وأمسحُ بيدِ نفسِهِ لبركتِها " 2 وفي رواية: " فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به " 3
وعنها - رضي الله عنها - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُعوِّذُ بعضَ أهلِهِ، يمسحُ بيده اليمنى، ويقول: " اللهم ربَّ الناسِ أذهبِ البأس.... " 4
(الدعوة الصامتة في البيوت)
أن يعوِّد أهل بيته على التواضع ولين الجانب كالأكل مع الخادم، والجلوس معه، والحديث إليه، وإدخال السرور عليه، والمشاركة له في أفراحه وأتراحه، وخصوصاً حال مرضه وسقمه أو حنينه وحزنه.
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا أتى أحدكُم خادِمُهُ بطعامِهِ، فإن لم يجلسهُ معَهُ، فليناولهُ أكلةً أو أكلتينِ، أو لقمةً أو لقمتينِ، فإنه وليَ حرَّهُ وعلاجَهُ " 5
(زيارة للفقراء، تساوي وزنها ذهباً)
زيارة الأسر الفقيرة، وتفقد أحوالهم، ومدِّ يدِ المساعدة لهم.
وبهذه الزيارات تتعمَّق الصلات، وتقوى الروابط، وتنشأ المشاعر الوجدانية الإيمانية بين المجتمع الواحد، وينتج عنها أثر كبير في قلوب الأهل، فيعرفون نعم الله عليهم، ويقومون بشكرها، ويرضون بما قسم الله لهم منها، ويمدون يدّ العون لإخوانهم في الدين.
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم " 6
(بلاء الأصحاء)
زيارة المرضى في المستشفيات ـ إن أُمنت الفتنة! ـ ودور النقاهة ومراكز الإعاقة، ليتعرَّف الأهل على فضل الله عليهم بما يشاهدون من مشاهد الحزن والألم التي يرونها بادية على وجوه أهل البلايا.
* يستحب أخذ بعض الهدايا للمرضى، وخصوصًا من هم في مراكز الإعاقة ودور النقاهة لطول مكثهم فيها.
(كن داعياً)
تشجيع الأهل على الدعوة إلى الله - تعالى - في أوساطهم التي يخالطون فيها غيرهم كالمدارس والقرابة والجيران والأصحاب، وينبغي مساعدتهم على ذلك بمدِّهم بالأشرطة والكتيبات والمطويات وإعلانات المحاضرات، وغيرها من السبل المشروعة للدعوة إلى الله - تعالى -.
عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعليٍّ ـ رضي الله عنه ـ يوم خيبر: " انفُذ على رسلِك حتَّى تنزل بساحتهم، ثمَّ ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجبُ عليهم مِن حقِّ الله فيه، فو الله لأن يهديَ اللهُ بكَ رجلاً واحداً خيرٌ لك من أن يكونَ لك حُمرُ النَّعَم " 7
(شارك في المعارك)
حثهم على المشاركة في المجلاَّت الإسلامية بالكتابة فيها، والنقد الهادف لها، وبالنصيحة المخلصة للقائمين عليها، وبالدعاية إليها، وغير ذلك من وجوه المشاركة فيها.
(خلية خير)
إشراكهم في البرامج الدعوية التي يقوم عليها ربُّ الأسرة، ويمكن استغلال طاقاتهم في ذلك، وتربيتهم على المشاركة الفعَّالة في وجوه الأنشطة الدعوية، مثل إعداد الرسائل وترتيب الأشرطة وفهرستها وتصنيف الكتب وترتيبها وتنظيم المكتبات والعناية بها.
(مقاومة المقاومة)(15/97)
تدريبهم على كتابة الردود الصحيحة على الأقلام القبيحة المفسدة التي تشذُّ عن الحق وتوغل في الباطل، وإرسال مقالاتهم ـ بعد تنقيحها ـ إلى الجرائد والمجلاّت التي تنشر ذلك الزيف أو غيرها ليعلو صوت الحقِّ، ولتستبين سبيل المجرمين.
(أرسل.. تصل! )
إرسال الرسائل الدعوية لهواة المراسلة الذين يظهرون في الجرائد والمجلات مع بعض الكتيبات والمطويات، وإعداد برنامج دعوي متكامل لهذه الوسيلة الدعوية الناجحة، كلٌّ بحسبه؛ الرجال مع الرجال، والنساء مع النساء.
(مدارس.. مغارس)
تشجيعهم على كتابة المقالات المفيدة المختصرة للمشاركة بها في مدارسهم كطابور الصباح والحفلات والأنشطة المدرسية.
(صمام الأمان)
غرس شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قلوبهم، وذلك بممارسته أمامهم، وترغيبهم فيه، وحثهم عليه عند حدوث ما يستدعيه.
قال - تعالى -: {يا بنيَّ أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} 8
* كم هو الأثر بالغ في قلب رجلٍ مدخنٍ عندما يأتي إليه طفل صغير يحذره منه وينهاه عنه!
* وكم هي الاستجابة من شابة غافلة تستمع للمعازف والأغاني عندما تأتيها طفلة صغيرة تذكرُ لها حُرمته وتنذرها من خطورته!
(همم في الهموم)
إشغالهم بأحوال العالم الإسلامي وقضاياه ومشاكله حتَّى ينشغلوا بالعظائم والمهمَّات، ولا يلتفتوا إلى التوافه والمحقرات، وتتولَّد لديهم عاطفةٌ إيمانية للمؤمنين وولاءٌ قلبي للمسلمين.
فعلى قدر الهمم تكون الهموم، ومن حلَّق فوق النجوم فلن يقنع بما دونها.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها -: " يا عائشةُ! لولا حِدثَانُ قومِكِ بالكفرِ لنقضتُ البيتَ حتَّى أزيدَ فيهِ من الحِجرِ، فإنَّ قومكِ قصَّروا في البناء " 9
(درس بدلاً من الهرس)
إعداد درس نسائي أسبوعي أو على الأقل شهري في البيت، فتدعى له الجارات والقريبات والمعارف، وتلقي فيهن إحدى الداعيات درسًا فيما يخص النساء. ومهمَّة أهل البيت الإعداد له والاستفادة منه، فينمو لديهم الحس الدعوي، والحرص على بذل الخير للغير.
(كن واعظاً)
تعويدهم على الخطابة وإلقاء المواعظ، وتنبيههم إلى آداب ووسائل مواجهة الناس والتأثير فيهم، من خلال تكليف أحدهم بإعداد موعظة قصيرة تلقى على الأهل، ويتم تقويم الموعظة وأسلوبها وإبداء السلبيات والإيجابيات عليها من الجميع.
*ينبغي التنبيه على أهمية رفع الروح المعنوية للملقي، وغرس الثقة في النفس، دون الوصول به إلى الغرور والإعجاب بالنفس.
(إشارات دعوية)
توزيع الكتيبات والمطويات والأشرطة النافعة على النَّاس عند إشارات المرور، أو محطات البنزين، فحالما يقف الوالد بمركبته بجوار غيره، فإنَّ أحد الأبناء يعطيه كتاباً أو شريطاً مع ابتسامة صادقة ولمسة حانية، ثم إذا تحركت المركبة فإنَّ الوالد يدعو بالهداية لمن أخذ الهدية والأهل يؤمنون ليتعلم الأهل الدعاء مع الدعوة.
(هدايا.. غير! )
اعتاد القرابة والجيران والأصدقاء في زياراتهم لبعضهم في المناسبات وغيرها أخذ شيء من الهدايا كالمأكولات والمشروبات والملبوسات، وهذا حسن، والأحسن منه أن يربي الوالد أهل بيته في هذه الزيارات على أخذ جملة من الأشرطة والكتب كهدية مختلفة عما ألفه النَّاس، ليربي أهله على الدعوة إلى الله - تعالى - ونشر الخير بين أولى النَّاس بهم.
* يوجد بالتسجيلات والمكتبات الإسلامية الكثير من السلاسل العلمية التي أعدَّت بشكل جميل ومناسب للإهداء.
ـــــــــــــــــــــ
1- آل عمران: 104
2- صحيح البخاري (7/29)(5735).
3- صحيح البخاري (7/32)(5747).
4- صحيح البخاري (7/31)(5743).
5- صحيح البخاري (6/562)(5460).
6- صحيح مسلم (4/1799) (2963).
7- صحيح البخاري (5/92)(4210).
8- لقمان: 17
9- صحيح مسلم (2/793)(1333).
06-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
==============
دور المرأة في الدعوة إلى الله .. خديجة نموذجا
إيمان الوزير
اليوم هو يوم الفتح... ومكة ترتعد وجلاً من القادمين عبر الصحراء بخطى واثقة وجباه شامخة في طريقهم إليها.. تلك الغزوة التي أرادها الله - عز وجل - لإزهاق الباطل وإعلاء رايات الحق على أرض غطت نفسها برماد الوثنية ردحا من الزمن.. حين رفض صناديدها وهج النور الذي أشرق من جبالها قبيل العشرين عاماً.. لكنه اليوم يعود إلى حضنه منتصراً متشوقاً لمهده محطماً عبر خطواته هيمنة هبل ووحشية اللات.. يقود مشعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعشرة آلاف من الذين هداهم الله للإسلام حتى وصلوا إلى جبل أبي قبيس حيث القمة التي تظهر منها شعاب مكة ووديانها وكافة أرجائها.. وكأنه - عليه الصلاة والسلام - يريد أن يكون هذا المكان أول ما تطؤه قدماه في مكة حيث يسمع خفقات قلبه تناديه إلى حيث يرقد حبه الأول خديجة بنت خويلد!
ذاك الحب الذي احتضن دموعه بعد طول حرمان.. اليوم يناجيه بلهفة الزوج الوفي المشتاق حاملاً معه طيف ذكريات عاشها معها في عذوبة وسعادة.. كأنه يريدها في هذه اللحظات بالذات أن تشاركه فرحته بعودته إلى مكة فاتحاً.. وهي التي طالما احتضنت عذاباته وضمدت جراحة في مكة.. وبعد أن وقف الحبيب بصمت ينظر إلى قبر الحبيبة بدمعة فاضت من عينيه تحركت الجيوش لتدخل مكة من جهاتها الأربع وقد أمن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أهلها بعباراته الشهيرة (اذهبوا فأنتم الطلقاء).(15/98)
لتنحني الإنسانية تقديراً وإجلالاً أمام عظمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وسماحة عفوه.. وخديجة في قبرها تسمع معاول الفؤوس تهوي على أصنام طالما كرهتها وأنفت التوسل إليها تلك السيدة العظيمة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي صاحبة النسب والحسب والجمال والمال التي تهاوت أمام قدميها قلوب سادة قريش رغبة في الزواج منها.. لكنها وبعد أن جربت حظها بالزواج مرتين الأولى من عتيق بن عائذ المخزومي والثانية من أبي هالة هند بن زرارة التميمي عافت الرجال حزناً على من فقدتهم.. وعكفت على تربية بنتها من عتيق وابنها من أبي هالة غير أن المال الذي امتلكته وما أكثره من مال أوجب عليها كعادة أهل مكة أن تستثمره في التجارة فاحتاجت لرجل قوي أمين يتاجر لها بمالها..
وكانت خديجة تبحث عن ذلك الرجل حتى رأته في شخص الصادق الأمين محمد بن عبد الله الذي ملأت رائحة سموه وعظيم أخلاقه رياحين مكة فدفعت بأموالها إليه ليتاجر فيها.. وكانت خديجة قد نظرت إلى الصادق الأمين بمنظار المرأة الناضجة التي ترى الرجال بمعادنهم لا بأناقتهم وتستطيع بثاقب بصرها أن تميز بين خيارهم فإذا بقلبها ينفتح لمحمد الأمين بعد طول انغلاق مبهورة برجاحة عقله رغم أنه لم يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر فتنبأت بفضله قبل أن يتنبأ الرجال.. لكنها كتمت سرها في نفسها فكيف الوصول إليه وهو يصغرها بخمسة عشر عاماً وليس هذا فحسب فربما لن يفكر بها الأمين وهو يعلم مكانة خديجة بين قومها ويرى كيف تتدفق الأفئدة متمنية الارتباط بها شباباً وشيوخاً وهوالفقير اليتيم الذي لم يمتلك من الدنيا سوى صدقه وأمانته ونسبه الذي لا يخفى على أحد في عصر كانت المادة فيه والنسب يلعبان درواً في سلم السيادة بين عرب الجزيرة.. لكن خديجة التي كتمت إعجابها بمحمد عن مكة كلها لم تملك إخفاءه عن صديقتها نفسية بنت منية فقد تجلت مشاعرها واضحة وهي تروي لها ما قاله ميسرة عن الصادق الأمين من عظيم أخلاق بعد أن رافقه في رحلته للمتاجرة بمالها في بلاد الشام.. لكن نفيسة التي رأت بريق عيني خديجة تنبهت للأمر فهونت عليها حيرتها واضطرابها.. وسارعت إلى الأمين تسأله عن سبب عزوفه عن الدنيا وهو الذي يحتاج حتماً لزوج حنون يسكن إليها وتقر بها نفسه.. وكانت نفيسة حريصة على التلميح دون ذكر اسم خديجة رغبة منها في التقريب منعاً للإحراج قائلة له: (فكيف إذا دعيت إلى الجمال والمال والشرف) ليدرك النبي - عليه الصلاة والسلام - بذكائه الفطري أنها تقصد خديجة.. ومن غيرها من نساء مكة حظيت باجتماع كل هذه الصفات.. ويسرع إلى عميه أبي طالب وحمزة ليخطبا له خديجة.. فيتم الزواج بسرعة يحمل معه وداعة الحال وصفاء العيش لا نسمع عنه في أروقة التاريخ من تحاكي عن فارق السن بينهما إلا من بغضاء الإسلام وحاملي لواء الحقد على دين الله من بعض المستشرقين أو المتخاذلين الذين نظروا لزواج النبي - عليه السلام - من خديجة بمنظار زواج (الكونت) من (الكونتيسة) في أوروبا طمعاً في عرش يناله أو ميراث ينتظره.. وشتان بين الثرى والثرية.
وهيهات أن يفهم الغرب عمق العاطفة وصدق المشاعر والحوائج المتبادلة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وخديجة خاصة أنهما على أرض تبوأت فيها العاطفة وصدق المشاعر بين عرب الجزيرة فكيف بنا أمام من عرف بالصدق والأمانة وطيب الخصال والبعد عن الملذات الفاسدة التي انغمس فيها أقرانه من قريش قبل أن يرى خديجة أو يفكر بالزواج منها.
عاش النبي - عليه الصلاة والسلام - معها خمسة وعشرين عاماً كانت له فيها زوجاً ولوداً ودوداً أنجبت له اثنين من الأبناء هما القاسم وعبد الله وأربعاً من البنات هن زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة.. ولم تكن هكذا وحسب بل كانت له أماً حين احتاج لحنان الأم التي حرم منها صغيراً فمسحت جراحه التي صنعتها أيام الحرمان والفقر والتنقل بين دار جده عبد المطلب وعمه أبي طالب.. وقد تجلت عظمة خديجة حين نزل الوحي على النبي لأول مرة في غار حراء وعاد إلى داره يرتعد وجلاً من هول ما رأى لتستقبله الطاهرة كأم رؤوم تمتص عنه ارتجافه الذي تملك جسده.. فتدثره وتزمله وتهدئ من روعه بحنان الأم.. فلما حكى لها ما حدث معه في الغار بادرته بمقولتها الشهيرة: (أبشر يا ابن العم واثبت وإني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة).. تلك هي العظمة حين تتوج عقل المرأة بفهم زوجها وتثبيته على الحق لا على رغبات الدنيا.
ولكن ما يثير استغرابنا في هذا الموقف هو اطلاع خديجة وبعد نظرها رغم أنها نشأت في بيئة وثنية عبدت الأصنام بكل جهل وصلف.. أكانت خديجة على الفطرة أم أن أقدار السماء أنبتت في نفسها رؤية الحق لتسمو بها حين يأتي أمر الله على نبيه برسالة الإسلام؟ ويبدو أن خديجة كانت تستمع إلى الحق من ابن عمها ورقة بن نوفل ذلك الذي اعتنق النصرانية لينفض عن نفسه غبار أصنام قريش.. فما كان منها إلا أن ذهبت إليه تخبره بما حدث مع محمد ليطمئنها بأنه جبريل الناموس الذي ينزله الله على أنبيائه فتزداد نفسها يقيناً بما بشرت به زوجها ويطرب قلبها فرحا بأن الدين الجديد الذي جاء ليعم نوره أرجاء المكان سيكون على يد زوجها وحبيبها محمد.
ما أعظم كرم الإسلام على المرأة حين رفع من قدرها فكانت أول من آمن بالنبي - عليه السلام -.. وأول من احتضن النبي - عليه السلام - في لحظات احتضاره امرأة، فيا لعظيم الشرف الذي وهبه الإسلام للمرأة المسلمة عبر عصور الإسلام من هذه المكانة الرفيعة.(15/99)
ومن ذلك اليوم الذي نزل فيه جبريل على نبينا في الغار تبدلت حياة الرغد وهدوء البال التي نعم بها الزوجان طيلة خمسة عشر عاماً.. لتبدأ الصعاب بسيلها الجارف تنهال على النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ أن جهر بالدعوة.. لكن خديجة المرأة التي أصبحت عجوزاً لم تهن ولم تضعف فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعود إليها وقد انهال التراب عليه أو علقت بعض الأشواك بثوبه ليجد صدرها الحنون بانتظاره وابتسامة الزوجة المؤمنة تستقبله مشعلة بريق الأمل والصبر في نفسه شادة من عضده لتخطي الصعاب.. هكذا تكون المرأة في أوقات الشدة.
وهؤلاء هن أخوات الرجال حين يتحملن المسؤولية بثبات وقوة يأبهن بحجارة الواقع.. بل يمتطين سلم المجد نحو نور الله بكل ما امتلكن من وسائل.. ولم يكن هذا موقف خديجة فحسب بل نراها تنفق مالها لأجل الإسلام.. تبذله دون التفكير بغد قد يكون الفقر فيه أمراً واقعاً فلا فقر مع نور الإسلام ولا غنى مع ظلمة الكفر.
ظلت خديجة تساند الدعوة حتى توفيت بعد حصار الشعب في العام العاشر من البعثة.. فكانت وفاتها عام حزن نبينا - صلى الله عليه وسلم -.. فاضت معها دموعه يرجو من الله الرحمة ويبكي ضعف الحال.. وتتتابع الأيام ليتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها بنساء كثيرات لكنها ظلت باقية في خلده تعطر بأريج ذكرياتها حياته.. فهذه دموعه تعاوده حين رأى قلادتها التي أهدتها لابنتها زينب يوم زواجها قد جاءت بها زينب لتفدي زوجها الأسير أبا العاص بن الربيع يوم بدر فيسأل أصحابه بأن يردوا عليها قلادتها ويفكوا لها عانيها.. وكثيراً ما روي عن بريق يلوح في عينيه حين يسمع صوت أختها هالة وكان شديد الشبه بصوتها فيهتف قلبه قائلاً: اللهم هالة ليسرع مرحباً مهللاً بها.. فلم تتمالك عائشة نفسها من أن تقول بغيرة المرأة المحبة: (ما تذكر من عجوز من عجائز قريش هلكت في الدهر أبدلك الله خيرا منها) فيغضب ويحمر وجهه ويجيبها قائلاً: (والله ما أبدلني الله خيراً منها آمنت بي حين كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء)، فأمسكت عائشة عن ذكرها وهي تقول: (والله لا أذكرها بعدها أبداً).
هذا هي خديجة بنت خويلد المرأة والأم والحبيبة والزوجة الصالحة التي عانقت قلب نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه حتى بعد وفاتها.. فما أجل من أن نجعلها نحن معشر النساء نبراساً نرى فيه خطوات واثقة لزوجة داعية حفرت بصماتها في تاريخ الإسلام...
ذي الحجة 1423هـ.
http://altareekh.com المصدر:
=========
حذار من اليأس .. فلا يأس مع الإيمان
د.محمد بسام يوسف
"فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ":
إنه كلام الله - عز وجل -، يأمرنا فيه بألا ندعَ مجالاً لليأس في أن يتغلغل إلى داخل نفوسنا .. فكل شيءٍ في هذا الكون يسير بمقادير الله - سبحانه وتعالى -!..
تعالوا نتعمّق في هذا البحث، بعد أن ودّعنا منذ أيامٍ شهر الرحمة والخير والمغفرة.. الشهر الذي تتعلّق فيه القلوب والأرواح بالله وحده، الذي يُسيِّرُ كل أمرٍ وفق نظامٍ ربانيٍ محكمٍ حكيم، فكم نحن بحاجةٍ في ظروفنا الصعبة الاستثنائية.. لردّ قضية اليأس والقنوط إلى أصولٍ منهجيةٍ إيمانيةٍ إسلامية.. لنتجنّب السلبيات المدمِّرة التي يمكن أن تحدث فيما لو سمحنا لليأس أن يَلِجَ إلى نفوسنا.. مهما كانت الظروف تتفاعل من حولنا؛ لأنها في النتيجة لن تسير إلا بما قدّره الله - سبحانه - لها من سبيلٍ تسير وفقه وإليه!..
ما اليأس؟!..
اليأس هو: القُنوطُ وانقطاع الأمل، وإحباطٌ يصيب الروحَ والعقلَ معاً، فيفقد الإنسان الأمل في إمكانية تغيُّر الأحوال والأوضاع والأمور من حوله!..
وقد قال الله - عز وجل - في محكم التنزيل واصفاً الإنسان: "وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ" (هود: 9).
واليأس نوعان:
- يأسٌ من رحمة الله، وهو محرَّم ومَنْهيٌ عنه في ديننا.
- ويأسٌ من أمرٍ ما في دُنيانا التي نعيش فيها.
ما ينبغي أن نعلمَه عن اليأس:
1- اليأسُ مَنْهيٌ عنه في الإسلام، بأمر الله - عز وجل -: "... فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ" (الحجر: من الآية55).
2- وصف الله - عز وجل - اليأس منه ومن رحمته - سبحانه -.. بأنه سبب من أسباب الضلال والكفر: "... إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف: من الآية87).
"قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ" (الحجر: 56).
وذلك لأنّ الإنسان اليائس، يُسيء الظنَّ بربه، والله - سبحانه وتعالى - يقول: "... وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" (البقرة: من الآية216).
يقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "لَئِن أضع جمرةً في فمي حتى تنطفي، أحَبُ إليَّ من أن أقولَ لأمرٍ قضاهُ الله تعالى: ليتَ الأمر لم يكن كذلك"!..
ذلك لأن مَن يفعل ذلك فكأنه ينسب الجهل إلى الله - سبحانه - تبارك وتعالى.. بينما يقول ربنا - عز وجل - في محكم التنزيل: "... أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" (الأعراف: من الآية54).. أي أن القدرة بيد الله وحده، لا بيد البشر..(15/100)
روى (ابن حبان) الحديث القدسيّ الشريف: "أنا عند ظنِّ عبدي بي، فليظنّ بي ما يشاء".. ويقول (الشوكاني): "فمَن ظنَّ بربه الخيرَ عامله الله - سبحانه - على حسب ظنّه به، وإن ظنَّ بربه السوءَ عامله الله - سبحانه - على حسب ظنّه به"!..
3- تَبرز قدرة الله - عز وجل - وتَظهر، عندما تنقطع أسباب البشر.. ولنا عبرة عظيمة في قصة نبي الله إبراهيم - عليه السلام - مع زوجته (هاجر) وولدها إسماعيل - عليه السلام -.. فقد تركها زوجها إبراهيم - عليه السلام - مع ولدها في وادٍ غير ذي زرع، وذلك بأمرٍ من الله - سبحانه وتعالى -.. فقالت له بعد أن تأكّدت أنه أمر الله: "اذهب فإنه لن يُضيّعَنا"!..
ما أسباب اليأس؟!..
1- استعجالُ الإنسان للأمور:
"... وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولاً" (الإسراء: من الآية11)..
لنعلم أنّ المتعجِّلين هم أقصر الناس نَفَساً.. وأسرعهم يأساً، وذلك عندما لا تجري الأمور على هواهم أو حسب ما يتمنّون ويحبّون ويشتهون!..
2- وَزْنُ الأمورِ بموازين الأرض لا بميزان السماء:
فقد قال رجلٌ لأحد الحكماء: إنّ لي أعداءً، فقال له: "... وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" (الطلاق: من الآية3).. قال الرجل: ولكنهم يكيدون لي، فقال له: "... وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ" (فاطر: من الآية43).. قال الرجل: ولكنهم كثيرون، فقال له: "... كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ" (البقرة: من الآية249)!..
وهكذا، فعندما نَرُدّ كل أمرٍ يواجهنا في حياتنا إلى الله - عز وجل - وحده.. فإننا لن نيأس مطلقاً، بل ستبقى قلوبنا معلَّقةً بالأمل بالله - عز وجل -.. خالقنا وحده لا شريك له، ومدبّر الأمر كله!..
3- قد يواجه المَرءُ مواقف فرديةً سلبيةً من بعض الناس، فيتخذ منها موقفاً سلبياً.. ثم يعمّم ذلك على كل ما يواجهه في حياته.. وكأنّ الناس كلهم بعضهم مثل بعض.. أي: حين ييأس الشخص من مجموعةٍ أو شخصٍ آخر لموقفٍ سلبيٍ بدر منه.. فإنه يعمّم يأسه هذا على مواقفه من كل الناس الذين يعيش معهم أو يلتقي بهم.. وبذلك يتخذ موقفاً عاماً لابتلائه بموقفٍ خاص!..
وهل لليأس أنواع؟!..
نعم.. هناك أنواع لليأس، يمكن أن نجملها فيما يلي:
أولاً: اليأس من رحمة الله - عز وجل -:
وذلك لجهل الإنسان بربّه، وبحقيقة سُنَنِهِ - سبحانه وتعالى - في تعامله مع عِباده.. إذ من أهم الحقائق الربانية التي يتعامل وفقها الله - عز وجل - مع الإنسان ما يلي:
1- حين ارتكاب الذنوب:
يشرح - سبحانه وتعالى - قانونه للناس مفصّلاً بالآية القرآنية: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر: 53).
2- حين وقوع الكَرْب:
أ- لا شكّ بأنّ الله - تبارك وتعالى - هو وحده الذي يفرّج الكروب، وهو بذلك كريم مع عباده، رحيم بهم، وهو يقف إلى صفِ عباده المؤمنين الصالحين في أوقات الرخاء، يدعمهم من فضله وإحسانه.. أفيتركهم في أوقات الشدّة والكرب والبلاء؟!..
حين تأخّر الوحي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال المشركون: "ودَّعَ محمداً ربُّهُ" (أي: تركه).. فأنزل الله - عز وجل -: "والضُّحَى واللّيلِ إذا سَجَى... أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى... ".. أي: أن الله - سبحانه - ذكّر رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بقديم إحسانه عليه في الحالات الحياتية العادية.. فهل من المعقول أن يتركه في أوقات الشدّة والكرب والمواجهة مع المشركين؟!..
ب- كما أنّه - سبحانه وتعالى - يبتلي المؤمنين بالكرْب ومختلف أنواع الابتلاءات.. لاختبارهم واختبار قوّة إيمانهم وثباتهم على منهجه ودينه وطريقه.. فالدنيا دار ابتلاء، وطوبى لمن خرج منها ناجحاً مُعافى ثابتاً على الصراط المستقيم، وهذه قصة نبي الله إبراهيم مع ولده إسماعيل - عليهما السلام - تؤكّد هذه الحقيقة الربانية.. حين خضع الأب وابنه لمحنة أمر الله - عز وجل - لإبراهيم - عليه السلام - بذبح الابن، فكيف سيكون موقف الأب الذي سيذبح فلذة الكبد، وكيف سيكون موقف الابن الذي سيُذبَح بيد الأب طاعةً لأمر الله - عز وجل -: "فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)!.. (الصافات: من 103 إلى 107)..
فلنتأمّل ولنتدبّر في تلك الآيات العظيمة، فهي لا تحتاج إلى أي شرح.
إنه الله - عز وجل - الذي يقف إلى جانب عباده المؤمنين عند الكرْب، بعد أن يختبرهم ويختبر مدى قوّة الإيمان في نفوسهم.. فلنتأمّل ولنعتبر ولنتّعظ!..
ثانياً: يأس المسلم من أنّ المستقبل للإسلام، الذي سيظهر بإذن الله على الدِّين كُلِّه:
وذلك لما نراه من صَوْلة الباطل وبطشه بالمسلمين، سواء تمثّل هذا الباطل الزائل.. بالأشخاص أو بالطغاة من أرباب أنظمة الحكم الوضعية، أو بالحكومات أو الدول أو الأمم الأخرى الباغية، وهذه في حقيقة الأمر هي أهم أسباب تغلغل اليأس وعوامل الإحباط والقنوط إلى قلوب المسلمين، وهي تمسّ واقعنا المرّ بشكلٍ مباشر، فما الذي ينبغي علينا أن نسلكَه ونقتنع به إزاء ذلك كله.. إن كنا حقاً من المؤمنين الصادقين المخلصين لأنفسنا، ولربنا ودعوتنا الإسلامية وأمّتنا العظيمة؟!..(15/101)
علينا أن نتذكّر أمرين اثنين مهمّين، هما:
1- إنّ الله - عز وجل - بيّن لنا (كَيْدَ) العدوّ ومكره وعمق حقده وبطشه: "وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ"!.. (إبراهيم: 46).. لكنه أعقب ذلك مباشرةً (بِوَعْدِهِ) - سبحانه - لأوليائه المؤمنين، بالنصر والعلوّ والظهور: "فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ"!.. (إبراهيم: 47).. فكيف نتذكّر كيد العدوّ وبطشه.. وننسى أو نهمل وعد الله لنا بالعزّ والنصر؟!..
2- إنّ الله - عز وجل - يؤخّر النصر عن أوليائه المؤمنين لحكمةٍ عظيمة، أجملها الشهيد سيد قطب - رحمه الله - بما يلي (مع بعض التصرف):
أ- لأنّ الله - عز وجل - يريد لأوليائه وأنصاره المؤمنين، أن يبذلوا كل ما بوسعهم من النفس والمال والوقت والجهد.. فالنصر لا يتنزّل عليهم وهم قابعون في بيوتهم، لاهون ساهون غافلون!..
ب- لأنّ الله - عز وجل - يريد أن يُظهِرَ الباطل ليكشفه على حقيقته تماماً.. فلتجرّب البشرية ما شاءت من المناهج الوضعية، فهي بالنتيجة ستكفر بها جميعاً؛ لأنها ظالمة باغية طاغية، لا عدل فيها ولا مساواة ولا حرية ولا كرامة إنسانية.. بل ظلم وقهر وسحق وامتهان لكرامة الإنسان واحتقار لإنسانيته!..
فها هي ذي المناهج البشرية تسقط واحدةً تلو الأخرى.. من المناهج الشيوعية العالمية.. إلى منهج الشيوعية الصينية (ماو تسيتونغ).. إلى المناهج الغربية العلمانية بيسارها ويمينها.. وستنتهي سلسلة السقوط (إن شاء الله) بالمنهج العلماني الصليبي الأميركي، والمنهج الصهيوني اليهودي الإجرامي.. وبكل أذناب هذين المنهجَيْن الضالَّيْن الظالمَيْن وتوابعهما وحلفائهما.. في العالَم كله، بما في ذلك عالمنا العربيّ والإسلاميّ.. ولم يبقَ إلا الإسلام ومنهجه ليحكم البشرية بالقسط والعدل.. ليعيد الأمور إلى نصابها المفقودة، من احترامٍ لقوانين السماء والأرض، ولكرامة الإنسان وحقوقه التي ضيّعتها عصابات الغرب والشرق في آنٍ واحد.. وليس ذلك على الله بعزيز!..
ج- لأنّ الله - عز وجل - يريد للصفّ المسلم أن يستكمل اتخاذه بالأسباب المؤدية إلى النصر والفتح والظهور على الدين كله.. من تربيةٍ وإعدادٍ، وأخوّةٍ إيمانيةٍ صادقةٍ، وصفٍ موحَّدٍ مرصوصٍ.. وإلا فإنّ نصر الله للمسلمين وهم على ما هم عليه من الفرقة والشتات والرخاوة والضعف.. سيجعلهم مهزلةً للناس، ويجعل منهم صورةً قبيحةً منفِّرةً من الإسلام ومنهجه وأهله.. فيضيعون بذلك، وتضيع معهم الأمة، ويُقصى منهج الإسلام الذي يدعون إلى تنفيذه واتخاذه منهجاً لحياة الناس !..
وهل لليأسِ علاجٌ ناجع؟!..
نعم .. نعم.. فما من داءٍ إلا له دواء، وعلاج اليأس نُجمله بالخطوات التالية، علماً بأننا أشرنا إلى بعض الخطوات آنفاً:
1- ضَعْ دائماً في ذهنكَ أخي المؤمن- أسوأ الاحتمالات، وقم بإعداد نفسكَ لاستقبالها.. واعلم بأنّك في دعوتكَ تتعامل مع الله - عز وجل - خالق كل شيء، ومسيِّرِ كل أمر، والقادر على كل شيء.. وأنّ الناس إلى زوال، بمن فيهم أهل الإيمان والإسلام.. أما دعوة الله - سبحانه - ودينه ومنهجه.. فهي حقائق راسخة باقية ما بقيت السماوات والأرض، وما بقي هذا الكون!..
في غزوة (أُحُد)، أُشيعَ أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قُتِل، فتزلزلت النفوس، وتزعزعت عوامل الثبات، وخمدت الهِمَم!.. فأنزل الله - عز وجل - عتابه وتحذيره للمؤمنين بقوله: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ"!.. (آل عمران: 144).. فلنتأمّل بحقائق الإيمان ومتطلّباته!..
2- اعلم أنّ الأمور بعواقبها وخواتيمها، وأنّ الباطل مهما انتفش وعلا.. فهو إلى زوالٍ بإذن الله، فاصبر واحتسب وأكثر من ذكر الله - عز وجل - والدعاء والتوسّل إليه: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: 28).
3- ليعلمَ كلُ مَن كان سبباً في إدخالِ اليأس إلى القلوب المؤمنة، بما يُحدِثهُ من فرقةٍ وشقٍ لوحدة المسلمين وتشكيكٍ بمنهج الإسلام.. ليعلم أنّ إثمه يجري عليه مضافاً إليه آثام مَن غرّر بهم أو فتنهم أو فرّق شملهم: "مَن سنَّ سنةً حسنةً فله أجرُها وأجْرُ من عمِلَ بها إلى يومِ القيامة، ومَن سنَّ سنةً سيئةً فعليه وِزْرُها ووِزرُ مَن عمِلَ بها إلى يومِ القيامة" (رواه مسلم).. ويقول أحد السلف: "رَحِمَ الله مَن إذا ماتَ.. ماتَتْ معه ذنوبُه"!..
وهكذا.. ضع في ذهنكَ أخي المؤمن، أنه عليكَ أن تكون ممتلئاً بالأمل.. على الرغم من أنّ الآخرين من حولكَ قد يكونون في غاية اليأس والإحباط.. فهي قضية إيمانية أولاً وآخراً، أفلا نكون مؤمنين حق الإيمان؟!..
اللهم لا تجعلنا من القانطين
25/10/1425
http://www.almoslim.net المصدر:
==============
ثلاث تجارب دعوية قرآنية معبرة
د. حمدي شعيب
التجربة الأولى: الفتية أصحاب الكهف:
وهي التجربة التي تحكي عن عدد من الشباب، لا نعرف عددهم ولا مكانهم تحديداً، وقد آمنوا بالله - سبحانه - وحده. وعندما بدت لهم نذر التهديد والوعيد من قبل قومهم غير المؤمنين، فروا بدينهم وآووا إلى الكهف.(15/102)
وأنه قد ضرب على آذانهم في الكهف أي ناموا سنين معدودة. وأنهم بعثوا من رقدتهم الطويلة، وقد اكتُشف أمرهم، وأنه - سبحانه - أماتهم، وكان هناك فريقان يتجادلان في شأنهم. وقد ترك أمرهم بتفصيلاته لله - سبحانه -. والذي يعنينا في القصة؛ أن هؤلاء الفتية المؤمنين، الذين فروا ذات يوم منذ مئات السنين محافظين على دينهم في عهد أحد حكامهم الظلمة، قد تناقل قصتهم الخلف عن السلف، وقد غدت تجربتهم أعجوبة في نظر الناس؛ لأنهم من جيل قديم مضت عليه القرون.
الغريب أن السياق يفيد أن أهل المدينة أصبحوا اليوم مؤمنين، وأنهم شديدو الحفاوة بالفتية المؤمنين!
والملاحظ أن كون أهل المدينة قد أصبحوا الآن مؤمنين، يدعونا لفتح ملف مليء بالتساؤلات الكثيرة والعجيبة؛ منها:
ترى من دعا هؤلاء القوم فآمنوا وفي غيبة الفتية المؤمنين عن مسرح الأحداث؟
ومن هؤلاء الذين حملوا مشعل التغيير؟
ومن الذي صبر على دعوة هؤلاء القوم حتى آمنوا؟
ومن هؤلاء الذين أكملوا المسيرة بنجاح؟
ثم من هؤلاء الذين شرفوا باقتطاف الثمرة؟
بالطبع إنهم دعاة غير هؤلاء الفتية الذين آووا إلى كهفهم ذات يوم. وقد آثروا العزلة، وذلك بعد أن قاموا بدور طليعي رائد ومشكور؛ وهو إشعال شرارة الرفض وعدم قبول الواقع، ثم ذهبوا.
حتى جاء من يقوم باستكمال العملية التغييرية، ويستدرك خطأ الانعزال والتقوقع.
وهو بالطبع جيل آخر، ذو طبيعة بنائية إيجابية؛ جيل التحدي والمواجهة، جيل اقتطاف الثمرة.
التجربة الثانية: يونس بن متى - عليه السلام -
وقد سمي ذا النون أي صاحب الحوت لأن الحوت التقمه ثم نبذه. وقصة ذلك النبي أنه أُرسل إلى قرية فدعا أهلها إلى الله فاستعصوا عليه، فضاق بهم صدراً، وغادرهم مغاضباً، ولم يصبر على معاناة الدعوة معهم. وقاده غضبه الجامح، إلى شاطئ البحر، فوجد سفينة مشحونة فركب فيها. حتى إذا كانت في اللجة ثقلت، وقال ربانها: إنه لابد من إلقاء أحد ركابها في البحر لينجو سائر من فيها من الغرق.
فاستهموا أي أجروا قرعة فيما بينهم فجاء السهم على يونس، فألقوه أو ألقى هو بنفسه. فالتقمه الحوت، مضيقاً عليه أشد الضيق!. فلما كان في الظلمات: ظلمة جوف الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل؛ نادى: {أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [الأنبياء : 87].
فاستجاب الله دعاءه، ونجاه من الغم الذي هو فيه. ولفظه الحوت على الساحل)(1).
والذي يهمنا في القصة هو ما جاء في السياق القرآني حول موقف القوم بعد رحيل يونس - عليه السلام - مغضاباً؛ {فآمنوا فمتعناهم إلى حين} [الصافات : 148] لقد شعروا بأن بوادر ما أنذروا به من غضبه وعقابه - سبحانه وتعالى - عليهم قد ظهرت في الأفق، فخافوا، وآمنوا أجمعين، واستغفروا، وطلبوا العفو من الله فاستجاب ولم ينزل بهم عذاب المكذبين. وكانوا مائة ألف يزيدون ولا ينقصون. وكان هذا اللطف منه - سبحانه -، بعبده المؤمن يونس - عليه السلام - الذي زكاه حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - : فقال: (لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى). (2) (ما ينبغي لنبي أن يقول: أنا خير من يونس بن متى) (3).
وهي تجربة تفجر قضية أو إشكالية الاستمرارية في العمل الدعوي، أو أهمية سياسة النفس الطويل لحاملي مشعل الخير.
وتطرح الكثير من التساؤلات؛ منها:
لماذا لا يصبر الداعية على عوائق مهمته؟
لماذا يرى الأمور من نظرة أحادية؟
هل المقدمات دوماً تؤدي إلى نتائج متوقعة؟
إذا كانت أقداره - سبحانه - تفسر بالسنن الإلهية الكونية والاجتماعية؛ فهل لها نمطية معينة ثابتة لا تتغير؟
التجربة الثالثة: موسى - عليه السلام -
ونقصد بها ما حدث مع موسى - عليه السلام - عندما صعد الجبل وترك قومه في أسفله، وترك عليهم هارون - عليه السلام - نائباً عنه، وغلبه الشوق لملاقاة ربه، فتعجل اللقاء، ولم يشفع له حسن النية في الخلوة بربه، {وما أعجلك عن قومك يا موسى * قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى * قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري * فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي} [طه : 83- 86].
"فإذا كان الأنبياء - عليهم السلام - قد حُفظوا بالعصمة، وكان المجال الوحيد لتلاعب المبطلين، ولغواية السامريين هو نفوس تابعيهم. فإن الداعية، وهو الوارث لمنهج النبوة، وهو المحروم من تلك العصمة عليه أن يحذر أرتال السامريين، الذين يطلون عبر أجهزة الإعلام والفضائيات، وشبكات الإنترنت؛ والمتربصين بنفسه، وبأهله، وبالمدعوين، إذا انشغل، أو غاب عنهم، ولن تشفع له نيته الحسنة، ولا سمو مهمته"(4).
درس تربوي عظيم:
وبتأمل تلك التجارب، نستشعر هذا الملمح التربوي الكبير.
وهو أن قدر الله - عز وجل - سيأتي يوماً ما، وأن ما نراه غريباً ومستحيلاً اليوم، سيغدو مألوفاً غداً.
وقدره - سبحانه - قد لا تحده مقدمات يُسْتَقْرأْ منها.
وأن التغيير قادم بنا أو بغيرنا، وهو سنة كونية، حسب سنة المداولة: {وتلك الأيام نداولها بين الناس} [آل عمران140].
وأن لكل من شارك في شرف حمل اللواء دوراً.
وإن لم نشارك، فسيشارك غيرنا.
وأن النتيجة تبنى على قدر البذل.
وسيقتطف الثمرة، بإذنه - سبحانه - من يستحق شرف القيام بهذا الدور التكميلي العظيم: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} [محمد : 38].
ما أشبه الليلة بالبارحة!(15/103)
تداعت على نفسي تلك الترجيعات التربوية، وأنا أتأمل هذه الظاهرة العجيبة، التي حملتها نسائم شهر رمضان هذا العام وكذلك العام الماضي. والتي كانت من أهم مظاهرها:
1- هذه الروح الطيبة التي سرت في نفوس كل المسلمين، من حب وتواد واجتماع على الخير.
2- استشعار كل فرد مسلم بأنه يمر بميلاد إيماني جديد.
3- هذا الإقبال على الله.
4- أما الظاهرة الأعجب فهي ظاهرة إعمار بيوت الله في كل الأوقات بما فيها المغرب والفجر.
5- انتشار (ظاهرة شنطة رمضان) بين كل الأوساط، وقد كانت تحولاً أو تغييراً إلى الأجدى والأنفع والأكثر وصولاً إلى المستحقين عن (ظاهرة موائد الرحمن). فيستفيد منها المتعففون، الذين لا يسألون الناس إلحافاً، وتطويهم على استحياء الأبواب. كيف نستثمر هذا البعد الحَصَاني الداخلي في الأمة؟
وهذه منهجية تدعونا لاستثمار هذه البقية الباقية من الحصانة الداخلية في نفوس أبناء الأمة:
1- الأمل: ونعني به عدم اليأس والغضب من الناس، وعدم الهروب من التبعة، وعدم استبطاء النتائج.
2- استشعار المسؤولية الفردية: وهي الركيزة التي من شأنها أن تؤدي إلى تنمية الفاعلية الفردية.
فالحركة الجماعية نحو الأهداف الربانية لا تلغي التبعة الفردية، وذلك من باب: {كل نفس بما كسبت رهينة} [المدثر : 38].
فالتغيير النفسي باب للتغيير الحضاري.
والفرد في المجتمع المسلم منوط به، التغيير الحضاري لأمته، بشرط أن يكون متوافقاً مع المجموع: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد: 11].
3- قراءة جديدة للتاريخ: فالكيس هو الذي يقبل المراجعة، ويسترجع الرصيد، ويقوم الخطأ، ويتمسك بالثوابت، ويراجع الملفات التاريخية ليهتدي بفاعليات السنن الإلهية في الأنفس والآفاق.
4- التحدي: فيستشعر الفرد عزته وإن عاكسته الظروف، ولا ينسى هذه النداءات العلوية الكريمة:
{قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد} [آل عمران : 12].
5- الثبات: فالثبات هو المنارة التي يؤوب إليها كل شارد، ويهتدي على نورها كل باحث عن الحقيقة في أسواق المبادئ والأفكار، وقد جلب بعضهم بضاعات مزجاة استوردوها من فتات موائد الغرب والشرق!.
وهو الصخرة التي تتحطم عليها أمواج التيار المادي العاتية فتذهب جفاءً، ويبقى الحق شامخاً، لينفع الناس ويعمر الأرض: {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} [الرعد: 17].
6- الثقة في نصر الله: ويستشعر هذه الدعوة الكريمة: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران : 139].
7- التعاون: أن يتعاون كل المصلحين والمخلصين فيما بينهم، وأن يتم هذا التعاون على أساس تنوع كل فرد وكل فريق فلا يضاد الآخر. "والمصائب يجمعن المصابين".
8- العمل: أن يبادر كل فرد بفعل ما بوسعه من أجل قضية أمته المصيرية وهي المحافظة على الهوية.
فلكل بذرة...ثمرة!
9- البحث عن ركب الظاهرين: على الفرد دوماً أن يتفرس في نفسه: هل هو في سفينة الطائفة الظاهرة الثابتة المنصورة؟
أم أن قطار الخير قد رحل عنه؟
(لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ) (5).
10- الدعاء: ونعني به تنمية فن استمطار التوفيق الإلهي، وذلك بالدعاء الخاشع، والثقة فيما عنده - سبحانه -، وحسن الظن به - سبحانه -.
---------
الهوامش:
(1) في ظلال القرآن: سيد قطب 17-2393
(2) صحيح الجامع: الألباني 4336
(3) صحيح الجامع: الألباني 5821
(4) تذكرة الدعاة: البهي الخولي 266
(5) رواه البخاري 6767
http://islameiat.com المصدر:
============
لطف التدبير
الشيخ: هاشم محسن باصرة
حُكِيَ أن أبا عبيدالله - واسمه معاوية بن عبدالله بن يسار -كان وزيرا لأمير المؤمنين المهدي، وكان المهدي شديد التتبع للزنادقة، فظهر على ابنٍ لأبي عبيد الله على الزندقة. فدعا به فامتحنه فوجده زنديقا، فقتله بمحضر أبيه صبراً بالسيف، وكان بين أبي عبيدالله وبين الربيع الحاجب مباعدة، وكان يعقوب بن داود كاتباً لأبي عبيد الله قريباً من قلب المهدي، ولم يكن مثل قدر أبي عبيدالله وتمكنه من الخليفة، فقال الربيع ليعقوب بن داود: ما لي عليك إن كفيتك أمر أبي عبيدالله؟ قال يعقوب بن داود: احكم.
فدخل أبو عبيدالله يوماً على المهدي ليعرض أموراً من أسرار الخلافة، فأومأ المهدي إلى جميع من بحضرته بالتنحي، فتنحوا إلا الربيع فإنه لم يزل، فقال المهدي: تنح، فخطا خطوة ثم وقف، فقال المهدي: ألم تؤمر بالتنحي؟ قال الربيع: كيف أتنحى عنك وأدعك متفضلاً لا سلاح عليك، مع رجل عليه سيفه قد قتلت ابنه أمس بالسيف صبراً وهو ينظر إليه؟
فقال المهدي لأبي عبيد الله: اعرض ما جئت له فليس الربيع بمتهم. فلما خرج أبو عبيد الله من عند المهدي، قال المهدي للربيع: احجب عني أبا عبيد الله، فإني أستحي منه لقتلي ابنه. فسقطت حال أبي عبيد الله وارتفع يعقوب بن داود، واخذ الربيع منه جعلاً.(15/104)
هذه القصة من كتاب لطف التدبير في سياسات الملوك للأديب الإسكافي عن النسخة التي حققها وعلق عليها الأستاذ أحمد عبد الباقي، ولقد قرأت الكتاب مرة بعد مرة، وأدركت كما يدرك من قرأه أن مؤلفه جمع فيه نوادر الأخبار وطرائف المواقف والحكايات العجيبة مثله مثل كتاب البخلاء للجاحظ، وكتاب الحمقى والمغفلين، كتب للإمتاع، وليس الغرض منها أن تصبح مناهجاً دراسية أو كتبا تربوية؛ فضلا أن تصبح مسالك دعوية، ولذا لم أصدق أن نفرا من الدعاة يتدارسون هذا الكتاب ويعدونه منهجا في التربية؛ فإن صدق محدثي، فينبغي ألا نكون من الحمقى والمغفلين وأن نحذر في التعامل مع هؤلاء المحسوبين على الدعاة إذ أن من تربى على هذا الكتاب يعتبر الكذب والاحتيال والرشوة والمكائد، نوع من لطف التدبير، ولعل من أول درجات الحذر أن تقرأ هذا الكتاب حتى لا تنطلي عليك حيلهم متمثلا قول الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه *** ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
والأمر الآخر:
ألا تكون سلبيا كأبي عبيد الله غفر الله له، فلو انه لوح بسيفه غضباً في وجه الربيع لطار منه الربيع فرقاً، أو ذب عن عرضه بلسانه لألقم الربيع حجراً.
وأخيراً: ماذا حصل ليعقوب بن داود الذي طلب هذه الحيلة ليرتفع عند المهدي، لقد قلده المهدي أمور الدولة كلها فاستبد بها دون الخليفة، حتى قال فيه بشار بن برد:
بني أمية هبوا طال نومكم *** إن الخليفة يعقوب بن داود
ثم ماذا بعد؟ نفر منه المهدي في آخر أمره فعزله وحبسه، وبقي في السجن حتى ذهب بصره، ثم أطلقه بعد ذلك الرشيد، فسكن مكة حتى مات فيها.
جاء في كتاب الجامع لمعمر بن راشد الأزدي قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر قال كتبت عائشة إلى معاوية - رضي الله عنهما -:"أما بعد فإنه من يطلب أن يحمده الناس بسخط الله يكن من يحمده من الناس ذاما".
http://islameiat.com المصدر:
===========
رسالة رثاء وأمل
أكتب هذه الرسالة رثاء للمساجد التي خليت من المصلين، رثاء للأخلاق التي ماتت بعد رمضان، رثاء للقرآن العظيم الذي لم يقرأ منذ رمضان، رثاء للإسلام في مسلمين عبدوا الله في رمضان و نسوا أن رب رمضان هو رب باقي الشهور، رسالة أذكر نفسي و إياكم بتقوى الله.
كنت أتوقع أن رمضان في هذه السنة غير باقي السنين، كنت أتوقع أن نثبت و نجاهد أنفسنا و شياطيننا بعد رمضان.
انتهى رمضان و جاء العيد و في ليلته خرج الشيطان من حبسة، خرج يبحث عن من كان يلعب بهم قبل رمضان، خرج يبحث عن من كانوا في غفلة، فأفاقوا في رمضان، خرج يبحث عن من كان عاصي يفعل الكبائر، فأستغفر الله، فغفر له و تاب عليه، خرج يبحث عن المسلمين فلم يجدهم في أماكنهم الذي تعود أن يراهم فيها، و ظل يبحث و يبحث حتى علم أنهم في المساجد، فصعق من الصدمة و لكن فكر قليلا، ثم قال: " انتهى رمضان و سترجعون إلى أماكنكم الطبيعية و لن يبقى في المسجد إلاّ قليل من المصلين الذين ليس لي عليهم سلطان".
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ
و للأسف صدق وعد هذا الرجيم، صدق كلام هذا الملعون، فسحقا لك أيها الشيطان.
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ
و أنت أيها المسلم، يا من غفر الله لك ذنوبك، و بدلها لك بحسنات، هل نسيت صلاتك؟، هل نسيت قرآنك؟، هل نسيت المسجد؟، هل نسيت قيامك؟، هل ضيعت أغلى فرصة أعطاها الله لك؟
هل ثبت بعد رمضان أم وقعت؟؟؟؟
أنت وحدك من يستطيع الرد على هذا السؤال كم مرة صليت في المسجد منذ أن انتهى رمضان؟، هل صمت يوم أثنين أو خميس؟، هل تقوم الليل و لو حتى بركعتين خفيفتين؟ أو حتى يمكنك أن تذهب الآن و تضع يدك على المصحف، هل ترى أثر التراب؟ كم مرة حتى الآن قمت بختم المصحف؟ هل مازال لسانك رطبا بذكر الله؟ هل عبدت الله حق عبادته؟؟؟؟؟
أتذكر كلماتك في رمضان، أتذكر وعودك بعدم الرجوع إلى المعصية، أتذكر وعودك بالمحافظة على الصلاة في المسجد؟؟؟؟؟
هل نسيت كم كنت مؤمنا؟ هل نسيت التراويح و التهجد؟ هل نسيت وعودك بأن تنصر الإسلام، و تهتم بأمر المسلمين؟ هل نسيت؟؟؟
حتى أنت يا من تجاهد نفسك من المعاصي أخشى أن تكون مصليا بلا خشوع فتحولت صلاتك إلى عادة، أخشى أن تقرأ القرآن و لا تتدبره، تقرأه و لا تعمل بما فيه فيأتي حجة عليك يوم القيامة.
للأسف كل هذا و مر شهر ونصف على رمضان
أخرج إلى الشارع و أنظر لأحوالنا، فستسمع الشتائم و ترى الصراعات، و ترى الشباب و معاكساتهم للفتيات، و ترى الحجاب و قد خلع، و ترى الأخلاق و قد ماتت، و ترى مسلمون بلا إسلام.
لعلك تسأل هذا الرثاء بل هو ظلام و اكتئاب فأين هذا الأمل؟؟؟؟
الأمل تراه في مسلمين متمسكين بدينهم، تراهم يصلون فروضهم في المسجد و يذهبوا إلى عملهم، تراهم مازالوا يحرصون على قراءة القرآن يوميا، يتصدقون و لو بشق تمرة و يصلون و الناس نيام ليدخلوا الجنة بسلام.
تراهم محبين لدينهم، مخلصين لأوطانهم، مجتهدين في أعمالهم، لا يقبلون مالاً حراما، فهنيئا لهم فدعوتهم مستجابة.
بل و الأمل أكثر فيمن زادت عبادته بعد رمضان، و من كان غافلا في رمضان و فاق في نهايته، و لكنة علم أن إذا فات رمضان مازال الله موجودا، فعبد الله أكثر، و تقرب منة، فشعر بحب الله له، و بقربة منه.(15/105)
و ما عليك أيها الأخ المسلم و أيتها الأخت المسلمة إلاّ أن تقفوا مع أنفسكم وقفه، تحاسبوها قبل أن تحاسبوا، فلكم أن تختاروا أن تكونوا مع الله فتنجوا، أم تسيروا وراء الشيطان فتهلكوا.
و تذكروا هذا الحديث جيدا..عن عائشة قال الرسول: - "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" متفق عليه.
http://www.mnar.net المصدر:
============
هكذا علمنا السلف ( 64 ) ابذل ما تحب
د. يحيى بن إبراهيم اليحيى
عن بشير قال: جاء سائل يسأل على باب الربيع فقال: ((أطعموا هذا السائل سكراً، فقال أهله: إنما يريد نطعمه كسرة، قال: أطعموه سكراً، فإن الربيع يحب السكر)) (1)
عن عبد الله بن زبيد عن الربيع بن خيثم أنه جاءه سائل يسأل قال: ((فخرج إليه في ليلة باردة قال: فإذا هو كأنه مقرور، قال: فنزع برنساً له فكساه كان يزعم أنه من خز، قال: فأعطاه إياه ثم تلا هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (2)
اتهامه لنفسه:
عن بشير قال: ((بت عند الربيع ذات ليلة، فقام يصلي فمر بهذه الآية: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} قال: فمكث ليلته حتى أصبح ما يجوز هذه الآية إلى غيرها ببكاء شديد)) (3)
التواضع والإنصاف:
عن بكر قال: كان الربيع يقول لخادمه: ((عليّ نصف العمل وعليك نصف، وعليّ كنس الحش)) (4)
الإسرار بالعمل الصالح:
عن سفيان قال: أخبرتني سرية الربيع بن خيثم قالت: ((كان عمل الربيع كله سراً، إن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه)) (5)
زيارة المقابر من سبل تزكية النفس وترقيق القلب:
عن ابن فروخ قال: كان الربيع بن خيثم إذا كان الليل ووجد غفلة الناس خرج إلى المقابر فيجول في المقابر يقول: ((يا أهل القبور كنتم وكنا، فإذا أصبح كأنه نشر من أهل القبور)) (6)
من المخبتين:
عن نسر بن ذعلوق قال: ((كان ابن مسعود إذا رأى الربيع بن خيثم مقبلاً قال: {وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ}، لو رآك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأحبك)) (7)
قال عبد الله بن مسعود للربيع بن خيثم: ((والله لو رآك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأحبك)) (8)
عن عبد الله بن مسعود عن أبي عبيدة قال: ((كان إذا أتى عبد الله لم يكن إذن لأحد حتى يفرغ كل واحد منهما من صاحبه، وكان يقول: لو رآك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأحبك، وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين)) (9)
------------------------
(1) كتاب الزهد للإمام أحمد / 459.
(2) كتاب الزهد للإمام أحمد / 460.
(3) كتاب الزهد للإمام أحمد / 458.
(4) كتاب الزهد للإمام أحمد / 461.
(5) كتاب الزهد للإمام أحمد / 463.
(6) كتاب الزهد للإمام أحمد / 464.
(7) كتاب الزهد للإمام أحمد / 464.
(8) كتاب الزهد للإمام أحمد / 467.
(9) أخرجه ابن المبارك في الزهد بنحوه صفحة 57 وقال الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي: وهذا الأثر أخرجه أبو نعيم بلفظ آخر ( 2/106). كتاب الزهد للإمام أحمد / 471.
http://www.taiba.org المصدر:
===========
الاجتهادات الدعوية وسطوة التناغم
د. جمال بادي *
التناغم كلمة شاعرية ومفهوم أصيل وفعل حضاري في أصله ومقصده إذا كان تناغماً في الخير والنافع المفيد، إلا أنه إذا كان تناغماً في الشر أو الخطأ، أو سيطر وهيمن على الوعي ومورس بغلو وزاد عن حده الطبيعي المطلوب ولو كان في الخير؛ تعارض مع مفهوم الإحسان في العمل وإتقانه وتحول إلى عائق يمنع الرؤية الصحيحة للأشياء (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب) [سورة ص: آية5]، واستغراب الممكن: (أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب) [سورة هود: آية73)، بل ويمنع التفطن للخطأ (أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) [سورة الأعراف: سورة 82].
كما أن الإفراط في التناغم الخيّر يكرِّس التبعية ويجذِّر الدعة والخمول ويتسبب في الرتابة والكمون والروتين فيحول دون التطور والارتقاء والإبداع في عموم الأحوال والظروف؛ فما بالك بزمن تجاوزت فيه قوة رياح التغيير درجة رياح الأعاصير، فجددت النوازل وأوجدت التحديات التي لم تعهد من ذي قبل!
والتناغم في الدعوة إلى الله - تعالى -كغيرها من الأعمال أمر مطلوب من حيث الأصل وفي الجملة كما مرّ التنويه عليه آنفاً، لكنه قد يتحوّل إلى عائق يخيم بثقله على الأداء والفعل الدعوي ولا سيما والدعوة تتعامل مع واقع وبيئات معاصرة تعصف بها رياح التغيير والتي وضعت أمامها أصناف العراقيل والتحديات.
ما المقصود بسطوة التناغم:
إنه فعل يقع ويحدث عند توحد زوايا النظر، و عندما تضيق دوائر الاهتمام، وتحصر الأحكام، ويُحجّر الواسع، ويُصادر على المُخالِف، وعندما يُشجّع الموافِق، ويُطرب للمادح، ويُقرّب من اعتاد وأحسن هزّ الرأس وإن لم يقتنع، أو اعتمد التلقين وسيلة للتعلم ولو بدون فهم، ويُصفّق لمن أكمل الفراغ بالمتوقع، وعندما نهتز طرباً لمن كرّر المعهود، ونحسن الاستماع لما يعجبنا من الأقوال ونُعرض ونمتعض لما لا يروق لنا منها، ولسان حالنا في كل ذلك يقول: طوبى لمن قولب و سلّم للشيخ أو الجماعة وللفكر علّب ولم يقلّب.(15/106)
وكلما كان طالب العلم أو الداعية أقل تحزباً وأكثر تحرراً من قيود المجاملة للآخرين، وأكثر جرأة على تجاوز الحدود والأطر الاجتهادية البشرية، كلما كان أكثر إبداعاً في العطاء، وهذا قد يعلل إبداعات بعض طلبة العلم والدعاة المعاصرين في أسلوب طرحهم ومعالجتهم للأمور، وحسن تخيرهم للموضوعات وعنونتها بما يهز الوجدان ويجذب العقول ويؤثر في القلوب؛ فاستجاب الكثيرون واهتدوا إلى سبيل الحق، لوصول الرسالة وانسجام المعاني القصدية، والتقائها مع المعاني الإدراكية فأدرك المستمع ما أراد المتكلم.
وكلما ازداد التحزب والإعجاب بالذات كلما ازدادت فرصة الإفراط في التناغم وقوة سطوته، حتى يتحول أحياناً إلى سيفٍ مُسلطٍ يُشاح به في وجه المخالف من صفوف الأتباع تحت مسميات عديدة تحتمي بالعاطفة أحياناً وتتذرع بالمنطق أخرى مما قد يكون كلمة حق أريد بها خطأً حماية التناغم نحو: أتريد تفريق الكلمة؟ أو هل نحن أفضل من قادتنا ومن سبقنا؟ أتريد أن تأتي بما لم يأت به الأوائل؟ ألا يسعك ما وسع غيرك؟ هل هذا وقت النقد والأعداء يتكالبون علينا؟ أو نحو قول القائل: إن الخلاف شرٌّ، والخير كل الخير في الوحدة والرأي الواحد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وهذا السلوك السلبي المذكور يزيد بدوره التحزب ترسيخاً. فالتحزب داء عضال يؤدي إلى التناغم المفرط الذي يتحول بدوره إلى عامل يغذيه؛ فبين التحزب والتناغم المفرط تأثر وتأثير متبادل مما يزيد الأمر تعقيدا، بحيث يصعب على المتحزب التخلص من سطوة التناغم وتعدي مساره والخروج عن إطاره مهما حاول صاحبه وبذل من الجهد. ويزداد الأمر سوءًا مع المجاملة الأدبية وتعارض وتشاكل بعض القيم عند من أراد التخلص من سطوة التناغم لاصطدامه مع احترام الشيخ والأستاذ وسائر المحبين من الذين يتآلف معهم وتجمعه وإياهم المصالح والأهداف المشتركة.
وكثيراً ما يعلل هذا السلوك أي التناغم المفرط بمفهوم سيطر على التفكير الدعوي عهوداً وعقوداً من الزمن، ألا وهو المحافظة على وحدة الصف، والخوف عليه من التشتت، والأمر يبدو معكوساً عند التأمل؛ فما تشتت الصف وتفرق الكلمة إلا نتيجة السلطوية في الآراء والأحادية في النظرة والمواقف.
ومن أسباب سطوة التناغم -بالإضافة إلى ما سبق- ألفة الأشياء واعتياد المتكرر واستمراء السير على خطا الغير، وانشراح الصدر للروتين وللقديم المعهود من آليات العمل والتنفيذ.
ومن أسبابه أيضاً الحذر من الجديد، و الخوف من التغيير وهو عامل نفسي قهري.
وكان من نتائج سطوة التناغم في الآراء والاجتهادات الدعوية استمرار العمل الدعوي بآليات ومفاهيم ومفردات ووسائل وضعت منذ عقود تكاد أن تصل قرناً من الزمان للتعامل مع واقع جديد مغاير لذلك القديم من حيث التحديات والوقائع والظروف والواجبات وهو أمر عجيب حقاً ويبعث على الدهشة.
يقال: بضدها تتميز الأشياء؛ فعكس التناغم الاختلاف والتنوع، فلولا التنوع لما تعددت الآراء السائغة، ولما اختلفت مذاهب الفقه ولا مدارس اللغة ولا مناهج المفسرين ولا أدلة استنباط الأحكام، ولا تفاوتت الأحكام على الأحاديث ومقاييس نقدها، ولما خالف تلميذ أستاذه ولا قرين من أهل العلم قرينه؛ ولما اكتظت المكتبة الإسلامية بالأسفار والمجلدات النافعة التي أفادت منها الأجيال المتعاقبة ونهلت من رحيق عطائها على مرّ الأزمان، ولولا التنوع ما كان راجح ومرجوح، ولبطلت معظم الأعمال العلمية والرسائل الجامعية. إنه اختلاف العقول والمدارك وتباين زوايا النظر ودوائر الاهتمام ومناطق التركيز.
فما الحل إذاً؟
إنها الدعوة إلى التنوع المتناغم، والاختلاف مع الانسجام والتوحد. إنها الإنطلاقة والدعوة إلى التغيير والتطور والحث على الإبداع وتعليم مهاراته للنشء المسلم المعاصر، وتربية الأجيال الجديدة من الدعاة على أن تبدي رأيها بحرية وأن تتطلع وتعمل للتطوير والتحسين المستمر. وهو أمر لا يتم إلا بالتشجيع وتغيير الكثير من سلوكيات الدعاة وخاصة أصحاب الريادة والقيادة منهم وأهل الحل والعقد في ساحات العمل والعطاء. ومن أهم تلك السلوكيات التسامح مع من يخالفنا الرأي إذا كان رأيه سائغاً، والصبر على تعدد الرؤى، وإتاحة المجال لقبول التغيير وحفز الهمم على صعود القمم. كما لا يتم إلا بتوسيع الإدراك وتجاوز صور الأسر من العوائق الذهنية والعاطفية والاجتماعية والبيئية والثقافية المختلفة وهو أمر له مهاراته التي يجب تعلمها وتعليمها ونشرها في المجتمع عبر مؤسساته الثقافية والتعليمية كافة. عندئذٍ فلنبشر بمستقبل أفضل وأكثر إشراقاً ونجاحاً لاجتهاداتنا الدعوية.
___________________________
* أستاذ مشارك بقسم الدراسات العامة بكلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.
27/8/1425
11/10/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
===========
هكذا علمنا السلف ( 93 ) كيف لو رأى زماننا:
د. يحي بن إبراهيم اليحي
[1861] حدثنا عبد الله حدثني علي حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا كثيرا أبو الفضل حدثنا الحسن قال: قال عمران بن حصين: ((ذهب المطعمون وبقي المستطعمون، وذهب المذكرون وبقي المنسون)).
قال: يقول الحسن: ((أما والله لو كان عمران حياً لكان له أقول وأقول)) (1)
بهؤلاء تدفع العقوبة:
عن جعفر قال: سمعت مالكاً يقول: ((إن الله - عز وجل - يقول إني أريد أن أعذب عبادي، فإذا نظرت إلى جلساء القرآن وعمار المساجد وولدان الإسلام سكن غضبي يقول: أصرف عذابي))(2)
نية المؤمن خير من عمله:(15/107)
[1886] حدثنا عبد الله حدثنا علي حدثنا سيار حدثنا جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يقول: ((نية المؤمن أبلغ من عمله)) (3).
لا تكن أميناً للخونة:
قال: وسمعت مالكاً يقول: ((كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة)).
استكمال الفجور:
قال: وسمعت مالكاً يقول: ((إن العبد إذا استكمل الفجور ملك عينيه)) (4)
العلم للعمل:
قال: وسمعت مالكاً يقول: ((إنك إذا تعلمت العلم لتعمل به سرك العلم، وإذا طلبته لغير العمل لم يزدك إلا فجوراً)) (5).
عن مالك بن دينار قال: ((من طلب العلم لنفسه فالقليل منه يكفي، ومن طلب العلم للناس فحوائج الناس كثيرة)) (6).
العلماء والسلطان:
عن جعفر حدثنا المعلى بن زياد قال: ((لما قدم سلمة بن قتيبة البصرة قال لي مالك: انطلق بنا إليه، فانطلقنا إليه فاستأذنا، فلم نلبث أن دخلنا قال: فقال سلمة: مرحباً مرحباً بك يا أبا يحيى حاجتك، وقرب مجلسه قال: أزائرين جئتما أم لكما حاجة؟ قال: فقال مالك: بل لنا حاجة، قال: ما هي يا أبا يحيى؟ قال: يا سلمة ما لك وللملوك، ما لك وللسلطان، قال: يا أبا يحيى قد عرفنا عندهم، قال: تجاه عليهم، قال: لا ينفعني ذلك، قال: ويحك يا سلمة إني أخاف أن يلقوك في ورطة ثم لا يخرجوك منها)) (7).
[1915] حدثنا عبد الله حدثنا أبو معاوية الغلابي حدثني رجل كان من جلساء مالك بن دينار قال: سمعت مالك بن دينار يقول لجلسائه: ((يا هؤلاء إن هاهنا أناساً يريدون أن يضربوا مع القراء بسهم، وأن يضربوا مع الأمراء بسهم، فكونوا أنتم قراء الرحمن بارك الله فيكم)) (8)
----------------------
(1) كتاب الزهد للإمام أحمد / 445.
(2) كتاب الزهد للإمام أحمد / 449.
(3) كتاب الزهد للإمام أحمد / 450.
(4)كتاب الزهد للإمام أحمد / 450 - 456.
(5) كتاب الزهد للإمام أحمد / 451.
(6) كتاب الزهد للإمام أحمد / 451.
(7) كتاب الزهد للإمام أحمد / 453.
(8) كتاب الزهد للإمام أحمد / 456.
http://www.taiba.org المصدر:
===========
العملة المزورة .. بين أهل الدعوة!
علي التمني
كنا فرحين أشد الفرح ببشارات الصحوة الإسلامية وحق لكل مؤمن أن يفرح بما يفرح منه وله المؤمنون في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة وكنا نجزم بأن شريعة الله - تعالى - سوف تصل في وقت قياسي إلى كل موقع من مواقع القرار في الوطن الإسلامي الكبير، أي من مشرق الشمس إلى مغربها، ولكننا في غمرة الفرح، ولجة السرور بهذه الإنجازات العظيمة؛ نسينا أو تناسينا، جهلنا أو تجاهلنا أن الصف عريض جداً، وأن ألوان طيف المنخرطين في هذه الصحوة الإسلامية كثيرة جداً، ومتعددة جداً.
لقد نسينا أو تناسينا أن من بين عشرات الملايين الذين حملوا هم الدعوة والصحوة صدقاً أو زوراً ورفعوا شعاراتها، وعلقوا لافتاتها؛ ملايين الأشخاص ممن لهم حساباتهم الخاصة، وطموحاتهم الشخصية البعيدة عن حقيقة الشعارات، وصدق اللافتات.
شتان بين الثرى والثريا:
نسينا أو تناسينا بحسن نية لا تنقصها الغفلة أن كثيرين من هؤلاء الملايين إنما يريدون الدنيا. وصدق الله - تعالى -إذ يقول: {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة} [آل عمران: 152]، لكن الفارق شاسع جداً بين الرماة الذين خالفوا أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة أحد، ورماة العصر، فالأولون خالفوا أمراً واحداً وكانوا من قبل ومن بعد من خير جيل طلعت عليه الشمس، ولن تطلع على خير منه، وأما الآخرون: تجار الصحوة، والمغامرون، وطلاب الدنيا، من الألف إلى الياء فشتان بين الثرى والثريا.
ومع صدق الأولين وإخلاصهم وقد حازوا شرف الصحبة، فقد عاتبهم ربهم ووصفهم بقوله - عز وجل - وتقدس: {منكم من يريد الدنيا}.
أما الآن فقد بان الصبح لذي عينين، وانجلى الغبار؛ فبان الحق ووضح الصواب، فلقد كنا ونحن نكاد نطير من الفرح، نظن أن كل بيضاء شحمة، وأن كل مطوع متطوع، ولكن وهذا والله فضل من الله قُضي الأمر، وتكشفت الحقيقة، فعُرف كل على حقيقته.
تمايز الصف:
لقد امتاز وعُرف صاحب المال وكيف كان يتجر بالصحوة والدعوة، جرياً وراء حطام الدنيا ومتاعها الزائل، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قال فيما صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه -: (ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
كما عُرف صاحب شهوة الجاه والذكر والسمعة فنال حظه على سلم الدعوة والصحوة ولكنه، وقد حقق ما يرجوه، سقط في قاع الدنيوية المهلكة. وعُرف كذلك صاحب الفكر المغاير للفكر الشرعي الصحيح القائم على الكتاب والسنة، فكانت هجرته إلى ما هاجر إليه.
وعُرف صاحب الجدل للجدل، وكذا المتقلب الذي تراه يوماً هنا ويوماً هنالك، وكذا الوصولي الذي يتسلق المواقف الآنية لبلوغ غاياته القريبة، فهو ليس مثل ذلك الذي جعل الانتماء لصف الدعوة سلماً لبلوغ أهدافه (الإستراتيجية)!
وإذا كنا قد عرفنا في السنوات الأخيرة، ما لم نعرفه خلال أكثر من عشرين سنة من عمر الدعوة والصحوة من أمر الكثيرين من المنخرطين في مسيرة الدعوة والعمل الإسلامي السلمي، فإن ظهور تيار الكتاب الليبراليين الذين كانوا يوماً محسوبين ضمن الصف الكتابي والفكري الإسلامي، كان متوقعاً في ظل سلسلة الانكشافات التي أؤكد أن الدعوة الإسلامية قد كسبت الكثير والكثير من حدوثها، لا بمقاييس العدد والكثرة، فذلك ما أوهن مسيرة الدعوة، ولكن بمقاييس الإخلاص لهذه الدعوة، والصدق مع غايتها، وهو وجه الله جل جلاله.
انكشاف حقيقة الليبراليين:(15/108)
إن من أبرز سمات هذا التيار المسمى بالليبرالي الذي ادَّعى يوماً انتماءه إلى مسيرة الدعوة إلى الله، وظهرت حقيقته:
1- انخراطه في صف الكتاب والمثقفين العلمانيين الذين لم يدعوا يوما أنهم من الدعاة أو من مثقفي الدعوة، بل كانوا ومنذ البداية على مفترق طرق مع الدعوة وأهلها، هذا الانخراط الذي تمثل في الهجوم على الدعوة ورموزها وآلياتها البيانية، بل والهجوم على أسس ثابتة من أسس الشريعة، وهو ما تواتر ذكره بين الناس، وبطبيعة الحال فكل واحد منهم يدعي أنه إنما يهاجم الدعوة ممثلة في رموزها وغاياتها وآليات عملها لمصلحتها ولتصحيح مسارها، وهو حينما يمتدح المنهاج الديمقراطي وهو منهاج أرى أنه لا يلتقي مطلقاً والشريعة الإسلامية لأن الديمقراطية منهج حكم متكامل أهم أسسه أن مرجع الحكم إلى الناس وليس إلى الله وهؤلاء يعلمون أن الديمقراطية يقابلها مصطلح الثيقراطية، وهو الحكم الديني المرفوض من قبل الديموقراطية العلمانية في أسها وفصها وحين يمتدح أهل هذا التيار الديمقراطية والعلمانية، فهم حين يفعلون ذلك يقولون إنما ذلك لمصلحة الدعوة، و"عش رجباً تر عجباً".
2- ندمهم على ماضيهم وهو ماض مغشوش طبعاً إذ كانوا محسوبين على تيار الدعوة وأهلها، وقد ظهر ذلك في كتاباتهم.
3- لقد كان لظهور تيار صحفي في السنوات الأخيرة أثره الكبير في ظهور حقيقة هؤلاء، وربما أسهم في إسقاط بقية قناعاتهم المؤسسة سلفاً نزولاً عند إغراءات هذا التيار الصحفي الذي ضمن لهم الشهرة الواسعة التي لم يكونوا يحلمون بها، وللعلم فقبل ظهور هذا التيار لم أقرأ لهؤلاء شيئاً، ولم يكن لهم أي حضور في منظومتنا البيانية الكتابية، فلما وجدوا ضالتهم أقبلوا عليه وشربوا منه شرب الهيم، وهكذا يكون للشهرة ضحاياها وللسمعة صرعاها، وفي هذا دلالة على هشاشة ثقافة هؤلاء وسطحية رؤيتهم، فليس من السهل أبداً على من أسس بنيانه على تقوى من الله أن يتخلى عن قناعاته بهذه السهولة.
4- لقد برز القوم في لحن القول من خلال كتاباتهم التي انساقوا فيها وراء الاتهامات التي وُجهت إلى التعليم في الوطن الإسلامي، ولا يشك عاقل في أن اختيار هذا الوقت بالذات لإثارة مسألة تغيير المقررات الدراسية، بل والمناهج الدراسية يعد تماهياً وتمازجاً مع أهداف وسائل الإعلام والمسؤولين الغربيين، الذين يرون في كل ما هو إسلامي عدواً للغرب.
وإذا كنا نعذر الغرب الصليبي في رؤيته للمناهج والمقررات في الوطن الإسلامي، فإننا لا نجد عذراً أبداً لكاتب يدعي الانتماء لصف الدعوة، إلا أن يكون مغفلاً، وذلك ما نستبعده إذا أخذنا في اعتبارنا تلك الدعاوى العريضة، والتظاهرات الكلامية الاستعراضية الضخمة التي تدعيها هذه الفئة لنفسها، وتنكره على غيرها، وتدعي الفهم العميق لمصلحة الدعوة ولما يصلحها ويصلح لها، وتنفيه عمن سواها أو يكون هذا التماهي مع الهجمة على التعليم الشرعي ممن كان يتحين الفرص لإظهار خبيئته، ويعلنها صريحة:نعم للمشروع الغربي الليبرالي، وهنا نقول لقد كان الغرب في حاجة إليكم انطلاقاً من مبدأ: "اضربوهم بأيديهم"، أو: "بيدي لا بيد عمرو"!.
http://islameiat.com المصدر:
=============
قيادة الجماهير
أحمد الصويان
من هو القائد الذي يستحق أن يَصْدُر الناس عن رأيه ويهتدوا بمواقفه؟!
أهو كل إنسان يتصدَّر للتدريس، أو الخطابة، أو الدعوة..؟!
أهو كل فاضل التف حوله الناس، وتكاثر المحبون والأتباع حول بابه..؟!
هل هو صاحب التميز العلمي، أم الفكري، أم هي السابقة..؟!
هل الشهرة وحدها هي المعيار الذي يؤهل الإنسان لكي يكون قائداً..؟!
أسئلة كثيرة تثير معضلات متجذرة في صفوف الصحوة الإسلامية، وفي كل نازلة من النوازل تتجدد هذه الأسئلة، وتبدو أكثر إلحاحاً حينما يلمس الناس مواقف مضطربة ـ علمية أو عملية ـ لبعض من تصدَّر لقيادة الجماهير.
بعض الصالحين ـ غفر الله لهم ـ يتميز في باب، أو أكثر من أبواب الصلاح، لكنه يُقْحِم نفسه ـ أو يُقْحِمُه الناس ـ في كل شأن، ويتصدر لكل نازلة، حتى إذا انجلى الغبار وهدأت العاصفة، أدرك الناس أن بعض القادة ربما كان فتنة لهم(1).
كثيرون أولئك الذين يجيدون الكلام والتنظير المجرد، لكن قلَّة أولئك الذين يثبتون في النوازل، ويَطَّرِدُون في مواقفهم واجتهاداتهم مع تقلب الأيام وتبدل الأحوال(2).
قلّة أولئك القادرون على استشراف المستقبل، وقراءة الأحداث قراءة ناضجة.. القادرون على بناء رؤية إصلاحية متكاملة.
قلة أولئك الذين يعرفون الرجال، ويبصرون معادن الناس.
قلة أولئك الذين لا تغريهم الأضواء، ولا تستهويهم الشهرة، ولا يتطلعون إلى الجاه أو المغنم، ولا يتدافعون المناصب.
إنَّ ريادة الإصلاح والبناء منزلةٌ في الدين عظيمة لا تُنال إلا بحقها، والأمة الإسلامية تواجه تحديات كبيرة في كل ميدان لا يقوى على الصمود أمامها إلا الكبار من أولياء الله. وأنصار الدين والمتعاطفون مع الحق كثيرون ـ ولله الحمد ـ لكنهم في حاجة ماسة لاستيعاب طاقاتهم، وتوظيف قدراتهم، وتوجيههم التوجيه الأمثل، ولا يستطيع ذلك كل أحد..!
إنَّ القائد الرباني أمينٌ على الحق، بصير بأولوياته، لا يقصِّر في نصرته، أو يضعُف في تبليغه، إذا أقدم أقدم في صدق وحزم، وإذا أحجم أحجم ببصيرة وفهم.
قال الله - تعالى -:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].
------------------------
(1) قال المهلب بن أبي صفرة: (إن البلاء كل البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره)، البيان والتبيين، للجاحظ، (1/ 141).(15/109)
(2) قال الرافعي: (رؤية الكبار شجعاناً هي وحدها التي تخرج الصغار شجعاناً، ولا طريقة غير هذه في تربية شجاعة الأمة)، مجلة الرسالة العدد (94) محرم 1354هـ.
جمادى الآخرة 1425هـ * يوليو / أغسطس 2004م
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===========
كنت في السوق
سلطان العمري
رأيتها متبرجة وزوجها بجانبها
أخذني الغضب لله - تعالى -لأنكر عليها
والشيطان بدأ يقدم أسباب وأعذار لأترك الإنكار عليها أو على زوجها
واستمرت الحرب بيني وبين الشيطان لحظات
ولكن تغلبت على نفسي - بفضل الله - تعالى - وأنكرت
وكنت أظن أني سأتكلم على زوجها بقوة وغضب لتبرجها القبيح
ولكني تأنيت واستعملت الرفق وناديت زوجها، وأرسلت له ابتسامه
ورأيت فيه علامات القبول للحق، وقلت له بعض الكلمات التي فتح الله بها علي
فما رأيت منه إلا القبول والثناء، وودعني بقوله (جزاك الله خيرا)
فعرفت أن الرفق ما كان في شيء إلا زانه.
وقفت مع نفسي بعد ذلك، وقلت : لو أنني غضبت على تلك المرأة
ورفعت صوتي أمام الناس وأنكرت عليها فلن أحصل تلك الثمرة التي حصلت مع الرفق
فوصيتي للجميع (الرفق الرفق الرفق) هذا مع الناس عامة
وقد تكون هناك حالات يسيرة تتطلب نوعا من الشدة، ولكن الأصل هو الرفق
6/9/1425
http://www.denana.com المصدر:
=============
لا تلوموني في حبها ؟
رائد محمد بن جعفر الغامدي
لا تلوموني فإني أحبها.. أعشقها.. لم أكن أعرف ولم أعرف أنسابها، فلما تقصيت أجدادها وأربابها زاد تعلق فؤادي بها.. فهي حلوة حسناء.. جميلة فاتنة.. لأول مرة أخذت بعقلي وأودته إلى غياهيب سجونها.. أسرته ووثقت قيودي.. فهي متكاملة في أوصافها يحدوني قول الشاعر فيها :
خزاعية الأطراف مرية الحشا *** فزارية العينين طائية الفم
ومكية في الطيب والعطر دائما *** تبدت لنا بين الحطيم وزمزم
تعلم لو طلبت عيناي لقدمتهما لها على طبق من ذهب.. انسقت إليها كانسياق ابن الملوح لليلى.. فهي حقيقة ليلاي..
يلومونني في حب ليلى كأنما *** يرون الهوى شيئاً تيممته عمداً
ألا إنما الحب الذي صدع الحشا *** قضاء من الرحمن يبلو به العبدا
أرمقها كل صبح ومساء.. ألمحها مع بزوغ كل شمس وضياء كل قمر.. أنام على ذكرها، واستيقظ وفؤادي قد أسكنها الشغاف.. فهي في سويداء القلب.. بل وإنها تجري مع كل قطرة دم.. أعلم أن قد فُتن بها الكثير.. فالمتعلقون بطريقها أعداد مهولة.. فمفاتنها جذابة.. ووعودها عظيمة.. أصبحتُ أسير الذهن والأفكار لها.. فيا من تملّكتي الجنان إني أحبكِ وأهواكِ.. يا من قد اكتوي فؤادي بعشقك.. يا من قد أوقعتني في شباكك.. فأنت أبلغ مما أصفك به.. آهٍ يا غنوتي.. أنظم فيك أبياتاً، وأنثر فيك عبارات قد صدقني فيها فؤادي..
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم *** العشق أعظم مما بالمجانين
العشق لا يستفيق الدهر صاحبه *** وإنما يصرع المجنون في الحين
روحي تحلق عالياً عندما تبحر تمعناً فيكِ.. فأنا أموت فداها.. وأسكب دمائي لها..
إذا كنت تهوى من تحب ولم تكن *** ذليلاً له فاقرأ السلام على الوصل
تذلل لمن تهوى لتكسب عزة *** فكم عزة قد نالها المرء بالذل
مشاعري قد فاضت من ينبوع المحبة الذي امتلأ بالصفاء الذي لم يكدر صفوه أي مُكدِّر.. من قذف حبيبتي بأي تهمة أو تهجّم عليها بأي هجمة كانت له العاقبة الوخيمة التي ملؤها النار القذافة بالشرر.. فأنا الشظايا المحرقة على طريق من فكّر أو حاول النيل من معشوقتي، ولو كان ذلك في سبيل فنائي.. سهامي مسمومة.. وناري محمومة.. وعواطفي معدومة.. مع كل مخطئ.. فأنا من الضواري المفترسة.. إن شئت فقل ليثاً هائجاً.. وإن شئت فقل ذئباً متيقظاً.. وإن شئت فقل صقراً مفترساً.. وإن شئت فقل فارساً غيوراً.. وإن خلتني إعصاراً مفنياً في سبيلها فلن تبالغ.. وإن حسبتني بركاناً يقذف من فوهاته كل متجرئ فلن تتجاوز.. فلا تفكر أن تنقدها أو تجرحها.. ولا تحاول أن تنشب نفسك في حروب ضارية ستجر فيها أذيال الهزيمة..
كل ذلك لأنني أحببتها ورسمتها في كل شيء أراه وربطت صورتها بكل ما أشاهده فحينما أقرأ في سير المصطفي تتبدي لي صورتها الحقيقية.. وهيئتها الأصلية.. وملامحها الطبيعية.. وفروعها الجذرية.. فمنبعها استقيه من سيرة الحبيب عليه صلوات ربي.. وصور حبها والتعلّق بها تتجلى لي في تاريخ الخلافة الراشدة والقرون المفضلة بل وكل من تبع نهجهم الصحيح.. فأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - عشقها قبلي وافني عمره لها.. وهذا عمر بن الخطاب قد اتخذ لها سياسة حازمة.. وكذلك الصحابة كل قد تفاني لها بما يملك.. ومن قبلهم الأنبياء الذين كانت هي همهم...
فمن لي بذنب لبٍّ يدرك الأهداف التي رسمها رسول الهدي، فهو أول مخططٍ لها.. فمن لم يحب صاحبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به فليراجع إيمانه.. ودونك قصة الفاروق مع النبي في الحب فتضلّعها وافهم معانيها..
إن منهج رسول الله في حياته هو الدعوة لهذا الدين بكل الأساليب الممكنة المناسبة للبيئات والشخصيات والأزمنة.. كان رسول الله - عليه الصلاة والسلام - هو رجل الدعوة الأول لهذه الأمة وهو قائدنا في هذا النهج..فقد خرج من الطائف ولم يشعر بنفسه إلا وهو بقرن الثعالب..فما سبب هذا السرحان؟.. إنه حمل هم هذا الدين والدعوة له.. فهلاّ حملنا هذا الهم.. وعشقنا هذا الدعوة وأحببناها لأن أصولها نابعة من مناهج ربانية أصيلة.. فمتي حصلت المحبة لشيء قدم من أجله الغالي والرخيص.. فلا تلوموني في حبها.
http://islameiat.com المصدر:
===========
التفرغ الدعوى والتقاعد المبكر ... بين الإقدام والتردد
سمير محمد حلواني(15/110)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: هذا الموضوع من الأمور الحساسة والمهمة في نفس الوقت وخاصة للرواحل وللمهتمين بالعمل الدعوى والخيري على وجه الخصوص، وان كان يعنى شرائح متعددة كذلك من المجتمع العربي.
فان مبدأ التقاعد في مجتمعاتنا العربية تعنى "مت" "قاعد" وهذا مبدأ مضيع للجهود ومهدر لتراكم الخبرات التي جناها المتقاعد من خلال عمله الذي امتد لسنوات قد تصل إلى الثلاثين. أقول أن الغرب انتبه لهذه القضية وأسلافنا من المسلمين الأوائل لم يكونوا يعرفوا هذا المفهوم المعطل لطاقات واسعة ممن مارسوا الحياة وتراكمت لديهم الخبرات. ونرى سيدنا أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - على سبيل المثال- وقد بلغ من العمر الثمانين عاماً رفض أن يموت في المدينة وهى التي حوت أحبابه وأصحابه وأحب أن يرافق الجيش الذي ذهب ليفتح القسطنطينية (اسطنبول) ولقي الشهادة هناك على أسوار المدينة من غير أن تفتح. وكذلك الكثير من سلفنا الصالح الذين لم تمنعهم السنوات الخمسين أو الستين أو السبعين من النشاط والحركة للاهتمام بمصالح المسلمين.
عموماً أحببت أن أقدم بهذه المقدمة حتى تشمل جميع المعنيين من الذين وصلوا أو سيصلون للسن القانونية للتقاعد وهى قد تبدأ من الخامسة والأربعين (كحالتي) وتصل إلى الخمسين والستين.
وأحب أن أضيف أن الغرب يستعدون لما بعد الخمسين بوقت مبكر، كما قرأت في احد المقالات في هذا الموضوع الذي طرح بدائل واقتراحات قبل أن يصل بك العمر إلى الخمسين ومن أمثلة ما طرح أن تشارك في مجلس إدارة مدرسة خيرية حتى تستطيع أن تتفرغ للعمل فيها بعد وصولك لسن الخمسين.
أتحدث إليكم من خبرة شخصية في هذا الموضوع فقد يسر الله لي أن طرح نظام التقاعد المبكر عندنا في السعودية عند إكمال خمس وعشرون عاماً من العمل، وحيث أنني التحقت بعملي منذ دخولي الجامعة كمبتعث من الشركة استطعت أن أتحصل على هذه الميزة التي احصل بسببها على 62% من راتبي ولله الحمد.
اذكر لكم تفاصيل هذا القرار الجريء والذي استغربه الكثير من الناس سواءً من الأهل أو من الإخوة. عموماً بعضاً من الإخوة الدعاة أيد الفكرة بقوة ولكن كان التردد هو السمة العامة لمن تحدثت معهم وكانت الإشكالية في الدخل بعد التقاعد من ناحية، وتدنى رواتب المؤسسات الخيرية من جهة أخرى حيث أن الكثير من هذه المؤسسات الخيرية تعتمد اعتماداً شبه كلى على المتعاونين أو المتطوعين من أصحاب الشهادات والخبرات، وبالتالي تكون الطبقة المتفرغة من أصحاب الخبرات المحدودة وبالتالي فان الرواتب تكون متدنية للغاية مما لا يشجع أصحاب الخبرات والشهادات بالتفرغ لان العائد غير مجزى.
ولعلي اسرد لكم بعض الومضات في هذا المجال حتى تكون الصورة واضحة جلية لمن أحب أن يقدم على هذه الخطوة الجريئة (التقاعد المبكر أو التفرغ للعمل الدعوى والخيري) التي احسب أنها أصبحت ضرورة خاصة للمهتمين والمتحرقين للعمل الدعوى والخيري:
1. بداية الفكرة: نحن المسلمين نحتاج إلى مراجعة دقيقة لحياتنا والهدف منها وما إذا كان الإنسان منا يستغل أوقاته بالشكل المطلوب والذي يحقق أهدافه وطموحاته.
توقفت قليلاً مع نفسي عندما كانت فرصة لي في عام 1420 هـ حيث انتدبت من قبل شركتي إلى مدينة الظهران. فكنت أبقى فيها أيام الأسبوع وارجع إلى أهلي نهاية الأسبوع، مما سبب في تغيير في حياتي وإعطائي فرصة لمراجعة أهدافي والغاية من أعمالي. فكان القرار بضرورة استغلال أفضل لحياتي العملية حيث أنني كنت أحس بأن وقتي لم يكن مستغلاً فيما اطمح إليه واحلم فيه(وهنا طبعاً يحتاج الواحد منا إلى تحديد ما هي أهدافه في الحياة أولاً!!).
2. استمر التفكير على هذا المنوال وبدأت أتحدث به مع المقربين من أهل وأصدقاء. وكانت الإشكالية المطروحة هي: المزايا والدخل الذي أتحصل عليه من الشركة التي اعمل بها، ولكن كان الرد في المقابل أن تعمل في مكان وأنت مرتاح فيه وتحس بأنك تنتج وتخدم أهدافك. وكان من هؤلاء والدي عليه رحمة الله حيث أكد بأنه ينبغي أن اعمل في مكان وأنا مرتاح فيه نفسياً.
3. اظهر الكثير من الأخوة الدعاة تأييدهم الشديد للفكرة ولكن كان التطبيق يحتاج إلى إقدام حيث أن الدخل قد لا يكون مناسباً، ولكن الجميع كان مؤيداً بضرورة وحاجة مثل هذا التفرغ خاصة لمن يستطيع أن يقدم شيئاً للعمل الإسلامي والخيري.
4. بقى الأمر متعلق بـ "من يعلق الجرس"! أو بالأحرى من يقوم بكسر الحاجز العرفي لدى المجتمع بأن التقاعد إنما يكون بعد أن يشيخ الإنسان ويصل إلى سن الشيخوخة والعجز.
5. قمت بالاستخارة مراراً وتكراراً وكنت دائم الاستشارة وخاصة الوالدين والزوجة والذين كانوا يؤيدون الخطوة ولكن إشكالية الدخل كانت هي المحور الأساسي.
6. قمت مع زوجتي بمراجعة الدخل والاحتياجات ووضعنا حداً لما ينبغي أن يكون عليه الدخل الجديد بالإضافة إلى الراتب التقاعدي ووصلنا إلى اتفاق محدد.
7. قمت ولله الحمد بتقديم استقالتي من الشركة وقد كانت حدثاً تاريخياً حيث أن الإنسان في عالمنا العربي يخرج من عمله الثابت والمستقر بلا مشاكل هو أمر مستغرب، ولكن عندما كان الجميع يسمع أن الاستقالة كانت للتفرغ للعمل الخيري والدعوى كانوا يباركون القرار بل وكان البعض منهم يتمنى اتخاذ مثل هذا القرار الجريء.
أود أن اذكر هنا الفوائد - بعد مرور سنة كاملة ولله الحمد- التي جنيتها من هذا القرار وهو بفضل الله ثم برضى الوالدين وتعاون الزوجة الكريمة:(15/111)
1. التخلص من الديون وذلك بعد الحصول على حقوقي في الشركة والتي استطعت بها ولله الحمد من تسديد كل الباقي من ديوني.
2. الراحة النفسية التي أتمتع بها حيث أنني اعمل متفرغاً للعمل الخيري والدعوى وأصبح لدي القدرة على اتخاذ أي قرارات من سفر أو اتصال أو اجتماع أو زيارة مما لم أكن استطع أن أفعله فيما سبق. وان كان الأمر مازال فيه ارتباط لارتباطي بعملي الخيري الجديد ولعل هذا الأمر يكون لفترة مرحلية إلى أن أقرر الآفاق المستقبلية لنشاطاتي.
3. الاختلاط بمجموعات طيبة من الدعاة والعاملين في حقل العمل الخيري والدعوى ومن أماكن مختلفة في العالم خاصة في أوقات الزيارات الموسمية من رمضان والحج.
4. وجود فسحة من الوقت لمشاركة الأهل والأبناء في بعض البرامج الخاصة كالغداء اليومي وإيصالهم للمدارس وإرجاعهم منها.
5. وجود وقت مناسب للعائلة وخاصة الوالدين بالجلوس معهم وقضاء حوائجهم بالشكل المناسب.
6. الإحساس بالحرية في اتخاذ قرار العمل أو عدمه وانفتاح آفاق واسعة بالتفكير في المستقبل.
اختم حديثي بالقول بأن هذا القرار وهو التقاعد المبكر أو التفرغ للعمل الدعوى والخيري من الضروريات الحالية والتي تحتاجها الدعوة والعمل الخيري للحاجة الماسة وكذلك لضعف المؤسسات الخيرية وتأثرها إدارياً وتسويقياً وخاصة من المعنيين والمهتمين بهذا الملف.
ولعلي اذكر هنا أمراً مهماً وهو أن الرزق بيد الله وهو الرزاق ذو القوة المتين، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، ولو توكلنا على الله حق التوكل لرزقنا كما يرزق الطير الضعيف حيث يخرج من عشه مبكراً وما يرجع حتى يرزقه الله قوته وقوت أبنائه كما اخبر بذلك الحبيب - صلى الله عليه وسلم -.
فلنتوكل على الله ولنتخذ القرار ولننشئ جمعية المتفرغين للعمل الخيري والدعوى.
28/11/2004
http://www.ala7rar.net المصدر:
============
الأزمة الدعوية:
إدارية أكثر مما هي منهجية!
د. أحمد العمير
مقدمة:
اختلفت تقديرات المهتمين بالشأن الدعوي المحلي لخطورة الأحداث المتسارعة الداخلية والخارجية، وتأثيراتها على مسيرة الدعوة ومكتسباتها التي حققتها خلال العقود الأخيرة _بفضل الله ورحمته_. كما تباعدت تصوراتهم حول آليات تقليل سلبيات هذه التطورات، وطرق استثمار فرص الكسب فيها؛ فمنهم المكتفي بتفاؤله، ومنهم المتشائم المحبط، وبين الطرفين مراحل وتباينات.
فأما الأول فمصيب مقصر، ذلك أن تفاؤله سنة الأنبياء وثمرة اليقين بوعد الله، لكنه لا يوصل لشيء إذا لم يصحبه شجاعة ومبادرة ومدافعة مع تعاون وتطاوع وحسن إعداد، والتي هي سنن نبوية كذلك، فضلاً عن أن التفاؤل بلا خطط عملية ملموسة ولا حركة متنامية قد يخيب آمال الجموع، وقد يترك انطباعاً خاطئاً بالضعف والتراجع لدى الخصوم، ويزيد من جرأتهم على المصلحين.
وأما الثاني فمخطئ معذور، وخطؤه بيّن ظاهر، غير أن تقصير "الجميع" في فهم الأزمة وإدراك مسؤوليتنا المباشرة عن بعض أجزائها، وضعف وتبعثر جهود المجاهدة والمدافعة: يبرر له شعوره النفسي بالاستياء والإحباط الذي قل أن يسلم منه بشر يعيش هذه الظروف.
وأصحاب التفاؤل غير الفعال قد يجادلون أصلاً في وجود الأزمة، انطلاقاً من سعة انتشار وبيان العلم الشرعي في هذا العصر وإقبال الناس وتأثرهم برسالة الإصلاح _بفضل الله ورحمته_ ثم بجهود الدعوة المتواصلة وقناعتهم بأن خطط الخصوم والأعداء مهما تعاظمت وتوالت فينبغي ألا تكون مؤثرة في مسيرة الإصلاح، لكنهم يلقون باللائمة في حدوث العوائق على تقصير الأفراد وتفريطهم أو تهوراتهم، وعلى التحولات المنهجية والتغيرات عند البعض الآخر، ويطالبون فقط بالصبر والاستقامة حتى يتحقق النصر، وهنا حديثهم ينصب على الاستقامة الفردية وليست الجماعية.
بينما نجد أن الطرف الآخر المستاء والمتألم من وضع الدعوة الراهن ومستقبل المشروع الإسلامي بعامة، لا يختلفون مع المتفائلين في مبررات تفاؤلهم، لكنهم يتساءلون عن دقة وصحة القراءة المطروحة للواقع الدعوي، فمع هذه المبشرات وتلك الجهود والنتائج، ألا يمكن أن نكون متلبسين بأخطاء متنوعة قد تكون هي السبب الأهم في وقوع "الأزمة" – وهي الصفة التي يصرون على وصف الواقع الراهن بها –!؟، وليس التفريط ولا التهور ولا التحولات المنهجية لوحدها! بل منهم من يرى أن هذه الأخطاء قد تكون هي التي أفضت لهذه التحولات وتلك التهورات وساهمت في تضخيمها وانتشارها.
وهذه المقالة تمثل محاولة لبسط رأي الشريحة المستاءة، والتي يبدو أن نسبتها آخذة في التزايد، تم جمعها من خلال الإنصات المتفهم لبعض أفرادها والقراءة المتأملة لانتقاداتها المبثوثة على الملأ مؤخراً بعد أن كانت همساً وفي دوائر مغلقة، وسيكون دور المقالة العرض والتعليق الاستقرائي للأحداث والأفكار والمواقف والتوجهات ذات العلاقة، وهذا ليس حديثاً باسم هذه الشريحة ولا نيابة عنها – وإن كان الكاتب لا ينفي تقبله وتبنيه للعديد مما فيها–، لكنها محاولة لإيصال بعضٍ من ملاحظاتها الجديرة بالتداول، ودعوة للتأمل فيها وتبادل الرأي حولها، سعياً للخروج من "الأزمة" وتسديداً للمسيرة واحتراماً لكل صاحب رؤية لا تعدم أن يكون فيها حظٌ من الحق والصواب، فنحن أمة يسعى بحاجتها أدناها، وقد يحمل المُبلِّغون فيها الفقه إلى من هو أوعى وأفقه منهم، أخذاً بقوله _صلى الله عليه وسلم_: "بلغوا عني ولو آية، فرب مبلَّغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه". وقد يكون ذلكم في المسألة الجزئية أو التطبيقات الواقعية ولا يلزم أن يكون على الإطلاق.
أولاً: مظاهر الأزمة:(15/112)
مع الاعتراف بفضل الله ورحمته والتحدث بنعمه الظاهرة والباطنة على رجال الدعوة في هذا البلد، لا ينبغي أن نتوقف عن تلمس ومعالجة موانع النصر الذاتية " قل هو من عند أنفسكم" التي قد نقع فيها أفراداً وجماعات، والمعاصي الفردية تقف على رأس هذه الموانع، غير أن الخطأ الجماعي والتخطيطي لا يقل فداحة، إذا كان غير مبرَّرٍ ولا مستندٍ على استدلالات علمية صحيحة ولا على وسائل شرعية مطلوبة للاجتهاد الجماعي.
وهذا هو جوهر الأزمة التي نتحدث عنها، والتي امتدت لمدة ليست بالقصيرة، وفيما يلي عرض لبعض مظاهرها مع تفصيل متفاوت بحسب ما يفرضه الغرض من عرضها.
1. تجاهل الأخطاء التاريخية:
لا يتوقع أبداً من أي حركة بشرية – لا تدعي العصمة – أن تسلم من الأخطاء، والاعتراف بالأخطاء التي يثبت التاريخ المشاهد دورها في أزمة ما، يعد ركيزة مهمة في علاج أي أزمة، والمطلوب من أي حركة جادة في التغيير والإصلاح أن تعنى بدراسة مسيرتها وتشخيص أخطائها والعمل على تفاديها والتقليل من آثارها. ومع كل هذا، نجد أن أبرز مظاهر الأزمة لدينا يتضح في الإعراض عن دراسة الأخطاء فضلاً عن الاعتراف بها ومحاولة علاجها.
وللتمثيل المهم نتحدث عما تم التعارف – دعوياً– على تسميته بمرحلة "الخطاب العام"، والذي استفاد من أزمة الخليج الثانية – وإن كان قد بدأ قبلها– وانبنى على فكرة توسيع دائرة الدعوة ومحاولة إعادة الجميع لجوهر الهوية الإسلامية وتذكيرهم بالمسلمات المهددة، فهذه المرحلة رغم الزخم الكبير الذي صاحبها، تكاد أن تكون قد تلاشت بصورتها الأساسية مع المحاصرة الأمنية التي واكبت فورتها ودفعتها نحو انحدار خطها البياني، فأصبحنا باستسلامنا لهذا التلاشي إما أن نكون غير مقتنعين بها من الأساس، وهذا غير وارد، أو أن نكون غير متفقين حقيقة على تفاصيلها وغير متوقعين لحدة انعكاساتها، وهذا هو الأغلب والأكثر إيلاماً.
لكن لكونها التجربة الجماهيرية الأولى للدعوة المعاصرة في هذا البلد، فلم يكن من المستغرب أن تقع في الخطأ، إنما المدهش والمحير أن تمر التجربة دون استفادة ودون مراجعة للخطوات التالية على ضوئها، وهذا يمثل خطأ أكبر وأبلغ.
وفيما يلي سرد لبعض أخطاء تلك المرحلة:
• تضخيم الرمز، دون التأكيد عملياً وليس نظرياً على حق تخطئته ومراجعته بالبرهان والحجة مع الاحترام والأدب المشاع بين المسلمين عموماً ولمثله من باب أولى. وليس من المبالغة في شيء لو قلنا: إن هذه القضية بالتحديد طالت حتى المواقف العلمية الشرعية، فالاجتهاد الفقهي لأحد الرموز في مسألة فقهية محددة يتعامل معه الآخرون بحرج شديد في العلن وإن اختلفوا معه في الدوائر العلمية الخاصة، لا لشيء إلا للمحافظة على مكانة الرمز، وتناسينا تماماً المحافظة على حق التداول العلمي الرصين بالحجة والدليل، وأغفلنا تشجيع الردود والاختلافات العلمية والتي هي من أبرز مزايا هذا الدين، حتى وقعنا في التضخيم للرمز وسلبيات التبعية المذمومة له، بل أوقعنا ذلك في تناقضات وحرج علمي نجني مرارته أمام الناس اليوم، ولك أن تتأمل ما يقع في فتاوى لباس وزينة المرأة أو حدود التعامل مع الإعلام لترى حجم التغير فيها.
وكان بإمكان موقف واحد يعلن فيه للعموم اختلاف الأغلبية أو البعض مع هذا الاجتهاد أو ذاك، أن يفعل الأفاعيل في موازنة الاجتهادات، بل كان المفترض أن نحفظ للعالم الواحد حقه في مخالفة الجمهور ما كان مستخدماً للمنهجية العلمية الصحيحة، وعلى هذا سار الصحابة وسلف الأمة _رضوان الله عليهم أجمعين_.
• صناعة الرمز قامت – في بعض جوانبها– على قدرات ذاتية أفادت من الظروف المرحلية للدعوة، ولم تقم على وحدة بناء جماعية توصل الرمز لمكانته بطريقة تراكمية وموضوعية وتفرض عليه نظامياً أو أدبياً التحاور والتواصل معها، ولا على قناعات مشتركة محررة ومفصلة بين الرمز والأوساط العلمية المحيطة به تلزمه وبدوافع ذاتية لاحترامها وتبني اجتهاداتها، والرجوع لأمر الشورى فيها (مما فسر التباينات فيما بعد).
• اجتهادات الرمز في التعبئة الجماهيرية العالية والشحن النفسي للجموع الحديثة العهد بالهداية، قد تكون مقبولة سياسياً في ذروة مشروع إصلاح سياسي وفي بيئة تتقبل أو تم تهيأتها لذلك، أما فيما عدا ذلك فهي خطأ، ورغم تنبه البعض لذلك في حينه، لم يكن الوسط الدعوي بالقادر على إلزام الرمز بالتخفيف من شحن الجماهير، ولا على الترشيد من تأثير الجماهير عليه (...!!). مما يوحي بأن تلك المرحلة في تفاصيلها كانت اجتهادات فردية عفوية، ولم يواكبها دراسات تفصيلية ولا آليات قرار جماعية وحيوية، ومما يؤكد هذا الانطباع، وقوع الشلل الواضح الذي تعرضت له أغلب الأنشطة التي نشأت في ظل مرحلة الخطاب العام، إلى أن ختمت تلك المرحلة بالمحافظة فقط على المكتسبات الدعوية والتربوية القديمة، وهذا في عرف المدافعة السياسية خطأ قاتل، فلا يقبل أن تخطو خطوات نوعية أكبر من عناصر قوتك الحقيقية، إلا أن تكون قد حسبتها بدقة ودرست ردود أفعال الطرف الآخر المتوقعة تجاهها، ووضعت في حساباتك أن تتراجع عن بعضها لا كلها عند الضرورة، ثم تكمل بقية الخطوات كما هي أو تغير فيها وتبني عليها غيرها بعد أن تهدأ العاصفة، وإلا فما الحاجة لإثارة العاصفة من أصلها، والتفسير الوحيد لكل ذلك يكمن في غلبة الاجتهادات الفردية والعفوية.(15/113)
• ضعف قراءة الواقع المحيط وتقدير حجم ونفوذ دوائر القوة فيه، والمبالغة في تقدير عناصر القوة والتأثير الذاتية أو حجم وتأثير الجماهيرية العاطفية، أسهم كذلك في الانعكاسات التي واجهت تلك المرحلة. والغريب أن بعض الرموز والشخصيات عادت بعد المحاصرة الأمنية لتعيد الحسابات بالكامل في هذه التقديرات، مما يؤكد مرةً أخرى أن القناعات والرؤى كانت فردية، وهاهي اليوم تتغير بفردية مماثلة.
• الخلط بين معايير الدعوة الثابتة ومتطلبات التعامل مع الظروف الزمانية والمكانية المتغيرة، فالتصلب في اتباع طرق ووسائل إصلاح ودعوة تاريخية ناسبت مدة معينة، لا ينفع في مدة زمنية مختلفة ومتشابكة ومعقدة المصالح والتداخلات، وللتمثيل فقط نشير للخلط المنتشر في حينها – ولا يزال– بين مطلب التربية الجادة للأفراد ومطلب إقامة مؤسسات الشأن العام والأنشطة والبرامج المفتوحة، فهذه المؤسسات نحتاجها بإلحاح لهذا العصر، وهي تمثل نوعاً من أنواع الجهاد الميداني الذي يجب أن يتربى عليه الأفراد دون أن تهتز مستوياتهم ودون أن يشعروا بتناقض بين النظرية والتطبيق.
• التركيز على العلم الشرعي بطريقة أو حتى عملياً بهامشية غيره من العلوم المعاصرة لدى الأفراد، والاستمرار في بطء المبادرة الجماعية للانخراط في مستجدات العصر والإفادة من مجالاته المختلفة حتى تفاجأنا أننا خارج السرب تماماً على المستوى العام، في المجالات السياسية والاقتصادية والقانونية والإعلامية والإدارية، التي نعيش قصوراً كبيراً في تبنيها بصفة جماعية وغفلة ملموسة عن بناء مؤسساتها المتخصصة والمؤثرة، وتردداً في توجيه الموهوبين وأصحاب القدرات نحوها، واكتفينا فقط بتوجيه الانتقادات لوضع الأجهزة الرسمية، أو توجيه النصائح والمواعظ للعاملين الخيرين في هذه الأجهزة، بعد أن أصبحت هذه المجالات مملوكة بدرجة كبيرة لأصحاب التوجهات الأخرى.
• التأثر بالبيئة المحلية والتقوقع في إطارها، رغم الادعاء بمتابعة اجتهادات البيئات الأخرى والتفاعل معها والاستفادة منها، والمتغيرات الأخيرة أظهرت كم نحن غارقون في سلبيات البيئة المحلية وخاضعون لعيوبها وقيودها، والحقيقة أن القضايا الخارجية التي تفاعلت معها الدعوة المحلية كالمسألة الأفغانية أو الجزائرية مثلاً، قد فرضت نفسها علينا ولم نتواصل معها ونستفد منها ابتداءً، بل كنا نتعامل معها بفوقية وأستاذية وحين تكشفت الحقائق تبين أننا لا نقل عنها أخطاءً وسلبيات أو تأثراً بالبيئات، والواقع الملموس اليوم يؤكد أن فصائل الجهاد الفلسطيني تمتلك الكثير من الدروس والتجارب والخبرات، ويشهد بنجاحها في التحرر من ضغط الواقع الفلسطيني الرسمي والفئوي الذي كان يحاصرها ويقيدها لسنين طويلة، مما يؤكد عملياً قدرتها وتفوقها على من حولها من التيارات الفلسطينية، وهي بذلك تثبت إمكانية التحرر من الضغوط البيئية المتواصلة، وتقيم الحجة على من أخفق في ذلك وتلزمه بالاستفادة من طريقتها.
هذه الأخطاء وإن كانت تعبر عن صفتها التاريخية إلا أنها ما تزال قائمة وقد يتكرر الحديث عن بعضها – بصورتها الحالية – في المظاهر التالية، لكن لأهمية ربطها بمنشأها التاريخي تم تخصيصها بالحديث هنا.
2. الشعور بالفراغ القيادي والضعف العام:
وهذا أيضاً من الأدواء القاتلة لأي حركة تغيير وإصلاح جماهيرية، وخصوصاً بعد مرحلة انتشار وظهور خطاب، إذ من المفترض المحافظة على حرية حركة القيادة العلمية الفكرية التوجيهية وفاعليتها وقدرتها ونفوذها مهما تعاظمت العوائق، قبل البدء بتوسيع الخطاب، وألا يخلط بينها وبين القيادات التنفيذية، التي قد تظهر وقد تختفي، وقد تتراجع وتتغير، وإذا تكالبت العقبات بصورة غير متوقعة بعد التوسع، فسيكون إبقاء القيادة العلمية التوجيهية بعيدة عن الخصومات اليومية، وقادرة على التأثير بالجماهير وخلق أجواء الاستجابة لها بنزاهتها العلمية وتجردها وإخلاصها للمبدأ، ضرورة من الضرورات كي يستمر وهج الرسالة ولا يتوقف – بإذن الله – عند إيقاف هذه القيادة التنفيذية أو تلك، أو منع هذا البرنامج أو ذاك.
والأزمة لدينا أن القيادات العلمية والفكرية جمعت بين الدور الإشرافي التوجيهي والدور التنفيذي، أو بين رسم السياسات واتخاذ وتنفيذ القرارات، وحين عرّضها هذا الجمع للمحاصرة، تراجع حضورها بشكل ملحوظ ، وتُركت الجموع دون توجيه بعد التواصل شبه اليومي فيما سبق، فنشأ عن ذلك فراغ قيادي على المستوى العلمي والتوجيهي العام، استغله الخصوم بتسريع برامجهم التغريبية وبمحاصرة البرامج الإسلامية.
ولعل نموذج الشيخ أحمد ياسين _رحمه الله_، وأثره في حركة حماس وغيرها من حركات المقاومة الفلسطينية، يوضح بجلاء ذلك النوع من القيادة العلمية التوجيهية والمستمرة الأثر رغم الإعاقة والسجن، وستتواصل _بإذن الله_ بعد الشهادة، ومن ذكاء وفطنة إخواننا هناك أنهم لم يسموا من يشغل دوره من بين القيادات العملية التنفيذية.
3. الاقتصار على دوائر الدعوة التقليدية:
التركيز على القطاعات التعليمية ومساجد الأحياء والمؤسسات الإغاثية الخارجية وما يرتبط بها من مشاريع، هو السمة البارزة للدعوة المحلية، وهذا ليس تقليلاً من نفع وخيرية هذه الدوائر، ولكن المعطيات القريبة والبعيدة كانت تدفع وبإلحاح للبحث عن دوائر جديدة تناسب طبيعة هذا العصر وتتفاعل مع تطوراته، كما أن الفرص كانت متاحة، لكننا مضينا في التردد والمبالغة في التحوط وبطء الحركة والمبادرة.(15/114)
ومن المفارقات العجيبة، أن العديد من شباب الدعوة الذين سافروا خارجاً للدراسات العليا، وحرصوا على مواصلة رسالتهم الدعوية صدموا بالفارق الكبير بين تنوع وعلنية وحيوية وانفتاح البرامج الدعوية في تلك الدول وبين ما تربوا عليه، وحصل لديهم صراع نفسي انتهى ببعضهم للانقطاع عن العمل المنظم، وبالبعض الآخر لفقد القناعة بما كان عليه والتردد فيه. بطبيعة الحال الدعوة في تلك الدول هي حصيلة تلاقح عدة تجارب من مدارس دعوية مختلفة، ونتيجة تأثر بنمط الأنشطة الاجتماعية العامة في الدول الغربية، لكنها لا تخلوا من إيجابيات، ومن حق أولئك الشباب أن يقولوا: إن دعوتنا المحلية هي أيضاً حبيسة البيئة التي نشأت فيها وتقولبت فيها، وكان من المفترض أن تتحرر منها وتنفتح على الآخرين، وتستفيد مما لديهم وتتعرف على عيوبها من خلالهم، ومن ثم تبتكر وسائل ودوائر جديدة وتتحصل على الأسبقية بنقلها إلى البيئة المحافظة بضوابطها وقيودها التي تحرص عليها، ولا تنتظر حتى تفرض عليها من غيرها وبالطريقة التي لا تريدها كما هو حاصل الآن، والمصيبة أن هذا التحفظ التقليدي والانغلاق النسبي في أنشطة الدعوة المعتادة، والذي كان دافعه الحرص على جودة التربية وجديتها، أصبح مدخلاً كبيراً على الدعوة مع المتغيرات الأخيرة، مما يؤكد الخطأ في هذه الدرجة من الانغلاق، وهذا الشح في تنوع الأنشطة وانفتاحها على المجتمع.
4. المبالغة في الترفع عن الواقع، واستهداف النخبة:
بعد المحاصرة الأمنية التالية لمرحلة الخطاب العام، عادت الدعوة للفكرة القديمة التي طرحها بعض مفكريها المعاصرين، والتي تقضي بأن الوسيلة الأسلم للإصلاح تتلخص في "صناعة قلة تنقذ الموقف"، فتمحورت الجهود على اصطفاء النخبة واستهدافهم في شتى القطاعات، ومع التقدير الشديد لتلك الشخصيات الفكرية ومسيرتها العلمية، إلا أن تعقيدات هذا العصر وتداخل مجالاته وتشابك مصالحه، تجعل نجاح هذه الطريقة أمراً صعباً في هذه الظروف، وإن كانت قد نجحت في أوقات ماضية.
والواقع الملموس يشهد بأن القلة المتوافرة اليوم في العديد من المجالات، لم تستطع أن تُحدث تأثيراً يذكر، إن لم نقل أنها هي التي تأثرت بالواقع الضاغط المحيط بها، أو أنها استسلمت – مغلوبة على أمرها – لتوجهه العام ولمصالح وأهواء المتنفذين فيه. هل يرجع ذلك لعيوب ذاتية في هذه القلة، قد يكون، ولو صح فهو يشي قبل كل شيء بفشل برامج الإعداد لهم؛ غير أن عصر الاتصالات الواسعة الذي نعيشه وطبيعة ثقافاته المتحررة ومجتمعاته المنفتحة ودوله وأنظمته المتداخلة المصالح، يقتضي التفاعل والتواصل مع كل الطاقات والتخصصات ومع كل الأنشطة والمؤسسات وكل المسؤولين والمديرين في محاولة حثيثة لتغيير القناعات وإخراج الرؤية الإسلامية من الإقصاء العملي الذي وضعت فيه. ينبغي الانخراط في كافة طبقات ومؤسسات المجتمع، والتنسيق مع كل المعتزين بالهوية الإسلامية وغير المناوئين لها، والاتفاق معهم على جوهر الرسالة الدعوية ولفت أنظارهم للتحديات التي تتعرض لها وواجبنا جميعاً في التكاتف لتغيير الواقع.
5. معضلة نقل الرؤية والتصور إلى الواقع:
امتداداً للمظهر السابق من مظاهر الأزمة، لا بد من التنبه إلى أن مسؤولية نقل الرؤية الشرعية الراجحة والتصور الإسلامي الصحيح لما يجب أن يكون عليه واقع المسلمين اليوم، من مرحلة التنظير والتدليل التي أجادت الدعوة في بلورتها ونشرها إلى مرحلة التطبيق العملي الملموس، لا يمكن أن تنفرد بها قلة أو نخبة، وسيكون من الإجحاف والظلم تكليفهم لوحدهم بهذه المسؤولية.
وهذه المعضلة بالتحديد هي مفترق الطرق للعديد من الدعوات المعاصرة، فالعجز والخلل والارتباك يتضح بأجلى صوره عند تحول هذه الدعوات إلى البرامج العملية الواسعة للتغيير، وكأنها تحسب أن دورها ينتهي بالإحياء العلمي والتأصيل النظري، بينما هو في الحقيقة لا يبدأ إلا مع الإحياء العملي للحق والعدل والسُنّة، ومع الخطوات والجهود الميدانية لنقل الواقع مما هو عليه من مخالفات إلى الرؤية الإسلامية الصحيحة. وما تفعله قبل ذلك ليس إلا بعثاً وتجديداً لعلمٍ سبقها إليه من كان قبلهان ونوعية وحكمة ذلك الإحياء العملي وتلك الخطوات والجهود هي المحك للنجاح أوالفشل في مهمة التغيير، وليس حجم العوائق المحيطة.
والدعوة المحلية ليست بدعاً في ذلك، ومعضلة التغيير العملي هي أبرز ما تواجهه، رغم قلة البحوث والدراسات لذلك، وعجز القلة يعود بالدرجة الأولى لانعدام الرؤية الاستراتيجية للتغيير عند عموم الأوساط الإسلامية. فالنخبة مهما أوتيت من ملكات وقدرات لا تستطيع أن تعمل بدون خلق أجواء دعم ومساندة واسعة، وبرامج تفعيل ومتابعة لجهود تغيير القناعات والترويج للرؤية الإسلامية الصحيحة، وهذا سيقتضي وجود علاقات عامة فعالة وحركة ميدانية حية بين كافة الطبقات ومهارات عالية في التواصل مع الناس والصبر على أذاهم.
بينما واقع الأزمة اليوم، يشهد بأن القلة المعول عليهم – بعد الله تبارك وتعالى – لا يجيدون في الأغلب سوى مهارات كسب أعداد جديدة للدعوة وعلى استحياء داخل أجهزة ومؤسسات المجتمع،حتى يصبحوا أرقاماً متزايدة غير مؤثرة ومغلوبة على أمرها. بينما هي لا تتنبه – إن لم تكن لا تجيد – للتعامل مع أصحاب القرار والمؤثرين في هذه الأجهزة.
6. الإعراض عن أنشطة الاحتساب العام والدفاع عن الحقوق:(15/115)
لئن كانت الدعوة المحلية بفصائلها المختلفة قد نجحت بالتأصيل النظري والعلمي للاحتساب على الحاكم وإداراته الرسمية، وسبقت غيرها من أصحاب التوجهات الأخرى في هذا المجال، وتحملت في سبيل ذلك الكثير؛ إلا أنها – وبكل صراحة – أخفقت وتأخرت في تطبيقات ذلك العملية، مما أفسح المجال لاجتهادات غير مضبوطة وغير محسوبة النتائج جرّت على غيرها الكثير من التبعات، وأوجدت مستنداً لأجهزة السلطة المختلفة للمحاصرة وتشويه الصورة.
ومظهر الأزمة هنا، أن الدعوة تأخرت وترددت عن السعي المتدرج المؤيد بالاستدلال الصحيح، وعن انتهاج السبل الأسلم والأفضل والأكثر قبولاً لظروف وواقع البلد، ولا بد من توقع التضييق والإساءة والأذى والاستعداد لتحمل كل ذلك دون تراجع.
وغاب عن الساحة معلم مهم لأي حركة دعوية إصلاحية، ألا وهو رفع الظلم أنّى كانت صوره ورد الحقوق المنتهكة والمغصوبة ومحاربة الفساد المالي والإداري، وليس فقط الأخلاقي وكان بالإمكان تحقيق شيء من ذلك عبر التدرج وعبر كسب بعض الأطراف الموجودة داخل السلطة والمتذمرة من هذه الأوضاع، بشرط أن تكون الجهود هنا شرعية وباسم الجميع ولصالح الجميع وليس باسم حزب أو تيار معين.
7. تباين الاجتهادات:
لم يعد سراً وجود التباين بين القيادات العلمية ورجالات الجيل الأول من كيان الدعوة، ومع أن الأحداث العالمية والمحلية قد زادت من هذا التباين، إلا أن بذوره كانت موجودة من قبل ولم تحسن الأوساط الدعوية طوال مسيرتها المعاصرة أن تضع حلولاً عملية لتحرير هذه التباينات والتقريب بينها، أو العمل على تفهمها وخلق أجواء التعاون والتنسيق فيما بينها، رغم أن ما يجمع هذه القيادات أكبر بكثير مما يفرقها، والحقيقة أن التأمل المتجرد في هذا التباين يوصل للملاحظات التالية:
• كل طرف معه جانب من الحق يتشبث به ويجادل من أجله، حتى وإن اختلط بجوانب أخرى من الخطأ لازمة له، وعادة ما يمثل ذلك رمزاً أو أكثر ومن يلتقي معهم من القيادات المؤثرة، ويمتنعوا تبعاً لذلك عن التنسيق مع الآخرين حتى يقروا لهم بالحق الذي هم عليه ويحترموا اجتهادهم فيه دون اتهامات، وقد يشترطوا تبعية الآخرين لهم في هذا "الحق" الذي يظهر لهم، قبل أي خطوة ملموسة للتنسيق، وبطبيعة الحال هذه الوضعية غير مقبول استمرارها من طبقة القيادات، رغم العلم ببشريتهم وتأثرهم بمن حولهم، لكن المقصود هنا أنها تستمر لافتقاد آليات حل حقيقي يحفظ حق كل طرف وأهليته ومكانته ويؤلف بين القناعات المختلفة.
• تراكم الأخطاء ومظاهر الأزمة الدعوية السابق ذكر بعضها، دون توجه حقيقي وفعال للإصلاح والتعديل، وامتلاك الطرف الأكثر تحفظاً في آليات وأساليب الدعوة للتأثير والنفوذ داخل الوسط الدعوي؛ كل ذلك زاد من تغير القناعات وتباين الاجتهادات مع توالي الأحداث والمتغيرات التي تحتاج لحيوية وتفاعل سريع ومبادرات تقتنص الفرص التي لا تتكرر بسهولة ولا تحتمل التأخير.
• تغير قراءات موازين الكسب والخسارة تبعاً لتغير القناعات وتعدد المؤثرات على القادة محلياً وخارجياً. إذ مع افتقار الطبقة القيادية لآليات التداول الشوري الحقيقي الذي يسمح بنقاش القضايا المهمة بكل وضوح وتجرد، أدى إلى تضخم هذا التغير في تقدير موازين الكسب والخسارة وتبدل القناعات، وأسهم في ظهور بعض الخطوات الجديدة على الساحة، والتي أوضحت بجلاء قدرة أصحابها على التأثير، ووجود من يقتنع بطرحهم ويرغب في توسيع دائرة قناعتهم وسحب الآخرين إليها. حتى وصل الأمر إلى تجاذب مكشوف.
8. العجز عن استيعاب المستجدات:
وهذا الملحظ هو قطعاً نتيجة طبيعية للمظاهر السابقة، إذ رغم أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد فاجأت الدول قبل الحركات، إلا أن قدرتنا على استيعاب هذه المفاجأة واحتواء تأثيراتها على الساحة وعلى الصورة العامة عن الدعوة التربوية لدى الجماهير، كان دون المتوقع، والمشكلة الأبرز في هذا الحدث الذي يتبناه أصحاب المشروع "الجهادي" (...) هو أنه وضع المشروع الدعوي التربوي والطويل المدى على المحك وعرضّه لتحدٍ حقيقي، وأعطى انطباعاً عاماً بأن فشل المشروع الدعوي التربوي هو الذي أفسح المجال للاجتهادات الجهادية غير المحسوبة النتائج، كما أنه أحرج الجميع بتناول قضايا حساسة لم يكن في الحسبان أبداً الحديث عنها، فحصل الاضطراب ولم ننجح في احتوائه وتوجيهه والإفادة منه بالصورة الأمثل، مع توافر فرصة كبيرة لذلك.
9. ارتباك الصفوف:
وهذه نتيجة حتمية للتباين بين القيادات وظهور الفراغ الملموس في القيادة التوجيهية المؤثرة والقادرة على التوحيد والتفعيل، سواءً على المستوى الفردي أو الجماعي، ومظاهر هذا الارتباك واضحة للعيان وتتلمسها في هذا المجلس أو تلك العبارة، ويزيد من تفاقمها الحضور – المتهور– للتيار الجهادي، وتراجع الدعوة التربوية على المستوى الجماهيري العام أمام هجمات التغريب والعلمنة، وضعف مشروعها أمام نفوذ ونجاح خصومها.
10. رجال دعوة وحسبة ودولة!؟:
من المفارقات، التي قد تفسرها الضغوط المتتالية من الخصوم، والشعور بالهزيمة مع الفراغ القيادي، لكنها لا تبررها أبداً، إصرار الجميع على الخوض في قضايا الشأن العام، فأصبحت كوادر الدعوة على مختلف مستوياتها تشعر بالأزمة وتبادر على سجيتها للمساهمة في الحل، وأحياناً تجد من يؤيدها باعتبار الحاجة لتفعيل الطاقات، وهذا مظهر من مظاهر الأزمة وعامل من العوامل الخطيرة لتفاقمها، فالدولة وشؤونها والتعاطي مع رجالها ومؤسساتها تحتاج عناصر منتقاة ومؤهلة بعناية.
11. صناعة المواهب ثم تكبيلها:(15/116)
وهذه مأساة بحد ذاتها، حين ترى المواهب الفردية المتعددة التي تزخر بها الساحة الدعوية ثم لا تتمكن من استثمارها وتنميتها ولا تتمكن من خلق فرص ومشاريع وبرامج دعوية تنطلق من ملكات وقدرات هذه المواهب وتستوعبها؛ والسبب هو: التحفظ التقليدي عند صاحب القرار الدعوي على بعض هذه المواهب وأفكارها المتعدية، وهذا في تقديري هو الفشل بعينه، فالنجاح هو في كسب هذه النماذج وحسن الاستماع لها واستمرار قناعتها بالمشروع الدعوي وتفاعلها معه، وليس افتعال مشكلة معها والتضييق عليها حتى تهرب بعيداً عنا، والموهوبون بطبعهم مشاكسون، والحل الأسهل لمشكلتهم عند المسؤول التقليدي يكمن في التخلص منهم والإبقاء على المسالمين الطيعين، في حين أننا نردد كثيراً أهمية تربية القادة وليس الأتباع، ولا أدري كيف نصنع القادة من الطيّعين!؟
12. من يقيّم من؟:
وهذه معضلة مزمنة مرتبطة بالقضية السابقة ومسببة لها، أسهمت في خسارة الدعوة للعديد من الشخصيات المبدعة والمؤثرة، وما لم يتم علاجها بأسرع وقت فسيستمر الهدر، ومردها في تقديري (شخصنة) التقويم بدلاً من (منهجته) وموضوعيته، والذي ينشأ بطبيعة الحال عن إطالة مدة المسؤول وعدم إشعاره بمتابعته هو أيضاً، وكل ذلك ينشأ بسبب انغلاق العمل الدعوي جزئياً أو كلياً. والحل الحقيقي يتمثل في انفتاح العمل ما أمكن، لكن بشرط (مأسسة) هذا العمل ووضع الضوابط الدقيقة له وتقليل الحظوظ النفسية والعيوب البشرية من خلال فرق العمل المترابطة والأنظمة المؤسساتية الشورية حقاً وواقعاً، لا ظاهراً وشكلاً عبر مؤسسات صورية تكرس الفردية أو الشللية.
13. تضخيم المسؤولية الفردية، ونسيان المسؤولية الجماعية:
ومع المثالية العالية في التعامل مع الأفراد، ونقص المراعاة لظروف الزمان والمكان التي يعيشها الناس اليوم، نجد التضخيم الزائد لمسؤولية الأفراد عن الأزمة القائمة، والحديث المتكرر عن الأخطاء والمعاصي الفردية ومظاهر الضعف والقصور والفتور والتغير والتحول و...، إلى ما هنالك من هذه المفردات، لكننا لا نجد أبداً أي إشارة للأخطاء الجماعية التي يتحملها الجميع دون استثناء، ولا نجد الحديث عن مسؤولية الرموز والقيادات العلمية والفكرية أو التنفيذية وما تتحمله من تبعة مباشرة عما آلت إليه الأمور الدعوية مؤخراً.
والحقيقة البشرية الثابتة، تؤكد أن عطاء الأفراد وجهودهم وتضحياتهم ترتكز بشكل كبير على البيئة العملية الجماعية التي توفر لهم أجواء البذل والتفاعل والسعي المتواصل، والضعف الذي يعتريهم مع توافر هذه البيئة يتحملون هم مسؤوليته بالكامل، ولكن عند تفكك وضعف هذه البيئة يصبح تحميلهم المسؤولية دون غيرهم نوعاً من التعدي والجفاء.
ومن الجانب الآخر، فلو أدرك هؤلاء الأفراد طبيعة هذه الرسالة وطبيعة الدور المطلوب منهم ومن القادة والرموز، لما قبلوا هذا الواقع المتأزم ولطالبوا بالحركة والمدافعة، بل سيكون من حقهم لو طالبوا – بالوسيلة الشرعية الصحيحة – بتغيير القيادات البطيئة المترددة إلى الفعّالة المتحركة، فلا محاباة في هذه الرسالة كما تقضي بذلك أدبيات الدعوة، وحيث لم يحصل شيء من ذلك فلا بد أن نتساءل عن نتائج المسيرة الدعوية من أصلها.
توصيف الأزمة:
مما سبق يتضح أن الأزمة متعددة الجوانب والأطراف، ومن الخطأ حصرها في جانب واحد أو في مظهر واحد. غير أن السمة الغالبة التي نستطيع تلمسها في كل المظاهر السابقة ويحق لنا وصف الأزمة كلها بها دون تردد، هي سمة الأخطاء الإدارية والقيادية والجماعية العامة.
والحل الحقيقي لها ينبغي أن يكون إدارياً، ولا يمكن أن تنجح الحلول بدون هذا المحور.
ثانياً: مقترحات للمرحلة القادمة:
مما يزيد الأزمة تفاقماً أنها تأتي في طور تبدلات وتحولات جوهرية في مسيرة البلد، يتم فرضها والترويج لها بشكل سافر في ظل ما يسمى بـ"الحرب على الإرهاب". هذه الحرب الفضفاضة والمليئة بالغموض والمفاجآت، قد أتاحت للبلد فرصة التحول من تهمة دعم الإرهاب – التي أشاعها الحليف الأمريكي بغرض المساومة والضغط السياسي – إلى أن يكون ضحية له، كما أتاحت له فتح وتفعيل العديد من الملفات والأجندات المعلقة لسنين طويلة دون حسم.
فبسبب تورط المجموعات المسلحة في الأوساط الإسلامية المحلية، بشكل مباشر أو غير مباشر، تبدو البلد مؤخراً وكأنها تشكك في أوضاعها السابقة وتتراجع عن بعضها، وعلى هذا الأساس انطلقت موجات تطوير الخطاب الديني ومحاربة أحادية الرأي وتغيير مناهج التعليم وإشاعة روح المحبة والتسامح والترويج لثقافة الحياة بدل ثقافة الموت وللمنهج الجلي بدل المنهج الخفي وبلورة استراتيجية ثقافية وطنية جديدة(...!!). في ظل كل هذه الشعارات البراقة الخدّاعة يتم اليوم إلقاء اللائمة في ذلك كله – جزافاً– على التشدد الديني الذي "ابتدعته" الدعوة الإسلامية المعاصرة وجلبته إلينا من الخارج(...!!)، كما يتردد بشكل ممجوج في وسائل الإعلام المحلية، فيدخل البلد بذلك في طور جديد، يجد فيه العديد من المتربصين السابقين فرصة للتصريح والمطالبة العلنية بالتعددية المذهبية والفكرية والثقافية وبالحرية الاجتماعية.(15/117)
واللافت للنظر في كل هذه التحولات والشعارات، أنها تقتصر على مراجعة واسعة وشاملة للصبغة الدينية للبلد، وتحويلها من التشدد إلى التيسير والتسامح ومن الأحادية إلى التعدد، في نفس الوقت الذي يحرم فيه ويجرم أي مخالفة أو أي تعددية في الرأي حول أداء أو قرارات وخطوات الحكومة، وهذا تعسف واختزال وانفعال في التعامل مع البعد الديني لأي مجتمعٍ كان، وفي هذه البلد تحديداً، ولا يمكن أن تأتي الحلول المتعجلة والمفروضة قسراً في المسألة الدينية إلا بنتائج عكسية، حتى وإن كان صاحب القرار مقتنعاً بخطأ و تشدد الأحوال الدينية السابقة وحاجتها للتغيير، وحاجته هو للتوقف عن مجاملة هذه الأحوال.
فمعالجة بذور التطرف والغلو لا تأتي من خلال لعبة التوازنات السياسية المعروفة، ولا عبر تقليص نفوذ وفرص الأغلبية بتوسيع فرص الأقليات ، وخصوصاً إذا كانت هذه التحولات التعددية والانفتاح الاجتماعي يأتيان بصورة مفاجئة، وفي ظل استمرار للتشدد والانغلاق السياسي.
كل ما سبق يزيد من فداحة الأزمة الدعوية الإصلاحية، ويضاعف من مسؤولياتها ومن التحديات في طريقها، ويفرض عليها السعي الحثيث نحو تغيير حقيقي ونوعي، وفيما يلي أفكار مقترحة لشيءٍ من ذلك التغيير المطلوب.
1. توسيع دائرة الكفاءات القيادية المتخصصة:
لا بد من إشراك وتفعيل أكبر عدد ممكن من الكفاءات القيادية في كافة التخصصات، وإشعارهم بالأهمية والتواصل معهم والاستماع لآرائهم ومقترحاتهم وانتقاداتهم، وحشد جهودهم جميعاً للمطالبة بالعودة إلى الرؤية الإسلامية الصحيحة والصافية والمتضمنة للعدل والحق والهدى، والبعيدة عن الهوى والمصالح الآنية الضيقة، والتعامل في ذلك مع كل من يلتقي مع هذه التطلعات أياً كان موقعه وخلفيته، بشرط أن يتم الفصل بين دوائر اهتماماتها وقدراتها والتأكيد على عدم التداخل بينها حرصاً على فاعليتها والتناغم بينها.
ويمكن على سبيل المثال تقسيمها للدوائر الثلاث التالية:
• كفاءات علمية تربوية: تتابع العمل التربوي الدعوي، بقسميه: التعليمي الذي يعنى بتربية الطلاب في المراحل التعليمية العامة، ويقتصر العاملون فيه على المدرسين والمرشدين، وينبغي أن يكون رسمياً وببرامج معلنة، وقسمه الوعظي الذي يعنى بالدعوة التوجيهية لعامة الناس، ويرتكز على أئمة المساجد والدعاة والخطباء وهو في واقعه ظاهر ومكشوف، لكن بشرط أن يتحول جوهر هذه العملية من الإصلاح الفردي المجرد ومن الإحاطة الوجدانية والنفسية ببيئة الرفقة الصالحة المحدودة، إلى الإعداد الحقيقي للنفسية المؤمنة عن يقين وقناعة راسخة، وللعقلية المفكرة والمبدعة والباحثة عن الحق والمناضلة من أجله أمام الجميع، والمتهيأة لذلك بالثقافة الإسلامية المتزنة وبالوسطية الحقة لا المدّعاة، وأن يحرص الجميع على إطلاق روح جديدة للدعوة تتمحور حول قيمة الإنسان وكرامته واحترام حقوقه وتحريره من كل القيود والحدود إلا من تلك التي شرعها الله _تبارك وتعالى_ وقضى بها.. وبشرط ألا تتهور هذه الكرامة وتلك الحرية فتتعدى على كرامة الآخرين دون وجه حق، وألا تتعدى وتتجاوز حدود الله وأحكام شرعه القويم خصوصاً في التعامل مع الخلق، كما يفترض أيضاً بهذه الروح الجديدة أن تصرّح وتفاخر بوجودها وتعلن وتنشر برامجها.
• كفاءات العمل المؤسسي المدني، والتي ينبغي أن تشمل جميع الكفاءات المتخصصة المتبنّية للرؤية الإسلامية الصحيحة والمتفاعلة معها في عموم الأجهزة الحكومية المختلفة، وفي كافة المؤسسات الأهلية المحلية في المجالات الإعلامية والاجتماعية التأهيلية والاقتصادية والخدماتية والمهنية، ويعمل الجميع على تشكيل ما يمكن لنا تسميته بطبقة "التكنوقراط" الإسلاميين، والمطالبة الحثيثة تبعاً لذلك بتنمية ومساندة ودعم رؤيتهم الإسلامية وتوسيع دائرة تطبيقاتها المتنوعة ومعالجة العوائق والتحفظات التي تعترضها، ومزاحمة الأنماط والسلوكيات المعارضة لها ومدافعة مصالح الملأ المنتفعين بمخالفتها، ولهم أن يتحركوا على أساس أن رسالتهم ورؤيتهم التي ينطلقون منها هي الأصل في هذا البلد وعلى هذه الأرض المباركة، فلا يمكن أن يتخلوا عنها وعن مسؤوليتهم تجاهها خوفاً من نفوذ ومصالح وأهواء بعض المعرضين عنها والمنخدعين بما لدى أعدائها.
• كفاءات العمل السياسي: وهذه ينبغي أن تنتقى بعناية فائقة من بين المهتمين بالشأن العام في أوساط المتبنين للرؤية الإسلامية الصحيحة وحلولها المطروحة لمواجهة الأزمات التي أثقلت كاهل البلد وأربكت مسيرته، ولندرة هذه الطبقة في الأوساط الإسلامية ولقلة خبرتها يفترض بأصحاب القرار الدعوي أن يبحثوا بأسرع وقت عن الوسيلة الأفضل لتأهيلها وإعدادها، والإفادة في ذلك من دورات التدريب المعاصرة لمهارات العمل السياسي والجماهيري، ثم تكلف بمهمة التفاعلات والتداولات السياسية المختلفة المعبرة عن موقف الرؤية الإسلامية بصورة ناضجة ومتعقلة ومقنعة، وغير متنازلة في نفس الوقت.(15/118)
وهذه الدوائر ينبغي أن تعمل باستقلال تام عن بعضها البعض، لكن مع التعاون والتكاتف وبالتنسيق والدعم المتبادل، فلا يفتات أحد على أحد ولا يستغني أحد عن أحد، فمخرجات الدائرة التربوية يعتمد عليها الجميع، وأنشطة وبرامج دائرة التكنوقراط يستفيد منها الجميع، ومواقف دائرة السياسيين يتكأ عليها الجميع. وبالمفهوم الاقتصادي، يمكن لنا التمثيل بالحاجة – في المشروع الدعوي الإصلاحي – لوجود شركة قابضة تضم عدة شركات مستقلة ذاتياً ومتناغمة في ظل الشركة القابضة، بدلاً من شركة العائلة الواحدة ذات الأنشطة المتعددة والمكبلة لحيوية قرارها بسبب مركزية واختلافات العائلة.
2. حسم الموقف من المشاركات السياسية:
أهمية حسم هذه القضية ليست مرتبطة – فقط – باحتمالات توسيع المشاركة فيما يأتي من المراحل السياسية للبلد، ولكن – من باب أولى– بالحاجة الواقعية المّاسة للخروج برؤية عملية واضحة حول القضايا السياسية المختلفة والاجتهادات المتباينة في الساحة الدعوية الإصلاحية فيما يتعلق بالخيارات الأسلم للتعامل مع تغيرات وتحولات البلد الأخيرة، ولئن كانت التخطئة واسعة لنهج التيار "الجهادي" في تعامله مع أوضاع البلد السياسية والأمنية، فإن التردد ظاهر كذلك في نهج التواصل مع الواقع السياسي الرسمي والعمل من خلاله، وإن كان هذا الأخير بدأ يحظى بالاتساع مع الاكتشافات "المتأخرة" لنفوذ هذا الواقع وتمكنه.
وعلى هذا فالمنتظر من الطرف الأكثر انتشاراً في الأوساط الدعوية والمتمسك بترفعه عن الواقع السياسي الرسمي وبتحفظه على تجاوزاته، أن يقدم النموذج العملي الفعلي للاعتدال الشرعي الذي يتطلع إليه في التعامل السياسي مع هذا الواقع، وليقدم بشكل ملموس محسوس وليس بتنظيرات مثالية، القدر الممكن من التفاعلات السياسية البعيدة عن التفريط أوالإفراط اللذين يحذر منهما، والخالية من التكالب المخجل على التواصل الرسمي ومن الإعراض الجافي عنه المؤدي لتفرد الخصوم والنفعيين به، فالإعراض السلبي في هذه المسائل لا يخدم قضية ولا يقيم حجة، والتذرع بالحذر من الانعكاسات والمآلات هو في حقيقته دليل على العجز أو نقص روح المبادرة، ويمنع من استصلاح ما يمكن إصلاحه ودفع ما يمكن دفعه ميدانياً في هذا الواقع السياسي.
فمن المفترض أن نحسن استثمار هذه المرحلة وما فيها من فرص، وألا نستمر في دوامة الأخطاء المتراكمة، بل ننتقل نحو مرحلة المبادرات المدروسة والمتزنة، والمهيأة لتحمل كل التبعات المحتملة، وذلك بإقناع صاحب القرار السياسي(...)، وفرض الخيارات الشرعية والوطنية الحقة عليه – البعيدة عن خيارات وطموحات المنتفعين من حوله – وحشد التأييد الشعبي لهذه الخيارات الشرعية، ويمكن تحقيق شيء من ذلك بتوظيف تهورات الطابور الأمريكي في البلد والتي بدأت مؤشرات التذمر الرسمي منها تتزايد، ومن خلال تفعيل وترشيد مواقف الغالبية المحافظة في المجتمع وإخراجها من السلبية القاتلة أومن التهور المربك.
ومن المهم لتحصيل ذلك ألا يجد المغرضون – في المبادرات والخطوات المطلوبة – مستنداً لتهمة الافتئات على الحاكم أو نزع عصا الطاعة ولا لتهمة تفكيك الوحدة الوطنية، بل تكون بالاحترام الواجب لمنصب السلطة وبالوسائل المقبولة شرعاً وواقعاً سياسياً عالمياً، وألا تثير التوجس من احتمالية منازعة الامتيازات التي تكونت في تاريخ البلد – كما في غيره من سائر البلاد – فهذا في الأصل ليس هدفاً للرسالة الدعوية، ما كانت هذه الامتيازات مقبولة عرفاً ولا تخالف شرعاً راسخاً ولا تهدر حقاً إنسانياً، إذ إن هدف الرسالة الدعوية ينبغي أن يكون إقامة العدل والقسط والشهادة بالحق ولو على النفس، وليس منازعة الخلق في حظوظهم الدنيوية.
3. إعلان الموقف من الأوضاع القضائية والقانونية والإدارية:
يضج واقع الناس بالعديد من المآسي والمظالم التي لا يجدون سبيلاً لرفعها في ظل الأوضاع القائمة في المحاكم والإدارات المختلفة ذات العلاقة، وكان من سياسة الأوساط الدعوية العلمية الإعراض عن تناول هذه الأوضاع بالحديث أو النقد المباشر، ربما لما تمثله من خلفية شرعية وقضائية، لكن مع التغيرات والتحولات العديدة المحيطة بنا، سيكون من الضروري إعادة النظر بهذه السياسة، والتصريح بالتحفظات الموجودة على هذه الأوضاع سواءً كانت لعوائق إدارية وإجرائية أو لأخطاءٍ علمية وتطبيقية، ولا بد من حماية حقوق الناس، ورفع الظلم عنهم، وتسهيل حصولهم على حق الشكوى، ورفع الدعاوى، والدفاع عنهم المكفول لهم وحقهم في المحاكمات العادلة، وتحصيل الحق الذي لهم أو رفع الظلم الواقع عليهم، وتفعيل إجراءات إحظار الخصوم وإيقاع العقوبات، وواقع هيئات الادعاء والتحقيق ومحاكم القضاء واللجان ذات العلاقة، الإداري والإجرائي لا يضمن تحقيق هذه المتطلبات الشرعية والعالمية، وإعلان الموقف الواضح والرؤية التفصيلية في هذا الخصوص، هو الخيار الأصوب للمرحلة القادمة.
كما أن مظاهر الفساد الإداري والمالي في بقية القطاعات لا تخفى، ومن المفترض في المشروع الإصلاحي المتكامل أن يكون له خطواته العملية في محاربة ذلك، وفي تفعيل وتوسيع جهود الشخصيات النزيهة المتألمة من هذا الواقع.
4. مراجعة الأدوار القيادية:
بمعنى أن يتفهم الجميع أن هذه المرحلة من تاريخ الدعوة وواقع العصر، تجعل من الصعوبة الوصول إلى قيادة فردية جامعة يذعن لها الآخرون، ولن يحصل هذا والله أعلم من القريبين لهذه الشخصية فضلاً عن البعيدين، ومن هنا فلا بد من جماعية الإدارة وفي هذا الخير الكثير للدعوة _بإذن الله_.(15/119)
لكن لا بد من مراجعة كل الأدوار القيادية القائمة في الساحة الدعوية، وهل معايير الوصول إليها والبقاء فيها تاريخية أم استحقاقية؟ هل هي احتكارية أم تداولية؟ وهل هي إشرافية أم تنفيذية؟ وما هي آليات اختيار هذه القيادة العلمية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية دون غيرها، لهذا الدور دون ذاك؟ وهل التأهيل العلمي الشرعي هو المطلوب فقط لشغل هذه الأدوار أم المطلوب أن نبحث عن البارزين في كل التخصصات؟ ومن الذين يحق لهم الترشح، ومن الذين يحق لهم التصويت والانتخاب؟ كل هذه الأسئلة يتم طرحها الآن على المدى الأوسع مع افتضاح واقع مؤسسات الحكم السياسية في المنطقة، والمفترض في الأوساط الدعوية أن تكون سبّاقة في حسم هذه القضايا وتقديم النموذج العملي الذي ترتضيه في هذا الإطار، قبل أن تفجأها التغيرات المتوقعة، ولا بد أن تدرك القيادات أن المرحلة الآن تقتضي مشاركة الناس في إدارة وصياغة واقعهم، وتفهم حاجتهم للتفاعل معهم وتسيير شؤونهم من الداخل وعلى أرض الواقع، ولا يمكن أن يتحقق ذلك فقط بالدروس النظرية والمؤلفات.
5. مراجعة آليات صناعة القرار:
من المهم أن تتوسع دائرة دراسة وصناعة القرارات الدعوية الهامة، وأن تشترك فيها كل الشخصيات ذات الدور والحضور والتأثير وأن يتم الإفادة من الجميع وألا يشعر أحد بالتهميش في هذا الإطار، وبمنظور الشركة القابضة الممثل لها سابقاً، سيكون من الطبيعي احتياجها لجمعية عمومية تتابع التطورات ومن خلالها يتم نقاش القضايا المختلفة بطريقة علمية مقنعة للجميع ويطرح فيها بدائل الحلول المختلفة لقضايا الشأن العام، وبإمكان هذه الجمعية العمومية أن توجد وتؤتي غرضها بصورة افتراضية وغير مباشرة، عبر منتديات الحوار والملتقيات المتنوعة ومراكز البحث العلمي الرصين ومجلاتها التي تصدر عنها. هذا النوع من المؤسسات ينبغي أن نسعى لإيجادها وصناعة الاحترام والتقدير لها، علّها تسهم في بلورة التصورات وتحديد الخيارات ثم صناعة المواقف بطريقة أصوب وأحكم وتوجيه الساحة نحوها، وتفعيل كل البرامج والطاقات وتنسيق الجهود بينها،
ويكون الترجيح بينها علمياً للخروج بالأصوب من بينها حسب الاجتهاد، وعند الضرورة الخروج بعدة قرارات في الموضوع الواحد يحترم فيه كل طرف اجتهاد الآخر المؤهل للاجتهاد وإن كان لا يتفق معه في هذه المسألة الاجتهادية.
6. وحدة المبدأ وتعدد الاجتهادات:
وتحقيق هذا المطلب الملح – بالصورة السابقة أو بغيرها من الصور– سيساعد على حسم التباينات التي لا يمكن التخلص منها في الظروف الحالية، وذلك من خلال تفهم هذه التباينات ودوافع أصحابها وحججهم والاعتراف لهم بحقهم في الاجتهاد واحترام علمهم وسابقتهم، ومطالبتهم بتقبل اختلاف الآخرين معهم، ومع انطلاق الجميع من وحدة المبدأ واحترام تعدد الاجتهادات، لا بد من إعلان وجود هذا الخلاف العلمي للناس وأن كل طرف يحترم الآخر في اختياراته ويعمل على التكامل معه والتنسيق والتعاون، بل ويؤيد الاجتهاد الآخر ويدعمه أمام الآخرين حفاظاً على وحدة الموقف وتربيةً للأتباع على التجرد للحق إذا لم يتضح يقيناً وقد يكون مع أي من الطرفين، وهذه الوضعية ليست مثالية مفرطة، بل هي حكمة سياسية واقعية، ونموذج الفصائل الجهادية الفلسطينية يطبقها بدقة مشكورة لهم، إذ مع اختلافهم في تفاصيل مقاومة الاحتلال تجدهم يتفقون على هذا الإطار العام ويدعمون بعضهم أمام الآخرين، ومن خلاله يصلون أحياناً إلى تنسيق بعض العمليات الميدانية فيما بينهم (رغم الاختلافات التفصيلية)، وهذه الفاعلية وهذا الجهاد المتفق على تفاصيله في النموذج الفلسطيني، هو الذي يفسر _فيما يبدو_ غياب مظاهر الغلو والتطرف في التعامل مع الواقع الفلسطيني العام (..!!).
7. الحذر من الانشغال بالنزاعات عن الهدف الرئيس:
المؤسف أن غياب الوضعية السابقة، فتح المجال لنوع من التنازع يكثر بين الأتباع ويصل إلى الرموز أحياناً، فلا بد من الحذر منه، فإذا تعذر التنسيق الكامل بين الاجتهادات المختلفة، فلا بد من التمييز بينها وتوضيح مناطق الاختلاف قولياً وعملياً واحترام حق الناس في المعرفة بذلك وترك حرية الاختيار لهم، كما يقتضي ذلك الحذر من الانشغال بالنزاعات عن الهدف الرئيس للدعوة.
8. التمحور حول الفكرة والمشروع بدل الشخصيات:
هذا الخطأ التاريخي السابق ذكره، يبدو وكأنه لا يزال متسيداً، إذ بدأ يشيع مؤخراً أن الشيخ فلان أو الدكتور فلان سيقيم مكتباً خاصاً أو موقعاً الكترونياً أو مركزاً أو غير ذلك من المشاريع التي تتمحور حول الشخصية، ونحن بهذه الطريقة نكرر الأخطاء؛ لأنه فرق كبير بين صناعة الرموز والقادة وإبرازهم إعلامياً وواقعياً وجعلهم مرجعية، وبين جعلهم هم والناس من حولهم يرجعون للمبدأ الذي ينطلقون منه و يتمحورون حول الأفكار والمشاريع التي تخدم المبدأ، فالطريقة الأولى تجعل في نفوس الأتباع هيبة ووجل من الرمز وتمنعهم من قدرة التصويب له إذا أخطأ، وتجعلهم عالة على تفكيره وتخطيطه وأوامره لا عوناً له في ذلك، أما الطريقة الثانية فتقلل من الهيبة غير الشرعية، وتمنح الجرأة على النقد، وتوفر الفرصة الواسعة أمام الجميع للمشاركة والعمل والابتكار والتطوير بعيداً عن حرج العمل الذي يأباه البعض في ظل هذه الجهة أو تلك، ويتربى الناس على التجرد بصورة عملية، كما يتخلصون من سلبية جماهيرية الرمز.
9. صناعة المؤسسات بدلاً من الرموز:(15/120)
وهذا فرع على ما سبق ولكن يضاف عليه أنه لا بد من إطلاق العديد من المؤسسات في مجالات مختلفة، العلمية منها والدعوية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.
لكن لا بد من إفراد المجالات التعليمية التي تتعرض لتهديد متواصل بمزيد عناية وتركيز، وخصوصاً أن توجهات التخصيص الاقتصادي لهذا القطاع تتيح المجال لإنشاء العديد منها بالشروط الدعوية التربوية المطلوبة.
والمجالات الإعلامية ذات الأهمية المتزايدة تقتضي حديثاً خاصاً بها، فلا ينبغي أن يقبل أبداً بعد اليوم استمرار الأغلبية المحافظة في البلد بدون وسيلة إعلامية حقيقية تتحدث باسمها وتدافع عن رؤيتها وقناعاتها وثقافتها المقصاة واقعياً، في حين تحظى الفئات الليبرالية بالدعم والتسهيلات المتتالية في هذا المجال، فلا بد من المطالبة الحثيثة بالترخيص لمؤسسات إعلامية متكاملة، بشرط أن يكون ذلك بالصورة المؤسساتية الحقيقية وليس كواجهة للرموز.
كما يجب التركيز والاعتناء بمراكز الدراسات والبحوث، لتقوم بدورها في رصد المتغيرات ودراسة الانعكاسات واقتراح الخيارات العملية، ولتعتني بالدور الآخر الغائب تماماً في منطقتنا والمتمثل بدراسات المستقبل و(سيناريوهات) التعامل معها، فصناعة المواقف المؤثرة تقتضي وضع الآليات لإشراك كل صاحب رأي وبصيرة وخبرة في مجاله، ويمكن أن يتوافر هذا من خلال قنوات الرصد والقياس لهذه الآراء والأفكار، من كل الطبقات وبشتى الوسائل، أو مراكز الدراسات التي تستوعب أصحاب التخصص الجادين الذين يكلفون بهذا الرصد الداخلي مع الرصد الخارجي لمواقف الرأي العام ودوائر القوى المختلفة وتأثيراتها، ودراستها وتحليلها ثم تقديم مقترحاتهم وتصوراتهم وبدائل الحلول، وهذا أيضاً ليس من المبالغات والذي يتابع خطوات ما يسمى بحزب الله اللبناني يجد أنه يملك شيئاً من ذلك وهم أقل منّا عدداً وتنوعاً للطاقات، لكن الفارق هو توفير البيئة التفعيلية المناسبة.
10. المواهب الفردية وفريق العمل: الصفة الأبرز للدعوة المحلية هي تعدد وتنوع المواهب الفردية مع ضمور وانحسار الأنشطة والبرامج الجماهيرية العامة، والسبب الواضح لهذا التعطيل والهدر يكمن في افتقار هؤلاء للبيئة الجماعية الفعالة التي تفجر طاقاتهم وتوجهها وتسددها وتوفر لهم الأجواء والأوضاع الأنسب لإبراز وتنمية هذه المواهب. بمعنى أنهم يفتقدون لفريق العمل الذي يحركهم، فمن المعروف أن البشر يتكاملون ويتعاونون ولا يمكن أن يستقل أحد عن الآخر أو يستغني عنه وخصوصاً الموهوبين منهم، وإذا لم يجدوا هذه الروح وهذا الفريق فيمن حولهم فسيبحثون عنه عند الآخرين.
11. استيعاب التقصير بدلاً من استعدائه:
والمرحلة تقتضي بلا مراء أن نستوعب الجميع بأخلاقنا ورحمتنا وتآخينا، وألا نستعديهم لتقصير أو مشاكسة أو تمرد أو تفريط أو إفراط، وتعنيف وتحذير كل من يتسبب في حصول شيء من ذلك وإعادة اعتبار كل من أسيء إليه، والعمل على (منهجة) التقويم بدلاً من (شخصنته) _كما ذكر سابقاً_.
12. العمل على ترسيخ الثوابت:
مع التهديدات المتتالية لثوابت الأمة ومسلماتها سيكون من المهم أن يحرص القادة والمربون على إعادة التذكير بالثوابت والتأكيد عليها والخروج بالناس من دوامة الجدل والمراء غير المفيد، ومثل هذه العلنية قد تساهم في تخفيف الضبابية التي بدأت تشوب بعضاً من رسائل الدعوة الرئيسة، فيرتفع الغموض وتتضح القضية في أذهان الناس، وأهم ما ينبغي ألا يشوبه اللبس رسالة الدعوة في المجالات الثقافية والاجتماعية (وخصوصاً ما يتعلق منها بالمرأة)، إذ لا بد أن تبقى تفاصيل الرؤية حولها حاضرة ومعلنة، ومتكررة كلما دعت الحاجة.
13. استعادة ثقة الجماهير، والابتعاد عن تهييج الخصوم:
من الملاحظ أن الدور الجماهيري المؤثر، الذي كانت الدعوة المحلية تتمتع به سابقاً قد تخلخل، وأتى من ينافسها فيه باسم "الجهاد" أو باسم "الوطنية"، والمطلب الملح الآن، أن نراعي ونتفهم هذه التحولات الضخمة في واقع البلد، وأن يتم التعامل معها بناءً على أوضاعنا الجديدة فليست كما كانت سابقاً، وهذا يقتضي محاولة كسب ثقة الجماهير من جديد عبر الالتزام بالثوابت المستدل لها بالنص الصحيح وليس بالاختيار الفقهي المجرد، كما يقتضي خدمتهم والسعي بمصالحهم وتطلعاتهم، وأكثر ما يشغل الناس اليوم: إعادة شعورهم بالقوة والعزة في مقابل شعور الذل والمهانة والاختراق الذي يهددهم به الأعداء من الخارج وأذنابهم من الداخل، وهذا يستدعي الحنكة والدقة، وانتهاج طرائق وأساليب نوعية جديدة تخرجنا من الأزمة التي نتحدث عنها، ويتم فيها تعبئة كل المخلصين لدينهم وبلدهم حتى في الأوساط الرسمية للمساهمة في تحقيق هذا الأمل الذي يشغل الجميع.
وسيكون من المناسب في هذا الإطار تجنب تهييج الخصوم ومحاولة كشفهم بطريقة غير مباشرة، من خلال الخطوات والمواقف العملية والأخلاقية النزيهة في مقابل انتهازيتهم ونفعيتهم المفضوحة مؤخراً، والاستثارة المباشرة سيستغلونها على أقل تقدير بوصفها بالاستعداء والحزبية، وهذا ما ينبغي أن نهرب منه نحن قبل غيرنا، كما أن هذه الأجواء قد تشكك الأطراف الأخرى المحايدة، والتي قد تكون مرتبطة معهم بمصالح مشروعة، وقد تغلق الباب أمام عودة المتردد منهم.
ختاماً:
يعتذر الكاتب عن الجرأة والمباشرة في بعض الفقرات، أو الإساءة والتطاول في البعض الآخر، ولعل مقصد الإصلاح وباعث الإسهام في الحل يشفعان له في ذلك.(15/121)
كما يعتذر أخيراً للمعترضين على التناول العلني لهذه المواضيع، فطبيعة الأزمة والتغيرات المحيطة بها واتساع الحديث عن هذه الجوانب تقتضي الوضوح والمباشرة.
والأمل بعد توفيق الله ورحمته أن تحظى الورقة بالاهتمام والرعاية والتصويب والتسديد حتى نصل جميعاً للخروج من الأزمة _بإذن الله_ .
والحمدلله رب العالمين.
=============
النصيحة
هناك مهارات وأساليب يجب أن يلم بها من يتصدى لمناصحة الآخرين وإرشادهم، وذلك بغية الوصول للهدف المنشود، وهذه المهارات هي الفقه الدعوي. لهذا أعرض بعضها كي نفطن إليها عند النصيحة:
1- النصيحة بالسر:
لأن الإنسان يكره التشهير وتعتبر هنا النصيحة فضيحة، لهذا يحاول الدفاع عن نفسه، ولقد حث الشرع على النصيحة بالسر.
يقول الفضيل: "المؤمن يستر والفاجر يهتك" لأن الهدف من النصيحة أن يقلع الشخص عن الخطأ..وليس الغرض إشاعة عيوبه أمام الآخرين.
2- استخدام أسلوب الحكمة:
"الشدة من غير عنف واللين من غير ضعف".
3- انتقاء الأسلوب :
الأسلوب الأمثل في العرض ومحاولة الترغيب والترهيب والثناء الشرعي بما فيه، ومحاولة ضرب الأمثلة الماضية والحاضرة.
4- التلميح دون التصريح:
أحياناً يكون التلميح بالنصيحة أفضل من التصريح، أي محاولة النصح بطريقة غير مباشرة، كما يفضل البعد عن النقد المباشر وأسلوب الأمر، فهذا أدعى للقبول.
5-الكلمة الطيبة والابتسامة:
للكلمة الطيبة والابتسامة سر لقبول النصيحة، فكلمة لينة رقيقة وابتسامة ساحرة هي خير شفيع لقبول النصيحة.
( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159]
http://www.mnar.net المصدر:
===========
ستون نصيحة للمسلم في يومه وليلته
1- التوبة: (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه) مسلم 2703 (إن الله - عز وجل - يقبل توبة العبد ما لم يغرغر).
2- الخروج في طلب العلم: (من سلك طريقا يلتمس فيها علما سهل الله له به طرقا إلى الجنة) مسلم (2699).
3- ذكر الله - تعالى -: (ألا أنبأكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم) قالوا بلى- قال: ذكر الله تعالى) الترمذي(3347).
4- اصطناع المعروف والدلالة على الخير: (كل معروف صدقة، والدال على الخير كفاعله) البخاري (10/374)، مسلم (1005).
5- فضل الدعوة إلى الله: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا) مسلم (2674).
6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) مسام (49).
7- قراءة القرآن الكريم وتلاوته: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه) مسلم (804).
8- تعلم القرآن الكريم وتعليمه: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) البخاري (9/66).
9- السلام: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء لو فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم) مسلم (54).
10- الحب في الله: (أن الله تعالي يقول يوم القيامة: أين المتحابين بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي بوم لا ظل إلا ظلي-) مسلم (2566).
11- زيارة المريض: (ما من مسلم يعود مسلما مريضا غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاد عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة) الترمذي (969).
12- مساعدة الناس في الدين: (من يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة) مسلم (2699).
13- الستر على الناس: (لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) مسلم (2590).
14- صلة الرحم: (الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله) البخاري (10/350) مسلم (2555).
15- حسن الخلق: (سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: تقوى الله وحسن الخلق) الترمذي (2003).
16- الصدق: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة) البخاري (10/423) مسلم (2607).
17- كظم الغيظ: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء) الترمذي (2022).
18- كفارة المجلس: (من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه؟ فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: [سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك] إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك) الترمذي (3/153).
19- الصبر: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) البخاري (10/91).
20- بر الوالدين: (رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه) قيل: من يا رسول الله؟ قال: (من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة) مسلم (2551).
21- السعي على الأرملة والمسكين: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) وأحسبه قال: (وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر) البخاري (10/366).
22- كفالة اليتيم : (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وقال بإصبعيه السبابة والوسطى) البخاري (10/365).
23- الوضوء: (من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره) مسلم (245).(15/122)
24- الشهادة بعد الوضوء: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: [أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين] فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء) مسلم (234).
25- الترديد خلف المؤذن: (من قال حين يسمع النداء: [اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته]، حلت له شفاعتي يوم القيامة) البخاري (2/77).
26- بناء المساجد: (من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بني له مثله في الجنة) البخاري (450).
27- السواك: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) البخاري (2/331) مسلم (252).
28- الذهاب إلى المسجد: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح) البخاري (2/124) مسلم (669).
29- الصلوات الخمس: (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله) مسلم (228).
30- صلاة الفجر وصلاة العصر: (من صلى البردين دخل الجنة) البخاري (2/43).
31- صلاة الجمعة: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام) مسلم (857).
32- ساعة الإجابة يوم الجمعة: (فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً، إلا أعطاه إياه) البخاري (2/344) مسلم (852).
33- السنن الراتبة مع الفرائض: (ما من عبد مسلم يصلي لله - تعالى -كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا غير الفريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة) مسلم (728).
34- صلاة ركعتين بعد الوقوع في ذنب: (ما من عبد يذنب ذنباً، فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر له) أبو داود (1521).
35- صلاة الليل: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) مسلم (1163).
36- صلاة الضحى: (يصبح على كل سلامة من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى) مسلم (720).
37- الصلاة على النبي: (من صلى علي صلاة صلى الله بها عليه عشراً) مسلم (384).
38- الصوم: (ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله - تعالى -إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً) البخاري (6/35) مسلم (1153).
39- صيام ثلاثة أيام من كل شهر: (صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله) البخاري (4/192) مسلم (1159).
40- صيام رمضان: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) البخاري (4/221) مسلم (760).
41- صيام ست من شوال: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصوم الدهر) مسلم (1164).
42- صيام يوم عرفة: (صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية) مسلم (1162).
43- صيام يوم عاشوراء: (وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) مسلم (1162).
44- تفطير الصائم: (من فطر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً) الترمذي (807).
45- قيام ليلة القدر: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه) البخاري (4/221) مسلم (1165).
46- الصدقة: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) الترمذي (2616).
47- الحج والعمرة: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) مسلم (1349).
48- العمل في أيام عشر ذي الحجة: (ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام) يعني أيام عشر ذي الحجة، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) البخاري (2/381).
49- الجهاد في سبيل الله: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع صوت أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها) البخاري (6/11).
50- الإنفاق في سبيل الله: (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله فقد غزا) البخاري (6/37) مسلم (1895).
