فالحذر كل الحذر من مخالطة هؤلاء، وإياك وحجة إبليس! أن تخالطهم من أجل الدعوة، وتوصيل الحق إليهم! أو مصلحة تغلفها بصبغة شرعية، فإن هذا ليس من هدي السلف - رضي الله عنهم -، فإن الأول دعوا إلى الله - عز وجل - مع وقوفهم على جانب واحد، لا يحيدون عنه قيد أنملة، الكتاب والسنة! دون تقديم أي تنازل، وإن كان في الأمر عسر وصعوبة، إلا أنهم سَحَبُوا الناس إليهم، وأوقفوهم معهم في معسكرهم على الكتاب والسنة، بخلاف من كَثُر من دعاةِ هذا الزمان، يدخلون إلى معسكر العصاة، ويهتدون بهديهم، ويتزينون بزيهم، ويتلبسون بخصالهم وفعالهم، بحجة دعوتهم إليهم! فحتى لو نجحت هذه الدعوة فإن نقطة الالتقاءِ بعيدة، وخاصة إذا كان الداعي فقير العلم، حديث العهد بالالتزام! وذلك لسهولة رجوعه إلى ما كان عليه من قبل، بخلاف من توطَّن المعصية، فإن انتقاله عنها عسير، ومفارقته لما ألف أصعب، فيظل المنتقل إليه، الطالب دعوته، على الحالة التي هو عليها من المخالطة والألف لما هو عليه، حتى يكونا سواءً في التفريط والمعصية، إلا من رحم الله.
وربما يقول قائل لا غنى لي عن الناس، ولا غنى للناس عني، وربما يكون هذا صحيحاً إذا عرف العبد الداء و الدواء، وفرق بين المنحة من المحنة، والعطية من الرزية، والحمل من الذئب، والظباء من الثعالب.
الداء والدواء:
ومخالطة الناس قد تكون داءً، وقد تكون دواءً، ويجب على العبد أن يفرق بين الداء والدواء.
فالدواء كمخالطة الناس في الجمع والجماعات، ومجالس العلم ومالا بد منه، والمخالطة التي هي داء مما لا يعود على العبد بمنفعةٍ إلا التمتع بضياع الوقت، وقضائه بما لا يعود على العبد من نفع. والمخالطة التي هي كالدواء لا يؤخذ منها إلا بقدر محدود وعند الضرورة. فإنه إن زاد عن حده تحول إلى داء.
فإن كثرة المخالطة بلية عظيمة، ورزية جسيمة، فإن العبد يعيش في ستر الله؛ فكم من ذنوب هي لك أخفاها، وكم من عيوب لك عن العباد قد غطاها، فإذا ما كثرت مخالطتك، وسهل الانبساط بينك وبين العباد، ظهرت هذه الذنوب وعُلمت هذه العيوب، فإن جاراك الناس، واستأنسوا بك؛ فعند الفتن والشدائد لا يظهرون إلا العيب، فإذا هم قد ستروا النعمة، وأظهروا النقمة.
فالأخذ بالاحتياط وطلب السلامة أولى، وكلما قلت المخالطة قلت عنك مواد الشِّكَاية، فلن تُسْتبطأ في حقٍ، كعيادة مريضٍ، أو شهود جنازةٍ، أو حضور عُرسٍ، أو وليمةٍ ونحوها.
فالناس إذا فقدوك عذروك، وإذا وجدوك عَذَلُوك واستقصروك؛ وقد يكون لك بعض الأعذار لا يقبلها منك هؤلاء.
فكلما ابتعدت عن المخالطةِ كنت في أمانٍ من مساويهم، وعن محاوراتهم، إلا ما يكفي فضل مؤنة ضرورية لهم أو لك.
فربما رفعوا لك قولا، أو فعلا، حال غفلةٍ، أو عدم انتباه فشنَّعوا عليك؛ أو سمعوا منك كلاما تأوَّلُوه عليك لم تدركه عقولهم.
هذا إن جاريتهم! فكيف لو كنت قوّاماً، وقّافاً بالحق! فإذا هم قد بغضوك، وهجروك، وكنت مضغة على ألسنتهم.
فكم من قلوب قد امتلأت من دخان أنفاس بني آدم حتى اسودت، وأوجب لها تشتتا وتفرقا وهمَّاً وغماً، وكم من مجالسٍ أضاعت مصلحةً وأوقعت مفسدةً، وكم جلبت الخُلطة من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطلت من مِنْحةٍ، وأوصلت من رزية وأوقعت في بلية! وهل آفة الناس إلا الناس.
لقد أوشك أبوطالب أن ينطق بالإسلام لولا جلساء السوء.
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأَبِي طَالِبٍ: يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تعالى -فِيهِ (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ) الْآيَةَ. (6)
وقد أحسن من قال:
يا مَنْ يُريدُ بِزَعْمِهِ الإِخْمَالا *** إِنْ كان حَقّاً فاسْتَعِدَّ خِصالا
تَرْكُ التَّذاكُرِ والمَجَالِسِ كُلِّها *** واجْعَلْ خُروجَكَ لِلصلاةِ خَيَالا
بَلْ كُنْ بِهَا حَيّاً كَأَنَّكَ مَيِّتٌ *** لا يَرْتَجي مِنْهُ القَريبُ وِصَالا
وَأْنَسْ بِرَبِّكَ واعْلَمَنَّ بِأَنَّهُ *** عَوْنُ المُريدِ يُسَدِّدُ الأخْلالا
يُعْطي وَيُثْني بِالْعَطَاءِ تَفَضُّلاً *** بَعْدَ الثَّوابِ وَيَبْسُطُ الآمَالا
مَنْ ذَا يُرِيدُ مَعَ الوَدودِ مُؤْانِسا *** مَنْ ذَا يُريدُ لِغَيْره أَشْغالا
مَنْ ذَا يَلَذُّ بِغَيْرِ ذِكْرِ مَليكِهِ *** مَنْ ذَا يُريدُ لِغَيْرِهِ أَعْمَالا
لا تَقْنَعَنَّ مِنَ الحياةِ بِغَيْره *** وابذُل قِوَاك وقَطِّعِ الأَوْصالا
فَلَئِنْ بَلَغْتَ لأَنْتَ أَكْرَمُ مَنْ بها *** وَلَئِنْ هَلَكْتَ فَما ظُلِمْتَ خِلَالا
مَنْ ذَاقَ كَأْسَ الخَوْفِ ضَاقَ بِذَرْعِهِ *** حتى يَنَالَ مُرَادَه إِنْ نَالا(14/169)
حَاشَا مُؤَمِّل سَيِّدي مِنْ خَيْبَةٍ *** جَلَّ الجَوادُ بِفِعْلِهِ وَتَعالى
حظك من المخالطة: -
وهذا لا يمنع من أخذ حظ النفس من مجالسة الصالحين، ومن تستدعي الضرورة من مجالستهم، كرحم يراد صلته، أو منفعة لا تتم إلا بالمخالطة، مع التحرز من ضياع الوقت وذهابه سدى.