51- الصلاة على الميت واتباع الجنازة: (من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان) قيل: وما القيراطان؟ قال: (مثل الجبلين العظيمين) البخاري (3/158) مسلم (945).
52- حفظ اللسان والفرج: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) البخاري (11/264) مسلم (265).
53- فضل لا إله إلا الله، وفضل سبحان الله وبحمده: (من قال: [لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير] في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه)- وقال (من قال [سبحان الله وبحمده] في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) البخاري (11/168) مسلم (2691).
54- إماطة الأذى عن الطريق: (لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس) مسلم.
55- تربية وإعالة البنات: (من كن له ثلاث بنات، يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن، وجبت له الجنة البتة) أحمد بسند جيد.
56- الإحسان إلى الحيوان: (أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه، فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له، فأدخله الجنة) البخاري.
57- ترك المراء: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا) أبو داوود.(15/123)
58- زيارة الإخوان في الله: (ألا أخبركم برجالكم في الجنة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر، لا يزوره إلا في الجنة) الطبراني حسن.
59- طاعة المرأة لزوجها: (إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت) ابن حبان -صحيح-.
60- عدم سؤال الناس شيئا: (من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا أتكفل له بالجنة).
http://www.alathry.com المصدر:
===========
الإحسان سبب لصيانة الإنسان
أ. د ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد: مازالت الدروس من سورة يوسف مستمرة، ولعل من أبرز الدروس التي يقدمها يوسف - عليه السلام - درس في الأخلاق والعفة.
إن ما حدث ليوسف - عليه السلام - مع امرأة العزيز لم يكن باختياره. لم يأت هو إليها، لم يطرق الباب عليها، والذي يتابع القصة يدرك هذه الحقيقة.
ولما وقعت الفتنة ووقع البلاء حصن نفسه، وقال: إني أخاف الله. وهذا موقف، نحتاج إلى أن نربي أنفسنا عليه، لا بتكرار العبارة: إني أخاف الله، ولكن بترجمتها إلى واقعي عملي يصدق قائلها كما فعل يوسف - عليه السلام -، ولن يتحقق هذا إلا بتحقيق ما ورد في الحديث الصحيح: "يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك". يوسف - عليه السلام - حفظ الله ف- حفظه الله - "كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ" (يوسف: من الآية24). وفي قراءة المخلِصين بخفض اللام، فصرف عنه الله السوء والفحشاء؛ لأنه كان مخلصاً وصادقاً ومحسناً، وبذلك حماه الله - جل وعلا -.
والذي يتأمل سورة يوسف - عليه السلام - يجد أنه كان محسناً، بل الإحسان صفة مطردة له، صفة لازمة، فأين الإحسان في هذه القضية؟
انظروا إلى أثر الإحسان. انظروا إلى حسن معاملة الخدم وغيرهم ومن يعمل تحت إمرتك، إذا أحسنت إليه سيحفظ ودك، هذا هو الأصل ودعونا ممن شذّ، فالشاذ لا حكم له
لقد أحسن إلى نفسه، وأحسن إلى امرأة العزيز، وأحسن إلى العزيز فجمع الإحسان من أطرافه.
أحسن إلى نفسه عندما لم يقع في هذا البلاء، وقد وجدنا أن بعضهم حتى بعد أن من الله عليه بالتوبة، يعاني من مرارة هذا البلاء الذي قارفه. أما يوسف - عليه السلام - فصفحته بيضاء ونفسه راضية.
كما أنه أحسن إلى امرأة العزيز إذ لم يستجب لها، وهذا إحسان عظيم؛ لأنها في قوة الشهوة لم تفكر بمآلات الأمور.
وكذلك إحسان إلى العزيز إحسان ظاهر فقد حفظ له عرضه.
قول يوسف - عليه السلام -: "معاذ الله"، كلمة تدل على قضية إيمانية قامة بالنفس فدفعته لقولها، وهي معنى الإحسان في حديث جبريل. لما سأل عن الإحسان قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. يوسف - عليه السلام - بلغ قمة الإحسان في المعنى الإيماني، بالإضافة إلى المعاني الأخرى للإحسان، فلجأ إلى الله ولم ينسه في تلك اللحظة، بل كان معتصماً به فقال: معاذ الله، وهذا هو الإحسان. أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قوله: "إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ" (يوسف: من الآية23). اختلف المفسرون في مراد يوسف - عليه السلام -؛ فهل الضمير يعود إلى الله - جل وعلا -، أم يعود إلى سيده؟ وهما قولان مشهوران.
ولكن الذي ترجح لدي أنه هنا يقصد سيده؛ لأن سيده قال لامرأته: "وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ" (يوسف: من الآية21)، وهنا أعاد الصيغة، إنه ربي أي سيدي، أحسن مثواي فلا يليق بي أن أخونه في أهله، لا يمكن أن يحسن إلي، فيعاملني معاملة السيد لا معاملة العبيد والخدم، فأسيء إليه بهذا الظلم العظيم "إنه لا يفلح الظالمون" وما دعت إليه ولاشك ظلم عظيم، فالوقوع في الفاحشة ظلم للنفس، وظلم للأهل، وانتهاك لحرمات الله - جل وعلا -، وحرم من أكرمه ففيه تجتمع أطراف الظلم، كما اجتمعت أطراف الإحسان في العفة.
وهذا التفسير لا يتنافى مع من قال: إن المراد في قوله: "إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ" (يوسف: من الآية23) الله - جل وعلا -، فنعم هو ربه - سبحانه وتعالى -، وهو الذي أحسن مثواه، حيث سخر قلب العزيز لإكرامه، ولقول هذه الكلمة، فلا شك أنه فضل الله من قبل ومن بعد، ولكنه يتنافى مع من أخرج بذلك عزيز مصر من مراده يوسف - عليه السلام -.
يوسف - عليه السلام - لم يضيع هذا الوفاء وهذا التوجيه. كثير من المشكلات التي تقع في البيوت حتى تصل أحياناً إلى قتل رب المنزل، أو أحد أولاده، أو أحد عائلته، كما نقرأ في الصحف، وما يصدر من المحاكم تجد أن سببه إساءة المعاملة لهذا المستضعف.
أما عزيز مصر، فأول قرار اتخذه قال فيه لامرأته: أكرمي مثواه، فأكرمته هذا الإكرام بناء على أمر سيدها، فحفظ الود وحفظ هذه المنزلة - عليه السلام -، وأيم الله مهما قدم العزيز من إحسان إلى يوسف، ومن إكرام لمثواه، فلا يعادل هذا الموقف الذي وقفه يوسف من حفظه لعرض العزيز وصيانته لأهله.
إنه موقف يدعونا إلى أن نحفظ حق من علمنا، أن نحفظ حق من ربانا، نحفظ حق الوالدين، نحفظ حق الأساتذة، نحفظ حق العلماء، نحفظ حق الموجهين.
وكم مر بك في حياتك إنسان أحسن إليك؟ فهل فعلاً حفظت له الود؟ كما حفظه يوسف - عليه السلام - أم أنك نفعي تأخذ ولا تعطي؟
تأمل كم من الناس له فضل عليك ممن عاصرت فضلاً عمن سبقك، وأعظم فضل هو فضل الله - جل وعلا - ثم تأمل في حياتك ما مقدار برك لوالديك؟ ما مقدار صلتك لأساتذتك ومن أحسن إليك في أمر دين أو دنيا؟(15/124)
إن يوسف - عليه السلام -، يرسم لنا منهجا في التعامل وفي الوفاء وفي الخلق وفي الكرم.
فأقول: إن علينا أن نحسن التعامل مع من معنا، ومع تلاميذنا، وأبنائنا وخدمنا وأجرائنا، وعلينا أيضاً أن نحسن التعامل والوفاء مع من أحسن إلينا في القديم والحديث، في الحاضر والغائب.
نسأل الله أن يحسن إلى من أحسن إلينا، وأن يقينا شرور النفس وسيئات العمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
29/8/1425
http://www.almoslim.net المصدر:
==========
احذر أن تصلح بين أقاربك...!!!
ناصر ديب السوادي
لعل غرابة الموضوع شدك أخي القارئ لكي تتصفح هذا المقال، ولكن أود أن أخبرك بأن جزءاً من الموضوع سقط عمداً فلم يكتمل، والموضوع (احذر أن تصلح بين أقاربك قبل استحضار النقاط التالية).
وقبل أن أعرض بضاعتي وأسرد نقاطي أود أن أتقدم بمقدمة فأقول:
لا شك أن مهمة إصلاح ذات البين - كما أنها عظيمة الأجر - فكذلك هي صعبة للغاية، ومن جرب القيام بها سيدرك كم من الوقت والجهد سيمضي من أجل تحقيقها، وقد ينجح فيما يقدم عليه وقد يبوء في نهاية الأمر بالفشل، والواجب على من تصدى للقيام بها أن يلحظ نقاطاً مهمة، هيا معي أخي المربي لكي نتعرف عليها، وأنا متأكد أنك ستستفيد كثيراً بعد استكمال الموضوع:
أ - إذا كنت تحب أن تقوم بهذا العمل الجليل فأخلص النية وجردها لله وحده وإياك وإشراك مصالح متنوعة فإنها تعيق التوفيق في تحقيق الهدف المنشود.
ب - قبل البدء بالإصلاح أكثر من دعاء الله بأن يجعل التوفيق حليفك، ويسهل لك ما أقدمت عليه، وتبرأ إلى الله من قوتك وقدرتك وذكائك، وأظهر عجزك وشدة حاجتك لتأييده وتوفيقه، وصاحب الدعاء طوال مدة الإصلاح.
ت - احرص أن تقدم - في الظروف العادية - لكل فرد من أرحامك معروفاً تبني به لنفسك مكانة في نفوسهم، فيقدرونك ويحترمونك، وتكون لك به عندهم يد تمون بها عليهم وقت الإصلاح، فإن المعروف يأسر القلوب، خاصة إن جاء في وقت شدة الحاجة إليه.
ث - احرص أن تقدم - بين يدي الإصلاح أو بعده - صدقة تفتح بها أبواب السماء لما أقدمت عليه.
ج - أنت محتاج لكل من يستطيع أن يعينك في عملية الإصلاح، فاستعن بأهل العلم والدين والحكمة والخبرة والرأي من رجال العائلة، أو من خارجها، ولا تكن وَحْدَوي الرأي والتصرف.
ح - احرص ألا تسيء لسمعتك بأي خطوة تحسب عليك، فإن الناس يستحضرون ما سبق من أعمالك عندما تتولى الإصلاح بينهم، وقد يستحضر أحدهم خطوة خطوتها - مع أنها كانت مجرد خلاف الأولى في حقك - منعته من الاستفادة من خيرك.
وتذكر أن من ترك شيئاً لله - من حقوقه عوضه الله خيراً منه، وتذكر أن من المروءة أن نتنازل عن حقوقنا - أحياناً - حفاظاً على سمعتنا.
خ - إذا امتنع أحد عن الاستفادة من مبادرتك بسبب خطوة ترى أنها من حقك - وكان بإمكانك احتساب الأجر عند الله بالاستغناء عنها - فإياك أن تستحضر استغناءك عنه وأن عملك لمصلحته هو، فإن هذا مدخل من مداخل الشيطان ليفسد عليك أجر الإصلاح.
د - إذا كنت ترغب أن تنال أجر الإصلاح فبادر بإصلاح ما فسد ولو أنك لم تفعل خطأ من وجهة نظرك فأنت تحمل هماً أعظم من هموم الناس من حولك، فلا تقدم هواك على همك.
ذ - إذا كان بإمكانك التراجع عن الخطوة التي أثرت سلباً على سمعتك - مع أنها من حقك - فكن شجاعاً جريئاً واحتسب الأجر وتراجع، وتذكر أنه ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه.
ر - احرص أن يكون بعض اجتماعات الإصلاح على الأقل - التي تجمع فيها الأطراف المختلفة في بيتك، فإنه أدعى لجعل الطرف المتشدد أن يقبل ويلين ويتراجع احتراماً لك وللمكان الذي هو فيه.
ز - ابدأ بجلسات فردية بين المختلفين واثن على كل منهم وعلى حسن خلقه وبين له حبك له لحرصه على الخير، واذكر له أجر السابق للصلح، وتذكر حديث(ليس الكاذب الذي يقول خيراً أو ينمي خيراً) وتذكر أن الكذب في هذا المقام جائز بل محمود، ولكن احذر أشد الحذر من المبالغة فيه فأنت في موضع الذي يأكل من لحم الميتة وقت الاضطرار، كما أن المستمع لو علم أنك تكذب فسيمقت حديثك.
س - بين له أن الطرف الآخر يتمنى لو أن العلاقة تتحسن، ولكنه يمنعه مانع ما من البدء فكن أنت الذي ينال أجر البدء في الصلح، واذكر له حديث (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).
ش - بين له بعض الخسائر التي وقعت فيها العائلة بسبب سوء العلاقة بين الطرفين، إن كان هناك خسائر واضحة، ولكن احذر من المبالغة، فإنها غير محمودة في هذا المقام.
ص - إذا أحسست بنوع من التقبل فاحمد الله واسأله المزيد واثن على المتقبل وانقل هذه الصورة للطرف الآخر واطلب منه أن يبدي ليناً هو الآخر.
ض - إذا رأيت تقبلاً من كلا الطرفين فاجمعهما، وابدأ بنقاط الخلاف السهلة التي يمكن الانتهاء منها بسرعة.
ط - إذا وصلت في أحد لقاءات الإصلاح إلى طريق مسدود وتوقف سير العمل في هذه الجلسة فلا تيأس، وأجل بقية العمل لجلسة أخرى ريثما ترتب أوراقك بشكل صحيح.
ظ - إذا كان سبب توقف عملية الإصلاح أحد الطرفين المتنازعين فاحذر كل الحذر من تهديده أو تحدّيه، فأنت طرف إصلاح لا تملك سوى الإرشاد والتوجيه، وثق أنك لو سلكت ذاك الطريق فستفقد كل امتيازاتك في قلبه، وستخسر مكانتك عنده في المستقبل.
ع - لو قدر الله لك عدم النجاح بعد جميع الخطوات التي خطوتها فلا تتأسف على الوقت الذي أمضيته، ما دمت قضيته في طاعة وبنية خالصة لله، واستحضر أنك تعمل لله وليس للبشر، وتذكر أنك مطالب ببذل الجهد ولست مسئول أمام الله عن النتائج.(15/125)
هذا ما أحببت أن أدل عليه إخواني مما علمني ربي فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله أسأل أن ينفع بما سبق القارئ والكاتب،،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://www.almurabbi.com المصدر:
============
أحاديث قروية
وداد محمد الجضعي
الحديث الأول: حين يتحدث أهل القرى:
أزعم أن الكثير لا ينتظر من كلام أهل القرى أن يكون عذباً سلساً، بل يتصور الكثير أن لِكلام أهل القرى كما لأنفسهم من الشدة والقسوة والجلافة، ما يصد بعض "المترفين"عن سماع أحاديثهم إلا لمجرد الضحك!!
لكن هذا لا يصدني عن أن أرمز لما كتبته برمزهم، وأختمه بختم قروي يميزه...
والكثير من أهل القرى قد هربو منها، بل بعضهم اليوم يأنف، من نسبته إلى القرية!
لأن أبرز ما يميز القروي في نظره عقليته البسيطة السطحية، وعدم معرفته بكثير من التقنيات، وعدم قدرته على "ليَّ" لسانه ليكون متفيهقاً مثلهم!!
ودائماً ما تنطلق الألسنة معبرة عما تختزنه العقول من مفهوم الحضارة والتطور، تنطلق لتختزل كل ما تريد قوله بعبارة "قروي"، فيفهم المتحدث والسامع ما لهذه الكلمة من دلالات تعاقبت على فهمها الأجيال.....
فهموا أن القروي لا يعرف أكبر من محيط قريته، بل محيط بيته أحياناً، وهكذا كان!!
فهموا أن القروي يختصر الحياة في مزرعته إن كان له أو في ماشيته!!
ويكون أعظم حدث في الدنيا حين تموت بقرته الوحيدة!!
أو يمرض بعيره المحبب إلى نفسه!! يعيبون القروي بنومه المبكر، واستيقاظه قبل خيوط الفجر، يلمزونه بأنه لا يدري عما يجول في العالم ولا يعلم عن المفاعلات النووية، ولا كارثة تشير نوبل!! ويتهمونه بأنه لا يعرف الحضارة والتطور!!
وماذا فعلتم حين أحطتم بما هو أكبر؟! ماذا جنى بعضكم غير الهم والقلق والخوف من المستقبل..؟!! ما الذي قادكم له توسعكم في حياتكم؟! وهل استفدتم حين قلبتم ليلكم نهاراً ونهاركم ليلاً؟!
هل طورتم جهازاً؟ أو ابتكرتم آلة؟ أو ارتقيتم بفكر....؟!!
نعتم القروي بالسطحية والسذاجة والجهل، وهي في الحقيقة: صفاء وبساطة..
أما الجهل: فجهله البسيط لا يقارن بجهلكم المركب..!!!
إذاً هل أعتز بقرويتي؟! لم لا أعتز بأنني قروية.. والقرية ينطبع صفاء سمائها على قلوب أبنائها فيما مضى وقليل مما بقي لم لا أحبها وبساطة أهلها كبساطة بيوتهم، يعرفون من الدنيا أهم ما يحتاجون..! ويعالجون كل شيء ببساطة ودون تعقيد...! تنتهي مشكلاتهم أسرع مما تبدأ..!!
هل ألام بعد كل هذا أن انتسبت إلى عالم تطفو الفطرة النقية الصافية على كل فعل أو تصور لأبنائها؟ عالم لا يعرف الغش ولا الخداع...!!
من يسد الهوة...؟!
كيثراً ما يجد بعضنا أو أكثرنا هوة قد تتفاوت في العمق بين مانتعلمه وبين مانجده واقعاً ملموساً نصطدم به كل يوم..
ليس هذا فقط حين نلقي مجاهرتنا النقية على الآخرين بل هو كذلك حين ننظر بشيء من الإنصاف أو التعقل إلى ذاتنا..
ودائماً ما ترد أسئلة كثيرة على أذهان من يمكن تسميتهم بـ"أحياء القلوب"، تكشف عن مدى المعاناة التي يجدونها حين يعرضون ما يقع منهم على مايفترض أن يعملوه..
السؤال الملح هو أين يكمن الخلل؟! أهو في سوء التطبيق؟ أم في غياب القدرة العملية؟ أم في أسلوب العرض الذي قد يتسم بشئ من المثالية؟!!
أعتقد أن كل واحد من هذه الأسباب يمكن أن يكون داخلاً في هذه القضية..
لكن السؤال الأهم ما الذي يمكن أن نفعله لسد هذه الهوة؟!!
ماذا يمكن لكل فرد أن يعمل لردمها؟ إما لتنتهي معانات المجتمع، أو لتنتهي معاناته هو على الأقل..
من غير المقبول أن تقنع الطالب مثلاً بتحريم الكذب في الصف صباحاً ثم يمارسه بمجرد خروجه من المدرسة، أو حتى قبل ذلك.
ومن غير المعقول أن لا نرضى هذا السلوك إلى أن يتحسن حال المعلم الذي يمثل قدوة سيئة بممارسته عندما يُنهى عنه!
والمعقول المقبول أن يسعى الشخص لتطبيق ما تعلمه بغض النظر عن التزام من يفترض أنه قدوة، لأن القدوة ليست لقباً متعلقاً بالأشخاص.. وإنما هي لواء يدخل تحته كل من استحق ذلك.
والقدوة الحقيقية هو من يسد الهوة بين ما يتعلمه وما يطبقه أولاً، ثم يسعى لردمها عن الآخرين.
قروية....!!
http://www.almurabbi.com المصدر:
===========
مفارقات في شارع العرب
هيثم طيب
المكان: لندن.. وتحديدًا الجزء الجنوبيّ من شارع "إدجوار روود"، والذي يمتدّ مسافة ما يقرب من 880 مترًا من محطّة قطار تحت الأرض إلى ابتداء شارع "أكسفورد".
الزمان: أيام السبت والأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة.
تسير في هذا الشارع فكأنّك تتنقل من مدينة عربيّة إلى أخرى..
تمتدّ على يمينك ويسارك المحلات العربيّة..
اللافتات باللّغة العربيّة..
المقاهي والمطاعم عربيّة..
أصحاب معظم المحلات عرب..
والزبائن خليط من الناس.. معظمهم عرب..
المحلات والبنوك المحليّة مرتادوها خليط من الناس.. معظمهم عرب..
ألم أقلْ لك..
تسير في هذا الشارع فكأنّك تتنقل من مدينة عربيّة إلى أخرى..
في مسافة هي أقل من كيلومتر واحد تستطيع أنْ تتحدّث إلى إخوة لك من بلاد الشام والعراق ومصر وبلاد المغرب والصّومال واليمن والسودان...
هو شارع أو جزء من شارع امتلأ بكل ما هو عربي منذ عشرات السّنين حتى أطلق عليه سكان العاصمة لندن "Arab Road".. شارع العرب!
أقيم وزوجتي في العاصمة لندن منذ ما يقارب العام لغرض الدّراسة، وقد اعتدنا الذهاب إلى شارع العرب من وقت لآخر؛ ففيه نجد معظم ما يلزم البيت العربيّ.
وفيه نشعر بالانتماء. يكفي أنّك تجد فيه من يسلّم عليك أو يردّ عليك السلام.. و..
و جاء الصّيف...
وفي الصيف تزدحم مدينة لندن...(15/126)
وفي الصيف يكتظّ هذا الشارع بالعرب...
وفي الصيف تضاف إلى خليط الناس نكهة خليجيّة...
فيكون شارع العرب اسمًا على مسمًى.. كما يُقال...
وحدث أنْ ذهبنا إلى شارع العرب اليوم...
الجمعة.. السادس من شهر أغسطس.. شهر الصّيف..
ورأيت الناس يتزاحمون في المحلات والمطاعم..
ورأيت شبابنا على الأرصفة وفي المقاهي..
وأصبح الشارع عربيًا تمامًا..
ونسيت للحظات أنّي في عاصمة دولة غربيّة..
كنت أسير وأتحدّث إلى زوجتي حين تقدّم منّي رجل بريطانيّ الجنسيّة في الثلاثين من عمره.. ويحمل في يده "هديّة مجانيّة"..
نظرت إليها فإذا "إنجيل" باللّغة العربيّة..
كان يقدّمه إلي وهو يتبسم.. ويقول " هديّة.. هديّة"..
كان يقولها بلغة عربيّة شبه فصيحة..
ابتعدت عنه، و"رفضت" هديته بأدب.. وذُعْر..
ثمّ وعلى بعد بضعة أمتار رأيت امرأتين ورجلا يحملون"أناجيل" باللّغة العربيّة.. ويقدّمونها هدايا لكلّ مَنْ مرّ بهم من "العرب"..
لم أكملْ هذا الجزء من الشارع المذكور حتى التقيت بسبعة أو ثمانية من هؤلاء "الموزّعين".. منهم امرأة في حوالي الستين من عمرها..
كلهم كان يتبسم...
وكلّهم كان ينادي باللغة العربيّة...
وكلّهم كان قد آثر أنْ يوزّع الهدايا الإنجيليّة على أنْ يشاركوا صحبهم أو أهليهم سهرة الجمعة، والتي لا تفوّت عادة إلا لأمر قاهر..
جعلت أسير وألحظ بعيني محاولاتهم التي لا تنقطع على مدار ساعات طويلة وأتعجب من صبرهم وإخلاصهم، وتحملّهم واختيارهم الزمان والمكان..
وبينما كنت أفكّر فيما يجري رأيت رجلا مسلمًا بريطانيّ الجنسيّة من أصل هنديّ..
كان يحمل وعاء يجمع فيه التبرّعات من أجل بناء مدرسة لأبناء المسلمين..
كان ينادي بصوته..
وكان وحده..
وكان ينادي باللّغة الإنجليزيّة..
وكان الوعاء الذي بيده فارغًا..
و على بعد خُطُوات منه كان اثنان من الشباب العرب المسلمين قد وضعا منصة يبيعان من عليها جهازًا مبرمجًا عليه "تلاوة القرآن الكريم" كاملاً، وقد وقف عندهم "زبون" يسأل عن سعر الجهاز ومواصفاته..
ابتعدت قليلاً..
وجعلت أفكّر..
وجعلت أتألّم..
"نحن".. و.. "هم"..
معادلة صعبة..
هم يعطون دينهم أساس الوقت..
نحن نعطي ديننا فضول الوقت..
هم يعملون في كل وقت حتى في أوقات الرّاحة والإجازة..
نحن نعمل في نهاية الدّوام.. وحين نشعر أنّه "لا بدّ" من عمل شيء ما..
معادلة صعبة..
هم يلعبون كالفريق..
نحن ننادي " وحدنا"..
هم يمدّون أيديهم.. ليساعدوا الناس..
نحن نمدّ أيدينا.. ليساعدنا الناس..
معادلة صعبة..
هم.. يمدّهم من ينتسب لهم..
نحن نشك في نيّة من يعمل بدلاً عنا..
هم.. يقدمون ما عندهم "هديّة"..
نحن "نبيع" ما عندنا..
معادلة صعبة..
لست متشائمًا.. أو سوداويّ الرّؤية..
لكن ما حدث أمام ناظريّ وفي يوم واحد جعلني أتساءل:
أما آن لنا أنْ نفيق؟!
أما آن لنا أنْ نعي؟!
أما آن لنا أنْ نستعدّ جيّدًّا للسّؤال؟!
يوم القيامة.. عند الحوض..
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسقي الناس..
ليس كلّ الناس.. بل بعضهم..
ترى.. أنجرؤ أن نقترب ونسأله شربة من يده الشريفة؟!
أنجرؤ..
الجواب.. هو"نعم"..
حين نقلب المعادلة!
9/7/1425
25/08/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
==========
الصبر على مشاق الدعوة إلى الله
الدكتور يوسف القرضاوي
هذا مجال لخلق الصبر في القرآن، وهو الصبر على مشاق الدعوة إلى الله - تعالى -، وما يحفّ بها من متاعب وآلام، تنوء بها الظهور، وتضعف عن حملها الكواهل إلا من رحم الله.
وذلك أن أصحاب الدعوة إلى الله يطلبون إلى الناس أن يتحرروا من أهوائهم وأوهامهم وموروثاتهم ومألوفاتهم، ويثوروا على شهوات أنفسهم، ومعبودات آبائهم، وعادات أقوامهم، وامتيازات طبقاتهم، وينزلوا عن بعض ما يملكون إلى إخوانهم، ويقفوا عند حدود الله فيما أمر ونهى، وأحل وحرم، وأكثر الناس لا يؤمنون بهذه الدعوة الجديدة فلهذا يقاومونها بكل قوة، ويحاربون دعاتها بكل سلاح، مدلين بأنهم أكثر مالاً، وأعز نفرًا، وأقوى نفوذًا، وأوسع سلطانًا.. فليس أمام دعاة الحق إلا أن يعتصموا باليقين، ويتسلحوا بالصبر في وجه القوة الضاربة، والسلطة الطاغية.
فالصبر هنا - كما قال الإمام علي: "سيف لا ينبو، ومطية لا تكبو، وضياء لا يخبو"، وكما جاء في الحديث الصحيح: "الصبر ضياء".
وهذا هو السر في اقتران التواصي بالصبر بالتواصي بالحق في سورة العصر: (إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر: 2 - 3). فلا بقاء للحق بغير صبر.
هو السر فيما ذكره الله على لسان لقمان الحكيم حيث وصى ابنه بالصبر على ما يصيبه من بلاء وأذى عقب وصيته له بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله - تعالى - على لسانه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمور) (لقمان: 17).
كأنه يقول له: ما دمت تدعو الناس إلى الخير، وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، فوطِّن نفسك على احتمال المكاره منهم، وتقبل الأذى من جهتهم فهم خصوم لمن يأمرهم بالمعروف، لأنه ثقيل عليهم، وينهاهم عن المنكر، لأنه محبب إليهم.
ومشاق الدعوة إلى الله تتمثل في صور شتى، وقد ذكر القرآن منها أنواعًا وأمثلة:
أ- تتمثل في إعراض الخلق عن الداعية، فليس أشق على نفس صاحب الدعوة أن يدعو بملء فيه، ويصيح بأعلى صوته، بشيرًا ونذيرًا، فلا يجد إلا آذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا!(15/127)
رأينا ذلك مع نوح - عليه السلام -، حيث قال مناجيًا ربه: (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا بمؤمنين) (نوح: 5 7).
ورأينا ذلك مع هود - عليه السلام - حين قال له قومه: (يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) (هود: 53).
ورأينا ذلك مع خاتم الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم -، حيث وصف الله حال قومه معه فقال: (حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) (فصلت: 1-5)، ولهذا قال الله لرسوله: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) (النحل: 127).
وأوضح من يمثل هذا النوع من الصبر: نوح - عليه السلام -، حيث لقي من الإعراض والصد ما لم يلقه نبي بعده.
ب- وتتمثل متاعب الدعوة في أذى الناس بالقول أو الفعل، فليس أشد على نفس الرجل المخلص في دعوته، البريء من الهوى، المحب لخير الناس، من أن يمحض لهم النصح، فيتهموه بما ليس فيه، وأن يدعوهم إلى سبيل ربه بالحكمة فيردوه بالقوة، ويعظهم بالحسنى، فيستقبلوه بالسوأى، ويجادلهم بالتي هي أحسن، فيقاومونه بالتي هي أخشن، ويدلهم على الخير، فيقذفوه بالشر، ويصدع فيهم بكلمة الحق، فلا يسمع منهم إلا كلمة الباطل.
وقد لا يقف الأمر عند هذا الحد، فكثيرًا ما يمتد الطغيان إلى الأموال فينهبها، وإلى الأبدان فيعذبها، وإلى الحريات فيسلبها، والحرمات فينتهكها، بل إلى الأنفس فيقتلها، حتى الأرض التي نبتوا منها، وشبوا عليها، ونشأوا في أحضانها، هم وآباؤهم وأجدادهم يخرجون منها إخراجًا.
وهذا ما أقسم القرآن على وقوعه للداعين إلى الله، حيث خاطب بذلك المؤمنين ليوطنوا أنفسهم على الصبر الطويل، فقال: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) (آل عمران: 186)، ومن هنا أمر الله رسوله أن يصبر على إيذاء قومه بمثل قوله - تعالى -: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً) (المزمل: 10).
والأنبياء جميعًا يمثلون هذا النوع من الصبر، ولهذا حكى الله على لسانهم هذا القول ردًّا على أقوامهم: (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (إبراهيم: 12)، وعزى الله خاتم رسله بما حدث لإخوانه من قبله فقال: ?وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ? (الأنعام: 34).
ومن أتباع الرسل ذكر لنا القرآن هنا مثلاً رائعًا يتجلى في سحرة فرعون، حين وقع الحق وبطل ما كانوا يعملون، فأعلنوا إيمانهم برب موسى وهارون، وعندها قال لهم فرعون: (آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) (الأعراف: 123، 124).
فماذا كان موقف السحرة إزاء هذا الوعيد الهادر من ملك جبار يقول للناس أنا ربكم الأعلى؟ لقد وقفوا بإيمانهم الجديد كالجبال الشم، متحدين جبروت فرعون، مستعدين لكل ما يرغي به ويزبد، سائلين الله - تعالى - أن يفرغ عليهم صبرًا يتحملون به العذاب راضين، ويستقبلون به المكاره مطمئنين.. ومن هنا قالوا: (إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ* وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) (الأعراف: 125 126).
جـ- وتتمثل مشاق الدعوة كذلك في صورة أخرى هي طول الطريق، واستبطاء النصر، فقد جعل الله العاقبة للمتقين، وكتب النصر لدعاة الحق من رسله وأتباعهم وورثتهم المؤمنين، ولكن هذا النصر لا يتحقق بين عشية وضحاها، ولا تشرق شمسه إلا بعد ليل طويل حالك من الشدائد والمحن المتعاقبة، تزيغ لهولها الأبصار، وتبلغ القلوب الحناجر، ويظن الناس بالله الظنون، هناك يبتلي المؤمنون ويزلزلون زلزالاً شديدًا، كما صور القرآن الحالة النفسية للمسلمين في غزوة الأحزاب.
وكم أكد القرآن هذه الحقيقة في أكثر من موضع، وبأكثر من أسلوب، فهو يخاطب المؤمنين فيقول: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: 214).(15/128)
يقولون متى نصر الله؟ استبطاءً له، واستعجالاً لمجيئه، فيجيء معه الغوث للملهوف، والفرج للمكروب، ويقول - جل شأنه -: (حَتَّى إِذَا اسْتَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف: 110).
يونيو 25، 2004 - 21:25
http://www.elbehira.com المصدر:
==========
حقنة دعوية: اصدق الله يصدقك!
أنس القحطاني
أخي الداعية: يا من رحلت في رحلةٍ رَحلَها أشرفُ الخلق من أنبياء الله ورسله - عليهم أفضل الصلاةِ وأزكى السلام - اصدق الله يصدقك!
أخي الداعية: يا من رغبت أن تبني الحياة بكل ما فيها باسم الله، ووددت أن يسود شرعُ الله السماوي العلوي الرشيد ليصون الإنسان والمجتمع، وبذلت ولا تزال تبذل كل غالي ونفيسٍ في سبيل دعوتك المباركة؛ اصدق الله يصدقك!
أخي الداعية: يا من رسمت مسار حياتك إلى موعد مماتك بفرشاةٍ لونها: التضحية، وسمكها: عمرك الغالي، وحبرها: طموحك العالي وهمتك الراقية لتبليغ دين الله - عز وجل -؛ اصدق الله يصدقك!
هل راجعت نفسك التي بين جنبيك، وكاشفتها عن حقيقة إن كانت لها حظوظٌ ومكاسب دونية غير سماوية في دعوتك أم لا؟ جرب أن تسألها بصراحة:
هل كلماتكِ يا نفسُ من النصائح والمواعظ. لله؟
أم حتى يقال واعظٌ ناصح، متمكن من قلوب الناس !
هل كتاباتكِ ومقالاتكِ عن الدعوة لله؟
أم حتى يقال داعيةٌ بعيدُ النظر، يستشعر مسؤوليته في إرشاد الدعاة وبنائهم!
هل سعيكِ لإقامة منشط دعوي، أو إحياء نشاط تربوي لله؟
أم حتى يقال تربويٌ نشيط في بناء الأجيال!
لا تسعد بكثير دعوةٍ وعمل خالطتهما ذرةُ رياءٍ أو سمعةٍ أو مطمع أو حُب ثناءٍ أو رجاءُ مدح فإنَّ نصيحةً خرجت من سويداء قلبك ترجو بها رضا الله - عز وجل - خيرٌ لك من مئات الخُطب والمواعظ المُدنَّسةِ بحظوظٍ دنئيةٍ من دنياك الفانية.
قال ابن المبارك - رحمه الله -: "رُبَّ عملٍ صغيرٍ تُعظمَّه النية، ورُبَّ عملٍ كبيرٍ تُصغرَّهُ النية"، فليس العبرةُ بكثرةِ وعظمِ الأعمال والأقوال، ولكن العبرة ما زكى منها لله وحده لا لسواه.
إن الواجب على كل مسلمٍ وخاصةً أنت - يا من حملت لواء الدعوة في سبيل الله - أن يقف قبل كل عمل - صغيرٍ أو كبير، كان كلمةً أو موعظة، مقالاً أم تعقيباً، تضحيةً بوقت أو بمال- أن يقف وقفةَ من ترتعدُ فرائصه من قول خالقه ومالك أمره: ((وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثوراً )).
أن يقف وقفةَ من يخافُ من قوله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه - عز وجل -: ((من عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء هو للذي أشرك)).
أن يقف وقفةَ من يحذر أن يكون ممن وصفهم الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: (والله لقد رأيت من يكثر الصلاة والصوم والصمت والتخشع في نفسه ولباسه، والقلوبُ تنبو عنه، وقدره في النفوس ليس بذاك، ورأيتُ من يلبسُ فاخر الثياب، وليس له كثير نفل، ولا تخشع، والقلوبُ تتهافتُ على محبته، فتدبرتُ السبب فوجدته السريرة! فمن أصلح سريرته فاح عبيرُ فضله، وعبقت القلوب بنشرِ طيبه، فالله الله في السرائر، فإنه ما ينفعُ مع فسادها صلاحٌ ظاهر).
فالسر ليس بالمظاهر الكاذبة، ولا بالمشاهد الخادعة، وإنما بصلاح بواطن الأنفس الأمارة بالسوء من التناقض، ومخالفة القول العمل، وسلامة القلوب من جحيم قسوتها وسُقمها وموتها.
لقي رجلٌ يحيى بن أكثم وهو يومئذٍ على القضاء، فقال: أصلح الله القاضي، كم آكل؟
قال: فوق الجوع ودون الشبع.
فقال: فكم أضحك؟ قال: حتى يُسفر وجهك، ولا يعلو صوتك.
فقال: فكم أبكي؟ قال : لاتملّ من البكاء من خشية الله - تعالى-.
فقال: كم أخفي من عملي؟ قال: ما استطعت.
فقال: فكم أظهر منه؟ قال: مقدارُ ما يقتدي بك البرّ والخيّر، ويُؤمن عليك قول الناس.
فقال الرجل: سبحان الله، قولٌ قاطن، وعملٌ ظاعن.
وإن أعظم ثمرات إخلاصك أخي الحبيب - كما قال أحد الدعاة - ما تجدهُ (في تحصيلُ مرضاة الله ((فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ))، أي الذي يرجو لقاء الله على خيرٍ ونعمة فعليه بالإخلاص، وحين يرضى عنك الله تجني ثمرات ذلك: الإمداد الرباني، والنجاةُ من المحنِ والشدائد، والثبات والطمأنية وسكينةُ النفس، وجمع القلوب على المُخلص).
واعلم أخي أنه إذا حليّتَ عملك بالإخلاص، وزينته بالمراقبة، وألبسته بالخوف من عدم القبول، هان والله عليك كل ما تجده من متاعب ومشاقَّ وعقباتٍ في مسار دعوتك.
وليكن قدوتك في دعوتك سيد الدعاة ومعلمهم - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: (طوبى للمخلصين الذين إذا حضروا لم يُعرفوا، وإذا غابوا لم يُفتقدوا، أولئك مصابيحُ الهدى، تنجلي عنهم كلُّ فتنةٍ ظلماء)، اللهم إنا نسألك الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا وحركاتنا وسكناتنا إنك نعم المولى ونعم النصير.
المصدر : http://www.islamselect.com
===========
الألمان والإسلام... تجارب داعية
د. عبد الله الأهدل
تبادل التجارب الدعوية ضرورة تحتمها ما ينتج عنه من إثراء للدعوة, واختصار للوقت، والبناء على قواعد وأسس السابقين, والمواصلة على طريقهم. ومن هذا المنطلق؛ فإن تجربة الداعية الألماني المسلم الشيخ محمد صديق – خريج الجامعة الإسلاميّة – تجربة حريّة بالدراسة والاهتمام.
تعريف بالداعية:(15/129)
ولد الشيخ محمد صديق سنة 1944 م في مدينة برلين، ودرس في جامعة أم درمان الإسلامية في الفترة 1967-1970م ثم انتقل إلى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة, فدرس في كليّة الدعوة وأصول الدين في الفترة 1970-1974م, وتخرج منها، ثم جاء إلى ألمانيا. وأسس في دار مستأجرة بمدينة آخن الألمانية جمعيّة للدعوة سنة 1981م، ثم انتقلت الجمعيّة إلى القرية التي هي فيها الآن منذ سنة 1983م.
ومن أهداف الجمعيّة: متابعة المسلمين؛ لتكون لهم مراكز اجتماعيّة طيّبة في هذا البلد, كاستثمار الأموال.
وإليك نص الحوار:
سؤال: متى سمعت عن الإسلام في حياتك؟
جواب:كنت في الأصل بروتستانتياً ملتزماً، وسمعت عن الإسلام بادئ الأمر في المدرسة، وما سمعته كان ذم, وتشويه له. وأما أول اتصال بالمسلمين لي كان سنة 1961م في مدينة "برلين" حيث كانت توجد جمعيّة طلابيّة إسلاميّة من الألمان، وكان لها نشاط طيّب جدّاً في ذلك الوقت. وقد كنت راغباً في أن أسمع شيئاً عن الإسلام, فحضرت بعض الاجتماعات التي كانوا يعقدونها في الأماكن العامّة، ومنها الاحتفال بالعيد. وبعد أن سمعت من المسلمين بعض ما يتعلّق بدينهم، ورأيت بعض تصرّفاتهم, بدأت القراءة عن الأديان الأخرى: كاليهوديّة, والنصرانيّة، وقرأت - " لمحمد أسد"- وبعض دواوين "إقبال" المترجمة إلى اللغة الألمانيّة. ودخلت في الإسلام سنة 1962م . وبدأت دعوة غير المسلمين إلى الإسلام.
سؤال: ما أهم ما يؤثر في الألمان من موضوعات الإسلام؟
جواب: تصحيح الروابط الاجتماعيّة، ولا يوجد لهذه الروابط تصحيح في أي دين مثل دين الإسلام. فهنالك أمور مهمّة تشغل بال الغربيين، ولها حلول في الدين الإسلامي، بمعنى أن تناول مثل تلك المواضيع أمام الألمان, وطرح الحلول الإسلامية له تأثير كبير.
سؤال:هل توجد رسالة, أو كتاب عن العقيدة الإسلاميةّ باللغة الألمانيّة؟
جواب:لا توجد رسالة باللغة الألمانيّة؛ يمكن أن تؤثر في الألمان, وينبغي أن تؤلّف رسالة في هذا الموضوع.
سؤال:ما الوسائل المؤثّرة في الألمان؟
جواب:هناك مجموعة من الوسائل التي نتبعها:
1-تجسيد الحياة الاجتماعيّة الإسلاميّة؛ كالمخيّمات، وتكون فيها برامج تربويّة. ومشاركة الشخص في مخيم واحد لمدّة أسبوع يؤثّر فيه بشكل كبير.
2-طباعة الكتب, وتوزيعها؛ لأن المراكز الإسلاميّة, لا تغطّي الحاجة.
3-الندوات العلميّة, والمحاضرات.
4-اللقاءات الكبيرة. ونحن نقيمها كل أربعة أشهر.
5-الرحلات الجماعيّة في ألمانيا, وغيرها.
6-إقامة معارض كتب، بعد الاستئذان من البلديّة.
7-إقامة محاضرات, ويعلن عنها في يوم مفتوح, ويكون يوم الأحد. واليوم المفتوح معروف لدى الألمان، وقد خصص أوتوبيس للدعوة.
8- إقامة معارض للوحات فنية فيها ما يدل على معان إسلاميّة تلفت النظر.
أما الوسائل الإعلاميّة فقد ابتعدنا عنها لعدم وجود أشخاص يساعدوننا على نشر الحقائق الإسلاميّة من خلالها، وهذا الابتعاد تسبب في استغلال الآخرين لها, وتفوقهم باستغلالها.
وأرى ختاماً أن أهم الوسائل لنشر الإسلام, وتبيانه في ألمانيا؛ هو إنشاء مدارس إسلاميّة فيها.
سؤال:هل تظن أن الحجّة قد قامت على أهل أوروبّا بالدعوة إلى الإسلام، وبخاصّة ألمانيا؟
جواب:أغلب الأوروبيون يعرفون عن الإسلام أفكاراً مشوّهة، ولا أرى أن الحجّة قد قامت عليهم. وأغلب المسلمين فيها لا يطبّقون الإسلام، ولذلك لا توجد القدوة الحسنة التي يراها الناس. ولو أراد الإنسان أن يبحث عن الحق فأمامه مئات الأديان والفلسفات، وتوجد التيارات المضادّة, والقدوة السيئة، وعليه فإن البيان النظري نفعه قليل مع انعدام القدوة الحسنة.
سؤال :ما المشكلات التي تواجهونها في الدعوة إلى الإسلام؟
جواب:عدم وجود الشخص المسلم الذي يبذل نفسه, وماله في العمل؛ للإسلام، وأغلب الذين اعتنقوا الإسلام, إنما اعتنقوه بأسباب عمليّة, وقدوة حسنة, وعلاقات اجتماعيّة. فمثلاً الدار – أي الجمعيّة – لا تقبل المساعدات الرسميّة بسبب نظرة الناس هنا إلى من يقبل تلك المساعدات، حيث يتهمونه بأنه عميل للدولة المساعدة، ولهذا فإن المساعدات التي تردنا فرديّة أو اشتراكات من المسلمين. والذي يشارك في نشاطات المركز، كالدورة التي تقام في الصيف مثلاً، يدفع عشرة ماركات يوميّاً، والذين يسكنون في الدار يدفعون أجرة لتغطية تكاليف الصيانة وغيرها. وفكّرنا في موضوع استثماري, فاشترينا فندقاً صغيراً للمسلمين، ولم ينجح المشروع كما نريد؛ لأنّه لا يقصد من قبل الزوار إلا في بعض الأوقات.
ونحن حين اشترينا الدار, فوقف الناس – ومن ضمنهم عمدة القرية - ضدّنا, وحاولوا منعنا من مزاولة النشاطات الدعوية في القرية، إلا أن تصرف الأخوة, ومعاملة الناس بالحسنى دفع أهل القرية, ومنهم العمدة إلى أن يعاملوننا بالمثل.
سؤال:كيف تنظر لمستويات الدعاة والمدعوين؟
جواب:الدعاة لا بد أن يكونوا على مستوى؛ يناسب المدعوين, وكل مستوى من المدعوين له من الدعاة ما يناسبه؛ ولكن قد لا يؤثر الداعية الذي هو من أعلى الطبقات الاجتماعيّة في مدعوين من أقل الطبقات، وقد يؤثر الداعية الصغير فيمن هو أعلى طبقة.
سؤال:ماذا عن الجاليات المسلمة في ألمانيا؟(15/130)
جواب:أكثر تجمّع للمسلمين هنا هو تجمّع الأتراك، ويوجد في ألمانيا العرب المشرقيّون، والعرب المغربيون، والباكستانيّون (أكبر تجمّع لهم يوجد في فرانكفورت), والإندونيسيون. وعدد المسلمين في ألمانيا يقدّر بمليونين. وعدد المسلمين الألمان نحو عشرة آلاف. وقد سعينا للحصول على عناوين المسلمين الألمان، فلم نحصل إلا على ألف عنوان فقط، مع أننا نجد الكثير من المسلمين في المدن والقرى. كما أن للإيرانيين مسجد كبير في مدينة هامبورج، أسس في عهد الشاة, ولهم فيه نشاط؛ لأن القائمين عليه شخصيّات مهمّة، حتّى إن بعض أئمّة المسجد صاروا من كبار رجال الثورة الإيرانية.
وبعض الألمان يدخلون الإسلام عن طريق الشيعة. والمجتمع الإسلامي في هذا البلد, هو مجتمع مصغّر للعالم الإسلامي بتنوعاته, من حيث المذاهب الفقهيّة، والتنظيمات الدينية, كالطرق الصوفية, وغيرها، وهذا ما يجعل وضعنا الدعوي أصعب من وضع أي بلد إسلامي أخر. وتوجد هنا تجمّعات صوفيّة ألمانيّة، فالألماني يعتنق الإسلام بنيّة طيّبة, ولو عن طريق الصوفيّة، ولكن بعض الذين يصلون إلى درجة اجتماعيّة معيّنة من الصوفيين، كالمشايخ الذين يكاد الناس يعبدونهم، تكون أغراضهم ماديّة لا دينية.
وعلى مستوى أخر؛ فإن الحكومة الألمانيّة, ترحّب بالقاديانيّين, وتمنحهم اللجوء السياسي، وقد أصبح لهم تجمعات, ونشاطات في كل مكان، حتّى في القرى الصغيرة, وللبهائيّة أيضاً نشاط ملحوظ، ومركزهم في مدينة فرانكفورت.
سؤال:هل يمكن أن تفتحوا مدرسة كاملة لأبناء المسلمين تجمع بين منهج الإسلام, واللغة العربية, والمنهج الألماني؟
جواب:ليس ذلك صعباً، والذي ينقصنا هو الإمكانيات البشريّة, والماديّة.
سؤال:هل يمكن للمسلمين أن يحصلوا من الحكومة الألمانيّة على ساعات إذاعيّة, أو تلفزيونيّة؛ لنشر أفكارهم الإسلاميّة؟
جواب:هذا صعب في ألمانيا، ولكن لو اجتهد المسلمون في طلب بعض الأوقات, فقد تحصل الموافقة بشروط معيّنة.
وختم الأخ محمد صديق بقوله: لو فهم المسلمون أن الدعوة إلى الإسلام واجبة عليهم, وقام كل واحد بالدعوة في موقعه؛ لنجحت الدعوة.
http://www.islamtoday.net المصدر :
=========
لماذا الدعوة إلى الله عزَّ وجل؟
عبدالعزيز بن ناصر الجليل
قد يبدو لأوَّل وهلة غرابة عنوان هذه المقالة، إذ لا يُعقل أن أيّ داعية إلى الله عزَّ وجل لا يعرف الغاية من دعوته إلى الله عزَّ وجل وجهاده في سبيله سبحانه؛ وهذا صحيح من حيث الجملة، ولكنْ هناك فرق بين المعرفة الذهنية المجرَّدة وبين التحرُّك بهذه المعرفة اليسيرة والسير على ضوئها في واقع النَّاس ودعوتهم إلى الله عزّ وجل. وكم رأى الواحد من نفسه ومن غيره غفلة عنه هذه الأهداف أو مصادمتها لواقع الدعوة العملي، ممّا ينشأ عنه مغالطات وانحرافات وسببها البعد عن هذه الأهداف.
والمحافظة على هذه الأهداف ومحاسبة النفس بين الحين والآخر على تحقيقها كفيل إن شاء الله أن تنطلق الدعوة بعيدة عن حظوظ النفس وأهوائه. وبالتالي يجد الداعي أثر دعوته وثمرتها جلياً وسريعاً في نفسه وفي واقع النّاس، كما يجد في نفسه أيضاً الحماس والاندفاع إلى الدعوة والجهاد بغير ملل ولا فتور، وأكبر من ذلك كلّه قبول سعيه عند الله عزّ وجل.
والأهداف الأساسية للدعوة والجهاد في سبيل الله عزّ وجل يمكن حصرها فيما يلي:
1/ التعبُّد لله عزّ وجل بهذه الشعيرة العظيمة، شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي هي أصل الدعوة إلى الله عزّ وجل والجهاد في سبيله سبحانه، فشعور الداعية أنَّه عبد لله عزَّ وجل يُحبُّ ربّه ويُحبُّ ما يُحبُّه ربّه من الدعوة والجهاد يُعدُّ من أكبر الدوافع إلى بذل الجهد والجهاد إلا شعوره بالعبودية لله عزَّ وجل لكفى بذلك دافعاً وغاية عظيمة. كما أنَّ في مصاحبة شعور العبادة لله تعالى في جميع تحرُّكات الداعية أكبر الأثر في التربية على الإخلاص وتحرِّي الحق والصواب واللذان هما شرطا قبول العبادة والعكس من ذلك عندما ينسى أو يغفل الداعية أنَّه متعبِّد لله تعالى بدعوته وحركته، فإنَّه بذلك يضعف إخلاصه وتبدأ حظوظ النفس والهوى يسيطران على القلب، كما يضعف مع ذلك اتباع الدليل وتحرِّي الحقّ ممَّا ينتج عنه في نهاية الأمر فتور الداعية أو مزلَّة قدمه والعياذ بالله تعالى.
2/ الفوز برضوان الله تعالى وجنّته في الدار الآخرة، وهذا هو ثمرة التعبُّد لله عزّ وجل السابق ذكرها، وهي الغاية العظمى التي وعد الله عزّ وجل بها عباده الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، والداعين إليه على بصيرة، ولقد تكاثرت الآيات في كتاب الله عزّ وجل التي تمدح الداعين إليه سبحانه والصابرين على ما أصابهم وما أُعدَّ لهم في الدار الآخرة من الرضوان والنعيم المقيم. وعندما ينشد الداعية إلى هذه الغاية وتنجذب نفسه إليها فإنَّه يستسهل الصعاب ويمضي في طريقه بقوة وعزيمة وثبات، كما أنَّه عندما يتعلَّق بهذه الغاية العظيمة ولا ينساها، فإنَّه بذلك لا يلتفت إلى أعراض الدنيا الزائلة ولا ينتظر جزاء عمله ودعوته وجهاده في الدنيا، وإنَّما يروِّض نفسه ويربِّيها على أن تُعطي من صبرها وجهدها وجهادها، ولا تأخذ منه شيئاً في الدنيا، وإنَّما تنتظر العطاء والثواب في الدار الآخرة من ربِّها الكريم في دار النعيم المقيم، ولذلك فإنَّ أصحاب هذه النفوس المخلصة لا يتطرَّق إليهم الوهن ولا الفتور الذي يتعرَّض له أصحاب الأغراض الدنيوية القريبة، الذين إنْ حصلوا على أهدافهم في الدنيا رضوا وواصلوا العطاء، وإن تأخَّرت عليهم فتروا وكلُّوا وتوقَّفوا.(15/131)
أمَّا أصحاب الغاية العظيمة فهم لا يفترون ولا يتوقفون، لأنَّ وقت ومكان توفية الأجر ليس مجاله الدُّنيا، وإنَّما في الدار الآخرة دار الحساب والجزاء، ولذلك فهم يعملون ويجاهدون حتى يأتيهم اليقين.
3/ إنقاذ النّاس ـ بإذن الله تعالى ـ من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ومن ظُلم الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا وشقائها إلى سعتها وسعادتها، ومن عذاب النَّار يوم القيامة إلى جنَّات النعيم.
وعندما يتذكَّر الداعية هذه المهمة الجسيمة وهذا الهدف الأساس من دعوته وجهاده، فإنَّه يُضاعف من جهده ولا يقرّ له قرار وهو يرى الشرك المستشري في الأمّة والفساد المستطير في مجتمعات المسلمين؛ والذي يؤول بالناس إلى الشقاء والظلم وكثرة المصائب في الدنيا وإلى العذاب الأليم في الآخرة. ولذلك فلا ترى الداعية المدرك لهذه الغاية من دعوته إلاّ خائفاً على نفسه وعلى النَّاس من عذاب الله عزّ وجل في الدنيا والآخرة، ولا تراه إلاّ ناصحاً للعباد رحيماً بهم يريد من دعوته هداية النّاس وإنقاذهم بإذن الله تعالى من الظلمات إلى النور، ومن عذاب الله عزّ وجل في الدنيا والآخرة، ولسان حاله ومقاله يردد قول مؤمن آل فرعون لقومه في قول الله عزّ وجل: {وَقَالَ الّذي آمَنَ يا قَومِ إنِّي أخافُ عليكُم مثلَ يومِ الأحزاب* مِثْلَ دأبِ قومِ نُوحٍ وعَادٍ وثمُودَ والّذين من بعدِهِم وما اللهُ يريدُ ظلماً للعباد* ويا قومِ إنِّي أخافُ عليكُمْ يومَ التَّناد* يومَ تُوَلَُونَ مُدبِرينَ ما لكُم من الله من عاصمٍ ومن يُضْلِل الله فما له من هاد} [غافر:30ـ33].
وإنَّ مثل هذا الشعور ليضفي الرفق بالنَّاس والصبر على إعراضهم وأذاهم والحرص على كلّ مجال يفتح لهم أبواب الخير أو يغلق عنهم أبواب الشر، كما ينشئ في القلب محبة المصلحين الداعين إلى الخير وهداية النَّاس في أيّ مكان من الأرض، كما أنَّه يدفع إلى بذل الجهد والتخطيط والتعاون مع جميع الداعين إلى الخير والبر والتقوى، بعيداً عن التعصب والحزبية والولاءات الملوَّثة.
موقع لها أون لاين
===========
فضول النظر
أحمد فريد
فضول النظر هو إطلاقه بالنظر إلى الشيء بملء العين، والنظر إلى ما لا يحل له، وهو على العكس من غض البصر، والغض هو النقص، وقد أمر الله عز جل به فقال. (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)(النور: 30، 31).
والله - عز وجل - لا يأمر بصرف كل النظر وإنما يأمر بصرف بعضه، قال - تعالى -:
(من أبصارهم) ولما كان تحريم فضول النظر من تحريم الوسائل فيباح للمصلحة الراجحة، ويحرم إذا خيف منه الفساد ولم تعارضه مصلحة أرجح من تلك المفسدة، ولم يأمر الله - سبحانه - بغضه مطلقا بل أمر بالغض منه، وأما حفظ الفرج فواجب بكل حال لا يباح إلا بحقه فلذلك أمر بحفظه.
وقد أمر الله - عز وجل - بغض البصر وصيانة لفرج وقرن بينهما في معرض الأمر، وبدأ بالأمر بالغض لأنه رائد للقلب كما قيل:
ألم تر أن العين للقلب رائد *** فما تألف العينان فالقلب آلف
ولأن غض البصر وسيلة إلى حفظ الفرج وصيانته، وهو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه.
وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - عن البني - صلى الله عليه وسلم - قال: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة، العينان زناها النظر، والأذنان زناها الاستماع، اللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، الرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه" (البخاري ومسلم).
وعن جرير - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأة فقال: " اصرف بصرك " (رواه مسلم).
آفات فضول النظر:
الآفة الأولى: فضول النظر معصية ومخالفة لأمر الله - عز وجل - وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك و- تعالى - وما سعد من سعد إلا بامتثال أوامره، وما شقى من شقى إلا بتضييع أوامره.
الآفة الثانية: أنه يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله وليس على العبد شيء أضر منه فإنه يوقع الوحشة بين العبد وربه، وغض البصر يورث القلب أنسا بالله - عز وجل - وجمعيه عليه.
الآفة الثالثة: أنه يضعف القلب ويحزنه وغض البصر يقوي القلب ويفرحه.
الآفة الرابعة: أنه يكسب القلب ظلمة وإذا أظلم القلب أقبلت عليه سحائب البلاء والشر من كل مكان، فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة، فإن ذلك إنما يكشفه النور الذي في القلب فإذا فقد ذلك النور بقى صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام، وغض البصر لله - عز وجل - يكسب القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، ولهذا ذكر الله - عز وجل - آية النور عقب الأمر بغض البصر فقال - تعالى -: (قلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (النور: 30). ثم قال إثر ذلك: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ)(النور: من الآية35). أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب.(15/132)
الآفة الخامسة: فضول النظر يقسي القلب ويسد على العبد باب العلم، وغض البصر يفتح للعبد باب العلم ويسهل عليه أسبابه، وذلك بسبب نور القلب فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق الأشياء.
الآفة السادسة: أنه يسمح بدخول الشيطان إلى القلب فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي فيمثل له صورة المنظور إليه ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب، ثم يمنيه ويوفد على القلب نار الشهوة ويلقى عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة، فيصير القلب في اللهب قد أحاطت به النيران من كل جانب، فهو وسطها كالشاة وسط التنور، ولهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أنه جعل لهم في البرزخ تنورا من نار، وأودعت أرواحهم فيه إلى حشر أجسادهم، وغض البصر يسد على الشيطان مدخله إلى القلب.
الآفة السابعة: إن إطلاق البصر يوقع العبد في الغفلة اتباع الهوى، قال الله - تعالى -: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)(الكهف: من الآية28). وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه، وغضه لله - عز وجل - يفرغ القلب للتفكير في مصالحه والاشتغال بها.
الآفة الثامنة: إن النظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته، وهي الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه كما قيل:
كل الحواث مبداها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها *** فعل السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الناس موقوف على خطر
يسر مقلته ما ضر مهجته *** لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
الآفة التاسعة: فضول النظر وإطلاق البصر يورث الحسرات والزفرات والحرقات، فيرى العبد ما ليس قادرا عليه ولا صابرا عنه كما يقول القائل:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا *** لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر *** عليه ولا عن بعضه أنت صابر
الآفة العاشرة: أن النظرة تجرح القلب جرحا فيتبعها جرح على جرح، ثم لا يمنعه ألم الجراحة من استدعاء تكرارها، كما يقول القائل:
ما زلت تتبع نظرة في نظرة *** في إثر كل مليحة ومليح
وتظن ذاك دواء جرحك وهو في *** التحقيق تجريح على تجريح
فذبحت طرفك باللحاظ وبالبكا *** فالقلب منك ذبيح أي ذبيح
الآفة الحادية عشرة: إطلاق البصر يذهب نور البصيرة والجزاء من جنس العمل، وغض البصر يسبب إطلاق نور البصيرة ويورث العبد الفراسة كما قال شاه بن شجاع الكرماني: ((من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، واعتاد الحلال لم تخطئ فراسته)). وكان شاه هذا لا تخطئ له فراسة.
الآفة الثانية عشرة: فضول النظر يوقع القلب في ذل اتباع وضعف القلب، ومهانة النفس وحقارتها، وما جعله الله لمن آثر هواه على رضاه، وقد جعل الله - سبحانه - العز قرين طاعته والذل قرين معصيته فقال - تعالى -: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)(فاطر: من الآية10). أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح، فمن أطاع الله فقد والاه، وله من العزة بحسب طاعته، ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه وله من الذل بحسب معصيته.
الآفة الثالثة عشرة: فضول النظر يوقع القلب في أسر الشهوة، فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه فهو كما قيل: (طليق برأي العين وهو أسير).
ومتى أسرت الشهوة والهوى القلب تمكن منه عدوه وسامه سوء العذاب وصار:
كعصفورة في كف طفل يسومها حِيا ضَ الردى والطفل يلهو ويلعب
الآفة الرابعة عشرة: فضول النظر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق كما قال - تعالى - عن عشاق الصور
(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الحجر: 72). فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل والعمه الذي هو فساد نور البصيرة فالنظرة كأس من خمر والعشق هو سكر ذلك الخمر، وسكران العشق قلما يفيق إلا وهو في عسكر الأموات نادماً مع الخاسرين.
http://www.islamweb.net المصدر :
============
طالب كلية الزراعة ودوره الفعال
في الثلاثينات كان هناك طالب جديد التحق بكلية الزراعة في إحدى جامعات مصر، عندما حان وقت الصلاة بحث عن مكان ليصلي فيه فأخبروه أنه لا يوجد مكان للصلاة في الكلية بس في غرفة صغيرة (قبو) تحت الأرض ممكن يصلي فيه .
ذهب الطالب إلى الغرفة تحت الأرض وهو مستغرب من الناس الذين في الكلية لعدم اهتمامهم بموضوع الصلاة، هل يصلون أم لا؟!
المهم دخل الغرفة فوجد فيها حصير قديم وكانت غرفة غير مرتبة ولا نظيفة، ووجد عاملاً يصلي، فسأله الطالب: هل تصلي هنا؟!
فأجاب العامل: نعم، لا أحد يصلي من الناس الذين فوق ووليس هناك غير هذه الغرفة .
فقال الطالب بكل اعتراض: أما أنا فلا أصلي تحت الأرض. وخرج من القبو إلى الأعلى، وبحث عن أكثر مكان معروف وواضح في الكلية وعمل شيئ غريب جدا !!!(15/133)
وقف وأذن للصلاة بأعلى صوته!! تفاجأ الجميع وأخذ الطلاب يضحكون عليه ويشيرون إليه بأيديهم ويتهمونه بالجنون. لم يبالي بهم، جلس قليلاً ثم نهض وأقام الصلاة وبدأ يصلي وكأنه لا يوجد أحد حوله. ثم بدأ يصلي لوحده.. يوم.. يومين.. نفس الحال.. الناس كانت تضحك ثم اعتادت على الموضوع كل يوم فلم يعودوا يضحكون.. ثم حصل تغيير.. العامل الذي كان يصلي في القبو خرج وصلى معه.. ثم أصبحوا أربعة وبعد أسبوع صلى معهم أستاذ؟؟ !
انتشر الموضوع والكلام عنه في كل أرجاء الكلية، استدعى العميد هذا الطالب وقال له: لا يجوز هذا الذي يحصل، أنتم تصلوا في وسط الكلية!!!، نحن سنبني لكم مسجد عبارة عن غرفة نظيفة مرتبة يصلي فيها من يشاء وقت الصلاة .
وهكذا بني أول مسجد في كلية جامعية. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، طلاب باقي الكليات أحسوا بالغيرة وقالوا اشمعنا كلية زراعة عندهم مسجد، فبني مسجد في كل كلية في الجامعة ....
هذا الطالب تصرف بايجابية في موقف واحد في حياته فكانت النتيجة أعظم من المتوقع.. ولا يزال هذا الشخص سواء كان حياً أو ميتاً يأخذ حسنات وثواب عن كل مسجد يبنى في الجامعات ويذكر فيه اسم الله... هذا ما أضافه للحياة ..
بالله علينا ماذا أضفنا نحن للحياة؟!؟
ابتداء من اليوم يا أخي/أختي.....
لنكن مؤثرين في أي مكان نوجد فيه، ولنحاول نصحح الأخطاء التي حولنا ولا نستحي من الحق.. وربنا سيوفقنا بإذنه ...
http://saaid.net المصدر :
============
رسالة إلى حارس الأمن
سمية الميمني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أما بعد،،
فإن وضع المرء في موضع مسئولية لهو أمر عظيم وشأن جليل، وتحمل هذه المسئولية وأدائها بأكمل وجه هو واجب كل مسئول إن كان منصبه صغير أو كبير وراتبه عالي أم ضئيل، والثقة من أهم عوامل النجاح فكم جميل أن يشعر الإنسان من لمسات حوله ويرى في نظر أصحابه وأقرانه الثقة والأمانة التي يتولنها له، ورائع أن يكسب الإنسان ثقة العدو والصديق فيصبح وكأنه يسمى بصندوق الأمانات لأنه فعلاً مثل ذلك الصندوق الذي يحتفظ بأمانات الجميع دون مكر أو غدر.
قد تكون مقدمتي مبهمة غامضة غير متتالية ولكنها تحمل بين حروفها وكلمات رسالة خاصة جداً، رسالة إلى ذلك الجندي المجهول الذي يعمل ليل نهار ويؤدي مهمته الصعبة التي قد يحتقرها أو يستصغرها البعض ويراها بنظرة دونية، لكنه لا يعلم أن لولاها لما ساد ألامان والطمأنينة في المجتمع ولولا هذا الفدائي الذي يؤدي الذي يؤدي دوره خلف الكواليس لما شعرنا بأمان على ممتلكاتنا وأدواتنا، انك أنت أيها الأخ الكريم يا حارس الأمن والسلامة..
اعتراف صريح..
نعم أعترف وبكل أسف أعترف وأقول أن فئة حراس الأمن فئة مهملة وشريحة هامشية لأنهم في عيون الأغلبية لا يساوون شيئاً مهماً، فللأسف الشديد مجتمعنا الحالي لا يهتم إلا بأصحاب الشهادات العليا كالدكتور والمهندس والمحامي والمعلم والإعلامي، أو تصب اهتمامات البعض بالمطرب والممثل والمخرج والمهرج أيضا، ولكن تبقى آثار الجاهلية عند البعض وهم كثيرون ولا يعيرون أدنى اهتمام إلى الخادم أو الحارس أو المزارع والطباخ وغسال السيارات وحامل المهملات وأرى أن من وجهة نطري المتواضعة أن هؤلاء الأشخاص يجب أن يحاطوا باهتمام أكبر وأكثر من المطرب الذي يؤدي دوره في أداء سخافات محرمة فهؤلاء المشاهير يستغني عنهم المجتمع ولكن هل يستطيع المجتمع الاستغناء عن الحارس أو الخادم أو المزارع بالطبع لا. لهذا أخي العزيز أريدك أن تزداد فخراً بمهنتك النادرة ولا تلتفت لمن يعمل على ضعف همتك وإرادتك وقوتك، لا تفسح مجالاً لأحد أن يلعب بعواطفك ويغريك بدراهم ودنانير تجعلك تسير بطريق متعرج وتنسى استقامتك.
فهناك من يهوى شراء الضمائر وفضح السرائر وكشف الخبايا، ومهنتك هذه تحتم عليك كتمان الأسرار وإخفاء الأخبار..
لماذا أنت مهم؟
حارس المدرسة، في النهار أنت تحرس منبع العلم والطلبة والمدرسين من دخول إي غريب عليهم وفي الليل أنت تحمي بفضل الله ممتلكات ومرافق وأجهزة المدرسة وما تحمل في أدراج مكاتبها من اختبارات ومعلومات هامة.
حارس الشركة..
بوجودك يشعر الموظفون بالأمان والراحة ولا يخافون على حياتهم وأدواتهم، ويطمئن العاملون على أموال الشركة وأسرارها ومستنداتها الخاصة، فلولاك لما ساد هذا الشعور.
حارس المنزل..
بسببك قد يسافر رب البيت وهو مطمئن البال والخاطر وقد ترتاح ألام مع أبنائها الصغار ولا تخشى عيون الأعداء والأشرار، فكنت السبب في بعث راحة نفسية في قلوب أسرة وحيدة. وحارس في إي جهة في إي مؤسسة أو هيئة له أهمية كبيرة ويتم اختياره بعد تفكير وتدبير وطرح الثقة ويعتمد عليه في أمور عديدة وهذا وان دل على شيء فهو دليل على أهمية هذا المركز.
هموم حراس الأمن..
بعد حوار قصير أجريته مع بعض حراس الأمن في الجامعة والمدارس استلخصت هذه الهموم والصعاب التي يواجهها حارس الأمن في حياته وأثناء عمله وأدائه لواجبه، أطرح عليكم هذه الهموم وأترك الحل في يد القاريء لعله قد يساعدنا في البحث عن حلول مقنعة ومفيدة بإذن الله.
من الصعاب التي يواجهها الحراس:
- المعاملة السيئة من البعض والتي تسيء لكرامة الحارس وتجرح مشاعره وتجعله يكره هذا العمل.
- احتقار البعض لحراس الأمن وإذلالهم وكأنهم ليسوا بشر يشعرون ويحسون، فتصبح النظرة إليهم دنيئة ورخيصة.
- تهديد بعض اللصوص والصعاليك لحراس الأمن رغبة في السرقة من المكان المحروس.
- تعرض بعض الحراس للضرب والشتائم وذلك لوقوفهم أمام هؤلاء المدمرين والمفسدين ومواجهتم بقوة.(15/134)
- استسلام البعض أمام قوة التهديد وتحت الخوف وكشف بعض أسرار وأماكن عملهم لحماية حياتهم.
- قلة الرواتب التي لا تكفي أبدا لأسرهم وعائلاتهم.
- عدم السماح لهم في بعض الحالات للعمل في مكان آخر للارتفاع من المستوى المعيشي ولزيادة الدخل.
هذه بعض الصعاب والهموم التي يواجهها حراس الأمن ومن واجبنا ودورنا أن نساعدهم بطريقة أو بأخرى عن طريق قول أو فعل..
كلمة أخيرة..
وقبل أن أختم رسالتي أقول لكل فرد في المجتمع مهما كان دورك بسيط وصغير فلا تحتقر نفسك وتكن صفراً على الشمال ولا تقلل من شأنك وقل نعم أنا مهم، فأنت لبنة من لبنات هذا المجتمع.. وجزاك الله خيراًً.
وأقول لحارس الأمن والسلامة أن الأمانة التي أنيطت بك تقتضي العدل والاستقامة والصلاح، ولا استقامة إلا على أوامر الله فلا تضيع صلاة ولا عبادة وتناوب أنت وزملائك على ذلك واشغل وقت فراغك الطويل بشريط أو كتاب أو إطلاع أو تفكير فلا تضيع حياتك في فراغ قاتل واعلم أن الأمانة تقتضي منك غض البصر عن أعراض الناس لا أن تطلق بصرك إلى الحرام فأنت بمثابة الأب والراعي ولا تلتفت إلى تحرشات السفهاء فهي بداية إلى النهاية وطريق للغواية والله يحفظك ويرعاك ويجعل الجنة دارك ومثواك.
26/7/1424هـ
http://www.alislam4all.com المصدر:
============
فضول النوم
فضول النوم وكثرته تميت القلب، وتثقل البدن، وتضيع الوقت، وتورث كثرة الغفلة والكسل، ومنه المكروه جداً، ومنه الضار غير النافع للبدن، وأنفع النوم ما كان عند شدة الحاجة إليه، ونوم أول الليل أنفع من آخره، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه، وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه، وكثر ضرره ولا سيما نوم العصر، والنوم أول النهار إلا لسهران، ومن المكروه النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، فإنه وقت غنيمة وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة، حتى لو ساروا طول ليلتهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس، فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق وحصول القسمة، وحلول البركة، ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصة، فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر.
وبالجملة فأعدل النوم وأنفعه نوم نصف الليل الأول، وسدسه، والأخير وهو مقدار ثمان ساعات، وهذا أعدل عند الأطباء، وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا جسيما.
ومن النوم الذي لا ينفع أيضا: النوم أول الليل عقب غروب الشمس، وكان رسول - صلى الله عليه وسلم - يكرهه فهو مكروه شرعاً وطبع.
وفي كثرة النوم ضياع العمر، وفوت التهجد وبلادة الطبع وقساوة القلب، والعمر أنفس الجواهر وهو رأس مال العبد فيه يتجر، والنوم موت فتكثيره ينقص العمر، ثم فضيلة التهجد لا تخفى، وفي النوم فواتها، ومهما غلب النوم فإن تهجد لم يجد حلاوة العبادة.
وكما أن كثرة النوم مورثة لهذه الآفات، فمدافعته وهجره مورث لآفات أخرى عظام من سوء المزاج، ويبسه وانحراف النفس وجفاف الرطوبات المعينة على الفهم والعمل، ويورث أمراضاً مختلفة لا ينتفع صاحبها بقلبه ولا ببدنه معها، وما قام الوجود إلا بالعدل، فمن اعتصم به فقد أخذ بحظه من مجامع الخير والله المستعان.
http://www.islamweb.net المصدر:
============
رسالة إلى مدمن الانترنت
ماجد سلطان
نداء إلى مدمن الإنترنت!!
إلى كل شاب أدمن على مواقع الجنس والرذيلة، إلى كل شاب يلهث في التشات ليصطاد فريسة، وإلى كل فتاة أخذت تكلم من هب ودب ولا تعرف إلا قلة الأدب، وإلى كل من يستخدم الإنترنت أقول: هَب أنك دخلت غرفتك وأغلقت الباب، ولكنك لم تقفله وبدأت تسبح في المواقع بحثا عما يشبع شهوتك الثائرة، وفجأة فُتح الباب وإذا هو أخوك الصغير ماذا ستفعل، إنك لن تتجرأ على الإكمال وسترتعد فرائسك، وستحاول ألا يرى من أنت وماذا فعلت، فلنفرض أن والدك هو الذي دخل عليك أو أمك إنها النهاية؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنك أنت من ستحمل اسمهم ولكن للأسف خاب الظن فيك. حسنا افرض أنك ذكي، وقمت بقفل الأبواب، وقفل النوافذ ولم يبق شق إلا وأغلقته لكي لا يراك أحد، فلا تنسى باب السماء فلا تنسى الله، فلا تنسى خالقك أجعلت الله أهون من يراك آلله، هين عندك إلى درجة أنه لو دخل عليك أخوك الصغير لا تفعل المنكر وإذا رآك الله تفعل، اتق الله، أما يستطيع الله أن يأخذ روحك وأنت تجول وتصول في النت؟، أتحب أن تموت على هذا؟، يبعث المرء على ما مات عليه كما قال حبيبنا عليه السلام -، ما موقفك يوم القيامة إذا سألك الله: عبدي ألم تكن تعلم أني أراك فتقول بلى يا رب فيقول لك، فلم جعلتني أهون الناظرين إليك ماذا ستقول؟؟؟ أم بأي رد ترد، وقد شهدت عليك يداك وعيناك وجوارحك، هل تريد الحل؟ إنه الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك تذكر أن الله قادر على أخذ روحك وأنت تفعل ما حرم فهل تحب ذلك وأخيرا أقول لك تب إلى الله؛ فإنه يفرح بتوبة عبده المذنب إلى رجع إليه، يقول - تعالى - في الحديث القدسي ((يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي)) وقال في القرآن: ((قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم)) فيا بغي الخير أقبل.
بتاريخ: 26/7/1424هـ
http://www.alislam4all.com المصدر:
=============
رسالة إلى مدمن الانترنت
ماجد سلطان
نداء إلى مدمن الإنترنت!!(15/135)
إلى كل شاب أدمن على مواقع الجنس والرذيلة، إلى كل شاب يلهث في التشات ليصطاد فريسة، وإلى كل فتاة أخذت تكلم من هب ودب ولا تعرف إلا قلة الأدب، وإلى كل من يستخدم الإنترنت أقول: هَب أنك دخلت غرفتك وأغلقت الباب، ولكنك لم تقفله وبدأت تسبح في المواقع بحثا عما يشبع شهوتك الثائرة، وفجأة فُتح الباب وإذا هو أخوك الصغير ماذا ستفعل، إنك لن تتجرأ على الإكمال وسترتعد فرائسك، وستحاول ألا يرى من أنت وماذا فعلت، فلنفرض أن والدك هو الذي دخل عليك أو أمك إنها النهاية؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنك أنت من ستحمل اسمهم ولكن للأسف خاب الظن فيك. حسنا افرض أنك ذكي، وقمت بقفل الأبواب، وقفل النوافذ ولم يبق شق إلا وأغلقته لكي لا يراك أحد، فلا تنسى باب السماء فلا تنسى الله، فلا تنسى خالقك أجعلت الله أهون من يراك آلله، هين عندك إلى درجة أنه لو دخل عليك أخوك الصغير لا تفعل المنكر وإذا رآك الله تفعل، اتق الله، أما يستطيع الله أن يأخذ روحك وأنت تجول وتصول في النت؟، أتحب أن تموت على هذا؟، يبعث المرء على ما مات عليه كما قال حبيبنا عليه السلام -، ما موقفك يوم القيامة إذا سألك الله: عبدي ألم تكن تعلم أني أراك فتقول بلى يا رب فيقول لك، فلم جعلتني أهون الناظرين إليك ماذا ستقول؟؟؟ أم بأي رد ترد، وقد شهدت عليك يداك وعيناك وجوارحك، هل تريد الحل؟ إنه الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك تذكر أن الله قادر على أخذ روحك وأنت تفعل ما حرم فهل تحب ذلك وأخيرا أقول لك تب إلى الله؛ فإنه يفرح بتوبة عبده المذنب إلى رجع إليه، يقول - تعالى - في الحديث القدسي ((يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي)) وقال في القرآن: ((قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم)) فيا بغي الخير أقبل.
بتاريخ: 26/7/1424هـ
http://www.alislam4all.com المصدر:
===========
رسالة قلبية إلى الباحث عن السعادة القلبية
الراسل "الداعي إلى الله على بصيرة ": -
ناصح آمين
المرسل إليه "المدعو إلى طريق الله ": - شبابنا الذي أسرف على نفسه بالمعاصي والذنوب...وتأخر عن ركب التائبين.. نقول له شمر لطاعة الله قبل الندم والبكاء...
عنوان المرسل إليه: - في أى مكان تجده يبحث فيه عن السعادة..
هدف الرسالة: - لعلها تكون زاد لمن أضل الطريق
سبب الرسالة: هو قول رسول اله - صلى الله عليه وسلم -: - (لان يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم) وفى رواية (مما طلعت عليه الشمس).
نص الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم
املأ أن يهدينا الهادي إلى سواء السبيل... الغافر على الزلات تقديرا وتفصيل...
احمده حمد عبد ضعيف يحمده حمدا جميل... ويشكره شكرا جزيل... ادعوه دعاء من خضعت رقبته... وذل وجهه... ورغم انفه... وفاضت له عيناه... قائلا: - اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون.
أما بعد آخى الحبيب: -
ابعث إليك بكلمات مليئة بالآلام... وحروف سطرته الأقلام... على أوراق يتزاحم عليها النصيحة والكلام... فو الله لو دون المرء الأمور المهمة في حياته... فسيجدها قائمة طويلة... لكنه حين يعمد إلى ترتيبها حسب قاعدة الأولويات... فسيجد أن في رأس القائمة... بل إن شئت فقل في عنوانها (أهله وإخوته وأبنائه)... فهم أغلى على الإنسان من المال... ومن الراحة... ومن جميع رغباته وشهواته... والدليل علة ذلك يا اخى انه حين يمرض احدهم مرضا مزعجا... فانه يسهر ويسافر هنا وهناك ويدفع من أمواله ما يدفع... بل ربما اقترض من اجله واستلف...
ولذا فقد وضعتك ضمن هؤلاء... فناديتك قائلا" يا اخى "... ولعل ما يثبت كلامي هذا...
هو كثرة كلماتي ورسالاتي لك... مع انى لا أعرفك ولا تعرفني... ولا يربط بيننا الإ رابطة الأخوة في الدين... فلا تتعجب من كثرة تكراري لك كلمة " يااخى "... فأنت أبى وآخى وصديقي أنيسي... والله انى أخاطبك صادقا غاية الصدق... وأسدل لك قطرات النصح مخلصا غاية في الإخلاص... فأرجو أن لا تمل من طول رسالتي... فإنها والله إشفاق قلب المؤمن الغيور... فاستمع إليها حفظك الله ورعاك... وتاب عليك وهداك...
آخى الحبيب: - إن كل إنسان يعيش على ظهر هذه الحياة... يبحث جاهدا عن السعادة... سواء أكان صالحا ام فاسدا... فلو سالت احد أصحابك من الهائمين في سكرة الغفلات... لسابحين في بحار النزوات... وقلت له لماذا تفعل ما تفعل؟... لأجابك بلسان الحال والمقال وقال لك: - (ابحث عن السعادة التي تريح نفسي من الهم الذى أثقلها)...
ولكنه للأسف الشديد... قد أضل الطريق أثناء البحث... وليس هو وحده بل لقد ضل الطريق الكثير من شبابنا.
فها هي حقيقة شبابنا: - المشاكل والآهات تفترسه... انحراف وانجراف... فراغ قاتل...
وفساد هائل... عشق وغرام تبرج وسفور... عجب وتكبر وغرور... عقوق للوالدين... تبذير للأموال... تقليد للغرب... ضياع لأهدافه الشخصية... سفر لبلاد الكفر والإباحة...
كذب وغيبة وبذاءة لسان وكلمات هابطات... مظاهر فارغة تافهات... أغان سقطات... أفلام آثمات... سهرات فاضحات... قصص داعرات... فحش وصور وروايات... ملابس خليعات...
عبارات مثيرات... جلساء سوء وضحكات ساخرات... حركات مائعات فاجرات... تدخين ومخدرات ... مقابلات ومعاكسات... تخنس وتشبه بالنساء فى السكون والحركات... بحث عن الفتن والشهوات... هوس عقلي وجرى وراء أسوار الجنس والمجلات... وغير هذا الكثير والكثير
من الأوضاع المؤسفات المحزنات المخزيات...(15/136)
آخى الحبيب: - أرجوك لا تزعجك صراحتي... " أليست هي الحقيقة "...
آخى: - لنكن صريحين صراحة منضبطة بضوابط الشرع... وواضحين مع أنفسنا وضوحا محاطا بسياج الحياء... فلعل كلامنا يكون خطوة على مصعد التصحيح... ونقلة على مبنى الإصلاح...
آخى: - انه الألم الذي يعيشه الكثير من الشباب وشتان بين الألم والأمل...
آخى: - لماذا تعيش حياتك كلها بالألم لا بالأمل؟... ولماذا تخرج من وحل إلى وحل... ومن مستنقع إلى مستنقع؟.. لماذا همتك في اللهو مع الهابطين والهابطات؟... ولماذا عقلك غريق في هذه المخالفات؟
آخى الحبيب: - لماذا لا تفكر أن تكون اسما على مسمى؟... فأنت مثلا يا "مصطفى "... لماذا لاتصفوا ويصطفى قلبك فى سماء الإيمان؟... ولماذا لا تصفى عن جلسات السوء وسبل العصيان؟... وعندها فقط ستنال السعادة من الغفور الرحيم... وأنت يا"حنان" لماذا لا تكونين نبعا من الطاعة لا يجف يا " حنان"؟... وأنت يابراهيم " لماذا لا تكون مثل نبي الله إبراهيم؟... فلقد كان امة قانتا لله حنيفيا... وأنت يا"محمد"... لماذا لا تفكر أن تحمد وترنوا بدينك في سماء الصالحين؟.. وأنت يا" وفاء "... لماذا لا تكونين مثل خليل الله إبراهيم؟... وتوافين بكامل أحكام الدين... فلقد قال - تعالى - " وإبراهيم الذي وفى "... وأنت يا " راجا "... لماذا لا تكونين كما يرجو الله ورسوله والدين؟... وأنت يا "يمنى "... لماذا لا تتمسكين بالطاعة لتكونين يوم القيامة من أصحاب اليمين...
آخى الحبيب: - إن الشباب المتدين ليس كما يزعمه الشباب... معقدين او متشددين وليسوا كما بظنه الناس " متزمتين "... لا... ولكن الحقيقة أنهم يريدون أن يكونوا صالحين...
لذا فهم يتشبهون بالصالحين... وكما قال الشاعر: -
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم... إن التشبه بالرجال فلاح.
أخي: - إن الله يقول " ولا تنسى نصيبك من الدنيا "... فلماذا أصبح نصيبك كله الدنيا أخي: - إن للقبر ظلمات... وللحشر حسرات... وللموت سكرات... وللحساب آهات... وللنار زفرات... فماذا أعدت لها؟.
أخي: - إننا نستطيع أن نعيش كغيرنا من الشباب التائه في ربا العصيان... بل إن شئت لا نترك أبواب الغفران... ولكن ماذا بعد هذا؟... هل سنجد السعادة؟... لا والله لن نجدها... وستكون نهايتنا الحتمية في هذه الدار... عذاب جهنم ويئس القرار.
أخي: - هل ترضى أن تكون من هؤلاء؟... ام هل ترى أن تكون هذه نهايتك؟... بالطبع "لا"...
فكما قال القائل: -
لا، لا إخالك تفعل وبين... جنبيك اعتراف مقصر متندم.
فلانت أسمى من سفاهة نزوة... ولك المكانة بين تلك الأنجم.
ولانت اكبر من غواية فاسد... يرميك فى نزق فيدميك الدم.
فتسنموا عرش العفاف فانه... عزبه تحلو الحياة وتسلم.
أخي في الله: - ها هو طريق السعادة الذي تبحث عنه ممهد بين يديك... مفروش بالأزهار والورد والرياحين لك... واضح لصاحب الهمة والعزيمة... فطريق السعادة يبدأ بإزالة أسباب الانحراف أولا كأصحاب السوء وإتباع الهوى وغبرها من الأسباب... ثم بالتوبة الصادقة ثانيا ثم بالعمل الصالح... ثالثا ثم بالإيمان الذي يجلب السعادة... رابعا فالإيمان كما يقول العلماء " هو حياة الروح وروح الحياة "... فالسعادة الحقيقة ليست بالمال والجاه والشهرة والغي والتيه والضلال والانحراف والسهر والسفر والطرب...
إنما السعادة الحقيقة بالعمل الصالح والإيمان... وهذا ما اخبرنا به تبارك و- تعالى - حيث قال: - " من عمل صالحا من ذكر او أنثى وهو مؤمن فلنحينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "...
أخي العاقل: - إننا نجد الشباب الذي ضل طريق السعادة أصبح من الأشقياء... والسبب في ذلك انه استبدل طريق الرحمن بطريق الشيطان... واستبدل طريق الغفران بطريق العصيان... فهيا بنا نفعل عكس ما فعلوا حتى لا نكون أمثالهم... فالله - عز وجل - يقول: -
" ومن اعرض عن ذكرى فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى "...
آخى العزيز: - والله إن الهوى يقسى القلب... فكون مع الندم المحاولات... وكرر الاستغفار والتوبة... وحاول واصطبر و لا تيأس ولا تتعجل النتائج... فان بعد هذه التوبة أثار ستجدها ولو بعد حين...
فيا أخي الحبيب: -
آما آن الرجوع إلى الصفوح... عن الزلات والفعل القبيح.
تبادره بقبح الفعل سرا... ولا تخشاه بالقول الصريح.
هداك إلى صراط مستقيم... وأنت ضللت عن هذا الصحيح.
أخي الحبيب: - " الم يان للذين امنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق "...
" يااخى "قل بلى والله قد آن... قل كفاني ذنوبا وعصيان... قلها يااخى قبل فوات الأوان... فوالله إن الموت ياتى بغتة... والنفس تذهب فلته... ففرغ قلبك من المنكرات... وسماع الغناء واسوا الجلسات... هيا بنا إلى المسجد نؤدي الصلوات...
أخي: - إن قوافل التائبين ها هي أمام عينك تسير... ودموع المنيبين تقبل... وباب التوبة مفتوح... ودعوة الله لك بالتوبة على مر الأزمان تتلى بقوله: - " وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون "...
أخي: - ألا ترد أن تكون من التائبين الذين قال عمر بن الخطاب فيهم: - " اجلسوا إلى التوابين فإنهم ارق الناس أفئدة "
أخي الحبيب: - اذا قويت عليك نفسك يوما ما فقل لها...
كما قال القائل: -
يا نفس ويحك قد أتاك هداك... أجيبي فداعي الحق قد ناداك.
كم قد دعيت إلى الرشاد فتعرضي... وأجبت داع الحق حين دعاك أخي الحبيب: - انتصر على نفسك الضعيفة... ولا تستجيب لدعاة الرذيلة... وعد إلى وعيك... وتنبه قبل رمسك... وانهض إلى الصلاح قبل أن يصبح اليوم امسك...(15/137)
أخي: - ماذا تنتظر؟... هيا سويا نبدل الانحراف بالاستقامة... ونبدل السيئات بالحسنات... ونبدل الأغاني بالتسبيح... ونبدل أشرطة الأغاني بالمحاضرات والقران...
وجلسات السوء وشلة الفساد... بجلساء المسجد وصالح العباد...
أخي الحبيب: - أوصيك باجتناب أصدقاء السوء فهي أول خطوة من خطوات السعادة.. والله يقول " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا "...
أخي الحبيب: - أسرع فتوضأ وصلى لله ركعتين... أبكى على ذنوبك... وتقصيرك في حق ربك... واستمع إلى البشارة من الغفور الرحيم حيث قال في كتابه الكريم: - " الإ من تاب وامن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما "...
أخي الحبيب: - أو بعد هذه البشارة استرخاء عن التوبة ياصديقى؟...
أخي الحبيب: - امتثل بين يدي الله... اظهر له الخضوع... هيىء له الخشوع... وانثر له الدموع... وردد قائلا: -" ياالهى، ياالهى...
جاء بي حر ذنوبي... ساقني سوء مصيري... ساقني يارب تأنيب ضميري... أنهبت قلبي سياط الخوف من يوم رهيب... آه. عيناى أن تبيض من فرط نحيبي... آه... ياالهى. ما أعظم حوبي... ياالهى... أنا سافرت مع الشيطان في كل الدروب... غير درب الحق ما سافرت
فيه... كان إبليس معي في درب تيهي... يجتبيني وأنا يالغبائى اجتبيه... كان للشيطان من حولي جند خدعوني... ضيعوني... وإذا ما فكرت في التوبة قالوا لي لا تتوب...
ياالهى، قلوب... ياالهى،... أنا ما فكرت في يوم الحساب... ياالهى. مني إبليس شاه للفساد مع الذئاب... ياالهى... ياالهى. ت على قتل حياتي؟... ياالهى... ياالهى.
دائي ودوائي... ياالهى... جئت كي أعلن ذلي واعترافي... أنا ألغيت زوايا انحرافي...
يا الهى. طهرى وعفافي... ياالهى... أنا لن أمشى بعد اليوم في درب الرذيلة...
جرب الفجار كي يرضونني كل وسيلة... دبروا إلى ألف حيلة... فليعدوا
ياالهى لضلالي ما استطاعوا، فأمانيهم بضلالي مستحيلة ".
أخي الحبيب: - ناجى الله وقل " ياالهى يا مجيب الدعوات... يا مقيل العثرات...
اعف عنى... فانا عاهدت عهد الصالحين أبناء المؤمنات... أن تراني بين تسبيحي وصومي وصلاتي.
أخي الحبيب: - أعيب عليك تركك لسنة السواك... واستبدالك لها بالسيجارة... التي هي
سواك الشيطان...
أخي الحبيب: - أعيب عليك تركك لسماع القران... واستبدالك له بسماع الغناء والألحان...
أخي الحبيب: - أعيب عليك تركك لمجالس العلم والإيمان... واستبدالك لها بمجالس المنحرفين والكذب والبهتان...
أخي الحبيب: - أفق من عثرتك... واستيقظ من نومك وغفلتك... فانا اعلم انك" أسد "...
أخي الحبيب: - فان الدنيا جيفة... والأسد كما قال علماء الطبيعة...
لا يأكل من الجيفة... فإياك ثم إياك يااسد أن ينحدر بك المقام وتصبح وتمسى لاهثا وراء الدنيا وجيفتها... فو الله ثم والله إنها كما قال احد السلف: - حياتها عناء...
ونعيمها ابتلاء... وحديدها يبلى... ونعيمها يفنى... وودها ينقطع... وخيرها ينتزع...
والناس فيها على ثلاثة أقسام... إما في نعم زائلة... وإما في بلايا نازلة... وإما في منايا قاضية...
أخي الحبيب: - يا ليت أهل الغفلة سمعوا نداء الله حينما قال: - "يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وان الآخرة هي دار القرار "... وبالتاهم سمعوا حينما قال: - " قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ".
أخي الحبيب: - والله لو فكر اعل الغفلة والنعيم والمتاع الزائل في مصيرهم... لأعادوا النظر في كثير من منطلقاتهم...
أخي الحبيب: - أوصيك بأهلك فأنى احسبهم من الطيبين ولا نزكى على الله أحدا... وتذكر إنهم قد تعبو تربيتك.... وأصابهم العناء في تربيتك... فوالله أنى أوصيك بهم عدد أوراق الشجر... وعدد الرمال وقطرات المطر... أوصيك بهم وصية من قد تنتهي أنفاسه بالموت ولا يراك... قائلا لك: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما باله احد الصحابة قائلا له من أحق الناس بحسن صحابتي فقال له الحبيب المصطفى: -" أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك"... ولقد قال - عليه السلام -: -الجنة تحت أقدام الأمهات.
أخي الحبيب: - أوصيك بأداء الصلاة في وقتها في جماعة بالمسجد... فلقد قال نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: -" الصلاة نور "... ولقد قال أيضا في حق تاركي الصلاة... أول من يسود وجهه يوم القيامة تارك الصلاة "...
أخي الحبيب: - لقد علمت ما حدث لك من عدم توفيق في دراستك في العام الماضي والذي كان رفقاء السوء سببا أساسيا فيه... ولست واصفا لك مدى الحزن والألم الذي اصابنى منك وعليك... ولكن كما قال الشاعر. -
ما كل ما يتمناه المرء يدركه... وتجرى الرياح بما لا تشتهى السفن
أخي الحبيب: - عليك بالجد والمذاكرة والاجتهاد... فإننا نريد الطبيب المسلم... والمهندس المسلم... والمعلم المسلم... وغير ذلك... حتى يكون المجتمع كله مسلما حقا... ويكفيك ما قد حدث لك في العام الماضي بسبب غفلتك... ولا تيأس فلعله إنذار شديد اللهجة من الله... ولعلها وقفة على سلم الاختبار... فلتصبر ولتعتبر...
أخي الحبيب: - لقد ساخطات التصوير عندما تخيلت إن السعادة في تحصيل الشهوات... ونيل الملذات... وإعطاء النفس ما تريد من المتع دون النظر إلى ما أحله الله من ذلك وما حرمه... واخطات أيضا " يا انيسى " عندما تخيلت إن السعادة في الشعرة فذهبت تبحث عنها وتحققها بشتى الطرق والوسائل...
أخي: - إن تخيلاتك السابقة في طريق السعادة... وغيرها مما في عقلك وعقول إخوانك من الشباب... ما هي الإ صور للسعادة وليست سعادة حقيقة... وبكل صدق يااخى...(15/138)
لست أرى السعادة في جمع المال... ولكن التقى هو السعيد.
أخي الحبيب: - قد تبين لك طريق السعادة والفلاح... وما عليك الإ أن تسلكه... وهو نور يتلألأ وسط ظلام حالك... وسفينة نجاة لك تشق طريقها وسط الأمواج العاتية والبحار
الهائجة... وشعاع من الأمل ينفذ من قلوبنا ليبدد لك الظلمات الحالكة... قال - تعالى - "وان هذا صراطي مستقيا فاتبعوه ".
وأخيرا أخي الحبيب وليس بأخر: -
فلا تجزع إن شعرت إن في كلامنا فكما تعلم إن الأخ قد يقسوا على أخيه خوفا عليه...
وها أنت ترى... فلقد كررتها على عينك مرارا وتكرارا قائلا لك... بأعلى صوتي وبأنفاس
قلمي " يا أخى "... وارجوا ألا تكون قد مللت منها ومن نداءاتى لك... فو الله إن أريد
الإ الإصلاح ما استطعت...
وقبل الختام أخي في الله: - والله لو كنت املك لك بحار الهداية والسعادة لبذلتها لك... فانا اشعر بصدق الشعور انك تحمل بين ثنايا جانبيك الكثير من نوابع الإيمان ومفاتيح الخير... لكنني وصفت لك ما املك... وهو طريق السعادة... الذى سعدنا به وسعد
به من قبلنا... وسيسعد به من سياتي بعدنا.
أخي الحبيب: - ختاما لا املك لك غير الدعاء... والكلمة الطبيبة... والنصح الصادق...
ففي القلب شفقة... وفى الصدر حرقة... فمن يناديك مناداتي؟... ومن يناجيك مناجاتي
؟... فهل تسمعني وتستجيب؟... ارجوا أن تكون الإجابة منك "نعم " واسأل الله أن يجعلك من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه..
" اللهم قد بلغت... اللهم فاشهد ".
أخي الحبيب: - إنما نحن منذرين... وما نحن بمؤنبين... وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين... فلا تنسى كلما وقعت أعينك على هذه الكلمات... أن تدعوا لمن بعث بها وأرسلها إليك خاصة... ولجموع الشباب عامة... قائلا بأعلى أنفاس قلبك... " اللهم أنله مراده "... ليقول لك الملك بأذن الله ولك بمثل.
8_7_2004
http://www.awrak.com المصدر:
==========
أفكار دعوية مع الأهل
هناء الصنيع
أهلك هم أغلى الناس عندك، قال - تعالى -: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]. فلا بد أن يكون نصيبهم منك نصيب الأسد. فعند زيارتك لأهلك تلمسي مواضع ضعف الإيمان في كل فرد حاولي أن تعالجيها بأساليب مختلفة ومتنوعة.
فمثلاً النقاش المباشر..
والنقاش غير المباشر حول القضية.
والقدوة الحسنة أو القصص أو الشريط والكتيب.
وعموماً التكرار والتنويع مع الحكمة يأتي بنتيجة حسنة بإذن الله أو على الأقل ببعض النتيجة...
لكن لا تيأسي... تكلمي معهم تعرفي على مشاكلهم، ثم حاولي بعد ذلك أن تأخذي بأيديهم، ولا تتعجلي الثمار فإن من آفات الدعوة العجلة.
لقد تغرسين ويجني غيرك الثمار. وربما ترينها في حياتك وربما يراها غيرك بعد مماتك. ولكن يبقى لك فضل غرسها..
وحسبك أجر الدعوة إلى الله فهذا خير عظيم..
قال - صلى الله عليه وسلم -: "من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء... الحديث ".
أختي الداعية... لا بد أن يكون هناك اجتماع بين أفراد العائلة.
فقد يكون هناك اجتماع دوري أسبوعي مصغر، وقد يكون هناك اجتماع دوري شهري يضم عدداً أكبر من أفراد العائلة، بل يضم جميع الأقارب...
فأين أنت من- هذه الاجتماعات؟
هنا والله سوق التجارة الرابحة، فاعرضي بضاعتك وأسعدينا بنشاطك واجعلي أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - تفخر بوجود مثيلاتك ممن جعلن الإسلام أكبر همهن، فكن تاجاً على الرأس ونوراً على الجبين وحياة للغافلين بما يبعثنه من روح الإسلام في قلوب الأموات.
قال - تعالى -: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} (122) سورة الأنعام
وإليك بعض الأفكار الدعوية للاستفادة من التجمعات العائلية:
أ- الفائدة:
عبارة عن كلمة موجزة لا تتجاوز نصف ساعة فيها موعظة مثلاً عن سرعة زوال الدنيا أو ترغيب بالجنة والعمل الصالح، أو ترهيب من النار ومن التهاون بالمعاصي أو التحدث عن بعض أمور الطهارة التي يجهلها كثير من النساء أو إحياء لسنة اندثرت أو تكاد... ونحو ذلك.
ب- مسابقة الشريط:
تقومين باختيار شريط جيد في مادته العلمية، ومناسب لمستوى أسرتك العلمي، يعالج نقاط الضعف عندهم...
فمن شريط في موضوع عقدي إلى آخر في موضوع فقهي إلى ثالث في ترغيب أو ترهيب وهكذا...
على أن تراعي أثناء وضع أسئلة مسابقة الشريط الاختصار في الاجابة وعدم التطويل لأن الهدف من هذه المسابقة هو سماع الشريط والاستفادة منه، وليس نقل الشريط في ورقة الإجابة فإن ذلك مدعاة للتراخي وعدم المشاركة في المسابقة خصوصاً من ذوي الهمم الضعيفة.
جـ- مسابقة حفظ القرآن الكريم:
وإليك بعض الأفكار فيها:
1- حفظ السور والآيات التي لها فضائل خاصة مثل سورة الملك، آية الكرسي، الآيات الأخيرة من سورة البقرة، الآيات العشر من أول سورة الكهف... إلخ.
2- حفظ جزء تبارك حسب ترتيب المصحف، ففي كل لقاء يتم تسميع سورة واحدة فقط.
3- حفظ (جزء عم) مناسب جداً للأمهات كبار السن ولمن تعاني من صعوبة الحفظ أو كثرة الأشغال والأولاد. وذلك بتحديد عدد معين من قصار السور حسب ترتيب المصحف في اللقاء أو- الدورية- القادمة، وهكذا يتم التدرج في حفظ جزء عم.
مثلاً: الدورية القادمة سوف نقوم إن شاء الله بتسميع السور التالية: الناس، الفلق، الإخلاص، المسد، النصر، الكافرون، الكوثر، الماعون، قريش، ثم فيما بعد يراعى التقليل من عدد السور المطلوب حفظها حسب طول السورة.(15/139)
4- قد يوجد في الأسرة بعض الأفراد ممن قد من الله عليهم بحفظ جميع الآيات والسور السابقة، فمثل هؤلاء بإمكانك أن تعملي لهم مسابقة في حفظ سورة البقرة ونحوها، ففي كل لقاء يتم تسميع وجه أو نصف وجه وهكذا...
5- إذا كانت المستويات في الحفظ بين أفراد الأسرة والأقارب متباينة جداً، فبإمكانك عمل فرعين لمسابقة القرآن الكريم.
فمثلاً فرع في حفظ جزء تبارك، وفرع في حفظ جزء عم حتى تعم الفائدة للجميع ومن رغبت في أن تشترك في الفرعين فلا بأس وهو الأفضل.
د- عمل مسابقة:
وهي عبارة عن بعض الأسئلة الخفيفة السريعة التي يترتب عليها فائدة، بعد أن تكوني قد تأكدت من صحة المعلومة، وهذا مهم جداً مع التعليق البسيط على الإجابة بأسلوب دعوي جذاب.
فمثلاً إذا كان السؤال: اذكري ثلاثة من أسماء يوم القيامة؟
فبعد الإجابة عليه من الحضور حبذا لو كان هناك تعليق بسيط بطريقة فيها خشوع وخشية من الله. مثلاً: أرأيتم يا أخوات كيف تعددت أسماء القيامة وكل اسم منها يقرع القلوب قرعاً، وهكذا الشيء إذا عظم أمره تعددت أسماؤه نسأل الله أن يجعلنا وإياكم في ذلك اليوم من الآمنين.
حاولي أن تركزي على الأسئلة التي ينبني عليها فائدة حقيقية كتصحيح بعض الأخطاء في العقائد والعبادات.
وتجنبي الأسئلة التي لا فائدة منها، وإنما هي مجرد تحصيل حاصل، ولا بأس ببعض الألغاز والأسئلة المسلية، حتى تنتعش النفوس وتشعر بالمرح والفائدة في نفس الوقت.
هـ- في بعض المناسبات العائلية تكون هناك حركة بيع وشراء بين النساء فما المانع أن تساهمي في هذه الحركة من خلال الاتفاق مع إحدى البائعات بأن تحضري لها مجموعة من الكتيبات والأشرطة فتقوم بعرضها للبيع مع بضاعتها على أن تعطيها مقابل تعاونها معك مكافأة تشجيعية.
و- بإمكانك القيام بهذه الفكرة الطريفة وذلك بتوزيع الأرقام على الحاضرات في الاجتماع العائلي الدوري وقبل نهاية الاجتماع يتم اختيار أحد الأرقام، ويقدم لحاملته هدية رمزية على صلتها لرحمها وحرصها على الحضور وقبل أن نقدم لها الهدية نطلب منها أن تقدم فائدة سريعة للحاضرات، مثلاً عن صلة الرحم أو عن آداب المجلس أو عن تربية الأولاد ونحوه.
ز- هل فكرت في عمل مجلة لعائلتك؟
مجلة يشارك في إعدادها الجميع ويفرحون بها لأنها وليدة هذا الاجتماع الدوري المبارك تنمو معه وتترعرع بين أحضانه وتكون وردة تشم بين أفراده سميها إن شئت.. مجلة العائلة، أو الرسالة العائلية، أو رسالة الدورية، ولك حرية الإبداع في اسمها وشكلها.
وإليك بعض الأفكار التي ستساعدك كثيراً بإذن الله في عمل هذه المجلة:
هناك بعض الأمور التي يجب مراعاتها لنجاح المجلة:
1- التأكد من صحة المعلومة قدر الإمكان.
2- ألا تزيد صفحات المجلة على عشر صفحات حتى لا تمل.
3- كتابة اسم المجلة ورقم العدد على الغلاف، مع حرية الإبداع الجمالي في شكل الغلاف وفي المجلة عموماً، ولا تنسي البسملة في أول صفحة.
4- لا بد أن يكون طابع المجلة العام دينياً،
لأن الهدف منها إثراء الثقافة الدينية، فلا بد أن تبرز شخصية المجلة وأن لا تضيع هويتها وسط المواد المتنوعة الموجودة فيها.
5- عدم كتابة (النكت) لأنه يغلب عليها الكذب، وقد أفتى أهل العلم بتحريم ما كان كذباً منها، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويل له ويل له ".
كما أنها لا تخلو من السخرية ببعض المسلمين مثلاً: صعيدي، هندي... إلخ، وقد نهى الله - تعالى - عن ذلك في قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ} (11) سورة الحجرات
6- بإمكانك عمل بعض هذه الزوايا، مثلاً:
أ- (سؤال في الطب) وحبذا أن يكون خاصاً بالنساء والأطفال.
ب- (جمالك) وصفة من الأعشاب الطبيعية لجمال البشرة أو الشعر... إلخ.
ج- (مطبخك) وصفة جيدة سريعة ومختصرة لإعانة أختك المسلمة على حفظ وقتها وعدم تضييع معظمه في المطبخ.
د- استراحة العدد.. بعض الألعاب، الألغاز، متاهة، لعبة من هو؟، كلمات متقاطعة.... إلخ.
يجب أن لا تأخذ الأمور السابقة في الفقرة رقم 6 أكثر من صفحتين لأنها ليست الهدف الأساسي من المجلة إنما هي مكملات.
7- حبذا لو زينت المجلة بقصة قصيرة جداً فيها متعة وعبرة.
8- ثم انثري بين ثنايا تلك الصفحات منوعات وفوائد دينية وثقافية.
9- وليكن للنصائح المتنوعة نصيب أيضاً مثلاً:
أ- كيف تكسبين زوجك.
ب- كيف تربين أولادك.
ج- فن التعامل مع الآخرين.
د- حلول للمشكلات العائلية.
وهكذا.......
10- كلما كان الإخراج الفني للمجلة متناسقاً كانت المجلة أفضل وهذا يعتمد على مجهودك وذوقك الخاص وأرينا مهارتك يا ابنة الإسلام.
11- تستطيعين عمل صفحة للفتاوى المتنوعة مع الحرص على كتابة اسم المفتي والمصدر الذي نقلت منه الفتوى للأهمية.
12- من المهم أن يتعاون جميع أفراد العائلة على إخراج هذه المجلة أو التناوب على إخراج إعدادها والمشاركة فيها حتى يشعر الجميع بأنها منهم وإليهم وأنها قريبة منهم جميعاً وفي نفس الوقت يكون هناك مسؤول عنها بشكل عام يشرف على كل عدد قبل صدوره للتأكد من صحة المعلومات وعدم التكرار ومناسبة مواضيع المجلة لأفراد العائلة... إلخ.
وأخيراً: يا عزيزتي كل هذه أفكار متنوعة لإعداد مجلة العائلة، فاختاري منها ما تيسر لك وأتمنى أن تكون مجلتك رائعة مثلك والله يسدد خطاك.(15/140)
ح- ألا تلاحظين أختي الداعية، أنه في كثير من الاجتماعات العائلية الكبيرة- الدوريات- قد يوجد بعض الأفراد لا يعرف بعضهم إلا بداية اسم الآخر بالرغم من أنه يلتقي به كل شهر أو شهرين مرة ولكنه في كل اجتماع لا يحادثه ولا يجلس بجواره بسبب كثرة الحضور وربما بسبب الخجل.
فقد يمضي عام كامل من الاجتماعات الدورية دون أن تحقق هدفها في التعارف بين أفراد العائلة الواحدة. ما رأيك ألا يحتاج هذا إلى تصرف داعية لبقة مثلك؟
إذاً... فلتكن- ضيفة الدورية- هي الحل ضيفة الدورية... ضيفة الاجتماع العائلي.. سميها ما شئت...
توزع أرقام على الحاضرات ثم يتم اختيار رقم معين وصاحبة هذا الرقم تكون هي [ضيفة الدورية].
فنقوم بعمل لقاء بسيط معها..
نطرح عليها بعض الأسئلة السريعة مثلاً:
س 1: الاسم رباعياً؟
س 2: المؤهل العلمي؟ الوظيفة؟
س 3: عدد الأولاد؟ مع ذكر أسمائهم؟ ومراحلهم الدراسية؟
س 4: كيف تقضين وقت فراغك؟ مع ذكر بعض الأفكار الجيدة لقضاء وقت الفراغ؟
س 5: كلمة توجهيها للحاضرات؟
س 6: أحسن كتاب قرأته وأحسن شريط سمعته؟
س 7: اذكري لنا موقفاً ظريفاً أو محرجاً وقع لك.
س 8: اذكري لنا نصيحة من تجاربك وخبرتك في تربية الأطفال؟
س 9: لا شك في أننا جميعاً نسعى لحفظ كتاب الله ولو بعض السور، فما نظامك في حفظ القرآن الكريم؟
س10: شخصية تأثرت بها وتعتبرينها مثلك الأعلى في الحياة؟ ولماذا اخترتها؟
س 11: أمنية تسألين الله أن تتحقق عن قريب؟
س 12- ذكر معين أو دعاء معين ترددينه باستمرار؟
عزيزتي الداعية. بإمكانك أن تختاري بعض الأسئلة السابقة وتطرحينها على ضيفة الدورية، ثم تقدمين لها بعد ذلك هدية رمزية لحسن تجاوبها.
ط- مسابقة الكتيب:
يوزع أحد الكتيبات القيمة والهامة في موضوعها.
مثلاً: كتيب [العقيدة الإسلامية من الكتاب والسنة الصحيحة] لمحمد جميل زينو، ونحوه من الكتب الهامة، ثم تكون أسئلة المسابقة الشفوية في الاجتماع القادم مقتبسة من الكتاب الذي وزع في الاجتماع السابق.
كما أنه بالإمكان عمل مسابقة تحريرية في أحد الكتب أو الكتيبات الهامة.
ثم إعلان أسماء الفائزين فيما بعد وتكريمهم.
ي- تكريم الأخوات المتجاوبات:
قال - تعالى -: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (60) سورة الرحمن
إذاً فلنكرم كل أخت شاركت معنا في جميع المسابقات أو في نصفها على الأقل، وذلك نهاية كل عام يمر على الاجتماع العائلي، فليس هناك أجمل من وردة حمراء قد لفها الحياء مصحوبة بشهادة تقدير وشكر.
إنها حركات بسيطة، لها معان كبيرة....
ك- أثناء الدوريات العائلية قد تجدين فئة من النساء تسمي التبذير كرماً فتسرف بالتالي في إعداد طعام العشاء، وما قبل العشاء وما بعد العشاء، وهلم جرا وكأننا ما أتينا إلا لملء بطوننا.
لقد انتهى هذا الزمن وولى فنحن نريد أن نملأ عقولنا وقلوبنا قبل ملء بطوننا، فالطعام متوفر والحمد لله ولن نموت جوعاً إذا اكتفينا بالقدر المناسب الذي نكرم به ضيفنا ونرضي به ربنا.
ثم إن التكلف في إعداد طعام العشاء يؤدي إلى:
أ- إرهاق ربة المنزل فهي ستستعد لهذه الوليمة قبل يومين، فإذا كانت الليلة التي فيها الاجتماع العائلي تجد ربة البيت منهكة مرهقة وأعصابها متوترة، فلا تأنس بضيوفها، فهي قلقة على طعامها، فهو أكبر همها، وبالتالي لا تستفيد من النشاطات المطروحة أثناء الاجتماع.
2- التكليف على صاحب المنزل الذي سيرحب في أول اجتماع بضيوفه ولكن عند تكرر الاجتماع عدة مرات وبهذه الصورة المكلفة سيؤدي ذلك في النهاية إلى أن يمنع زوجته من الاجتماع بعائلتها أو يمنعها من دعوتهم لأنها ترهقه مادياً بدرجة مبالغ فيها.
ويظهر ذلك جلياً عند الزوج الذي لا يرغب ولا يهمه أصلاً مسألة صلة الرحم.
3- أن يتنافس النساء في الاجتماعات الأخرى في التنويع في أصناف الأطعمة، فلسان حالهن أنا لست أقل من فلانة، وهكذا ينفتح باب عظيم.
وبين هذه التوافه يضيع الهدف الأساسي من الاجتماعات العائلية، بل ربما يقضى تماماً على نفس الاجتماع وينتهي مأسوفاً عليه بسبب التكلف الزائد في طعام العشاء.
عزيزتي.. إنك بقيامك بالنشاطات السابقة خلال التجمعات العائلية سوف تمنحين أفراد عائلتك وخصوصاً المقربين منك ثروة علمية لا يستهان بها تساعد على تكوين الحصيلة الأولية من المعلومات الشرعية التي تعين للسير على درب الحياة دون تخبط..
ويكفيك أن تكوني ممن حاز أجر الاستجابة لندائه - تعالى -: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214].
كما يكفيك راحة بالك؟ طمأنينة نفسك حيث إنك تعملين ما بوسعك تجاه أهلك ولا تقفين موقف المتحسرة التي لولا إهمالها وتفريطها لكانت هي أنفع الناس لأهلها ولنفع الله أهلها بها.
فلماذا يا أخية نلوم الأهل والناس على أخطائهم.
بينما ننسى أن نلوم أنفسنا على التقصير في دعوتهم والعمل على تصحيح أخطائهم عن طريق تعريفهم بحقيقة دينهم الإسلام بأساليب ووسائل دعوية متنوعة ذكرت جزءاً منها في هذا الكتاب.
كتاب أفكار للداعيات
http://saaid.net المصدر:
============
من المسؤول ؟
هدى بنت فهد المعجل
كان من الأجدر بك أن تصرفي هذا المبلغ في شراء أشرطة موسيقية!
وقع كلماتها تلك!
أحدثت في كياني وخزا أشد من وخز إبرة تعثرت شوكة رأسها في مناطق جسدي وسويداء فؤادي حتى أدمته ألما وحزنا وقشعريرة.
راودت الدموع عيناي عن نفسها فاغرورقتا بؤسا لحال جيل ناشئ من المفترض أن نعده عمادا للمستقبل،وغرسا للحاضر الغض،المهيأ لأن يتشكل بين أناملنا كيفما شئنا،وكما نريد.(15/141)
فعندما نراه يتهاوى وينفرط عقده حبة حبة دون ردة فعل منا أو تصرف جاد حياله فإننا نكون بذلك قد جنينا عليهم في لحظة غفلة وسهو نقترفه ضدهم.
اعتدت كلما تنقلت بين المدن والقرى أن ارتاد مكتباتها تتبعا لجديدها من الكتب ومفيدها وقيمها
فكان أن اقتنيت في إحدى زياراتي لمدينة الرياض كتبا دفعت مقابلا لها ثمنا باهظا.
وقعت الفاتورة بين يدي ابنة أختي ال12ربيعا
فقالت لي: كان من الأجدر بك أن تصرفي هذا
المبلغ في شراء أشرطة موسيقية! وهل نضع الموسيقى في مصاف هذا الفكر القيم؟
لماذا تقرئين؟
أدركت من استفسارها جهلا بأهمية القراءة ولم أشعر أن تساؤلها احتقار لهذا العشق الذي أكنه
للكتب حتى الهوس لذا آثرت الدخول معها في نقاش ودي ربما أرسو على شط أرتجيه.
ماذا تفعلين عند شعورك بالجوع؟... آكل.
وعند شعورك بالعطش؟... أشرب.
وبالملل واكتناز الصدر؟... أقرأ القرآن أو اخرج للتنزه.
وعند غلبة النعاس؟... أنام.
وعند طلبك التوسع في سيرة شخصية من الشخصيات التي تدرسينها؟... أقرأ.
ورغبة منك في حل مسابقة في مطبوعة ما أو تتبع أخبار بطريقة موسعة؟... أقرأ.
للارتقاء بمستواك اللغوي مع الإلمام بقصص تمكنك من الاعتماد عليها والاستشهاد بها في مادة التعبير؟... أقرأ.
لم أشأ أن أطيل التساؤل معها فيكفيني أن أصل بها إلى طرف خيط مبتغاي ثم أدع لها حرية تتبع باقيه.
في إحدى الأمسيات استللت كتابا تراثيا قصصيا واخترت منه قصة وقرأتها بصوت مرتفع أمام الجميع وكانت هي بينهم ثم واصلت قراءتي بصوت هادئ وما أن نويت مغادرة المكان حتى تعمدت ترك الكتاب في مكانه وغبت طويلا.
عدت بهدوء حتى لا تشعر بي ورأيتها والكتاب بين يديها تقرأ فيه وبنهم.
حتى أني دخلت المكان وخرجت دون أن تشعر بي!
http://www. twbh. com المصدر:
========
يا ربي خذ من دمي حتى ترضى
((إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة.. يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون))
صفقة رابحة.. وبيعة مع ملك الملوك..
فبع نفسك يا ابن آدم.. نفسك الفقيرة الضعيفة..
في سبيل الله..!!
قال ابن السرح.. (فهي بيعة موضوعة في عنق كل مسلم ولا تسقط إلا بسقوط إيمانه).
افتح جواز السفر..
الديانة: مسلم.. وأخرى مسلمة وأنا مسلمة..
إذا عليك الوفاء بالبيعة..!
ولنا في نبينا - صلى الله عليه وسلم - وصحابته وسلفنا الصالح أسوة حسنة، عن ابن مسعود قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه بين كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلما سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وضعه بين كتفيه. قال: فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والنبي - صلى الله عليه وسلم - ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت وهي جويرية، فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته رفع صوته، ثم دعا عليهم.
آذوه في أشرف موقف.. في سجوده.. ولم يأبه.. لأن عنده رسالة يريد أن يوصلها للخلق كافة..!
باع نفسه لله..!
-------------
أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسولا - إلى مسيلمة الكذاب عندما ادعى النبوة، فقال له مسيلمة: أتشهد أني رسول الله؟
يرد عليه الرسول: هاه.. إن في أذني صمما..!
فيسأل مسيلمة: أتشهد أن محمد رسول الله.؟
ويرد: أشهد أن محمد رسول الله..
فأمر به فقيد.. ثم أعاد عليه السؤال.. والرسول لا يزيد حرفاً على إجابته.. فقطعت قدماه..!
ماذا يعني أن تقطع قدماه.. بدون تخدير.. والدم ينزف..
ويعاد السؤال وتبقى الإجابة (هاه.. إن في أذني صمما..!)
فأمر به فقطعت يداه..
لم يبقى سوى.. رأس وقلب..!
فأعاد عليه مسيلمة الكذاب السؤال..
والرسول يرد: إن في أذني صمما..!
فقتله..!
كلمة لو قالها لنجى..! (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان).
ما الذي منعه..؟؟
الوفاء بالبيعة..!!
نعم.. فقد باع نفسه لله..!
-------------
أبو بكر النابلسي وقليل من يعرفه..
هو صاحب الكلمة المشهورة: لو أن عندي عشرة أسهم لرميت تسعة في الروم.. وواحدا في الفاطميين (الدولة العبيدية).
فاستدعاه الخليفة الفاطمي.. وسأله: أأنت قلت هذا..
قال: لا.. بل قلت.. لو أني لي عشرة أسهم لرميت تسعة فيكم وواحد فيكم أيضا..
لأنكم.. بدلتم السنة.. وقتلتم العلماء.. وسببتم الصحابة..
ماذا فعل به الخليفة؟!
لم يُقتل.. لم يُجلد، ولم يُحبس.. لم يُصلب..
بل سُلخ.! تماما كما تسلخ الشاة..
علق من قدميه.. وقطع الجلد من طرف القدم.. وسلخوه من قدميه إلى ساقيه إلى فخذيه.. إلى حوضه.. إلى بطنه..
حتى وصلوا إلى صدره..
كل هذا.. وهو يردد (كان ذلك في الكتاب مسطورا).
أي إيمان خالط بشاشة قلبه..
وكل هذا.. وفاء بالبيعة.. لأنه أراد الجنة بصدق..!
حتى أن الخليفة أمر يهودياً بسلخه لأن الرحمة منزوعة من قلوب اليهود.. فلما وصل اليهودي لسلخ صدره.. غرس خنجرا في صدره ليموت..
حتى اليهودي.. أحس بالشفقة عليه من شدة التعذيب..!
-------------
كل هذا حصل.. وغيره الكثير.. لأجل..
(بأن لهم الجنة)
-------------
أما حالنا اليوم..
تلك تتابع الموضة.. لا يهم.. حتى لو كانت محرمة.. المهم أن تبدوا الأفضل..!
والأخرى تنمص.. وتجادل وتناقش في الحكم.. لم تسلم الحكم لله..!
وتلك تقلب القنوات.. فتارة مع المسلسل.. وتارة أخرى مع فيديو كليب..!!
ومن يستهيين بارتكاب المكروهات..
ومن بالتوسع في المباحات..(15/142)
والكثير يجري.. ويلهث.. لأجل الدنيا..!
والبيعة..!!!
أخوتي..
أترووجها للمقارنة..!
هم ضحوا بأرواحهم.. ونحن لا تنازل عن شهوات وكماليات..!
وننسى البيعة..!
(وهي بيعة موضوعة في عنق كل مسلم.. ولا تسقط إلا بسقوط إيمانه).
هذا الكلام ليس هينا.. أبداً..!
فكرت في حالي..! وأريد التفكير في حالكم!! فلست بأفضل منكم..
وتذكروا.. سلعة الرحمن الغالية.. هي الثمن..!
http://www.dawahwin.com المصدر:
===========
كيف نؤثر ؟
د.رقية بنت محمد المحارب
سؤال طرق مسمعي إثر محاضرة "الفراغ العاطفي" أو لعل طارحة السؤال قد اقتنعت بضرورة إعادة أوراقنا نحن المعلمات والمربيات حول أساليب تعاملنا مع طالباتنا اللاتي لا نفتأ في كل مجلس نذكر ـ على سبيل التذمر ـ غلظتهن وقلة أدبهن، ويغيب عن أذهاننا أحياناً أنهن عاطفيات ومرهفات الحس وشديدات التأثر.. ولعلكِ تعجبين حينما تعلمين أن تلك الفتاة المشاغبة والمشاكسة والقليلة الاحترام لكِ، هي كالوردة نعومةً وكالزبدة طراوةً حييّة معطاء مع زميلتك المعلمة الأخرى ذات اليد الحانية والمشاعر الفياضة.. فلِم يا ترى؟
هل الفتاة متقلبة المزاج؟ وهي قد تكون كذلك أحياناً.. أم أنها الحساسية المفرطة من مجرد النظرة والكلمة؟ وهي موجودة كذلك، أم هو التعامل والاحترام الذي تبذله تلك المعلمة وتعجزين عن بذل شيء منه بسبب قناعتك أحياناً بأن من مستلزمات الشخصية القوية وتحصيل الهيبة هو في الصرامة، أو ضعف قدراتكِ الشخصية على الاحتواء أحياناً أخرى!
فهل حقاً نريد أن نعرف كيف نؤثر في الفتيات؛ لنجعل هذه اللبنات الناشئة حاملات لرايات الإصلاح والخير، ونكون محاضن تربوية دافئة لهن؟
لعلي أعرض لكِ بعض عوامل التأثير مستفيدة من هدى خير البشر- صلى الله عليه وسلم - الذي قال عنه ربه: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
1. اعتياد القول الحسن لطالبتكِ أو زميلتكِ في العمل حيث يبين الله - عز وجل -: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم) فحين تنادي طالبتكِ بكلمة طيبة ككلمة أختي الحبيبة، ابنتي الحبيبة، قلبي عيني إلخ.. أو تردفين النداء بكلمة دعاء فتقولين: "يا رعاكِ الله، حفظكِ الله،.. إلخ" دون تكلف، أو تناديها بأحب الأسماء إليها أو تكنينها بكنية تختارها هي تحبها، وقد فعل ذلك رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ مع أصحابه بل فعله مع صغارهم كما في حديث: "يا أبا عمير ما فعل النغير".
2. السؤال عما يهم محدثتكِ حيث تكسبين قلبها، فتسألينها عن بعض أهلها أو عن نفسها، أو عن اهتماماتها وستجدين لذلك أثراً خاصةً إذا كنت على مستوى أعلى منها، كأن تكوني مديرتها أو معلمتها وتكون صغيرة وأنتِ كبيرة وفي الحديث السابق: "يا أبا عمير ما فعل النغير" يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - الصبي عن اهتماماته وهو طيره الذي يربيه.. فأي شيء يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من "النغير" غير تأليف قلب الصغير وإشعاره بالحميميّة.
3. الأخذ بيدها أو بكتفها أو بعضدها أو وضع اليد لفترة وجيزة على رأسها أو وضع يدها بين يديك مع إشعارها بالرد، وقد وردت نماذج في سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك حديث ابن عمر: "أخذ بمنكبي وقال يا عبد الله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وحديث ابن الحويرث: "وضع كفي بين كفيه" وحديث الشاب: "وضع يده على صدري حتى وجدت برد يده" وغيره كثير..
4. إشعارها بالحب والتصريح لها بذلك، فلو رأيتِ من طالبة تقصيراً أو استكباراً ودعوتها وحدها إلى غرفتكِ أو خارج الفصل وأخبرتها بحبكِ لها فقلت: "فلانة أنا أحبك فتعالي للمصلى لتحفظي القرآن"، أو شيئاً مما تريدينها تعمله ستجدين الاستجابة السريعة، وإذا لم يصلح مع واحدة سيصلح مع غيرها، وهنا أحذر من تجاوز الحدود الشرعية في هذه العلاقة فمتى لاحظت أن هناك إعجاباً شديداً فحاولي تذكيرها بالهدي النبوي والأخوة في الله، ولكن لا نترك كسب الناس مخافة أن نصل إلى مرحلة الإعجاب المذموم، كما لا يصح التساهل مع بعض الفئات المستهترة ولكن يتم الحزم بعد استنفار جميع الوسائل.
5. تفقد أحوالها؛ فإذا غابت أخبريها أنك افتقدتها، حاولي تذكر اسمها، أو اربطي بين اسمها واسم واحدة من قريباتك لتذكريه.. وإذا أردت محادثتها فخصيها بالاسم مثلاً في الفصل فإذا أردت أن تكسبي طالبة فقولي "إني أريد أن أسمع صوت فلانة، أنا مشتاقة لإجابة فلانة" بعبارات الحب والود، مع تجنب تخصيص طالبات بذلك بل يكون للعموم تجنبا للغيرة وغير ذلك.
6. تعاطفي معها عند مرضها بالقول والفعل وأشعريها باهتمامكِ بمرضها وصحتها.
7. خصيها بالاهتمام بجانب معين في بعض المواقف.. واعملي ذلك مع غيرها في مواقف أخرى لا تكون هي حاضرة فيها.. كما كان يفعل المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: "ما فعل ضيفك البارحة يا أبا هريرة".
8. اهديها هدية ولو يسيرة واستفيدي من قوله - صلى الله عليه وسلم - "تهادوا تحابوا".
9. بداءتها بالسلام عليها إذا مررت بساحة المدرسة أو بين الفصول أو في أماكن العمل ولاطفيها بين زميلاتها.
10. إذا حدثتكِ فأحسني لها الاستماع وأصغي لها باهتمام؛ لأن عدم الاستماع الجيد قد يؤدي إلى فقد ثقة الآخرين واحترامهم، وتذكري قول الشافعي - رحمه الله -: "إن الرجل ليحدثني بالأمر أعرفه من قبل أن تلده أمه فأصغي إليه حتى ينتهي من حديثه وأريه أني أسمعه لأول مرة".(15/143)
11. ابسطي لها أسارير وجهكِ وابتعدي عن العبوس والتجهم وتقطيب الحواجب، أشعريها بالحب بعينيك. يقول ابن القيم: إن العيون مغاريف القلوب بها يعرف ما في القلوب وإن لم يتكلم صاحبها:
العين تبدي الذي في عين صاحبها *** من الشناءة أو حب إذا كانا
واعلمي أن لذلك أكبر الأثر، والمتعلم يلحظ منكِ مالا تلحظين من نفسكِ:
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه *** برقت كبرق العارض المتهلل
12. اعتني بلباسكِ وهيئتكِ فإن النفس مجبولة على حب الجمال لاسيما النساء وأخص منهن المراهقات، ولكن دون تكلف ملفت أو مخالفات شرعية.
13. الإيحاء بما تريدينه منها دون طلب، واستفيدي من تجربة الشيخ الخطيب - رحمه الله - فقد رأى خطه وهو صغير فقال: "يشبه خطك خط المحدثين". يقول الخطيب: "فألقى في قلبي حب الحديث وطلبه منذ تلك الساعة".. وهكذا تجدين كثيرين ساهم في تميزهم كلمة سمعوها من أساتذتهم أو الكبار حولهم.
14. ابتعدي عن إحراجها خاصة في الأوقات التي تخطئ فيها أمام الآخرين، وإذا أردتِ ملاحظة خطأ أو أردتِ نصحاً فبالسر وبعيداً عن ملاحظة الآخرين..
15. اسعي إلى إدخال السرور إلى قلبها كحمل البشرى لها بما تحب.
16. أعطيها شيئاً من حاجاتكِ إذا رأيتها محتاجة إليه كقلمكِ أو (بنسة) شعركِ أو ورقة من دفتركِ أو غير ذلك.
17. ابتعدي تماماً عن التشهير بغلطها أو الاستهزاء أو الاستخفاف برأيها أو تجهليها؛ فإن النفس مفطورة على حب من يمدحها وبغض من يذمها.
18. إحرصي على تقديم النفع والشفاعة لها إذا احتاجت لذلك لا سيما إذا كانت في موقف ضعف.
19. كوني لها قدوة، فلا تراكِ على شيء تنهينها عنه، ولا تشعريها بخصوصيتكِ دونها.. كمن تنهى طالباتها عن لبس شيء أو فعله وتحرمه وهي لا تتورع من فعله، وقد يكون هاجسكِ المرعب: أخشى أن تعجب فيَ أو أخشى أن تحبني فإن تلك الخشية في غير محلها فلتحبكِ ولتتأثر بكِ واضبطي عواطفكِ عند حدود المحبة.
http://www.dawahwin.com المصدر:
===========
توجيهات دعوية
عبد الله محمد العسيري
التجميع .. والتركيز:
إننا نعرف جميعاً أهمية الوسطية في منهج المؤسسة الدعوية خاصة الآن، لما نراه من تيارات كثيرة سواء كانت إسلامية أو غير ذلك، تسيء فهم الإسلام، وعملية التجميع ممر لابد أن تسير عليه أي جماعة دعوية تريد الإصلاح في المجتمع الذي تعيش فيه، أما التركيز فهو نفق تمر فيه الجماعة الدعوية لكي تخرج المجموعة المنتقاة التي تصبر على المحن وتجتاز الفتن، وتكون الفئة المرشحة لقيادة السفينة الدعوية في الجيل اللاحق، والتوسط بين المصطلحين السابقين "تجميع، تركيز" مطلوب، أن نمسك بالعصا من الوسط فلا إفراط ولا تفريط، فتكون لجان الاستقبال لدى المؤسسة أبوابها مفتوحة للناس يتعلمون دينهم وسنة رسولهم - عليه الصلاة والسلام - والسلوكيات الحسنة وكل ما ينفعهم، فمن الناس من يستمع إليهم ويتأثر وينفذ، ومنهم من يتأثر ولا ينفذ، ومنهم من لا يتأثر ولا ينفذ. فإن الطائفة الأخيرة فاتها كل الخير.
وبعد فترة من الزمن نجد أن هؤلاء الذين دخلوا جميعهم من مرحلة التجميع لا يستمرون في حضورهم ولا يحرصون على ارتقاء مستوياتهم وبعد مدة نجد التصفية أو مرحلة الانتقاء الذي يقي المصارع، وهذه مرحلة حساسة ومهمة، لأن المؤسسة سوف تأخذ الصفوة، أما الفئة الثانية الذين تأثروا ولكن لم يستمروا فقد تستفيد منهم المؤسسة الدعوية في المستقبل، فربما يعطون صورة حسنة عن هذه الجماعة لأقاربهم أو كسب أصوات في انتخابات ما أو يقفون في صف المؤسسة لأي محنة أو أزمة تمر بالجماعة الدعوية.
http://islameiat.com المصدر:
=============
الفتور
يوسف عبد العزيز السيف
سؤالي باختصار شديد عن الفتور في حياة الشباب، الفتور في الدعوة، الفتور في طلب العلم، الفتور في حفظ القرآن، الفتور في القراءة وغير ذلك.
فضيلة الشيخ..، يكثر الفتور في المرحلة الجامعية، فما ضابط الفتور؟ وما أسباب ذلك؟ وما العلاج؟.
أرجو الإجابة، وجزاكم الله خيراً.
الجواب :
الأخ الكريم...
نسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية.
وجوابي على سؤالك يتضمن النقاط التالية: -
أولاً: - الدعوة إلى الله اليوم واجب الأمة الإسلامية جميعاً ولا يشذ عن ذلك إلا عاجزٌ، كل على حسب قدرته وما وهبه الله من استعدادات وإمكانات. والنظر في حال شباب الأمة يجد تقهقراً عن القيام بهذا الواجب وتراجعاً عن الانشغال بهذه الوظيفة وعزوفاً عن التصدي لتلك المهمة الصعبة من قبل كثير من الشباب.
ثانياً: - لا بد من توضيح المظاهر والتي غالباً ما تلاحظ على الشخص المصاب بالفتور وهي ما يلي: -
1- كسل يصيب الروح والجسم والعقل.
2- قلة قراءة القرآن الكريم بل استثقال القراءة وعدم التأثر لما يقرأ.
3- عدم الإخلاص وتتحول دعوته كالوظيفة جمود ورسميات.
4- كثرة التفكير في مشاكل الدنيا وهمومها.
5- الإسراف في المباحات من أكل ونوم.
6- الملل من الأسلوب التربوي الذي يتلقاه الشباب والمطالبة بالتجديد دائماً.
7- إلقاء المسئولية والتكاليف الدعوية على الغير أو التقصير فيها وعدم تحملها.
ثالثاً: - أما أسباب الفتور فهي كثيرة، نختصرها فيما يلي: -
1- أسباب إيمانية: -
أ- ضعف الصلة بالله والتعلق به وقلة ذكره ودعائه وعدم تعظيمه.
ب- التقصير في عمل اليوم والليلة.
ج- عدم العيش مع ذكر الله وكتابه وترك تلاوته وتدبره.
د- عدم الشعور بهيبة الله وأنه المعين والنصير.
هـ- الوقوع في صغائر الذنوب مع الاستصغار لها.
2- أسباب من البيئة (الوسط الذي يعيش فيه الشخص)
أ- العيش في بيئة مليئة بالفاترين.(15/144)
ب- ضعف الجانب التربوي القديم مما يؤدي إلى استعجالٍ للنتائج أو إهمالٍ أو غيره.
ج- عدم وجود موجه قوي.
د- التأثر بانتكاس الآخرين.
هـ- الصحبة المؤثرة للفرد سلباً.
و- عدم وضع الفرد في مكانه الصحيح أو عدم إعطائه الأعمال المناسبة له
ز- المشكلات والصراعات بين الشباب ممن يثير الفتن.
ح- عدم مراعاة النفسية عند النصيحة فقد يكون الشاب حساساً أو يكون حديث عهد بإيمان وصلاح.
ط- الاتكالية أو الكسل لكثرة العاملين في الوسط الدعوي أو غيرها.
3- وهناك أسباب شخصية للفتور مثل:
أ- الكبر والعجب بالنفس وتضخيم الذات.
ب- عدم الانضباط.
ج- حب القيادة وطلبها.
د- الغلو أو التساهل.
هـ- محاولة الوصول إلى المثاليات، وعندما لا يستطيع ذلك ينسحب من الصلاح عموماً.
و- إلقاء مسئولية رفع الإيمان أو ضعف الإيمان على الغير من المسؤولين وهو ما يسمى (بالإسقاط)
رابعاً / وهو الأهم في هذا الموضوع (وهو العلاج): -
أقول بمعرفة الأسباب يتضح العلاج وهناك بعض الأدوية التي تداوى بها تلك العلة ومنها: -
1- استشعار المسئولية العظمى المناطة بكل مسلم تجاه دينه وأمته وخصوصاً الشاب الصالح الذي تربى على الخير.
2- معرفة حقارة الدنيا وأنها لا تستحق انصراف القلوب إليها وانهماك البدن في الانشغال بها.
3- الثقة بنصر الله واليقين بوعده.
4- النصيحة الفردية منطوقة ومكتوبة.
5- المشاركة في الكلمات والندوات.
6- توزيع الشريط النافع والكتاب الهادف.
7- التفاؤل في الأعمال الدعوية مطلب هام وهو حافر للعمل ودافع إليه.
8- الجدية وعلو الهمة مطلب في حياة الشباب الملتزم، فلا بد من البعد عن مظاهر الكسل والبطالة والإخلاد إلى الراحة.
9- معرفة الواقع والاطلاع عليه وسيلة وليست غاية في نفسه.
10- التوازن في سائر الأمور مطلب شرعي.
11- مجانبة المتقاعسين والبعد عن مخالطة القاعدين.
12- الإخلاص أعظم الحوافز نحو العمل الدعوي ونفع الخلق.
13- الحرص عل الفرائض (صلاة، صيام، زكاة، حج).
14- الحرص على النوافل من صلاة وصيام وتصدق.
15- كثرة قراءة القرآن الكريم وتدبره.
16- قراءة سير السلف الصالح وحياة الصحابة وغيرهم.
وأخيراً وليس آخراً أقول هناك كتب لعلاج هذه المشكلة بإذن الله - تعالى - وهي: -
1- القرآن الكريم.
2- أحاديث الرقائق.
3- كتاب الخشوع في الصلاة.
4- الوابل الصيب.
5- الجواب الكافي لمن سأل عن الدوار الشافي (لابن القيم).
وأخيراً أحيل السائل على كتاب رائع جداً للشيخ الدكتور / ناصر العمر بعنوان (الفتور - مظاهره أسبابه علاجه)
أسأل الله - تعالى - أن يثبتنا وإياك على الحق.
http://www.saaid.net المصدر:
============
الدعوات والفتن
محمد الزهراني
من سنة الله أن يحصل الابتلاء للمؤمنين أفراداً وجماعات:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214].
لكن هذه الفتن بوجهها الآخر مبشرات؛ فإنه لا تحدث فتنة إلا كان بعدها فَرَج، وحصل لأهلها من الخير الكثير، وإن شدة ظلام الليل دليل على قرب صبحه.
وينبغي على الدعاة والمصلحين أن يوقنوا بأن الخير فيما يقدره الله؛ فكم غَدَر أعداء هذا الدين وكادوا ضده، وكاد ربنا بكيده؛ فكان ما قدره الله وكان فيه الخير للدعوة وأهلها.
قتل فرعون كل مواليد بني إسرائيل فزعاً وخوفاً من طفل قال الكهان إن على يديه يزول مُلك فرعون، وكاد ربنا، فقدّر أن يكون فرعون هو الذي يعتني بموسى - عليه السلام - ويرعاه في عقر داره رعاية أبناء الملوك {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} [القصص: 8].
وحسد إخوة يوسف أخاهم - عليه السلام - فكادوا ودبّروا {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} [يوسف: 10]، فجعل الله في ذلك خيراً كثيراً، فأخرجه الله سيداً لمصر وأميناً على خزائن الأرض {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: 100].
واجتمعت قريش وغطفان ويهود في الأحزاب ضد نبي الله محمد - صلى الله عليه وسلم - وقلة المؤمنين معه، فكادوا ودبروا لاستئصال شأفة المؤمنين حتى بلغت قلوب المؤمنين الحناجر، وأرجف المنافقون في المدينة، فجاءت {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]، فدبر ربنا - سبحانه - وقدّر، وارتحل الأعداء منهزمين، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: «الآن نغزوهم ولا يغزونا».
وهكذا تجري الأقدار ولا يعرف الناس في أيٍّ الخير، فلربما شُدّد على الدعوات، ومُلئت السجون بالدعاة، وأُلجم الناصحون فكان في ذلك كل الخير، فزاد عدد المنتمين للدعوة، وكثر أنصارها وقد ظن ضعفاء النفوس أن لن تقوم لها قائمة، وإنما يحصل هذا {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً} [الأنفال: 44]، وإنما الخير فيما يقدره الله {فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
والذي يجب بعد هذا هو أن نعلم أن البلاء والرخاء جولات ينبغي أن تجعلنا حريصين على إعداد العدة وقت الشدة؛ لتنطلق الدعوة في أوقات السعة والرخاء وتتقدم، وأن نأخذ من السنوات السمان للسنوات العجاف، ونوقن أن الله يأبى {إلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].
رمضان 1423هـ * نوفمبر-أكتوبر 2002م
http://albayan-magazine.com المصدر:
============
العجب وخطره على الداعية
عبد الحكيم بن محمد بلال(15/145)
في غمرة انشغال الداعية في أعماله الدعوية، يحصل لديه ـ أحياناً ـ قصور في تزكية نفسه، ومحاسبتها، وربما تسلل إلى قلبه آفات قادحة في عمله وإخلاصه، مفسدة لقلبه، قد يشعر بها وينشغل عن علاجها، وقد لا يشعر بها أصلاً.
ومن الأمراض السريعة الفتّاكة بالنية: العُجْبُ، وما ينتج عنه من الغرور والكبر.
مفهوم العُجب: العُجب هو: الإحساس بالتميّز، والافتخار بالنفس، والفرح بأحوالها، وبما يصدر عنها من أقوال وأفعال، محمودة أو مذمومة(1) وعرفه ابن المبارك بعبارة موجزة فقال: (أن ترى أن عندك شيئاً ليس عند غيرك)(2).
وإذا تنقص المعجب أعمال الآخرين، أو أعجب بما ليس فيه، واهماً امتلاكه، فهو الغرور؛ فإذا طال أشخاص الآخرين فهو الكبر.
ويدخل العجب في كل شيء يزهو به الإنسان، وأخطره العجب بالعمل. وهو المقصود هنا.
مداخل العُجب على الدعاة: ومما يُدخل العُجب على الداعية نظره لما منحه الله إياه من بلاغة أو فصاحة وبيان أو سعة في العلم وقوة في الرأي، فإذا انضاف إلى ذلك حديث الناس عن أعماله، وتعظيمهم له، وإقبالهم عليه... لم يسلم حينئذٍ إلا القليل(3).
التحذير من العجب: أمر الله - عز وجل - نبيه بالإنذار والدعوة، وتعظيم ربه - عز وجل - وفعل الخير، واجتناب الشر، وهجر الأوثان، ثم قال له بعد ذلك: ((وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ)) [المدثر: 6]، قال الحسن البصري: (لا تمنن بعملك على ربك تستكثره)، فإنه مهما كُثرَ العمل ففضل الله أعظم، وحقه أكبر.
وقد نهى الله عن تزكية النفس، بمعنى اعتقاد خيريتها، والتمدّح بها فقال: ((فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ)) [النجم: 32]، كما نهى عن المن بالصدقة فقال: ((لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى)) [البقرة: 264]، والمن يحصل نتيجة استعظام الصدقة، واستعظام العمل هو العُجب. والإعجاب بالنفس شر، وأي شر، قال ابن المبارك: (لا أعلم في المصلين شيئاً شراً من العجب)(4).
ولعل المرء يدافع الرياء ويحس به، بيد أنه لا يشعر بما في داخله من العجب المحبط، ومن أجل ذلك كان مهلكاً بوصف النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: (ثلاث مهلكات) ثم ذكرهن: (شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه)(5).
وإذا كانت الذنوب مهلكة، فإنها قد تكون رحمة بصاحبها حين تخلصه من العجب الذي هو الهلاك حقاً. قال: (لو لم تكونوا تذنبون، خشيت عليكم أكثر من ذلك: العجب)(6).
وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: (الهلاك في شيئين: العجب والقنوط).. (وإنما جمع بينهما لأن السعادة لا تنال إلا بالطلب والتشمير، والقانط لا يطلب، والمعجب يظن أنه قد ظفر بمراده فلا يسعى)(7).
ومما ورد في جزاء المعجبين قوله: (بينما رجل يتبختر، يمشي في برديه، قد أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) وفي رواية: (قد أعجبته جمته وبرداه)(8)، فكيف بمن أُعجِبَ بعلمه أو عمله؟!
مظاهر العجب:
الله - عز وجل - أعلم بالإنسان من نفسه، والإنسان أعلم الناس بنفسه فهو أقدرهم على اكتشاف مظاهر العجب في نفسه، كما أن بعضها لا يخفى على الناس، ومنها:
1- المنّ على الله، ومطالبته بما آتى الأولياء، وانتظار الكرامة وإجابة الدعوة(9).
2- الإكثار من الثناء على النفس ومدحها، لحاجة ولغير حاجة، تصريحاً أو تلميحاً، وقد يكون على هيئة ذم للنفس أو للآخرين، يراد به مدح النفس.
3- الحرص على تصيّد العيوب وإشاعتها، وذم الآخرين ـ أشخاصاً أو هيئات ـ والفرح بذمهم وعيبهم.
4- النفور من النصيحة، وكراهيتها، وبعض الناصحين.
5- الاعتداد بالرأي، وازدراء رأي الغير.
6- صعوبة المطاوعة، والحرص على التخلص من التبعات والمسئوليات، وتحقيق القناعات الشخصية.
7- الترفع عن الحضور والمشاركة في بعض الأنشطة العلمية والدعوية، وخصوصاً العامة.
مخاطر العجب وآثاره: للعجب أثره على الدعوة والدعاة(10)، ولا شك أن آثاره على الدعاة تنعكس على الدعوة أيضاً بالسلب،
فمن آثاره على الدعاة:
1- أنه طريق إلى الغرور والكبر، وآثار الكبر المهلكة لا تخفى.
2- الحرمان من التوفيق والهداية؛ لأن الهداية إنما ينالها من أصلح قلبه وجاهد نفسه، قال الله - تعالى - : ((وَالَّذِِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)) [العنكبوت: 69]، ومن صور هذا الحرمان: نسيان الذنوب واستصغارها، والعمى عن التقصير في الطاعات، والاستبداد بالرأي، والتعصب للباطل، وجحود الحق، وهذه الآثار في الجملة منها ما يقع سبباً للعجب، ثم يزداد ويستمر، ليبقى أثراً ثابتاً له.
3- بطلان العمل، قال - عز وجل -: ((لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى)).
4- العجز والكسل عن العمل؛ لأن المعجب يظن أنه بلغ المنتهى.
5- الانهيار في أوقات المحن والشدائد؛ لأن المعجب يهمل نفسه من التزكية، فتخونه حينما يكون أحوج إليها، ويفقد عون الله ومعيته؛ لأنه ما عرف الله حال الرخاء.
وتأمل ما أصاب الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ مع إيمانهم وصلاحهم، حين أعجب نفر منهم بكثرة العدد: ((وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ)) [التوبة: 25] واليهود ـ عليهم لعائن الله ـ: ((ظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)) [الحشر: 2].
6- نفور الناس وكراهيتهم؛ لأن الله يبغض المعجب.
7- العقوبة العاجلة أو الآجلة، كما خسف الله بالمتبختر المعجب الأرض.(15/146)
ومن آثاره على الدعوة: توقفها أو ضعفها وبطؤها بسبب قلة الأنصار؛ نظراً لنفور الناس، وكراهيتهم للمعجبين، وسهولة اختراق صفوف الدعاة وضربها؛ نظراً لانهيار الدعاة المعجبين حال الشدائد.
أسباب العُجب:
ذكر العلماء للعجب سببين رئيسين:
أولهما: جهل المعجب بحق ربه وقدره، وقلة علمه بأسمائه وصفاته، وضعف تعبده له - تعالى - بها.
ثانيهما: الغفلة عن حقيقة النفس، والجهل بطبيعتها وعيوبها، وإهمال محاسبتها.
ويدخل تحتهما: تجاهل النعم، ونسيان الذنوب، واستكثار الطاعات.
ومن الأسباب المهمة أيضاً:
أ - الجهل بما عند الآخرين من علم أو عمل قد يفوق ما عنده كثيراً.
ب - النظر إلى من هو دونه في أمور الدين، دون النظر إلى من فاقه وزاد عليه.
ج - النشأة في كنف مربٍ به عُجْب، كثير الثناء على نفسه.
د - صحبة بعض أهل العجب، لا سيما إذا كانوا من المبرزين النابهين.
هـ ـ الاعتداد بالنسب، أو المكانة الاجتماعية، أو كثرة المال.
وـ الإطراء والمدح في الوجه، والإفراط في الاحترام.
ز ـ المبالغة في الانقياد والطاعة، ولو في المعصية.
ح ـ التصدر للناس قبل النضج العلمي والتربوي، تساهلاً، أو تطلعاً لسماع الجماهير، أو مراعاة لظروف الدعوة، لخلو الساحة من المؤهلين تأهيلاً كافياً.
ط ـ تحقيق بعض الدعوات أو الأشخاص نجاحات في الدعوة؛ كالتفاف الجماهير، وسماعهم، وتأثرهم.
علاج العجب: أول ما ينبغي أن يتوجه إليه العلاج: معالجة أسباب العجب، ومجاهدة النفس على اجتنابها ويمكن تفصيل خطوات العلاج فيما يلي:
أولاً: الحرص على العلم الشرعي، الذي يهذب النفوس، ويصلح القلوب، ويزيد الإيمان؛ فإن الإيمان الكامل والعجب لا يجتمعان. وتحصيل العلم النافع دليل على أن الله أراد بعبده خيراً. ومن الجوانب التي ينبغي العلم بها، والعمل بمقتضاها:
1- أسماء الله وصفاته وأفعاله، وحقه في التعظيم المورِث للخوف، الذي يطرد العجب قال - تعالى - : ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)) [الزمر: 67].
2- تذكّر فضل الله ـ - عز وجل - ـ على عبده، ونعمه المتوالية، والنظر في حال من سُلبها؛ فإن الله خلقه من العدم، وجعله إنساناً سوياً، وأمده بالنعم والأرزاق، وجعله من أبوين مسلمين، ووفقه للطاعات، وهيأ له أسباب العلم والدعوة، وهو الذي يثيبه عليها، ويدخله الجنة برحمته. وهو - تعالى - لو شاء لجعله عدماً أو جماداً، أو بهيمة، ولو شاء لخلقه أصم أبكم أعمى، ولو أراد لجعله من أبوين يهوديين أو نصرانيين، وهو - سبحانه - في كل نعمه تلك غني عن عبده وعن عبادته وعن طاعته.
3- افتقار هذه النعم إلى الشكر، وأن العبد مهما شكر فشكره لا يكافئ النعم، مع ما قد يشوبه من خلل.
4- حقيقة الدنيا والآخرة، وأن الدنيا مزرعة هدف العبد فيها مرضاة الله - تعالى - وهو - عز وجل - لا يرضيه العجب، وكذا تذكّر الموت وما يكون بعده من الأهوال التي لا ينفع فيها إلا صالح العمل، والعجب يجعله هباء منثوراً.
قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : (إذا خفت على عملك العجب، فاذكر رِضا من تطلب، وفي أي نعيم ترغب، ومن أي عقاب ترهب. فمن فكّر في ذلك صغر عنده عمله)(11).
5- حقيقة النفس. قال الأحنف بن قيس: (عجبت لمن خرج من مجرى البول مرتين، كيف يتكبر).
6- إدراك عواقب العجب، وأنه طريق إلى الكبر المهلك.
7- وجوب الإخلاص، قال الذهبي: (فمن طلب العلم للعمل كسره العلم، وبكى على نفسه، ومن طلب العلم للمدارس والإفتاء والفخر والرياء: تحامق واختال، وازدرى بالناس، وأهلكه العجب)(11).
ثانياً: الحرص على ما يعين على تحصيل ذلك من الإقبال على كتاب الله، واستلهام الفهم منه، ومن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسيرة السلف الصالحين، ومجالسة العلماء والدعاة الصادقين، والأخذ من علومهم.
ثالثاً: دور الدعاة والمربين، والذي يتمثل فيما يلي:
1- محاسبة النفس أولاً، وتنقيتها من داء العجب والفخر.
2- متابعة البارزين ومن يخشى عليهم العجب، من خلال:
أ ـ البرامج الإيمانية.
ب- اللقاءات الفردية التي يذكرون فيها بمعاني الإيمان والتواضع.
ج- وأحياناً مصارحة الواحد منهم بما يصدر منه، بأسلوب مناسب.
3- تمكينه من معاشرة ومخالطة الصالحين، ورؤية بعض المتواضعين من إخوانه، الذين هم أكثر بروزاً في المجتمع، وإبعاده وتجنيبه صحبة المعجبين.
4- التوقف عن إبرازه في المناشط العامة وتأخيره عن المواقع الأمامية، كنوع من العلاج، مع مراعاة ألا ينتج عن ذلك سلبية الإحباط، فإن حدثت فإنه يجب علاجها أيضاً؛ لأن التأخير اجتهاد في العلاج، وقد يكون التشخيص أيضاً مجتهداً فيه.
رابعاً: اتباع الآداب الشرعية في المدح والثناء، والتوقير والاحترام، والطاعة والانقياد.
ـ فالمدح: إذا كان بالحق، وباعتدال، مع من لا تُخشى عليه الفتنة فقط؛ كان جائزاً، أو مستحباً، بحسب المصلحة؛ وإلا فحرام.
ـ والتوقير والاحترام، ينبغي ألا يصل إلى التعظيم؛ ولذا كره من أصحابه أن يقوموا له، وأن يعظموه كما يعظم الأعاجم ملوكهم.
ـ وأما الطاعة والانقياد فقد حددها الشارع في المعروف.
خامساً: النظر إلى العاملين النشيطين، والتأمل في سيرهم وحياتهم.
سادساً: التأكيد على المسؤولية الفردية في محاسبة النفس ومتابعتها، حسب خطوات العلاج السابقة كلها، وتفقّد القلب في نيته عند كل عمل، قال عبيد الله ابن أبي جعفر: (إذا كان المرء يحدِّث في مجلس، فأعجبه الحديث فليمسك، وإذا كان ساكتاً فأعجبه السكوت فليتحدث)(12)، ولكن يجب التنبه إلى أن هذا يكون في حدود التأديب والعلاج، لا يتعداه إلى ترك العمل خشية العجب أو الرياء.(15/147)
كما أن المحاسبة قد تتطلب أحياناً تعريض النفس بين الحين والحين لبعض المواقف التي تكبح جماح كبريائها، وتعرفها بمكانتها اللائقة، كخدمة من هو أصغر منه، أو حمل متاعه بنفسه، على نحو ما أُثِرَ عن كثير من السلف. ولا غنى للعبد في كل هذه الوسائل عن الاستعانة بالله - تبارك و تعالى -، واللجوء إليه، لجوء العبد الضعيف المفتقر إلى عون مولاه ومدده وهداه وتوفيقه.
حال السلف في الافتقار إلى الله واجتناب العجب: لقد كان حال النبي - صلى الله عليه وسلم - دوام الافتقار إلى الله، والذل بين يديه، واستمداد العون منه؛ لعلمه بأن (قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه كيف يشاء). وقد تمثل افتقاره - صلى الله عليه وسلم - في دعائه: (اللهم مصرف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك)(13) يقول ذلك وهو سيّد ولد آدم، الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، بل يصلي حتى تتورم قدماه، ويقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً)(14) ولا يجتمع الافتقار والعجب في قلبٍ أبداً.
وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يغرس في نفوس أصحابه هذه المعاني، ويرشدهم إلى دوام التواضع لله والاعتراف بين يدي الله بالتقصير، مهما بلغوا من منزلة في الإيمان، فهو حينما يطلب منه أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ دعاءً يدعو به في صلاته، يعلمه أن يقول: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم)(15). ويرشدهم أيضاً إلى إظهار الحاجة إلى الله، وطلب العون منه دوماً، فيقول لمعاذ ـ رضي الله عنه ـ: (يا معاذ! والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، يا معاذ! لا تدعنّ في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك)(16).
نعم إنه يعلِّم ذلك صفوة الأمة، وخيرة أصحابه، ولكنه تعليم للأمة كلها على الصحيح. ثم تأتي ثمرة هذه التربية متجسدة في مواقف خيرة سلف الأمة:
- فأبو بكر ـ رضي الله عنه ـ يقول: (وددت أني شجرة تعضد).
- وعمر يسأل حذيفة - رضي الله عنهما - : هل سمّاني لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المنافقين؟
وحينما طُعِنَ وهو خليفة، وجعل يألم، قال له ابن عباس مواسياً: (يا أمير المؤمنين! ولئن كان ذاك، لقد صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحسنت صحبته، ثم فارقته، وهو عنك راضٍ، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبت صَحبتهم فأحسنت صُحبتهم، ولئن فارقتهم، لتفارقنهم وهم عنك راضون). فلم يأخذ عمر بكل هذا الثناء ولا أحس بالعجب والخيلاء، بل أسند ذلك إلى فضل الله ومنته، فقال: (أما ما ذكرت من صحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورضاه: فإنما ذاك منّ مِنَ الله - تعالى - منّ به عليّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه: فإنما ذاك منّ مِنَ الله ـ جلّ ذكره ـ منّ به عليّ، وأما ما ترى من جزعي: فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله - عز وجل - قبل أن أراه)(17).
- وعائشة - رضي الله عنها - لَمّا نزلت براءتها في حادثة الإفك قالت: (والله ما كنت أظن أن يُنزَل في شأني وحيٌ، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم فيّ بأمر، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله بها) (18).
- وهذا مطرِّف بن عبد الله - رحمه الله -يقول: (لأن أبيت نائماً، وأصبح نادماً، أحب إليّ من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً) (19).
ولم يكن هذا حال هؤلاء فحسب، لكنها صفة راسخة من صفات المؤمنين الصادقين، الذين وصفهم الله - عز وجل - بقوله: ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)) [المؤمنون: 60]. وقد سألت عائشةُ - رضي الله عنها - النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية، فقالت: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فقال: (لا، يا بنت الصدّيق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات)(20).
الفرق بين العجب بالعمل والفرح بالخير والطاعة: كما أن العجب بالعمل يورث التواكل والتكاسل، فإن احتقار العمل إذا لم ينضبط فإنه يورث أثراً مشابهاً وهو: الإحباط والملل والسآمة؛ لذا كان للعبد أن يفرح بالحسنة، ويغتبط بالطاعة، بل إن هذا دليل الإيمان، قال: (من سرته حسنته، وساءته سيئته، فهو مؤمن)(21).
ولكن الواجب عليه في هذا الفرح: أن يكون مستشعراً فضل الله - عز وجل - ومنته ورحمته وتوفيقه، مثنياً عليه بذلك، لا يرى لنفسه في الانبعاث لذلك العمل أثراً يعوّل عليه؛ إذ إن الذي منح القدرة والهداية هو الله - عز وجل - قال - عز وجل - : ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)) [يونس: 58]. وأعظم ذلك الفضل نعمة الإسلام والتوفيق للطاعة، (وإنما أمر - تعالى - بالفرح بفضله ورحمته؛ لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله - تعالى - وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان، الداعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود) (22) بخلاف الفرح المذموم المقترن باستحضار جهد النفس في العمل، الداعي إلى العجب والغرور؛ وهذا كالفرق بين الفخر بالنعم والتحدث بها (23).
من العجب إلى الغرور: يتعلق المعجب بالنعم التي يعيشها، والأعمال الصالحة التي يؤديها، ثم يمتد إعجابه ليشمل صوراً من شدة الإعجاب (الغرور)، ومنها:
أ - تنقّص أعمال الآخرين، وازدراؤها، ورؤيتها دون أعماله(24).(15/148)
ب - ادعاء أمور وهمية، وتضخيم بعض القضايا ـ يظنها كبيرة، وليست كذلك ـ، كمن يعتبر نفسه داعية كبيراً؛ لكونه يحسن التحدث والكلام. أو يرى نفسه عالماً فقيهاً ويتجرأ غروراً بما عنده من نتفِ علم، أو يعد نفسه مؤهلاً للقيادة، ـ لم تُعرَف مكانته ـ، ونحو ذلك. وكثير من هذه الصور وما شاكلها داخل في دائرة التزوير، الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه: (المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثوبَيْ زورٍ) (25).
ج - العجب بأمور باطلة يظنها حقاً، كغرور العلماء والعباد والمتصوفة والأغنياء بأجزاء من الدين، يحسبونها الدين كله، ويبنون عليها الرجاء، فمن العلماء من أحكم العلم وترك العمل، ومنهم من أحكم العلم والعمل وترك الاهتمام بالقلوب، ومنهم من اشتغل بوعظ الناس وتعليمهم وأهمل حاله، ومنهم من اشتغل بعلوم الآلة وأعرض من معاني الشريعة، ومنهم من كان حظه من العلم الحفظ بلا فهم ولا عمل... ومن العبّاد من غلا وتنطع، ومنهم من وسوس، ومنهم من أفرط في مراعاة أعمال الظاهر وأهمل أعمال القلوب، ومنهم من حرص على النوافل على حساب الفرائض... ومن المتصوفة من اغتر بالزي وترك المجاهدة ومراقبة القلوب، ومنهم من ادعى علم المعرفة والقلوب، وازدرى علماء الشريعة، ومنهم من ادّعى حسن الخلق وتصدر لخدمة الزهّاد طلباً للرئاسة... ومن الأغنياء من حرص على ما يخلد ذكره من أعمال الخير الظاهرة، كبناء المساجد ونحوها، ورفضوا ما سواها من أعمال البر الأخرى، ومنهم من ينفق على الفقير الذي ينفعه، ويشكر له معروفه، دون غيره، فهو يرجو الجزاء الدنيوي على نفقته، ومنهم من يضيق صدره بالزكاة ويخرجها من سيئ ماله...
وفي كل هذه الأحوال تجد أن نفوس أصحابها تسكن إلى ما يوافق الهوى، ويميل إليه الطبع، عن شبهة أو خدعة من الشيطان، وترجو بذلك الخير، وتظن غرورها رجاءً محموداً، غير أن الرجاء المحمود هو ما كان على وجهين:
1- رجاء العاصي التائب؛ الذي يمنعه من القنوط.
2- رجاء الفاتر عن النوافل؛ الذي يبعث فيه النشاط، ويمنعه من الفتور.
فكل رجاء حث على توبة أو تشمير فهو محمود، وكل رجاء أوجب فتوراً وركوناً إلى البطالة فهو غرور(26).
والغرور في أسبابه وعلاجه كالعجب، وله من المظاهر والآثار ما للعجب غالباً.
ويل للمعجب من الكبر: الكبر كما عرفه النبي: (بطر الحق، وغمط الناس) أي رد الحق، أو رفض قبوله، واحتقار الناس وازدراؤهم، وتنقّصهم. وحريّ بمن انتفش في نفسه، وأُعجب بعلمه أو عمله أن لا يحتقر علوم الآخرين وأعمالهم وجهودهم، ويقوده ذلك إلى احتقار ذواتهم وأشخاصهم، ورؤية نفسه فوقهم، فيقع في الكبر. وهذا يعني أنه سيرد ما لديهم من الحق؛ لأنه تنقّصهم واحتقر ما لديهم؛ سواء عرف أنه الحق، أم لم يعرف؛ إذ لا اهتمام له أصلاً بالنظر فيما لديهم لتمييز ما فيه من حق وباطل.
فالكبر مرض قلبي من أكثر الأمراض فتكاً بصاحبه، ومن علاماته الظاهرة(27): إظهار الترفع على الناس، وحب التصدر في المجالس، والتبختر والاختيال في المشي، والتقعر في الحديث، والاشمئزاز عن أن يرد عليه كلامه، وإن كان باطلاً، والاستخفاف بضعفة المسلمين، والافتخار بالآباء والنسب، والحرص على المدح والتعظيم ومحبة أن يسعى إليه الناس، ولا يسعى إليهم، وأن يقوموا له، ومحبة التقدم على الغير في المشية والجلسة، وإسبال الثياب خيلاء.
وينبغي أن يكون الدعاة أكثر حذراً من الكبر؛ نظراً لكثرة مداخله عليهم من جهة العلم والعبادة والدعوة والتصدر للإصلاح؛ فهم أحوج الناس إلى التذكير(28).
ولا عجب؛ إذ قص الله علينا قصة زعيم المتكبرين إبليس الذي أوصله كبره إلى الطرد من رحمة الله، كما حكى قصة قارون الذي كانت نهاية تكبره خسف الأرض به. وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - على الذي أكل بشماله تكبراً، فشُلّت يده أو يبست فما رفعها إلى فمه بعدها (29).
وأبلغُ ما يعظ كتابُ الله - عز وجل - ، فقد بين الله أنه لم يجعل للمتكبرين نصيباً في الآخرة فقال: ((تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُواً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) [القصص: 83]. وأكد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى في حق المتكبر فقال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)(30). كما بين أنه لا يحب المختالين المتكبرين، فقال: ((وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)) [لقمان: 18]، وأن المتكبر يطمس الله قلبه فلا يبصر الحق فقال: ((كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)) (غافر: 35)، وإنما استحق هذا الجزاء؛ لأنه نازع الله ـ - عز وجل - ـ في صفة من صفات الكمال، كما في الحديث القدسي: (الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، من نازعني واحداً منهما ألقيته في النار)(31).
وتتوالى أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - تحذيراً من الكبر والخيلاء، ومنها: (من تعظّم في نفسه واختال في مشيته، لقي الله وهو عليه غضبان)(32).
وللتحرز من الكبر ومدافعته: يجب استشعار نعم الله، وإمكانية زوالها إذا لم تشكر، وأن ما لم يحصل عليه الإنسان مما عند الناس أضعاف ما عنده، فلِمَ التكبر؟! كما يجب أولاً وأخيراً: السعي في تقوية الإيمان؛ فإن ضعفه سبب المهالك.
فالواجب: تلمس عيوب النفس وأمراض القلوب، وآفات الأعمال، والسعي الحثيث في علاجها، على نحو الوسائل المتقدمة وغيرها. والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
------------
الهوامش:(15/149)
(1) انظر آفات على الطريق، د. السيد محمد نوح، ج1، ص 117، وانظر بعدها، فقد استفدت منه في مواضع من هذا الموضوع.
(2) سير أعلام النبلاء، ج8، ص 407.
(3) انظر: عقبات في طريق الدعاة، عبد الله علوان، 1/64، 65.
(4) سير أعلام النبلاء، ج1، ص 407.
(5) حسنه الألباني في صحيح الجامع، ح/3045.
(6) أخرجه ابن عدي 1/146، وغيره، وحسنه الألباني في الصحيحين، ح/658.
(7) مختصر منهاج القاصدين، ص 234.
(8) رواه مسلم، ح/2088، معنى (بتجلجل): يغوص، ومعنى (جمته): ما سقط على المنكبين من شعر الرأس.
(9) انظر الآداب الشرعية لابن مفلح، ج1، ص 158.
(10) انظر: تهذيب موعظة المؤمنين، ص 345، 346.
(11) سير أعلام النبلاء، ج 10، ص 42.
(12) سير، ج6، ص 10.
(13) رواه مسلم، ح/2654.
(14) رواه البخاري، ح/1130.
(15) رواه البخاري، ح/834.
(16) رواه أبو داود، وانظر صحيح سنن أبي داود، ح/1347.
(17) رواه البخاري، ح/3692.
(18) رواه البخاري، ح/2661، ومسلم، ح/2770، واللفظ له.
(19) السير، ج 4، ص 190.
(20) رواه الترمذي، ح/3175، وانظر السلسلة الصحيحة، ج 1، ص 255.
(21) رواه أحمد، ج 1، ص 18، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ح/ 6294.
(22) تفسير السعدي، ص 234.
(23) انظر: الروح، لابن القيم، ص 551.
(24) انظر: آفات على الطريق، ج 1، ص 141، وما بعدها.
(25) رواه مسلم، ح/2129. وانظر عقبات في طريق الدعاة، عبد الله علوان، ج 1، 69.
(26) انظر: موعظة المؤمنين، للقاسمي، ص 299 ـ 311.
(27) انظر: تهذيب موعظة المؤمنين، ص 354، وما بعدها.
(28) انظر: عقبات، علوان، ج 1، ص 79.
(29) رواه مسلم، ح/2021.
(30) رواه مسلم، ح/91.
(31) رواه مسلم، ح/2620، وابن ماجه، ح/4175، واللفظ له.
(32) رواه أحمد، ج 2، ص 118، وانظر: صحيح الجامع.
http://www.saaid.net المصدر:
===========
مسؤولية الدعوة .. وشروط الداعية
الشيخ عبد الحميد البلالي
نص الاستشارة:
ما المسؤوليَّة التي تقع على عاتق الشابِّ المسلم تجاه الدعوة، مع توضيح جوانب هذه المسؤوليَّة والشروط الواجب توافرها فيمن يتحمَّلها؟
نص الإجابة:
نشكر للأخ عبد الله حرصه على معرفة جوانب المسئوليَّة الدعويَّة والشروط الواجبة فيمن يُناط إليه القيام بأعبائها، وهذا في حدِّ ذاته نوعٌ من استشعار المسئوليَّة، وحرصٌ على ألا يكون هناك أيَّ تقصيرٍ في هذا المضمار.
أمَّا المسئوليَّة التي تقع على عاتق الشباب المسلم تجاه الدعوة فهي عظيمةٌ وبالغة الأهمِّيَّة، خاصَّةً في هذه الأيَّام، لأنَّ هذه الأيَّام تشهد تكالبًا عظيمًا من جميع قوى الشرِّ ضدَّ الإسلام والمسلمين.
وجوهر المسئوليَّة أن يبلِّغ الداعية تعاليم الإسلام إلى جمهور المسلمين في صدقٍ وإخلاصٍ وحسن قصد، وقد قال الداعية الإسلاميُّ الدكتور صادق أمين: "إنَّ مسئوليَّة الدعوة إلى الله باتت فريضةً شرعيَّةً وضرورةً بشريَّة".
وجوانب المسئوليَّة تعني مجموعة الأدوار التي ينبغي أن يقوم بها الشابُّ دعويًّا:
1 - إخلاص النيَّة لله - عز وجل -، وتحديد غاية الإنسان في هذه الحياة الدنيا وهي العبوديَّة المطلقة لله، قال - تعالى -: (وما خلقتُ الجنَّ والإنس إلا ليعبدون)، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى) رواه البخاري.
2 - إدراك التحديَّات والمخاطر التي تهدِّد الأمَّة الإسلاميَّة، فإنَّ معرفة هذه الأخطار والمؤامرات التي تحاك ضدَّ الأمَّة فيها شحنٌ للهمَّة وتقويةٌ للعزيمة ودفعٌ للذاتيَّة، وإقدامٌ على تبليغ دعوة الله والأخذ بالأسباب في مواجهة هذه التحدِّيات التي تريد النيل من الإسلام والمسلمين، وقد ورد في الأثر: "من لم يهتمَّ بأمر المسلمين فليس منهم".
3 - التأسِّي بأصحاب القدوة في التاريخ، فالصحابة الأعلام ومن سار على دربهم من السلف والتابعين ضربوا أعظم الأمثلة، ودشَّنوا الكثير من المواقف البطوليَّة والدعويَّة التي تدلُّ على حسن فهم ودراية ووعي هؤلاء بأهمِّيَّة الرسالة التي يتحمَّلون مسئوليَّتها.
4 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان بإجماع جمهور علماء أهل السنَّة والجماعة، والتقاعس عن ذلك جريمةٌ لا يكفِّرها إلا النهوض بها، والله - تعالى - يقول: (كنتم خير أمَّةٍ أُخرِجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهَون عن المنكر وتؤمنون بالله).
أمَّا الشروط الواجب توافرها فيمن يقوم بعبء ومسئوليَّة الدعوة إلى الله فمنها:
- أن يدعو الناس إلى الأهمِّ ثمَّ المهمّ، أي أن يراعي في الدعوة فقه الأولويَّات فلا يدعو الناس إلى أمورٍ فرعيَّةٍ وهم أصلاً لا يصلُّون أو لا يزكُّون مثلا.
- أن يكون نموذجًا وقدوةً لمن يدعوهم، فلا يُعقَل أن يدعوهم إلى شيءٍ وهو لا يأتيه، والله - تعالى - يقول: (كبُر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
- أن يكون حسن الخُلُق، متواضعًا، ليِّنًا، هيِّنًا، يراعي الشفقة على من يدعوهم والرحمة بهم، ويكون بالنسبة إليهم كالطبيب بالنسبة إلى المريض.
- أن يُحسِن اختيار وقت الدعوة، يكون كَيِّساً فَطِنًا في تخيُّر الوقت والظرف حتى يكون ذلك أدعى إلى جذب المدعوِّين وإجابتهم.
- أن يُنزِل الناس منازلهم، فجمهور المدعوِّين لا يتساوون في أسلوب وطريقة الدعوة، فدعوة المثقَّف تختلف عن دعوة الرجل العاديّ؛ وكما ورد في الأثر: (نحن معاشر الأنبياء أُمِرنا أن نُنزِل الناس منازلهم).
وفَّقك الله يا أخي وبارك فيك، ونتمنَّى أن نسمع منك باستمرار.
26/02/2004
http://www.ala7rar.net المصدر:
===========
التعذر(15/150)
سعد أحمد الغامدى
الحمد لله الذي يعلم ما في الصدور العلم بكل الأمور - سبحانه - جل وعلا - ما من غائبة في السماء ولا في الأرض إلا في كتاب مبين يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والصلاة والسلام على إمام المرسلين وقائد الغر المحجلين - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم الدين..
يؤلمني مواقف كثيرا من الناس الذي يرى فيهم الصلاح وحبهم للخير عندما يؤكل لهم أمرا من الأمور لصالح الإسلام والمسلمين ثم تجده يتعذر بأعذار واهية ويتملص تملصا عجيبا. أن التعذر من القيام بأعمال الخير والمساهمة في ما ينفع الإسلام والمسلمين صفة من صفات المنافقين التي والله نخشى على أنفسنا وإخواننا من هذه الصفة الخطيرة التي قد لا يشعر المسلم بها.
ولكم أن تتأملوا هذه الآية التي نزلت في للجد بن قيس أخي بني سلمة عندما قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ذات يوم هل لك يا جد العام في جلاد بني الأصفر. فتعذر كما قال الله - تعالى - {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}.
المنافقين يقولون لك يا محمد ائذن لي في القعود ولا تفتني بالخروج معك بسبب الجواري من نساء الروم قال الله - تعالى - ألا في الفتنة سقطوا أي قد سقطوا في الفتنة بقولهم هذا كما قال محمد بن إسحاق عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن قتادة وغيرهم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وهو في جهازه للجد بن قيس أخي بني سلمة هل لك يا جد العام في جلاد بني الأصفر؟ فقال يا رسول الله أوتأذن لي ولا تفتني فوالله لقد عرفت قومي ما رجل أشد عجبا بالنساء مني وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال قد أذنت لك ففي الجد بن قيس نزلت هذه ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني الآية أي إن كان إنما يخشى من نساء بني الأصفر وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرغبة بنفسه عن نفسه أعظم.
وتأملوا كذلك تعذر المنافقين في غزوة الخندق {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إلا فرارا}.
قالوا كما قال الله - تعالى - " وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب " يعني المدينة لا مقام لكم " أي هاهنا يعنون عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في مقام المرابطة " فارجعوا " أي إلى بيوتكم ومنازلكم" ويستأذن فريق منهم النبي " قال العوفي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - هم بنو حارثة قالوا بيوتنا نخاف عليها السراق يعني اعتذروا في الرجوع إلى منازلهم بأنها عورة أي ليس دونها ما يحجبها من العدو فهم يخشون عليها منهم قال الله - تعالى - " وما هي بعورة " أي ليست كما يزعمون " إن يريدون إلا فرارا " أي هربا من الزحف.
وتأملوا كذلك تعذر المنافقين {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ}.
يقول - تعالى - هلا تركتهم لما استأذنوك فلم تأذن لأحد منهم في القعود لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب فإنهم قد كانوا مصرين على القعود عن الغزو وإن لم تأذن لهم فيه. ولهذا أخبر - تعالى - أنه لا يستأذنه في القعود عن الغزو أحد يؤمن بالله ورسوله فقال " لا يستأذنك " أي في القعود عن الغزو ". الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم " لأنهم يرون الجهاد قربة ولما ندبهم إليه بادروا وامتثلوا " {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ }
إنما يستأذنك " أي في القعود ممن لا عذر له " الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر " أي لا يرجون ثواب الله في الدار الآخرة على أعمالهم " وارتابت قلوبهم " أي شكت في صحة ما جئتهم به " فهم في ريبهم يترددون " أي يتحيرون يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى وليست لهم قدم ثابتة في شيء فهم قوم حيارى هلكى لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا.
كم من الناس إذا قيل له أمر بالمعروف والنهى عن المنكر تعذر
كم من الناس إذا قيل له شارك في عمل خيري تعذر.
كم من الناس إذا قيل له ألقى كلمة دعوة إلى الله تعذر.
كم من الناس إذا قيل له شارك بقليل من المال في سبيل الله تعذر
كم من الناس إذا قيل له كثر سواد المسلمين تعذر.
كم من الناس إذا قيل له درس أو ادرس في حلقات علم تعذر.
كم وكم وكم......................
فالحذر الحذر من التعذر بدون عذر.والله تعلى اعلم وهو الهادي إلي سواء السبيل.
http://saaid.net المصدر:
=============
الأزمة الدعوية : إدارية أكثر مما هي منهجية ! ( 1- 2 )
د. أحمد العمير
مقدمة:
اختلفت تقديرات المهتمين بالشأن الدعوي المحلي لخطورة الأحداث المتسارعة الداخلية والخارجية، وتأثيراتها على مسيرة الدعوة ومكتسباتها التي حققتها خلال العقود الأخيرة بفضل الله ورحمته. كما تباعدت تصوراتهم حول آليات تقليل سلبيات هذه التطورات، وطرق استثمار فرص الكسب فيها؛ فمنهم المكتفي بتفاؤله، ومنهم المتشائم المحبط، وبين الطرفين مراحل وتباينات.(15/151)
فأما الأول فمصيب مقصر، ذلك أن تفاؤله سنة الأنبياء وثمرة اليقين بوعد الله، لكنه لا يوصل لشيء إذا لم يصحبه شجاعة ومبادرة ومدافعة مع تعاون وتطاوع وحسن إعداد، والتي هي سنن نبوية كذلك، فضلاً عن أن التفاؤل بلا خطط عملية ملموسة ولا حركة متنامية قد يخيب آمال الجموع، وقد يترك انطباعاً خاطئاً بالضعف والتراجع لدى الخصوم، ويزيد من جرأتهم على المصلحين.
وأما الثاني فمخطئ معذور، وخطؤه بيّن ظاهر، غير أن تقصير "الجميع" في فهم الأزمة وإدراك مسؤوليتنا المباشرة عن بعض أجزائها، وضعف وتبعثر جهود المجاهدة والمدافعة: يبرر له شعوره النفسي بالاستياء والإحباط الذي قل أن يسلم منه بشر يعيش هذه الظروف.
وأصحاب التفاؤل غير الفعال قد يجادلون أصلاً في وجود الأزمة، انطلاقاً من سعة انتشار وبيان العلم الشرعي في هذا العصر وإقبال الناس وتأثرهم برسالة الإصلاح بفضل الله ورحمته ثم بجهود الدعوة المتواصلة وقناعتهم بأن خطط الخصوم والأعداء مهما تعاظمت وتوالت فينبغي ألا تكون مؤثرة في مسيرة الإصلاح، لكنهم يلقون باللائمة في حدوث العوائق على تقصير الأفراد وتفريطهم أو تهوراتهم، وعلى التحولات المنهجية والتغيرات عند البعض الآخر، ويطالبون فقط بالصبر والاستقامة حتى يتحقق النصر، وهنا حديثهم ينصب على الاستقامة الفردية وليست الجماعية.
بينما نجد أن الطرف الآخر المستاء والمتألم من وضع الدعوة الراهن ومستقبل المشروع الإسلامي بعامة، لا يختلفون مع المتفائلين في مبررات تفاؤلهم، لكنهم يتساءلون عن دقة وصحة القراءة المطروحة للواقع الدعوي، فمع هذه المبشرات وتلك الجهود والنتائج، ألا يمكن أن نكون متلبسين بأخطاء متنوعة قد تكون هي السبب الأهم في وقوع "الأزمة" وهي الصفة التي يصرون على وصف الواقع الراهن بها !؟، وليس التفريط ولا التهور ولا التحولات المنهجية لوحدها! بل منهم من يرى أن هذه الأخطاء قد تكون هي التي أفضت لهذه التحولات وتلك التهورات وساهمت في تضخيمها وانتشارها.
وهذه المقالة تمثل محاولة لبسط رأي الشريحة المستاءة، والتي يبدو أن نسبتها آخذة في التزايد، تم جمعها من خلال الإنصات المتفهم لبعض أفرادها والقراءة المتأملة لانتقاداتها المبثوثة على الملأ مؤخراً بعد أن كانت همساً وفي دوائر مغلقة، وسيكون دور المقالة العرض والتعليق الاستقرائي للأحداث والأفكار والمواقف والتوجهات ذات العلاقة، وهذا ليس حديثاً باسم هذه الشريحة ولا نيابة عنها وإن كان الكاتب لا ينفي تقبله وتبنيه للعديد مما فيها، لكنها محاولة لإيصال بعضٍ من ملاحظاتها الجديرة بالتداول، ودعوة للتأمل فيها وتبادل الرأي حولها، سعياً للخروج من "الأزمة" وتسديداً للمسيرة واحتراماً لكل صاحب رؤية لا تعدم أن يكون فيها حظٌ من الحق والصواب، فنحن أمة يسعى بحاجتها أدناها، وقد يحمل المُبلِّغون فيها الفقه إلى من هو أوعى وأفقه منهم، أخذاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "بلغوا عني ولو آية، فرب مبلَّغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه". وقد يكون ذلكم في المسألة الجزئية أو التطبيقات الواقعية ولا يلزم أن يكون على الإطلاق.
أولاً: مظاهر الأزمة:
مع الاعتراف بفضل الله ورحمته والتحدث بنعمه الظاهرة والباطنة على رجال الدعوة في هذا البلد، لا ينبغي أن نتوقف عن تلمس ومعالجة موانع النصر الذاتية " قل هو من عند أنفسكم" التي قد نقع فيها أفراداً وجماعات، والمعاصي الفردية تقف على رأس هذه الموانع، غير أن الخطأ الجماعي والتخطيطي لا يقل فداحة، إذا كان غير مبرَّرٍ ولا مستندٍ على استدلالات علمية صحيحة ولا على وسائل شرعية مطلوبة للاجتهاد الجماعي.
وهذا هو جوهر الأزمة التي نتحدث عنها، والتي امتدت لمدة ليست بالقصيرة، وفيما يلي عرض لبعض مظاهرها مع تفصيل متفاوت بحسب ما يفرضه الغرض من عرضها.
1. تجاهل الأخطاء التاريخية:
لا يتوقع أبداً من أي حركة بشرية لا تدعي العصمة أن تسلم من الأخطاء، والاعتراف بالأخطاء التي يثبت التاريخ المشاهد دورها في أزمة ما، يعد ركيزة مهمة في علاج أي أزمة، والمطلوب من أي حركة جادة في التغيير والإصلاح أن تعنى بدراسة مسيرتها وتشخيص أخطائها والعمل على تفاديها والتقليل من آثارها. ومع كل هذا، نجد أن أبرز مظاهر الأزمة لدينا يتضح في الإعراض عن دراسة الأخطاء فضلاً عن الاعتراف بها ومحاولة علاجها.
وللتمثيل المهم نتحدث عما تم التعارف دعوياً على تسميته بمرحلة "الخطاب العام"، والذي استفاد من أزمة الخليج الثانية وإن كان قد بدأ قبلها وانبنى على فكرة توسيع دائرة الدعوة ومحاولة إعادة الجميع لجوهر الهوية الإسلامية وتذكيرهم بالمسلمات المهددة، فهذه المرحلة رغم الزخم الكبير الذي صاحبها، تكاد أن تكون قد تلاشت بصورتها الأساسية مع المحاصرة الأمنية التي واكبت فورتها ودفعتها نحو انحدار خطها البياني، فأصبحنا باستسلامنا لهذا التلاشي إما أن نكون غير مقتنعين بها من الأساس، وهذا غير وارد، أو أن نكون غير متفقين حقيقة على تفاصيلها وغير متوقعين لحدة انعكاساتها، وهذا هو الأغلب والأكثر إيلاماً.
لكن لكونها التجربة الجماهيرية الأولى للدعوة المعاصرة في هذا البلد، فلم يكن من المستغرب أن تقع في الخطأ، إنما المدهش والمحير أن تمر التجربة دون استفادة ودون مراجعة للخطوات التالية على ضوئها، وهذا يمثل خطأ أكبر وأبلغ.
وفيما يلي سرد لبعض أخطاء تلك المرحلة:(15/152)
• تضخيم الرمز، دون التأكيد عملياً وليس نظرياً على حق تخطئته ومراجعته بالبرهان والحجة مع الاحترام والأدب المشاع بين المسلمين عموماً ولمثله من باب أولى. وليس من المبالغة في شيء لو قلنا: إن هذه القضية بالتحديد طالت حتى المواقف العلمية الشرعية، فالاجتهاد الفقهي لأحد الرموز في مسألة فقهية محددة يتعامل معه الآخرون بحرج شديد في العلن وإن اختلفوا معه في الدوائر العلمية الخاصة، لا لشيء إلا للمحافظة على مكانة الرمز، وتناسينا تماماً المحافظة على حق التداول العلمي الرصين بالحجة والدليل، وأغفلنا تشجيع الردود والاختلافات العلمية والتي هي من أبرز مزايا هذا الدين، حتى وقعنا في التضخيم للرمز وسلبيات التبعية المذمومة له، بل أوقعنا ذلك في تناقضات وحرج علمي نجني مرارته أمام الناس اليوم، ولك أن تتأمل ما يقع في فتاوى لباس وزينة المرأة أو حدود التعامل مع الإعلام لترى حجم التغير فيها.
وكان بإمكان موقف واحد يعلن فيه للعموم اختلاف الأغلبية أو البعض مع هذا الاجتهاد أو ذاك، أن يفعل الأفاعيل في موازنة الاجتهادات، بل كان المفترض أن نحفظ للعالم الواحد حقه في مخالفة الجمهور ما كان مستخدماً للمنهجية العلمية الصحيحة، وعلى هذا سار الصحابة وسلف الأمة رضوان الله عليهم أجمعين.
• صناعة الرمز قامت في بعض جوانبها على قدرات ذاتية أفادت من الظروف المرحلية للدعوة، ولم تقم على وحدة بناء جماعية توصل الرمز لمكانته بطريقة تراكمية وموضوعية وتفرض عليه نظامياً أو أدبياً التحاور والتواصل معها، ولا على قناعات مشتركة محررة ومفصلة بين الرمز والأوساط العلمية المحيطة به تلزمه وبدوافع ذاتية لاحترامها وتبني اجتهاداتها، والرجوع لأمر الشورى فيها (مما فسر التباينات فيما بعد).
• اجتهادات الرمز في التعبئة الجماهيرية العالية والشحن النفسي للجموع الحديثة العهد بالهداية، قد تكون مقبولة سياسياً في ذروة مشروع إصلاح سياسي وفي بيئة تتقبل أو تم تهيأتها لذلك، أما فيما عدا ذلك فهي خطأ، ورغم تنبه البعض لذلك في حينه، لم يكن الوسط الدعوي بالقادر على إلزام الرمز بالتخفيف من شحن الجماهير، ولا على الترشيد من تأثير الجماهير عليه (...!!). مما يوحي بأن تلك المرحلة في تفاصيلها كانت اجتهادات فردية عفوية، ولم يواكبها دراسات تفصيلية ولا آليات قرار جماعية وحيوية، ومما يؤكد هذا الانطباع، وقوع الشلل الواضح الذي تعرضت له أغلب الأنشطة التي نشأت في ظل مرحلة الخطاب العام، إلى أن ختمت تلك المرحلة بالمحافظة فقط على المكتسبات الدعوية والتربوية القديمة، وهذا في عرف المدافعة السياسية خطأ قاتل، فلا يقبل أن تخطو خطوات نوعية أكبر من عناصر قوتك الحقيقية، إلا أن تكون قد حسبتها بدقة ودرست ردود أفعال الطرف الآخر المتوقعة تجاهها، ووضعت في حساباتك أن تتراجع عن بعضها لا كلها عند الضرورة، ثم تكمل بقية الخطوات كما هي أو تغير فيها وتبني عليها غيرها بعد أن تهدأ العاصفة، وإلا فما الحاجة لإثارة العاصفة من أصلها، والتفسير الوحيد لكل ذلك يكمن في غلبة الاجتهادات الفردية والعفوية.
• ضعف قراءة الواقع المحيط وتقدير حجم ونفوذ دوائر القوة فيه، والمبالغة في تقدير عناصر القوة والتأثير الذاتية أو حجم وتأثير الجماهيرية العاطفية، أسهم كذلك في الانعكاسات التي واجهت تلك المرحلة. والغريب أن بعض الرموز والشخصيات عادت بعد المحاصرة الأمنية لتعيد الحسابات بالكامل في هذه التقديرات، مما يؤكد مرةً أخرى أن القناعات والرؤى كانت فردية، وهاهي اليوم تتغير بفردية مماثلة.
• الخلط بين معايير الدعوة الثابتة ومتطلبات التعامل مع الظروف الزمانية والمكانية المتغيرة، فالتصلب في اتباع طرق ووسائل إصلاح ودعوة تاريخية ناسبت مدة معينة، لا ينفع في مدة زمنية مختلفة ومتشابكة ومعقدة المصالح والتداخلات، وللتمثيل فقط نشير للخلط المنتشر في حينها ولا يزال بين مطلب التربية الجادة للأفراد ومطلب إقامة مؤسسات الشأن العام والأنشطة والبرامج المفتوحة، فهذه المؤسسات نحتاجها بإلحاح لهذا العصر، وهي تمثل نوعاً من أنواع الجهاد الميداني الذي يجب أن يتربى عليه الأفراد دون أن تهتز مستوياتهم ودون أن يشعروا بتناقض بين النظرية والتطبيق.
• التركيز على العلم الشرعي بطريقة أو حتى عملياً بهامشية غيره من العلوم المعاصرة لدى الأفراد، والاستمرار في بطء المبادرة الجماعية للانخراط في مستجدات العصر والإفادة من مجالاته المختلفة حتى تفاجأنا أننا خارج السرب تماماً على المستوى العام، في المجالات السياسية والاقتصادية والقانونية والإعلامية والإدارية، التي نعيش قصوراً كبيراً في تبنيها بصفة جماعية وغفلة ملموسة عن بناء مؤسساتها المتخصصة والمؤثرة، وتردداً في توجيه الموهوبين وأصحاب القدرات نحوها، واكتفينا فقط بتوجيه الانتقادات لوضع الأجهزة الرسمية، أو توجيه النصائح والمواعظ للعاملين الخيرين في هذه الأجهزة، بعد أن أصبحت هذه المجالات مملوكة بدرجة كبيرة لأصحاب التوجهات الأخرى.(15/153)
• التأثر بالبيئة المحلية والتقوقع في إطارها، رغم الادعاء بمتابعة اجتهادات البيئات الأخرى والتفاعل معها والاستفادة منها، والمتغيرات الأخيرة أظهرت كم نحن غارقون في سلبيات البيئة المحلية وخاضعون لعيوبها وقيودها، والحقيقة أن القضايا الخارجية التي تفاعلت معها الدعوة المحلية كالمسألة الأفغانية أو الجزائرية مثلاً، قد فرضت نفسها علينا ولم نتواصل معها ونستفد منها ابتداءً، بل كنا نتعامل معها بفوقية وأستاذية وحين تكشفت الحقائق تبين أننا لا نقل عنها أخطاءً وسلبيات أو تأثراً بالبيئات، والواقع الملموس اليوم يؤكد أن فصائل الجهاد الفلسطيني تمتلك الكثير من الدروس والتجارب والخبرات، ويشهد بنجاحها في التحرر من ضغط الواقع الفلسطيني الرسمي والفئوي الذي كان يحاصرها ويقيدها لسنين طويلة، مما يؤكد عملياً قدرتها وتفوقها على من حولها من التيارات الفلسطينية، وهي بذلك تثبت إمكانية التحرر من الضغوط البيئية المتواصلة، وتقيم الحجة على من أخفق في ذلك وتلزمه بالاستفادة من طريقتها.
هذه الأخطاء وإن كانت تعبر عن صفتها التاريخية إلا أنها ما تزال قائمة وقد يتكرر الحديث عن بعضها بصورتها الحالية في المظاهر التالية، لكن لأهمية ربطها بمنشأها التاريخي تم تخصيصها بالحديث هنا.
2. الشعور بالفراغ القيادي والضعف العام:
وهذا أيضاً من الأدواء القاتلة لأي حركة تغيير وإصلاح جماهيرية، وخصوصاً بعد مرحلة انتشار وظهور خطاب، إذ من المفترض المحافظة على حرية حركة القيادة العلمية الفكرية التوجيهية وفاعليتها وقدرتها ونفوذها مهما تعاظمت العوائق، قبل البدء بتوسيع الخطاب، وألا يخلط بينها وبين القيادات التنفيذية، التي قد تظهر وقد تختفي، وقد تتراجع وتتغير، وإذا تكالبت العقبات بصورة غير متوقعة بعد التوسع، فسيكون إبقاء القيادة العلمية التوجيهية بعيدة عن الخصومات اليومية، وقادرة على التأثير بالجماهير وخلق أجواء الاستجابة لها بنزاهتها العلمية وتجردها وإخلاصها للمبدأ، ضرورة من الضرورات كي يستمر وهج الرسالة ولا يتوقف بإذن الله عند إيقاف هذه القيادة التنفيذية أو تلك، أو منع هذا البرنامج أو ذاك.
والأزمة لدينا أن القيادات العلمية والفكرية جمعت بين الدور الإشرافي التوجيهي والدور التنفيذي، أو بين رسم السياسات واتخاذ وتنفيذ القرارات، وحين عرّضها هذا الجمع للمحاصرة، تراجع حضورها بشكل ملحوظ، وتُركت الجموع دون توجيه بعد التواصل شبه اليومي فيما سبق، فنشأ عن ذلك فراغ قيادي على المستوى العلمي والتوجيهي العام، استغله الخصوم بتسريع برامجهم التغريبية وبمحاصرة البرامج الإسلامية.
ولعل نموذج الشيخ أحمد ياسين - رحمه الله -، وأثره في حركة حماس وغيرها من حركات المقاومة الفلسطينية، يوضح بجلاء ذلك النوع من القيادة العلمية التوجيهية والمستمرة الأثر رغم الإعاقة والسجن، وستتواصل بإذن الله بعد الشهادة، ومن ذكاء وفطنة إخواننا هناك أنهم لم يسموا من يشغل دوره من بين القيادات العملية التنفيذية.
3. الاقتصار على دوائر الدعوة التقليدية:
التركيز على القطاعات التعليمية ومساجد الأحياء والمؤسسات الإغاثية الخارجية وما يرتبط بها من مشاريع، هو السمة البارزة للدعوة المحلية، وهذا ليس تقليلاً من نفع وخيرية هذه الدوائر، ولكن المعطيات القريبة والبعيدة كانت تدفع وبإلحاح للبحث عن دوائر جديدة تناسب طبيعة هذا العصر وتتفاعل مع تطوراته، كما أن الفرص كانت متاحة، لكننا مضينا في التردد والمبالغة في التحوط وبطء الحركة والمبادرة.
ومن المفارقات العجيبة، أن العديد من شباب الدعوة الذين سافروا خارجاً للدراسات العليا، وحرصوا على مواصلة رسالتهم الدعوية صدموا بالفارق الكبير بين تنوع وعلنية وحيوية وانفتاح البرامج الدعوية في تلك الدول وبين ما تربوا عليه، وحصل لديهم صراع نفسي انتهى ببعضهم للانقطاع عن العمل المنظم، وبالبعض الآخر لفقد القناعة بما كان عليه والتردد فيه. بطبيعة الحال الدعوة في تلك الدول هي حصيلة تلاقح عدة تجارب من مدارس دعوية مختلفة، ونتيجة تأثر بنمط الأنشطة الاجتماعية العامة في الدول الغربية، لكنها لا تخلوا من إيجابيات، ومن حق أولئك الشباب أن يقولوا: إن دعوتنا المحلية هي أيضاً حبيسة البيئة التي نشأت فيها وتقولبت فيها، وكان من المفترض أن تتحرر منها وتنفتح على الآخرين، وتستفيد مما لديهم وتتعرف على عيوبها من خلالهم، ومن ثم تبتكر وسائل ودوائر جديدة وتتحصل على الأسبقية بنقلها إلى البيئة المحافظة بضوابطها وقيودها التي تحرص عليها، ولا تنتظر حتى تفرض عليها من غيرها وبالطريقة التي لا تريدها كما هو حاصل الآن، والمصيبة أن هذا التحفظ التقليدي والانغلاق النسبي في أنشطة الدعوة المعتادة، والذي كان دافعه الحرص على جودة التربية وجديتها، أصبح مدخلاً كبيراً على الدعوة مع المتغيرات الأخيرة، مما يؤكد الخطأ في هذه الدرجة من الانغلاق، وهذا الشح في تنوع الأنشطة وانفتاحها على المجتمع.
4. المبالغة في الترفع عن الواقع، واستهداف النخبة:
بعد المحاصرة الأمنية التالية لمرحلة الخطاب العام، عادت الدعوة للفكرة القديمة التي طرحها بعض مفكريها المعاصرين، والتي تقضي بأن الوسيلة الأسلم للإصلاح تتلخص في "صناعة قلة تنقذ الموقف"، فتمحورت الجهود على اصطفاء النخبة واستهدافهم في شتى القطاعات، ومع التقدير الشديد لتلك الشخصيات الفكرية ومسيرتها العلمية، إلا أن تعقيدات هذا العصر وتداخل مجالاته وتشابك مصالحه، تجعل نجاح هذه الطريقة أمراً صعباً في هذه الظروف، وإن كانت قد نجحت في أوقات ماضية.(15/154)
والواقع الملموس يشهد بأن القلة المتوافرة اليوم في العديد من المجالات، لم تستطع أن تُحدث تأثيراً يذكر، إن لم نقل أنها هي التي تأثرت بالواقع الضاغط المحيط بها، أو أنها استسلمت مغلوبة على أمرها لتوجهه العام ولمصالح وأهواء المتنفذين فيه. هل يرجع ذلك لعيوب ذاتية في هذه القلة، قد يكون، ولو صح فهو يشي قبل كل شيء بفشل برامج الإعداد لهم؛ غير أن عصر الاتصالات الواسعة الذي نعيشه وطبيعة ثقافاته المتحررة ومجتمعاته المنفتحة ودوله وأنظمته المتداخلة المصالح، يقتضي التفاعل والتواصل مع كل الطاقات والتخصصات ومع كل الأنشطة والمؤسسات وكل المسؤولين والمديرين في محاولة حثيثة لتغيير القناعات وإخراج الرؤية الإسلامية من الإقصاء العملي الذي وضعت فيه. ينبغي الانخراط في كافة طبقات ومؤسسات المجتمع، والتنسيق مع كل المعتزين بالهوية الإسلامية وغير المناوئين لها، والاتفاق معهم على جوهر الرسالة الدعوية ولفت أنظارهم للتحديات التي تتعرض لها وواجبنا جميعاً في التكاتف لتغيير الواقع.
5. معضلة نقل الرؤية والتصور إلى الواقع:
امتداداً للمظهر السابق من مظاهر الأزمة، لا بد من التنبه إلى أن مسؤولية نقل الرؤية الشرعية الراجحة والتصور الإسلامي الصحيح لما يجب أن يكون عليه واقع المسلمين اليوم، من مرحلة التنظير والتدليل التي أجادت الدعوة في بلورتها ونشرها إلى مرحلة التطبيق العملي الملموس، لا يمكن أن تنفرد بها قلة أو نخبة، وسيكون من الإجحاف والظلم تكليفهم لوحدهم بهذه المسؤولية.
وهذه المعضلة بالتحديد هي مفترق الطرق للعديد من الدعوات المعاصرة، فالعجز والخلل والارتباك يتضح بأجلى صوره عند تحول هذه الدعوات إلى البرامج العملية الواسعة للتغيير، وكأنها تحسب أن دورها ينتهي بالإحياء العلمي والتأصيل النظري، بينما هو في الحقيقة لا يبدأ إلا مع الإحياء العملي للحق والعدل والسُنّة، ومع الخطوات والجهود الميدانية لنقل الواقع مما هو عليه من مخالفات إلى الرؤية الإسلامية الصحيحة. وما تفعله قبل ذلك ليس إلا بعثاً وتجديداً لعلمٍ سبقها إليه من كان قبلهان ونوعية وحكمة ذلك الإحياء العملي وتلك الخطوات والجهود هي المحك للنجاح أوالفشل في مهمة التغيير، وليس حجم العوائق المحيطة.
والدعوة المحلية ليست بدعاً في ذلك، ومعضلة التغيير العملي هي أبرز ما تواجهه، رغم قلة البحوث والدراسات لذلك، وعجز القلة يعود بالدرجة الأولى لانعدام الرؤية الاستراتيجية للتغيير عند عموم الأوساط الإسلامية، بدون خلق أجواء دعم ومساندة واسعة، وبرامج تفعيل ومتابعة لجهود تغيير القناعات والترويج للرؤية الإسلامية الصحيحة، وهذا سيقتضي وجود علاقات عامة فعالة وحركة ميدانية حية بين كافة الطبقات ومهارات عالية في التواصل مع الناس والصبر على أذاهم.
بينما واقع الأزمة اليوم، يشهد بأن القلة المعول عليهم بعد الله تبارك و- تعالى - لا يجيدون في الأغلب سوى مهارات كسب أعداد جديدة للدعوة وعلى استحياء داخل أجهزة ومؤسسات المجتمع، حتى يصبحوا أرقاماً متزايدة غير مؤثرة ومغلوبة على أمرها. بينما هي لا تتنبه إن لم تكن لا تجيد للتعامل مع أصحاب القرار والمؤثرين في هذه الأجهزة.
6. الإعراض عن أنشطة الاحتساب العام والدفاع عن الحقوق:
لئن كانت الدعوة المحلية بفصائلها المختلفة قد نجحت بالتأصيل النظري والعلمي للاحتساب على الحاكم وإداراته الرسمية، وسبقت غيرها من أصحاب التوجهات الأخرى في هذا المجال، وتحملت في سبيل ذلك الكثير؛ إلا أنها وبكل صراحة أخفقت وتأخرت في تطبيقات ذلك العملية، مما أفسح المجال لاجتهادات غير مضبوطة وغير محسوبة النتائج جرّت على غيرها الكثير من التبعات، وأوجدت مستنداً لأجهزة السلطة المختلفة للمحاصرة وتشويه الصورة.
ومظهر الأزمة هنا، أن الدعوة تأخرت وترددت عن السعي المتدرج المؤيد بالاستدلال الصحيح، وعن انتهاج السبل الأسلم والأفضل والأكثر قبولاً لظروف وواقع البلد، ولا بد من توقع التضييق والإساءة والأذى والاستعداد لتحمل كل ذلك دون تراجع.
وغاب عن الساحة معلم مهم لأي حركة دعوية إصلاحية، ألا وهو رفع الظلم أنّى كانت صوره ورد الحقوق المنتهكة والمغصوبة ومحاربة الفساد المالي والإداري، وليس فقط الأخلاقي وكان بالإمكان تحقيق شيء من ذلك عبر التدرج وعبر كسب بعض الأطراف الموجودة داخل السلطة والمتذمرة من هذه الأوضاع، بشرط أن تكون الجهود هنا شرعية وباسم الجميع ولصالح الجميع وليس باسم حزب أو تيار معين.
7. تباين الاجتهادات:
لم يعد سراً وجود التباين بين القيادات العلمية ورجالات الجيل الأول من كيان الدعوة، ومع أن الأحداث العالمية والمحلية قد زادت من هذا التباين، إلا أن بذوره كانت موجودة من قبل ولم تحسن الأوساط الدعوية طوال مسيرتها المعاصرة أن تضع حلولاً عملية لتحرير هذه التباينات والتقريب بينها، أو العمل على تفهمها وخلق أجواء التعاون والتنسيق فيما بينها، رغم أن ما يجمع هذه القيادات أكبر بكثير مما يفرقها، والحقيقة أن التأمل المتجرد في هذا التباين يوصل للملاحظات التالية:(15/155)
• كل طرف معه جانب من الحق يتشبث به ويجادل من أجله، حتى وإن اختلط بجوانب أخرى من الخطأ لازمة له، وعادة ما يمثل ذلك رمزاً أو أكثر ومن يلتقي معهم من القيادات المؤثرة، ويمتنعوا تبعاً لذلك عن التنسيق مع الآخرين حتى يقروا لهم بالحق الذي هم عليه ويحترموا اجتهادهم فيه دون اتهامات، وقد يشترطوا تبعية الآخرين لهم في هذا "الحق" الذي يظهر لهم، قبل أي خطوة ملموسة للتنسيق، وبطبيعة الحال هذه الوضعية غير مقبول استمرارها من طبقة القيادات، رغم العلم ببشريتهم وتأثرهم بمن حولهم، لكن المقصود هنا أنها تستمر لافتقاد آليات حل حقيقي يحفظ حق كل طرف وأهليته ومكانته ويؤلف بين القناعات المختلفة.
• تراكم الأخطاء ومظاهر الأزمة الدعوية السابق ذكر بعضها، دون توجه حقيقي وفعال للإصلاح والتعديل، وامتلاك الطرف الأكثر تحفظاً في آليات وأساليب الدعوة للتأثير والنفوذ داخل الوسط الدعوي؛ كل ذلك زاد من تغير القناعات وتباين الاجتهادات مع توالي الأحداث والمتغيرات التي تحتاج لحيوية وتفاعل سريع ومبادرات تقتنص الفرص التي لا تتكرر بسهولة ولا تحتمل التأخير.
• تغير قراءات موازين الكسب والخسارة تبعاً لتغير القناعات وتعدد المؤثرات على القادة محلياً وخارجياً. إذ مع افتقار الطبقة القيادية لآليات التداول الشوري الحقيقي الذي يسمح بنقاش القضايا المهمة بكل وضوح وتجرد، أدى إلى تضخم هذا التغير في تقدير موازين الكسب والخسارة وتبدل القناعات، وأسهم في ظهور بعض الخطوات الجديدة على الساحة، والتي أوضحت بجلاء قدرة أصحابها على التأثير، ووجود من يقتنع بطرحهم ويرغب في توسيع دائرة قناعتهم وسحب الآخرين إليها. حتى وصل الأمر إلى تجاذب مكشوف.
8. العجز عن استيعاب المستجدات:
وهذا الملحظ هو قطعاً نتيجة طبيعية للمظاهر السابقة، إذ رغم أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد فاجأت الدول قبل الحركات، إلا أن قدرتنا على استيعاب هذه المفاجأة واحتواء تأثيراتها على الساحة وعلى الصورة العامة عن الدعوة التربوية لدى الجماهير، كان دون المتوقع، والمشكلة الأبرز في هذا الحدث الذي يتبناه أصحاب المشروع "الجهادي" (...) هو أنه وضع المشروع الدعوي التربوي والطويل المدى على المحك وعرضّه لتحدٍ حقيقي، وأعطى انطباعاً عاماً بأن فشل المشروع الدعوي التربوي هو الذي أفسح المجال للاجتهادات الجهادية غير المحسوبة النتائج، كما أنه أحرج الجميع بتناول قضايا حساسة لم يكن في الحسبان أبداً الحديث عنها، فحصل الاضطراب ولم ننجح في احتوائه وتوجيهه والإفادة منه بالصورة الأمثل، مع توافر فرصة كبيرة لذلك.
9. ارتباك الصفوف:
وهذه نتيجة حتمية للتباين بين القيادات وظهور الفراغ الملموس في القيادة التوجيهية المؤثرة والقادرة على التوحيد والتفعيل، سواءً على المستوى الفردي أو الجماعي، ومظاهر هذا الارتباك واضحة للعيان وتتلمسها في هذا المجلس أو تلك العبارة، ويزيد من تفاقمها الحضور المتهور للتيار الجهادي، وتراجع الدعوة التربوية على المستوى الجماهيري العام أمام هجمات التغريب والعلمنة، وضعف مشروعها أمام نفوذ ونجاح خصومها.
10. رجال دعوة وحسبة ودولة!؟:
من المفارقات، التي قد تفسرها الضغوط المتتالية من الخصوم، والشعور بالهزيمة مع الفراغ القيادي، لكنها لا تبررها أبداً، إصرار الجميع على الخوض في قضايا الشأن العام، فأصبحت كوادر الدعوة على مختلف مستوياتها تشعر بالأزمة وتبادر على سجيتها للمساهمة في الحل، وأحياناً تجد من يؤيدها باعتبار الحاجة لتفعيل الطاقات، وهذا مظهر من مظاهر الأزمة وعامل من العوامل الخطيرة لتفاقمها، فالدولة وشؤونها والتعاطي مع رجالها ومؤسساتها تحتاج عناصر منتقاة ومؤهلة بعناية.
11. صناعة المواهب ثم تكبيلها:
وهذه مأساة بحد ذاتها، حين ترى المواهب الفردية المتعددة التي تزخر بها الساحة الدعوية ثم لا تتمكن من استثمارها وتنميتها ولا تتمكن من خلق فرص ومشاريع وبرامج دعوية تنطلق من ملكات وقدرات هذه المواهب وتستوعبها؛ والسبب هو: التحفظ التقليدي عند صاحب القرار الدعوي على بعض هذه المواهب وأفكارها المتعدية، وهذا في تقديري هو الفشل بعينه، فالنجاح هو في كسب هذه النماذج وحسن الاستماع لها واستمرار قناعتها بالمشروع الدعوي وتفاعلها معه، وليس افتعال مشكلة معها والتضييق عليها حتى تهرب بعيداً عنا، والموهوبون بطبعهم مشاكسون، والحل الأسهل لمشكلتهم عند المسؤول التقليدي يكمن في التخلص منهم والإبقاء على المسالمين الطيعين، في حين أننا نردد كثيراً أهمية تربية القادة وليس الأتباع، ولا أدري كيف نصنع القادة من الطيّعين!؟
12. من يقيّم من؟:
وهذه معضلة مزمنة مرتبطة بالقضية السابقة ومسببة لها، أسهمت في خسارة الدعوة للعديد من الشخصيات المبدعة والمؤثرة، وما لم يتم علاجها بأسرع وقت فسيستمر الهدر، ومردها في تقديري (شخصنة) التقويم بدلاً من (منهجته) وموضوعيته، والذي ينشأ بطبيعة الحال عن إطالة مدة المسؤول وعدم إشعاره بمتابعته هو أيضاً، وكل ذلك ينشأ بسبب انغلاق العمل الدعوي جزئياً أو كلياً. والحل الحقيقي يتمثل في انفتاح العمل ما أمكن، لكن بشرط (مأسسة) هذا العمل ووضع الضوابط الدقيقة له وتقليل الحظوظ النفسية والعيوب البشرية من خلال فرق العمل المترابطة والأنظمة المؤسساتية الشورية حقاً وواقعاً، لا ظاهراً وشكلاً عبر مؤسسات صورية تكرس الفردية أو الشللية.
13. تضخيم المسؤولية الفردية، ونسيان المسؤولية الجماعية:(15/156)
ومع المثالية العالية في التعامل مع الأفراد، ونقص المراعاة لظروف الزمان والمكان التي يعيشها الناس اليوم، نجد التضخيم الزائد لمسؤولية الأفراد عن الأزمة القائمة، والحديث المتكرر عن الأخطاء والمعاصي الفردية ومظاهر الضعف والقصور والفتور والتغير والتحول و...، إلى ما هنالك من هذه المفردات، لكننا لا نجد أبداً أي إشارة للأخطاء الجماعية التي يتحملها الجميع دون استثناء، ولا نجد الحديث عن مسؤولية الرموز والقيادات العلمية والفكرية أو التنفيذية وما تتحمله من تبعة مباشرة عما آلت إليه الأمور الدعوية مؤخراً.
والحقيقة البشرية الثابتة، تؤكد أن عطاء الأفراد وجهودهم وتضحياتهم ترتكز بشكل كبير على البيئة العملية الجماعية التي توفر لهم أجواء البذل والتفاعل والسعي المتواصل، والضعف الذي يعتريهم مع توافر هذه البيئة يتحملون هم مسؤوليته بالكامل، ولكن عند تفكك وضعف هذه البيئة يصبح تحميلهم المسؤولية دون غيرهم نوعاً من التعدي والجفاء.
ومن الجانب الآخر، فلو أدرك هؤلاء الأفراد طبيعة هذه الرسالة وطبيعة الدور المطلوب منهم ومن القادة والرموز، لما قبلوا هذا الواقع المتأزم ولطالبوا بالحركة والمدافعة، بل سيكون من حقهم لو طالبوا بالوسيلة الشرعية الصحيحة بتغيير القيادات البطيئة المترددة إلى الفعّالة المتحركة، فلا محاباة في هذه الرسالة كما تقضي بذلك أدبيات الدعوة، وحيث لم يحصل شيء من ذلك فلا بد أن نتساءل عن نتائج المسيرة الدعوية من أصلها.
توصيف الأزمة:
مما سبق يتضح أن الأزمة متعددة الجوانب والأطراف، ومن الخطأ حصرها في جانب واحد أو في مظهر واحد. غير أن السمة الغالبة التي نستطيع تلمسها في كل المظاهر السابقة ويحق لنا وصف الأزمة كلها بها دون تردد، هي سمة الأخطاء الإدارية والقيادية والجماعية العامة.
والحل الحقيقي لها ينبغي أن يكون إدارياً، ولا يمكن أن تنجح الحلول بدون هذا المحور.
21/8/1425
http://www.almoslim.net المصدر:
=============
الدعوة إلى الله في القرى ( أهميتها ـ وسائلها ـ عقباتها )
إخوتي الأفاضل.. هذا المقال الذي بين أيديكم هو جهد المقل، رأيت فيه ثغرة تدعو الحاجة الملحة إلى سدها، مع التفريط الحاصل فيها، فحاولت أن أضع خطوة على الطريق، وآمل منكم ـ أحبتي ـ أن تضعوا معي خطواتكم المباركة؛ لعل الله - تعالى - ـ بمنه وكرمه ـ أن يكرمنا بجزيل الثواب.
مع العلم... أن هناك إخوة لكم في أمس الحاجة إلى مثل هذا الموضوع.. فلا تبخلوا علينا وعلى أنفسكم، بارك الله فيكم ورزقنا وإياكم الإخلاص والسداد.
أهمية الموضوع:
1) تذكر فضائل الدعوة إلى الله.
2) الحاجة الملحة للدعوة في القرى حيث: تفشي الجهل والبعد عن الدين، والوقوع في شركيات وبدع وخرافات... ولك أن تتخيل خيمة بجوارها طبق الاستقبال الفضائي؛ ما مدى التأثير الذي سيحدثه في أهلها.
3) كثرة إرساليات المعلمين الجدد إلى القرى مما جعل وجوب تعيين الدعوة عليهم أكثر من غيرهم.
4) وجود عدد من المعلمين ممن لا خلاق لهم يسعون لقضاء مآربهم في أهل القرى مما زاد أهمية وجود المعلم الداعية.
5) الإهمال والتفريط في هذا الجانب من الدعوة رغم أهميته وحاجة أهل المنطقة لذلك.
6) وجوب العمل للدين في أي مكان وضعت فيه.
وصايا عامة:
1) الإخلاص وحسن النية طريق لتيسير الصعوبات.
2) تهيئة النفس لما قد يلاقيها من صعوبات وعقبات نفسية وخارجية.
3) كن قدوة بفعلك قبل قولك.
4) ليكن همك الأول كيف تنصر دين الله وتنشره، لا المال وحتى الرجعة إلى الأهل والراحة.
5) تذكر جلد سلفك - رحمهم الله - تعالى - في الدعوة إلى الله وصبرهم في سبيل الله - تعالى -.
العقبات والمشكلات التي تعترض الداعية في القرى:
1) وهي من أهم العقبات وأخطرها: عقبة النفس الضعيفة الملولة الكسولة.
فكثيراً ما ترى إخوة ظاهرهم الاستقامة، ولكنهم ليس لهم أثر يذكر، ولا بذل يبذلونه لأنهم (محطمين) نفسياً. والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
والعلاج: إخلاص النية لله - تعالى - واللجوء إليه (وهو أقوى علاج)، اختيار الرفقة الطيبة التي تعينك (وليس شرطاً)، الاستشارة، والرجوع إلى الأخوة المسئولين في كل فترة وغيرها.
2) المواصلات (أحياناً):
فلا تتوفر لدى الأخ وسيلة مواصلات مما يجعله في بعض الأحيان يستعين بزملائه فيصبح تبعاً لهم، وهذا قد يعيقه عن التحرك بسهولة في القرية.
3) السكن:
قد لا يتوفر سكن في القرية - كما في بعض القرى - إلا سكن يتجمع فيه المعلمون، وهم بين مستقيم -القلة-، وغير مستقيم -الكثرة-، والغلبة للكثرة -كما يقولون-، حتى أنه يذكر عن بعض الدعاة أنه كان يبكي من شدة الألم، لأنه يسكن في غرفة واحدة بها جميع المدرسين، بين مدخن ودش وغيرها، ولا يوجد في القرية سكن غيره والله المستعان.
والعلاج: الاستعانة بالله في البحث ومحاولة إصلاح الموجودين.
وعلاج آخر قوي ومجرب: أن يبدأ الأخ باستئجار منزل لوحده، وسوف يأتي إليه مجموعة من المعلمين ليسكنوا معه، فيختار ويشترط عليهم ما شاء، لا تلفاز ولا دش، ولا أغاني أو صور، ولا تدخين، وصلاة في المسجد - مسجد القرية -، وهكذا فيصبح المنزل مملكته يتصرف كما يشاء.
4) وهي عقبة - لا بد منها -: وهي طبيعة القرى الجغرافية، الصعوبة في التحرك، وشدة وعورة الطرق، والتيهان الوارد والذي حصل كثيراً.
العلاج: استعن بالله، واعلم أن هذا وضع جميع القرى، ب هناك قرى أشد سوءاً من قريتك التي تسكن فيها.(15/157)
5) صعوبة تقبل الناس في بعض القرى، بل هي قلة جداً، وكثير من أهل البادية في القرى يحبون الملتزمين، ويشهد بذلك المجربون ولله الحمد.
العلاج: استعن بالله ولا تيأس وتذكر حبيبك المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وما لاقاه من قومه.
6) مضايقة من بعض المسؤولين في القرية كشيخها أو أميرها أو محافظها أو إمام المسجد، إذا رأوا أنك قد سلبت الأنظار عنه إليك بحركتك ودعوتك ونشاطاتك التي تقيمها.
العلاج: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " كما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.. أعطه مكانة، أشركه معك في دعوتك - سيأتي كلام عنه -.
وهناك عقبات أخرى... والعلاج الجامع: الاستعانة بالله - تعالى -، وإخلاص النية لله، واللجوء إليه فإنه مفرج الكربات ومنفس الهموم - سبحانه وتعالى-.
كيف ندعو إلى الله في القرية؟
أولاً: تذكر أهمية الدعوة إلى الله وفضلها، وخصوصاً القرى والجهل فيها، " لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ".
ثانياً: وهي نعمة أخرى: سرعة تقبل كثير من أهل القرى وحبهم للملتزمين، إذا رأوا لك أثراً، ومنك حرصاً على دعوتهم وتعليمهم دين الله.
ثالثاً:
أ- اجعل المسجد نقطة انطلاقة لدعوتك:
1- خصص درساً أو درسين أسبوعياً، " الدروس المهمة لعامة الأمة "، " فتاوى للعلماء "، "العقيدة"، "الفقه".
2- كثف جهدك في المواسم كرمضان والحج والإجازات.
3- افتح حلقة لتحفيظ القرآن الكريم.
4- نسق لمحاضرات تستضيف فيها بعض الدعاة، ولا يحتاج الأمر إلى موافقة رسمية، وإنما حرصك على حضور الداعية وعلى حضور أكبر عدد من أهل القرية، وتذكر أنهم عوام لن يحضروا ما لم يكن هناك حوافز وجوائز مرصوصة على الطاولة.
5- خطبة الجمعة وسيلة قوية للتأثير على الناس، فاحرص عليها وإن كان هناك خطيب فلا تخسره بل تذكر أنه يظن نفسه شيخ القرية وأعلمها، فاكسبه في صفك.
ب- توزيع أشرطة وكتيبات - واهتم بالأشرطة - وعمل مسابقات عليها كمسابقة رمضان وجوائزها في العيد.
ج) استعن -بعد الله- بمن حولك من المعلمين السعوديين أو غيرهم، وكذلك بعض العمالة يكونون على خير كثير ولكنهم دفنوا في القرية، كأن يكون معلماً لتحفيظ القرآن - إن كان يجيده-، ولا بد من أذن كفيله وإقناعه.
وكذلك استعن ببعض أهل القرية الذين ترى فيهم خيراً، ولو لم يكن ظاهرهم الاستقامة، والواقع يشهد بأمثال هؤلاء وكم قدموا.
د) تأكيد على أن يكون معلم التحفيظ شخصاً آخر، ولو تم إحضاره من خارج القرية براتب ثابت.
هـ) احرص على كسب كبار القرية بزيارتهم وإعطائهم مكانتهم، حتى يساعدوك في تيسير دعوتك، ولا تنس تخصيصه بزيارة مع الشيخ الزائر من خارج المنطقة قبل المحاضرة أو بعدها.
و) عمل المسابقات، وإقامة الحفلات التكريمية لها ولطلاب التحفيظ في نهاية كل فترة -وكم لها من أثر-.
ز) عمل مخيمات دعوية وإغاثية لضمان حضور أكبر عدد من أهل القرية.
ح) احرص على تفقد أحوالهم -والغالب فيهم الفقر-، وإحضار المواد الغذائية بالتنسيق مع الجهات المعنية كالمستودعات الخيرية أو المؤسسات الخيرية، أو أحد الميسورين أو المشايخ والدعاة وغيرهم.
ط) اعمل حلقة وصل بينك وبين الأخيار في القرى المجاورة، واحرص على التعاون بينكم، وليكن همك المنطقة بكاملها.
ي) في أسوأ الأحوال ظروفاً، إذا لم تجد المعاونين في قريتك وزملائك والقرى الأخرى.. فإياك إياك أن تقف عن العمل، فكم من أناس نفع الله بهم، وهم فرادى.
والناس ألفٌ منهم كواحدٍ وواحدٌ كالألف إن أمر عَنَى
ك) احرص على أخذ من استعطت من أهل القرية شباباً أو شيباً لأداء العمرة في رمضان، وأداء فريضة الحج، وي الله كم لك من الأجر إن فعلت - فإن كثيراً من أهل القرى لا يعرفون مكة والمدينة، ولم يروها في حياتهم -والله المستعان-.
ل) لا تنس دعوة زملائك المعلمين سواء كانوا معك في السكن بعمل برنامج داخل السكن، أو خارج السكن بربط علاقة معهم وإهدائهم الأشرطة المفيدة وزيارتهم.
وكذلك طلاب مدرستك ومدرسيهم، احرص على إقامة نشاط دعوي فيها، وتذكر في مدرستك أن تكون قدوة في كل شيء، وتذكر-أيضاً- أن الدير لا يريد منك سوى الجدية في العمل والتحضير.. ثم إن فعلت، ادع في المدرسة فلن يمنعك.
م) تذكر أنه يوجد لديك أوقات فراغ، فإياك إياك أن تهمل نفسك من قراءة القرآن وحفظه أو مراجعته ومن الاستفادة من وقتك عموماً.
ن) استشر أهل الخبرة ومن سبقك في هذا العمل.
س) لا أنفع من إخراج داعية من أهل القرية وهذه من النقاط المهمة جداً لمن أراد الانتفاع الدائم لأهل القرية بإذن الله.
ع) وعلى افتراض سوء أهل القرية وعدم تقبلهم ـ إن لم تكن أذيتهم ـ فلتحرص بارك الله فيك على إنشاء جيل من الشباب بتبنيهم وتربيتهم من خلال حلقة للتحفيظ أو أي محضن آخر؛ مع العلم أن التربية قد تحتاج منك إلى سنوات، وما أجملها وأبهاها حين ترى ثمرتها في مستقبل السنين.
ف) يمكنك الاستفادة من مواقع الدعوة في الانترنت وعلى سبيل المثال: موقع صيد الفوائد http: //www. saaid. net/، ففيه خير كثير جداً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
http://www.saaid.net المصدر:
==========
أجر الدعاة وأخلاقهم
الشيخ ابن باز رحمه الله
وقال - عليه الصلاة والسلام -: من دل على خير فله مثل أجر فاعله أخرجه مسلم في الصحيح وهو يدل على أن من دعا إلى الخير وأرشد إليه كان له مثل أجر فاعله، وهذه فضيلة عظيمة للدعوة وشرف عظيم للدعاة أن الله - سبحانه وتعالى- يعطيهم مثل أجور من هداه الله على أيديهم.(15/158)
فيا له من خير ويا له من فضل ويا لها من منزلة. فيا أخي ادع إلى ربك وإلى دينك وإلى اتباع نبيك - عليه الصلاة والسلام - يحصل لك مثل أجور من هداه الله على يديك هذه مزية عظيمة وفضل كبير وفي ذلك حث وتحريض للدعاة على الدعوة والصبر عليها إذا كنت تحصل بذلك على مثل أجور من هداه الله على يدك فحقيق بك أن تشمر وأن تسارع إلى الدعوة وأن تصبر عليها وفي هذا خير عظيم وقال - عليه الصلاة والسلام - فيما رواه مسلم أيضا في الصحيح من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا وهذا أيضا فضل عظيم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه وهذا مثل ما تقدم في حديث: من دل على خير فله مثل أجر فاعله
وهذه الأحاديث وما جاء في معناها فيها الحث والتحريض على الدعوة وبيان فضلها وأنها في منزلة عظيمة من الإسلام وأنها وظيفة الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وقد بعث الله - تعالى - الرسل جميعا دعاة لله - عز وجل - ومبشرين بدينه ومنذرين من عصاه فحقيق بك أيها المؤمن أن تسير على منهاجهم الصالح، وأن تستمر على طريقهم الواضح بالدعوة إلى الله والتبشير بدينه، والتحذير من خلافه، وإنما يتم هذا الفضل ويحصل هذا الخير ويتضاعف، بالصبر والإخلاص والصدق فمن ضعف صبره أو ضعف صدقه أو ضعف إخلاصه لا يستقيم مع هذا الأمر العظيم.
ولا يحصل به المطلوب كما ينبغي، فالمقام يحتاج إلى إخلاص فالمرائي ينهار ولا يثبت عند الشدائد، ويحتاج إلى صبر فذو الملل وذو الكسل لا يحصل به المقصود على التمام، فالمقام يحتاج إلى إخلاص وإلى صدق وإلى صبر، كما قال - سبحانه وتعالى-: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ وكما قال - سبحانه -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ وقال - عز وجل -: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ فلا بد من الصدق كما قال - عز وجل -: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ولا بد من الصبر كما قال - جل وعلا -: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وكما قال - سبحانه -: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. فالدعاة إلى الله - عز وجل - إذا صبروا وصدقوا وكانت دعوتهم على علم وعلى بصيرة، صاروا أئمة للناس يقتدى بهم في الشدة والرخاء، والعسر واليسر، كما سبق في قوله - تعالى - وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ
فعليك يا عبد الله بالصبر على دعوتك وإيمانك وعملك الصالح وعليك باليقين في أعمالك. كن على بصيرة. تعلم وتفقه وتثقف في الدين وكن على بينة في أمورك حتى تكون دعوتك عن صبر وعن يقين، وبهذا تكون إماما يقتدى به. وتكون إماما وقدوة وأسوة صالحة في أعمالك الطيبة وسيرتك الحسنة، وبهذا ينتهي الكلام على فضل الدعوة وهو الشق الأول
http://www.alathry.com المصدر:
============
داعية فاشل .. لماذا؟!
شادي الأيوبي
هذه كلمات لكل من يصدع بالدعوة إلى الله، ثم يقلب ذات يوم كفيه، وينظر في أمره بعد سنين من الدعوة- كما يظن- فلا هو غير شيئاً فيمن حوله، ولا أضاف شيئاً، ولا أنقص شيئا، بينما يحالف التوفيق غيره خلال مدة قليلة، فترى الناس التفت حوله، واجتمعت عليه، وسمعت كلامه، فسبحان الذي مَنَ على أفضل خلقه بمحبة الناس له، وتوددهم إليه.
الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى- تُبتلى من حين لآخر بمن يفرضون أنفسهم عليها دون أن يكونوا أهلاً لدعوة ولا لصحبة ولا حتى لكلمة واحدة تقال في مجال الوعظ بين الناس.
والله - سبحانه وتعالى- لا يوفق لهذه الدعوة من لم يحكموا بينهم وبين غيرهم بالإنصاف، أما الذين يرفعون أو يميزون أنفسهم قليلاً عن الناس، فهؤلاء مرفوضون لا شك وإن اغتر بهم الناس لمدة ما، فهذه هي الدعوة الوحيدة التي لا تقبل في صفوفها إلا من جعل من نفسه سهلاً منبسطاً للناس، وقبل منهم الطبائع المختلفة، وسعى في خدمتهم والسؤال عنهم دون أن يرى بذلك أي فضل لنفسه، ودون أن يطلب منهم أي جزاء مادي أو معنوي.
الدعوة إلى الله سر؟؟
نعم الدعوة إلى الله سر، لكنه سر غير خفي، على أنه رغم وضوحه لا يُوفَّقُ إليه غير القليلين القليلين، ممن توافرت فيهم صفات كثيرة، وهذه بعض أسرارها الخفية الظاهرة:
من جميل هذه الدعوة أنها تعطي صاحبها طالما تعفف، فإذا تطلع إلى شيء من الكسب أو التكسب منها، نفرت منه الدعوة ونفر منه المدعوون.
وأنها ترفعه طالما تواضع للناس، فإذا رأى لنفسه شيئاً من الفضل، نبذته الدعوة وتخلصت منه قبل المدعوين..
وأنها تجعل الناس في خدمته طالما كان خادماً للناس، فإذا طلب من الناس خدمته نفروا منه وتركوه ونسوا كلامه..
وأنها تجعله مطاعاً مسموع الكلام طالما كان مطبقاً لما يدعو إليه، فإذا تحول إلى مُنظِر لا يفعل ما يقول، ولا يلتزم بما يدعو إليه، فلا سمع ولا طاعة بل لا ود ولا محبة..
وأنها تجعل كلامه محبوباً طالما تجنب التشدق والتعجرف والكلام عن نفسه، فإذا طلب تنميق الكلام وزخرف القول، صار واحداً من خطباء الكلام يخاطب الأسماع، لكن كلماته لا تصل إلى القلوب...
الأخ الداعية.. الأخ الخطيب أو الواعظ.... اسمع كلمات تخرج من قلبٍ مشفق محب، لم يجمعه بك غير الحب لهذه الدعوة، وحب الخير للناس:
هذه الدعوة مدرسة عظيمة.....
لا يوفق إلى دخولها إلا المخلصون،
ولا يستمر فيها إلا الأشد إخلاصاً،(15/159)
ولا يتخرج منها إلا من لا يرون لأنفسهم أي فضل،
ولا يتميز من خريجيها إلا من يرون الفضل لكل أحد من الناس إلا لأنفسهم..
إذا فتشت نفسك بعد طول وعظ وإرشاد فما وجدت لنفسك مكاناً في قلوب الناس، وما وجدت لكلامك صدى في أفعالهم وأقوالهم، فجدير بك أن تقف مع نفسك وقفة صدق تسأل فيها عن السبب أو عن الأسباب..
كيف تفهم من أنت في قلوب الناس؟؟
إن من جميل الأمور أن العامة لا يخفون مشاعرهم، أو لا يمكنهم إخفاؤها، فإن كان فيهم مدارٍ واحد ففيهم الكثيرون من المفطورين على الإفصاح بمكنونات أنفسهم دون مواربة، وهذا قد يكون جارحاً في بعض الأحيان، لكنه من أصدق المعايير وأوضحها..
هناك موهبة جميل بالداعية إلى الله أن يمتلكها، وهي قراءة القلوب، وقراءة القلوب تعني فهم ما يشعر به الناس نحو هذا الداعية، هل يحبونه أم يبغضونه أم لا يبالون به؟ وبما أن القلوب لا يعلم أمرها إلا الله، فعليه أن يقرأها من خلال علامات الوجوه وزلات الألسنة، فهذه من الصعب إخفاؤها.
فإذا رأيت من العامة الحب لك والتعلق بكلامك، ومحاولة تطبيقه فاعلم أنك في فضل من الله، فاسع إلى المزيد منه، بالإخلاص التام في القول والعمل.
أما إذا رأيت منهم الجفاء عنك والإعراض عن كلامك ففتش: من أنت؟ وما تقول؟ وما تفعل؟
نعم من أنت؟؟ هل أنت حقاً داعية إلى الله بحق أم أنك تجرب أن تضيف إلى نفسك موهبة الخطابة بين الناس؟؟
وما تقول؟؟ هل كلامك كلام من داعية إلى الله أم أنه كلام أديب أو فصيح أو متشدق لا علاقة له بالدعوة و الدعاة؟؟
وما تفعل؟؟ هل أفعالُك تسبق أقوالك، أم أنك لا تجعل صلة بين هذه وتلك؟؟
بعد هذا هناك أمور جدير بالداعية الإنتباه لها تخص الخطبة نفسها منها:
إياك أن تجعل من نفسك موضوع الحديث!!!!
بعض الكلمات قد لا تكون مدحاً مباشراً للنفس، لكنها تفصح عن اعتداد كبير بها، وهي مزعجة للسامع، منفرة من الخطيب ومنها، على سبيل المثال: أنا أعلم أن بعضكم يفعل كذا، بلغني أن أحد الناس قال عني كذا، رأيي أن، أنا أقصد كذا، أنا لا أخاف أحداً في الله، وغيرها كثير كثير..
التعريض بالناس ممنوع:
بعض الخطباء يعرضون بالناس أو ببعضهم بعد حوادث معينة، ويظنون أنهم ببعض المواراة لن يعرف أحد من يقصدون، فيتكلمون بكلام جارح فاضح، ويظنون أنهم يحسنون صنعاً، وهكذا يتناقص المستمعون حسب الظروف؛ لأن الخطيب المفوه، لا يترك فرصة للتعريض بالناس والتنديد بأخطائهم..
لا تتكلم في الهلاميات والفلسفات والكلام غير المفهوم:
وهذه مسألة صار لبعض الناس شغف بها، فهم مولعون بالتفصح الذي يصل إلى الكلام غير المفهوم، وبعضهم يلجأ إلى كتب الأدب ليحفظ منها العبارات الغريبة العجيبة، ليظهر للناس أنه قادر على الإتيان بكلام لا يستطيعون فهمه، وحبذا لو نظر هؤلاء إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - فقد أوتي جوامع الكلام، ومع هذا فكلامه يفهمه البدوي والحضري، والمتعلم والأمي، والشاب والعجوز.
لا تكلف الناس بما لا يطيقون:
لا ينبغي للخطيب أن يكون مثالياً إلى درجة السذاجة، فيطالب الناس أن يكونوا ملائكة لا يخطؤون ولا يزلون، بل إن من الحكمة والواقعية توقع الأخطاء والزلات، والتعامل معها بسمو وبعد نظر، وتوصيف العلاج لها من بعد النظر العميق في حال صاحبها، فقد كان الرجال يأتون إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - فيسألونه عن الأمر الواحد فيجيب كل واحد منهم بما يناسب حاله وفهمه وعقله.
ليست العبرة بطول الخطب ولا بكثرة الكلام لكن في تأثيره:
بعض الناس يظنون أنهم بخطبة في مسجد أو درس عام، يؤدون واجبهم، وأنهم قد فعلوا الشيء الكثير الذي يستحقون عليه الحمد والشكر، ويسمون أنفسهم بهذا دعاة إلى الله، لكن من الجدير بهؤلاء أن ينظروا إلى ما تركوه وراءهم، بكلام آخر هل تغير شيء في السامعين، أم أنهم يسمعون الخطيب لعدم وجود غيره، هل لو ترك مكانه ورحل إلى مكان آخر فلن يترك وراءه من يذكره بالخير ويدعو له؟؟
المهمة لا تنتهي بالانتهاء من الخطبة أو الدرس:
من الخطأ أن يسرع الخطيب أو المحاضر بالمغادرة بعد كلامه، فالناس لديهم أحوال وحاجات وشكاوى وهموم واستفسارات، وهم معتادون أن يبوحوا بها لمن يرون من أهل الصلاح والخير، لذلك يجدر بالخطيب أن يبقى بعد الصلاة ليسلم على الناس ويسمع منهم، فهو بهذا يتيقن من تأثير كلامه، ويسمع تعليقاتهم واستفساراتهم، ويعيش همومهم وقضاياهم، بدل التحليق في فضاء النظريات والكتب التي يقرؤها.
لا تحرم من كلمة طيبة ومن بسمة صادقة:
الكلام الطيب والبسمة الصادقة مفتاح تملك به القلوب، فمن كان عديم البضاعة منهما ليس له حظ في حب الناس أو التأثير فيهم، الناس قد يسمعون من أي خطيب، وقد يتأثرون بكلامه نوعاً ما احتراماً لأمر الله، لكن الله - سبحانه - يجعل في قلوب الناس حب المرء المبتسم الوجه، الطيب الكلام، السهل في غير ذلة، والألوف في غير تزلف، وهذه مواصفات يجعلها الله فيمن يشاء من عباده، ليكونوا دعاة إلى الله وشهداء على الناس.
احترم المكان الذي تتكلم فيه:
الذي يعتلي المنبر يجب أن يفهم أن الأمر تكليف لا تشريف، وأن هذا المنبر هو منبر النبي عليه الصلاة السلام فلا يحق له إهانته أو الحط من شأنه، فعليه أن يصبر على أذى الناس، وعليه تحمل شكاويهم، وعليه السعي بينهم بالخير، والصلح بين المتخاصمين منهم، والمباركة للمحتفل، والتعزية للحزين، وعليه أن يفهم أنه مثل الطبيب تماماً، فلا يحق له أن يغلق بابه دون الناس، أو أن يقفل الهاتف، أو أن يجيب بجفاف على متصل أو مستفسر.(15/160)
أما إن كان مبتلى بخلق ضيق، وقلة صبر على العامة، وتسرع في الكلام، وحدة في الطباع، فعليه أن يجاهد نفسه حتى يتعلم اللين للناس، والتواضع لهم، والصبر على مسائلهم، فإن نجح في الأمر فذلك فضل من الله، وإلا فخير له أن يتركه؛ لأنه سيصبح فتنة للناس لا هادياً لهم.
ومن المفيد إيراد ما ذكره البعض في تفسير قوله - تعالى - من سورة الغاشية: "أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ" (الغاشية: 17- 22). قال: عليك أن تكون بصبر الجِمال، ورفعة السماء، وثبات الجبال، وسهولة الأرض وانبساطها، ثم بعد امتلاك هذه الميزات أن تصدع بالدعوة، مع هذا فلن تكون مسيطراً عليهم، فإنما أنت مجرد مذكر، أما الهداية فهي هدية الله لمن شاء من عباده.
لك الأجر في الدنيا قبل الآخرة:
في الختام، الخطيب والداعية المخلص ينتظر الأجر من الله، على أنه ينال من حب الناس ودعائهم ورفعهم من مكانته وتقديمهم له، ما يجعله في خير كثير، وقد قال ابن القيم رحمة الله عليه: " طوبى لمن بات وألسن الناس تدعو له، والويل لمن بات وألسن الناس تلعنه".
وحب الناس للمرء ودعاؤهم له من عاجل بشرى المؤمن، فنسأل الله أن يعجل لنا البشرى في الدنيا قبل الآخرة.
19/8/1425هـ
http://www.almoslim.net المصدر:
============
ثلاث رسائل للشباب
صالح بن عبد الله الضرمان
يا شباب الإسلام أهدي تحياتي وأشواقي الحارة، أهديها على أكف الراحة، أهديها عبر السحاب وعبر الروابي والسهول والأعلام، علّها تصل إليكم وأنتم تنعمون بثوب الصحة والعافية، فتشاغف قلوبكم الحيّة، وتؤثر في خلجات أنفسكم النيّرة، وفي عقولكم الزكية. إليكم ثلاث رسائل أولاها كأخراها، لكنها في الأولى أمل وفي الأخرى عمل، والأمل والعمل أنشودتان من تغريد فمي.
فهاكموها ناضجة، وخذوها نابضة، خذوا لبها واتركوا لي قشورها، خذوا صفوها واتركوا لي كدرها، إليكم هذه الرسائل، التي نبض بها قلبي، وفكّر بها عقلي، وصدقتها مشاعري وأحاسيسي، وخطها قلمي، إليكموها معطرة بالشذا والريحان و الكاذي.
الرسالة الأولى:
{الموت هادم اللذات ومفرّق الجماعات}
اعلموا أيها الشباب أن الموت هادم اللذات ومفرّق الجماعات، ومنغص الحياة، وهو طريق كلنا نقتفيه، وكأس كلنا شاربه، هو حق علينا مهما عشنا، ومهما طالت أعمارنا، وهو مصير محتوم لا مناص منه ولا مهرب. قال - تعالى -: {قل إن الموت الذين تفرون منه فإنه ملاقيكم}.
هو الموت ما منه ملاذ ولا مهرب *** متى حُط ذا عن نعشه ذاك يركب
ولو عاش أحد وبقي وخلّد، لعاش أفضل مخلوق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وما دام الأمر كذلك، فلا بد من التوبة الصادقة إلى الله - عز وجل - وتقواه والاستعداد ليوم الرحيل قبل أن يُباغتكم الموت، ولسان الحال يقول:
تزوّد من التقوى فإنك لا تدري *** إذا جنّ ليل، هل تعيش إلى الفجر؟!
فكم من صحيح مات من غير علة *** وكم من عليل عاش حينا من الدهر؟!
وكم من صبي يرتجي طول عمره *** وقد نُسجت أكفانه وهو لا يدري؟!
وكم من عروس زينوها لزوجها *** وقد قُبضت روحاهما ليلة القدر؟!
الرسالة الثانية
طلّقوا الغيبة.. "أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه"؟
مما لا شك فيه أيها الشباب أن الغيبة سلاح الجاهلين المنحطين في دهاليز الجهل والسفه والطيش وكل أمر فيه قيل وقال، وما يندرج تحت ذلك من آفات اللسان، روادها ومعتادوها أناس قد نقص عندهم منسوب الإيمان، وأصبحت قلوبهم أقرب إلى الجوفان، فتراهم يجوبون الأرجاء والطرقات والسّبل، ويزاحمون في تصدر المجالس والمقاهي، فيغتابون ويلمزون ويقطعون بقولهم: هذا فيه كذا، وذاك فيه كذا وكذا، وذلك فيه كذا وكذا وكذا.
لا يرتاحون إلا حينما يلطخون ألسنتهم بالغيبة، ولا يهنؤون إلا حينما يغوصون في أعراض الناس ويتمرغون فيها، فيأكلون منها إسرافا وبدارا. إنهم حيارى في البيداء، وسراب كاذب، ليس لهم هدف ولا مستقبل إلا البروز على أكتاف البشر، بروز فشل وانحطاط، لا بروز نجاح وارتفاع، وكأنهم لم يعلموا أن الغيبة حرام، بل هي من الكبائر، أما علمت: إن كان في أخيك ما قلته فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. يا للحق! يا للضياء! عندما يعانق قلوب أولئك المغتابين، فتنمحي الغيبة وتتلاشى، وتحيا القلوب، وتطيب النفوس، وتتقارب المجتمعات وتتعانق، وتتأصل الوشائج وترتقي، وتمتد جسور المحبة والمودة والوئام، فتصبح المجتمعات نظيفة، متينة، بينها وشائج إيمانية، وصلات روحانية، وعادات وتقاليد إسلامية.
فهل من عودة سريعة للقرآن ونوره، قال - تعالى -: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه}، وللسنة وضيائها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (ذكرك أخاك بما يكره) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته))، إضافة إلى تفهم أمور الدين الإسلامي، وترك الغيبة، وكل أمر فيه منقصة ومظلمة للناس، وقبل ذلك التوبة والندم على ما فات، وعدم الرجوع إليه؟ فباب التوبة مفتوح لكل مذنب ومغتاب، فغدا أيها المغتاب تموت، وفي قبرك تُسأل وتعلم أنك في جنب الله فرطت وفرطت، واغتبت واغتبت وتعبت.
فهيا، طلّقوا الغيبة، وأبعدوا أنفسكم عن الريبة، {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه}؟!!
الرسالة الثالثة:
{بر الوالدين، والحذر من عقوقهما}(15/161)
اعلموا أيها الشباب الكرام أن الوالدين هما الشموع المضيئة في حياتنا الدنيا، بل هم ريحانة منازلنا وقُرَانا ومجتمعاتنا. هم الذين تسببوا في وجودنا بعد الله - عز وجل -، وأحاطونا بالرعاية والاهتمام، وسعوا في راحتنا وتوفير كل سبل الراحة والسعادة لنا، وزرعوا فينا الأخلاق الفاضلة، وسقوها بالشذى والريحان وقطرات الندى حتى كبرت واستقرت ونمت، فرفرت أوراقها الخضراء، وأثمرت خيرا كثير، وأمدونا بالنصائح والتوجيهات السديدة، لم يثنهم في ذلك تعب أو عمل أو مشقة.
إذا، ما وجبنا تجاههم؟ ما دورنا نظير ما قاموا به من أجلنا؟ هل نبرّ بهم ونحيطهم بالعطف والحنان أم نعقهم ونخاطبهم بالغلظة والشدة، أم نتركهم كالشماعة نُعلّق عليها أخطاءنا وتقصيرنا وهمومنا وقلة حيلتنا؟!!!
إن البعض من الأبناء هداهم الله يتصرّفون مع آبائهم تصرفات عشوائية، تصرفات مرفوضة. يُقابلون الإحسان بالإساءة، والجميل بالنكران، يعتبرون آباءهم همّا ثقيلا على قلوبهم، يُعاملونهم معاملة سيئة، يتمنّون الخلاص منهم ليرتاحوا من همهم كما يدّعون وليرتاحوا من نظرات الناس المستنكرين على تصرفاتهم الخاطئة مع آبائهم.
واسمعوا إلى هذه الهمسة من أب مسنٍّ إلى كل ابنٍ عاقٍ ناكرٍ للجميل:
غذوتك مولودا وعلتك يافعا *** تُعلّ بما أدني إليك وتنهلُ
إذا ليلةٌ نابتك بالشكوى لم أبتْ *** لشكواك إلا ساهرا أتململُ
كأني أنا المطروقُ دونك بالذي *** طُرقتَ به دوني وعينيّ تهملُ
فلما بلغت السنّ والغايةَ التي *** على مدى ما كنتُ فيها أُؤملُ
جعلتَ جزائي منك جبها وغلظةً *** وكأنك أنتَ المنعمُ المتفضلُ
فليتَك إذ لم ترعَ حقَ أُبوّتي *** فعلتَ كما الجارُ المجاورُ يفعلُ
لهذا، عليكم أيها الشباب ببر الوالدين وطاعتهما في غير معصية الله، حيث إن رضاهما من رضا الله، قال - تعالى -: {وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}.
ومن خلال ما سبق، يجب على كل شاب من مخاطبة والديه بأدب وبأسلوب لين وعدم نهرهما وزجرهما، والتلطف عند الحديث معهما، والمحافظة على سمعتهما وشرفهما، وصلة أصدقائهما وإكرامهما، والعمل على كل ما يسرّهما ويفرحهما، والدعاء لهما في حياتهما وبعد موتهما.
عليك ببر الوالدين كليهما *** وبر ذوي القربى وبر الأباعد
وبعد، أيها الشباب، وأمل الأمة وسواعدها الفتية، نصل وإياكم إلى نهاية هذه الرسائل، التي أسأل الله - عز وجل - أن تكون فيها الفائدة المرجوّة وأن تشاغف قلوبكم، وتؤثر فيها، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة مجيب.
وصلى الله على سيدنا محمد.
http://www.saaid.net المصدر:
===========
داعية فاشل .. لماذا؟!
شادي الأيوبي
هذه كلمات لكل من يصدع بالدعوة إلى الله، ثم يقلب ذات يوم كفيه، وينظر في أمره بعد سنين من الدعوة- كما يظن- فلا هو غير شيئاً فيمن حوله، ولا أضاف شيئاً، ولا أنقص شيئا، بينما يحالف التوفيق غيره خلال مدة قليلة، فترى الناس التفت حوله، واجتمعت عليه، وسمعت كلامه، فسبحان الذي مَنَ على أفضل خلقه بمحبة الناس له، وتوددهم إليه.
الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى- تُبتلى من حين لآخر بمن يفرضون أنفسهم عليها دون أن يكونوا أهلاً لدعوة ولا لصحبة ولا حتى لكلمة واحدة تقال في مجال الوعظ بين الناس.
والله - سبحانه وتعالى- لا يوفق لهذه الدعوة من لم يحكموا بينهم وبين غيرهم بالإنصاف، أما الذين يرفعون أو يميزون أنفسهم قليلاً عن الناس، فهؤلاء مرفوضون لا شك وإن اغتر بهم الناس لمدة ما، فهذه هي الدعوة الوحيدة التي لا تقبل في صفوفها إلا من جعل من نفسه سهلاً منبسطاً للناس، وقبل منهم الطبائع المختلفة، وسعى في خدمتهم والسؤال عنهم دون أن يرى بذلك أي فضل لنفسه، ودون أن يطلب منهم أي جزاء مادي أو معنوي.
الدعوة إلى الله سر؟؟
نعم الدعوة إلى الله سر، لكنه سر غير خفي، على أنه رغم وضوحه لا يُوفَّقُ إليه غير القليلين القليلين، ممن توافرت فيهم صفات كثيرة، وهذه بعض أسرارها الخفية الظاهرة:
من جميل هذه الدعوة أنها تعطي صاحبها طالما تعفف، فإذا تطلع إلى شيء من الكسب أو التكسب منها، نفرت منه الدعوة ونفر منه المدعوون.
وأنها ترفعه طالما تواضع للناس، فإذا رأى لنفسه شيئاً من الفضل، نبذته الدعوة وتخلصت منه قبل المدعوين..
وأنها تجعل الناس في خدمته طالما كان خادماً للناس، فإذا طلب من الناس خدمته نفروا منه وتركوه ونسوا كلامه..
وأنها تجعله مطاعاً مسموع الكلام طالما كان مطبقاً لما يدعو إليه، فإذا تحول إلى مُنظِر لا يفعل ما يقول، ولا يلتزم بما يدعو إليه، فلا سمع ولا طاعة بل لا ود ولا محبة..
وأنها تجعل كلامه محبوباً طالما تجنب التشدق والتعجرف والكلام عن نفسه، فإذا طلب تنميق الكلام وزخرف القول، صار واحداً من خطباء الكلام يخاطب الأسماع، لكن كلماته لا تصل إلى القلوب...
الأخ الداعية.. الأخ الخطيب أو الواعظ.... اسمع كلمات تخرج من قلبٍ مشفق محب، لم يجمعه بك غير الحب لهذه الدعوة، وحب الخير للناس:
هذه الدعوة مدرسة عظيمة.....
لا يوفق إلى دخولها إلا المخلصون،
ولا يستمر فيها إلا الأشد إخلاصاً،
ولا يتخرج منها إلا من لا يرون لأنفسهم أي فضل،
ولا يتميز من خريجيها إلا من يرون الفضل لكل أحد من الناس إلا لأنفسهم..(15/162)
إذا فتشت نفسك بعد طول وعظ وإرشاد فما وجدت لنفسك مكاناً في قلوب الناس، وما وجدت لكلامك صدى في أفعالهم وأقوالهم، فجدير بك أن تقف مع نفسك وقفة صدق تسأل فيها عن السبب أو عن الأسباب..
كيف تفهم من أنت في قلوب الناس؟؟
إن من جميل الأمور أن العامة لا يخفون مشاعرهم، أو لا يمكنهم إخفاؤها، فإن كان فيهم مدارٍ واحد ففيهم الكثيرون من المفطورين على الإفصاح بمكنونات أنفسهم دون مواربة، وهذا قد يكون جارحاً في بعض الأحيان، لكنه من أصدق المعايير وأوضحها..
هناك موهبة جميل بالداعية إلى الله أن يمتلكها، وهي قراءة القلوب، وقراءة القلوب تعني فهم ما يشعر به الناس نحو هذا الداعية، هل يحبونه أم يبغضونه أم لا يبالون به؟ وبما أن القلوب لا يعلم أمرها إلا الله، فعليه أن يقرأها من خلال علامات الوجوه وزلات الألسنة، فهذه من الصعب إخفاؤها.
فإذا رأيت من العامة الحب لك والتعلق بكلامك، ومحاولة تطبيقه فاعلم أنك في فضل من الله، فاسع إلى المزيد منه، بالإخلاص التام في القول والعمل.
أما إذا رأيت منهم الجفاء عنك والإعراض عن كلامك ففتش: من أنت؟ وما تقول؟ وما تفعل؟
نعم من أنت؟؟ هل أنت حقاً داعية إلى الله بحق أم أنك تجرب أن تضيف إلى نفسك موهبة الخطابة بين الناس؟؟
وما تقول؟؟ هل كلامك كلام من داعية إلى الله أم أنه كلام أديب أو فصيح أو متشدق لا علاقة له بالدعوة و الدعاة؟؟
وما تفعل؟؟ هل أفعالُك تسبق أقوالك، أم أنك لا تجعل صلة بين هذه وتلك؟؟
بعد هذا هناك أمور جدير بالداعية الإنتباه لها تخص الخطبة نفسها منها:
إياك أن تجعل من نفسك موضوع الحديث!!!!
بعض الكلمات قد لا تكون مدحاً مباشراً للنفس، لكنها تفصح عن اعتداد كبير بها، وهي مزعجة للسامع، منفرة من الخطيب ومنها، على سبيل المثال: أنا أعلم أن بعضكم يفعل كذا، بلغني أن أحد الناس قال عني كذا، رأيي أن، أنا أقصد كذا، أنا لا أخاف أحداً في الله، وغيرها كثير كثير..
التعريض بالناس ممنوع:
بعض الخطباء يعرضون بالناس أو ببعضهم بعد حوادث معينة، ويظنون أنهم ببعض المواراة لن يعرف أحد من يقصدون، فيتكلمون بكلام جارح فاضح، ويظنون أنهم يحسنون صنعاً، وهكذا يتناقص المستمعون حسب الظروف؛ لأن الخطيب المفوه، لا يترك فرصة للتعريض بالناس والتنديد بأخطائهم..
لا تتكلم في الهلاميات والفلسفات والكلام غير المفهوم:
وهذه مسألة صار لبعض الناس شغف بها، فهم مولعون بالتفصح الذي يصل إلى الكلام غير المفهوم، وبعضهم يلجأ إلى كتب الأدب ليحفظ منها العبارات الغريبة العجيبة، ليظهر للناس أنه قادر على الإتيان بكلام لا يستطيعون فهمه، وحبذا لو نظر هؤلاء إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - فقد أوتي جوامع الكلام، ومع هذا فكلامه يفهمه البدوي والحضري، والمتعلم والأمي، والشاب والعجوز.
لا تكلف الناس بما لا يطيقون:
لا ينبغي للخطيب أن يكون مثالياً إلى درجة السذاجة، فيطالب الناس أن يكونوا ملائكة لا يخطؤون ولا يزلون، بل إن من الحكمة والواقعية توقع الأخطاء والزلات، والتعامل معها بسمو وبعد نظر، وتوصيف العلاج لها من بعد النظر العميق في حال صاحبها، فقد كان الرجال يأتون إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - فيسألونه عن الأمر الواحد فيجيب كل واحد منهم بما يناسب حاله وفهمه وعقله.
ليست العبرة بطول الخطب ولا بكثرة الكلام لكن في تأثيره:
بعض الناس يظنون أنهم بخطبة في مسجد أو درس عام، يؤدون واجبهم، وأنهم قد فعلوا الشيء الكثير الذي يستحقون عليه الحمد والشكر، ويسمون أنفسهم بهذا دعاة إلى الله، لكن من الجدير بهؤلاء أن ينظروا إلى ما تركوه وراءهم، بكلام آخر هل تغير شيء في السامعين، أم أنهم يسمعون الخطيب لعدم وجود غيره، هل لو ترك مكانه ورحل إلى مكان آخر فلن يترك وراءه من يذكره بالخير ويدعو له؟؟
المهمة لا تنتهي بالانتهاء من الخطبة أو الدرس:
من الخطأ أن يسرع الخطيب أو المحاضر بالمغادرة بعد كلامه، فالناس لديهم أحوال وحاجات وشكاوى وهموم واستفسارات، وهم معتادون أن يبوحوا بها لمن يرون من أهل الصلاح والخير، لذلك يجدر بالخطيب أن يبقى بعد الصلاة ليسلم على الناس ويسمع منهم، فهو بهذا يتيقن من تأثير كلامه، ويسمع تعليقاتهم واستفساراتهم، ويعيش همومهم وقضاياهم، بدل التحليق في فضاء النظريات والكتب التي يقرؤها.
لا تحرم من كلمة طيبة ومن بسمة صادقة:
الكلام الطيب والبسمة الصادقة مفتاح تملك به القلوب، فمن كان عديم البضاعة منهما ليس له حظ في حب الناس أو التأثير فيهم، الناس قد يسمعون من أي خطيب، وقد يتأثرون بكلامه نوعاً ما احتراماً لأمر الله، لكن الله - سبحانه - يجعل في قلوب الناس حب المرء المبتسم الوجه، الطيب الكلام، السهل في غير ذلة، والألوف في غير تزلف، وهذه مواصفات يجعلها الله فيمن يشاء من عباده، ليكونوا دعاة إلى الله وشهداء على الناس.
احترم المكان الذي تتكلم فيه:
الذي يعتلي المنبر يجب أن يفهم أن الأمر تكليف لا تشريف، وأن هذا المنبر هو منبر النبي عليه الصلاة السلام فلا يحق له إهانته أو الحط من شأنه، فعليه أن يصبر على أذى الناس، وعليه تحمل شكاويهم، وعليه السعي بينهم بالخير، والصلح بين المتخاصمين منهم، والمباركة للمحتفل، والتعزية للحزين، وعليه أن يفهم أنه مثل الطبيب تماماً، فلا يحق له أن يغلق بابه دون الناس، أو أن يقفل الهاتف، أو أن يجيب بجفاف على متصل أو مستفسر.(15/163)
أما إن كان مبتلى بخلق ضيق، وقلة صبر على العامة، وتسرع في الكلام، وحدة في الطباع، فعليه أن يجاهد نفسه حتى يتعلم اللين للناس، والتواضع لهم، والصبر على مسائلهم، فإن نجح في الأمر فذلك فضل من الله، وإلا فخير له أن يتركه؛ لأنه سيصبح فتنة للناس لا هادياً لهم.
ومن المفيد إيراد ما ذكره البعض في تفسير قوله - تعالى - من سورة الغاشية: "أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ" (الغاشية: 17- 22). قال: عليك أن تكون بصبر الجِمال، ورفعة السماء، وثبات الجبال، وسهولة الأرض وانبساطها، ثم بعد امتلاك هذه الميزات أن تصدع بالدعوة، مع هذا فلن تكون مسيطراً عليهم، فإنما أنت مجرد مذكر، أما الهداية فهي هدية الله لمن شاء من عباده.
لك الأجر في الدنيا قبل الآخرة:
في الختام، الخطيب والداعية المخلص ينتظر الأجر من الله، على أنه ينال من حب الناس ودعائهم ورفعهم من مكانته وتقديمهم له، ما يجعله في خير كثير، وقد قال ابن القيم رحمة الله عليه: " طوبى لمن بات وألسن الناس تدعو له، والويل لمن بات وألسن الناس تلعنه".
وحب الناس للمرء ودعاؤهم له من عاجل بشرى المؤمن، فنسأل الله أن يعجل لنا البشرى في الدنيا قبل الآخرة.
19/8/1425هـ
http://www.almoslim.net المصدر:
==========
عاجل جدا إلى مستخدم الإنترنت
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإليك أخي في الله.. إليك يا مستخدم الإنترنت.. إليك أهدي هذه الرسالة في كلمات يسيرة، وموعظة قصيرة أذكرها لك في عدة وقفات، وأسأل الله - عز وجل - أن ينفعني وإياك بها.. اللهم آمين.
الوقفة الأولى: ما هي الإنترنت؟ وكيف نشأت؟
في بداية أيلول سبتمبر عام 1969 م أمكن امتداد المعلومات بين جهازي حاسب آلي بينهما بضعة أمتار في كاليفورنيا عن طريق الهاتف، ليدشن ذلك ولادة هذه الشبكة نسيج العنكبوت وكانت قد نشأت كفكرة في مختبرات وزارة الدفاع الأمريكية في جزء من برنامج حظر الهجوم والذي يرمي إلى بناء شبكة لا يوجد لها مركز تصلح للإستخدامات العسكرية، وقد قفز عدد الذين ارتبطوا بهذه الشبكة وتطور أمرها تطورا سريعا حتى بلغ عددهم (180) مليون مستخدم مرتبطين عن طريق (35) مليون جهاز حاسب آلي في العالم، فيما اعتبره بعصر الناس أهم اختراع في القرن العشرين.
الوقفة الثانية: الإنترنت من اشراط الساعة الصغرى:
قال - تعالى -: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: 96]، وقال - سبحانه -: عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق: 5]، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الكذب وتتقارب الأسواق ويتقارب الزمان} وفي رواية {ويقترب الزمان ويكثر الهرج، قيل وما الهرج، قال: القتل} [أرواه الإمام أحمد]. قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في تعليقه على تقارب الزمان المذكور في الحديث: (يفسر بما وقع في هذا العصر من تقارب ما بين المدن والأقاليم وقصر المسافة بينها بسبب اختراع الطائرات والسيارة والإذاعة وما إلى ذلك والله أعلم) أ. هـ.
أخي الكريم: لو طبقت ما في هذا الحديث من تقارب الزمان وتقارب الأسواق لوجدته مطابقا لما في الإنترنت خصوصا إذا علمنا أن بعض المواقع تحوي (350 ألف) سلعة تستطيع أن تطلع عليها جميعا بمجرد كتابة عنوان ذلك الموقع والإتصال عليه، وهذا دليل على قرب قيام الساعة وحدوث أغلب أشراط الساعة الصغرى.
ومن الأحاديث التي أخبرنا أنها ستقع من أشراط الساعة الصغرى قوله فيما رواه عنه أنس رضي الله عنه: {إن من أشراط الساعة... (فذكر منها) ويظهر الزنا! } [رواه البخاري ومسلم]. وكذا في الإنترنت نعلم انتشار الزنا وظهوره إذا علمنا أن هناك (455 ألف) موقع لبث الدعارة والجنس من خلال الشبكة العنكبوتية على مستوى العالم... وإذا علمنا كذلك إنتشار هذه الشبكة حيث يبلغ عدد المشتركين بها في آخر الإحصائيات (211 مليون) شخص. وهذا مما يدل على سرعة انتشار هذه الشبكة بشكل سريع جدا..
الوقفة الثالثة: الإنترنت والدعوة إلى الله:
هذه الوقفة يقصد بها الدعاة إلى الله ومن يستطيع أن يقدم خدمة لهذا الدين من طلبة العلم والمشايخ ومن هم في عزلة عن الفتن... وليس لأولئك الذين يريدون الفرجة والإستطلاع الزائد. إن حضورنا الإسلامي على هذه الشبكة ضئيل جدا جدأ، وهذا أمر محزن بالنسبة لكوننا خير أمة أخرجت للناس، إن العالم مليء بالجرائم والإعتداءات، وهو يعيش فراغ روحي بلا شك.(15/164)
عالم يعيش بلا ضوابط ولا حنان ولا أخوة.. وإذا كان ديننا الدين الإسلامي هو الدين الذي أنزله الله - سبحانه - على رسوله وجعله الدين الذي لا يقبل سواه - سبحانه - قال - تعالى -: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران: 19]. وقال - سبحانه -: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران: 85]، فإنه يجب علينا أن نقوم بواجبنا من تبليغ هذا الدين ونشره في جميع أنحاء العالم... واستخدام جميع الوسائل المتاحة لتبليغ هذا الدين ونحن مأمورون بتبليغ هذا الدين ونشره قال - تعالى -: لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ. [البقرة: 143]. وهذا أمر لا مفر منه ولا مجال لنا في تركه إذا أردنا أن نعلي هذا الدين وأن ننشره بطريقة صحيحة بين الناس. ولابد لذلك من مخططات وتنظيمات ووضع برامج لتحقيق ذلك الهدف المنشود لنا جميعا ألا وهو نشر الدين الإسلامي بطريقة واضحة... بهدي القران الكريم والسنة النبوية الصحيحة، والواقع يدل على أن الناس متعطشون لمعرفة الحقائق عن الإسلام بل إن هناك أعداد كثيرة دخلت في الإسلام عن طريق الإنترنت.. هذا أحدهم يرسل رسالة إلى من تحدث معه عن الإسلام يقول فيها: إنني أسلمت وقد أخبرتك لتشاطرني الفرحة. وآخر يقول: أريد أن أسلم وأمارس لعبة كرة السلة هل يتعارض الإسلام مع لعب كرة السلة؟، وثالث يقول: أريد أن اسلم وأخشى من عدم استطاعتي أداء الصلاة في مكتبي في الشركة.. ورابع يقول: أنا من كولومبيا و70% من كولومبيا مخدرات، وأنا متورط في المخدر وأريد أن أسلم، ما موقف الإسلام مني؟ وغيرها الكثير من الرسائل التي تحتاج إلى ردود بسيطة ليدخل أصحابها في الإسلام.
الوقفة الرابعة: الإنترنت واللإستخدام السيء:
إن هذه الشبكة مع ما فيها من المنافع إلا أن أضرارها أكبر بكثير من منافعها، وسلبياتها كثيرة جدا جدا، وقد انتبه الكفار لهذه الأشياء حتى على مستوى أطفالهم والإدمان، يقضي الطفل الأمريكي من 6- 10 ساعات يوميا على الشبكة.
بل العجيب أن بعض الآباء والأمهات هناك لهم رقابة على أطفالهم عند دخولهم الشبكة أكثر من بعض آبائنا وأمهاتنا على أطفالنا.. والأعجب من ذلك أن كثيرا منهم بهتوا وذهلوا عندما رأوا شدة الإباحية والجنس على تلك الشبكة هذا وهم كفار، فكيف بنا نحن المسلمين؟
إن من أخطار الإنترنت: انتشار مقاهي الإنترنت، وحجم المخاطر التي تأتي منها كبير جدا.. وهذه بعض الأرقام التي تؤكد ذلك، يقول بعض القائمين على مقاهي الإنترنت إن 70% من القادمين إلينا يأتون للتسلية المحرمة (اتصالات مع الأجنبيات، الإتصال على مواقع الفحش والرذيلة..). 85% من الأمريكيين يدخلون على مواقع إباحية 95% من الشباب في بعض الدول العربية يدخلون على المواقع ا لإبا حية.
أرايت أيها الأخ الكريم!! إن الله - سبحانه وتعالى- فد أخبرنا بمكائد أعدائنا، يقول جل من قائل: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقر ة: 120].
وفي كتاب مؤتمر العاملين المسيحيين بين المسلمين يقول: إن المسلمين يدعون أن في الإسلام ما يلي كل حاجة اجتماعية في البشر فعلينا نحن المبشرين أن نقاوم الإسلام با لأسلحة الفكرية والروحية.. ويقول مرماديوك باكتول: إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم في العالم الآن بنفس السرعة التي نشروها سابقا بشرط أن يرجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأول لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم.
وهاك أخي هذه القصة الواقعية التي تؤكد خطورة الإستخدام السيء للإنترنت والتي ذكرها فضيلة الشيخ: محمد بن صالح المنجد وهي عبارة عن رسالة جاءت إلى الشيخ من امرأة تقول فيها: ~لقد كنا في سعادة وهناء دون مشاكل، وكان يغمر منزلنا ذكر الله، كان زوجي لا ينام عن صلاة الفجر وكان يصلي كل فرض في وقته ويخصص يوما في الأسبوع يتفقد أحوال المساكين ويذهب لزيارة أقربائه، ويتفقد أحوال المساجد، ويرى ماذا ينقص المساجد المجاورة وقد بارك الله له في رزقه وكان يساعد الناس في كل مكان ولكن عندما دخل على الإنترنت ابتلي بابتلاء عظيم عندما رأى تلك الصور الخليعة للفاجرات تغير حالة جدا وأصبح لا يعرف صلاة الفجر وكأنها محيت من قاموسه، أما الصلوات الباقية فأصبح يصليها في وقت متأخر، ولا يصلي مع الجماعة، حاولت المستحيل أن أنصحه، وبعدة طرق لكن دون جدوى قلت له: تزوج امرأة أخرى لكنه رفض.
أنا حائرة لا أدري ماذا أفعل؟ وقد يئست منه لأنه قال لي: لن اترك التفرج ولن أستطيع الإستغناء عنها؟ وأصبح كل وقته في ذلك الجهاز لكن المشكلة أن هذا العمل غلبه عليه شيطانه وأنا معي الآن منه ثلاثة أولاد وأريد أن يتربوا تربية صالحة ماذا أفعل؟ والمشكلة تطورت وقال: إنه سيشتري تلفزيون ودش وسيشترك في القنوات؟ أرجوكم ساعدوني..(15/165)
أخي يا رعاك الله: لعلك وقفت معي في هذه الوقفة على جزء يسير من مخاطر الإستخدام السيء للإنترنت، وعلاج تلك المخاطر ليس في إقفال مواقع الشر فحسب، لأنه حسب الإحصائيات في كل ثلاث دقائق يظهر موقع جديد على الشبكة، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية يقفلون كل يوم مائة موقع إباحي جزاهم الله خيرا، فإذن العلاج الحقيقي هو تقوى الله ومراقبته والإيمان الصادق بأنه يعلم السر وأخفى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر: 19]. واعلم أخي أن لذة الدنيا زائلة ولا تستمر، فلا تدمر نفسك وإخوانك وأهلك باستخدامك السيء لهذه الشبكة العنكبوتية. وحذر كل من يستخدمها ذلك الإستخدام السيء بسوء العاقبة ومغبة النتيجة والفشل بكل أنواعه كما في القصة السابقة...
الوقفة الخامسة: الإنترنت والإدمان:
إن الإدمان لم يعد في المخدرات فقط بل إنه ظهر الآن نوع جديد من أنواع الإدمان ألا وهو إدمان الإنترنت. من صفات مدمن الإنترنت:
1- اشتهاء المدمن موضوع إدمانه دائما والشغف به.
2- الألم الشديد عند مفارقته.
3- الرجفة واضطراب المزاج والضيق والتأفف وحصول الإصطدام بين المدمن وبين من يعايشونه.
4- فقدان الوظيفة.
5- الوقوع في الميسر والفواحش.
وقد ذكرت دكتورة أمريكية في محاضرة عن إدمان الإنترنت أنها قد وصلت إلى نتيجة بعدة أسئلة تطرح على مستخدم الشبكة، فإذا أجاب على أحدها بالإيجاب فهو مدمن انترنت، ومن تلك الأسئلة:
- هل هدد ارتباطك بالإنترنت وظيفتك أو علاقتك الأسرية؟
- هل ترى في الإنترنت وسيلة للهرب من مشاكل حياتك اليومية؟
- هل تكذب بشأن عدد الساعات التي تمضيها مع الإنترنت؟
إلى غير ذلك من الأسئلة...
أعراض الإدمان: الأرق- إجهاد اليدين- آلام الظهر- آلام المعصم من كثرة العكوف على الجهاز.
الوقفة السادسة: نصائح لمستخدم الإنترنت:
أولا: إذا كنت في غنى عن هذه الشبكة فاستغن عنها ولا تسمح لأولادك بالذهاب إلى مقاهي الإنترنت.
ثانيا: إذا كنت من المضطرين إلى استخدامها فإليك هذه الوصايا:
ا- لا تسلم هذه الشبكة إلى الصغار والمراهقين والمراهقات فهذا خطر بالغ جدا لا يمكن أن يرضى به مسلم.
2- يجب أن ينحصر استخدام هذه الشبكة فيمن يستفيد منها، وفيما يفيد مثل: الإستفادة الشرعية (دعوة- نشر علم)، وكذلك أصحاب رسائل الماجستير والدكتوراة، الأطباء، إلخ. ويجب أن يمنع من استخدامها كل من يريد: الفرجة، إثباث القدرة على اختراق المواقع، الفضول، حب الإستطلاع، إلخ.
3- استخدم الانترنت في البحث عن المواقع الإسلامية الصحيحة العقيدة والمنهج، والإستفادة من تلك المواقع.
4- لا يغرك الشيطان بأن يزين لك الإشتراك في الإنترنت بحجة الدعوة إلى الله وأنت غير صادق فيما تقول، وإذا أردت أن تعرف لماذا اشتركت في الإنترنت؟ فأنظر في المواقع التي تتصل عليها؟ وما هو الغالب منها. هل هي المواقع الإسلامية أم أنها مواقع أخرى؟.
الوقفة السابعة: إلى مستخدم الإنترنت:
أيها الأخ الكريم.. إلى أي حد نفقد تعاليم ديننا ونبتعد عنه إذا نحن ولجنا في هذه الشبكة العنكبوتية بقصد الإطلاع على المواقع الإباحية والإستمتاع- كما يزعمون - بمشاهدة تلك الصور الفاضحة المخزية.
أخي أكرمك الله بجنته.. ألا تعلم أن داء الشهوة والغرام يؤدي بالإنسان إذا تعلق به ودخل في قلبه إلى الوصول أحيانا إلى الكفر بالله - سبحانه -!. كان أحدهم مغرما بغلام اسمه أسلم فمرت عليه فتره ولم ير ذلك الغلام فأصابه المرض حتى وعده أحدهم أن يحضر له الغلام الآن، فكان ينتظره على أحر من الجمر وعندما جيء بالغلام فكر الغلام في نفسه، وقرر أن يرجع فذهبوا إلى ذلك الرجل وقالوا له: لقد رجع الغلام فأنشد أبياتا في الغلام منها:
لقاؤك أشهي لي *** من رحمة الخالق الجليل
أرأيت يا أخي أن البداية كانت حب وكرام بريء- كما يقال - فكانت النهاية كفر بالله - سبحانه -. والقصص على هذا الشيء كثيرة جدا ومعروفة.
أخي.. أين نحن من أسلافنا الصالحين.. كان الربيع بن خثيم من شدة غضه لبصره وإطراقه برأسه تظن النساء أنه أعمى، وقال ابن سيرين - رحمه الله -: والله ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا في منام غير أم عبدالله - أي زوجته - وإني لأرى المرأة في المنام فأذكر أنها لا تحل لي فأصرف بصري عنها.
أيها الأخ الفاضل: إذا عرضت لك نظرة لا تحل فاعلم أنها مسعر حرب فاستتر منها بحجاب: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور: 30]، فقد سلمت من الأثر وكفى والله المؤمنين القتال.. ولا ترم بسهام النظر فإنها والله فيك تقع، رب راع مقلة أهملها فأغير على السرح.
كل الحوادث مبدأها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها *** فعل السهام بلا قوس ولا وتر
يا بائعا نفسه بهوى من حبه ضنى، ووصله أذى، وحسنه إلى فناء، لقد بعت أنفس الأشياء بثمن بخس. كأنك لم تعرف قدر السلعة ولا خسة الثمن، حتى إذا قدمت يوم التغابن تبين لك الغبن في عقد التبايع.
لا إله إلا الله سلعة الله مشتريها وثمنها الجنة والدلال الرسول، ترضى بيعها بجزء مما لا يساوي كله جناح بعوضة!!!(15/166)
أخي مستخدم الانترنت.. إذا ضغطت بأناملك على لوحة المفاتيح للإتصال على أحد المواقع وقبل أن تضغط على مفتاح الإدخال (Enter) تذكر أن الله - سبحانه وتعالى- أقرب إليك من حبل الوريد، وهو عالم جل في علاه بالسر وأخفى، فانظر أخي الكريم إن كان الموقع الذي تريد أن تتصل معه، فيه شيء من غضب القوي العزيز فإني أناديك قائلا: يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ [غافر: 39-40]. وإن كان الموقع الذي تريد أن تتصل معه فيه طاعة لله أو علم نافع مفيد أو أخبار للمسلمين فامض على بركة الله وجد في الدعوة إلى الله واحذر أن تقع فيما نهاك الله عنه، أسأل الله - عز وجل - أن يجمعني وإياك في جنات النعيم وأن يقينا وإياك سوء الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم آمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وقفة لمحاسبة النفس:
- النظر إلى المرأة الأجنبية حرام.
- سماع الغناء والمعازف حرام.
- على المسلم أن يسلم بعقيدته من الإرتياب ومواطن الشبه.
- على المسلم مجانبة الكافرين وعداوتهم.
- على المسلم نبذ المواطن التي يعصى فيها الله - عز وجل - بالقول أو الفعل فرارا بدينه.
- الحذر من الفتن في الشبهات والشهوات.
وفي الختام:
تذكر حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن تبدأ العمل على الإنترنت:{بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مسلما ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا}.حفظك الله ونزه سمعك وبصرك عما يشين.
http://www.kalemat.org المصدر:
===========
ساهم معنا في بناء مجتمعنا
د يوسف محمد السعيد
كنت في نزهة دُعيت لها من قبل أحد أقاربي، وكان مكان النزهة منتجع من المنتجعات، وهي عبارة عن حديقة مغلقة عليها حارس، ويُدفع لدخول السيارة الواحدة مبلغ رمزي.ويوجد في هذا المنتزه خيول، وعربات، ومبيعات، و حديقة واسعة، وجمال للركوب، وغرف للإستئجار اليومي.
أثناء تواجدنا في المنتزه ; أعلنت البوابة (بواسطة مكبرات الصوت) عن تواجد طفل لديها تائه، وتدعو أهله لأخذه واستلامه.
عندما سمعت الإعلان يترجرج في أنحاء المنتزه، تذكرت فكرة الإعلان التربوي المشروحة في موضوع " كيف نحوّل المجتمع إلى مدرسة للجميع "، فما كان مني إلا أن أخذت نسخة من الموضوع أعلاه وكان موجوداً معي في السيارة، ثم توجهت إلى البوابة وقابلت صاحب المنتجع، وبعد حديث الاستئناس، وكيفية تطوير المنتجع بما يعود على الزائر وصاحب المنتجع بالخير والبركة، ذكر لي أنه يتمني أن يطلق جملة للناس كان يسمعها في صغره من قِبل بعض رجال الحارة التي كان يطلقها في تجمعات الناس، هذه الجملة تقول:
" أفلح من ذكر الله وصلى على النبي"
قلت له: وما يمنعك من قولها؟
فأجاب: بأن الناس لم يعتادوا عليها، وأخشي من النقد الذي لا يسلم منه أحد.
فما كان مني إلا أن شجعته، وقلت: انطلق ولا تخف، بل يمكنك أن تطلق بعد كل 15 دقيقة أو نصف ساعة جملة تربوية موجهة.. وناولته النسخة التي كانت بيدي.
فقال لي: ما هي فكرتها؟
فقلت: هي عبارات مشابهة لما ذكرت، ولعلك تقرأها في البيت.
فقال لي: خذ المايكروفون وقل ما أريد، وزد عليه ما تريد.
فأخذتُ مكبر الصوت وقلت بأسلوب هادئ:
"افلح من ذكر الله وصلى على النبي " 3 مرات، ثم أتبعتها بجملة:
" ابتسم فأنتَ في نزهة ".. " ابتسمي فأنتِ في نزهة "
وشجعته على الإستمرار في إطلاق الجمل التربوية الموجهة بعد كل فترة من الزمن.
إن هذه التجربة يمكن أن يقوم بها كل إنسان من زوار الأماكن العامة، فإن لمجتمعنا علينا حقا أيها الإخوة والأخوات الكريمات، لو سألنا أنفسنا:
كم عدد سكان مجتمعاتنا؟ وكم إنسان يزور هذه المواقع؟
لذا.. وجب نقل ما نتمتع به من معلومات إلى غيرنا، والطريقة السابقة هي إحدى صور نشر الخير بين الناس.
و تسهيلا ً لهذه العملية ; فقد أعددت الرسالة التالية، حيث يمكنك نسخها ومناولتها صاحب أي منتجع أو منتزه تزوره أنت وأهلك.
رسالة إلى صاحب منتجع أو منتزه
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزي صاحب المنتجع أو المنتزه:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،،
تحية طيبة وبعد:
ما من فردٍ منا إلا ويحب مجتمعه ومحيطه الذي يعيش فيه، وإنك و أسرتك جزءً من هذا المجتمع، وسلامة المجتمع وتطوره هو بحد ذاته سلامة لأسرنا ونموها ودرء المخاطر عنها. فكلما ارتفع مستوى الوعي لدي أفراد مجتمعنا كلما كان ذلك عائدا علينا وعلى أولادنا و بناتنا بالخير و البركة.
ونحن إذ نحب التواجد في منتزهك الجميل إلا أننا نرغب أن تستخدم مكبرات الصوت الموجودة لديك بتذكرنا وأولادنا وبناتنا بعد كل فترة من الزمن لنقل مثلاً (مابين 15 إلى 30 دقيقة) بجملة تربوية موجهة.
قال - تعالى -: {وتعاونوا على البر والتقوى و لا تعاونوا على الإثم والعدوان} وانطلاقا من هذه الآية الكريمة، ومساعدةً منا لك، وتعاوناً بيننا وبينك ; فإننا نرجو من شخصك الكريم إطلاق إحدى الجمل التالية أو ما يجري مجراها كل بعد 20 دقيقة، مثلا:(15/167)
سبحان الله، الحمد لله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، استغفر الله، الصلاة الصلاة، اكتبي مقالاً، اكتبي قصة، أعدي محاضرة، دوني خواطرك، اعملي بالوعظ البنَّاء، كوني شجاعة، كوني كريمة، كوني واسعة الصدر، تعلمي أدب الحوار، إقرئي الفاتحة، إقرئي آية، إقرئي سورة، إياكِ و الظلم، إقرئي ثلث القرآن، ابتسمي فأنتِ في نزهة، اعرفي قدرك، اكتبي عن نفسك، حددي أهدافك، لا تيأسي، لا تضيعي وقتكِ فيما لا يفيد، طوري قدراتك، اطلبي العلم، اخترعي شيء، ألفي كتاب، عمقي علاقاتك، حسّني صوتك، لا تكتئبي، كوني حليمة، أشغلي خيالكِ بالمفيد، زوري أقربائكِ، كم نسبة عملك بما تعلمين؟، تعلمي فن الاستماع، تعلمي فن الإنصات، تعلمي مهنة، كوني جواداً، أحبي لغيركِ ما تحبي لنفسك، صاحبي أهل الخير و الصلاح، ناولي ابنك قطعة بخور للمسجد، لا تسرحي في أحلام اليقظة، ماذا تعرفين عن الشيشان؟، هل تعلمين في أي سورة وردت آية الحجاب؟ كوني مُحبةً للخير و أهله، اعملي فكل ميسر لما خلق له، إقرئي كتاباً كل أسبوع، ارسمي لوحة هادفة، ألِّفي قصيدة، تعلمي فن الكلام، أصدري مجلة لعائلتكِ كل شهر، عدّلي سلوكياتك، تميّزي لكي لا تضيعي وسط الزحام، غيّري اهتماماتك للأفضل، أمك ثم أمك ثم أمك، هل تعرفين قيمتك؟، ماذا يقرأ أولادك؟، كيف أنت و زوجك؟، حذري الناس من السرعة، اشتغلي بالعمل الخيري، لا تؤذي غيرك، تدربي على الحاسوب، كم كتاباً قرأت هذا الشهر؟، هل فكرت يوما في القبر؟، تصدقي، تسامحي إلا مع الباطل، لا تصرخي في وجه أطفالك، مُري بمعروف، انهي عن منكر، هل أطفالك يحبون القراءة؟، ما حقيقة حبك لمجتمعك؟، ساعدي ناشطاً في مجال الخير، كوني مضيافة، كيف تقضي وقتك؟، اعملي شيئاً نافعاً، الثلث الأخير من الليل أين أنت منه؟، أصدقي في تجارتك، عاملي جيرانكِ بالحسنى، ماذا تعرفين عن كشمير؟، إقرئي حديثا نبوياً كل يوم، تقبلي النصح بصدرٍ رحب، كم شريطاً إسلامياً سمعتِ؟ اعملي شيئاً يشكرك عليه الناس، قللي نسبة الهواجس أثناء الصلاة، ساهمي في إعفاف مسلم و مسلمة، هل أديتِ زكاة مالك هذه السنة؟، هل فكرت بمتابعة مجلة إسلامية؟، هل أبنائك متميزون في دراستهم؟، ما مدي حرصك على الحجاب؟، تخصصي في الإصلاح الأسري، هل أنتِ ممن تؤدي الصلاة في وقتها؟، قولي سأحاول … سأفعل…سأمضي، ما علامة حبك لأمتك الإسلامية؟، هل تعرفين أين أبنائكِ و بناتكِ الآن؟، هل فكرتِ في تنمية مواهبك الدفينة؟، هل أنتِ إيجابية في مجتمعك أم سلبية؟، هل تعرفين شيئا عن (انتفاضة) الأقصى؟، تصوري أنك أنت المسلمة الوحيدة في العالم، لماذا لا تدربي نفسك على القراءة الجادة؟، هل لك جهود ايجابية ملموسة في مجتمعك؟، ما هو الكتاب الذي تحبين أن يطلع عليه الناس؟، هل تعرفين من قال: الأخلاق من غير دين عبث؟، هل لديك سجادة تحمل صورة المسجد الأقصى؟، هل تستطيعين ذكر أسماء سبع مجلات إسلامية؟، كوني عضوة في جمعية خيرية، كوني دائماً كالطفل عندما يقف على قدميه لأول مره، أنت مسلمة فكم سورة أو حديثا نبوياً تحفظين؟، ماذا تعرفين عن الخطر النووي في عصر العولمة؟، هل تعلمين كم آية وردت في القرآن تتحدث عن الربا؟، هل أسرتك من ضمن الأسر التي تحافظ على الماء؟، هل هناك اسم تاريخي مشهور يتطابق مع اسمك؟، ارصدي موضوعاً يتداول في الصحافة و كوِّني منه كتاباً، أين أنت من الجهود المبذولة في توحيد الصف الإسلامي؟، هل اطلعت على خطة التنمية خطة التنمية الأخيرة لبلدك؟، هل تدركي أهمية المنتجات الوطنية والعربية و الإسلامية؟، هل تعلمين أن مصطلح "العمل" ورد في القرآن الكريم ما يقارب 359 موضعا؟، هل للمسجد الأقصى و الأرض المباركة من حوله مكانة في قلبك؟ ما علامة ذلك؟، هل تعلمين أن عدد المسلمين في الصين يقارب خمسين مليونا من بين 400 مليون نسمه؟، هل تعلمين أن باستطاعة دماغك تخزين ما يزيد على 38 مليون مجلد خلال 70 سنة من عمرك؟، أنتِ معلمة فكم تلميذةً ستبقيك في ذاكرتها؟، هل أتممت التطعيمات اللازمة لأبنائك؟، هل تستطيعين سرد 3 أو 4 مواقف تاريخية للمقريزي (أي شخصية تاريخية)؟، واظبي على السواك أو على تفريش أسنانك، متي تمت آخر زيارة لأقاربك؟، الماء-لا تسرف- إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، دربي نفسك على عدم السرعة فإن العجلة من الشيطان، اقتربي من الناجحين لتنجحي، ليكن لك دورا إصلاحيا.
أسرتك تفتقدك عند بعدك عنها.. فهل مجتمعك يفتقدك عند البعد عنه؟ هل أمتك ستفتقدك فيما لو غادرت الحياة؟.
أنتِ خرجت للعمل فهل تركتِ بيتك مرتبا؟، اكفلي يتيما، لا تتركي الكبريت في متناول الأطفال.
أنتَ معلم فكم تلميذا سيبقيك في ذاكرته؟ إنما الأعمال بالخواتيم فدرّب نفسك على الاستغفار أو اعمل خير وإن كان قليلا.. في نهاية كل ساعة في نهاية كل يوم في نهاية كل أسبوع في نهاية كل شهر في نهاية كل سنة، إقرأ سورة من القرآن، ابتسم فأنت أمام زوجتك، ليست من الرجولة أن تهدد زوجتك بالطلاق لأتفه الأسباب.
إلى نحو ذلك من العبارات والجمل التي تقدم من خلال توجيهها عبر المايكرفون رسائل إيجابية لرواد المنتزه، وتكون عامل بناء للأمة والمجتمع.
أخونا الفاضل صاحب المنتزه:
إذ نشكرك على قراءتك لرسالتنا هذه إلا إننا نذكرك بما يلي:
* يمكنك إطلاق هذه الجمل بشكل دعائي جذاب، و يمكنك أن تطلب من أطفال بعض زوار هذا المنتزه أن يشاركوك في إلقاء هذه الجمل كتشجيع لهم على المشاركة،
* يمكنك أن تطلب من الزوار أن يمدوك ببعض الجمل التربوية التي يحبون إسماعها للناس كمشاركة منهم في بناء مجتمعنا الحبيب إلى قلوبنا،(15/168)
يمكنك أن تتفق مع بعض التسجيلات الصوتية ليعدوا لك هذه الجمل على شريط كاسيت فتكون مهمتك فقط إشغال المسجلة بعد كل فترة من الزمن.
حفظك الله ورعاك، وزادك الله حرصا على مجتمعك، ونسأل الله أن يكون هذا الأسلوب التعليمي ذخرا لك يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم.
ملاحظة:
لمزيد من التعرف على أساسيات هذه الأسلوب التعليمي، يمكنكم الرجوع إلى:
1 - مجلة المجتمع عدد 1519، 14 رجب 1423هـ، صفحة 48، تحت عنوان " أكياس المشتريات رسالة للمجتمع ". وهي رسالة موجهة إلي أصحاب المحلات التجارية.
2 - الرسالة: وهو عبارة عن ملحق صحيفة المدينة ليوم الجمعة الموافق 4 / 1 / 1424 هـ موضوعا بعنوان "كيف نحول المجتمع إلى مدرسة للجميع"، وقد تم نشره في غير ما موقع من الشبكة.
3 - يمكن توجيه بعض جمل الرسالة التالية لنخاطب بها أصحاب المحلات التجارية الكبرى، فلديهم سماعات منتشرة في المحل مع مكبرات صوت.
* يمكن استخدام هذا الأسلوب في المطارات، وفي أي تجمع للناس.
1/ 5 /1424هـ
http://saaid.net المصدر:
==============
من صفات الداعية الناجح.. ومقوماته في فكر الشيخ محمد الغزالي
وصفي عاشور أبو زيد
كثير من الناس إذا ذُكر اسم الداعية ينصرف ذهنه إلى الخطيب، وإذا ذكر اسم الخطيب ينصرف إلى الداعية.
والحقيقة أن الداعية يختلف عن الخطيب، كما يختلف عملهما؛ إذ الخطيب يقتصر عمله في الغالب على أداء خطبة الجمعة، لتفعيل الناس بعدها، وتوضيح بعض المبهمات، والإجابة عن بعض التساؤلات، بينما عمل الداعية أشمل وأوسع وأعمق.
الداعية طبيب يَطبُّ المجتمع من أدوائه، ويبرئه من علله، ويعالج مشكلات الناس، ويلبي حاجات المجتمع، فهو عقل قادر على الربط بين مشكلات المجتمع وثقافة الدعوة، يشخص فيه الداء؛ ليصف له الدواء.
وتمثل الخطابة إحدى وسائل الدعوة التي تشمل وسائل أخرى عديدة، منها: القدوة الحسنة، والتعليم والتذكير، والكتابة بأنواعها، والترغيب والترهيب، والعمل المتواصل من أجل قضاء مصالح الخلق، والمشاركة في النشاطات الاجتماعية المختلفة، والقيام بكل ما يوصف بالعمل الصالح في مجتمع من المجتمعات.
ومن الخير أيضاً أن نفرق بين المقومات من جانب والصفات أو الخصائص من جانب آخر، فالمقومات هي ما يكوِّن الداعية ذاته وينشئ بنيانه، أما الصفات والخصائص فهي شيء خارج عن تكوينه، فالمبنى مثلاً يتكون من مواد كونت بناءه، هذه هي المقومات، أما الصفات والخصائص فهي أن يكون المبنى مرتفعاً وحجراته واسعة، ولونه كذا... الخ، فالمقومات بتعبير المناطقة جوهر، بينما الخصائص والصفات عَرَض.
ويطيب الحديث عن مقومات الداعية وخصائصه إذا كان موضوعها داعية كبيراً مثل الشيخ محمد الغزالي.
يرى الغزالي ابتداءً أن الناس لا غنى لهم عن هداية الله كما لا غنى لهم عن رزقه، فهم فقراء فيما يطعم أبدانهم من جوع، وفيما يزكّي أرواحهم من كدر.
ومهما أوتي بعضهم من ذكاء أو صفاء، فإنه لن يستطيع تدبير شأنه وإصلاح أمره بعيداً عن وحي الله وتعليم أنبيائه.
إن الأمم إذا لم تنتعش برسالات السماء، فهي جماهير من موتى القلوب، أو هي ألوف من الرمم الهامدة، وإن حركتها الغرائز السافلة. والأمم مهما ارتقت من الناحية النظرية أو الصناعية، فإن بعدها عن الله يزين لها من الجرائم ما تنحط به إلى الدرك الأسفل، وما تتعرض به لأوخم العواقب.
ومالجفاف الروحي، والانقطاع الرهيب عن الله رب العالمين، والصدود الغريب عن تراث النبيين، وغلبة الأثرة والجشع على الأقوياء، وسيادة المنطق المادي في كل شيء... إلا نذير شؤم، وأي تقدم يحرزه العلم في تلك الميادين لا يبعث على التفاؤل، ما لم يصحبه عود سريع إلى الله، وإعزاز لأمره، وإعلاء لشرعه(1).
ويؤكد الشيخ دوماً أن تكوين الدعاة يعني تكوين الأمة، فالأمم العظيمة ليست إلا صناعةً حسنة لنفر من الرجال الموهوبين، وأثر الرجل العبقري فيمن حوله كأثر المطر في الأرض الموات، وأثر الشعاع في المكان المظلم، وكم من شعوب رسفت دهراً في قيود الهوان، حتى قيض الله لها القائد الذي نفخ فيها من روحه روح الحرية، فتحولت بعد ركود إلى إعصار يجتاح الطغاة ويدك معاقلهم(2).
إذا كان الأمر بهذه الأهمية، فليس كل إنسان بداهة يصلح أن يكون داعية، فقد يكون المرء عالِمًا كبيرًا، ولا يكون داعيةً، فالداعية له خصائص قد لا تتوافر لغيره من العلماء الباحثين، والدعاة أنفسهم متفاوتون في حظهم مِن هذه الخصائص.
وربما تبدو هذه الخصائص لأول وهلة نعوتاً عامة يجب وجودها في جماهير المسلمين، ولا يختص بها نفر من الناس، بيد أن هذه النعوت وإن كانت شائعة في عامة المؤمنين فإن أنصبة الدعاة من معناها يكون أربى وأزكى.
إن حقائق الدرس بعد أن يشرحها الأستاذ قد تظهر متساوية لدى الجميع، وقد يظن التلاميذ أنهم ومعلمهم أصبحوا سواء في وعيها، وهذا بعيد، فإن الأستاذ لديه من رسوخ المعلومات ووضوحها ومن القدرة على تقليبها وعرضها ما يعز على غيره.
وقد يوجد في الناس من امتلأ قلبه بالإيمان، لكن هذا الإيمان لا يعدو أصحابه، والإناء لكي يرشح على ما حوله يجب أن يفيض، وأن ينزل فيه ما يزيد على سعته وما ينسكب من جوانبه، فنفوس الدعاة يجب أن يكون لديها مقادير من اليقين والحماس والفضل يتجاوزها إلى ما عداها ويجعل الاستفادة منها ميسرة للآخرين(3).
وقد استقرأنا استقراء سريعاً كتب الشيخ وتراثه فوجدنا أبرز خصائص الداعية الناجح ومقوماته تتمثل فيما يلي:
أولاً: حسن الصلة بالله تعالى:(15/169)
وهي الصلة التي إليها يفيء الداعية ويرجع، وعليها يعتمد ويعوِّل، ومنها يستمد ويقتبس، ولها يدعو ويبتهل، وعندها تجد نفسه راحتها وعزاءها.
والشيخ الغزالي يسميها "الدعامة الأولى في أخلاق الدعاة"، ولا يجوز عنده أن ينفك هذا الخلق عن داعية من الدعاة؛ إذ كيف تدعو الناسَ إلى أحد وصلتك به واهية، ومعرفتك به قليلة؟ وقد قال الله تعالى: الرحمن فاسئل به خبيرا (59) (الفرقان).
ويشهد التاريخ أنه ما من نبي أو داعية أو مصلح إلا وكان له من حسن الصلة بالله النصيب الأوفر والقدح المعلَّى، وكانت صلته بالله قوية لا تخبو، حاضرة لا تغيب.
وإذا كان حسن الصلة بالله مطلباً ضرورياً لكل مسلم، فكيف يكون حكمها في شأن الداعية؟
إن الدعاة الذين يكرسون أوقاتهم لله، ولدفع الناس إلى سبيله وصفِّهم في طريقه لابد أن يكون شعورهم بالله أعمق، وارتباطهم به أوثق، وشغلهم به أدوم، ورقابتهم له أقوى وأوضح.
يوضح الشيخ طبيعة هذه العلاقة بأنها روح ينفث الحياة، وينبض بالحركة والقوة، ويشيع الضوء والدفء أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها (الأنعام:122).
وهذه الصلة تشمل في موكبها أرقى ما في الحياة، وأكفل أسباب النجاة؛ ولهذا حقٌّ على الدعاة ألا يهنوا في الحياة وألا يهونوا، وألا يعدلوا بنسبتهم إلى الله شيئاً، وأن ينظروا إلى الحياة على أنهم أكبر منها، وأن تغلب رؤيتهم لله كل ما يملأ العين في زحام الأحياء وتكاثرهم(4).
إن حسن الصلة بالله تعالى ما دام الداعية مجتهداً مبلغاً يسدد الخطو، ويكمل النقص، ويجبر الكسر، ويجعل الداعية عزيزاً شامخاً؛ لأنه ينتسب إلى الركن الذي لا يميل، ويحتمي بالحمى الذي لا يُنال، ويعتمد على القوة التي لا تُقهر.
ثانيا: إصلاح النفس:
وهو أمر واجب على كل مسلم، ونصيب الدعاة منه أقوى وألصق، ولعل إصلاح النفس ومعالجتها أولى ثمرات حسن الصلة بالله تعالى، فمن ذكر الله وأحسن به الصلة بصره بعيوب نفسه، وجعله منها على بصيرة، أما الذين نسوا خالقهم فهم يسيرون على غير هدى، ويخبطون خبط عشواء: ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون 19 (الحشر).
ونفس الداعية في فكر الشيخ الغزالي "ينبغي أن تكون حقل تجارب"(5).
ومن النتائج المستفادة يعرف أفضل البذور وأنسب الأوقات وأجدى الأساليب، ومن صدق الداعية مع ربه في أخذ نفسه ابتداء بكل إصلاح يكون مدى ما يصيب من توفيق في عمله مع الناس.
إن من أخطر النقائص أن يدعو الداعية إلى خُلق وقلبه منه فارغ، أو ينهى عن خلق ويراه الناس عليه، إنه والحالة كذلك لا يسيء إلى نفسه فحسب، إنما يسيء إلى غيره من الدعاة، بل يسيء إلى الإسلام ذاته.
يذكر الشيخ نوعاً من الدعاة يحسبون كل ما يقولونه لغيرهم ليس موجهاً إليهم، إنما هو أمر يخص المخاطبين فقط، إنهم نقلة فحسب "أشرطة مسجلة" أو "أسطوانات معبأة" تدور بعض الوقت ليستمع الناس إليها وهي تهرف بما لا تعرف، ثم توضع في أماكنها لتدار مرة أخرى إذا احتيج إليها.
ومع أن هذا النوع أهون من سابقه إلا أن الشيخ يقول عنهم: "هم آفة الإيمان وسقام الحياة، وهم الثقل الذي يهوي بالمثل العليا ويمرغها في الأوحال"(6).
ولقد عاب القرآن الكريم على هذا الصنف فشبهه مرة بالحمار يحمل أسفاراً لا يدري قيمتها وما فيها من نور وهدى مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا (الجمعة: 5) ومرة أخرى بالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين 175 ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون 176 ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون 177 (الأعراف).
وتسير عبارات الشيخ في خط موازٍ لهذا الكلام القاسي والمنفر عن هذا الخلق الذميم فيقول يرحمه الله : "إن الرجل القذر البدن لا يغني عنه أن يحمل بين يديه قطع الصابون، والكريه الرائحة لا يجديه أن يُرى ومعه زجاجات من العطور، ودعاة الدين الذين تهب من سيرتهم سموم حارقة، إنما هم عار على الدين وصد عن سبيله"(7).
وفي هذا المقام نذكر قول الشاعر:
يا أيها الرجل المعلِّم غيرَه هلاّ لنفسك كان ذا التعليم!
تصف الدواء لذي السَّقام وذي الضَّنا كيما يصح به وأنت سقيم!
ونراك تنصح بالرشاد عقولنا أبدا وأنت من الرشاد عديم
ابدأ بنفسك فانْهَها عن غيِّها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يُؤخذ بالكلام ويُشتفى بالقول منك وينفع التعليم
ثالثا: ذكاء العقل ونقاء القلب ودقة الفهم:
وهذه فطرة يُفطر عليها الداعية، تجعله يقدّر الأمور بمقدارها، ويضع كل شيء في مكانه، ويزن كل شيء بالقسطاس المستقيم، وباختصار تعبر عنها كلمة "الحكمة": يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب 269 (البقرة).
ويوضح الشيخ مراده بذكاء العقل قائلاً: "ولا أريد بالذكاء عبقرية فائقة، يكفي أن يرى الأشياء كما هي دون زيادة أو نقص، فقد رأيت بعض الناس مصاباً بحَوَل فكري لا تنضبط معه الحقائق، قد يرى العادة عبادة، والنافلة فريضة، والشكل موضوعاً، ومن ثم يضطرب علاجه للأمور، وتصاب الدعوة على يديه بهزائم شديدة"(8).(15/170)
كما يبين مراده بنقاء القلب فيقول: "لا أريد بنقاء القلب صفاء الملائكة، وإنما أنشد قلباً محباً للناس، عطوفاً عليهم لا يفرح في زلتهم، ولا يشمت في عقوبتهم، بل يحزن لخطئهم ويتمنى لهم الصواب"(9).
وفي فكر الغزالي بل في أي فكر مستقيم ينتج عن دقة الفهم عند الداعية التشخيص الصحيح للعلة التي أمامه، وتهيئة شفاء مناسب لها من كلام الله ورسوله، وبذلك يجيء نصحه طباً للمريض، ورحمة تُذهب عناءه، ونوراً يهديه السبيل.
والقدرة على هذا الأسلوب لا يُلقَّاها إلا من استجمع ثروةً طائلة من نصوص الكتاب والسنة، تكون رصيداً عنده لأي داء وافد أو مرض عارض، وإحاطةً تامة بطبيعة البيئة وأحوالها الخفية والجلية، وظروفها القريبة والبعيدة؛ ليكون ذا خبرة واعية بالميدان الذي سيعمل فيه، حتى يدرك كيف يصلح دنيا الناس بدين الله(10).
ذلك أنه هناك دُعاة يَعِيشون في الماضي البعيد، وكأنَّ الإسلام دين تاريخي، وليس حاضرًا ومستقبلاً، والغريب أنك قد تَراه يَتَحامَل على المُعْتَزِلة والجَهْمِية مَثلاً، وهو مُحِقٌّ في ذلك، ولكنه يَنْسَى أن الخُصومات التي تُواجِه الإسلام قد تَغَيَّرتْ وحَمَلَتْ حقائق وعناوين أخرى(11).
إن الداعية الذي لا يجمع بين الذكاء والنقاء يثير مشكلات معقدة أمام انتشار الإسلام، فلا دين إذا لم يتكون القلب النقي والعقل المؤمن، فمن فقد الضمير الصاحي والفكر الذكي فلا خير فيه(12).
رابعاً: الإخلاص:
ولا يتعجب القارئ من تأخير الإخلاص بعد حسن الصلة بالله وإصلاح النفس والذكاء والنقاء، فلا يغني الإخلاص شيئاً إذا كانت صلة الداعية بالله واهنة، بل هما متلازمان، وكذلك الأمر إذا كان مخلصاً ولا يتعهد نفسه بالعلاج والمجاهدة، أو يخالف قوله فعله، وهل يغني الإخلاص عن ذكاء العقل ونقاء القلب شيئاً مذكوراً؟.
إن الدعوة الإسلامية لشدَّ ما عانت من قوم لا يشكّك أحد في إخلاصهم وتجردهم لله تعالى، لكنهم فاتهم كثير من حسن الفهم وعمق التجربة، فأساءوا إلى الإسلام من حيث أرادوا الإحسان، ولقيت الدعوة على أيديهم ما لم تلقه من أعدائها.
والإخلاص هو روح الدين ولباب العبادة وشرط قبول العمل، فلا يقبل الله من الأعمال إلا ما كان خالصاً وابتُغي به وجهه، وقد قال ابن عطاء الله قديماً: "الأعمال صور قائمة، وأرواحها وجود سر الإخلاص فيها".
وإذا كان الإخلاص فريضة على كل عابد، فهو في حق العامل والداعي أفرض وأوجب، وغني عن الذكر ما ورد في القرآن من آيات وفي السنة من أحاديث تحض على الإخلاص في العمل والعبادة، وتحذر من الشرك بالله وابتغاء غير وجهه تعالى بالعمل.
إن الداعية المرائي في فكر الشيخ يقترف جريمة مزدوجة، إنه في جبين الدين سبة متنقلة وآفة جائحة، وتقهقُرُ الأديان في حلبة الحياة يرجع إلى مسالك هؤلاء الأدعياء، وقد رويت آثار كثيرة تفضح سيرتهم وتكشف عقباهم، والذي يحصي ما أصاب قضايا الإيمان من انتكاسات على أيدي أدعياء التدين لا يستكثر ما أعد لهم في الآخرة من ويل... والعمل الخالص الطيب ولا يقبل الله إلا طيباً هو الذي يقوم به صاحبه بدوافع اليقين المحض وابتغاء وجه الله، دون اكتراث برضا أو سخط، ودون تحرٍّ لإجابة رغبة أو كبح رغبة(13).
وعامة الناس يعرفون أن النية الصالحة تنقذ صاحبها من ورطات شتى، وأن النية المدخولة يصحبها العثار والشرود، وقد وعد الله المؤمنين الأتقياء بأنه جاعل لهم نوراً يمشون به، فمن أدركه شعاع هذا النور لزم الصراط السوي، وتجنب المزالق المخوفة، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور 40 (النور)(14).
خامساً: الثقافة الموسوعية:
فقر الثقافة للدعاة يمثل في فكر الشيخ خطراً أشد من فقر الدم، وأسوأ عقبى من الفقر المالي، والشعب الذي يعاني الغباء والتخلف لا يصلح للمعالي ولا يستطيع حمل رسالة كبيرة(15). فغزارة الثقافة وسعة الأفق وروعة الحصيلة العلمية خِلالٌ لابد منها لأي داعية موفق، وكيف لا والداعية يواجه طبقات شتى واهتمامات متعددة تختلف باختلاف الناس؟ إنه يخاطب الطبيب والمهندس والأستاذ والمعلم والعامل والصانع والحائك والتاجر والمتعلم والجاهل، والمؤدب وسيئ الأدب والعاقل والأحمق، إنه يحتاج إلى ثقافة تضم هؤلاء جميعاً وتؤثر فيهم.
ولهذا يطلق الشيخ الغزالي العنان في الثقافة أمام الداعية، يقول: "إن الداعِيَة المسلم في عَصْرِنا هذا يجب أن يكون ذا ثَرْوَةٍ طائلة من الثقافة الإسلامية والإنسانية، بمعنى أن يكون عارفًا للكتاب والسُّنَّة والفقه الإسلامي والحضارة الإسلامية. وفي الوقت نفسه يجب أن يكون مُلِمًّا بالتاريخ الإنساني وعلوم الكون والحياة والثقافات الإنسانية المُعاصرة التي تَتَّصِل بشتَّى المذاهب والفَلْسَفات.. ويحتاج الداعية المسلم في هذا العصر إلى بصر بأساليب أعداء الإسلام على اختلاف مَنازِعِهم، سواءً كانوا مُلْحِدين يُنْكِرون الألوهية أو كِتابِيِّينَ يُنْكِرون الإسلام"(16).
كما يحتاج الداعية إلى علوم العربية والأدب شعراً ونثراً، ف "الداعية الذي يشعر بغربة في ميدان الأدب يجب أن يترك ميدان الدعوة لفوره، فإن الذي يحاول خدمة الرسالة الإسلامية دون أن يكون محيطاً بأدب العربية في شتى أعصارها إنما يحاول عبثاً، وأنى لرجل محروم من حاسة البلاغة أن يخدم ديناً كتابه معجزة بيانية، ورسوله إمام للحكمة وفصل الخطاب"؟!(17).(15/171)
ويركز الغزالي في الثقافة على فهم القرآن أولاً قبل السنة بالذات؛ لأن السنة مبينة له، وشارحة لغامضه، وموضحة لمبهمه، وقد قال الله تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون 44 (النحل) فالنفس الإنسانية لا تدرك أطرافاً من الكمال الأعلى يغرس في أعماقها أروع العقائد وأرسخ الإيمان إلا إذا اتصلت بهذا القرآن واستمعت إليه وفتحت أنظارها لهديه(18).
سادساً: صفات جامعة:
وهناك صفات أخرى عديدة لعل أهمها الشجاعة والجرأة ما دام الداعية على حق في مواجهة باطل، وهي صفة يسقط عندها كثير من الدعاة إلا من عصم الله وسدد، ذلك أن فتن الحياة كثيرة، فهذه رغبة في مال أو منصب تُثني، وتلك رهبة عن طريق رزق أو ولد تصد، وهذا سلطان يخيف، وذاك جبار يُقعد. إن الفتن من حول الإنسان كفيلة أن تُقعد الداعية وتُثنيه عن قولة الحق والصدع بها ما لم يكن معه من الإيمان وحب الحق والطهر ما يجعله يوضح معالم الهدى، ويعلي كلمة الله.
والشجاعة في الجهر بالحق عند الشيخ تنبعث من اجتماع خلقين عظيمين: أولهما: امتلاك الإنسان نفسه، وانطلاقه من قيود الرغبة والرهبة، وارتضاؤه لوناً من الحياة بعيداً عن ذل الطمع، وشهوة التنعم، فكم من داع يبصر الحق ويقدر على التذكير به، ولكنه يحتبس في حلقه فلا يسمع به أحد، لماذا؟ لأنه لو نطق لحرم من هذا النفع، أو لغضب عليه هذا الرئيس، أو لفاته هذا الحظ، فهو إيثاراً لمتاع الدنيا يلزم الصمت ويظلم اليقين(19).
ومن هذه الصفات الجامعة: التواضع والرحمة والتهلل والبشاشة والإنصاف والمروءة والوفاء وكل ما يزين المسلم فضلا عن الداعية(20).
وأختم بكلمة للشيخ تعبر أصدق تعبير، وتدل أتم دلالة وأصدقها على ما يجب توفيره في الداعية، بحيث تصير هذه الكلمة علماً يُهتدى به، ووميضاً يبرق للعاملين، يقول: "ولو ذهبنا نستقصي الخلال التي تلزم لمن يتعرضون لهذا المنصب لطال حبل الحديث، فلنكتفِ بذكر هذه الحقيقة: إن الداعية يؤدي وظيفة سبقه النبيون إليها، وإنه أحق الناس باقتباس شمائلهم، والاقتداء بهداهم، وأخذ الأسوة من محياهم ومماتهم، وأنجحُ الناس في أداء هذه الرسالة من ترى وراثات النبوة في خلقه وسلوكه، وعبادته وجهاده وتضحياته، وكبريائه على الدنيا، ومقاومته لفتنتها، ومعاملته لذوي السلطان غير راغب ولا راهب"(21).
الهوامش
(1) مع الله، دراسات في الدعوة والدعاة: 15، 17،19. دار الكتب الإسلامية. القاهرة. ط. سادسة 1405ه.
(2) السابق: 7 .
(3) مع الله: 166، وفي موكب الدعوة: 83. طبع نهضة مصر. القاهرة. ط.أولى. 1997م.
(4) مع الله: 167 168، وعلل وأدوية: 167166. دار الكتب الإسلامية، القاهرة، ط ثانية. 1405ه، والغزو الثقافي يمتد في فراغنا: 210، مؤسسة الشرق للعلاقات العامة والنشر والترجمة، الأردن، ط. ثانية، 1985م.
(5و6) مع الله:171 .
(7) مع الله: 173172.
(8) الحق المر: 135. مركز الإعلام العربي. القاهرة. ط. ثانية. 1417ه، وراجع خطب الشيخ محمد الغزالي في شؤون الدين والحياة: 1-17. دار الاعتصام. القاهرة. بدون تاريخ.
(9) السابق: نفس الصفحة، وراجع خطب الشيخ محمد الغزالي: 1-16.
(10) مع الله: 173 174، 179.
(11) خطب الشيخ محمد الغزالي: 1-16.
(12) الحق المر: 136،141، وعلل وأدوية: 210208.
(13) مع الله: 181180، 184.
(14) الحق المر: 120.
(15) راجع مثلا كنوز من السنة: 12. ضمن مهرجان القراءة للجميع. 1999م.
(16) خطب الغزالي في شؤون الدين والحياة: 1-16، وانظر: مع الله: 195، وما بعدها، وراجع بتوسع ثقافة الداعية للشيخ يوسف القرضاوي.
(17) مع الله: 201.
(18) راجع تركيز الشيخ على القرآن والاهتمام بفهمه في: هموم داعية: 3331، 149147، ومشكلات في طريق الحياة الإسلامية: 8382. ضمن سلسلة كتاب الأمة، كنوز من السنة: 1412، والغزو الثقافي: 211، 214، ومع الله: 21، 377، وما بعدها، ولعل أكبر ما يشير إلى ذلك عند الشيخ مؤلفاته التي خلفها عن القرآن وتفسيره.
(19) مع الله: 192.
(20) راجع مثلا: الحق المر: 121، وفي موكب الدعوة: 73، وتأملات في الدين والحياة: 190187. طبع دار الدعوة. الإسكندرية.ط. أولى. 1410ه.
(21) مع الله: 195194.
===============
كل منا له دور
محمود التميمي
أيها القارئ العزيز اقرأ معنا قصة سفيان الثوري مع أبي جعفر المنصور، قال سفيان: "دخلت على أبي جعفر بمنى، فقال لي: ارفع حاجتك. فقلت له: اتق الله، فإنك قد ملأت الأرض جوراً وظلماً، قال: فطأطأ رأسه، ثم قال: ارفع لنا حاجتك. فقلت: إنما أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعاً، فاتق الله وأوصل إليهم حقوقهم. قال: فطأطأ رأسه ثم رفع وقال: ارفع لنا حاجتك. قلت: حج عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال لخازنه: كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر درهماً. وأرى هاهنا أموراً لا تطيق الجمال حملها".
أمعن النظر قليلاً في هذه القصة أيها القارئ الكريم، وتدبر الأحوال من حولك هل بينها وبين حال المنصور شبه، ثم تدبر مرة أخرى حال سفيان الثوري وقل لنا: هل يوجد من علمائنا اليوم من يقوم بمثل ما قام به؟ إذا كان هذا هو موقف سفيان الثوري مع المنصور؛ فإن أسلاف الأمة الآخرين كانت لهم مواقف مثلها وأقوى منها مع حكام زمانهم، وتصدوا لما أحدثوه من إخلال بالدين وعبث بالشريعة.(15/172)
لا أحسب أني بحاجة إلى مقدمة أشرح لك فيها كيف وصل الحال بنا اليوم إلى الهاوية فقد والى الحكام في بلادنا أعداء الله وعادوا أولياءه، وأحلوا القوانين الأوربية محل الشريعة الإسلامية، وفضلاً عن هذا فقد كمموا أفواه الرعية، ونشروا الظلم والفساد والانحراف والانحلال في كل واد، وأصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ظل هذه الأنظمة إرهاباً وتطرفاً وخروجاً على ولاة الأمر.
لم يكن الفساد محمياً في أي حقبة من حقب التاريخ الإسلامي، ولم يكن العلماء يسكتون على المنكرات العظيمة الكفرية أبداً، فلو أن حاكماً في العصور الإسلامية القديمة ألغى حكماً واحداً من أحكام الشريعة ووضع بدلاً عنه قانوناً جاهلياً مستورداً لما تردد علماء الأمة في قيادة الناس للخروج على هذا الحاكم، ولما وجد من يجرؤ على الدفاع عنه ونفي ردته.
أما اليوم فقد ابتلينا بمن اتخذ نفسه نداً لله في الحكم والتشريع فعطل الحدود كلها، وادعى أن العلماء والدعاة لا دخل لهم في السياسة إذ لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة.
فكبل العلماء وسلبهم حريتهم التي لا قيمة لهم بدونها فهي لهم كالشمس للدنيا وكالعافية للجسد فلا تصلح بدونها. فلم يعودوا أحراراً في كتاباتهم وخطبهم وفتاويهم، ولم يعد مسموحاً صدور دراسات وفتاوى تمس طغيان الطغاة وشرائع الملحدين، ومن الذي يجهل ما يلقاه الدعاة في أوكار الطغاة من إهانة وتعذيب، ثم بعد ذلك كله لا يعطي الطغاة المتهمين فرصة للدفاع عن أنفسهم، ليثبتوا براءة ما ينسب إليهم أمام محكمة عادلة، وقد أحسن من وصف هذه السجون بقوله "الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود".
لا تذهب بعيداً أيها القارئ الكريم، فانظر بعينيك ترى رايات الكفر البواح في عالمنا الإسلامي الكبير ترفرف خفاقة عالية فوق مباني البنوك الربوية التي يكاد لا يخلو منها حي أو قرية، وفوق مباني المؤسسات التشريعية والقضائية التي لا يسمح فيها لمن يشاء من القضاة أن يساوي بين شريعة الله والشريعة التي سنها زعيم الدولة فضلاً عن تفضيله لشريعة الله، وترفرف رايات الكفر البواح أيضاً فوق مباني التلفاز ودور السينما، وأوكار الرذيلة، وفوق مصانع ومحلات الخمور، وليست المشكلة هنا فيمن يشرب الخمر، أو يرتاد السينما، ويشاهد مناظر العرايا من النساء والرجال، ولكن المشكلة فيمن سن القوانين التي تبيح هذه المنكرات.
يقع هذا في عالمنا الإسلامي أمام أعين العلماء والدعاة، ولا تظن أيها القارئ أنك برئ من هذا، وأن الأمر لا يعنيك، بل أنت أول المسؤولين عن حالنا اليوم، وقد عرفت إلى أي هوة سحيقة سقط، وأنت تعرف أحوال كثير من العلماء وتقصيرهم الشديد في القيام بأمر الدين وحق العلم الذي يحملونه فضلاً عما نعيشه من ظهور طبقة من العلماء كثر فيهم النفاق والتزلف للطواغيت في العقود الأربعة الماضية:
- منهم من أباح المعاملات الربوية في البنوك وشن حملة ظالمة على البنوك الإسلامية.
- ومنهم من زعم أن أحكام الشريعة الإسلامية مطبقة في مصر لأن القانون المدني مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية، وهو أول من يعلم أنه يكذب في هذا الادعاء.
- كثير منهم أفتى بإباحة دم العلماء والدعاة الذين أقدم الجلادون على سفك دمهم من غير حق.
لقد ابتليت الأمة بهذا الصنف من حملة العلم الذين يؤثرون الدنيا على الآخرة، ويأمرون الناس بالمعروف وينسون أنفسهم، حملتهم صفاتهم المعلومة إلى الإفتاء بكل ما يطلب منهم دون رادع من علم أو خشية لله أو تبصِّر في عواقب الأمور.
وهناك صنف آخر من العلماء اشتهروا بين الناس بالعلم والصلاح والورع، وتجنبوا في حياتهم الخاصة والعامة مواطن الشبهات، مثل التسكع على أعتاب السلاطين وتزيين قبائحهم والنفاق لهم، وقد أكسبتهم هذه الصفات شعبية واسعة، ومكانة مرموقة داخل بلدانهم وخارجها، ولهذا يتطلع الناس إليهم في الملمات ينتظرون ماذا سيقولون، وإذا حددوا مواقفهم تبعهم في ذلك خلق كثير.
والسلطان بخبثه ودهائه، ثم بمكر مخابراته وكبار مستشاريه من شياطين العلمانية يسعى إلى هؤلاء العلماء ويطلب منهم بإلحاح قبول الوظائف الدينية الكبيرة، ويعدهم بالتعاون معهم من أجل إصلاحات واسعة في سائر مرافق الدولة. وبعد وقوع هؤلاء في شراكه يرتب كيفية عملهم ويضعهم في موقع من يتأثر ولا يؤثر، فيصعب عليه الخروج عن قواعد لعبتهم. ثم يؤثر مرور الزمن على هؤلاء العلماء فيألفون المنكرات اليومية التي يرونها والتي كانوا من قبل يقيمون النكير على فاعليها، وتتضاعف عندهم الرغبة في التماس الأعذار، ولو أراد باحث جمع فتاويهم بين القديم والحديث لوجد تناقضات مخجلة، فالمستحيل أصبح ممكناً، والمقطوع في أمره أصبح يحتمل وجوهاً.
ثم إن هناك نوعاً آخر تفرغ للدرس والتعليم، وأغفل مهمته الكبرى في إصلاح أمر الحاكم والرعية وإنكار المنكر ومعرفة المعروف، انصرف إلى حلقات العلم والمعرفة ظاناً أنه قد أدى كل ما عليه من مهمة وأخلى عن نفسه المسؤولية.
وكم يكون التقصير عظيماً حين ينزوي العلماء بعيداً عن الأحداث، بل حين يرى بعض العلماء أن النزول في الساحة والإصلاح ليس من شأن العلماء.
لا نشك أنك أيها الأخ الكريم وأنت تقرأ هذا الكلام تعرفه وتعرف أكثر منه وتعرف مواقف وأحداث كثيرة تشهد لهذا الواقع المر الذي نكتب لك عنه. لقد نزلت بالأمة من جراء ذلك فتن ومحن لم تعرفها الأمة من قبل. فأي فتنة بعد فتنة أن يكون الدين لغير الله - تعالى -، ولو بعضه قل هذا البعض أو كثر. ثم يسكت العلماء أو بعضهم عن مواجهة هذا الكفر البواح رغبة في مناصب السلطان وأمواله، أو رهبة بطشه وجبروته وطغيانه.(15/173)
- حلت بنا الفتنة يوم تراجع بعض العلماء عن فتاويهم ومواقفهم السابقة يعرف طالب العلم الصغير خطأها، كقولهم: لا يجوز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بإذن السلطان، وإذا كان يتعلق بولي الأمر فلا يصح إلا سراً، وقولهم: إن الحاكمية ليست من أقسام التوحيد، ثم يقام النكير على من يخالفهم القول في ذلك.
- وحلت بنا الفتنة يوم أن اقتتل المسلمون فيما بينهم، وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة في هذا الشأن منها ما ورد عن سعيد بن جبير قال: "خرج علينا عبد الله بن عمر فرجونا أن يحدثنا حديثاً حسناً، قال: فبادرنا إليه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن! حدثنا عن القتال في الفتنة والله يقول[وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة]فقال: هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟ وإنما كان محمد - صلى الله عليه وسلم - يقاتل المشركين وكان الدخول في دينهم فتنة وليس كقتالهم".
إن ما يطلبه الناس من العلماء هو بيان حكم الشرع فيمن استبدل شريعة الطاغوت بشريعة الله، وليس المطلوب منهم حمل السلاح أو دعوة الناس إلى ذلك، ولا يجوز لهم كتمان ما ائتمنهم الله عليه، قال - تعالى -: [وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون].
إن الأمة لتصاب في أعز ما تملك يوم أن يتخلى علماؤها الذين هم قادتها الحقيقيون عن دورهم، يوم أن يسكت الساكت ويبرر المبرر ويؤول المؤول ثم ينافق المنافق.
إننا لا نطالب العلماء أن يخرجوا أو يفتوا بالخروج على الحكام، لأن الخروج لا يكون إلا عند توفر الشروط، التي منها استفراغ النصح ومنها الاستطاعة. ولكن المطلوب منهم بيان الحكم الشرعي في مثل هذه المسألة، وهذا الذي ذهب إليه الإمام النووي - رحمه الله - الذي رد به على السلطان: "وأما نفسي، فلا يضرني التهديد ولا أكثر منه، ولا يمنعني ذلك من نصيحة السلطان، فإني أعتقد أن هذا واجب علي وعلى غيري، وما ترتب على الواجب فهو خير وزيادة عند الله - تعالى -]إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار["، وقوله - رحمه الله -: "وقد أوجب الله إيضاح الأحكام عند الحاجة إليها".
وإيضاح الأحكام لا يتأتى إلا باطلاع الناس عليها، فالسلطان لا يفتأ يردد عبر أجهزة إعلامه أن مراسيمه وقوانينه كلها شرعية باتفاق العلماء، ومن جهة أخرى فإن بعض المنسوبين إلى العلم بدءوا يفتون ويكررون أقوالاً شاذة سبقهم إليها بعض العلماء وخلاصتها أن يسير الربا حلال ولا شبهة فيه، أو يقولون: إن البنوك الربوية وصندوق النقد الدولي من الضرورات في هذا العصر.. ويقف الناس هنا في حيرة تامة، فهم في أمس الحاجة إلى معرفة الحكم الصحيح في هذه المسائل حتى لا يسقطوا في الفتنة فيتعرضوا إلى حرب الله ورسوله، ومن العبث أن ينشغل العلماء ببيان فساد الدول الأخرى ويسكتوا عما يجري في بلدهم، وهو ليس بالتأكيد قاصراً على مرسوم تنظيم أعمال البنوك الربوية وهم يعرفون ذلك جيداً، وليس لأحدهم عذر بالجهل، وسكوتهم لا يبرئ ذمتهم أمام الله. وإن كانوا يخشون دفع المنكر بما هو أشد منه، فليوضحوا ذلك وليحذروا من الفوضى والتخبط والغلو، وسوف يطيعهم الناس في الأولى والثانية.
فهل يقوم أحد من العلماء مقام سفيان الثوري أمام أبي جعفر المنصور ويقول له كلمته الأولى فقط اتق الله؟ ليهزّ بها قلب الظالم ويرفع بها المظالم، ويبرئ ذمته أمام ربه العلي القدير.
هل يتطوع عالم من علمائنا بالدخول على السلطان ولو بقصد تذكيره بيوم الحشر والمعاد، أو بتحذيره من الدنيا والركون إليها أو بتبليغه بمظالم الرعية التي لم تبلغهم عملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" فالنصيحة أصل مهم من أصول الدين وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما يبايع أحداً يشترط عليه النصح لكل مسلم.
والحكام اليوم أشد حرصاً على مناصبهم من أبي جعفر المنصور بأضعاف كثيرة، وهم شديدوا الحرص كذلك على طاعة الناس لهم، ولما كان العلماء خير لهم من أسطول إعلامي ضخم لهذا وذاك فقد سعوا إلى كسب ود العلماء منذ القدم، واستخدموا معهم سلاح الترغيب تارة، وسلاح الترهيب تارة أخرى، ووجدوا بعد خبرة طويلة أن سلاح الترغيب أعظم نفعاً وأكثر جدوى من الترهيب، وهذا الذي كان يحذر منه أئمة السلف - رحمهم الله -، فيقول سفيان الثوري: "ما أخاف من إهانتهم لي إنما أخاف من إكرامهم فيميل قلبي إليهم".
إننا نوجه كلامنا إليك أيها القارئ المتابع لهذه المجلة ونقول لك: إن الأمة قد ابتليت بعلماء سوء كرسوا أنفسهم للعمل في حزب الولاة رجاء أن يحجبوا نور الشمس الساطع بغرابيلهم المهترئة، ولفرض أباطيلهم على الناس، ولكن قولوا لهم: لن تفلحوا في فرض هذا على الناس فللحق جنود نذروا أنفسهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهتك أستار المتلاعبين بدين الله من الحكام وعلماء السوء.
وقد يتحدث هؤلاء العلماء المأجورون عن مرجعية أهل السنة، ونحن نجيبهم: نعم نحن نريد هذه المرجعية التي تضم كبار العلماء العاملين المجاهدين المستقلين الذين يمثلون عقيدة أهل السنة والجماعة في كل موقف من المواقف، ولا يقبلون من طاغوت من الطواغيت أن يفرض أوامره وتعليماته عليهم، إننا نريد هذه المرجعية لتنقذنا من نفاقكم ومن هذه البلبلة التي تثيرونها، مرجعية تذكرنا بمواقف سلفنا الصالح من أمثال أبي حنيفة، وابن حنبل، والنووي، وابن تيمية.(15/174)
إننا نوجه كلامنا إليك أيها الداعية المسلم وأنت تقرأ هذا الكلام الخاص لك، يا من تقرأ لنا ونقرأ له، يا من تثق بنا ونثق به، يا من يجمعنا وإياه طريق شاق واحد، فالحق مرٌّ، والتبعة عظيمة، والحمل ثقيل، ولكن همم الرجال أعظم، فأنتم أيها الدعاة أمل هذه الأمة بعد الله - سبحانه وتعالى-، إن حديثنا إليكم له مذاق عذب ونكهة خاصة لا يعرفها ولا يتذوقها أولئك الذين مردوا على النفاق وتعلقوا بحطام الدنيا الفانية.
يا إخواننا إن قيل لكم أين علماؤكم؟ فقولوا لهم:
- علماؤنا متربصون كالأسود في سجون الطغاة المبدلين لشريعة الرحمن ولسان حالهم يقول: إن السجن خلوة ولن تستطيعوا التأثير على عقيدتنا وقلوبنا الطافحة بالأمل القريب بإذن الله.
- وعلماؤنا الذين سلموا من السجن والنفي مرابطون في مواقعهم ويؤدون دورهم المطلوب بهمة عالية لا تعرف الكلل ولا الملل.
- وعلماؤنا أيها المرجفون قد رزقهم الله - سبحانه وتعالى- القدرة على فهم مشكلات الأمة الإسلامية، كما رزقهم الاستقامة والبعد عن مواطن الشبهات ولهم جهود مشكورة في بيان الدواء الشافي لعلل أمتنا، ومهما فعل الظالمون فلن يستطيعوا حجب الشمس عن الشروق.
- وعلماؤنا الذين ملأ الله قلوبهم علماً ونوراً، حتى لو صدرت من بعضهم فتاوى شاذة مستغربة إلا أننا لا نقلدهم ولا نتبعهم في زلاتهم، وفي غير هذه الزلات نحترمهم ونقدرهم ونعترف بفضلهم.
أيها الدعاة الكرام: عودوا معنا إلى قصة سفيان مع المنصور وأجيبوا الآن على ما طرحناه من أسئلة في أول افتتاحيتنا هذه، وقولوا لنا بربكم: كم حجم التقصير الذي تعانيه الأمة من علمائها ودعاتها؟، وكيف سيكون حالنا لو أن كل واحد ممن حملوا مسؤولية التبليغ عن رب العالمين قام ولو مرة واحدة بإنكار منكر من هذه المنكرات.
لا نشك ولو للحظة واحدة أنك تعلم أن هذه الحياة الدنيا لا تساوي عند الله - سبحانه وتعالى- جناح بعوضة، وأنها متاع زائل مهما طال أجل المرء وعلا شأنه وكثر ماله، والمرء عندما تبلغ منه الروح الحلقوم تتراءى له أعماله أمام ناظريه فيتمنى أن يخرج من هذه الدنيا لا له ولا عليه، وقد حكى الله - سبحانه وتعالى- عن مؤمن آل فرعون قوله[يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار، من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها، ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب].
وفي الختام نذكر لك حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يقول فيه: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأضر لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه" [1] تاركين لحسن نظرك الخيار في الاسترسال في معنى هذا الحديث، والغوص في دقيق معانيه...
--------------------
[1] أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وابن حبان في صحيحه.
ربيع الثاني - 1419 هـ - آب (أغسطس) - 1998 م
http://www.alsunnah.org المصدر:
-===========
معلمة اللاهوت " ميري واتسون " بعد إسلامها
درست اللاهوت في ثماني سنوات.. واهتديت إلى الإسلام في أسبوع
يوم إسلامي يوم ميلادي.. والمسلمون بحاجة إلى قوة الإيمان
بين الشك واليقين مسافات، وبين الشر والخير خطوات، اجتازتها "ميري واتسون" معلمة اللاهوت سابقاً بإحدى جامعات الفلبين، والمنصِّرة والقسيسة التي تحولت بفضل الله إلى داعية إسلامية تنطلق بدعوتها من بريدة بالمملكة العربية السعودية بمركز توعية الجاليات بالقصيم، لتروي لنا كيف وصلت إلى شاطئ الإسلام وتسمت باسم خديجة.
بياناتك الشخصية قبل وبعد الإسلام؟
أحمد الله على نعمة الإسلام، كان اسمي قبل الإسلام "ميري" ولديَّ سبعة أبناء بين البنين والبنات من زوج فلبيني، فأنا أمريكية المولد في ولاية أوهايو، وعشت معظم شبابي بين لوس أنجلوس والفلبين، والآن بعد الإسلام ولله الحمد اسمي خديجة، وقد اخترته لأن السيدة خديجة - رضي الله عنها - كانت أرملة وكذلك أنا كنت أرملة، وكان لديها أولاد، وأنا كذلك، وكانت تبلغ من العمر 40 عاماً عندما تزوجت من النبي ص، وآمنت بما أنزل عليه، وكذلك أنا كنت في الأربعينيات، عندما اعتنقت الإسلام، كما أنني معجبة جداً بشخصيتها، لأنها عندما نزل الوحي على محمد ص آزرته وشجعته دون تردد، لذلك فأنا أحب شخصيتها.
حدثينا عن رحلتك مع النصرانية:
كان لديَّ ثلاث درجات علمية: درجة من كلية ثلاث سنوات في أمريكا، وبكالوريوس في علم اللاهوت بالفلبين، ومعلمة اللاهوت في كليتين فقد كنت لاهوتية وأستاذاً محاضراً وقسيسة ومنصِّرة، كذلك عملت في الإذاعة بمحطة الدين النصراني لإذاعة الوعظ المسيحي، وكذلك ضيفة على برامج أخرى في التلفاز، وكتبت مقالات ضد الإسلام قبل توبتي، فأسأل الله أن يغفر لي، فلقد كنت متعصبة جداً للنصرانية.
ما نقطة تحولك إذن من منصِّرة إلى داعية إسلامية؟
كنت في إحدى الحملات التنصيرية إلى الفلبين لإلقاء بعض المحاضرات، فإذا بأستاذ محاضر فلبيني جاء من إحدى الدول العربية، لاحظت عليه أموراً غريبة، فأخذت أسأله وألحّ عليه حتى عرفت أنه أسلم هناك، ولا أحد يعرف بإسلامه وقتئذ.
وكيف تخطيت هذه الحواجز وصولاً إلى الإسلام؟(15/175)
بعدما سمعت عن الإسلام من هذا الدكتور الفلبيني راودتني أسئلة كثيرة: لماذا أسلم؟ ولماذا بدل دينه؟ لابد من أن هناك شيئاً في هذا الدين وفيما تقوله النصرانية عنه!؟ ففكرت في صديقة قديمة فلبينية أسلمت وكانت تعمل بالمملكة العربية السعودية، فذهبت إليها، وبدأت أسألها عن الإسلام، وأول شيء سألتها عنه معاملة النساء، لأن النصرانية تعتقد أن النساء المسلمات وحقوقهن في المستوى الأدنى في دينهن، وهذا غير صحيح طبعاً، كما كنت أعتقد أن الإسلام يسمح للأزواج بضرب زوجاتهم، لذلك هن مختبئات وكائنات في منازلهن دائماً!!.