وقد أهدى ابن الجوزي - رحمه الله - نصيحة لمن هذا حاله فقال - رحمه الله -(7):
أعوذ بالله من صُحْبَةِ البطّالين، لقد رأيت خلقا كثيراً يجرون معي فيما اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك التردد خدمة، ويطلبون الجلوس ويجرون فيه أحاديث الناس ومالا يعني، وما يتخلله من غِيبة.
وهذا شيء يفعله في زماننا كثير من الناس، وربما طلبه المزور، وتشوق إليه، واستوحش من الوحدة؛ وخصوصا في أيام التهاني والأعياد، فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض ولا يقتصرون على الهناء والسلام؛ بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان، فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهاؤه بفعل الخير؛ كرهت ذلك وبقيت معهم بين أمرين! إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف، وإن تقبلته منهم ضاع الزمان، فصرت أدافع اللقاء جهدي؛ فإذا غلب قصَّرت في الكلام لأتعجل الفراق، ثم أعددت أعمالا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم لئلا يمضي الزمان فارغا.
فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكَاغَد (8) وبري الأقلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم لئلا يضيع شيء من وقتي، نسأل الله - عز وجل - أن يعرفنا شرف أوقات العمر، وأن يوفقنا لاغتنامه، ولقد شاهدت خلقا كثيرا لا يعرفون معنى الحياة، فمنهم من أغناه الله عن التكسب بكثرة ماله فهو يقعد في السوق أكثر النهار ينظر إلى الناس، وكم تمر به من آفة ومنكر، ومنهم من يخلو بلعب الشطرنج، ومنهم من يقطع الزمان بكثرة الحديث عن السلاطين، والغلاء والرُخْصِ إلى غير ذلك.
فعلمت أن الله - تعالى -لم يُطْلِعْ على شَرَفِ العُمرِ ومعرفة أدوار العافية إلا من وفقه وألهمه اغتنام ذلك{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)}(9) أهـ
قال الإمام الماوردي - رحمه الله -(10): ومن الناس من يرى متاركة الإخوان إذا نفروا أصلح، واطراحهم إذا فسدوا أولى، كأعضاء الجسد إذا فسدت كان قطعها أسلم. فإن شح بها سرت إلى نفسه، وكالثوب إذا خلق كان اطراحه بالجديد له أجمل.
وقد قال بعض الحكماء: رغبتك فيمن يزهد فيك ذل نفس، وزهدك فيمن يرغب فيك صغر همة.
وقد قال بزرجمهر: من تغير عليك في مودته فدعه حيث كان قبل معرفته.
وقال نصر بن أحمد الخبزارازي:
صِلْ مَنْ دَنَا وَتَنَاسَ مَنْ بَعُدا ** لا تُكْرِهَنَّ عَلَى الهوى أَحَدا
قَدْ أَكْثَرَتْ حواءُ إِذْ وَلَدَتْ ** فَإِذَا جَفَا وَلَدٌ فَخُذْ وَلَدَا
فهذا مذهبٌ في من قل وفاؤه، وضعف إخاؤه، وساءت طريقته، وضاقت خلائقه، ولم يكن فيه فضل الاحتمال، ولا صبر على الإدلال، فقابَل على الجفوة، وعاقَب على الهفوة، وطرَح سالف الحقوق، وقابَل العقوق بالعقوق، فلا بالفضل أخذ، ولا إلى العفو أخلد. وقد علم أن نفسه قد تطغى عليه فترديه، وأن جسمه قد يسقم عليه فيؤلمه ويؤذيه، وهما أخصّ به وأحنى عليه من صديق قد تميز بذاته، وانفصل بأدواته فيريد من غيره لنفسه! هذا عين المحال ومحض الجهل، مع أن من لم يحتمل بقي فردا وانقلب الصديق فصار عدواً.
وعداوة من كان صديقا أعظم من عداوة من لم يزل عدوا.
قال الحميدي المحدِّث:
لِقَاءُ النَّاسِ لَيْسَ يُفِيدُ شَيْئاً ** سِوى الإِكْثَارِ مِنْ قِيلٍ وَقَالِ
فَأَقْلِلْ مِنْ لِقَاءِ النَّاسِ إِلَّا ** لِكَسْبِ الْعِلْمِ أَوْ إِصْلاحِ حَالِ
ابحث عن هذا!
قال بعض السلف: إن أردت صديقاً فابحث فيه عن هذه الصفات: أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، برا وصولا، وقورا، صبورا، شكورا، رضيا حليما، رفيقا عفيفا شفيقا، لا لعانا، ولا نماما، ولا مغتابا، ولا عجولا، ولا حقودا، ولا بخيلا، ولا حسودا، بشاشا، هشاشا، يحب في الله، ويبغض في الله، ويرضى في الله، ويغضب في الله.
[من كتاب "مكدرات القلوب" لفضيلة الشيخ /صلاح عبد الموجود]
---------------------
(1) حُفَالَةٌ: الرديء من كل شيء.
(2) البخاري(7023)
(3) صحيح: أبو داود (4342) ابن ماجة (3957) أحمد(7023) الحاكم "المستدرك"(2/172) البيهقي "السنن الكبرى"(6/95)
(4) [سورة الكهف 18/28]
(5) البخاري(5534) مسلم(2628)
(6) البخاري(1360)مسلم(24) الآية: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)} [سورة التوبة 9/113]
(7) "صيد الخاطر(273)"
(8) الكَاغَد: القرطاس
(9) [سورة فصلت 41/35]
(10) "أدب الدنيا والدين ص346"
http://www.salahmera.com المصدر:
=============
الدعوة الإسلامية بين جوهرها في منهاج الله وبين مسيرتها المعاصرة
عدنان علي رضا النحوي
لقد تأثر المسلم اليوم تأثَّراً كبيراً بتاريخ العمل الإسلامي في القرنين الأخيرين، وبخاصة القرن العشرين، بكل ما حمل العمل الإسلامي من عاطفة البذل دماً ومالاً، ومن الخطأ والصواب، ومن الفرقة والتمزّق.
لقد كان التأثَّرُ فكريّاً ونفسيّاً، وكان يختلف من فئة إلى فئة، ومن رجل إلى رجل، ومن مرحلة إلى مرحلة، ومن بيئة إلى بيئة.(14/170)
وكان لاضطراب الفكر والتصوّرات وتناقضها، وكثرة الآراء والفتاوى وتصادمها، أسوأ الأثر على نفوس الناشئة وعقولهم وآمالهم.