ارتحت كثيراً لكلامها فاستطردت أسألها عن الله - عز وجل -، وعن النبي محمد ص وعندما عرضت عليَّ أن أذهب إلى المركز الإسلامي ترددت فشجعتني فدعوت "الرب" وابتهلت إليه حتى يهديني، وذهبت فاندهشوا جداً من معلوماتي الغزيرة عن النصرانية ومعتقداتي الخاطئة عن الإسلام،. وصححوا ذلك لي، وأعطوني كتيبات أخذت أقرأ فيها كل يوم وأتحدث إليهم ثلاث ساعات يومياً لمدة أسبوع، كنت قد قرأت بنهايته 12 كتاباً، وكانت تلك المرة الأولى التي أقرأ فيها كتباً لمؤلفين مسلمين والنتيجة أنني اكتشفت أن الكتب التي قد كنت قرأتها من قبل لمؤلفين نصارى ممتلئة بسوء الفهم والمغالطات عن الإسلام والمسلمين، لذلك عاودت السؤال مرة أخرى عن حقيقة القرآن الكريم، وهذه الكلمات التي تُقال في الصلاة.
وفي نهاية الأسبوع عرفت أنه دين الحق، وأن الله وحده لا شريك له، وأنه هو الذي يغفر الذنوب والخطايا، وينقذنا من عذاب الآخرة، لكن لم يكن الإسلام قد استقر في قلبي بعد، لأن الشيطان دائماً يشعل فتيل الخوف والقلق في النفس، فكثف لي مركز التوعية الإسلامي المحاضرات، وابتهلت إلى الله أن يهديني، وفي خلال الشهر الثاني شعرت في ليلة ـ وأنا مستلقية على فراشي وكاد النوم يقارب جفوني ـ بشيء غريب استقر في قلبي، فاعتدلت من فوري وقلت يا رب أنا مؤمنة لك وحدك، ونطقت بالشهادة وشعرت بعدها باطمئنان وراحة تعم كل بدني والحمد لله على الإسلام، ولم أندم أبداً على هذا اليوم الذي يعتبر يوم ميلادي.
وكيف تسير رحلتك مع الإسلام الآن؟
بعد إسلامي تركت عملي كأستاذة في كليتي وبعد شهور عدة طلب مني أن أنظم جلسات أو ندوات نسوية للدراسات الإسلامية في مركز إسلامي بالفلبين حيث موطن إقامتي، وظللت أعمل به تقريباً لمدة سنة ونصف، ثم عملت بمركز توعية الجاليات بالقصيم ـ القسم النسائي كداعية إسلامية خاصة متحدثة باللغة الفلبينية بجانب لغتي الأصلية.
وماذا عن أولادك؟
عندما كنت أعمل بالمركز الإسلامي بالفلبين كنت أحضر للبيت بعض الكتيبات والمجلات وأتركها بالمنزل على الطاولة "متعمدة" عسى أن يهدي الله ابني "كريستوفر" إلى الإسلام، إذ إنه الوحيد الذي يعيش معي، وبالفعل بدأ هو وصديقه يقرآنها ويتركانها كما هي تماماً، كذلك كان لديَّ "منبه أذان" فأخذ يستمع إليه مراراً وتكراراً وأنا بالخارج ثم أخبرني بعد ذلك برغبته في الإسلام، ففرحت جداً وشجعته ثم جاء إخوة عدة من المركز الإسلامي لمناقشته في الإسلام وعلى أثرها أعلن الشهادة وهو ابني الوحيد الذي اعتنق الإسلام في الوقت الحالي، وسمى نفسه عمر، وأدعو الله أن يمنَّ على باقي أولادي بنعمة الإسلام.
ما الذي أعجبك في دين الإسلام؟
الإسلام هو الطريق الأكمل والأمثل للحياة، بمعنى آخر هو البوصلة التي توجه كل مظاهر الحياة في الاقتصاد والاجتماع وغيرها حتى الأسرة وكيفية التعامل بين أفرادها.
ما أكثر الآيات التي أثارت قلبك؟
قوله - تعالى -: هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون. فهي تعني لي الكثير وقد ساعدتني وقت الشدة.
ما نوعية الكتب التي قرأتها؟
أحب القراءة جداً. فقد قرأت في البخاري ومسلم والسيرة النبوية، وعن بعض الصحابة والصحابيات بجانب تفسير القرآن طبعاً وكتب غيرها كثيرة.
الخوض في أجواء جديدة له متاعب، فما الصعوبات التي واجهتها؟
كنت أعيش بين أمريكا والفلبين كما أن بناتي جميعهن متزوجات هناك وعندما أسلمت كان رد ثلاث من بناتي عنيفاً إزاء اعتناقي الإسلام والباقيات اعتبرنه حرية شخصية، كما أن بيتي وتليفوني روقبا، فقررت الاستقرار في الفلبين، لكن تنكر لي أهل زوجي لأني من قبل كنت مرتبطة بهم لكون أبي وأمي ميتين، لذلك بكيت ثلاثة أيام، وعندما كنت أظهر في الشارع بهذا الزي كان الأطفال ينادون عليَّ بالشيخة أو الخيمة، فكنت أعتبر هذا بمثابة دعوة إلى الإسلام، كما تجنبني كل من يعرفني تماماً.
هل حضرت ندوات أو مؤتمرات بعد اعتناق الإسلام؟
لم أحضر، ولكن ألقيت العديد من المحاضرات عنه في الجامعات والكليات بالفلبين، وقد دعيت من قبل رؤساء بعض الدول لإجراء محاورات بين مسلمة ونصرانية لكن لا أحب هذه المحاورات لأن أسلوبها عنيف في النقاش، وأنا لا أحب هذه الطريقة في الدعوة بل أفضل الأسلوب الهادئ لا سيما اهتمامنا بالشخص نفسه أولاً ثم دعوته ثانياً.
ما رأيك فيما يُقال عن خطة عمرها ربع القرن المقبل لتنصير المسلمين؟
بعد قراءتي عن الإسلام وفي الإسلام علمت لماذا الإسلام مضطهد من جميع الديانات لأنه أكثر الديانات انتشاراً على مستوى العالم، وأن المسلمين أقوى ناس لأنهم لا يبدلون دينهم ولا يرضون غيره بديلاً، ذلك أن دين الإسلام هو دين الحق وأي دين آخر لن يعطيهم ما يعطيه لهم الإسلام.
ماذا تأملين لنفسك وللإسلام؟(15/176)
لنفسي ـ إن شاء الله ـ سأذهب إلى إفريقيا، لأدرس بها وأعمل بالدعوة، كما آمل أن أزور مصر لأرى فرعونها الذي ذُكر في القرآن، وجعله الله آية للناس، أما بالنسبة للإسلام، فنحن نحتاج إلى إظهار صحته وقوته وحسنه، وسط البيئات التي يحدث فيها تعتيم أو تشويش إعلامي.كما نحتاج إلى مسلمين أقوياء الإيمان، إيمانهم لا يفتر، يقومون بالدعوة إلى الله.
http://arabic.islamicweb.com المصدر:
===========
استخدام البالتوك في الدعوة إلى الله عز وجل المقترح
عاصم بن عبد الله القريوتي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإننا نعيش في هذا العصر في تطورٍ متسارعٍ في عالم تبادل المعلومات مما يحتم علينا معشر المسلمين السير ضمن هذا التيار حتى قيل (كان الأمي قديمًا من لا يحسن القراءة والكتابة وأما اليوم فهو من لا يحسن استخدام الكمبيوتر) ولا أريد مناقشة هذه المقولة وإن كان لها نصيب من الاعتبار، ولكننا لا يمكن أن نبقى في معزلٍ عن مواكبة هذا التيار.
وإن الاستفادة من الوسائل الحديثة - وأعني بذلك استخدام شبكة الإنترنت - في الدعوة إلى الله يعدّ من وسائل الدعوة، فهي كالكتاب والإذاعة والشريط والمقالات عبر الصحف والمجلات، إذ لكلٍ من هذه الوسائل روادها وطالبوها وثمراتها.
ومن فوائد الإنترنت الحصول على برامج عديدة في العلوم المختلفة في التفسير، والحديث، والفتاوى الفقهية، واللغة، إضافة إلى تحميل الكتب والمصنفات العديدة بلغاتٍ مختلفةٍ على أجهزة الحاسوب وهذه تفيد كثيراً الدول التي يصعب أو لا يكمن نقل الكتب إليها، إضافةً إلى تبصير المسلمين بأحوال العالم الإسلامي وما يعانون منه وطرح مشكلاتهم وسبل حلها.
وإن حديثي فيما يخص شبكة الإنترنت يتعلق في استخدام برنامج البالتوك (paltalk)، وإن هذا البرنامج عبارة عن محادثات صوتية قد يصاحبها كتابة، وربما تكون مرئية أيضًا، وإن هذا البرنامج - البالتوك - ذو شهرةٍ قويةٍ عالميةٍ لقوة خدماته وإمكانياته.
و لا ريب أن الوسائل الإعلامية سلاح ذو حدين إذ يمكن أن يستخدم في الخير وفي الشر أيضا، وهذا البرنامج منها.
ولقد بدأت العناية والاهتمام من قبل المسلمين في الدعوة إلى الله - عز وجل - من خلال هذا البرنامج عبر السنوات القليلة الماضية حسب اطّلاعي - ومن أوائل من سبق مع الأسف في استخدام ذلك هم القاديانية، مع ما هم فيه من كفرٍ وباطلٍ وانحرافٍ في دعواهم نبوة الكذاب ميرزا غلام أحمد وما يلبسون به على كثير من الناس وخاصة الذين يدخلون في دين الإسلام.
إيجابيات البرنامج:
يمكن القول بأن الإيجابيات لهذا البرنامج أبرزها ما يلي:
أولاً: استخدامه كوسيلة من الوسائل الإعلامية الحديثة في إلقاء الدروس والمحاضرات والندوات والفتاوى.
ثانيًا: إيصال العلم الشرعي المستمد من الكتاب والسنة وفهم السلف إلى ديار المسلمين المتباعدة، وإلى ديار الكفر التي يقل فيها العلماء وطلبة العلم، أو المناطق التي ربما يصعب أو لا يسمح بنقل الكتب والمصادر إليها، ففي هذا تغلب على تلك الصعوبات، وفيه تيسير التلقي العلمي عوضًا عن حلق العلم المباشرة على الشيوخ حيث لا يمكنهم ذلك، إضافة إلى فائدته للنساء حيث يصعب على كثير منهن متابعة حلقات العلو وحضورهن الدروس.
ثالثاً: تبصير المسلمين بدينهم الحق وترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة المستمدة من الكتاب والسنة مع التحذير من الفرق المنحرفة بالرد على شبهاتهم التي يطرحونها خلال هذا البرنامج.
رابعًا: يعد هذا البرنامج وسيلة من الوسائل الحديثة الهامة في بيان محاسن الإسلام وعدالته ونشر ذلك بلغاتٍ مختلفةٍ وبلوغ ذلك أقاصي الدنيا وأطرافها.
خامسًا: الرد على مطاعن النصارى وشبهاتهم التي يعرضها المبشرون في كتبهم وفي خلال هذا البرنامج.
سادسًا: الرد على القاديانية (الأحمدية) وبيان باطلهم وانحرافهم عن دين الإسلام ووقوعهم في الكفر في ادعائهم صحة النبوة بعد دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
سابعاً: نقل الدروس العلمية والدورات العلمية التي تقام في العطل وغيرها لما فيها من فوائد عدة.
سابعًا: إمكانية طرح عدد من الدروس التي تؤخذ عادة بالتلقي عن الشيوخ كدروس التجويد للقرآن الكريم وتعميم الفائدة في ذلك.
ثامنًا: إمكانية إقامة غرف خاصة للأخوات من النساء يتدارسن فيها كتاب الله وأمور دينهن وأمور النساء من خلال غرف مغلقة لا يدخلها إلا من يردن من النساء من خلال رقم خاص للغرفة تضعه من تريد الدخول.
سلبيات هذا البرنامج:
لا ريب أن الوسائل الحديثة لا يخلو بعضها من أوجه سلبية، منه ما يمكن التغلب عليه ومنه ما لا يمكن، وسأحاول إن شاء الله عرض أبرز ما ظهر لي من سلبيات مع كيفية التغلب عليها إن وجدت.
أولاً: وجود غرف كثيرة ضمن البالتوك تتنافى مع الآداب والأخلاق والقيم الإسلامية، لذا ينبغي على المسلم ألا يدخل إلا في غرف مخصوصة معلومة الفائدة من خلال سؤاله من يثق بدينه، ولا يجلس يبحث وينقّب فيدخل في الصالح والطالح من هذه الغرف.
ثانيًا: إمكانية دخول بعض الناس ممن قد يسيء الأدب في هذه الغرف، ويمكن لمديري الغرف الجيدة أن يضبطوا ذلك إلى حدٍ كبيرٍ إذا وقع ذلك بمنع من يفعل ذلك من الكتابة أو إخراجه من الغرفة.(15/177)
ثالثًا: ظهور دعايات غير أخلاقية ضمن البالتوك، ويمكن التغلب على ذلك فيما يتعلق بمديري الغرف وذلك بإيجادهم الغرف عن طريق الاستئجار للغرف من الموقع، وبذلك لا ترد في غرفهم الدعايات ولديهم الخيار في وضع ما يشاءون لأنفسهم، وأما في غير غرفهم فالأمر لا يزال قائمًا في ظهور الإعلانات، ويمكن التغلب على ذلك من خلال اشتراك الشخص في الموقع بعدم إظهار الدعايات الخاصة في البالتوك وهو اشتراك ذو قيمة قليلة باسم له، وبهذا لا تظهر له دعايات إذا دخل بهذا الاسم في جميع الغرف.
رابعًا: وجود التصوير ضمن البالتوك من خلال الكاميرات، وإن كان هذا غير منتشر كثير إلى الآن لكن الإمكانية موجودة وبدأ ظهوره وانتشاره علمًا بأن الأمر فيه اختياري للمستخدم إن شاء استقبل الصورة مع الحديث وإن شاء بدونها، ويمكن لمديري الغرف منع من يستخدم الكاميرا بإزالتها.
يضاف إلى ذلك بأنه يمكن لمستخدم الإنترنت عمومًا أن يلغي من يرغب كافة الصور فلا تأتيه أي صورة على الإطلاق حتى المناظر الطبيعية وذلك بفعل عملية يسيرة خلال الإعدادات من المستكشف في الإنترنت.
نصائح وتوجيهات:
أولا: ينبغي على المسلم أن يحرص على وقته وعلى الاستفادة منه وأن لا يضيع وقته عبر شبكة الإنترنت بما لا طائل تحته ولا ثمرة كبيرة منه.
ثانيًا: يحرص على الدخول في الغرف النافعة المشهود لها بسلامة منهجها وعدم انحرافها وبحصول الفائدة منها.
ثالثًا: اجتناب دخول الغرف المنحرفة لأصحاب الفرق الضالة، إذ حضور ذلك تكثير لسوادهم وإقرار للاستماع لباطلهم، إضافة مع كون البدع والشبهات قد تنقدح في نفوس بعض الناس لقلة علمهم أو ضعفه، فلذا لا ينبغي أن يدخل هذه الغرف ويناقش فيها إلا من كان على بصيرة في دينه وبعقائد الفرق الضالة وأساليبهم.
رابعًا: ينبغي على طلبة العلم والعلماء والأساتذة والمربين المشاركة في هذا البرنامج من خلال الدخول في غرف خاصة ينشئونها أو غرف معروفة بالاستقامة بدخولهم بأسماء حقيقية لتعم الفائدة ولتحصل الثقة والاطمئنان إليهم وإلى أحاديثهم وإلى إجاباتهم.
خامسًا: ينبغي المحاولة في اختيار الأوقات المناسبة قدر الاستطاعة ليعم النفع والاستفادة من هذه الدروس والأنشطة العلمية.
مقترحات وتطلعات:
تتطلع إلى إقامة موقع إسلامي يبثّ الدروس والمحاضرات والندوات بلغات مختلفة متعددة وبأوقات تتناسب مع تلك الدول.
وإن مثل هذا العمل مناط بأن تتولاه جهات إسلامية معنية بالدعوة إلى الله - عز وجل - كوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية ورابطة العلام الإسلامي وغير ذلك من المؤسسات المعنية؛ لتكون بعيدة عن سلبيات البالتوك، ولتؤدي هدفًا وتحقيقًا للقيام بواجب الدعوة إلى الله على بصيرة ضمن هذه الوسيلة الإعلامية الحديثة (الإنترنت) ولتكون بديلاً عن البالتوك وسلبياته.
وإن هذا الموقع المقترح يمكن أن يقدم نقلاً حيًا مباشرًا لدروس الحرمين الشريفين لما فيها من عظيم الفائدة، ويقدم نقلا لإذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية إضافة إلى الاهتمام بشئون الإسلام والمسلمين ونقل كافة الدورات العلمية عبر الموقع المقترح.
ومما يزيد في فائدة هذا الطرح إيصال الإعلام الإسلامي الهادف إلى دول شتى في العالم مما يصعب أو لا يصلهم البثّ الإذاعي لإذاعة القرآن الكريم وبرامجها، بينما عبر هذه الوسيلة فالأمر فيها متاح وميسور، مع ملاحظة أن كثيرًا من الغرف الموجودة الآن في البالتوك في بعض اللغات مثل اللغة التركية والأردية والأوزبكية قلّما يوجد فيها مع الأسف اهتمام بالدعوة إلى الله في ذلك.
ويمكن لهذا الموقع الإسلامي المطروح أن يصاحبه أيضًا جانب من الترفيه المشروع، وطرح المسابقات العلمية الثقافية الهادئة وتشجيع الفائزين بذلك في أنحاء العالم.
وإني لأرجو أن تصل هذه الطروحات والمقترحات إلى من يعني بأمور المسلمين ومن له يد في إيصال ذلك لتأخذ الأمور مجراها في التنفيذ بعد الدراسة والتمحيص.
ختامًا: أسأل الله - عز وجل - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يستعملنا في طاعته ومرضاته وفي كل ما يقربنا إليه، وأن يجنبنا معصيته وسبل الهلاك وأن يشرح صدورنا للدعوة إلى الله على بصيرة.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته الطيبين الطاهرين ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
http://www.alathry.com المصدر:
==========
وللحقيقة فقط .. ( 1 )
الشيخ سلمان بن يحي المالكي(15/178)
في أخبار من مضوا قبلنا عبرةٌ لمن يتذكر منا، عبرةٌ تحثنا على سلوك طريق الصالحين الناجين ومجانبة سبل المكذبين الهالكين، ولقد قص القرآن علينا أنباء أقوام كانوا قبلنا سكنوا الأرض وعمروها وحرثوها وزرعوها، كانوا أولي بأس وقوة وشدة، فكذبوا المرسلين غرورا بما لديهم من قوة، وما عندهم من علم فأخذهم الجبار أخذ عزيز مقتدر، فأصبحوا أثرا بعد عين وعبرة للعالمين، قال الله - تعالى -: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا هم أشدَّ منهم قوةً وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق * ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب} فكان من هؤلاء المتكبرين الجبارين الظالمين عادٌ قوم هود سكنوا الأحقاف بين عمان وحضرموت، جاؤوا بعد نوح وإغراق الله - تعالى - لهم بالطوفان، فهم أولُ أمة اضطلّعت بالحضارة والعمران بعد الطوفان، الذي أغرق المكذبين من قوم نوح - عليه الصلاة والسلام -، عاشت عاد في هذه الأرض بكل مقومات القوة والعمران كما هو ظاهر في قول نبي الله - تعالى - لهم: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلا الله لعلكم تفلحون} والبسطة هي: الوفرة والسعة في أمر من الأمور، فالله - تعالى - زادهم قوة في عقولهم وأجسادهم، وسلمهم من الآفات والعاهات، والعمرانُ في الأرض إنما يشيد بقوة أجساد البنائين والصناعات لا تزدهر إلا بذلك، وقد نُسبت الدروع والسيوف إلى عاد فكان يُقال: الدروع العادية والسيوف العادية، وقوم عاد وجبروتهم مشهور حتى إنهم لما جاءهم هود - عليه السلام - بالنذارة استكبروا وقالوا {من أشد منا قوة} حتى وصفهم نبيهم - عليه الصلاة والسلام - بقوله: {وإذا بطشتم بطشتم جبارين} وقد بلغ من قوتهم وشدة بأسهم أنهم بنوا في طرق أسفارهم أعلاما ومنارات تدل على الطريق، كي لا يَضِلَ السائرون في تلك الرمال المتنقلة التي تمحوا الآثار واحتفروا وشيدوا مصانع للمياه تجمع ماء المطر في الشتاء ليشرب منها المسافرون وينتفع فيها الحاضرون في زمن قلة الأمطار وجدب الديار، وبنوا حصونا وقصورا على أشرافٍٍ من الأرض حتى بلغت بهم القوة والحضارة في هذا الشأن أن قال لهم نبيهم هود - عليه السلام -: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدُون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون} ومع ما وصلوا إليه من حضارة وعمران وتشييد رهيب وتقدم مادي وبسطة في الأجساد والعقول والأبدان إلا أن الله - تعالى - أفاض عليهم الخيرات وفتح لهم أبواب النعم، من وفرة المياه إلى خصوبة الأرض، والبركة في الزرع وفي الحيوان وتكاثر الذرية، وبهذه النعم العظيمة ذكّرهم نبيهم هود - عليه الصلاة والسلام - بقوله: {فاتقوا الله وأطيعون * واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأموال وبنين * وجنات وعيون}وبّين لهم إن أطاعوه وأخلصوا عبادتهم لله - تعالى - واستغفروه زادهم قوة وثراء ونعمة ورخاء: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} ومع هذه النعم المدرارة والخير الكثير والقوة العاتية والبطش الشديد، إلا أن عاد غرتهم قوتهم وبطروا نعمتهم، فرانت على قلوبهم الغفلة، واستحكمت فيهم الشهوة، فعميت أبصارهم عن رؤية الآيات، وصُمة آذانهم عن سماع المواعظ، كما هي حال كثير ممن يوعظون فلا يسمعون ولا يتعظون بل يستهزئون ويستكبرون، ويجاهرون بعصيانهم ولا يخافون نقمة الله وعذابه، ولذا خاطبوا نبيهم هودا - عليه السلام - بقولهم: {سواء علينا أوعظت أم لن تكن من الواعظين * إنْ هذا إلا خلق الأولين * وما نحن بمعذبين} وبلغت جراءتهم على الله - تعالى - مبلغا شنيعا حتى قالوا: {من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآيتنا يجحدون} ولقد كان عذرهم في عدم استجابتهم للحق أقبح من ذنبهم إذْ تذرعوا باقتفاء آثار السالفين الظالمين الضالين منهم وعدم الحيدة عن سبيلهم الذي اختطوه، ودينهم الذي ارتضوه ولو كان ضلال مشينا وشركا قبيحا فقالوا لنبيهم هود - عليه السلام -: {قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} واتهموا هودا بالجنون والسفه عليهم لعائن الله كما هي سيرة المكذبين مع أنبيائهم والمفسدين مع المصلحين ورميهم بكل نقيصة وباطل لصرف الناس عن الحق وزعموا أن الجنون أصاب هود بسبب عزوفه عن عبادة أصنامهم: {قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا إني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون} فما كان عاقبة تكذيبهم إلا العذاب المهلك، حيث نجى الله هودا والمؤمنين معه واستأصل المكذبين المعاندين {فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآيتنا وما كانوا مؤمنين} فكانت النهاية الأليمة، والخاتمة السحيقة، وكانت عاقبة كفرهم وخيمة جمع الله لهم فيها عذاب القلب مع عذاب البدن فبينما هم ينتظرون الغيث بعد طول انقطاع وشدة ترقب، وما كادوا يفرحون بسحائبه وبوادره وبداياته حتى كان مطر عذاب لا رحمة {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مسكانهم كذلك نجزي القوم المجرمين} فانتهت بهذه الخاتمة حضارتهم وذهب عمرانهم، وما أغنت عنهم قوتهم من عذاب الله شيئا وحقت(15/179)
عليهم لعنة الله في الدنيا والآخرة {وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا أن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود} إنها لآية للمعتبرين وعظة للمتعظين، ينتفع بها من ألقى إليها سمعه، ووعاها قلبه، فهل من مدكر..؟
http://islameiat.com المصدر:
=============
وللحقيقة فقط .. ( 2 )
سلمان بن يحي المالكي
كلا.. إن الإنسان ليطغى:
قصة عاد من أعجب القصص التي تتكرر في بني البشر، وقليل هم الذين يعتبرون بهذه القصة، لما فيها من دلالة على أن الإنسان إذا أنعم الله - تعالى -عليه ولم يتترس بالإيمان ضد الشياطين والشهوات كان الهلاك مصيره، والخسران عاقبته مهما بلغ ماله وجاهه، ومهما كانت قوته وغلبته " ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد " إن الإنسان المعاصر الذي ينتظم في منظمة هذه الحضارة الزاهية، وينعم بترفها قد أنعم الله - تعالى -عليه بنعم لا تحصى، ذلل الأرض حتى مهدها وعبّدها، والجبال ألانها وهدهدها، وأقام عليها بروجا عظيمة، وشيّد عمرانا كثيرا فألان الله لهذا الإنسان الحديد، فابتنى مصانع كثيرة واستخدمه في منافع عديدة حتى اتخذ المراكب التي تنقله في البر والبحر والجو، فصار في مقدوره أن يقطع الأرض من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها في ساعات محدودة معدودة، نعم.. الإنسان بنعمة الله - تعالى - عليه حفر الأرض فاستخرج كنوزها، وشغّل الحديد بطاقاتها، فدارت الآلات في المزارع والمصانع فأخذت تنتج للناس ما يأكلون وما يشربون وما يلبسون وما يتنعمون به ويترفهون، إنها حضارة عتيدة، وعمران في الأرض ضخم، وتقدم سريع، لكن هل اعتبر الإنسان بمن مضى في القرون السالفة، والحضارات البائدة؟ فسخر ما أنعم الله - تعالى -عليه فيما يرضيه " كلا.. ؟ إن الإنسان ليطغى * أن رأه استغنى " إن هذا الإنسان الذي يسكن هذه البسيطة طغى على ربه فجحد نعمته، وأعلن إلحاده وكفره حينما ظن أنه مركز الكون، والمتصرف فيه كيف يشاء؟ وأن عصر تدفق المعلومات سيلغي ما يسمونه بالأيديولوجيات بما فيها دين الإسلام والعياذ بالله، ولم يكتفي الإنسان أن طغى على ربه فيجحده ويكفر بنعمته فقط، بل لقد طغى الإنسان على الإنسان فحاربه وجوعه، فقُتلت أمم من بني الإنسان لا تعلم لم قُتلت، ولا فيم قُتلت وأصبحت الدول العظمى ترمي فائض الطعام في البحار في الوقت الذي يموت فيه كل لحظة بشر من الجوع، وتُشيّد في بلاد الغرب البيوت والملاجئ والمستشفيات للقط والكلاب في وقت يموت فيه بشر في العراء يلتحفون السماء ويفترشون الأرض بل تجاوز طغيان الإنسان غيره حتى طغى على نفسه فارتكب ما يوبقها وصنع ما يهلكها من آلات اللهو والفساد، وأسلحة الدمار الشامل وغير الشامل، فقول لي بربك عليك أيها المبارك كيف ستكون حضارة بني الإنسان إذا كان من يسيرها قد أعرض عن ذكر الله - تعالى -وركب هواه.. ؟ والله وبالله وتالله إن حضارته لفي دمار ماحق، وهلاك ساحق عاجل أو آجل..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
http://saaid.net المصدر:
============
وللحقيقة فقط ( 3 )
سلمان بن يحي المالكي
سنن الله في إهلاك الظالمين:
سنن لله في إهلاك المجرمين الظالمين المترفين المعاندين كثيرة جد كثيرة، وسأسلط الضوء في هذه السلسلة على سنن الله - تعالى - واستدراجه بأولئك الظلمة المجرمين المترفين الذين أذاقوا المسلمين ألوان البلاء، وساموهم سوء العذاب، إنهم من يتربع على عرش الدولة العظمى دولة الكفر والطغيان دولة النصارى الولايات المتحدة الأمريكية، نعم.. إن المتأمل في حال هذه الدولة الكافرة يكاد لا يشك أحد أنها قد تتعرض إلى عقاب إلهي مدمر، شديد الوطأة عظيم التأثير واسع الانتشار، يتناول الناس والحيوان والجمادات، ربما تنهار بسببه الأبنية والمنشآت، أو تتشرذم وحدتها إلى كيانات والله - تعالى - أعلم بما هو آت.. وما سأذكره الآن وفي الأعداد القادمة من هذه السلسلة لا يدخل في باب الكهانة ولا التنبؤات، بل هو ما تقتضيه السنن الربانية، وما نزل في ذلك من الآيات في إيقاع العقوبة الإلهية بمن تحققت فيه هذه الصفات: من تكبر وتجبر وطغيان وترف وبذخ وظلم وجور وعدوان.. ولعلي أبين بعض حال هذه الدولة والأسباب التي لأجلها تستحق التدمير الإلهي الذي أسأل الله - عز وجل - أن يعجل به على هذه الدولة الظالمة..
أولا: الكفر والصد عن سبيل الله بعد إقامة الحجة.(15/180)
إن الولايات المتحدة الأمريكية هي دولة أهل الكتاب، فالمسلمون فيها لا يتجاوزن 5% والأمريكيون مأمورون كغيرهم من عموم أهل الكتاب بتوحيد الله - تعالى - وتنزيهه عن الولد والإيمان بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، لكنهم ركبوا رؤوسهم ولم يستجيبوا لدعوة ربهم، قال الله " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا شرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقل اشهدوا بأنا مسلمون " وقد تولوا وليس لهم في توليهم حجة، بل قامت عليهم البينة كما قال الله " لم يكن الذي كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة * رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة " وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار "[رواه مسلم] وقد تبين لكل أحد وخاصة بعد أحداث 11 من سبتمبر 2001م، أن دعوة الإسلام قد دخلت بيت كل أمريكي ابتداء من رئيسها وإدارته إلى الأفراد العاديين من الشعب، فالحجة عليهم قائمة، فلم تكتفي هذه الدولة بالكفر بالإسلام فقط، بل وضعت كل إمكاناتها للصد عن سبيل الله بكل وجه استطاعته، ولهذا اندرجت في سنة الله في إهلاك الكافرين الذين هم عن سبيل الله من الصادين كما قال الله " فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة " وكما قال " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون " وقال أيضا " فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير" وقال " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم " فكل من يكفر ويصد عن سبيل الله مستحق للعذاب الشديد من الله - تعالى - ولن تغني عنه قوته وسلطانه وسطوته شيئا إذا جاء أمر الله " إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم وأولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ".
http://saaid.net المصدر:
============
وللحقيقة فقط ( 4 )
سلمان بن يحي المالكي
ومن سنن الله في إهلاك هذه الدولة..
ثانياً: التأله:
فلقد ادعت الولايات المتحدة الأمريكية لنفسها من القدرات ما لا يليق إطلاقه إلا على الله - تعالى -، فهي تمارس علاقتها مع كافة دول العالم على طريقة فرعون عندما قال " يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري " وعندما قال " أنا ربكم الأعلى " وعندما قال " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " فلما وقع لها مثل هذا الادعاء، ليس بلسان المقال بل بلسان الحال كان لا بد أن تتعرض لعقاب الملك الديان، ذلك أن خطابها مع كافة حكومات وشعوب المعمورة كان منطلقا من جوف هذا الشعور المملوء بالغطرسة والتجبر، وكأنها تقول إنها تعز من تشاء وتذل من تشاء، كما وقع ذلك حينما خاطب الرئيس بوش رئيس باكستان مشرف بعد أحداث الحادي عشر مباشرة بقوله: أمامك خياران: إما أن تدخل في حلف الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب وإما أن نعيد باكستان إلى العصر الحجري، فهذا الحال يجسد لنا حال النمرود مع إبراهيم - عليه السلام - لما قال له " أنا أحيي وأميت " قال كيف؟ قال: آتي بإنسان حي فأقتله، وآتي بإنسان محكوم عليه بالقتل فأعفوا عنه وهكذا تفعل هذه الدولة، فمن تريد قتله سلطت عليه آليتها الحربية الجبارة من أمثال الطائرات 52B أو صواريخ توماهوك (كروز) كما رأيناها في العراق فتبيد وتحيل أرضه يابسا، ومن أرادت إبقاءه حيا عفت عنه، هكذا هو مفهومها ومنطوقها، أي كما يفعل الإله، فسبحان الله عما يدعيه المتألهون، فبسبب ممارستها ما لا يحق لأحد أن يقوم به إلا الله الحق، استحقت أن يحيق بها العذاب الإلهي كما حاق بفرعون عندما ادعى الألوهية "فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم " " ودمرنا ما كان يصنع فرعونُ وقومه وما كانوا يعرشون".
ثالثا: الذنوب:(15/181)
صحيح أن الذنوب قد تقع من أي إنسان أو أمة، إلا أن الولايات المتحدة هي أبرز من يقود العالم نحو الموبقات، ومن أهمها الاقتصاد العالمي القائم على البنوك الربوية والبورصات المالية، ثم ما تنفذه من مخططات لتغيير السلوك السوي لدى بني الإنسان من خلال إنتاجها للأفلام الإباحية وأفلام الجريمة، المفعمة جميعها بكل ألوان الانحرفات التي تخطر على بال الإنسان أو لا تخطر إضافة إلى فرض آرائها الضالة وأفكارها الشاذة في السياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها على معظم دول العالم، مع تدخلها في الشؤون الداخلية لتلك الدول، ومحاولة تغيير هويتها تحت مسمى العولمة، هذا فضلا عن تهديداتها باستعمال القوة ضد أي دولة تتمرد على السير وفق المخطط الذي تضعه لها ملوِّحة للجميع بتواجد قواتها في كافة القارات وجميع المحيطات وفي الفضاء وآفاق السموات، وأنها لن تتورع عن استخدامها ضد كل من يقف حائلا دون تحقيق مصالحها الأنانية الخاصة بها دون غيرها، ولهذه الذنوب العظيمة وغيرها كثيرة جدا مما لا يتسع المقام لذكره وتعداده، فإن هذه الدولة المتجبرة المتكبرة قد وضعت نفسها في موضع من يستحق أن ينزل عليه الغضب الإلهي الرباني حيث إن سنة الله قد جرت على هذا النحو في كل من يقترف أمثال هذه الموبقات في الأمم السابقة " فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " وقال عن فرعون " فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب " وقال عن الأمم السابقة " فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق " ففي هذه الآيات تبين سنة الله في أخذ للأمم والدول بذنوبها التي اقترفتها، وسيصيب هذه الدولة الكافرة ما أصاب الأمم السابقة بما اقترفت أيديها من الذنوب والمهلكات.
http://saaid.net المصدر:
==========
وللحقيقة فقط ( 5 )
سلمان بن يحي المالكي
ومن سنن الله في إهلاك هذه الدولة..
رابعا: الظلم.
لا يختلف اثنان على الحجم الهائل للظلم الذي أوقعته أمريكا على الدول والشعوب والأفراد، فهي إضافة إلى الظلم الذي تمارسه من خلال تدخلاتها وضغوطها السياسية فإنها تضيف إلى ذلك استعمال قواها العسكرية.
إن ذكر مسلسل الظلم الأمريكي للبشرية يمتد عبر قرون وذلك منذ إنشائها، ولعلي أقف على ذكر شيء بسيط من ظلمها للشعوب والدول والأفراد عبر التسلسل الزمني.
1) أولا: الهنود الحمر التدمير أسهل من التنصير وأقصد بهم السكان الأصليين، فقد اتخذت معهم هذه الدولة عدة وسائل منها:
أولا: في عام 1664 م صدر كتاب بعنوان [العملاق] للكاتب [يورد جاك] جاء فيه " إن إبادة الهنود الحمر والخلاص منهم أرخص بكثير من أي محاولة لتنصيرهم أو تمدينهم، فهم همج برابرة عراة وهذا يجعل تمدينهم صعبا، إن النصر عليهم أسهل، أما تمدينهم فسوف يأخذ وقتا طويلا، وأما الإبادة فستختصر هذا الوقت ووسائل تحقيق الانتصار عليهم كثيرة: بالقوة، بالمفاجأة، بالتجويع، بحروق المحاصيل، بتدمير القوارب والبيوت، بتمزيق شباك الصيد، وفي المرحلة الأخيرة: المطاردة بالجياد السريعة والكلاب المدربة التي تخيفهم لأنها تنهش أجسادهم العارية "
ثانيا: في عام 1730م، أصدرت الجمعية التشريعية (البرلمان) لمن يسمون أنفسهم [بالبروتستانت الأطهار] أصدرت تشريعا يقنن عملية الإبادة لمن تبقّى من الهنود بتقدير مكافأة مقدارها 40 جنيها مقابل كل فروة مسلوخة من رأس هندي أحمر و40 جنيها مقابل أسر واحد منهم، وبعد 15سنة ارتفعت المكافأة لتصل إلى 100 جنيها، وبعد 20 سنة أصدرت قرارات منها: فروة رأس ذكر عمره 12 سنة فما فوق يساوي: 100 جنيه، أسير من الرجال يساوي 105 جنيه، أسيرة من النساء أو طفل يساوي: 55 جنيها، فروة رأس امرأة أو طفل يساوي: 50 جنيها.
ثالثا: في عام 1763م، أمر القائد الأمريكي البريطاني الأصل (جفري آهرست) برمي بطانيات كانت تستخدم في مصحات علاج الجدري في أماكن تجمعات الهنود الحمر، لنقل مرض الجدري إليهم بهدف نشر المرض بينهم، مما أدى إلى انتشار الوباء الذي نتج عنه موت مئات الآلاف منهم، وبعد عقود قليلة انتهى موت السكان الأصليين في القارة الأمريكية إلى ما يشبه الفناء بعد الإبادة المنظمة لهم على أيدي المبشرين بالمحبة والسلام للبشرية جمعا.(15/182)
2) ثانيا: بالرغم من أن الحرب العالمية الثانية أفقدت العالم ما لا يقل عن خمسين مليونا من البشر فإن خسارة الأمريكيين وحدهم خمسة آلاف جندي فقط، بعد الهجمات اليابانية بطائرات [الكاميكازا] على ميناء [هاربر] الأمريكي عام 1945 م، مما أفقدت الأمريكيين عقولهم، فلأول مرة يخسر الشعب الأمريكي هذا الكم الهائل من الدماء في معركة واحدة، فكان لا بد أن يكون الرد حقدا يصب على رؤوس اليابانيين المدنيين منهم قبل العسكريين، فمقابل موت خمسة آلاف جندي أمريكي أمر القائد الجنرال (جورج مارشال) رئيس الأركان الأمريكي آنذاك بتنفيذ عمليات قصف تدمير واسعة النطاق للمدن اليابانية الكثيفة السكان، فتم إطلاق (334) طائرة أمريكية لإلقاء القانبل الحارقة لتدمير ما مساحته 16 ميلا مربعا، وقتل في ساعات قليلة 100 ألف شخص، وتشرد مليونين من السكان اليابانيين، في عمليات جحيم شملت طوكيو العاصمة و64 مدينة يابانية أخرى، ثم ختم ذلك المشهد الدموي بمشهد آخر أكثر دموية لم يكن للبشرية به عهد قبل مجيء العهد الأمريكي فقد أقدم الأمريكيون في استعمال أسلحة الدمار الشامل، وقد كانوا أسبق البشر لاستعماله عندما أسقطوا قنبلتين نوويتين فوق مدينتي [هيروشيما وناجازاكي] حصدت في أقل من دقيقية ما يقارب 160 ألف ياباني من المدنيين والعسكريين.
3) ثالثا: بعد انتهاء الحرب الثانية وقعت أزمة بين أمريكا وكوريا الشمالية بسبب خوف الأمريكيين من انتشار النفوذ السوفييتي في جنوب شرق آسيا، فتدخل الأمريكيون في تلك الأزمة وعزلوا الحكومة الشعبية في كوريا وأوغروا البلاد في حروب طاحنة أشاعت نارا ودمارا وخربا يقول الكاتب [ناعوم تشومسكي] واصفا نتائج تلك الحرب " أشعلنا حربا ضروسا سقط خلالها 100 ألف قتيل، وفي إقليم واحد صغير سقط ما يقارب 30 ألف إلى 40 ألف قتيل ".
http://saaid.net المصدر:
============
وللحقيقة فقط ..(6)
ومن الظلم التي أوقعته هذه الدولة الكافرة في العالم ..
رابعا : إسقاط بعض الأنظمة الديمقراطية التي لا تخدم مصالحها الخاصة ، يقول الكاتب أيضا في كتابه " أعاقت حكومتنا [ يعني أمريكا ] بعض الحكومات البرلمانية ، وأسقطت بعضها ، كما حدث في إيران عام 1945م، وفي جواتيمالا وفي تشيلي عام 1972م ، ولم تكن أساليب الإسقاط طبيعية جدا ، فلم يكن القتل العادي هو كما تتصورون بل كان بصفة واضحة قتل القسوة والتعذيب السادي : قمنا بتعليق النسوة من أقدامهن ، بعد قطع أثدائهن ، وفض بكارتهن ، وقطع الرؤوس وتعليقها على خوازيق ، ورطم الأطفال بالجدران حتى يموتوا .." إلخ ..
خامسا : في حرب فيتنام قتل الفتناميون 55 ألف أمريكي ، فانتقم الأمريكيون من الفتناميين فأطروا في الثأر فبلغ عدد القتلى فيهم في عام 1975 م كما جاء في مجلة [ نيويورك تايمز في 8/ 10 / 1997 م ] قالت إن العدد الحقيقي بلغ 3 مليون و00 6 ألف قتيل ، ولكن لم يكن هذا كافيا لإرواء الظمأ لدى الأمريكيين فقد قاموا بحرب أخرى في عام 1963م ، تسببت هذه الحرب في مقتل 160 ألف شخص ، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص ، واغتصاب نحو 31 ألف امرأة وبقر بطون 3000 آلاف شخص وهم أحياء ، وإحراق 4000 آخرين حتى الموت ، ومهاجمة 46 قرية بالمواد السامة ، وتسبب القصف الجوي في إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الكلي وفقدان 300 ألف عائلة لعائلها أو أحد أفرادها ، هذا كله بسبب مقتل 55 ألف أمريكي في حرب فتنام .
سادسا : حرب الخليج الأولى ، بين العراق وإيران ، فبعد قيام الثورة الشيعية في إيران عام 1979م اعتبر الأمريكان هذا التطور في إيران ضارا بمصالحهم ، وكانت إيران بعد الثورة الشيعية قد حجزت عسكر أمركيين في عهد [ كارتر ] فوجه الأمريكان 8 طائرات هليوكوبتر تابعة للبحرية الأمريكية و6 طائرات نقل مع قوة من الكوماندز ورجال المضلات إلى صحراء [ طبس الإيرانية ] في محاولة لإنقاذ الرهائن الأمريكيين ولكن العملية أخفقت وفشلت ومات 8 من الرهائن بسبب تصادم طائرة النقل التي نقلتهم بطائرة أخرى أمريكية ، فثار الشعب الأمريكي لأجل هذا وأسقط [ كارتر ] وتولى الزعامة من بعده الكاهن [ ريجان ] فحدثت من أجلها حرب الخليج الأولى بتواطئ أمريكي أمدت فيها الطرفين المتحاربين ـ العراق وإيران ـ بكل ما يحتاجانه من أسلحة التقتيل والتدمير ، وقد وصفها وزير الخارجية الأمريكي [ كيسنجر ] عندما قال أكثر من مرة " سياستنا تجاه هذه الحرب : ألا تُهزم إيران ، ولا ينتصر العراق " وطالت الحرب إلى 8 أعوام حصدت فيها ما يقارب 45 ألف عراقي ، وتكبدت إيران مليون من القتلى والجرحى والمشردين ، وانتصر فيها العراق كما هو معروف .
=============
وللحقيقة فقط .. ( 7 )
سلمان بن يحي المالكي
ومن الظلم التي أوقعته هذه الدولة الكافرة في العالم..(15/183)
سابعا: حرب الخليج الثانية بين العراق والكويت، فقد كان خروج العراق قويا من الناحية العسكرية من حرب الخليج الأولى فمع مقاومته لإيران إلا أنه خرج بـ 600 ألف مقاتل نظامي إضافة إلى 500 ألف مقاتل غير نظامي وخرج ببرامج متقدمة للأسلحة الكيمياوية وللصواريخ وصناعة صواريخ تدمير شامل، ومع ذلك فقد أعطت الإدارة الأمريكية ضوءا أخضر لغزو الكويت وذلك عندما استدعى الرئيس العراقي السفيرة الأمريكية في بغداد [أبريل جلاسبي] قبل الغزو في 25 / 7 / 1990م، وفاتحها في المشكلات المتفاقمة بين العراق والكويت بسبب ضخ الكويت كميات من النفط تفوق ما تسمح به منظمة أوبك، مما أدى إلى انخفاض سعر النفط في العراق، أضف إلى ذلك استخدام الكويت نفط حقل الرميلة لصالحها دون العراق فأجابت السفيرة: بأن بلادها [يعني أمريكا] لن تتدخل بين الجيران العرب، باعتبار هذا الشأن لكونه شأنا عربيا داخليا، فاعتبر صدام هذا ضوءا أخضرا لضم الكويت إليه وبهذا السبب سرعان ما حشدت أمريكا العالم خلفها لا بسبب افتداء الكويت وإنما بسبب إضعاف قوة العراق إذ كان يشكل القوة الخامسة في العالم والسيطرة على منابع النفط، وإتمام حماية دولة اليهود من أي خطر مستقبلي، وبدأت الحرب بقيادة بوش الأب حيث ألقيت على الشعب العراقي أكثر من 141ألف طن من المتفجرات منها 350 طن من اليورانيوم المخصب و 60 إلى 80 ألف قنبلة، خلال طلعات جوية بلغت 112 ألف طلعة قتل بسببها ما يقل 52 ألف شخص ودفن الجنود العراقيون وهم أحياء، حتى قال قائد الوحدة الثانية في الجيش الأمريكي (بانتوني) وهو يصف عمليات طمر العراقيين " من المحتمل أن نكون قد قتلنا بهذه الطريقة آلاف الجنود.. ولقد رأيت العديد من أذرع الجنود وهي تتململ تحت التراب وأذرعها ممسكة بالسلاح " وحُشدت لتلك الحرب 850 ألف عسكري و 750 طائرة، و60 سفينة حربية، 1200 دبابة، وكان الجنرال (ميشيل دوغان) وهو رئيس أركان القوات الجوية قد وجه قادة قواته باستهداف كل ما هو فريد من حضارة العراق وكل ما يعتبره العراقيون قيما عليا، وكل ما يترك أثرا نفسيا على الشعب العراقي، وقال لهم " إن الطرق وسكك الحديد ومنظومات الطاقة أهداف جيدة ولكنها ليست كافية " فخسر العراق بسبب هذه الحرب 4000 دبابة، و 3100 قطعية مدفعية و240 طائرة، و 1856 عربة لنقل القوات وما بين 70 إلى 100 ألف جندي غير المدنيين، وقد استغرقت الحرب أربعين يوما فقط وأطلق عليها الأمريكان بأنها " الحرب النظيفة "
ثامنا: في بداية عهد كلينتون في عام 1993م، ادعت الولايات المتحدة أن بعض العملاء العراقيين حاولوا الاعتداء على الرئيس السابق جورج بوش الأب أثناء زيارته للكويت، وقبل أن تُتثبت أمريكا ذلك سارعت كعادتها بتنفيذ العقوبة قبل إثبات التهمة، فأمطرت بغداد بوابل من صورايخ [كروز] لم يسقط أي منها على أحد من المتهمين ولكن الصورايخ فقط روعت الشعب المنكوب بمحاولة الاعتداء.
تاسعا: حصلت هناك أزمة عام 1996م، كانت الولايات المتحدة قد أغرت الأحزاب الكردية العلمانية بالانقلاب على النظام العراقي، وبينما هم يقومون بتشجيع منها بثورتهم وانتفاضتهم في الشمال، قامت بضرب الجنوب بالصورايخ المعهودة كروز.
http://saaid.net المصدر:
=============
وللحقيقة فقط ( 8 )
سلمان بن يحي المالكي
ومن الظلم التي أوقعته هذه الدولة الكافرة في العالم..
عاشرا: في عام 1997م كانت الولايات المتحدة قد دبرت بالتعاون مع لجان التفتيش بالأمم المتحدة أزمة جديدة، تتعلق باتهام النظام العراقي بتخزين أسلحة الدمار الشامل في القصور الرئاسية، وهددت أمريكا وتوعدت وحشدت حشودها مرة أخرى لخوض حرب جديدة إذا لم يسمح صدام حسين بتفتيش القصور وكعادته: تمنّع صدام وترفع، وجادل وماطل، فأوحى للعالم أن أمريكا صادقة في ادعائها، وحبست دول العالم أنفاسها، وجهزت دول الجوار نفسها لحرب طاحنة جديدة، كانت لها بالطبع صفقاتها وميزانياتها ولكن في النهاية سمح صدام بتفتيش المواقع الرئاسية البالغة ستين موقعا، فلم تقع لجان التفتيش في داخلها على أي شيء محظور ومضت الأزمة.
الحادي عشر: في منتصف عام 1998م افتعلت أمريكا عن طريق لجان الأمم المتحدة أو بالأحرى الولايات المتحدة للتفتيش على أسلحة الدمار الشامل أزمة جديدة، بادعاءات عن وجود غاز [في إكس] القاتل بكميات كبيرة داخل العراق ولما لم تجد له أثرا في طول البلاد وعرضها، إذا بها تفتش دفاترها القديمة فوجدت أنه من الممكن أن يكون هذا الغاز استخدم في الماضي، فأمرت بالبحث عنه بأثر رجعي، وبالفعل أثيرت ضجة كبرى حول جريمة استخدام هذا الغاز أثناء الحرب المنتهية، وأصرَ الأمريكيون على اختبار بقايا الصواريخ العراقية التي استُخدمت في حرب الخليج الثانية، وتوسطت الأمم المتحدة في ذلك، وأمرت بشحن رفات الصواريخ إلى فرنسا وسويسرا، وكانت المفاجأة لقد أعلنت الدولتان أن الصواريخ كانت خالية من أي أثر للغاز السام، فكان هذا بمكانة تكذيب لأمريكا وبدؤوا يستعدون للبحث عن أزمة أخرى جديدة.(15/184)
الثاني عشر: في عام 2000م تبيّن للسلطات العراقية أن لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة تضم في عضويتها جواسيس صرحاء منهم يهود إسرائيليون وهنا أمرت السلطات العراقية بطرد تلك اللجان، فاعتبرت الولايات المتحدة هذا القرار من العراق بمثابة تفويض مفتوح لأمريكا بأن تتصرف بمفردها لمواجهة خطر العراق على سلامة المنطقة والعالم وسلام الأمن القومي الأمريكي نفسه، وبدأت أمريكا من ذلك الحين وهي توحي للعالم بأن صدام انتزع بالقوة فرصة الدمار الشامل دون أي رقابة من أي جهة دولية، وتركت الولايات المتحدة والأمم المتحدة العراق منذ ذلك الحين بلا رقابة ولا تفتيش كي تُحكم ترتيب مسرحية رهيبة جديدة لدول المنطقة تتلخص روايتها في أن صدام قد نجح بالفعل في إعادة بناء قوة جبارة تقليدية وغير تقليدية يمكن بها أن يعيد غزو جيرانه ويهدد سلام العالم، بل حتى إن بريطانيا أعلنت أنه بالفعل نجح في صنع قنبلتين نوويتين.
http://www.saaid.net المصدر:
===========
وللحقيقة فقط .. ( 9 )
سلمان بن يحي المالكي
ومن الظلم التي أوقعته هذه الدولة الكافرة في العالم..
الثالث عشر من الظلم: كل ما حدث في عهد كلينتون [من 93 إلى 200] لم يكن هذا العهد بهذه الوقاحة فحسب بل كان عهده بالنسبة للعراق عهدا أسودا، إذ في ظله شددت وطأة الحصار على المدنيين وكثفت حملات التفتيش على الأسلحة، وأظهرت السنوات الأخيرة أن أمريكا قصدت من هذا الحصار إيذاء الشعب العراقي قبل الحكومة العراقية، وقامت الأمم المتحدة بتجميل هذا الحصار وأسمته "النفط مقابل الغذاء" وهي مكيدة سياسية هدفها تبرئة الذمة مما يحدث للشعب العراقي، فكانت الخسائر في هذا الحصار أكثر من الخسائر التي حدثت في حرب الخليج الثانية، وفقد العراق من شعبه خلال العشر السنوات الماضية ما يقارب المليون وسبعمائة ألف شخص، أكثرهم من الأطفال وبشهادة [دينيس هاليداي] الرئيس السابق لبرنامج "النفط مقابل الغذاء" التابع للأمم المتحدة قال: "فإن العراق يفقد شهريا ما بين 5 إلى 6 آلاف طفل نتيجة الحصار" وقالت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة: إن 30% من العراقيين يعانون من سوء التغذية، وأن 25 % من تلاميذ المدارس تركوا المدارس للتفرغ لأي عمل يظمن لهم كسب القوت اليومي كما أن 10 آلاف مدرّس تركوا مهنة التدريس واتجهوا لأعمال أخرى لأسباب العيش.
وحسب تقارير منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة والتي نشرتها صحيفة الواشنطن بوست في 12/ 3/2003م تقول المجلة: فإن ضحايا الحصار الأمريكي الممتد إلى اثنتي عشر عاما يزيد أضعاف كثيرة عن ضحايا حرب الخليج الثانية بينما أدت تلك الحرب إلى مقتل ما يقل عن 30 ألف عراقي بينهم خمسة آلاف مدني، فإن العراق يخسر شهرياً خمسة آلاف طفل من جراء الحصار أي بمعدل ستين ألف طفل كل عام، فهل يعقل أن يجوع العراقيون وهم يسكنون أرض الرافدين وبلدهم هو البلد الثاني الذي يملك ثاني احتياطي للنفط في العالم.
إنه لأمر محير، ولكن ضباب الحيرة يتلاشى عندما نتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا وسّد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة" [رواه البخاري] ومن عجيب الأمر أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن جوع يصيب أهل العراق قبل قيام الساعة وأظنه والله أعلم أنه الذي حصل قبل هذه الحرب الأخيرة، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: "يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم، قلنا من أين ذلك؟ قال: من قِبَلِ العجم يمنعون ذاك، ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مُدْيٌ، قلنا من أين ذلك؟ قال: من قبل الروم" [رواه مسلم].
الرابع عشر: في لبنان، عندما تعرض السفير الإسرائيلي في بريطانيا عام 1982م، إلى عملية اغتيال اتهمت الحكومة الإسرائيلية الفلسطينيين بالعملية، وكان الرد اليهودي أن اجتاح الجيش الإسرائيلي أرض لبنان واحتل العاصمة [بيروت] وذلك بعد أن أخذت إسرائيل الضوء الأخضر من وزير الخارجية الأمريكي [ألكسندر هيج] وباستخدام السلاح الأمريكي قتل اليهود في لبنان 17 ألف شخص من اللبنانيين والفلسطينيين، ولم يكتفي نصارى الغرب وحدهم في المشاركة، فقد انظم نصارى العرب إلى تلك المعركة فنفذ حزب الكتائب اللبناني النصراني بالتنسيق مع السفاح اليهودي شارون مذبحة صبرا وشاتيلا التي حصدت في 40 ساعة 1800 مسلم، ثم أرسل الأمريكان قواتهم إلى لبنان لحفظ السلام كما يزعمون وكما هي العادة الأمريكية، لكن شيئا واحدا عكّر على الأمريكيين الوجود الآمن هناك، إذ فجرت فتاة لبنانية نفسها في معسكر قوات المشاة البحرية (المارينز) فقتل منهم المئات، مما أدى إلى اتخاذ قرار سريع يقضي بسحب الأمريكيين بأسرع وقت من لبنان تاركين لبنان لسوريا كي تحل مشكلتها سياسياً إسرائيل كيف ما تتصرف وما تشاء.
الخامس عشر: في الصومال كان الحال أعجب، فالولايات المتحدة عندما أرادت أن تؤّمن لنفسها موطئ قدم في القرن الأفريقي البالغ الأهمية الاستراتيجيا لها ولدولة اليهود، تعللت بالفوضى التي حلّت في الصومال برحيل عميلها الزعيم [سياد بري] وحشدت قواتها للتدخل السريع فراحت تمارس أنواع القتل في المسلمين الصوماليين باسم تهدئة الأوضاع الأمنية وإطعام الجوعى، فقتلت عما لا يقل عن ألف صومالي لكن ظهرت 18 جثة أمريكية علقت في شوارع مقديشو ، فراح الأمريكيون يفرون إلى بلادهم بلا رجعة وإعادة النظر في عملية أخرى للصومال وكان ذلك في عهد كلينتون.
http://saaid.net المصدر :
===========
وللحقيقة فقط ( 10 )
سلمان بن يحي المالكي
ومن الظلم التي أوقعته هذه الدولة الكافرة في العالم..(15/185)
1) السادس عشر: بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، في أفغانستان قاتل الأمريكان بكل شراسة وجرأة وجسارة عندما أمنوا من فوق السحاب فاستمر القصف الجوي الجبان على المدن الأفغانية المكشوفة طوال شهر شعبان ودخول رمضان في عام 2001 حتى أوقعوا ما يقل عن 20 ألف أفغاني جلهم من المدنيين ثأرا لـ [2700] أمريكي من ضحايا هجمات سبتمبر التي تعلم الإدارية الأمريكية جيدا أن ليس للمدنين الأفغانيين فيها ناقة ولا جمل.
2) السابع عشر: حرب الخليج الثالثة، فالأمريكيون والأنجليز[وأقصد بهم البريطانيون] يريدون احتلال العراق وكلما اقتربوا من نهر الفرات، اقترب الإسرائيليون من نهر النيل، فقد جاء في سفر [التكوين: 12] ما نصه " لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر الفرات إلى نهر مصر الكبير " بل إن الحرب على العراق الحالية هو محتوى خطة " تيودور هرتزل " مؤسس الدولة الصهيونية في فلسطين، ومنذ ذلك العام والعراق على مائدة التخطيط كما جاء في [مخطط الدويلات الطائفية] في مجلة [كيفونيم] الإسرائيلية والذي نشرته أيضا [جريدة العرب تايمز في تاريخ 11/12/1992م] حيث يقول التقرير " أما العراق فهي غنية بالبترول وفريسة لصراعات داخلية، وسيكون تفكيكها أهم لنا بالنسبة لنا من تفكيك سوريا [تأملوا الكلام] لأن العراق يمثل على الأجل القصير أخطر تهديد لإسرائيل " وتأملوا أيها الأحبة هذا الكلام قيل قبل أن تعلن إسرائيل دولتها على الأرض الفلسطينية بـ (50) سنة، وقبل أن تبدأ حرب الخليج الأولى والثانية وهاهي الثالثة على أشدها قد قامت، وقد رسم الأمريكان خطوط استراتيجية جديدة للتمهيد لما يحدث الآن من تغيير في خارطة الشرق الأوسط وغيرها من الأماكن الهامة، مما يخدم المصلحة المزدوجة للولايات المتحدة من جهة وقيام دولة إسرائيل من جهة أخرى، وكانت بداية هذه المصلحة هي حرب الخليج الثانية والتي زلزلت استقرار المنطقة تمهيدا لإيجاد (نظام إقليمي جديد) يضمن سيطرة إسرائيل على منطقة الشرق الأوسط سلما أو حربا، وهو ما يمهد في الوقت نفسه إيجاد (نظام عالمي جديد) يضمن هيمنة الولايات المتحدة على العالم، وكان هذا في عهد بوش الأب، ففشل هذا أو أفشل المشروع، وجاء الآن بوش يدعمه السفاح شارون لتحقيق المشروع عسكريا لا سلميا، وقد أعلن مسئول أمريكي في صحيفة تشرين السورية في يوم 9/4 / 2003م، أن القوات الجوية الأمريكية منذ بدأت الحرب في 17/ محرم من هذا العام وحتى سقوط بغداد قد قامت بـ 12 ألف غارة جوية، ألقت من خلالها 14500 ألف قنبلة موجهة، و 6800 قنبلة غير موجهة.
وبعد هذا كله..
لم تكتفي أمريكا بهذا الظلم بل شرعت باستخدام قوتها ونفوذها للتأثير في أسعار البترول وفي تجميد أو مصادرة أموال دول وشركات ومؤسسات وأفراد، وفي اصطناع حروب بين الدول لإنعاش حركة الصناعة الحربية في معاملها. إنه ظلم عالمي قادته الولايات المتحدة لم يشهد له العالم مثيلا على مر قرونه وتعاقب دهوره، فاستحق لأجل ذلك كله مما ذكرته وما لم أذكره وهو كثير جدا أن ينزل بها غضب الجبار القهار جلت قدرته، وذلك بسبب ظلمها الفادح وجورها الصارخ، ولأن عقوبة الله للظالمين سواء كانوا أفرادا وشعوبا وأمما أو دولا هي سنة جارية مضطردة مستمرة، لا تزول ولا تتحول، ولأن هذه التصرفات الظالمة لم تقتصر على الحكومة الأمريكية فحسب بل تجاوزت ذلك إلى الشعب الأمريكي نفسه، حيث دلت الاستفتاءات التي أجريت في شهر رمضان عام 1422 هـ أن 85% من الشعب الأمريكي يؤيدون حكومتهم في حربها الظالمة الغاشمة المدمرة على أفغانستان المستضعف وهي كما قال عنها وزير الخارجية الأمريكي اليهودي الأسبق (هنري كيسنجر) أمريكا دولة لا تعرف المبادئ وإنما تعرف المصالح "وصدق الله " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " وقال " وما كنا مهلكي القرى إلا أهلها ظالمون " وقال " وكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها " وقال الله " وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين " وقال " فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء " وقال - تعالى -" ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين * فتلك بيوتهم خاويةً بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ".
http://saaid.net المصدر:
=============
وللحقيقة فقط (11 )
سلمان بن يحي المالكي
ومن سنن الله - تعالى -في إهلاك هذه الدولة..
خامسا: البطر:
وهو كفر النعمة، وكفرها يكون إما بجحد المنعم بها وإما بعدم شكره أو باسخدامها في غير ما خلقت لأجله كصناعة الخمر من العنب، وكالمتاجرة بالجنس، وتصنيع السلاح لإخضاع الأمم ظلما وعدوانا، وكتوجيه الأبحاث العلمية فيما فيه ضرر على الإنسانية كالاستنساخ البشري وما أشبه ذلك.(15/186)
إن المتفحص لأسلوب ومنهج حياة الأمريكيين يرى أن جميع هذه الطامات الكفرية موجودة فيهم كل بحسبه لكنهم جميعا مشتركون في انتهاج البطر أسلوبا لحياتهم، ومعلوم أن البطر سبب من أسباب هلاك الأمم كما قال الله: "وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تُسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين"قال بن كثير - رحمه الله -: "بطرت معيشتها أي طغت وأشرت وكفرت بنعمة الله فيما أنعم به عليهم من الأرزاق كما قال الله - تعالى -: "وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون"ومن أنواع البطر التباهي بالقوة والجبروت واستخدام ذلك للتعدي على الإسلام وعلى الداعين إلى الله وللصد عن سبيل الله، وهو ما تفعله أمريكا وتشجع وتؤيد حلفاءها على فعله واقترافه، قال - تعالى -"ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط"فهذه أمريكا قد جالت وصالت في البحار والأجواء والبراري بحاملات طائراتها ومدمراتها وصواريخها وبدباباتها ومدرعاتها متباهية بذلك أمام شعوب العالم ومرهبة لهم ليسمعوا لها ويطيعوا، وحالها كحال قريش عندما خرجوا لملاقاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في معركة بدر، إذ قال أبو جهل: لا والله، لا نرجع حتى نرد ماء بدر وننحر الجزور ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان لتسمع بنا العرب، فكان عاقبة ذلك أن هزمهم الله - تعالى -شر هزيمة وانزل بهم أمحق عقاب فتشرذموا بين قتيل وأسير وفار ومذعور فانكسرت شوكتهم وحرنت نفوسهم، ولذلك نقول عن هذا الصولجان الحربي الذي رفعته الولايات المتحدة في وجه أمم الأرض، بطرت به قد يحل بها من العقاب الإلهي ما يعطل مفعوله ويخمد أنفاسه فيصبح كخردة الحديد وكانوا قد أعدوه للبطش بالدول والشعوب، تماما كما وصف الله - تعالى -حال عاد عندما قال لهم نبيهم هود - عليه السلام -: "أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين"فهلا اعتبرت الولايات المتحدة بعبر التاريخ، ونظرت في حال الأمم السابقة التي مارست البطش ضد عموم البشر فكان ذلك سببا لإهلاكهم قال الله:"فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين"وقال:"وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص * إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد"وقال الله:"وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا"وقال:"وكم أهلكنا قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص"قال بن عباس - رضي الله عنه -: ليس بحين نداء ولا نزاع ولا فرار أي نادوا النداء حين لا ينفعهم.
http://saaid.net المصدر:
-==========
نحو عالمية الدعوة
رضا أحمد صمدي
ليست شخصية حالمة تلك التي تتطلع في بذلها للدين أن يصل مجهودها إلى المستوى العالمي. وليست من الأماني الكاذبة أن يتمادى الدعاة في تمني اليوم الذي تصبح دعوتهم الإسلامية شأنا عالميا يحسب له ألف حساب.
ونحن في حديثنا عن قضية خدمة الدين نحاول أن نجمع بين الواقعية والطموح العالي، ونجنح عن الدعة والخطط الساذجة بقدر جنوحنا عن التهور والخيال المستحيل. وفرق بين يقين النصر الذي يمثل دعامة أساسية في عقيدة الداعية، وبين مصادمة السنن الكونية بل والشرعية بزعم أن الله سينصر عباده المؤمنين.
تلك الكلمات السابقة وإن كانت صارمة فهي ضرورية قبل أن نشرع في تفصيل العنوان، ذلكم أن من بدهيات العقول أن النتائج رهينة الإمكانيات، والنجاح قرين البذل المتاح، وتحقق الغاية مرتبط بتحقق الوسيلة، وكل ذلك لا يقدح في كرامة الله لأوليائه بالنصر مع الذلة والقلة، فحديثنا عما يجب أن يعتمل في صدر الداعية من حرص على اتخاذ الأسباب.
حقيقة شرعية:
إن عالمية الدعوة الإسلامية هاجس ينبغي أن يلح في طموح كل داعية إلى دين الله تبارك و- تعالى -، ومشروع ينبغي ألا يغيب عن أذهان الغيورين على دين الإسلام. فهي حقيقة شرعية بلا امتراء، قال الله - تعالى -: (إن الدين عند الله الإسلام) وقال - تعالى -: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وقال - تعالى -: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وقال - تعالى -: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله له) وقال - تعالى -: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) رواه مسلم.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزًّا يعز به الإسلام، وذلا يذل به الكفر). رواه أحمد والحاكم.
ضرورة إنسانية:
وفوق كونها حقيقة شرعية هي ضرورة إنسانية تستنهض همة كل مشفق على حال البشر وسكان الكرة الأرضية، فالكفر يلف أرجاء الأرض، والفجور يستعلن على حين غفلة من القيم والمثل، وأضحى للكفر والفجور دولة وسلطان، وصارت ممارسات الفسقة تتحلى بغطاء الشرعية، فالكفر يتزيا بحلة حرية الفكر، والشذوذ الجنسي ينافح عن حقوقه تحت غطاء الحرية الشخصية، والمرأة تريد أن تتبرأ من الحياء بزعم التحرر من القيود الجائرة، بل إن براءة الأطفال تغتال بالخطف والاستغلال الجنسي تحت أضواء المدنية الكاذبة.(15/187)
كل ذلك ألا ينادي على النفوس الأبية أن تسعى لخلاص لتلك البشرية المغلولة، أو تنافح عن القيم والمثل الضائعة في غابة الشهوات والغرائز البهيمية؟!.
لم تعد مسؤولية الدعاة محصورة في نطاق المسجد الذي يخطبون فيه أو يلقون محاضراتهم، وفي حدود قاطني الحي الذي يسكنون فيه، إن حزام المسؤولية يتمادى في الاتساع ليصل إلى كل نفس منفوسة تدب على هذه الأرض. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وإن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء) رواه الترمذي، وإسناده حسن. قال العلماء في تفسير هذه الحديث: إن العلماء لهم دور في الوصية بالكائنات الحية، حتى إنهم يوصون الناس بإحسان الذبحة كما أوصى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فنفعهم عام على كل الخلاق، ولذلك تتذكرهم بالخير والدعاء.
وإذا كان هذا حال الحيتان فما بال البشرية التي التائهة في سرداب شهواتها؟! إنها أحرى بأن تحتل مساحة من اهتمامنا معاشر الدعاة. وقد كاد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يهلك نفسه حزنا على الناس ألا يكونوا مؤمنين، وسهر الليالي ساجدا يدعو ربه متضرعا: أمتي أمتي! فصلى الله وسلم على ذلك النبي الشفيق الذي حمل هم توصيل الدين إلى كل البشرية.
الواقعية لا الأحلام:
وإذا كانت هذه الهمة العالية تمثل نسيجِ طموحِ كل داعية إلى الله - تعالى -، فإنه إزاء تعظيمه لشعائر الله وفرائضه يأبى أن يكون مجرد مراهق ينشغل بالأحلام والأماني الخادعة، ويجمح وراء خيال هاو وسراب كاذب.
إنه يمزج هذا الطموح بتخطيط واقعي، ويبني آمالا صادقة على جهود مخلصة، ثم يكل النتائج إلى الله تبارك و- تعالى -. هو لا ينظر إلى كراسي الحكم والسلطة بقدر ما يتمنى أن يحوز كرسيا واحدا في جنة الخلد. يحدوه الطمع في رضا الله فيبذل حق البذل ليحوز السلعة الغالية {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}.
إنه قليل الكلام كثير العمل، سريع التأثر بواقع المسلمين والاستجابة لنداء البذل، إذا ما أقبل على عمل دعوي تسامى في العطاء له، وإذا فكر في مشروع أعد له العدة الكاملة، يتخذ الأسباب التامة محاطة بتوكل على الله وثيق، يحترم التخصصات ويأبى الفوضى والارتجالية، إنه مثال الداعية الذي يحمل هما عالميا، ويغذيه طموح عال، ومثل هذا تفتقر إليه الدعوات العالمية، ويعد طاقة دفاقة لكل من حوله من العاملين.
عالمية الدعوة في عالمية الداعية:
إن نصف مساحة العالم الإسلامي دخلت في الإسلام صلحا ودعوة ومعاشرة لا عنوة وحربا، مما يثبت أن عالمية الإسلام في عالمية الداعية، وأن السيف لم يرفع إلا على الظالمين والغاصبين لحق البشرية أن تؤمن بربها وإلهها.
وإن تغلغل الإسلام في أوروبا والأمريكتين بل وفي روسيا والصين وإفريقيا وأستراليا مع قلة الدعاة وضعف الإمكانيات لدليل على أن هذا الدين الحق لو قُيض له من الحملة من يجهرون به في كل ميدان ويطوفون به في كل صقع لتغيرت خريطة العالم في سنوات معدودة.
إن طرق خدمة الدين كثيرة، وأساليب نشره بين الناس وفيرة، وميادين النداء إليه شاسعة، وما سطرناه في هذه الأوراق مساهمة متواضعة نحو عالمية الدعوة، فمن أمانينا أن تتجيش كل الطاقات في خدمة الدين فنفاجيء الباطل بجندي للحق في كل شبر على وجه الأرض، ونجابه الظلم والطغيان، ونواجه الكفر والفجور، ونضيق الخناق على إبليس وجنوده، ونحكم الحصار على إغواءات الشياطين.
إن عالمية الدعوة ستتحقق بجلاء ويقين يوم نرى كل مسلم يساهم بأي جهد في سبيل دينه وأمته، يوم نرى كل مسلم يحاسب نفسه: ماذا قدم لدينه وأمته؟ يوم نرى حديث الناس في المقاهي والطرقات والبيوتات ومجالس السمر يدور حول هم الدين وشأن المسلمين، يوم نرى الأسرة تَدَّخِرُ من قوتها رغيفا تبذله لجائع أو محتاج، يوم نرى الأغنياء يتبارون في أَرْيَحِيَّة صِدِّيقِيَّة نحو الإنفاق في سبيل الدين، يوم نرى الدعاة قدوة لغيرهم في حمل أمانة الدعوة وتبليغها للناس.
(ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز).
08/06/2004
http://www.islamweb.net المصدر:
=========
الدعوة العائلية
حجاج بن عبد الله العريني
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما: أنه لما نزل قول الله - تعالى -: ' وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ' [الشعراء: 214]، أتى النبي الصفا، فصعد، ثم نادى: 'يا صباحاه! ' فاجتمع الناس إليه، بين رجل يجيء إليه، ورجل يبعث رسوله، فقال رسول الله: ' يا بني عبد المطلب! يا بني فِهْر! يا بني لُؤَي! أرأيتم لو أخبرتكم أَنّ خيلاً بسفح الجبل تريد أن تُغير عليكم صدقتموني؟ ' قالوا: نعم. قال: ' فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد '. فها هو محمد المبعوث للناس كافة، يوجه نداء خاصّاً إلى الأهل والقرابة والعشيرة استجابة لأمر الله - جل وعلا -.
ودعوة الأقارب والأهل والأرحام من الصلة والبر، بل إن الدلالة على الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبر البر والإحسان، والدعاة في جانب الدعوة العائلية على ثلاثة أحوال إلا من رحم الله:
1- رجل أغلق على نفسه مع مجموعة من الأقارب، انتقاهم بعناية على أساس التوافق والانسجام أو الاستجابة، وترك البقية بحجة عدم الاستجابة؛ إِذْ حاول دعوتهم مرة أو مرتين، وظن أنه معذور بذلك، وهذا ليس أسلوب أهل الجهد والجهاد في الدعوة.
2- رجل مشغول بأمور دعوية خارج نطاق العائلة، وقد حصل له كثير من البرود في مواقفه وعلاقته مع الأقارب من الناحية الدعوية، وهذا نسي حقّاً مهمّاً من حقوق أرحامه عليه، وقصّر كثيراً في دعوتهم.(15/188)
3- رجل له نشاط دعوي في عائلته، ولكن نشاطه يتم بطريقة عشوائية، بدون أن يكون هناك تخطيط ومتابعة، ولا شك أن العمل المدروس أكثر ثمرة من العمل غير المنظم.
مميزات الدعوة العائلية:
إن للدعوة العائلية سمات تتميز بها عن الدعوة العامة، وهذه المميزات تختلف من عائلة إلى أخرى، ولكنها تجتمع في كونها عوناً للدعاة للقيام بهذا العمل واستمراره، ومن هذه المميزات:
أ- إن عدد الأفراد الذين يتم الاحتكاك بهم في الدعوة العائلية يعتبر عدداً كبيراً مهما صغرت العائلة التي ينتمي إليها الداعية؛ فإذا نظرنا إلى أي شخص نجد أن لديه مجموعة كبيرة من الأقارب، يتواصل معهم وتربطه بهم روابط المودة والرحمة.
ب- سهولة الاحتكاك بأولئك الأقارب والوصول إليهم: يزورهم ويزورونه، ويقابلهم في المناسبات، بل قد يشترك معهم في السكن.
ج- الدعوة العائلية تعتبر وسيلة دعوية، يمكن أن تستمر ولا تنقطع لأي سبب إذا طبقت بطريقة جيدة.
د- الدعوة العائلية إذا أديرت بشكل جيد، فإنها تفيد في شحذ الهمم وتحريك الطاقات الخاملة عند بعض الصالحين في الأسرة، وتدفعهم للدعوة، وتكون وسيلة ناجحة بإذن الله للتأثير عليهم.
ه إن الدعوة العائلية تؤدي إلى استقامة الأقارب، والتخلص من المنكرات؛ مما يكون له مردود إيجابي على بيت الداعية وأطفاله.
و تُيسر الدعوة العائلية التأثير على النساء في المجتمع، وخاصة أن النساء أقل احتكاكاً بالدعوة ووسائلها، وأيضاً: توفر هذه الدعوة الاحتكاك والتأثير على الأطفال.
ز- من خلال الدعوة العائلية يتم الوصول إلى جميع أفراد المجتمع، إِذْ إن المجتمع هو مجموع هذه الأسر.
من الوسائل الدعوية العائلية:
وسائل الدعوة العائلية كثيرة، ومتنوعة، وسنشير هنا إلى نماذج منها فقط، ولا بد أن لكل عائلة ما يناسبها، ثم إن البدء والاستمرار في هذه الدعوة ينتج أفكاراً، وبرامج جديدة ومؤثرة.
1- خطوات الدعوة العائلية هي: التنسيق، والتخطيط، وتحديد الأهداف المرحلية، مع بيان الوسائل والطرق، ويبدأ ذلك بالتنسيق بين مجموعة من الأخيار في العائلة، وإقناعهم بفكرة الدعوة العائلية، ثُمَّ تنظيم الأفكار، ووضع الخطط الدعوية. ويتبع ذلك: التقييم الدوري المستمر لجميع الأنشطة، والبرامج الدعوية؛ لتصحيح الأداء واكتساب مزيد من الخبرة، ولا بد من التكاتف، والتعاون في هذا المجال؛ فاليد الواحدة لا تصفق!
2- تمثيل القدوة الحسنة في أمور الدنيا والدين؛ فلن يتقبل الناس الدعوة من شخص فاشل في حياته العملية أو العلمية، أو من شخص لديه قصور ظاهر في التزامه الشرعي. ولكي يكون الداعية قدوة حسنة مؤثرة عليه أن يتخذ من الرسول قدوة له 'لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ' [الأحزاب: 21]
3- توثيق الصلة مع الأقارب، وكسب مودتهم، وإتقان فن التعامل معهم، حتى يشعر كل فرد بأن له علاقة خاصة بالداعية، وهذا لا يعني النفاق والابتذال، ولكن علاقة صادقة، ومودة خالصة، ومبادئ ثابتة.
4- إقامة لقاء دوري للعائلة -شهريّاً مثلاً- وذلك لزيادة الألفة والمحبة، وتوطيد أواصر المودة، وتحقيق صلة الرحم، كما أن مثل هذه اللقاءات توفر وقت الداعية، حيث يمكنه القيام بواجب صلة الرحم، والدعوة في وقت واحد.
5- الاستفادة من التجمعات العائلية، سواء اللقاء الدوري أو المناسبات الطارئة مع الحذر من المبالغة المنفرة؛ ويكون ذلك بعدد من الوسائل، منها:
أ- مساعدة صاحب المناسبة بالسعي في إجراءات ترتيب اللقاء، ودعوة الضيوف، وكل ما يمكن القيام به من خدمة.
ب- توزيع أي جهد دعوي صالح وموثق أثناء اللقاء، سواء أكان شريطاً، أو كتيباً، أو ورقة مفيدة، أو فتوى مهمة...، والحرص على ذلك، والاستمرار عليه في كل مناسبة.
ج - دعوة بعض العلماء أو طلبة العلم في ا لمناسبات العائلية؛ لإفادة الحاضرين فيما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم، ويتم التركيز على المواضيع التي تهم عموم الأسرة.
د - إعداد المسابقات الثقافية المناسبة لجميع فئات العائلة؛ لاستغلال الوقت بالنافع والمفيد، ولرفع المستوى الثقافي لأفراد العائلة.
هـ- الحديث عن أحوال المسلمين وأخبار العالم الإسلامي، كما يمكن عرض بعض أفلام -الفيديو- التي تظهر هذا الواقع؛ لزرع الإحساس بمآسي المسلمين، وحثهم على دعمهم والدعاء لهم.
و- التذكير والحث على مجالات الخير المنتشرة -والحمد لله-: كالمحاضرات، والخطب، والندوات.. والإعلان عنها، والتعريف بالأشرطة الجيدة، وأماكن وجودها.
ز- طبع أسماء وهواتف أفراد العائلة بشكل جذاب، وتوزيعها؛ للمساهمة في صلة الرحم.
ح- استخدام القصص والحكايات الواقعية المؤثرة للدعوة، وقد لوحظ أن هذا الأسلوب من أقوى أساليب التأثير على الناس وأيسرها، ويمكن الاستفادة من بعض الكتب التي تحكي هذه القصص، ثم سردها في هذه اللقاءات.
ط- توقير الكبار وأصحاب الوجاهة في العائلة، وتذكيرهم بالثمار التي تجنى من خلال تلك اللقاءات؛ لكسب تأييدهم لمشاريع الدعوة العائلية من بدايتها، ولكي يُستفاد من مكانتهم في تقوية الدعوة العائلية، أو على الأقل حتى لا يكونوا معارضين لها.
6- الإحسان إلى أفراد العائلة، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، ومساعدتهم فيما يحتاجون إليه، وإحياء معالم التكافل الأسري، ويجب على الداعية أن يُعرَف بالمواقف المشرفة وعلاج الأزمات، وليس فقط بالوعظ والإرشاد، ويحسن أن يقوم الداعية بتلمس احتياجات أفراد العائلة، والمبادرة بمساعدتهم قبل أن يُطلب منه ذلك، مع الحذر من التطفل عليهم في أمورهم الخاصة.(15/189)
7- حصر المخالفات الشرعية الموجودة في العائلة؛ للتركيز عليها وإصلاحها تدريجيّاً بالحكمة والأساليب المناسبة، ويحسن هنا محاولة معرفة أسباب الانحراف ليسهل العلاج.
8- الاهتمام بالأطفال والمراهقين، فقد قال أحد الحكماء: 'أكرم صغارهم؛ يكرمك كبارهم، وينشأ على محبتك صغارهم'، ويكون ذلك بإعداد أنشطة خاصة بالصغار والمراهقين، يُراعى فيها سنهم وميولهم، ويمكن القيام بالرحلات وتنظيم ذلك للخروج بأكبر فائدة.
9- الزيارات المنزلية لأفراد العائلة؛ لما فيها من محبة، ورفع الكلفة وتعميق الروابط؛ وهذا مما يغفل عنه كثير من الدعاة؛ لكثرة الأشغال وعدم التفرغ، مما ينتج عنه وجود حاجز بين الداعية وأفراد عائلته.
10- تقديم الهدايا لأفراد العائلة، والتودد إليهم لما للهدية من أثر عجيب؛ فهي تقرب البعيد، وتؤلف القلوب، وتروض النفوس المستعصية، وتحبب الداعية إلى الناس، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: '.. وتهادوا تحابوا، وتذهب الشحناء'.
11- الاستفادة من بعض العادات والتقاليد الموروثة ـ غير المخالفة للشرع ـ لدى بعض الأسر واستثمارها في المجال الدعوي، نحو ما ينتشر بين النساء -خاصة- من قيامهن بزيارة المرأة التي رزقت بمولود، أو المتزوجة حديثاً، أو القادمة من سفر بعيد... أو غير ذلك، وتقدم هدية عينية لهذه المرأة، فحبذا لو أضيف لهذه الهدية المادية مجموعة من الأشرطة والكتيبات والنشرات الدعوية الصالحة... وغيرها مما ينفع المهدى إليه في دينه.
12- الاهتمام بتأمين الدعم المادي؛ لإنجاح المشروع الدعوي العائلي، فبدون ذلك لا يمكن الاستمرار في إيجاد الحوافز: كالهدايا، وجوائز المسابقات، والتوزيع الدوري للأشرطة والكتيبات، وهذا الدعم المادي يجب أن يكون مستمرًّا، وغير منقطع طوال العام.
13- شكر كل من أسهم في التواصل في العائلة، أو ساعد في الدعوة، تشجيعاً له للمواصلة وبذل المزيد، وحثًّا لغيره للقيام بدوره.
14- الحرص على إيجاد صندوق للتكافل العائلي، يكون الاشتراك فيه ضمن أسس متفق عليها، وتكون مهمة القائمين على هذا الصندوق متابعة أوضاع العائلة واحتياجاتها، مثل:
أ - الشاب الذي يريد الزواج، ومساعدته.
ب - الفقراء في العائلة، أو من تحمّل ديناً، ومساعدته بأسلوب يحفظ له كرامته.
15- الدعاء والتوجه إلى الله، وطلب عونه - جل وعلا -، والدعاء لأفراد العائلة بالصلاح والهداية، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: 'دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل'.
أسباب نجاح الدعوة العائلية واستمرارها:
هناك بعض الأسباب المؤثرة على تطبيق برنامج الدعوة، يجب أن يأخذ بها كل من يتصدى للدعوة العائلية، ونورد هنا بعض الأسباب العامة التي يجب أن يضعها الداعية ضمن خطته الدعوية:
1- الإخلاص لله [- تعالى -]، وإيمان الداعية بما يدعو إليه؛ فالدعوة النابعة عن إخلاص مع القوة والعزيمة والإيمان والاعتماد على الله- لا بد أن تؤثر وتؤتي أُكُلَها، فالإخلاص أمرٌ مهمّ لنجاح الدعوة واستمرارها.
2- أن يعمل الداعية بما يدعو إليه، ويبتعد عما ينهى عنه، فليس معقولاً أن يؤثر في الناس من يقول ولا يفعل، قال - تعالى -: [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ [2] كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ] [الصف: 2، 3] وقد ورد في الصحيحين أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: [يُجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلِقُ أقتابُه [يعني أمعاءه] في النار، فيدور كما يدور الحمارُ برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أيْ فلانُ، ما شأنُك؟! أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه].
3- دراسةُ أي نشاط مُقْتَرحٍ للتطبيق على الدعوة العائلية دراسة مستفيضة لمعرفة إمكانية تنفيذ هذا النشاط؛ إذ لا يكفي أن تكون الفكرة ممتازة وهادفة، بل لا بد من معرفة إمكانية تنفيذها واستمرارها، عملاً بقوله حينما سُئل: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ فقال: [أدومُها وإنْ قلّ] [7] لأن التذبذبَ وبدْءَ النشاط ثم إيقافَه، أو عدم إخراجه إخراجاً جيداً ومشوِّقاً: يقلل من استجابة المدعوين إن لم يُفْقِدْهم الثقة والاحترام للبرنامج الدعوي.
4- عدم اليأس أو استعجال النتائج، وضرورة التأني وبعد النظر، وهذا الأمر يغفُل عنه كثير من الدعاة؛ فنجد أحدهم يتعجل النتائج، ويستغرب بطء استجابة الناس، وينسى قول الله - تعالى -: [وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً] [الإسراء: 106] فيجب على الداعية أن يكون حكيماً، ولا يغفل عما أحدثته وسائل الهدم في عقول الناس وأفكارهم، وأن ذلك قد استغرق وقتاً طويلاً، فلا نستغرب أن نحتاج إلى وقت مناسب لإعادتهم إلى طريق الهداية.
5- الانتباه إلى أن الانفتاحَ مع العائلة ودعوتَها يجب ألا يؤدي إلى مداهنة الداعية، فيشارك أو يحضر بعض المنكرات التي لا يجوز حضورها، أو يسكت عن بعض المنكرات التي لا ينبغي له التأخر في إنكارها.
6- أن يعلم الداعية حال من يدعوهم؛ لأن الناس يختلفون في مدى تقبلهم للدعوة، فمنهم من يرضى بها، ويُقبِل عليها، ويتفاعل معها، ومنهم من يغلق قلبه أمامها، ويصم أذنيه عن سماعها، ويرفض أن يتفاعل معها. وكل واحد من هؤلاء يحتاج إلى معاملة خاصة. وأيضاً يجب أن يعلم الداعية أن النفس البشرية لشخص واحد تختلف من وقت إلى آخر، فيجب مراعاة ذلك.(15/190)
7- أن يعلم الداعية حال المتعاونين معه من الأخيار في العائلة، وأن يكون خبيراً بهم وبقدراتهم، فيضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وأن يُوَجِّه كل شخص إلى ما يمكن أن يُبْدِعَ فيه.
8- التركيز على بناء العقيدة وتثبيت الإيمان، لأنها الأساس والأهم، والخطوة الأولى في الدعوة، وذلك عن طريق التركيز على:
أ - مواضيع العقيدة والإيمان، مثل: تعليم التوحيد، ومعنى [لا إله إلا الله محمد رسول الله]، والتحذير مما يضاد ذلك، ومثل: اليوم الآخر، والجنة، والنار، والخوف من الله، ومحبته، وترسيخ التوحيد بمعانيه الشاملة.
ب - بناء الحصانات الفكرية ضد الشبهات الموجهة للإسلام وبناء الحصانة ضد الفرق الضالة.
ج - تصحيح المفاهيم في القضايا التي شوهها أعداء الإسلام، وطرح المفاهيم الغائبة التي يحتاج إليها المسلم.
9- العناية بجانب الوعظ والرقائق، والترغيب والترهيب، وتعظيم الله في القلوب، وربط المدعوين بالقدوات الصالحة من السلف، وبيان محاسن الإسلام وجوانب الإعجاز في تشريعه.
10- عدم التعالي أو الظهور بمظهر العالم أو الأستاذ، لكي لا يثير المدعوين، وخصوصاً كبار السن منهم، وليحرص الداعية - دائماً- على عدم إثارة غيرة الآخرين منه.
11- الحرص على المظهر الحسن، فليس من الدين في شيء أن يكون الداعية رثَّ الثياب، فالله جميل يحب الجمال، ويحب أ ن يُرى أثر نعمته على عبده، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [إن الله يحب أن يُرى أثرُ نعمته على عبده].
12- استخدام التوجيه غير المباشر، وعدم المواجهة بالعتاب، بحيث يقوم الداعية بالتوجيه دون أن يعلم المدعوون من هو المقصود بهذا التوجيه، وهذا منهج نبوي، حيث كان حين ينكر على أصحابه بعض الأعمال يقول: ما بالُ أقوامٍ يفعلون كذا وكذا. وبهذا الأسلوب يتفادى الداعية التصادم، أو إثارة الرفض، والاستعلاء لدى المدعو.
13- الصبر وسَعَة الصدر واحتمال الأذى؛ لأن من يتصدى للدعوة إلى الله لا بد أن يناله أذى وابتلاءٌ وهذا هو طريق الأنبياء والرسل وكل من قام بهذه المهمة العظيمة، يقول الله - تعالى -: [وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ] [الأنعام: 34] فيجب على الداعية أن يستوعب ذلك، ويصبر، ويتسم بطول النفس وبعد النظر، حتى تتحقق له الغاية المنشودة.
14- الانتباه إلى وسائل الهدم في العائلة، سواء أكانت هذه الوسائل أشخاصاً أو أجهزة أو غير ذلك، ثم مقاومتها بالحكمة؛ لأنه بغير ذلك نجد أن ما يبنيه الداعية في وقت طويل يُهْدَمُ في لَحَظَات [وليس الذي يبني كمن هو يهدمُ].
كلمة أخيرة:
وصية مهمة لك أيها الأخ المبارك حين تختار من يعينك على هذا المشروع من الأخيار الصالحين في عائلتك، فعليك بمن تتوسم فيهم الشجاعةَ والكرمَ، فلا يستطيع أن يقوم بهذا المشروع إلا من كان لديه إقدام وشجاعة، ولا يستطيع أن يستمر في هذا المشروع إلا من يكون كريماً، ليس في بذل أمواله- فقط- في سبيل الدعوة، ولكن في بذل الأوقات، وهذا قد يكون أهمَّ من الأموال التي يمكن الحصولُ عليها من مصادر أخرى؛ فالبخيل بوقته لا يمكن أن يقوم بعمل قوي ولا بنشاط دائم مستمر، وهما أصل هذا المشروع الدعوي.
وفي الختام:
اعلمْ أنك من خلال هذا المشروع الدعوي العائلي المبارك لن تخسر شيئاً قط، بل سوف تستمتع بذلك، وسوف تجد السرور والطمأنينة في قلبك، وهما عاجل بشرى المؤمن، وسوف يهبك الله - تعالى - من السعادة والتوفيق - حتى في أمورك الدنيوية- ما لا تحتسب، ومع ذلك: فإنه يجب عليك أن تعلم أن الدنيا ليست هي دار الجزاء، وإنما هي دار الكد، والكدح، والعمل، أما جزاؤك فتنتظره في الدار الآخرة عند الله.
ولا يعني هذا أن المهمة سهلة، وأن الطريق معبّدة.. لا؛ فإن المهمة صعبة، والطريق وعِرةٌ شائكة، والمعركة على أشدها في زمن سادت فيه الشهوات، وانحرفت الأخلاق، وسيطر على الناس حبُّ الدنيا حتى شغلتهم عن الآخرة وأنستهم إياها. ولكن مما يشد العزم ويقوي الهمة للقيام بهذا المشروع: استحضارنا لمعية الله الخاصة بعباده المؤمنين [وَالَّذِِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا] ]العنكبوت: 69]، وإيماننا أن الثواب على قدر المشقة، وكلما كان الجهد أكبر، كان الثواب أعظم، أضف إلى ذلك: ما يحصله الإنسان من سعادة حين يشعر أنه قد تخطى الصعاب والعقبات وكان له سهم في خدمة هذا الدين.
أسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من المصلِحين العاملين الموَفَّقين.
12 ربيع الآخر 1425هـ - 1يونيو 2004 م
http://links.islammemo.cc المصدر:
===========
أبذر فكرة
د.رقية بنت محمد المحارب
يقال بأن الذي يتبنى فكرة ينجز عملاً، والذي ينجز عملاً بعد عمل تتكون لدية عادة، والذي تتكون لدية جملة من العادات تتبلور له شخصية محددة تكون مصدراً للرضا النفسي أو عدمه بحسب العادات التي اكتسبها. وهذا الكلام صحيح، فالإنسان في الواقع حصيلة لعادات تجذرت كونت شخصيته التي يعرفه من خلالها الناس.(15/191)
وهذه المعرفة بمراحل تكون الشخصية تورث لدينا حساً بالأهمية البالغة للتصرفات اليومية التي نمارسها سواء كانت أقوالاً أم أفعالاً ولا فرق بين أن تكون في السر أو العلن. والذي يفكر جيداً عند الإقدام على أي عمل- مهما كان -بالتأثير التراكمي له نستطيع أن نقول أنه قد بدأ مشوار تكوين الشخصية المتميزة المبدعة، ولحظة شعوره بهذا الإحساس ينمو لديه شعور لا إرادي وفطري بتنميته والمحافظة عليه، وتزداد الحساسية كلما ازداد شعوراً بهذا التميز.. لكن تداخل هذا الإحساس مع الغرور والإعجاب من شأنه أن يدمر هذه الشخصية ويعرضها للذوبان والانطفاء. والنقطة الأخيرة هي ما يسمى بالمحاسبة، فهي في نهاية اليوم البوصلة التي تحكم الإتجاه، وهي التي تسدد وجهة العادات وتصقلها لتساهم في الوصول للنتيجة النهائية.
وثمة مسألة مهمة هنا فيما يتعلق بالاستمرارية في الأعمال حتى تستحيل عادة تكون جزءاً من الشخصية، فالأعمال العظيمة المنقطعة لا يكون لها من الأثر ما يكون للأعمال الصغيرة التي تتصف بالديمومة، فقرآءة صفحة يومياً مثلاً أكثر فعالية من قرآءة آلاف الصفحات لمرة واحدة، والتعامل الراقي المنقطع لا يؤثر في النفس ما تؤثر ابتسامة مرتسمة على المحيا على الدوام.. والحاصل أن الممارسات المتكررة وإن كانت بلا وعي تشكل في أللاشعور فكراً ونفسيةً ذات طابع مخصوص، بل إن هذه الممارسات تؤثر على البنية الفيزيائية للجسم وهذا شيء مقرر في الطب..
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا هو: كيف نجعل من الشخصية المكتسبة مصدراً للسعادة النفسية، وما الوسيلة لجعل النفس تشعر بالرضا؟ ولعل الجواب يعود بنا إلى الكلام عن البئية الثقافية والأفكار المؤسسة لهذه الشخصية المكتسبة، وعما إذا كانت تحمل مقومات إمداد الروح والنفس بالمطلوب أم أنها في الواقع تزيد من عناء الإنسان وشقائه. وهذا أمر عميق يحتاج فيما يحتاج إلى فهم طبيعة النفس وعلم بالأفكار التي تنسجم معها. فالإنسان الذي لا يفهم ضرورة إحداث التوازن بين حاجات الروح والبدن لا يستطيع أن يكتسب شخصية مستقرة؛ فالروح يحتاج إلى غذاء كما أن البدن يفتقر إلى العناية. فالإنسان الذي يعتنق فكراً يلغي حاجة البدن هو أكثر الناس عرضة للإصابة بمختلف الأمراض النفسية والعصبية، كما أن ذلك الذي يتبنى مسلكاً يتناقض و متطلبات روحه يكون عرضة أيضاَ للإصابة بأمراض نفسية ولكن من نوع آخر. وعليه فإن ارتكاب المعصية يساهم في خلخلة التوازن المطلوب، وهي وإن كانت تمنح الجوارح متعة آنية لكنها بالنظر إلى المحصلة تكون شخصية قلقة خائفة فاقدة لذاتها، لاهثة وراء سراب الخلوص من المأزق الذي تسببت في الوقوع فيه.
http://saaid.net المصدر:
============
الإيجابية ( 1 )
د. علي بن عمر بادحدح
إن الإيجابية بالنسبة للداعية هي الطاقة التي تشحذ الهمة، وتذكي الطموح، وبالتالي تدفع إلى البذل والعمل، وانتهاز الفرص، واستثمار الواقع، وهي الحقيقة التي تجعل الدعوة محوراً للحياة، يتعلق بها القلب، وتتشوق إليها النفس، ولأجلها تحشد الطاقات ، وفي سبيلها تسخر الإمكانيات.
إن الإيجابية عمل يمنع الكسل، وحيوية تقصي السلبية، وانتشار لا يقبل الانحسار، إنها عطاء ليس له حدود، وارتقاء فوق كل السدود، ومبادرة لا تكبلها القيود .
وعجباً لأقوام ينامون ملء جفونهم، ويأكلون ملء بطونهم، ويخلدون إلى الراحة، ويحبون السكون والدعة، ويبحثون عن المتعة والرفه، ثم يقولون: إنهم دعاة! فهل يرتقب من مثل هؤلاء تعويض ما فات، وتحقيق المنجزات؟ وهل يظن بأن مثلهم تعقد عليهم الآمال وتناط بهم المهمات؟.
الإيجابية دافع نفسي واقتناع عقلي وجهد بدني لا يكتفي بتنفيذ التكليف بل يتجاوز إلى المبادرة في طلبه أو البحث عنه، ويزيد على مجرد الأداء الإتقان فيه، بل يضيف إلى العمل المتقن روحاً وحيوية تعطي للعمل تأثيره وفعاليته، دون أن يخالطه جفاف أو جفاء أو تبرم أو استثقال.
واللغة تسعفنا، إذ تعطينا معاجمها دلالة الإلزام والتحمل في معنى الإيجاب " أوجبه إيجاباً أي لزم وألزمه" [ لسان العرب 1/793 ] ، والإيجاب – كما في التعريفات ص 59- " إيقاع النسبة "، والمراد أن ما ينسب إلى أمر أو شيء بالإيجاب؛ فإنه يقع، وهو - أي الإيجاب - " أقوى من الاقتضاء " لأن دلالته في اللزوم والحتم أقوى، والفقه يعضد المعنى" فالإيجاب أن يقول: بعتك أو ملكتك أو لفظ يدل عليهما، والقبول أن يقول اشتريت أو قبلت ونحوها " [المغني 3/501،502] فالإيجاب هنا الأمر الذي يترتب عليه عند القبول اللزوم والوجوب.
ومن هنا فالإيجابية تتضمن الإلزام والالتزام، ومآلها إلى الحتم والوجوب، وتأنيثها – فيما أرى- أنه لداعي الصفة، فالإيجابية صفة كالأريحية والاستقلالية والعصامية، ومعناها في المفهوم المعاصر يتسع ليكون دالاً على إيجاب المرء على نفسه ما ليس بواجب ابتداءً، لما عنده من همة عالية، ورغبة عارمة في البذل .
وللإيجابية – عند المسلم عموماً والداعية خصوصاً – ركائز تقوم عليها، ودعائم تستند إليها وهذه أهمها:(15/192)
1- الرسالة والأمانة: فالمسلم حامل رسالة ومبلغ أمانة، لم يخلق عبثاً، ولم يترك هملاً، ولا يتصور من حامل رسالة نوم ولا كسل إن أدرك رسالته وعرف مهمته، وتأمل الخطاب الرباني القرآني للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - في أوائل دعوته: { يا أيها المدثر، قم فأنذر } أي " شمّر عن ساعد العزم وأنذر الناس " [تفسير ابن كثير 4/440]، " قم قيام عزم وتصميم " [الكشاف 4/156] " قم فاشتغل بالإنذار وإن آذاك الفجار"[ تفسير النسفي 4/307 ]، " إنه النداء العلوي الجليل للأمر العظيم الثقيل … نذارة هذه البشرية وإيقاظها، وتخليصها من الشر في الدنيا، ومن النار في الآخرة وتوجيهها إلى طريق الخلاص قبل فوات الأوان "[الظلال 6/3754] . " قم فما يُعهد من صاحب رسالة نوم قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك، قم للجهد والنصب والكد والتعب، قم فقد مضى وقت النوم والراحة "[الظلال 6/3744]، إن هذا النداء كان " إيذاناً بشحذ العزائم، وتوديعاً لأوقات النوم والراحة، والتلفف بأثواب الهجوع والتلبث " بل كان " إشعاراً بطلب الجد الجاد في الأمر، جداً يسبق الأحداث ولا ينتظرها، ويسابق الزمن ولا يني في حركته، متوثباً إلى غايته "[محمد رسول الله1/589،590]، هل يعي المسلم والداعية على وجه الخصوص معنى انتصابه للدعوة والتحاقه بركبها؟، إن الدعوة تغيير كامل، وإصلاح شامل، إنها إبطال الباطل وإحقاق الحق إنها أمانة عظمى ورسالة كبرى، إن على الداعية " أن يقيم مكان كل باطل يمحوه حقاً يدعمه بالبرهان، ومكان كل ضلال يقتلع جذوره من العقول والقلوب والأرواح هدياً يشرق نوره فيضيء به العقول، وترشد به القلوب، ومكان كل شر اجتماعي يبيده بدعوته وهديه خيراً يزرعه بعمله، ومكان كل ظلم يرعبه عدلاً ينشره، ومكان كل رذيلة يمزق أديمها فضيلة يؤسسها، ومكان كل سيئة ينفر منها إحساناً يحببه إلى النفوس لتتشرب بمحبته، ومكان كل عبث وفوضى اجتماعية تتهاوى أمام دعوته نظاماً يقون الناس في ظله بالقسط والحق ، ومكان كل تقاطع وتدابر إخاء ومواساة، بل إيثاراً وحباً، ومكان كل تسلط بالبغي والكبرياء الآثمة تراحماً ومساواة، ومكان الفرقة بدعوى الجاهلية وحدة تقوم على دعائم الإخاء الإيماني في الإسلام " [ محمد رسول 1/ 582،583] فهل يا ترى هذه مهمة تؤدى مع الراحة التامة والدعة الكاملة ؟ كلا وألف كلا ، فما من مدرك لمعنى الرسالة إلا وينتفض انتفاضة يسقط بها كل دثار وشعار، ويزيح بها كل المبررات والأعذار، وينحي بها كل قاطع ومانع، ما من داعية يعرف أنه على طريق النبوة { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } ويفهم أنه وارث نبوة ( العلماء ورثة الأنبياء ) ثم بعد ذلك ترضى نفسه أن تخلد إلى الأرض، وتسفل مع متطلبات الشهوات بعيداً عن مرامي الغايات، وميادين الصعاب والمشقات، إنها الأمانة العظيمة { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان } ولن يحملها ضعيف متخاذل، ولا كسول متراخ ولا يصلح لها إلا الجد والقوة وذلك هو الوارد في القرآن: { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } " أي بجد وحرص واجتهاد " [ تفسير ابن كثير 3/113] ، { خذوا ما آتيناكم بقوة }.
الإيجابية قوة روح وعزم، قوة جد وهم، وقوة عمل وكدح، الإيجابية صفة " للرجل المقبل على الدنيا بعزيمة وصبر، لا تخضعه الظروف المحيطة به مهما ساءت، ولا تصرفه وفق هواها، إنه هو الذي يستفيد منها، ويحتفظ بخصائصه أمامها كبذور الأزهار التي تطمر تحت أكوام السبخ، ثم هي تشق الطريق إلى أعلى مستقبلة ضوء الشمس برائحتها المنعشة، لقد حولت الحمأ المسنون، والماء الكدر إلى لون بهيج وعطر فواح.. إنه بقواه الكامنة وملكاته المدفونة فيه، والفرص المحدودة والتافهة المتاحة له يستطيع أن يبني حياته من جديد"[ جدد حياتك ص 13]، فالإيجابية مقاومة تغيرية نحو الأفضل تستثمر القليل فتنميه، وتحول المسار فتقود المسيرة، ومن هنا فهي دعوة رفض للاستسلام للواقع وتبرير القعود، وانتظار الأقدار، ومن هنا نهتف بكل سلبي قائلين:{ قم فأنذر }.
http://www.islameiat.com المصدر :
============
الإيجابية ( 2 )
الدكتور علي بن عمر بادحدح
من بواعث الإيجابية وركائزها بعد الرسالة والأمانة:
2- المسئولية والمحاسبة: يمكن أن نعرف المسئولية بأنها" تحمّل المسلم التكليف الشرعي بشروطه وحدوده، وتحمّل تبعة تصرفه إزاء التكليف في الدنيا والآخرة"، والمسئولية يتسع مفهومها لتشمل التبعة والمحاسبة والجزاء، فالإنسان يتحمل تبعة أفعاله وأقواله، ويحاسب عليها ثم يجازى عليها؛ فإن أحسن فله المثوبة، وإن أساء فعليه العقوبة، وتقرير المسئولية باعث عظيم على أداء متطلباتها والقيام بأعبائها، وإن المحاسبة على المسئولية مزيد من القوة في القيام بالمهمة، وفيها شعور بمغبة التفريط، وتهيب من عاقبة التقصير.
إن الإنسان الذي لا يتحمل المسئولية ولا يستشعرها، يكون إنساناً خاوياً لا يحقق إنجازاً ولا يبلغ غاية، وإذا وجدت المسئولية ولم يكن معها متابعة، ولا بعدها محاسبة؛ فإن المرتقب ظهور دواعي الكسل والتراخي، وعوامل التهاون والتقصير، بل صور الفساد والإفساد، وكما قيل" من أمن العقوبة أساء الأدب ".(15/193)
والإسلام يجعل في أعناق أتباعه مسئولية عظيمة، ومنهجه يصورها تصويراً يغرس أهميتها في الفكر، ويعمق عظمتها في النفس، تأمل قول الحق - جل وعلا-:{ كل نفس بما كسبت رهينة} "والمعنى كل نفس رهن كسبها عند الله غير مفكوك "[ الكشاف4/161] فهي " محبوسة به عند الله تعالى " [تفسير القاسمي 16/74] " وإنما يكون الرهن لتحقيق المطالبة بحق يخشى أن يتفلت منه المحقوق به، فالرهن مشعر بالأخذ بالشدة "[التحرير والتنوير 29/324] فالمسلم مرهون أي موثق ومحبوس بمسئوليته التي يتعلق بها كسبه؛ فإن شاء أن يعتق نفسه ويفك رهنه فلا بد من أداء الواجب والقيام بالمسئولية، وإلا فإنه سيؤاخذ بمقابل تفريطه، هذا المعنى يتطابق مع الحديث الوارد عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم- حيث قال:( كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) [ رواه مسلم].
إن الداعية الذي يعي هذه المسئولية لا يتصور منه التراخي، خاصة وأن هذه المسئولية شمولية{ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً} إنها لا تقتصر على شيء دون شيء، اقرأ معي الحديث الذائع المشهور( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به) [رواه الطبراني 20/60]، ويح امرئ يعلم أنه مسئول ومحاسب ثم لا يكترث ولا يعبأ، ويظل مطمئناً دون عمل.
كيف يمكن هذا ومسئوليته دقيقة يشملها قول الحق - جل وعلا -:{ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ويجليها قوله:{ مال لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}.
كيف ومسئوليته لا تقتصر على نفسه فحسب، بل تتعداها إلى كل من تولى أمره { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} وقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم-:( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
بل إن المسئولية أشمل من ذلك؛ لأن الإسلام لا يرضى السلبية، ولا يقر الاتكالية، ولا يقبل في منهجه الانعزال ولا الأنانية ليس فيه " أنا والطوفان من بعدي " ولا يقر بمبدأ " مالي وما للناس" بل مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثابتة قائمة ليكون للفرد دوره تجاه المجتمع، وفي عنقه مسئوليته إزاء الإصلاح { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} وقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم-:( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم) [الطبراني الأوسط 2/224].
فإذا كانت هذه هي المسئولية فلا شك أنها عظيمة، بل ويزيد عظمتها أن المحاسب عليها والمراقب لها هو الله - جل جلاله- { الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} الذي { لا تخفى عليه خافية} الذي { يعلم السر وأخفى} ثم هي مسئولية لا تغني فيها شفاعة ولا تخفف منها وساطة { فما تنفعهم شفاعة الشافعين} إنها المسئولية التي يواجهها المرء وحده{ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} وهذا أيضاً حديث النبي - صلى الله عليه وسلم- القائل:( ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة) [رواه البخاري 6/2729].
فهل بعد هذا يمكن الركون أو السكون، أو ترك المهمات والتخلي عن المبادرات؟ كلا إن استحضار المسئولية لا يترك فرصة لتوانٍ ولا مجالاً لتسيب أو تسويف، إنما هو العمل الجاد والبذل المتواصل والهمة العالية والعزيمة الماضية.
3- الأجر والأثر: إن الداعية معلق القلب بالمثوبة، متطلع للأجر، يحب أن يبقى له أثر، وأن يمتد أجره بعد انقضاء عمره، وذلك كله لا يكون بالأمنيات ولا يتحقق بالشفاعات، وإنما ميدانه العمل{ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}، " إن الإسلام منهج حياة واقعية، لا تكفي فيه المشاعر والنوايا ما لم تتحول إلى حركة واقعية، وللنية الطيبة مكانها، ولكنها هي بذاتها ليست مناط الحكم والجزاء، إنما هي تحسب مع الأمل، فتحدد قيمة العمل"[الظلال 3/1709]، وهذا قول الحق ـ جل وعلا ـ:{إن هذا لهو الفوز العظيم، لمثل هذا فليعمل العاملون} فهل تريد الجنة بلا عمل؟ وهل تطمح في الفردوس دون كد وبذل وتضحية؟ إن هذا " النعيم الذي لا يدركه فوت، ولا يخشى عليه من نفاد، ولا يعقبه موت، ولا يهدده عذاب، لمثل هذا فيعمل العاملون"[الظلال5/2988]، إنه العمل الحثيث، وأما الخسران المبين { والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات… } ولله در الشنقيطي في أضواء بيانه [9/494] حين قال:" فهذه السورة فيها دفع لكل فرد إلى الجد والعمل المربح، ودرجات الجنة رفيعة، ومنازلها عالية مهما بذل العبد من جهد، فإن أمامه مجال للكسب والربح نسأل الله التوفيق والفرح وقد قالوا: لا يخرج إنسان من الدنيا إلا حزيناً فإن كان مسيئاً فعلى إساءته وإن كان محسناً فعلى تقصيره"، ومن ترك العمل أو قصر فيه فإنه إلى الوراء يتراجع" فالعبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق، وإما إلى أسفل، إما إلى أمام، وإما إلى وراء، وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف البتة، ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي إلى الجنة أو إلى النار، فمسرع ومبطئ ومتقدم ومتأخر" [ مدارج السالكين 1/267 ] فاختر لنفسك أيها الداعية، واعلم أن دين الله ليس فيه محاباة، وميزان الحق ليس فيه مجاملات، ولقد صدع بها نبي الهدى ـ عليه الصلاة والسلام ـ يوم قال:( من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)[رواه مسلم].(15/194)
والإسلام يوم دعانا إلى العمل لم يدعنا دعوة رخوة ولا متوانية، بل دعانا دعوة ملؤها الحث والحض والتحفيز، أليس قد قال الحق ـ جل وعلا ـ:{ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} وقال أيضاً:{ وسابقوا إلى مغفرة من ربكم} وقال أيضاً: { فاستبقوا الخيرات} ووصف الحق ـ جل وعلا ـ أنبياءه في معرض المدح فقال:{ أولئك يسارعون في الخيرات} ونبينا- صلى الله عليه وسلم - يقول:( بادروا بالأعمال سبعاً )[رواه الترمذي] ويقول :( اغتنم خمساً قبل خمس ) إنه ليس هناك مجال لوقت ضائع، ولا لجدل فارغ، ولا لعوارض مشغلة أو أعراض مثقلة، وما أعجب من يخاطب بتلك الآيات ثم لا يكون في غمرة العمل، وغاية البذل مشمراً عن ساعد الجد، صاعداً درج المعالي.
إن من أدركوا هذه الحقيقة قاموا فلم يقعدوا، وتيقظوا فلم يناموا، وكان لهم بين كل عمل وعمل عمل، ومع كل درجة يبلغونها أخرى يرتقونها، فهل جاءك- أخي الداعية- خبر أبي الوفاء بن عقيل وقوله:" إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعلت فكري في حال راحتي وأنا استطرح فلا أنهض إلا وخطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرص على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين"[المنتظم 9/214].
وهل مر بك ذكر إمام الحرمين أبي المعالي الجويني وقد مرّ في ترجمته أنه" كان لا ينام إلا مغلوباً " إنه طاقة متحركة بلا توقف حتى يبلغ الأمر مداه فيغلبه النوم فإذا أخذ منه حظاً يسيراً عاد إلى العمل مستأنفاً دون نظر إلى ليل أو نهار.
وهكذا ستعلم نبأ وقد كان له أكثر من اثني عشر درساً في اليوم والليلة، وإن أردت المزيد فهناك الكثير وحسبي وحسبك أن ندرك أن طلب الأجر مولد لطاقة جبارة تحقق الكثير مما قد يعده البعض بعبد المنال، أو مستحيل الوقوع.
وأعيد لك الكرّة مرة أخرى في شأن الأثر الذي تريد أن تخلفه وراءك، ومرة أخرى أقول: ليس هناك من أثر إلا بالعمل.. (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)، وأنّى لك ذلك، وأنت لم تعمل ليكون لك مال تتصدق به، وأنى يكون لك علم وأنت لم تطلبه، ولم تثن الركب في تحصيله، ولم تسهر الليالي في مراجعته، وكيف لك ولد صالح وأنت لم تعلمه ولم تبذل في تربيته.
والحق أنه" إذا علم الإنسان – وإن بالغ في الجد– بأن الموت يقطعه عن العمل عَمِلَ في حياته ما يدوم بعد موته، فإن كان له شيء من الدنيا وقف وقفاً وغرس غرساً وأجرى نهراً، ويسعى في تحصيل ذرية تذكر الله بعده فيكون له الأجر، أو أن يصنف كتاباً" [صيد الخاطر ص20].
هذه ركائز ثلاثة أقتصر عليها وأكتفي بها، وإن كان للإيجابية روافد غيرها، فالله الله في العمل وإتقانه، والله الله في استمراره ودوامه، والله الله في حبه والتعلق به.
http://www.islameiat.com/ بتصرف من :
==========
واجعلنا للمتقين إماماً
سلمان بن فهد العودة
كل نعمة منحها الله للعباد فهي منحة وابتلاء في الوقت ذاته، والمشكلة أن الناس يدركون ذلك جيداً في عالم الماديات ولكنهم لا يكادون يحسونه في عالم المواهب والمنن النفسية.
الأمة ـ بمجموع أفرادها ـ مطالبة شرعاً بتحقيق ذاتها وتحمل مسؤولياتها والقيام بواجبها, ولم يكلفها الله بهذه المهمات الجسمية إلا لعلمه سبحانه بأن في أفرادها ومجموعاتها وشعوبها ودولها من الإمكانيات والقدرات ما هو كفيل بتحقيق ذلك إذا أحسن توظيفه.
وقد ابتليت الأمة بداء التواكل والتلاوم, واتقن بعض رجالها فن إلقاء التبعة على الأخرين والتخلي عن المسؤولية على قاعدة أن المشكلات من صنع الجيل السابق, وسيقوم بحلها الجيل اللاحق!
والأمر يبدأ من ثقة الفرد بنفسه, واستكشاف مواهبه, والبحث عن ميدانها, وتخطي العقبات مهما كانت فالحياة هكذا ..
وكل امرئ مسؤول أمام الله ـ تعالى ـ بحسب ما آتاه الله من قدرة مادية أو معنوية.
فالغني مثلاً يعلم أنه مطالب بالإنفاق في سبل الخير بما لا يطالب به الفقير، والقوي قد يدري أن قوة جسمه حقٌ للضعيف والكل، وقل مثل ذلك البصير مع الأعمى، والصحيح مع المريض، ولكن.. كم من الناس يشعرون بالمواهب الربانية في عقولهم التي منحوها فيستخدمونها لنصرة الحق والدفاع عنه؟.
وكم من الناس من يوجه نعمة الفصاحة والبيان التي أوتيها للدعوة إلى الإسلام، وفضح أعدائه؟ وكم .. وكم .. أو يظن أحدٌ أن حساب الغني يوم القيامة كحساب الفقير؟ أو أن حساب الذكي كحساب الغبي والبليد؟ أو حساب الفصيح كحساب العيي؟ أو حساب الحافظ كحساب النّسّاء [كثير النسيان]؟ أو حساب الشجاع كحساب الجبان؟ أو حساب المسئول كحساب الفرد العادي؟
إذاً فليقرأ قوله تعالى:{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }.
وفي الآية تسلسل عجيب:
فالحقيقة الأولى: جعلكم خلائف الأرض، فالبشر خلفاء استخلفهم الله في الأرض لينظر كيف يعملون، وأصل وجودهم فيها هو لهذا، وهو قدر يشترك فيه جميع المكلفين.
والحقيقة الثانية: ورفع بعضكم فوق بعض درجات، هكذا: درجات، لتشمل جميع أنواع التمايز والاختلاف والتفاوت بين الناس، في أموالهم أو أجسامهم أو عقولهم أو ملكاتهم أو مواقعهم ومسؤولياتهم .. وهذه سنة إلهية محكمة {نحن قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.(15/195)
والحقيقة الثالثة: ليبلوكم فيما آتاكم، فهذه (( الدرجات )) هي (( ليبلوكم فيما آتاكم ))، فكل ما رزقكم الله من المنن الظاهرة أو الخفية فإنما ليبلوكم به، هل تنجحون في تسخير مواهبكم للإسلام؟ أم تضيعونها هدراً؟ أم تجعلونها حراباً في صدور المؤمنين؟
والحقيقة الرابعة: إن ربك لسريع العقاب، وإنه لغفور رحيم. فإذا استثمر العبد ما منحه الله في معصيته وتكذيب رسله أسرعت إليه العقوبات في الدنيا والآخرة، وإذا بذل ما يملكه في سبيل الله تجاوز الله ما يحدث منه من سهوٍ أو تقصير، لأنه غفور رحيم.
فيا بؤساً لأولئك الذين ضيعوا عقولهم الكبيرة هدراً في دراسات عقيمة … لا تنفع في دين ولا في دنيا .. وما أكثرهم.
ويا خسارة أولئك الذين طاوعهم البيان فصاغوه قصائد غزل سخيف غير عفيف، دون أن يوظفوا شيئاً منه لقضايا أمتهم وشعوبهم.
وكم يحز في النفس ويملأ القلب أساً وكمداً أن كثيراً من ذوي الكفاءات والمواهب البارزة من الصالحين قد عبث بهم الشيطان، وزين لهم القعود عما أوجب الله عليهم، تارة باسم الزهد في الدنيا، وتارة باسم إيثار الخمول والبعد عن الشهرة، وتارة باسم الخوف من الرياء، وتارة بحجة عدم الكفاءة وأنه يوجد من هو أفضل مني وأجدر.. ولو أتيت هذا القاعد المتثاقل وتسللت إليه بالحديث رويداً رويداً لحدثك عن فساد الأحوال وقلة الرجال، وكثرة الأدعياء، وخلو الساحة، وتفاقم الخطب!
فيا سبحان الله! لمن تركت الساحة إذاً يا عبد الله؟ ألا ترى أنه صار فرض عين عليك وأنت تأنس في نفسك قدوة في مجال (( ما )) أن تبدأ الطريق، وتدع عنك التعليلات الواهية؟! أو لست تقرأ في صلاتك وتقول في دعواتك: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً }؟
فهل يجدر أن يدعو المرء بهذه الدعوة ثم يعمل على خلافها؟
لقد علمنا الرسول - صلى الله عليه وسلم- أن نبذل الأسباب التي نستطيعها في تحصيل ما نريد ثم ندعو الله ـ تعالى ـ ولذلك لما أراد الرسول - صلى الله عليه وسلم- فتح مكة وضع العساكر والحرس على أنقاب المدينة لئلا يتسرب الخبر إلى مكة وبذل جميع الأسباب المادية الممكنة ثم توجه إلى الله بالدعاء أن يعمي الأخبار عن قريش.
ومما يذكر عن عمر - رضي الله عنه- أنه رأى إبلاً جرباء فسألهم: ماذا تصنعون لعلاج هذه الإبل؟ قالوا: عندنا عجوز صالحة نذهب إليها فتدعو لها! فقال - رضي الله عنه-: اجعلوا مع دعاء العجوز شيئاً من القطران!!
إن ساحة العلم الشرعي والدعوة تشهد نقصاً شديداً ينذر بالخطر، ولا غرابة حينئذ في تصدر غير المؤهلين ممن لا يعنيهم كثيراً توفر الشروط!
وإنه لورع عجيب غريب .. أفليس من الورع أن يفعل الإنسان ما يشتبه بالواجب؟ أو ما يشتبه بالمستحب؟ فيقوم بالتعليم والدعوة والخطابة خشية أن يكون شيء من ذلك واجباً متعيناً عليه؟ أم أننا صرنا في عصر القعود، وأصبحنا نفسر( الورع) بالترك .. ترك ما يشتبه بالحرام أو يشتبه بالمكروه ؟؟
http://www.islamtoday.net المصدر :
===========
دعوة إلى تعليم سماحة الإسلام
د. محمد سليم العوَّا
يقول رسول الله: «بُعثت بحنيفية سمحة». والملة الحنيفية هي المستقيمة التي لا عوج فيها من توحيد الله تبارك و- تعالى -، ولا انحراف عن نهجه الذي رضيه لعباده، ولا ميل فيها إلى يمين، أو يسار تحقيقاً لمصالح ذوي المصالح، أو أهواء أهل الأهواء.
ولا شك في أن وصف الحنيفية بمعنى الاستقامة يصدق أكثر ما يصدق على ملة الإسلام، وشريعته التي صانها الله من التحريف، والتبديل الذي أصاب ملل مَنْ قبلنا من الأمم، وشرائع أنبيائهم، وكتب الله (تبارك اسمه) المنزلة عليهم.
والملة السمحة، هي الملة التي تضع اليسر بين الناس موضعه، ويسمح شرعها لأبنائها بالعيش متحابين متناصحين في غير تعقيد، ولا خوف، ولا رهبة تصيب الناصح المخلص، وفي غير كبر ولا استعلاء يصيب المنصوح الذي يطلب الحق وينزل عنده.
وليس أدل على هذا المعنى من معاني السماحة من خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما قبله من أصحابه في مختلف المواقف، مما يهاب أحدنا اليوم أن يفكر فيه، فضلاً عن أن يقوله.
ومما يجب أن تتوجه العناية إليه في تعليم أبنائنا، وبناتنا هذا المعنى الجليل الذي يتجلى بلا لبس ولا غموض في عشرات المواضع من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ذلك أن الأجيال الناشئة مبتلاة بمن يصور لها سلوك المسلم كما لو كان سلوك شخص يتجهم أكثر مما يبتسم، ويغضب أكثر مما يرضى، ويفرض رأيه على الآخرين أكثر مما يستمع إلى آرائهم.
وكثير من الشباب يقلد هؤلاء تقليداً غير بصير، فإذا أردت أن تبين له خطأ هذا المسلك، بالقياس على سيرة الرسول (صلوات الله وسلامه عليه) ردّ عليك بقوله: أين نحن من رسول الله؟ وهل زمننا كزمنه؟ وهل الناس الذين نعاملهم كأصحابه؟ وهذا الكلام يجعل صاحبه على خطر عظيم؛ لأن الأسوة الواجب على كل مسلم التأسي بها في خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحدها زمان، ولا يمنعها تغير أخلاق الناس، بل هي المعيار الذي يُقاس به الخطأ من الصواب، والمقبول من المردود، والعكس لا يصح.
وفي الصحيح من سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قبل من أصحابه مراجعتهم إياه في صغير الأمور وكبيرها، ونزل على الصواب من آرائهم.(15/196)
ففي غزوة بدر رأى الحباب بن المنذر (رضي الله عنه) أن الموضع الذي نزله جيش المسلمين غير ملائم، فناقش النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، واقترح موضعاً آخر، وقبل النبي (- عليه السلام -) اقتراحه، وانتقل الجيش إلى الموضع الثاني، وكان من قوله للنبي (- عليه الصلاة والسلام -) لما أخبره أن النزول لم يكن بوحي، وإنما كان برأيه: «فليس هذا برأي» أي أن الرأي الذي رآه النبي في تلك المسألة لم يكن هو الأصح أو الأولى.. وسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - منه، بل ونزل على مشورته.
وفي غزوة أحد نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأي شباب الصحابة، وخرج بالجيش من المدينة لملاقاة مشركي قريش.. وكان ما كان في الموقعة، فنزل القرآن يثبت منهج الشورى، وسماحة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله}.
وجاء النبيَّ (- عليه الصلاة والسلام -) رجلٌ يستأديه ديناً كان على النبي له، وأغلظ القول وأساءه حتى قال: «إنكم بني عبد المطلب قوم مطل» - أي تماطلون في أداء الحقوق التي عليكم إلى أصحابها - فلما همَّ بعض الصحابة بتأديبه، أبى ذلك رسول الله (- عليه الصلاة والسلام -) وقال للصحابي: «كان غير ذلك أولى بك: أن تأمرني بحق الأداء، وتأمره بحسن الطلب».
وشدَّد أعرابي في طلب بعير رداً لبعيره الذي كان أقرضه رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له النبي قولاً ليناً، وأمر بأن يعطى له بعير، فقيل له: يا رسول الله لا نجد إلا سنّاً أحسن من سنّه، فأمرهم بإعطائه إياه - برغم التفاوت في السن الذي يرتب تفاوتاً في القيمة - وقال لأصحابه: «إن خيركم أحسنكم أداءً».
وفي علاقة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأزواجه مواقف لا تُحصى تدل على قبوله - صلى الله عليه وسلم - اليسر والرفق في كل أمر، وإعراضه عن العسر والغلظة في كل أمر، بل لقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»، وقال: «إن الرفق لم يكن في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه».
وفي الصحيح من سيرته - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يمزح، ولا يقول إلا حقاً، وأنه كان يسمع الشعر، ويحب الحسن منه، وأنه كان يداعب الصغار، ويحملهم ويقبلهم، بل كان يحمل بعض أحفاده وهو في الصلاة، ونزل مرة من على المنبر ليحمل حسناً وحسيناً، إذ رآهما يدخلان المسجد ويعثران في ثوبيهما، وقال: «لم أملك إذ رأيتهما يعثران في ثوبيهما أن نزلت وحملتهما».
وحقيقٌ بنا أن نلفت نظر البنات والأبناء إلى هذه الجوانب المضيئة من سيرة نبينا، الدالة على سماحة ديننا، فنحبب الناشئة في التأسي بها، ونغرس في نفوسهم مصلاً واقياً من الغلو المذموم، وما يقود إليه وينتهي به من شرور لا تحد، ومصائب تجل عن العدّ.
http://www.bab.com المصدر:
============
المرأة الداعية .. والشهرة .. والمجد !
إكرام الزيد
هل تريدين أن تكوني داعية؟
أم تتمنين أن تكون لك بصمتك المتميزة في مسيرة الإصلاح؟!
إنّ أصل هذه المقالة هو عرض لمشكلة إحدى الأخوات، إذ أقرّت باهتمامها بأمر الدعوة ورجائها طرقه والدخول فيه، لكنها تواجه مشكلة في خشيتها من الظهور، وربما كانت محبة للمدح، وتتمنى المناسبات حتى تشارك فيها.. فتجنبت حتى لا تقع في الرياء!
قبل أن ندخل في العلاج علينا أن نحدد المشكلة بالضبط..
هل المشكلة هي في الظهور نفسه.. إذ ترين أنّه خطأ؟
أم أنّ الظهور هو وسيلتكِ لحصول المدح والشهرة.. إذ هما غايتاك؟
أمّ أنّ الظهور أصلاً قد صار بالنسبة لكِ غاية لا وسيلة؟.
أسئلة تبدو أمام ناظرنا كأطياف.. تلحّ طالبة الدواء الشافي.. فهيا لنركب جوار التعاون المنشآت، نمخر بها عباب الجواب..
أولاً.. تأكدي أنّه الظهور بحدِّ ذاته ليس مشكلة!
فالظهور غالباً ما يكون لوجود شيء متميز فيكِ، وهنا عليكِ أن تفرحي وتحمدي الله على ما أتاكِ من فضله، ثم عليكِ استشعار وطأة العبء الملقى على عاتقكِ، والتكليف الذي أنيط بك حينما وهبكِ الله نعمة سيسألكِ عنها، وهل استعملتِها في طاعته، وهل جنّدتِها في سبيل نصرة دينه؟
مثلاً في الأدب الإسلامي، نحن نحتاج إلى وجود أدب إسلامي يكتسح ساحة الأدب العامة بقوة ويثبت وجوده، ودعيني أحدثكِ من تجربة شخصية، ولا ينبئك مثل خبير..
فأنا هاوية صغيرة أكتبُ الشعر والمقالة والقصة، بخطوات ما زالت تتعثر، وقد عرفتُ بهذا عند الكثير من معارفي، لكنني أحتاج من يمسك بيدي، ويشد عليها، ويرشدني، ويقوم اعوجاجي، ويوجه أفكاري نحو أدبٍ سليم يسمو عن غثاء الأدب الذي صار " قلة أدب ".. أرأيتِ؟
أنا أحتاج أشياء كثيرة الآن، ولو أغلقتُ فمي، وتقوقعت على نفسي لما تعلمتُ شيئاً، لكنني لم أفعل، فبدأتُ أشق طريقي في الجامعة، وذهلتُ حينما وجدتُ فرصاً رائعة من أستاذاتي في جميع الكليات وليس فقط كليتي.. حتى سعيت إلى استغلال هذه الفرص.. وشاركت في المسابقات، ونشرتُ قليلاً، بمتابعة جميلة جداً منهن..
فهل سيأتي شخص الآن ليقول لي: يجب أن تتمني أن لا تفوزي في المسابقة وأن تتمني ألاّ تنشر مشاركتكِ وعليكِ الصمت والانغلاق على نفسكِ؟
هل يُقبل هذا المنطق؟
بالطبع لا.. وإلا كيف أتعلم؟
وإذا تعلمتُ.. فلمن نترك الساحة؟!(15/197)
وتأكدي أنّ الأمر ينطبق عليكِ تماماً، سواء كنتِ خطيبة مفوهة، أو منشدة عذبة الصوت، مؤثرة الأداء، أو شاعرة متألقة، أو منظمة محنكة، أو محاورة بارزة أو غير ذلك.. فهل من خطأ إذا طورتِ قدراتكِ.. وخضتِ لجج المناسبات لتكتسبي تجارباً قيمة تضيفينها إلى خبراتكِ في هذه الحياة القصيرة؟
هل هناك خطأ في هذا الظهور يا أختاه؟
ثانياً.. تأكدي.. تأكدي.. لا يمكن أن يكون الظهور بحدّ ذاته غاية!!
فلا يوجد إنسان يظهر حتى يظهر، بل لا بد من وجود دافع له، إمّا سبب صالح (دعوة، إرشاد، إدخال سرور، تعليم، تذكير، دعم الحق، تحقيق مصالح سامية للنفس أو للغير)، وإمّا غير ذلك (طلب المدح، الشهرة ونحوه).
إذًا.. حددي هدفكِ.. هل هو فعلاً (المدح) كما تقولين؟
إن كان كذلك.. فكلّ الناس يحبّ أن يُثنى عليه لا أن ُيذم، والناس شهداء الله في أرضه، ولعلكِ تعرفين حديث الجنازة التي مرت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، والأخرى التي أثنوا عليها شراً فقال: وجبت.. أما رأيته حين أجاب عمرَ -رضي الله عنه- حينما سأله: يا رسول الله، ما وجبت؟ فقال له: (هذا أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً وجبت له النار).. ثم قال: (أنتم شهداء الله في الأرض).
لكن..!!
أن يكون ذلك هماً وشغلاً شاغلاً وهدفاً يدفع الإنسان إلى أن يبحث عنه بحثاً، ويجري وراءه لهثاً، وتقصر من دون همته لأجل المدح همم الأشاوس!!
هنا يا عزيزتي.. سيحتاج الأمر إلى مراجعة مع نفسكِ..
وانظري.. هل تشعرين بنقص في جانب معين تريدين جبره بسماع المديح؟
لا.. لا يا صاحبتي.. فحري بمثلكِ ممن أوتيتَ شيئاً من تميز ساعد في إبرازها وإظهارها، أن تنسب الفضل لأهله: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، وأن تعلمي أنَّكِ بما أوتيتِ من لدن الرازق الوهاب أرفع من مجرد كلمتين يقولها الناس أمامكِ، فربما صدقوا وربما نافقوا، وربما أعطوكِ من طرف اللسان حلاوة، وهم بين جنبيهم قلوب تستعر حسداً يأكل حسناتهم، المسألة يا أختي أعظم من " ثرثرة " لا تضيف لكِ شيئاً سوى عجبٍ يكون بداية لتردّيكِ!!
ثم دعي قبس النبوة يفجر الأنوار تجلو ظلمات الدرب: (احثوا في وجع المداحين التراب)!
وهكذا.. فالتميز له ضريبة، والظهور له ضريبة، وكلّ شيء بثمنه، ولا تستطيع استشعار ذلك العبء بصدق إلا من حملتْ الهمّ وارتقتْ في درجات الإيمان ونبذت الرياء والعجب، واستغفرت من خفّي الذنب، ومستور الزلل، وسألت الله أن يرزقها هدى وتقى وإخلاصاً.. نسأل الله أن نكون ذلك.. وأن يغفر لنا..
ثالثاً.. نصيحة يا أختي وإني لناصحة أمينة!!
لا تتمني المناسبات..!
فالمناسبات موجودة دائماً.. ومهما كثر ظهوركِ فيها؛ فهو لن يكون شيئاً مهماً ما لم يكن لكِ أثر فاعل فيها، يشعّ بنور السلامة وصفاء العقيدة وصحة المنهج..
واعلمي أنّ الأمر يرجع إلى النية دائماً، وبما أنّ الأعمال بالنيات، فلا أحد من الناس له شأن بنيتك، المهم هو نوع العطاء الذي تقدمينه، بمعنى أوضح.. المفترض أن يكون في ظهوركِ إضافة حقيقية نافعة (لكِ، للناس).. واعلمي أنّ من صدق مع الله صدق الله معه، وأنّ أمراً ابتدأ بالإخلاص فإنّ منتهاه القبول، ووالله لتجدين في نفسكِ بعد حين انصرافاً عن الظهور؛ فلا تلبث الدنيا إلا أن تأتيك راغمة، ولا تدرين بنفسكِ إلا وأنتِ تساقين سوقاً إلى مواقف وأحداث يتوهج فيها نجمكِ دون أن تسعي نحوها أو تبحثي عنها أو حتى تفكري بها.. وإنّ في ذلك لعبرة لأولي الألباب!
14/4/1425
02/06/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
============
هكذا علمنا السلف ( 75 ) سلامة القلب من قوة الوعي والفطنة:
د. يحي بن إبراهيم اليحيى
قال عمر - رضي الله عنه -: «لست بخب، ولا يخدعني الخب».
قال ابن تيمية - رحمه الله -: «فالقلب السليم المحمود هو الذي يريد الخير لا الشر، وكمال ذلك بأن يعرف الخير والشر، فأما من لا يعرف الشر فذاك نقص فيه لا يمدح به.
وليس المراد أن كل من ذاق طعم الكفر والمعاصي يكون أعلم بذلك وأكره له ممن لم يذقه مطلقاً، فإن هذا ليس بمطرد، بل قد يكون الطبيب أعلم بالأمراض من المرضى، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أطباء الأديان فهم أعلم الناس بما يصلح القلوب ويفسدها، وإن كان أحدهم لم يذق من الشر ما ذاقه الناس»(1).
قال أحد السلف: «ثلاث من كن فيه كن عليه: البغي لقوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيِكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}، والمكر لقوله - تعالى -: {وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ}، والنكث لقوله - تعالى -: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}.
---------------------
(1) مجموع الفتاوى 10 / 302. .
http://www.taiba.org المصدر:
===========
ناقص ألف وأربعمائة
أ.مها الجريس
هكذا كتبت التاريخ اختصاراً في أحد الأيام.. وما إن كتبت الرقم الأخير.. حتى عادت بي الذاكرة إلى ذلك العام الهجري السعيد.. وسرح بي الخيال بعيداً، فإذا بي في أواخر عهد الفاروق - رضي الله عنه -.. بعد أن استقر أمر الدين.. وفتحت الفتوحات.. وانتشر العدل.. وأمن الناس في ظلّ خلافة راشدة، فتساءلت عن حقوق الإنسان؟
فانبرى ذلك القبطي المظلوم ليتحدث عنها.. والذي نَعِمَ بانتصار عمر الفاروق له من ابن أمير مصر حينذاك (عمرو بن العاص) حينما لطمه ظلماً..
وتساءلت عن حقوق الحيوان؟!
فأشارت إليها تلك الناقة الدَّبِرَة، والتي كان عمر ـ رضي الله عنه ـ يدخل يده في دبرها ليعالجها ويقول: "إني لأخشى الله أن يسألني عن هذه".(15/198)
حاولت أن أجول ببصري لأبحث عن البغلة التي قال عنها ـ رضي الله عنه ـ: "والله لو عثرت بغلة على شطّ الفرات لخشيت أن يسألني الله عنها لِمَ لَمْ تذلل لها الطريق" فلم أجدها قد عثرت.. بل كانت تنعم آمنة في مرعىً خصيب.
ولما ذهبت إلى العراق لأبصر حاله.. لم أجد جياعاً ولا أحزاناً.. بل رأيت المغيرة ابن شعبة ـ رضي الله عنه ـ يكسوها بعدله في الكوفة..
عُدتُ بطرفي إلى الأقصى فرأيته أشمخ ما يكون؛ فلم يمضِ على فتحه سوى سنوات يسيرة.. ولم يزل وشاح العزّ يلوح عليه من بعيد.. وأهله حوله في سرور.. أمَّا إن سألتم عن اليهود!! فلا أثر ولا عين!! فقد أجلاهم ـ رضي الله عنه ـ من جزيرة العرب، عملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب" فأجلاهم إلى الشام..
وأمَّا أهل النفاق والإلحاد.. ومثيري الشبهات.. فلم يطمعوا برفع رؤوسهم بعد أن أدَّبتهم درَّة عمر على ظهر "صبيغ بن عسل".. وكان لهم فيه عبرة فلم يتطاولوا على دين الله؛ فباب الفتنة لم يُكسر بعد..
حاولتُ أن أُنهي هذا الحلم الجميل، فعدتُ لأكتب ما حذفته من السنوات الأربعمائة بعد الألف.. فتزاحمت أمام ناظري صورٌ عديدة.. من تدنيس الأقصى ووحشية اليهود.. إلى جياع العراق.. وضحايا الاضطهاد في كشمير والشيشان والفلبين وأفغانستان، ولا سيف للإسلام ولا سرية.. كما تراقصت أمام عينيّ عشرات الكتب والروايات المسيئة للإسلام، وآلاف الصور الخليعة والغثاء الفكري الهابط من الفضاء..
وتذكرتُ ملايين المستضعفين المحرومين من أبسط حقوق الإنسان في الملاجئ والمخيمات..
أمَّا قاصمة الظهر، فهو انقلاب الحال حين رفع اليهود الأنجاس رايتهم فوق أرض النبوات.. وصارت لهم دولة.. وجيش وصولة..
وتساءلت أخيراً:
أما لهذا الليل من آخر؟
لم أستمر طويلاً في هذا التساؤل، فسمعت صوتاً من أعماقي يهزّني ويذكرني بوعد الله للصابرين بتمكين هذا الدين، قال - تعالى -: {وكان حقَّاً علينا نصر المؤمنين}.
ولكن التمكين لهذا الدين لا يتحقق بالمعجزات السحرية والأماني الباطلة والتباكي على ما مضى.. فما بقى الإسلام بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا بتوفيق الله أولاً، ثم بصحابةٍ كرام ورثوا هذا الدين عنه وفهموه ـ - رضي الله عنهم - ـ كما فهمه ــ - صلى الله عليه وسلم - ـ.. وتخلّقوا بأخلاقه وحفظوه في نفوسهم ومن حولهم..
فكُن ـ عزيزي القارئ ـ من هؤلاء.. وانهض من كبوتك.. ولملم جراحك وارفع عقيرتك بـ "لا إله إلا الله" وانشرها فيمن حولك.. بتُقىً وإخلاص، فإنَّ الزهرة الفوَّاحة قد لا يراها الناس.. لكنهم حتماً سيستنشقون عبيرها.
http://saaid.net المصدر:
============
دعوة وداعيات " قطر نموذج "
داليا الحديدي(15/199)
المرأة التي تهز المهد بيدها اليمنى.. تهز العالم بيدها الأخرى، وترسخ الدعوة الإسلامية بكل جوارحها.. هذا لا شك فيه، ولكن يشك المجتمع الإسلامي ويشتكي وربما يشكك في إمكانية أن يكون للمرأة دور دعوي رائد وفعال. ويبدو أن كثيرات من اللاتي يتشدقن بمناصرة قضايا المرأة وتحررها يريدون لها أن تقتحم كل مجال، وأن ترتقي أعلى المناصب، وأن تتبوأ ذروة القيادات في شتى الميادين إلا في ميدان واحد، هو مجال الدعوة النسائية للإسلام. فالشاهد أن هذا المجال يُعد ثاني أكبر قضية لاقت هجوماً إعلامياً من الصحافة ومن كافة القائمين في المجال الإعلامي بعد قضية الإرهاب. لذا نجد أن سياط الصحافة الصفراء -أو إن شئت قل السوداء- لا تتورع عن جلد وتشويه أي محاولة دعوية تقوم بها الأخوات الفاضلات سواء من هداهن الله بالالتزام بشريعة الله أو من يُقمن دروساً دينية في المساجد أو في المنازل أو غيرها.. فحرية التعبير مكفولة لكل حي في أي موضوع يهرطق كيفما يشاء، ولكن إذا قالت إحداهن: "ربي الله".. صارت مستشيخة، وحديثة عهد بالدين، وتتصدى للفتوى بدون علم، ثم تجد كبريات الصحف تتسابق للتشنيع عنهن. لذا فقليلة هي الأسماء المعروفة في الدعوة، وقليلات هن الداعيات اللاتي يستطعن الصمود أمام الهجمات الشرسة حتى قالت إحداهن: ألأني قلت الله أُهان؟! ألأني أعتنق القرآن أُهان؟! ولكن من الليل يشرق فجر جديد بنور ساطع يضيء سماء الإسلام. ولقد بانت بشائر هذا الفجر الجديد في الجزيرة العربية وتحديداً في قطر؛ فالجزيرة مهد الدين، ومنها انتشر، ومنها سيعود ويزدهر.. وأقول هذا بسبب حادثة بسيطة، فلقد لاحظت وأنا أذهب مع زوجي أسبوعياً لصلاة الجمعة بجامع أبي بكر الصديق بالدوحة ازدياد عدد الداخلين في دين الله بشكل لافت وكبير. والشاهد أن غالبيتهم من النساء، وتقصيت فعرفت أن ذلك بفضل الله هو ثمار جهد العاملات في الدعوة بمركز قطر للتعريف بالإسلام، والغريب أن كثيراً من العاملات في المركز من الأجانب، وفي الحقيقة أنه لا وجه للغرابة في ذلك؛ فالشواهد من القرآن والسنة تؤكد على أن فضل الدعوة يحفز العباد كل العباد على اختلاف ألوانهم وأوطانهم على الجهاد وحمل الدعوة؛ فالدعوة لا تقتصر على الأبيض دون الأسود، ولا على العرب دون العجم، ولا على الرجال دون النساء. ويقال ضمن ما يقال عن أسباب انهيار وتدهور أمة الإسلام في هذا العصر إنها بعُدت عن الله، فقيل لها: بعداً بعداً، سحقاً سحقاً.. ولكن تبقى بعض النفوس عامرة بالإيمان تعمل على جلاء القلوب الغافلة {كلا بل ران على قلوبهم}، فيعود معدن المسلم القوي، ويقول الشاعر الباكستاني "علموا الأسد جفلة الظبي" لذا فمهمة الدعاة رجالا ونساءً إعادة الروح الإيمانية، أو كما يقول مالك بن نبي - رحمه الله -: "العقيدة تتجرد من فاعليتها أحياناً؛ لأنها فقدت الإشعاع الاجتماعي؛ فأصبحت جاذبية فردية، وصار الإيمان إيمان فرد متحلل من صلاته بوسطه الاجتماعي، وعليه فليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، وإنما المهم أن نرد إلى هذه العقيدة فاعليتها وقوتها الإيجابية وتأثيرها الاجتماعي، وفي كلمة واحدة: إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم على وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده، ونملأ به نفسه؛ باعتباره مصدراً للطاقة".
وأعظم من يقوم بهذه المهمة هو "المرأة" نصف المجتمع الذي يلد ويربي النصف الآخر. فلابد من توظيف الصحوة النسائية بشكل أعمق وأوسع، حتى لا تصبح مجرد طاقة كامنة معرضة للاضمحلال أو الانحصار في زوايا معينة. فمهمة الدعوة ليست \"رجالية\" فحسب، ألم يحمل عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- كثير من العلم الشرعي، كما أن كثيراً من دواعي الإصلاح في المجتمعات تتحمله النساء، ولا يسد الرجال تلك المهمة. والعمل الدعوي النسائي ضحية إهمال الدعاة والمصلحين، وبالتالي فإن أي عمل في بداياته لا شك سيكون من أهم سلبياته نقص الداعيات المؤهلات، وعدم وجود القيادة الدعوية النسائية القادرة على تنظيم الجهود، ودراسة الأولويات، ومن السلبيات ضعف اهتمام الدعاة -حتى هذه اللحظة- بإيجاد معاهد تربوية تخرج للمجتمع المصلحات المؤهلات، كذلك من أبرز السلبيات في ندرة وجود مؤسسات دعوية نسائية متخصصة توفر كل ما تحتاجه المرأة من استشارة اجتماعية وفقهية، وللأسف قليلات هن المعروفات في مجال الدعوة، لكنهن يعملن كالجنود المجهولين. ولكن في قطر الوضع مختلف كما تقول "جنيفر دودير" (مسلمة أمريكية الأصل، وتعيش بقطر منذ عدة سنوات، وكانت قبل الإسلام ناشطة في كثير من المنظمات النسائية، ويبدو أن إدارة الدعوة آمنت بهذا المبدأ، وسعت لتحقيقه من خلال إنشائها فرعًا نسائيًّا لقسم الجاليات ورعاية المسلمين الجدد في 16-11-1996).(15/200)
إن نشاط الداعيات من خلال مركز قطر للتعريف بالإسلام متعدد؛ فهو يتمثل في إقامة فصول لتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها للجاليات الإسلامية، بالإضافة لدورات شرعية في العقيدة والفقه والحديث للجاليات باللغات الإنجليزية والأوردية والفليبينية والملبيارية، كما تقوم الداعيات (نحو 10) بعمل محاضرات لبعض المناسبات الدينية كرمضان والعيدين والحج. وهناك أيضا برنامج إفطار الصائم السنوي لعموم المسلمين والمسلمات الجدد. الخدمات الثقافية أحدث وسائل الدعوة أما عن وسائل الدعوة لغير المسلمين فتقول جنيفر: نحن نعمل على التعريف بالإسلام، وإبراز شموليته ومحاسنه لغير المسلمين، ودعوتهم إليه عن طريق تقديم الخدمات الثقافية للأجانب على شكل فصول دراسية للغة العربية باللهجات المحلية، وفصول أخرى تهتم بتقديم معلومات عن مظاهر البيئة القطرية وأهم سماتها؛ فلا يخفى على أحد أن المجتمع القطري مجتمع محافظ، وقد يقيم المواطن الأجنبي لفترات طويلة في قطر دون أن تتاح له فرصة التعرف بالمجتمع القطري وتراثه. وتضيف جنيفر أن هذه الفصول تتوجه لغير المسلمين أو للمسلمين الأجانب الذين يريدون أن يتعرفوا عن كثب على تراث قطر وعاداتها وتقاليدها؛ لذا تقوم المشرفة على الدورة بتقديم نماذج من التراث أو التقاليد القطرية، ومنها استخدام السواك ومميزاته مع ذكر فائدته للفم والأسنان، مع الإشارة لوجود حديث نبوي عن هذا الموضوع أو تعريفهم بكيفية حرق العود لتعطير ملابس السيدات كعادة القطريات، مع الإشارة إلى أن السيدة القطرية لا تستطيع أن تخرج إلى الشارع بالملابس المعطرة مع ذكر الحديث النبوي الخاص بذلك، وهكذا تفتح مجال الحوارات بشكل غير مباشر عن العادات القطرية المستمدة من القرآن والسنة، وتضيف جنيفر: نحن لا نستخدم وسائل الدعوة المباشرة؛ فقد ثبت فشلها؛ فهي منفرة وغير مجدية، ولا نقحم معلومات دينية بل نشير بلطف إلى الدين كأحد عناصر التراث القطري وننتظر الأسئلة، وعندها نجيب بإعطاء التفاصيل عن أصل الشريعة. وأشارت "بسمة" -داعية فرنسية الأصل- إلى أن هناك وسائل أخرى منها وضع الكتيبات والنشرات والأشرطة السمعية والمرئية بلغات متعددة في مكان ظاهر من المركز، ولكننا لا نوزعها لكي لا تشعر إحداهن بأي ضغط عليها، وتضيف بسمة: "أنا أفهم كيف يفكرن فقد كنت مثلهن، وكنت أيضا أكره وسائل الضغط، وأفهم الابتسامة الحقيقية من الزائفة؛ فليس المهم أن تلقى الآخرين بوجه مبتسم فحسب، ولكن لا بد أن تكون هذه الابتسامة صادقة ومن القلب؛ فالناحية الإنسانية هامة للغاية، وهم كغير مسلمين -وتحديدا المجتمعات الغربية- يعانون من مشاكل جسيمة من انحراف وتدهور بل سقوط مجتمعي، ويبحثون عن الحقيقة، ومهمتنا أن نحسن تقديم الإسلام"، وهنا قاطعتها جنيفر قائلة: أستشعر أننا في أكبر مؤسسة في العالم، بل أكبر وأهم من MICROSOFT العالمية؛ لذا فعلينا أن نكون متمكنين جدا من كل شيء، لذلك فالمركز حريص أن يوفر بيئة جذابة من ناحية المظهر؛ ولذلك نهتم بأن يكون المركز مكيفا ونظيفا، كما نهتم أيضا بديكورات المركز ليس بشكل مبالغ، ولكن بشكل معقول ولائق. من ناحية أخرى تقول جنيفر: من أهم الجوانب التي نهتم بها هو الجانب الشخصي الإنساني؛ فنتصل بالمترددات على المركز، ونقيم علاقة طيبة معهن؛ فالاتصالات والزيارات الإنسانية عامل هام يشعر الآخرين أن هناك من يهتم به دون سبب مادي. وعن أهم أساليب الحوار في الدعوة تقول إحدى الداعيات: "لا بد أن يكون الهدف من الحوار هو الوصول للحقيقة، دون المناقشة لفرض الرأي". لذا يجب أن تكون لدى الداعية المعلومات الكافية عن الموضوع الذي تتحدث فيه. كما أنه من غير اللائق رفع الصوت، والأفضل أن تكون المسافة بين الداعية ومن تتحدث معها قريبة لكي لا يكون الحوار شاقا، ومن الضروري معرفة مستوى التفكير بالنسبة للمحاوَر، ومراعاة انتقاء الكلمات المناسبة لقدراته الذهنية. أيضا يجب أن تراعي الوقت المناسب والمكان المناسب. كما أنه من الضروري استخدام الأسلوب العلمي للحوار كي لا يغلب على طرحك للموضوع الظن والشك. فمثلاً تقولين: \"أظن أن كذا... \" \"زعموا... \" فإن ذلك لا يعتبر دليلاً علميًّا صحيحاً لدى المحاور. وعلى الداعية أن تترك فرصة لمن تحاورها حتى تبدي رأيها. مع إعطاء درجة الانتباه الكاملة للحديث. كما أن الصبر على المحاورة المنفعلة عامل مهم يجب مراعاته. دورات شرعية وترفيهية أما بالنسبة للمسلمات الجدد فالداعيات بمركز قطر للتعريف بالإسلام يقمن لهن دورات شرعية مفصلة، بالإضافة للأنشطة الرياضية والترفيهية، كما يقوم المركز بدعوة كبار الدعاة من المسلمين الجدد، مثل: "يوسف إسلام"، و"بلال فيليب" الداعية الكندي، ومن جانبها أشارت "رائدة" إلى أن المركز قد زاره أكثر من 80 عالما وداعية، كما زاره 1600 شخص من الجاليات المختلفة، وقد دخل في الإسلام نحو 1500 شخص منذ تأسيس المركز، وقد تم توزيع نحو 6000 شريط بلغات مختلفة. بالإضافة لتوزيع ما يقرب من 59463 كتيبا، ونشرات بلغة مختلفة، وإقامة نحو 91950 درسا بلغات شتى منها (الإنجليزية والليبارية والأوردية).(15/201)
البرنامج الصباحي وتقول بسمة: نقيم برنامجا صباحيا لعموم المسلمات، وهو عبارة عن مجموعة من الدورات الدراسية على مدار العام لمدة يومين أسبوعيا على مدار 4 محاضرات يومية تستغرق كل محاضرة 50 دقيقة، تتناول المحاضرات مواضيع العقيدة والفقه واللغة ودرسا شرعيا عاما في السلوك وتربية الفرد المسلم والتجويد ودرسا إسلاميا عربيا، وترى جنيفر أن أهم شيء هو اختيار الداعية أو المدرسة للفصل لتقديم الدعوة بشكل غير مباشر؛ بحيث تستطيع توثيق العلاقة الشخصية التي يتم من خلالها تقديم الدعوة المباشرة التي قد تحدث أو لا تحدث. كما تهتم الداعيات في المركز بإقامة درس أسبوعي للأمهات المسلمات برفقة أطفالهن، يتم فيه عقد جلسة صحية لمدة نصف ساعة يتم فيها مناقشة بعض الأمور الصحية التي تهتم بها عامة النساء، يتناولن القهوة والشاي، ثم يُعقد بعدها الاجتماع الأسبوعي للأمهات من أجل التحضير للبرنامج الشهري للأطفال. ولأن هناك كثيرا من المسلمات الجدد من جاليات هندية أو فلبينية تعملن في مجال الخدمة؛ فقد تم تخصيص يوم الجمعة لبرنامج الخادمات، وهو عبارة عن محاضرات عامة ومحاضرات شرعية، بالإضافة للاهتمام الشخصي بهن؛ حيث يحتجن لبعض المساعدات المادية أو العينية. كما تهتم الداعيات بالمراهقات من الجالية العربية ممن فقدن الهوية الإسلامية لظروف الدراسة في المدارس الأجنبية؛ فقد لوحظ أن هذه الفئة لا يوجد ما يربطها بالإسلام سوى الاسم، فقرر المركز تخصيص يوم الأربعاء في الفترة المسائية في الشتاء لهذه الفئة لربطهن بجذورهن الإسلامية. طبق الخير والحقيقة أن نشاط الدعوة النسائية في قطر لا يقتصر فقط على هذا المركز.. بل يمتد للبيوت والجهود الفردية؛ فكثيراً ما تُعقد حلقات ذكر في منازل بعض الفاضلات، وهذه الدروس تعرف بـ"طبق خير"؛ حيث تجتمع العائلات والصديقات عند المضيفة لذكر الله، وسماع درس ديني؛ سواء لداعية إسلامية، أو لشريط، أو قراءة جزء من كتاب عن الشريعة والفقه، ثم تقوم المضيفة بعد ذلك بتقديم الشاي والحلوى، وغالبا ما تكون الدعوة في نطاق العائلة والأسرة. وأعتقد أن هذا قريب مما اصطلح على تسميته "الصالون الثقافي" في مصر. الشاهد أن المرأة القطرية لا تكتفي بإصلاح نفسها، بل تأخذ في طريقها اللائي ران ضباب الماديات على رؤيتهن فتُهْنَ في الطريق.. كما تحارب أعداء الفضيلة وتقاومهم. والدليل على ذلك هو ثمار الدعوة؛ حيث بات من الملاحَظ انتشار العودة إلى دين الله، ونشوء شابات حريصات على الدعوة، وهن في سن السادسة عشرة والثامنة عشرة، ومدارس تحفيظ القرآن المنتشرة؛ كإحدى نتائج المسيرة الدعوية، والاهتمام بالعلم الشرعي نشرًا وتعليمًا في أوساط البنات.
كذلك ما نراه في الكليات والمدارس من نشاطات المصليات واللجان الثقافية والاجتماعية وغيرها يدل على نهضة دعوية مثمرة لا تزال في بداياتها بحكم أن الدعوة في أوساط النساء كانت مهملة فترة طويلة. وبالنسبة لقطر فإننا نسمع عن نشاطات طيبة وعودة للدين وتمسّك بالحجاب رغم ما ينشره الإعلام عن نماذج منحرفة لا تمثل السواد الأعظم من بنات الخليج. إن ما ينشره الإعلام، ويحاول إبرازه وتقديمه على أنه نموذج للمرأة في الخليج يؤدي -بدون شك- إلى ازدياد هذه النماذج، ولكن الأمل في وعي الفتاة وإدراكها لمخططات المنافقين. وفي النهاية أشارت "جنيفر دودير" التي كانت ناشطة في حركات تحرير المرأة في الغرب إلى أن الرموز العلمانية من النساء الحاملات لراية تغريب المرأة قد تمرسن في كثير من اللقاءات الثقافية والمؤتمرات، ولهن خبرات متراكمة في العمل كما تتبناهن وسائل الإعلام. هذه الخبرات المتراكمة لا شك تؤدي إلى وضوح في التصورات -وليس وضوح التصورات يعني صحة التصورات-، وهذا الوضوح نتج عنه أنهن أكثر تنظيما؛ فعندهن دور نشر ومنظمات وجمعيات متنوعة؛ وهو ما أدى إلى تأثر طبقة من النساء بفكرهن الغربي والعلماني. وفي النهاية لا بد من السعي لتفعيل دور المرأة الدعوي ببذل مزيد من الجهد. ونأمل أن تكون النساء في مجتمعاتنا من الطائفة التي ينصر الله بها دينه؛ بتشجيعها وإعطائها الفرصة، وصقل تجربتها بالقراءة، وإقامة الملتقيات الثقافية المكثفة لنخبة مختارة من الفتيات القادرات على تحمّل الجهد الدعوي.
21/5/1424هـ
http://www.da3y.com المصدر:
==============
دعاة من الدرجة الثالثة
الشيخ علي بن حمزة العمري
الدعاة إلى الله هم صفوة الخلق، وسادة البشر، وخيرة الناس، يرشدون وينصحون، ويصلحون ويعمرون. يبذلون الغالي والرخيص، وينفقون زهرة حياتهم خدمة لأمتهم وأوطانهم، فيكفيهم شرفاً ثناء الحق جل جلاله عليهم: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
ومع ذلك فهم بشر كغيرهم، يصيبون ويخطئون، ويقومون ويسددون، ويعتريهم النقص والخلل، وتمر بهم لحظات ضعف وغفلة. وحتى لا ترسخ هذه العبارة الجميلة "داعية" في أذهان من يتعاملون معهم فيلحظون الخلل تلو الخلل، لذا كان لزاماً على أفراد الدعوة إلى الله أن يُذَكّر بعضهم الآخر، بالأمانة والمسئولية التي على عنق كل واحد منهم، وأن يحافظوا على هذا الاسم المؤثر"داعية"، وأن يصونوا أنفسهم، ويحترموا إنسانيتهم، ويتعاملوا بالحق مع الخلق.(15/202)
وحتى لا تتكرر الوقائع، وتتفاقم المأساة عند بعض الدعاة الذين هبطوا من الدرجة الأولى إلى الدرجة الثالثة أو الرابعة في سلم القبول والتأثير والقدوة بين الناس. ها نحن نذكر بهذه الصور والمشاهد التي تقلل من سمعة الداعية الشريف إلى مستوى هابط قد يشاركه فيه عوام الناس، أو أن يتدلى في بعض الأحيان قليلاً!!.
ومن صفات الداعية الذي هو في ركب الدرجة الثالثة:
1-عدم الوفاء بالعهد والوعد مع أهله خاصة والناس عامة.
2-لا يوقظه صباحاً إلا صياح الأطفال في طريقهم للمدارس أو أصوات السيارات في زحمة الشوارع، ولذا هو في زمرة الشيطان الذين بال في آذانهم.
3-إذا خلى بمحارم الله انتهكها. فالنظرة الأولى عنده تستمر دقيقة، ينظر للمجلة الفاتنة، والبرنامج المصور الفاسد، والمقابلة الهزيلة الرخيصة، ولربما لا يتمعر وجهه إن رأى هذا في بيته أحياناً.
4-يثني على أعماله وهي ركيكة، ويُفّخم من قدراته وهي ضعيفة.
5-يتلاسن مع هذا وذاك، في كل كتاب صدر، وكل برنامج ظهر، لا يذكر من الكتاب أو البرنامج إلا الشيء الأغبر!
6-يدعو للتعاون الدعوي وهو صاحب رأي متصلب، ويرنوا إلى المودة وفي مشاعره وقود على كل من خالفه أو ناقشه!
7-يطالب ولا يحب أن يُطالب، ويرفع صوته ولا يحب أن يُرفع عليه صوت، يقرر ولا يستشير، ويأمر ولا أمير!.
8-موقعه في آخر صفوف الصلاة، ومورده الصحف والمجلات والفضائيات. لم يسمع عن النووي إلا من درس العصر، ولا عن الأذكار إلا حصن المسلم المركون في دولاب المكتبة العريضة!.
9-نبرته "هناك خلل"، "هناك تغيّر"، "هناك قصور"، يكلّف الآخرين ولا يرضى بتكليف أي مسئولية عليه، يقول لنفسه: {إن عليك إلا البلاغ} ولا يقول لها: {إنما أنا بشر مثلكم}.
10-أفكاره متداخلة، وأعماله متضاربة، كل يوم هو في شأن. يوماً يمانياً وإن شئت معدياً فعدناني.
11-عمل اليوم يؤجل للغد، وعمل الغد إلا ما بعد الغد.
12-إما أن يعمل حتى يفتر، مشغول بالليل والنهار، في كل عمل صالح يراه، حتى ينسى نفسه وأهله وحقوق إخوانه!، وإما أن يفتر فلا تعرف له سبيلاً، ولا تجد له مدخلاً.
13-عقليته على حسب الجو العام، وموجات المد والجزر، إن قرأ كتاباً أدبياً لمست منه الحنان والعطف ولا تلبث أن تزول، فإذا قرأ في أصول الفقه رأيت عقلية المنطق والحوار والإقناع، وإن جال في الفكر رأيت أسلوب المتحدث لكوكب المريخ تقعيداً وتأصيلاً ومناقشة!.
14-أوراق في السيارة، وأخرى في المكتب، وثالثة في الجيب، ورابعة على الثلاجة!، وإن أردت شيئاً منها فاتصل على الرقم ليرد عليك: لا يمكن الحصول عليه الآن، فضلاً عاود الطلب في مرة أخرى وشكراً.
15-نقّال للفتاوى دون تمحيص، وكلما سُأل لماذا فعلت كذا أو قلت كذا، قال: سمعت، وقيل، وروي!!.
16-تصنيف الدعاة عنده كتصنيف "الحبحب من الخربز". من الشكل والتعليق والصحبة، فيأخذ ما كدر ويترك ما صفا.
17-يعقد الأمور السهلة، ويسهل الأمور الصعبة، ويتمنى كل شيء في لحظة.
18-يروي لك أخبار غريبة وعجيبة عن الدعاة كأنه حضرها لحظة بلحظة، وماله منها إلا خبر في إنترنت، أو استراق سمع في مجلس!.
19-يعرف عن شيخ الإسلام أنه فقيه ولم يقرأ له كتاباً واحداً، ويعلم عن الشيخ فلان أنه قال مسألة أخطأ فيها ورد عليه فلان،... وهكذا. معلومات لا تنفع ولا تضر، ولا يدر أصلاً عن حقيقة المسألة أين هي؟.
20-يُحَضّر الدرس في آخر ساعة، ويَحْضُر اللقاء في آخر القاعة.
21-شيخ في التنظير، فقير في التطبيق.
22-يظن أن الناس على غباء وبساطة، فيوسع لنفسه الفتاوى، ويحسب نفسه مجتهداً.
23-فيه بساطة تصل به إلى الاستغفال والخسارة من الآخرين.
24-طالب علم ولكنه لا يحضر الدروس، وشيخ ولكنه لا يعرف معنى "في عمدٍ مددة".
25-داعية سهر وسمر، ورفيق مخدة قبل السحر!.
26-يتبارى بعامي الألفاظ، وربما تسامح بشيء من رذائل العامة!.
27-آخر كتاب قرأه قبل ستة أشهر، وآخر ختمة تلاها في رمضان، وآخر جلسة إشراق لا يذكرها تماماً.
28-يحدثك بالأخبار كأنه محلل سياسي، وينقل لك الوقائع كأنه خبير عسكري، وهو لا يدري ما علاقة التين والزيتون بطور سنين!.
29يقول لك عملنا وقمنا، ودرسنا وخططنا، ووصلنا وخاطبنا، وهو لوحده الذي يعمل إن كان قد بدأ بالعمل!.
30-تسمع زهده فكأنه كبِشر، وعن ورعه كأنه ابن حنبل.
31-يكثر من التوريات، ويحسن سياسة اللف والدوران!.
32-أهداف الحياة عنده مطاطة، وقراراته مضطربة، وما يعاهد به نفسه ألا يعود عن الخطأ فيه، ألا وتجده قد نكص على عقبيه.
33-قليل الوفاء لمن رباه، شحيح الدعاء لمن كان على يديه بعد الله هداه.
34-يذكر عيوب الآخرين، وفيه عيوب لو فضحت لما جالسه أحد.
35-الدعوة الفردية عاطفية، والتربية الإسلامية مزاجية!.
36-لا يكتم سراً، ولا ينفع أن تشهده على بقلة!.
وبعد، فإني لا أبر نفسي مما قلت شيئاً، وإنما هو التذكير والتوجيه، حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها. ويصبح الدعاة الأعزاء من أصحاب الدرجات الهابطة. وأعوذ بالله أن تكون هذه الكلمات عنهم من باب الشماته، فوالله للداعية أشرف من قبيلة بأكملها، ولكنها صور حقيقية، ومواقف مرئية. تعرض على النفس مباشرة لتستخلص النقي، وتترك الفاسد. والله المستعان.
08/01/2004
http://www.ala7rar.net المصدر:
===========
أيها الشاب الفطن
أخي الحبيب...(15/203)
أرجو أن تقرأ هذه الرسالة بنفس الهدوء الذي كتبت لك به بعيدا عن الانفعال أو اتخاذ موقف سلبي قبل أن تستكمل قراءتها فالعاقل الفطن من يستمع ويقرأ للنهاية ثم هو وشأنه! قد يقوم البعض منا بأعمال يكون دافعه لها الشهوة المجردة دون التفكير المتعقل لعواقبها ومن ذلك ما يقوم به المعاكس للنساء لذا نقول له: دعنا نقف معك قليلا ونلقي الضوء على ما تقوم به:
1ـ إن الفتاة التي تعاكسها هي من أفراد مجتمعك ويعني ذلك أنك تساهم في إفساده إرضاء لشهوتك وكان من المفترض ـ وأنت ابن الإسلام ـ أن تسهم في إصلاحه. فهل ترضى لمجتمعك وفتياته الفساد؟!
2ـ إن الفتاة التي تعاكسها وتسعى إلى أن تفعل بها الفاحشة أو أنك قد فعلت: إنما هي في المستقبل إن لم تكن زوجة لك فهي زوجة لقريبك أو لأحد من المسلمين وكذلك الفتاة التي عاكسها غيرك وساهم في إفسادها قد يبتليك الله بها عقوبة لك في الدنيا قال - تعالى -: (الخبيثات للخبيثين) [النور: 26].