وكان لكثرة الشعارات واختلافها تأثير آخر. وزاد التأثير سوءاً حين استمرَّتْ الشعارات تُدوّي حتى بُحَّتْ الحناجر، ثمَّ انكشفت الشعارات بعد عشرات السنين عن هزائم وفواجع، وعن سقوط الديار وضياع الثروات، وعن كثرة القيل والقال، وانعكس ذلك في نفوس كثيرة إلى إحباط يقترب من اليأس.
ومما كان له أثر كذلك عدم معرفة الأخطاء وعدم الاعتراف بها إذا عُرِفَتْ، وعدم معالجتها، حتى تراكمت أكواماً تحجب الرؤية السليمة وتزيد النفوس إحباطاً.
كثير من المسلمين الذين يُصلُّون ويؤدُّون الشعائر، رضوا بأن يؤدُّوا الشعائر ثم يقبعوا في بيوتهم لا يبالون بما يجري من حولهم، إلا بمجالس الشكوى والتذمّر، ونقد الآخرين والعتب على هؤلاء وهؤلاء، دون أن يسألوا أنفسهم ماذا عملوا هم أنفسهم. يريدون أن يعمل غيرهم ليظلّوا هم قابعين يقتلون وقتهم دون إنتاج في الحياة يخدم الأمة أو الدين. أو يقتلون الوقت بأعمال متفلتة، أو عمل جامد متوقف! أو عمل مخالف لدين الله يحمل الفتنة وبذور الشرّ.
وجاءت أمور بعد أمور تلهي المسلم عن واجباته الشرعية والتكاليف الربانية بألف وسيلة ووسيلة، حتى انغمس الكثيرون في أسباب اللهو والتلهّي والانصراف عن الجد، والانصراف عن الآخرة إلى الدنيا تحت شعار الإسلام!
وكثيرون يفرغون نشاطهم في أمور لا تحتل المرتبة الأولى في الواجبات والتكاليف، ولكنَّها الأيسر والأدنى، والأبعد عن جديّة المسؤوليات. يأخذون ببعض السنن ويتركون الواجبات والفرائض.
إذا جاء رمضان المبارك امتدت الولائم واشتدَّ الإسراف، وهرع مئات الألوف إلى العمرة، ولا بأس في ذلك لو لم يتركوا واجبات هي في دين الله أحقُّ بالوفاء.
وظنَّ الكثيرون أنَّ الدعوة الإسلامية هي انتماء لهؤلاء أو هؤلاء. ومن خلال هذا الانتماء تتجمّع الحشود والأعداد الغفيرة، وتتنافر مع حشود أخرى وأعداد غفيرة، وتتمزّق الجهود، ويدور الصراع، وينعكس ذلك كله على نفوس كثيرة من المسلمين، ينعكس بصورة سلبية تزرع النفور والإدبار عن العمل والبذل، وتضيع مصالح المسلمين بين الكبر والاستكبار، والجهل والغفلة.
وما عانى منه العمل الإسلامي من ابتلاء بعد ابتلاء ومحن بعد محن، وارتجال بعد ارتجال، وعاطفة هائجة بعد عاطفة، في أجواء التفلّت والعصبية الجاهليّة المحرّمة، كل ذلك زرع في بعض النفوس الخوف والتردد والعزوف.
وظنَّ بعضهم أن العمل الإسلامي والدعوة الإسلامية تربية فحسب، أو دراسة فحسب، وتلاوة كتاب الله أو حفظه، ودراسة ما يكتبه رجال جماعتهم أو حزبهم، عازفين عما يكتبه مسلمون آخرون ليسوا من جماعتهم ولا من حزبهم. فنشأت بذلك اتجاهات فكرية متنافرة تحت شعارات متقاربة، وهاجت فتن وفتن.
وأصبح العمل الإسلامي يكاد يجمّد كثيراً من الطاقات وهي تخضع لا شعوريّاً إلى العوامل السابقة، من إحباط ويأس، وخوف وتردد وحَيْرة. واكتفى الكثيرون بالتلاوة أو شيء من الدراسة مع الشعائر، وأقبلوا على الدنيا يعطونها وقتهم وجهدهم ومالهم، ويفرغون فيها آمالهم الحقيقية، ويعطون للإسلام أماني عاطفية، وأوهاماً وأحلاماً، وهم غارقون فيما غرقوا به، خدعوا أنفسهم بمسوّغات زيّنها لهم الشيطان وجنوده من الإنس والجنّ.
ولو أن أحدهم وقف مع نفسه وسأل: ماذا بذلت لنصرة دين الله وقد انتسبت إلى دعوته وحمل رسالته؟! لو سأل نفسه هذا السؤال لوجد أنه بذل بذلاً لا يقيم دعوة ولا ينصر ديناً، ولو قارن بذله مع ما يبذله الذين انتسبوا إلى دعوات التنصير وغير التنصير لعرف الفرق الهائل بين البذلين، ولأدرك حقيقة الفرق الهائل بين ما حققه هو ومن معه وبين ما بلغه أولئك!
ومضى الحال على ذلك سنين طويلة، حتى اعتاد الملايين من المسلمين الركون إلى الدنيا وأحلامها الوردية، والركون إلى ما هم عليه من جهد ميّت وبذل جامد وركود. وحسبوا أن ذلك هو الدعوة الإسلامية.
وعندما يرون النهج والخطة ويعتقدون أنَّ فيه الحياة والنجاة، فمنهم من يحوّل العمل إلى عواطف وارتجال بما استقرَّ في نفوسهم من ذلك من ضغط الواقع، أو إلى شعارات تثير الفتن، وتوهن القوى، دون أن يُتابعوا النهج أو الخطة، ودون أن يلتزموا، ويظلّ شياطين الإنس والجنِّ يزيّنون لهم أعمالهم. وتصبح الأعمال فردية متناثرة.
انتسبوا إلى دعوة الله ورسالته ليحملوها ويبلغوها إلى النَّاس كافّة، وقد فصّل الله - سبحانه وتعالى - الدرب كلّه، في تفصيل بعد تفصيل، ووضوح بعد وضوح، ومع ذلك تجد الكثيرين ممن ينتسبون إلى دعوة الله، لم يدركوا حقيقة الدعوة الإسلامية، وركنوا إلى مجرّد القراءة والدراسة، دون أن ينهضوا إلى التكاليف الرّبّانيّة المفصّلة. وربما نهض النشيط بعد ذلك إلى عمل آخر متفلّت عن النهج والخطة، خارج عن الدرب، فذهب هذا يميناً وهذا شمالاً، وتناثرت الجهود وضاعت. وفي اللحظات الأولى يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يُحْمدوا. وبعد سنين طويلة يكتشفون أن الجهود لم تثْمر، وأن الخسائر واضحة، والهزائم متتالية، والفواجع ساحقة، ولكن لات ساعة مندم!