3ـ إن فساد النساء يعني فساد المجتمع وقد يبدأ من شخصك أو مما تساهم في تنشيطه وينتهي في المستقبل مع قريباتك ومن أفسدتها اليوم أنت أو غيرك قد تكون صديقة لزوجتك أو أختك أو قريبتك ويقمن بإفسادها ودلالتها على طريق الغواية.. فهن جزء لا يتجزأ من مجتمعك وقد حذر نبيك من مغبة الأمر فقال - صلى الله عليه وسلم -: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) [رواه مسلم].
4ـ إن كانت الفتاة ترضى أن ترتبط معك في علاقة محرمة فما ذنب أهلها بتدنيسك لعرضهم؟
ثم هل طواعيتها لك عذر مقبول لاعتدائك؟! بمعنى آخر لو أن أحدا من الناس بنى علاقة غير مشروعة مع أحد قريباتك ثم اكتشفت ذلك فهل يكفيك عذرا أن يقول لك من هتك عرضك: هي التي دعتني لذلك لتغفر له خطيئته؟ وأسوق لك حديث الشاب الذي جاء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال له: ائذن لي في الزنا فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أتحبه لأمك لابنتك لزوجتك لعمتك لخالتك) وكان يقول: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك فقال - صلى الله عليه وسلم -: (ولا الناس يحبونه لبناتهم وأخواتهم وعماتهم وخالاتهم أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -) [رواه أحمد عن أبي أمامة].
5ـ لو خيرت بين الموت أو أن يهتك عرضك ماذا تختار؟ إذا كيف ترضى لنفسك الوقوع في محارم الناس؟! قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (من قتل دون أهله فهو شهيد) [رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو صحيح].
6ـ ما هو الشعور الذي ينتابك وأنت تعيش في مجتمع خنته وهتكت محارمه وأفسدت نسائه؟
7 ـ هل يكفيك من الفاحشة أن تقوم بها مرة ـ مرتين ـ ثلاث أم أن الشيطان يريد لك الهلاك؟
فالأمر لا يتوقف وهو مسلسل سقوط خطير في دنياك وآخرتك قال - تعالى -: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) [فاطر: 6].
8ـ سمعت عن القول المأثور (الجزاء من جنس العمل) فهل أنت مستعد أن تبتلى في عرضك الآن أو حتى بعد حين مقابل التنفيس عن شهواتك؟
قد تقول: أتوب قبل أن أتزوج أو أرزق بنتا! فأسألك: هل تضمن أن الله يقبل توبتك ولا يبتليك؟!
قال - تعالى -: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) [الشورى: 40].
واعلم أن الذئاب كثير ولك أم وأخت وزوجة وبنت وابنة عم وابنة خال.. فاحذر وانتبه!
قال الشافعي - رحمه الله -:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم *** وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنى دين فإن أقرضته *** كان الوفاء بأهل بيتك فاعلم
9ـ إذا صنف الناس إلى صنفين: مصلحين ومفسدين فأين تصنف نفسك؟ وقد نهى الله - عز وجل - عن الفساد قال - تعالى -: (ولا تفسدوا الأرض بعد إصلاحها..) [الأعراف: 56].
10ـ ما هو شعورك وأنت تفعل الفاحشة بزانية يدخل عليك والداك وإخوانك وكل صديق يثق بك ويحبك وكل عدو يود أن يشمت بك ثم الناس كلهم ويرونك على هذه الحال بل ما هو موقفك وأنت بعيد عن أعينهم في مأمن لكن عين الله تراك؟ وهل تذكرت وقوفك بين يدي الله في أرض المحشر عندما (ينصب لكل غادر لواء فيقال: هذه غدرة فلان) كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري.
11ـ إن كنت ذكيا وحاذقا واستطعت بذكائك التلاعب بأعراض المسلمين دون أن يكتشف أمرك فما هو موقفك من قول الله - تعالى -: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) [إبراهيم: 42].
12ـ هل تظن أن ستر الله عليك في هذا العمل كرامة؟ لا بل قد يكون استدراجا لك لتموت على هذا العمل وتلاقي الله به (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) [رواه البخاري ومسلم]، (ومن مات على شيء بعثه الله عليه) [السلسلة الصحيحة 1/ 282].
13ـ ثم لنفترض أن الله ستر عليك، أفلا تستحي منه وتتوب، وإلى متى وأنت تفعل الذنوب؟!
14ـ نهاية طريق حياتك الموت (ثم توفى كل نفس ما كسبت) [البقرة: 281]، فهل تستطيع أن تشذ عن الخلق وتغير هذا الطريق؟! إذا لماذا لا تستعد للموت وما بعده والقبر وظلمته والصراط وزلته!؟!
واعلم أنك تموت وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك.
15ـ روى البخاري في صحيحه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي انطلق ـ وذكر الحديث حتى قال: فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط وأصوات فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا) فلما سأل عنهم الملائكة قالوا: (وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني).
فهل تود أيها الشاب أن تكون منهم؟!(15/204)
16ـ قد تقول لا أستطيع الزواج لغلاء المهور فهل الحل الوقوع في الحرام؟! ثم إن سلوكك طريق الحرام تواجهك فيه مصاعب وتسعى جادا لتذليلها بجهدك ومالك وفكرك وأنت مأزور غير مأجور فلماذا لا تكون لك هذه الهمة في طريق الحلال فتواجه الصعوبات، وأنت مأجور لك الأجر وحسن المثوبة والذكر الحسن؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاث حق على الله عونهم ـ ذكر منهم ـ الناكح يريد العفاف) [أخرجه الترمذي والنسائي وحسنه الألباني].
فماذا تختار؟
إن ممارسة الشيء والاستمرار عليه مدعاة لحبه والدعوة إليه فيخشى على من داوم فعل هذه الفاحشة أن يستسيغها حتى في أهله بعد حين فيصبح ديوثا والعياذ بالله من ذلك.
أخي المسلم... قد تكون المرأة التي بدأت معها علاقة غير مشروعة عن طريق الهاتف متزوجة وفي لحظة ضعف أو غياب وعي استرسلت معك في الحديث ثم قمت بالتسجيل كالعادة ثم بدأت بتهديدها.. الخ
هل تعلم أنك بهذا العمل قد ارتكبت جريمة شنعاء؟!! ليس في حق المرأة فقط بل وفي حق زوجها الذي أفسدت عليه زوجته والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ليس منا من خبب ـ أفسد ـ امرأة على زوجها) [رواه أبو داود]، ثم في حق أطفالها إن كان لديها أطفال فما ذنبهم أن يدنس عرضهم ويفرق بين أبويهم وقد يكون ذلك أيضا سببافي ضياعهم وانحرافهم. والمسؤول عن ذلك كله هو أنت فما هو عذرك أمام الله؟
وختاما...
نتمنى أن لا تكون ممن قال الله فيهم: (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) [البقرة: 206] ولكن عد إلى الله واعلم أن التوبة تَجُب ما قبلها واسع إلى التوبة النصوح قبل أن توسد في قبرك وتحصى عليك أعمالك.
قال - تعالى -: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم) [المائدة: 39]
وقال - تعالى -: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى الله وأسلموا له.. ) [الزمر: 53، 54]
أخي الشاب..
اغتنم شبابك قبل هرمك وحياتك قبل موتك واجعل هذا الذكاء وهذه الفطنة لنفع الإسلام والمسلمين ورفع شأن راية الدين. جعلك الله هاديا مهديا إماما في الخير والهدى ورزقنا جميعا العفاف والتقى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http://www.saaid.net المصدر:
============
الدعوة إلى الله في نظر الإسلام
الشيخ محمد الخضر حسين
للدعوة الأثر الكبير في فلاح الأمم، وتسابقها في مضمار الحياة الزاهرة، وهذا ما يجعلها بالمكانة السامية في نظر الشارع الحكيم، وقد ألقى عليها الإسلام عناية شديدة فعهد إلى الأمة بأن تقوم طائفة منها على الدعوة إلى الخير، وإسداء النصيحة للأفراد والجماعات؛ قال - تعالى -: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (سورة آل عمران: 104).
فالآية ناطقة بأن الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فريضة ملقاة على رقاب الأمة، (انظر كتابي الدعوة إلى الله: بين التجمع الحزبي والتعاون الشرعي ص114 117 ففيه بيان الوجه الصحيح في الاستدلال بهذه الآية الكريمة) لا تخلص من عهدتها حتى تؤديها طائفة على هذا النحو الذي هو أبلغ أثراً في استجابة الدعوة، وامتثال الأوامر واجتناب النواهي.
والدعوة إلى الخير كسائر فروض الكفاية يوجه خطابها إلى الأمة بقصد إفهامهم وإعلامهم.
ومناط التكليف والالتزام؛ إنما هو طائفة يتفق أهل الحل والعقد على تعيينها، أو تتقدم إليه من تلقاء نفسها.
وإذا قلنا: إن الخطاب بفرض الكفاية والإعلام به يتوجهان إلى الأمة؛ فإنما نريد من الأمة: القادرين على القيام به خاصة، وهؤلاء هم الذين تحق عليهم كلمة العذاب حيث لا تنهض به طائفة منهم، فلا جناح على من لا يستطيع الدعاء إلى خير أو الدفاع عن حق، إذا سكت المستطيعون إليه سبيلاً.
ولو ضل قوم عن سبيل الخير، أو جهلوا معروفاً، أو ركبوا منكراً، وقامت طائفة تدعوهم أو تأمرهم أو تنهاهم بأسلوب ليس من شأنه التأثير في أمثالهم لبقيت هذه الفريضة ملزمة في أعناق الذين يستطيعون أن ينفذوا بألمعيتهم إلى نفوس الطوائف، ويصوغوا إرشادهم وموعظتهم على الطراز الذي تألفه نفوس الطائفة التي يحاورونها.
وليست القدرة على الدعوة: في قوتي الحجة والبيان وحدهما، بل تأخذ معهما كل ما يتوقف عليه إقامة الدعوة [مما هو شرعي في أصله، غير مخالف في تطبيقه]؛ كوسائل نشرها في بيئة نفقت فيها سوق الفسوق، أو خفقت فيها ريح الإلحاد؛ فهذه الفئة الموعز إليها بالدعاية إلى غير هدى وغير أدب؛ قد ملكت لنشر باطلها وسائل أهمها الإنفاق.
وإذا وجب على الأمة أن تميط هذه الدعاية عن طريقها، فخطاب هذا الواجب يتوجه إلى الكُتاب والخطباء، ثم إلى كل من له شيء من القدرة على البذل في سبيل الدعوة، كفتح نواد لإلقاء المحاضرات، وإنشاء صُحف، أو مساعدة صحف تُظاهر الدعوة بإخلاص.
رفع كتاب الله منزلة القائمين على خطة الإرشاد؛ ومن آياته المحكمات قوله - تعالى -: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"، فالآية تومئ إلى أن المخاطبين بها يُفَضّلون على سائر الأمم، وإنما نالوا هذه الأفضلية بمزية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان بالله.(15/205)
ومن يطلق النظر فيما يتجشمه الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر من أخطار، وما يلاقونه من أذى، ثم لا يلوون أعنتهم إلى راحة، ولا يحملون أنفسهم على مصانعة أو إغضاءٍ يعرف أن هنالك بصائر ساطعة، وعزائم متوقدة، وهمماً ينحط أمامها كل عظيم؛ أفلا يكون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر خير أمة أخرجت للناس؟!
نوه التنزيل بشأن المصلحين، ثم أنحى باللعنة على من يؤتون الحكمة ولا يبسطون ألسنتهم ببيانها، فقال - تعالى -: "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون" (سورة البقرة: 159).
فالآية نزلت في وصف حال فريق من غير المسلمين (رواه الطبري 2370من طريق ابن إسحاق في السيرة 2/200- ابن هشام بسنده عن ابن عباس. وفي سنده محمد بن أبي محمد وهو مجهول. وانظر الدر المنثور 1/161)؛ ولكن حكمها وهو استحقاق اللعن لا يقف عند حدهم بل يجري على كل من درس آيات الله، أو قبض قبضة من أثر هدايته، ثم امسك عن بيانها؛ والناس في جهالة أو حيرة يتخبطون [قال الإمام ابن كثير في تفسيره 1/366:
"هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدلالات البينة على المقاصد الصحيحة، والهدى النافع للقلوب من بعد ما بينه الله - تعالى - لعباده في كتبه التي أنزلها على رسله".
وكذلك يقول علماء الأصول وهو ما يعبرون عنه بقولهم: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب".
قال السيوطي في "الإتقان في علوم القرآن ص137-تهذيبه": "اختلف أهل الأصول هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟ والأصح عندنا الأول؛ وقد نزلت آيات في أسباب واتفقوا على تعديتها إلى غير أسبابها. "
وانظر "مجموع الفتاوى" 3/338، و" مقدمة في أصول لتفسير" ص44، كلاهما لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -. " إن مقتبس الأحكام من الآيات لا يقتصر على سبب نزولها بل يمشي في تقرير معناها على قدر ما يسعه عموم لفظها.
الحقائق التي لا يسوغ كتمانها؛ هي ما ينبني على العلم بها أثر في صحة اعتقاد، أو أدب نفسٍ، أو استقامة عمل، فإن كانت من قبيل ما هو من مُلَح العلم فلا حرج عليه في احتكارها والسكوت عن بيانها (هذا ضابط مهم في معرفة ما يجوز كتمانه من العلم وما لا يجوز)
حكى الشيخ ابن عرفة (التونسي المالكي عالم المغرب كما قال السخاوي في "الضوء اللامع" 9/240) في درس تفسيره أنه دخل على شيخه ابن الحباب (اسمه محمد بن يحيى بن عمر قرأ عليه النحو والمنطق والجدل والحساب. انظر فهرست الرصاع ص78 وحاشيته) وجعل ينظر في كتبه، فمنعه من استيفاء النظر فيها، وقال له: للشيخ أن يمتاز عن طلبته بزيادات لا يخبرهم بها!
وعمد بعض الناس على عهد الصديق - رضي الله عنه - إلى قوله - تعالى -: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" (سورة المائدة: 105) فتأوله على غير صواب!! فقام الصديق خطيباً وقال: إنكم تقرؤون هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم" وتضعونها في غير موضعها!! وإنني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر ولم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب" (رواه أحمد وابن ماجة وأبو داود والترمذي والحميدي وابن أبي شيبة والبزار بسند صحيح).
ولم ينقطع أثر ذلك التأويل الخاطئ فظل في أوهام بعض العامة إلى هذا العهد، حتى إذا أمرت أحد هؤلاء بمعروف أو نهيته عن منكر ألقى عليك الآية، كالمستشهد بها على أنك تخطيت حدك!! ورميت بكلامك في فضول!!
ومنهم من يتلوها على قصد الاعتذار وتبرئة جانبه من اللائمة، متى شهد منكراً ولم يغيره بيده أو بلسانه أو قلبه، الذي من أمارات تغييره البعد عن الواقعة المنكرة.
ومعنى الآية التي تطابق به غيرها من الآيات الآمرة بالدعوة: أنكم إذا استقمتم كما أمرتم، وقضيتم الواجبات التي من جملتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فلا يضركم من اشتد به هواه، وتطوح به في وادٍ من الغواية (انظر المحرر الوجيز لابن عطية 5/214، وروح المعاني للألوسي 7/45)
ولا تقدر الدعوة الواجبة بعدد أو تضبط بقدر من الزمن إذا قضاه الداعي برئ من عهدته [والدليل عليه طول مكث نبي الله نوح - عليه الصلاة والسلام - في قومه كما قال - تعالى -: "فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً" (العنكبوت، 14)، وإنما يرجع في إبلاغها واستئنافها مرة أخرى بعد اجتهاد الداعي، ورجائه تأثيرها، وأخذها في نفوس المدعوين مأخذ القبول.
وإذا دعا "أي الداعي" طائفة إلى إصلاح شأن من شئونهم فعتوا عن أمره واستكبروا عن إجابته حتى أيس من إقبالهم على نصيحته، واستيقن عدم الفائدة من تذكيرهم، خلصت ذمته ولا جناح عليه أن يقف عند هذه الغاية.
وحمل بعض المفسرين (قال الإمام أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط 8/459: والظاهر أن الأمر بالتذكير مشروط بنفع الذكرى… وتتمة كلامه فيه فوائد أخرى فراجعه) مفهوم الشرط في قوله - تعالى -: "فذكر إن نفعت الذكرى" (سورة الأعلى، 9) على مثل هذا الحال.
وبيان هذا التأويل: أنك إذا قمت بذكرى القوم على الوجه الأكمل ولم ينتفعوا بالذكرى وتمادوا على غوايتهم، فقد قضيت حق الدعوة، ولا عليك في أن تصرف عنهم نظرك وتدعهم إلى أيام الله.
ولا يقطع الداعي بعدم نفع الذكرى وضياعها كصيحة في فلاة! إلا إذا وجه بخطابها إلى قوم معينين مرة بعد أخرى، حتى عجم عيدانهم (أي: اختبرهم) فظهرت له دواخلهم، وكان على ثقة مما انطوت عليه نفوسهم من التقليد في الباطل، وإنكار الحقيقة في أي صورة ظهرت.(15/206)
أما من دأبه النصيحة العامة- كخطباء المنابر وأرباب الصحف (وجل أرباب الصحف- اليوم- من دعاة الفساد، وحملة رايته) فلا يحق لهم أن يهجروا الإرشاد وإن شهدوا قلة تأثيره في قوم بأعيانهم فما يدريك أن تُصادف نفوساً مستعدة لخير، فتقودها إلى سواء السبيل؟! قال - تعالى -: "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" (سورة الذاريات، 55).
وما سطع الإيمان في نفس، إلا كانت كالبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، فابذر فيها من الحكمة والموعظة ما شئت أن تبذر، فلا تريك إلا نيات صالحة وأعمالاً راضية.
وكثيراً ما يستخف الناس بالأمر تُلقى له الخطبة أو تؤلف له المقالة، فإذا تتابع الترغيب فيه، أو التحذير منه- ولو من المرشد الواعي- أخذوا يعنون بشأنه، ويتداعون إلى العمل به أو الإقلاع عنه (قال العلامة محمد أبو الخير عابدين في كتابه " التقرير في التكرير ص79: "اعلم أن المفيد من التكرير يأتي في الكلام تأكيداً له، وتشييداً من أمره؛ وإنما يفعل ذلك للدلالة على العناية بالشيء الذي كررت فيه كلامك إما مبالغة في مدحه أو في ذمه، أو في غير ذلك.
http://www.bab.com المصدر:
============
أين نحن من أصحاب الهمم العالية ؟
رائد صالح النعيم
أكتب لكم عن شاب طموح.. شاب بلغت همته العنان.. طالبة تلك الجِنان.. شاب يريد عفو الرحيم المنان.. أكتب لكم عن ذلكم الشاب الذي أحببته في الله.. شاب طالما حدثني عنه أخي الحبيب عمه المهندس مبارك بن فهد آل سدحان.. شاب يطمح أن يكون من الداخلين من باب الريّان فهو ممن يكثر من صيام النوافل.. و يتمنى أن يستظل بعرش الرحمن فقد أكرمه الله بأن نشأ في طاعته.. إنه فهد بن محمد آل سدحان من ذوي الاحتياجات الخاصة.. عمره لا يتجاوز الثانية والعشرين سنة.. يخجلك من بسمته البرّاقة فهي لا تفارقه بل وأصبحت جزءاً من حياته.. قد ابتلاه الله بإعاقة تامة في جسمه منذ ولادته.. ولكن الله أبدله خيراً من ذلك كله.. أبدله بعقل لو وُزِن بآلاف من العقول لرجح عليها؛ وما ذاك إلا وقد أهداه الله ما يتمناه كل مسلم على هذه البسيطة.. أعطاه نعمةٌ حرمها الكثير منا.. نعمةٌ تحدّث عنها الصادق المصدوق في حديث نحفظه جميعاً حيث يقول فيه المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيءهِ وَسَلَّم: " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثنَتَينِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ القُرآنَ فَهُوَ يَتلُوهُ آنَاءَ اللَّيلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنفِقُهُ آنَاءَ اللَّيلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ". فهو ممن يحفظ كتاب الله بإتقان بل وحفظه في أقل من سنة وممن يداوم على مراجعته على الأقل خمسة أجزاء في اليوم والليلة؛ كلّما سمع تلاوة إمام المسجد القريب من بيته أخذ يتابع معه، وكذلك من خلال أشرطة التسجيل وخاصة لأئمة الحرم المكي الشيخين عبد الرحمن السديس وسعود الشريم - حفظهما الله -، فهنيئا له هذا السمو والعلو الذي حُرمه الكثير من الناس، وهنيئا لوالديه اللذَين بشرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول عن الحافظ ووالديه أنهُ: " يُوضَعُ عَلَى رَأءسِهِ تَاجُ الوَقَارِ وَيُكسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَينِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهلُ الدُّنيَا فَيَقُولَانِ بِمَ كُسِينَا هَذِهِ فَيُقَالُ بِأَخذِ وَلَدِكُمَا القُرآنَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقرَأء وَاصعَدء فِي دَرَجَةِ الجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقرَأُ هَذًّا كَانَ أَو تَرتِيلًا".
التقيت معه أكثر من مرة؛ فلا أملُّ من مجالسته.. وما أخرج إلا وقد أعطاني جُرعة في حفظ كتاب الله ومراجعته والعمل به.. ويعطيني درساً في الاستفادة من النعمة التي أسداها لنا الخالق - سبحانه -.. (أقصد نعمة العافية في البدن)..
أخي القارئ الكريم تقول الحكمة الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا ينظر إليه إلاّ المرضى.. فلماذا لا نحمد الله على هذه الصحة والعافية التي بين جوانحنا؟؟ ألا يستحق ذلك منا الشكر لمن أسداها إلينا!!؟؟
يقول نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: "مَنء أَصبَحَ مِنكُم آمِنًا فِي سِربِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَت لَهُ الدُّنيَا".
أخي الحبيب يا من تقرأ كلامي هذا.. هل تفكرت قليلاً في ترغيب النبي - صلى الله عليه وسلم - في زيارة المرضى.. بل ومن يعود مريضاً فكأنه جالسٌ في الجنة يخرِف(أي يقطف) من ثمارها.. لماذا رغبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك؟؟
أقول والله أعلم حتى يتنَّسىَ لنا معرفة نعمة الله علينا من الصحة والعافية التي لا يرضى أي واحد منا أن يتنازل عن أي شيء منها؛ بحيث لو زار الواحد منا مريضاً انكسرت شوكته تجاه هذه الحياة الدنيوية الزائفة التي يطمع أن يصل إلى آخرها وهو ما يدري أنه مهدد بأحد أمرين؛ إما أن يعترض له عارض في مشوار الحياة وإما أن يشرب من كأس الموت الذي ينتظره بل ويكرهه كثير من الناس فهو لابد له أن يتجرع من أحدهما.. فنسأل الله أن يطيل في أعمارنا على حسن عمل وأن يلطف بأحوال المسلمين وأن يردهم إليه رداً جميلاً وأن يعافي بلطفه مرضانا ومرضى المسلمين وأن ينفع بالأخ الحبيب أبي محمد فهد بن محمد آل سدحان وأن يكلأهُ برعايته وأن يثبّته على الخير وأن يحقق له أمانيه وأن يعظم له أجره.. وأسأله - سبحانه - أن يجمعنا وإيّاه في مقعد صدق عند مليك مقتدر.. وجزاه الله خير الجزاء على تسببه في كتابة هذه الكلمات وأن لا يحرمنا أجره.
http://saaid.net المصدر:
===========
أيتها القافلة ..
د. فيصل بن سعود الحليبي(15/207)
أيتها القافلة.. مع هدأة التاريخ.. ومن بين ضواحي جذوره العتيقة انطلقتْ مواكبكِ المباركة، تحفك رعاية الرحمن - سبحانه - ويقود ركابكِ أفضل المخلوقين، بأهداف واحدة، وغايات نبيلة،
((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)).
هكذا انطلقتِ.. مشحونة بالعزم، مملوءة بالتفاؤل، قد حملتِ على رواحلكِ كل ألوان الصبر الجميل، وتزودت بالتقوى، موقنة بالوصول وإن طال الطريق.
ولم تكن مسيرتك هادئة الليل أو مسرورة النهار، بل كانت مشوبة بالحذر، تتخطفها رياح الباطل، وتحوم حولها ذئاب الحقد، ويقطّع سكونها نباح الجهل ونقيق الضحالة، هكذا سرتِ غير آبهةٍ بهذا أو ذاك.. لا تقفين.. ولا تتحولين.. ولا حتى تستريحين.. فيا لك من قافلة!!
عجيبة أنت أيتها القافلة.. وأعجب شيء يستوقفني فيكِ هذا الإصرار الغريب، فمع كل السدود.. أنت سائرة، ومع كل القيود.. أنت ماضية، تسيرين سرًّا.. وتمضين جهرًا.. هكذا خفاقة الراية.. عالية لا تعرف النزول أو الوقوع ولو صُوبت نحوها السهام المسمومة، أو قصدتها الرماح البغيضة.
أي روحٍ لكِ تتأبى على الإزهاق.. وأيُّ عزم لكِ لا يعرف الخمول.. ألم يقتل ربانكِ من أنبياء ورسل وخلفاء وقادة وعظماء؟! لكنكِ ما زلت تسيرين.. !! أو لم يستحرِ الذبح في أبنائك عبر التاريخ فلاقوا من العذاب ما تئن له الأرض وتبكي له السماء؟! لكنكِ ما زلت تسيرين..!! أو لم تقطع أوصال أتباعك أممًا وشعوبًا.. تتباين لغاتهم.. وتتباعد أوطانهم.. لكنكِ ما زلت تسيرين.. !! أو يمكن أن يكون هذا القرآن الذي يتلوه أصحابكِ هو روحك التي لا يمكن أن تزول..؟! هنيئًا لك ِ هذه الروح.. لكن احذري فالأعداء له بالمرصاد، (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)، وامضي به راشدة قوية فـ ((اللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)).
غير أني أيتها -القافلة الكريمة- ألمح في عينيك لمعانًا مثيرًا.. لا أدري.. أهي إهلالة دموع.. أم بريق أمل..؟!
أما الدموع.. فلا ألومكِ عليها.. وقد رأيتِ أحبابك تغص بهم سجون الظلمة، وتتناثر جثثهم هنا وهناك، ويسبي ظعائنك أرذل الخلق وأحقرهم عند الله، ويعتدي على ديارك ومقدساتك قطّاع الطريق فلا تتحرّك لنصرتك الجيوش، ولا تنهض من أجلك الدول.
وأما الأمل؛ فهو الذي آمل أن يكون بريقه في عينيك.. ولم لا وهذه طلائع التضحية بالنفوس تقدم نفسها رخيصة من أجلك.. تتلذذ بالموت في سبيل وصولك سالمة قوية آمنة، وهذه الأصوات الشجية ترتل القرآن في كل صقعٍ وبلد، قد أحبته من صميم فؤادها، وأقسمت على السير تحت ظلاله الوارفة، ولم لا تأملين.. وهذه جهات الخير والبذل تتنافس في مدك بالعون والمساعدة، لا تألو جهدًا في عطائها، ولا تقصر في سخائها، والناس من حولها تفرح بالنفرة في سبيل الخير؟!.. فلتبرق عيناك بالأمل.. فإن الطموحات الكبار ما زالت تشق طريقها نحو هدفك المنشود، تنظر لك الطريق، وتحرسك من أذى المتربصين بك.
ألا سيري أيتها القافلة نحو النصر، لا تلتفتي لنعيق التخذيل، ولا لهمهمات الذائبين، حتى تردي على حوض الحبيب - صلى الله عليه وسلم - هناك حيث تلتقي القلوب العاملة الصابرة، فتلتئم الجروح، ويحسن اللقاء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْحَوْضِ" [رواه البخاري].
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ " [رواه مسلم].
وصدق القائل: ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ)).
2/5/1425
20/06/2004
http://www.islamtoday.net المصدرِ:
===========
الشيخ أحمد حامل مفاتيح الحرم .. وشعرة في المصحف
طارق حميدة
عندما كنت أدرس تلاميذي قصة إبراهيم وولده إسماعيل - عليهما السلام -، في الآيات الكريمة " يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين"... وكنت أسألهم عن الدرس المستفاد من القصة، كان جوابهم السريع: "طاعة الوالدين".. وعندها أسارع إلى سؤالهم ماذا لو قال لك أبوك: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك؟
كانت إجابات الطلبة تبدو مرتبكة، تتراوح بين ضرورة الالتزام ب"طاعة الوالدين"، كما هو مقتضى استنتاجهم، وبين رفض الأمر تفضيلاً للحياة على الموت، وكان لا بد بعد ذلك من إزالة اللبس من أذهان الطلبة وعلاج الاختلاط المفاهيمي لديهم.
ولعل من أبرز المفاهيم الواجب التركيز عليها أن الطاعة لا تكون إلا بالمعروف، سواء كانت للوالد أو المعلم أو الحاكم، والمفهوم الآخر المتعلق بالمنامات وأنها ليست مصدراً للتشريع، إلا للأنبياء، وبالتالي فالأحلام ليست أحكاماً شرعية واجبة الالتزام، وليس للمسلم سوى القرآن والسنة مصدراً للأمر والنهي.(15/208)
لكن اللافت للنظر أن هذا الخلط المفاهيمي لا ينحصر لدى التلاميذ الصغار، بل إنه ليتعداهم إلى جمهور الكبار، وبكفي مثالاً على ذلك المنشور الذي يوزع منذ عشرات السنين بعنوان "وصية من الشيخ أحمد حامل مفاتيح حرم الرسول - صلى الله عليه وسلم -"، والذي يزعم فيه "الشيخ أحمد" الذي ليس له وجود على أرض الواقع، أنه رأى الرسول - عليه السلام - في المنام، وأخبره عن فساد الناس وقرب قيام الساعة، وطلب إليه نشر الوصية والدعوة إلى نشرها، واعداً من يوزعها بالرزق الكثير، ومهددا من يغفلها بالموت وخسارة المال والولد.
لقد حذر غير واحد من العلماء من هذه النشرة، وأكدوا عدم وجود شخصية بهذا الاسم أو الوصف، مما حدا بالجهة المروجة للنشرة إلى التأكيد بأن ما فيها "صدق وليس هواجس ووساوس... كما أن الشيخ أحمد حامل مفاتيح حرم الرسول موجود لمن يريد الاستفسار"!!، كما جاء في نسخة وصلت لكاتب هذه السطور، عبر الإنترنت في بداية ذي الحجة / شباط الجاريين.
لكن هذه النشرة لا تزال توزع في أرجاء العالم الإسلامي عدة مرات سنوياً، وخصوصاً في مواسم الحج والعمرة، إلى الحد الذي دعا أستاذنا الدكتور أحمد نوفل، في كتاب الإشاعة، إلى اعتبار ذلك مؤشراً"إلى أن وراءها تخطيطاً وتنظيماً يديم حياتها ويوقد من تحتها كلما خبت نارها"... كونها تهدف إلى" إبقاء المسلمين خرافيين ينتظرون المنامات ويستلهمونها في مواقفهم، وتقصد كذلك إلى إشاعة روح الهزيمة في الناس إذ تقول لهم أن الناس قد انحرفت وابتعدت عن دينها دون أن تذكر الأمل في عودتهم ".
ولعل من المناسب لفت الأنظار إلى ورود "الروبية" و"الدينار البحريني" في النشرة، مما يشير إلى احتمال أن تكون قد صدرت "الطبعة الأولى" منها في الهند أيام الاستعمار البريطاني، ثم انطلقت من هناك إلى منطقة الخليج العربي.
ومثل هذه النشرة، تلك التي توزع على لسان فتاة عمرها سبعة عشر عاماً عجز الأطباء عن علاجها وأنها رأت السيدة زينب وأعطتها شربة ماء شفيت على أثرها، ولما استيقظت وجدت قطعة قماش تدعوها إلى نشرها وتوزيع اثنتي عشرة نسخة منها وهي كذلك ترغّب وترهّب..
شعرة في المصحف:
وفي السياق ذاته، فقد انتشرت بين الفلسطينيين بعد شهور قليلة من بداية انتفاضة الأقصى الحالية، حكاية مفادها أن والدة الشهيد محمد الدرة قد رأته في المنام، أو رأت الرسول - عليه السلام - حسب رواية أخرى، فبشرها بالفرج القريب والنصر العاجل وتحرير الأقصى، وعندما طلبت منه أمارة أو علامة على ذلك قال"افتحوا المصاحف، وبعض الروايات ذكرت سورة البقرة تحديداً، وعندها سيجد كل من يفتح مصحفه شعرة من شعري".
وغني عن البيان أنه يمكن سماع عدة روايات لهذه القصة بتفاصيل مختلفة، لكنها جميعاً تلتقي في الرؤيا والبشرى والشعر في المصاحف، وأجد من المناسب التوقف عند الملحوظات الآتية:
تكررت مثل هذه الرؤيا أكثر من مرة في التاريخ الفلسطيني والعربي الحديث وكانت أبرزها بعد نكبة 1967م، إذ زعمت الشائعة بأن هناك من رأى الرسول - عليه السلام - في المنام وبشره بالنصر القريب.. والأمارة أيضاً شعرة من شعره في المصاحف، والحالة الثانية بعد مجزرة الخليل، حيث إنه لما تأخر رد المجاهدين على المجزرة وكاد الناس يفقدون الأمل، شاع أن أم احد الشهداء رأته في المنام وطلب إليها أن تكف عن البكاء لأنه وإخوانه شهداء عند ربهم يرزقون، والعلامة أن يجد الفلسطينيون تراباً يضيء إذا حفروا تحت أشجار الزيتون أو العنب.
جاء اختيار الشهيد الدرة في الحلم السابق لأنه أولاً أشهر شهداء انتفاضة الأقصى الجارية وبالتالي فلا يحتاج راوي الشائعة أن يعرف بالشهيد، وثانياً لأنه طفل ومعروف مقدار تعلق الأمهات بأبنائهن وعظمة الشعور بالفقدان لديهن..
وكذلك فإن الفلسطينيين يرون أنفسهم وواقعهم في استشهاد محمد الدرة الذي قتل بدم بارد ولم يستطع أبوه أن يحميه أو أن يحمي نفسه، حيث إن الفلسطينيين كذلك يقتلون بدم بارد دون أن يقدر أولياء أمورهم السلطة وعمقهم العربي الإسلامي - المكلفون بحمايتهم على رد العدوان عنهم.
مثل هذه الشائعات تأتي في ظروف لا ترى فيها الجماهير أي بصيص من نور أو بارقة أمل، ولا يكادون يرون نهاية للنفق المظلم الذي يسيرون فيه، وبالتالي فهم يعيشون في حصار مطبق وكابوس يلاحقهم في يقظتهم ومنامهم، وما داموا لم يجدوا مخرجاً من هذا المأزق في الواقع واليقظة فليبحثوا عنه في المنام.. ولذلك يتجهون إلى حلم جماعي، وحيث يستحيل أن يحلموا نفس الحلم بشكل جماعي فإنهم يسقطون حلمهم على واحد منهم وينسبونه في حالتنا هذه إلى أم الشهيد محمد الدرة، ويبحثون عن النصر والفرج من خلال شعرة قد تكون سقطت من رأس أحدهم وهو يحكه أثناء تلاوته القرآن.. ومن الطريف أن نذكر أن والدة الشهيد الدرة قد ظهرت في مقابلة على إحدى الفضائيات عشية عيد الفطر، بعيد الشائعة، وقالت إنها دعت الله - تعالى - بتلهف أن ترى ابنها في المنام ولكن ذلك، للأسف، لم يحدث حتى ذلك اليوم!!.(15/209)
هذه الشائعة وأمثالها تظهر أن الجماهير في أجواء الشدة تتجه إلى الهرب من الواقع إلى الأحلام لحل مشاكلها.. إن الحركة الباحثة التي تطلبها الأحلام السابقة، سواء في تقليب المصاحف أو في حفر التراب تعكس مقدار الحيرة والبلبلة وانعدام الرؤية، واللهفة إلى الحل والتطلع إلى المخرج … وحين نسأل الشهيد أو الرسول في المنام عن النصر والتحرير، ونطلب أمارة على قرب النصر، فهذا يعني أننا نتشكك في إمكانية النصر ولا نرى في الواقع ما يدل عليه، وكذلك عندما نطلب أمارة على أن شهداء مجزرة الخليل "شهداء حقاً " فالسبب أن النفس الإنسانية التي تستعجل النتائج تريد ثمرة سريعة للثمن والضحايا التي قدمت، وحين لا ترى هذه النتائج فإنها تبدأ بالتشكك والارتياب في نضالها وجدواه، وتنسى، في جو الأزمة، ما نصت عليه آيات القرآن المبشرة بنصر الله وما وعده - تعالى - الذين قتلوا في سبيل الله وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون..
وكذلك تعكس تلك الشائعات مقدار شحنات الحزن والغضب والغيظ التي تملأ قلوب الفلسطينيين.. حيث يتم تفريغ هذه الشحنات والتنفيس عنها بالحفر في الأرض وتقليب المصاحف، بدلاً من تفريغها في الأعداء.
تعكس هذه الشائعات أيضاً، ضعفاً في فهم بعض أساسيات الدين لدى قطاعات عريضة من الشارع، حيث ننسى أن الدين والتكاليف الشرعية لا يؤخذان من الأحلام والرؤى، ولكن يؤخذان فقط من القرآن والسنة الصحيحة.. وبدلاً من البحث عن شعرة في الكتاب الكريم.. فقد كان من الأولى النظر في آيات القرآن والتفكر فيها وفي الواقع بحثاً عن الحل.. إن مثل هذه الشائعات تكشف، كذلك، عن أن العقل الباطن الفلسطيني، والعربي والمسلم بعامة، يختزن في داخله أن الحل في القرآن لكنه ينتكس حين يترك الآيات البينات ويبحث عن شعرة في المصحف.
http://www.almualem.net المصدر:
===========
المرأة الداعية .. والمرحلة الصعبة
أسماء الرويشد
في ظل المستجدات المعاصرة، أدرك المهتمون بأمر الإسلام والمسلمين ضرورة القيام بتوعية المجتمع وتثقيفه الثقافة الدينية الصحيحة، وحماية قناعاته وبذل الجهد في إنشاء البنية الإيمانية الصلبة لمواجهة التيارات التي تهدف لإبعاد المسلمين عن دينهم وتشويه صورة التدين والاستقامة في أذهان المسلمين ولا سيما الشباب والناشئة، وكذلك التحذير من الدور الإفسادي المركز على كيان الأسرة والمرأة بشكل خاص، لإقصائها عن أداء رسالتها، وغرس بذور التمرد على دينها.
فلذلك كان من المهم توجيه الاهتمام إلى تفعيل وتنشيط العمل الدعوي النسائي؛ لأن المرأة أكثر إدراكاً لخصوصيات المجتمع النسائي ومشكلاته؛ حيث يجمعها معهن نفس الخصائص، كما يجمعها معهن فرص كبيرة وواسعة تمكنها من الاتصال بهن والتأثير عليهن؛ فهي أقدر في التأثير على بنات جنسها، وأكثر إلماماً بما ينبغي أن يكون عليه الخطاب الدعوي النسائي.
ومع أننا أمام مرحلة صعبة جداً نرى فيها ما يسمى «بالتغيير» و «التجديد» و «التطوير» يزحف على شعائر الدين وثوابته، وينال منه ما ينال حتى أصبح الدين من متغيرات هذا العصر؛ فإننا لا نزال نرى تقاعس الكثيرات من ذوات الطاقات الفاعلة التي تشكل إمكانات دعوية مهدرة وقدرات علمية معطلة في وقت يستلزم تجنيد جميع الطاقات والإمكانات العلمية والدعوية ما يساندها لمواجهة غزو التغيير، كما أنه يتحتم علينا جميعاً في ظل هذه الظروف التواصي فيما بيننا بالحق والتواصي بالصبر فما هو إلا الابتلاء الذي ذكره الله ـ - عز وجل - ـ: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} [محمد: 4] مع الاستبشار بوعد الله حتى ينجلي الأمر ويأذن الله القدير بنصرنا.
فإلى الأخوات الداعيات أوجه هذه الوصايا:
1 - لا بد للداعية من استيعاب مستجدات هذه المرحلة وفهم مشاريع التغريب وإدراك أن هناك مؤامرة ضد المرأة تجاوزت مرحلة التخطيط إلى مرحلة التفعيل والتنفيذ.
2 - أن تحرص على رفع مستوى الوعي والتثقيف لديها بتكثيف ساعات الاطلاع والقراءة مع مراعاة تنوع المضمون.
3 - أن تدرك أننا نعيش مرحلة تحتاج منا إلى زيادة مساحة الانتشار، وتجاوز دائرة الصالحات، واختراق صفوف مجتمعنا النسائي بإيجاد الفرص واستغلال المتاح منها.
4 - أن مجتمعاتنا تنفتح مع الوقت وبشكل مطَّرد على ثقافات وأفكار مختلفة؛ فعلى الداعية أن تركِّز في الخطاب الدعوي على الجانب العقدي والإيماني بشكل خاص مع الاعتناء بلغة الإقناع والحوار الموضوعي.
5 - تذكري أن المنهج الإسلامي يجمع بين المثالية مع مراعاة واقع البشرية؛ وذلك لاختلاف طبائع الناس واستعداداتهم الفطرية وقدراتهم الفردية؛ ففرقي بين ما تطلبينه لنفسك ولأهلك من مستوى الكمال والمثالية وبين ما تسعين لإصلاحه في واقع المجتمع مع اتساع المنهج لذلك؛ فلا بد من الواقعية في تصور حلول المشكلات وتصحيح الأخطاء.
6 - العمل على ترسيخ القيم والقناعات الصحيحة خاصة لدى الفتيات لكي لا تتحول الأخطاء من مستوى الممارسة والسلوك إلى مستوى القناعات والقيم.
7 - أختي الداعية: استفيدي من الفرص، وأوجدي لنفسك المناسبات للحديث الإيجابي المفيد، وأمسكي بناصية الحديث بذكر قصة أو موقف ذي عبرة وفائدة.
8 - من أرادت نصرة هذا الدين والدعوة إليه فلا بد لها من أن تضحي بشيء من حظوظ نفسها وراحتها ومالها، وأن تنال الدعوة مساحة كبيرة من اهتمامها، وأن تجتهد في تحويل الوصايا والكلمات إلى واقع في حياتها.(15/210)
9 - صدق العزيمة هو أساس النجاح والتوفيق مع ربط القلب بالله ـ - تعالى - ـ والاستعانة والافتقار إلى توفيقه وتسديده والإكثار من الاستغفار والتوبة. والله ولي التوفيق.
جمادى الأول 1425هـ * يونيو/يوليو 2004م
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==========
فقه المقاومة
د. علي بن عمر بادحدح
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن المقاومة كلمة قليلة الاستخدام بمعناها المتعارف عليه، وإذا أرجعنا الكلمة إلى أصلها الثلاثي(قوم) وجدنا أنه: أصل يدل على معنيين: أحدهما يدل على انتصاب وعزم [معجم ابن فارس5/43 ]، وقام يقوم قياماً: انتصب، والقوام: نظام الأمر وعماده وملاكه الذي يقوم به [تاج العروس 17/591،594 ]، والقوام: العدل والاعتدال [المصباح المنير: 268]، وكل هذه المعاني تدور حول الأخذ بالأمر وتحقيقه بعزم، وأدائه بعدل واعتدال، وهي معانٍ حميدة، غير أن المقاومة بالاصطلاح الشائع قد تأخذ بشيء يسير من هذه المعاني أو تتضمنها، إلا أن مفهومها مرتبط بالمدافعة ورد الأذى، والدفع أصل يدل على تنحية الشيء [معجم ابن فارس 2 / 288]،أي إزالته لما فيه من السوء والأذى ودَفَع الشيء: نحاه وأزاله بقوة [المعجم الوسيط، ص: 289].
وفي المعجم الوسيط [ص: 767 ] قاومه في المصارعة وغيرها: قام له، وهذا أقرب شيء يدل على الربط بين الأصل اللغوي والمعنى الشائع، فالقيام استعداد للمقاومة والمدافعة وأخذ بأسبابها، والانتصاب ثبات في وجه المعتدي وصد العدوان، والمقاومة: مفاعلة، تدل على وجود أكثر من طرف وفيها معنى المغالبة: " غالب مغالبة وغلاباً:حاول كل واحد منهما أن يغلب الآخر" [المعجم الوسيط، ص: 658]، ويمكننا القول إذن أن المقاومة: " قيامٌ وانتصاب لدفع العدوان وإقامة العدل والاعتدال ومنع الجور والاعتساف ".
وبعيداً عن المعنى اللغوي و اشتقاقاته واستعمالاته ومرادفاته ؛ فإن المقاومة معنى معروف، ودلالته قديمة في الحياة الإنسانية، والمقاومة الشريفة هي التي تدافع عن الحق في وجه الباطل، وتنافح عن العدل في سطوة الظلم، وتناصر الضعيف المهضوم، وتصاول القوي الغشوم، هذه المقاومة ذات معانٍ عظيمة، ودلالات سامية، ولها بالنفس والروح تعلق، ولها في الفكر والعقل تألق، فهي مشاعر نفسية ورؤية فكرية قبل أن تكون حركة عملية أو أسباباً مادية وهذه وقفات مع فقه المقاومة
1- المقاومة فطرة وحياة:
في الكائن الحي المتحرك غريزة وفطرة أصيلة تجعله يقاوم كل ما يوجه له مما يسوؤه أو يضره بطريقة تلقائية، فاليد - على سبيل المثال - ترفع لاشعورياً في وضع دفاعي عندما ترى أي شيء سوف يسقط على الإنسان، فالإنسان السوي تكمن المقاومة في أعماقه فطرة مستكنة وغريزة مستقرة، حتى وإن كانت أسبابها معدومة، ألا ترى الهرة كيف تبدي مخالبها وتكشر عن أنيابها وتتنمر إذ أحدق بها الخطر.
والمقاومة من أجلِّ دلائل الحياة فلا يقاوم إلا حي متحرك نابض بالحياة حساً ومعنى، وأما الجماد فلا مقاومة عنده، فالحجر تقلعه أو تقذفه لا يملك من أمره شيئا، والشجرة قد تقطعها أو تحرقها فلا تقاوم ولا تمانع، ومن فقد المقاومة فكأنما فقد الحياة، وصار هو والجماد أشباه.
2- المقاومة ثقة وقوة:
إن المقاوم عنده ثقة بالنفس تدفعه إلى المقاومة، فلديه مقومات داعمة مبنية على إدراك لحقيقة القوة النفسية المعنوية، فالمرء قد يواجه الصعاب وهو صفر اليدين من أسباب المادة ؛لأن بين جنبيه نفساً عظيمة أبية، وروحاً حية زكية، ويدرك العقلاء أن القوة المعنوية أعظم قدراً وأبقى أثراً، وأن المهزوم في أعماق نفسه لا تنفعه القوة المادية مهما عظمت لأن الحقيقة أن نفسه محتلة وأن عدوه قد حلّ في نفسه وقلبه وروعه.
3- المقاومة عزة وإباء:
إن الذي وثق بنفسه وقوّى عزمه وضع الأساس الصحيح للمقاومة التي تأبى الذل، وتعاف الهوان، وتأنف من الخنوع، لا تجتمع المقاومة مع الذلة أبداً، ومن يرضى الذل يفقد مقومات الوجود الإنساني لأنه يرضي أن يكون مستباحاً لكل طامع، وغرضاً لكل معتدٍ، ومستسلماً أمام أي قوة، كرامته مهانة، وشرفه مدنس، فماذا بقي له؟ وهل حياته وحركته يستحق معها أن يوصف بأنه إنسان وإن لم تكن لديه كرامة ولا شرف؟ وحسب المقاومة أنها تحافظ على كينونة العزة والإباء ليبقى الإنسان جديراً بإنسانيته، قادراً على الاستعلاء على الأعداء، ولو لم يملك ما لديهم من وسائل الاعتداء.
4- المقاومة حق وعدل:
إن الحياة الحرة والقوة المعنوية والعزة النفسية كلها تنشد العدل والإنصاف، وترفض الظلم والاعساف، والمقاومة حفاظ على الحقوق وصيانة لها، وتضحية في الذود عنها، والتخلي عن الحق، أو الرضا باستلابه دون مقاومة خلل تموت به الكرامة، أو مرض تتمكن به الخيانة، فالمقاومة تلازم بين الحق وأصحابه ومالكيه، والحقوق والملكيات لا تسقط بالتقادم، ولا تلغى بفرض الأمر الواقع، بل تبقى ما بقي في أصحاب الحقوق عرق ينبض، ونَفس يتردد، وما ضاع حق وراءه مقاوم.
5- المقاومة عراقة وأصالة:
إن الحقوق المعنوية أعظم قدراً وأكبر أهمية لدى الإنسان من الحقوق المادية، فالاعتداء على المقومات الأساسية للأمة ( الدين، اللغة، التاريخ) أشد وأعظم من نهب ثروتها واحتلال أرضها، لأن المال يسترد، والأرض تستعاد، لكن العدوان على الدين و اللغة والتاريخ، أخطر وأفظع لأنه يأتي البناء من قواعده، ويمسخ الأمة من هويتها، ويلغي ذاكرتها، وينسخ ثقافتها، ويزيل حضارتها، فالمقاومة للحفاظ على المقومات هي مقاومة للحفاظ على العراقة والأصالة التي هي صبغة الأمة ومزيتها.
6- المقاومة فداء وتضحية:(15/211)
إن المقاومة للحفاظ على المقومات والمقدسات تستنفر كل القوى، وتستنفد كل الإمكانات، ولا يدخر لأجلها مال ولا جهد بل تبذل لأجلها الأرواح، وهذا في الحق الإنساني فضلاً عن النهج الإسلامي والمبدأ الإيماني، فالمقاومة إذن ليست كلمة عادية، وليست عملاً محدوداً في دائرة الماديات، إنها تعني الكثير مما ذكر ومما سيأتي ذكره؛ ولذا فإن مقاومة العدوان تعني الكثير وتعطي الكثير.
http://islameiat.com المصدر:
===========
العصف الذهني في الاحتساب !
نواجه أحياناً نوعيات من المنكرات العامة أو الخاصة من غير (العلمانيين) فما كل منكر يكون بتخطيط العلمانيين، ولكنه أحياناً يكون من أناس فيهم خير واستجابة ولكنهم استجابوا لداعي الهوى وضغوط الواقع.. وأحياناً لضغوط الواقع فقط!
و الأمثلة على ذلك كثيرة جداً.. فمن ذلك مثلاً:
لو قلت لشخص يعمل في بنك ربوي: لماذا لا تترك العمل؟ وتتوب إلى الله؟
فسيقول لك: والله المؤهل سيء والوظائف قليلة وكذلك الرواتب!!
و هذا جواب معروف مشهور، فهذا الشخص استجاب لضغوط الواقع!!
و كثير مثل هذا الشخص؛ حيث تسول له نفسه (و يفتي لها) أنه مضطر ولا بأس بذلك والدين يسر ونحو ذلك!!
فما دورنا حيال هذه الأمور باستخدام العصف الذهني؟؟
ألخص ذلك بأمور:
1) عند السماع بمنكر، فلا نكتفي بالتمعر منه فقط!! بل لا بد من التفكير في دوافع هذا الأمر، فقد يكون الأمر مخططاً له وقد يكون مجرد تساهل وقد يكون استجابة لضغط الواقع!
و هنا يجب أن نعصف (الذهن) للبحث عن وسائل (و بدائل) لهذا المنكر..
فمثلاً:
من المنكرات:
اختلاط الرجال بالنساء في الأعياد!!
فماذا فعلنا لإنكار هذا المنكر؟
الإخوة في ذلك على مذاهب:
• فمنهم من كلم المسؤولين وناصحهم وهو جهد يشكر عليه.
• ومنهم من اكتفى بالحوقلة والاسترجاع دون العمل.
• ومنهم من حذر الناس من ذلك بحكم موقعه كإمام مسجد ونحو ذلك.
و لكن:
هل طرأ على بال أحد من الإخوة أن يحاول إيجاد البدائل المباحة لهذا المنكر؟
فمثلاً من خلال العصف الذهني يمكن أن نوجد حلولاً ولو كانت مثالية كما في نظرنا أثناء التفكير فيها، ولكن ربما تجد صدى لدى المسؤولين!
فقد يقول البعض مثلاً:
1) نمنعها نهائياً ونلغيها.
2) نحاول أن نخفف هذه المواعيد فبدلاً من أسبوعين تكون أسبوعاً.
3) نحاول أن نوجه رسائل مناصحة للمسؤولين.
4) نحاول وضع نشرات في المساجد وغيرها للتحذير من ذلك.
5) نقترح إنشاء مراكز مستقلة للترفيه النسائي بالضوابط الشرعية.
6) نقترح أن تدرج ضمن هذه المهرجانات محاضرات للداعيات.
7) نقترح أن يمسك البرامج النسائية فيها نساء صالحات.
8) نقترح أن يمسك البرامج إن كانت مختلطة رجال صالحين يحاولون تخفيف المنكر.
9) يقترح إشراك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه المهرجانات.
10) يقترح تخفيض الأوقات اليومية فبدلاً من السهر إلى وقت متأخر نحاول أن تكون إلى وقت مبكر.
11) يقترح أن يكون هناك مهرجانات شرعية منظمة بشكل دوري في مقر دائم ويستغل في الأعياد وغيرها.
12) يقترح أن تقوم الجهات الخيرية بإقامة مهرجانات مماثلة تسحب البساط من تحت أقدام هذه المهرجانات السيئة (كمهرجانات الندوة العالمية للشباب الإسلامي).
13) نقترح أن يكون هناك (انفتاح) من قبل الشباب الملتزم في قضية (سد الذرائع) وعدم إغلاق الباب كلية على ما كل ما هو مكروه؛ لأن عدم فتحه سيؤدي إلى (كسره) فيما بعد!!
14) نقترح أن يكون هناك مبادرة من أهل الخير بإنشاء مراكز ترفيهية نسائية بالضوابط الشرعية (و لو كان الترفيه غير مطلوب) ولكنه أولى من أن يكون عن طريق أهل السوء!
و هكذا لو تأملنا هذه الاقتراحات التي هي من قبيل (العصف) الذهني لوجدنا أنها أنواع:
1) أفكار غير قابلة للتطبيق مطلقاً (إلا ما شاء الله) مثل إلغاء المهرجانات نهائياً.
2) أفكار قابلة للتطبيق ولكنها (مكلفة) وهذا الأمر غير صعب فربما وجدنا من يعيننا!!
3) أفكار ممكنة التطبيق ولكنها غير مناسبة.
و من خلال هذا العصف (الذهني) يمكننا من خلال الوسائل المباحة أن نفتح المجال لمن وقع في المنكر بأن يغير منه بدون أن يكون هناك إحراج له أو مشاكل مع جهة إدارته بإذن الله..
فلا نكتفي مثلاً عند الإنكار على المسؤول عن المهرجان بتحذيره وتخويفه..
بل نزيد على ذلك بذكر الاقتراحات النافعة التي تخفف المنكر أو تحيله إلى لهو مباح بإذن الله..
آمل أن أكون أضفت إلى المنتدى موضوعاً مفيداً.. وأسأل الله أن ينفع به.. وبانتظار إثراء الموضوع من الإخوة المحتسبين..
http://www.saaid.net المصدر:
============
حكم كشف الوجه
يوسف بن عبد الله بن أحمد الأحمد
حكم كشف الوجه واليدين للمرأة أمام الرجال الأجانب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
فقد اختلف العلماء - رحمهم الله - في حكم تغطيتهما وكثير من الناس يجهل ويخلط في هذه المسألة، ولذا لابد من تحرير محل النزاع بين العلماء فيها.
أولاً: محل الخلاف إنما هو الوجه واليدين، أما ما عداهما فيجب فيها التغطية بالاتفاق؛ كالقدم، والساعد، وشعر الرأس، كل هذا عورة بالاتفاق.
ثانياً: اتفق العلماء على وجوب تغطية الوجه واليدين إذا كان فيهما زينة كالكحل في العين، والذهب والحناء في اليدين.
ثالثاً: اتفق العلماء على وجوب تغطية الوجه واليدين إذا كان في كشفهما فتنة. وقد نص كثير من العلماء القائلين بأن وجه المرأة ليس بعورة على وجوب تغطية الشابة لوجهها دفعاً للفتنة.(15/212)
وعليه فإن كشف أكثر النساء اليوم لوجوههن أمر محرم باتفاق العلماء؛ لكونها كاشفة عن مقدمة الرأس والشعر، أو لأنها قد وضعت زينة في وجهها أويديها؛ كالكحل أو الحمرة في الوجه، أو الخاتم في اليد.
فمحل الخلاف إذاً بين العلماء هو الوجه واليدين فقط، إذا لم يكن فيهما زينة، ولم يكن في كشفهما فتنة، واختلفوا على قولين: الوجوب والاستحباب. فالقائلون بأن وجه المرأة عورة قالوا بوجوب التغطية، والقائلون بأن وجه المرأة ليس بعورة قالوا يستحب تغطيته.
ولم يقل أحد من أهل العلم إن المرأة يجب عليها كشف وجهها، أو أنه الأفضل. إلا دعاة الفتنة ومرضى القلوب.
أما العلماء فإنهم لما بحثوا المسألة بحثوا عورة المرأة؛ هل الوجه عورة؟ أو ليس بعورة. بمعنى هل تأثم المرأة إذا كشفت وجهها أو لا تأثم؟ أما استحباب تغطية الوجه للمرأة فهو محل اتفاق بين القائلين بأن وجه المرأة ليس بعورة.
ومن العلماء المعاصرين القائلين بأن وجه المرأة ليس بعورة الألباني - رحمه الله -، لكنه يقول بالاستحباب ويدعو النساء إلى تغطية الوجه تطبيقاً للسنة حتى قال في كتابه جلباب المرأة المسلمة: " ولقد علمت أن كتابنا هذا كان له الأثر الطيب ـ والحمد لله ـ عند الفتيات المؤمنات، والزوجات الصالحات، فقد استجاب لما تضمنه من الشروط الواجب توافرها في جلباب المرأة المسلمة الكثيرات منهن، وفيهن من بادرت إلى ستر وجهها أيضاً، حين علمت أن ذلك من محاسن الأمور، ومكارم الأخلاق، مقتديات فيه بالنساء الفضليات من السلف الصالح، وفيهن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن " انتهى كلامه - رحمه الله -. (جلباب المرأة المسلمة ص26)
وأردت بهذا أن يتميز كلام العلماء القائلين بأن وجه المرأة ليس بعورة، وبين دعاة الرذيلة.
فإن العلماء لم يدعُ واحد منهم إلى أن تكشف المرأة وجهها، بل أقل ما قيل بينهم إن التغطية هو الأفضل. بخلاف دعاة السوء الذين يطالبون بكشف المرأة لوجهها. وما الذي يَضُرهم، و ما الذي يُغيظهم من تغطية المرأة لوجهها؟! إنه سؤال يحتاج منا إلى جواب. نسأل الله الكريم أن يحفظ نساء المسلمين من كيدهم.
وأعود مرةً أخرى إلى محل النزاع في حكم تغطية المرأة لوجهها ويديها هل هو واجب أو مستحب؟ الراجح من قولي العلماء وجوب تغطية المرأة لوجهها ويديها أمام الرجال الأجانب.
والأدلة على ذلك كثيرة منها:
الدليل الأول: قوله - تعالى -: " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن " (النور 30).
فالله - جل وعلا - يقول (ولا يبدين زينتهن) وقد استقر في فطر الناس أن أعظمَ زينة في المرأة هو وجهها، ولذلك فإن أهم ما يراه الخاطب هو الوجه، وكذلك الشعراء حاضراً وقديماً في غرض الغزل، فالوجه أعظم مقياس عندهم للفتنة والجمال.
وقد اتفق العلماء على وجب ستر المرأة لقدمها وشعرها أمام الرجال الأجانب؛ فأيهما أعظم زينة الوجه واليدين أم القدم؟!، و لاشك بأن الوجه واليدين أعظم في الزينة وأولى بالستر.
بل قد جعل الله ضرب المرأة بقدمها الأرض أثناء مشيها لسماع الرجال صوت الخلخال من الزينة المحرم ابداؤها كما في الآية التي تليها (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) (النور 31) وكشف المرأة لوجهها ويديها أمام الرجال الأجانب أعظم زينة من سماعهم لصوت خلخالها، فوجوب ستر الوجه واليدين ألزم وأوجب.
الدليل الثاني: حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان). أخرجه الترمذي بإسناد صحيح (الإرواء 1/303) (وأصل الاستشراف: وضع الكف فوق الحاجب ورفع الرأس للنظر. والمعنى أن المرأة إذا خرجت من بيتها طمع بها الشيطان ليغويها أو يغوي بها).
وهذا الحديث نص في أن المرأة كلها عورة ولم يستثن النبي - صلى الله عليه وسلم - منها شيء.
الدليل الثالث: حديث عائشة - رضي الله عنها - في قصة الإفك وهم راجعون من غزوة بني المصطلق وقد نزلوا في الطريق فذهبت عائشة لقضاء حاجتها ثم عادت إليهم وقد آذنوا بالرحيل فلم تجد عقدها فرجعت تتلمسه في المكان الذي ذهبت إليه فلما عادت لم تجد أحداً فجلست. وقد حملوا هودجها على البعير ظناً منهم أنها فيه ولم يستنكروا خفة الهودج؛ لأنها كانت خفيفة حديثة السن.
وكان من فطنتها أن جلست في مكانها الذي كانت فيه، فإنهم إن فقدوها رجعوا إليها.
قالت - رضي الله عنها -: فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت " وفي رواية: فسترت " وجهي عنه بجلبابي...) متفق عليه.
فصفوان بن المعطل رأى سواد إنسان فأقبل إليه. وهذا السواد هو عائشة ـ - رضي الله عنها - ـ وكانت نائمة، كاشفة عن وجهها، فعرفها صفوان، فاستيقظتْ باسترجاعه؛ أي بقوله: (إنا لله وإنا إليه راجعون) فعائشة - رضي الله عنها - لما قالت (فعرفني حين رآني) بررت سبب معرفته لها ولم تسكت فكأن في ذهن السامع إشكال: كيف يعرفها وتغطية الوجه واجب. فقالت: (وكان رآني قبل الحجاب).
وفي قولها (وكان رآني قبل الحجاب) فائدة أخرى، ودليل على أن تغطية الوجه هو المأمور به في آية الحجاب.
ثم قالت عائشة ـ - رضي الله عنها - ـ (فخمرت " وفي رواية: فسترت " وجهي عنه بجلبابي) وقولها هذا في غاية الصراحة.(15/213)
الدليل الرابع: قول عائشة -رضي الله عنها-: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمات، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه” أخرجه أحمد وأبو داود وسنده حسن.
الدليل الخامس: عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: (كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام) إسناده صحيح أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي (انظر الإرواء 4/212).
ويقول بعض الناس إن النصوص الواردة في تغطية الوجه خاص بزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذه الشبهة الضعيفة تروج عند كثير من العامة والجواب عنها أن يقال:
إن الأصل في نصوص الشرع هو العموم إلا إذا دل الدليل على التخصيص، ولا دليل. هذا أولاً.
ثانياً: أنه قد ثبت عن نساء الصحابة تغطية الوجه كما في أثر أسماء السابق (كنا نغطي وجوهنا من الرجال) فأسماء ليست من زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقولها (كنا نغطي) يعم نساء الصحابة.
ثالثاً: أن الأمر بالحجاب ورد مصرحاً به لجميع نساء المؤمنين في قوله - تعالى -: " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً ".
وأنقل هنا أقوال بعض العلماء في وجوب تغطية المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب:
قال أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي (ت370هـ) في تفسيره لقوله - تعالى -: (يدنين عليهن من جلابيبهن): " في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين، وإظهار الستر و العفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيهن ". (أحكام القرآن 3/371).
قال أبو بكر بن العربي المالكي - رحمه الله - (ت 543هـ) عند تفسيره لقوله - تعالى - (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب): " و المرأة كلها عورة؛ بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها " (أحكام القرآن 3/616).
قال النووي - رحمه الله - (ت676هـ) في المنهاج (وهو عمدة في مذهب الشافعية): " و يحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية وكذا وجهها وكفها عند خوف الفتنة (قال الرملي في شرحه: إجماعاً) وكذا عند الأمن على الصحيح ". قال ابن شهاب الدين الرملي - رحمه الله - (ت1004هـ) في شرحه لكلام النووي السابق: " و وجهه الإمام: باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، وبأن النظر مظنة الفتنة، و محرك للشهوة.. وحيث قيل بالتحريم وهو الراجح: حرم النظر إلى المنتقبة التي لا يبين منها غير عينيها و محاجرها كما بحثه الأذرعي، و لاسيما إذا كانت جميلة، فكم في المحاجر من خناجر "اهـ (نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج في الفقه على مذهب الشافعي 6/187ـ188).
قال النسفي الحنفي - رحمه الله - (ت701هـ) في تفسيره لقوله - تعالى -: (يدنين عليهن من جلابيبهن): " يرخينها عليهن، و يغطين بها وجوههن وأعطافهن " (مدارك التنزيل 3/79).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (ت728هـ): " وكشف النساء وجوههن بحيث يراهن الأجانب غير جائز. وعلى ولي الأمرِ الأمرُ بالمعروف والنهى عن هذا المنكر وغيره، ومن لم يرتدع فإنه يعاقب على ذلك بما يزجره " (مجموع الفتاوى 24 / 382).
قال ابن جزي الكلبي المالكي - رحمه الله - (ت741هـ) في تفسيره لقوله - تعالى -: (يدنين عليهن من جلابيبهن): " كان نساء العرب يكشفن وجوههن كما تفعل الإماء، وكان ذلك داعياً إلى نظر الرجال لهن، فأمرهن الله بإدناء الجلابيب ليستر بذلك وجوههن " (التسهيل لعلوم التنزيل 3/144).
قال ابن القيم - رحمه الله - (ت751هـ) في إعلام الموقعين (2/80): " العورة عورتان: عورة النظر، وعورة في الصلاة؛ فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق و مجامع الناس كذلك، والله أعلم ".
وقال تقي الدين السبكي الشافعي - رحمه الله - (ت756هـ): " الأقرب إلى صنيع الأصحاب أن وجهها و كفيها عورة في النظر " (نهاية المحتاج 6/187).
قال ابن حجر في شرح حديث عائشة - رضي الله عنها - وهو في صحيح البخاري أنها قالت: " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) أَخَذْنَ أُزْرَهُنَّ فَشَقَّقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الْحَوَاشِي فَاخْتَمَرْنَ بِهَا ". قال ابن حجر (ت852هـ) في الفتح (8/347): " قوله (فاختمرن) أي غطين وجوههن ".
قال السيوطي (ت911هـ) عند قوله - تعالى -: (يدنين عليهن من جلابيبهن): " هذه آية الحجاب في حق سائر النساء، ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن " (عون المعبود 11/158).
قال البهوتي الحنبلي - رحمه الله - (ت1046هـ) في كشاف القناع (1/266): " الكفان والوجه من الحرة البالغة عورة خارج الصلاة باعتبار النظر كبقية بدنها ".
وغيرهم كثير ولولا خشية الإطالة لنقلت أقوالهم.
وقد قال بوجوب تغطية المرأة لوجهها وكفيها جمع كبير من العلماء المعاصرين، منهم أصحاب الفضيلة: عبد الرحمن بن سعدي، ومحمد بن إبراهيم آل الشيخ، ومحمد الأمين الشنقيطي، و عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وأبو بكر جابر الجزائري، و محمد بن عثيمين، وعبد الله بن جبرين، وصالح الفوزان، وبكر بن عبد الله أبو زيد - رحمهم الله -، وحفظ الأحياء منهم ـ وغيرهم كثير.(15/214)
و أنقل هنا كلام العلامة محمد بن عثيمين. قال - رحمه الله - بعد أن قرر وجوب تغطية المرأة لوجهها وكفيها: " وإني لأعجب من قوم يقولون: إنه يجب على المرأة أن تستر قدمها، ويجوز أن تكشف كفيها!! فأيهما أولى بالستر؟! أليس الكفان؛ لأن نعمة الكف وحسن أصابع المرأة وأناملها في اليدين أشد جاذبية من ذلك في الرجلين.
وأعجب أيضاً من قوم يقولون: إنه يجب على المرأة أن تستر قدميها، ويجوز أن تكشف وجهها!! فأيهما أولى بالستر؟! هل من المعقول أن نقول إن الشريعة الإسلامية الكاملة التي جاءت من لدن حكيم خبير توجب على المرأة أن تستر القدم، وتبيح لها أن تكشف الوجه؟!.
الجواب: أبداً هذا تناقض؛ لأن تعلق الرجال بالوجوه أكثر بكثير من تعلقهم بالأقدام.
(إلى أن قال - رحمه الله -): " أنا أعتقد أن أي إنسان يعرف مواضع الفتن ورغبات الرجال لا يمكنه إطلاقاً أن يبيح كشف الوجه مع وجوب ستر القدمين، وينسب ذلك إلى شريعة هي أكمل الشرائع وأحكمها.
ولهذا رأيت لبعض المتأخرين القول بأن علماء المسلمين اتفقوا على وجوب ستر الوجه لعظم الفتنة؛ كما ذكره صاحب نيل الأوطار عن ابن رسلان.. " (فتاوى المرأة المسلمة 1/403ـ404).
10/7/1424هـ
http://www.islamic-oyster.com المصدر:
===========
نريد بناء لا ركاما
محمد غالب حسين
الأصل أن يكون المسلمون جماعة واحدة في العالم كله، فضلاً عن أن يكونوا جماعة واحدة في القطر الواحد، ففرقة المسلمين مرض، والمرض لا يشفى بمجرد التمني، بل لابد من علاجه واستئصال أسبابه.
ومن هنا كان الدافع لكتابة هذه السطور إلى الحركة الإسلامية المعاصرة قيادةً وأعضاءً بكل أطيافهم واهتماماتهم، فهو نداء موجه إلى كل جماعة تدين بالإسلام وتمارسه وتدعو إلى إقامة نظامه في الأرض بالطرق المشروعة، نداء من داخل الحركة وليس نقداً من خارجها، رغبة في تحسين أوضاعنا الداخلية.
ونحن معاشر الدعاة إلى الإسلام في طول البلاد وعرضها، نملك من الطموحات والآمال مثل غيرنا بل أكثر، ونحتاج إلى أن نكون على قدر المسؤولية وعلى مستوى المرحلة الراهنة والتغيرات القادمة.
إن من شروط تقدم مسيرتنا الدعوية، مناقشة الأوضاع، ثم الاعتراف بالأخطاء وتصويبها وعدم الاستمرار عليها.
لذا أحب أن أقف هذه الوقفات مع المحاور التالية:
1 - الشورى بين التنظير والممارسة:
الشورى مَعْلم من معالم النظام الإسلامي وسماته، انقطعت صلتها بالأمة منذ زمن بعيد، ومازالت الأمة تطمح إليه وتنشده. والحركة الإسلامية أشد حاجة اليوم إلى نظام للشورى ملزم ومؤسس على قواعد وأسس علمية منظمة، ولابد من مشاركة قطاع كبير ممن بلغ مستوى في العلم والتربية وبضوابط للمشاركة، في صنع القرار وتنفيذه والمحاسبة الدقيقة عند الإخلال بل ومراقبة سير الأمور، وهذه نقلة ضرورية للحركة الإسلامية لتنتقل من العمل الفردي إلى العمل الجماعي والمؤسسي.
2 - روح الفريق "العمل المؤسسي":
لقد تمكنت الحركة عبر برامجها التربوية من تكوين أفراد على مستوى ممتاز، لكن المشكلات تنشأ عندما يُطلب من هؤلاء الأفراد العمل معاً في برامج مشتركة، وذلك لأن الحركة ظلت ومازالت في معظم الأحايين تحت قيادة أفراد معدودين بدلاً من فرق عمل جماعية، لقد تمخض عن ذلك بيئة قوامها "قيادة الرجل الواحد".
لقد استحوذ هذا النظام وهذا النمط على معظم نواحي الحياة، ولو تفحصنا الساحة الدولية لوجدنا أن الولايات المتحدة قد تفوقت على أوروبا في "صهر" مختلف القوميات في إطار الجدية والمثابرة، أما اليابان فقد سبقت أوروبا والولايات المتحدة بإضافة روح الفريق الجماعية والولاء للتقاليد والمعتقدات الدينية.
3 - العمل النسوي والأسرة:
هناك إخفاق إلى حد ما في مجال العمل النسوي ورعاية الطفولة، فهما من أهم شرائح المجتمع المنسية، ورغم محاولات الحركة بذل المستطاع في هذا الاتجاه إلا أن الحركة النسوية ليست بالفاعلة، وذلك لعدم إشراكهن في النشاط أو إعدادهن أو مساندتهن، في الوقت الذي ندَّعي فيه أهمية المرأة وأنها تربي قادة الأمة ورجالاتها، ويظل هذا الأمر يمثل تقصيراً يمكن سحبه كذلك في مجال إعداد الأطفال، فنسبة الأدبيات الإسلامية المتخصصة ضئيلة جداً وتحتاج لتركيز وعناية خاصة.
4 -غياب المؤسسات:
اعتمدت الحركة في معظم نشاطها على الأفراد موكلة المهام إليهم، الأمر الذي أدى إلى اعتماد الوظائف على الأشخاص، وبالتالي عدم الاستقرار وكثرة التغيرات ونقص في تغطية بعض الأدوار.
5 -النزعة الإقليمية والقومية:
إن الحركة نظرياً مقتنعة بوحدة الأمة وعالمية الدعوة، إلا إننا نعكس في سلوكنا أحياناً توجهات وطبائع قبلية وإقليمية واضحة، ومازالت تتعامل من منطلق "الوطنية" في كثير من القضايا، وهذا يجعلنا لا نستفيد من بعضنا البعض بالشكل المطلوب.
6 - غياب أو ضعف التخطيط:
إن الحركة غالباً ما تعيش من يوم إلى يوم تكافح لمجرد البقاء فقط، وقلما أتيحت لها فرصة لوضع خطط مستقبلية، فهي تدير عملها من خلال مواجهات الأزمات، وكثيراً ما تتحول الأعمال الروتينية إلى حالات طوارئ، لقد أدى غياب التخطيط المسبق إلى عدم وضوح الأهداف، وسوء توزيع الموارد، وخلط في تحديد الأولويات وفقدان تحديد الوجهة، وعليه فإننا نمضي غافلين عن نتائج أعمالنا غير عابئين بالتخطيط السليم.
7 -البديل الإسلامي:(15/215)
لقد ظلت الحركة الإسلامية مشغولة بإثبات صلاحية الإسلام وتفوقه على غيره من الأيديولوجيات، وعملت في نطاق هذه العموميات، مع شيء من الإسهام في إيجاد البديل الإسلامي للاستغناء عن المؤسسات الرسمية التي لا تنطلق من روح الإسلام، علماً بأن البديل الإسلامي ليس عملاً تطوعياً، بل واجب، ومن أولويات الحركة، ولم يعد من الممكن أن يوكل هذا الواجب إلى أفراد من العلماء أو الحركة، إذ لابد أن يكون مجهوداً جماعياً وهو عمل مستمر لا يكفيه الاعتماد مرحلياً على المؤيدين والمتعاطفين، إنه شرط لابد منه لبداية النهضة الحضارية لمشروعنا الإسلامي، وسيظل تفوق النظام الإسلامي من دونه مجرد قناعة عاطفية، هناك حاجة إلى نموذج إسلامي حي مستنير يجذب الغرب والشرق نحو حضارة الإسلام.
8 - الغايات والوسائل:
يعاني بعض أعضاء الحركة الإسلامية قدراً من البلبلة والخلط بين الغايات والوسائل، وكثيراً ما نلاحظ أن مصلحة الحركة أصبحت معياراً للعمل والنجاح، رغم أن الحركة ما هي في الحقيقة إلا وسيلة لخدمة هدف إصلاح المجتمع، وقد أدى ذلك اللبس إلى انشغال الحركة بنفسها أكثر من انشغالها بالمجتمع وإصلاحه، والاضطلاع بدور حقيقي في المجتمع ككل، ولهذا السبب فإن جمهور الناس لا يبدي أي اهتمام أو تعاطف تجاه ما قد يقع على الحركة من ظلم واضطهاد، وتترافق هذه الظاهرة مع فقدان الإسلاميين بعض يكتسبونه من المواقع للعلمانيين نتيجة قلة التعاون بين الحركات الإسلامية.
وينبغي التأكيد على ضرورة تبني الحركة لمشكلات الأمة عامة وإيجاد الحلول لها كتحدٍّ مباشر تواجهه الحركة، ولكي تطمئن الأمة إلى أن الحركة حارسها الأمين.
9 - أزمة الفكر:
إن التفكير الصحيح هو الأساس في كل انطلاقة حضارية، وبتأمل واقعنا المعاصر نجد الحركة مقصرة إلى حد ما في تحقيق الاتساق والوحدة الفكرية بين أعضائها، ونظراً لتمسك الحركة بالعموميات، فقد برزت الخلافات الداخلية المتعددة حول الأمور التفصيلية، كما انصبت معظم جهود الحركة على العمل والنشاط أكثر من اهتمامها بالفكر والثقافة أو التوازن في ذلك، مع غياب بعض المواقف الرسمية المعلنة للحركة تجاه بعض القضايا الرئيسة العامة، مما كون لدى أتباع الحركة آراءً متباينة.
10 - غياب أو ضعف الحوار:
وترتب على ذلك بعض الركود الفكري ونوع من ال عجز عن الإثراء المطلوب لإنضاج الحركة وتجددها.
11 - إهمال وسائل الإعلام:
لقد قصرت الحركة الإسلامية إلى حد ما في مجال الاتصالات مع العالم المحيط بها، فأصبحت في عزلة لا تشعر بها، ولم توجه العدد الكافي من أعضائها إلى سد هذه الفجوة في وقت مبكر، مما جعل تأثيرها في المجتمع أقل مما ينبغي، ومكَّن منافسيها من السيطرة على وسائل الإعلام ورسم صورة مشوهة للحركة، دون أن تتوافر لها الفرصة العادلة للدفاع عن نفسها بشكل فعَّال، وأحياناً يتم إسقاط "المشاريع الإعلامية الإسلامية"، خوفاً من ردود الأفعال وليس اقتناعاً.
كما أن الحركة لم توجه عدداً كافياً من أعضائها للتخصص في مجالات الإعلام، ولقد كان الأولى بنا التنبه لذلك منذ زمن، فمعظم الجهود الإعلامية الموجودة محدودة الانتشار، ولا تخاطب إلا شرائح معينة، بل هي موجهة فقط للأعضاء، وبذلك تنازلت الحركة عن قطاع كبير من الأمة، وتركت هذا الثغر يتسلل منه من شاء من أصحاب التوجهات المناهضة للدين، وعاشت الحركة نوعاً من عزلة جعلها تتقوقع على ذاتها، مما عطَّل الطاقات وجمدها، وجعل الآخرين يكتسحون مواقع كثيرة على حساب ما بنته الحركة بجهود مضنية، بواسطة هذا الإعلام الذي أصبح المعلّم والموجه للمجتمع بكل فئاته.
12 - ترتيب الأولويات:
إن الحاجة لتحديد الأولويات تزداد إلحاحاً وأهمية مع مرور الزمن وتلاحق الأحداث، فلا يكفي أن يؤدي المرء الواجبات المهمة، ولكن عليه أن يؤدي الواجبات الأهم منها أولاً، فقد يؤدي المرء بكفاءة عملاً ولكنه ثانوي، إن لترتيب الأولويات أسبقية؛ لأن المهام أكثر بكثير من الموارد المتوافرة للقيام بها، وعليه يصبح تحديد الأولويات أمراً ضرورياً للغاية حتى لا يمضي الوقت.
13 - بين السرية والعلنية:
إن الظروف هي التي تملي أسلوب العمل، وعلى الرغم من أن هذه القضية حسمت، إلا أنه يجب على الحركة أن تكون مفتوحة على الناس كلما سمحت الظروف المحيطة بذلك، وليس للعمل السري أفضلية أو قدسية إذا ما سُمح بالعمل المعلن، مع أخذ الاحتياطات اللازمة، والرأي السليم هو اعتبار العمل العلني، كقاعدة أساسية ولا يلجأ إلى العمل السري إلا استثناءً، وحينئذ تطبق عليه قاعدة الضرورات تقدر بقدرها، أو كما يقال "التنظيم سري والدعوة علنية".
14 - ضعف قياس التجاوب الفاعل:
تدار الحركة بنظام الدورة المفتوحة غير المحكمة، فلا توجد مراجعة دائمة ومنظمة وعلمية على حد علمي لنتائج الأعمال أو تصحيحها من خلال المعلومات الواردة، فجهد الحركة منصبّ على تبليغ الرسالة بدون رصد آثارها المنشودة، واختلط على الكثيرين مفهوم "الأجر أهم من وجود الثمرة"، فبددوا كثيراً من الجهود من دون تحقيق للنتائج والمنجزات.(15/216)
لقد أسأنا كثيراً في التعامل مع مفهوم "علينا العمل والنتائج بيد الله"، الأمر الذي أدى خطأً إلى عدم التركيز على الأداء والإنجاز، لقد حان الوقت الذي يوجب على الحركة أن تستخدم أفضل من لديها من المتخصصين في الإدارة والاتصالات والعمل الجماهيري والعلوم السياسية والعلاقات العامة، لترفع من مستوى أدائها لتمحيص أعمالها وأثر تحركاتها في الناس ومدى تجاوبهم معها، فإن هذا النوع من المراجعة ضروري جداً لتعديل مناهج العمل وتصحيحها إذا كانت في حاجة إلى ذلك، والتفاعل مع الآخرين.
15 - أدب الاختلاف:
مما يؤسف له، أننا عندما نختلف أحياناً، لا نمتثل للتوجيهات النبوية في أدب الاختلاف، وبدلاً من أن يصبح الاختلاف رحمة وإثراءً للآراء قد يحدث نوع من التفكك والتعنت والتأويلات المتعنتة، ويتحول الخلاف الفكري إلى اختلاف في القلوب والمشاعر، وربما يتطور الحال فيصبح خلافاً منهجياً، وعلى الجهات الإسلامية الناصحة ممارسة دور إيجابي للإصلاح خصوصاً في مثل هذه الفترات الحرجة.
16 - جدول أعمال مطوَّل:
تقع الحركة الإسلامية من حين إلى آخر في فخ مطالبة معارضيها فجأة بكل شيء دفعة واحدة.
إن الدرس الذي يجب أن نعيه جميعاً، أن يكون جدول أعمالنا قصيراً وواضحاً ومختصراً، وبمجرد إنجازه يوضع جدول أعمال زمني آخر مدروس.
لقد نجح الشيوعيون والقوميون في تطبيق هذا الأسلوب بفاعلية في الوطن الإسلامي، وكانت شعاراتهم بسيطة وجذابة ونفاذة، فرسخت في ذاكرة الناس لشدة اختصارها ووضوحها.
10/09/2003
http://www.ala7rar.net المصدر:
============
خارطة طريق الدعوة
أنس القحطاني
أخي الداعية: يا من تحملت هذه الدعوة المباركة، واخترت طريق الأنبياء، وسلكت درب المصلحين، وحدت عن سبيل المفسدين؛ اصدق الله يصدقك! فهذه الدعوة لاينصرها إلا ذو الهمم العالية.. والأفكار الباهرة، والقلوب العامرة بحبها لله وعشقها للدعوة، ولله ما أجمله من عشق.
الأن العاشق هنا؛ يبذل الغالي والنفيس، والصعب والسهل، والممكن وغير الممكن، وقد يكلفه الكثير من حياته.. بل في بعض الأحيان حياته كلها!
فمن الطبيعي أن تُفنى الأموال، وتُقضى الأعمار، بل وتُزهقُ الأنفسُ في سبيله.. كيف لا وقدوة هذا العاشق في دعوته نبيه - صلى الله عليه وسلم -، الذي ما ادَّخر وسعاًً ولا جهداًً في سبيل رسالته المباركة!
وعندما يخالجُ هذا العشق فؤادك.. وجب عليك الانخلاع من كل ما يُسيءُ لدعوتك المباركة.. كان ذلك قولاًً، أو عملاً، فلا تستهين بصغائر الأمور، فهي في سمعة الدعاة من عظائم الأمور، وفي مقابل ذلك كله المسارعة بالامتثال لكل ما يفيدك، وينمي مهاراتك، وما يتفق وأسلوبك الدعوي، كان ذلك فكرةًً أو قولاً أو عملاً.. عاملاً على زيادة رصيدك الثقافي والحركي والتربوي.
وحتى تصل إلى معشوقك وجب عليك الرحيل في رحلةٍ شاقةٍ طويلة، عمرها هو عمرك، ولا عودة بعدها إلا لمتخاذلٍ متكاسل، فإذا رحلت فاعلم أن الطريق وعرة.. وعلى جانبيها جبالٌ من الفتن والمصاعب، وعلى تلك الجبال سترى جموعأً من المثبطين ومن خلفهم إخوانهم من الكُسالى والبطالين، فلا يخلدوك إلى الأرض بعذر طول طريقك، وصعوبة سلوكها. وستجد من هؤلاء من أعيتهم صحبتك، وأضنتهم عشرتك، بل من صُحْبتِكَ المُلازِمَة، ومن رِفْقَتِكَ المُداوِمَة، فإن هبت رياح التثبيط منهم فاتقيها بريح ((ومن أحسنُ قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ))، وإن جاءتك عاصفة التهوين والتنصل من المسؤولية فاتقيها بـ((معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون)).
كما ستلحظ في طريقك قدراً من الاستهزاء والسُخرية والتحقير فلا تعبأ بها، فإنما هي مياهُ نهر تجري، فلا يضرك جريانها، فكل أسلافك الكرام مرُّوا بها غير عابئين بها.
وعلى ضفاف ذلك الطريق سَتُسَّرُ بأشجارً قد طابت ثمارها، وظهرت للسماء فروعها، واستقرت إلى الأرض جذورها، فلا يغررك طيب الثمار، فإنما هي السُّم لدعوتك، والسر لمقتلك، وهذه الثمار إنما هي حثالةٌ من الإغراءات بكل صورها كانت مناصباً، أو أموالاً، أو زخارف من دنيا الهوان، وهذه الإغراءات ستراها تنسدل من فروع المفسدين الذين هم على صورة مصلحين، ويدعم هذه الفروع الفاسدة ثلةٌ من جذور المنافقين.
وقد تتعرض لضرباتٍ متتالية من شمس نفسك الحارقة.. وحتى تتقي حرََّ شمسك عليك اللجوء كلما هُمت بضربة إلى ظِلال أسلافك من الدعاة، كيف صبروا وجاهدوا وبذلوا، فإذا اكتفيت من ظِلالهم.. قم وأكمل السير.
حتى إذا أضناك العطش، وألَّّّم بك الجوع؛ فعليك من الزاد الذي لا يفنى معينه، ولا يصدأُ معدنه، كتاب ربك، وسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -، ومن تبعه إلى يومك فهما الزاد الذي لا نهاية له في رحلتك الشاقة.
وقد تسألني عن قطَّاع الطريق الذين تَعُجُّ بهم، وأنهم قد يأسرونك، ويُسلبونك حريتك، ويُذيقوك ألواناً من التنكيل والعذاب!
فأقول لك: نعم قد يتعرضون لك بذلك بل وأشد منه عندما يرون شدة سعيك في الطريق، وسعة صبرك على رحلتك، وسقوط كل الفتن والإغراءات التي ما فتئت تُعرضُ عليك تحت قدميك، عند ذلك لن يبقى لإبليس أن يشيرهم به إلا السجن، سُنَّةُ من قبلك ومن بعدك، فإذا وقع ذلك - عافاك الله من كل سوء – تذكر: (( قال ربي السجنُ أحبُّ إلي مما يدعونني إليه ))، من بريق إغراءاتهم، وزُخرفِ شهواتهم، وإن ضاقت نفسك فتذكر " سجني خلوة، وإخراجي من بلدي سياحة".
وقد يطول بك المُقام في سجن حريتك من عبودية العبيد، فأنت حرٌ في سجنك على غير ما يظن عبيد العبيد، لأنك لم تصفق، ولم تطبل للحشرات من الطغاة، وتذكر ترانيم الشهيد:(15/217)
أخي أنت حرٌ وراء السدود أخي أنت حرٌ بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصماً فماذا يضيرك كيدُ العبيد
وفي سجن حريتك لا تستوحش وحدتك ومعك الحي القيوم، ولا تستثقل غربتك ومعك الرحمنُ الرحيم، ولا تستعجل نُصرتك ومعك القوي العزيز، وليكن لسان حالك لمن بعدك ومن سار على دربك:
أخي إن ذرفت علي الدموع وبللت قبري بها في خشوع
فأوقد لهم من رفاتي الشموع وسيروا بها نحو مجدٍ تليد
فإن قضيت نحبك في سبيل معشوقك الذي رحلت لأجله، فأبشر بفرجك من كُربتك، لفوزك بوسام الشهادة، وثوب العزِّ والكرامة..
أخي إن نمت نلقى أحبابنا فروضات ربي أعدت لنا
وأطيارها رفرفت حولنا فطوبى لنا في ديار الخلود
فإن أنا متُّ فإني شهيد وأنت ستمضي بنصر مجيد
وبعدُ أخي فهذه خارطة طريق الرحلة بما ستجده وما ستلقاها فيها.. فهل سترحل معي!
المصدر : http://www.islamselect.com
==========
إشكاليات العمل الدعوي
أ.د. سارة بنت عبد المحسن بن جلوي آل سعود *
من المعروف أن العمل الإسلامي لا ينقصه الإخلاص في معظم الحالات، ولكن قد ينقصه الصواب الذي يعد شرطاً لازماً للنجاح. كما يعاني العمل الدعوي من عدة إشكاليات تتمثل في:
جمود آليات العمل الدعوي وأساليبه، وتحولها إلى أشكال مقدسة لا تتجاوز، جعلت الهوة بينها وبين الواقع تزداد اتساعاً مع تسارع أحداث العصر ووقائعه وتطور معطياته.
ضعف الخطاب الديني وسطحيته في كثير من الأحيان وبعده عن مناقشة القضايا المطروحة، مما أفقده القدرة على التأثير في حياة الناس، وتعميق هذه السطحية لدى الملتقى.
الانغلاق على الذات، وتجنب العمل الجماعي المفتوح المتعدد الأطراف والمشارب.
إشكالية وجود الرأي وفقدان الموقف.. فعلى الرغم من كثرة الآراء السديدة والطروحات المهمة إلا أن العجز عن اتخاذ موقف عملي جاد هو الإشكالية الحقيقية التي يعاني منها العالم الإسلامي.
العجز عن ترجمة المبادئ والآراء إلى برامج عمل وآليات فعل، ومواقف واضحة.
فقدان الحسابات الدقيقة والأمنية، وعدم ربط الأسباب بالنتائج، ودراسة الاحتمالات.
إدراك أننا نعاني من أزمة نخبة لا أزمة أمة، وإشكالية جيل، لا إشكالية مصير.
آليات تفعيل العمل الدعوي:
أولاً: العامة:
ضرورة تحديد الوسائل المشروعة والمجدية، واختيار الموقع الفاعل المؤثر وفق الإمكانات المتاحة والظروف المحيطة، مع عدم الإخلال بالتوازن، وضبط النسب، والاحتفاظ بالرؤية الشمولية للإسلام.
الانتقال بالعمل الدعوي من مرحلة المبادئ المبنية على المواعظ، والخطب، والدروس، إلى مرحلة البرامج الواضحة والخطط المرحلية المدروسة، والحسابات الدقيقة للواقع المعاصر، والظروف المحيطة، والإمكانات المتاحة.
تصويب المسار، وتجديد عملية الانتماء لهذا الدين.
تجديد وسائل العمل الإسلامي وطرائقه وأساليبه وهياكله وميادينه، التي تحولت عند البعض إلى دين يحرم تجاوزه. ذلك أن الاستمرار عليها إنما هو حرب بغير معركة، وانتصار بغير عدو.
ضرورة المراجعة وإعادة النظر وفق المستجدات على الساحة المحلية والإسلامية والدولية، ومتابعة مجريات الأحداث العالمية وتحليلها وفهم أبعادها؛ لتحسين التعامل معها.
العمل على جمع الشمل ووحدة الصف بين الجهات المختلفة العاملة في مجال العمل الدعوي، وفتح باب الحوار والمفاهمة بينها وتبادل الخبرات والاستفادة من الطاقات في عمل جماعي مشترك.
نبذ كل أشكال التحزب والتقوقع والانعزال، والاعتقاد بأن العمل الإسلامي حكر على جماعة بعينها.
الالتزام بالأدب الإسلامي في الحوار والخلاف في وجهات النظر، والجدال بالتي هي أحسن، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
الانتقال من موقف الدفاع الفكري والنظري عن الإشكالات والقضايا الجزئية المطروحة التي تكون في غالبها متوهمة أو مفتعلة والتي لا تنتهي أبداً، والمقصود بها استفزاز الطاقات الفكرية واستهلاك النشاطات الذهنية والجهود العلمية والعملية، وحصرها في إطار الأدب الدفاعي، أو الفكر الوقائي، والمواقع الدفاعية التي لا تراوح محلها وإنما تدور في فلك الانفعال لا الفعل والإثارة لا الإصلاح. فيكون الزمام بيد أعداء الإٍسلام الذين يتحكمون بالمعركة لصالحهم في زمانها ومكانها وأدواتها ومضامينها، إلى امتلاك زمام المبادرة في الطرح، والمواجهة وفق المشكلات الحقيقية والقضايا الواقعية التي تمس كيان هذه الأمة.
العمل على تحقيق التحكم الثقافي من خلال المؤسسات، والمراكز البحثية والدراسات الجادة، وغيرها من الوسائل والآليات لمواجهة سلطة العولمة والهيمنة بأبعادها المختلفة الساعية إلى تدمير الرؤية الإسلامية الشاملة وفقدان البصر والبصيرة.
تفعيل التعامل الجاد الواعي المدروس مع وسائل الاتصال المختلفة، والإسلامية منها على وجه الخصوص؛ للعمل على توجيه المسلمين وتثقيفهم بقضاياهم الحقيقية وتعبئتهم، وتوحيد جهودهم، وحشد قواهم، لمواجهة التحديات المصيرية، وعدم الانخداع بالأطروحات المروّج لها إعلامياً من قبل أعداء هذه الأمة.
العمل الجاد على تكوين جيل من الدعاة والإعلاميين الإسلاميين المؤهلين شرعياً وتقنياً وتخصصياً، القادرين على التعامل مع أبعاد هذا الواقع الخطير الذي يلعب فيه الإعلام الدور الأكبر والأخطر في التوجيه، والتغيير وتحديد المسارات.
تحقيق التوازن المطلوب والتلازم الغائب بين الإخلاص لله، وإتقان العمل للوصول إلى الصواب.
ثانياً: الخاصة بالمرأة:
أن تعي المرأة أهمية دورها وفعاليته في بناء المجتمع والأمة.
معرفة حدود الطاقات النسائية وتجميعها والعمل على تفعيلها.(15/218)
تصحيح المفهومات المنحرفة في المجتمع وبيان حقيقة الأطروحات المروج لها. وبخاصة بين النساء، وتنمية الاستعلاء الإيماني.
تأهيل أكبر عدد من المثقفات المسلمات لقيادة المجتمع ومواجهة تيارات التغريب والتغيير والتخريب.
وضع مناهج تربوية نسائية تراعي خصوصية المرأة، وتتوافق مع معطيات الواقع.
العمل على تحريك المسلمات للقيام بدورهن في أي مجال أو مكان أو زمان، مهما صغر هذا الدور.
الاهتمام بفئة الفتيات الشابات واحتضانهن.
تحديد طبيعة العلاقة بين التنظيمات النسوية، وتنظيمات الرجال من حيث التبعية والاستقلال، لمواجهة الظروف المستجدة.
تفعيل دور المؤسسات الإسلامية المعنية بالمرأة لمتابعة الصحوة، وتوحيد الصفوف، وتنظيم العمل، والانتقال من العمل التطوعي الفردي إلى العمل الجماعي المنظم، والتصدي للحرب المعلنة من قبل الهيئات الدولية والمؤسسات العالمية.
التحرك البصير بين جميع شرائح المجتمع، مع التركيز على الشرائح والنخب المثقفة المتميزة واستقطابها، ومحاولة تحطيم الحواجز القائمة والمفتعلة بين العمل الإسلامي وعامة أفراد المجتمع.
المشاركة الفعالة في جميع الأنشطة والفاعليات الثقافية المتنوعة، الإسلامي منها وغير الإسلامي للتأثير وإثبات الوجود.
والخلاصة:
أنه لا بد للعمل الإسلامي أن يسعى بشكل جاد ليعمل عبر جميع شرائح المجتمع وطبقاته، وذلك بتغذية الصحوة الإسلامية العامة، فلا تدع ركنا في المجتمع إلا وصلت إليه وبلغته الرسالة، وكان لها فيه أبناء وبنات جنود وجنديات، من خلال عمل دعوي وإعلامي، يمتاز بتخطيط دقيق، وتنظيم واضح يتعامل مع معطيات العصر وتقنيات العلم وفق المفهوم الإسلامي الصحيح.
________________________
الرئيس العام لمركز الأمير عبد المحسن بن جلوي للبحوث والدراسات الإسلامية، ورئيسة تحرير مجلة الشقائق..
http://islameiat.com المصدر:
===========
وداعا ...
انتهى رمضان..
بدايته بالأمس، ونهايته اليوم، وكل شيء له بداية ونهاية:
- اليوم يبدأ بطلوع الشمس حتى إذا ارتفعت في كبد السماء واستتمت، انحدرت ناحية الغرب، مؤذنة بنهاية اليوم..
- الشهر يبدأ والقمر كالعرجون القديم، وما يزال يكبر حتى يصبح بدرا، ثم يأخذ في النقصان حتى يعود كما كان.. كالعرجون القديم.. وينتهي الشهر..
- والإنسان يبدأ طفلا صغيرا ولا يزال يكبر ويشتد عوده إلى أن يصل إلى الأربعين، ثم يرد إلى أرذل العمر، فينقص عمره ويصيبه الوهن ويعود كالطفل في حاجته إلى الرعاية والعناية ثم.. يموت، ويخرج من الدنيا كما دخلها..
- وكذا الدنيا بدأت كبداية اليوم والشهر والإنسان، ثم إنها الآن قد آذنت بصُرم، وولت حذاءة، ولم يبق منها إلا صُبابة، فهي في نهاية عمرها، تقترب من زوالها وفنائها، فالزمان الذي نحيا فيه مثل وقت الغروب بالنسبة لليوم، ومثل الهلال في آخر الشهر: {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}....
فما بقي من عمر الدنيا إلا كما بقي من عمر اليوم إذا صارت الشمس إلى غروب، قال الله - تعالى -: {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين}..
وكما تبدأ الأشياء ضعيفة صغيرة غريبة وتنتهي كذلك.. كذلك الإسلام يبدأ وينتهي، قال - عليه الصلاة والسلام -: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، قالوا ومن هم يا رسول الله؟ قال: هم الذين يصلحون إذا فسد الناس، هم أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم)رواه أحمد وغيره
نحن اليوم نعيش هذه الغربة، والسبب: أننا في آخر الزمان، وقد جاء في الأثر: (لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه) رواه البخاري عن أنس في كتاب الفتن
والصالحون في زماننا قليل، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم.
كل شيء له بداية ونهاية:
- البداية مفرحة، والنهاية محزنة..
- البدايات قوية، والنهايات ضعيفة..
- الأوائل أهل خير وإيمان والأواخر أهل شر ومعاص.. ونعوذ بالله من شر النهايات، ومن شر هذا الزمان.
حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أشراط الساعة، حدثنا عن رُعاء الإبل والشاء يتطاولون في البنيان، وعن الأمة تلد ربتها، وعن فشو التجار، وظهور الجهل وضمور العلم، وانتشار الزنى والربى وشرب الخمر، وظهور الدجالين الكذابين، وتقارب الزمان وكثرة الزلازل، وغير ذلك كثير..
نحصيها فلا نكاد نجد شيئا منها لم يظهر...
لم تبق إلا العلامات الكبرى ثم الساعة، ونعوذ بالله أن تلحقنا أو نلحقها ونحن أحياء، فإنها لا تلحق إلا شرار الخلق الذين لا يعرفون الله - تعالى -، الذين يتهارجون تهارج الحمر، يأتون النساء في قارعة الطريق أمام الملأ، قال - عليه الصلاة والسلام -: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله) رواه أحمد، صحيح الجامع
وفي مسلم: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس)...
وإذا كان هذا هو حال النهايات، فإن الأمر يختلف إذا تعلق برمضان، فكل زمان فاضل من ليل أو نهار فإن آخره أفضل من أوله، كيوم عرفة ويوم الجمعة، وكذلك عشر ذي الحجة والمحرم آخرهما أفضل من أولهما، وكذلك الليل والنهار عموما آخره أفضل من أوله، ولذلك كانت الصلاة الوسطى المنوه بذكرها في القرآن هي صلاة العصر، كما دلت الأحاديث الصحيحة عليه وآثار السلف الكثيرة تدل عليه. لطائف المعارف ص206
فآخر رمضان خير أفضل من أوله، فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وفيها أنزل القرآن، ومن قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ولله فيه عتقاء من النار..
لكن.. ها قد غادرناه وخرجنا عنه وانتهى...؟؟!!.(15/219)
فانتهى وانقضى زمن الخيرات، وأتى زمن أقل ما فيه أنه ليس مثل رمضان، فمن لم يغتنم شهر الخيرات، فقد فوت الفرصة، وليس في علمنا بل في علم الله إن كنا سندرك رمضان الآتي، قبل أن يأتي هاذم اللذات ومفرق الجماعات، فيختطف أرواحنا، فتنتهي أيامنا، ويطوى كتاب حياتنا، فنصرخ:
واأسفاه على أيام فرطنا فيها!.
مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد كان عبدا حبيبا وخليلا لله - تعالى -، فما وجد المسلمون بعده إلا الشر، قال أنس - رضي الله عنه -: " لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا عن رسول الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا "رواه أحمد والترمذي، وانظر البداية والنهاية 5/274
وقد ذكر أنه لما مات رسول الله دهش الناس، وطاشت عقولهم، واختلطوا، فمنهم من خبل، ومنهم من أصمت، ومنهم من أقعد إلى أرض. الروض الأنف 7/585
إن ذهاب الأخيار والصالحين، وإن ذهاب الأزمنة المباركة، لمن نذر الشر، ومن دواعي الحزن والأسى:
- شهر كنا فيه إلى الخير أقرب، وعن الشر أبعد..
- شهر كنا فيه صواما قواما متصدقين نتلو كتاب الله..
- شهر قصَرنا فيه عن الخصومات وآثرنا فيه التناصح والتكافل والأخوة..
- شهر تقللنا فيه من عمل الدنيا وأقبلنا فيه على عمل الآخرة..
- شهر تضاعف فيه الحسنات..
- شهر تصفد فيه الشياطين، ويعتق الله فيه عباده من النار، والله - تعالى - يجزيهم على أعمالهم بغير حساب..
- شهر كله رحمة ومغفرة..
من أين لنا شهر مثله إذا مضى وذهب؟!!..
وإن كان سيأتي عاما آخر وآخر، فهل نحن ضامنون أن نعيش حتى نبلغه ونغتنمه؟!!.
بكينا فرحا لدخوله، واليوم نبكي حزنا على خروجه، كما بكى المسلمون فرحا برسول الله حين دخل المدينة، ثم بكوا حزنا حين موته، فعسى الله أن يتولانا برحمته، ويتقبل منا العمل، ويتجاوز عن الزلل، هو أرحم الراحمين.
- أيها الناس اتقوا الله..
تعلمون ما معنى: اتقوا الله؟ …
إن الله - تعالى - فرض علينا رمضان لنتقيه: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}..
فالتقوى كلمة عظيمة معناها:
- أن نجعل بيننا وبين عذاب الله حاجزا..
- معناها أن نتقي سخط الجبار..
- معناها أن نرحم أنفسنا، وأن نشفق عليها أن يقع عليها بطشه الشديد، وأخذه الأليم..
- معناها أن نجتنب كل ما حرم، ونترك كل ما حذر منه، بصدق دون خداع أو حيلة، فمن خادع فما خدع إلا نفسه، ومن مكر فما مكر إلا بنفسه..
لكن إذا نحن خرجنا من رمضان بغير تقوى فما صامت إلا بطوننا وفروجنا، وهذا ليس لله فيه حاجة، وهو الغني..
نحن اليوم في آخر يوم من أيام الشهر الكريم، مر علينا مرور الكرام، مر سريعا وانقضى سريعا، وذلك حقا ليحزن قلب المؤمن..
كم يتمنى المرء أن أيامه امتدت، وأن ساعاته تباطأت، وأن لحظاته تثاقلت، كي تنعم النفس بها وتتلذذ بدقائقها..
فوالله إنها لحلوة لذيذة، وإن فراقها لعسير على القلب...
حبيب جاء على فاقة، وفارق على فاقة، جاء والأرض مجدبة، والقلوب قاسية، فلما كادت الأرض أن ترتوي وتخرج بركاتها، والقلوب أن تلين وترق، فاجأنا بفراقه وغيابه...؟؟؟!!!...
فيا لهف قلوب المؤمنين لغيابه، ويا حرقتها على أفوله، ويا حزن الليل والنهار على انقضائه:
- فالليل بعده يشكو قلة الساجدين، والنهار يشكو قلة الصائمين..
- والفقراء يشكون قلة المتصدقين..
- والقرآن يشكو كثرة المعرضين عنه تلاوة وعملا..
- والأرض تبكي على فراقه، فالأرض تبكي على فراق الصالحين الطائعين، والطائعون في غير رمضان هم الغرباء.
اللهم تقبل منا الصيام والقيام وقراءة القرآن والصدقات..
اللهم تقبل تجاوز عنا..
اللهم بلغنا رمضان لأزمنة مديدة وأعوام عديدة..
اللهم لا تجمع علينا الخسران وفراق شهر رمضان..
اللهم اجبر كسرنا، وارحم ضعفنا..
اللهم إنا نستغفرك من جميع الذنوب والخطايا ونتوب إليك..
اللهم نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}.
والسلام عليكم...
http://www.saaid.net المصدر:
===========
جهاد هناك وتخريب هنا
أميرة جمال الطويل
لقد حمل الله هذه الأمة أمانة أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان بظلم منه وجهل.
قال - سبحانه - (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس)
ولكي يؤدي المسلمون هذه الأمانة حق أدائها فرض الله عليهم الجهاد في سبيله؛ الجهاد بمعناه الواسع الشامل: جهاد السيف وجهاد النفس وجهاد الكلمة
ولكي يجاهد المسلمون حق الجهاد كان لا بد له من تضحية؛ تضحية بالمال والنفس والوقت وكل ما يملكه المسلم في سبيل الغاية الكبرى وهي رضى الله - عز وجل -.
لكن الكثير من المسلمين تأخروا عن ركب المجاهدين المخلصين وكثير منهم ضلوا الطريق وأصبحوا يقتلون في المسلمين الأبرياء وزعموا أن هذا من صميم الدين.
وآخرون وقفوا موقف المتفرج على إخوان لهم في فلسطين والعراق يقتلون ويؤسرون تهدم مساجدهم وكأن مساجدهم ليست مساجدنا وتنتهك بيوتهم وكأنها ليست بيوتنا وترمل نساؤهم وكأنهم ليسوا نساءنا، وكأن أطفالهم ليسوا أطفالنا.(15/220)
قدمت حماس وقدم أهالي الفلوجة الكثير من الدماء الزكية لرجال نحسبهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه فأثخنوا في اليهود وقدموا أرواحهم فداء للمسلمين من أجل قضية هي أولى أولويات طريق الجهاد.
أنا هنا لن أتكلم عن رجل من صقور الانتفاضة الشهيد عبد العزيز الرنتيسي فالرجل عاش حياته سجينا ومبعدا ومعتقلا وأبا وزوجا وشاعرا وقائدا وقدم روحه شهيدا مخلصًا نحسبه من الرجال ونحسبه من الشهداء وقد ظهر من علامات استشهاده الكثير دمه العطر وابتسامته وكل من رآه شهد له بذلك
لن أتكلم عن رجل الله حسيبه.
لكننا بصدد نوع آخر على الجانب الآخر تجد في بلاد المسلمين من يقدم روحه بلا مقابل؛ بل ربما كان ثمنها هو مزيد من التدخل الأمريكي الصهيوني في بلاد المسلمين.
فكل السهام موجهة الآن إلى السعودية باعتبار أنها مسقط رأس زعيم تنظيم القاعدة وأن 19 من المتهمين في أحداث 11 سبتمبر هم من السعودية كما يزعمون، والمرشح جون كيري سبب خلافه مع بوش الابن أنه ضل الطريق وزج بالقوات الأمريكية إلى العراق وكان الأولى بها أن تتوجه إلى السعودية باعتبارها هي محضن الإرهاب ومموله الأول.
هؤلاء المخربون الذين ضلوا الطريق فبدلاً من أن يقتفوا أثر حماس في قتال اليهود الصهاينة الذين أذلوا المسلمين اليوم؛ نراهم يقدمون مزيدًا من مبررات التدخل في شؤون المسلمين الداخلية. ومن زعم منهم أنه لا يستطيع الذهاب إلى فلسطين فالعراق ليست ببعيدة، وكذلك الشيشان.
إن ما حدث اليوم من تفجير في الرياض ليصب في مصلحة اليهود والأمريكان بالدرجة الأولى ويعطيهم مزيدًا من التبجح والتطاول على العرب والمسلمين.
هذا الحدث الذي أفزع سكان المنطقة التي تم بها الانفجار ورأيناهم على شاشات التلفاز يبكون أطفالهم (أطفال المسلمين) وبيوتهم التي سقطت عليهم، بل أصاب الهلع أهل الرياض ولن أبالغ إن قلت إنه أصاب المسلمين في كل مكان في الدنيا؛ هذا التخريب يجب أن نبعده عن دائرة الإسلام فهو لا يصدر إلا عن منظمة إرهابية تسير على خطى اليهود وتنفذ مخططات أمريكية ومنذ يومين فقط حذرت السفارة الأمريكية رعاياها الأمريكان المتواجدين في السعودية؛ فهل تعلم المخابرات الأمريكية مالا تعلمه المخابرات العربية الإسلامية كلها؟!
وإذا كانت من مقارنة فلنقارن بين روح الرنتيسي وروح من فجر نفسه في مبنى يقطنه مسلمون آمنون في بلد الأمن!!
http://www.kl28.com المصدر:
=============
كيف تصنع رسالة دعوية؟
أحمد بن عبد المحسن العساف
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على إمام الدعاة وقدوة العباد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً؛
وبعد:
فهذه طريقة مقترحة لكيفية إيصال الرسالة الدعوية إلى المتلقي؛ اقتضتها الحاجة، وكثرة السؤال؛ ممن بذلوا أوقاتهم لخدمة دين الله، ونفع عباده.
وقد جاءت في اثنتي عشرة خطوة كما يلي:
* اجعل لطرحك مسوغاً:
فذلك أدعى لقبوله، ولفت الانتباه إليه؛ وحتى لا يتسلل الشك إلى نفس المخاطب بأنه المقصود بالحديث خاصة في بعض المسائل.
وهذا المسوغ:
إما أن يكون موجوداً: كأن يبدأك بسؤال، أو ذكر حادثة فتجيب أو تعلق بما يناسب، أو أن ترى منظراً لرجل مصاب فتذكره بنعمة الله وحقوقها، أو تشاهد مستغرباً في لباسه فتحدثه عن نعمة الإسلام والتدين، وتعمق مفاهيم الولاء والبراء لديه.
ومثله أن تستغل التزامك بقوانين المرور وأنظمته للتذكير بضرورة الالتزام بأوامر الله ونواهيه، وتعزيز مفاهيم الأمانة، وحفظ الضرورات الست عنده، وكأن تستغل انضباطه بمواعيده للثناء عليه، وذكر فضيلة الوفاء بالوعد والعهد، ثم تتخذ ذلك منطلقاً للحديث عن الصلاة ومواقيتها وجماعتها، وتعرج على المنافقين بفضح خلائقهم وصفاتهم دون أسمائهم.
أو تسعى لإيجاده: كأن تورد القصة من باب التسلية ثم تعلق عليها، أو تستمع معه إلى شريط نافع، أو برنامج ماتع، وتناقشه فيه، أو تبادره بالسؤال عن الامتحانات لتحدثه عن فضيلة الصبر أو الشكر؛ أو تستخبره عن والديه لتعقب بحديث عن حقهما، ووجوب برهما، وطاعتهما في غير معصية، وهكذا حتى لا يشعر صاحبك أنك تعتسف الحديث اعتسافاً.
* لا تشعره بأنك تلقي محاضرة:
وذلك بأن تكون على سجيتك أثناء الطرح؛ متوسط اللغة غير متقعر، ولا مسفٍ، ولا مغرقٍ في العامية؛ ولا تبدأ حديثك بما تبدأ به المحاضرات بالرغم من فضل تلك البداية وأجرها، ولتكن معانيك واضحة، قريبة، سهلة المأخذ، وحاذر الرمزية، وكن مباشراً دفعاً للظنة والفهم الخاطئ.
* اجعل لطريقة عرضك خطة قبل اللقاء:
وذلك بالتزام منهج تسلكه لبلوغ الهدف المنشود من اللقاء، معتمداً على ترتيب الأفكار، ومراعاة الأولويات، فلا تذكر للمدعو صوراً من الربا قبل ذكر تعريفه، وبعض أدلة تحريمه؛ وتذكر أن إيجاد المسوغ من أهم مهمات خطة الطرح.
* احرص على رؤوس الأقلام المهمة:
فقد لا يسعفك الوقت أو شخصية المقابل، فلا تطل، واكتف بذكر رؤوس الأقلام المهمة لكونها أرسخ في الذهن، وأبعد عن الملل؛ ولا مانع حسب حالة المتلقي من تكرارها؛ وتذكر قول المبرد: " من أطال الحديث، وأكثر القول؛ فقد عرض أصحابه للملال، وسوء الاستماع ".
* لا تذكر الشبهة نقداً وتجعل ردها نسيئة:
والصواب ذكر المفهوم الصحيح والتأكد من فهمه ورسوخه ثم ذكر الشبهة وتفنيدها؛ وسيكون نجاحك أكيداً باهراً لو شاركك المدعو بتفنيد الشبهة، ودحضها بناءً على قولك الأول.
* ليس ضرورياً أن يكون لكل لقاء موضوعاً خاصاً:(15/221)
ويتأكد ذلك في الجلسة الأولى؛ ويكتفى بذكر الله حينما تعرض مناسبة كالآذان، أو العطاس، أو القيام من المجلس، أو الفراغ من طعام أو شراب، وعند البخاري من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -" كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا " وقد علق الحافظ ابن حجر على ذلك بقوله: " ويستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال " ثم قال: " ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص؛ والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط ".
* نوَّع خطابك:
فلا تجعله محصوراً في العلم أو العاطفة أو الفكر أو الأدب؛ بل شكله حسب المقام والمستهدف، ومن تنويع الخطاب أن يكون مرة بلسانك، وأخرى عبر شريط أو إذاعة، وثالثة من خلال كتاب أو مجلة، وهكذا..
* لا يكن حديثك متشائماً:
فلا تشحن خطابك بالسلبيات، ولا تصيره مكتظاً باليأس والقنوط والهزائم؛ فذلك أدعى لرفضك، ورد مقولك، وقطع العلائق معك، ولا يعني هذا الإغراق في الإيجابيات، والتفاؤل المفرط الساذج، لأن كثرتها خلاف الواقعية والموضوعية؛ والتوسط مطلوب في كل شيء.
* لا تشغله بالجزئيات:
فلعله لا يستفيد شيئاً من التوسع في ذكر اختلافات الأئمة - رضوان الله عليهم - في مسألة ما مثل ما يستفيده من الاقتصار على القول الراجح، أو من ترسيخ حكم أساسي في ذهنه، ثم إن شغله بالجزئيات مدعاة لتشتيت الذهن، وعدم شعوره بالفائدة ثم الانقطاع.
* لا تسرد موضوعاتك مرة واحدة:
فلن يستفيد ولن تجد ما تحدثه به مستقبلاً إلا المعاد المكرر، وستكون كصاحب بيض وضعها في سلة واحدة، وقطع بها أرضاً وعرة، ثم عثر! فما ظنك بالبيض؟
* ليكن خطابك مما يحتاجه المدعو:
فلا تحدث فقيراً عن الإسراف وخطره مثلاً؛ ولا ترشد آخر غير سالكٍ إلى أهمية النظر في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية مثلاً، وإذا علمت عمن معك أنه يرافق صحبة سيئة فحدثه عن الصحبة الصالحة وبركتها، وليكن حديثك عن الأشياء الظاهرة عليه أو المعلومة عنه حديثاً غير مباشر خصوصاً في بدايات المعرفة.
ويدخل ضمن هذه الفقرة مراعاة اهتمامات المدعو حتى يأنس بالجلوس إليك؛ ومنها أيضاً تحديث المدعوين على قدر مداركهم واستيعابهم كما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: " ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة "، وإياك إياك أن تطب زكاماً فتحدث جذاماً، والسلامة لا يعدلها شيء.
* تجنب متاهات السياسة، ولا تدخل في موضوعات حرجة:
وذلك أجلب لاطمئنانه، وأضمن لاستمراره، ومن نفيس كلام الإمام الشاطبي - رحمه الله - قوله: " وليس كل ما يُعلم مما هو حق يطلب نشره، وإن كان من علم الشريعة، ومما يفيد علماً بالأحكام "، وليكن موقفك واضحاً في رفض الأخطاء واستنكارها ( كأعمال التفجيرات مثلاً ) بنفس الدرجة التي تنكر بها المخالفات الأخرى.
وأخيراً؛ أصلح نفسك، وتعاهد سريرتك، وتفقد نيتك؛ يصلح الله لك مَنْ معك، ويجعل لكلامك نورانية تخترق حُجُب النفوس - حتى لو كانت غليظة - إلى حيث موقعها من قلب المدعو؛ وأحثك على مزيد من العلم، ومزيد من الثقافة، ومزيد من المهارة، فلا يحسن أن يكون المدعو أميز من الداعية في واحدة مما ذكرت؛ وكن قدوة بسمتك وبقولك وبفعلك؛ سددك الله ووفقك وأعانك؛ ولله الأمر من قبل ومن بعد؛ والسلام.
_______________________________-
* كتب مقترحة:
• مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي. د. عبد الكريم بكار.
• ثقافة الداعية. د. يوسف القرضاوي.
http://www.islamselect.com المصدر:
=============
ولله العزة ولرسوله والمؤمنين
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أيا ربيبات دين محمد.
ليت شعري.. يا بنيات نسل بيعة قدمت لله تحت الشجرة..
أينا من أربحت تجارتها فباعت الروح والله أشترى.
أينا خصها الله بفضله وجعلها من غراس دينه، و حملة لواء مصطفاه.. لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى..
ليت شعري يا ربيبات التوحيد من منا من يكرمها الله فيستخدمها لعوارض نراها مستقبلة بوادينا ومرابعنا..
فالأمة اليوم بتعبير بن باديس رحمة الله عليه، تعيش منعرجا خطيرا، تعيش أتعس أيامها في هوان سياسي رهيب انجر عنه إملاق إقتصادي ماحق، أفرز إنحلالا أخلاقيا
غريبا و تخلفا حضاريا مريبا...
فمن منا يا عصبة العزم يشخص يتصدى للذي جعل أمة كان قدرها أن تقود العالم، أن تنحط إلى هذه الدرجة وتصبح أمة مفعول بها بعد ما كانت فاعلة.
بنياتي... قد أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
وقد أخبرنا مولانا أن لله العزة ولرسوله وللمؤمنين..
فاشددن المأزر على الخطوب.. ولتسعى كل منكن بما من الله عليها من إمكانات للعمل على كل الجبهات، وأن تسد بالعزائم كل الثغرات..
أنهضن يا حفظكن الله للميدان فالأمة تستصرخكن فلا تأخرن.. لا تأخرن بنياتي..
الوقت أضيق والأحداث في عجلٍ
... نبني ويهدم والآفات كالديم.
البدار بالعمل على رصِّ الصفوف وتضافر الجهود والتحلي بروح التضحية نفسا ومالا ووقتا وجهدا.. والصبر والثبات والتفاؤل الحسن وتجنب اليأس؛ فإن دولة الظلم.
آيلة للسقوط وشمسها توشك أن تغرب وفجر الإسلام بدأت تلوح بشائره فالبدار البدار لأخذ الأهبة والاستعداد للاضطلاع بالأمانة الملقاة على عاتق الجميع...
ولا ألفيكن خوالف في أذناب الصفوف.. أحبتي..
أيا نسل المحاريب..
وبالرغم من هول العاصفة وجبروت الطغيان وعدم التناسب في القوة فإن ركن الله أشد وأنتن في المنعة طالما أن عظمة الإسلام متجذرة في النفوس وتتحرك آيات القرآن
في الوجدان وتعتمل في الذاكرة لديكن..(15/222)
ومهما بدت الهزيمة الظاهرية في أرض ٍٍٍٍالميدان فإن الإسلام يتأبى على الاستئصال..
رعنا الليالي وما ريعت لنا همم *** وكيف يرتاع من يستشعر الدينا.
وكيف يرتاح للبلوى أخو شمم *** وعينه تبصر الأوباش يبغونا
أيا بنياتي الحبيبات..
سيظهر الله دينه ويتم نوره...
سيظهره رغم الأنوف الكافرة.. وستدخل تباشيره كل بيت كما أخبرنا الذي لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم -.. ومهما تكاثفت السحب فإنها لا تستطيع حجب أشعة
الهدى وأنوار الإيمان.
وسيبقى الإسلام شامخا يتأبىّ على الاستئصال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ظاهرة به أمة منصورة كتب الرحمن لها الخلود فلا تبيد..
إن النصر هو موعودنا الحق من جبار السماوات والأرض إنْ نحن صبرنا على الحق وصابرنا وأيقنا به تحقيقا لا تعليقا... وتحركنا لإيجاد الأسباب وبذلنا أقصى
المجهود وعملنا ليل نهار كل حسب مستطاعه.
إن فار تنور الشهادة لم يذر... في الأرض تمرداً يتيه بذاته
ويدك أعنان الطغاة لينتهي... عصر الجريمة بانتهاء طغاته.
اللهم يا قوي يا عزيز أنزع الوهن من قلوب أبنائنا وإخواننا وأخواتنا..
وأكتب لنا ولأهل هذا المنتدى نساء ورجالا الشهادة في سبيلك مقبلين غير مدبرين.
وخذ من دمائنا ما يرضيك عنا ويعلي بنا راية الدين ويبيض وجوهنا يوم يقوم الناس لرب العالمين.
اللهم وأعز بهم الملة والسنة وأجعلهم من جندك الموحدين..
برحمتك يا رب العالمين.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
والله من وراء القصد،
20/3/1425هـ
http://www.alislam4all.com المصدر:
===========
حاجة العمل الإسلامي إلى صيغة جديدة
الأستاذ نبيل شبيب
كانت ولادة "العمل الإسلامي" ضرورة حتّمتها أوضاع المسلمين والبلدان الإسلامية في حقبة تاريخية معيّنة، وظهرت في هذه الأثناء أوضاع جديدة، ومعطيات جديدة، وظروف محلية ودولية جديدة، بما يشمل مختلف الميادين والأساليب والوسائل، وهو ما يستدعي السؤال عن "العمل الإسلامي" بصورته التقليدية، وعمّا تطوّر من ذلك مواكبا المتغيّرات أو لم يتغيّر، وعمّا ينبغي توفيره لتحقّق "وسيلة" العمل الإسلامي "الهدف" المطلوب تحقيقه منها.
* النشأة الأولى للعمل الإسلامي:
في الأصل ليست الدعوة إلى الإسلام وإلى تطبيقه في مختلف ميادين الحياة والحكم مهمّة خاصة بفرد دون آخر أو جماعة دون جماعة، وكلّ خطاب في النصوص الإسلامية للدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خطاب تعميمي شامل لسائر المسلمين، ومسؤولية فردية، للنهوض بها كلّ على حسب طاقته وموقعه وظروفه الخاصة، ذكرا كان أو أنثى، كبيرا أو صغيرا، عالما أو متعلّما، حاكما أو محكوما.
هذه الصورة قابلة للتطبيق بصورة اعتيادية عند وجود المجتمع الإسلامي الشامل للحياة والحكم، لشعب أو أمّة، فيها المسلمون وسواهم، ولكلّ حقوقه المصانة، ولحكومة قائمة على أساس سليم يعبّر عن إرادة الغالبية الكبرى للشعب أو الأمة، ففي هذه الحالة تكون لكل فرد أو فئة تلقائيا مهمّة تتكامل مع سواها في اتجاه واحد. ولكنّ هذه الصورة غابت أو غُيّبت تدريجيا، على مستوى الحكم فانتهى الأمر إلى إسقاط آخر أشكال الخلافة ممثلة في الدولة العثمانية بعد "مرض عضال" طويل ودون التعويض عن ذلك بحكومات ملتزمة بالإسلام تشريعا ونهجا وفكرا وتطبيقا، كما غُيبت الصورة المذكورة إلى حدّ لا بأس به على مستوى الأمة، على مستوى الشعوب، بما انتشر من تخلّف على الأصعدة العلمية والفكرية وسواها، وما بدأ يتغلغل على صعيد تمييع منظومة القيم التي تعتبر العمود الفقري لأي مجتمع من المجتمعات.
لهذا أصبحت ولادة "العمل الإسلامي" في حينها على شكل جماعات وتنظيمات متعدّدة ضرورة تاريخية وحضارية وعقدية وواقعية، فعموم البلوى إذا صحّ التعبير- هو الحاضنة الطبيعية وفق سنن التغيير الاجتماعي، لظهور أفراد أو فئات يعملون متعاونين تنظيما- لإصلاح أنفسهم وإصلاح من حولهم، تربية ودعوة وعملا، لاستعادة عافية المجتمع ككلّ.
والمفروض أنّ مسألة مبرّرات نشأة العمل الإسلامي لا تحتاج إلى بيان، إنّما يقتضي التنويهَ إليها انتشار الاتهام الحديث والجائر بصدد أن وجود تنظيمات إسلامية لا سيما في صيغة أحزاب سياسية- يعني ضمنا إقصاء من هو خارج التنظيم عن الدائرة الإسلامية المشتركة، وهو اتهام واهٍ باهت، يُتخذ ذريعة لتبرير عمليات الحصار والحظر ضدّ بعض التنظيمات الإسلامية. والواقع أنّ تشكيلها في تلك الحقبة التاريخية بالذات لم يكن أمرا مبتدعا تحت عنوان "العمل الإسلامي" على وجه التخصيص، بل سلك هذا الطريق آخرون في الحقبة نفسها، فمضى كلّ أصحاب اتجاه أو فكر بالعمل على تشكيل روابط وجمعيات وأحزاب، وإلى ممارسة نشاطات وفعّاليات لنشر ما يرون والدعوة إليه وتوفير الوسائل الممكنة للوصول به إلى مختلف ميادين الحياة والحكم.
* معالم العمل الإسلامي في الحقبة الماضية:
طوال القرن الميلادي العشرين أو إلى فترة قريبة من نهايته، كان الفكر الآخر بمنطلقاته العقدية والسياسية والاجتماعية مسيطرا على الساحة، على الحكم بقوّة الاستبداد، وعلى المستوى الشعبي أيضا بوسائل معظمها وليس جميعها- مرفوض، إذ تضمّنت احتكار مراكز التوجيه بحماية السلطة، واستئصال الآخر أو حصاره وملاحقته والبطش به، والآخر هنا هو "الاتجاه الإسلامي" في الدرجة الأولى، وفروع تلك الاتجاهات نفسها في كثير من الأحيان، نتيجة الصراعات الحزبية وغيرها.
كان لتلك الفترة إذن معطياتها الخاصة بها، وكان من الطبيعي أن يتخذ العمل الإسلامي في ظلّها صيغة تتلاءم معها، وكان من ذلك:(15/223)
1- مواجهة الفكر بالفكر فيما اتخذ صورة معارك ثقافية وأدبية عديدة بين التيارين الرئيسيين، الإسلامي والعلماني، بينما كان توفير التكافؤ في الفرص على هذا الصعيد، ولا سيّما عبر وسائل الإعلام والمعاهد الفكرية، شبه مستحيل تحت تأثير السيطرة العلمانية على وسائل السلطة الاستبدادية وبالتالي على سائر ما أخضعته لنفسها.. إلاّ القليل النادر.
2- التركيز على العنوان التنظيمي، وهو ما كان يفرضه الإحساس بضرورة التميّز من جهة عن اتجاهات الآخر وتنظيماته، ومن جهة أخرى عن توظيف هياكل مصطنعة بعناوين إسلامية، لم تكن خارج نطاق تلك الاتجاهات واقعيا.
3- المعركة التربيوية، فما بات عسيرا أو مقيّدا عن طريق الأجهزة الرسمية للتربية والتعليم والتوعية، أصبح ضروريا التعويض عنه عن طريق الخلايا والمجموعات الكبيرة والصغيرة التي يكوّنها العمل الإسلامي، والندوات واللقاءات العامّة، التي يقيمها وسط أصعب الظروف المعيقة.
4- الخطاب الحماسي العاطفي، فقد كان من الضروري "احياء الوجدان" الصادر عن العقيدة، وكان تجديد الارتباط بالعقيدة في القلوب هو المدخل لمواجهة ما سيطر من خطاب حماسي عاطفي أيضا في نطاق الاتجاهات الأخرى، بغرض توجيه الشعوب للقبول بما تطرحه من شعارات متعدّدة المشارب لنشر منظومة قيم مغايرة لمنظومة القيم الإسلامية، أو معادية لها أحيانا.
5- الانضباط التنظيمي، وكان من ذلك ما فرضته ضغوط الحصار والملاحقة من جانب التيارات المسيطرة على أجهزة الحكم، ومنه ما نشأ نتيجة تعدّد الصيغ التفصيلية في الجماعات الإسلامية، وبالتالي حرص كل منها على عدم الخلط فيما بينها، وذلك على حسب تصوّرات مؤسسيها والقائمين عليها.
6- مواجهة الغرب والتغريب، بشقيه الرأسمالي والشيوعي، إذ رأت التنظيمات الإسلامية رفض معظم أطروحاته ضروريا للتميّز عن تنظيمات التيارات الأخرى، داخل السلطة وخارجها، والتي كانت ترتبط بالغرب والشرق قيما وفكرا على الأقل، وتنظيما وتعاونا في كثير من الأحوال، بل وكان بعضها يتحرك على هذا النهج وهو يعمل على "تبرئة" نفسه بتوجيه تلك "التهمة" إلى التنظيمات الإسلامية وافتراء عليها.
* معطيات جديدة في المرحلة الراهنة
معظم هذه المعطيات والظروف تبدّل في هذه الأثناء تبدّلا جذريا، ونجد بين أيدينا الآن على وجه الإجمال:
1- تيّارا شعبيا كبيرا انتشر فيه ما يوصف بالصحوة الإسلامية حينا، و"ظاهرة التديّن" حينا آخر، فلم يعد هذا التيّار العريض في حاجة إلى "جرعة الحماس" على صعيد العقيدة والقيم، قدر ما يحتاج إلى المبادرات العملية والقيادات الميدانية التي تمكّنه من ترجمة حماسه إلى عمل واقعي واضح الأهداف والمخططات، بوسائل مناسبة على مستوى تجاوز العقبات الكبيرة القائمة في طريقه.
2- لم تعد الدعوة إلى الإسلام حياة وحكما مقتصرة على فئات أوجدت لنفسها تنظيمات إسلامية، بل أصبحت شاملة إلى جانب تلك التنظيمات لأفراد دعاة مستقلّين بأنفسهم، وعلماء لهم مناصب رسمية وشبه رسمية، ومفكّرين يطرحون ما لديهم ولا يقلّ شأنهم عن شأن مفكّرين ينتمون إلى تنظيمات بعينها أو هم محسوبون عليها، بالإضافة إلى وصول هذه الدعوة بدرجات متفاوتة إلى كثير من وسائل الإعلام.
3- لم تعد التيارات العلمانية على اختلاف عناوينها في مرحلة "هجوم" تنشر ما لديها بأساليب ووسائل مقبولة وغير مقبولة، بل أصبحت فعاليتها الرئيسية محصورة في فئة أصولية محدودة، ولكنّها مسيطرة بالوراثة- على مراكز صنع القرار، ومعزولة شعبيا نتيجة انتشار الفساد والانهيار على نطاق واسع في الحقبة السابقة، وأقصى ما تحاوله فكريا هو محاولة إحياء القديم المندثر من أفكار أسلافها وتصوّراتهم من النصف الأول للقرن الميلادي العشرين، بينما أصبح قطاع كبير من العلمانيين بمختلف اتجاهاتهم، أقرب إلى استشعار الأخطار الخارجية والمسؤولية الذاتية، وهو ما ينعكس في محاولات إيجاد أرضية مشتركة مع التيار الإسلامي المسيطر على "الشارع الشعبي"، كما يقال تهوينا من شأن انتشاره على مختلف المستويات الشعبية، بدءا من أساتذة الجامعات، مرورا بربّات البيوت، وانتهاء بالتنظيمات النقابية والطلابية وغيرها.
4- لم تعد مضامين الدعوة المطلوبة نفسها كما كانت، فليس المطلوب مثلا- إثبات ما سبق إثباته بشأن شمول الإسلام لسائر الميادين بما فيها الجانب السياسي، ولا المطلوب دفع الشبهات القديمة التي أثارها المستشرقون والعلمانيون وغيرهم، والمفروض عدم استدراج العمل الإسلامي إلى الأسلوب الدفاعي في التعامل مع ما ظهر من اتهامات جديدة نسبيا، يسعى الأصوليون العلمانيون لتعميمها على الإسلاميين عموما، كما يجري تحت عناوين العنف والإرهاب، والانشغال بهذا الأسلوب عن التحرّك الإيجابي الذي يثبت عمليا خواءها كسابقاتها.
5- تطوّرت طبيعة المعركة الدائرة قطريا وإقليميا وبصورة شاملة لمعظم البلدان العربية والإسلامية، فلم تعد معركة تيار داخلي يواجه حكومات استبدادية، مرتبطة بقوى غربية أو شرقية، بل انتقلت ساحة المعركة عبر "ثغرة فلسطين" والآن "ثغرة العراق" إلى قلب المنطقة العربية، بالإضافة إلى ساحاتها الإسلامية الأخرى في أفغانستان وكشمير والشيشان وسواها، وبات المطلوب غربيا هو "ذوبان" الأنظمة الحاكمة نفسها كليّا في بوتقة الهيمنة الأجنبية العدوانية، وليس مجرّد "تبعيتها" اقتصاديا وأمنيا وسياسيا وفكريا.. وهذا من بين ما يجري التعبير عنه عادة بأنّ الأخطار تشمل الجميع، وتستهدف الجميع، داخل البلدان العربية والإسلامية.(15/224)
6- اختلفت الوسائل المتوفّرة أو المطلوب توفيرها لأي تحرّك إسلامي أو غير إسلامي، فثورات الاتصال الأكتروني والشبكة والفضائيات وغيرها، تفرض على الجيل الجديد ما لم يكن معروفا قبل جيل أو جيلين.
7- لم يعد يمكن التعامل مع أي جانب من الجوانب أو جبهة من الجبهات بمعزل عن سواه أو سواها، فما يجري على صعيد العلم والجهل، يؤثّر على قضية التخلّف والتقدّم، وما يجري على صعيد قضية فلسطين، لا ينفصل عن الهجوم على ما تبقى من أسباب التربية القويمة في مناهج التربية والتعليم، وما يقع في العراق، يترك أثره على الصحراء الغربية أو إندونيسيا، وما يجري لتجريد سائر المسلمين من أسلحة رادعة، يؤثّر تأثيرا مباشرا على وجودهم أفرادا وتنظيمات ومجتمعات ودولا في وقت واحد.
* التحدي الكبير والتطوّر المحدود:
إنّ "العمل الإسلامي" يواجه بذلك تحديا أكبر من سائر ما واجهه منذ نشأته الأولى قبل عشرات السنين، ممّا لا يترك آثاره على وجوده الحركي والتنظيمي فقط، بل يؤثّر النجاح في حمل تبعاته أو الإخفاق دون ذلك، على أوضاع الجيل الحاضر والأجيال القادمة عموما، وعلى مختلف ميادين الحياة والحكم، ولا مبالغة في القول أيضا، إنّ ذلك يترك أثره تلقائيا أيضا على المسيرة الحضارية البشرية المشتركة لفترة زمنية طويلة.
من المستحيل مواجهة متطلبّات اليوم بوسائل الأمس وأساليبه، والتعامل مع الأوضاع والمعطيات الجديدة دون صيغة جديدة للعمل الإسلامي نفسه، ولا يعني ذلك أنّ التنظيمات القائمة بقيت "جامدة" تجاه التطورات الجارية، ولكن لا بدّ من الإقرار أوّلا بأن سرعة تطوّرها الذاتي بقيت أبطأ بمراحل من سرعة تلك التطوّرات وقد بات ما يجري خلال أعوام معدودة يعادل ما كان يجري خلال جيل أو جيلين من قبل.
نرصد تحرّكا فكريا واضحا للعيان من خلال أطروحات لم تكن مطروحة من قبل، من عناوينها على سبيل المثال مسائل المرأة والمواطنة والديمقراطية وفقه التيسير وغيرها..
ونرصد تحرّكا تنظيميا أيضا من عناوينه ساحة النقابات، وروابط المجتمع المدني، ومنظمات حقوق الإنسان، والحوار الإسلامي-القومي، والانخراط في بعض تجارب التعدّدية وغير ذلك..
ونرصد تحرّكا على صعيد الوسائل يظهر على سبيل المثال في استخدام الشبكة العالمية على نطاق واسع يتنامى بوضوح، والظهور فيما يتوفّر من وسائل إعلام بغض النظر عن اتجاهاتها، وهنا لا يمكن لنا من المنطلق الإسلامي أن نعتبر ظهورَ جماعات متطرّفة تلجأ إلى العنف دون ضوابط تحت عناوين إسلامية، هو من قبيل تطوير وسائل العمل الإسلامي، إنّما هو نتيجة مباشرة للكبت الاستبدادي والعنف على حساب الشعوب عامّة، جنبا إلى جنب مع أساليب الحصار والملاحقة تجاه التنظيمات الإسلامية التي لا تتبنّى العنف الفوضوي وسيلة أو أسلوبا للتغيير.
رغم هذه التطوّرات الذاتية في العمل الإسلامي الوسطي المنتشر في البلدان العربية والإسلامية، يبقى السؤال على ضوء الواقع الراهن، فيما إذا كان التحرّك المشار إليه جزئيا، وبصورة متفرّقة، في أقطار دون أخرى، وفي ميادين دون سواها، كافيا، أم أنه ما زال عشوائيا نتيجة غلبة "ردود الفعل" على المعطيات الجديدة والمتغيرات فلم يصدر عن المبادرة الذاتية والتخطيط البعيد المدى، وهو بذلك قاصر على النهوض بتبعات التحدّي الكبير.. الذي يتطلّب تطوّرا كبيرا وشاملا.
إنّ التطوير المطلوب يحتاج إلى نقلة نوعية قائمة على دراسة للتجارب الذاتية وتجارب الآخرين، وتوظيف النتائج من وراء مختلف الأنانيات الضيّقة، والرواسب القديمة، والأشكال التقليدية الباقية، للوصول إلى إنجازات واقعية مرئية تتناسب ومتطلّبات المرحلة الراهنة على كلّ صعيد، وتوجد الشروط المبدئية للمتابعة المتواصلة لعملية التطوير في المراحل القادمة.
ولا يصحّ أن يقف التفكير بالتطوير عند حدود تنظيمية، أو فكرية، أو ولاءات شخصية، أو ارتباطات قيادية، فجميع ذلك مثل العمل الإسلامي نفسه.. وسيلة لتحقيق الغاية البعيدة، والثوابت هي ما تحدّده الغاية البعيدة، وجميع ما دونها هو من الوسائل التي يجب تطويرها بقدر ما يتطلّبه تحقيق تلك الغاية البعيدة.
* بعض جوانب تطوير الأهداف المرحلية:
في مقدّمة ما ينبغي أن تشمله عملية التطوير ما يرتبط بالأهداف المرحلية في إطار الغاية البعيدة الثابتة، وهي إقامة الحياة الإسلامية والحكم الإسلامي عبر الإرادة الشعبية، ووفق منظومة القيم الإسلامية العقدية والتاريخية الحضارية والمعطيات المشتركة مع الآخرين في الدائرة الجغرافية للبلدان الإسلامية أولا، وعلى مستوى الجوانب القويمة المشتركة للأسرة البشرية ثانيا.
ومن جوانب التطوير المقترحة للأهداف المرحلية على سبيل المثال دون الحصر:
1- تحديد الأولويات بما يوجد أرضية مشتركة بين تنظيمات العمل الإسلامي عموما، ويفتح المجال أمام أرضية مشتركة بينها وبين سائر المعتدلين من التيارات الأخرى، ومثال ذلك ترسيخ ما بات يوصف بثقافة الصمود والمقاومة، والتخلّص من سائر أشكال الهيمنة العدوانية الخارجية والتبعية الأجنبية الداخلية.
2- تأكيد الأطروحات الإسلامية في قضايا الساعة على صعيد التعدّدية، والمرأة، والمواطنة، والنظام الشوري أو الديمقراطي على مرجعية القيم الذاتية، وغيرها من الميادين الأساسية، وتثبيت ذلك في مواثيق العمل الإسلامي، ووضع الخطط الواضحة لبلوغه، وتحديد مواضع الالتقاء مع أصحاب الاتجاهات الأخرى، وفق قاعدة الاحتكام النزيه بآلية مضمونة التطبيق والنتائج، لإرادة الشعوب.(15/225)
3- اعتبار العمل الجماعي على مستوى الأمّة هو الأصل دون العمل القطري، ليس على أساس وجود التنظيم نفسه في سائر الأقطار الإسلامية، أو إيجاد تنظيم موحّد بالضرورة، وإنّما على أساس التكامل والتعاون في مختلف الميادين، والحيلولة دون تكرار الانفراد بجهة دون أخرى، أو تنظيم دون تنظيم، وبما يشمل من يعملون خارج نطاق التنظيمات من منطلق إسلامي، وكذلك ما يعزّز التنسيق والتعاون مع أصحاب الاتجاهات الأخرى من المعتدلين الذين يتحرّكون على أرضية مشتركة مع الاتجاه الإسلامي.
4- إعطاء الأولوية في نشاطات العمل الإسلامي وفعّالياته لميادين البناء والتطوير، على مختلف الأصعدة العلمية والبحثية والفكرية والفنية والرياضة والاجتماعية والسياسية، فصناعة "الإنسان" في البلدان الإسلامية هي الأساس لصناعةِ المجتمع، وبناءُ المجتمع هو الأرضية التي تتحقق عليها صناعة الإنسان، وبناءُ المرافق المعيشية في مختلف الميادين هو الطريق للتقدّم والتحرّر والوحدة، بغض النظر عن صنع ذلك من خلال السلطة أو خارج نطاقها.
5- ترسيخ هدف مكافحة الاستبداد المحلي والدولي بمختلف أشكاله وميادينه، كهدف إسلامي ثابت، وهدف مشترك مع كل من يحرص على العمل لصالح الإنسان، وحقوقه وكرامته وحرياته، بغض النظر عن انتمائه وموطنه وموقعه ومكانته، والتواصل من خلال ذلك مع كلّ من يتلاقى على أرضية إنسانية مشتركة، من داخل الحدود وخارجها.
* بعض جوانب التطوير التنظيمي:
ومن متطلبّات المرحلة ومتطلبات الوصول إلى هذه الأهداف تحقيق تطوير ملموس على المستوى التنظيمي، على مستويات عديدة، منها على سبيل المثال دون الحصر:
1- حصر الجوانب التنظيمية فيما لا يمكن الاستغناء عنه للحفاظ على عنوان التنظيم وهويته، فلم يعد الجانب المطلوب هو التميّز في مرحلة انتشار الظاهرة الإسلامية شعبيا، بل المطلوب الاندماج في هذه الظاهرة والعمل المتواصل من خلالها، كما لم يعد المطلوب التميز أكثر ممّا ينبغي عن أصحاب الاتجاهات الأخرى في مرحلة بات الجميع فيها مستهدفا لأخطار خارجية كبرى، قدر ما أصبح المطلوب هو التلاقي على كلّ ما يساعد على درء تلك الأخطار.
2- مضاعفة التواصل مع سائر من يشارك في التطلّع إلى تحقيق الأهداف المرحلية، وإن ساد الخلاف في التفاصيل، لا سيّما على صعيد العلماء والدعاة والمفكرين والإعلاميين والمثقفين وغيرهم من فعاليات المجتمع، ممّن لا يضعون أنفسهم تحت عنوان تنظيم من التنظيمات.
3- التركيز على دعم جيل الشبيبة داخل نطاق التنظيم وخارجه، وعلى انتقال القيادات انتقالا طبيعيا إليه، فليس المطلوب هو الحفاظ على أيّ تنظيم من خلال "الوجوه المعروفة" فيه عبر عقود ماضية، وإنّما المطلوب الحفاظ على الغاية البعيدة والمسيرة الإسلامية لتحقيقها، جيلا بعد جيل، وقيادة بعد قيادة، ولا يتحقق ذلك دون تسليم زمام الأمور التنظيمية إلى جيل الغد، وعدم التهويل من شأن الأخطاء التي يمكن أن تقع، فالخطأ الأكبر هو الخوف منها إلى درجة الإحجام عن التغيير والتطوير بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة التالية.
4- تعدّد الوسائل التنظيمية بغض النظر عن ارتباط كل منها بجماعة معينة، فليس من الضروري إسلاميا ولا المفيد واقعيا، أن يكون لكلّ جماعة تنظيمات ومؤسسات تعمل تحت عنوانها، في الميادين الأدبية والعلمية والمهنية والنقابية والحزبية والسياسية وغيرها في وقت واحد، إنّما المهمّ والضروري هو أن يكون العمل الإسلامي موجودا بمجموعه وبما يتجاوز الانتماء التنظيمي الضيّق، في مختلف الميادين والمجالات وجودا فاعلا مؤثرا، لتحقيق "الأهداف الإسلامية".. ومن الخطأ القول هنا: لتحقيق "أهداف التنظيم"، وإن تطابق هذا وذاك، فالأهداف الإسلامية هي الأصل أولا وأخيرا، وجميع التنظيمات وسائل فحسب.
* خاتمة:
إنّ حركة التطوّر لا تقف في أي مرحلة زمنية، وإنّ سرعة مجرى الأحداث والتطوّرات في العالم المعاصر لا تسمح بأن تكون عملية تطوير العمل الإسلامي خاضعة للأسلوب التقليدي القديم، أن تتكوّن من أجزاء منفصلة عن بعضها بعضا، بدءا بالعمل فترة من الزمن، فدراسة النتائج وتقويمها، فوضع مخطط جديد للتطوير، ثمّ تنفيذه في مرحلة زمنية تالية، لتتكرّر هذه الدورة مجدّدا. بل لا بدّ لمواكبة سرعة العالم والعصر، وتعويض الكثير ممّأ فات سابقا، من أن تكون عملية التطوير دائمة متجدّدة متداخلة في بعضها بعضا، مواكبة لعمل لا ينقطع، فلا يتوقف التقويم بانتظار التنفيذ، ولا التخطيط بانتظار التقويم، بل يبدأ كل من ذلك أثناء تحقيق الجانب الآخر، وهذا ما يسري في مختلف المجالات، ومن المفروض أن يسري على العمل الإسلامي بالذات، الذي يُنتظر منه أن يحمل على عاتقه أعباء كبرى، وأن يواجه تحدّيات حالية ومتجدّدة باستمرار، على مختلف الأصعدة، المحلية والدولية، وفي مختلف ميادين الحياة.
24/05/2004
http://www.ala7rar.net المصدر:
===========
رجل ذو همة .. يوقظ أمة
د. عبد الله فرج الله
مما أثر عن الأولين قولهم: «رجل ذو همة، يوقظ أمة»، فلم يقولوا: رجل ذو منصب، أو ذو مال، أو ذو جاه.. يمكن أن يحيي الأمة.. ذلك أن حياة الأمة، تكمن في همم الرجال العظماء، ولا تكون أبداً، وفي أي حال من الأحوال، في أموالهم، أو في جاههم، أو في مناصبهم.. بله المال والمنصب والجاه عند كثير من الرجال.. كان وبالاً ونكراناً على الأمة.. ولقد بنى الكثير من الأشخاص مجداً وملكاً وجاهاً، وتضخمت أرصدتهم، على حساب أمتهم، فكانت أمجادهم الزائفة.. ثمناً بخساً لأمجاد الأمة وكرامتها..(15/226)
انظر - رحمك الله وهداك - هل أخرجت الدماء والأشلاء والصرخات والاستغاثات.. في رفح وتل السلطان.. أشباه الرجال من (قماقمهم) ومن (أوكارهم).. هل حركت فيهم دماً.. أو أيقظت فيهم حساً؟!
بل أين انزووا حين فاحت رياح الفضائح النتنة.. والجرائم المنكرة والمستنكرة.. من سجن (أبو غريب)؟! لاذوا جميعاً بالصمت المريب والمريع.. الذي يؤكد تآمرهم وجبنهم..
نعود مرة أخرى ونؤكد.. أن الأمة بحاجة ماسة إلى الرجال، الذين يملكون إرادة، وينتسبون إلى تاريخها، ويؤمنون بدينها، ويتزيون بلباسها.. ويتكلمون بلسانها.. رجال عندهم غيرة، وعندهم دم.. رجل واحد من هؤلاء يكفينا.. ويريحنا من الكثرة الغثائية من (أشباه الرجال) الذين تضخمت كروشهم، وانتفخت ارصدتهم.. وانحصر همهم في إشباع شهواتهم وسد نهم نفوسهم الشرهه..
نعم، الأمة لا تعقد آمالاً على قمم (هؤلاء).. ولا تنتظر منهم.. ولا من قممهم خيراً.. الأمة يكفيها رجل واحد مقعد، لا يقوى على حراك جسده، مشلول الأركان والأعضاء، إلا ركن إرادته، الركن الحر الأبي.. كفيل هذا الرجل بإرادته هذه.. أن يحرك الأمة، وأن يوقظها من سباتها، وأن يجمع شملها، ويوحد صفها.. والأمر ليس ضرباًَ من خيال، ولا نسجاً من أحلام وأوهام.. بل هو الحقيقة التي جسدها بالأمس موت الشيخ المقعد المجاهد أحمد ياسين - رحمه الله -.. وهل يفعل بالأمة موت واحد من (أشباه الرجال) الذين حكموا وسادوا.. ما فعله موت هذا المقعد.. الذي ما ملك من الدنيا سوى بيت متواضع متهالك آيل للسقوط..؟!!
مرة أخرى.. إن حياة الأمة المرهونة بعزائم الرجال الصادقين، وجهاد المخلصين، وهمم الموحدين.. الموحدين في الولاء والانتماء.. الموحدين البذل والعطاء.. الموحدين في الهدف والغايات..
حياة عزيزة كريمة، لا تحييها قمم هزيلة، واجتماعات مرهونة بقرار عدوها.. تعقد بإرادة العدو، وتنفض بإرادته.. فما المتوقع منها بعد هذا؟! إلا أن تكون تجسيداً لتوجهاته، وتنفيذاًَ لقراراته.. وهذا ما أثبته واقع (قممهم)، يوم كان فيهم بقية خير، فكيف عساه يكون الأمر اليوم.. وقد ولت هذه البقية الأدبار.. إلى غير رجعة؟؟!!
بل إننا لنخشى على هذه الأمة من هذه الاجتماعات، وما ينبثق عنها من قرارات.. فقمم هزيلة.. لا يتولد عنها إلا قرارات رهيبة و مؤلمة وموجعة.. فأين ألغي الجهاد؟!! ومتى فتحت الأبواب للأعداء؟!! نخاف على المجاهدين المقاومين.. الرجال أصحاب الهمم العالية.. من هذه القمم الهابطة.. فيا رجال المقاومة والهمم خذوا حذركم، والله يرعاكم ويحفظكم.
01/06/2004
http://www.ala7rar.net المصدر:
=============
وسائل دعوية في السفر
1- إلقاء المواعظ القصيرة في المساجد المطروقة، فحالما أدركتك الصلاة ألقيت كلمة قصيرة ومؤثرة، وهي بذرة مباركة تلقى في قلوب المستمعين، وستنبت بإذن الله ولو بعد حين.
2- نشر الكتب والأشرطة والمطويات في كل مكان تكون فيه، في المساجد، والمنتزهات، والفنادق، والاستراحات، والمهم أن تترك خلفك ما يكون سبباً في هداية غيرك، وستقطف بإذن الله من هذه الثمرة اليانعة، في يوم الحصاد، عندما تقف بين يدي مولاك في يوم المعاد.
3- الحرص على الخلق الطيب، والمعاملة الحسنة، والابتسامة الصادقة، واللمسات الحانية، والكلمات الرقيقة، والكرم الفياض، والعفو والصفح، وغيرها من الأمور التي جاء الإسلام بها ورغب فيها، وحث عليها، وقد تؤثر بفعلك أكثر من قولك، فانتبه.
4- الوقوف مع أهل الأزمات على مدى الطريق، فإن رأيت من خذلته مركبته وقفت معه، فأصلحتها من عطب إذا علمت السبب أو أوصلته إلى مبتغاه، أو على أقل تقدير أمنته من خوفه، ونصرته حال ضعفه، ثم وهبته هدية دعوية أو كلمة رقيقة، أزالت همه، وأذهبت غمه، فكم لها من الأثر، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه..
5- نشر المجلات الإسلامية المباركة في الاستراحات، والشقق المفروشة، ومحلات الحلاقة، وأماكن الانتظار، لتكون بديلاً لذلك السم الزعاف من المطبوعات السيئة المنتشرة في أكثر البلدان.
6- توزيع النشرات التعريفية بالمؤسسات الخيرية: الإغاثية والدعوية، والدال على الخير كفاعله.
7- زيارة العلماء والدعاة وطلاب العلم في المدن المزارة، والتعرف عليهم، والوقوف على أحوالهم وأعمالهم، والتنسيق معهم للاستفادة منهم، وكذلك زيارة المؤسسات الخيرية للوقوف على احتياجاتها، والمساهمة في نصرتها.
8- تعليم الأهل أحكام السفر، وتطبيقها عليهم.
9- تذكير الأهل بالدعاء للمسلمين، وتنبيههم أن دعاء المسافر مستجاب، فترفع همة الأهل، ليشعروا بهموم المسلمين.
10- دراسة المنكرات التي يقف عليها المسافر، ورصدها، لتقديمها للدعاة والعلماء المصلحين، ليقوموا بواجب الإصلاح، كلٌّ بحسبه، ومن موقعه.
11- تفقد أحوال المساجد، والتعرف على ما ينقص فيها، ومحاولة توفير احتياجاتها، ولو لم يكن إلا توفير المصاحف، فكم في ذلك من خير.
14/4/1425هـ
http://www.alislam4all.com المصدر:
===========
همومه وهمومي
هذه القطعة الأثرية الرائعة الثمينة، بذل صاحبها في الحصول عليها الكثير من الجهد والمال، فلم يعد من السهل عليه التخلي عنها لقاء مبلغ من المال - قل أو كثر-؛ فكيف لو تصورنا أن أحدًا أسقطها عمدًا أو سهوًا، فتحطمت أو تهشمت؟
ماذا سيكون موقف مالكها المأخوذ بها؟ وكيف سيكون موقفه بالتحديد من ذلك الفاعل؟
التأثر- لا شك- بالغ، والحزن عاصف، والآلام كبيرة، لقد هدم في لحظة ما بناه في سنوات، وفقد أعزَّ ما يملك في هذه الدنيا.. فمن يلومه؟(15/227)
وهذا الشعور إزاء حدث صغير، يضحك منه من لا يعطون هذه القطعة الأثرية الأهميةَ نفسَها؛ إذ إن مجرد الاهتمام بها أمر يثير السخرية لديهم.
أما ذلك الشخص المتسبب، فلن يكون الموقف منه أقل من البغض، والتناول باللسان، والتغريم، وكيف لا يكون الأمر كذلك، وهو الذي فعل ما فعل؟
إنه مهما بلغ صاحب القطعة الأثرية من السماحة، وطيب النفس، إلا أنه يصعب أن ينسى ذلك الموقف الذي تحطمت فيه قطعته أمام عينيه على يد فلان!
هذه هموم فعلاً.. ولكنها هموم ثانوية.
نحن نريد نقل الهم إلى القضايا الكبيرة.. قضايا الإسلام والأمة.
نريد الحزن ذاته؛ بل أشد.. الحزن المنتج المؤثر المحرك، وليس الحزن السلبي القاتل، ونريد المواقف ذاتها من الهدامين والمدمرين للجهود؛ بل أشد.
إنها مسألة الولاء والبراء، أفيجوز أن يكون "الغضب" لكسر قطعة أثرية أعظم من الغضب لحرب الإسلام، أو حرب شيء من عقائده وشعائره؟!
أم هل يجوز أن تكون "البراءة" من محطم القطعة أقوى وأشد من البراءة من أولئك الذين يعلنون الحرب على دين الله بأقوالهم وبأفعالهم؟
إن الشيء الذي يضحي الإنسان من أجله يصبح غاليًا نفيسًا، ويحتل من عقل الإنسان وقلبه مرتبة لا تبارى.
وأمثال صاحب القطعة الأثرية كثير..
- هذا المال الذي جمعه صاحبه من قرش وريال، وسهر من أجله الليالي الطوال.
- هذه الترقية التي ينتظرها الموظف بفارغ الصبر، ويستميت في الوصول إليها، يعتبر كل من تسبب في عرقلتها عدوًّا شخصيًّا له، يستحق المقت والكراهية.
- هذا الولد الوحيد الذي ليس لأبويه غيره، فهو سرور قلبيهما، وقرة أعينهما، إلى آلاف الأمثلة من واقع الحياة...
وكلها هموم تتراوح بين هَمّ مباح وهَمّ حرام، لكنها تشترك في أنها هموم دون الهم الأكبر، وإن ملأت قلوب أصحابها، وكبرت في عيونهم، وسدت عليهم المنافذ؛ بل حتى ذلك الباحث الذي أفرغ جهده وعمره في إعداد هذا البحث وتنقيحه، أو تحقيق هذه المخطوطة، ربما تكون أخذت من حيز قلبه وحياته أكثر مما تستحق، وربما تحمس للنتائج التي توصل إليها أكثر مما يجب؛ لأنه لا ينظر إليها نظرة موضوعية متجردة؛ ولكن ينظر نظرة تستبطن الجهد الكبير الذي بذله، وتستحضر تفصيلات الأدلة ووجوه دلالاتها، وتنقض كل ما يعارضها أو يناقضها.
هيهات أن يفكر أحد في "إلغاء" اهتمامات الناس، وتحويلها إلى همٍّ واحد كبير أو صغير، فهذا خلاف الطبيعة الإنسانية، وخلاف مقتضيات الشريعة التي جاءت بتقدير الأمور بقدرها؛ ولهذا فلا تثريب على أحد أن يعطي هذه الشؤون قدرها من العناية؛ بل هو ملوم لو أهملها أو بخسها حقها، ومعاقب على ذلك شرعًا - إذا كانت من الاهتمامات الشرعية -، ولكننا جميعًا ندرك أن القضايا الكبرى أولى بمزيد العناية مما دونها، فليست المسائل الشخصية كالمسائل العائلية، ولا هذه كمسائل المجتمع القريب، ولا تلك كمسائل الدولة، أو كمسائل الأمة، أو
العالم. وهكذا كل القضايا.. يمكن توزيع فروعها إلى درجات وطبقات متفاوتة، بحسب كبرها وأهميتها، وإمكانية الاستغناء عنها.
إن إعطاء القضايا الكبرى الإسلامية مكانها في القلب والوجدان، وفي العقل، وفي ميدان الحياة حق لا بد من المطالبة به؛ لأنه الدليل على صدق الانتساب لهذا الدين؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: "مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" [أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586) من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه -].
وفي الحديث الآخر: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا" وشبك - صلى الله عليه وسلم - بين أصابعه" [أخرجه البخاري (481)، ومسلم (2585) من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -].
فهذا المطلب هو الذي يمنح التوازن في القلب والعقل والحياة العلمية، للمطَالب والهموم الأخرى؛ فلا تطغى على حياة الإنسان، أو تستأثر بجهده، أو تغلق منافذ عقله وقلبه دون غيرها، إنه جانب من "العدل " الذي أمر الله - تعالى - به ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ومن الظلم الفادح أن يهيج المرء لاعتداء شخصي يسير على نفسه، أو ماله، أو ولده، أو بعض إنجازاته، أو لما يظنه هو "اعتداء"، ثم يواجه اعتداءات ضخمة على أمة بأكملها: على رجالها، أو على تاريخها، أو على مستقبلها، أو على أموالها وثرواتها… بالتهوين، والتقليل، والتجاهل.. وأين هذا من ذلك؟
يبقى أن بعضًا من الناس خلقوا بعقول وقلوب صغيرة، لا تتسع إلا لشؤونها الذاتية، ولا تتأثر لسواها، ومثل هذه لا حيلة فيها، ولكنه "الابتلاء" الذي إذا رآه العقلاء الأسوياء، قالوا: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً" [أخرجه الترمذي (3432) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال الترمذي: حديث حسن غريب].
ثم إن هذا الهم الفطري - بالنفس، أو الزوج، أو الولد، أو المال، أو الموقع- يمكن أن يرتبط بالهم الكبير، يمكن أن يكون نهرًا أو جدولاً يصب في ذلك البحر أو المحيط، وهذا دأب أصحاب النيات الطيبة، يستحضرونها في تفاصيل حياتهم، فتحول عاداتهم إلى عبادات، وتربطهم بذلك الهَمّ المقدّس، وهُم على مقاعد البحث، وهُم في المركز التجاري، وهم على كرسي العمل، وهم في غرفة العمليات، وهم على فرشهم، كما تربطهم به وَهُم في المسجد، أو في ميدان الجهاد، أو حلقة العلم.
http://www.dawahwin.com المصدر:
===========
إليك يا من عزمت على السفر إلى الخارج
عبد الرحمن الوهيبي(15/228)
الحمد لله وبعد: لقد انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة سفر العائلات (الرجل وزوجته وأولاده ذكوراً وإناثاً) وقد يسافر الأبناء والبنات مع والدتهم دون والدهم وذلك لقضاء الإجازة في بلاد كافرة أو دول عربية التي تنتشر فيها المنكرات... فأصبح بعض بني قومي - هداهم الله - يتباهون بذلك ويفتخرون به بعد عودتهم لينشروا دعاية لتلك البلاد متجاهلين ما يترتب على السفر من مفاسد على الدين حيث ترتكب محرمات بحجة الضرورة كالتصوير ومفاسد على الأخلاق بما يرونه من أخلاق منحرفة وسلوكيات معوجة ومفاسد على العقيدة بما يقابلهم من شعوذة وسحر وكهانة كقراءة الكف ونحوها وقد قال: - صلى الله عيه وسلم - من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد- صلى الله عيه وسلم -، ومفاسد مالية حيث التبذير والإسراف في المباحات وكذلك في المحرمات كما يفعل كثير من الشباب حيث ينفقون على شهواتهم المحرمة الخمور والفواحش ودخول المراقص والملاهي الشيء الكثير.
لذا أصبحنا نرى في الأيام التي تسبق الإجازة ذهاب بعض الرجال بنسائه إلى محلات التصوير لتصويرهن (عند الرجال) بلا داع من حياء! أو زاجر من غيرة! أو حاجز من دين!! ليضعوا صورهن على جوازات السفر... والتصوير لهذا الغرض لا يجوز (كما يفتي علماؤنا) ولو كانت المصورة امرأة فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: {كل مصور في النار}، وقال: {من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ}، والسفر للنزهة والسياحة ليس ضرورة تبيح إرتكاب المحظور شرعاً. كما أن في بلادنا - ولله الحمد - من المناطق السياحية الجميلة ما يغني عن السفر للخارج كأبها والطائف وما حولهما.
والعجيب من كثير من المسافرين للخارج أنهم يحرضون غيرهم ويدعونهم تصريحاً أو تلميحاً للسفر بما ينشرونه من ثناء ومدح وبما يعودون به من صور متناسين قول المصطفى: {ومن سن سنة سيئة فعليها وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء} [رواه مسلم].
ومن صور مباهاتهم (شاهدنا في أمريكا... وزرنا في أوروبا... ودخلنا كنيسة في... والأعجب من ذلك أن بعض المسافرين شرقاً وغرباً ليس في برنامج إجازتهم وقت لزيارة مكة المكرمة وأداء العمرة، بل وقد يكونون من السائحين في الداخل؟
وقد سئل فضيلة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله - عن ظاهرة سفر العائلات لدول عربية أو غربية، آسيوية أو أوروبية أو أمريكية، ولأجل السفر لا بد من تصوير نفسه وأولاده وزوجته وأن الذي نعرفه من فتاوى علمائنا أن التصوير لا يجوز إلا للضرورة.
مع ما في السفر لأي من تلك الدول من إضاعة للوقت وإنفاق للمال بكثرة في المباحات وربما المكروهات والمحرمات وكذلك سفور النساء وتبرجهن بكشف الوجه جزئياً أو كلياً، ومشاهدة أنواع المنكرات التي لم يتعودوا على رؤيتها في بلادهم مما يهون عليهم إرتكاب المحرمات ورؤية المنكرات فيما بعد. نرجو منكم إفادتنا عن حكم التصوير لذلك الغرض وهل يعتبر السفر للسياحة ضرورة تبيح للرجل تصوير زوجته ومحارمه. وكذلك السفر لتلك البلاد التي تنتشر فيها المنكرات المعلنة دون أن يكون لهم إستطاعة على إنكارها ولا على غض البصر عنها.. إلى آخر ما جاء في السؤال فأجاب فضيلته قائلاً:
حكم تصوير النساء ومفاسد السفر للخارج
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه:
وبعد فقد وردت أحاديث كثيرة في تحريم التصوير كقوله: {كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس فيعذبه في نار جهنم}، وقوله: {أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون}، وقوله: {من صور صورة كُلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ}، وقوله: {يقال لهم يوم القيامة أحيوا ما خلقتم} ونحوها من الأحاديث الصحيحة وهي عامة في كل التصوير منقوشة أو منحوتة أو مرسومة أو مجسدة أو لا ظل لها. وورد الأمر يطمس الصور وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة وحيث وجدت ضرورة في هذه الأزمنة لضبط الحدود والحقوق فقد رخص المشايخ والعلماء في الأشياء الضرورية كالحفائظ والجوازات، ونحوها لمن أراد السفر لعلاج، أو دراسة ضرورية أو نحوهما، فله أن يصور في الجواز لعدم التمكن إلا بذلك، فأما سفر السياحة والفرجة فليس من الضروري فأرى أنه لا يباح لأجله التصوير سيما السفر بالنساء والعوائل لأجل النزهة والتمشية فإنه يترتب عليه مفاسد كثيرة:
أولها: التصوير للمحارم بحيث يكشف عليهن رجال في الحدود ومداخل الدول مع تحريم كشف المرأة وجهها أمام الرجال الأجانب.
وثانيها: أن هذه الأسفار لا فائدة فيها أصلاً. بل هي إضاعة للوقت الثمين وذهاب للعمر في غير فائدة وإدعاء أن هذا من باب الإطلاع ومعرفة أحوال البلاد وما تحويه من المنافع ونحوها غير صحيح فإن المسافرين لها لا يجعلون سفرهم للعبرة والموعظة والتذكر وإنما يجعلونه لتسريح الأفكار وتقليب الأنظار.
وثالثها: ما في هذه الأسفار من إضاعة المال الذي ينفقه مثل هؤلاء وينتفع به قوم كفار هم أعداء للإسلام يقوون به على دعم الكفر والدعاية للأديان الباطلة وحرب الإسلام والمسلمين.
ورابعها: توسعهم في المباحات التي تشغل عن الطاعات وربما تناول الكثير من المكروهات وقد تجرهم إلى المحرمات فكثيراً ما نسمع أن أولئك المسافرين يقصدون الإباحية فيقعون في الزنا وشرب الخمور وسماع الأغاني وحضور مواضع الرقص والطرب ويصرفون في ذلك أموالاً طائلة في مقابل تناول المحرمات أو المكروهات ونفع أهل الكفر وحرب المسلمين.(15/229)
وخامسها: وقوع نساء المؤمنين في مخالفة الشرع حيث أن المرأة المسلمة تخلع جلباب الحياء وتكشف وجهها ورأسها وتبدي زينتها وتقلد نساء الكفار بحجة أنها لا تقدر على التستر بين نساء متبرجات فتقع في المعصية وتتشبه بالكافرات أو العاصيات ولا يقدر وليها على ردعها.
وسادسها: أن في السفر إلى تلك البلاد لغير ضرورة وسيلة إلى فعل المعاصي أو إحتقار المسلمين وإزدرائهم بحيث يسب التعاليم الإسلامية ويعظم قدر الكفار في القلوب، فننصح المسلم أن يحفظ نفسه وعقله ونساءه وأمواله ودينه ودنياه وأن لا يسافر إلا لضرورة شديدة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. [عبد الرحمن الجبرين: 18 / 2 / 1419 هـ].
أما مفاسد السفر للخارج سواءً كانت لدول أجنبية أو عربية فهي ومع تفاوت المنكرات كثيرة ومنها:
1) الإعجاب بالكفار (إذا كان السفر لبلاد كافرة) وبالتالي مدحهم والثناء عليهم بعد العودة وهذا وإن كان أقل من مدح المسلمين فهو حرام كما قال الشيخ إبن عثيمين. قال - تعالى -: لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... [المجادلة: 22].
2) أن كثير من المسافرين تعلقوا ببعض مقتنيات الكفار وملابسهم فجلبوها وافتخروا بلبسها وإن شئت فانظر إلى إنتشار لبس القبعات بين الشباب والسراويل القصيرة وأنواع البنطلونات بين النساء والفانيلات التي تحمل العبارات الأجنبية وغيرها.
3) نزع النساء للحجاب بكشف الوجه أو جزء منه بلا حياء لأن (الزوج أو الأب أو الأخ) رضي أو أمر مما نتج عنه تضايقهن من تغطية الوجه عند العودة لهذه البلاد مما أدى إلى ظهور موضة اللثام والنقاب بأنواعه ولا من شهم يغار، ولله در القائل:
ما كانت العذراء لتبدي سترها *** لو كان في هذي الجموع رجال!!
4) رؤية الأبناء والبنات المناظر المحرمة والمنكرات الظاهرة إبتداءً من المطارات، وعدم تجنب الأب أولاده لتلك المناظر يعتبر من سوء التربية وتعريضهم للفتنة فبئست والله التربية ويا لقبح هذا الصنيع الذي يعده بعض الآباء مكافأةً لأبنائه على نجاحهم.
قال - عليه الصلاة والسلام -: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} [متفق عليه]، وقال - عليه الصلاة والسلام -: {إن الله سائل كل راع عما إسترعاه أحفظ أم ضيع} فهل نسي هؤلاء يوم السؤال والحساب؟
5) عدم الإنكار على من يفارقون الكبائر من الذنوب فضلاً عن الصغائر وهذا ترك لواجب يأثم به المسلم. مع عدم إستطاعة الآباء غض أبصارهم ولا أولادهم والنتيجة معلومة مرض للقلب وإثارة للشهوة وإستمراء للمنكرات وتعرض للعقوبات دنياً وأخرى.
6) نزع وخدش حياء الفتيات (خاصةً) بما يرينه من مشاهد فاتنة ومناظر مخجلة وتصرفات بهيمية، والنتيجة تشهد بها أحوال العائدات من السفر، فبالله عليك يا ولي الأمر هل سيعود الحياء للفتيات هنا بعد أن نزع هناك؟؟ فالله المستعان.
7) تعود الشباب والفتيات على ما يحرم فعله شرعاً وتمنع ممارسته، كشرب الخمور ولعب القمار، ودخول الملاهي، والاختلاط، والرقص، واللباس شبه العاري للنساء، وقيادة النساء للسيارة، وحضور المباريات والمصارعة، وغيرها مما يجعلهم عند عودتهم يسخطون على بلادهم لخلوها من ذلك الذي يزعمونه تقدماً حضارياً وهو في الحقيقة انحطاط وتدهور أخلاقي وفساد اجتماعي ولكن صدق الله إذ يقول: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46].
8) تعلق قلوب الأبناء والبنات بل والزوجات بتلك البلدان مجاورةً كانت أو بعيدة، عربيةً أو أجنبية، بدليل أنك ترى من ذهب مرة واحدة لم يستطع ترك السفر بعد ذلك مهما كلفه الأمر حتى ظهرت في المجتمع فئة (المدمنون على السفر).
9) التساهل بعد العودة بالمنكرات في مجتمعهم لأن هؤلاء المسافرين فعلوا ورأوا ووجدوا أعظم منها في تلك البلاد فمن كشفت وجهها هناك ستستهجن من يأمرها بغطاء عينيها. ومن شرب الخمر هناك ينكر على ما يناصحه عن التدخين وهكذا، فاللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، واهدهم للحق يا أرحم الراحمين.
10) الثناء على اعتدال الجو في تلك البلدان والتسخط من جو هذه البلاد مما يوقع في سب الدهر.
أما فيما يتعلق بسفر الشباب خاصة بعد الزواج أو في الإجازات فإليك أخي المسلم ما تفضل به فضيلة الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان فيما يتعلق بالشباب الذين يسافرون بزوجاتهم وموقف أولياء أمور الفتيات من سفرهن مع أزواجهن فإليك أخي القاريء الأسئلة وأجوبتها:
فضيلة الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء - حفظه الله -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد:
مما ابتلي به بعض شباب المسلمين في هذه الأزمنة السفر للخارج بعد زواجهم أو في الإجازات للنزهة والسياحة كما يزعمون حتى بعض أبناء الأسر المحافظة. رغم قيام الحجة عليهم بانتشار فتاوى العلماء في بيان حكم ذلك وأنه لا يجوز لتلك الأسباب... لذا نرجو التكرم بالإجابة على الأسئلة التالية ليعرف الآباء والأمهات واجبهم تجاه أبنائهم وبناتهم.
أولاً: إذا علم الأب أن ابنه سيسافر للخارج بعد زواجه فهل يجب عليه وجوباً أن يمنعه؟ وما الدليل على ذلك.
الجواب: يجب على الأب أن يمنع ابنه من السفر إلى الخارج إذا كان سفره لمجرد النزهة إذا كان يقدر على منعه لما في السفر من الضرر على دينه وعلى نفسه. وإن كان لا يستطيع منعه، فعليه بمناصحته وعدم إمداده بالمال لأن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان.(15/230)
ثانياً: إذا علم والد الزوجة أن زوج ابنته سيسافر بها بعد الزواج مباشرة للخارج فهل يجب عليه أن يمنعها؟. وهل تجب عليها طاعة والدها بعدم السفر أم طاعة زوجها بالسفر للخارج للنزهة والترفيه؟
الجواب: لأبي الزوجة أن يمنعها من السفر إلى الخارج مع زوجها إذا كان السفر لمجرد النزهة وعلى الزوجة أن لا تطيع زوجها في ذلك السفر لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ثالثاً: هل ترون أن على كل ولي الاشتراط عند عقد زواج ابنته ألا يسافر بها زوجها للخارج لكثرة انتشار هذه الفتنة والإعجاب بالدول الغربية الكافرة أو غيرها من الدول التي لا تحكم الشريعة؟
الجواب: نعم لولي المرأة أن يشترط عند عقد نكاحها أن لا يسافر بها إلى الخارج لمجرد النزهة لأن هذا الشرط من مصلحتها.
رابعاً: ما نصيحتكم للشباب المهزومين نفسياً أمام حضارة الغرب والمبهورين بتقدمها الصناعي المادي والذين يعتبرون السفر للخارج مفخرة يفتخرون بها خاصة بعد الزواج؟
الجواب: ننصحهم بتقوى الله والامتناع من هذا السفر لما فيه من الأخطار والأضرار الدينية والدنيوية وأن لا يغرهم ما عند الكفار من زهرة الحياة الدنيا فما عند الله للمؤمنين خير وأبقى.
خامساً: هل يشرع للمسلم إجابة دعوة الوليمة التي تقام للعائدين من الخارج بعد قضاء الإجازات أو أيام ما بعد الزواج حيث يستقبلون بالولائم المتتالية أم لا تجاب الدعوة لكونهم قادمين من سفر لا يجوز؟
الجواب: لا يستحسن إجابة الدعوة للوليمة التي تقام للقادم من سفر محرم لما في ذلك من تشجيعه والرضا بفعله، بل ينبغي هجره زجراً له ولأمثاله. [انتهى كلام فضيلة الشيخ].
ختاماً عزيزي ولي الأمر: يا من يعتز بدينه ويفتخر برجولته وقوامته: إن إلغاء قرار السفر والندم الآن وعدم الإستجابة للزوجة والأولاد (أهون) من الندم يوم القيامة على غش الرعية وخيانة الأمانة وإضاعة المسؤلية...
قارن أيها المسلم العاقل.. ثم فكر ثم قرر فأنت وحدك المسؤل غداً: يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ [الشعراء: 85]. يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ [عبس: 34] اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
http://www.kalemat.org المصدر:
===========
يا معشر الدعاة (وأتوا البيوت من أبوابها )
الشيخ علي العمري
بذرة الخير المتأصلة في الدعاة تجعلهم يفكرون في آليات الوصول لأقصر الطرق كي تنجز أعمالهم الدعوية، فهم بحاجة إلى تزكيات مشايخ، وعلاقات مع مديري الدوائر الحكومية، وخبرات من العاملين في القطاعات المختلفة، وأموال من أصحاب القدرة واليسار.
ولكنهم يطوفون حول أنفسهم، أو في دوائر مفرغة فلا يصلون إلى ما يريدون إلا بعد مرور سنين عجاف، أو بعد إراقة ماء الوجه حتى عند بعض الدعاة وأصحاب المال! والأمر في الحقيقة يحتاج إلى أن يتأمل الداعية هذه الحكمة القرآنية جيداً {وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} فليس صواباً أن يتعجل الداعية في مشاريعه الخيرة، فيطرق باب من أراد، ويرجو وصل من يشاء. ولك أن تعجب أن أحدهم يريد موافقة جهة حكومية لعمل خيري أراد إقامته، فيرى أن الموضوع لا يحتاج أكثر من خطاب مكتوب في أعلاه اسمه ووظيفته، ورقم خطابه، ثم التوقيع والسلام! " وما هكذا يا سعد تورد الإبل ".
فهناك أمور لابد من فهمها.. فكتابة التزكيات تحتاج إلى تزكيات، وبناء العلاقات تحتاج إلى علاقات، وهكذا.
فلو فكرنا في إقامة مشروع ما، ووصلنا إلى آليات تنفيذه، فتزكيات المشايخ الكبار له يحتاج إلى مشايخ مقربين منهم، يختصرون الطريق، ويفتحون الباب ويسهلون توقيع الخطاب!. والداعية الذكي هو الذي ينمي العلاقة بعد ذلك، والدعوة مصالح، نعم مصالح نحو الآخرة. فالتاجر من اغتنمها، وحرص على عدم خسارتها. وبناء العلاقات مع المؤسسات والمصانع والشركات والإدارات يحتاج أحياناً إلى من يعرفك بأصحابها، ويدلك على طرق الوصول لأصحاب القرار فيها، وكم بهذا الفهم اختصرت أوقات، وسهلت معاملات، والخبر عند الشيخ سلمان العودة يعلمكم!
لكبار الدعاة فقط:
لا أعني بكبار الدعاة هنا من بلغ سناً معينه، أو ألَّف جملة من الكتب، أو ألقى عدداً من المحاضرات بلغت عدداً محدداً، كلا، بل أعني كل داعية يحمل هم أمة يحيي بها أمة. أعني الداعية الإنسان الذي لا يستحقر نفسه، وهو يقول:
أتزعم أنك جرم صغير **** وفيك انطوى العالم الأكبر
فكل داعية يحمل هم الدعوة بمفهومها الكبير، وهو لها أهل، ولأجلها يدل، هو من كبار الدعاة ولو صغر سنه؛ فلطالما وعى فقه الدعوة، وتربى على أهلها، وأتقن صناعتها، فهو إذاً من أربابها، وله هذه الثلاثية الدعوية:
1- نحبذ أن يكون لكبار الدعاة سكرتارية خاصة، ومدربة، وفيها صفات مؤهلة تختصر لهم الوقت، وتسهم في توجيههم نحو ما يفيدهم وينفع أمتهم.
2- وضع استثمار مالي لكبار الدعاة عامة. فهم بحاجة إلى مال لأدوات العمل وضيافة الزائرين، والإعلان عن بعض المشاريع، واستثمار بعض الشخصيات. والمال عصب الحياة وهو في الدنيا سلاح كما قال سفيان الثوري: " المال في الدنيا سلاح".
3- بناء مقر لهم ولو كان عبارة عن غرفة للاجتماعات وأخرى للاستقبال مجهزة بأحدث أدوات العصر من الكمبيوتر والانترنت والفاكس والهاتف... وأقترح لو يتبنى بعض كبار الدعاة إنشاء لجنة سنوية لسكرتارية كبار الدعاة يلتقي فيها سكرتارية كل داعية مع الآخر، وتلقى عليهم دورات تدريبية متميزة، وفي أمور الدعوة على وجه الخصوص.
وليت أن الدكتور طارق السويدان بطاقم سكرتاريته الستة يتبنى هذه الفكرة، وعليّ التنسيق فهل من مجيب؟!
http://islameiat.com المصدر:
=========(15/231)
طاحونة بلا بذار
نمر سلفيتي
عَهدُنا بالطواحين أنها قوية تخرج لنا الدقيق من بين الرحى الدائر المتحرك، ولكن إذا كانت الطاحونة بلا بذار فإنها تطحن نفسها، وتُهشِّم وجه الرَّحَى، ولن تعطي دقيقًا، إنما حصى منها وغبارًا.
إن الداعية الذي كان يومًا ما مفوهًا إذا تكلم، يُشار إليه بالبنان إذا خطط، أو اقترح، أو نفذ، الداعية الذي كان يومًا ما ينثر الدرر، ويأتي بأطيب الكلام وأحسن العِبَر، ويأتي في كل يوم بلون جديد: جديد في الأسلوب، وجديد في الأداء، وجديد في الفحوى والجوهر، وجديد في النشاط، فإنه يبقى في أعين الناس معايشًا للواقع، متماشيًا معه، متدرجًا مع نضوج أذهان وأفهام المجتمع من حوله.
أما من يستبعد الجديد والتغيير، يبقى كطاحونة بلا بذار، يطحن بنفس الأسلوب، ونفس الفحوى، ونفس العبارات والاقتراحات والنشاطات، فتتغير صورته في ذهن من حوله وتتبدل، فقد نضجت عقولهم وأفهامهم، وتوسعت مداركهم، فما صلح لهم بالأمس، أصبح اليوم صالحًا لغيرهم، فإنهم ارتقوا في مكانهم وأفهامهم، ولكنهم ما زالوا يتلقون ما دون حاجة الوقت، وحاجة الواقع، فلن يزدادوا بهذا الجمود والتكرار إلا شعورًا بأن الدعاة يستهينون بنضوجهم، أو ربما يستخفون بعقولهم، فالطفل الذي كان يحبو قد صار يمشي، فلم تَعُد "اللهاية" تشغله عن أن يسأل عن كل غريب حوله وكل جديد يلقاه.
فلنجدِّد العمل، ولنجدِّد كذلك الهمة والنشاط ونوع الخطاب والفحوَى والمخطط، ولنعدِّل الرسومات القديمة بلا تردد ولا استحياء، فما كان بالأمس صالحًا، قد يمسي اليوم غير ذلك.
كما أن من الطحين بلا بذار أيضًا أن تقول ما لا يفهمون،
وتكتب ما لا يقرءون، وتَعِظ ما لا يسمعون، أو تسعى إلى ما يستغربون، حينها ينبغي أن تفتش في جنبات نفسك، وتحدِّق في آثار قدمك، علَّ ذرة غبار من تقصير عالقة في ثوبك، أو رُبَّ حِملُ ذنب يُثقل ظهر رَحلك، وعساه فتور اعترى همتك، فالقارئ والمستمع صورة عاكسة لهمّتك، وسرّك وعلانيتك، وقيام ليلك أو رقودك، وجوع الهجير أو فطرك، وقوة اليقين أو ضعفك، فلا تبرح من دائرة اتهام ذاتك، ولا تكن عونًا للشيطان على إخوانك الدعاة، فالكبر فيك قاتل لروح الدعوة في سواك، وتنكرك للمحسن مُعَوِّق لحركة النور والأضواء، وحسدك للناجحين مُغرِق في كثرة الآفات والزلات، إن أول ما يشتد عليك في طول الطريق هم مَن حولك، قد لا يفهمونك، أو قد يخذلونك، أو يحسدونك، فاصطبر على هذه الشدة، واستعذب مُرَّها، وانتظر شمس البذار؛ لتقطف حلو الثمار، فالجأ إلى الركن الشديد ربك، وارفع إليه شكواك وضيق كربك، وتب عن كل تقصير، وهُبّ في الأرض وانثر البذور، فلا يعطلنك ظلم ظالم، ولا اغترار مغرور، ولا مسيء أدب عن إكمال المسير.
31/07/2003
http://www.ala7rar.net المصدر:
===========
أوهام عشنا بها ولها
خالد حسن(15/232)
لا أحد يشكك في أن حصيلة التحرك المنهجي الواعي تفوق ما يتمخض عن السير العفوي الطارئ من مردود. وإن بناء المؤسسات القوية التي تخضع لموازين الفقه الدعوي في عطائها الفكري أو السياسي أو الإعلامي أو العلمي أو الاقتصادي أو.. عملية شاقة مركبة من مجموعة أجزاء ومهام وقابليات. لذا، فإن تعثر عدد من المشروعات والأفكار في بداياتها، إنما مرده في بعض جوانبه إلى غياب خطة عمل واضحة وتحرك منهجي واعِ، كم من مشروع ومؤسسة ظهرت ولا زالت قائمة إلى الآن، لكن ينقصها التأثير والفاعلية، أو أنها ولدت مشوهة، لأن حضور القائد الفذ العالم البصير في مخيلتنا حجب عنا عجزنا وضعفنا وعوضنا عاطفيا عن حالة الفشل المؤسسي. إننا ننتقد التنظيمات الإسلامية في سياساتها الداخلية والخارجية وندين جمودها الفكري، وهذا حق كل ناقد بصير غيور، لا ننازعه فيه، ولكن عندما نواجه الواقع والجمهرة بمشروع أو مؤسسة نتلبس ببعض ما كنا ندين به الغير. ولعلنا بهذا نكتشف سرَ قصور كثير من الجهود لتجميع القابليات وأهل الرأي والعلم والخبرة وتركيب أجزاء الخير وإطلاقها، إنه التعويل على "القائد الفذ" الملهم (أو ما يقوم مقامه من "المدينة الصامدة" و"الملحمة الرائعة" أو أسماء تركت أثرا نصنع منها الخط الفاصل والمتنفس "الأوحد" والخير "المطلق")، ونعلق الأماني عليه، ويكفي وجوده بيننا ليعوض نقص الطاقات والعقول، وهذا وهم تحول إلى مرض نفسي، أقعدنا عن الإبداع والتميز ضمن عمل تجميعي هادئ موزون، في انتظار إنجازات رجل الملحمة الذي جمع خصال الخير وفنوع العمل وأحاط بالمهارات، وبهذا نكون قد خدعنا أنفسنا ووضعنا هذا القائد الملهم أو ما يقوم مقامه في مخيلتنا- في ورطة!. وكثيرا من أعمالنا ينقصها العمق والدراية وأهل التخصص، لأننا لا نفكر في المشروع المؤسسة وإنما نختزل المشروع والفكرة في شخص بعينه نبرز تصريحاته ونتناقل مقالاته ونعدَ خطواته ونحصي إنجازاته البطولية، ونكون بهذا قد ملأنا فراغا نفسيا وركنا إلى الاتكالية وعطلنا حواسنا وطمسنا الخير والحق الذي أودعه الله فينا ووهبنا عقولنا إلى القائد. والغريب أن هذا ليس مرده إلى غياب الهمة وروح العطاء والبذل، فهذا متوفر ويزخر به مجتمع الدعاة بنسب كبيرة، ولكن في استيعاب مفهوم القيادة والتوجيه، وأنها مؤسسة وتخصصات وتقاسم أدوار، وليس عملا فذا بطوليا يقوم به شخص مهما علا قدره ونبغ عقله. ولا تسأل عن دليل القيادة العملي أو طريقة عملها، فهذا موكول لعقل القائد واختياراته!. وفي غياب منجية في الأداء القيادي الجماعي، أو قصور العملية القيادية المركبة، تكثر صور التطابق والتماثل، ولا يستقر للقائد مشروع ولا مؤسسة، ويضعف الأداء، ولا يُؤبه بالتخصص. إن القيادة عملية مركبة موزعة على قابليات وتخصصات وقدرات، وهي عصارة فكر وحصاد رأي قبل أن تكون كتلة مشاعر وتدفق عواطف. إننا لا زلنا نعيش وهما اسمه "رجل الملحمة"، ومؤسساتنا ومشاريعنا لا يمكنها أن تحقق الأثر وتبدع وتتميز في عطاءاتها وأدائها المنهجي، ما لم نرسخ مفهوم القيادة الجماعية باعتبارها عملية تركيبية. والسواد الأعظم من الناس أو الجمهور مفطور على تقليد المسموع والمنظور، فإذا تفنن القائد الفذ في صنعة ولم يجبر غيرها أو تُستدرك بقيادات وتخصصات ومواقف مكملة، فإن المشهد سيكون واحدا لا يعرف التعدد، ومتماثلا لا يعرف الاختلاف والمغايرة. وأمامنا عبر من التاريخ: كان الوليد بن هشام صاحب ضياع واتخاذ مصانع، فكان الناس يتساءلون في زمانه عن لينيان الضياع والمصانع. ولما وُلي عمر بن عبد العزيز، كان الناس يتساءلون، كم تحفظ من القرآن الكريم، وكم وردك كل ليلة، وكم تصوم من الشهر. وفي واقعنا المعاصر: كان الناس إذا أصبحوا في زماننا وتلاقوا، تساءلوا: هل من مقال جديد، وهل قرأت ما كتبه فلان في موقعه ومنتداه. وهل من مبادرة جديدة ومشروع خرج به علان على جمهوره، وهل ثأرت حماس لقيادييها، وكيف للفلوجة أن تهادن؟!.
06/05/2004
http://www.alasr.ws المصدر:
===========
التحاب
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمد لله ما تقرب إليه عبده بشيء أحب إليه مما افترضه عليه، والصلاة والسلام على سيد المرسلين الأولين والآخرين. وبعد:
فإنه لا يكاد يطلق مسمى الحب إلا وبُودِرَت (أستغفر الله) في زمان موِّهت فيه الحقائق، وقلبت فيه الفضائل؛ فللإعلام قصب السبق في هذا؛ فقد صُوِّر الحب بالغرام و بالهيام والولع والوله، وصرف عن معنى الإيمان إلى معنى الضلال.
الحب مقصد من مقاصد الدين لا يقوم الدين إلا به؛ فحب الله هو العبادة الجامعة، فهو كالرأس للطير لا حياة له إلا به (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ)، (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ) الحب علامة من علامات الإيمان بالله، وله عند الموحدين وجود، ولا له عند الكاذبين حقيقة، فليس ادِّعاءً.
تعصي الإله وأنت تزعم حبه * هذا لعمري في القياس بديع
وحين تتمتم الشفاه بعظمة الباري؛ لا يحدوها لذلك إلا رجاؤه وخوفه وحبه.
يقول - صلى الله عليه وسلم -: (إن من أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله).
المؤمن يدعو الله: (اللهم إني أسألك حبك وحب العمل الذي يقربني إلى حبك) فكل ما يقرب إلى الله فهو للمؤمن محبوب، وكل ما يبعد عن الله فهو مبغوض؛ لأن قصده الله.
وإن من أعظم الحبِّ الحبُّ في الله؛ يقول - صلى الله عليه وسلم -: (المتحابون في الله على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء).(15/233)
وإن من علامة الحب الصادق: أن يزيد مع زيادة إيمان المحَبِّ، وينقص بنقص إيمانه.
من علاماته: النصح في الله؛ فهو مرآة لأخيه، بعيد عن المداهنة والمصانعة.
وإن أعظم من يحَبُّ بعد حب الله؛ بل لا يتم التوحيد إلا بحبه: حب مبلغ الشريعة، وخير البرية محمد - صلى الله عليه وسلم -، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا والذي نفسي بيده؛ حتى أكون أحب إليك من نفسك) فقال عمر: فإنك الآن أحب إلي من نفسي، فقال: (الآن يا عمر).
وإن مما يصرف عن هذا المقام العظيم، وهذه العبودية العظمى: التعلق بغير الله، فمن تعلق بغير الله من صورة أو ذات فقد صرف القلب لغير الله، وطاشت نفسه بالهوى، وحينها ينغلق القلب، ويصبح بعيداً عن الله؛ فبمحبوبه يتعلق وبه يفكر.
وإن المغبوط حقاً حقاً: من اشتغل بكل ما يقرب إلى الله ومحبته.
اللهم اجعلنا ممن أحبوك فأحببتهم.
اللهم صل وسلم على محمد.
14 / 4 / 1425هـ
http://www.toislam.net المصدر:
===========
نصيحة إلى أخي الشاب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..أما بعد: هذه رسالة يبعثها أخ ناصح.. مشفق.. حريص على سعادتك وهنائك في الدنيا والآخرة..
أخي الشاب: ها أنت تتجرع مرارة الحياة صباح مساء! من تعب وألم!! ولا أسوأ من مرارة الحياة من الوقوع في المعاصي، والتهالك على اللذات والشهوات! فإنها القاصمة التي أفسدت عليك شبابك، وعكَّرت عليك أن تحيا شبابك قوياً.. ثابتاً.. في عزيمة وعلو همة..
أخي: كم من الشباب اتخذوا أهواءهم مطيَّة! ولبئسة المطية مطية الهوى.. أما رأيت أخي كيف ذمَّ الله - تعالى - الهوى في كتابه العزيز؟! فقد قال الله - تعالى -: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23]. فبالله ما الذي وجدته في دنيا الهوى؟! هل وجدت لذة لا ينقضي نعيمها؟! هل وجدت أنساً وراحة يملآن جوانحك؟! هل وجدت في نفسك شوقاً إلى الدار الآخرة، وجنة ربك - تعالى - التي عرضها كعرض السماوات والأرض أعدها لأهل طاعته؟! هل وجدت حباً لطاعة ربك والتفاني في عبادته؟!
أخي الشاب: ما أسعدك يوم أن تصبح فتستقبل يومك بطاعة الله - تعالى -، وتقتل هواك يومها! فلك أخي أن تعد هذا اليوم من أيامك الصالحة التي ستنفعك غداً إذا وقفت أمام الله - تعالى -، فتحتاج إلى الحسنة الواحدة!
ولا تقف أخي عنَّد يوم واحد، بل فلتحرص أن تكون أيامك كلها بيضاء.. بيض الله وجهي ووجهك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه..
قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: ((إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله، فإن كان عمله تبعاً لهواه فيومه يوم سوء وإن كان هواه تبعاً لعمله فيومه يوم صالح)).
أخي: لماذا تنسى أنك مسلم؟! لماذا تنسى ما خلقت لأجله؟! أنسيت أن الأيام تمضي ويمضي شبابك معها؟!
أخي الشاب: أين أنت من عواقب المعاصي؟! شقاء وقلق في الدنيا.. وعذاب وجحيم يوم الحساب.
قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: ((من استحوذت عليه الشهوات انقطعت عنه مواد التوفيق)).
أخي: اجعل هدفك في الحياة طاعة ربك - تعالى -؛ تسعد في الدنيا، وتفوز بالدرجات العالية يوم تقوم القيامة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://saaid.net المصدر:
===========
الشباب بين المهاوي والمعالي
المحتويات:
•المهاوي لغة.
•المعالي لغة.
•الهاوية الأولى: التدخين.
•الهاوية الثانية: المسكرات والمخدرات.
•الهاوية الثالثة: الفضائيات التلفزيونية.
•معالجة المهاوي.
•وقفة في المعالي.
الشباب بين المهاوي والمعالي:
وليس مقصودنا أن نتحدث عن الشباب وأهمية الفترة العمرية، فقد سلف لنا حديثا في مثل هذا، وإنما مرادنا هنا أن نوضح هذه المعاني البينية التي سندرس أو سنتعرض لذكر تعلق الشباب بها.
المهاوي لغة:
المهاوي: جمع هاوية ومهواة، وأصل الاشتقاق اللغوي لهذه الكلمة من الفعل الثلاثي " هوى "، ومعناه كما قال أهل اللغة: هو أصل يدل على خلو وسقوط، فالشيء الذي فيه هواء أي خال فارغ.
وإذا قلت هوى الشيء معناه سقط ولم يكن شيء يحجزه بل كان هناك فراغ أدى إلى مثل هذا السقوط واصله الهواء بين الأرض والسماء سمي كذلك لخلوه وكل خالٍ هواء، كما قال - جل وعلا -: {وأفئدتهم هواء}، أي خالية فارغة من الإيمان وتثبيته، وقال المفسرون في هذا المعني: " خالية لا تعي شيئاً ".
والهوة هي الحفرة البعيدة القعر، أي الهاوية السحيقة التي فيها بعد ٌوفراغ ٌ وخلوٌ من تعرض لها أو جاء إليها؛ فإنه يسقط ويهوي، والوهدة هي الغامظ من الأرض التي لا يتفطر إليها.. الوهدة أرض منخفضة لكن ليست ظاهرة فيقع الإنسان فيها وقد يتعثر؛ ومن هنا نجد أن خلاصة معنى هذه المهاوي أنها في معنى الخلو والفراغ، وأن فيها معنى الخفاء والغموض، وأن فيها في آخر الأمر معنى التردي والسقوط.(15/234)
وأما المعالي: فإنها واضحة في دلالتها من حيث اشتقاقها من الفعل الثلاثي " علواً أو العلو " وهو السمو والارتفاع، ومعنى ذلك السمو إلى المعاني العظيمة، والارتفاع إلى المهمات الجسيمة، وهذا معناه أننا ندور في هذا الكلام حول الأمور والمطالب الشريفة السامية، وقال الخليل: " المعلاة الكسب والشرف والجمع المعالي "، وفلان من علية الناس أي من أهل الشرف فكل هذه المعاني السامية ترتبط بذلك.
ومعنى هذه البينية هي بينية تضاد، فنحن لا نريد المهاوي ولكن نريد المعالي، ونحذر من المهاوي ونرغب في المعالي، لا نريد لشبابنا أن يسقط بين الحفر، بل نريد لهم أن يسمو ويعلو للقمر، لا نريد لهم أن يسقطوا في الأدناس بل نريد لهم يرتقوا، وأن يكون شامة بين الناس، لا نريد لهم أن يتلوثوا بالوحل والطين؛ بل نريد لهم يتضمخوا بالعطر والطيب، نريد أن لا يفقدوا الرعاية الحماية ولكننا نريد أن يجدوا التشجيع والإعانة.
والمراد هنا في آخر الأمر أن ننبه إلى بعض هذه المهاوي وأخطارها وأسبابها وأضرارها؛ حتى يكون ذلك بمثابة تنبيه وتحذير، وقرع لأجراس الخطر للشباب، ولمن يهمهم أمر الشباب من الآباء والأمهات ومن سائر دوائر المجتمع في أهم وأكثر دوائره تأثيراً، وخاصة في التعليم والإعلام.
وهذا ما سنتحدث عنه بإيجاز؛ لأن كل هاوية من تلك المهاوي جديرة بأن تفرد لها أحاديث خاصة؛ بل قد سبق لنا في مثل ذلك، وسأتحدث عن أربعة مهاوي من الأمور التي لا تخطئها العين، ونعلم يقينا أن لها صلة وطيدة بالشباب وتأثيراً عظيم فيهم وأضراراً كثيرة بهم، ويعود ذلك - بالتالي - على المجتمعات الإسلامية والأمة الإسلامية بأوخم العواقب، وأكثر الأضرار التي نشكو ونعاني منها وسنذكر في آخر الأمر بعض من المعالي ربما لا أكثر فيها، وأذكر اثنين فحسب؛ لعلها تكون وقد حذرنا من تلك المهاوي أن يكون شيء من الترغيب في تلك المعالي.
الهاوية الأولى: التدخين:
وربما يكون ترتيبنا ليس مقصود بذاته؛ فإن كل واحدة من هذه المهاوي لها مما يقدمها على غيرها من وجوه كثيرة حتى يحتار المرء في أيها يبدأ.
التدخين كلنا يعرفه ولكني أقول: إن الأرقام المتعلقة بالتدخين في فئة الشباب تروعك، والحقائق تخيف، والنتائج تنذر بخطر عظيم.. وهذه وقفات مختصرة جداً؛ و إلا فإن هناك ما هو أكثر وأعظم وأخطر وإن الأرقام المتوفرة عن التدخين في دائرة الشباب مرعبة.
وقد نشرت صحفنا المحلية أن دراسة أجرتها وزارة التربية والتعليم في المدارس شملت سبعمائة واثنين وخمسين تلميذاً في المرحلة المتوسطة والثانوية بالمدارس الحكومية في مدينة الدمام، أعطت هذه النتائج ثلاثين في المئة من هؤلاء الطلاب مدخنون في المرحلة المتوسطة والثانوية.
تسعون في المئة من هؤلاء المدخنين بدأوا التدخين في مرحلة مبكرة.
وبينت الدراسة أن خمسة وخمسين في المئة من طلبة مرحلة السنة النهائية في السنة الثانوية لا يقدرون حق التقدير احتمال إصابتهم بالإدمان على التدخين.
ومن الأرقام المؤسفة أن جمعية مكافحة التدخين أشارت إلى أن سبعة عشر في المئة من الطبيبات السعوديات العاملات في منطقة الرياض مدخنات.
ومن الأرقام المفزعة كذلك - دراسة أجريت في مدارس البنات المرحلة المتوسطة والثانوية في منطقة مكة المكرمة، وأظهرت أن خمسة وثلاثين إلى خمسة وخمسين في المئة من الطالبات مدخنات.
وهذه النسبة تزيد عند المعلمات.
وتشير إحصائية أخرى إلى أن عدد المدخنين إجماليا في المملكة بلغ نحو ستة ملايين مدخن مابين ذكر وأنثى ومقيم ومواطن، وأن إجمالي ما يدخنونه ثمانية مليارات وسبعمائة ألف سيجارة، وأن ذلك يكلف ستمائة وثلاثة وثلاثين مليون ريال في العام الواحد.
لو حسبنا هذه الأرقام وتحدثنا عن البطالة أو عن المشروعات، أو عما سيأتي من تكاليف العلاج سنرى كم هي الجريمة فادحة، وكم هي الخسارة عظيمة في هذه الهاوية الخطيرة، والتقارير العامة من منظمة الصحة العالمية تقول أن أعداد المدخنين تتناقص في أمريكا والدول الأوربية والدول المتحضرة، وأنها تتزايد في دول العالم الثالث! وأنه بحلول عام " ألفين وعشرين " يتوقع أن يكون سبعين في المئة من أسباب الوفيات راجعة إلى التدخين..
أرقام أخرى تقول: " إن استهلاك السيجارة في المملكة - ليس كما ذكرت ولكن أرقام أخرى - خمسة عشر مليار سيجارة، وأنها تكلف ذلك الرقم الذي ذكرته، وأن إجمالي نسبة المدخنات من بين المدخنين عموماً تزيد على عشرين بالمئة ".
ونشرت جريدة البيان الإماراتية في تقرير نشره المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية: " أن التبغ كلف المجتمع الدولي عموماً أحد عشر ألف وفاة يومياً ".
وتقول الدراسة كذلك -: " إن خمسة وأربعين وفاة يومياً في دول الخليج سببها المباشر التدخين "!
ومعنى خمسة وأربعين وفاة أن هذه الوفيات في اليوم يمكن أن تحسب بعد ذلك بالساعات بل ربما بما هو اقل من ذلك.
وتقول الدراسة التي أجريت في عام ألفين بأنه هناك ألف وفاة سنوياً بأمراض سرطانية لها علاقة مباشرة بالتدخين، وتقول هذه الدراسة: " أن التدخين ينتشر في أربعين في المئة من المجتمع الرجالي وعشرة بالمئة في المجتمع النسائي وخمسة عشر في المئة من مجتمع صغار الشباب والمراهقين ".
وتؤكد الدراسة: أن الفئة الأطباء والعاملين في القطاع الصحي وطلب كليات الطب يمارسون التدخين بنسبة تصل إلى ثلث الشريحة، وتتجاوز نصف الشريحة في السعودية والكويت والأمارات - والتي أكدت الدراسة - أن أربعة وأربعين في المئة من الأطباء الذكور يدخنون السيجارة.(15/235)
وفي دراسة أيضا أجريت في أحدى مناطق المملكة تبين فيها دراسة على الطالبات أن سبعة وعشرين في المئة من طالبات المرحلة المتوسطة وخمسة وثلاثين في المئة من المرحلة الثانوية وأكثر من خمسين في المئة من المعلمات كلهن يدخن السجائر.
وإحصائية علمية في المملكة قدرت خسائر مستشفى الملك فيصل التخصصي في علاج الحالات المرضية للمدخينن بلغت أكثر من عشرة مليار دولار خلال خمسة وعشرين عاماً.
وتؤكد هذه الأرقام والإحصاءات أن المملكة هي الدولة الرابعة على مستوى العالم في استيراد واستهلاك التدخين.
وتبلغ نفقات التدخين في استيراده - فضلا عما يترتب عليه من مصروفات العلاج - أكثر من الميزانيات المخصصة للبحوث العلمية وتطوير التعليم.
وتقول أيضا الأرقام الأخرى العامة: أن أعلى الدول في العالم تدخينا بنسبة عدد السكان هي تركيا - البلد الإسلامي - الذي يبلغ نسبة المدخنين فيه إلى نسبة عدد السكان سبعة وستين ونصف في المئة من إجمالي عدد السكان.
وعدد المدخنين في مصر يرتفع سنويا ما بين ثمانية إلى تسعة في المئة وهو معدل أعلى بكثير من معدل زيادة المواليد.
وتقدر الشركات المصنعة والمستوردة للتدخين أن في مصر الآن ما بين ستة عشر إلى سبعة عشر مليون مدخن.
وتقول وزارة الصحة المصرية أن المصريين ينفقون نحو خمسة مليارات جنيه على التدخين أي نحو اثنين وعشرين بالمئة من متوسط الدخل القومي للفرد في مصر.
وهذه الأرقام كافية في أن تظهر لنا فداحة الأمر وخطورتة الشديدة الكبيرة.
وقفة ثانية مع قضية قريبة منا ولصيقة بنا كثيراً أعددت إستبانة أو استمارة صغيرة فيها معلومات عن الشخص، ومتى بدأ التدخين؟ وكم سيجارة يدخن في اليوم؟ وما هو سبب تدخينه لأول مرة؟ وهل فكر في الإقلاع عن التدخين وكم المدة التي مكثها عندما اقلع عن التدخين ثم عاد إليه.
وقد اخترت من نحو أربعين استمارة هذه النماذج اليسيرة وكلها أخذت من دائرة لا تزيد عن مئات الأمتار عن هذا المسجد الذي نستمع فيه إلى هذا الحديث.
هذه استمارات اخترتها لمن يدخنون وهم دون الخامسة عشر من العمر:
استمارة المدخن - فيها عمره اثنان وعشرون عاماً - ويقول: أنه بدأ التدخين قبل خمسة عشر عاماً - أي انه بدأ يدخن وهو ابن سبع سنوات - ويقول أنه يدخن نحو خمسة عشر سيجارة، والسبب الرفقة والأصحاب ويقول فكر أكثر من مرة في ترك التدخين ولكنه لم يتركه إلا لأقل من أسبوع فقط.
وآخر عمره عشرون عاماً ويذكر أنه بدأ التدخين قبل عشر سنوات أي وعمره عشر سنوات ولكنه يدخن قليلا وقد ترك التدخين نحو عام ثم عاد إليه.
وآخر عمره ستة وعشرون عاماً ودخن قبل خمسة عشر عاماًً أي وعمره إحدى عشر عاماً ويدخن أكثر من عشرين سيجارة في اليوم الواحد، ولم يفكر في ترك التدخين والسبب أيضا الرفقة والأصحاب.
ومثله من عمره اثنا عشر عاماً ويدخن أكثر من عشرين سيجارة، ولم يفكر الإقلاع عن التدخين بعد كما يقول.
وهذا عمره أحدى عشر سنة ويدخن أكثر من عشرين سيجارة، ويقول فكّر مرة واحدة وتوقف لأقل من أسبوع.
واثنان عمرهما أربعة عشر عاما وكلاهما يدخن يعني في حدود مابين خمسة عشر إلى أكثر من عشرين سيجارة.
أما الإجمال؛ فإن أكثر الأسباب التي ذكرت في هذه الاستمارات هي الرفقة والأصحاب لعدد خمسة وعشرين من هؤلاء الأربعين كلهم ذكروا هذا السبب الأسباب الأخرى هكذا.. كتب بعضهم الطفش، وكتب آخر الوهم، وكتب ثالث السفر إلى الخارج، وكتب رابع طيش الشباب وما وراء ذلك أيضا يمكن أن نعلم كثيرا وكثيراً منهم..
ثم ليست من مهمة حديثنا هذا الوقوف مع الأضرار والأخطار؛ فإنها وأقول هذا حتى ادفع من يسمع إلى أن يراجع ويبحث، وأرجو أن لا يراجعني، بل يراجع نفسه ويبحث ثم يعود التدخين أشد خطراً وضرراً من الخمر والمخدرات على المستوى العام، وتبين الآن أن في مادة التبغ أكثر من أربعة مئة مكون كيميائي فيها بحد أدني.. أربعين مكون ساماً قاتلاً على المدى البعيد وكل من يتجاوز في التدخين أربع سنوات؛ فإنه يكون معرضا للإصابة بالسرطان وتصلب الشرايين بنسبة تزيد على ثمانين في المئة، والأرقام من حيث الاستهلاك والشيوع أكثر بكثير من بقية الأحوال الأخرى أقول بذلك بدءً بالتدخين؛ لأنه خطير ولأن الحديث عنه والمواجه له من المفترض أن تكون أيسر وأسهل من غيره في جملة ما سيأتي ذكره من المهاوي الخطيرة.
كما قلت بالنسبة للأحكام الفقهية أيضاً - ليس مرادنا الوقوف عندها ولكني وجدت لبعض الفتاوى نوع من الشمول والقوة، والتي لعل ذكرها يزيل الأوهام؛ لأننا الآن يكاد يجمع المدخنون أولاً وطائفة كبيرة من غير المدخنين أن التدخين لا يعدوا أن يكون مكروها، وهذا لمن يجترىء لمن يقول أنه مكروه؛ و إلا فبعضهم يرى أنه دون ذلك مع أنه قد عقد في عام ألف وأربعة مئة واثنين - أو اثنا عشر - مؤتمر في المدينة المنورة في الجامعة الإسلامية، وحضره جمع من العلماء وأصدروا مما أصدروه من هذا المؤتمر فتوى إجماعية بحرمة التدخين، وأنا اذكر هذه النصوص من فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -، والشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -، والثانية أوسع وأشمل فيها من المعاني ما يستلفت النظر والانتباه، قال ابن باز - رحمه الله -: " الدخان محرم لكونه خبيث، ومشتمل على أضرار كثيرة، والله - عز وجل - إنما أباح لعباده الطيبات من المطاعم والمشارب وحرم عليهم الخبائث، وقال الله - تعالى - {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات}، وقال في حق وصف النبي - صلى الله عليه وسلم -: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} ".(15/236)
فكل ما هو خبيث محرم، ولا أظن مجنون وليس عاقلا في الدنيا يمكن أن يقول أن الدخان ليس خبيثاً فضلا على أن يقول أنه طيب، وقال: " وهكذا مع جمع المسكرات كلها من الخبائث الدخان لا يجوز شربه ولا بيعه ولا التجارة فيه، والواجب على كل من يشربه ويتجر فيه المبادرة في التوبة والإنابة ".
أما فتوى ابن عثمين - رحمه الله - فيقول فيها: " شرب الدخان محرم وكذلك بيعه وشراءه وتأجير من يبعه؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ودليل تحريمه قوله - تعالى -: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما}؛ ووجه الدلالة من ذلك أن الله نهى أن نأتي السفهاء أموالنا؛ لأن السفيه يتصرف بها فيما لا ينفع، وبيّن الله - سبحانه وتعالى- أن هذه الأموال قيام للناس لمصالح دينهم ودنياهم وصرفها في الدخان ليس من مصالح الدين، ولا من مصالح الدنيا فكيف يكون صرفها في ذلك منافياً لما جعله الله - تعالى - لعباده؟ ومن أدلة تحريمه: {ولا تقتلوا أنفسكم}؛ ووجه الدلالة من الآية أنه قد ثبت في الطبّ شرب الدخان سبب لأمراض مستعصية تؤول لصاحبها إلى الموت مثل السرطان، فيكون متناولها قد أتي سبب لهلاكه، ومن أدلة تحريمه {وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}؛ ووجه الدلالة من هذه الآية أنه إذا كان قد نهى عن الإسراف في المباحات - وهو مجاوزة الحد فيها - فإن النهي عن صرف المال في أمر لا ينفع يكون من باب أولى، ومن أدلة تحريمه نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال، ولاشك أن صرف المال في شراء الدخان إضاعة له؛ لأنه إذا صرف المال إضاعة - بلا شك - وهناك أدلة أخرى، والعاقل يكفيه دليل واحد، أما النظر الصحيح الدال على تحريمه فهو أن كل عاقل لا يمكنه أن يتناول شيء يكون سبباً لضرره ومرضه ويستلزمه نفاذ ماله من صرفه فيه؛ لأن العاقل لابد أن يحافظ على بدنه وماله، ولا يهمل ذلك إلا من كان ناقص في عقله ودينه، ومن الأدلة النظرية على تحريمه أيضا أن شربه يستلزم ثقل العبادات على شاربه - ولا سيما الصيام - فإن شارب الدخان يستثقل الصوم جداً؛ لأنه حرمان له من شربه من بعد طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهذا قد يكون في أيام الصيف الطويلة فيكون الصوم لديه مكروه؛ وحينئذ فإنني أوجه النصيحة لأخواني عموما والمبتلين به خصوصا بالتحذير منه بيع وشراء وشرب وتأجير لمحلات من أجل بيعه فيها ومعونة عليه من أي وجه كان ".
وهذا - كما قلنا - يكفينا في هذا الأمر، وأما الإقلاع عن التدخين فقد قامت لذلك جمعيات وابتكرت فيه بعض المبتكرات، ولكن الوازع الديني ومراقبة الله - عز وجل - والخوف من ارتكاب الإثم وما يلحق بذلك هو أول وأعظم الأسباب المعينة على الإقلاع، ومع ذلك فثمة وصايا نقولها ومضات سريعة.. الأمر أبصر من أن نستطيع الإلمام بجوانبه المختلفة، في بعض هذه الوصايا يقول الناصحون حاول أن تتعرف على أضرار التدخين بشكل جيد وواسع حدد الوقت المناسب للإقلاع واربطه بذكرى عزيزة عليك أو انجاز مهم عندك أعلن نبأ إقلاعك عن التدخين لأفراد أسرتك ولجميع من حولك يكون ذلك محرج لك ومعين للآخرين على تذكيرك، وأنت في الحقيقة أكبر من ذلك حاول أن تجد بديل عن السيجارة في إشغال يديك وليس نوع آخر ضع قلما في يدك دائماً اصطحب شيء في يدك حتى لا تأكلك يدك - كما يقول المدخنون - واقلع عن بعض المشروبات التي كنت تعتاد شرب الدخان معها كالشاي أو القهوة أو غير ذلك، تجنب الأماكن التي كنت تذهب إليها مع أصدقاءك للتدخين، تجنب الاختلاط بالمدخنين، ارفض كل عرض يقدم لك للعودة إلى التدخين، وقبل ذلك و بعده استعن بالله - عز وجل - واخلص في دعائك له أن يعينك على أن تترك هذا التدخين وكما قلت الأمر يطول ويطول.
الهاوية الثانية: المسكرات والمخدرات:
وهي درجة أعلى - وإن كنت قد أشرت أن التدخين في جملة أضراره أكثر ضرراً في الجملة سواء على الفرد ولكنه على مستوى العام أكبر؛ لأن شريحة المتعاطين له والمتضررين منه أكثر بكثير من تلك الدائرة مرة أخرى الشباب هم الضحايا في مثل هذه الهاوية الخطيرة.
وقد قمت من قبل بزيارة لمستشفى الأمل الذي يعالج فيه المدمنون، ورأيت بأم عيني أن الغالبية العظمى التي تصل بحد أدنى إلى ستين في المئة، وربما بحد أعلى نحو سبعين أو خمسة وسبعين في المئة هم من الشباب وعندما نقول من الشباب من السن الرابعة عشر بل ودون ذلك في بعض الأحيان إلى نحو الثلاثين من العمر كلهم من المدمنين الذين تجتالهم هذه الهاوية وتدفنهم فيها حقيقة لا مجازاً، وأن الصور الحقيقية لهذا والمعبرة عنه كثيرة وليس بصدد الإحصاءات؛ فإنها أيضا مخيفة ومرعبة وتلفت النظر إلى قضية الشباب.
الأوهام الخاطئة والأحلام القاتلة:
وابدأ هنا بقضية مهمة وهي الأوهام الخاطئة والأحلام القاتلة التي تغري الشباب أو توقعهم فيها؛ لأننا سوف نذكر ذلك في تلك الأسباب من بعد:
أول هذه الأوهام ما يروجه المروجون ويشيعه غيرهم كذلك من هذه المخدرات ليست محرمة، وأنها ليست كالخمر؛ لأن الخمر ورد فيها نص وأنها ليست هناك نصوص تدل على حرمتها، وبعض الناس إذا وقع في هذه الآفة؛ فإنه يستمرىء هذا القول ويحاول أن يقنع نفسه به.
وأمر ثاني آخر وهو: أن هذه المخدرات تنسي أصحابها الهموم وتفرج عنهم الغموم وتريحهم وتدخل شيء من السرور والسعادة إلى نفوسهم، والحقيقة المُرّة أن الأمر على خلاف ذلك تماماً؛ فإن الذين يدخلون في هذا الطريق ويسيرون فيه يصيبهم الشقاء المحتوم والنكد الدائم والهمّ المطبق وسوداوية الحياة كما سنذكر في بعض الصور.(15/237)
ووهم ثالث أيضا نذكره بصراحة؛ لأنه يشيع أيضاً بين الناس، ومن أراد أن يلتفت إلى هذا فليقرأ ما كتب عن قصص الإدمان وطريقة هذا الوهم الثالث هو أن هذه المخدرات تعطي قوة ومتعة جنسية لمتعاطيها، وهذا أيضا مما يروجه الذين يسعون لنشر هذه المخدرات، وهذه الأوهام إنما ذكرتها؛ لأنها من أكثر المصائد التي تصطاد الشباب وترغبهم أو تغريهم بهذه الآفة المهلكة المدمرة.
الأسباب الموصلة والطرق المهلكة:
وننتقل من بعد إلى توضيح تفصيلي في الأسباب الموصلة والطرق المهلكة أولها وعلى رأسها كما أشرت من قلة الوازع الديني.. غيابه وضعفه التزكية والعبادة الإقبال والصلة بالله - عز وجل - أمر أساسي؛ متى فقد فإنه هو الذي تترتب عليه هذه المعضلة وغيرها أيضا من أمثالها.
الأمر الثاني: ضعف التربية الأسرية:
ويتجلى ذالك في صور عديدة جداً منها: غياب الآباء والأمهات عن أحوال أبنائهم، ومعرفة مشكلاتهم، والجلوس إليهم، والحوار معهم، ومعرفة ما يجول بخواطرهم، وتلمّس معاناتهم، فيبقى هؤلاء نهب حين إذن للفراغ أو للهم ويظنون انه سوف يزول بدخولهم أو بتعاطيهم لهذه المخدرات ويكون كذلك فريسة لفراغ قاتل يؤدي بهم إلى رفقة فاسقة - كما سنذكر - ومن الأسباب المتعلقة بهذا الجانب في التربية توفير الأموال وإعطاءها عند الطلب دون التنبه أو السؤال أو المتابعة لكيفية صرفها أو مجالات الانتفاع بها، ولذلك نجد - وهذا مذكور في قصص واقعية في هذه المستشفيات بعضها مدون في كتب وبعضها مباشرة من بعض ما يلمسه الإنسان في مثل تلك الزيارات - أن بعض الآباء يعطون أبنائهم مصروفات في أيديهم - لا أقول تصل إلى المئات بل تصل إلى الآلاف - ثم أيضا يكون المال موجود في المنزل ولا يحرّج على أحد أن يأخذ منه شيء أو لا يلتفت إذا اخذ منه شيء وهذا يكون له أثره الواضح.
السبب الثالث: رفقة السوء وأصحاب الفساد:
وبعض هؤلاء وهذا أيضا من اعترافاتهم وإقراراتهم بعضهم يحمل حقدا على الآخرين؛ لأنه وقد وقع في هذه الآفة رأى كل مستقبله ينهار وصحته تتهاوى؛ فإنه يريد أن يوقع الآخرين في مثل ما وقع فيه، ولذلك بعضهم يتفنن في أن يجعل غيره مدمن فرفقة السوء يصلون إلى إدخال الشاب في حظيرة الإدمان.. إذا كان يمتنع و يرفض يمكن أن يضعوا له تلك المخدرات في العصير أو في الشاي أو في غيرها من المشروبات حتى يدمن رغماً عن أنفه وبغير معرفته، وقد وقع ذلك كثيراً وهو من أساليب المروجين؛ لأنهم يريدون أن ينفقوا بضاعتهم وأن يكسبوا الأموال المحرمة فيسعون إلى ذلك من الأسباب كذلك الأعلام والأفلام وما أدرك ما في هذا! فإنه يعرض من فنون هذه الأمور ومن صورها ما يقولون أنه لبيان خطرها وحقيقته أنه يرغب فيها؛ فإنك لا ترى بطل في غالب الأحوال إلا وهو مدخن! وتراه إذا أراد يستمتع يشرب المسكر! وتراه إذا شرب المخدر وهو في حالة تبدي أنه في سرور أو غير ذلك!
إضافة إلى تعليم الطرق وتعليم الأساليب، وتعليم طرق التخفي ونحو ذلك من الأمور، فضلا عن أمور أخرى سيأتي ذكرها.
سبب خامس وهو: السفر إلى الخارج:
وقد ذكرت إحصائية أجريت على بعض المدمنين في السعودية أن اثنا وعشرون في المئة منهم تعاطوا المخدرات للمرة الأولى في خارج البلاد وهذا أيضا خطر واضح تمارسه الأسر دون أن تلتفت إلى مخاطره، فيقول لك هؤلاء الآباء أو أولئك الآباء والأمهات: دعه يتنزه أو يسرّى عن نفسه، أو يكتشف العالم! لماذا نعقده؟ لماذا نمنعه؟.. "، ويترك له الحبل على غاربة ثم ينتهي به الأمر أما في سجون الشرطة وإما في مستشفيات الإدمان، وإما في مقابر الموتى، وتلك الحالات أكثر في الشباب منها في الحالات الأولى.
ومن ذلك أيضا: الاستخدام السيئ للأدوية وبعض العطور:
وبعض الأغراض التي تستخدم في غير ما أعدت له، وهذا أيضاً ينبغي الانتباه له والحذر منه والشباب يقعون فيه - وخاصة صغار السن الذين لا يملكون المال ولا يعرفون الأمور - فإنهم يبدأون بتلك الأمور الموجودة في البيوت، والموجودة في كل مكان، وتكون هي بداية الطريق، وبعض هؤلاء كما هو وارد في تلك الدراسات والإحصاءات قد بدأوا في تلك العادات - المسماة بالشفط أو المسماة بالشمّ أو غير ذلك - وهم في سن السابعة والتاسعة قبل أن يبلغوا حتى العاشرة من عمره وهذه قضية أيضا خطيرة.
ومن الأسباب أيضاً: التفكك الأسري:
بالطلاق وكثرته، وكثرت الشقاق والخصام، والنزاع بين الوالدين، ووجود أجواء الحرمان العاطفي والتربوي بين الأب والأمّ وانعكاسه على الأبناء؛ ولاشك - أيضاً - أن السبب من وراء مع ذلك كله أيضا استهداف أعداء الإسلام والمسلمين عموماً وأتباعهم لشباب الأمة؛ لأنهم إذا دُمروا فقد جاء السبب الأكبر لتدمير الأمة، ولو ذكرنا الإحصاءات - أو تذكرنا الإحصاءات - التي قلناها في التدخين؛ فإن مثلها تماما يكاد يكون في المخدرات، وفي دراسة نشرتها مجلة الفرقان في عددها الأخير - وهي كويتية - ذكرت إحصاءات خليجية وذكرت أيضاً إحصاءات سعودية كما قلت أشارت إلى نحو سبعين في المائة من المتعاطين للمخدرات هم من فئة الشباب من الرابعة عشر إلى الثلاثين من العمر.
الحكم الشرعي:
وأما مسالة الحكم الشرعي، فالأمر فيها على خلاف الوهم فكل مسكر حرام كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وما اسكر قليلة فكثيره حرام كما ورد في الصحيح أيضا عنه - عليه الصلاة والسلام -، وقد أجمع العلماء المتقدمون في مسألة واضحة بينة فيما تترتب عليه الآثار.
كما قال الإمام النووي: " أول ما يزيل العقل من الأشربة والأدوية - كالبنج وهذه الحشيشة - فحكمه حكم الخمر في التحريم ".(15/238)
وقال الحسقفي - من علماء الحنفية - نقلاً عن الجامعي: " أن من قال بحلّ البنج والحشيشة فهو زنديق مبتدع ".
المسألة ليست فقط في الحل وكل ما ذكرنها من الأدلة السابقة من إلقاء بالأيدي للتهلكة وتحريم الخبائث وغير ذلك يدخل في هذه الحرمة دخول واضح.
الآثار:
أما الآثار - أيها الأخوة - فإني أريد أن اذكر بعض من هذه الآثار مع الإشارة إلى بعض القصص الواقعية؛ لأن هذه القصص يكون لها من التأثير والتذكير والاعتبار أكثر مما يكون لغيرها من النقاط أو المعلومات هناك آثار كثيرة ومآسن خطيرة على مستوى الفرد وعلى مستوى الأسرة وعلى مستوى المجتمع والأمة الآثار كثيرة في جوانب صحية ومالية واجتماعية ودينية، وفي كل هذه الجوانب ما يضيق المقام عن ذكره أو حصره، ثم نذكر بعض هذه على مستوى الفرد في بدنه وعقله وماله أمور خطيرة منها: ضعف العقل وقلة التركيز وعدم القدرة على الاستحضار لذلك يتخلف هؤلاء المتعاطون للمخدرات في دراساتهم ويرسبون، وينتهي بهم المطاف جزماً إلى ترك الدراسة وعدم القدرة على المواصلة، وهناك الأمراض الخطيرة الفتاكة التي تصيب البدن من تلف الكبد، ومن ارتفاع نسب الإدمان في الدم حتى تصل في الجرعات الزائدة إلى الموت المفاجىء - وهو كثير جداً - وقد رأيت مما قرأت وشاهدت صوراً حقيقة لبعض الشباب، وقد أغلق على نفسه غرفته ثم اخذ هذه الحقنة بعد أن ربط يده، وكانت جرعة زائدة ثم مات وهو منكفىء على جبهته، وبقي أكثر من ثلاثة أيام في هذا المكان دون أن يشعر به أحد.
وهناك أسرة مكونة من عدد من الأبناء - وقد كانت أسرة من الأسر الكريمة والطيبة - وابنها الأكبر دخل في هذا الطريق وانتهى به الأمر إلى أن مات، ودون أن يعرف أهله سبب لموته، وكان من ضحايا المخدرات؛ والعجيب أن أخاه الأصغر منه كان يذهب معه في بعض تلك الجلسات ولم يكن يتعاطى المخدرات، فبعد وفاة أخيه وبعد العبرة به، إذ بأولئك الصحبة يغرونه بالالتحاق بهم، ثم يدمن المخدرات، ثم يكون أيضا ثاني الموتى، ويلحقه الابن الأصغر أيضاً ويموت الثلاثة من الأبناء بسبب المخدرات! القصة واقعية حقيقية لأسمائها وأشخاصها.
وكثير من هذه القصص قد لا يعلم لان الناس والأسر تستر على نفسها وأما المال؛ فإنه يبدد بشك عجيب حتى إن أقل الناس ينفق إذا أراد أن يواظب على القدر الذي يحتاج إليه من هذه المخدرات مالا يقل عن مائتي ألف ريال في العام الواحد، وهناك ما يترتب على هذا؛ فإن الذي يفقد المال يبدأ فيسرق من بيته، ويسرق مال أهله ويسرق ذهب زوجته، بل يبيع أثاث بيته وأثاث بيت أهله قطعةً قطعة، وقد قرأت من قصص لجنة بشائر الخير - وهي لجنة في علاج الإدمان والمدمنين في الكويت - وأعرف رئيسها، وقد زرت هذه اللجنة، والتقيت بعض المدمنين من التائبين، يُذكر في القصص أن أمّاً اتصلت به، تقول أدركني؛ فإن ابني قد جاء بشاحنة، وهو يشحن جميع أثاث البيت وقد باعه لأجل تأمين المخدرات، وتبقى أمه ويبقى هو بلا أثاث، وبلا مال، وينتهي الأمر إلى ما أشرنا إليه.. فقدان الشهية والاستمتاع بالطعام، غثيان دائم واستفراغ مستمر، وتقزز من حالة من يستخدمون - وقانا الله وإياكم- يصابون بالتهاب الجيوب الأنفية، وتسيل أنوفهم مخاطاً على طول الوقت، ومن يستخدمون الإبر تتورم أجسامهم حتى لا يبقى موطن يستطيعون به أن يستخدموه بضرب الإبر لا في اليد ولا في اليد الأخرى، ثم في الأرجل حتى يأتي الوقت الذي يضعون فيه الإبر في أماكن قاتلة، فيموتون على قوارع الطرق، وفي أماكن العمل، وفي صور - نسأل الله - عز وجل - السلامة منها - لا يرضاها الإنسان على العدو الكافر فضلاً عن الشاب المسلم الطاهر.
ومن الآثار أيضاً انعدام القوة والقدرة الجنسية؛ فضلاً عن المآسي والمخاطر الأسرية التي انتهت ببعضهم أن يضرب زوجته وهي حامل فتسقط، وأن يهدد أبنائه بالقتل بالسكين ويفعل بعضهم ذلك، وصور كثيرة خطيرة في هذه الأمور، وأحسب أنها ليست مستغربة وليست منكرة، بمعنى أنها لا يقول الناس إنها نادرة، بل يعرفون أنها حقيقية وكثيرة، وهناك عقوق الآباء والأمهات والعدوان عليهم، وهناك انحراف الأبناء، وهناك السمعة السيئة، وهناك فقدان الوظيفة، وهناك ضياع الدراسة، وهناك تشوه المواليد الذين يكونون من نسل المدمنين أو المدمنات.. إلى صور مأساوية مهلكة محرقة، يكاد المرء يعجب كيف - مع كل هذا - يمكن أن يدخل الناس ويلجأوا في ذلك؟
ومن المخاطر على مستوى المجتمع - وهي من أسوء المخاطر وأكثرها ضررا وخطراً على الإيمان والخلق والسلوك - انتشار الدياثة والدعارة؛ فإن المدمن يرضى السوء والفاحشة؛ بل ويجبر زوجته على ذلك لقاء ما يحصل عليه من المخدرات، والمدمنة - والعياذ بالله - تبيع شرفها وعرضها لأجل هذه المخدرات، وهذا واقع ظاهر بيّن معروف مشهور، لا يحتاج إلى إقامة الأدلة.
وانتشار الجريمة أيضاً أثر اجتماعي خطير؛ فإن السرقات - وخاصة السرقات المسجلة - وإن الاحتيال و البطش والقوة والقتل كله في كثير من الأحوال، وبنسبة مئوية مرصودة في الخارج - وليست عندنا - أنها تصل إلى بعض الأحيان 80% منها لها ارتباط بالمخدرات والمسكرات، ومنها هو أيضاً أثر اجتماعي خطير الحوادث المرورية القاتلة للذين يقودون وهم سكارى أو تحت تأثير المخدرات، وكم هم من تأتيهم حالات من الإغماء من أثر هذه المخدرات فيهلكون ويُهلكون نسأل الله السلامة.(15/239)
ومن الآثار الاجتماعية المصروفات الصحية الهائلة، والإمكانات التي استدعت أن يكون هناك مستشفيات خاصة وعلاج طبي، وعلاج نفسي، وعلاج صحي، وعلاج ديني، وتستنفذ من الجهود والطاقات والأموال ما كان جديراً بأن ينفق في التعليم والبناء والتربية وغير ذلك من المصالح والتربية والمعالي العظيمة قصص محزنة كثيرة، وبعضها قصص عجيبة منها: قصة لمرأة وزوجة كريمة رأت زوجها وهو يهوي في هذه الهاوية، ولم تكن والمرأة في كثير من الأحوال ضعيفة - لم تكن قادرة على أن نصنع شيئاً - إلا أنها استعانت بعد الله - عز وجل - ببعض الأقارب، فكلهم تبرأ وابتعد، و أراد أن يجتنب عن هذا المدمن، وفكّرت وسألت، وعرفت بعض المعلومات، واستشارت طبيباً بالهاتف، ثم قامت بتنفيذ هذه الخطة استدعت حداداً جعل على نافذة الحمام - أكرمكم الله حديداً قوياً - لا يمكن اختراقه، وهناك حديد من الجهة الأخرى وبينهما عازل يمنع خروج الصوت، حتى لما سألت قالت الإزعاج يأتينا من الخارج، ويزعج الأبناء وبعض الأمور، ثم لما جاء زوجها وهو على حالته من المخدرات، كانت قد أعدت أيضاً في الحمام فراشاً ومخدة للنوم وثلاجة حافظة وضعت فيها مشروبات ليست فيها من الحديد أو الزجاج، بل هي من الكراتين ووضعت بعض الأدوية التي تعلمتها من الطبيب، ولما جاء زوجها قالت: ادخل الحمام وسوف تستريح ثم حبسته، في ذلك الحمام مدة أسبوع تعطيه شيئاً من هذا الطعام من هذه النافذة، حتى انتهى أثر المخدر، ثم بعد ذلك واصل واستطاع بفضل الله عزوجل، ثم بفضل هذه الزوجة العاقلة.. قد كان يصيح ويسبّها، ويلفظ بألفاظ الطلاق ونحو ذلك، ولكنها تركته حتى بدأ يستعيد عافيته ويتخلص من أثر تلك المخدرات، ويبدأ في الطعام والشراب المعتاد.
وحقيقة أن الحالات التي تأتي في هذه الظروف عظيمة وخطيرة جداً والأمر فيها - كما قلنا - كثير وكبير، والعلاج - كما قلت - من قبل سنجمع فيه كلمة جامعة في آخر من نريد الحديث عنه.
والهاوية الثالثة: الفضائيات التلفزيونية بكل أنواعها المختلفة:
وهنا ومضات سريعة في هذا؛ لأن الأرقام موجودة والدراسات العلمية مكتوبة ومطبوعة ومقروءة:
أولاً: الشابات أكثر مشاهدة وتأثراً بالفضائيات من الشباب، لماذا؟ لأن قدرتهن على الخروج والتحرك أقل، فهن في بيوتهن أوحجرهن يقضين من الوقت أكثره مع هذه الفضائيات.
نقطة ثانية: الشباب أكثر تجمعاً ومشاهدة جماعية من الشابات لهذه الفضائيات.
ثالثاً: الأسر تتأثر، وتبدأ تنحل عرى أخلاقها وآدابها شيئاً فشيئاً بإدمان المشاهدة المحافظة نسبياً كما يقولون.
رابعاً: الشيوخ يتصابون، والعجائز يتشببن، فالتأثير ليس مقتصراً على الشباب! فكم من شيخ عجوز يفتن وينحرف ويصل إلى درجة من الانحراف لا يصدقها عقل، وعنده من الأبناء والبنات - بل وربما أحياناً الأحفاد والحفيدات - ما يجعل مثل فعله قبيحاً في غاية القبح!
ومثل ذلك أيضاً - وهو من الخطورة بمكان - الصغار الضحايا الأبرياء، الذين تتفتح عيونهم في هذه القنوات منذ بداية ونعمومة أظفارهم، تنطمس بصائرهم، وتسود فطرهم، وتختل موازينهم، وتقبح كلماتهم، وتنحرف سلوكياتهم، شاء آبائهم وأمهاتهم أم لم يشاءوا، عرفوا أو لم يعرفوا.
وقفة ثانية - وأحسب أن الوقفات في هذه الموضوعات كثيرة جداً لكننا نوجز - ماذا في هذه القنوات من الأمور المؤثرة؟
لا أريد أن أذكر النسب، ولا أريد أن أذكر أوقات عرض هذه النسب، في قناة برامج دينية كم نسبتها قدّروها متى تعرض؟ عندما ينام الناس، ولا يكون هناك مشاهدين يبدأ بث هذه البرامج وإعادتها كرات ومرات؛ حتى من يشاهدها ويقصد مشاهدتها بعد فترة يصبح قد حفظها وملّ منها، لكن أوقات الذروة - كما تسمى - التي فيها أكثر المشاهدين ماذا فيها؟
أولاً: باقات الأفلام التي يعلن عنها على صفحات الجرائد، وعلى شاشات التلفاز فيها محتويات معروفة بكل وضوح وسهولة أنها تخرب العقائد والأفكار والتصورات، وأنها تزيغ العقول والأفكار، وأنها تحرف السلوك وأنها تدعو وتحث وترغب وتسهل الجرائم.
نقطة ثانية: أن هذه الفضائيات تحطم الحدود، فليس هناك حدود جغرافية، ولا حدود أخلاقية، ولا مراعاة ثقافية، ولا خصوصية قومية أو وطينة، فهي تتجاوز ذلك كله، بل إن الإعلانات - حتى في القنوات غير العربية - تقدم باللغة العربية وتكتب الأرقام، ويقال: من أراد أن يتحدث بالعربية فهذه الأرقام كذا وكذا، ومن أراد أن يتحدث بغيرها فله كذا وكذا، وتظهر على الشاشات الجمل باللغة العربية وهي جمل وتدعو وترغب، ثم أيضاً ماذا من البدع المحدثة، تلك الأغاني الخليعة الماجنة التي لا يعرف الإنسان هل هو يستمع إلى غناء أم ينظر إلى فجور وفسق، وإن كنا نعلم حرمة ذلك كله! كان الناس أولاً يستمعون إلى الغناء فالأثر فيه أقل، واليوم يرون فيه ما يرون.
وأمر ثالث أيضاً وهو: البرامج المباشرة وما أدراك ما فيها من الأحاديث والمغازلات والمعاكسات!(15/240)
وكنت أقول فيما سبق: يشتكي من بعض الناس من بعض المعاكسات على هاتف منزله، فيصدر الأمر بالمراقبة وتكون هناك عقوبات من الأمارة، أما اليوم فعلى صفحات الجرائد إذا أردت أن تهدي عبر الهواتف المحمولة أغنية أو تسجل رسالة أو تنقل صورة أو غير ذلك.. أصبح الأمر في هذا شائعاً متاحاً، وأقول في الواقع كأنما هو مباح أيضاً، وليس هذا من باب الإباحة الشرعية وأحسب أيضاً أننا جميعا نقر بأن الشباب يقضون في هذا من الأوقات كثيرا مما يؤثر آثارا عظيمة، بل إنهم أصبحوا متخصصين في فنون البرمجة وفك التشفير و قلة التكلفة، وغير ذلك كما نشرت صحفنا تحقيقات وقاضيات وأن هناك بطاقات بقليل من الأموال يمكن أن تشاهد بها قنوات إباحية جنسية، ليست واحدة ولا اثنتين ولا خمسا ولا عشراً، بل أكثر من ذلك وأنها تجدد بعشرة ريالات، وأن هذا أصبح مألوفاً ومعروفاً، ثم بعد ذلك نشكو من أحوال الشباب، لما ذكرناه من التدخين والمخدرات والمسكرات من أعظم أسبابه هذه القنوات - وكما قلت - القليل هو الذي نذكره.
هذه بعض الآثار الحقيقية المباشرة؛ ولعلي أتعجب أيضاً نحن نعلم أنه قد صدرت الفتاوى بتحريم المخدرات، وتحريم ترويجها بل ومعاملة مروجي المخدرات معاملة من الناحية الشرعية، وأحسب أن هذا الذي يكون في الفضائيات لا يقل عن ترويج المخدرات في آثاره وأضراره، فكيف يكون تسويقه والإعلان عنه بهذه الصورة المؤثرة المرغبة التي في كل يوم تقدم جديداً، وتقدم من الأسعار ما هو أرخص، وتقول بإعلاناتها الواضحة الظاهرة: " إننا نقدم هذه الأفلام مباشرة كما هي " يعني ليس هناك مراقبة، وليس هناك قص، وليس هناك حجب لشيء من هذا وهذه.
وقفة رابعة مع الهاوية الرابعة: الشبكة العنكبوتية الإنترنت:
والدراسات تقول وأعجب من هذا على المستوى العالمي: أكثر المواقع التي فيها دخول من الجمهور وتتفاعل معها بالدرجة الأولى المواقع الإباحية الجنسية، والدرجة الثانية - وهذا عجيب، وقد رأيته في إحصاءات ودراسات علمية - مواقع الدين والأفكار والمناقشات المتعلقة بذلك، أما بالنسبة لواقع شبابنا؛ فإن أكثر من نسبة سبعين بالمائة يستخدمون الانترنت استخدامات في المجالات الجنسية والمغازلات والمعاكسات وتبادل الصور ومشاهدة الأفلام، وما هناك من العلم والثقافة وغير ذلك ليس هو الذي يعتني به الشباب إلا قلة منهم، ولا أقول ذلك يقول أغلقوا هذه الوسيلة، ولكني أبين أن هذه الخطورة هي عدم المتابعة والانضباط، فهي شيء خطير جداً.
ثم أيضا هناك ما يسمى بالأحاديث المباشرة، ولا أحب استخدام الكلمات الأجنبية " الشاتينغ " الذي يتيح فرصة التخفي، فلا يعرف من أنت؟ تتحدث بما شئت لمن شئت.. وتتحدث هي كما شاءت لمن شاءت.. ويكتب من شاء لمن شاء، وتكتب من شاءت لمن شاء، والأمور تبقى على هذه الصورة المزرية والمؤثرة والخطيرة.
هذه مهاوي أربع ذكرناها على سبيل الإيجاز، ولكنه إيجاز أحسب أنه نبه إلى الخطر وكشف عن الضرر وأوجب علينا جميعاً أن نقف في مواجهة هذا الخطر، وأننا جميعا غير آمنين على أنفسنا أو على أبنائنا منه، وإنه لابد من بذل كل جهد في هذا السبيل.
المعالجة من تلك المهاوي:
وسأذكر الآن إيجازاً من القول ثلاثة عناصر أساسية نعدها جملة أو الجمل الجامعة للمعاجلة النافعة لهذه المشكلات وغيرها، وهي ثلاثة عناصر:
أولها: التزكية:
وهي تربية الإيمانية العبادية التي يرتبط فيها الشاب أو المسلم بالله - عز وجل -، يستحضر عظمته، يستحي منه، يخاف عذابه، يرجو ثوابه، يبكي بين يديه ويتضرع إليه ويتوكل عليه؛ فحينئذٍ تكون حاله على غير الحال التي يمكن أن تصرعه هذه المشكلات وتلك المهاوي.
الثاني: التربية:
ونعني بها تربية الوالدين، وتربية المعلمين، وتربية وسائل الإعلام.. أن تكون محددة ومرغبة في الخير ومحذرة ومنفرة من الشر، وأن تأسس الشباب والأبناء على أسس سليمة لا تفسد فطرهم، ولا تحرف سلوكهم ولا تزيغ أهوائهم ولا تضل عقولهم كما تمارس أحيانا وسائل الإعلام أو كما يقع في معاهد العلم والتعليم أو غير ذلك مما نعلمه أو نشير إليه.
الجانب الثالث: التوعية والتنبيه:
بمعرفة الأخطار وكشف الأضرار والتحذير من الوسائل والسبل بأسلوب علمي دقيق؛ فإن القرآن الكريم قد بيّن جوانب الضرر، وبيّن جوانب مما قد يرى أنه فيه خير أو فيه مصلحة، ورجح أن الأضرار إذا عظمت؛ فإنها حين إذ لا يلتفت إلى تلك المنافع الموهومة والمزعومة.. {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس}.(15/241)
وهذا الإثم الكبير هو الذي جاء من بعد القرآن فنص على التحريم بشكل واضح {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسنا}، فبنت الآية الوجهين حتى يكون الناس على بصيرة من أمرهم، وكثير ما نخفي الحقائق - أو لا ننبه على المخاطر - فيقع الناس فريسة لها وورد هذه المهاوي وإن كان الحديث طال لكنه كان موجزاً كذلك أقف وقفتين مختصرتين مع أمرين أو صورتين من معالي نحبها لشبابنا والأصل أن يطول فيها حديثنا ولكنا الإشارات تغني إن شاء الله عن طول العبارات أولاً الشباب والتميز الشخصي أي تميز الشخصية للشاب واكتمالها واستوائها واعتدالها، وأقول بعناوين جامعة التدين أساس والأخلاق زينة والجدية إنتاج والاستقلالية ثبات والمبادرة عطاء والهمة ارتقاء، هذه أركان وركائز أعود عليها بشيء من التعريف التدين أساس فلا يقوم شيء قياما صحيحا ولا يدوم دواماً مستمرا إلا أن يكون له أساساً اعتقادي إيماني؛ فإن الذي يحرك النفوس، ويقوّي العزائم، ويثبت في المواقف، ويمنع في الانزلاق بعد عون الله - عز وجل - هو التدين والإيمان والخوف من الله - عز وجل - وتذكر العواقب، والحرص على تجنب مواطن الخزي في الدنيا والندامة في الآخرة؛ ولذلك لما تربى الجيل الأول من أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام - والأجيال المؤمنة التي أخذت حظها من الإيمان والتربية حتى عصرنا الحاضر رأينا شبابا يستعلي على الشهوات، ويقف بشموخ وقوة وصلابة أمام الإغراءات، ونجده يسمو على كل تلك الترهات، وينمو ويشمخ بهمته وعزيمته إلى ما هو أعلى وأسمى من كل هذه العوارض، ونحن نرى ذلك بحمد الله ونرى أمثلة فنقول: من أراد أمورا كثيرة حتى تفوق الدراسة فضلاً عن التفوق الدراسي وغير ذلك مما سنذكره أساسه ومفتاحه ومبدئه التدين والارتباط بالله - عز وجل -.. أداء الفرائض الإقبال على الطاعات، والاستكثار من الخيرات والحرص على الرفقة الصالحة، والارتباط بكل ما يغذي ويحيى مشاعر الإيمان في النفوس والقلوب من دروس العلم ومواعظ الذكر وغير ذلك.
الأخلاق زينة؛ فإن التربية الخلقية وإن كانت جزءاً من التربية الدينية إلا أنها صورة خاصة ومنطقة مهمة ينبغي العناية بها، فخلق في الصدق والأمانة، وخلق في العفة والحياء، وخلق في الصبر والحلم، وخلق في جوانب التعامل من البشاشة والرفق واللين وغير ذلك.. عندما نحبذها ونرغّب فيها الشباب ونشيعها بينهم ليس كما هو حالنا اليوم كثير من الشباب يمتهنون الكذب ويحترفونه ويعتبرون جودة الأساليب والمخادعة في الكذب نوعاً من الشطارة وما يسمونها أو غير ذلك من الحذق والمهارة ونحو هذا.
والجدية أخذ الأمور بجد.. استغلال للوقت، وحرص على التحصيل، وإتقان في العمل، غلب على الشباب تراخ وكسل وتفريط وتضييع من أثر تلك المهاوي التي أشرنا إليها {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} ديننا دين قوة، دين جد، خوطب النبي - عليه الصلاة والسلام - في أول ما نزل عليه من القرآن في الآيات الأولى: {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً}، وقال - تعالى -: {إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً}، وقال زيد بن ثابت لما كلفه أبو بكر بجمع القرآن: " لو كلفني نقل جبل من مكانه لكان أهون عليّ " كانوا يأخذون الأمور بجدية فتجدهم حينئذٍ وقد انتدبوا للمهمات وأدو الواجبات، وأتقنوا الصناعات وتفوقوا في العلوم وغير ذلك من الجوانب المهمة الجدية مفتاح أساسي في الشاب على وجه الخصوص وشخصية المسلم على وجه العموم.. مالنا نرى كثيراً من الشباب وهم رقعاء سفهاء متخنثون متشبهون بالنساء!
نرى نوعاً من هذه الشخصية المهترئة التي شوهتها تلك المعاني والمهاوي التي أشرنا إليها.
والاستقلالية ثبات؛ فإن شخصية الشاب لابد أن تكون فيها استقلالية وفيها قدرة على أن يعبر عن رأيه وأن يخرج مالديه من الاعتراضات أو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الوقوف كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: (لا يكن أحدكم إمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم).
الشاب لا بد أن يكون مستقلاً في شخصيته مع مراعاة الأدب ومع مراعاة حسن التوقير للكبير لكنه لا يغلب على نفسه ولا يسير مع التيار؛ بل له - كما قلنا - من إيمانه وخلقه وجديته ما يثبت به على معتقده وعلى رأيه في الحياة وعلى جده في الأمور والمبادرة عطاء كثر أيضاً في شبابنا وشاباتنا أنهم ينتظرون غيرهم يبدأ وينتظرون الكبار أن يصنعوا ونحن نعرف أن الصغار كانوا في الزمان الأول كبارا ونحن اليوم نرى الكبار وهم في حقيقة أمرهم صغار ونحن نستصغر الشاب فنقول عنه في المتوسطة إنه صغير وإنه في الثانوية لم يكبر بعد، وإنه في الجامعة مازال في مقتبل شبابه ولا يعتمد عليه حتى يبلغ إلى الخامسة والعشرين أو إلى الثلاثين.. إذاً متى سيكون هو ذلك الشاب الذي يثق في نفسه ويبادر لأن يتقدم وينتدب للمهمات
إذا القوم قالوا: من فتى خلت **** أنني عُنيتُ، فلم أكسل ولم أتبلد
متى يجدد ما حصل بين رافع بن خديج وسمرة بن جندب - رضي الله عنهما - وهما صغار في السن عندما تصارعا ليفوز أحدهما بشرف الالتحاق بجيش النبي - عليه الصلاة والسلام - لمحاربة كفار قريش في غزوة أحد؟(15/242)
أين المبادرة؟ حتى رأينا الشباب يستبقون إلى الموت فضلاً من أن يستبقوا إلى ميادين العلم أو الدعوة أو الجهاد وهم في سن نعدها اليوم في سنٍ صغيرة مابين قائد للجيوش في السابعة عشرة أو التاسعة عشر، وما بين مفت للأمة كالشافعي وهو ابن التاسعة عشرة وما بين وما بين من شباب كثيرون ملئت بهم صفحات تاريخنا.. واليوم يبلغ الرجل الأربعين والخمسين وهو لا زال لا يقدم شيئا ولا يؤخر شيئا.
وأخيراً: الهمة ارتقاء:
هناك همم عالية طموحة ولن تثمر جداً ولن تنبت استقلالاً ولن تنشئ مبادرةً فلا بد من تلك الهمم أن نشحذها في نفوس الشباب، وأن نذكي نارها في قلوبهم، وأن نجعلهم أصحاب طموح كما كان ربيعة بن كعب لما سئل عن مراده ومطلبه: (أسألك مرافقتك في الجنة).
وأخيراً: وقفة في المعالي:
وهي أيضاً على سبيل الإيجاز الشباب والتفوق الدراسي، ونحن اليوم نرى نسب الرسوب كثيرة والناجحون يقنعون بالمقبول، ونسأل الله القبول - كما يقولون - وقلة قليلة ممن تحقق نتائج متميزة وقلة من هؤلاء المتميزون يستمرون أو يبدعون أو يبتكرون، وتأتي أمتنا من بعد في ذيل القائمة المتخلفة تخلفاً علمياً وتقنياً؛ لأننا صرفنا الشباب عن هذا الميدان في التفوق الدراسي والعلمي والتقني، وانشغلوا - كما قلنا - بترهات الأمور وبمفسدات العقول وبمضلات الفتن نسأل الله - عز وجل - السلامة.
وهنا نقول: الكثير من الجوانب نجملها في أمرين اثنين في كل منهما نقاط يسيرة:
أولاً: البواعث والعوامل لهذا التفوق:
أ - الثقة مبعث القدرة:
فالثقة بالنفس مبدأ مهم حتى تستطيع أن تبدأ في خطوة الإنجاز الأولى، وكثير من الشباب بل كثير من قادة الرأي أحيانا يرون أنه لا يمكن أن يكون عندنا متفوقون كالغربيين أو الشرقيين العبقرية والعلم والاختراع لم تخلق لنا خلقت في أناس ليسو من بيئتنا، وهنا نحطم شبابنا ويتحطم الشاب إذا لم يكن عنده ثقة في نفسه أنه يمكن أن يكون متفوقاً، وأن يكون عالماًَ، وأن يكون مبدعاً، وأن يكون مخترعاً إلى غير ذلك..
ب- التشجيع محفز الارتقاء:
لا بد أن نشجع أولئك الأبناء على هذا التفوق تشجيعاً تربوياً متوازناً، ونجعله متكاملاً، فوسائل الإعلام تشجع على اللهو والعبث وضياع الأوقات في جوانب معينة، ولا تقدم القدوات على أنهم - كما سبق أن قلت أصحاب جرأة قلم، أو ركلة قدم، أو رنة نغم.. أو غير ذلك؛ بل تقدّم النماذج التي تشجع حقيقة، وهي نماذج التفوق الدراسي والعلمي، فلابد أن يكون هذا التشجيع على كل المستويات؛ حتى نكون عاملاً محفزاً للارتقاء.
ج- الانتباه قدرة على التركيز:
وهذه من مهارات التعلم لابد أن يكون الطالب أو الشاب منتبهاً متيقظاً مركزاً حتى يستطيع باستمرار أن يحصل بسماعه سواءً في محاضرةً، أو في حصة وفصل، أو مجمع عام أن يكون دائم الانتباه والتركيز ليضيف إلى حصيلته من العلم ما يجعله متفوقاً.
د- الذكاء قدرة الاستنباط:
ولابد من إعمار العقل وتقويته وشحذه؛ حتى يكون عنده المقارنات، ويكون عنده قدرة على الاستنباط والتحليل، والعقل بطبيعته كلما شغلته زادت قدرته، وكلما تركته - كما يقولون - في بعض النكت ورأيتها يمثلها بعض الشباب ليشيروا إلى بعض النقص أن هناك عقول للبيع فيقول هذا عقل مستهلك ومستخدم كثيراً، ثم إذا جاء إلى العقل العربي يقول هذا عقل نظيف لم يستخدم أبداً تأخذه طازج؛ لأنه لا يشتغل أو لا يفكر، أو لا يعمل عقله يستحضر ذكاءه! وهذا أيضاً من ما ينبغي تجنبه الذاكرة قدرة على الحفظ، والحفظ مهم في العلم مع الفهم، ويخطئ من يقول: إن الفهم يستقل وحده.
وأخيراً: الإرادة هي القدرة على التفوق بالعزيمة الماضية:
أما الطريق المتدرج وهو النقطة الثانية فله خطوات: الإنصات طريق التعلم، والقراءة طريق التقدم، والكتابة طريق التمكّن، والدراسة طريق التفنن والتعبير - أي التعبير عن هذا كله هو طريق التحسن والإبداع في آخر الأمر - هو طريق التألق، ولا بد من كل هذه المهارات، ونحن نريد لشبابنا أن يأخذوا بهذا، وأن يحرصوا عليه، وأن لا تكون هذه الحالة التي نعاني منها - ولا شك - أننا نشعر بضرورة التكامل بين الجوانب المختلفة السيئة - التي أسلفناها - والحسنة - التي أخرناها - فإن هذه لا تكون إلا بتجنب تلك، وإن وجود تلك سيفضي لنا إلى عدم تحقيق هذه، نسأل الله - عز وجل - أن يحفظ شبابنا، وأن يحفظنا جميعاً من مضلات الفتن، ونزغات الهوى ووساوس الشيطان.
http://islameiat.com المصدر:
============
حتى لا يسقطَ منتداكم
الحمدُ لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعدُ:
نحن - معشر الإخوة - غرباء، عابرو سبيلٍ في هذه الدنيا، وعمَّا قريبٍ لابدَّ من الرحيل إلى الحساب بين يدي الله - تعالى -، فهل نقضي هذه الحياة فيما لا ينفعنا ويعود علينا بالخير؟!
أخي: أنتَ ضيف في هذا المنتدى وغيره من المنتديات..فإياكَ أنت تكون مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير.. فأنت على ثغرة.. فإيّاك إيّاك!
أنت تمثل الإسلام في عيون الآخرين الذين يطرقون المنتدى.. فَدَعْ عنك الكِبْرَ، والعصبيةَ، والهوى، والإعجابَ بالرأي..
روى ابنُ ماجه - رحمه الله تعالى - في سُننه 237 من حديث أنس بنِ مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنّ من الناسِ مفاتيحَ للخيرِ، مغاليقَ للشرِّ، وإنّ من الناسِ مفاتيحَ للشرِّ، مغاليقَ للخيرِ؛ فطوبى لمن جعل الله مفاتيحَ الخير على يديه، وويلٌ لمن جعل الله مفاتيحَ الشرِّ على يديه! )).(15/243)
وله شاهدٌ عنده 238 من حديث سهل بن سعد؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن هذا الخير خزائن، ولتلك الخزائنِ مفاتيحُ، فطوبى لعبدٍ جعله الله مفتاحاً للخيرِ، مغلاقاً للشرِّ، وويلٌ لعبدٍ جعله الله مفتاحاً للشرِّ، مغلاقاً للخيرِ)). وهو حديثٌ حسنٌ لغيره كما في الصحيحة 1332، وظلال الجنة 297-299، وكلاهما للألباني - رحمه الله تعالى -.
أخي: المنتدى للخيرِ؛ وليس للشرِّ.. للهداية؛ لا للغواية.. للترشيد؛ لا للتضليل.. لرفع كلمة الله - تعالى -؛ وليس لرفع ما تشتهيه الأنفس وما تهواه.
أخي: الأصلُ فيمَن يطرق منتداكم الإسلامُ؛ فحقُّه عليك: الرفقُ به ولينُ الجانب؛ ففي الصحيح منْ حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن اللهَ رفيقٌ، يحبُّ الرفقَ في الأمرِ كلِّهِ))، ((ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنفِ))، ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانَهُ، ولا ينزع من شيء إلا شانَهُ)).
وفي الصحيح أيضاً من حديث جريرٍ - رضي الله عنه - مرفوعاً: ((مَن يحرم الرفقَ يحرم الخير)) زاد أبو داود ((كلَّهُ)).
وعن أنس مرفوعاً: ((بشروا، ولا تنفروا)) رواه الشيخان.
وقال - عليه السلام - للأشجِّ - رضي الله عنه -: ((إن فيك لخصلتين، يحبُّهما اللهُ ورسولُه؛ الحلمُ، والأناة)) رواه مسلم.
وقال - عليه السلام -: ((عليكَ بحسنِ الكلامِ! )) الصحيحة 1939
وقال أيضاً - صلى الله عليه وسلم -: ((أَطِبِ الكلامَ)) رواه البزار.
أخي: عليكَ بالرفقِ.. إذا ما أردتَ أن تردَّ على أخٍ في أيِّ طرحٍ له، رأيتَه مخالفاً لِمَا تراه، فارفقْ به، وإياكَ والتعنيفَ.. لا تعالِجِ الخطأَ بالخطأ، عالجْه بالتصويب مصاحباً الحكمة.
أخي: هل رأيتَ طبيباً يسيء الأدبَ إذا ما أساء المريضُ أدبَه معه؟!
أخي: تبوأتَ مقامَ الترشيد، وبذلك تكون قد أثقلتَ كاهِلَك، فعليك أن تتحمل مسؤوليةَ الإرشاد.
أخي: لستَ الذي لا يخطئ؛ فكلُّنا ذوو خطأ.. ومَن ذا الذي ما ساء قط... ومَن له الحسنى فقط؟
يؤلمني وكلُّ غيور، ما نراه من مشاجراتٍ كلامية، لا داعي لها.. حتى تصل إلى الملاعنة.. فهل هذا من أدب الإسلام؟
هذا وراء الشاشات والمفاتيح، فكيف إذا كان الأمر معاينة؟!
أليس المنتدى للإرشاد.. فَعَلامَ الشدّةُ والقسوةُ والمفاصلةُ؟!
كأنك أوتيتَ علمَ الأولين والآخرين، وأنتَ لَمَّا تبلغِ الحلمَ في العلم!
أخي: لماذا أنتَ المصيب دائماً؟.. لماذا لا تقبل النصحَ من الآخرين؟.. لماذا تظن سوءَ الفهم وقصورَ العلم في الآخرين؟
أخي: أمَا قرأتَ قولَ الله - تعالى -: ((لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)) سورة التوبة 128.
أمَا سمعتَ قولَ الله - تعالى - فيما يرويه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربِّه - جل وعلا - في الحديث الإلهي: ((ورحمتي سبقت غضبي))؟
أخي: كُنْ رحيماً.. رفيقاً بإخوانِكَ.. وإلا.. دعِ الخلقَ للخالق!
أقول هذا تحذيراً لمن لَم يقع فيه.. وأقوله تنبيهاً لمن وقع فيه أو يوشك أن يقع فيه.. ولا أبرئ نفسي.. فأنا أسير الخطايا.. فكَّ اللهُ أسرَنَا.. فالمأسورُ مَن أَسرَه هواه، والمحبوسُ مَن حُبس عنِ الله..
اللهم ألهمنا رشدَنا، وأعذنا شرورَ أنفسِنا، وشرَّ الشيطان وشرَكِه!
آمين
http://saaid.net المصدر:
=============
من هو الشاب المسلم ؟
محمد الخضر حسين
في شبابنا من يكتفي في إسلامه أن ينشأ في بيت إسلامي، ويسمى محمداً أو مصطفى، ويعد عند إحصاء طوائف البلاد في قبيل المسلمين، ولا تجد بعد هذا فارقاً بينه وبين شاب لا تمت روحه إلى الإسلام بصلة. وهذا ما بعثني على أن اخترت للمحاضرة موضوع (من هو الشباب المسلم).
ذلك أن أنظار حكماء الأمة متجهة إلى بناء مدينة روحها الإيمان، وجسمها نظم الإسلام، وحليتها آدابه التي صاغتها يد الوحي السماوي، وما زالت ولن تزال في صفاء وضياء، فوجب أن تعلم من هو الشباب الذي يصلح لأن يمد يده لبناء هذه المدينة الشامخة الذرى، فنقول:
الشباب المسلم هو الذي يسمو بنفسه إلى أن يكون مسلماً حقاً، فيقرأ القرآن المجيد بروية، ويجيل فكره في آياته الزاهرة، حتى يتملأ حكمه البالغة، ومواعظه الرائعة، قال - تعالى -: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ).
والشاب المسلم هو الذي يؤمن بالله من الشرك أو ما يشابه الشرك، فيعتقد من صميم قلبه أن الله وحده هو المتصرف في الكون، فلا مانع ولا ضار إلا هو، وبهذه العقيدة السليمة يحمي نفسه من أن تلابسها مزاعم مزرية، ويصغر في عينه كل جبار، ويهون عليه احتمال المصاعب، واقتحام الأخطار في سبيل الجهاد في الإصلاح والدعوة إلى الحق.
والشاب المسلم هو الذي يدرس سيرة رسول - صلى الله عليه وسلم - دراية يرى بها رأى العين أن تلك المكانة البالغة المنتهي من الحكمة وقوة البصيرة، والنهوض بجلائل الأعمال المختلفة الغايات، مكانة لا يدركها بشر ليس برسول وإن بلغ في العبقرية الذروة القصوى، وأنفق في السعي إليها مئات من الأعوام أو الأحقاب.
والشاب المسلم يستجيب لله فيما شرعه من عبادات تقربه إليه زلفى، كالصلوات الخمس بقلب حاضر، ويؤديها ولو بمحضر طائفة لم تذق حلاوة الإيمان، فتنظر إلى المستقيمين بتهكم وسخرية، وضعفاء الإيمان من شبابنا لا يقومون إلى الصلاة في مجالس الملاحدة وأشباه الملاحدة من المترفين يخافون أن يسخروا منهم أو تزدريهم أعينهم.(15/244)
والشاب المسلم يعتز بدين الله، فيدافع عنه بالطرق المنطقية، ويرمي بشواهد حكمته في وجه المهاجم له، أو ملقي الشبه حوله، وإن كان ذا سلطان واسع وكلمة نافذة، وضعفاء الإيمان من شبابنا تتضاءل نفوسهم أمام أولئك الطغاة، ويقابلون تهجمهم على الدين بالصمت، وربما بلغ بهم ضعف العقيدة أن يجاروهم فيما يقولون، وسيعلم الذين يشترون رضا المخلوق بغضب الخالق أي منقلب ينقلبون.
والشاب المسلم يذكر في كل حين أن أمد عمره غير معروف، ويتوقع انقطاعه في كل يوم، فتجده حريصاً على أن لا تمر ساعة من ساعات حياته دون أن يكسب فيها علماً نافعاً أو عملاً صالحاً.
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يداً * ولم أكتسب علماً فما ذاك من عمري
والشاب المسلم إذا وكل إليه عمل أقبل عليه بنصح، وتولاه بأمانة، ذلك بأنه يشعر بأن الرجال إنما يتفاضلون على قدر إتقانهم للأعمال، ويشعر بأنه مسئول عما ائتمن عليه بين يدي من لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
والشاب المسلم ينظر بنور الله، فلا يسارع إلى تقليد المخالفين، ومحاكاتهم في عاداتهم وأساليب مدنيتهم وإن لم تقم على رعاية مصلحة، وضعفاء الإيمان يحرصون على أن يقلدوهم في كل شيء ولو خالف آداب الشريعة، كمن يمسك السكين باليمين عند الأكل والشوكة بالشمال، ويتناول بها الطعام مخالفاً لآداب الشريعة الغراء.
والشاب المسلم يؤمن بأن النظم الإسلامية الاقتصادية أرقى نظم يسعد بها البشر، ويدركون بها حياة مطمئنة آمنة، فمن يعتقد أن الربا مثلاً من الوسائل التي تتسع بها الثروة وينتقل بها الناس من فقر إلى غنى، فقد وقف بهذا الرأي محارباً لله ورسوله، ولا يزيده ما يرتكبه في تحريف نصوص الشريعة عن مواضعها إلا ضلالاً.
والشاب المسلم لا يجعل أحكام الشريعة تابعة لهواه وشهواته، فيأخذ في تأويل نصوص الشريعة والتلاعب بقواعدها حتى يزعم أنها موافقة لهواه، كمن يحاول أن يكون لسفور النساء وتبرجهن واختلاطهن بالرجال غير محظور شرعاً، يزعم هذا لينظر إلى بنات المسلمين وأزواجهن بملء عينيه، أو يتصل بهم دون أن يسمع كلمة إنكار.
والشاب المسلم لا يسعى لمجالسة الجاحدين إلا أن تدعوه إلى ذلك ضرورة، فإن علامة حياة القلب بالإيمان تألمه من سماع كلمة تهكم أو طعن في الدين، وقد دل التاريخ والمشاهدة أن الزنادقة إن لم يطعنوا في الدين أو يتهكموا بالمؤمنين صراحة لم يلبثوا أن يطعنوا فيه أو يتهكموا به رمزاً وكناية، ثم إن الملحد أيها الشاب المسلم لا تجد فيه خلقه وفاء، ولا في مودته صفاء، إلا أن تسير سيرته، وتحمل بين جنبيك سريرته.
والشاب المسلم يمثل سماحة الإسلام، وفضله في تهذيب النفوس، وأخذها بأرقى الآداب، فإذا جمع بينه وبين المخالفين المسالمين عمل لمصلحة وطنية، عاشرهم برفق وإنصاف، وإذا دارت بينه وبينهم محاورة في علم أو دين اكتفى بتقرير الحقائق، وإقامة الحجة، وطهر لسانه أو قلمه من الكلمات الجافية، وأخفى ما قد يقع في نفسه من غيظ، والتجملُ بالأناة وحسن السمت، ولين القول قد يجاذب النفوس الجامحة عن الحق، ويخطو بها الخطوة الأولى إلى التدبر في الحجة.
والشاب المسلم يعمل ليرضي ربه، ولا يحفل بأن تكون له وجاهة عند رجال الدولة، فإذا وجد أمامه أمرين أحدهما يرضي الخالق، وثانيهما يقربه من ذوي السلطان درجة اختار أولهما، فإن آثر رضا السلطان على رضا الله، فليتفقد مقر إيمانه، فعساه أن يهتدي إلى المرض الذي طرأ على قلبه، فليلتمس له دواء ناجعاً، وإنما دواؤه الناجع أن يعلم أن الله يمنعه من ذوي السلطان، وأن ذوي السلطان لا يمنعونه من الله.
والشاب المسلم قد تقتضي عليه ظروف خاصة بأن يسكت عن بعض ما هو حق، ولكنه إذا تكلم لا يقول إلا الحق.
والشاب المسلم لا يزن الناس في مقام التفاضل بما يزنهم به العامة من نحو المال أو المنصب، وإنما يزنهم بما يزنهم به القرآن المجيد والعقل السليم من ورائه، أعني العلم النافع والسيرة النقية الطاهرة، كما قال - تعالى -: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
والشاب المسلم يكسب المال ليسد حاجات الحياة، ويحيط نفسه بسياج من العفاف والكرامة، ويأبى أشد الإباء أن يسعى له من طريق الملق وإراقة ماء الوجه، والذي يبذل ماء محياه ولا يبالي أن يقف موقف الهوان، هو الشخص الذي فقد أدب التوكل على الخالق جل شأنه، وزهد في ثوب العزة الذي ألبسه إياه بقوله وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ).
والشاب المسلم لا يرفع رأسه كبراً وتعاظماً على الطيبين من الناس، وإن كان أغزر منهم علماً، وأعلى منصباً، وأكثر مالاً، وأوسع جاهاً، وإنما الكبر والتعاظم مظهر قذارة في النفس توحي إلى أن من ورائها نقائص أراد صاحبها أن يوريها عن أعين الناس بهذه الكبرياء.
والشاب المسلم يرفع رأسه عزة على من يعدون تواضعه خسة في النفس أو بلاهة في العقل، حتى يريهم أن الإيمان الصادق لا يلتقي بالذلة في نفس واحدة.
والشاب المسلم إذا رأى منكراً يفعل نهى عنه، وإذا رأى معروفاً يترك أمر به، ولا يقول كما يقول فاقدوا الغيرة على الإصلاح: ذلك شأن رجال الدين يعنون أرباب العمائم الخاصة، والدين لم يقصر واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على طائفة تسمى رجال الدين بل أوجب الأمر بالمعروف على كل من عرف أنه معروف، وأوجب النهي عن المنكر على كل من عرف أنه منكر. لا فرق بين الشاب والشيخ والمتعمم وحاسر الرأس.(15/245)
سادتي: هذه كلمة سقنا فيها مثلاً من السيرة التي تجب أن يكون عليها شباب الإسلام، وإذا هم نحروها رشداً، وثقنا بأن لنا أمة تستطيع أن تقف أمام كل قوة وهي على ثقة بأن تجد من الله ولياً نصيراً.
http://saaid.net المصدر:
============
أخي إني أحبك في الله
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء وسيد الغر المحجلين وشفيعنا يوم الدين وعلى آله وصحبه
الكرام الطيبين والتابعين وأتباع التابعين ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
لقد آثرت أن أُخصص مقالتي عن.. الأخوة في الله.. تلك الأخوة التي يكون رابطها الوثيق هو الحب في الله ولله وبالله إلى كل أخ أحببته في الله، والله إني لأدعوا الله وأرجوه أن نكون من أهل هذه الآية، قال - تعالى - (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) 67 الزخرف
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية أن كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله - عز وجل - فإنه دائم بدوامه أ. هـ.
فيا سبحان الله ما كان لله يدوم ويبقى وما كان لغيره يزول ويفنى!!!
نعم وحده
الحب في الله الذي يبقى ويدوم لأنه وُثق برابط قوي متين هو الله، وما عاداه من حب فإن مآله ولا شك إلى أن تذروه الرياح بعيدا فينُسى بمرور الزمن قال- صلى الله عليه وسلم -: (ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يُحبَّ المرء لا يُحِبه إلا لله، وأن يكره أن يعود للكفر كما يكره أن يُقذف في النار) [رواه البخاري: كتاب الإيمان / باب حلاوة الإيمان].
تأمل أخي في الله كيف رفع الله من شأن الأخوة حين تكون في
الله، الله أكبر إن أنا أحببت أخا في الله ينعم الله علي بحلاوة الإيمان فأنعم به من فضل وأكرم.
أخي الحبيب في الله …
إن للحب في الله معنى عظيم تعجز الكلمات من أن تصوغه أو تبين قدره في النفس المسلمة حين تحب لله، ذلك الحب الذي خلا من المصالح والمطامح، نعم هو حب يجمع كل أخ محب بأخيه تحت مظلة واحدة ألا وهي مظلة الإسلام في الدنيا، أما في الآخرة فإني والله لأرجوا أن نحظى بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ووالله لو سطرت معاني هذه الأخوة أو اختزلتها في كلمات فلن أفيها قدرها من الحق ولكن حسبي أن أطوف وإياك في ربوع سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فننهل مما جاء فيها من أحاديث هي بحق تغني عن آلاف الكلمات بل إن الكلمة منها تملأ القلب حياة وروحا ويقينا بصدق وعد الله للمتحابين فيه؛ قال - تعالى - في الحديث القدسي: (حُقت محبتي للمُتحابين فيَّ، وحُقت محبتي للمتواصلين فيَّ، وحُقت محبتي للمُتناصحين فيَّ، وحُقت محبتي للمُتزاورين فيَّ، وحُقت محبتي للمُتباذلين فيَّ المتحابون فيَّ على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء). [أنظر صحيح الجامع الصغير للألباني / 4321].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي، اليوم أُظلهم بظلي يوم لا ظل إلا ظلي.) [رواه مسلم: البر والصلة / باب فضل الحب في الله].
وقال - صلى الله عليه وسلم - (ما تحابّ اثنان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه) [أنظر صحيح الجامع / 5594].
وقال صلى الله عليه وسلم من أحبّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل عُرى الإيمان) [أنظر السلسلة الصحيحة / 380]
اللهم اجعلني ممن يحبون فيك ويبغضون فيك ويعطون ويمنعون لك وكل أخ وأخت لي في الله.
وقال - صلى الله عليه وسلم - (أن رجلا زار أخا له في قرية أُخرى، فأرصد الله له على مدرجته مَلَكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أُريد أخا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تَرُبُّها ؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله - عز وجل - قال: فإني رسول الله إليك، بإن الله قد أحبك كما أحببته فيه). [رواه مسلم: كتاب البر والصلة / باب فضل الحب في الله].
أي جود من الله!!!! من أن يمنَّ على المتحابين فيه بحبهم له!!!
بل انظروا إلى هذا الحديث عن أبي هريرة، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أتى المقبرة(فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا قالوا أو لسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال: أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد…الحديث) [رواه مسلم: كتاب الطهارة / باب استحباب إطالة الغرة].
أي شرف وعزة بعد هذا للمسلم من الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين قال إخواني؛ اللهم لا تحرمنا فضل هذا الحديث واجعلنا اللهم من أهله أجل أخي الحبيب… هذا هي ثمرة الحب في الله حين يصدق ويصفوا من كدر الأطماع الدنيوية فما أعظمها من أحاديث وما أعظمها من منة يجود بها الكريم المنان على المتحابين فيه، الله أكبر أن أحظى بحب الله رحماك ربي وسعت رحمتك كل شيء أن يغبط النبيون والشهداء يوم القيامة المتحابون في الله على عظم منزلتهم يوم القيامة فلا إله إلا الله أي فضل وكرم من الله بعد هذا للمتحابين فيه؟؟ هل بعد هذا كرم؟؟
ولله در علقمة العطار لما حضرته الوفاة قال لابنه : « يا بني إذا صحبت الرجال فاصحب من إذا خدمته صانك وإن صحبته زانك وإن تحركت بك مؤنة صانك وإن أمددت بخير مد وإن رأى منك حسنة عدها أو سيئة سترها وإن أمسكت ابتدأك أو نزلت بك نازلةٌ واساك وإن قلت صدقك أو حاولت أمراً أمرك وإذا تنازعتما في حق آثرك » .
قال عبد الملك : « سمع الشعبي هذه الوصية فقال : تدري لم أوصاه بها فقلت : لا ! قال : لأبنه وأوصاه ألا يصحب أحداً لأن هذه الخصال(15/246)
لم تكمل في أحد ». [أنظر آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة / لأبي البركات الغزني].
هكذا كان خيار الصالحين يوصي أبنائه على حسن اختيار الصديق فهو مرآة أخيه التي تعكس صورته بل إن الإنسان ليتسم بخلق من يخالل إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وفي ذلك يصدق قول الشاعر حين أنشد قائلا:
عليك من الإخوان كلَّ ثقات *** حمول لعبء النائبات مُواتي
فذاك به فاشدُد يديك ولا تُرِد *** به بدلا في عيشة وممات
يحوطك في غيب ويرعاك شاهدا*** ويستُرُ ما أبديت من عثراتِ
ومن لي بهذا ليت أني لقيته*** فقاسمته مالي من حسناتي
وانشد آخر فقال:
عاشر من الناس من تبقى مودته *** فأكثر الناس جمع غير مؤتلف
منهم صديق بلا قاف ومعرفة *** بغير فاء وإخوان بلا ألف
أخي الحبيب …
في الله ها قد وصلت بموضوعي إلى نهاية المطاف ووالله إن للأُخوة الله في لطعما وحلاوةً لا يعلم قدرها إلا من جربها وعايشها وما عسى كلماتي أن تضيف بعد قال الله وقال رسوله والله إنها لتقف عاجزة عن الوصف أمام عظيم قول الله وقول ورسوله - صلى الله عليه وسلم - (ومن أصدق من الله قيلا) ومن أخير من قول الرسول - عليه الصلاة والسلام - من بين الأنام ولا أملك يا أخي الحبيب في الله إلا أن أختم مقالتي بكلمة جذورها في القلب وثمرتها كلمات ينطق بها اللسان أخي
إنـ أحبك في الله ـي
إنـ أحبك في الله ـــي
إنـ أحبك في
الله ـــــــي
وآخر دعوانا أن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه الطيبين إلى يوم الدين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخميس الموافق 16/ ربيع الثاني 1425هـ - 3 /6/2004
http://www.alislam4all.comالمصدر:
=============
10حقائق للتأمل.. بمناسبة انتهاء عام على احتلال العراق
سلمان بن يحي المالكي
الحقيقة الأولى:
تعيش البشريّةُ اليومَ في عالمٍ يتجسَّد فيه حصادُ التمزّقِ والتشرذُم، ويغيب عن كثيرٍ من أحواله منطقُ الحِكمة والعقل، عالمٌ يمرُّ بمنعطفٍ تاريخيّ خطير، اضطربَت فيه العلاقاتُ وانقلبَت لديه الموازين، بُعدٌ عن الله جلّ وعلا، ونسيانٌ لتعاليمِ الشرائعِ الصحيحةِ المنزّلة، عالمٌ فيه المصالحُ الدنيويّةُ هي القائدُ والميزانُ المحرّك، عالمٌ فيه المآربُ النفعيّةُ هي الغايَة التي تبرِّر الوسائلَ والتصرّفات، عالمٌ فيه مبدأ القوّة والعلوِّ والتجبّرِ يعلو مبدأَ السلامِ والرّحمةِ والإحسانِ، عالمٌ تُزوَّق فيه الشّرور والحروب بمصطلحاتٍ خادعةٍ موهومَة، وتُنتَهك فيه الحقوقُ بمبادئَ مزعومةٍ زائفة {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادََ}..
الحقيقة الثانية:
تمر أمَّتُنا الإسلامية ولا تزال تمرّ بأيّامٍ عصيبةٍ وظروفٍ قاسيةٍ مريرة، مهما أوتيَ القلَمُ من براعةٍ ومهما وصلت إليه البلاغةُ اللِسانيّة فلن تفيَ في تصويرِ الواقع المأساويّ الواقعِ في فلسطينَ الغاليةِ وأرض الرافدَينِ الحبيبةِ ومدينةِ السلامِ بغدادَ العزيزة، ومعقِل أهل السنة والجماعة الفلوجة، ممَّا يعتصِر معه قلبُ كلِّ مسلم، وتذرف له عينُ كلّ مؤمن، معاناةٌ عاشها ويعيشها مسلمون مدَنيّونَ أبريَاءُ لا عن وزرٍ عمِلوه، ومآسي ذاقَها ويذوقها مؤمنون لا عَن إثمٍ وجُرم اكتسبوه، دماءٌ طاهِرةٌ ذهبت هدَرا، ونفوسٌ أُزهِقت ظلما وجورًا، ومقدَّراتٌ لا تُحصى ضاعَت عبَثا، واللهُ غالب على أمره، فإليه الملجَأ والمشتَكى، ورحِم الله النفوسَ المؤمنة، وجعلها في عِداد الشّهداء، وأحسنَ الله عزاءَ الأمّةِ الإسلاميّة جمعاء.
الحقيقة الثالثة:
لقد عاشت بعضُ بلدانِ المسلمين ولا زالت تعيشُ في كثيرٍ من البقاع تحتَ عالمِ الشّعارات الزائفة والنّزعات التّافهة والحزبيَّات القوميّة التي زعزعت الولاءَ لله ولرسوله ووهنَت معها أواصرُ الأخوّةِ الإيمانيّة واهتزّت فيها الروابِطُ العقائدية، فأُقيمت أنظمةٌ على تركِ التناصُر بالإسلام، بل طغَت أنظمتُها على كلِّ طريقٍ محمّديّ ونهجٍ نبويّ، فماذا ـ يا تُرى ـ أكسبت لأصحابِها إلا ذلاًّ وهوانا؟! وماذا جرّت على أمَّتها إلا خزيًا ودمارًا؟! ماذا جنَت لأهلها إلا عارًا وصغارًا، ولبلدانها إلا هلاكًا وبوارا؟! ما جرّت تلك الحزبيّات والقوميّات إلا استباحةَ الحِمى ونهبَ الديار وسلبَ الخيرات ووقوعَ الأمّة في أزمات معنويّة ومِحنٍ ماديّة خانقة؟! للهِ كم جنتَ تلك المناهجُ والأحزابُ البعيدةُ عن الإسلام ونظامه على الأمّة المحمديّةِ من ويلاتٍ وويلات، تعجز الأقلام عن تسويدها، ولا يسعُ الصحفُ عرضَها، ولا تستطيع الذاكرة استيعابَها، بسبَبِها تداعت على الأمّة الإسلاميّة سائرُ الأمم، وتكالبت عليهم الشرورُ من كلّ حدب وصَوب، ولا حول ولا قوّة إلا بالله، ولن تزالَ الأمّةُ كذلك حتى يُطهِّرَ الإيمانُ الحقيقيُّ قلوبَ أبنائها، ويعيدَ التمسّكُ بالإسلام بناءها وتماسكَها، وحتى تعُمّ أحكام الشريعة الإسلاميّة مناحيَ حياتها بشتّى جوانبها.
الحقيقة الرابعة:(15/247)
الأمّة المحمديّة خيرُ الأمَم، كريمةٌ عندَ ربِّها، عزيزة عند خالقِها، وما يصيبها من أزماتٍ ومِحن ما هي إلا سنّةٌ من سنن الله في الابتلاء والتَّمحيص {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} ويقول - جل وعلا - {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} فكم من مِحنة مرّت بها أمّةُ محمّد حملت فتوحاتٍ وإصلاحات، وكم من مصائبَ نزلت بالأمّة كانت بها الاستفاقةُ من الغَفَلات، مِحنٌ أظهر الله بها المنافقَ من المسلم والمؤمنَ من الكافر والصادقَ من الكاذب والمجاهدَ في الله من المجاهدِ في سبيل الشيطان، محنٌ ظهر بها الولاءُ لله ومدى المحبّةِ لرسول الله.
الحقيقة الخامسة:
حالُ الأمّة اليومَ لا يخفى على أحَد، مآسي بكلِّ المقاييس، وآلامٌ ومصائبُ بكلِّ المعايير، يعجز اللّسان عن تصوير واقعِها، ويخفُق الجنانُ عند ذكرِها، ويعْيَى البيان عن الإحاطةِ بها، فعلى المسلمين جميعا ـ وهم تنزِل بهم النوازل وتقع بهم الوقائعُ ـ أن يعلَموا أنَّ مِن دروس الابتلاءات الحاجةََ إلى المراجعة والضّرورةَ إلى التّمحيص والإصلاح وتقييم المَسَار، حقٌّ على الأمَّة كلِّها أن ينظُروا بجدٍّ وإِخلاص، وأن يتبصّروا بصدقٍ في أسباب ما حلّ بهم وفي عوامل ما أصابَهم من خزيٍ وعار {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}.
الحقيقة السادسة:
إنَّ الأمّة يجب أن تعالجَ خللَها من واقعِ ثوابتِها، وأن تصحِّحَ مسارَها الخاطئَ من منطَلِق أصولِها وتأريخها وحضارتها، وإنَّ أولي الأولويّات التي حان لكلِّ الأمّة أن لا تغفلَ عنها هو أنَّ المسلمين حُكّامًا ومحكومين بحاجةٍ ماسّةٍ للرجوع إلى الله - جل وعلا - واللجوء إليه، فذلكم هو النّور العاصِم من التخبّطِ والدّرعُ الواقي من الاضطِراب، وإنَّ على حُكّام العالم الإسلاميّ أن يتَّقوا الله في أنفسهم، ويستشعِروا مسؤوليّتهم نحوَ الاتّفاق على ميثاقٍ لإصلاح الأوضاعِ من رؤيةٍ إسلاميّة محمّدية، وعلى تحمّلِ المسؤوليّةِ أمام الله - جل وعلا -، والعملِ على بدء مرحلةٍ جديدة في العلاقات قائمةٍ على الصراحَةِ والوضوح والعقلانيّةِ والواقعيّة، والحرصِ على تقويةِ القدرات الذاتيّة وتدعيمِها، مع الالتزامِ بمبادِئ الأخوّة الإسلاميّة الصّحيحة والتّعاونِ الواجب في الدّفاع عن الدّين أوّلاً والأمّةِ ثانيًا، وفقَ قاعدةِ الشّريعة {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَالتَّقْوَى; وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} واللهَ اللهَ في الرّأي الحاذق والحِكمةِ المطلوبَة والعقلِ الراجِح حتى لا تقع سياسةٌ خرقاء ولا تصرّفات حَمقاء.
الحقيقة السابعة:
على الأمّة اليوم أن تستيقنَ أنَّه لا سنَد إلا سنَدُ الله، ولا حول ولا قوَّة إلا به، ولا ملجأ منه إلاّ إليه، في محيطِ تثبيتٍ لا يتزعزع لعقيدَةِ التوكّل على الله، وأنَّ الأمَّة مكفيّةٌ سوءَ البلاء ما استقامَت على أمرِ الله، محفوظةٌ من كيدِ الأعداء ما اعتصَمَت بحدودِ الله، أمّةٌ متى فقدَت الثقةََ بربِّها اضطربَت أحوالها وكثُرت همومُها وضاقت عليها المسالك وعجزَت عن تحمّل الشدائد، فلا تنظرُ حينئذ إلاّ إلى مستقبلٍ أسود، ولا تترقَّب إلا للأمَل المؤلِم {وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَى صِراطٍ مّسْتَقِيمٍ} لا عِزَّ لهذه الأمّة ولا مَنَعةَ ولا سلطان ولا قوّةَ إلا بدين الله والالتزامِ بنهج كتابِ الله وسنّة رسوله وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ يقول عبد الله بنُ رواحة: حانَ غزوة مؤتة وعددُ المسلمين ثلاثةُ آلاف، وجيش الروم مائتا ألفِ مقاتل، يقول عن الحقيقةِ الغائِبة عن كثير من المسلمين اليوم (والله ، ما نقاتل الناسَ بعُددٍ ولا قوّة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلاّ بهذا الدين الذي أكرمَنا الله به، فانطلِقوا فإنّما هي إحدى الحسنين: إمّا ظهورٌ وإمّا شهادة).
الحقيقة الثامنة:(15/248)
لقد حانَ الوقتُ أن يستيقنَ الحاكم والمحكومُ والعالِم والمتعلّم أنَّ ردَّ الأمّةِ إلى الجادّة وعودتِها إلى ريادتِها وقيادتها مسؤوليةٌ كبرى وأمانة عظمى، يتحمّلها الجميع، كلٌّ من موقعِه، حان الوقتُ أن ندركَ أنَّ المجاملةَ لا تخدِم مصلحةً عامّة، وأنَّ التغافلَ عن الإصلاحِ وعن تشخيصِ السلبيّات بموضوعيّةٍ وتجرّد لا يجرّ إلا شرًّا وفسادًا، أليس في الأمّة وقائعُ غير سارّة؟! صورٌ كثيرة من الضّياع وعدمِ المبالاة بأوامِر الله - جل وعلا - مناهجُ في حياةِ الأمّة مضطرِبة، مظاهرُ في أبناء الأمّة مرفوضة، انتشارٌ في أرض المسلمين للدّعوات السافرة والأفكار المنحلّة من عَلمانيّة وشيوعيّة وقوميّةٍ وإباحيّة ومظاهرِ زندقة، أليس كتابُ الله وسنّة رسوله قد نُحِّيا في كثير من بلدان المسلمين عن الحكم والتحكيم في جميع المجالات والشؤون؟! وصدق رسولنا حينما يقول " وما لم تَحْكم أئمّتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسَهم بينهم " ألم تفشُ في الأمة الأحقادُ والضغائنُ والتفرّقُ والتشتُّت، فكانت نذيرَ هلاكها وسبيلَ فنائها والسلاحَ البتّار الذي ضرَب به الأعداءُ الأمّةَ لتُحرِق حاضرها ومستقبلها؟! أليست! الأمّة قد فرّطت في ما أمرَها بها ربُّها - جل وعلا - حينما قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} ونسيَت ما ألزمها به خالقها حينما قال {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ} ألم تقعِ الأمّة في خلطٍ الموازين وترتيبِ الأولويّات، فأصبحت الوسائلُ لديها غايات، والغاياتُ عندها منسيّات؟! قدّمت المهمّ على الأهمّ والتحسيناتِ على الضروريّات والحاجيّات، اهتمّت بالقشورِ واشتغلت الأمّة بتوافِه الأمور فسنة الله قاضيةٌ أنَّ كلَّ أمّةٍ تستبدل الضلالَ بالهدى وتتقاعَسُ عن العمل المثمِر النافع لا تزال في تقهقُر وانحطاطٍ وتلاشٍ واضمحلال في فكرها وقوّتها وسلوكها، فلا بدَّ من عودةٍ صادقةٍ واستعادة لمواقع الصّدارة ومِقوَدِ القيادة، لا بدَّ من تضافرِ الجهود في تربيةِ الأجيال على الاعتزاز المطلَق بدينها واستشعار عظمةِ رسولها.
الحقيقة التاسعة:
يجب المسلمين أن يَعُوّا منهجَ النظامِ الإسلاميّ العظيمِ في الحكم، وأنّه نظامٌ يقومُ على تحقيق جلب المصالح العامّة والخاصة ودرءِ المفاسد الكليّةِ والجزئيّة، نظامٌ يقوم على حِفظ أمور الدّين والدنيا، قال شيخ الإسلام - رحمه الله - " يجِب أن يُعرَفَ أنَّ ولايةََ أمر الناس من أعظمِ واجباتِ الدّين، بل لا قيامَ للدّين والدّنيا إلا بها، فإنّ بني آدمَ لا تتمّ مصلحتُهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضِهم إلى بعض، ولا بدّ لهم
عند الاجتِماع مِن رأس... ـ إلى أن قال: ـ ولهذا روِي أنّ السلطانَ ظِلّ الله في الأرض، ويقال: سِتّون سنةً بإمام جائرٍ أصلحُ من ليلةٍ واحدَة بلا سلطان... ـ ثم قال: ـ والتجربةُ تبيّن ذلك"، وقال - رحمه الله -: " وإن انفرَدَ السلطان عن الدّين أو الدّين عن السلطان فسَدت أحوال النّاس".
الحقيقة العاشرة:
لقد انخدَع كثير من العالَم بعباراتٍ مزوّقة ومصطلَحاتٍ زائفة فقالوا عن الإسلام بهتانًا وزورًا، وعكسوا الأمورَ، وقلبوا الحقائق، مصطلحاتٌ يُصدّرها الأعداءُ ويقبَلها الأغبياء، أينَ من يسِم الإسلامَ بالإرهاب عن الواقِع الحالي الذي دار ويدور في أرض العراق وفي الأيام القليلة الماضية، ضرب للمدنين، قتل للأطفال، ذبح للكبار، تشريد للنساء، إرهاب للعامة، تقتير في المآكل والمشارب والخدمات العامة، إحصار ومنع التجول في أنحاء كثيرة من العراق، أين أولئك الحاقدون على الإسلام ليقارِنوا بين هذا الواقِعِ وأمثاله وبين تعاليمِ الإسلام وتأريخ الإسلام؟! فمَن هو أولى بالإرهاب إذاً؟! ومَن هو الفائزُ بحقوق الإنسان حينئذ؟! التاريخ خيرُ شاهد، والواقع أصدق برهان {وَإِنَّا أَوْ ِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ}..
بتاريخ: 23/2/1425هـ
http://www.alislam4all.com المصدر:
============
الداعية بين الابتلاء والتمحيص والفتنة
د• عدنان علي رضا النحوي
الداعية المسلم حامل رسالة الله إلى الناس كافة، حامل أشرف رسالة، يقوم بأكرم مهمة، ويمضي على أعز نهج، على صراط مستقيم مشرق بالحق، جلي الدرب، قوي الثقة بالله، وحسبه شرفاً أنه يقوم بتكليف من الله - سبحانه وتعالى-، وتكليف لكل مسلم قادر، لا يعذر إلا من عذره الله،
وحسبه كذلك أنه يحمل دعوة ورسالة هي حاجة كل إنسان، وهي حاجة البشرية كلها على مدى العصور والأجيال، إنها دعوة الناس إلى الله ورسوله، إلى الإيمان والتوحيد، دعوة وبلاغ وبناء، وتعهُّد وتدريب وإعداد.
والداعية أول ما يدعو نفسه، من خلال التذكير المستمر، والمحاسبة الدائمة، ومجاهدة النفس حتى تستقيم على أمر الله، والشعائر والدعاء وتلاوة كتاب الله وتدارس منهاجه وتدبره، ثم الدعوة إلى الله ورسوله، دعوة الناس وتعهدهم حتى يستقيموا على أمر الله وينجوا من فتنة الدنيا وعذاب الآخرة• هذه كلها تكاليف ربانية.(15/249)
وحين يبلِّغ الداعية رسالة ربه إلى الناس استجابة لأمر الله، ووفاء بالأمانة التي يحملها، والخلافة التي جُعِلَتْ له، والعبادة التي أُمِرَ بها، فإن عليه أن يتعهد من يدعوه كما أمر الله، والدعوة والتعهد رفقة ومصاحبة ولقاء• إنها مدرسة تقوم على منهاج الله، تنطلق من مدرسة النبوة الخاتمة، لتظل ممتدة مع الدهر كله، إنها دعوة وبلاغ، وتعهد وبناء، وتدريب على الممارسة الإيمانية وإعداد، حتى تتدافع أجيال الإيمان تملأ العصور لتنقذ الناس وتخرجهم من الظلمات إلى النور، إلى مسيرة على الصراط المستقيم ممتد إلى الهدف الأكبر والأسمى لكل مؤمن صادق ـ الجنة والدار الآخرة ورضوان الله ـ على صراط مستقيم يجمع المؤمنين.
الدعوة إذن: بلاغ وتذكير، ومصاحبة ولقاء، وتربية وتعهد وبناء، وأهداف ربانية، تكليف من الله - سبحانه وتعالى-، مضت بها سنَّة النبوة الخاتمة ومدرستها الخالدة، وسيرة الصحابة والأئمة الأعلام.
وقضت سنَّة الله - سبحانه وتعالى- أن تكون الدنيا دار ابتلاء وتمحيص للناس بعامة وللمؤمنين بخاصة.
وأن يكون المؤمن أشد بلوى، والمؤمن الداعية الصادق أشد ابتلاء وتمحيصاً، حتى يظل الصف المؤمن نقياً من المنافقين والضعفاء، وحتى يحمي الله المؤمنين من الفتنة وأبوابها، وحتى ترتفع درجة المؤمن بذلك عند ربه.
(ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين) العنكبوت: 10.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، قال: (مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل الكافر كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقّة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح يشتد البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما له خطيئة من طلب العلم ليباهي به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه فهو في النارإنا والله لا نولي هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليهما تركت بعد في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء من سمَّع سمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به) (رواه مسلم)(5).
وفي كتاب الله وسنَّة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أمثلة كثيرة من آيات وأحاديث تكشف أبواب الفتن ومسالك النفاق ودروب الشيطان ليحذرها المؤمن لا ليقع فيها.
لقد كان بين المؤمنين أيام الرسول - صلى الله عليه وسلم - منافقون، يسعون لدفع المؤمنين إلى الانحراف عن الصراط المستقيم، فرد الله كيدهم في نحورهم وأخزاهم، وقد عرف المؤمنون أساليبهم ومكائدهم، فحذروا منهم أشدَّ الحذر، حتى صار المنافق يعرف بسمات النفاق ولو لم يعرف اسمه: (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم) محمد: 30.
فكيف حالنا اليوم؟! وقد اختل الميزان بأيدي الناس، واضطربت المكاييل، وامتدت الفتن بكل أشكالها: حب السمعة والجاه، وطلب المركز ذي السلطة والنفوذ، والجري اللاهث وراء المال ووراء النساء.
لابد أن يصدق الميزان اليوم بأيدي المؤمنين، حتى لا تصب جهودهم في ساحة المنافقين أو أعداء الله وهم لا يشعرون• وقد يكتشفون ذلك بعد عشرات السنين، وفوات الفرصة ووقوع البلاء وغلبة الأعداء!.
فَلْنُغَيِّرْ ما بأنفسنا كلنا أيها المسلمون حتى ننجو من الفتنة والابتلاء، وحتى يغير الله حالنا إلى النصرة والعزة والتمكين.
____________
الهوامش
1 ـ الفتح الرباني: أحمد: 19/127، الترمذي: 37/56/2398، النسائي: في الكبرى الطب، ابن ماجه: الفتن ـ باب الصبر على البلاء.
2 ـ صحيح الجامع الصغير وزيادته: (ط: 3) (رقم: 6382، 6383)• 3 ـ المصدر السابق: (رقم: 4292).
4 ـ مسلم: 48/26/274•
5 ـ مسلم: 53/5/2986•
http://muslema.com المصدر:
===========
ادعُ إِلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
الدكتور عدنان علي رضا النحوي
(ادعُ إِلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربّك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) [النحل: 125]
يطلق كثير من المسلمين هذه الآية الكريمة حجّة لهم في موقع غير موقعها ليسوّغوا عجزاً أَو تنازلاً أو عدم تقدير حقيقي لعظمة هذه الآية الكريمة وشدة ارتباطها مع كامل منهاج الله في تناسق وإِعجاز مع يُسْر للناس في فهمها وتدبرها.
إن الآية الكريمة تمثّل حقّاً مطلقاً جاء من عند الله وحياً على محمد - صلى الله عليه وسلم -. وستظل هذه الآية الكريمة غنيّة الممارسة والتطبيق في كل واقع بشري. ولنفهم الآية الكريمة ونتدبرها يجب أن نفهم القضيّة التي تعالجها.(15/250)
إن الآية تبتدئ بعرض القضية والموضوع: (ادع إلى سبيل ربّك... ). هذه هي القضية التي تتحدث عنها هذه الآية الكريمة متناسقة مع جميع الآيات الأُخرى في القرآن الكريم، الآيات التي تتحدث عن هذه القضية وأساليبها ووسائلها. إنها قضيّة الدعوة والإيمان والتوحيد، إلى الله ورسوله، إلى دين الله الحق ـ الإسلام ـ، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، ومن عبادة العباد والأوثان والأهواء إلى عبادة الله الذي لا إله إلا هو. إن هذه القضية تمثل القضية الكبرى في الكون والحياة، القضيّة التي من أجلها بعث الله الرسل والأنبياء الذين ختموا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وبالقرآن الكريم الذي جاء مصدّقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه. إنها تمثل الهدف الرّبانيّ الثابت الأول في حياة المسلم وفي مسيرة الدعوة الإسلامية. ومن أجل هذه القضية تقوم الدعوة الإسلامية في الأرض لإنقاذ الناس من عذاب الدار الآخرة لمن يموت على الشرك أو الكفر، ولإنقاذ الناس من فتنة الدنيا.
القضية التي تدور حولها الآية والآيات التي قبلها وبعدها هي قضية دعوة الناس إلى الإيمان والتوحيد. ومن أجل هذا الهدف العظيم تتحدّد علاقة المسلم بسائر الناس على ضوء قواعد ربّانية يفصّلها منهاج الله.
إن التوجيه في هذه الآية هو للداعية العامل، الداعية المجاهد الذي عرف دربه وهدفه، وعرف عهده مع الله ليكون الحافز الدائم ليمضي على الدرب يبلّغ رسالة الله.
فمن أجل ذلك جاء التوجيه الرباني (.. بالحكمة والموعظة الحسنة.. ). هذه هي القاعدة الأولى الهامة، أن تكون الدعوة بالحكمة أولاً، باختيار الأسلوب الأمثل المليء بالحكمة لتبليغ رسالة الله واضحة جليّة دون مواربة ولا تنازلات ولا مساومات. لا يحلّ للداعية المسلم أن يغيّر أو يبدل دين الله، وفي الأساليب التي بيّنها منهاج الله، ثم يقول: إن هذا التغيير أو التنازل هو من باب الحكمة.
والحكمة هي في بعض الآيات تعني ما أُنزل من عند الله، وفي أخرى يكون معناها الجامع: فقه الموهبة المؤمنة والمسؤولية والأمانة.
وهنا يحاول بعض المسلمين أن يقرّب الإسلام من العلمانية مدّعياً أن تقريبهما هو من باب الحكمة، أو ضرورات الواقع، أو المصلحة العامة التي يتوهمها.
إن أسلوب الحكمة نستطيع أن نفهمه من كتاب الله نفسه، ومن هذه الآية الكريمة بقوله - سبحانه وتعالى-: (والموعظة الحسنة) والموعظة هي أن تبيّن لهم عظمة الإسلام والإيمان وقوة ثباتك أيها الداعية المسلم عليه. والموعظة الحسنة هي: الوضوح في الكلمة المؤمنة الطيبة، والصدق فيها، حتى لا يكون هنالك مجال لسوء الفهم أو التغرير. إنها تتأكد بقوله - سبحانه وتعالى- (... وقولوا للناس حسناً... ) [البقرة: 83]
وبقوله - تعالى -: (.. وهدوا إلى الطيّب من القول وهدوا إلى صراط الحميد) [الحج: 24]
يجمع الله - سبحانه وتعالى- معاني (قولوا حسناً)، (الطيب من القول)، (الموعظة الحسنة)، (صراط الحميد)، وغير ذلك من الآيات الكريمة، بقوله الجامع في آية جامعة:
(ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) [فصلت: 23]
إنها آية جامعة لكل ما سبق، مفصِّلة لمعنى: بالحكمة والموعظة الحسنة، وغير ذلك مما ذكرناه سابقاً. إنها تجمع ذلك في ثلاث قضايا أو خطوات: أولاً: (... دعا إلى الله.. ): أن تكون الدعوة إلى الله هي جوهر العلاقة دون تغيير ولا تبديل، ودون تمويه ولا مماراة، ودون ضعف أو تردد. ثانياً (... وعمل صالحاً.. )، حتى يرى الناس أن قولك مطابق لعملك، وأنك ملتزم بما تقتضيه دعوة الناس إلى الله: كلمة ونهجاً وتطبيقاً، ليروا الإسلام ليس في الكلمات ولكن ليروه في واقع الحياة حيّاً ناطقاً بالحق. ثالثاً (... وقال إِنني من المسلمين): إنه الوضوح والجلاء وإعلان الهُويَّة لمن تدعوه، حتى يطمئنّ إلى صدقك واستقامتك، وأنك تعلن الحق ولا تتنازل عن شيء منه أبداً، وترفض الباطل ولا تقبل منه شيئاً.
إن اللحظة التي يتنازل فيها الداعية عن شيء من الحق، أو يقبل فيها شيئاً من الباطل، تكون دعوته قد انتهت وسقطت وخسر الموقف كله، وفتح الباب لشياطين الإنس والجنّ أن تلج وتتسلل، ثم تمتد وتقوى، وإذا الداعية المسلم أصبح يدعو بدعوة هؤلاء تحت شعار (الحكمة)! إذا به يدعو إلى الحداثة أو العلمانية أو الديمقراطية أو الاشتراكية، كل ذلك بدعوى الحكمة والموعظة الحسنة.
الأمثلة على ذلك كثيرة: داعية مسلم يدعو في قلب أمريكا إلى الديمقراطية، وداعية مسلم ينتقل من بلد إلى بلد، يبذل جهده وماله ووقته ليبيّن للناس فضائل الديمقراطية (لأنها المثل الذي يحتذى)، ولا يتطرّق إلى الإسلام ودعوته، وداعية ينتقل ليبيّن للناس أنه (لا خلاف بين مقصود الشريعة الإسلامية والعَلمانية)، وداعية مسلم يحتضن (الاشتراكيين) ويتنازل لهم ويسكت عن بعض مناهجهم المنحرفة، فإذا هو راضٍ عنها أو داعية لها. ذلك لأَنّ الشيطان يُزيّن للإنسان سوء عمله حتى يراه حسناً دون أن يشعر أنه مخطئ. إنه أمر طبيعي! إن الحق يرفض أن يُتنازل عنه أو عن شيء منه أو أن يتجزأ، لأنه عزيز قوي من عند الله، وإن الحق يرفض أن يُشرَك معه باطل، لأن الحق من عند الله والباطل من الشيطان وأَعدائه.
ليس أمام الداعية المسلم إلا سبيل واحدة:
(قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) [يوسف: 108]
نعم: (أدعو إلى الله)!، وليس إلى غيره، أبلغ رسالة الله إلى الناس، نعم: (على بصيرة)!، على إيمان ويقين، ونهج واضح ودرب جليّ، وأهداف مشرقة لا انحراف عنها!(15/251)
(أنا ومن اتبعني)! فالمؤمنون أمة واحدة تمضي على سبيل واحدة إلى أهداف واحدة، تنزيهاً لله دون شرك أبداً.
إنه ليس من الحكمة ولا من الموعظة الحسنة أبداً أن لا تدعو إِلى الله، أو أن تعطّل الدعوة إلى الله بالانشغال عنها بما هو أقل منها شأناً عند الله، أو تُفرِّق الدعوة أجزاءً غير مترابطة لا تكون نهجاً متصلاً ولا سبيلاً ممتداً: (قل هذه سبيلي)! فالأمر من الله جَليُّ حاسم: (ادعُ إلى ربّك.. )! بلّغ رسالة الله إلى الناس!
إنه ليس من الحكمة ولا من الموعظة الحسنة أن تدعو إلى شيء من (دون الله)، ولا إلى أمر من (دون الله). فقد جاء النهي من الله عن ذلك جلياً حاسماً: (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذن من الظالمين) [يونس: 106]
(وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) [الجن: 18]
(قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحداً) [الجن: 20]
إنه ليس من الحكمة ولا من الموعظة الحسنة أن لا تبلّغ رسالة الله كاملة، كما أُنْزلتْ من عند الله، أو أن تخفي منها شيئاً، مداراة لوهم قذفه الشيطان في نفسك، أو ظنّاً منك أنك بإخفاء شيء من رسالة الله أو تحويره تبلغ هدفك، فالله أعلم ولقد جاء أمره جلياًّ حاسماً:
(يا أيها النبي بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين) [المائدة: 67]
(وقل الحقُ من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أَعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً) [الكهف: 29]
إنك أيها الداعية المسلم إن أخفيت شيئاً خسرت أمرين: خسرت احترام مَنْ تدعوه، لأنه يعرف دينك الذي لا يؤمن هو به، ويعرف أنك غيّرت وبدّلت وخسرت رضاء الله وعونه ونصره، فما النصر إلا من عند الله.
إنه ليس من الحكمة ولا من الموعظة الحسنة أن تخالف أمر الله وما أوحى به إلى عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، أن تخالف ذلك إلى هواك واجتهادك البشري على غير أساس من دين الله. فلقد جاء أمر الله جليّاً حاسماً:
(واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين) [يونس: 109]
(فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنزُ أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل) [هود: 12]
ليس من الحكمة أن نُصَوِّر الإسلام أنه دين المسالمة والمساومة والتنازلات كي نركن إلى من لا يؤمن بالله، أو انحرف عن دين الله، أو دعا إلى غير الله، أو افترى على الله كذباً وادَّعى باطلاً أو أخفى وبدَّل وغيَّر، ولا هو من الحكمة أن نخفي ما فرضه الله نصاً صريحاً في الكتاب والسنة من عدم موالاة المشركين والكافرين والمنافقين، أو نخفي ما أمر الله به من جهاد في سبيل الله. ليس من الحكمة أن نخفي ما بيّنه الله للناس، ولا أن نركن إلى الظالمين، فقد جاء الأمر من عند الله جلياًّ حاسماً في كل ذلك، وأمر المؤمنين بالصبر على ما يلقونه في سبيل الله:
(فاستقم كما أُمرت ومن تاب معك ولا تظغوا إنه بما تعملون بصير. ولا تركنوا إلى الذي ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير) [هود: 111، 112]
وكذلك فإنه ليس من الحكمة أن يُتَّهم الإسلام بأنَّه دين العدوان والظلم، بادعاء باطل يقوم على تأويل فاسد للجهاد في سبيل الله، لإلصاق الجريمة بالمسلمين، ويُخفَى بعد ذلك أن الإسلام دين الحقِّ والعدل، ودين الرحمة والعزّة والقوة، وأن الحقَّ والعدل والرحمة والعزَّة لا تحقّق في الأرض إلا بالجهاد في سبيل الله.
إنَّ أساس الحكمة والموعظة الحسنة أَن نبلّغ رسالة الله كما أُنزلتْ على محمد - صلى الله عليه وسلم -، لا نخفي شيئاً ولا نبدّل ولا نغيّر. ذلك لأن الموازنة في كتاب الله معجزة كلّ الإعجاز، لا نستطيع بلوغها إِلا باتباعها، ولا نستطيع بلوغها إذا لم نبلّغ الإسلام بتكامله ووضوحه، أو إذا بلّغنا جزءاً وحذفنا جزءاً، أو إذا قبلنا باطلاً فذلك ما يسعى إليه المجرمون في الأرض، منذ النبوة الخاتمة ليفتنوا المؤمنين عما أُوحي إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -:
(وإن كادوا ليفتنوك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً. ولولا أن ثبَّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذا لأذقناك ضعْفَ الحياة وضعف الممات ثمّ لا تجد لك علينا نصيراً) [الإسراء: 75]
وكذلك قوله - سبحانه وتعالى-: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) [البقرة: 159]
وكذلك:
(الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون. الحقُّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين) [البقرة: 146، 147]
إذن نستطيع أن نفهم ما هي الحكمة والموعظة الحسنة في طريق الدعوة إلى الله من كتاب الله ومن سنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -. ولقد أتينا بقبسات فقط، لأننا لا نستطيع أن نعرض هنا كل ما جاء في منهاج الله، فلا بد للمسلم أن يعود إلى منهاج الله عودة صادقة ليرى الصورة الجليّة بتكاملها وترابطها وتناسقها.(15/252)
ثم يأتي الأمر الثاني من عند الله: (وجادلهم بالتي هي أحسن)! نعم! يجب مجادلتهم بالتي هي أحسن، ذلك والمسلم الداعية قائم بالدعوة إلى الله، يبلغ رسالة الله بتكاملها، يعرض الحق لا يتنازل عن شيء منه أبداً، ويرفض الباطل ولا يقبل منه شيئاً أبداً. إذاً، وهو في طريق الدعوة، يدعو ويبلّغ، قد يضطر إلى المجادلة، ليعرض حجّته بأسلوب مشرق صادق واضح مقنع. الأسلوب الحسن في الجدال نفهمه كذلك من كتاب الله وسنة نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، كما بيّنا قبل قليل. الأسلوب الحسن هو الوضوح والجلاء، والصدق والبيان، والحجّة القويّة المقنعة، تعرض الحقَّ وترفض الباطل، وليطابق القول العمل، وذلك كله بأدب وخلق، بالكلمة الطيِّبة، والعمل الصالح.
ويعلمنا القرآن الكريم جميع الجوانب (وجادلهم بالتي هي أحسن)، وحدودها وأسلوبها، وبصورة عملية جليّة. فلنأخذ قبسات من ذلك:
(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أُنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) [العنكبوت: 46]
هذه هي الحدود: (.. إلا الذين ظلموا منهم.. ) والظالمون هم الذين يدعون إلى باطل ويصرّون عليه، والذين يعتدون ويظلمون الناس، والكافرون والمنافقون، الذين يفسدون في الأرض.
وهذا هو الأسلوب الأحسن: (.. وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) إنه الصدق والحق والوضوح، بأدب عالٍ وبيان وخلق. ليس الأسلوب الأحسن أن نقول إننا عَلمانيون، أو أن علمانيتكم قريبة من ديننا، ولا ديمقراطيتكم هي من الإسلام، والحداثة من الإسلام، والاشتراكية من الإسلام، وعدد ما شئت، ثم تقول إن ذلك كله من الإسلام. ولو فعلنا ذلك لما عرفَ الناس عندئذ ما هو الإسلام في وسط هذا الخليط المضطرب، ولا ما هي حقيقته! وانظر كيف يعلمنا الله ممارسة الحكمة والموعظة الحسنة والجدال الأحسن:
(الحقُّ من ربك فلا تكن من الممترين. فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنه الله على الكاذبين. إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم) [آل عمران: 60ـ 62]
فهل هنالك أبلغ من هذا الدرس العظيم، إلا أن يكون درساً آخر من كتاب الله، فاستمع إلى درس ثانٍ في قوله - سبحانه وتعالى-:
(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاَّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولَّوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) [آل عمران: 64]
وضوح وجلاء، وقول فصل حاسم، بأعلى درجات الخلق والقول الحسن والحكمة والموعظة الحسنة والجدال الحسن. واستمع أيضاً إلى أدب الجدال الحسن في صورة تطبيقية عملية:
(يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم وما أُنزلت التوراة والإنجيل إلاَّ من بعده أفلا تعقلون. هاأنتم حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين. إنَّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبيّ والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) [آل عمران: 65ـ68]
وضوح وجلاء، قول فصل حاسم، حجّة بالغة تخاطب النفس والعقل، لتبلِّغ الحقَّ لا باطل معه ولا شوائب. موقف حاسم لا مساومة فيه ولا محاولة لتقريب الحق من الباطل أو الباطل من الحق، إذْ لا لقاء بينهما أبداً.
واستمع إلى هذه الآيات الكريمة تعرض لنا الحكمة والموعظة الحسنة والقول الحاسم عندما ينتهي دور الجدل والجدال:
(قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير. ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربّنا إنك أنت العزيز الحكيم) [الممتحنة: 4، 5]
مواقف كثيرة نتعلم منها من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، كيف يجب أن نمضي في الدعوة إلى الإيمان والتوحيد، إلى الحقيقة الكبرى في الكون والحياة، إلى الله ورسوله، وكيف تكون الحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.
إن هذه القواعد الربانيّة يجب التزامها لتكون نهجاً متصلاً واعياً في حياة المؤمن الداعية، سواء أكان يدعو كافراً ومشركاً، أو أحداً من أهل الكتاب، أو رجلاً منتسباً إلى الإسلام فيه انحراف وضلالة في بعض جوانب فكره كما يبدو للناس. لابدّ من الوضوح والجلاء والقول الحاسم والحجة البالغة المقنعة، ولابد للداعية أن يلتزم هو أولاً ما يدعو إليه، ليكون قوله مطابقاً لموقفه وعمله.(15/253)
قد يتسلّل إلى صفوف المؤمنين علمانيون واشتراكيون وديمقراطيون أو مشركون في حقيقتهم. ثم يُخْفون ذلك حتى تلوح لهم الفرصة فيكشفوا عن حقيقتهم، ويبدؤوا ينشرون الفتنة بين المسلمين. ألم نر كيف أن حزباً أصولياً إسلامياً يعلن أن لا يدعى بإسلامي وأنه علمانيّ بكل معنى الكلمة؟ ! إنها صدمة نفسيّة أن نرى هذا الحشد الذي كان منتسباً إلى الإسلام حتى اعتُبر من الأصوليين، أعلن عن انتمائه العلماني وانتمائه إلى أوروبا! وربما هناك آخرون ألبسوا علمانيّتَهم وشِرْكهم قطعة رقيقة من الإسلام، شعاراً إسلامياً يخفي الحقيقة العلمانية أو الشرك. وقد يقول بعضهم إن هذا مجرد " تكتيك "، ولكنه تكتيكاً لا ندري من يخدع به، أي يخدع نفسه، أم المسلمين، أم العلمانيين، أم كل أولئك؟
لقد كشف واقعنا بالأمثلة الحيّة أن أيّ تنازل من الداعية عما يؤمن به، وقبوله ببعض ما يرفضه مداراة للطرف الآخر، بدعوى أنه قبول مرحليّ وتنازل مرحلي، حتى يتألف القلوب، إن أي تنازل مثل هذا فتح ثغرات واسعة في صفّ المسلمين، تسلل منها الطرف الآخر بدعوته ورسالته، فإذا المسلم الذي كان يرفض (الحداثة) مثلاً، أصبح بعد تنازله يسكت عن أخطاء الحداثة، ثم أصبح يألفها، ثم أصبح يدعو لها، بعد أن زيّن له الشيطان ذلك بالخطأ أو الانحراف:
(أفمن كان على بيّنة من ربّه كمن زُيِّن له سوء عمله واتبعوا أهواءهم) [محمد: 14]
(أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون) [فاطر: 8]
وكذلك كان شأن من تنازل للديمقراطية عن حقائق الإسلام، حتى أصبح داعية للديمقراطية في كل موطن باسم الإسلام ونسي أمر الله - سبحانه وتعالى-: (ادعُ إلى سبيل ربك.. ).
وكذلك صار بعض المسلمين يملؤون الندوات بالدعوة إلى الاشتراكية حين كانت أيام مواسمها، وكذلك صار بعض الدعاة المسلمين دعاةً إِلى العلمانيّة بصورة ظاهرة واضحة، في الندوات والمؤتمرات!
والذين أخذوا يُمارُون النصارى ودعاة النصرانيّة ويُوادّونهم، فَيَسْمعون منهم دون أن يُسْمعوهم، بحجة (الحكمة) دون الدعوة إلى الله ورسوله، ودون الموعظة الحسنة، فما لبث بعضهم أن وجد نفسه يألف ما يدعونه إليه من باطل، ويغيب عنه الحق الأبلج في الإسلام، ولا يجد حوله من يوقظه أو يعظه، فإذا هو تارك لدينه، مرتمٍ في شرك وضلالة أهلك نفسه بها.
إنها الخطوة الأولى دائماً، ثم تتلوها الخطوات. الخطوة الأولى التي يزيِّنها الشيطان هي السكوت عما يؤمن به المسلم الداعية أو ما يدّعي أنه يؤمن به، السكوت عما يؤمن أنه حق فلا يدعو ولا يبلغ، وإنما يصمت ويستمع.
وتأتي الخطوة الثانية التي يزيّنها الشيطان حين يقبل المسلم بعض ما يدعو إليه الطرف الآخر بحجة الحكمة وتألف القلوب والاحتضان. وطرف يعلن رأيه بوضوح وقوة وتصميم غير عابي بودّك أيها الداعية المسلم، أو يتظاهر بودك حينا، وأنت صامت لا تبلّغ دعوتك ولا رأيك الحق، فماذا تتوقع أن تكون النتيجة؟ كيف تسكت والأمر من عند الله مدوٍّ في الكون كله:
وقل الحقٌّ من ربكم... !
ادع إلى سبيل ربك... !
أيها المسلمون! قولوا الحق وادعوا إلى سبيل ربكم، وبلّغوا رسالة الله إلى الناس كما أنزلت على محمد - صلى الله عليه وسلم -، افعلوا ذلك ثم تحدّثوا عن الحكمة والموعظة الحسنة!
http://www.alnahwi.com المصدر:
============
كيف تكون إيجابيا
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وبعد،،،
المقصود بهذا العنوان: ' كيف تكون إيجابيًا ' هو: كيف يكون الإنسان نافعًا.. كيف يكون الإنسان إيجابيًا في نفع المسلمين، وفي نفع إخوانه في القيام بما أوجب الله من الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. كيف يكون إيمانيًا، فيتألم ويتحرق لما يراه من حال المسلمين، فيكون عنده من الهم ما يبعث لديه همه فيجعله ينطلق نحو عمل الخير بجميع وسائله وطرقه، لا يحول دون ذلك حائل.، ونحن بحاجة ماسة لهذا، خصوصًا في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، ونشط فيه أهل الباطل نشاطًا لم يسبق، ولهم من الإمكانيات ما لا يخفى حتى استطاعوا بهذه الإمكانيات أن يغزو المسلمين في بيوتهم. وهذا أمر لا شك أن ظاهره ونتائجه جلية واضحة، وهم والله يعملون على مدار الساعة والأهداف معروفة ومرسومة.
لكن ينبغي أن تنظر إلى هذا بأنه الزبد الذي يذهب جفاء لكن بشرط أن يوجد الحق، وأن يوضح الحق، والله - سبحانه - قضى أن الحق لابد له من رجال يحملونه مؤهلون لذلك. وانظروا لما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه قد قام وحيدًا ينادي الناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، أنقذوا أنفسكم من النار، ولم يكن معه أحد، فقام - عليه الصلاة والسلام - على تربية جيل ورجال يحملون معه هذه المسئولية التي حمله الله إياها، فأخذ يدعو الله، وجاء من حوله أصحابه وأتباعه، ولما اقبلوا إلى الإسلام راغبين نالهم من الأذى والمشقة، ومن التعدي والظلم، ومن الضرب والبطش الشيء الكثير حتى كانوا يأتون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيطلبون منه أن يستنصر لهم، أن يطلب النصر: ' أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا'رواه البخاري.(15/254)
فكان - عليه الصلاة والسلام - يثبتهم بذكر أمثال الأمم السابقة وهذا منهج في القرآن، فمن الوسائل التي ثبت بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أخبار السابقين، وأنه له فيها سلف، وهو كذلك كان يقص فكان يقول لهم: (كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأرض فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأمر حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) رواه البخاري. وربما قص لهم خبرًا طويلًا كما في حديث صهيب عند مسلم في خبر الغلام المؤمن، فهذا كان من وسائل التثبيت لهم رضي الله عنه، ولما اشتد الأذى أمرهم بالهجرة إلى الحبشة كل هذا ولم يأت شيء من القوة التي يستطيع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدافع وأن يجاهد بها ذلك الباطل.
فكانت مرحلة تربية، حتى يكونوا جديرين بحمل هذا الحق، بحمل هذا القول الثقيل: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا[5]}[سورة المزمل]. وهكذا وجد الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - فكانوا قد أهلوا ليحملوا هذا الحق، ويجابهوا به الباطل، فانطلقوا وفي فترة قياسية ما يقارب عشرين سنة عمَّ الإسلام الأرض تقريبًا في ذلك الوقت ودانت الدنيا بلا إله إلا الله.
فهذه إشارة إلى أن الحق لا بد له من رجاله يحملون، يجابهون به أهل الباطل، كما يقول - سبحانه -: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ[18]}[سورة الأنبياء].
وليس هناك حق أجلى ولا أوضح من الحق الذي في أيدي المسلمين: كتاب الله، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد أقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الأمة لن تضل ما تمسكت به.
فهذا الذي نراه من الباطل كله يذهب لو قام أهل الحق بما يجب عليهم، فبينوه، لكن المشكل في أن الباطل يمتد، وأهل الحق كثير منهم لا يقومون بما يجب عليهم.. هناك ضعف، أو شك في الإمكانيات، أو خوف من إمكانيات أهل الباطل. كل هذه الأمور ينبغي أن تنمحي من الأذهان، ولا يمنعنا كل ذلك أن نقوم لله بما يجب؛ لأن الخطر في القعود والسكوت: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ[38]}[سورة محمد]. لا بد أن نري ربنا من أنفسنا أننا جديرون بحمل هذه الرسالة وتبليغها للناس، والقيام بما يجب علينا.
من عجائب قصة النملة:
ولا يحتقر الإنسان نفسه، فلو تأملنا القرآن؛ نجد الله ضرب لنا مثلًا عجيبًا يلفت أنظار الناس ففي سورة النمل ذكر قصة النمل مع سليمان، يقول - سبحانه -: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ[17]حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ[18]} [سورة النمل]. لماذا هذه القصة؟
من فوائد هذه القصة:
تأملوا فهذه نملة قومها كثر، حتى سمي الوادي بوادي النمل وهي واحدة:
فأولاً: هي شعرت بالخطر المحدق بقومها، فلم تهتم بنفسها فقط، وتذهب، بل حملت هم قومها.
ثانيًا: لم تهتم فقط بمن حولها من مئات النمل، ولكنها تجاوزت ما هو أكثر من ذلك فإذا هي تنادي جميع النمل{يَا أَيُّهَا النَّمْلُ} تنبههم للخطر القادم. ولا حظوا أنها ما احتقرت نفسها، ما قالت: ما قدري في هذا المجتمع، فالنمل كثير جدًا فيه لكنها رأت أن عليها واجبًا يجب أن تقوم به، فقامت به.
ثالثًا: الجيش كبير: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} فما ضعفت لما رأته، ولكنها قامت بما يجب عليها.
رابعًا: هذه النملة تعتذر عن سليمان وجنوده، فتقول: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}. فحذرت من الخطر مع أنها أمام أمة لا تريد بها شرًا، فنحن أولى بالتحذير فجيوش الباطل هذه تريد بنا شرًا واضحًا، فلا يريدون بقاء الإسلام، يحسدون هذه الأمة على ما هي فيه من استقامة وطهر وعفاف {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً... [89]} [سورة النساء]. و{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ... [109]}[سورة البقرة]. هكذا أخبر الله - جل وعلا -.
فهذه نملة عجيبة، لها همّة، عندها اهتمام ليس عند كثير منّا.
والهدهد أيضًا!
وفي السورة نفسها ذكر الله قصة هدهد سليمان، وكيف أن هذا الهدهد لما رأى أمة تعبد غير الله تأثر لذلك، والقصة طويلة ولكن نجد في آخرها قوله - تعالى -: {... قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[44]}[سورة النمل]، فما الذي جرى؟ أمة أسلمت لله، فمن كان السبب؟
إنه الهدهد، هذا الطائر قام لما رأهم يسجدون للشمس من دون الله لم يعجبه هذا الأمر، فقام وأوصل الأمر إلى من يستطيع تغيير هذا المنكر؛ ليقوم بما يجب عليه لله حيال إنكار هذا الشيء الذي لا ينبغي أن يبقى. ونحن نحتاج إلى هذا الأمر خصوصًا في الزمن الذي ينشط فيه أهل الباطل، فماذا فعلنا نحن؟(15/255)
إن المسئولية عظيمة فلا يكفي أن يجلس كثير منا يهز رأسه كلما سمع بفتنة حصلت، أو شر انتشر، أو داء تفشى.. سبحان الله.. نظل نسمع ونهز رؤوسنا، ونقول: الله المستعان، وينجح أهل الباطل، ماذا فعلنا لكي نصلح هذا الواقع؟!
الخير لا يزال موجودًا رآه، فما في قلوب بعض الناس من أن الزمان قد فسد، والناس خربت، وأننا لا نستطيع أن نغير في هذا الوقت.
لهذا كله لا يصح، فنستطيع إذا قمنا بما يجب، إذا صدقنا مع الله وأخلصنا لله، فالله - سبحانه - يفتح ويوفق ما لم يخطر في بال الإنسان، لكن الإنسان ينطلق وهو واثق بربه، فالذين نخشى شرهم وباطلهم هم عبيد لله، نواصيهم بيده، قلوبهم بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، فالله - سبحانه - ينصر عباده ويعين.
وما صدق إنسان في دعوته وفي نشاطه الحق إلا وفقه الله. نسمع الآن عن شباب يذهبون يدعون في بعض جهات أناس أهل بدعة، وأهل ضلال، يرون أنفسهم على حق، فتعود قرى بأكملها إلى السنة وإلى الاستقامة وإلى التوحيد ربما على يد رجل واحد.. فالإنسان متى كان عنده نية العمل وأصبح قلبه محترقًا لما يرى من الفساد، ومن كثرته، ومن انتشاره؛ فإن الله إذا علم منه الصدق؛ سدده وفتح عليه أمورًا ما لم تكن في باله.
لكن المشكلة أن يعمل أهل الباطل، ونحن نقف مكتوفي الأيدي، ويظن بعضنا أن العمل لدين الله محصور في خطبة، أو محاضرة.. وما إلى ذلك، لا.. فأبواب العمل لدين الله واسعة ليست محصورة في كرسي أو منبر. ومن أراد أن يعمل فالميدان أمامه. ونحن بحاجة لكل عامل، وبحاجة لكل جهد ولو قليلاً، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ما ترك لأحد حجة وهو يقول: [بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً] رواه البخاري.
وركام الباطل حجب بين الناس وبين الخير حتى أن بعض الأمور السهلة، و الأحكام الظاهرة أصبح بعض المسلمين لا يعرفونها اليوم.. لماذا؟ للتقصير في الدعوة، والتقصير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ]رواه مسلم. فأين الاستجابة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟
إن الكثير من المنكرات الموجودة في المجتمع تبدأ على استحياء شيئًا فشيئًا، فلو كان المنكر عندما يظهر نقوم بإنكاره، وبيان الحق، وبيان الحكم الشرعي؛ لوجدنا استجابة وربما انتهى أمره، فأين غضبنا لله - سبحانه -؟!
فلابد من بذل الجهود، ومن مضاعفتها، وأن يدعو بعضنا بعضًا إلى الخير، ولا يكفي صلاح الإنسان في ذاته، فالله - سبحانه - ذكر في كتابه أن العذاب لم يسلط على أهل بلد وفيها من يدعو إلى الإصلاح، وهم المصلحون: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ[117]} [سورة هود]. أما وجود الصالح فليس ضمانًا لسلامة المجتمع من عذاب الله، فقد قالت زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ - رضي الله عنها - للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ' يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ' قَالَ: [نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَث] رواه البخاري ومسلم. وهي المعاصي بأنواعها، فالصالح ينبغي أن يقوم بدوره في الوقوف في وجه الخبث، وذلك على حسب توجيه وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
من دوافع الإيجابية:
من الجوانب التي تدفعنا إلى هذا الخير علم الإنسان بما يترتب من أجر وثواب على هذا العمل العظيم، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: [فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ] ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ]رواه الترمذي. انظر كم المسافة سيد ولد آدم وبين أدناكم.. هكذا يجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - المقارنة.
و ليس المقصود مجرد العلم الذي لا ينفع صاحبه، فإن يقول: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[3]} [سورة العصر]. فهذه أربع قضايا مهمة في هذه السورة مترابطة بعضها ببعض، لابد من القيام بها حتى تنجو من الخسارة {وَالْعَصْرِ[1]إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ[2]} [سورة العصر]. فالمقصود أثر العالم على الأمة، أثره على الناس، ولن يكون له ذلك الأثر إن لم يكن عاملاً أولا بعلمه.
فالإنسان إذا علم بالأمور المترتبة على هذا العمل العظيم فإن ذلك يكون سببًا في أن يستهين بالصعاب التي ربما واجهها وهو يعمل هذا العمل، عندما يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ]رواه الترمذي. فأي فضل هذا!
وهذا التعليم أحيانًا تقوم به بنفسك، وأحيانًا تكون سببًا في إيصال العلم والخير إلى الغير وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: [مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ]رواه مسلم. فلماذا لا تكون دليل خير؟(15/256)
فقد يدعو الإنسان إلى شيء من الخير إعذاراً إلى الله، ولكن قد يضعف الإنسان فلا يقوم بهذا العمل، فيلتقفه إنسان يسمع منك، فيقوم بهذا العمل أو الشيء الذي دعوت إليه، فيكتب لك الأجر كما عمله هو. بل الأمر أعظم من ذلك، ربما تكلم إنسان فاهتدى بسبب هذه الدعوة رجل أو امرأة، ثم أصبح هذا الإنسان داعية، أو ربما أصبح مجاهدًا في سبيل الله، أو ربما قتل شهيدًا في سبيل الله، فما من خير يحصل عليه إلا كتب لك منه مثله؛ لأنك أنت الذي دللته إلى الخير.
وهذا والله ما ينبغي أن نتنافس فيه، وأن تسعى في تحصيله، وأن يكون أحد الأهداف في حياه الإنسان، ولنا في نبينا - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، لقد كان من أهم المهمات في حياته - عليه الصلاة والسلام - إنقاذ الناس من الظلام، هداية الناس {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا[6]} [سورة الكهف].
عائشة - رضي الله تعالى عنها - وقع في نفسها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما مر به شدة كما مر به يوم أحد، فأخذت تسأل هل مر بك شيء أشد مما في يوم أحد، فذكر أن لا إلا ما حصل في الطائف، وليست القضية أنهم رموه بالحجارة، إنما أكثر ما أثر فيه - عليه الصلاة والسلام - هو عدم قبول دعوته، أثر فيه أنه لا يجد أرضا خصبة لـ لا إله إلا الله.
يقول بعض الصحابة: 'رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لعشر سنين وهو في مكة يعرض نفسه على القبائل في المواسم'.
يمشي فيعرض عليهم دين الله لا يمل ولا يكل في كل مكان حتى في الأسواق.
وهو لنا أسوة، وهذا الدين أمانة في أعناق من بعده، وهكذا تسلسلت هذه المسئولية حتى وصلت إلينا، فإما أن نقوم بها كما ينبغي، وإلا فنحن نخشى على أنفسنا أن نخسر قبل غيرنا. وصلى الله على محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
4ربيع الآخر 1425هـ - 24 مايو 2004 م
من محاضرة:'كيف تكون إيجابيًا' للشيخ/ عبد الله بن أحمد القحطاني
http://links.islammemo.cc المصدر:
=============
البخلاء
أ.مها الجريس
لست أعني بهذا العنوان كتاب الجاحظ المشهور، لكني أعني صنفاً من القادرين الذين بخلوا بما آتاهم الله من فضله، إنه بخل من نوع خاص، وشح بصدقة عظيمة لا تختص بفقير واحد أو عدد محدود معه من الفقراء، وإنما تمتد إلى الناس جميعا.. إنها "الكلمة الطيبة" التي قال عنها - عليه الصلاة والسلام -: "والكلمة الطيبة صدقة"، وإذا كان البخل صفة ذميمة لمن يستطيعون البذل والعطاء من مال الله الذي آتاهم، فإن البيان من نعم الله التي تُؤدى زكاتها ببذل ثمارها الطيبة للمحتاجين في كل زمان ومكان.
وما أحوجنا اليوم إلى عطاء الكلمات التي تخرج من قلب ثم فم صادق؛ لتمزق حجب الغفلة، وتزيح زبد الباطل، وتنير دروبا مظلمة.
إنها الكلمة التي قال الله - تعالى - فيها: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا..}، وقد قال بعض السلف إنها كلمة التوحيد. وعموم اللفظ على أنها كل كلمة طيبة، ولا منافاة بين القولين، فإن الكلمة لا تطيب إلا أن تكون مبنية على أصل التوحيد، ومن شأن الكلمة الطيبة أن ترفع العبد درجات عند الله - تعالى -، قال - عليه الصلاة والسلام -: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات"، قال ابن حجر - رحمه الله -: (والكلمة التي ترفع بها الدرجات ويكتب بها الرضوان هي التي يدفع بها عن المسلم مظلمة أو يفرج عنه كربة أو ينصر بها مظلوماً) (الفتح 11/317).
فكيف بكلمة يُدفع بها عن جموع من المسلمين جهل أو منكر أو ظلم أو كربة؟!
ألا ما أعظم عطاء الكلمات.. لو تأملها العاقل لجاد وما بخل، وأكثر ولم يستق.،
كم هم أولئك القادرون على عطاء الكلمات يحكمون عليها الخناق كما يحكم البخيل وثاق الصرة على ماله؟! وكم هم المترددون في إخراجها تردد البخيل في الإنفاق ولو على نفسه؟!
وإن زماناً كزماننا الذي نحن فيه لا يدع عذراً للقادرين على بذل الكلمات الطيبة، فقد أطلت الفتن برؤوسها، وكشر الكفر عن أنيابه، وتعطشت قلوب المؤمنين إلى معرفة الحق وتوقي الفتن. فما أعظمه من باب خير قل فيه المتنافسون، وزهد فيه القادرون!
ورسولنا الكريم - عليه الصلاة والسلام - يؤصل المعنى الصحيح لحسن الإسلام بترك العبد ما لا يعنيه. ومفهومه يدل على أن عنايته واهتمامه بما يعنيه حسن في إسلامه.
فكيف بما يعني الأمة بمجموعها، ويدخل في قوله "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"؟!