عجباً كلّ العجب:
الآيات في كتاب الله بيّنة ترسم الدرب الحقَّ الجامع!
وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - جليّة فاصلة حاسمة!
والأحداث والنكبات تدقُّ وتقرعُ لتُوقِظَ الغافلين!
عجباً كل العجب! ففضل الله عظيم على المؤمنين أن يسَّر لهم كلّ ما ينذرهم ويوقظهم، ويهديهم وينير لهم الدرب، ليكونوا أمّة واحدة، وصفَّاً واحداً كالبنيان المرصوص!
عجباً كلَّ العجب! كتاب مبين!
وحديث شريف!
وسنة نبويّة!(14/171)
ونكبات وقوارع!
ويظلُّ المسلمون متفرّقين، ممزّقين، وتظلُّ الجهود تتناثر، ويظلُّ الغافلون غافلين. ويظلّ بعضهم يسأل: لماذا نهزم؟! متى يأتي النصر؟!
ونقول لمن يسأل: يأتي النصر حين تفيق وتنهض، وتمضي على الصراط المستقيم، إلى هدف ربَّاني بعد هدف ربَّاني، لتكون الدعوة إلى الله ورسوله دعوة منهجيّة تمثّل الهدف الذي يصاحب كلّ الأهداف، وليكون البناء والإعداد، والتربية والتدريب الهدف الرباني الثاني الذي يصاحب سائر الأهداف مع الهدف الأول. وتمضي في جهد وبذل وجهاد على عمل منهجي إلى سائر الأهداف الربانية لتحقيقها في الواقع البشري ماضياً إلى الهدف الأكبر والأسمى في الدار الآخرة! ليكون العمل ليس مجرّد دراسة وقراءة، ولا شعارات وعواطف، ولكنه عمل بناء وإعداد متعدد المراحل.
هذا هو النهج، وهذا هو الصراط المستقيم الذي بيّنه الله لنا وفصّله، ليجمع المؤمنين في الأرض كلها أمة واحدة وصفّاً واحداً كالبنيان المرصوص. الطريق ممتدّ مشرق لمن أراد أن يمضي عليه، ويضع جهده وبذله فيه، فلا يقعد مع الشعائر وحدها تاركاً سائر المسؤوليات والتكاليف، ولا يقعد مع الدراسة وحدها تاركاً سائر التكاليف، أو تاركاً الصراط المستقيم والنهج الممتدُّ عليه، لِيُزَيّن شياطين الإنس والجن كلَّ يوم عملاً متفلّتاً من النهج، يغذّيه الهوى والارتجال والعواطف الهائجة، أو تغذّيه العصبيات الجاهلية من حزبيّة ووطنيّة وإقليمية وقومية وعائلية ومصالح دنيوية مخفيّة بين دويّ الشعارات!
نجاة المسلمين اليوم بترك الارتجال وعواطفه المائجة الهائجة، وترك العصبيات كلّها، وصبّ الجهود ليلتقي المؤمنون الصادقون على نهجٍ بيّنٍ مُشْرِقِ، وعلى أهداف محدّدة جليّة، وعلى خطة عمليّة، يجهرون بها كلهم، صوتاً واحداً ودعوة واحدة.
أمام المؤمنين فرصة صادقة إذا أرادوا النجاة. فالدرب واضح، وما كان الله - سبحانه وتعالى - ليذر المؤمنين تائهين دون أن يُبيّن لهم الدرب الحقّ، درب النجاة والنصر!
أيها المؤمنون! هذا هو درب النجاة والنصر، فالتزموه! ولا تدعوا شياطين الإنس والجنّ تُزيّن لكم الفُرْقة والعصبيات ولا القعود والركون!
ومن أراد أن يقف في مرحلة على الصراط المستقيم دون أن يتابع السير، ومن أراد أن يتراجع، ومن أراد أن ينحرف، فذلك شأنه وحسابه عند الله، ولا يتّهم الكِتاب والسُّنَّة.
وسنظلُّ نقول للمسلمين جميعاً:
النهج والتخطيط!
الإدارة والنظام!
الصراط المستقيم!
إلى الكتاب والسنّة ومدرسة النبوة الخاتمة لِيُجْلى ذلك كلُّه!
إلى ردِّ الأمور كلّها إلى منهاج الله!
إلى التبرّؤ من العصبيات الجاهلية!
إلى صدق النيّة الواعية التي تعرف الهدف والدرب خالصة لله - سبحانه وتعالى - دون شرك أبداً.
ولا أعتقد أنَّ ذلك يمكن أن يتمّ بسهولة، فأمامه عقبات وعقبات، ولكنّه الحقّ! وهو سبيل النجاة في الدنيا والآخرة!
وأول الأمر من أجل ذلك، من أجل تحقيقه، من أجل النجاة من فتنة الدنيا ومن عذاب الآخرة، أوّل الأمر وآخره:
" حتى نغيّر ما بأنفسنا "
فهناك المعركة الأولى والجهاد الأول الذي يمضي مع كلّ مراحل الجهاد: (المجاهد مَنْ جاهد نفسه في الله)
ولنتذكر قوله - سبحانه وتعالى -: (ولو ترى إذ وقفوا على النَّار فقالوا يا ليتنا نُرَدُّ ولا نُكذّبَ بآيات ربِّنا ونكون من المؤمنين) [الأنعام: 27]
وكذلك قوله - سبحانه وتعالى -: (بل بدا لهم ما كانوا يُخْفون مِنْ قبلُ ولو رُدُّوا لعادوا لما نُهو عنه وإنَّهم لكاذبون) [الأنعام: 28]
أيها المؤمنون! استيقظوا وأفيقوا قبل أن يأتي الطوفان! الدعوة الإسلامية يجب أن تقدّم الإسلام كما أُنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، دون تأويل فاسد ولا تبديل ولا انحراف. يجب أن يُعرض الإسلام كلّه بنقائه وصفائه على الناس كافة وأن نكون أمناء فيما نقول ونمارس.
ليست قضيّة الدعوة الإسلامية أن نصبَّ الجهود كلَّها في قضيّة جزئية لنثبت للعالم أنَّ هذه القضية الجزئية أو تلك متوافرة عندنا، ثمَّ نأخذ قضية جزئيّة أخرى، وهكذا. لكننا نعرض الإسلام كما أُنزِلَ على محمد - صلى الله عليه وسلم - ونعرض أيَّ قضيّة جزئية من خلال الإسلام كلّه وعرضه كلّه، ومن خلال النهج العام والخطة المتكاملة للعرض والدعوة والبلاغ، والتربية والبناء، والإعداد والتدريب، وسائر قضايا النهج المتكامل، لتأخذ هذه القضايا الجزئية ارتباطها الصادق بالإسلام، بالإيمان والتوحيد، بالدار الآخرة، بالنهج كلّه.
الدعوة الإسلامية لا تدخل فيها التنازلات عما جاء به الوحي الكريم، ولا المساومات عليه. نعرضه بتكامله واضحاً صريحا قويّاً. وإنَّ أيَّ إخفاء لحقائق هذا الدين يصيبنا بما أصاب أهل الكتاب حين حرّفوا وأخفوا وبدّلوا.
إنَّ مجاملة أعداء الله ومحاولة التقرّب إليهم. بحمل شعاراتهم وأفكارهم، ومحاولة إثبات أن هذا أو ذاك هو من الإسلام بتأويل فاسد لبعض الآيات والأحاديث، إنما هو فتنة يجب التبرّؤ منها. فأعداء الله يعرفون من ديننا الكثير، فإنَّ تلك المجاملات والتنازلات والادعاءات تجعلنا نخسر أمرين أساسين خسارة تورثنا الهزيمة بعد الهزيمة: الخسارة الأولى رضا الله، والخسارة الثانية احترام الأعداء لنا الذين يعرفون أننا بدَّلنا وغيَّرنا.
إنَّ شياطين الإنس والجنّ يستدرجون بعض المسلمين ليتنازلوا عن بعض قواعد الإسلام، ويزيّنون لهم ذلك، حتى إذا أفلحوا في خُطْوةٍ دفعوهم إلى خُطْوةٍ أًُخرى، وهكذا. إنها خطوات الشيطان: خطوة خطوة!(14/172)
(يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خُطوات الشيطان ومن يتّبع خُطوات الشيطان فإنَّه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً ولكنَّ الله يُزكّي من يشاء والله سميع عليم) [النور: 21]
كلَّما طلع شعار من الغرب هرعنا إليه لنتمسَّك به تحت شعار الإسلام، فإذا تبدّل الشعار بدَّلنا وأقبلنا على الشعار الجديد. نبدّل الشعارات كما نبدّل أشكال الملابس التي تأتينا من الغرب، يوماً نرفع الاشتراكية، ويوماً نرفع الديمقراطية، ويوماً نرفع العلمانيّة، ويوماً نرفع الحداثة، وغيرها!
في بعض المؤتمرات كان داعية مسلم يدعو إلى الديمقراطية! فعجبت وقلت له: للديمقراطية دول تدعو لها، وأنت داعية مسلم، فلمَ لا تدعو إلى الإسلام؟! فقال: إننا نريد الحرية والعدالة والمساواة! فقلت إذا لم تكن هذه في الإسلام فأعلن عن ذلك؟! وإن كانت في الإسلام أصدق وأبرَّ وأغنى فلِمَ نعزوها ظلماً وخداعاً إلى الديمقراطية؟!
هل الديمقراطية من الإسلام أم ليست منه، ويطول الخلاف، ويبقون في خلافهم لا تُطبّق الديمقراطية ولا يُطبّق الإسلام. وهذا يظلُّ شعاراً وذاك شعاراً. ومثل ذلك مع سائر الشعارات. لم تتحوّل الديمقراطيّة إلى الإسلام، ولو ألصقوا بها كلمة " الشورى "، الديمقراطية بقيت هي الديمقراطية بجذورها الوثنيّة وأساليبها العصريّة المزخرفة وشرورها الممتدة في الأرض. ولكن الشورى أخذها بعضهم ليحوّلها إلى ديمقراطية ويبعدها عن أُسسها الربَّانيّة، فخسروا كلَّ شيءٍ.
المذاهب الفكرية الغربية، والفلسفية والأدبية والنقدية، كلُّها نبعت ونمت من أصول وثنيّة، ومضت مع أحداث الصراع بين الوثنية والنصرانية الوافدة، فانحرفت النصرانيّة، وأخذت الكثير من الوثنية، وامتدَّ الصراع بين الكنيسة الكاثوليكية والعلماء، ثم بينها وبين الملوك والحكام، فَشُوِّهَتْ معانٍ كثيرة من معاني الإيمان، وغاب التوحيد الحقّ بصفائه وجلائه وبدأ الشرك ينفث سمومه وينثر بذور العلمانيّة من خلال فلسفات ماديّة ومثالية، حتى استقرَّت العلمانية وامتدت، وسيطرت على ميادين الحياة الغربية كلها: الفكرية والفلسفية، والقانونية والتربوية والاجتماعية والأدبية والنقد، وعلى مذاهب ذلك كلّه، وكذلك على أنظمة الحكم وفلسفتها، وعلى الإعلام. ثمَّ تطورت حتى نشرت الجنس والفاحشة والخمر أساساً للحياة والحريّة الفردية والنشاط العام. فامتدت الجريمة والمخدرات، والظلم والعدوان في حروب عاصفة تذهب بأرواح الملايين، لا يستفيد من ذلك كلّه إلا حفنة من عصابات المجرمين في غابات المطامع والشهوات والنساء والمال.
يجب أن تعود الدعوة الإسلامية كلّها صفا واحداً، صافياً نقياً، تحمل رسالة واحدة، وتسير على درب واحد وصراط مستقيم، إلى أهداف ربَّانيّة محدّدة.هذا وإلا الهلاك!
وكلُّ مسلم سيحاسَبُ يوم القيامة عن نيّته، وكلمته، وموقفه، وما بذل وجاهدَ في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا!
http://www.alnahwi.com المصدر:
=============
ماذا نعمل ؟ !
خالد محمد مسعود القحطاني
ماذا نعمل؟! سؤال قد يتبادر إلى الذهن أنه سهل الإجابة؛ ولكنه صعبها، إنه يعني باختصار: أن تخدم دينك الذي يطلب منك الكثير، وأمتك التي تنتظر جهودك في تصحيح أوضاعها..
وفيما يلي إجابة سريعة للسؤال: ماذا نعمل؟!
1- لا بد أولاً من تحديد القدرات الشخصية والإمكانات الذاتية؛ فمعرفة الذات والتعرف على الإمكانات يعتبران فاتحة أولية للعمل والانطلاق فيه.
2- ترتيب الأمور الدعوية: المهم فالأهم، ووضع أولويات تقع في رأس القائمة، ويبدأ بتنفيذها بشكل متقن وجذّاب، ثم بعد الانتهاء منها تنتقل لما بعدها ثم التي تليها حتى تصل إلى مبتغاك بكل يسر وسهولة.
3- لن يتسنى ذلك إلا بتقسيم العمل إلى مراحل عدة، ووضع خطط معينة لكل مرحلة، ومتابعة تنفيذها ووضع وقت محدد لإنجاز الأعمال خلاله.
4- ينبغي أن يتعلم الإنسان من خلال ذلك تقويم إنجازه، ووضع نسبة مئوية يحدد من خلالها حجم ما أنجزه من مهمات، وما قصّر فيه حتى يتلافى الأخطاء.