فيا أيها القادرون من حملة الأقلام وفصحاء الكلام: جودوا بما أنعم الله به عليكم، وأدوا زكاة النعمة؛ لتبرأ الذمة وتنكشف الغمة!
http://saaid.net المصدر:
===========
نهاية الفراعنة
الشيخ يوسف القادري
نستطيعُ أنْ نقرأ بدايةَ نهايةِ "فرعون موسى"في سورة يونس، ولو تأملنا فيها لوجدنا أنها تشكِّل قوانين اجتماعية سنَّها الله - سبحانه - فهي نموذج وكُلَّما تكررت مفرداتُ تلك المعادلة تكررت نتيجتُها نفسُها.
وقَبْلَ أنَ نَدخل إلى تلك القوانينِ والسُننِ الربّانية فَلْنتوقفْ مع أهمِّ بنود البَرْنامَج السِّيَاسَيّ لفرْعَوْن الذي طَرَحه وأهمِّ مبادئه وأيديولوجياته:
1. الاستبدادُ والطغيانُ ((مؤسسة الرجل الواحد)): ((مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ)) [غافر: 29].(15/257)
2. النفاقُ السياسي: ((قال للمَلأ حوله إن هذا لساحر عليم، يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون)) [الأعراف: 34، 356].
3. الطائفيةُ السياسيةُ والوظيفيةُ: ((إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)) [القصص: 4].
4. احتكارُ الشرعيةِ وممارسةُ التشريعِ بهوى النفوس دون الاستنادِ إلى الدستورِ الربّاني: ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ يا أيها الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)) [القصص: 38].
5. تجهيلُ الشعوبِ واستخفافُ عقولِهم: ((... قَالَ يا قوم أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ... ~ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)) [الزخرف: 54-51].
6. الحكمُ العسكريّ: فهو ((فِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ)) [ص: 12].
7. الكفرُ باللهِ وعدمُ شكرِ نِعَمِه: ((كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ...))[الأنفال: 52].
بعد هذه الجَولة في "البرنامج السياسي لفرعون" لو رجعنا إلى الكلام على بداية نهايته لَعرفنا أنها كانت من يوم بدايته وانطلاقته في الكفر والظلم والطغيان. وإليك قصة نهاية فرعون في سورة يونس:
ـ ((ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ~ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ)) ولم يستسلم سيدنا موسى للإشاعة على رسالته، بل واجهها مباشرة وبقوة.
ـ وعندها تَحَوَّل فرعونُ ومَلَؤُه عن نقطةِ الحوار والموضوعيةِ فيه إلى استفزازِ العصبية والموروثات، وحاولوا التشكيك بالنوايا بَدَلَ مناقشةِ الطروحات: ((قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ)).
ـ ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ~ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ ~ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ~ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)). نموذج من غرور القوة: تَحَدّى اللهَ والرسولَ والمعجزةَ: بالسحر! وجَمَع الناسَ على أعظمِ وسيلة إعلامية يومَها في بثٍّ مباشرٍ غيرِ قابلٍ للدَّبْلَجَة أو التَّعْتِيم، وتَوَلَّى هو الدعاية "لِحَلقة المُناظرة" وإلزام "الشَّعْب" بحضور هزيمته. فاستغلَّ سيدُنا موسى ذلك الحشدَ بإظهارِ المعجزة وعقيدته، وثقته بربّه، وتعريف مصطلح "السِّحر" و"المُفْسِد" و"المُجْرِم".
ـ وبذلك آمَنَ السحرة و امرأة فرعون وعددٌ يسير مِن ((الأقباط)) رغم المخاطر المتوقعة: ((فَمَا ءَامَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ...)).
ـ وهناك حميت المواجهة؛ فطالب سيدُنا موسى أتباعه الذين أعلنوا الإيمان أن يُؤَدُّوا مقتضَيات ذلك الإيمان؛ ومنها التوكل: ((وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ ءَامَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) أي لا تسلِّطْهم علينا فيَغْتَرُّوا بالقوةِ والنصرِ فيكونَ ذلك فتنةً لهم ويفتنونا عن ديننا ((وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)).
ـ وَلَمَّا كان فرعون يَهْدِم بيوت العبادة (ويَخْتمها بالشمع الأحمر ويُصادر أوقافها) ويُعَرِّض مَن يَقْصدها إلى الاعتقال والتعذيب: رَخَّصَ اللهُ لهم الصلاةَ في بيوتهم وأَمَرَهم بتحويلِ بيوتهم إلى مراكزَ للعبادة والدعوة وأنْ يتمسكوا بالصلاة والإيمان ليحصّلوا البشارة: ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)).
ـ وتَضَرَّعَ موسى إلى الله بالدُّعاء أنْ ينتقمَ مِن الظالمين؛ ((وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ ءَاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ ~ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)) وفي الأمر بالاستقامة بعد البشارة بإجابة الدعاء: إرشادٌ إلى أنّ الدعاء وإنْ كان عبادةً عظيمةً، إلا أنه لا ينبغي أن يقتصر المسلمُ عليه دون العملِ بالأسباب والاستقامة على التديُّن. وسبيل الذين لا يعلمون هو تَقليد الكفار الذين إذا دَعَوْا يَستعجلون الإجابةَ. قال بعضُ المؤرخين: كان بين دعوة موسى والإجابة بإهلاك فرعون 40 سنة!(15/258)
ـ ((وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ~ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)). ونلاحظ كيف رَكِب فرعونُ رأْسَه رغْم رؤيةِ معجزةِ انفلاقِ البحر، ويَلْفت انتباهَنا أنّ كثيراً مِن الأبيات التي ذُكر فيها فرعون -وخاصةً هلاكه- جاء مقترناً مع قومِه الذين يَحْلفون بِحياتِه وعِزَّتِه، وللتحذير مِن نُصرةِ الظالمين والرُّكونِ إليهم: أَكَّدَتْ أكثرُ مِن آيةٍ أنهم أُغْرِقوا معه:((فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا)) [الإسراء: 103]. ولم يَقبل اللهُ توبةَ فرعون لأنها جاءت بعدَ وقوعِ العذاب حيث لا يَبقى مجال للشك أو فائدةٌ للتكليف ((فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا)) [غافر: 85] فلْيَتُبْ الفراعنة قَبْلَ رؤْية البأْس.
ويبقى المشهد الأخير: حيث شَكّ بعضُ بني إسرائيل في موت فرعون وصَعُب عليهم استيعابُ هذا الحَدَثَ بعد ادّعائه الألوهية واستبداده بالحكم لعشرات السنين، فأَمَر اللهُ البحرَ الأحمرَ أن يَلْفِظ تلك الجثةَ الهامدةَ بلا رُوح: ((فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ ءَايَاتِنَا لَغَافِلُونَ)) وهكذا تَبدَّدتْ الشكوكُ والظنونُ ورآه معاصرُوه بأمِّ أعينِهم لِئَلا يظنَّ أَحدٌ أنه صعد إلى السماء أو طَلَب لجوءاً سياسياً في دولةٍ ما! ويستطيع كلُّ واحد منا أن يراه اليوم ذَليلاً مُحنَّطاً ولو على شاشة التلفاز، أو يرى غيرَه من الفراعنة الذين طالَما ادَّعوا الألوهية -بالقول أو بالفعل- وخانُوا أمَّتهم لِمصلحة أعدائهم. وربما كان أسيادُهم بالأمس هم أوّل من يَبطش بهم لِيَعيَ الذين من بعده هذه الآية ((وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ ءَايَاتِنَا لَغَافِلُونَ)) [سورة يونس: 75-92] صدق الله العظيم. فبعضُ الغافلين بعد هذا الدرس "الآية" بَدَل أنْ يتوكلَ على الله ويَتركَ الركوعَ للأعداء صار يقدم السجدات والمبادرات!
أيها المسلمون أيها الشباب: إن كنتم آمنتم بالله فعليه فتوكلوا وادْعوه ولا تَتَّبعوا سبيلَ الذين لا يَعلمون ولا تُقلِّدوهم ولا تَستعجلوا الإجابة، واستقيموا واجعلوا بيوتَكم قِبلة وأقيموا الصلاة وانشُروا الحق وواجهوا حملات التشويه...عندها نكون من أهل:((وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ))!
http://itihad.org المصدر:
============
حوار مع الداعية المغربي فضيلة الشيخ محمد زحل
الحركة الإسلامية بالمغرب والعمل الدعوي العام
حاوره/ الخلافة عبدلاوي
تقديم:
الشيخ محمد زحل - حفظه الله - هو واحد من ربابنة العمل الإسلامي بالمغرب؛ بل هو من نوادر قياداته التاريخية؛ إذ يحمل في ذاكرته الحية قدراً مهماً جداً من تاريخ التجربة الدعوية بالمغرب؛ فبالإضافة إلى كونه واحداً من الرواد المؤسسين؛ فإنه ممن أسهموا في تجنيب سفينة العمل الإسلامي الغرق، بعد فتنة الشبيبة الإسلامية في المغرب، وما تبعها من أحداث.
إنه من القيادات الدعوية النادرة التي ـ نحسبها ـ جمعت بين العلم والعمل، يتميز بصفاء العقيدة، والحرص على العمل بالسنة، مع فقه واع لقضايا العصر، يتقد حماساً وغيرة على العمل والصحوة الإسلاميين. تنبعث من حديثه ثقة كبيرة بدينه، وعزة إيمانية عالية. يحرص كثيراً على الحديث بلغة عربية فصيحة، جريء في الحق، غير متردد في إبداء أفكاره، سواء منها ما يتعلق بواقع الحركة الإسلامية بالمغرب وتاريخها الشائك، أو ما يتعلق بالصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي بشكل عام. التقته مجلة البيان في مدينة الدار البيضاء المغربية، فكان معه هذا الحوار:
ورقة تعريفية:
الشيخ الأستاذ محمد زحل من مواليد 1363 هـ الموافق 1943م، من أسرة كل أفرادها قراء وطلبة علم من قبيلة «مكنافة» إحدى قبائل «حاحا» المعروفة بإقليم الصويرة بالمغرب.
- حفظ القرآن على يد والده وعمره 11 سنة.
- تلقى تعليمه الأول بالمدرسة «الجازولية» نسبة إلى محمد ابن سليمان الجازولي، ثم بالمدرسة «الهاشمية» تحت إشراف الشيخ البشير بن عبد الرحمن توفيق والد الدكتور محمد عز الدين توفيق، ثم بمعهد تارودانت، ثم بمراكش في التعليم النظامي.
- عمل لمدة عشرين سنة بالتعليم منذ سنة 1965م.
- اشتغل بالخطابة في عدة مساجد، إلى أن تم توقيفه سنة 1984م.
- يشرف على عدة دور قرآنية.
- أصدر إلى جانب الدكتور سعد الدين العثماني وجماعة من الشباب المسلم مجلة «الفرقان» المغربية.
ـ له عدة أشرطة من دروس ومحاضرات.
- اشتغل بتأليف الرجال بدل تأليف الكتب.
( البيان): مرحباً بالأستاذ الشيخ محمد زحل ضيفاً على مجلة «البيان»، وحبذا لو قدم فضيلتكم لقراء البيان نبذة عن بداية نشاطكم الدعوي، وخاصة دوركم في تنظيم الشبيبة الإسلامية(1) والتطورات التي لحقت بها؟
** بالنسبة للجواب عن هذا السؤال، فلقد تطرقت لبعض من جوانبه في حلقات ضمن جريدة «التجديد» المغربية، رغم أني لم أوفِ بعض الجهات والأشخاص حقهم، فعلاً لما دخلت إلى الدار البيضاء سنة 1963م؛ زاوجت بين التعليم والقيام بالدعوة بشقيها: العام في المساجد، ثم جانبها التربوي في البيوت والمقرات والأندية، فتم الاتصال بعبد الكريم مطيع فتم التعاون معه، وأسسنا حركة الشبيبة الإسلامية.(15/259)
( البيان): ولكن هل نستطيع القول إنه حدث تطور أو تغير في نظرتكم أو مفاهيمكم الدعوية؛ بحيث نستطيع القول: إنه لو استقبلتم من أمركم ما استدبرتم لبدأتم بداية أخرى؟
** لا؛ فإن بدايتنا كانت جيدة ولله الحمد، فقد كان هناك اعتناء جيد بالتربية، وتكوين مستمر للرجال، لقد كانت المساجد في ذلك الحين ملأى بالشباب، وكذلك كانت الدعوة، أما الآن فلا يشتغل في الدعوة إلا الكهول والشيوخ، وضعف جانب الشباب. لقد كانت الشبيبة الإسلامية آنئذ تتبنى منهج التربية اعتماداً على نظام الأسر والخلايا، أما الآن فقد خَفَتَ هذا. نعم! إن البداية كانت جيدة، وإنما أفسدها التوجه السياسي للقائد «عبد الكريم مطيع» الذي لم يتخلص من النزعة السياسية منذ كان عضواً في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
( البيان): ولكن يلاحظ أن مجموعة من رجال تلك الحركة اختفوا عن العمل التنظيمي؛ فما سبب ذلك؟
** في الفترة الأولى كان جل رموز الحركة من رجال التعليم الذين شاركوا في الدعوة وتأسيس الحركة، وعندما وقعت الفتنة، وخرج عبد الكريم مطيع من المغرب وقع خلط كبير في الحركة، وآثر بعض عقلاء الحركة التوقف إلى حين، ولكن ما أسميته اختفاء ليس كذلك؛ فقد كانت هناك مدارسة للعمل الإسلامي وإيجاد البديل لـ «الشبيبة» بمعية الأستاذ عبد الإله ابن كيران والأستاذ محمد يتيم، وكانت أول محاولة لإيجاد كيان بديل، فتم اختيار العمل الدعوي العام؛ حيث اخترنا العمل بحرية؛ لأن الداعية على وجه الخصوص، إذا «تحزب تعصب»، ففضلت أن أكون للمسلمين جميعاً ولا أُحسَب على تنظيم معين، وكل الإخوة يرجعون إليّ في بعض المشورات، ولي علاقات طيبة مع الجميع.
( البيان): تواري رموز «الشبيبة» سابقاً؛ هل هو راجع إلى رؤيتها للتغيير أم إلى ضعف التكوين التربوي لديها؟
** الشبيبة وقعت في أخطاء؛ فعند غياب القيادة أسندت الأمور إلى شباب صغار أغرار، وكانوا يعبثون بالأمور ويتصرفون في الأمور بالأوامر، فحصلت تناقضات، فيأتي الأمر وعكسه، وأنشئت عدة خطوط؛ فلا تعرف ما المعتمد من القرارات، فآثرنا، ليس الاختفاء والتواري كما ذكرت، ولكن أن نراقب الأمر عن كثب، فتم إنقاذ الأمر بفضل الله، وكان (عبد ربه) من المساهمين في ذلك.
( البيان): فيما يخص نشأة العمل الدعوي بالمغرب بين الخصوصية المحلية والتبعية المشرقية: أستاذَنا الكريم! هل العمل الدعوي نتاج واستنبات محلي، أم هو تابع للتجربة المشرقية؟
** ليست هناك تبعية؛ فالحركة الإسلامية في المغرب لم تبايع الحركة العالمية، والصحوة الإسلامية ظهرت في وقت واحد ومتزامن، وإن سبقتها شقيقتها في المشرق ممثلة في حركة «الإخوان المسلمين» بمصر، وجماعة «أبي الأعلى المودودي» بباكستان.
وجاءت هزيمة العرب سنة 1967م، وانهزمت القومية العربية بزعامة عبد الناصر، فصحح الناس المسار، وهو الوقت الذي شرعنا فيه في تأسيس الحركة الإسلامية بالمغرب، كان الإخوة في الجزائر يباشرون الأمر نفسه، وكذلك الشأن في تونس وغيرها.
( البيان): إذن، فهي نبتة طبيعية؟
** نعم! ولكننا نعترف بأن الحركة الإسلامية كان لها نوع اعتماد على أدبيات حركة «الإخوان المسلمين» بمصر، مع نوع من التميز عن التجربة المشرقية أو الإخوانية؛ في بعض الجوانب السلوكية المتعلقة بالهدي الظاهر، بالنسبة لنا بالمغرب حسمنا هذه الأمور من بدء انضمام أي شخص للحركة، فيضع فاصلاً بينه وبين سابق أمره وعهد الإسلام، فيتخلى عن كل آفاته السابقة، ولشد ما كان عجبنا كبيراً، عندما يزورنا أخ من المشرق، ويحدثنا عن سبقه في الدعوة، وعلى أنه قضى بالسجن كذا وكذا من السنين؛ فكأن هذا هو المقياس لديهم، فتجده حليقاً، أو مدخناً، أو منتمياً لطريقة صوفية؛ فمنذ البدء حرصنا أن تكون النبتة طيبة ومتميزة في سلوكها ومعتقدها، حتى إن التقيد بالمذهب أو التقليد لا نعيره أي اهتمام في مناهجنا ودروسنا التربوية؛ إذ نأخذ النص من الكتاب والسنة، ولا نأبه بأقوال الأئمة إذا تعارضت مع هذه الأدلة. كما أن البناء العقدي الذي اعتمدناه في الجماعة كان يمتاح من كتب العقيدة الصحيحة ومنها: كتاب «التوحيد» للشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، و «العقيدة الطحاوية»، ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية، كـ «الواسطية»، وأذكر لك أني التقيت مرة الدكتور الشيخ تقي الدين الهلالي أثناء زيارتي له بمكناس و «الشبيبة» بارزة آنذاك، فسألني عن عقيدتنا فأخبرته بمصادرنا ومعتمدنا في العقيدة، فقال لي: جزاكم الله خيراً. فسُرَّ لذلك، فكان ـ رحمة الله عليه ـ يسلم أنها كتب مفيدة في هذا المجال بالأساس.
( البيان): ولكن يشاع عن فضيلة الشيخ تقي الدين الهلالي القول ببدعية العمل التنظيمي؛ فهل هذا صحيح؟
** أبداً؛ ليس هذا صحيحاً؛ فقد عايشته إلى حد المخالطة، وكان يتفقدني، كان رأي الدكتور في الحركة سديداً سليماً، وكان جل شبابها يزورونه، بعدما علم أن منطلقها العقدي سليم، فلم تكن له أبداً نظرة سيئة للعمل التنظيمي.
( البيان): جدلية الدعوة والسياسة: أيهما المدخل الأصوب في منهج العمل الإسلامي؟ بصيغة أخرى: ما الأوْلى: مدخل التربية والتعليم، أم العمل الحزبي السياسي؟(15/260)
** نشأت الحركة الإسلامية في كل مكان، والمغرب ليس بدعاً في هذا، نشأت للتغيير ـ نحو الأفضل ـ بعدما وجدنا اليسار استفحل أمره، والشيوعية خيبت الآمال، والعلمانية بعد الاستقلال، في مرحلة سابقة كان القادة يقولون: سنعتمد الإسلام وحكم القرآن في التسيير، لكن بعد الاستقلال تبخرت تلك الوعود، وخيبت الآمال؛ فأيما بلد قامت فيه الحركة الإسلامية، فإنها قامت للتصحيح، ولما أنشأنا الحركة، كان هناك مجموعة من الجمعيات، كجمعية «أنصار الإسلام» في الستينيات، وسرعان ما خَبَتْ، ثم «جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بالمغرب الشرقي، وكان لهذه الأخيرة أسلوب يستفز بعض المسؤولين، وسرعان ما توقفت، وظهرت جماعة «التبليغ» سنة 1963م بأصولها الستة المعتمدة، وأصحابها يقومون بنوع من التربية فيه قصور، فإن كان المتعاطف أمياً وعامياً ساير تلك الأصول الستة، وإن كان مثقفاً احتاج إلى المزيد، وهؤلاء ضيقوا ذلك في أصول ستة. والحركة الإسلامية بالمغرب نشأت لتقوم بدعوة شاملة للإسلام بجميع جوانبها التربوية والاجتماعية، والاهتمام بشؤون الدين والدولة، أو شؤون الدين والسياسة... وأخذ الإنسان بالتزام الإسلام في جميع شؤونه؛ فهي لا تقول: ما لله لله، وما لقيصر لقيصر؛ فقيصر في تصورها هو نفسه لله.
( البيان): بعض المراقبين يقولون إن الحركة الإسلامية ذات صبغة سياسية وليست حركة دعوة إشعاعية؛ فكيف تفسرون هذا الرأي؟
** الإسلام كما سبق أن ذكرنا لا يعرف هذا الفرق وهذا الفصل، لا يعرف ما لله لله وما لقيصر لقيصر، بل الكل لله، وهؤلاء يريدون أن يحتكروا السياسة وحدهم.
( البيان): كيف تنظرون إلى معادلة الفقيه والسياسي، من الأول: هل السياسي قائد والفقيه ناصح ومستشار، أم الفقيه والعالم هو القائد والسياسي منفذ؟
** السياسي والعالم أو الفقيه هو واحد وكل؛ فيجب ألاَّ نفرق بينهما بمقتضى المنهج العلماني؛ بل الواجب أخذ الأمر في شموليته؛ فلا نمنح مقاليد أمور الدين والدنيا لسياسي جاهل بالدين وبالإسلام، والمطلوب من السياسي أن يسير على شرع الله في سياسة الرعية.
( البيان): وماذا عن العمل السياسي؟ هل يصح القول: إنه الوصفة أو المفتاح للإصلاح والتغيير؟
** قلت لك في السابق: نحن دعاة قبل أن نكون طلاب حكم. نحن هدفنا أن يكون المسلم العامل يعمل لتأسيس القاعدة التي تطالب بحكم إسلامي ثم لا يهمنا أن نحكم نحن أو غيرنا؛ فغايتنا أن نعبِّد الناس لله، وأن نربطهم بالإسلام. من جهة أخرى ما نستطيع الوصول إليه بالتنفيذ لا نصله بالوعظ؛ فمرسوم ملكي بتحريم الخمر أكبر من مئات الخطب؛ فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ـ كما اشتهر عن عثمان - رضي الله عنه -، ولا يهمنا الحكم، ويجب ألا يأخذ وقتاً كبيراً من عملنا وتفكيرنا.
( البيان): هذا يعني أن المدخل التربوي التعليمي هو الأول؟
** ليس كذلك؛ كل من الأمرين وارد؛ فقد كان هناك برنامج مرحلي، كل مرحلة تسلم لأخرى في تكامل منسق.
( البيان): ما الذي تعنونه ببرنامج مرحلي؟ هل يعني ذلك أن للتربية مرحلة، وللعمل السياسي مرحلة أخرى منفصلة؟
** لا.. بالنسبة للعمل في عمومه، تتم مراحله بشكل متناسق ومتكامل؛ بحيث تنجز جميعها جنباً إلى جنب، وذلك يحتاج إلى مهارة في التوجيه؛ بحيث لا تطغى واحدة منها على الأخرى؛ إذ كل غلو في الجانب السياسي مثلاً تظهر آثاره جلية في الجماعة، بصورة شاذة. ولذلك فإني أرى أن لا يوجه للعمل السياسي إلا النخبة الصالحة التي تلقت تربية وتكويناً عاليين؛ بحيث يستطيع هؤلاء المحافظة على ذلك التوازن المنشود بين المراحل جميعاً.
( البيان): كثرة المعاهد والدور القرآنية والدينية، كيف تقوِّمون انتشارها؟ وهل ترون أن المناهج المتبعة فيها تحقق الأهداف التي أنشئت لأجلها؟
** بالعكس؛ أنا أرى ضحالة وقلة في إنشاء المعاهد الشرعية ودور القرآن، إلا أن تكون تشير إلى الجانب المراكشي في القضية؛ فهذا شيء آخر؛ فقد أتى عليّ حين من الدهر وأنا أصيح حتى بحت حنجرتي بأن الدار البيضاء مثلاً تعرف مؤسسات تبشيرية، ولكل دولة من يمثلها في هذه المؤسسات من حيث الأفكار والمعتقدات، غير القرآن وللأسف فلم نعد نرى تلك «الكتاتيب» الخاصة بتحفيظ القرآن كما كانت في الستينيات؛ وذلك راجع إلى ميل الناس إلى التعليم العصري وإلى «التوظيف». وما تسميه زخماً وكثرة، أسميه ضحالة، نعم! بفضل الله - عز وجل - ثم بجهود المخلصين بدأت تظهر بعض المراكز، وهي بالدار البيضاء لا تتجاوز العشرين، أشرف شخصياً على ثمانية منها، لكنها مستقلة تعتمد على إمكاناتها الذاتية لا إلى منح خارجية، وهذا خلاف الخط المشهور بمراكش الذي هو عالة على دول أخرى، واهتمامنا أن ننشئ معهداً قرآنياً، ونحن حريصون على استدراك القصور الذي يعتري مناهجنا؛ فإذا كانت بعض الدول الإسلامية تمثل فيها المواد الإسلامية 80%، فإن برامجنا الدراسية بالمغرب لا تصل هذه المواد فيها إلى 2%؛ مما يفرض على الحركة الإسلامية تدارك هذا القصور بتشجيع إنشاء مدارس قرآنية إلى جانب تلك المدارس العصرية أو «الحرة» كما تسمى، فإذا لم يتحقق ما يسد النقص فإن الحركة تكون آثمة؛ لأن الدولة والدعوة تتعطل بانعدام مناهج وبرامج شرعية.
( البيان): إذن فأنتم مطمئنون لهذه المعاهد وهذه الدور؟
** نحن نتبنى منهج تحفيظ القرآن الكريم، وإنشاء المعاهد الشرعية، وهذا المنهج هو الكفيل بدحر الفكر اليساري، ومقارعة الفكر العلماني الذي نعاني من حربه وتهميشه للشعوب الإسلامية، والمؤهلون لهذه المواجهة هم المتخرجون في هذه المعاهد والمؤسسات القرآنية.(15/261)
( البيان): ارتباطاً بالعلمانية نرى أنها ساهمت في انحدار الأخلاق وترديها؛ فما هي الوصفة العلاجية التي تقدمونها للخروج من هذه الوهدة؟
** طبعاً؛ العلمانيون واليساريون والشيوعيون، هؤلاء مناهضون للدين لا ننتظر منهم أن يكونوا دعاة فضيلة وأخلاق؛ فركوب موجة الفساد هو سبيل وجودهم؛ فهم يركبون على نوازع الناس وشهواتهم ليستميلوهم؛ فهم يمارسون وظيفتهم، ولهم علاقات مع دول أجنبية، وتأتيهم تعاليمهم من الدول الكافرة اليهودية والنصرانية لتمييع المجتمع وتدمير الأخلاق، والقضاء على العقيدة؛ فالواجب أن نلوم أنفسنا؛ إذ لم نوجد وسائل للوقوف أمامهم، والتربية الدينية في الأسرة والمدارس الشرعية وسائل لمواجهة هذا الانحلال وهذه العلمنة؛ فتكثيف التربية على الأصعدة كافة بالدرس والمحاضرة والدعوة؛ كلها وسائل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما يعبث به المارقون والملاحدة والعلمانيون.
( البيان): بالنسبة لمدى تأثير الدعوة في البادية والمدينة بالمغرب، ألا ترون أن البادية أكثر قابلية للتدين خلاف المدينة التي طغت عليها أنماط الحياة العصرية؟
** بل العكس هو الممكن؛ إذ في المدن يتنفس الناس نسمات طيبة بوجود مساجد كبيرة ودعاة وحركة؛ بينما البوادي والأرياف - كما يسميها إخواننا المشرقيون ـ هي مهمشة ومحاصرة ولا يستطيع أحد التحدث في المساجد؛ فهي تشكو فقراً دعوياً، والناس يعيشون جهلاً في كل الأمور في شعائرهم؛ فلا يعرفون لماذا خلقوا، ولا نبرأ من المسؤولية ـ نحن معاشر الدعاة ـ كما لا نبرئ الدولة؛ لأن من أولى أولويات الحاكم المسلم أن يهتم بدين الأمة ودنياها، فيجب ألاَّ نحصر اهتمامنا بالأرياف والبوادي في مساعدتهم على العيش ولا شيء غير ذلك، بل تعريفهم بربهم وتقوية صلتهم به، وانتشالهم من أمراض الفقر والجهل وغيرهما.
( البيان): عُرِفَت الدار البيضاء بقيادتها للعمل الدعوي في فترة السبعينيات والثمانينيات عبر الشريط، ولكن هذه الريادة انحسرت؛ فإلامَ ترجعون ذلك: هل لأسباب ذاتية؟ أم سياسية؟ أم لأشياء غير هذه وتلك؟
** نحن ـ المسلمين ـ نفتقد النظام؛ تجد العالم أكاديمياً، ولا تجد له أي مؤلف بدعوى الاحتساب. فرطنا في الاحتفاظ ومن ثم الاستفادة من كثير من الدروس، وأوكلنا للعوام التكفل بجمعها، والعامي لا يعير ذلك اهتماماً؛ فهو يسجل اليوم ما يشاء ويمحوه غداً.
ومن نتائج ذلك أن الدعوة أصابها فتور، ودخلتها فتن بسبب ما يسمى «بالخط السلفي الجديد»، فصار الاهتمام الدعوي قاصراً على جوانب معينة، وضعف الاهتمام بدور الشريط السمعي. وأقول لك ـ وخذها مني ـ: إن رواج الشريط، ورواج الكتاب الإسلامي رهيان بحركية الدعوة ونشاطها، ورهيان بوجود دعاة على المستوى المطلوب؛ فنشاط الدعوة العامة يجعل الناس شغوفين بالكتاب والشريط الإسلاميين، والعكس، فوجود اهتمامات تافهة يؤثر على الدعوة، ويساعد في انكماشها وانحسارها.
( البيان): عرف العمل الإسلامي نخبة من العلماء الأجلاء كانت تمثل الجدار الضابط الواقي للصحوة الإسلامية، لكن الموت أخذ يتخطفهم تباعاً، ألا تخافون على مستقبل العمل الإسلامي؛ ارتباطاًً بوجود خلف مترهل علمياً ومعرفياً؟
** لست متشائماً. حقيقة إن العلماء الكبار الذين فقدناهم كان لهم دور كبير في ترشيد الصحوة الإسلامية وتوجيهها، كالشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمة الله عليه، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمة الله عليه، والشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمة الله عليه، وغيرهم كثير، ومع ذلك نقول: «إن للبيت رباً يحميه»، فأعمالهم ومؤلفاتهم لم تمت ولم تعدم، وتلامذتهم موجودون، وسلامة الدين لا تناط بشخص أو عدة أشخاص، فلا تخلو الأرض من قائم لله بحجة؛ فالله ـ - سبحانه - ـ قضى للشباب وغيرهم أن يحترموا علماءهم ويقدروهم، والأمة لا تُترك هملاً.
( البيان): إلامَ تُرجِعون ضحالة التكوين لدى الخلف خلافاً لأولئك العلماء؟
** هذا له أسباب كثيرة؛ فنحن في عصر السرعة، وتكوين أولئك السابقين كان متيناً؛ لأنه ارتبط بنظرتهم وحبهم للعلم الذي ملك عليهم حواسَّهم وذواتهم، وكانوا يحتسبون طلبه لله، ففرق بين من درس العلم للعلم ولله - عز وجل - ومن درسه ليقضي به وطره، ليصبح قاضياً، أو مأذوناً أو أستاذاً.. ولهذا يكون تكوينهم سريعاً، كالدجاج المدجن العصري، ويكون هشاً. وحينما تكون عندنا حركة علمية، ويكون التنافس في طلب العلم فسيعود الأمر إلى نصابه، ويكون لنا مثل أولئك العباقرة، وما دمنا نحصر اهتمامنا في حفظ متون نقضي بها وطر الامتحان ثم ننساها؛ فإننا ننتج أمثال هذا الخلف المترهل علمياً ومعرفياً.
( البيان): وكيف السبيل لتلافي هذا الأمر؟
** أنت لفت نظرك في السابق كثرة المدارس القرآنية، وأنا أزعجني قلتها؛ فالقرآن وقع له إهمال بسبب توجيه العائلات المسلمة أبناءهم للتعليم العصري ودراسة العلوم المادية؛ فتم الإقبال على المدارس العصرية من أجل الدنيا و «الوظيفة»، وقضى الله أن أفلس هذا التعليم سواء من حيث مردوده العلمي أو نتائجه من جحافل المعطلين المجازين، فحدث من بعض هؤلاء رجوع وصحوة لحفظ كتاب الله، مدركين أن ما معهم من العلم لا يساوي الجهد المبذول فيه، فترى من يحمل شهادات عليا يبحث عمن يأخذ عنه العلم، وهذه ظاهرة صحية تستحق التثمين، وظهرت مدارس قرآنية بالدار البيضاء والشمال، وعاد الناس إلى التعليم العتيق، وفتح «الكتاتيب القرآنية»، وهذا يصحح المسار.
( البيان): ولكن، ماذا حول تشرذم الحركة الإسلامية؟(15/262)
** التعدد التنظيمي قد يكون ظاهرة صحية إذا كان وجوده يثري الإسلام، وكل شُعبة تقوم بجهد: فواحدة للفقه الإسلامي، وثانية لتصحيح العقيدة، وثالثة للعمل الاجتماعي. فهذا إثراء خاصة إذا كان هناك تنسيق أو على الأقل سكوت بعضنا عن بعض، أما إذا كان الفرقاء الكلُّ يسفه الآخر، والكل يقول أنا أو الدمار، فهذا خطر على الدعوة وعلى الصحوة.
( البيان): يشاع حالياً مصطلح «التجديد»؛ فما هو القول الأصح: تجديد الدين، أم تجديد التدين؟
** في الحقيقة الدين لا يجدَّد؛ فنصوصه قطعية وثوابته قارَّة، والتجديد المقصود لدى مفكري الصحوة الإسلامية هو تجديد صلة الناس بالدين. عندما يصاب التزام الناس بفتور وتقليد، فيأتي المصلحون يرجعون الناس ويرشدونهم إلى المناهل والمنابع الصافية للكتاب والسنة، حتى لا يكون الدين ثقافة أو متاعاً عقلياً، بل ممارسة حياتية. هذا هو المقصود بالتجديد؛ فالدين لا يجدَّد؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يمت حتى أنزل الله - سبحانه - عليه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } [المائدة: 3]، فما لم يكن ديناً في ذلك الوقت ـ كما قال الإمام مالك - رحمه الله - فلن يكون اليوم ديناً، والذي يجدَّد هو صلة الناس بالدين وأثره في سلوكهم وتوجيه حياتهم.
( البيان): فما هي إذن القضايا الكبرى التي ترون أن لها الأولوية في هذا التجديد؟
** هناك أولويات في هذا التجديد ولا شك. بداية علينا التركيز في هذه المرحلة على ما يمتِّن صحة المعتقد؛ لأن البناء الذي يراد له الاستمرار يجب أن يبنى على أسس متينة، والبناء المؤسس على جرف هار فمآله إلى زوال وانهيار، وهذا مبدأ أول لكل جماعة أو حركة؛ فالقرآن الكريم ركز عليه في الفترة المكية التي امتدت ثلاث عشرة سنة، وليس من العبث أن يتم هذا التركيز في ساحة كان للنِّحَل والملل فيها نفوذ؛ فكان من المفروض تمحيص العقيدة لتتجلى.
ثانياً: ضرورة ربط الناس بالدين حتى يمارسوه عملياً.
ثالثاً: السعي لتقليل الآفات الاجتماعية والانحرافات التي تقضي على الفضيلة، ثم بعد ذلك يتم ولوج آفاق أخرى.
( البيان): كيف تقوِّمون مسيرة العمل الإسلامي من النشأة إلى اليوم؟
** ثورة الحماس التي عرفها العمل الإسلامي في السبعينيات إلى الثمانينيات هدأت؛ وللحقيقة نعترف بأن الذين يملؤون المساجد في تلك الفترة هم أنفسهم لم يزيدوا ـ إلا ما شاء الله ـ وهذا يجعلنا ننظر إلى الدعاة بنوع من الريبة. إذا استحضرنا حوار هرقل مع أبي سفيان عندما سأله عن أتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال لأبي سفيان: «هل يزيدون أو ينقصون؟ قال: بل يزيدون. قال: هل يرتد أحدهم سخطاً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ أجاب أبو سفيان: لا». ولكننا عندما نلتفت في خطب الجمعة، وفي المساجد، ولا نجد إلا تلاميذنا، وجلهم صاروا كهولاً وشيوخاً، ثم لا نجد العدد الهائل من الشباب والمراهقين؛ فهذا يوضح لنا حقيقة أننا أمام آفة خطيرة يجب أن تعالج؛ لأنها تنعكس على قصور الدعاة والحركة الإسلامية، ويؤكد أنها لم تعد تهتم بالتنظيم وضم أفراد جدد، ولكنها تهتم بأمور أخرى كالبرلمان والانتخابات... وهذا شيء لا يريحني شخصياً.
( البيان): في المغرب هناك ثنائية الأصالة والمعاصرة، وبعض الآراء تُرجِع عدم نجاح التنمية أو الحداثة بالمغرب إلى الإسلام والمسلمين؛ فكيف تنظرون إلى هذه القضية؟
** هذا رأي خاطئ ما في ذلك شك؛ فليس كل شيء يقبل الحداثة والعصرنة؛ فالحداثة والعصرنة من شأن حضارة الأشياء، وليست من شأن حضارة القيم. فالقيم فيها الثابت وبعضها ذات لبوس اجتماعي استحدثها الناس نسبة للعرف، وهذه يمكن تجديدها، لكن العقائد هي أصول ثابتة؛ فإذا أراد هؤلاء بالحداثة تحضير الأشياء وتجهيز البيت بالتلفاز أو الكمبيوتر، وكل بيت فيه هذه الأشياء نقول إنه متحضر ولو كان أهله منحرفين. فإذا أرادوا منا تطوير الأشياء والإبداع المادي فنحن معهم، أما إذا أرادوا منا أن ننشغل بالحداثة وتحضير الأشياء، ونقضي مع ذلك على القيم؛ فنحن ضد هذا الرأي.
( البيان): هل تقصد ضد التنمية؟
** ليس هذا؛ بل ضد الرأي السابق، أما التنمية فهي مطلب إسلامي؛ فالله خلق الإنسان لعمارة الأرض وتنميتها {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]، وعمارتها تتم بحركة الإنتاج، وأناط بالإنسان ذلك التكليف، وهيأ له ما يمكنه من تطوير عيشه وحياته.
( البيان): يؤخذ على بعض الإسلاميين في نظرتهم لهذه الثنائية النزوع إلى نوع من التوفيق ـ يسميه بعض المراقبين والمفكرين ـ بالتلفيق؟
** ينبغي لنا في دعوتنا وعملنا الإسلامي ألا يستفزنا الآخر. نحن لسنا في الساحة لنرضي زيداً أو عمراً، أن نرضي فرنسا أو أمريكا أو الغرب وحداثته، أو بني جلدتنا من المنافقين والعلمانيين، إذا فعلنا هذا، فلسنا أهلاً لنحيا ونعيش. يجب أن تكون لنا مبادئنا وقيمنا ونتحرك وفق ضوابط وقواعد شرعية، ونعي جيداً العلاقة بين وجودنا وما يراد منا؛ فالله - سبحانه - خلقنا لنعبده، فعلينا أن نربط الناس بربهم ونجدد صلتهم بالله ليسيروا على هدي عقيدتهم، أما إذا أردنا أن نرضي كل ناعق، كلما انتقدنا إنسان نقول له: نحن لسنا كذلك؛ وأنا ـ شخصياً ـ ضد جلوس مسلم مع شيوعي بدعوى السياسة؛ فالدين دين، والإسلام إسلام، أما أن ألفِّق وأرقِّع فهذا ما لا أحبه.
( البيان): هل من اقتراحات لترشيد الحركة الإسلامية؟(15/263)
** أن تبتعد عن النخبوية أكثر، وتتجه نحو التغلغل في جميع القطاعات الشعبية سواء الفلاحية، أو الصناعية، أو التجارية، مع عدم إهمال الجانب التنظيمي؛ فقطع الروافد يعني الزوال.
( البيان): كلمة أخيرة:
** أشكر مجلة البيان ودورها في إثراء الثقافة والفكر الإسلاميين، ومساهمتها في تقويم الصياغة والبيان العربيين.
---------
(*) كاتب صحفي بالدار البيضاء ـ المغرب.
(1) كانت (جمعية الشبيبة الإسلامية) من أوائل ما أسس في تاريخ الحركة الإسلامية بالمغرب في صورتها الحديثة، وذلك سنة 1971م، وكانت ذات تركيب سري غامض، ساعد في غموضه طبيعة شخصية قائدها المؤسس الأستاذ «عبد الكريم مطيع» الذي كان مفتشاً في وزارة التربية والتعليم. والذي كان قبل ذلك عضواً في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ذي الميول اليسارية، فجاء القائد من هناك يحمل كثيراً من خصائص العمل الحزبي، وكثيراً من خصائص العمل اليساري؛ ولذلك لم يكن يُدرَى ـ وإلى حد الساعة ـ مقدار توجهه الإسلامي وحقيقته؛ بسبب غرابة منهجه في تسيير الجماعة، وأسلوبه المناور في التعامل مع كل من يخالفه الرأي من الدعاة، وسهولة رميه إياه بالعمالة للنظام والجاسوسية للمخابرات!
لقد كانت فترة عصيبة في تاريخ الحركة الإسلامية بالمغرب، طحنت كثيراً من الأبرياء، وسربت كثيراً من العملاء، وأتت على الأخضر واليابس! لكنها مع ذلك أنبتت (من بين فرث ودم) عدداً من المخلصين، خرج من تلك المحنة، أو الفتنة، وهو يحاول تلمس معالم المنهج الإسلامي السليم.
وقد كان حدث اغتيال عمر بن جلون سنة 1975م هو بداية ما سمي بـ (فتنة الشبيبة الإسلامية)، وعمر بن جلون هذا، كان هو رئيس تحرير جريدة (المحرر) اليسارية الناطقة باسم «حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» الذي كان أكبر قوة شعبية آنئذ على مستوى الأحزاب السياسية؛ ذلك أنه بعد القبض على الشباب الذين نفذوا عملية الاغتيال؛ تم اتهام الأستاذ «عبد الكريم مطيع» رئيس جمعية الشبيبة الإسلامية بأنه هو الذي أصدر الأمر بالاغتيال، حسب صك الاتهام (؟؟؟)، لكن مطيعاً تبرأ من أولئك الشباب؛ فكان أن فر هارباً خارج المغرب، ليعيش في المنفى منذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا، وليشرف على تسيير جماعته بضع سنين أخرى من الخارج. فدبت الفوضى في صفوف التنظيم، وتم تبادل الاتهامات بين قيادات الداخل والخارج وقيادات الخارج، وشاع منطق الاتهام والشتم للنظام الحاكم؛ مما كان يؤدي إلى توسيع دائرة الاعتقالات، وإغراق السجون بالمعتقلين، من المتورطين وغير المتورطين على السواء! فكان أن بدأ الجسم الحركي في التململ والاضطراب، ثم الانفجار الذي أدى إلى تولد عدة شظايا تنظيمية، كان أبرزها وأكبرها ما سمي آنئذ بجمعية (الجماعة الإسلامية) بقيادة الأستاذ محمد يتيم، وهي الجمعية التي تطورت فيما بعد إلى ما عرف بـ «حركة الإصلاح والتجديد»، ثم «حركة التوحيد والإصلاح» بعد توحدها مع رابطة المستقبل الإسلامي.
وإلى الآن ما يزال ملف «الشبيبة الإسلامية» من أغمض الملفات في تاريخ الحركة الإسلامية بالمغرب وأعقدها! وخاصة أن بعض رموز تلك المرحلة ـ ممن كان واسطة بين مطيع وبين الشباب ـ قد فُقِد تماماً؛ فلا يُدرَى أهو من الأحياء أم من الأموات! وكذلك وجود زعيمها الأول الأستاذ عبد الكريم مطيع خارج الوطن، ذلك الرجل الذي لا شك في أنه يحمل في جعبته الكثير من الأسرار!
- صفر 1423 هـ - أبريل- مايو 2002 م
ttp://albayan-magazine.com المصدر:
==========
سفر الصيف
قدم الصيف بحره وتعبه، وأخذت الأسر في الاستعداد والتخطيط لقضاء عطلة الصيف كلها أو بعضها في مصايف خارج البلاد أو داخلها، وصار الحديث عن ذلك يشغل أوقات الأسر من والدين وأولاد أكثر من انشغالهم بالاختبارات التي أصبحت على الأبواب.
وقد جرت العادة أن يتحدث الخطباء والوعاظ في المساجد في هذه المسألة، وتقام المحاضرات من أجلها، ويكتب الكتاب في الصحف والمجلات موضوعات مختلفة تتناول هذه القضية، وأخذ فريق من الناس يستفتي عن حكم السفر إلى بلاد الكفار لقضاء الإجازة هنالك. وبما أن الفضائيات قد انتشرت بين الناس انتشار النار في الهشيم فقد تبع ذلك انتشار فتاوى متعددة في هذه القضية، فبعض العلماء يرى حرمة السفر إلى بلاد الكفار، ويستدل على ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أنا برئ من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين))، وبأمثال هذه الأدلة الشريفة التي تدل على تحريم الإقامة ببلاد الكفار بغير عذر، وقد رد فريق آخر من العلماء بأن السفر جائز إلى بلاد الكفار، وما جاء في الأحاديث إنما هو تحريم الإقامة الدائمة، والمسافر إنما هو عابر لا غير وليس هو بمقيم.
لكني أرى أن المسألة أعظم من أن تكون منحصرة في كونها حراماً أو حلالاً فقط، حتى تختلف فيها أقوال العلماء، ويكون لكل عالم أتباعه في مذهبه الذي ذهب إليه، كلا إنه ينبغي أن ننظر إلى قضية السفر إلى بلاد الكفار نظراً فاحصاً متعمقاً طويلاً، فإنا إن تفكّرنا في هذه المسألة تبرز لنا عدة مفاسد عظيمة ترجح ترجيحاً قاطعاً تحريم السفر بغير ضرورة إلى البلاد الكافرة، فمن هذه المفاسد الظاهرة:
- الأثر السيئ المنطبع في نفوس الأهل والأولاد:
إن الذاهب إلى بلاد الكفار بأهله وأولاده إنما يعرضهم لفتنة عظيمة جداً، وذلك من نواحٍ عدة، فمن ذلك: رؤية الكافرين وهم منطلقون كالبهائم بلا رابط من عقل أو دين أو حياء، فهذا يقبّل هذه، وآخران يتعانقان، وآخران في وضع مخز جداً، وهكذا.(15/264)
ولقد رأيت من هذه المخازي وقت دراستي في إيطاليا الشيء العجيب إلى الغاية، فكيف يذهب الوالد بأولاده ليروا مثل هذا الأمر، أعوذ بالله، ألا يخشى هذا الوالد من تأثر أولاده بما يرون، ألا يخشى من تطبيق أولاده ما يرونه؟ ألا يخشى من أمر أعظم وأخطر ألا وهو محبة أهله وأولاده لهذا الوجه المخزي من العيش والاختلاط؟
- ومن المفاسد العظيمة أيضاً المقارنة بين طريقة حياتنا وطريقة حياتهم الاجتماعية إن من المفاسد العظيمة للسفر إلى بلاد الكفار أن يقارن الرجل وأهله بين طريقة حياتهم وطريقة حياة الكافرين الاجتماعية فيعجبوا بها، ويتعدى هذا الإعجاب إلى ازدراء طريقة حياة قومهم والتبرم منها والتضجر، فيرجعوا إلى بلادهم معاول هدم وتدمير.
والمقصود بطريقة حياة الكافرين الاجتماعية الناحية السلبية من تلك الحياة، وذلك نحو اختلاط الرجال بالنساء اختلاطاً مخزياً معيباً، وعدم الأخذ بالآداب العامة، والاستهانة بها، والإخلاد إلى الحياة الدنيا ومحبتها والتعلق بها، وتقديم الماديات على الروحانيات، بل عدم التصديق بما وراء هذه الحياة الدنيا، إذ أن أكثر الكافرين شاك في دينه ولو ادعى أنه نصراني أو يهودي، نسأل الله السلامة، هذه بعض سلبيات الحياة الاجتماعية عندهم - وسيأتي الحديث عن بعض الإيجابيات - ومن مفاسد هذه المقارنة أيضاً أن يعمد الشباب والشابات إلى التشبه بالكافرين والكافرات، فيلبسوا أزياءهم الخاصة بهم، فإذا وضعوا صوراً عليها وضع شبابنا تلك الصور، وإذا كتبوا عليها شيئاً كتب شبابنا وشاباتنا الشيء نفسه وهم في أكثر الحالات لا يفهمون ما يكتبونه لكنه التقليد الأعمى العجيب، وحدّث ما شئت عن تقليدهم مشية الكافرين وتخنثهم وتكسّرهم ورقتهم.
وليتنا إذ تشبهتا بهم هذه التشبه اكتسبنا ما القوم عليه من بعض الطرائق الاجتماعية الحميدة، من حسن إدارة أعمالهم وتخليصها من التعقيدات المختلفة، وسهولة حل المشكلات المختلفة، ليتنا اكتسبنا هذا منهم لكننا لم نفعل، والذي حصل باختصار هو أننا تشبهنا بالكافرين في لهوهم ومجونهم وتركنا التشبه بهم في جدهم وعزمهم وحرصهم على العمل والارتقاء في النواحي الحياتية المختلفة.
- ومن المفاسد تضييع أموال المسلمين:
إن السفر إلى بلاد الكافرين يعود على الاقتصاد الإسلامي بأقبح الأثر، وذلك لأن الأموال التي تصرف هنالك أموال ضخمة هائلة تقدر بمئات البلايين من الريالات كل سنة، وذلك ما يصرفه المسلمون مجتمعين في بلاد الكافرين على شهواتهم وملاذهم، ناهيك عن عشرات الآلاف من صفقات العقار وغيرها التي تجري كل سنة في بلادهم، وهذا يؤدي إلى إضعاف الاقتصاد الإسلامي وتقوية اقتصاد الكافرين، وإنعاشه، وكثير منه يصب في مصلحة اليهود كما وردت بذلك تقارير مؤكدة لا تخفى على كل متابع مهتم.
وليتخيل المرء أن هذه الأموال الكثيرة صبت في بلاد المسلمين، وأن هذه الصفقات الضخمة عقدت بين مسلمين كم سيختلف الحال عما هو عليه الآن، وكم سينعش العالم الإسلامي ويرتقي ويسعد أهله؟ !
إن العالم الإسلامي مليء بالمناظر الطبيعية الخلابة الآسرة، والمصايف الجميلة المعتدلة الهواء فلماذا يُعدل عنها إلى بلاد الكافرين ليفتن المرء في دينه وعقله؟ !
وقد يحتج البعض بأن العالم أصبح كله كالمدينة الواحدة، والتأثر حاصل حاصل، وأقول: إن العاقل من يقلل المفاسد ويزيد المصالح، ويسعى بكل جهده لرفعة دينه وارتقاء أمته ولا يلتفت إلى مثل هذا الكلام المثبط.
وبعض الناس يحتج لذهابه إلى بلاد الكفار بأن وسائل الإعلام قد دخلت إلى بيوت المسلمين ورأوا فيها حياة الكافرين، وأقول: بئس الاحتجاج هذا إذ كيف يسمح الرجل المسلم العاقل لنفسه أن يشاهد أولاده وأهله الكافرين وفسادهم سواء في بلاده أو خارج بلاده؟ ! والعاقل هو الذي يبتعد عن مثل هذه الاحتجاجات ويوطد العزم ألا يذهب إلى بلاد الكفار بغير ضرورة مهما كان الأمر، والله الموفق.
http://www.muslema.com المصدر:
===========
التخطيط في خدمة الدعوة إلى الله
خالد الصقير
لا يخفى على كل داعية نذر نفسه لتحمل هذه الأمانة العظيمة مدى الحاجة إلى دعوة راشدة تنهض بهذه الأمة، وتستند إلى قواعد صلبة من كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهدي السلف الصالح.
ولا ريب أن من أهم السمات المطلوبة في الداعية إلى الله هي البصيرة بمفهومها الواسع، والتي تشمل غير العلم بموضوع الدعوة معاني أخرى كثيرة من أهمها: وجود الفهم الشامل لدى الداعية بأهداف دعوته ومقاصدها، وإدراكه للوسائل الشرعية التي ينبغي أن يسلكها لتحقيق هذه الأهداف، والتنبؤ بما قد يعترضه من عوائق ومشكلات، وهذا الوعي والإدراك لمثل هذه الأمور هو ما نسميه بلغة الإدارة: (التخطيط).
ماهية التخطيط:
لا شك أن كل داعية إنما يهدف من وراء دعوته إلى تحقيق جملة من الأهداف؛ إذن: فما هي أهدافه؟
ولديه العديد من الوسائل التي ينوي القيام بها: فما هي أفضل هذه الوسائل لتحقيق أهدافه؟
ويطمح لأن تتحقق أهدافه ومقاصده: فكيف تتحقق هذه الأهداف بالشكل المطلوب؟
ويرد في ذهنه العديد من العوائق والصعوبات عند رسم برامجه: فما السبيل لتلافي هذه المعوقات وتوقعها مسبقًا؟
إن هذه الخواطر والتساؤلات تبرز مسيس الحاجة إلى التخطيط في برامجنا الدعوية؛ لأن ضعف جانب التخطيط أحيانًا وانعدامه في أحيان أخرى أسهم في إضاعة الكثير من جهود الدعاة وأضعف ثمار أعمالهم الدعوية وأضحى الكثير من البرامج تنفذ لمجرد التنفيذ فقط أو لتكون أرقامًا تضاف إلى أعداد البرامج المنفذة.(15/265)
وإذا تأملت في آثارها فلا تكاد تجد لها أثرًا في الواقع أو أنها قد حققت الحد الأدنى من أهدافها، وبتتبع معظم السلبيات في الجهود الدعوية نجد أن الكثير منها يمكن إرجاعه إلى ضعف أو انعدام التخطيط.
وهذا لا يعني إغفال العوامل الأخرى كسلامة المنهج وإخلاص النوايا لدى العاملين، وغيرها، ولكن هذه الجوانب قد تكون معلومة لدى معظم الدعاة وليست بخافية كما هو حال التخطيط الذي لا زال قليلاً أو شبه معدوم في واقع كثير من الدعاة أو الجهات العاملة في حقل الدعوة؛ ولا زالت الارتجالية والعشوائية والفوضى المالية والإدارية أحيانًا هي السمة البارزة في كثير من الأعمال الدعوية.
إيجابيات التخطيط:
ويمكن أن نبرز أهم ما يمكن أن يسهم به التخطيط للنهوض بالأعمال الدعوية والارتقاء بها حتى تحقق أهدافها بإذن الله - تعالى - ثم بجهود الدعاة الصادقين المخلصين، وأبرز هذه الإيجابيات هي:
1 ــ أن التخطيط يحدد أهداف الدعاة وغايات البرامج والمشروعات الدعوية، كما يفيد في حسن الأداء أثناء التنفيذ والتقويم الدقيق بعد ذلك، ولا زال هذا الأمر ــ وهو وضوح الهدف ــ غائبًا عن كثير من العاملين في الدعوة؛ فهو لا شك يدرك الهدف العام ــ وهو تبليغ دين الله ــ ولكنه قد يجهل الأهداف الخاصة لكل برنامج مما يُوجِد في كثير من الأحيان سلبيات كثيرة على هذه البرامج.
2 ــ يساعد التخطيط في اختيار طرق الدعوة المناسبة والملائمة لكل داعية بحسب قدراته وإمكاناته والمتوافقة مع طبيعة البرنامج والأهداف المرسومة له؛ وفي تحديد الرأي الأقرب للتقوى لكل برنامج؛ فأحيانًا قد يختار الداعية أساليب للدعوة لا تؤدي إلى نجاح البرنامج: إما لعدم مناسبتها لأهداف البرنامج، أو لطبيعة البرنامج وأهدافه، أو لعدم مناسبتها لإمكانات من يتولى تنفيذ البرنامج وقدراته الدعوية، أو أنها غير ملائمة لبيئة الدعوة أو نوع المدعوين وطبيعتهم، وقد (يجتهد) الداعية أحيانًا في اختيار وسيلة غير منضبطة بضوابطها الشرعية.
3 ــ يجعل من السهل التوقع لمعوقات البرنامج الدعوي التي قد يفاجأ بها الداعية أثناء أو قبل تنفيذ البرنامج، ويتم هذا بالاستفادة من المعلومات والبيانات التي يجمعها واضع الخطة الدعوية مما يجعله ــ بإذن الله ــ أكثر أمانًا وأقل عرضة للمفاجآت التي قد تُذهب جهوده أو تضعف ثمارها إضافة إلى أنه يعالج الخطأ في الوقت المناسب وقبل أن يتراكم فيمنع الرؤية وتصعب معالجته.
4 ــ يسهم التخطيط في ترتيب الأوليات لدى العاملين والقائمين على البرنامج الدعوي مما يساعد في اختيار الأهم منها عند حدوث تضارب أو تداخل، أو عند الحاجة لتقديم برنامج على الآخر، أو إلغاء أحدهما، أو غير ذلك.
5 ــ يُحدث التخطيط كثيرًا من الانسجام والتناسق بين أعمال الداعية، مما يمنع الازدواجية والتضارب في أعماله وبرامجه؛ فلا تضيع بفعل ذلك كثير من الجهود والأوقات التي يمكن استغلالها لتنفيذ برامج أخرى.
6 ــ يعمل التخطيط على توفير كثير من النفقات المالية والجهود البشرية التي توضع في غير موضعها بسبب ضعف التخطيط أو انعدامه مما يساعد على استثمار هذه الجهود والنفقات لإقامة برامج دعوية أخرى.
ولا شك أن عدم وجود تصور واضح للميزانيات المتوقعة لتنفيذ البرنامج هو من آثار ضعف التخطيط.
7 ــ يفيد التخطيط في تحديد مواعيد زمنية تضبط بدء الأنشطة وانتهاءها؛ وهذا يجعل الداعية قادرًا على تقويم أعماله ومدى التزامه بالمدة الزمنية المحددة لتنفيذها، وكذلك في حسن التوقيت لإقامة البرامج ومنع التضارب مع أنشطة أخرى.
8 ــ يفيد التخطيط في التجديد في الأساليب والوسائل الدعوية وفي البعد عن الرتابة والتمسك بالأساليب التقليدية؛ مع التمسك بثوابت المنهج الصحيح في الدعوة.
9 ــ يفيد التخطيط في التنسيق بين العاملين أو الجهات الدعوية في الساحة الدعوية بأشكال مختلفة سواء في التنسيق في توزيع المواقع الجغرافية، أو التخصص في البرامج الدعوية، أو غير ذلك. كما يفيد في منع التكرار في البرامج ويحول دون إضاعة الجهود أو إغفال برامج أخرى قد تكون الحاجة إليها أكثر.
10 ــ يفيد التخطيط في تقويم الواقع الدعوي في المواقع المختلفة التي تنفذ فيها الخطط الدعوية، وفي تحديد مواطن الضعف في الخطة أو في أسلوب التنفيذ ليتم تلافيها في الخطط القادمة؛ وهذا مما يؤكد أهمية التخطيط في أنه يساعد في عدم تكرار الأخطاء التي ترتكب، وفي عمل مراجعات شاملة في نهاية كل خطة دعوية ليتم تقويم النتائج والنسب المتحققة من أهدافها وأبرز سلبياتها وإيجابياتها.
11 ــ يجعل من السهل على الداعية أن يحصر حاجاته من البرامج والأنشطة والخطط اللازمة لتوجيه مسار الدعوة بالشكل الصحيح.
12 ــ يسهم في معرفة مواضع الضعف في القوى البشرية ومن ثَمَّ في تحديد البرامج التدريبية اللازمة للارتقاء بالكفايات الدعوية من كافة الجوانب العلمية والإدارية والقيادية.
13 ــ يساعد التخطيط القائمين على الأعمال الدعوية في وضع معايير وأسس لمتابعة أداء الدعاة والعاملين في البرامج، ومدى تحقيقهم لأهداف البرنامج.
14 ــ يفيد التخطيط في تحديد مهام العاملين في البرنامج الدعوي أو الخطة الدعوية عمومًا، وطريقة أدائهم؛ مما يساعد على إدارتهم وتوجيههم بالطريقة المناسبة لتحقيق الأهداف المطلوبة.
15 ــ يزيد التخطيط من فاعلية وإنتاجية المديرين للبرامج أو الخطط الدعوية؛ فما دام أن التخطيط يساعد في وضع الأهداف بشكل واضح ومحدد فإنه كذلك يساعد القائمين عليه في اتخاذ القرارات المناسبة التي تحكمها الأهداف الموضوعة للخطة الدعوية.(15/266)
16 ــ يساعد التخطيط في استغلال الفرص الدعوية حيث يفيد في الإعداد المبكر وحسن التوقيت للبرامج وجمع المعلومات الخاصة بالبرامج وخصوصًا مواعيد إقامتها، وتحديد ذلك مسبقًا والإعداد الجيد له.
17 ــ يفيد التخطيط في جعل البرامج والخطط أكثر شمولية وتكاملاً؛ ويلاحظ أثر ذلك في جهود بعض الدعاة أو الجهات الدعوية حيث تركز على شرائح معينة من المجتمع أو على موضوعات وجوانب معينة في برامجها، وتهمل غيرها؛ بينما التخطيط يجعل للعمل الدعوي والجهود الدعوية سمة الشمولية في طروحاتها وبرامجها.
18 ــ يساعد التخطيط على استمرار الجهود الدعوية ــ بإذن الله ــ فكثيرًا ما تتوقف الأنشطة وتتعطل البرامج بسبب حدوث المفاجآت كانقطاع الدعم، أو سوء التنفيذ، أو سوء التوقيت، ولعدم وضع بدائل لهذه الحالات الطارئة.
http://saaid.net المصدر:
===========
القدوة وأثرها في الدعوة النسائية
أهميتها ـ مقوماتها ـ ميادينها
أسماء بنت راشد الرويشد
الحمد لله ربّ العالمين القائل في كتابه المبين: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.
والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي جعله الله قدوة للمؤمنين: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.
- صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى وعلى كل من اتبع آثارهم واقتفى، أما بعد:
تشتد حاجة المسلمين اليوم إلى مثل أعلى يقتدون به ويقتفون أثره ويحذرون حذوه؛ وذلك بسبب ضعف فهم الناس للدين وقلة تطبيقهم لهم، ولغلبة الأهواء وإيثار المصالح العاجلة مع قلة العلماء العاملين والدعاة الصادقين، فنحن في هذه المرحلة من الزمن وقد بدت آثار الصحوة الحقة تبهت في مجتمعنا المسلم، قد تضاعفت حاجة المسلمين في مختلف أوساطهم وطبقاتهم إلى قدوات وريادات تكون أنموذجاً واقعياً ومثالاً حياً يرون الناس فيهم معاني الدين الصحيح علماً وعملاً، قولاً وفعلاً، فيقبلون عليهم وينجذبون إليهم؛ لأنَّ التأثير بالأفعال والأحوال أبلغ وأشدّ من التأثير بالكلام وحده، وقد قيل: شاهد الحال أقوى من شاهد المقال.
ويشهد لأهمية ذلك أنَّ الله - جل وعلا - جعل نبيه - صلى الله عليه وسلم - أسوة لمن بعده: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ..}، كما أمره أن يقتدي بمن سبق من الأنبياء: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}. (الأنعام /90).
ورأس الأمر في القدوة والأسوة الحسنة أن ندعو الناس بأفعالنا مع أقوالنا، يقول عبدالواحد بن زياد: "ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم عنه". ولما نبذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتمه وقال: "إني اتخذت خاتماً من ذهب" فنبذه وقال: "إني لن ألبسه أبداً" فنبذ الناس خواتمهم فدلَّ ذلك على أنَّ الفعل أبلغ من القول.
ونحن ـ كما أسلفت ـ في هذه الفترة العصيبة التي تمر على الأمة من الضعف والهزيمة، نحتاج أن نحقق في أنفسنا أنموذج التطبيق الصحيح لهذا الدين؛ لكي يحقق الله لنا النصر والتمكين ونسد على المتربصين أعداء الذين منافذ تسلطهم وسطوتهم باسم الإصلاح وحفظ الحقوق. فهذا خليل الله إبراهيم ـ - عليه السلام - ـ لما جعله الله إماماً للناس يقتدى به قال: {ومن ذريتي} أخبره الله - تعالى - أنَّ فيهم عاصياً وظالماً لا يستحق الإمامة، فقال: {لا ينال عهدي الظالمين} فإذا أردنا أن يحفظ الله لنا ديننا ويستتب أمننا ونردّ كيد أعدائنا، فلنقم هذا الدين علماً وعملاً ومنهجاً لحياتنا وسلوكنا.
إذ إن المسلم القدوة أشد على أعداء الدين من كل عدة، ولذلك لما تمنى الناس ذهباً ينفقونه في سبيل الله، كانت مقولة عمر بن الخطاب: "ولكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله". فعسى إن كنا على مستوى حسن الأسوة والتأسي أن يمكن لنا في الأرض وأن يجعلنا أئمة ويجعلنا الوارثين.
أهمية القدوة في حياة المسلمين وواقعهم:
1ـ إنَّ القدوة هي ذلك التأثير الغامض الخفي الذي يمثله أفعال وأقوال ومواقف المثال الحي المرتقى في درجات الكمال، مما يثير في نفس الآخرين الإعجاب والمحبة التي تتهيج معها دوافع الغيرة والتنافس المحمود، ويتولَّد لديهم حوافز قوية تحفزهم؛ لأن يعملوا مثله، وقد يكون ذلك دون توجيه مباشر.
2ـ القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل والاستقامة تعطي الآخرين قناعة بأنَّ بلوغ هذا المستوى من الأمور الممكنة، وأنها في متناول قدرات الإنسان، ولا سيما في زمن الفتن وكثرة الصوارف.(15/267)
3ـ مهما توسعت دائرة المعارف وانتشر العلم بين النَّاس؛ فإنَّ واقعهم لا يزال يشكو القصور والانحراف، ما لم يقم بذلك العلم عاملون مخلصون يكونون قدوات في مجتمعاتهم وطبقاتهم يمتثلون أمره ويخطون على منهجه، يترجمون ذلك العلم إلى واقع عملي للحياة يفهمه الجميع؛ إذ إن مستويات فهم العلم والقول عند الناس يتفاوت، لكن الجميع يتساوى أمام الرؤية بالعين لمثال حي، يكون أيسر وأقوى في إيصال المعاني وإحداث التغيير، ومن ذلك ما كان من تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش ابنة عمته من زيد بن حارثة مولاه الذي أعتقه؛ لكي يكون قدوة ومثالاً حياً للناس لما تأصل في نفوسهم من الفوارق الطبقية التي جاء الإسلام بإلغائها، وأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
4 ـ إنَّ غياب القدوة في حياة المسلمين عامل رئيس في فشو الجهل وانتشار المنكرات واستفحالها؛ وذلك لأنَّ العاملين بالعلم والقائمين بدين الله هم في الحقيقة دعاة يعلنون الحق بأفعالهم وينشرون الدين الحق حين ينتشرون بين الناس فيظهر أمره في الناس وتنحسر أمامهم المنكرات بتواجدهم الفعال المؤثر في الآخرين، وهكذا فكلما ازدادت القدوات انتشر العلم واختفت المنكرات. وقد نقل عن إبراهيم ابن أدهم أنه قال يوماً لأصحابه: "ادعوا الناس وأنتم صامتون، قالوا: كيف ذلك؟ قال: ادعوا الناس بأفعالكم".
5ـ الناس ينظرون إلى المتعلم العلم الشرعي والصالح نظرة دقيقة فاحصة دون أن يعلم، فربّ خطأ يقوم به لا يلقي له بالاً يكون في حسابهم من الكبائر؛ وذلك لأنه محسوب في مجتمعه قدوة لهم. وهنا تكمن أهمية القدوة وخطورتها، إذ إن كل مفارقة بين أقوال القدوة وسلوكه واهتماماته تشكِّل مصدر حيرة وإحباط لدى عامة الناس، وخصوصا المبتدئين في الالتزام، ويكون مصدر فتنة للناس واستخفاف بالعلم الذي تلقاه.
فالذين يعرفهم الناس بالصلاح والتدين.. وهم في الحقيقة جمعوا مع تلك السمعة تناقضا في الواقع ومخالفة لما يفترض أن يكونوا عليه؛ هؤلاء لا يقال فيه: إنهم لا يصلحون أن يكونوا قدوات، بل إنهم يمارسون دوراً تخريبياً؛ إذ هم يشوهون صورة الصالحين والفضلاء في أذهان العامة، ويعطونهم صورة مخالفة لحقيقة الدين التي قد لا يعرفونها إلا من خلالهم. كما أنههم يشجعون الناس بطريقة خفية على التميع والهشاشة الدينية، ويتسببون في تبخير ما بقي من هيبة واحترام للصالحين، ويكونون سبباً في فقد ثقة الناس بهم.
ولذلك فإنَّ المسؤولية عظيمة وكبيرة على العلماء والدعاة والصالحين وذويهم وأهل بيوتهم بشكل خاص، إذ لا بدَّ أن يؤهلوا تأهيلاً خاصاً لإكمال وظيفتهم الدعوية في المجتمع عن طريق الاهتمام بتحقيق القدوة والأنموذج الواقعي للصلاح والاستقامة. وهذا يلقي عليهم مسؤولية عامة تجاه الناس، فضلاً عن مسؤوليتهم الخاصة تجاه أنفسهم فيما بينهم وبين الله - تعالى -.
وعلى ذلك فإنَّ على كل مسلم ومسلمة عرف طريق الحق وسلكه، أن يجاهد نفسه ليقترب ما استطاع من ذلك الأنموذج الإنساني الراقي، نعني به القدوة، وإذا نظرنا في تاريخ العلماء والصالحين وجدنا أدبيات كثيرة تحثّ المسلم على التميز والحرص على العمل بالعلم، إذ يقول سفيان بن عيينة: "إذا كان نهاري نهار سفيه وليلي ليل جاهل، فما أصنع بالعلم الذي كتبت؟! ". وقال الحسن: "لا تكن ممَّن يجمع علم العلماء وطرائف الحكماء، ويجري في العمل مجرى السفهاء". وقال أيضاً: "كان الرجل يطلب العلم، فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وهديه ولسانه وبصره ويده".
فالرأس في الخير لا بدَّ أن يسير في طريق المجاهدة ومنابذة الشهوات، ولا يرتضي لنفسه أن يكون من الخلوف الذين وصفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنهم "يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون"، وإنما يحرص على أن يكون من أتباع المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذين وصفوا بأنهم: "يأخذون بسنته ويقتدون بأمره" وكما يقول مالك بن دينار: "إنَّ العالم إذا لم يعمل بعلمه، زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصخرة الصماء".
مقومات القدوة:
1ـ الإخلاص، وهو من أعظم المطالب؛ إذ يجب أن يفتش عنه الإنسان المقتدى به، فيكون المقصود بالقول والعلم والعمل وجه الله - عز وجل - بعيداً عن أغراض النفس ونظر الناس، فيفعل الأمر ويترك النهي مع تمام الخضوع لله والتسليم له.
2ـ الاستقامة على الإيمان والعمل الصالح، إذ إن هناك الكثير من الصالحين، ولكن قليل من يستقيم على ذلك ويتمسَّك به في كل أحيانه وظروفه، وفي كل زمان ومكان، فلا يتغيَّر ولا يتلون ولا يحابي. فللقدوة في نفسه شغلاً بين إقامتها ومجاهدتها وسياستها. وهذا هو المطلوب الأعلى والنهج الأسمى، وقد جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال له: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال: "قل آمنت بالله ثم استقم".
3ـ حسن الخلق: إذا كانت الاستقامة والصلاح يتوجهان إلى ذات المقتدى به ليكون صالحاً في نفسه قويماً في علاقته مع ربه، فإنَّ حسن الخلق يتوجه إلى علاقته بالناس وأصول تعامله معهم، ويُجمل ذلك المنهج الدعوة النبوية في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وخالق الناس بخلق حسن".
والكلام في حسن الخلق واسع ومتشعب، ولكن نجعله في أمور وكليات منها:
* الصدق، فيحذر القدوة الخداع والكذب والتحايل، وكل خلق يضاد صفة الصدق؛ لأنَّ المؤمن القدوة لا بدَّ أن يطمئن إليه الناس ويثقوا به، ولا يكون ذلك إلا لصادق.(15/268)
* الصبر وتحمل الأذى والصفح عن المسيء وسعة الصدر؛ إذ إن الناس يكتشفون معدن الإنسان ويمنحونه احترامهم وثقتهم عن طريق رؤيتهم لتصرفاته وتعامله وأخلاقياته الراقية التي تنشأ عن الصبر والاتزان.
ومن أعظم أنواع التعامل الحسن أيضاً:
* التواضع وإنكار الذات، وأن يألف ويؤلف، وكذلك العفو والتسامح وغض الطرف عن الهفوات.
ومن مكارم الأخلاق التي هي مقومات القدوة:
* عفة اللسان والترفع عن القيل والقال وترك الانشغال بسفاسف الأمور وتجنب الخوض مع الخائضين.
ومن صفات القدوات:
* الكرم والرحمة وأداء الأمانة ووفاء الوعد والقناعة والعفة والرضا بالقليل، وغير ذلك من الأخلاق والصفات التي تجسدت في قدوتنا وأسوتنا النبي الكريم الأكرم سيد الخلق وقدوتهم بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
4ـ استقلال الشخصية، وذلك ركن رئيس في سمات القدوة، فيتحرر القدوة من التبعية والتقليد الساذج، فيكون مؤثراً لا متأثراً، ما لم يكن متأسياً بهدي الصالحين والمصلحين، فلا يليق بمن هو في موقع القدوة أن يكون إمعة يخضع لضغط الجهال والسفهاء يميل معهم حيث مالوا، وقد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: "وطنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا وإذا أساؤوا أن تتجنبوا إساءتهم". ولكي لا يفتتن به إمعة من رعاع الناس لا يرى الدين إلا من خلال تصرفاته، فكما تكون الإمامة والأسوة في الخير، فهناك قدوة الضلالة ينظرون الناس إليه على أنه مثلهم الأعلى، فإن زلَّ زلوا معه، وإن عاد إلى الصواب بعد ذلك قد لا يعودون.
5 ـ من مقومات القدوة: الاعتدال في أمور الحياة ونهج منهج التوسط والاقتصاد، ومراعاة آداب الشريعة وتوجيهاتها في أمور الحياة والمعيشة، ولا سيما في اللباس والمظهر وهما الامتداد المادي لحقيقة الذات، والعاكس المهم لكثير من كوامن الشخصية وخصائصها، فمن المهم أن ينسجم مظهر القدوة مع منهج التدين الذي ينسب إليه، والحذر من المفارقات والتناقض الذي يضعف أثر القدوة في نفوس الناس.
6 ـ تنظيم الوقت وحفظه من مقومات شخصية القدوة، بحيث يعطي كل ذي حق حقه، ولا يطغى جانب في حياته على جانب آخر، فتضيع الواجبات والأولويات على حساب الاشتغال بالتوافه والثانويات.
ميادين القدوة:
1ـ العبادة والطاعات المحضة، وذلك بالمحافظة على الفرائض والواجبات، والتزود بالإكثار من النوافل والقربات، فذلك ميدان مهم من ميادين الدعوة بالقدوة، كما كان التأثير بذلك قوياً في هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في عبادته وقيامه بحق ربه، ومن ذلك أيضاً أمره لنسائه بقيام الليل حينما رأي تنزل الفتن والخزائن على أمته ليقتدي بهن النساء، خاصة والناس عامة في كل زمان، ولاسيما زمن كثرة الفتن.
2ـ علاقة القدوة بالناس وتعامله معهم وكسبه لحبهن واحترامهم وثقتهم من خلال حسن تصرفه وتحليه بمكارم الأخلاق والسماحة والكرم والعدل وطيب العشرة وطلاقة الوجه وحسن القول، إلى غير ذلك من مجالات الدعوة بالقدوة في التعامل، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الميدان أعظم أسوة وأرقاها.
3 ـ تكوين النفس وتربيتها علماً وأدباً وسمتاً ومظهراً، وهذا ـ كما أشرنا سابقاً ـ لا تتحقق القدوة إلا به، وهو في الوقت ذاته مجال من مجالات الدعوة وأسلوب مؤثر من أساليبها. فيقع التأثر في نفوس الناس بمظهر القدوة وسمته ووقاره موقعاً بليغاً يفوق أحياناً الاستفادة من أقواله وعلمه. وقد ورد أنَّ الذين كانوا يجلسون على الإمام أحمد بن حنبل في مجلس درسه يبلغ المئات، مع أنَّ الذي يطلب عليه ويدون علمه عدد قليل من ذلك الحشد الكبير الذي إنما حضر انتفاعاً بهدي الشيخ وإقتداء بسمته وأدبه.
أهمية القدوة في أوساط النساء:
إننا في ظل الظروف الحالية والمرحلة الخطيرة المقبلة بحاجة ماسة إلى قدوات من نساء فقهن دينهن ووعين دورهن في المجتمع، إذ إن هناك مجالات وميادين نسائية كثيرة تفتقر إلى التوجيه القيادي العملي، ولاسيما في مجالي التربية في البيوت والتعليم في المدارس والجامعات. ومع ذلك فهناك من النساء الرائدات كان لهن التأثير الكبير بفضل الله على أزواجهن وأسرهن وطالباتهن من خلال أسلوب القدوة الفعَّال.
ومع أنَّ الصحوة العلمية والحركة الدعوية في أوساط النساء قد بلغت في وقتنا الحاضر من القوة والنشاط ما لم يسبق له مثيل فيما مضى، إلا إنه لا يزال الأمر محصوراً في طبقة المتدينات والراغبات في الخير إجمالاً، بينما هناك في أوساط النساء جماعات كثيرة وشريحة ضخمة لا يبلغهن ذلك الخير ولا تصلهن الدعوة، وذلك في الغالب بسبب الغفلة والانشغال بأمور الدنيا.
فكيف يمكن إيصال الدعوة إليهن والتأثير عليهن؟
إنه عن طريق القدوة الصالحة لتلك المرأة الواعية الفاضلة التي لا بدَّ أن تكون موجودة بين صفوف أولئك النسوة.
عندها يفهم الجميع هذا الدين ويدركون المطلوب منهم والمحذور عليهم، من خلال النساء الصالحات القدوات.
نصائح وتوجيهات لكل موفقة اصطفاها الله - جل وعلا - لتكون أسوة تحتذى ومنارة للهدى:
إنَّ الذي ينحدر للتهافت على الملذات ذلك الذي رضي لنفسه أن يعيش دائماً في القاع، وأما من يرقى في سلم الطاعات ومجاهدة الملذات؛ فذلك صاحب الإمامة في الدين وقدوة المتقين ومضرب الأمثال للعالمين، وإن كانت امرأة {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ}.. وكذلك {َمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا..}.(15/269)
فلذلك أيتها الموفقة، يا من هداك إلى طاعته وبيَّن لك سبيله، يا طالبة العلم الشرعي، يا من نشأت في بيوت الصلاح والدعوة، يا أم وزوجة وأخت وبنت الداعية، يا نساء بيوت العلم والصحوة.
إلى المثل التي يحتذي بها غيرها من النساء، إلى القدوة الصالحة لغيرها من المؤمنات، إلى المثال الحي الواقعي لحياة ملأتها المغريات والملهيات؛ حتى ظنَّ بعض المفتونات أنَّ بلوغ ذلك المستوى من تكوين الذات وإنشاء مثل تلك البيوت من الأمور المستحيلة.
وإليك ـ أختي القدوة الداعية بأفعالك ـ هذه التوصيات والتنبيهات:
1ـ الحذر من التساهل الذي يفتن العامة ويلبس عليهم، مثل الأخذ بالرخص وبعض أقوال أهل العلم الشاذة أو المرجوحة. ولما نهى عمر - رضي الله عنه - عبد الرحمن بن عوف عن لبس الخفين في الحج ـ أخذاً بالرخصة في ذلك ـ؛ لخشية عمر أن يتوسَّع الناس في ذلك، قال له: "عزمت عليك إلا نزعتهما، فإني أخاف أن ينظر الناس إليك فيقتدون بك". ومن ذلك في الوقت الحاضر: تساهل كثيراً من الخيرات، بل وبعض طالبات العلم الشرعي في ركوب السيارة مع السائق لوحدها وحصول الخلوة بذلك؛ أخذاً بقول بعض من رخص، وكذلك التساهل في الوقوع في بعض الأمور المستحدثة التي ترجح تحريمها، كما في مسألة تشقير الحاجبين ليبدوا أدق قريباً من وصف النمص، وذلك مما أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بعدم جوازه.
بل إن صاحبه الأسوة الحسنة قد تحتاج إلى ترك بعض المباحات أو التقليل منها؛ احتياطاً لأمر دينها وبعداً عن الشبهات وصيانة لنفسها عن مواطن سوء الظن؛ لأنَّ ذلك ينفر الناس من الاقتداء بها. ككثرة المزاح والضحك وكثرة الخروج والزيارات وامتدادها الساعات الطويلة بغير حاجة ولا مبرر شرعي.
2 ـ إنَّ مما يساعد المرأة المسلمة على الارتقاء بذاتها إلى درجة القدوة: أن تتخذ مع اقتدائها بنبيها وسلفها الصالح ـ من بعض من تلقاه من الصالحات العالمات بدينهن مثلاً تقتدي به؛ لأنَّها لا بدَّ وأن تجد فيمن عاشرته وتلقت عنه سمتا وهديا فائقا يجذبها إليه، فتستطيع من خلال التأمل أن تقف على أفضل ما يحمله من حولها من الصالحين والصالحات من صفات، ثم تستلهم من ذلك الدافع القوي لتربية ذاتها، فقد تجد عند البعض حسن التعامل مع الآخرين.. كالصفح عن المسيء وحسن الظن ولطف الخطاب وسعة الصدر والتواضع وإنكار الذات، وقد تلمح عند أخريات الإسراع إلى فعل الطاعات وبذل الصدقات، ثم قد يجذبها عند الأخرى حسن مظهرها المتلائم مع تعاليم دينها مع احتفاظها ببهائها وجمالها ونظافتها، كل ذلك من غير إسراف ولا مخيلة.
ولهذا التوجيه أصل عظيم في كتاب الله - تعالى -، حيث قال الله - تعالى - آمراً نبيه بالنظر في أحوال وأوصاف الأنبياء قبله متخذاً هديهم أسوة له، فقال - تعالى -: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ..}.
3 ـ لا بدَّ وأن تكوني واضحة وصادقة مع نفسك لاكتشاف نوعية التصرف والخطأ الذي لا يصلح معه أن تكوني قدوة ويسقط هيبتك الدينية، ومن ثم انتفاعهم بكلامك، بل قد يكون ذلك سبباً في فتنة الآخرين وضلالهم تأسياً بخطاك، وذلك الأمر يتطلب الوقوف على النفس بالمحاسبة ومراجعة الذات ثم العمل على تهذيبها ومجاهدة ما شقّ عليها.
4ـ الحذر من بعض الأمور الدارجة في هذا العصر، والتي تهافت عليها الكثير من النساء لقصورهم العلمي ونقص ديانتهم، فأصبحت في بعض المجتمعات والأسر من المشاهد والظواهر المألوفة، مع مخالفتها الصريحة للدين وبيان حكم تحريمها، ولكن لغلبة ممارستها وكثرة الوقوع فيها استسهلها وتأثر بها كثير من الصالحات والقدوات، وشاكلن الجاهلات في ذلك؛ فاختلط الأمر على العامة وتلبس الباطل والمنكر بلبوس الحق والمعروف.
ومن ذلك:
أ ـ ما يتعلق بالمظهر واللباس، سواء في لبس الحجاب عند الخروج، أو لبس الثياب والزينة عند النساء، فأما مظاهر القصور والخلل في الحجاب متنوعة، منها: التساهل في لبس النقاب الواسع والبرقع، وانتشار ذلك، ولبس العباءة على الكتف والجلباب، والتساهل في ستر القدمين والساق بالجوارب، ولنا في عائشة - رضي الله عنها - أسوة حسنة عندما كانت تشدّ خمارها حياء من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو ميت في قبره عندما كانت تدخل البيت الذي دفن فيه. وأمَّا التساهل في المظهر واللباس والزينة بشكل عام، فقد عمَّت به البلوى في أوساط بيوت الصالحين، وتقلَّد حملها ووزرها كثير ممَّن هم مظنة القدوات لغيرهن.. فلبسن الملابس الضيقة المحجمة لأجسادهن بشكل تأباه الفطر السليمة ويحرمه الدين القويم كما صحَّ في حديث الكاسيات العاريات. وكذلك الملابس شبه العارية التي تكشف عن أجزاء من الجسم شأنها أن تُستر، وللأسف.. لقد عظم الخطب، وقد كان النكير من قبل على عامة النساء اللواتي وقعن في هذه المظاهر الخداعة من التقليد الساذج للغرب، ولكن ـ للأسف ـ نجد هذه المظاهر انتقلت إلى كثير من الصالحات وتساهلن بها في أنفسهن وفي أهليهن.
ب ـ كثرة الخروج للأسواق والتجوال بها، وكذلك الملاهي والمطاعم التي يكثر فيها المنكرات وتجمع الفساق. والأصل قرار المرأة في بيتها لغير حاجة شرعية {وقرن في بيوتكن}.
ج ـ السفر بغير محرم، وفي الحديث المتفق عليه: "لا يحل لامرأة أن تسافر يوما وليلة إلا مع ذي محرم".
د ـ الخلوة مع الرجل الأجنبي، كالبائع في المحل والطبيب في العيادة والسائق في السيارة؛ لحديث "لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما".(15/270)
هـ ـ التعطر عند الخروج من المنزل أو أثناء الزيارات والتجمعات النسائية وتقديم العطر والبخور لهن ومنهن من ستركب سيارتها مع سائق أجنبي يجد ريحها، ونسيت قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة استعطرت فمرَّت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية".
و ـ الاختلاط بالرجال في البيوت بالجلسات الأسرية، أو إقرار ذلك أثناء جلوسها معهم، والسماح للبنات بمخالطة الشباب الذكور من الأسر القريبة، مع غياب الغيرة على الأعراض وعدم مراقبة المولى - جل وعلا -.
ز ـ الإسراف العام في شؤون الحياة، والمبالغة في الاهتمام بالتوافه من أمر الدنيا، كتزيين المنازل واقتناء الأواني والإسراف في الملابس والحلي والولائم، على وجه التفاخر والتكاثر المحرَّم والذي غرق فيه أرباب الدنيا ـ نسأل الله العافية ـ.
5 ـ إنَّ الفرق الذي بيننا وبين أسلافنا وقدواتنا الصالحة أنَّ المسلمات كنَّ جميعاً قدوات بعضهن لبعض {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ..}؛ وذلك بسبب قوة علاقتهن بالله - تعالى -، "ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف".. كانت القلوب بالله متصلة وحريصة على تأدية أمانة هذا الدين.
والآن قلَّ أن نجد هذه البواعث فينا إلا من - رحمه الله -؛ لغلبة الغفلة والتعلق بالدنيا وشهواتها، وكلما بعد الزمن عن زمن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ازداد هذا الجهل وقلَّ التأثر وتساهل الناس في أداء الأمانة وغابت قيادة القدوة.
قال - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
وفي الختام أخاطب أختي المسلمة فأقول:
انظري إلى نفسك: هل تريدين الدنيا أم الآخرة؟
فإن كانت تريد الدنيا فروّضيها على حبّ الآخرة، وجاهديها على الاستعداد لها وأكثري الدعاء. وإن كانت تريد الآخرة فاغتنمي وقتك واستزيدي من العمل الصالح واضربي أروع الأمثلة وأرقى النماذج للمسلمات من بنات عصرك.
تأملي سيرة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - القدوة، ادرسيها؛ لعلها تكون زادك إلى الله والدار الآخرة، وكذلك سير أسلافك من الصالحين العابدين العالمين من رجال ونساء؛ طلباً لشحذ همتك ودفعاً لنفسك للتأسي بهم.
سائلين ربنا ومولانا - جل وعلا - أن يتولانا فيمن تولى من عباده الصالحين، ويدخلنا برحمته في زمره أوليائه أئمة الهدى، ونسأله - جل وعلا - أن يجعلنا للمتقين إماماً.
http://saaid.net المصدر:
===========
حطم القيود ( 1- 2 )
الشيخ عبد الحميد البلالي
ما التوتر؟:
التوتر هو الترقب الدائم للسوء وللنتائج السلبية، وهو بعبارة أخرى التوقع الدائم للشر مع خوف مصاحب مما سيترتب على ذلك من النتائج، ويعرِّف لين فوسوم القلق بأنه: (الاستجابة النفسية الكاملة، لوضعية تشعر من خلالها بالتهديد أو الخطر).
الفرق بين القلق والخوف والجزع والوسواس:
الخوف: يأتي استجابة لمصيبة مفاجئة، أو خطر مفاجئ، و هو إشارة إلى حدث فعلي.
القلق أو التوتر: رد فعل نفسي على تقديرات المواقف المتعلقة بالخوف ونتيجة له.
الجزع: الرعب القوي المفاجئ المصحوب بمحاولات متزايدة للحصول على الأمن والسلامة
الوسواس: خوف خاص ومحدد مثل الخوف من (الكلاب، القطط، الجن، العين... الخ) وهذا الخوف مبالغ فيه، أي المبالغة بالهروب لعدم الوقوع في مواقف مخيفة أو غير مرضية. (1)
متى نتوتر؟
1 نتوتر عندما نفشل في موازنة حياتنا مع بعض الأمور التي تتوافق مع أهدافنا، والسبب في ذلك أننا نخطئ في وضع الأهداف لأننا (نشتري) الكثير من أهدافنا من المجتمع، أو من الآخرين بدل أن نصنعها من أنفسنا وبما يتناسب مع حاجاتنا وقدراتنا ومواهبنا وظروفنا، إننا نخطئ عندما نظن أنه بإمكاننا أن نكون نسخاً مكررة من الآخرين. فنحاول أن نقتبس أهدافهم.
2 ونتوتر ونقلق عندما نشعر أن ثمة خطأ في حياتنا، ولكنه ليس بواضح، وقد يكون هذا الخطأ وهماً وليس حقيقة.
3 ونتوتر عندما نشعر أننا وقعنا في الخطأ، أو عندما لا نرى تحقق الأهداف أمامنا، ومن هنا نبدأ بإرسال الرسائل السلبية إلى أنفسنا بأننا ضعفاء وغير قادرين على تنفيذ هذه الأهداف.
4 ونتوتر عندما نقع حقيقة في الخطأ ثم نتوقع النتائج السلبية، ويزداد هذا القلق أو التوتر من نقطة الوقوع في الخطأ وحتى نحقق النتائج السلبية فقد تتحقق ويزول القلق أو التوتر، وقد لا تتحقق، أي أنها وهم، فيستمر القلق والتوتر إلى فترات طويلة تتحول إلى أمراض أخرى.
أسئلة من الواقع:
تاجر الأسهم: يشتري أسهماً كثيرة لإحدى الشركات ويستمر القلق يساوره: هل تزداد قيمتها أم لا، ويبدأ شبح الخسارة أمامه والإفلاس، حتى تظهر قيمة الأسهم.
حالة مرضية: يخرج أحياناً ورمٌ في عنقك أو عنق أحد أبنائك فيبدأ القلق والتوتر: ما هذا الورم، هل هو المرض الخبيث أو هو ورم عادي كالغدة اللمفاوية أو غيرها.. ويستمر القلق والتوتر حتى خروج النتيجة.
ماذا يحدث لنا عند التوتر؟
القلق أو التوتر يسبب الكثير من الأمراض العضوية والنفسية، بل لا نكون مبالغين عندما نقول: إن معظم الأمراض النفسية في العصر الحديث نتيجة التوتر والقلق، ومن هذه النتائج السلبية التي يسببها التوتر:
1 عند زوال الخطر فإن استمرار التوتر يعيق مقدرتك على الاستجابة المناسبة والصحيحة للخطر الحقيقي التالي.
2 فقدان الإتقان في العمل والتركيز فيه فتكون النتائج سيئة للغاية.
3 تنتبه وتفزع لكل حركة، وتتوقع النتائج السلبية على الدوام، وتنشط لديك الأفكار المخيفة والمرعبة.(15/271)
4 سرعة خفقان القلب والغثيان وآلام المعدة والدوخة والشعور بالوخز وصعوبة البلع والقشعريرة والكوابيس. والصداع التوتري الذي يشكل معظم أنواع الصداع التي تحدث للإنسان. وكذلك حموضة المعدة.
دراسة حديثة:
نشرت مجلة (العمود الفقري) الأمريكية والصادرة يوم 15 مايو 2004 دراسة لباحثين من جامعة ستانفور الأمريكية بقيادة الدكتور يوجين كاراغي تقول: "إن رصد التوترات والضغوط النفسية التي يتعرض لها المرضى قد يكون أكثر العوامل المساعدة على تحديد إصابتهم بآلام أسفل الظهر".
ــــــــــــــــ
الهامش:
(1) من كتاب كيف نتخلص من القلق لين فوسوم.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
============
حطم القيود ( 2- 2 )
الشيخ عبد الحميد البلالي
وصفة لعلاج التوتر
تحدثنا في المقال السابق عن قيد التوتر، ووجدنا خطورة هذا القيد وما يسببه من مشاكل وأمراض، وفي هذا المقال نبدأ بتحطيم هذا القيد.
لماذا نصاب بالتوتر؟:
هناك مجموعة من الأسباب المنطقية وراء إصابتنا بالتوتر والقلق، يأتي في مقدمتها:
1 ضعف الإيمان بالحقائق الإيمانية والتي منها الإيمان بالقضاء والقدر وأن ما يصيبنا ما كان ليخطئنا، وما أخطأنا ما كان ليصيبنا، فكل شيء مقدر من عند الله.. حيث يقول - تعالى -: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا(التوبة: 51).
2 الخوف من المخلوق أكثر من الخوف من الخالق... والاعتقاد بأن المخلوق يملك الضر والنفع، وحقيقة الأمر غير ذلك، فالمخلوق ليس له حول ولا قوة... وواضح ذلك فيما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس من قول النبي "يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام ورفعت الصحف"(1).
3 لأن لدينا ميلاً لتهيئة أنفسنا للفشل لإثبات أن هذا الأمر لا قيمة له لدينا.
4 ولأننا نأخذ المهام التي نعلم أننا غير قادرين على أدائها بدل أن نقول (لا) وسبب رفضنا لقول (لا) أننا نهاب من الرفض، ونخشى من فقداننا لوظائفنا، ولأننا نخشى التقارير السيئة، أو خشية فوات الترقيات... الخ.
كيف نحطم قيد التوتر؟
1 تعويد النفس على أنواع الخوف ذات النتيجة الآمنة، كالخوف من الله - تعالى -، والخوف من السؤال يوم القيامة، ومن عذاب القبر، ومن أحداث يوم القيامة. وما يتصل بهذا الأمر....
2 الثقة بالله، والإيمان بقدره، وأنه لا ضار، ولا نافع إلا هو، - سبحانه -، وأن المخلوق لا يملك من ذلك شيئاًُ.
3 بذل الأسباب، وترك النتائج على الله - تعالى -...
4 التفاؤل، وتوقع الخير، والإيمان بأن الله - تعالى - لا يقدر إلا الخير.
5 الثقة بالنفس، وبقدراتك ومهاراتك على مواجهة المشكلة، ومن أمثلة ذلك موقف الصحابي الجليل خالد بن الوليد - رضي الله عنه - في معركة مؤتة عندما رأى أمامه مقتل قادة المعركة فما كان منه إلا أن تقدم لقيادة الجيش والانسحاب بهم أمام الرومان.
وكذلك موقف الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ومنازلته وهو شاب صغير لأحد أبرز أبطال العرب عمرو بن ود وثقته بنفسه، وقتله للكافر، وكذلك محاولات العالم أديسون المتكررة وعدم يأسه حتى اخترع الإنارة... وغيرها من الأمثلة.
6 آمن واعتقد بأنك لست عرضة للانتقاد والتقويم السلبي من قبل الآخرين.
7 بمعرفتك بأنك تواجه مشكلة لا بد من البحث عن حل وليس الاستسلام إلى التهديد ومشاعر الخوف.
8 التركيز على الإيجابيات، وتخفيض هالة الخطر.
9 تذكر دائماً قوله - تعالى -: "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى" أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون " 216 (البقرة).
10 اكتب أسوأ الافتراضات على ورقة، واكتب أمام كل واحد منها ما ستقوم به من تصرف.
11 قل لنفسك أنك ستنجح، وستوفق، وأبعد عنك شبح الفشل.
12 الاسترخاء والراحة، لأن القلق يتطلب صرف المزيد من طاقة الجسم.
13 الوجبات المعتدلة المتوازنة.
14 التمارين الرياضية، وخاصة المشي.
15 الابتعاد عن المسكرات والموالح، والشوكولاته والكافيين.
16 خطط جيداً، وضع كل ما تنوي القيام به بما يتناسب مع ظروفك وقدراتك..
17 الاهتمام بالوقت، وعدم التفريط في المواعيد المهمة، والحضور قبل الوقت لكل أمر تنوي القيام به أخذاً للاحتياط مما قد يحدث أثناء الطريق، أو قبل بداية العمل.
18 ضمان عدد ساعات نوم منتظمة، وترك السهر الشديد.
19 الاهتمام بالصحة، وعدم التعرض للجوع الشديد.
20 كن جريئاً، وابدأ أنت بحل المشكلة ولا تنتظر من الآخرين الحل، وتذكر المثل الذي يقول: "ما حك ظهرك مثل ظفرك".
ـــــــــــــــــ
الهامش:
(1) رواه الإمام أحمد وصححه الألباني ج ص (7957).
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
============
حطم القيود .. ضع لك أهدافا
الشيخ/ عبد الحميد البلالي
لا أتصور أبدًا أن يكون الإنسان ناجحًا من غير أهداف، ومن يعش من غير أهداف فمثله تمامًا مثل قائد سيارة لا يعرف إلى أين يسير؛ ولأن الناجحين في هذه الحياة هم الأقل، وفئة الفاشلين أو المتفرجين هم الأكثر، فإن الذين يضعون الأهداف في حياتهم وينفذونها فئةٌ قليلة في هذه الحياة.
نسبةُ من لهم أهداف:
يقول "بريان تريسيي"- أحد علماء الإدارة في الولايات المتحدة-: 3% فقط من الناس لديهم أهداف واضحة،، وأقل من 1% يكتبون أهدافهم.. إن التركيز على الهدف والهوس به هو العامل الحاسم في النجاح.(15/272)
وقد أجرت جامعة (ييل) في الولايات المتحدة دراسة حول عدد الطلاب الذين لديهم أهداف واضحة، قد كتبوها ورسموا خططًا لإنجاحها، ووجدت الدراسة أن 3% من طلاب السنة الأخيرة قد فعلوا ذلك، وبعد عشرين سنةً توبعت الدراسة بالاتصال بتلك الفئة من الطلبة للنظر في وضعهم المالي والاجتماعي، فوجدوا أنهم يحصلون ماليًا على ما يعادل دخل الـ97% الآخرين، الذين كانوا زملاءَهم في الدراسة.
شروط النجاح والتميز:
يقول "هنت"- أحد كبار رجال الأعمال في الولايات المتحدة-: هناك عدة شروط للنجاح المتميز:
1- أن تحدد لنفسك ما تريده بالضبط.
2- أن تعلم الثمن الذي تدفعه للنجاح.
3- أن تكون مستعدًا لدفع ذلك الثمن.
بيعة العقبة:
وإذا أردنا تطبيق ما ذكره "هنت" على ما جرى في بيعة العقبة، نجد أن الرسول- صلى الله عليه وسلم - بعد أن عرض البيعة (وهذا يمثل التحديد الواضح لما يريد) قال "العباس بن عبادة الأنصاري" لقومه: "هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا انتُهكت أموالكم مصيبةً، وأشرافكم قتلاً أسلمتموه، فمِن الآن..!! قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف، فما لنا يا رسول الله إن نحن وفَّينا بذلك؟ (وهذا يمثل معرفة الثمن) قال: "الجنة"، قالوا: ابسط يدك.. فبايعوه (وهذا يمثل الاستعداد لدفع الثمن)؛ ولهذا وضع الأهداف والعمل على تنفيذها، ولا يمكن أن يكون قويًا من يعيش من غير أهداف، ولا يعرف ماذا يريد أن يحقق في هذا العام أو الذي يليه!!
التأثير على الآخرين:
من التعاريف البارزة للقوة (التأثير على الآخرين) إيجابًا أو سلبًا، ولا يمكن أن يؤثر إنسان على آخر ما لم يكن قويًا؛ بما يملك من مقومات وصفات أو مكانة، ولا يمكن أن يكون مؤثِّرًا ما لم يكن واثِقًا من قدراته وملَكَاته ومواهبه.
مصادر التأثير:
مصادر التأثير متعددة:
فمنها نبرة الصوت، ومنها قوة التعبير بالألفاظ والحركات، ومنها العلم، ومنها المكانة الاجتماعية (الشهادة- العائلة- القبيلة- المنصب)، ومنها الشهرة، ومنها الناحية الأخلاقية، ومنها الإعلام.
وكلما ملك الإنسان من هذه المصادر كانت محصلة التأثير أكبر، ومَن استطاع التأثير على الآخرين استطاع أن يأخذ منهم ما يريد، فيزداد بذلك قوةً إلى قوته، ولا يمكن أن تحدث عملية التأثير حتى يشعر المتأثِّرُ بتفوُّقِ المؤثِّر عليه في ناحية من النواحي.
تساؤلات:
كيف استطاع "ابن عباس"- رضي الله عنه- إرجاع أعداد كبيرة من الخوارج إلى دائرة الصواب والاعتدال؟! وكيف استطاع بعض تجار المسلمين تحويل دول كاملة في شرق آسيا إلى الإسلام؟ وكيف استطاع الداعية د. "عبد الرحمن السميط" في العصر الحديث تحويل قبائل كاملة وقساوسة من النصرانية إلى الإسلام؟!
إجابة التساؤلات:
إن الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها إنما تكمُن في قوة الحجَّة العلمية التي تملكها الصحابي الجليل "عبد الله بن عباس"، مع فن الحوار الذي أدار به تلك المناقشات، ويكمُن في أخلاق المسلمين والتجَّار، التي بهرت شعوب شرق آسيا فدخلوا في الإسلام أفواجًا، وتكمُن في عصرنا الحديث بالأسلوب العاطفي، الذي يتحدث به الدكتور "السميط"، وتحكمه بنبرة الصوت الحزينة ارتفاعًا وانخفاضًا، وكمِّ القصص المؤثرة الواقعية التي يوردها في حديثه؛ ليؤكد حقيقةً تؤصل واقعًا يحكي عنه، وحركات اليد، وتعبيرات الوجه، واللغة السهلة غير المتكلَّفة، التي يفهمها رجل الشارع، بالإضافة إلى تبحُرِه في علم الطبِّ، واللغة الإنجليزية، كل هذه وسائل بمجموعها تؤثر على السامعين، وتعتبر من أهم مقومات القوة.
فهم أفكار المستقبِل:
وحتى تتم عملية التأثير لابد من فهم أفكار المستقبِل- بكسر الباء- وأهم ما يمكن معرفته عن المستقبِل.
1- الخلْفية الثقافية
فلابد من الحديث معه بما يتناسب مع ثقافته، فلا أحدِّثُه حديثًا لا تفهمُه مداركُه، ولا أخاطبُه بأقل من ثقفاته فأضيِّعُ الأوقات.
2- دراسة ردَّات الفعل
فمن الأمور التي تُعين على تفوق المتحدث وتأثيره وضع جميع الاحتمالات وردَّات الفعل من المقابل، وتجهيز ردود مقنعة لها؛ حتى لا يُفاجَأ بشيءٍ أثناء الحديث.
3- بيئة المخاطب
ومن الأهمية بمكان معرفة بيئة المخاطب، فالبيئة الحضرية غير البيئة البدوية، وغير البيئة الصناعية، والبيئة الفقيرة غبر البيئة الغنية، وهكذا، ولكل بيئةٍ لغة، ولا تصلُح لغةٌ واحدةٌ للجميع.
4- البحث عن نقاط الالتقاء
البحث في بداية الحديث عن المنطقة المشتركة بينك وبين الطرف الآخر؛ فإن في ذلك عونًا على تقبُّل رأيك.
5- لا تهاجم رأيَ المخالِف
إياك ومهاجمة رأي المخالف؛ فإن ذلك يستفزُّه، ويجعله لا يفكر بقيمة ما تقول أو البحث عن الحقيقة، بل يفكر في إيجاد حُججٍ ينتصر بها؛ لأنك في نظره جرحتَ تقديرَه الذاتي.
6- تخيل النجاح
من الأمور المؤثرة جدًا أن يتخيَّل الإنسان الحوار والحديث قبل بدايته، وكيف سيتحدث ويتصوَّر النجاح والتفوق، ويذهب بهذه النفسية؛ فيكون ذلك عونًا- بإذن الله- على الإقناع والتأثير.
-----
نقلاً عن مجلة المجتمع- العدد (1591)- بتاريخ 15-21 محرم 1425 هـ= 6-12 مارس 2004م.
http://www.ikhwanonline.com المصدر:
=========
حطم القيود ( 28 )
تحطيم التشاؤم
الشيخ عبد الحميد البلالي
تحدثنا في الحلقة الماضية عن قيد التشاؤم، وأنه من أسوأ القيود التي تمنع الإنسان عن الانطلاق إلى عالم القوة، وأنه ملازم للفاشلين، ونتحدث في هذه الحلقة عن طرق تحطيم هذا القيد والتغلب عليه.
خطوات التغلب على التشاؤم(1)(15/273)
يقترح روبرت سجلر عشر خطوات لحل مشكلة التشاؤم وهي:
1 الاختيار:
فالتشاؤم ليس خلقاً موروثاً لا يستطيع الإنسان الفكاك منه، بل هو جزء من منطقة الاختيار، ومادام كذلك فيمكن التخلص منه..قل لنفسك: أنا أملك الحرية للنظر إلى أي أمر مضر لمصلحتي واتخاذ أيٍّ من الموقفين الإيجابي أو السلبي.
2 التعلم:
من البديهي أن يتذكر المرء أنه كائن بشري، ويعني هذا أنه يستطيع التعلم، ووضع خطة وأهداف، وإذا وضع هدفاً فلا أقل من أن يصل إلى جزء منه إن لم يكن كله، وتحقيق الهدف أو جزء منه ينمي روح التفاؤل والثقة بالنفس.
3 التغير:
لا بد من التغير، فعلى سبيل المثال إذا لم أحصل على وظيفة في الوقت الحالي، أستطيع أن أكون متفائلاً، لأن الأمور لن تكون على ما هي عليه بعد سنة من الآن، والساعات العصيبة لا تستمر، ولكن الإنسان القوي هو الذي يستمر، وتبقى آثاره.
4 المتبقي:
من الخطوات الرائعة في علاج التشاؤم نظر الإنسان إلى ما تبقى لديه وليس إلى ما خسره، وهذا يدعوه إلى إعادة تنظيم الأمور التي تساعده بما تبقى لديه كتكوين ميزانية صغيرة، ولكنها قوية، واحتمال ما يصيبه من معاناة عاطفية بسبب خسارته، حتى يقوم ثانية على قدميه.
5 الإيجابية:
استمر في تنمية تفاؤلك، وذلك بالنظر إلى مرآة الإيجابية، فنحن جميعاً نملك مرايا إيجابية في أنفسنا، ولكننا ننساها، ولا بد من تذكرها خاصة النجاحات القديمة، والأوقات التي تغلبت بها على المشكلات، تذكرها دائماً وانهل منها، وتعلم منها، وهذا سيزودك بالقوة في حياتك.
6 الهدوء والاسترخاء:
اهدأ واسترخ، وفكر، ولا تتخذ قرارات تراجعية عند نقطة ضعف تمر بها في حياتك، فالهدوء جزء من الحلم، والحلم صفة لازمة للناجحين.
7 ردود الفعل:
تمرن على ردة الفعل الإيجابية، واعتقد أن أية محنة يمكن أن تحول إلى منحة، فالأفكار الإيجابية تنتج نتائج إيجابية، والأفكار السلبية تنتج نتائج سلبية، وما من أمر يحدث لك إلا وله جوانب إيجابية، فلتكن ردة فعلك منطلقة من هذه الجوانب.
8 ممكن:
لا بد من الاعتقاد بأن كل شيء ممكن مادام في نطاق المحتمل، وليس في نطاق المستحيل، وأنك تستطيع أن تحسن من مستقبلك إذا وضعت أهدافاً واضحة، وكرست وقتاً طويلاً للوصول إلى هذه الأهداف، وعملت أكثر مما كنت تعمل من قبل دون كلل ولا ملل، فالمثابرة والإصرار والعناد أدوات لازمة للنجاح والتغلب على التشاؤم.
9 خلف الحواجز:
من الطبيعي، والمنطقي أن كل شيء مخلوق يبدأ صغيراً، ثم يكبر، وهذا شأن الإنسان حتى في مشاريعه.. يبدأ صغيراً، ثم يكبر ولا بد من أخذ الوقت الكافي للتفكير، وانظر خلف الحواجز، وهذا يعني ألا تعوقك الحواجز، وتكبلك عن الانطلاق، بل تخطاها وانظر إلى المستقبل وما سيتحقق من الأهداف، ولا تحاول أن تصل إلى أهدافك أثناء الليل، وابدأ بخطوات صغيرة، ولكن إياك أن تفقد الرؤية للنتائج الأخيرة التي تريدها، إنك تستطيع أن تشكل المستقبل الذي تكون نتيجته في النهاية رائعة.
10 التعهد:
خذ تعهداً على نفسك بزيادة المواقف النفسية الإيجابية (PMA-Positive Mental Attitude) وعدم التراجع والتغير أمام المشاكل والأزمات، وللوصول إلى ذلك، لا بد من توقع المصاعب المشكلات وقلة الوقت، ولكن التغلب على الإحباط واليأس لا يتم إلا بذلك.
نقطة الانطلاق:
نقطة الانطلاق إلى عالم القوة هي الحاضر وليس الماضي البعيد أو المستقبل، فالتغني بأمجاد الأجداد والاستمرار في أحلام المستقبل لن يجدي شيئاً، أو يغير من الأمر شيئاً ما لم تنتبه لحاضرك، وتر مواضع قدميك، وما لديك من إمكانات ومواهب ونقاط قوة ونقاط ضعف لتنطلق من خلال واقعك الحاضر وليس من أطلال الماضي وأحلام المستقبل.
وإذا أردت أن تغير شيئاً، فأفضل طريقة ناجحة للتغيير هي التغيير الآن وليس غداً أو بعد ساعة، هذه هي حقيقة التغيير، وكل الذين أرجأوا قرار التغيير فشلوا، وخير مثال على ذلك، تلك الشريحة من الناس الذين يقررون الإقلاع عن التدخين أيام الحج، أو في شهر رمضان أو في نهاية هذا الشهر، أو هذا العام، فأولئك لا يتغير فيهم شيء، ويستمرون في تدخينهم، والمقلعون الحقيقيون هم الذين اتخذوا القرار وأقلعوا في لحظتهم. ومن الطبيعي أن يكون هذا الأمر صعباً، ولكن إذا أردت النجاح فلا بد من البدء بالصعب أو الأسوأ في قائمة الأعمال التي تريد إنجازها، وقم بإنجازه حالاً، وستشعر بالقوة والثقة.
أصحاب السبق:
إن الذين يتخذون قرار التغيير دون تردد أو تأخير هم أصحاب السبق، وهم عند الله أعظم درجة ممن يتخذون القرار متأخرين، حيث قال - تعالى - في كتابه الكريم: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى"(الحديد: 10).
فأفضلية هؤلاء الصحابة تكمن في أنهم لم يترددوا بدخولهم للإسلام، وقرروا التغيير حالاً، ولذلك كان أفضل الصحابة على الإطلاق أسرعهم للتغيير، وهو الصديق - رضي الله عنه -، وأفضل الصحابة هم أهل بدر. إنهم أدركوا نقطة الانطلاق إلى عالم النجاح.
_________________________
الهامش
(1) نقلنا هذه الخطوات بشيء من التصرف.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
===============
شيء من الصراحة في عمل المرأة المسلمة الدعوي
نجدت لاطة(15/274)
المتتبع للعمل الدعوي سواء أكان في المساجد أم في خارجها يجد قصوراً ملحوظاً في القسم النسائي، و بعض الجماعات لا تفرد قسماً خاصاً بالنساء. الأمر الذي أدّى إلى ندرة الدعايات اللائي اشتهرن، وإذا الواحد منا أراد أن يتذكر أسماءهنّ فلا يتذكر إلا زينب الغزالي في مجال الدعوة، وعائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) في مجال العلم والثقافة.
وفي المقابل نجد كثرةً في جانب الرجال تفوق ـ بنسبة كبيرة جداً ـ على عدد النساء، وقد تصل نسبة النساء الداعيات إلى واحد بالمائة أمام الرجال الدعاة.
في حين تعج السيرة النبوية بأسماء الصحابيات اللواتي كان لهن دور كبير في خدمة الإسلام في نواحيه المختلفة كالدعوة والعلم والجهاد. فالمرأة المسلمة في العصر الأول لم تجلس مكتوفة الأيدي، ولم تدع للرجل أن يأخذ نصيب الأسد في خدمة هذا الدين. لأن الأمر الإلهي موجّه لكلا الجنسين سواء بسواء، وقد قال - تعالى -:
" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سي- رحمهم الله - إن الله عزيز حكيم " التوبة71. فالخطاب القرآني هنا ردٌّ طبيعي وعمل مضاد على أعوان الشر الذين وصفهم الله - تعالى - بقوله: "المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.. " التوبة آية 68. فالشر يدعو إليه أصحابه من الرجال والنساء، والخير ينبغي أيضاً أن يدعو إليه أصحابه من الرجال والنساء. وأي تقصير من أحد الجنسين سيؤدي إلى غلبة الفريق الآخر.
وقد قدمت المرأة المسلمة في العصر الأول نماذج رائعة في خدمة الدين ونشره. فمن يُنكر دور عائشة - رضي الله عنها - في توصيل العلم النبوي إلى الناس، ومن ينكر دور أم عمارة وخولة بنت الأزور في الجهاد، ومن ينكر دور أسماء بنت أبي بكر في الهجرة؟ وتروي كتب السيرة أن أبا طلحة الأنصاري كان الذي دعته إلى الإسلام إحدى النساء الأنصاريات التي أصبحت فيما بعد زوجته.
أما المرأة المسلمة اليوم فقد غُيّبت عن العمل الإسلامي في كل نواحيه، ففي جانب العمل المسجدي لا نرى دوراً ملحوظاً، وفي جانب العلم والثقافة نرى قصوراً واضحاً، وفي جانب الجهاد لا نرى شيئاً أبداً. وعلى سبيل المثال لم نرى ولم نسمع عن مجاهدة واحدة في الجهاد الأفغاني السابق، ولا في الجهاد الفلسطيني الحالي الذي تتزعمه حركة حماس، اللهم إلا في الآونة الأخيرة حين اشتد الحصار في مدينة رام الله حيث ظهرت بعض الاستشهاديات ولكن لم يتجاوز عددهم أصابع اليد.
فلماذا هذا الغياب والتغييب لدور المرأة المسلمة؟ هل عصرنا لا يحتمل وجود داعيات وعالمات ومجاهدات؟ أم أن الأمر يعود للخلل الفكري في تصورنا لدور المرأة المسلمة؟
أنا أرى أن الخلل الفكري الذي أصاب تصورنا هو السبب الرئيسي، بل هو السبب الأوحد لذلك. وأعود بالقارىء إلى بدايات القرن العشرين، فعندما فتحت الجامعة المصرية أبوابها للطالبات لم يقبل الأزهر أن يفتح المجال لهن. فتخرجت من الجامعة المصرية دفعات عديدة من الطالبات اللواتي تثقفن على الطريقة الغربية في التعليم. ثم بعد عشرين سنة قَبِل الأزهر أن يفتح قسماً خاصاً بالطالبات. ولكن بعد أن أخذت المرأة التي تخرجت من الجامعة المصرية الأماكن الحساسة في المجتمع، وبعد أن أصبحت الفئة المثقفة من النساء هُنّ ممن يحملن الأفكار الغربية بدءأً بهدى الشعراوي وانتهاءً بنوال السعداوي. وحدث في الدول العربية الإسلامية مثلما حدث في مصر تماماً. وكانت النتيجة الطبيعية أن تخرج أجيال نسائية تربّت على أفكار هذه الفئة من النساء، فتحولت المرأة المسلمة في عموم حياتها عن منهج الإسلام وتعاليمه، اللهم إلا من رحم ربي وقليل هنّ، وانتشر السفور بشكل كبير بحيث أصبحت المتحجبات قلةً في المجتمع.
وقد تنبّه إلى هذا الخلل الكبير الذي أصاب مجتمعنا الإسلامي بعض العلماء وبعض المفكرين، فراحوا يُعيدون النظر في دور المرأة المسلمة في بناء المجتمع الإسلامي السليم بشكل عام، وفي دورها في العمل الدعوي بشكل خاص. فيقول الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - في هذا الشأن: " المسلمون في العصر الحديث حرموا المرأة حق العبادة في المساجد، ويوجد في مصر نحو سبعة عشر ألف مسجد لا تُرحب بدخول النساء، ولم يُبنَ في أحدها باب مخصص للنساء كما فعل رسول الله حين بنى مسجده بالمدينة المنورة. وهم رفضوا أن يكون للمرأة دور في إحقاق الحق وإبطال الباطل وصيانة الأمة بنشر المعروف وسحق المنكر. ولم تدخل المرأة الأزهر إلا بعد تطويره الحديث مع أن النبي جعل طلب العلم فريضة على الرجال والنساء. وعندي أن إفلات النهضة النسائية من قيود الإسلام الحقيقية يرجع إلى هذا العجز والغباء (1).
ويقول الدكتور ماهر حتحوت في هذا الشأن أيضاً: " لقد أسقطوا المرأة تماماً من حسابات الحركة الإسلامية سواء في تكوينها أو في مجالات النشاط المتاحة لها أو في أسلوب معاملتها. ورغم أنه أفلت من هذا الحصار قليلات من الأخوات الفاضلات المناضلات، إلا أن العموم كان على غير ذلك تماماً وعلى نقيض. ولا أنسى يوم دعيت لتجمع عربي مسلم وطلب مني أن أتحدث عن حقوق المرأة في الإسلام، وجالت عيني في القاعة فإذا هي خالصة للرجال دون امرأة واحدة. وتساءلت عن حقوق أية امرأة تتحدثون ؟ وما جدوى حديث الحقوق إذا أُلغي الوجود؟. "(2)(15/275)
وفي المقابل فقد قامت المرأة التي تربّت على الثقافة الغربية بنشاط ملحوظ ومدروس في كافة مرافق المجتمع، فتواجدت في المراكز الثقافية والمؤسسات الاجتماعية والمنتديات والمؤتمرات وشاركت في المهرجانات والوسائل الإعلامية المختلفة كأي عنصر فعّال في المجتمع، ولم تدع مجالاً يمكن أن تؤدي فيه دوراً إلا ووضعت بصمات لها فيه.
في حين تراخت المرأة المسلمة الداعية، واقتصر نشاطها على بعض المساجد ضمن حدودٍ ضيّقة ٍ جداً. فأفسحت ـ بتقصيرها ـ للمرأة التي تربّت على الثقافة الغربية أن تأخذ حصة الأسد في توجيه الأجيال النسائية. وقد كان التقصير بسبب بعض الحجج الواهية التي لا سند لها في الشرع. وأقول ـ صراحة ً ـ والحزن ملأ نفوسنا ـ لو كان للمرأة الداعية دور فعّال كدور المرأة العلمانية لكان حال الأجيال النسائية اليوم يختلف تماماً عمّا هو عليه الآن.
وأنا هنا أفتح باب المصارحة مع بعض العاملين في الحقل الإسلامي ممن يخافون خوفاً ـ لا داعي له ـ على المرأة الداعية من مشاركتها في بناء المجتمع، ظناً منهم أنهم يطبقون شرع الله في ذلك. فأقول لهؤلاء إن ديننا دين رجال ونساء، وقد أعطى لكل منهما دوراً في الحياة. وإن دور المرأة المسلمة ليس في بيتها فقط، وإنما في كل مرافق المجتمع، ولكن بالقدر الذي حدده لها الشرع، بحيث تقوم بتأدية دورها ضمن سياج شرعي. ولكن حين لا يقوم المجتمع بتوفير هذا السياج الشرعي، فلا يعني أن تحبس المرأة نفسها في بيتها. وإنما تسعى ـ كما يسعى الرجال المؤمنون ـ إلى إيجاد المجتمع الإسلامي ضمن مراقبة ذاتية.
فديننا الحنيف يسمح للمرأة أن تشارك في بناء المجتمع الإسلامي السليم، لا سيما حين تكون هذه المشاركة لأجل الدعوة. فلا يوجد مانع شرعي من أن تتواجد المرأة الداعية في المساجد والمراكز الثقافية وفي كل مرفق من مرفق المجتمع. فتقوم بمهمة الدعوة بين جيل النساء، وتشارك في الندوات والمؤتمرات والمهرجانات المختلفة وغير ذلك من التجمعات الثقافية والاجتماعية.
وستضطر المرأة الداعية إلى كثرة الخروج من البيت. وقد يكون خروجها على حساب بعض المهام البيتية، ولا حرج ولا غضاضة في ذلك ما دام خروجها لأجل الدعوة. ولكيلا تحدث خلافات في البيت تحاول الزوجة الداعية أن تتفاهم مع زوجها على مواعيد الخروج من البيت. فكما أن كثيراً من النساء يخرجن من البيت من أجل الرزق والعمل برضى الزوج فلا مانع من أن تخرج المرأة الداعية لأجل الدعوة، وعلى الزوج أن يتفهّم ذلك. و ما المانع من أن يضغط الزوج ـ في حال كونه من الإسلاميين ـ على نفسه فلا يتضايق إذا رجع إلى البيت فلم يجد الطعام جاهزاً إذاكان السبب هو خروج الزوجة للعمل الدعوي؟ ألسنا نرى بعض الدعاة يسمح لزوجته بالعمل الوظيفي لزيادة الدخل المالي للعائلة؟ فلماذا يتضايق عندما تُطرح عليه فكرة خروج الزوجة من البيت للدعوة؟ هناك يسمح لها من أجل المال، و هنا لا يسمح لها من أجل الدعوة.
وبعض الإسلاميين لا يجد حرجاً أبداً من إرسال ابنته إلى الجامعة (وهي في الغالب جامعة مختلطة) فيحدث احتكاك كبير بين الطلاب والطالبات لاسيما في المختبرات والمعامل العلمية، ثم تجده يعترض على ابنته إذا أرادت الخروج إلى المسجد للمشاركة في الأعمال الدعوية، وذلك بحجة أن هذا الزمن زمن الفتن وأن الأَوْلى للمرأة أن تجلس في بيتها. أليست هذه المفارقات تدل على ضبابية في التفكير والتصور؟.
ودعوتي إلى خروج المرأة من البيت للدعوة المقصود فيه المرأة الداعية، ولا أقصد المرأة المسلمة العادية، لأن المرأة الداعية تكون ـ عادةً ـ متسلحة بالثقافة الإسلامية ومشحونة بالإيمان الذي تكتسبه من العبادات المختلفة، ولديها الهمّ الدعوي الذي يحولها إلى صخرة ٍ صلبة ٍ أمام الفتن والمغريات. فتختلط بالمجتمع وفي نصب عينها هدف تغيير هذا المجتمع إلى مجتمع إسلامي.
ولا أعني أن تقوم المرأة الداعية بدعوة الشباب والرجال، وإنما تترك هؤلاء إلى إخوانها الدعاة. فتتجه هي إلى النساء، فتحاول ـ ما استطاعت ـ أن تنزوي بهن عن التجمعات التي يكثر فيها الذكور فتقيم معهن حوارات ومناقشات وصَداقات لتعريفهن بأمور الدين. وأُركز هنا على الصداقات النسائية، والمثل المشهور يقول " الصاحب ساحب " لأن اللقاءات السريعة في التجمعات الثقافية لا تعطي نتائج مرضية، فلا بدّ من جلسات مطولة ولقاءات مركّزة. ويمكن أن تتعاون الأخوات الداعيات على صحبة واحدة ـ مثلاً ـ أو على صحبة مجموعة صغيرة، ومن خلال اللقاءات المتعددة بهن يمكن الوصول إلى الهدف المنشود.(15/276)
وقدوة المرأة الداعية في هذا الاختلاط الصحابيات الجليلات اللواتي تواجدن في كل مكان تواجد فيه الرجال كالمسجد والهجرة والغزوات. فقد كانت المرأة الصحابية تحضر دروس العلم في المسجد النبوي، وتشارك في الهجرة، وتخوض المعارك، وتتقاتل مع المشركين وجهاً لوجه، ولم يمنعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، بل ولم يعترهِ - صلى الله عليه وسلم - خوف لا داعي له عليها جرّاء هذا الاختلاط الشديد بين الصحابية و المشركين. مع أنه كان من المحتمل أن تشتبك الصحابية بالأيدي مع المشركين في حال وقوع السيف من يدها، و كان من المحتمل أيضاً أن تقع في الأسر و تتعرّض للاغتصاب. و مما يروى عن خولة بنت الأزور (وهي صحابية جليلة) أنها كانت تخترق صفوف الروم في معركة اليرموك وتصل إلى نهاية جيشهم، ثم تعود إلى أوله، و فعلت ذلك مراراً، حتى أن خالد بن الوليد رضي الله عنه ذهل من جرأتها و شجاعتها. و مع ذلك لم يمنعها و لم يعترهِ خوف عليها كخوف الإسلاميين اليوم على المرأة المسلمة الداعية من اختلاطها بالمجتمع.
والمشكلة تكمن في كون النساء يشكلن نصف المجتمع، و ترك هذا النصف بدون دعوة يسبب مشكلات جمة، بدءاً من كون المرأة سلاحاً خطيراً في حال استغلال أعداء هذا الدين لأنوثتها و جسدها، و انتهاءً بكون المرأة مربية للأجيال.
وما دام الرجال الدعاة لا يقومون بدعوة النساء كان من الضروري بمكان أن تتكفل النساء الداعيات بدعوتهن.
أما أن يخبىء كل واحد منا زوجته و أخواته و بناته في البيت ثم ننتظر بعد ذلك أن يتغير المجتمع، فهذا بعيد المنال، و بعيد عن المفهوم الصحيح لمهمة المسلم والمسلمة في الحياة، لا سيما في هذا العصر الذي تكالب علينا الأعداء من كل حدب و صوب.
وأنا لا أدري مَن سيقوم بدعوة النساء إذا جلست المرأة الداعية في البيت؟
ومن الغريب في الأمر أن البعض يقول بأنه يكفي على المرأة الداعية أن تقوم بتربية أولادها على التديّن، فأقول إن تربية الأولاد هو جزء من العمل الدعوي للمرأة و لا بد أن يرافقه دعوة الناس.
و يرى الشيخ فيصل المولوي في كتيّبه (دور المرأة في العمل الإسلامي) أن خروج المرأة المسلمة من البيت للدعوة فرض عليها و ليس مندوباً و لا مستحباً أو غير ذلك، فيقول: " إن الإسلام اليوم معرّض للخطر، و إن الشعوب الإسلامية كلها في خطر، و إن واجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الدعوة إلى الله، كل ذلك من أهم الواجبات الشرعية المطلوبة من الأمة كلها رجالاً و نساءً. و للمرأة دور كبير في هذا المجال يفرض عليها الخروج من منزلها و يفرض على زوجها أن يأذن لها بذلك لتُسهم بدورها في بناء مجتمع نسائي مسلم يكون جزءً من المجتمع الإسلامي الكامل المنشود " 3 ".
فالإسلام اليوم يحتاج إلى تضحيات كبيرة، و خروج المرأة الداعية من بيتها للدعوة هو جزء من هذه التضحيات. و علينا سواءً أكنا آباء أم أزواجاً أم إخوة أم أبناءً أن نتفهّم و نعي هذا الأمر جيداً، و أن نعمل على حضّ نسائنا على الخروج من البيت لأجل الدعوة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
(1) كتاب " حصاد الغرور " محمد الغزالي، دار الثقافة، ط 3، 1985، صفحة 257 و ما بعدها.
(2) مقال " قل للمؤمنين و للمؤمنات " نُشر في مجلة (نوافذ) اليمنية. العددان السابع و الثامن، شباط و آذار 1998.
(3) فصل " المرأة و الرجل أمام التكاليف الشرعية " صفحة 25.
http://www.odabasham.org المصدر:
================
وسائل في الحسبة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد..
قال الله - تعالى - (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وقال - سبحانه - (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) وقال جل من قائل (يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)
وقال - سبحانه - عن الذين لا يتناهون عن المنكر (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) وقال - سبحانه - عن المنافقين (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
ولذا كان لزاما علينا في هذا المقام مناقشة الوسائل المناسبة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.... ومن الوسائل:
1- التواصل مع الدعاة وأئمة المساجد والعلماء والتعرف على الطرق الكفيلة بمنع المنكرات.
2- الاتصال بمكاتب الهيئات في الدول التي تحتوي مثل هذه المكاتب. ونشر أرقام وعناوين هذه المكاتب.
3- التواصل مع رجال الهيئات والتعرف على الطرق المناسبة لإنكار المنكر.(15/277)
4- الكلمة الطيبة والنصيحة المباشرة بالطرق اللطيفة.
5- نشر الكتيبات والنشرات التي تنبه على المنكرات وأحكامها.
6- توعية الأسر على بعض المنكرات التي ينبغي الالتفات لها عند تربيتهم لأبنائهم حتى لا يقع الأبناء في المنكرات بسبب غفلة الآباء.
7- على مدراء (ومديرات) المدارس والمعلمين بذل الجهد في توعية الطلاب وضبطهم عن السلوكيات المشينة.
8- تكوين فرق الضغط الذين يمثلون المجتمع ومراسلة المؤسسات التي تنشر المنكر من قبل هذه الفرق.. فمثلا إذا كان هناك منكر في صحيفة فتتم مراسلة الصحف ورؤساء التحرير فيها ووزارة الإعلام والنشر في الإنترنت ومراسلة المسئولين في البلاد وتبيين الأخطار السلبية في ذلك.. وبالعكس في الشكر والثناء في تغيير المنكرات والرد عليها..
9- الكتابة في الصحف والمجلات والإنترنت.
10- نشر العلم الشرعي وغرس المبادئ الإسلامية ورفع المستوى الإيماني في المجتمع.
11- الاستفادة من التائبين في التعرف على طرق أهل الشر في نشر شرهم والعمل على تلافي ذلك.
12- توعية المجتمع المسلم بطرق الصليبيين في نشر المنكرات ودعمها وحمايتها وفي ذلك سبب في رفع روح التحدي والرفض في قلوب المسلمين.
13- الشعور بالمسئولية الفردية لكل فرد في المجتمع وأن ضرر المنكر على جميع المجتمع ولذا كان الإنكار على جميع المجتمع لا حدها في الوسائل الرسمية.
14- مراسلة أصحاب المحلات التي تحتوي على بعض المنكرات ونصحهم بالطريقة اللبقة.
15- زيارة ملاك الشركات أو المجمعات أو المواقع السياحية من قبل أهل العلم أو المعروفين وتنبيههم على الملاحظات الموجودة في ممتلكاتهم وحثهم على دعم الجانب الإسلامي في ذلك.
16- نصح أصحاب المجمعات التجارية على وضع موظفين مهمتهم تصحيح الجانب السلوكي.. وهم الذين يقابلون موظفي الهيئات أو شرطة الآداب... وهذا مما بدأ ينتشر في بعض المجمعات نسأل الله التوفيق للفكرة ولمن قام بها.
17- تجميع مواقع (الحسبة) ونشرها ودعوة الناس للتعاون معها أو الاستفادة منها..
18- عمل فرق للإنكار في الإنترنت بالمراسلة بالكلمة الطيبة.. وذلك مما يخص البيئة الإسلامية.. فمثلا إذا رأوا شخصا يريد السوء بنشر صورته ودعوته لمراسلته والاتصال به.. يقومون بمراسلته بالكلمة اللطيفة جدا.. ولو رأوا موقعا خبيثا لنشر الفساد والتعارف بين الجنسين أو فيه منكرات شرعية أو عقدية فيقومون بالدعوة والإنكار بالطرق المناسبة..
http://www.saaid.net المصدر:
===========
بلاغ عام إلى الشارع الإسلامي
علاء سعد حسن
ألم على ألم ومثلي يألم*** ما ناح نائح أو تجدد مأتم
والقدس تبكي والفرات مكبل*** والكرب نازل والبلاء معمم
لم يرعوي العدو عن غيه، وما كان له أن يرعوي، لأن عدوانه الأثيم لن يتوقف من تلقاء نفسه وتلك بديهية للعقلاء فقط ولن يتوقف عدوانه الغاشم عند حد بعدما تجاوز كل حد، وليس العدو بملوم لأننا ببساطة لم نفعل شيئا.. ولم نقدم شيئا لردع هذا العدوان أو وقفه أو صده.. اغتال العدو الغشوم شيخ المجاهدين الشيخ أحمد ياسين بطائرات الأباتشي الصهيوأمريكية، وهبت الشعوب المسلمة من أقصى الأمة إلى أقصاها تصرخ وتبكي وتندد وتشجب وتطالب وتناشد، ثم...، ثم برد الجرح وهدأت الثورة وخف الألم وضاع طعم الغصة في الحلوق.. ثم نام كل شيء وهدأ.. ولم تمر أربعة أسابيع على الجريمة النكراء التي لم تكن الأولى من نوعها ولا في خستها حتى قامت الطائرات الصهيوأمريكية باغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وخلال الأسابيع الأربعة لم يتوقف القصف الأمريكي لمدن العراق لا سيما الفلوجة، إلا لإجراء بعض المناورات المكشوفة..
والأمة المسكينة تنادي أنظمتها الراقدة أو المتناومة لعل وعسى والحقيقة الوحيدة المعقولة أنه لا حياة لمن تنادي، وتستمر الجماهير الغاضبة تستصرخ الأنظمة وتستنصرها في أكبر وأوسع عملية منظمة لخداع النفس عبر الشارع الإسلامي كله من ماليزيا إلى المغرب.. أقول للجماهير الغاضبة الشاجبة المستصرخة المستنصرة، لو أنكم استصرختم من في القبور واستنصرتم بالفاتح وصلاح الدين وقطز فلو أجابوكم هؤلاء من رقدتهم الأبدية وما كان لهم أن يجيبوكم عقيدة وعقلا - كان ذلك أقرب من أن تجيبكم الأنظمة الحاكمة..
يا عروس غالها الحقد فباتت *** ترتدي ثوبا من الأحزان أسود
يلتقي بالصمت كالموتى جوابا *** لسؤال في الحنايا يتردد
يا صلاح الدين والأقصى جريح *** قم وكبر فالرزايا تتجدد
قل لمن ناموا على الأمجاد دهرا *** في ظلال السيف صار الله يعبد
فالأنظمة الحاكمة لم تعد الشعوب بشيء من تحرير فلسطين، لم تطرح ذلك في برامجها الانتخابية للذين يأتون منها بصناديق الانتخاب سواء النزيهة منها أو المزيفة ولا في بياناتها الثورية للذين يأتون عبر الانقلابات العسكرية، ثم هي لا تملك برنامجا محددا لحل المشكلة الفلسطينية، كما أعلن ناصر زعيم القومية العربية عام 59 أنه لا يملك حلا لقضية فلسطين ..
وإن أي محلل نفساني يدرك أن ما يمارسه الشارع الإسلامي بالتعويل على الأنظمة أو مناشدتها لفعل شيء هو ممارسة للأحلام الهروبية في أبسط صورها وأكثرها وضوحا..(15/278)
وهو نوع من إلقاء التبعة على الآخرين، وتعليق الجرس في رقبة الأنظمة، أو قذف الكرة بعيدا في ملعبها، والحقيقة الدامغة تؤكد أن الحلول الواقعية دائما كانت ملك الشعوب لا الأنظمة، وبداية وحتى لا يختلف أحد مع هذا الطرح أحب التمييز بين القيادة الراشدة التي تقود الجماهير نحو الأهداف العليا للأمة وبين الأنظمة، فالقيادة الراشدة التي توجه الجماهير وتحركها نحو الفعل الإيجابي ضرورة حتمية لتحقيق تلك الأهداف، والجماهير بلا قيادة جماهير عاجزة عن توظيف طاقتها واستغلال إمكاناتها، وبلورة انفعالاتها في صورة أكثر إيجابية من مجرد التعبير عن الغضب والرفض، تلك حقيقة لا مراء فيها ولا جدال، أما الأنظمة الحاكمة عندما تسلخ نفسها بعيدا عن القيادة الواقعية للجماهير فإنها لا تصبح ضرورة لتنجز الشعوب أو الأمة عملها وتصل إلى أهدافها ومثال ذلك أن القيادة الواعية في مجتمع ما قد تقود الشعب إلى ثورة على النظام، وينجح الشعب في تحقيق ذلك وجورجيا وهاييتي أمثلة أخيرة على ذلك ولو اعتمدت الشعوب على الأنظمة في كل شيء ما استطاعت أن تنجز البشرية ثوراتها ولا منجزاتها عبر تاريخها الطويل، فالشعوب بحاجة ماسة بالضرورة الحتمية إلى قيادة، ولكن هذه القيادة ليست بالضرورة هي الأنظمة الحاكمة..ولا أختلف كذلك مع أحد على أن الأنظمة إذا التحمت بشعوبها وحملت آمالها وآلامها وسعت نحو تحقيق مشروعها فإن ذلك يسهل كثيرا من مهمة الأمة، حيث تتفق إرادة الأمة شعوبا وحكومات، بما لا يسمح بحدوث الصدام أو تشتيت الجهود وتفتيتها، هذه حقيقة نتفق عليها كذلك.. لكن المشكلة القائمة الآن أن هناك انفصالا حقيقيا وواقعيا بين الأنظمة والشعوب على الأقل بما يخص قضية فلسطين والقضايا الإسلامية المشابهة، وبالتالي فإن الدخول في جدل عقيم حول تقاعس الأنظمة أو سلبيتها، هو نوع من الهروب من العمل الإيجابي، يقول الرافعي على لسان الباشا الوزير وهو يخاطب الشاب الثائر في أعقاب قيام قوات الأمن بالتعاون مع قوات الاحتلال بقمع مظاهرة وطنية تنادي بالاستقلال والجلاء، يقول له: " إن الأمل كله معقود على الشباب أما الشيوخ والكبار الذين علمتهم التجارب الحكمة والمداهنة فلا تنتظرون منهم شيئا، لا تنتظرون منا دعما ولا عونا ولكن انتزعوا حقوقكم بأيديكم وأشعرونا بأنكم قوة لا يمكن تجاهلها أو الالتفاف حولها أو ضربها، وقتها فقط عندما تدركون دوركم وطريقكم سوف نضطر اضطرارا إلى الاعتراف بجهدكم وجهادكم وندخلكم في المعادلة رغم أن في بعضنا تعاطفا معكم ومع حماستكم، لكنه تعاطف هذبته السنون والتجارب "، ويقول محمد جلال كشك عن الحشود المنفعلة التائهة للأمة في أعقاب الأحداث وأوقات المحن والنوازل واصفا حال الجماهير المصرية في موقعة امبابة بين الفرنسيين والمماليك منذ أكثر من مائتي عام: " وهكذا تمت التعبئة العربية التقليدية التي لم يخرج عنها الكفاح العربي حتى اليوم، التعبئة التي تحشد الجميع للمعركة ولا تتيح لأحد أي دور حقيقي في المعركة، التعبئة التي تتيح للجميع أن يصرخوا ويهللوا ويهتفوا ويتألموا، ويقاسوا من أجل المعركة من دون مساهمة حقيقية في المعركة ولا تحقيق أي نفع يخدم المعركة... وحيث تحرص كل الأوضاع على إبعاد الشعب عن المعركة أو عن الفعل الإيجابي الوحيد المطلوب... " هذا الوصف الذي سجله كشك منذ أكثر من 35 عام والذي رصده مؤرخ مصر الجبرتي قبله بمائة وسبعين عاما هل تراه يصدق علينا اليوم؟
فما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الشعوب وما هو الفعل الإيجابي الوحيد الذي يجب أن تقوم به جماهير الأمة لو أرادت التعبئة بطريقة غير تقليدية؟ وقبل أن نطرح إجابة على هذا السؤال المباشر الذي تحار العقول كثيرا في إيجاد الإجابة المحددة الواضحة عليه فتبقى غائمة منقوصة.. قبل ذلك نتساءل سؤالا آخر : هل ما يصيب الأمة في العراق وفلسطين وغيرها من مواقع.. هل هو عرض أم مرض؟ يجب أن نتفق أن ما يمر بالأمة اليوم من حوادث جسام لا يتعدى كونه أعراض لمرض كبير مزمن هو مرض انهيار الأمة.. انهيارها في كافة شؤونها، وبعيدا عن تحليل الأسباب والظواهر نؤكد على أن العلاج لا يجب أن يكون للأعراض ولكن يبقى العلاج الناجع المفيد هو لأصل الداء.. إننا في حاجة إلى تدارك انهيار الأمة أولا قبل أن نفكر في تحرير الأرض هنا أو هناك.. إن تدارك هذا الانهيار ووقفه والتصدي له ، ثم البناء الجديد للحضارة الإسلامية هو الهدف المرحلي الأساسي في هذا العصر، هو الهدف الذي يؤدي فيما بعد - ربما بعد جيل أو عدة أجيال - إلى تحقيق الأهداف الكبرى للأمة وعلى رأسها تحرير أراضيها المغتصبة هنا وهناك.. إن البناء العالي الشامخ يحتاج دائما في بدايته إلى أن نحفر في الأرض لوضع الأساسات، ولقد قال الحكماء: لا مانع من أن تتراجع خطوة للوراء لتتقدم خطوات إلى الأمام..(15/279)
على شعوب الأمة الإسلامية الغاضبة الرافضة أن تدرك مسؤوليتها التاريخية، عليها أن تدرك أن القضايا المصيرية للأمة لو كانت تحيا في نفوسنا مثل القضايا اليومية الملحة من لقمة العيش والاستقرار الأسري والبحث عن المسكن والملبس وخلافه، لو كانت كذلك، ما كنا انتظرنا حتى ترفعها عنا الأنظمة.. كلنا يشتكي من انهيار الوضع الاقتصادي، لكننا جميعا لا ننتظر تحرك الآخرين، ونجتهد في البحث عن كل البدائل المتاحة وغير المتاحة لحل مشاكلنا اليومية المتراكمة لوعينا بأنه لا أحد سوانا سوف يحملها عن كاهلنا ويوم تصبح قضايا الأمة هاجس حياتنا اليومية دون تعليقها على شماعة الأنظمة والظروف غير المواتية - سوف ننجز لحلها أمورا تذهلنا نحن أنفسنا قبل أن تذهل الآخرين.. إن التعبير عن الغضب مطلوب لأنه يعبر بداية على أن الأمة مازالت حية تنبض وتشعر وتتألم، لكن التعبير عن الغضب ليس
كل شيء، وتحويل الغضب إلى فعل إيجابي موظف لصالح قضية النهوض بالأمة من كبوتها هو الحل الوحيد المفيد والممكن.. إن أكبر قطاعات التعبير عن الغضب الشعبي هو قطاع الشباب، والشباب يملكون تقديم حلول غير تقليدية من ذلك:
1 التركيز على فكرة مجموعات العمل الصغيرة في إنجاز مهمات علمية واقتصادية وإعلامية واجتماعية والإصلاح في هذه المجالات المتنوعة المختلفة..
2 حشد الدعم المادي لدعم قضايا الأمة وبناء نهضتها بصورة مستمرة دائمة فقليل دائم خير من كثير منقطع.
3 التركيز على مبدأ ألا يكون النفع الخاص متعارضا مع النفع العام للأمة.. لا سيما في المشروعات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، فالتركيز على الاستثمار في السلع الاستهلاكية والمستوردة، على حساب الاستثمار في السلع الإنتاجية والمعمرة والصناعية والاعتماد على الموارد المحلية قد يكون أكثر ربحا على المستويات الشخصية لكنه لا يساهم في بناء الأمة.. والاختيار الثاني أكثر نفعا على المدى البعيد.
4 توظيف التخصص العلمي والأكاديمي والمهني أو الحرفي في التخصصات النادرة والضرورية والحيوية بعيدا عن الألقاب المرموقة والأعمال السهلة الروتينية التي لا تخدم الأمة خدمة نوعية متميزة.
5 وضوح الرؤية الكلية العامة عند تخطيط الأهداف الشخصية الخاصة، بحيث يكون الشخصي دائما يصب في العام ويؤدي إليه.. واعتماد المبدأ الإنجليزي (بطيء ولكنه أكيد) (SLOW BUT SURE)..
إن هذه مجرد رؤوس أقلام ومدخل لأفكار نوعية يجب أن تجدها الأمة وتجيدها لوقف انهيارها وتحقيق نهضتها..
إن صناع التاريخ ليسوا بالضرورة حكاما عظاما، لكن القادة الشعبيين باستطاعتهم صناعة التاريخ، والنوابغ في كل فن وعلم يستطيعون صناعة التاريخ، والجماهير الواعية المدركة لرسالتها تستطيع صناعة التاريخ.. وإذا كان التاريخ قد حدثنا عن صلاح الدين والفاتح وقطز وغيرهم، فقد حدثنا أيضا عن نماذج شعبية في صناعة التاريخ مثل الثورة الفرنسية التي ينسبها التاريخ إلى الجماهير ولو برزت فيها بعض الأسماء اللامعة غير أن قوة الجماهير تبقى القوة المحركة الأولى للثورة، وكذلك ثورة القاهرة الأولى والثانية ضد الحملة الفرنسية صنعتها جماهير الأمة الإسلامية التي تضافرت جهودها مع مصر لتحريرها من الغزو الفرنسي ولقد كان الأزهر بمجاوريه من المصريين والمسلمين من مختلف الأنحاء مسرح أحداث الثورة، ولئن وعت ذاكرة التاريخ أسماء سليمان الحلبي وقد كان حلبيا وعمر مكرم نقيب الأشراف، والشيخ السادات والجبرتي والشرقاوي وغيرهم، فإن سطوره عجزت عن تخليد أسماء الجماهير التي ضحت بحياتها ودفنت تحت أنقاض القاهرة لتصنع التحرير لكننا بقينا ندرك بداهة أن الثورة لم يصنعها شخص واحد ولا مجموعة من الأشخاص، ولكن صنعتها أمة.. يقول هيرولد: إن موقف من المواقف لا يصبح تاريخيا إلا لأحد أمرين: إما لأن المشاركين فيه على وعي بأنهم يصنعون التاريخ، وإما بفضل نتائج أعمالهم "، إن شرطي صناعة التاريخ أن يدرك القائمون بالأحداث رسالتهم في صناعة التاريخ، يدركون أنهم يقومون بوعي بالمساهمة في صناعة التاريخ، أو أن يكون ما قام به الجيل يحقق إنجازا ضخما أو تحولا جذريا في مجرى الأحداث، ونحن نطالب أنفسنا وجماهيرنا بأن نملك الشرطين معا.. فهل تصدق أن ثورة القاهرة الثانية ضد الحملة الفرنسية وقفت على أعتاب الثورة الصناعية التي لم ننجزها حتى اليوم لقد كانت الأمة في مجموعها في أحط وأصعب ظروفها وأشد مراحل تدهورها ، ومع ذلك يقول كليبر في يومياته عن المصريين: وأنشأوا معامل للبارود ومصانع لصب المدافع وعمل القنابل، هل تدرون ما هي الإمكانيات التي كانت متاحة أمامهم وقتها لإنجاز هذه الثورة الصناعية المذهلة؟
يقول الجبرتي: وأحضروا ما يحتاجون إليه من الأخشاب وفروع الأشجار والحديد، وجمعوا إلى ذلك الحدادين والنجارين والسباكين وأرباب الصنائع الذين يعرفون ذلك فصار هذا كله يصنع ببيت القاضي والخان الذي بجانبه والرحبة التي عند بيت القاضي من جهة المشهد الحسيني !!!
فهذه هي البشرى إن صناعة التاريخ وعي وإرادة.. وتبقى البشرى الكبرى:
(والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا)
http://www.elbehira.com المصدر:
===========
الخطاب الإسلامي والقضية الكبرى دعوة إلى الثقة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن الخطاب الإسلامي كثيراً ما يُتهم ظلماً بأنه «محدود».. «سطحي».. «اختزالي»... «عاطفي»! وكثيراً ما تجنى عليه مناوِئوه بأنه لا يملك نظرة معمقة للقضايا أو تفسيراً واقعياً للأحداث.(15/280)
ولكن الأحداث تثبت يوماً بعد يوم أن هذا الاتهام فيه من الإجحاف بقدر ما فيه من الإسفاف؛ لأن الإسلاميين لم يخصهم الله دون خلقه بالحرمان من رجاحة العقل أو بُعد النظر كما يريد خصومهم أن يشيعوا، بل هم مثل بقية خلق الله في البناء الإنساني، إلا أن الله اختص من يفهم دينه منهم بمخزون هائل من الحقائق المودعة في مصادر هذا الدين، يستطيع بها وفي ضوئها كل إنسان أن يرى الصورة أوضح والحقيقة أظهر. صحيح أن هناك مساحات للاجتهاد والرأي، تتفاوت فيها وجهات النظر، إلا أن هذا التفاوت أو الاختلاف يبقى، أو ينبغي أن يبقى في إطار اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد.
إن المسلم الحق تحكمه في تصوراته وتصرفاته ثوابت من حقائق يقينية جاء بها الوحي الخاتم، وقررها في صورة سنن كونية قدرية، وسنن شرعية دينية لا يمكن للإنسان إذا جهلها أو تجاهلها أن يكون ذا بصيرة أبداً. تجيء الأحداث بعد الأحداث لتثبت على ساحات الواقع ومآلات الأمور أن التصور الإسلامي للقضايا، والطرح الإسلامي للمشكلات هو الأقرب للصواب، والأجدر بالتطبيق لو كان له من يسمعه، وآخر الشواهد على ذلك ما وصلت إليه القضية الفلسطينية من انتكاسة مخزية على الأصعدة الرسمية، عالمياً وإسلامياً وعربياً وإقليمياً ومحلياً.
نستطيع أن نقول إن ذلك لم يكن ليكون كذلك لولا ما حدث وما يزال يحدث من تجاهل للثوابت الإسلامية في التعامل مع تلك القضية المصيرية منذ أن كانت قضية إسلامية عالمية، حتى حولوها إلى قضية عربية قومية، ثم قضية إقليمية تخص دول (الطوق) المجاورة للأراضي الفلسطينية، ثم ما تلا ذلك من اختصارها في قضية «سلطة فلسطينية».
كان الإسلاميون بمختلف فصائلهم في العالم العربي والإسلامي يُلحون على ضرورة أن تلتزم الأنظمة العربية بالمحكمات الإسلامية في إدارة ما كان يسمى بـ (الصراع العربي الإسرائيلي)، ثم عندما أصبح يُسمى بـ (النزاع الفلسطيني الإسرائيلي)؛ كان الإسلاميون داخل فلسطين يلحون أيضاً على السلطة الفلسطينية ألا تفرط في تلك المحكمات والثوابت أثناء ممارستها للإدارة الرمزية لبعض الأراضي المحتلة، ولكن العناد الموجه للطرح الإسلامي، كان هو الموقف التقليدي لكل من تصدر لإدارة الصراع في مراحله المختلفة، وكأن هذا الصراع ليس للإسلام فيه كلمة، أو ليست له بأرضه المقدسة صلة، وكأن أمة الإسلام ليس فيها علماء يُرجع إليهم في قضايا الصراع المصيرية، وكأن الشعوب أيضاً ليس لها رأي فيما ينبثق من عقول الزعامات الملهمة بين الحين والآخر في غرف المباحثات السرية التي تنتقل بالقضية بين النقيض والنقيض. لقد تشبث المعاندون للخطاب الإسلامي بالشعارات الحمراء أيام المد الثوري عازمين على (تحقيق النصر)، وتحرير آخر حبة رمل من فلسطين بفضل التضامن مع «الرفاق» في موسكو وبكين ونيودلهي، ثم لما بدا لهم افتراق الرفاق عنهم إلى مصالحهم الخاصة التي منها التقارب مع تل أبيب ومَنْ وراءها، انقلبوا إلى النقيض الآخر وعقدوا الآمال على من صنعوا «إسرائيل» وزرعوها وعملوا على رعايتها وحمايتها.
لقد تجاهل العرب هذه البدهية العقلية التي دلت عليها الثوابت الشرعية في قول الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [المائدة: 51]؛ فولاية النصارى لليهود حقيقة قرآنية لم تجد من الساسة مَنْ يستحضرها أو يصدق من ينبهون إليها، وقاد هذا الخطأ إلى خطأ أفدح، وهو تصديق أن النصارى يمكن أن ينصفوا المسلمين من اليهود، فأوكلوا إلى هؤلاء النصارى (رعاية) عملية السلام مع اليهود متجاهلين أن السلام الدائم والشامل مع جميع النصارى أنفسهم وهم كبير؛ فما البال باليهود!
ألم يقل الله - تعالى - عن هاتين الطائفتين: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} [البقرة: 217] ألم يخبرنا الله عن نقمتهم علينا ورغبتهم في زوال النعمة عنا {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَّ} [المائدة: 59]، {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة: 105].
إن أكثر ساسة العرب والمسلمين ألقوا بهذه الحقائق عرض الحائط مطلقين على كفار أهل الكتاب وصف «شركاء السلام» بل إن اليهود الذين قال الله - تعالى - عنهم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} [المائدة: 82] وجدوا من يقول عن زعمائهم القتلة والفجرة الكفرة: «صديقي بيجن» «شريكي رابين»، ووجدوا من يصف شعبهم المجرم المغتصب بأنهم (أبناء العمومة)، وأنهم جزء من (نسيج الشرق أوسطية)، بل دعا بعضهم إلى ضم إسرائيل إلى جامعة الدول العربية، لتصلح أن تسمى (عسرائيل)، أو تدمج مع الفلسطينيين في كيان واحد اسمه (إسراطين)!!
أما القدس، فخدعوا الأمة بعودتها القريبة في عملية حلول واتحاد بقرية (أبو ديس) التي كان سيطلق عليها ـ سراً ـ القدس عاصمة فلسطين! وأما المسجد الأقصى فقد صدرت بشأنه مبادرة (جريئة) في القمة العربية قبل الأخيرة على مسمع من الجميع في الجلسات الخاصة، قال المبادر بها: (مش عاوزين المسجد.. المسجد في ستين داهية.. نقدر نصلي في أي أرض»!!(15/281)
ولم تكن مثل تلك المواقف المناهضة لهدي الإسلام في التعامل مع الأعداء مجرد مواقف شخصية نظرية، بل إن أصحابها حرصوا على أن يحولوها إلى مواقف جماعية عملية، فبنيت على أكثرها السياسات، واتخذت من أجلها الخطوات، ورسمت لأجل تحقيقها الاستراتيجيات، وأصبحنا نسمع ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً طوال ما يزيد عن عشر سنين عما يسمى بـ (الخيار الاستراتيجي للسلام)، والذي اعتبر بعد ذلك (الخيار الوحيد) مع أن اليهود لم يقولوا يوماً ـ ونتحدى ـ أن السلام خيارهم الاستراتيجي أو الوحيد.
جاءت الأحداث الأخيرة في فلسطين لتثبت أن وهم السلام الشامل والعادل الذي طالما بشرونا به في (كامب ديفيد) الأولى وحتى (كامب ديفيد) الثانية، مروراً بمدريد وأوسلو ووادي عربة وواي ريفر وغيرها، ما هو إلا سراب بقيعة، وما تصديق دعواه إلا كمثل صفوان عليه تراب تسفيه الريح ويذهب به المطر، فماذا بقي اليوم من السلام الذي طُبِّعت لأجله العلاقات في بعض الدول العربية وغيرت لأجله المناهج، وغُيب المعارضون في السجون أو أُخرجوا إلى المنافي؟!
لقد أثبت اليهود أنهم لا يريدون ـ كما قال مناحيم بيجن ـ إلا سلام القبور؛ ولذا راحوا يتحققون من ركون العرب إلى الدنيا وإيثارهم للسلامة، ويشجعونهم على ذلك مدركين أن الأمن ـ بل التأمين ـ سيأتيهم من العرب مصوناً مضموناً، عندما يصلون إلى مرحلة «حب الدنيا وكراهية الموت»، فعندها سيحولهم الوهن إلى موتى في صورة الأحياء، فيكون سلام القبور معهم أمراً واقعياً؛ لأنهم لا يتحركون ولا يريدون لأحد أن يتحرك دونهم.
إن العرب والمسلمين، وبعد ربع قرن من كامب ديفيد الأولى، ونحو عقد من مدريد، وسبع عجاف من أوسلو، يواجَهون بحقيقة السلام اليهودي الأمريكي؛ لا في فلسطين وحدها، بل في الأردن التي طالما ردد شارون أنها (الوطن البديل) للفلسطينيين، وفي سوريا ولبنان اللتين هُددتا أكثر من مرة على لسان شارون بضربة تأديبية، وفي مصر التي هدد أحد وزراء شارون بإغراقها في مياه النيل بضرب السد العالي... وأخيراً وليس آخراً نسمع أصواتاً من بعيد، من «إسرائيل الغربية» المسماة أمريكا تنادي بضرب مكة ـ حماها الله ورعاها ـ بقنبلة نووية!!
فهل هذا هو الجواب الصهيوني والغربي على الإلحاح العربي بسلام (الشجعان)؟! يبدو أن جوابهم قد بدأ بالفعل من فلسطين، في وقت عجز فيه العرب حتى عن تدبير مسرحية هزلية لتسويغ الرد الإسرائيلي الصريح جداً على دعوة مؤتمر القمة العربي للسلام.
الأحداث تجري الآن على أراضي العرب بغير ما يشتهون، ونتائج السياسات (الحكيمة) تظهر عاقبة ما كان الإسلاميون منه يحذرون.
- فهل كان الإسلاميون مخطئين عندما كانوا يحذرون من أوهام السلام مع اليهود؟!
- هل كانوا «عاطفيين حماسيين» وهم يدعون الأمة للإعداد للجهاد والاستشهاد لمواجهة عدو لا يريد إلا قتلهم وإذلالهم؟!
- هل كانوا «غير واقعيين» وهم يقولون إن الغرب بعامة وأمريكا بخاصة لن ينصفونا من أعدائنا لأنهم بعض أعدائنا؟
- هل كانوا «سطحيين» وهم يقولون إن «المعادلة الدولية» تستثني العرب والمسلمين من أن يكونوا قوة عالمية أو إقليمية على أي مستوى سياسي أو عسكري أو اقتصادي حاضراً أو مستقبلاً؟
- وهل كان الخطاب الإسلامي اختزالياً أو اعتزالياً وهو يدعو الحكومات والأنظمة إلى جمع الكلمة على الإسلام، وإعداد الأمة به لمواجهة طويلة وصعبة مع عدو لم يؤت به من أصقاع الأرض إلا لتصفية حسابات تاريخية ودينية؟
- وهل كان الخطاب الإسلامي (غير عقلاني) وهو يقول إن معركة اليهود معنا دينية وينبغي أن تدار من طرفنا دينياً أيضاً؟
- وهل كان الخطاب الإسلامي «خطاباً تسطيحياً» وهو يقول إن الاعتراف بـ (إسرائيل) كدولة، هو اعتراف بحق اليهود في أرض الإسراء للأبد، واعتراف بأن الشطر الغربي للقدس هو ملك شرعي لهم سيتبعه لا محالة اعتراف عالمي بالضم الرسمي للشطر الشرقي منها؟ بما يستتبع ذلك من خطر ماحق على المسجد الأقصى وما حوله؟
على كل حال، لسنا بصدد البكاء على الأطلال، أو الندب على اللبن المسكوب، ولسنا أيضاً بسبيل الشماتة أو الشكاية، ممن عرضوا أنفسهم وأمتهم للخطر بحسن الظن في عهود الأعداء مع سوء الظن في موعود الله، لسنا بصدد ذلك؛ لأن الشماتة ليست من خُلق عباد الله، والشكاية إنما تُشكى إلى الله. ولكننا ندعو إلى رقع ما انخرق، ورتق ما انفتق من أحوال الأمة باستدراك ما فَرَط من شؤونها وقضاياها مجددين الدعوة إلى الثوابت التي نعلمها من ديننا، والتي تشكل ركيزة الإدارة الصحيحة للمعركة الطويلة مع اليهود، لا على أرض فلسطين وحدها، وإنما على كل أرض إسلامية يضعها اليهود في برامجهم المستقبلية من فرات العراق إلى نيل مصر، ومن جنوب تركيا إلى شمال الجزيرة.
إن الدائرة قد عادت إلى نقطة الصفر في مسيرة إدارة المعركة تحت الرايات العلمانية، وآن للراية الإسلامية بثوابتها الاعتقادية وصبغتها الإيمانية أن تجابه الخطة اليهودية بثوابتها الاعتقادية وطريقتها الدينية، آن لها ألا تمكن العلمانيين مرة أخرى بالانفراد بقضايا الأمة أو تخديرها أو شل قواها في مواجهة أعدائها، ولن يكون ذلك إلا من خلال الإصرار على إعادة قضية فلسطين إلى وجهها الإسلامي، والإلحاح على ترسيخ ذلك فهماً وعملاً بما ينبني على الحقائق الآتية:
** عداء اليهود للمسلمين في كل زمان ومكان عداءٌ أبدي دائم ومنطلق في الأساس من خلفيات دينية اعتقادية منحرفة.
** مؤازرة النصارى لهم منبعث كذلك من قناعات دينية وقواسم مشتركة يؤمن بها أهل الكتاب فيما يتعلق بالزمان والمكان الذي نعيشه.(15/282)
** أرض فلسطين مقدسة بنصوص محكمة من الكتاب والسنة؛ وهي أرض وقف إسلامي لا يجوز التنازل عن شبر منها.
** حرمة دماء المسلمين المراقة في فلسطين أعظم عند الله من حرمة الأرض المقدسة، وحرمة المسجد الأقصى، بل ومن حرمة الكعبة كما قال عمر بن خطاب ـ رضي الله عنه ـ وهو يسكب العبرات في الملتزم مخاطباً الكعبة: «ما أطيبك وما أطيب ريحك! وما أعظمك وأعظم حرمتك! ولكن حرمة المسلم أعظم عند الله من حرمتك»(1).
** حكم الجهاد في سبيل الله والمستضعفين من النساء والولدان هو الوجوب على التعيين ما دُهمت أرض من أراضي المسلمين؛ فكيف إذا كانت من أقدس أراضيهم؟!
** التنازل عن هذه الأراضي المقدسة لأنجس المخلوقات البشرية بعد اغتصابهم لها بحيث تكون ملكاً دائماً لهم، هو خيانة لله ورسوله والمؤمنين بحكم فتاوى العدول من علماء المسلمين.
** اعتماد النهج العلماني اللاديني في مواجهة النهج الصهيوني الديني، هو تزييف لإرادة الأمة، فوق أن تلك العلمانية بمناهجها وزعاماتها ورموزها لم تفَّوض تفويضاً شرعياً صحيحاً، ولا حتى قانونياً سليماً بأن تنفرد بتصميم وتنفيذ خطط التعامل مع عدو الأمة الأول سلماً أو حرباً.
** انصراف الإسلاميين أو صرفهم خلال عقود الصراع، عن المشاركة الجدية في مواجهة اليهود، كان أكثره بسبب إصرار الأنظمة العلمانية على الإبقاء على إبعاد الدين عن المواجهة، وكان أيضاً بسبب إنشغال الإسلاميين أو إشغالهم بمعارك جانبية شغلتهم عن التعامل بجدية مع القضية المصيرية التي قُدر للجيل المعاصر أن يشهدها، وأن يتحمل أمام الله مسؤوليتها.
إننا ندعو في ظل الأحداث الجسيمة الأليمة في الأرض المقدسة، والتي نعدها بداية مرحلة جديدة من الصراع إلى ما يلي:
1 - العمل على إيجاد آلية مناسبة لعقد (مؤتمر قمة) لعلماء المسلمين، لتقرير الأصول الشرعية الصحيحة التي ينبغي أن يسير وفقها المسلمون لأداء واجبات المرحلة في تلك المواجهة المرشحة للاستمرار.
2 - تفعيل دور الدعم المباشر للجهاد الفلسطيني الذي آن له أن يتحول من مسمى (الانتفاضة) إلى مسمى الجهاد.
3 - إضافة بند خاص إلى برامج ومناهج الجماعات والجمعيات والهيئات والفصائل الإسلامية العاملة في العالم، يكون خالصاً لأداء المستطاع من الواجب العيني لإنقاذ فلسطين وشعبها وقدسها وأقصاها من الضياع.
4 - وأخيراً... دعوة كل مسلم ـ على المستوى الشخصي ـ بأن يعد القضية قضيته، ويبرئ ذمته ـ إن لم يكن برأها بعد ـ بأداء واجبه نحو إخوانه المستضعفين المستنصرين.
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
-----------------
(1) الترمذي: 24/ البر والصلة، حديث 1955، بنحوه.
صفر 1423 هـ - أبريل- مايو 2002 م
http://albayan-magazine.com المصدر :
=============
حسن اختيار الوافدين
د. حمدي شعيب
ترتيب العقليات:
وهي الركيزة التي من خلالها، يتم اختيار نوعية الوافدين الذين نرسلهم إلى المدعوين.
وتأمل ما ورد في قصة أصحاب الكهف، عندما قاموا من رقدتهم، ثم اتفقوا جميعاً على إرسال أحدهم إلى المدينة لشراء الطعام: فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة (الكهف: 19). فإن حالهم يلقي في روع المتدبر، أنهم كانوا في حيرة وخوف وتوجس، وشعور بأن العالم كله من حولهم ضدهم، ورغم هذا لابد لهم من الحركة، ولا بد من التعامل مع هذا الواقع، وإلا فالموت سيأتي إما جوعاً أو هلعاً، أو تقوقعاً وتصومعاً وانعزالاً.
وإذا كانت الحكمة تتطلب الحركة والتعامل مع الواقع، فإن الأحكم منه كيفية التعامل، ومن سيتعامل؟!.
ولخطورة الإجابة عن أسئلة أي مجموعة في نفس الظروف، وهي: هل سنتعامل؟، وكيف سنتعامل؟، ومتى؟، ومن؟. كل ذلك يلزمة تنظيم معين بخطة محكمة وقيادة واعية، تتخذ القرارات، وتدرس المقدمات، وتنظم العمل، وتفاضل بين الأولويات، وتحسب النتائج، فتستشرف المستقبل.
وهو ما يوحي بأهمية التنظيم في القرارات وفي حسن الاختيارات، لأن التنظيم قبل أن يعتبر فقه ترتيب الصفوف، وقبل أن يكون فقه ترتيب الأولويات؛ فهو (فقه ترتيب العقليات).
مراعاة التخصص:
وهذه أولى الشروط في عملية اختيار نوعية الوافدين.
فإذا كان منهجنا لا يعرف طبقة رجال الدين، ولكن من الأمانة أن ندرك أن لكل علم أهله وأن لكل فن رجاله.
وفي هذا يدلنا الحق - سبحانه -: فاسئل به خبيرا 59 (الفرقان) ولا ينبئك مثل خبير 14(فاطر).
وهذا نلمحه أيضاً من خلال السياق في قصة أصحاب الكهف: فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة (الكهف: 19) فلقد بعثوا أحدهم في أخطر مهمة ألا وهي اقتحام أسوار الباطل، وإحضار ما يحتاجونه. ومن حالتهم نعلم أنهم لم يرسلوا إلا من يصلح لهذه المهمة.
وهذا الموقف يذكرنا باختيار الحبيب لعبد الله بن أنيس - رضي الله عنه - في مهمة خطيرة اقتحم بها قلاع الشر وقتل أخطر من حمل لواء الغدر ضد الدعوة وهو سفيان بن خالد الهذلي. وكذلك عندما اختار حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - في أخطر مهمة، تراجع عنها أفضل من حملتهم البسيطة، خوفاً؛ رغم الوعود المغرية لمن يقوم بها، وذلك ليلة محنة غزوة الأحزاب ليأتيه بخبر القوم.
ولا ننسى أن قريشاً قد انتدبت رجلاً معيناً متخصصاً في علم الأساطير؛ وهو النضر بن الحارث ليتولى قيادة الحرب الإعلامية ضد الدين الجديد.
وهذا الملمح يبين لنا أهمية حسن الاختيار الذي لا يشينه مجاملة أو محاباة أو أي اعتبارات غير موضوعية.
وكم من ثغور ضيعت بسبب سوء اختيار القائمين عليها، وهو من باب تضييع الأمانة، وتوسيد الأمر لغير أهله!!؟.(15/283)
قال: "إذا ضيعت الأمانة، فانتظر الساعة". قال: كيف إضاعتها؟. قال: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة"(1).
مراعاة العنصر الأخلاقي في سلوك الوافدين:
فالسلوك دوماً أبلغ من القول.
وهناك قاعدة مهمة؛ وهي أن سلوك الفرد يدل على الفكرة التي يحملها.
لهذا فمن الضروري أن يكون سلوك الوافد ترجماناً صادقاً للفكرة الربانية التي يحملها.