5- الحرص قدر المستطاع على الأعمال الجماعية فهي أجدى وأحسن من العمل الفردي المجبول بالنقص والقصور، ويجب أن يتم ذلك من خلال فريق عمل متجانس، فيختار للعمل معه من يعينه بهمته أولاً، وبجهوده ثانياً.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============
حراسة السفينة
د. رياض بن محمد المسيميري *
الحمد لله، وبعد:
فإنَّ لهذه الأمة خصائص تميزها، ومزايا تخصها تنفرد بها عن غيرها من الأمم، ولا عجب فهي الأمة الوسط، وهي الأمة المجتباة، وهي الأمة المختارة لتكون شاهدة على الأمم، مقدمة على الشعوب!
هذه المرتبة المتميزة، والمكانة المتسنمة فوق القمم، لم تكن لتأتي هكذا اعتباطاً! فهي ليست لسواد في أعين أبنائها، ولا لفتوة في مناكب شبابها..ولكن "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله".
فبالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر حظيت الأمة برفعة المنزلة، وفازت بقصب السبق وتسنمت علو المقام!
ولنا أن نتساءل: ترى أما زالت الأمة محتفظة بأسباب رفعتها، ومناط عزها وفخرها؟ أما زالت السفينة محتفظة بتوازنها، ممتنعة متحصنة ممن يريدون خرقها، ويجتهدون في إغراقها؟
تجيبك أيها الأخ الكريم: تلك الجموع الهائلة حول الأضرحة والمشاهد، تستغيث بغير الله - تعالى -، وتنزل حوائجها بمن لا يملك نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا! وتجيبك جموع المتخلفين عن الصلوات المكتوبة، المنشغلين عنها بسفاسف الأمور.(14/173)
تجيبك الأجساد العارية على شواطئ البحار، وضفاف الأنهار باسم الترفيه والاستجمام!
تجيبك حانات الخمور، وطاولات القمار، ودور السينما، ومراتع الفساد المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين!
تجيبك تلك الأجيال الهزيلة، من ذوي الاهتمامات التافهة، والهوايات السخيفة، والتي لا تتعدى في الجملة صقل الوجوه وتلميعها، وتصفيف الشعور وتسريحها، ومتابعة الكرة والتصفيق لها!
هذه بعض الثمرات المرة يوم عُطِّلت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصبح كل ذي هوى حُرًّا في فعل ما يشاء دون حسيب أو رقيب! وأمام هذا الإسفاف يتساءل المسلم الغيور، ماذا تراه يصنع أمام هذا الطوفان الجارف والركام النكد؟!
أتراه يقف مكتوف اليدين متمتماً بالحوقلة والاسترجاع، ملقياً بالتبعة على غيره مردداً:
ذهب الذين يُعاش في أكنافهم *** وبقيتُ في كَنَفٍ كجلد الأجرب
رفع الإمام البطل لواء دعوته، وجاهد تلك النماذج المهترئة من البشر، غير هياب ولا وجل، ووقف راسخ القدمين أمام إعصار الفساد المدمِّر، مستعيناً بالله متوكلاً عليه، حتى قيض الله للإمام من يسانده ويقف معه في خندق واحد، حتى تحققت المعجزة وتجسد الحلم حقيقة فوق أرض الواقع، وزهق الباطل، وعادت نجد دوحة للإسلام ومعقلاً للتوحيد، ولمثل هذا فليعمل العاملون.
هذا أنموذج واحد وغيره كثير، إذاً فالصراع بين الحق والباطل، وبين الفضيلة والرذيلة، ليس بخاضع أبداً إلى حسابات من نوع (واحد + واحد يساوي اثنين)، وإنما هو يخضع لمثل قوله - تعالى -: "وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً"!
ولمثل قوله: "كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله"!
ولمثل قوله جل جلاله: "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين... ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون قالوا أألهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون"... وغيرها من الآيات الواضحات البينات التي تؤكد أن العاقبة للتقوى، وأن المستقبل للإسلام، وأن القوة لله جميعاً، وأن الله شديد العذاب!
إن قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليست قضية خاضعة للبحث والمناقشة وتبادل وجهات النظر هل تكون أو لا تكون، ولكنها قضية محسومة سلفاً، باعتبارها ركيزة من ركائز الدين، وعموداً من أعمدة الإسلام، وهي ليست مجرد مسألة شخصية تتعلق بشخص المُنكِر، أو بشخصية المُنكَر عليه، كلّا كلا، ولكن المسألة لها علاقة جد وثيقة بالأمة كافة، فشيوع المخالفات الشرعية ضرب للأمة في الصميم، وتمزيق لوحدتها دون شك أو تردد.
وحديث السفينة المشهور، شاهد حي بأن أثر المنكر يتجاوز حيز صاحبه ليمتد فيغمر بظلاله القائمة المجتمع كله، فحين تُخرق السفينة فلن يميز الطوفان الجارف بين مَنْ خرقها ومن لم يخرقها! ولكنه سيدفن الجميع تحت أمواجه العاتية!
لقد ظل أنس - رضي الله عنه - يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين كما حدّث هو بنفسه، فلم يقل له يوماً ما لشيء فعله لم فعلته؟ ولا لشيء لم يفعله هلا فعلته؟
يا لله العجب عشر سنين من التجاوز المعيشي، والتلاصق المباشر، ورغم ذلك لم يحصل العتاب أو الإنكار، ولا لمرة واحدة!
يتحدثون مخافة وملاذة *** ويُعابُ قائلهم وإن لم يشغب
أم تراه ينجفل إلى أهله مردداً بينه وبين نفسه: أمسك عليك لسانك، وابك على خطيئتك وليسعك بيتك؟!
إن الإجابة -أيها الغيور على محارم الله- تجدها في قوله جل جلاله: "فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين".
وفي قوله - عليه الصلاة والسلام -: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".
إن السبيل الوحيد للحافظ على بنية الأمة وتماسكها في عقائدها وأخلاقها، وقيمها ومبادئها هو بإقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفق منهاج النبوة دون أن تغرنا جولة الباطل وصولته وبريقه ولمعانه!
فمتى تضافرت الجهود، وحسنت النوايا، وصدقت العزائم، انكمش الشر وانزوى، ثم تلاشى وانطفأ!
واقرأ قوله - تعالى -: "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون"، وقوله: "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
كم يخطئ البعض حين يلجأون إلى المقاييس الحسابية، ويعقدون المقارنات الحسية بين الباطل وكثرة سواده، وبين الحق وأهله الغرباء! فاللجأ إلى مثل هذه المقاييس خطأ فادح وغلط كبير، يشلُّ الحركة ويثبط الهمم، ويفتر الحماس ويبعثر الجهود، ويعطل مسيرة البناء.
فالصراع بين الفضيلة والرذيلة لا يخضع أبداً لتلك المقاييس الأرضية، ولا لهاتيك المعايير الحسية، وإلا لماذا ذاق المسلمون حلاوة النصر في بدر والقادسية وعين جالوت وغيرها من ملاحم أسد الشرى ونمور الورى.
ولو كان الصراع يخضع لحساب العدد والعدة لما خاض داعية غمار الدعوة إلى الله، ولما سابق مصلح في مضمار الذود عن دين الله.
هذا الإمام المجدد شيخ الإسلام قدس الله روحه- يرفع لواء السلفية في نجد وحيداً فريداً يوم كانت نجد بؤرة الإلحاد ومستنقع الوثنية، يوم كانت عبادة القبور على قدم وساق، وتعظيم الأحجار والأشجار، يعصف بما تبقى من عقول الرجال، ويذيب ما عُلِّق بالنفوس من مروءة وحشمة ووقار.(14/174)
فهل كان أنس - رضي الله عنه - معصوماً، بحيث لا يخطئ أو يفعل خلاف الأولى على أقل تقدير؟ كلا كلا، فأنس رضي الله عنه- لم يكن معصوماً، بل كان يخطئ قطعاً، وقد يصنع أحياناً ما لا يعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالضرورة! ولكنه لم يسمع عتاباً ولا إنكاراً؛ لأن المسألة شخصية بحتة، تتعلّق بجناب الرسول الكريم فقط، ولا مساس لها بمستقبل الأمة وكيانها، فالتسامح فيها مطلوب، وغضُّ الطرف لمثلها أولى...
لكن إليك يا رعاك الله- مواقف أخرى، يحمرُّ فيها وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضباً حين تقع المخالفة الشرعية، ويجترئ البعض على حدود الله، فيبادر - عليه الصلاة والسلام - إلى إنكار المنكر في ساعاته الأولى، دون أن يصبر عشر سنين، صبره على أنس رضي الله عنه- خادمه.
هذه بريرة رضي الله عنها- أمة ضعيفة مسكينة، يعلن أسيادُها عن رغبتهم في بيعها، فتتقدم عائشة - رضي الله عنها - لشرائها وعتقها على أن يكون الولاء لها، فيأبى الأسياد إلا أن يكون الولاء لهم في تعد مكشوف على شرع الله المطهر ودينه المصون، فماذا تراه صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
هل غضَّ الطرف وابتسم في وجوه القوم، ابتسامته للأعرابي يوم جذب معطفه الغليظ فاحمرَّ لجذبته عنقه الطاهر الشريف؟!
لقد صعد المنبر وخطب خطبة عصماء، أنكر المنكر بشجاعة، وصدع بكلمته المشهورة: ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟! أيما شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، إنما الولاء لمن أعتق!.
لما كل هذا الغضب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ لما كل هذا الغضب؟ والجواب: إن المنكر هذه المرة لا يتعلّق بشخصه الكريم، وإلا لوسعه حلمه العظيم، فقد عود الأمة أن يكون حليماً في مواقف لا تعد ولا تحصى، ولكن المنكر هذه المرة، يمس التشريع الإسلامي في الصميم، ويصيبه في مقتل، فقد وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه أمام أناس يريدون أن يجعلوا من أنفسهم مشرعين بسنهم الأنظمة ووضعهم لشروط ما أنزل الله بها من سلطان، فكان إنكاره - عليه الصلاة والسلام - سريعاً حازماً، وقوياً حاسماً.
ولمّا استنفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه إلى تبوك تخلّف كعب وصاحباه دون مبرر معقول، أو مسوغ مقبول، حتى إذا ما رجع رسول الله بالجيش إلى المدينة إذا به يتخذ موقفه الصلب، وإجراءه الصارم بحق الثلاثة الذين خلفوا، فيأمر بهجرهم، ويُحرِّم محادثتهم، ويفرض حولهم سياجاً منيعاً من العزلة المحكمة! حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، لِم كلُّ هذا؟
والجواب: إن الخطأ الذي ارتكبه هؤلاء الثلاثة- رضي الله عنهم- والمُنكر الذي اقترفوه له مساسٌ بكيان الدولة برمتها، وكان يمكن أن يؤثر سلباً في نفسيات الجيش المتجه لمقارعة جيش يفوقه عدداً وعدّة، وذلك أمر لا يخضع أبداً للأمزجة الشخصية، أو للأهواء النفسية، فكانت النتيجة ما سمعت.
والسلام.
------------------
(*) عضو هيئة ا لتدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
25/3/1426
04/05/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
============
الحس الدعوي
د. عبد الكريم بكار
هناك خوف مستمر من أن يؤدي طول الأمد وامتداد الزمان إلى حرف الاتجاه وتضييع الأهداف الكبرى؛ إذ إنّ أي انحراف صغير يكبر مع مرور الأيام ليصبح انحرافاً كبيراً. لا نجادل اليوم أن هناك اتجاهاً كبيراً في كل عالمنا الإسلامي إلى التغيير. وفي أحيان كثيرة يشعر الناس بشيء من الإصلاح. وهذا يحدث في غالب الأحيان بسبب الأوضاع الجديدة الناجمة عن التطور التقني ولا سيما في عالم البث والاتصال - وانفتاح العالم بعضه على بعض. وهذا كثيراً ما يغري شريحة واسعة من الناس بالانغماس في الحديث عن الإصلاح والمطالبة به. ونحن أمة نحتاج في الحقيقة إلى إصلاح كل النظم التي لديها: التربوية والتعليمية والاقتصادية ومن بينها النظام السياسي؛ فأوضاع معظم البلدان الإسلامية في المسائل الحقوقية والنزاهة المالية وحسن تصريف الأمور الإدارية هي أوضاع أقل ما يُقال فيها: إنها مخجلة! لكن من المهم أن نكون على وعي بشيء آخر، هو ضرورة الاحتفاظ بـ (الحسّ الدعويّ) النقيّ والمبرَّأ من شهوة الحصول على منافع شخصية عاجلة. وأودّ هنا أن أُبدي الملاحظات الآتية:
1- يُلاحظ اليوم أن طابع المناداة بالإصلاح يرتدي حلّة المطالبة بالحقوق أكثر من أي شيء آخر. فهذه جماعة تريد أن تحصل على حرية التعبير، كما هو شأن المشتغلين بالإعلام. وهذه فئة تطالب بالسماح لها بتشكيل حزب سياسي. وهذا فريق يطالب بتحسين الأجور...الخ(14/175)
ومع أن كثيراً من هذه المطالب صحيح إلا أن الإصلاح يظل -بوصفه الحاضر- نزّاعاً إلى أن يكون الحصول على شيء ما.إن طابعه العام هو الأخذ، وعلى الآخرين أن يعطوا، ويقدموا، ويتنازلوا... أما الداعية الحقيقي، أو من يغلب عليه الحسّ الدعويّ الحقيقي فإن الطابع العام لأنشطته هو العطاء غير المشروط، والعطاء المصحوب بالحُرقة على عموم الخلق. وهذا هو شأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام- إن شعارهم العملي كما أخبر الله - تعالى -عنهم هو: (ما أسألكم عليه من أجر). إنهم يدعون الصغير والكبير والشريف والوضيع والغني والفقير، يدعونهم إلى ما فيه صلاحهم في شأنهم الديني والأخروي أولاً وصلاحهم الدنيوي ثانياً. أما الذين يدعون إلى الإصلاح اليوم فإن الذي يغلب عليهم هو المطالبة بإصلاح أمور تمسّ الأمور الدنيوية والمعيشية في المقام الأول. وهم شيئاً فشيئاً بدؤوا ينظرون إلى مسائل التقوى والورع وأداء الشعائر والكفّ عن المعاصي على أنها مسائل شخصية، يتصرّف فيها الناس بحكم أنهم مسلمون واعون ومخلصون. مع أن الذي يتأمل في النصوص الكريمة يجد أن صلاح السلوك الشخصي للمسلم يشكل أهم المحاور التي ذهبت باهتمام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واهتمام من تبعهم بإحسان من أتباعهم وحوارييهم.