ويجب أن يُعرف بسمات تجعله معروفاً للمحيطين على اختلاف نوعياتهم وأحوالهم بحسن أخلاقه، كما عُرِفَ بها يوسف - عليه السلام - فنطق السجينان ناشدين رأيه في رؤياهما: إنا نراك من المحسنين 36)يوسف).
وتأمل هذا الجانب السلوكي في حياة هؤلاء الفتية المؤمنين؛ أصحاب الكهف، عندما نتدبر الشرط الذي اشترطوه على رسولهم الذي أرسلوه ليحضر لهم الطعام: فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى" طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا 19(الكهف)، أي فليتخير أحل وأطيب الطعام أو أجوده، فليأتكم بشيء منه.
فتأمل هذا الورع واجتناب المحرمات، والبعد عن الشبهات، وعدم الركون إلى أن الضرورات تبيح المحظورات، ولا أن الطعام كان مجهول المصدر. وتدبر كذلك هذا الشرط الصعب لمن يبحث عن طعام في مجتمع مسلم، فما بالك بمجتمع غير مؤمن. وتأمل أيضاً مغزى كلمة: بورقكم، أي من دراهمهم المضروبة ونقودهم الفضية، أي من مالهم الخاص. وما توحي به في النفس من أن الداعية لا يأكل إلا من ماله الخاص من ورقه المعروف مصدره، ومن كده الخاص، فاليد العليا دوماً خير من اليد السفلى.
وهذا يعطي ملمحاً طيباً للداعية أن يترفع عن الدنايا، ويتورع عن الشبهات. فالبعض قد يتخيل أن فقه الواقع، وعدم وجود المجتمع المسلم، قد يشفع له استحلال مال الغير. وقد يجهل البعض هذه التربية السلوكية المهمة، فتنسحب المرونة الدعوية، التي يتقن فنها، إلى مرونة غريبة وخطيرة في التعامل والحذر من الشبهات، ويتجاهل (فقه المحقرات) وآثارها التراكمية المهلكة: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، وإن رسول الله {ضرب لهن مثلاً، كمثل القوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالبعرة، حتى جمعوا سوادا وأججوا النار، وأنضجوا ما قذفوا فيها"(2) فيترتب على ذلك، سقوط في حبائل (سلسلة الذنوب) وحلقاتها المتتابعة التي تبدأ بذنب يؤدي إلى تغطية القلب بالران، والذي ينتج حجاباً مهلكاً، والعياذ بالله: كلا بل ران على" قلوبهم ما كانوا يكسبون 14 كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون 15(المطففين).
الشعور بالمسؤولية الفردية:
وهي الركيزة التي من شأنها أن تؤدي إلى تنمية الفاعلية الفردية.
فالحركة الجماعية نحو الأهداف الربانية لا تلغي التبعة الفردية، وذلك من باب: كل نفس بما كسبت رهينة 38(المدثر)، وتدبر هذا الألم الذي شعر به الحارث، وهو يراجع نفسه، من باب الشعور بالمسؤولية الفردية، في حديث وافد عاد، عندما قال: "أعوذ بالله أن أكون كوافد عاد".
وتأمل مغزى تلك النصيحة التربوية: فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى" طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا 19 إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا 20(الكهف).
لقد اتفق هؤلاء الصحب المؤمن على إرسال أحدهم ليحضر لهم الطعام، ورسموا له خطة التحرك، وأفهموه أنه لو كشف أمره، فسيلحقهم جميعاً، عاقبة ذلك الخطأ.
أي أن الخطأ الفردي سيلحق الضرر بالمجموع.
وهو باب عظيم في التربية، يعمق مفهوم المسؤولية الفردية. فالفرد في المجتمع المسلم منوط به، التغيير الحضاري لأمته، بشرط أن يكون متوافقاً مع المجموع: إن الله لا يغير ما بقوم حتى" يغيروا ما بأنفسهم (الرعد: 11).
وعلى هذا يجب التركيز على فاعلية الفرد، ودوره الإيجابي ومسؤوليته في تحقيق الأهداف والغايات العظام، وفي حماية نفسه، وحماية المجموع. وأنه دوماً على ثغرة، فلا يجب أن يؤتى الإسلام من قبله.
توفير الجهود:
وهو ما يعرف بفقه تحديد الأولويات.
فإذا كانت الركيزة الأولى تركز على أهمية تحديد القضية المرحلية الواحدة.
فإن من وسائل تحقيق هذا الهدف، أن يكون السبيل إلى ذلك، على مراحل على أساس فقه الواقع وأولويات الوقت.
وتأمل ما ورد في التجربة التغييرية الحضارية التي قام بها الصحب المؤمن؛ أصحاب الكهف. وذلك من خلال ما نلمحه من الحوار والتساؤل الذي تم: وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى" طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا 19 إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا 20 (الكهف).
فالقضية الآن ليست الخلاف على مقدار مدة تلك الرقدة التي قضوها، فهذا الأمر مفضول وهناك أفضل منه، لذا كان توجيه أحدهم لهم بأن يهتموا بأولوية الترتيب والانشغال بقضية الوقت، والتفكير في الأهم على المهم، ألا وهو البحث عن طعام للجائعين، واختيار من يصلح لهذه المهمة الصعبة، وإلا فإن أي خطأ للرسول سيعرضهم للخطر.
وكم من ساعات بل شهور، وإن شئت قلت سنين عدة تمر من عمر الدعوة، وبعض دعاتها يراوحون حول المفضول؛ متعامين عن الأفضل، ويتناحرون على المرجوح تاركين الأرجح.
وما هذا إلا خلل في ترتيب أولويات كل مرحلة!. وفقه تحديد الأولويات وترتيبها، من شأنه أن يحدد المهام، وأن يحدد الوظائف. وهو فقه توفير الجهود والأوقات.
فقه الواقع:(15/284)
وهي الركيزة التي من شأنها أن تؤدي إلى نوع من التوازن بين الأصالة والمعاصرة.
بين المحافظة على الثوابت، والابتكار والتجديد في الوسائل والأخذ بالمتغيرات المرحلية، على أساس من فقه للواقع.
وتدبر ما ورد في تجربة أصحاب الكهف عندما أرسلوا صاحبهم، لإحضار الطعام لهم، وكان يدور في خلده أنه ما غاب عن المدينة إلا يوماً واحداً. ولم يمنعه ذلك التغيير الذي طرأ على الزمان، والمكان والبشر، ولم يلاحظه! ومن ثم فقد عمد بنقوده الفضية إلى رجل ممن يبيعون الطعام، فقلبها الرجل، واستغربها، وظن أن صاحبه قد عثر على كنز أثري قديم، ونشر هذا الخبر بين جيرانه؛ حتى وصل الخبر إلى الملك، وانكشف السر!.
وهذا ملمح طيب يبرز لنا أهمية فقه الواقع، ومعرفة واقع الحركة الخارجي، أو البعد الخارجي للدعوة. وبين لنا أهمية مواجهة الواقع بأسلحته الحديثة، لا بأساليب بالية، قد يتهم من يحملها وهو المخطئ بالرجعية والتخلف، والظلامية، وأنه آت من الكهوف.
وكذلك بالاهتمام بمعاصرة خطاب الدعوة الإعلامي.
كل هذا من خلال المحافظة على ثوابت المنهج، والموازنة والترجيح بين متغيراته.
والتوازن بين الأهداف، والمرونة في الأساليب والوسائل.
وهو توازن الجمع بين الثبات على الأصول والمحافظة على أصالة الفكرة ومعاصرة عرضها.
ــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) رواه البخاري من حديث عن أبي هريرة.
(2) رواه البخاري:كتاب الرقائق باب 32 أحمد 1-402 وابن ماجه: كتاب الزهد باب 29 الدارمي: كتاب الرقائق باب 17.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
============
جائزة إنكار المنكر
عامر بن عيسى
في أحد الأيام قام أبنائي مع والدتهم بزيارة عائلية لأحد الأقارب، ولما عدت لأخذ الأولاد مساءً ونحن في السيارة قال لي ابني الصغير (ذو الأربع سنوات): يا أبي لقد رأيت اليوم خالي يدخن فقلت له: إن التدخين حرام..
فأعجبت بموقف ابني الصغير وقلت له: أحسنت يا بني كلامك صحيح..
ثم قلت في نفسي: لن أجعل هذا الموقف يمر مروراً عادياً بل لا بد أن أبين له أنه موقف بطولي يستحق التقدير والشكر عليه؛ لأن كثيراً من الكبار فضلاً عن الصغار لا يملك الجرأة والحماس في النهي عن المنكر والأمر بالمعروف..
فقررت أن أشتري له جائزة وأسميها (جائزة إنكار المنكر) وبالفعل فقد اشتريتها وأعطيتها إياه وأخبرته باسم الجائزة وأثنيت عليه وقلت له: إن هذا العمل يحبه الله - سبحانه وتعالى- ويحب من يفعله ولذلك استحق هذا الجائزة،
فما كان من أخيه الذي يكبره بسنتين إلا أن تحمس للأمر وفعل مثل فعل أخيه مع شخص آخر..
فيا أيها الآباء وأولياء الأمور
أيها المربون!!
لا تستصغروا مثل هذه المواقف من صغاركم بل عظموها كما عظمها الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ولو بالجوائز والأعطيات
فإن الصغير قد لا يحس بحسن عمله لمجرد قولك له (جزاك الله خيراً) أو (بارك الله فيك) أو (أحسنت على فعلك) بقدر ما لو أعطيته هدية وبينت له سبب عطيتك لهذه الهدية، فهذا بلا شك سيعطيه تصوراً عن قدر هذا العمل الذي قام به، فلماذا لا تمتد أيدينا بالمكافآت والجوائز عندما يفعل الأطفال أمراً حسناً خصوصاً إذا كان يحبه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو من مستلزمات الدين لنبين لهم عظيم قدر هذا العمل؟
أفتكون الجوائز على النجاح في المدرسة أعظم من الجوائز على تفاعل الصغار مع أمور دينهم والمساهمة في الصلاح والإصلاح؟؟
http://saaid.net المصدر:
============
غراميات محب للدعوة
أ. خالد حمدي
دعوتي جنتي، تحت الظلال والثمار والهواء العليل، تلسعني الدنيا بجفاء أهلها وقسوة معيشتها فآوي إلى ظل دعوتي الظليل أتبرد به من لفح حر الدنيا وأهلها.
إن ضاق صدري يتسع برؤية أخٍ أحبه.
وإن سمت نفسي تهدأ وتسعد بجلسةٍ حانية بين إخواني أجلسها.
وإن زاد همي أو تذكرت ميعادَ دينٍ حلَّ وقته أهرع إلى وردي من كتاب الله أقرؤه، فما أكاد أنهيه إلا وأشعر أن هموم الدنيا وكرباتها قد ارتحلت وولَّت عن قلبي السعيد وصدري الفسيح، باختصار دعوتي مستراحي ومؤتنسي.
وددت لو أني خرجت بحبها صارخًا بين الناس في الحارات والأزقة، مناديًا عليهم ليذوقوا حلاوتها، وينعموا بلذتها، بل وددت أن أدخل كل ملهى ليلي أو مرقص فاحش، وأقول لكل مَن يحتضن كأسًا أو غانية أو يتراقص مترنِّحًا منتشيًا، وددت لو ذهبت إليهم وقلت لهم: إن تلذذي بدعوتي وحبِّي لها يفوق انتشاءكم جميعًا بالكؤوس والمغنيات، وددت.. وددت.. وددت.. فما أحلاكِ يا دعوتي.. يا من كنتُ غريقًا فأنقذني الله بك.. ومريضًا بكل أدواء الدنيا فعافاني الله بك.. وضالاًّ أكثر من ضلال الدنيا فهداني الله بك..!!
تُرى كيف أرد لكِ الجميل.. بالمال؟ فكل أموال الدنيا لا تساوي لحظةً بين أحضانك بالوقت، ليت إخواني يُمدونني ببعض أوقاتهم الضائعة فأضيفها إلى وقتي الذي لا يكاد يكفيني.. يا حبة القلب بالعمر؟ وهل العمر يكفي دعوةً نقلني الله بها من الأموات إلى الأحياء؟!
كل ما أملكه لكِ يا حبيبتي.. قلب متعلق بكِ، ويقدمكِ في المنزلة على الوالد والزوجة والأولاد والخلاَّن، وحياة قصيرة بكل ما فيها من وقت ومال وجهد لا تساوي ملامة ظفر أمام ما منحتيني إياه.. فهل تقبليهم مني؟!
دعوتي حبيبتي:(15/285)
الناس يشربون فيرتوون، ويأكلون فيشبعون، وأنا أعجب أشدَّ العجب لحالي معكِ.. كلما شربت من كأس حبك ازددتُّ عطشًا، وكلما نهلت من فيض قربكِ ازددت نهمًا.. فماذا أفعل؟! فقربُك يُزيدني حنينًا.. وبُعدك يقطعني أنينًا..!! ليت شعري!! كيف يعرفكِ إخواني ويهجرونكِ؟ أم كيف يأتنسون بك ويعقُّونكِ؟ آهٍ لو يذوقون ما أذوق؛ لطرقوا أبواب الناس ليلاً من فرط لهفهم على دعوتهم.
آهٍ لو يحسون ما أحس لخاصموا النوم، وانطلقوا إلى نفوس الناس فطهروها، وإلى قلوبهم فزكوها وإلى الله ردُّوها.. آهٍ لو يحسون ما أحس لأجَّلوا الراحة حتى القبور، لكن.. لا عليكِ يا دعوتي، غدًا يعشقونكِ مثلنا، يقبلون يديك ورجليك، ويرتمون بين أحضانك، معتذرين عن كل لحظة هجروكِ فيها وقصروا في حقكِ..!!
والآن يا دعوتي:
أستأذنك أن أنشغل بكِ عنكِ، فورائي الآن موعد مع الإخوان، ننظر أحوال الأمة، وننشر نورَكِ في العالمين، ولي رجاءٌ أخير: أقرِئي رسولَ الله سلامي وقُولي له: على دربكَ يصنع بين الناس صنيعك، ويسلك سبيلك؛ طمعًا في شربة من يديك، ورغبةً في رفقتك، فلا تحرمه شفاعتك، وهذا أقصى مُناي.. والسلام عليكم.
-----
*من شباب الدعاة بالأزهر الشريف
27/07/2004
http://www.ikhwanonline.com المصدر:
============
إلى أخي الداعية
الأستاذ فؤاد حمودة *
لعل العمل الإسلامي الآن في حاجة إلى توحيد جهود العاملين للإسلام أو التنسيق فيما بينها أكثر من حاجته إلى زيادة الأعوان والأتباع، إن العاملين للإسلام لا يخلو منهم مكان في العالم، ولو جعلناهم من الشباب المخلص لدينه المستعد للبذل، وحاولنا توحيد هذه الجهود، أو التنسيق بينها إن عزَّ التوحيد، لجنى العمل الإسلامي من وراء ذلك الخير الكثير.
إن جهود العاملين للإسلام لا ينبغي أن تبقى موزعة على عشرات الجمعيات الإسلامية، وتحت عشرات الشعارات، ثم تبقى الصلات بينهم شبه مقطوعة، رغم أن جلهم لا ينقصهم الإخلاص لربهم ودينهم، وإن انقطاع الصلة بين الجماعات الإسلامية على بروز سوء الظن بين الجماعات الإسلامية يفتح الطريق أمام الانحرافات، كما يساعد على بروز سوء الظن بين الجماعات، مما يعطل أي جهد يُبذل في سبيل توحيد الجهود.
كما أن التقارب والتلاقي بين الجماعات الإسلامية يساعد على وضوح الرؤية ويبدد سوء الظن، ويقضي على الكثير من الانحرافات في الفهم أو في السلوك، ولو أن كل جماعةٍ من هذه الجماعات الإسلامية بقيت تعمل وحدها دون التقاء أو تنسيق مع غيرها لخسر العمل الإسلامي الشيء الكثير، ولا عجب بعدئذ أن يحدث التنافر بدلاً من التلاقي، والتصارع بدلاً من التعاون، وهل يريد أعداؤنا إلا هذا؟؟
وصيتي لإخواني الدعاة
حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة
أولاً: أن تُحسن الظن بالعاملين في حقل الدعوة الإسلامية، وهو أمر من صميم ما يدعو إليه الإسلام، والله - تعالى - يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ " (الحجرات: 12)، وهو ظن السوء بالناس دون دليل واضح، وقد روى ابن عمر أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يطوف بالكعبة ويقول: "ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمدٍ بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله - تعالى - حرمةً منك".
كان سلفنا الصالح ينفر من سوء الظن بالناس؛ حتى قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "ولا تظنن بكلمةٍ خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرًا، وأنت تجد لها في الخير محملاً".
ولئن كان حسن الظن بالمسلم العادي أمرًا مطلوبًا فإن حسن الظن بالعاملين معك في الحقل الإسلامي أوجب؛ إنهم على الأقل يمتازون عن غيرهم بغيرتهم على دينهم، واهتمامهم بأمر الإسلام والمسلمين، وسعيهم في تغيير واقع المسلمين إلى ما هو أفضل، وحسن الظن بهؤلاء سوف يعينك على تقبلهم والتعاون معهم في الأمور المشتركة بينكما، وهي كثيرة، والحمد لله.
الإمام البنا
ولقد كان الإمام البنا عضوًا في جمعية الشبان المسلمين في الوقت الذي كان فيه مرشدًا عامًا للجماعة التي أنشأها، ولم يجد غضاضة في ذلك؛ لِمَا وقر في نفسه من أن العاملين للإسلام جميعهم إخوة وإن اختلفت آراؤهم في السبيل الموصلة إلى الهدف، واختلف معه بعض إخوانه في خط سير الدعوة فأعطاهم مجلة النذير التي كانت لسان حال الإخوان المسلمين، وطلب منهم أن يسيروا بها في الخط الذي اقتنعوا به، وساروا فعلاً في طريقهم، وسمُّوا أنفسهم جماعة شباب محمد، ولم يكن بينهم وبين الإخوان إلا التعاون والود رغم أنهم في عُرف الناسِ انفصلوا عن الجماعة.
ثانيًا: أما الأمر الثاني الذي ينبغي للداعية أن ينتبه له، هو أن يتجنب غيبة الأشخاص وتجريح الهيئات، فإن الإسلام حرصًا منه على حسن الصلة بين المسلمين قد حرَّم الغيبة وجعلها من الكبائر، وإن كان البعد عن الغيبة واجبًا على عامة المسلمين، فهو على العاملين في الحقل الإسلامي أوجب.
وإن الرسول- صلى الله عليه وسلم - يقول: "المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده"، وينطبق هذا على العاملين في الجماعات الإسلامية وإن اختلفت اتجاهاتهم وآراؤهم.. هل ينهانا الرسول- صلى الله عليه وسلم - عن الإساءة باللسان أو اليد إلى كل مسلم، ويبيح لنا أن نُسيء إلى إخواننا العاملين في الجماعات الإسلامية المختلفة؟!(15/286)
لقد حدث أن انشق عن جماعة الإخوان المسلمين عضوٌ كان وكيلاً للجماعة، وأحدث انشقاقه هزة في صفوف الشباب، وذهبنا بعد ذلك بأيام نستمع إلى الإمام البنا ونحن نتوقع أن يكون هذا الأمر موضوع الحديث، وأن نعرف منه أبعاده ومسبباته، ولكنه- رحمه الله - التفت إلينا وقال: "والله يا إخوان إني لضنين بهذه القلوب المؤمنة التي لم تعرف إلا معاني الحب في الله أن تلوث بحقد أو تشوه ببغضاء، إن الإيمان حب وبغض، ذلك حق، فأحبوا لله فإنكم بالحب تسعدون، ولكن ادخروا جمرة البغض وسوْرة الغضب؛ ادخروهما ليوم قريب يوم نلتقي بأعدائنا، ولست أعني أعداءنا في الداخل، فليس لنا بحمد الله في الداخل أعداء، وإن كانوا فهم غثاء كغثاء السيل، أما أعداؤنا الحقيقون فهم خصوم تعرفونهم بسيماهم وتسمونهم بأسمائهم؛ هم الصهيونية المجرمة والاستعمارية الآثمة"، فصرف كراهيتنا وبغضنا إلى الأعداء الحقيقين؛ وهم الصهيونية والاستعمار، وطلب منَّا ألا نحتفظ في قلوبنا بأية بغضاء نحو رجل كاد أن يشق الصف ويفرق الجماعة.
أخي الداعية:
إن المسلم قبل أن يعمل للإسلام يجب عليه إن يعمل بالإسلام، والإسلام لا يبيح التباغض والغيبة وسوء الظن بالأفراد والجماعات.. إن معركتنا- أيها الدعاة- ليست مع بعضنا، ولكن معركتنا مع عدو يتربص بنا الدوائر ويسعده أن يرانا متفرقين متنافرين.. نسأل الله أن يهدينا، ويهدي الدعاة من أي جماعة كانوا سواء السبيل.
-----
* الأستاذ فؤاد حمودة.. من الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين - حفظه الله -.
03/08/2004
http://www.ikhwanonline.com المصدر:
============
يا أخي .. اركب معنا ولا تكن مع الغارقين
لي أخٌ كنت أحبه حبي لشقيقي وأشدّ، كان عَطِر اللسان بالذكر، وعَطِر الجنان بالإيمان، تلمع عيناه دائمًا، وتهجّ قريحته بأفكار للدعوة تقفز إلى مخيلته حتى وهو بين أهله وأولاده، فهو دائمًا مشغول بالدعوة وقتًا وعقلاً ومالاً.
وحدث أن سمح للدنيا أن تدخل قلبه؛ ظانًا أنها ستدخل لدقائق ثم ترحل، ولكنها سرعان ما أذاقته بردها، ونفضت غبار الجهاد عنه، فاستسلم لها!! فأمدَّته بالمال فازداد استسلامًا، وأراحته من بعض هموم دعوته فمنحها أكثر وأكثر من الاهتمام بها والانزلاق في وحلها.
فقدتُه زمنًا!!
أبحث عنه في صلاة الفجر فلا أجده..!!
أتفقده في جلسات الإخوان فأفقده..!!
وأحاول أن أستحضر صورته في ورد الرابطة فتهرب مني..!!
إلى أن رأيته ذات يوم، لكن بهيئة غير الهيئة.. فلا نور يكسو الوجه كما كان، ولا ذكرَ لله- على مدار ساعة جلسناها- عطَّر جلستنا، وهو الذي كان يوقظني بهاتفه في الثلث الأخير من الليل بصوتٍ فيه بقية دموع، قائلاً: يا أخي.. دقائق الليل غالية فلا تضيعها في الغفلة.
المهم رثيت لحاله، وقلت له: متى نظرت في المرآة لآخر مرة؟
فقال اليوم صباحًا، فقلت ليس مرآةَ حجرةِ النوم أعني!! ولكن مرآة الدعوة، أي متى عرضت نفسك على صورتك الأولى التي تعرفها آخر مرة؟! فسكت، وطأطأ رأسه، وهمَّ أن يقوم، فأمسكت بذراعه وأجلسته، وقلت له: أخَجَلاً من حالك أم رفضًا لما أقول؟!
فبكى بكاءً ذكَّرني بعينيه اللتين كانتا دائمة اللمعان من كثرة البكاء من خشية الله، ثم قال: تخيَّل أنك أول أخٍ يهز قلبي هذه الهزة العنيفة، تخيَّل أنني كدت أموت وإخواني يرونني على هذه الحال ولا يصرخون فيَّ؛ لينقذوني من الغرق والهلاك.
ثم علا صوت بكائه، وهو يقول: آهٍ وألفُ آهٍ على إخوانٍ مثلي؛ استهوتهم الشياطين وشغلتهم الدنيا، ولم يصرخ في آذان قلوبهم أحدٌ.. حتى إخوانهم الذين كانوا يعدونهم للضراء قبل السراء، ثم ارتمى في حضني فبكى وأبكاني، ثم احتضنني بشدة وكأنه يتمسك بي ويتعلق من شيءٍ يجذبه بشدة، أحسبها الدنيا التي كادت أن تقتله، فازددتُ لهفةً عليه واحتضانًا حتى هدأَ روعه وسكنت ارتعاشة جسده.
ثم قام وهمَّ بأن ينصرف فقلت له إلى أين؟! فقال إلى إخواني الذين ذاقوا حلاوة ما ذقنا ثم هجروا.. إلى فلان وفلان الذين غرَّهم مال التجارة، وشغلهم مستقبل الولد، وإسعاد الزوجة، وتراكُم الأرصدة، فنسوا لآلئ الجنة ورفقة النبي- صلى الله عليه وسلم - وصحبه؛ لأصرخ فيهم كما صرخت فيَّ، لأقول لكل واحد فيهم.. يا أخي اركب معنا ولا تكن مع الغارقين، ثم انصرف.
وتذكرت ساعتها على الفور قصة عمر بن الخطاب عندما ذُكر له أن صاحبًا له ضلَّ بعد هداية، وبُعد بعد قرب حتى أسرف على نفسه، فكتب عمر رسالةً فيها "بسم الله الرحمن الرحيم "تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ" (غافر: 1-2) فلما وصلته أخذ يقرؤها ويبكي، وهو يقول: غافر الذنب وقابل التوب، ويكررها مرارًا، ثم صلح حاله، فلما بلغ عمرَ أمرُه قال: هكذا فاصنعوا مع إخوانكم إذا تغيَّرت أحوالهم.
تُرى كم من أخٍ غيرته الدنيا، وغرته الشياطين، لكن وراء هذا الحال المتغير والنفس المنهكة قلبٌ مفعم بحب الدعوة وعشق الإخوان، ينتظر أن يمر عليه أحد أصحاب سفينة النجاة ليقول له: يا أخي.. اركب معنا ولا تكن مع الغارقين، أو رسالة كرسالة عمر، تصرف بها الدنيا والشياطين عن قلب أخيك، فتعيده لصفوف الحق راشدًا، لقد كان يومًا ما شريكك في مائدة الكتيبة ورفيقك في أسرة الإيمان..
فهل تدركه؟!
قم الآن.. وارتد ملابسك.. واخرج إليه فهو ينتظرك.. فلا تخذله.
31/07/2004
http://www.ikhwanonline.com المصدر:
============
متى نصر الله ( 1 )
د. أحمد بلوافي
1- بين يدي الموضوع:(15/287)
الكل يدرك الواقع المزري الذي تعيشه أمة الإسلام منذ زمن ليس باليسير. إنه الواقع الذي يتخطفنا فيه الناس منكل مكان، فتداعوا علينا كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، مرة باسم الحفاظ على الشرعية الدولية وتطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأخرى بدعوى محاربة الإرهاب والتطرف وملاحقة الإرهابيين، وثالثة من أجل إحلال السلام العادل والشامل، ورابعة من أجل امتصاص مقدراتنا وثرواتنا لكي تصلهم بأبخس الأثمان، ثم تعود إلينا مصنعة لنقتنيها بأغلى الأثمان، كل ذلك يتم تحت غطاء الشرعية الدولية وحرية التجارة والعولمة وضرورة تبني النهج الليبرالي للالتحاق بركب الأمم المتقدمة، وغير ذلك من الأساليب والوسائل التي يتفنن أعداء الله في استخدامها من أجل الإبقاء على المسلمين ضعفاء أذلاء يحتلون قاع الركب لا مؤخرته.
وما استحلال أراضي العراق وضربه من قبل أمريكا وبريطانيا كلما عنَّ لهم ذلك وفي المقابل إعطاء الوقت الكافي لجزار صربيا سلوبودان ميلوسوفيتش للمضي قدماً في خططه الرامية إلى تطهير كوسوفو من المسلمين إلا أمثلة ونماذج على ذلك. ويضاف إليه ما يتعرض له الدعاة وطلبة العلم من التغييب في غياهب السجون، ومن البطش والقتل والتعذيب وتشويه السمعة والدعوة، والتضييق في جميع السبل والمنافذ؛ سبل الرزق، والتنقل والبحث عن الملاذ الآمن، كل ذلك أيضاً ما هو إلا صورة ومثال من واقع يعبر عن مدى العنت والحيف والظلم الذي يلحق بالمسلمين في غالب بقاع المعمورة، بل حتى في تلك الرقع التي تنعت ببلاد الإسلام اليوم.
وسط هذا الظلام الدامس يلتفت المسلمون يمنة ويسرة لعل أحداً دولة كانت أو زعيماً أو منظمة دولية يقف إلى جانبهم ويشد من أزرهم فيواسيهم في نكبتهم ومصابهم هذا ليخفف عنهم وطأة هذا الواقع المرير غير أن التفاتتهم هذه قد طال أمدها ولم يتفاعل مع ما يتعرضون له من يفترض أنه يمثلهم أو ينوب عنهم باعتلائه سدة الحكم، لأنه مشارك في الجريمة وهو جزء من الأدوات التي تستخدم لتكريس هذا الواقع، ناهيك عن المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة التي يصدق في تعاملها مع الضعفاء وخاصة المسلمين قول الشاعر:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأمرون وهم شهود
ولا حتى الدول التي صمت آذاننا من كثرة تردادها وتباكيها عن الشعارات البراقة مثل: حقوق الإنسان الديموقراطية، والعدالة والمساواة وسيادة القانون، كلا لم ينصف المسلمين أحدٌ ولم يكفكف دموعهم أحد ولا يتوقع حدوث مثل ذلك في قابل الأيام.
تحت وطأة هذه الحملة الشرسة وهذه الأرواح التي تزهق، وهذه السبل التي تضيق تثور في النفوس تساؤلات كثيرة مثل: أما آن لهذا الليل أن ينجلي ولهذه السحابة أن تنقشع؟ هل كتب الذل والهوان على أمة الإسلام في ظل الأوضاع التي تعيشها الآن؟ أما لهذه الغطرسة الأمريكية من نهاية أو رادع؟ وبمعنى أدق: متى يتحقق الوعد الذي قطعه الله على نفسه بنصرة دينه والتمكين لأوليائه؟ أي: متى نصر الله؟.
قال عز من قائل: [أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله؟ ألا إن نصر الله قريب][البقرة: 214].
يقول سيد قطب - رحمه الله -: "... إن هذا السؤال من الرسول والذين آمنوا معه. من الرسول الموصول بالله، والمؤمنين الذين آمنوا بالله. إن سؤالهم[متى نصر الله؟] ليصور مدى المحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة. ولن تكون إلا محنة فوق الوصف، تلقي ظلالها على مثل هاتيك القلوب، فتبعث منها ذلك السؤال المكروب: [متى نصر الله].. "[1].
2 معنى الانتصار وحقيقته:
هو التمكين لدين الله، وظهور الإسلام على سائر الأديان، وعلو راية التوحيد عالية خفاقة، وطمس رايات الكفر والشرك والظلم والاستبداد، أو على الأقل خفوت صوتها وعدم عبثها بالمؤمنين دون أن يكون هناك رادع يضع حداً لغطرستها.
هذا هو معنى النصر الذي تشرئب إليه أعناق المؤمنين، وتتطلع إليه أفئدتهم، وهو بهذا المفهوم تحقيق للوعد الذي قطعه الله - سبحانه وتعالى- على نفسه في كتابه الكريم، حيث قال: [وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض، كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً، يعبدونني لا يشركون بي شيئاً][النور: 55].
فحقيقة الانتصار في الدنيا هو الاستخلاف والتمكين في الأرض، وذلك بجعل الممكن لهم، وهم حملة الحق، أئمة الناس والولاة عليهم، وكنتيجة منطقية وأثر مباشر لذلك استبدال حال الخوف والزلزلة التي كان يعيشها المؤمنون بحال الأمن، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان وما يترتب على سوادها من استقرار في النفوس والمجتمعات.
لكن لفت انتباهي أنه أثناء الحديث عن هذا الموضوع وعن مقارعة المؤمنين لأعداء الله ذكرت الجنة قبل أي أمر آخر:
- قال - تعالى -: [أم حسبتم أن تدخلوا الجنة.. ]الآية.
- وقال - سبحانه -: [إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله، فَيَقْتلُون ويُقْتَلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن][التوبة: 111].
- وقال في سورة الصف: [يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار إلى قوله وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب][الصف: 10 13].(15/288)
- وقال في سورة النساء: [فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً][الآية: 74].
فيلاحظ من خلال هذه الآيات وأضرابها تقديم أمر الجنة على الظفر بالأعداء والتغلب عليهم، وذكر هذا الأمر بهذا الترتيب أريد منه تحقيق أمرين في غاية الأهمية والعلم عند الله.
1 الأمر الأول: أن النصر الحقيقي والنهائي لكل مؤمن هو الفوز بالجنة والنجاة من النار[فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز]، [وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة]، وتثبيت هذا الأمر وتقديمه حتى تتجرد النفوس من حظوظ الدنيا العاجلة ومطامعها، حتى وإن كان في ذلك إعلاء كلمة الله والنيل من أعدائه، فيجب أن يستحضر المؤمن على الدوام أن هدفه الأسمى هو نيل رضا الله والفوز بالجنة، والأمور الأخرى يجب أن تكون تبعاً لتحقيق هذا المقصد: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".
إن توطين هذا الأمر في سويداء النفوس ليكون واقعاً عملياً يحياه من يريد التمكين لهذا الدين ليس بالأمر الهين اليسير. لذا فإنه يحتاج إلى جهود تربوية كبيرة، وتقديم تضحيات جسام قد يتعدى أجلها وأمدها أجيالاً من الأمة قبل تحقيق الموعود المقطوع به المتمثل في ظهور الدين والتمكين لأوليائه. ولعل في النماذج التي حفظتها لنا كتب السير والمغازي عن الجيل الأول ما يعضد هذا الذي ذهبنا إليه.
2 الأمر الثاني: هو أنه قد تمر بالمسلمين ظروف لا يستطيعون فيها تحقيق أمر التمكين، فهل هذا الوضع مسوغ لهم لكي يرفعوا الراية البيضاء؟ ليكثروا من الحوقلة والاسترجاع دون أن يحاولوا جاهدين إلى الأخذ بالأسباب التي ترفع عنهم هذه الذلة والمسكنة؟ فربطهم بأمر الجنة فيه حافز لهم لأن يعملوا تحت كل الظروف، يستوي في ذلك زمن الاستضعاف وغيره، من أجل التمكين لدين الله، وذلك حتى تبرأ ذمتهم أمام الله على أقل تقدير وهم يبذلون وينافحون ضمن ما لديهم من إمكانات.
وقد وقعت على كلام جميل نقله ابن كثير في تفسيره نقلاً عن الطبري - رحمه الله -، وذلك عند قول المولى - عز وجل -: [إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد]، فيه إضافة هامة لمعنى النصر الذي ذكره الله في كتابه واعداً به عباده المؤمنين.
"قد أورد أبو جعفر ابن جرير - رحمه الله تعالى - عند قوله - تعالى -: [إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا]سؤالاً، فقال: قد عُلم أن بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قتله قومه كيحيى وزكريا وشعياء، ومنهم من خرج من بين أظهرهم إما مهاجراً كإبراهيم، وإما إلى السماء كعيسى، فأين النصرة في الدنيا؟ ثم أجاب عن ذلك بجوابين:
أحدهما: أن يكون الخبر خرج عاماً والمراد به البعض فإن هذا سائغ في اللغة.
والثاني: أن يكون المراد بالنصر الانتصار لهم ممن آذاهم وسواء كان ذلك بحضرتهم أو في غيبتهم أو بعد موتهم، كما فعل بقتلة يحيى وزكريا وشعياء سلط عليهم من أعدائهم من أهانهم وسفك دماءهم.
وقد ذكر أن النمرود أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وأما الذين راموا صلب المسيح - عليه السلام - من اليهود فسلط عليهم الروم فأهانوهم وأذلوهم وأظهرهم الله - تعالى - عليهم، ثم قبل يوم القيامة سينزل عيسى ابن مريم - عليه الصلاة والسلام - إماماً عادلاً وحاكماً مقسطاً فيقتل المسيح الدجال وجنوده من اليهود، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام، وهذه نصرة عظيمة.
وهذه سنة الله - تعالى - في خلقه في قديم الدهر وحديثه، أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا ويقر أعينهم ممن أذاهم، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (يقول الله - تبارك و تعالى -: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)[2]، وفي الحديث الآخر: (إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب)، ولهذا أهلك الله - عز وجل - قوم نوح، وعاداً، وثمود، وأصحاب الرس، وقوم لوط، وأهل مدين، وأشباههم وأضرابهم ممن كذب الرسل وخالف الحق، وأنجى الله - تعالى - من بينهم المؤمنين فلم يُهلك منهم أحداً، وعذب الكافرين فلم يفلت منهم أحداً، قال السدي: لم يبعث الله - عز وجل - رسولاً قط إلى قومه فيقتلونه، أو قوماً من المؤمنين يدعون إلى الحق يُقتلون، فيذهب ذلك القرن حتى يبعث الله - تبارك و تعالى - لهم من ينصرهم ويطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم في الدنيا. قال: فكانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا وهم منصورون فيها.
وهكذا نصر الله نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه على من خالفه وناوأه وكذبه وعاداه؛ فجعل كلمته هي العليا ودينه هو الظاهر على سائر الأديان، وأمره بالهجرة من بين ظهراني قومه إلى المدينة النبوية، وجعل له فيها أنصاراً وأعواناً، ثم منحه أكتاف المشركين يوم بدر فنصره عليهم، وخذلهم، وقتل صناديدهم، وأسر سراتهم، فاستاقهم مقرنين في الأصفاد، ثم مَنَّ عليهم بأخذه الفداء منهم، ثم بعد مدة قريبة فتح عليهم مكة، فقرت عينه ببلده، وهو البلد المحرم الحرام المشرف المعظم... " أهـ.(15/289)
وهناك مسألة أخيرة لابد من الوقوف عندها ملياً وهي مسألة ما بعد النصر، وهو المحافظة عليه والعمل وفق أوامر ونواهي الذي أمدنا بالنصر وهو الله جل ذكره، يقول الحق - سبحانه وتعالى- في سورة الأعراف: [قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، قالوا: أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا، قال: عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون][الأعراف: 128 129].
وقال عز من قائل في سورة يونس: [ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجآءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزى القوم المجرمين، ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون][يونس: 13-14].
فإهلاك الله للقوم الظالمين سنة ماضية من قديم الزمان وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. لكن المحك الحقيقي لأهل الحق والخير هو ماذا سيعملون إذا مكنهم الله من الأرض، هل سيقيمون شرعه ويبسطون عدله ورحمته بين الناس؟، أم لا يعدو الأمر أن يكون مجرد اختلاف في الشعارات والواجهات ليسام الناس سوء العذاب تحت يافطة الدين وشعاره هذه المرة؟
إننا عندما نقرر هذا الأمر ليس من أجل أن نتهيب صعود الجبال وتحقيق الغايات والمرامي النبيلة لنبرر أو نأنس بما نحن فيه من ذلة ومسكنة، كلا وإنما أريد التأكيد على مدى عظم المسؤولية وثقل الأمانة التي تناط بمن يريد أن يحكّم شرع الله ويتحاكم إليه.
3 مثل الذين خلوا من قبلكم:
قال ابن كثير - رحمه الله -: أي سنتهم، قال - تعالى -: [فأهلكنا أشد منهم بطشاً ومضى مثل الأولين]، وقال جل ذكره: [فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلا][فاطر: 43].
مثل الذين خلوا من قبلنا هاهنا هو قوله عز من قائل: [ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا]. إلى أي مدى: [حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله؟ ].
ويقول - سبحانه -: [ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا]، وفي هذا النص إشارة إلى استمرارية هذا الأمر وإصرار الأعداء عليه إلى الغاية التي ذكرت في الآية، وهو ما يشعر بتجدد الأساليب والتفنن في استحداث الوسائل بما يلائم كل عصر ومصر حسب الإمكانات المادية والنظم والقوانين التي يتحكم في أزمتها الملأ والمترفون. وقال - سبحانه -: [ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم][محمد: 31].
قال ابن كثير معلقاً على آية [3]: [أم حسبتم أن تدخلوا الجنة]: "قبل أن تبتلوا وتختبروا وتمتحنوا كما فعل بالذين من قبلكم من الأمم … خوفوا من الأعداء زلزالاً شديداً وامتحنوا امتحاناً عظيماً كما جاء في الحديث الصحيح عن خباب بن الأرت قال: قلنا يا رسول الله ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال: "إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه" ثم قال: "والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون"... وقد حصل من هذا جانب عظيم للصحابة - رضي الله تعالى عنهم - في يوم الأحزاب كما قال - تعالى –[إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً. وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً ]الآيات. ولما سأل هرقل أبا سفيان هل قاتلتموه؟ قال: نعم. قال: فكيف كانت الحرب بينكم؟ قال: سجال، يدال علينا وندال عليه، قال: كذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة" اهـ.
ويقول القرطبي [4]: "نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة، والحر والبرد، وسوء العيش، وأنواع الشدائد؛ وكان كما قال الله - تعالى -: [وبلغت القلوب الحناجر][الأحزاب: 10]، وقيل: نزلت في حرب أحد؛ نظيرها في آل عمران [أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم][آل عمران: 142]، وقالت فرقة: نزلت الآية تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين، وآثروا رضا الله ورسوله، وأظهر اليهود العداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأسر قوم من الأغنياء النفاق؛ فأنزل الله تطييباً لقلوبهم: [أم حسبتم ]… و[مثل]معناه شبه، أي ولم تمتحنوا بمثل ما امتحن به من كان قبلكم فتصبروا كما صبروا… فاستدعاهم - تعالى - إلى الصبر، ووعدهم على ذلك بالنصر فقال: [ألا إن نصر الله قريب]. والزلزلة: شدة التحريك، تكون في الأشخاص وفي الأحوال، يقال: زلزل الله الأرض زلزلة وزلزالاً بالكسر فتزلزلت: إذا تحركت واضطربت، فمعنى[زلزلوا]خوفوا وحركوا … وقرأ نافع[حتى يقول]بالرفع، والباقون بالنصب … قال النحاس: فعلى هذا القراءة بالرفع أبين وأصح معنى، أي وزلزلوا حتى الرسول يقول، أي حتى هذه حاله، لأن القول إنما كان عن الزلزلة غير منقطع منها، والنصب على الغاية ليس فيه هذا المعنى … قال الكلبي: هذا في كل رسول بعث إلى أمته وأجهد في ذلك حتى قال: متى نصر الله؟. وروي عن الضحاك قال: يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وعليه يدل نزول الآية، والله أعلم.. وأكثر المتأولين على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرسول والمؤمنين، أي بلغ الجهد بهم حتى استبطؤوا النصر؛ فقال الله - تعالى -: [ألا إن نصر الله قريب]، ويكون ذلك من قول الرسول على طلب استعجال النصر لا على شك وارتياب" اهـ.(15/290)
ويقول سيد - رحمه الله - [5]: "تنتهي هذه التوجيهات [القرآنية] بالتوجه إلى المؤمنين الذين كانوا يعانون في واقعهم مشقة الاختلاف بينهم وبين أعدائهم من المشركين وأهل الكتاب، وما كان يجره هذا الخلاف من حروب ومتاعب وويلات.. يتوجه إليهم بأن هذه هي سنة الله القديمة، في تمحيص المؤمنين وإعدادهم ليدخلوا الجنة، وليكونوا لها أهلاً: أن يدافع أصحاب العقيدة عن عقيدتهم، وأن يلقوا في سبيلها العنت والألم والشدة والضر، وأن يتراوحوا بين النصر والهزيمة، حتى إذا ثبتوا على عقيدتهم لم تزعزعهم شدة، ولم ترهبهم قوة، ولم يهنوا تحت مطارق المحنة والفتنة.. استحقوا نصر الله، لأنهم يومئذ أمناء على دين الله، مأمونون على ما ائتمنوا عليه، صالحون لصيانته والذود عنه، واستحقوا الجنة لأن أرواحهم قد تحررت من الخوف وتحررت من الذل، وتحررت من الحرص على الحياة أو على الدعة والرخاء. فهي عندئذ أقرب ما تكون إلى عالم الجنة، وأرفع ما تكون عن عالم الطين" اهـ.
وهكذا نخلص من خلال ترتيب آية}أم حسبتم أن تدخلوا الجنة …{ونسقها تم تعليق أهل التفسير عليها أن الهدف الأسمى الذي يريد المؤمن تحقيقه هو الفوز بالجنة ثم تحقيق أمر إعزاز هذا الدين والتمكين له، لكن لا بد له من طريق وسبيل يسلكه من أجل الوصول إلى ذلك، وقد اقتضت حكمة العزيز العلام أن يمر ذلك السالك بسبيل الابتلاءات والمحن والشدائد، مهما كان المنهج الذي يختاره.
-------------------
[1] في ظلال القرآن، 1/218 219.
[2] رواه البخاري في الرقائق [6502].
[3] - تفسير القرآن العظيم، [1/230].
[4] الجامع لأحكام القرآن، [1/24-25].
[5] - في ظلال القرآن، [1/218].
ذو الحجة - 1419 هـ، نيسان - (أبريل) - 1999 م
http://www.alsunnah.org المصدر:
============ =
سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله
محمد بن شاكر الشريف
الدعوة إلى الله تعالى عبادة من أشرف العبادات وعمل من أجل الأعمال لا يقوم به على وجهه الصحيح إلا أولو العزم من الرجال لما يكتنفه من مشاق ومسئوليات وخاصة في زمان غربة الدين ، والدعوة إلى الله مهمة رسل الله إلى الناس من لدن آدم عليه السلام إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذين جعلهم الله تعالى واسطة بينه وبين خلقه يبلغون عنه شرعه إليهم ، ويكفي في بيان شرف هذا العمل قوله تعالى : (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين )* أي : لا أحسن من ذلك على الإطلاق، لكن الدعوة عمل ، والعمل لا يؤتي ثماره المرجوة منه إلا أن يؤدى على وجه من الإتقان والكمال وهذا هو ما يحبه الله تعالى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) والإتقان في الدعوة أجل وأخطر من أي عمل آخر لأن الدعوة يعول عليها في تحقيق الغاية من الخلق قال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) فكان في عدم إتقان الدعوة والخطأ فيها سبيل من سبل الصد عن دين الله وهو ذنب جسيم ، والمسلم في الدعوة إلى الله تعالى يقابل بيئات مختلفة ويتعامل مع أصناف شتى من الناس في ظل ظروف متباينة لذا كان المسلم في حاجة ماسة إلى المعرفة بسياسة الدعوة في دعوته الناس إلى دين ربهم العزيز الحميد، السياسة التي يكون هدفها العمل على تحقيق الغاية من الخلق بالطرق المناسبة لتحقيق الهدف في ظل مراعاة البيئات المتعددة وأصناف الناس والظروف المحيطة بالداعية والمدعو، وهذا هو الإصلاح الحقيقي الذي يعمد إلى تحقيق المقاصد الحميدة بأقصى قدر ممكن في ظل الأوضاع والظروف القائمة من غير أن تتدخل تلك الظروف أو الأوضاع فتحرف مسار المقاصد والأهداف،فإن السياسة الحقة هي عمل ما فيه الصلاح، ولذلك كانت دعوات الرسل جميعهم دعوة للإصلاح كما قال نبي الله شعيب عندما دعا قومه إلى توحيد الله وعبادته والالتزام بما شرعه لهم من الأحكام : ( إن أريد إلا الإصلاح ) فالإصلاح هو منهج الرسل وأتباع الرسل، بعكس الإفساد الذي هو منهج المنافقين ومعارضي رسل الله رغم تبجحهم بزعم الصلاح قال الله تعالى عن المنافقين : ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون إلا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) ، ومن هنا فإن الله ينهى عن طاعة المسرفين أصحاب الفساد في الأرض فيقول : ( ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) والإصلاح أمر حسن جميل تدركه النفوس بما أودع الله في فطرتها من حب الجمال والحسن حتى إن الإنسان ليدركه قبل أن تصل إليه في ذلك شريعة قال الرجل الذي من قوم موسى عليه السلام قبل أن تأتي موسى الرسالة : ( إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ) ولا أحد أحسن في سلوك طريق السياسة النافعة أو الإصلاح من رسل الله الذين أرسلهم لقيادة العالمين في طريق الهداية والخير وفي هذا المقال نستعرض بعضا من الملامح العامة لأساليب وطرائق السياسة الشرعية التي اتبعها الرسل في الدعوة إلى الله تعالى لتكون نبراسا للدعاة يقتفون أثرها وينهجون على منوالها، فمن ذلك:(15/291)
1- مراعاة الظروف المحيطة وأحوال البيئة التي تتم فيها الدعوة، فينبغي على الداعية دراسة البيئة دراسة جيدة فيعرف عادات الناس وأخلاقهم ونقاط الضعف والقوة لديهم كما يعلم عقائدهم وعباداتهم وما يتعلق بهم حتى تكون خطواته الدعوية متناسقة مع تلك الأوضاع للحصول على أكبر قدر من النتائج الحسنة في الدعوة، وليس معنى ذلك الانحناء أمام هذه الظروف والأحوال وجعلها تعرض نفسها أو معطياتها على الدعوة بحيث تؤثر في مضمون الدعوة بالتغيير أو التمييع ، ولكن الداعية يتصرف مع مراعاة الظروف فلا هو يستسلم لهذه الظروف ولا هو يغالبها –إذا كانت أكبر من استطاعته – فتغلبه، ولنأخذ المثال التطبيقي على ذلك من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فعندما أوحى الله إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كانت البيئة المحيطة كلها بيئة شركية ، فكانت مواجهتهم له في بادئ الأمر فيها نوع من المغالبة التي لا يستطيعها الإنسان بمفرده هذا من جانب ومن الجانب الآخر فقد يموت الداعية أو يقتل قبل أن يتمكن من كسب أحد من الناس ليقوم بمهام الدعوة من بعده، وهذا قد يؤدي في النهاية إلى إفشال المشروع الدعوي برمته كما أن الرضوخ لهذا الواقع والاستسلام لضغوطه بحيث تكون مهمة الدعوة إجراء بعض الترقيعات على الواقع والتي قد لا تؤثر كثيرا ، كان في هذا أيضا انحراف بالدعوة عن طريقها ، فماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم إزاء ذلك الوضع ؟ لقد سلك الرسول صلى الله عليه وسلم طريقا وسطا بحيث يحافظ على نقاء الدعوة وتوصيل الحق كاملا غير منقوص في الوقت الذي لا يغالب فيه الواقع الذي هو فوق الطاقة المحدودة للفرد، فقد لجأ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الدعوة الفردية السرية، فبدأ بدعوة من يأنس فيهم الرشد ورجاحة العقل في إدراك الحق، فحافظ بذلك على نقاء الدعوة مع أمنه من مضايقات المشركين ومغالبتهم له في أول الأمر ، وليس في هذا تقصير من ناحية عدم تعميم الدعوة لأن هذا القدر كان هو الممكن وكان هذا من السياسة الحكيمة التي اتبعها الرسول في توصيل الدعوة وتبليغها وبعض الناس لا يفطنون لذلك فيريد أن يبلغ الشريعة كلها من غير نظر إلى ما حوله فيصطدم بما يعوقه عن تحقيق قصده وربما صرفه ذلك العجز عن الدعوة نهائيا وهو إنما أُتي من عدم علمه بالسياسة الشرعية في الدعوة وظنه أن كل ما هو معلوم لديه ينبغي قوله وإذاعته ولشيخ الإسلام رحمه الله تعالى كلام نفيس في ذلك عما ينبغي على العالم أن يقوم من البيان والتبليغ فيقول رحمه الله تعالى : (فالعالم في البيان والبلاغ كذلك ; قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إلى بيانها . يبين حقيقة الحال في هذا أن الله يقول : (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين : بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله والقدرة على العمل به . فأما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي وإذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه : كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالجنون مثلا وهذه أوقات الفترات فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئا فشيئا بمنزلة بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعث به شيئا فشيئا ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به ولم تأت الشريعة جملة كما يقال : إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع . فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها . وكذلك التائب من الذنوب ; والمتعلم والمسترشد لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم فإنه لا يطيق ذلك وإذا لم يطقه لم يكن واجبا عليه في هذه الحال وإذا لم يكن واجبا لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداء بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط . فتدبر هذا الأصل فإنه نافع . ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الأشياء وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل والله أعلم . ومما يدخل في هذه الأمور الاجتهادية علما وعملا أن ما قاله العالم أو الأمير أو فعله باجتهاد أو تقليد فإذا لم ير العالم الآخر والأمير الآخر مثل رأي الأول فإنه لا يأمر به أو لا يأمر إلا بما يراه مصلحة ولا ينهى عنه إذ ليس له أن ينهى غيره عن اتباع اجتهاده ولا أن يوجب عليه اتباعه فهذه الأمور في حقه من الأعمال المعفوة لا يأمر بها ولا ينهى عنها بل هي بين الإباحة والعفو . وهذا باب واسع جدا فتدبره) .(15/292)
لكن الدعوة السرية الفردية اللتي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر وإن كانت مهمة لمرحلة الابتداء أو شرطا في النجاح والاستمرار لكنها لا تصلح أن تكون منهجا عاما إلى آخر المدى؛ إذ لا يمكن لدعوة عالمية يرجى لها الذيوع والانتشار في مشارق الأرض ومغاربها أن تعتمد هذا الأسلوب فقط إلى النهاية فإن في هذا إضعاف شديد للدعوة بل وأد لها، لذلك فما أن استجاب لهذه الدعوة نفر من الصحابة الأجلاء وخرجت الدعوة عن حيز الانحصار في شخص واحد بحيث يؤمن من وأدها والقضاء عليها، وما أن وجد الرسول صلى الله عليه وسلم أعوانا على الدعوة حتى بادر إلى الأسلوب الآخر أسلوب الإعلان والبوح وإظهار الدعوة والجهر بها بين الناس ؛ إذ هذا الأسلوب هو الكفيل بنشر الدعوة وبلوغها للناس على نطاق واسع في زمن قليل جدا إذا قورن بزمن الأسلوب الأول، لكن ما أن جهر الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة حتى عاداه المشركون وصدوا الناس عن دعوته ولم يكن هذا في الحقيقة نتيجة لأمر عارض كطريقة عرض الدعوة مثلا ولكن كانت هذا المعارضة نتيجة تناقض حقيقي بين دعوة الإسلام ودعوة الشرك فالإسلام قائم على عبادة الله وحده والعدل بين الناس، وأما الشرك فهو قائم على عبادة غير الله والعلو في الأرض بغير الحق، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما اطمأن على الدعوة ظل سائرا في طريقه لم يثنه عن ذلك ما ظهر من معارضة المشركين لأن هذا المعارضة من طبيعة التناقض التام بين دعوة الحق ودعوة الباطل، وعلى الدعاة إلى الله تعالى على بصيرة أن يستفيدوا من هذه السياسة التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله تعالى ، فعليهم أن يراعوا الظروف والأحوال في الدعوة مع الحذر من أمرين: أحدهما : التفريط في مضمون الدعوة أو عرضها ناقصة أو مبتورة أو خلطها بأمور مخالفة بزعم ترويجها أو التخلص من بعض القيود، وثانيهما: تعرض الدعوة للوأد أو القضاء عليها نتيجة للمغالبات التي تفوق طاقتهم، ومن البين أن الأسلوب أو الطريقة التي تتبع في ذلك قد تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى آخر اعتمادا على أوضاع بيئة الدعوة وظروفها وإمكانات الدعاة وقوتهم ولا شك أن هناك أساليب كثيرة يمكن أن تتحقق بها الدعوة مع تفادي المحذورين المذكورين، ومن هذه الأساليب الأسلوب الذي اتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من باب السياسة الشرعية وليس من قبيل التشريع الدائم الذي ينبغي على الدعاة اتباعه وسلوكه في جميع الظروف والأحوال.
2-مراعاة المصالح والمفاسد : الشريعة كلها مبناها على المصالح فما أمرت به فهو المصلحة الخالصة أو الراجحة وما نهت عنه فهو المفسدة الخالصة أو الراجحة، وإذا تعارضت المصالح والمفاسد في الأمر الواحد بحيث لا يخلو من أحدهما بل يجتمعان معا فإنه يقدم الأرجح منهما فما كانت مصلحته أرجح من المفسدة عمل به وعوِّل عليه وما كانت مفسدته أرجح من مصلحته ترك ولم يعول عليه، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المراعاة في موقفه من أذى المشركين له ولأتباعه في مكة حينما جهر بدعوته فقد بدأ المشركون في الصد عن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحذير القادمين إلى مكة منه وحرصهم على ألا يجلس إليه أحد، كما بدأوا في إيذاء المسلمين وإهانتهم وتعذيب الضعفاء منهم وقد كان في ذلك ظلم شديد للمسلمين والعربي نفسه أبية لا تحتمل الضيم ولا تقبله حتى قال قائلهم :
و لا يقيم على ضيم يسام به *** إلا الأذلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته *** وذا يشح فلا يرثى له أحد(15/293)
فكيف إذا انضاف إلى ذلك الإسلام؟! ورد الظلم وإباء الضيم مصلحة ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ) لكن كان في رد الظلم والانتصار للنفس في ذلك الظرف إلى جانب تلك المصلحة مفسدة كبيرة تربو عليها ، فكانت السياسة الشرعية في ذلك الوقت منع المسلمين من الرد على المجتمع الجاهلي والأمر بالصبر واحتمال الأذى؛ فإن أحدا لا يدري في تلك الظروف مع قلة المسلمين وضعفهم و قوة المجتمع الجاهلي ماذا يمكن أن تسفر عنه المواجهات بين المسلمين وعدوهم، فقد تتمخض عن معركة كبيرة يفنى فيها المسلمون أو أكثرهم ، أو قد تتدخل القبائل دفاعا عن أبنائها ( ولو كانوا مسلمين بدافع العصبية الجاهلية ) مما يمكن أن تنشأ عنه ما يعرف بالحرب الأهلية مما لا يوفر ظروفا مساعدة على الدعوة بل تتقوقع الدعوة في هذه الحالة وتنحصرأو غير ذلك من الاحتمالات التي تخسر فيها الدعوة كل ما حققته من مكاسب، فكان احتمال الضيم على ما فيه من إيلام وقسوته على النفوس الأبية أهون شرا وأقل ضررا من محاولة دفع الظلم، لكن هذه المراعاة للمصالح والمفاسد لا تتم مع الاستكانة والشعور بالمذلة أو التعرض للإبادة الكاملة، لكنها تكون مع الاستعلاء بالدين والشعور بالعزة ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأجواء وهو يأمر أصحابه بالصبر يبشرهم بالعز والنصر والتمكين ويقسم على ذلك ففي حديث خباب بن الأرت أنه قال: ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ) وعلى ذلك فإن من السياسة الشرعية أن يراعي الدعاة والعاملون المصالح والمفاسد المترتبة على الأعمال والتصرفات فإن العمل لا يكفي فيه أن يكون ظاهره مشروعا إذا علم أنه يترتب عليه مفسدة أكبر من المصلحة التي يحققها ، وهذا يدخل في القاعدة الفقهية المعروفة بـ( سد الذرائع ) وهي أن العمل المشروع إذا كان ذريعة إلى مفسدة أكبر فإنه يمنع ، ومما ينبغي ملاحظته في هذا الباب أن المصالح والمفاسد المترتبة على بعض الأعمال لا تظل أبد الدهر هكذا ، فإن المصالح والمفاسد المترتبة على أوضاع تتغير بتغير تلك الأوضاع ، ولذلك فإن المسلمين بعدما انتشرت دعوتهم وقويت شوكتهم أذن لهم في القتال ثم أمروا به ولم يعد الرد على المشركين مفسدة ينبغي لأجلها تحمل الظلم والسكوت عن مواجهته ، ونظرا لاتساع رقعة بلاد المسلمين اليوم فإن المصالح والمفاسد المرتبطة بالأوضاع تختلف من مكان لآخر لاختلاف الأوضاع فما يكون مفسدة في مكان قد لا يكون مفسدة في مكان آخر وما يكون مصلحة في مكان قد لا يكون مصلحة قي مكان آخر ، والمصلحة والمفسدة إنما تقاس بمعيار الشرع وليس بمعيار المكسب والخسارة المادية فقط، فقد دل غلام الأخدود الملك الكافر على كيفية قتله وكان ذلك في ظاهره مفسدة لتمكين الكافر من التسلط على نفس مسلمة ولكنه كان بمقياس الشرع مصلحة راجحة لأن هذا التصرف كان سببا ووسيلة إلى إحياء نفوس كثيرة، وكذلك إذا نزل الكافر الباغي المعتدي بأرض المسلمين فإن التصدي له ومدافعته هو المصلحة وإن ترتب على ذلك مفسدة إهلاك للحرث والنسل لأن تركه وعدم مدافعته يؤدي إلى إهلاك الدين الذي هو مقدم على الحرث والنسل ثم هو بعد ذلك لن يحافظ على الحرث والنسل.(15/294)
3- الحرص على هداية المدعوين أولا: الداعية له هدف عظيم وهو هداية الناس إلى دين الله وهذا هو ما يحرص عليه ويسعى في سبيل تحقيقه ويلتمس له الوسائل والطرق المناسبة رغبة في إخراج الناس من الظلمات إلى النور للفوز برضا خالقهم، وليس هم الداعية محصورا في إقامة الحجة على الناس وإن كان ذلك من مقتضيات دعوته، فعندما يكون هم الداعية إقامة الحجة وكفى فإنه لن يجتهد اجتهاد الحريص على هداية الناس وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته حريصا جدا على هداية الناس وكان يبذل لهم كل ما يدعوهم إلى الاهتداء وكان يحزن حزنا شديدا على عدم استجابة الناس للدعوة حتى خاطبه ربه في ذلك وقال له : ( لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ) وقال: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) وقال : (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ) باخع نفسك : أي مهلكها، فلم يكن هم الرسول صلى الله عليه وسلم محصورا في مجرد إقامة الحجة عليهم بل كان همه الأكبر هو في قيادهم إلى الإيمان وقد كان صلى الله عليه وسلم يسلك في ذلك كل طريق من شأنه أن يحقق مراده وهذه عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تخبرنا أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ( هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا) وعلى ذلك فإن من السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله تعالى أن تظهر من الداعية الرغبة الحقيقية والحرص على هداية الناس والتحسر على ما هم فيه من الضلال والبعد عن دين الله تعالى ولا موقفه منهم موقف المتشفي فيهم الذي وقف جهده وهمه في الإغلاظ عليهم ، وهذه السياسة الشرعية في الحرص على هداية الناس ليست قاصرة على شريعتنا بل هذا ما أوصى الله به موسى وأخاه هارون عندما أرسلهما لدعوة فرعون قال الله لهما : ( فقولا له قولا لينا لعله يذكر أو يخشى ) فالموقف موقف دعوة وترغيب في الهداية فكان المناسب لذلك هو القول اللين الذي من شأنه يقود إلى الاستجابة ، وأما الإغلاظ في القول والشدة في التصرف في هذه الحالة يكون مدعاة للنفور والاستكبار، وهذا نوح عليه السلام قال لقومه : ( اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ...) إلى أن يقول: ( ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا..) كل ذلك حرصاً منه ورغبة في هدايتهم، فالتماس الوسائل واتخاذ الطرق والأساليب المؤدية لذلك هو هم الدعاة الحقيقي وبعد هذا الجهد الكبير فهناك من يشرح الله صدره ويهديه، ولكن مع ذلك تبقى بقية ظالمة فاجرة متكبرة لم يرد الله هدايتها، فإذا وصلت فئة إلى هذا الحد وانقطع أمل الداعية في رجوعهم للحق فإن على الداعية أن يواجه الظالم الكفور بما يناسبه مع مراعاة ما تقدم ذكره من المصالح والمفاسد ، وليس من السياسة الشرعية تركه والحالة هذه يتمادي في غيه ويزيد من شططه إذا لم تكن هناك مصلحة ترتجى من وراء ذلك، وقد قال الله تعالى في قصة موسى عليه السلام مع فرعون لعنه الله : ( ولقد ءاتينا موسى تسع آيات بينات فسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ) فرد عليه موسى عليه السلام وقال له :( لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ) فبعد كل هذه الآيات البينات يلج فرعون في غيه ويرفض الإيمان ويتهم موسى بالسحر فما كان من موسى عليه السلام إلا أن واجهه بأنك تعلم يا فرعون علما يقينا أن هذا ليس بسحر وأن هذه آيات أنزلها رب السموات، ثم يتهدده بقوله : وإنك يا فرعون مثبورا أي هالكا ممقوتا ناقص العقل،فليس من السياسة الشرعية في الدعوة أن نقف أبد الدهر عند قوله تعالى:( فقولا له قولا لينا ) وليس من السياسة أيضا أن نبدأ الدعوة بـ( وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ) وإنما السياسة الحقة هي مقابلة كل موقف بما يناسبه ففي موقف الدعوة وقبل استحكام العناد يأتي قوله تعالى : (فقولا له قولا لينا ) وفي موقف الجهاد والجلاد يأتي قوله تعالى: ( وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ) وقوله تعالى: ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) وقوله : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ) ومن ذلك هذا الذي نزل فيه قوله تعالى : ( أولم يرى الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم ) قال قتادة: (ذكر لنا أن أبي بن خلف أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل ففته ثم ذراه في الريح ثم قال يا محمد من يحيي هذا وهو رميم قال الله يحييه ثم يميته ثم يدخلك النار قال فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد) فقابله الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الشدة في الجواب فهذا الذي يناسب موقف المعاندين المتجبرين (يتبع)(15/295)
4- عدم التقيد بالأرض أو الارتباط بالأوطان: فقد تضيق أرض الأوطان على رحابتها بالدعاة إلى الله بحيث يحاصرون من كل جهة فلا يتمكنون من الدعوة أو تبليغ الأمانة التي ائتمنهم الله تعالى على تبليغها لخلقه ، وقد لا يقف الأمر عند حدود المنع والتضييق بل يتعداه إلى أن يأتمر أهل الظلم والضلال بالدعاة ليقتلوهم أو يخرجوهم وينفوهم من ديارهم أو يحبسوهم رجاء فتنتهم وردهم إلى الجاهلية التي أنقذهم الله منها، وقد سجل القرآن الكريم هذه الأساليب كلها في محاربة المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول الله تعالى:" وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك..." الآية والإثبات هو الحبس والقيد والإخراج هو النفي والطرد والإبعاد، والقتل معروف وإذا لم تسمح لهم الأحوال باتباع تلك الأساليب لمنع الداعية من الدعوة إلى الله، أو لقوة الركن الذي يركن إليه من قبيلة أو عرف أو نظام، أو لعدم مواتاة الظروف لاتباع ذلك المنهج فإنهم يعمدون إلى فتنة الداعية بالإغراء كي يحولوه عن طريقته، وقد سجل أيضا القرءان الكريم هذا الأسلوب حيث يقول الله تعالى:" وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره..." الآية فماذا يفعل الداعية إزاء هذا الوضع الحرج ؟ هل يستسلم لذلك ويركن إلى بعض القواعد الفقهية و يتكئ عليها بغير ضوابطها الصحيحة كما يفعل ذلك بعض الناس الذين صعبت عليهم تكاليف الدعوة حتي يسوغ لنفسه مداهنتهم وترك مدافعتهم؟، إن للدعاة في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في كل شأنهم في العبادة والدعوة وفي السياسة وفي كل شيء ، لقد عانى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أشد المعاناة من إيذاء المشركين له في مكة المكرمة حتى قاطعوه هو وعشيرته وحاصروهم في الشعب حتى لم يجدوا ما يأكلونه، وضيقوا عليه كل التضييق وحاصروه أشد المحاصرة حتى يحولوا بينه وبين لقاء الوفود ودعوتهم إلى الله فماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ كان صلى الله عليه وسلم يسعى في مقابلة الحجيج وعمار بيت الله وزواره وكان يجتهد في المحافظة على سرية هذه اللقاءات حتى لا يسعى المشركون في إفسادها ، ولم يستسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم .لذلك بل حاول في اتجاه آخر وهو الخروج بالدعوة من الحصار الذي فرض عليها فقام برحلته المشهورة إلى الطائف على رجليه والتي تبعد عن مكة قرابة ثمانين كيلو متر كل ذلك في سبيل أن يكسر الطوق المضروب حول الدعوة وهو ما يعني أن المسلم لا يجوز له أن يتضعضع أمام الواقع ويستسلم له ولا يبحث عن مخارج أخرى بل عليه السعي والبحث وكلما لاح له بارق أمل فعليه أن يسلك السبيل إليه مهما كان في ذلك من مشقة، ولما بلغ الطغيان بالمشركين مبلغا عظيما يفوق قدرة بعض المسلمين أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة وبقي هو ومن يمكنه البقاء من المسلمين في مكة يواصلون مهمة الدعوة إلى الله إلى أن طفح الكيل بالكفار ولم يعودوا قادرين على تحمل بقاء الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم عزموا على قتله ووضعوا الخطة لذلك وشرعوا في تنفيذها، عندها لم يعد البقاء في مكة والحالة هذه يرجى منه تحقيق نفع للدعوة وأصبح البقاء في هذه الحالة من قبيل الإلقاء باليد إلى التهلكة أو من قبيل تقديم حب الأوطان والديار على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله وكلا الأمرين ممنوع في دين الله فقد قال الله تعالى :" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" كما قال تعالى:" قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين" وهذا يبين لنا جانبا من سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في عدم التمسك بالأرض والتقيد بالوطن على حساب الدعوة، وإذا نظرنا نظرة إجمالية في ذلك فسنجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ظل يدعو في مكة ثلاث عشرة سنة ولم يترك مكة مع أول صدود أهلها أو مع تأخرهم وإبطائهم في الاستجابة ما يبين أن من السياسة الشرعية في الدعوة ألا يستعجل الداعية إيمان الناس واهتدائهم بل عليه أن يبذل وأن يقدم ما دام هناك تقبل واستجابة ولو كان ذلك بطيئا أو ضعيفا، فإن الداعية لو كان كلما استعصت عليه محلة تركها وذهب إلى غيرها لم يكد يستقر به المقام ولم يكد يحقق شيئا وسيظل ينتقل من مكان إلى مكان من غير فائدة أو جدوى؛ إذ غالبية الناس تظل فترة على المتابعة والتقليد لما وجدوا عليه آباءهم ولا يتحولون عن ذلك إلا بعد جهد جهيد ومتابعة ومثابرة من الدعاة، ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ظل مثابرا على المقام في مكة وهو يواصل الدعوة بكل ما أمكنه من سبيل ولم يخرج منها إلا مكرها كما بين ذلك بقوله عن مكة حرسها الباري :" والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت" ، ومن الأمور التي ينبغي التفطن لها أن تكوين الرجال في مثل تلك البيئة المخالفة للدعوة المشاقة لها رغم صعوبته ومشقته لكنه يأتي في الغالب الأعم بعظماء الرجال لأنه لا يصبر على تلك الأحوال أو لا يستجيب للدعوة في ذلك الحين إلا من رسخ الإيمان عنده حتى صار مثل الجبل في ثباته ورسوخه، ولك أن تقيس ذلك بما كان عليه إيمان المهاجرين الأولين وثباتهم في الدين، ويتبين هذا من أن النفاق لم يظهر فيمن استجاب للدين في مكة بعكس من استجاب للدين عند ظهوره وفشوه فقد ظهر فيهم النفاق لأنه في مثل هذه الحالة يدخله الصادق الذي يرجو الله والدار الآخرة كما يدخله(15/296)
المنافق الذي يطمع في الحصول على المميزات، وأما عند الشدائد فلا يدخل إلا الصادقون،وقد نجحت تلك السياسة التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحفاظ على الدعوة وعلى الدعاة أما الدعاة فلم يحملهم ما لا يطيقون ولم يجعل ارتباطهم بالأرض والوطن مما يُحرص عليه وإن أضر بدينهم بل سمح لمن لا تسمح له أوضاعه القبلية بالحماية أو المنعة بالخروج إلى الهجرة أو الإسرار بالدين إلى حين الظهور والغلبة، وأما الحفاظ على الدعوة فبالمرابطة والتواجد وعدم إخلاء الساحة عند الشدة (ما لم تصل إلى حد القضاء على الدعاة وإفنائهم)، فالفئة التي لم تستطع تحمل الأذى خرجت إبقاء وحفاظا عليهم، والفئة القادرة على التحمل بقيت للقيام بالواجب، إلى أن وجد المسلمون أرضا تقلهم (المدينة) وجماعة تؤويهم وتحميهم (الأنصار) فانتقلوا إليها بكليتهم، فالأرض كلها لله والمسلم يبذر بذره في الأرض التي تقبلها حتى تؤتي أكلها :" والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا" فإذا ضيق على الدعاة في أوطانهم ولم يعد لهم إمكانية الدعوة لدين الله رغم توسلهم لذلك بمختلف السبل فإن أرض الله واسعة " ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله" وبهذا يتبين أن الهجرة في سبيل الله عندما تسد السبل على الدعاة وكذلك البقاء والقيام بالدعوة عندما يكون هناك أمل أو احتمال في الاستجابة كلاهما يتكامل في بيان معنى من معاني الجهاد والاجتهاد في تحقيق مرضاة الله فليس المهاجر في سبيل الله الذي يترك وطنه ومسقط رأسه ليحافظ على دينه جنانا خوافا خرج فارا بنفسه تاركا ما وجب عليه من الدعوة إلى الله، وليس من بقي بين القوم يدعوهم إلى الله متهورا هجاما على الأمور لا يقدرها حق قدرها، غير أن ترك الأوطان والهجرة منها ليس قدرا محتوما في مسير الدعوات وأنه ينبغي على كل داعية أن يهاجر من بلده كما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وإنما هي سياسة جزئية يُلجأ إليها عند الحاجة وإلا لو قدر أن أهل البلدة استجابوا للدعوة لم يكن هناك ما يسوغ الخروج، بل الخروج في هذه الحالة يعد تفريطا وتضييعا للدعوة وإماتة لها، فلو أن أهل مكة آمنوا بالرسول لمِّا دعاهم إلى الله من أول الأمر وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ليهاجر ويخرج من مكة يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم الذي تقدم " ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت"(15/297)
5- تقديم الأصول على الفروع: ومن السياسة في الدعوة إلى الله تقديم الأصول على الفروع إذ الفرع الذي لا أصل له مقطوع مبتوت وإن طال به الزمن، وتقديم ما يلزم وجوده لصحة الأقوال والأفعال على الأقوال والأفعال نفسها، وهذا يتبادر لكثير من الناس أنه أمر منطقي لا ينبغي الاختلاف حوله أو العمل بغيره، لكن عند التطبيق نجد هذا الأمر مهملا في كثير من الحالات وقد أشار إلى هذه السياسة وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه عندما أرسله إلى اليمن داعيا فقال له:" إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم وترد على فقرائهم فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس" وفي رواية أخرى للبخاري ومسلم " فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم ..."الحديث ففيه تقديم عبادة الله وتوحيده والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم على الصلاة والزكاة وسائر فروض الإسلام إذ لا يصح شيء من أداء هذه الفرائض إلا بعد الإيمان، ومن هنا قدم الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليمه لمعاذ في كيفية الدعوة أن يدعو أولا إلى الأصل الذي تتوقف عليه صحة الأشياء قبل الأشياء نفسها ، إذ لا فائدة منها إذا لم تعتمد على الأصل الذي يصححها ، وفي هذا السياق تقول عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن القرآن :" إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب "بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر" وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده" قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث قَوْله : ( نَزَلَ الْحَلال وَالْحَرَام ) أَشَارَتْ إِلَى الْحِكْمَة الْإِلَهِيَّة فِي تَرْتِيب التَّنْزِيل , وَأَنَّ أَوَّل مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن الدُّعَاء إِلَى التَّوْحِيد , وَالتَّبْشِير لِلْمُؤْمِنِ وَالْمُطِيع بِالْجَنَّةِ وَلِلْكَافِرِ وَالْعَاصِي بِالنَّارِ , فَلَمَّا اِطْمَأَنَّتْ النُّفُوس عَلَى ذَلِكَ أُنْزِلَتْ الْأَحْكَام , وَلِهَذَا قَالَتْ " وَلَوْ نَزَلَ أَوَّل شَيْء لَا تَشْرَبُوا الْخَمْر لَقَالُوا لَا نَدَعهَا " وَذَلِكَ لِمَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ النُّفُوس مِنْ النَّفْرَة عَنْ تَرْك الْمَأْلُوف" اهـ فالالتزام بما جاء في الشرع عن الحلال والحرام والواجبات وغيرها يحتاج إلى قاعدة الإيمان لذلك تأخر تشريع ذلك حتى استمكن الإيمان في القلوب، وهذه السياسة مما ينبغي علي الدعاة مراعاتها في الدعوة إلى الله فإنسان مثلا يدعو غير الله ويستغيث به وهو في الوقت نفسه واقع في بعض البدع فوجه همتك إلى نهيه عن الشرك واستغرق وقتك حتى يقلع عنه أو يتوب ولا تصرف جهدك إلى نهيه عن البدع مع إقامته على الشرك، إذ ما الفائدة من تركه للبدعة وهو مقيم على الشرك؟ وإنسان تارك لبعض الواجبات لا تشغل نفسك بالحديث معه في بعض السنن بل وجه همتك إلى الواجبات التي تركها فإنه لو أطاعك واستمع لنصحك كنت بذلك قد رحمته وسعيت في الخير له،وإذا تزاحم عليك أمران بحيث لم تتمكن من الجمع بين الأمرين فقدم الدعوة إلى ما يعد أصلا ولا تشغل نفسك بالفرع، وإذا كان الأمران مما يعدا من الأصول فقدم أعلاهما منزلة، وإذا كانا في المنزلة سواء أو قريبا من السواء فقدم ما لا يحتمل التأخير ويضيع بخروج الوقت عما لا يضيع بالوقت أو كان وقته موسعا، وإذا كانا في ضيق الوقت وسعته سواء فقدم المتفق على حكمه بين أهل العلم عما اختلفوا فيه، وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يخطب المسلمين وبينما هو على تلك الحالة إذ جاءه رجل فقال:"يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه قال فأقبل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديدا قال فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها" فلما أخبر الرجل بأنه لا يدري ما دينه كان أولى ما يشتغل به الرسول صلى الله عليه وسلم هو تعليم الرجل دينه ولذلك ترك الخطبة وأقبل عليه يعلمه ولم يؤخر ذلك حتى ينتهي من الخطبة، قال النووي في شرح الحديث:" وَفِيهِ الْمُبَادَرَة إِلَى جَوَاب الْمُسْتَفْتِي وَتَقْدِيم أَهَمّ الْأُمُور فَأَهَمّهَا , وَلَعَلَّهُ كَانَ سَأَلَ عَنْ الْإِيمَان وَقَوَاعِده الْمُهِمَّة . وَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ يَسْأَل عَنْ الْإِيمَان وَكَيْفِيَّة الدُّخُول فِي الْإِسْلَام وَجَبَ إِجَابَته وَتَعْلِيمه عَلَى الْفَوْر"اهـ. وهكذا لا بد من مثل هذه الموازنات عندما لا يمكن تحقيق الجميع مرة واحدة، ولا يعني تأخير الحديث عن شيء أو السكوت عنه إباحة له، وإنما لأن هذا هو المتاح أو المقدور عليه أو الذي يقود إلى ما بعده، وقد يظن بعض الناس أن من الحكمة أو الحنكة أو السياسة وحسن التصرف واللباقة موافقة القوم على بعض ما عندهم من الباطل وعدم مواجهتهم بما يكرهون لإزالة الوحشة ولجعل الناس تقبل على الدعوة وتقبل ما فيها ثم يقولون : وبعد أن يرسخ الإيمان في قلوبهم يمكن نهيهم عما سبق موافقتهم عليه من الأخطاء، وهذا يعد من السياسة بمقتضى النظر العقلي الذي(15/298)
يتعارض مع النصوص الشرعية ثم إنه قد يؤدي في النهاية وبمرور الزمن إلى ترسيخ تلك الأخطاء وقد لا يجد الدعاة الفرصة المناسبة بعد ذلك لتصحيح تلك الأخطاء فتظل عالقة بدعوتهم عند الناس، وهنا لا بد من التفريق بين السكوت عن النهي عن الشيء أو السكوت عن الأمر به وبين الموافقة عليه وإقراره فإن السكوت مما يمكن تحمله إذا لم تكن ظروف الدعوة تسمح بالجهر، أما الإقرار والموافقة على الباطل أو الخطأ فليس هناك ما يسوغه من أدلة الشريعة، بل الأدلة كلها على خلاف ذلك
6-العناية بالأسباب مع عدم الاعتماد عليها: الداعية إلى الله يقوم بتلك المهمة انطلاقا من التزامه بما شرع الله وحبا لهداية الناس إلى الخير فتدفعه شفقته ورحمته إلى بذل الجهد في ذلك لكنه مع ذلك قد تعترضه بعض العوائق التي تحول بينه وبين مراده أو قد تضعف من همته في متابعة ذلك ، وقد تكون بعض هذه العوائق مما يمكن التغلب عليها أو التقليل من تأثيرها عن طريق اتخاذ بعض السبل والوسائل التي تعين على ذلك، لكن هناك من الناس من يظن أنه ما دام يدعو إلى الله ابتغاء وجهه فإنه لا يحتاج إلى الأسباب وأن الله ناصر دعوته، وكأن هذا الشخص يرى أنه يجب على الله تعالى نصره بمجرد الدعوة إليه ولو مع ترك الأسباب، وهذا تصور غير صحيح ومما يبين عدم صحة إهمال الأسباب سياسة الرسول في الدعوة إلى الله تعالى فمن ذلك كانت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في أولها سرية فقد ظل يدعو إلى الله في سرية ثلاث سنوات(ما يقابل 13% من سني الدعوة) حتى لا يعرضها في أول أمرها إلى مواجهات حادة مع المشركين لا يستطيع تحملها كثير من الناس وفي ذلك أخذ بالأسباب وعدم إهمالها، وعندما كان يطوف على الناس في المواسم ويطلب النصرة ويقول:" من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي" فكان يبحث عن الناصر وهذا من الأخذ بالأسباب ولم يقل إني أدعو إلى ربي على بصيرة ولا عليَّ إذ لم آخذ بالأسباب أو أبحث عن النصير، إن ترك تحصيل الأسباب المقدور عليها التي خلقها الله تعالى يعد تقصيرا يلام عليه العبد بحسب ما عنده من التقصير وعند النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم منذ بداية الدعوة وحتى وفاته صلى الله عليه وسلم نجد أن العناية بالأسباب والأخذ بها وعدم التفريط فيها كان ديدنا له صلى الله عليه وسلم فعندما جاءه الأنصار يبايعونه عند العقبة أخذ عليهم" وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم " ومن ذلك أيضا عندما عزم على الهجرة مع أبي بكر رضي الله عنه استأجر دليلا خريتا ( ماهرا عارفا بالطرق) يقود بهم ويدلهم على الطرق التي يستطيعون بها الخروج من غير أن يلحق بهم المشركون، والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن العناية بالأسباب والأخذ بها لا يعني التوكل عليها أو الاعتماد فإن التوكل والاعتماد إنما يكون على خالق الأسباب الذي جعل الأسباب أسبابا وهو سبحانه قادر على أن يمنع الأسباب من أن تنتج نتائجها إذا شاء ذلك، وفي قصة الهجرة المتقدمة فمع الأسباب التي أخذ بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن الكفار من تتبعهم للأثر ومن متابعة الرصد أوشكوا على التوصل إلى مكان الرسول وصاحبه وهنا يظهر عون الله خالق الأسباب ومسبباتها ودفاعه عن المؤمنين ويمنع الكفار من التوصل إلى الرسول الكريم وصاحبه رضي الله عنه ( وتفصيل القصة معروف)، وكما في قصة إبراهيم عليه السلام عندما أراد قومه أن يحرقوه فأبطل الله السبب ومنع النار من الإحراق( قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) وهذا موسى عليه السلام عندما أراد فرعون وجنوده أن يقتلوه هو ومن آمن معه، ولما لم تكن به قدرة على مواجهته أخذ بالأسباب المقدورة له وهي الخروج بمن آمن معه من مملكة فرعون، ولما اتبعه فرعون وجنوده ولم تعد لموسى عليه السلام حيله في ذلك ألغى الله الأسباب وجعله يعبر هو ومن آمن معه البحر بالآية التي جعلها له (اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) فالأخذ بالأسباب كان معلما بارزا من سياسة الرسول في الدعوة إلى الله تعالى ومع الأخذ بالأسباب وإحكامها وعدم التقصير فيها فلا بد من التوكل على الله والاعتماد عليه والاستعانة به واللجوء إليه فإن الأسباب لا تفعل من تلقاء نفسها وإنما بجعل الله لها تلك الخاصية، وهذا رسولنا الكريم في غزوة بدر بعدما أعد العدة ونظم الجيش لجأ إلى الله يدعوه ويكثر من الدعاء حتى أشفق عليه صاحبه أبو بكر من كثرة دعائه، وهذا عمر رضي الله عنه يقص علينا ما كان من خبر ذلك الموقف فيقول :" لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك.." الحديث فإعداد العدة وأخذ الأهبة والتوسل بالأسباب لا يمنع من الدعاء واللجوء إلى الله مسبب الأسباب، وكذلك اللجوء إلى الله ودعاؤه واعتقاد أن النصر من عنده وأنه الخالق لكل شيء وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن لا يمنع من الاجتهاد في الأخذ بالأسباب وإعداد العدد المناسبة لكل أمر يراد الدخول فيه، بل هما أمران يتكاملان في فهم المسلم وتصوره.(15/299)
7- الاستفادة من أوضاع المجتمع: قد يحدث أن تكون هناك أوضاع في المجتمع تمكن الاستفادة منها في نفع الدعوة وحماية الدعاة فلا يجوز للدعاة إهمال ذلك وعدم الانتفاع على أساس أن تلك أوضاع في مجتمع جاهلي أو معادي للإسلام فلا ينبغي العمل بها أو الاستفادة منها، وذلك لأن النظر ينصب على طبيعة الوضع ومدى موافقته للشرع ولا ينظر إليه من جهته الجغرافية أي البقعة التي يكون فيها؛ إذ الحكم على الشيء يعتمد على ما يحمله من أفكار وتصورات وليس على المكان الذي يوجد فيه ، وبالنظر إلى سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك نجده قد استفاد هو وجمع من أصحابه من تلك الأوضاع فقد كانت مكة المكرمة –بل والجزيرة العربية كلها- ينتشر فيها النظام القبلي وفي هذا النظام فإن القبيلة تحمي أفرادها فقد تمتع رسول الله وبعض من أصحابه بذلك وظلوا في حماية قبائلهم فلم يتمكن المشركون من الوصول إليهم وإيذائهم الإيذاء الشديد، وكان من الأمور المتعارف عليها مسألة الجوار وهو أن من نزل في جوار أحد فإنه يحميه من أن يصل إليه أحد بسوء فكان بعض المسلمين الذين لا يجدون قبيلة تحميهم ينزلون في جوار بعض كبراء المشركين فيحمونهم وليس في هذا مخالفة شرعية إذ كل ما فيه أن يتمتع المسلم بالحماية وشعوره بالأمان في التزامه بالإسلام وهذا حقه، وكونه نزل في جوار أحد المشركين فليس في ذلك ما يعاب عليه لأنه لم يفعل ما يخالف الشرع فعندما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يدعو أهلها وردوا عليه بردهم القبيح لم يدخل مكة حينما رجع من هناك إلا في جوار المطعم بن عدي، وكذلك عثمان بن مظعون عندما رجع من هجرة الحبشة الأولى لم يدخل مكة إلا في جوار الوليد بن المغيرة، وأبو بكر رضي الله عنه لما أراد الهجرة إلى الحبشة مما يلاقي من إيذاء قريش لقيه ابن الدغنة وعرف مقصده فعرض عليه الرجوع ودخل معه مكة وقد أجاره، فإذا كان الداعية إلى الله تعالى مضيق عليه وكان في المجتمع الذي يدعو فيه أوضاع أو تنظيمات يمكن الاستفادة منها في الدعوة أو تدفع عنه شرا من غير أن يرتكب في سبيل ذلك شيئا نهت عنه الشريعة فعليه أن يستفيد من ذلك، ورغم أن الأوضاع الجاهلية الأصل فيها البعد عن الشريعة فلا يلزم من ذلك أن يكون رصيد الفطرة عندهم صفرا بحيث لا يكون في أمورهم ما يُقبل شرعا، وهذه قريش رغم ظلمها وطغيانها مع المسلمين إلا أنهم عقدوا فيما بينهم عقدا لنصرة المظلوم( وكان ذلك قبل البعثة) وهو ما عرف بحلف الفضول قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو ادعى به في الإسلام لأجبت " وقد تتواجد اليوم في بعض المجتمعات بعض التنظيمات أو المؤسسات التي تحاول القيام بشيء شبيه بما كان في حلف الفضول فلا عيب على الداعية إذا حاول الاستفادة من ذلك، أما إذا ترتب على ذلك مساس بالدين فعلى الداعية أن يكون أبعد شيء من ذلك، ففي قصة أبي بكر المتقدمة لما جهر بالصلاة وقراءة القرآن في مسجد فنائه وخيره ابن الدغنة بين عدم الجهر والاستعلان بالصلاة وبين أن يرد عليه جواره، اختار أبو بكر رضي الله عنه الاستعلان بالصلاة والجهر بقراءة القرآن ورد على ابن الدغنة جواره وقال :" أرضى بجوار الله"(15/300)
8- عدم المداهنة في الحق: كثيرا ما يتعرض أصحاب الدعوات إلى محن وشدائد حتى يخيل لبعض الناس أن من السياسة الحكيمة تجاوز تلك المحن أو الشدائد ولو بالتصريح ببعض الكلمات والجمل التي يكون في ظاهرها مخرج من تلك الشدائد وإن لم يكن ذلك الظاهر مرادا لهم، لكن الناظر في سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله تعالى لا يجد لذلك التصور سندا بل يجد سياسته على العكس من ذلك فقد نزل عليه قول الله تعالى يحذره من المداهنة في الدين ويقول له :" ودوا لو تدهن فيدهنون " فأهل العدواة للدين يريدون من أصحاب الدعوة أن يداهنوهم وهم على استعداد لمكافأتهم على ذلك بمداهنة الدعاة أيضا من باب المقابلة بالمثل فقد عرض الكفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا الله سنة في مقابل أن يعبد آلهتهم سنة فأنزل الله تعالى :" قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون .." الآيات ليقطع الطريق على ذلك التصور بصورة حاسمة، وقد فهم تلك المعني جيدا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وعمل به في أشد المواقف حلكة فقد هاجر هو وجماعة من المسلمين إلى الحبشة عند ملكها النجاشي وكان نصرانيا وقد أرسلت قريش في أثرهم عمرو بن العاص ليردهم من عند النجاشي وحاول عمرو أن يقدم المسوغ الذي يجعل النجاشي يسلم له جعفرا ومن معه فقال له: أنهم يقولون في عيسى قولا عظيما وذلك أن النصارى ترى عيسى عليه السلام إلها أو ابن إله بينما المسيح في العقيدة الإسلامية هو بشر رسول من عند الله تعالى مثله مثل إخوانه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فلما مثل جعفر بين يدي النجاشي وسألهم عما يقولون في عيسى عليه السلام لم يداهن ولم يحاول أن يتلفظ بألفاظ أو كلمات توافق في ظاهرها اعتقاد النصارى بل أجمع على الصدق وعدم المداهنة في الدين وقال نقول فيه الذي جاءنا به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم البتول العذراء فأخذ النجاشي عودا من الأرض وقال والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، ولو حاول جعفر رضي الله عنه أن يداهن لانقلب الأمر عليه وعلى أصحابه ذلك أن اعتقاد النجاشي في عيسى كان اعتقادا صحيحا، فعند الشدائد والأهوال قد يميل الداعية إلى المداهنة ويتلفظ بألفاظ فيها نوع من الترضية لأهل الضلال وإن كان هو يقصد بها في نفسه معاني صحيحة لكن ليست العبرة بما في نفسه هو وإنما بما يفهم الناس من كلامه فلو كان الناس لا يفهمون من ذلك إلا ما يؤيد أهل الضلالة لم تكن تورية الداعية قد حققت إلا تأييد الباطل، وهذا بخلاف ما إذا كان يوري على الأعداء في الحرب أو القتال كما فعل محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه عندما كان يخطط لقتل رجل من اليهود المحاربين وقال له عن رسول الله –وهو يوري- هذا الرجل قد عنانا، وبخلاف ما يقوله الأسير عندما يقع في أيدي الأعداء وكذلك الذي يكره على كلمة الكفر فإن هذا ونحوه ممن قال الله فيهم :" إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" غير أن هناك من الأمور التي قد يظنها الناس مداهنة وهي ليست من ذلك في شيء وإنما هي كلمات حقيقية لا كذب فيها يقولها الداعية يستميل بها النفوس ويؤلف بها القلوب فهذا جعفر رضي الله تعالى عنه يقول للنجاشي بعد ما ذكر ما كانوا يلاقونه من المشركين في مكة :" فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك"
تلك كانت بعض الوقفات القصيرة مع سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله أما تفاصيل تلك السياسة فهي السيرة النبوية بكاملها على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ولعلنا نرجع إليها في مناسبة أخرى على نحو أشمل وأكثر تفصيلا
--------------------
الهوامش
(1) صحيح الجامع، للألباني، رقم 1880 وحسنه.
(1) قد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتأييد من الله قادراً على القيام بذلك بمفرده، ولم يكن الله ليميت رسوله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يكمل تبليغ رسالة ربه، لكن لما كان -صلى الله عليه وسلم- قدوة وأسوة للمسلمين فإنه يسلك الطريق الذي يكون في وسع كل مسلم سلوكه، الطريق الذي يعتمد على الأسباب لا على خوارق العادات؛ لأن هذه ليست في يد المسلم، بحيث يكون تقاعس المسلم عن سلوك ذلك السبيل تقصيراً يلام عليه، ولا يعني هذا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن في هذه السياسة مؤيداً من الله وأنه كان يتصرف باجتهاده صرفاً، بل هو يجتهد في عمل الأصلح، والوحي يسدده في ذلك
(2) كانت في الأصل: يبالغ، ولعله خطأ مطبعي.
(1) مجموع الفتاوى 20/ 59 - 61.
(1) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، رقم 3343.
(1) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، رقم 2992، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، رقم 3352. قرن الثعالب هو قرن المنازل ميقات أهل نجد. والأخشبان: جبلا مكة أبو قبيس والذي يقابله.
(2) تفسير ابن جرير الطبري 23/30.
منقول من مجلة البيان
السنة التاسعة عشرة * العدد 207* ذو القعدة 1425هـ * ديسمبر/يناير 2005م
====================
نظف أسنانك فستحتاج إليها يوم القيامة
المكان: أرض بيت المقدس.
الزمان: يوم الحساب.
التوقيت: مع اقتراب الشمس من الرؤوس.
المشهد:(15/301)
أنت واقف تحت الشمس وقد بلغ منك العرق بمقدار ذنوبك إلى الكعبين أو الساقين أو الصدر أو الفم فيغمرك العرق وكل أعلى بمقدار كم سيغرق وأنت في هذا الموقف تتمنى أن ينتهي بأسرع ما يمكن وبأي طريقة وحولك يقف أصدقاؤك الذين كنت معهم على غير طاعة الله لا يستطيعون أن يفعلوا لك شيئا ولا حتى أن يكونوا كما كانوا يفعلون في الدنيا ' رجالا ' في مواقف المعصية فهم مشغولون بأنفسهم أيضا.
وبينما أنت في هذا الموقف العصيب تنظر على مقربة منك فترى ظلا عظيما ممتدا يقف تحته الكثير من الناس كنت تعرفهم بأشكالهم بل حتى منهم من تعرفه باسمه بل ومنهم من وقفت وتكلمت معه مرات ومرات ما بالهم هناك وأنا هنا؟؟؟ بل ما لهم مستظلين وأنا في عرق ذنوبي غريق. نعم أليسوا هم من كانوا يدعونني إلى صحبتهم ويلحون علي في ذلك أليسوا هم من كانوا يحذرونني من صحبة رفاقي ويخبرونني بهذا المشهد ويرجونني ألا أكون في موضعي هذا.
حينها يملأ الندم قلبك ' ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ' فهل علمت أخي الحبيب من الذي سيحتاج إلى أسنانه يوم الحساب أسأل الله ألا تكون منهم.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ' الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل '.
وقال صلي الله عليه وسلم: ' لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ' وكما وجه الحبيب - صلى الله عليه وسلم - كل قابل لنصحه ومستجيب لأمره إلى من يكون الخليل والصاحب ومن يدخل بيتك ويأكل طعامك كذا بين الثواب العظيم للصحبة الحسنة في الدنيا والآخرة فقال - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر: ' إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم [يحسدهم الحسد المحمود] الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله - عز وجل - قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم على نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم تلا الآية: ' ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون '.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر: ' إذا خلص الله المؤمنين من النار وأمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار قال يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار فيقول الله - تعالى -: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى كعبيه فيخرجونهم فيقولون: ربنا أخرجنا من قد أمرتنا فيقول الله - تعالى -: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار ثم من كان في قلبه مثقال حبة من خردل' فانظر أعزك الله إلى شفاعة المؤمنين في إخوانهم وأصحابهم وأهليهم وأصدقائهم يوم القيامة وفضلها العظيم.
وتعال معي عزيزي الشاب إلى محور حديثنا الأساس وهو السبيل إلى اختيار الأصحاب والأصدقاء لكي ننال الثواب العظيم ولعل من أفضل العبارات التي تصوغ شكل الصاحب والرفيق عبارة الإمام ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - من القرن السادس الهجري حيث قال - رحمه الله -: ' ينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته خمس خصال: أن يكون عاقلا حسن الخلق غير فاسق ولا مبتدع ولا حريص على الدنيا '.
ونلمح في العبارة أن المنهي عنه في الصاحب أكثر من المأمور به وهي إشارة إلى أن الصفة الحسنة إن وجدت في الصاحب فليست كفاية للحكم بصلاحه لصحبتك بل الأهم انتفاء المنهيات حيث أنها علامة الهلاك.
1- أما العقل فهو رأس المال ولا خير في صحبة الأحمق لأنه يريد أن ينفعك فيضرك ونعني بالعاقل الشخص الذي يفهم الأمور على ما هي عليه إما بنفسه أو يكون بحيث إذا شرح له فهم وهذا مفهوم بالفطرة فلا نظن أن هناك من يحب مصاحبة الحمقي الذين لا يعرفون ما لا يفعلون.
2- وأما حسن الخلق فلا بد منه فرب عاقل يغلبه غضب أو شهوة فيطيع هواه فلا خير في صحبته فلا يغرنك صاحب العقل الراجح إن ساءت أخلاقه فسيؤذيك أنت أولا بأخلاقه قبل أن ينفعك بعقله وإن لم يفعل تنطبع أخلاقه على أخلاقك ولو بعد حين.
3- وأما الفاسق فإنه لا يخاف الله ومن لا يخاف الله - تعالى - لا تؤمن غائلته ولا يوثق به وهذا والله من درر كاللام فأمر طبيعي للغاية أن من لا يراعي حرمات الله - تعالى - هل سيراعي حرماتك وهل تأمنه على نفسك ومالك؟ كلا والله وإن ظهر منه عكس ذلك فعند الملمات والخطوب تظهر الحقائق وتنكشف وعندها لا ينفع الندم.
4- وأما المبتدع فيخاف من صحبته بسراية بدعته فصاحب البدعة يسرب إليهم فهمه الخاطئ للإسلام وبدعته ولا تشعر فمثلا كثرة مخالطتك للقبورييين ورؤيتك لما يفعلونه تقذف في القلوب الاعتقاد في القبور والتبرك بها والذبح والنذر لها والدعاء عندها وهذا من أخطر الأمور.(15/302)
5- وأما الحريص على الدنيا فإن واجب المؤمن أن يتجنب عشرة طلاب الدنيا فإنهم يدلونه على طلبها وجمعها ومنعها عن أصحاب الحق فيها وذاك الذي يبعد العبد عن طلب نجاته ويقطعه عنها ويجتهد في صحبة أهل الخير ومن يدله على طلب الآخرة وينبغي الحذر من هذه الصفة بالذات فصاحبها قد يكون صاحب عقل راجح وخلق رفيع وليس مبتدعا ولا فاسقا ولكنه غافل عن الله - تعالى -وليس حريصا على مرضاته فتصبح مثله بعد فترة من الوقت لا يهمك في هذه الدنيا إلا ذات الدنيا العمل والدراسة والكلية والبيت وغيرها من الأمور الدنيوية ولا يصبح في عقلك ولا فكرك حيز ولا مجال لمرضاة الله - تعالى - والسعي إليها فيقسو قلبك أعاذنا الله - تعالى - وإياك من ذلك، ويختم ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -فيقول: ' ومن اجتمعت فيه هذه الخصال كلها فإن صحبته لا ينتفع بها في الدنيا فقط بل ينتفع بها في الآخرة وعلى هذا يحمل كلام بعض الصحابة والتابعين - رحمهم الله - تعالى -: استكثروا من الأخوان فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة '.
وخير ختام لهذا الكلام قول الله - تعالى -: ' الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين '
أخي الحبيب: إنها دعوة لإعادة النظر في أصدقائك وتوصيفهم تبعا للقواعد التي ذكرناها سابقا فإما أن تنال بهم الشفاعة يوم القيامة وتكون معهم في تلك المكانة العظيمة وإما أن تبدأ بالأخذ بنصيحتي وتستعد بتنظيف أسنانك فستحتاج إليها في ذلك المقام.
حفظك الله - تعالى - ومن تحب من كل سوء وشر وأعانك على الخير ونيل رضاه.
23 ذو الحجة 1425هـ - 2 فبراير 2005 م
http://www.islammemo.cc المصدر:
==============
أجمل الحياة أن تصنع بأيدي المتعبين
دعاء عمار
عندما يخرج الإنسان من واقعه الصعب، ويحوّل طاقة الحزن بداخله إلى إنتاج وإبداع بدلاً من إبقائها لتكون معول هدم لنفسه ومَن حوله، وبدلاً من الاستسلام للأمر الواقع بمجتمعه إضافة إلى ما يجده الشخص في حياته من مشاكل، يسعى إلى إيجاد عوامل النهوض وصناعة حياة أفضل، ويجد المتعة في مساعدة الآخرين وترك أثر في محيطه بدلاً من العيش كماً زائداً لا فرق بين وجوده و غيابه، عندها فقط يحق للإنسان أن يكون إنساناً، وأن يشعر بالسعادة والمتعة الحقيقية خاصة مع إخلاص النية لله في كل خطوة من خطوات الحياة، واحتساب الأجر في الصبر على المصاعب والمعاناة.
هؤلاء هنّ مجموعة من صانعات الحياة رفضن السلبية وتحدين من حولهن من مثبطي الهمم، وجدن في أنفسهن الطاقة والقوة على تجميع أنفسهن واكتساب الخبرة من بعضهن ليبدأن خطوات فعالة في طريق الألف ميل.
سهى تخصص إدارة أعمال، هبة تخصص محاسبة وهنادي تخصص هندسة صناعية عرفن بعضهن بعضاً من خلال مراحل الدراسة المختلفة فارتبطت أفكارهن ومشاعرهن ليكوّنّ بذلك فريقاً متميزاً من الفتيات بعدما حركت الإيجابية فيهن تلك الحلقة بنفس العنوان في صُنّاع الحياة.
بدأت أولى أفكار الإيجابية لديهن بتصميم أسطوانة كمبيوتر تحوي عدداً من المواضيع المفيدة والمعلومات البسيطة ونسخها فيما بينهن ثم توزيعها، وتقول عن ذلك هنادي: " في البداية كان عملنا عشوائياً ودون خبرة، فخرجت الاسطوانة بسيطة جداً، وكنّا نوزعها حتى اقترح علينا بعض الأقارب بيعها والاستفادة من ثمنها في مساعدة بعض المحتاجين، وبالفعل بدأنا في بيعها بثمن بسيط، ومن أراد زيادته كنوع من الدعم لنا زاده، وقد تأثّر عدد من الناس بنا، واشتروها بمبلغ وصل إلى مائة دولار أو دينار في بعض الأحيان، حتى تمكّنا في البداية من شراء عدد من الكراسي المتحركة، ووضعناها في خدمة الجرحى والمعاقين في المستشفى".
ورغم معارضة بعض السلبيّين من الناس والتشكيك في مقدرة هؤلاء الفتيات على النجاح إلا أنهنّ تمكنّ في بداية مشروعهنّ الصغير من بيع (2000) اسطوانة بدلاً من (500) كما خطّطن من قبل، ولأن الإبداع يأتي عندما تفكر بطريقة غير ما يفكر به العاديون من الناس فقد طرأت لهن فكرة لإنجاز نشاط رغم قلة إمكاناتهن المادية فتقول هبة: " أردنا فعل شيء لمحاربة التدخين لكن قلة الإمكانات كانت مشكلة فعمدنا إلى جمع الاسطوانات القديمة غير المستعملة، وألصقنا عليها شعارات للتنفير من التدخين والترغيب في تركه، ووزعناها مجاناً على الناس كنوع من الزينة التي تُعلّق في السيارات على سبيل المثال، وتكون بذلك دعاية متحركة".
شيئاً فشيئاً بدأت الخبرات تتبلور، وتقسيم الأدوار والاختصاصات يتم اعتماده؛ فهو بلا شك سبب رئيس في نجاح المشاريع سواء كانت صغيرة أم كبيرة، وهذا ما تم اعتماده لديهن خاصة بعد ازدياد عدد الفتيات الملتحقات في أنشطة صُنّاع الحياة، فاختص أهل الصيدلة بمشروع حُماة المستقبل ومكافحة التدخين، ومشروع حُماة البيئة واستفادوا من خبرة سيدة أجرت دراسة بيئية، ولها دراية بهذا الموضوع منذ عشرين عاماً تقريباً، إضافة لعدد آخر من المشاريع التي تبدأ وتستمر أو تنتهي حسب احتياجات المجتمع والإمكانات المتوفرة لديهن، ففي رمضان مثلاً قُمْن بمساعدة عدد من الأسر من خلال مبلغ تم جمعه من أنشطة سابقة، وكان لهنّ دور فعّال في تقديم إغاثة أهلية سريعة بعد اجتياح بيت حانون الأخير.(15/303)
رغم النجاح الذي حققته الفتيات إلا أن الكثير من الصعوبات واجهتهنّ في طريقهن؛ فهن كفتيات يصعب عليهن التحرك كثيراً ويلزمهن التقيد بالوقت وعدم التأخر مما يجعل وقتهنّ ضيّقاً خاصة، وأن عدداً كبيراً منهن عاملات، بجانب الصعوبات الأخرى التي تفرضها قوات الاحتلال من حيث إغلاق الحواجز فلا يتمكّنّ من الاتصال المباشر لعدة أيام، وسوء الحالة المادية للكثير من الأسر قلل من حجم انتشار أنشطتهنّ خاصة بيع الاسطوانات، كما ألقى الوضع الحزبي لغالبية المجتمع الفلسطيني بظلال ثقيلة عليهنّ؛ فكان من الصعوبة على العديد من الناس تصديق أنهنّ قمن بنشاطهنّ بشكل تطوعي مستقل بعيداً عن أي تنظيم خاصة في بداية ظهورهنّ، واستغراب بدئهنّ بمثل ذلك النشاط بمفردهنّ وهنّ فتيات.
ورغم أن بداية تحرك هؤلاء الفتيات رغبتهنّ في مساعدة المحتاجين من أبناء المجتمع والمتضررين بفعل الاحتلال، لكنهنّ لم يقتصرْن على استغلال الإيجابيّة في أنفسهنّ فقط بل حاولن بثها في فئات المجتمع المختلفة حيث تقول هبة: " كان من الممكن أن نجمع التبرعات أو المساعدات من الناس لمن يحتاجها لكن رأينا أن ذلك شيء سلبي من جهة المتبرع؛ لأنه رغم وجود الفطرة الخيرة لكنه لن يشعر بأهمية كبيرة له، لكن إن شعر أنه يستفيد من خلال تبرعه بشكل ملموس سيحرك ذلك عنصر الإيجابية لديه هو الآخر، وبذلك نفيد المتبرِّع والمتبرَّع له معاً".
وجود الهدف هو المحرك الأساسي للإنسان، وما يجعل لحياته معنًى وطعماً ممتعاً رغم الألم والمصاعب، وبدونه مهما كانت الحياة مليئة بوسائل الترف والرفاهية؛ فما ذلك إلا متاع مؤقت ما يلبث أن يلحقه الكدر والضيق طالما لم يستفد منه الإنسان في بناء الحياة التي خلقه الله - تعالى -لإعمارها والاستفادة منها في تعمير آخرته، هكذا كنّ هؤلاء الفتيات حيث تقول سهى: " هدفنا الأول والأخير هو رضا الله تعالى- ثم إبعاد الملل عنا من كثرة وقت الفراغ والاستفادة منه؛ فالآن لم يعد لدى الكثيرات منا وقت للملل أو التفكير بأشياء ليست ذات قيمة"، تؤكد هبة كلامها فتقول: " قول لأحد الأئمة كان يقلقني دوما حين أفكر فيه، وهو أن الإسلام سيأتي يوم القيامة ويقول يا رب هذا نصرني، وهذا خذلني حتى يصل لسيدنا عمر -رضي الله عنه- ويقول الإسلام: يا رب كنت غريباً حتى جاء هذا الرجل ونصرني، فكنت أفكر: ماذا سيقول الإسلام عني يوم القيامة؟ وهل من المعقول أن أبقى على هامش الحياة دون إحداث تغيير أو ترك أثر في المجتمع؟ "، وقالت هنادي: " إن لم تضف شيئاً في الحياة كنت أنت زائداً عليها، ونحن لم نرد أن نعيش لأنفسنا نأكل ونشرب ونأتي بأولاد إلى الحياة ليعيشوا بلا هدف مثل الكثير من الناس، لكن أردنا أن نعيش لنا وللمجتمع من حولنا".
وفي ذلك الإطار قدمت الفتيات نصيحة لجميع من يعشن في الحياة في باقي الدنيا بأن يكن فاعلات في مجتمعاتهن، ويضفن أشياء كثيرة بمقدورهن القيام بها بأبسط الإمكانيات، فعلى الأقل حسب تعبير إحداهن: " ليس لديهنّ احتلال يصعّب حياتهن أو يزيد آلامهن"، فيجب ألا ترضى الفتاة العربية بأن تنحصر اهتماماتها في الملابس والماكياج والموضة فقط، خاصة إن توفر لديها الوقت والجهد والمال اللازم لإنجاح مشاريع عديدة، فكيف ترضى للفراغ والملل أن يملأ حياتها؟ "
12/2/1426
22/03/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
-=========
آمنة بناني : داعية إلى الله بالرسم على الزجاج
اختارت آمنة بناني (ربة بيت منخرطة في جمعيات خيرية، أم لأربعة أبناء، منهم رسامة) أن تمارس فن الصباغة على الزجاج وتتخذها وسيلة لنقش حب الله في الصدور عبر لوحاتها الهادفة، سواء منها التي تهديها في المناسبات أو التي تعرضها في المعارض كلما أتيحت لها الفرصة.
تسكن"آمنة بناني"بحي المحيط في العاصمة المغربية الرباط في عمارة تتميز شقتها فيها عن باقي شقق العمارة ببصماتها الفنية، إذ يكفي الزائر أن يرى زجاج الباب الخارجي لبيتها مزينا بلوحات فنية ليعرف أنه بيت آمنة.
حكت لنا آمنة بناني عن دور الفن في الدعوة إلى الله كما عن أثره في تنمية العلاقة الزوجية والمساعدة على تربية الأبناء وصولا إلى المجتمع وقضايا الأمة الإسلامية.
بصمات الوالدين:
تقول آمنة بناني وهي تحكي عن بداياتها مع فن الصباغة على الزجاج:"من أحب اللحظات في حياتي أن أكون مصدر عطاء، والعطاء بالنسبة لي في الظرف الحالي هو الفن بصفته موهبة ونعمة، أسأل الله أن يديمها ويحفظها من الزوال. ترعرعت في بيت تملؤه بصمات الفن لوالدي الذي كان يعمل في الجيش، وكان يعشق الفن لدرجة أنه كان يملأ أرجاء البيت بأعماله الفنية، ويتعلق الأمر بالنقش على الخشب. هذا بالإضافة إلى أن أمي - رحمها الله - هي الأخرى كانت تتقن فن التطريز والخياطة".
وتضيف آمنة:"الصباغة على الزجاج جاءت في المرحلة الثانية إذ الأولى تميزت بالرسم حيث كنت أدرس في الثانوية العسكرية وكان المجال مفتوحا أمامنا نحن التلاميذ لممارسة جميع الفنون التي تعجبنا، وكنت حينها من المتفوقات في الفنون التشكيلية، وكنت أرغب دائما في الإبداع. والصباغة على الزجاج بدأتها منذ خمس سنوات، تتويجا لموهبة الرسم التي تعتبر القاعدة الأساسية لفن الصباغة على الزجاج. واخترت الزجاج لأنني أحب الشفافية والوضوح".
لوحاتها والأمة:(15/304)
لا تنفك آمنة عن تذكر ما يقع للأمة الإسلامية وهي تضع لمساتها الفنية على لوحاتها الزجاجية، كما تكتشف أن الصور التي تبثها الفضائيات عن واقع هذه الأمة تسيطر على عقلها الباطني لتجد آثار هذه الأحداث منقوشة على زجاجاتها وتعبر آمنة عن ذلك بقولها:"إنني كلما أتممت لوحة، صغيرة كانت أم كبيرة، أتأملها لأقرأ من خلالها نفسيتي سواء من حيث الألوان أو غيرها، خصوصا وأن لوحاتي تتأثر بما يحيط بي من أحوال الأمة الإسلامية وخصوصا ما يذاع عبر الفضائيات وما يقرأ في الجرائد".
الأمل في المستقبل:
شاركت آمنة برواق خاص يهم الأسرة بقاعة باحنيني بوزارة الثقافة بالرباط موازاة مع يوم دراسي نظمته منظمة تجديد الوعي النسائي بمناسبة اليوم العالمي للأسرة، ولقيت اللوحات إقبالا متميزا، خصوصا وأنها تحاول أن تغرس قيم أخلاقية فاضلة بريشة فنية نافذة، وكان من بين مضامين لوحاتها الزجاجية على سبيل المثال لا الحصر:"أبناؤنا أمانة بين أيدينا"،"الأسرة شجرة..الآباء جذورها والأبناء فروعها"دلالة على الأسرة المستقرة، المترابط أعضاؤها مثل الشجرة،"لا تنس ذكر الله"، كما فكرت آمنة بطريقة فنية في تشجيع الأبناء على الجد والاجتهاد عبر نقش لوحات توضع على مكاتب الأطفال مزينة بورود مكتوب عليها"ما شاء الله فلان"إذ كلما رأى الطفل تلك العبارة أخذ جرعة من التحفيز على الجد والعطاء وترك الكسل، وبذلك يساعد الفن الآباء على حسن تربية أبنائهم استعانة بذوق فني هادف يشرح الصدر.
ولا تكتفي آمنة بذلك بل إن ورشاتها الفنية في العطل المدرسية يستفيد منها الأطفال الصغار، وتعبر عن هدفها من ذلك بقولها:"إن الذي يهمني هو أن ينتقل هذا الفن إلى أبنائنا وبناتنا حتى إذا متنا يحتفظون لنا بالمشعل".
وتتحسر آمنة لواقع عدد لا يحصى من ربات البيوت بقولها:"يحز في نفسي أن أسمع عن ربات البيوت أنهن أسيرات الفراغ، فبالفن يمكن لربات البيوت أن يقمن ورشات خاصة بالرسم أو التطريز، بل ويمكن أن يكون الفن وسيلة من وسائل الدعوة إلى فضائل الأخلاق وحسن المعاملات، بل وتجاوز أعظم المشكلات داخل الأسرة".
وتضيف آمنة:"إن الرسم والفن الهادف بصفة عامة يهدئ الجو داخل البيت ويدفئه، فالأبناء يعايشون هذا الفن مما يجعلهم يميلون نحوه أو غيره من الهوايات، ولا يضيعون أوقاتهم في الفراغ القاتل، كما أنني آخذ برأيهم في أعمالي وهو ما يوطد العلاقة بيننا ويزرع روح التشاور والحوار البناء، ليبقى زوجي في الأخير هو الحكم، ونعم الحكم".
وتؤكد آمنة أن نعمة الدفء التي يضفيها الفن على العلاقات داخل الأسرة لا يستشعرها إلا من ذاق طعمها وأن الفن راحة ومتنفس من المتاعب النفسية التي يمكن أن تصدر حتى من خارج البيت". وتستشهد الفنانة آمنة بالمثل المغربي الذي يقول:"ما تعمله يدك يفرح له قلبك"فذاك شأن اللوحات التي يمكن اعتبارها في بعض الأحيان بمثابة الأبناء.
وعند سؤال آمنة عن الوقت المفضل لديها لممارسة فن الرسم على الزجاج بقولها:"أختار الصباح الباكر بعد صلاة الصبح انطلاقا من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:"بورك لأمتي في بكورها"وفعلا أنا ألمس ذلك حين أرسم في الصباح؛ إذ معظم اللوحات التي أعدها قبل طلوع الشمس تبدو زاهية مما يشجعني على الإبداع، سواء في اختيار الألوان أو الكتابات التي ترافق الرسوم. وحينما أكتب شعرا جميلا أفضل أن يرسم على شكل لوحة زجاجية"
تقييد الإبداع:
سألنا آمنة عن أي نوع من الأعمال الفنية تفضل فأجابت:"أغلب اللوحات التي أعدها هي بالدرجة الأولى تستجيب لطلب نفسيتي، وفي غالب الأحيان الطلبات تكون مبنية على نماذج أعددتها تعجب الزائر فيطلب مثلها".
وأكدت أنها تكره التقيد بمحددات الطلب في إعداد اللوحات الفنية، لأنها من وجهة نظرها لا تسمح للإبداع بالانطلاق. ويكفي آمنة أن تعرف المناسبة التي يقصد طالب اللوحة إهداءها فيها، وبعد ذلك يبقى شكل اللوحة وألوانها من اختيارها لكي تتمكن من العطاء أكثر.
وتضيف آمنة:"معظم لوحاتي هي عبارة عن هدايا تدخل في إطار ثقافة الهدية الهادفة فالذين يشترون اللوحات الفنية يفضلون أن تكون هديتهم في مناسبة زفاف أو عقيقة أو نجاح.. هادفة لا أن تكون مادية فقط. والهدية الهادفة يكون تأثيرها أقوى على الشخص المتلقي.
ذكر الله قوة:
المتأمل في اللوحات الفنية التي تعدها آمنة يلحظ أن معظمها يتضمن أقوالا وحكما وأدعية مأثورة أو وصايا أو آيات قرآنية، وتستدل آمنة على ذلك بقولها:"أعتبر ذكر الله والكلمات الهادفة من عناصر القوة داخل لوحاتي، وأعتبر ذلك من أساليب الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، فمثلما تسوق اللوحات التي تملأ الشوارع منتجات معينة وترسخ ثقافة ما، اخترت أن يكون متأمل اللوحة التي أعدها أمام سلعة تقربه من الله ومن الأخلاق الفاضلة وهو يتمتع بجمال الفن".
وتردف آمنة:"رب كلمة بسيطة رسمت مسار شخص نحو الخير أو الشر. وأنا كلما كتبت عبارة تذكر بالله في لوحاتي سألت الله أن لا أحرم أجر من ذكره."
ومن جهة أخرى تؤكد آمنة أن المرأة يمكن أن تقدم الكثير لخدمة دينها وأمتها من قلب بيتها بواسطة هذا الفن أو غيره، وأحيي النساء اللواتي يخترن لوحاتي لهذا الهدف، بل منهن من شجعنني للمضي في هذا المسار وإخراجه للعموم بعدما كنت أقتصر على الرسم لبيتي وداخل بيتي".
فلسطين السليبة:(15/305)
حاولنا نبش ذاكرة آمنة في مسارها الفني ومحاولة معرفة ما إذا حدث لها مع فن الصباغة على الزجاج حدث مؤثر فقالت:"لا أكاد أنسى حين عرضت بعض لوحاتي التي أعتبرها جد عادية وأعددتها بعفوية في مهرجان نظمته إحدى الجمعيات بالرباط لأجد من يأخذ ثلاث لوحات مقابل ثمانية آلاف درهم والتي جعلتها بدوري مساهمة في عمل خيري لصالح فلسطين المحتلة، وهذه بصمة يحق لي الشرف بجعلها ضمن أعز ذكرياتي".
آخر لوحة:
كم كانت فرحة آمنة عارمة وبادية من إشراقة عينيها وهي تجيبنا عن موضوع آخر لوحة أعدتها، لقد كانت اللوحة هدية منها لزوج بنتها. وأوضحت مضمونها بقولها:"إنها عبارة عن ورود بلون داكن بقوة الحب الذي يربطني ببنتي وزوجها وهذه اللوحة اخترت لها دعاء:"بارك الله لكما وجمع بينكما في خير". وقد قوبلت بنفس القوة التي رسمت بها وبدفء الصلة التي أسأل الله أن يديمها بيننا".
واستطاعت آمنة من خلال هذه اللوحة أن ترسم الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الأصهار، وليس الشكل الذي نجد فيه أم العروس في أغلب الأحيان تتصيد الفرص لتؤجج الصراع بين بنتها وزوجها لأسباب واهية.
لوحة المحرومين!
لم يقتصر اهتمام آمنة على أسرتها الصغيرة أو على زبنائها الذين يعيشون دفء الأسرة الملتئمة، بل إن زياراتها المتكررة لمركز"للا مريم"لحماية الطفولة بالرباط، جعلها تبوح لنا بمشروع لم تكن ترغب أن تعلن عنه إلى حينه، فهي تفكر في تقديم لوحة خاصة بالأطفال المحرومين الموجودين بهذا المركز، كما أنها بصدد دراسة كيفية رسم لوحة جماعية رفقة هؤلاء الأطفال وتسأل الله التوفيق.
وتعلن آمنة عن استعدادها لخدمة هذه الفئة بقولها:"أنا رهن الإشارة لمن يرغب في خدمة المحرومين والمنكوبين بهذا الفن، فلم لا ننظم أياما خاصة بالأطفال المرضى في المستشفيات يتعلمون الرسم على الزجاج وتبقى لوحات من إنتاجاهم في غرفهم ينسون بها هموم ما يكابدونه من المرض؛ خصوصا منهم ذوي الأمراض التي يتطلب الاستشفاء منها المكوث في المستشفى لمدة طويلة".
10/11/1425
22/12/2004
http://www.lahaonline.com المصدر :
============
الأمل
يُحكى أن قائداً هُزِمَ في إحدى المعارك، فسيطر اليأس عليه، وذهب عنه الأمل، فترك جنوده وذهب إلى مكان خال في الصحراء، وجلس إلى جوار صخرة كبيرة.
وبينما هو على تلك الحال، رأى نملة صغيرة تَجُرُّ حبة قمح، وتحاول أن تصعد بها إلى منزلها في أعلى الصخرة، ولما سارت بالحبة سقطت منها، فعادت النملة إلى حمل الحبة مرة أخرى. وفي كل مرة، كانت تقع الحبة فتعود النملة لتلتقطها، وتحاول أن تصعد بها...وهكذا.
فأخذ القائد يراقب النملة باهتمام شديد، ويتابع محاولاتها في حمل الحبة مرات ومرات، حتى نجحت أخيرًا في الصعود بالحبة إلى مسكنها، فتعجب القائد المهزوم من هذا المنظر الغريب، ثم نهض القائد من مكانه وقد ملأه الأمل والعزيمة فجمع رجاله، وأعاد إليهم روح التفاؤل والإقدام، وأخذ يجهزهم لخوض معركة جديدة.. وبالفعل انتصر القائد على أعدائه، وكان سلاحه الأول هو الأمل وعدم اليأس، الذي استمده وتعلمه من تلك النملة الصغيرة.
*حكى الرسول - صلى الله عليه وسلم - لصحابته قصة رجل قتل تسعة وتسعين نَفْسًا، وأراد أن يتوب إلى الله -تعالى- فسأل أحد العباد الزهاد: هل تجوز لي التوبة؟ فأجابه ذلك العابد: لا. فاغتاظ الرجل وقتله وأكمل به المائة، وبعد أن قتله زادت حيرته وندمه، فسأل عالمًا صالحًا: هل لي من توبة؟
فقال له: نعم تجوز لك التوبة، ولكن عليك أن تترك القرية التي تقيم فيها لسوء أهلها وتذهب إلى قرية أخرى أهلها صالحون؛ لكي تعبد الله معهم.
فخرج الرجل مهاجرًا من قريته إلى القرية الصالحة، عسى الله أن يتقبل توبته، لكنه مات في الطريق، ولم يصل إلى القرية الصالحة. فنزلت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، واختلفوا فيما بينهم أيهم يأخذه، فأوحى الله إليهم أن يقيسوا المسافة التي مات عندها الرجل، فإن كان قريباً إلى القرية الصالحة كتب في سجلات ملائكة الرحمة، وإلا فهو من نصيب ملائكة العذاب.
ثم أوحى الله - سبحانه - إلى الأرض التي بينه وبين القرية الصالحة أن تَقَارَبِي، وإلى الأخرى أن تَبَاعَدِي، فكان الرجل من نصيب ملائكة الرحمة، وقبل الله توبته؛ لأنه هاجر راجياً رحمته - سبحانه -، وطامعاً في مغفرته ورحمته.
[القصة مأخوذة من حديث متفق عليه].
*ما هو الأمل؟
الأمل هو انشراح النفس في وقت الضيق والأزمات؛ بحيث ينتظر المرء الفرج واليسر لما أصابه، والأمل يدفع الإنسان إلى إنجاز ما فشل فيه من قبل، ولا يمل حتى ينجح في تحقيقه.
الأمل عند الأنبياء:
الأمل والرجاء خلق من أخلاق الأنبياء، وهو الذي جعلهم يواصلون دعوة أقوامهم إلى الله دون يأس أو ضيق، برغم ما كانوا يلاقونه من إعراض ونفور وأذي؛ أملا في هدايتهم في مقتبل الأيام.
الأمل عند الرسول - صلى الله عليه وسلم -: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على هداية قومه، ولم ييأس يوماً من تحقيق ذلك وكان دائماً يدعو ربه أن يهديهم، ويشرح صدورهم للإسلام.
وقد جاءه جبريل - عليه السلام - بعد رحلة الطائف الشاقة، وقال له: لقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبيْن (اسم جبلين)، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (بل أرجو أن يُخْرِجَ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا) [متفق عليه].(15/306)
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واثقاً في نصر الله له، وبدا ذلك واضحاً في رده على أبي بكر الصديق، أثناء وجودهما في الغار ومطاردة المشركين لهما، فقال له بكل ثقة وإيمان: {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40].
أمل نوح - عليه السلام -: ظل نبي الله نوح - عليه السلام - يدعو قومه إلى الإيمان بالله ألف سنة إلا خمسين عامًا، دون أن يمل أو يضجر أو يسأم، بل كان يدعوهم بالليل والنهار.. في السر والعلن.. فُرَادَى وجماعات.. لم يترك طريقاً من طرق الدعوة إلا سلكه معهم أملا في إيمانهم بالله: {قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهارًا. فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا. وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارًا. ثم إني دعوتهم جهارًا. ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارًا} [نوح: 5-9].
فأوحى الله -تعالى- إليه أنه لن يؤمن معه أحد إلا من اتبعه، فصنع السفينة، وأنجاه الله هو والمؤمنين.
أمل يعقوب - عليه السلام -: ابتلى الله - سبحانه - نبيه يعقوب - عليه السلام - بفقد ولديْه: يوسف وبنيامين، فحزن عليهما حزنًا شديدًا حتى فقد بصره، لكن يعقوب - عليه السلام - ظل صابرًا بقضاء الله، ولم ييأس من رجوع ولديه، وازداد أمله ورجاؤه في الله - سبحانه - أن يُعِيدَهما إليه، وطلب يعقوب - عليه السلام - من أبنائه الآخرين أن يبحثوا عنهما دون يأس أو قنوط، لأن الأمل بيد الله، فقال لهم: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87]، وحقق الله أمل يعقوب ورجاءه، وَرَدَّ عليه بصره وولديه.
أمل موسى - عليه السلام -: ظهر الأمل والثقة في نصر الله بصورة جليَّة في موقف نبي الله موسى - عليه السلام - مع قومه، حين طاردهم فرعون وجنوده، فظنوا أن فرعون سيدركهم، وشعروا باليأس حينما وجدوا فرعون على مقربة منهم، وليس أمامهم سوى البحر، فقالوا لموسى: {إنا لمدركون} [الشعراء: 61].
فقال لهم نبي الله موسى - عليه السلام - في ثقة ويقين: {قال كلا إن معي ربي سيهدين} [الشعراء: 62]. فأمره الله - سبحانه - أن يضرب بعصاه البحر، فانشق نصفين، ومشى موسى وقومه، وعبروا البحر في أمان، ثم عاد البحر مرة أخرى كما كان، فغرق فرعون وجنوده، ونجا موسى ومن آمن معه.
أمل أيوب - عليه السلام -: ابتلى الله - سبحانه - نبيه أيوب - عليه السلام - في نفسه وماله وولده إلا أنه لم يفقد أمله في أن يرفع الله الضر عنه، وكان دائم الدعاء لله؛ يقول - تعالى -: {وأيوب إذ نادى ربه إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} [الأنبياء: 83]. فلم يُخَيِّب الله أمله، فحقق رجاءه، وشفاه الله وعافاه، وعوَّضه عما فقده.
الأمل والعمل:
الأمل في الله ورجاء مغفرته يقترن دائمًا بالعمل لا بالكسل والتمني، قال - تعالى -: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا} [الكهف: 110]. وقال - عز وجل -: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم} [البقرة: 218].
فلا يقول الإنسان: إن عندي أملا في الله، وأُحسن الظن بالله، ثم بعد ذلك نراه لا يؤدي ما عليه تجاه الله من فروض وأوامر، ولا ينتهي عما نهى الله عنه، والذي يفعل ذلك إنما هو مخادع يضحك على نفسه.
روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (حسن الظن من حسن العبادة) [أبو داود وأحمد].
فضل الأمل:
الأمل يدفع الإنسان دائماً إلى العمل، ولولا الأمل لامتنع الإنسان عن مواصلة الحياة ومجابهة مصائبها وشدائدها، ولولاه لسيطر اليأس على قلبه، وأصبح يحرص على الموت، ولذلك قيل: اليأس سلم القبر، والأمل نور الحياة.
وقيل: لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس.
وقال الشاعر:
لا خير في اليأس، كُلُّ الخير في الأمل
أَصْلُ الشجاعةِ والإقدام ِفي الرَّجُلِ
والمسلم لا ييأس من رحمة الله؛ لأن الأمل في عفو الله هو الذي يدفع إلى التوبة واتباع صراط الله المستقيم، وقد حث الله - عز وجل - على ذلك، ونهى عن اليأس والقنوط من رحمته ومغفرته، فقال - تعالى -: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر: 53].
وإذا فعل المسلم ذنبًا فهو يسارع بالتوبة الصادقة إلى ربه، وكله أمل في عفو الله عنه وقَبُول توبته. والأمل طاقة يودعها الله في قلوب البشر؛ لتحثهم على تعمير الكون، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة (نخلة صغيرة)، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسَها فليْغرسْها) [أحمد].
وقال حكيم: لولا الأمل ما بنى بانٍ بنيانًا، ولا غرس غارس شجرًا.
ولولا الأمل لما تحققت كل الإنجازات التي وصلت إليها البشرية، وذلك لأن المخترع لم يتمكن من تحقيق إنجازه من أول مرة في أغلب الأحيان، وإنما حاول تحقيقه مرة بعد مرة دون يأس أو ملل، ولذلك قيل: الأمل يُنَمِّي الطموح والإرادة، واليأس يقتلهما.
فليحرص المسلم على الأمل في كل جوانب حياته، ولْيتمسك به تمسكه بالحياة، ولا يستسلم لليأس والقنوط أبدًا.
وقد قال الشاعر:
أُعَلِّلُ النَّفْسَ بالآمال أَرْقُبُها
ما أَضْيَقَ الْعَيْشَ لولا فُسْحَة الأمل
فالإنسان يصبر على ضيق العيش في الدنيا على أمل أن يفرج الله همومه، ويوسع عليه، ولولا ذلك لضاق الإنسان بمعيشته، يقول الله - سبحانه -: {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87].
http://www.tihamah.net المصدر:
=============(15/307)
اتباع الشهوات .. والفرقة بين المسلمين
أ.د.ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:
يقول الله - عز وجل -: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"
وإن من أعظم الفساد فساد ذات البين الناجم عن اتباع الشهوات أوالشبهات.
إن الأهواء والشهوات تدفع إلى ظلم الغير في سبيل تحصيل الشهوة فيقع الخلاف وينشأ الافتراق "فما يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه، وإلا حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الآراء والأفكار، فإذا استسلم الناس لله ورسوله انتفى السبب الأول الرئيس للنزاع بينهم - مهما اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة - فليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر، إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصر عليها مهما تبين له وجه الحق فيها! وإنما هو وضع "الذات"في كفة، والحق في كفة وترجيح الذات على الحق ابتداء!.. ومن ثم جاء هذا التعليم بطاعة الله ورسوله عند المعركة.. إنه من عمليات "الضبط"التي لا بد منها في المعركة.. " "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ".
وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة علمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل..
وأما الشبهات والتأولات الفاسدة، فتبعد الناس عن الحق إلى أقوال وآراء متباينة، ومن أظهر ذلك الافتراق الذي وقع في الأمة بانحراف ثنتين وسبعين فرقة عن الجادة.
كما أن اتباع الشهوات والشبهات سبب لعدد من الآفات الكفيلة بتمزيق الصف وتفريق الأمة، ولعل من أهمها ما يلي:
أولاً: البغي:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو صاحب تجربة واسعة مع المخالفين، قال - رحمه الله - (الفتاوى 14/482-483): "وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة علمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل كما بغت الجهمية على المستنة في محنة الصفات و القرآن محنة أحمد و غيره، وكما بغت الرافضة على المستنة مرات متعددة، وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته، وكما قد تبغي المشبهة على المنزهة، وكما قد يبغي بعض المستنة إما على بعضهم، وإما على نوع من المبتدعة بزيادة على ما أمر الله به وهو الإسراف المذكور في قولهم: "ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا".
ثانياً: الغرور بالنفس:
فالغرور بالنفس يولد الإعجاب بالرأي، والكبر على الخلق، فيصر الإنسان على رأيه، ولو كان خطأ، ويستخف بأقوال الآخرين، ولو كانت صواباً، فالصواب ما قاله، والخطأ ما قاله غيره، ولو ارعوى قليلاً واتهم نفسه، وعلم أنها أمارة بالسوء، لدفع كثيراً من الخلاف والشقاق، ولكان له أسوة بنبينا - صلى الله عليه وسلم - الذي قال الله - تعالى - له: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران: من الآية159)، وإذا كانت صفة التواضع ولين الجانب من أوائل صفات المؤمنين، فإنها في حق من انتصب للعلم والدعوة والفتوى والتعليم أوجب وأكثر ضرورة وإلحاحاً.
ثالثاً: سوء الظن بالآخرين:
فهو ينظر لجميع الناس بالمنظار الأسود، فأفهامهم سقيمة، ومقاصدهم سيئة، وأعمالهم خاطئة، ومواقفهم مريبة، كلما سمع من إنسان خيراً كذبه، أو أوَّله، وكلما ذُكر أحد بفضل طعنه وجرحه، اشتغل بالحكم على النيات والمقاصد، فضلاً عن الأعمال والظواهر، والمصادرة للآخر قبل معرفة رأيه، أو سماع حجته. ثم هو لا يتوقف عند هذا الحد، بل لسانه طليق في أعراض إخوانه، بسبهم، واتهامهم، وتجريحهم، وتتبع عثراتهم، فإن تورع عن الكلام في أعراض غيره من الفضلاء، سلك طريق الجرح بالإشارة، أو الحركة، بما يكون أخبث وأكثر إقذاعاً، مثل: تحريك الرأس، وتعويج الفم، وصرفه، والتفاته، وتحميض الوجه، وتجعيد الجبين، وتكليح الوجه، والتغير، والتضجر. "وأنت ترى هؤلاء الجراح القصاب، كلما مر على ملأ من الدعاة اختار منهم (ذبيحاً) فرماه بقذيفة من هذه الألقاب المرة، تمرق من فمه مروق السهم من الرمية، ثم يرميه في الطريق، ويقول: أميطوا الأذى عن الطريق فإنه من شعب الإيمان! "
رابعاً: حب الظهور بالجدل والمماراة:
ويكون دافع ذلك في الغالب هوى مطاعاً، وقد يكون قلة الفقه أوالفراغ وترك الاشتغال بما ينفع.
وقد روى الإمام أحمد وغيره عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم قرأ: "ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون".
قال الإمام أبو يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة - رحمهما الله -: "الخصومة في الدين بدعة، وما ينقض أهل الأهواء بعضهم على بعض بدعة محدثة. لو كانت فضلاً لسبق إليها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتباعهم، فهم كانوا عليها أقوى ولها أبصر، وقال الله تعالى: "فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن" [آل عمران: 20]، ولم يأمره بالجدل، ولو شاء لأنزل حججاً، وقال له: قل كذا وكذا".(15/308)
وقال ابن قتيبة - رحمه الله - يصف الحال في أيام السلف عليه الرحمة والرضوان: "كان المتناظرون في الفقه يتناظرون في الجليل من الواقع والمستعمل من الواضح وفيما ينوب الناس فينفع الله به القائل والسامع، فقد صار أكثر التناظر فيما دق وخفي، وفيما لا يقع وفيما قد انقرض.. وصار الغرض فيه إخراج لطيفة، وغوصاً على غريبة، ورداً على متقدم...
وكان المتناظرون فيما مضى يتناظرون في معادلة الصبر بالشكر وفي تفضيل أحدهما على الآخر، وفي الوساوس والخطرات ومجاهدة النفس وقمع الهوى، فقد صار المتناظرون يتناظرون في الاستطاعة والتولد والطفرة والجزء والعرض والجوهر، فهم دائبون يخبطون في العشوات، قد تشعبت بهم الطرق، قادهم الهوى بزمام الردى..".
فلما وقع الناس في الجدل تفرقت بهم الأهواء، قال عمرو بن قيس: " قلت للحكم بن عتبة: ما اضطر الناس إلى الأهواء؟ قال: الخصومات".
وقد روي عن أبي قلابة وكان قد أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تجالسوا أصحاب الخصومات فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون.
قال معن بن عيسى: "انصرف مالك بن أنس رضي الله عنه يوماً من المسجد وهو متكئ على يدي، فلحقه رجل يقال له أبوالحورية، كان يتهم بالإرجاء، فقال: ياعبدالله! اسمع مني شيئاً أكلمك به، وأحاجك وأخبرك برأيي.
قال: فإن غلبتني؟
قال: إن غلبتك اتبعني.
قال: فإن جاء رجل آخر فكلمنا فغلبنا؟
قال: نتبعه!
فقال مالك - رحمه الله -: يا عبد الله بعث الله - عز وجل - محمداً - صلى الله عليه وسلم - بدين واحد وأراك تنتقل من دين إلى دين".
وقال عمر بن عبدالعزيز: "من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل".
وجاء رجل إلى الحسن فقال: "يا أبا سعيد تعال حتى أخاصمك في الدين، فقال الحسن: أما أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه"!
وإذا كان الجدل والمراء والخصومة في الدين مذمومة على كل حال فإنها تتأكد في حق المقلدة والجهال.
ويتأكد ترك المراء والجدل في كل مالا طائل من ورائه كملح العلوم والنوادر، وما لا يثمر عملاً غير السفسطة والتلاسن.
أسأل الله أن يجنبنا وإياكم فتن الشهوات والشبهات، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن يؤلف بين قلوبنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
29/11/1425
http://www.almoslim.net المصدر:
((((((((((((((
الفهرس العام
الباب الحادي عشر – كشكول الدعوة إلى الله (5)
كتاب ربنا مصدر عزنا
الدعوة ومواجهة مؤامرات الأعداء
استقبال المسلم الجديد
فقر المشاعر
سياحة المؤمن
القصة وسيلة دعوية
هذه تجربتي في الدعوة على الأرصفة
لماذا، ومن يستفيد من الحديث عن الخطبة ؟
سياسة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة إلى الله (1 - 2)
الدعوة ميدان واسع
مقولات دعوية تحت المجهر
حبنا للناس سييسر علينا دعوتهم
المسنون وبيت الله
الكنز المفقود
الربانية
كيف يكون الداعية شخصية محبوبة ?
كيف يكون الداعية شخصية محبوبة ( 2- 2 )
مشكلات المجتمع بين الدعاة والآخر
الأشياء الصغيرة
أحمد ديدات ... يسلم عليكم
إضاءات للدعاة والداعيات
توجيهات ونصائح للمرأة الداعية
الخادمة
أسس بناء المساجد في الإسلام
مملكة الروح
امرأة سعودية تسلم على يدها سبع نساء
هكذا علمنا السلف ( 97 )
أصلح ما بينك وبين الله يصلح الله ما بينك وبين الناس
من أجل الارتقاء بالعمل الإرشادي في ترسيخ تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف
مضى عهد النوم
كنا أربعة واليوم صرنا ( 45 ) دانمركية مسلمة
الجوانب الدعوية في حياة المجدد
أصوات تطرب لها الذئاب
كيف أنكر على امرأة متبرجة في السوق
ثلاث كلمات أَعرِفها عن الإسلام
الجنود المجهولون
مزالق الطريق
يا أهل الفجر
هكذا علمنا السلف ( 95 )
التذكير والوعظ
الاعتدال في الدعوة
هل أنت أسد من أسود الله ؟
ماذا أعددنا لكشف الضر والبلاء ؟
شبابنا وثقافة الإنترنت
إلى كل مسلم
لترتفع رسائل الدعاة ... نحو النجوم
قواعد الدعوة إلى الله
فضل الخطابة ومكانتها في الإسلام
في رحاب ليلة القدر
الدعوة واستخدام التقنيات الحديثة
رفقا بالشباب
الخطبة الخطبة يا خطباء الجمعة
أصداء التجديد
كيف تؤتي خطبة الجمعة أكلها ؟
مشاهدات داعية في اليابان
الاستفادة من الأطفال في الدعوة إلى الله تعالى
لم الجهاد ، وهل ثم خيار ...؟!
فقاعة الباطل
جزء من النص مفقود
تجربة داعية
الأمة الواحدة
فقه مواجهة الدعاة لضغوط العمل
الطاقات والمواهب في خدمة الدين
الحكمة وطول النفس
الحق والباطل
الصحوة النسائية
مؤمن آل فرعون (1- 3 )
كيف تعيش أكثر من مرة ؟
عندما يحكم الإسلام وعندما تحكم الجاهلية
الداعية البريطانية سارة جوزيف
الفتور الدعوي عند الشباب الأسباب والحلول
الداعية إذا تزوجت
كيف تدعو من تعول ؟ ليكونوا دعاة
دور المرأة في الدعوة إلى الله .. خديجة نموذجا
حذار من اليأس .. فلا يأس مع الإيمان
ثلاث تجارب دعوية قرآنية معبرة
لطف التدبير
رسالة رثاء وأمل
هكذا علمنا السلف ( 64 ) ابذل ما تحب
الاجتهادات الدعوية وسطوة التناغم
هكذا علمنا السلف ( 93 ) كيف لو رأى زماننا:
العملة المزورة .. بين أهل الدعوة!
قيادة الجماهير
كنت في السوق
لا تلوموني في حبها ؟
التفرغ الدعوى والتقاعد المبكر ... بين الإقدام والتردد
الأزمة الدعوية:
النصيحة
ستون نصيحة للمسلم في يومه وليلته
الإحسان سبب لصيانة الإنسان
احذر أن تصلح بين أقاربك...!!!
أحاديث قروية
مفارقات في شارع العرب
الصبر على مشاق الدعوة إلى الله
حقنة دعوية: اصدق الله يصدقك!
الألمان والإسلام... تجارب داعية(15/309)
لماذا الدعوة إلى الله عزَّ وجل؟
فضول النظر
طالب كلية الزراعة ودوره الفعال
رسالة إلى حارس الأمن
فضول النوم
رسالة إلى مدمن الانترنت
رسالة إلى مدمن الانترنت
رسالة قلبية إلى الباحث عن السعادة القلبية
أفكار دعوية مع الأهل
من المسؤول ؟
يا ربي خذ من دمي حتى ترضى
كيف نؤثر ؟
توجيهات دعوية
الفتور
الدعوات والفتن
العجب وخطره على الداعية
مسؤولية الدعوة .. وشروط الداعية
التعذر
الأزمة الدعوية : إدارية أكثر مما هي منهجية ! ( 1- 2 )
الدعوة إلى الله في القرى ( أهميتها ـ وسائلها ـ عقباتها )
أجر الدعاة وأخلاقهم
داعية فاشل .. لماذا؟!
ثلاث رسائل للشباب
داعية فاشل .. لماذا؟!
عاجل جدا إلى مستخدم الإنترنت
ساهم معنا في بناء مجتمعنا
من صفات الداعية الناجح.. ومقوماته في فكر الشيخ محمد الغزالي
كل منا له دور
معلمة اللاهوت " ميري واتسون " بعد إسلامها
استخدام البالتوك في الدعوة إلى الله عز وجل المقترح
وللحقيقة فقط .. ( 1 )
وللحقيقة فقط .. ( 2 )
وللحقيقة فقط ( 3 )
وللحقيقة فقط ( 4 )
وللحقيقة فقط ( 5 )
وللحقيقة فقط ..(6)
وللحقيقة فقط .. ( 7 )
وللحقيقة فقط ( 8 )
وللحقيقة فقط .. ( 9 )
وللحقيقة فقط ( 10 )
وللحقيقة فقط (11 )
نحو عالمية الدعوة
الدعوة العائلية
أبذر فكرة
الإيجابية ( 1 )
الإيجابية ( 2 )
واجعلنا للمتقين إماماً
دعوة إلى تعليم سماحة الإسلام
المرأة الداعية .. والشهرة .. والمجد !
هكذا علمنا السلف ( 75 ) سلامة القلب من قوة الوعي والفطنة:
ناقص ألف وأربعمائة
دعوة وداعيات " قطر نموذج "
دعاة من الدرجة الثالثة
أيها الشاب الفطن
الدعوة إلى الله في نظر الإسلام
أين نحن من أصحاب الهمم العالية ؟
أيتها القافلة ..
الشيخ أحمد حامل مفاتيح الحرم .. وشعرة في المصحف
المرأة الداعية .. والمرحلة الصعبة
فقه المقاومة
العصف الذهني في الاحتساب !
حكم كشف الوجه
نريد بناء لا ركاما
خارطة طريق الدعوة
إشكاليات العمل الدعوي
وداعا ...
جهاد هناك وتخريب هنا
كيف تصنع رسالة دعوية؟
ولله العزة ولرسوله والمؤمنين
حاجة العمل الإسلامي إلى صيغة جديدة
رجل ذو همة .. يوقظ أمة
وسائل دعوية في السفر
همومه وهمومي
إليك يا من عزمت على السفر إلى الخارج
يا معشر الدعاة (وأتوا البيوت من أبوابها )
طاحونة بلا بذار
أوهام عشنا بها ولها
التحاب
نصيحة إلى أخي الشاب
الشباب بين المهاوي والمعالي
حتى لا يسقطَ منتداكم
من هو الشاب المسلم ؟
أخي إني أحبك في الله
10حقائق للتأمل.. بمناسبة انتهاء عام على احتلال العراق
الداعية بين الابتلاء والتمحيص والفتنة
ادعُ إِلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
كيف تكون إيجابيا
البخلاء
نهاية الفراعنة
حوار مع الداعية المغربي فضيلة الشيخ محمد زحل
سفر الصيف
التخطيط في خدمة الدعوة إلى الله
القدوة وأثرها في الدعوة النسائية
حطم القيود ( 1- 2 )
حطم القيود ( 2- 2 )
حطم القيود .. ضع لك أهدافا
حطم القيود ( 28 )
شيء من الصراحة في عمل المرأة المسلمة الدعوي
وسائل في الحسبة
بلاغ عام إلى الشارع الإسلامي
الخطاب الإسلامي والقضية الكبرى دعوة إلى الثقة
حسن اختيار الوافدين
جائزة إنكار المنكر
غراميات محب للدعوة
إلى أخي الداعية
يا أخي .. اركب معنا ولا تكن مع الغارقين
متى نصر الله ( 1 )
سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله
نظف أسنانك فستحتاج إليها يوم القيامة
أجمل الحياة أن تصنع بأيدي المتعبين
آمنة بناني : داعية إلى الله بالرسم على الزجاج
الأمل
اتباع الشهوات .. والفرقة بين المسلمين(15/310)
المفصل في فقه الدعوة إلى الله تعالى (16)
الباب الحادي عشر - كشكول الدعوة إلى الله (6)
جمعها وأعدها وفهرسها
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الحادي عشر - كشكول الدعوة إلى الله (6)
شيخ الإسلام ابن تيمية يحاور دجاجلة الصوفية البطائحية
ظهرت في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية جماعة تسمى بالبطائحية، وقد كانوا يزعمون الإسلام، وينتسبون إلى الزهد والتصوف، ويدعون التأله والتعبد، ولكنهم يقومون بأعمال شركية، ويظهرون بدعاً ما أنزل الله بها من سلطان، ويحتالون لنيل أغراضهم بالكذب والتلبيس على الناس، ويظهرون أعمالاً وخوارق يدللون بها على أن طريقهم حق وصدق، كالدخول في النار، وملامسة الحيات، وإظهار الدم واللاذن والزعفران وماء الورد والعسل والسكر وغير ذلك.
وقد وقف شيخ الإسلام ابن تيمية في وجه باطلهم، وأنكر عليهم ما خالفوا فيه أحكام الإسلام، وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وجرت بينه وبين رجالهم وزعمائهم مراجعات ومحاورات، فأقام عليهم الحجة، وكشف باطلهم، ثم ناقشهم في محفل عام حضر فيه الأمراء والقواد والعلماء وكثير من أهل دمشق وغيرهم، وسنذكر طرفا مما جرى بينه وبينهم مما ذكره شيخ الإسلام نفسه (1).
* هذه المقدمة وهذا الانتقاء للشيخ الفاضل الأردني أ. د عمر الأشقر - حفظه الله -.
1-مجموع فتاوى شيخ الإسلام (11/445-475)
فمن ذلك أن شيخا منهم استدل على باطله بأنه كان عند بعض أمراء التتر بالمشرق، وكان له صنم يعبده، فقال له الأمير التتري هذا الصنم يأكل من هذا الطعام كل يوم، ويبقى أثر الأكل في الطعام بينا يرى فيه. فأنكر ذلك الشيخ ذلك، فقال له الأمير التتري إن كان يأكل فأنت تموت. فقال الشيخ: نعم. قال: فأقمت عنده إلى نصف النهار، ولم يظهر في الطعام أثر، فاستعظم ذلك التتري، وأقسم بأيمان مغلظة أنه كل يوم يرى فيه أثر الأكل، لكن اليوم بحضورك لم يظهر ذلك.
شيخ الإسلام يكشف سرّ هذه المسألة:
فقال شيخ الإسلام: أنا أبين لك سبب ذلك: ذلك التتري كافر مشرك.
ولصنمه شيطان يغويه بما يظهره من الأثر في الطعام، وأنت كان معك من نور الإسلام وتأييد الله - تعالى - ما أوجب انصراف الشيطان عن أن يفعل ذلك بحضورك، وأنت وأمثالك بالنسبة إلى أهل الإسلام الخالص كالتتري بالنسبة إلى أمثالك، فالتتري وأمثالهُ سود، وأهل الإسلام المحض بيض، وأنتم بلق فيكم سوادٌ وبياض. فأعجب هذا المثل من كان حاضراً!!!
نهي الشيخ لهم عن التعبد بما لم يشرعه الله:
قال شيخ الإسلام: جاءني جماعة منهم مع شيخ لهم من شيوخ البر، مطوقين بأغلال الحديد في أعناقهم، وهو وأتباعه معروفون بأمور، وكان يحضر عندي مرات فأخاطبهُ بالتي هي أحسن؛ فلما ذكر الناس ما يظهرونه من الشعار المبتدع الذي يتميزون به عن المسلمين، ويتخذونه عبادةً وديناً يوهمون به الناس أن هذا سر من أسرارهم، وإنه سيماء أهل الموهبة الإلهية السالكين طريقهم أعني طريق ذلك الشيخ وأتباعه- خاطبتهُ في ذلك في المسجد الجامع.
وكان مما قالهُ لهُ: هذا بدعة لم يشرعها الله - تعالى - ولا رسوله، ولا فعل ذلك أحد من سلف هذه الأمة، ولا من المشايخ الذين يقتدى بهم، ولا يجوز التعبد بذلك، ولا التقرب به إلى الله - تعالى - لأنَّ عبادة الله بما لم يشرعهُ ضلاله، ولباس الحديد على غير وجه التعبد قد كرهه من كرهه من العلماء للحديث المروي في ذلك وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى على رجل خاتما من حديد فقال: (ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟). وقد وصف الله - تعالى - أهل النار بأن في أعناقهم الأغلال، فالتشبه بأهل النار من المنكرات.
وقال بعض الناس قد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الرؤيا قال في آخره (أحب القيد وأكره الغل. القيد ثبات في الدين)، فإذا كان مكروها في المنام فكيف في اليقظة؟!...
فقلت له في ذلك المجلس ما تقدم من الكلام أو نحوا منه مع زيادة. وخوفته من عاقبة الإصرار على البدعة. وأن ذلك يوجب عقوبة فاعله، ونحو ذلك من الكلام الذي نسيت أكثره لبعد عهدي به. وذلك أن الأمور التي ليست مستحبة في الشرع لا يجوز التعبد بها باتفاق المسلمين، ولا التقرب بها إلى الله ولا اتخاذها طريقا إلى الله وسببا لأن يكون الرجل من أولياء الله وأحبائه، ولا اعتقاد أن الله يحبها أو يحب أصحابها كذلك، أو أن اتخاذها يزداد به الرجل خيرا عند الله وقربة إليه، ولا أن يجعل شعارا للتائبين المريدين وجه الله، الذين هم أفضل ممن ليس مثلهم.
التقرب إلى الله بفعل المباح والمكروه والحرام لا يجوز:
فهذا أصل عظيم تجب معرفته والاعتناء به، وهو أنَّ المباحات إنَّما تكون مباحة إذا جعلت مباحات، فأما إذا اتخذت واجبات أو مستحبات كان ذلك ديناً لم يشرعه الله، وجعل ما ليس من الواجبات والمستحبات منها بمنزلة جعل ما ليس من المحرمات منها، فلا حرام إلا ما حرمه الله؛ ولا دين إلا ما شرعه الله؛ ولهذا عظم ذم الله في القرآن لمن شرع دينا لم يأذن الله به، ولمن حرم ما لم يأذن الله بتحريمه فإذا كان هذا في المباحات فكيف بالمكروهات والمحرمات!؟ ولهذا كانت هذه الأمور لا تلزم بالنذر، فلو نذر الرجل فعل مباح أو مكروه أو محرم لم يجب عليه فعله كما يجب عليه إذا نذر طاعة الله أن يطيعه؛ بل عليه كفارة يمين إذا لم يفعل عند أحمد وغيره، وعند آخرين لا شيء عليه، فلا يصير بالنذر ما ليس بطاعة ولا عبادة طاعة وعبادة.
العهود التي تؤخذ على الناس مخالفة للكتاب والسنة:(16/1)
ونحو ذلك العهود التي تتخذ على الناس لالتزام طريقة شيخ معين كعهود أهل (الفتوة)، و(رماة البندق)، ونحو ذلك، ليس على الرجل أن يلتزم من ذلك على وجه الدين والطاعة لله إلا ما كان دينا وطاعة لله ورسوله في شرع الله؛ لكن قد يكون عليه كفارة عند الحنث في ذلك؛ ولهذا أمرت غير واحد أن يعدل عما أخذ عليه من العهد بالتزام طريقة مرجوحة أو مشتملة على أنواع من البدع إلى ما هو خير منها من طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، واتباع الكتاب والسنة؛ إذ كان المسلمون متفقين على أنه لا يجوز لأحد أن يعتقد أو يقول عن عمل: إنه قربة وطاعة وبر وطريق إلى الله واجب أو مستحب إلا أن يكون مما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك يعلم بالأدلة المنصوبة على ذلك، وما علم باتفاق الأمة أنه ليس بواجب ولا مستحب ولا قربة لم يجز أن يعتقد أو يقال إنه قربة وطاعة.
فكذلك هم متفقون على أنه لا يجوز قصد التقرب به إلى الله، ولا التعبد به، ولا اتخاذه دينا ولا عمله من الحسنات، فلا يجوز جعله من الدين لا باعتقاد وقول، ولا بإرادة وعمل.
وبإهمال هذا الأصل غلط خلق كثير من العلماء يرون الشيء إذا لم يكن محرماً لا ينهى عنه؛ بل يقال إنه جائز، ولا يفرقون بين اتخاذه دينا وطاعة وبرا، وبين استعماله كما تستعمل المباحات المحضة، ومعلوم أن اتخاذه دينا بالاعتقاد أو الاقتصاد أو بهما أو بالقول أو العمل أو بهما من أعظم المحرمات وأكبر السيئات، وهذا من البدع المنكرات التي هي أعظم من المعاصي التي يعلم أنها معاصي وسيئات.
نفاق ومداهنة:
فلما نهيتهم عن ذلك أظهروا الموافقة والطاعة ومضت على ذلك مدة والناس يذكرون عنهم الإصرار على الابتداع في الدين، وإظهار ما يخالف شرعة المسلمين، ويطلبون الإيقاع بهم، وأنا أسلك مسلك الرفق والأناة، وأنتظر الرجوع والفيئة، وأؤخر الخطاب إلى أن يحضر (ذلك الشيخ) لمسجد الجامع.
وكان قد كتب إلي كتابا بعد كتاب فيه احتجاج واعتذار، وعتب وآثار، وهو كلام باطل لا تقوم به حجة، بل إما أحاديث موضوعة، أو إسرائيليات غير مشروعة، وحقيقة الأمر الصد عن سبيل الله وأكل أموال الناس بالباطل.
شيخ الإسلام يطلب شيخهم للمناظرة:
فقلت لهم: الجواب يكون بالخطاب. فإن جواب مثل هذا الكتاب لا يتم إلا بذلك وحضر عندنا منهم شخص فنزعنا الغل من عنقه، وهؤلاء هم من أهل الأهواء الذين يتعبدون في كثير من الأمور بأهوائهم لا بما أمر الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله}؛ ولهذا غالب وجدهم هوى مطلق لا يدرون من يعبدون، وفيهم شبه قوي من النصارى الذين قال الله - تعالى - فيهم: {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبلُ وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل}؛ ولهذا كان السلف يسمون أهل البدع أهل الأهواء.
رفضهم للحجاج وإظهارهم الدجل والتهريج:
فحملهم هواهم على أن تجمعوا تجمع الأحزاب، ودخلوا إلى المسجد الجامع مستعدين للحراب، بالأحوال التي يعدونها للغلاب . فلما قضيت صلاة الجمعة أرسلت إلى شيخهم لنخاطبه بأمر الله ورسوله صلى الله - تعالى - عليه وسلم، ونتفق على اتباع سبيله . فخرجوا من المسجد الجامع في جموعهم إلى قصر الإمارة، وكأنهم اتفقوا مع بعض الأكابر على مطلوبهم، ثم رجعوا إلى مسجد الشاغو ـ على ما ذكر لي ـ وهم من الصياح والاضطراب، على أمر من أعجب العجاب، فأرسلت إليهم مرة ثانية لإقامة الحجة والمعذرة، وطلبًا للبيان والتبصرة، ورجاء المنفعة والتذكرة، فعمدوا إلى القصر مرة ثانية، وذكر لي أنهم قدموا من الناحية الغربية مظهرين الضجيج والعجيج والإزباد والإرعاد، واضطراب الرؤوس والأعضاء، والتقلب في نهر بردي، وإظهار التوله الذي يخيلوا به على الردى، وإبراز ما يدعونه من الحال والمحال، الذي يسلمه إليهم من أضلوا من الجهال .
بين البطائحية والأمير:
فلما رأى الأمير ذلك هاله ذلك المنظر. وسأل عنهم فقيل له: هم مشتكون، فقال: ليدخل شيخهم، وأظهر من الشكوى علي ودعوى الاعتداء مني عليهم كلاما كثيراً لم يبلغني جميعه؛ لكن حدثني من كان حاضرا أن الأمير قال لهم: فهذا الذي يقوله من عنده أومن عند الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: بل يقول عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال فأي شيء يقال له؟ قالوا نحن لنا أحوال وطريق يسلم إلينا، قال: فنسمع كلامه فمن كان الحق معه نصرناه، قالوا: نريد أن تشدَّ منا، قال: لا، ولكن أشدُّ من الحق سواء كان معكم أو معه، قالوا: ولابدَّ من حضوره؟ قال: نعم، فكرروا ذلك، فأمر بإخراجهم، فأرسل إليَّ بعض خواصّه من أهل الصدق والدين ممن يعرف ضلالهم، وعرفني بصورة الحال، وأنه يريد كشف أمر هؤلاء.
نصح شيخ الإسلام لهم:
فلما علمت ذلك ألقي في قلبي أن ذلك لأمر يريده الله من إظهار الدين، وكشف حال أهل النفاق المبتدعين، لانتشارهم في أقطار الأرضين، وما أحببت البغي عليهم والعدوان، ولا أن أسلك معهم إلا أبلغ ما يمكن من الإحسان، فأرسلت إليهم من عرفهم بصورة الحال، وأني إذا حضرت كان ذلك عليكم من الوبال، وكثير فيكم القيل والقال، وإن من قعد أو قام قدام رماح أهل الإيمان، فهو الذي أوقع نفسه في الهوان.
فاجتمعوا وأشار عليهم شيخهم بإظهار موافقة الشريعة، والخروج عما ينكر عليهم من البدع، وقال لهم شيخهم: أحوالنا تظهر عند التتار لا عند شرع محمد بن عبد الله، ونزعوا الأغلال من الأعناق وأجابوا إلى الوفاق.
الأمير يصر على كشف باطلهم:
ولكن الأمير أصر على عقد المناظرة لكشف باطلهم، وألزمهم بالحضور.(16/2)
شيخ الإسلام يستنصر ربّه:
قال - رحمه الله -: فاستخرت الله - تعالى - تلك الليلة واستعنته واستنصرته واستهديته، وسلكت سبيل عباد الله في مثل هذه المسالك، حتى ألقي في قلبي أن أدخل النار عند الحاجة إلى ذلك (1)، وأنها تكون بردا وسلاما على من اتبع ملة الخليل، وأنها تحرق أشباه الصابئة أهل الخروج عن هذه السبيل. وقد كان بقايا الصابئة أعداء إبراهيم إمام الحنفاء بنواحي البطائح منضمين إلى من يضاهيهم من نصارى الدهماء.
وبين الصابئة ومن ضلَّ من العباد المنتسبين إلى هذا الدين نسب، يعرفه من عرف الحق المبين، فالغالية من القرامطة والباطنية كالنصيرية والإسماعيلية. يخرجون إلى مشابهة الصابئة الفلاسفة، ثم إلى الإشراك، ثم إلى جحود الحق - تعالى -. ومن شركهم الغلو في البشر، والابتداع في العبادات، والخروج عن الشريعة لهُ نصيب من ذلك بحسب ما هو لائق، كالملحدين من أهل الاتحاد، والغالية من أصناف العباد.
1-يعلق أ. د-عمر الأشقر قائلاً: - رحمه الله - ما كان أسخاهُ بنفسهِ في سبيل إظهار دين الله وإعلاء كلمته.
استثارتهم للناس وجمعهم الأعوان والأنصار:
فلما أصبحنا ذهبت للميعاد، وما أحببت أن أستصحب أحداً للإسعاد، لكن ذهب أيضاً بعض من كان حاضراً من الأصحاب، والله هو المسبب لجميع الأسباب. وبلغني بعد ذلك أنهم طافوا على عدد من أكابر الأمراء، وقالوا أنواعاً مما جرت به عاداتهم من التلبيس والافتراء، الذي استحوذوا به على أكثر أهل الأرض من الأكابر والرؤساء، مثل زعمهم أن لهم أحوالاً لا يقاومهم فيها أحد من الأولياء، وأن لهم طريقاً لا يعرفها أحد من العلماء. وأن شيخهم هو في المشايخ كالخليفة، وأنهم يتقدمون على الخلق بهذه الأخبار المنفية، وأن المنكر عليهم هو آخذ بالشرع الظاهر، غير واصل إلى الحقائق والسرائر. وأن لهم طريقاً ولهً طريق. وهم الواصلون إلى كنه التحقيق، وأشباه هذه الدعاوى ذات الزخرف والتزويق.
سبب انتشارهم في ديار الإسلام:
وكانوا لفرط انتشارهم في البلاد، واستحواذهم على الملوك والأمراء والأجناد، لخفاء نور الإسلام، واستبدال أكثر الناس بالنور والظلام، وطموس آثار الرسول في أكثر الأمصار، ودروس حقيقة الإسلام في دولة التتار، لهم في القلوب موقع هائل، ولهم فيهم من الاعتقاد ما لا يزول بقول قائل.
أنصار الباطل:
قال المخبر: فغدا أولئك الأمراء الأكابر، وخاطبوا فيهم نائب السلطان بتعظيم أمرهم الباهر، وذكر لي أنواعاً من الخطاب، والله - تعالى - أعلم بحقيقة الصواب، والأمير مستشعر ظهور الحق عند التحقيق، فأعاد الرسول إليَّ مرة ثانية فبلغه أنَّا في الطريق، وكان كثير من أهل البدع الأضداد، كطوائف من المتفقهة والمتفقرة وأتباع أهل الاتحاد. مجدين في نصرهم بحسب مقدورهم، مجهزين لمن يعينهم في حضورهم. فلما حضرت وجدت النفوس في غاية الشوق إلى هذا الاجتماع، متطلعين إلى ما سيكون طالبين للاطلاع.
كذبهم على الشيخ وفضح الشيخ لهم وكشف لباطلهم:
فلما وصل الشيخ ذكر لهُ نائب السلطان وغيره أنهم قالوا: أن الشيخ طلبهم للامتحان، وأن يحموا الأطواق ناراً ويلبسونها، فأكذب ذلك وقال للأمير: نحن لا نستحل أن نأمر أحداً بأن يدخل ناراً، ولا تجوز طاعة من يأمر بدخول النَّار.
وفي ذلك الحديث الصحيح. وهؤلاء يكذبون في ذلك، وهم كذابون مبتدعون قد أفسدوا من أمر دين المسلمين ودنياهم ما الله به عليم.
وذكرت تلبيسهم على طوائف من الأمراء، وأنّهم لبسوا على الأمير المعروف بالأيدمري. وعلى قفجق نائب السلطنة وعلى غيرهما، وقد لبسوا أيضا على الملك العادل كَتْبُغَا في ملكه، وفي حالة ولاية حماه، وعلى أمير السلاح أجل أمير بديار مصر.
وضاق المجلس عن حكاية جميع تلبيسهم. فذكرت تلبيسهم على الأيدمري، وأنهم كانوا يرسلون من النساء من يستخبر عن أحوال بيته الباطنة، ثم يخبرونه بها عن طريق المكاشفة، ووعدوه بالملك، وأنهم وعدوه أن يروه رجال الغيب، فصنعوا خشبا طوالا وجعلوا عليها من يمشي كهيئة الذي يلعب باكر الزجاج، فجعلوا يمشون على جبل المزة، وذاك يرى من بعيد قوماً يطوفون على الجبل، وهم يرتفعون عن الأرض، وأخذوا منه مالا كثيرا، ثم انكشف له أمرهم.
قلت للأمير: وولده هو الذي في حلقة الجيش يعلم ذلك، وهو ممن حدثني بهذه القصة. وأما قفجق فإنهم أدخلوا رجلا في القبر يتكلم وأوهموه أن الموتى تتكلم، وأتوا به في مقابر باب الصغير إلى رجل زعموا أنه الرجل الشعراني الذي بجبل لبنان، ولم يقربوه منه، بل من بعيد لتعود عليه بركته، فقالوا: إنه طلب منه جملة من المال؛ فقال قفجق الشيخ يكاشف وهو يعلم أن خزائني ليس فيها هذا كله، وتقرب قفجق منه وجذب الشعر فانقلع الجلد الذي ألصقوه على جلده من جلد الماعز، فذكرت للأمير هذا؛ ولهذا قيل لي: إنه لما انقضى المجلس وانكشف حالهم للناس كتب أصحاب قفجق إليه كتابا وهو نائب السلطنة بحماه يخبره بصورة ماجرى.
وذكرت للأمير أنهم مبتدعون بأنواع من البدع مثل الأغلال ونحوها وأنا نهيتهم عن البدع الخارجة عن الشريعة، فذكر الأمير حديث البدعة وسألني عنه، فذكرت حديث العرباض بن سارية، وحديث جابر بن عبد الله، وقد ذكرتهما بعد ذلك بالمجلس العام كما سأذكره.
الشيخ مستعد لدخول النار لكشف باطلهم:(16/3)