2- حين يمتلك المرء الحسّ الدعويّ فإنه يجد نفسه مندفعاً في اتجاه جميع الناس على اختلاف مواقعهم الاجتماعية، وعلى اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم. إنه يبلغ رسالة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويجعل من صوته امتداداً لأصواتهم. ومن ثم تصبح الدعوة أداة لتمتين اللحمة الاجتماعية، وأداة لتجميع الناس على قضايا محددة وبسيطة: قضية الإيمان والتقوى والعمل الصالح وفعل الخير والنجاة في الآخرة. وكل هذه المفردات تشكل حاجات أساسية لعموم الناس. وتجد في هذه الحالة نوعاً من الاهتمام الخاص يوجّه للفقراء والضعفاء. وكل أولئك المحتاجين إلى العون. وهؤلاء يشكلون البنية الأساسية لأتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والبنية الأساسية لكل الصحوات الإسلامية المتتابعة.
أما حين يضعف الحسّ الدعويّ فإن الخطاب آنذاك تصوغه نخب متحالفة أو متشاحنة، ويصبح الطرح الإصلاحي أداة لتقسيم الناس إلى خاصة وعامة، وأداة لتنمية الروح الحزبيّة وروح الفرقاء المتشاكسين الذين يتحدثون من أفق المجاملة الفكرية والسياسية والثقافية والطائفية...
ويستهدفون باستمرار تحقيق مكاسب حزبية أو تسجيل مواقف تاريخية أو إثبات الأهلية للدخول في تحالفات نقية وغير نقية. وتسود أجواء من ضعف الثقة وضعف المصداقية، ويصبح التشكيك والاتهام من أدوات التنمية الثقافية والسياسية. ويضيع في غمرة كل ذلك الحسّ الأخلاقي العميق والالتزام بتعميق التديّن لدى عموم الناس!
3- حين يضعف الحسّ الدعويّ في مجتمع من المجتمعات المسلمة تسود درجة كبيرة من البطالة في صفوف الشباب؛ لأنهم يفقدون المحرك الداخلي لبذل النصح وهداية الخلق، ويفقدون الأفق الفكري الذي يؤطّر حركتهم الاجتماعية. ويجدون أنفسهم في الوقت نفسه عاجزين عن استيعاب الطروحات الإصلاحية -والتي يصوغها في العادة صفوة -وشرحها للناس لأنهم يشعرون أنهم أصبحوا كمن هدم بيته ليبني في مكانه قصراً مشيداً لكن بعد الهدم وجد أن تكاليف بناء القصر تفوق كثيراً ما لديه، ولهذا فإنه وجد نفسه في العراء!
المجال الدعوي بطبيعته رحب الأرجاء؛ حيث نجد كل من لديه أدنى علم مؤهَّلاً لقول كلمة خير في سياق نصيحة أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو حث على فضيلة. أما المجال الإصلاحي بوصفه صناعة نخب فإنه لا يتّسع إلا إلى أقل القليل من الشباب، لكن معظم الناس لا يدركون هذا، ويأخذون في الحديث عن أمور لا يعرفون عنها الكثير، ولا يجنون من وراء الحديث فيها أي شيء ذي قيمة، ولو نظرنا إلى مجادلات الشباب اليوم حول الديموقراطية والعلاقة بالغرب وحقوق المرأة وفوائد تشكيل النقابات ونشر الحريات لتأكدت من صحة هذا القول.
من المهم أن يشتغل بالقضايا الإصلاحية واحد أو اثنان في المئة من أهل الخير والعلم. وعلى الباقين أن ينشغلوا بحماية المجتمع من التحلّل الخلقي، وينشغلوا بنشر العلم وتربية الناشئة وإعدادهم للمستقبل، وإلا فسيجد كثير من الناس أنفسهم مشغولين بالإصلاح بوصفه (حديث مجالس) وطقطقات صحفية ليس أكثر.
إن من مهام أهل الفكر والعلم أن يرقبوا وجوه الخلل في توازن المسيرة الدعويّة، ويحاولوا إعادة الأمور إلى مجراها الصحيح، وإلا فإن من شأن الامتداد أن يقتل الاتجاه، كما يقتل المكانُ الزمان.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
11/4/1426
19/05/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
=============
القلوب المتجردة
مازالت الحركة الإسلامية تعاني من نقص كبير في تواجد مثل هذه القلوب التي كانت تكثر أيام الرعيل الأول.
* تلك القلوب التي تقول (ما على هذا اتبعتك) فلا تنظر إلى متاع دنيوي طيلة مسيرتها في طريق الدعوة.
* تلك القلوب المتجردة التي لا يهمها على لسان من تكون كلمة الحق مادامت تقال.
* تلك القلوب المتجردة التي لا تنظر إلى المنصب ولا تتمناه.
* تلك القلوب المتجردة التي لا يهمها أين تقف في طريق الدعوة، في المؤخرة أم في ا لمقدمة مادامت ثابتة في الطريق تدعوا إلى الله.
* تلك القلوب المتجردة التي لا تعرف الراحة ولا الملل والضجر وتدعوا كلما انغمست في أعمال الدعوة بـ (اللهم اشغلنا بالحق ولا تشغلنا بالباطل).
* تلك القلوب المتجردة التي لا تعمل من أجل فلان، وعلان، ولا من أجل جماعة، ولا من أجل عرض من أعراض الدنيا إنما تعمل لإرضاء الله فحسب.(14/176)
* تلك القلوب المتجردة التي تقدم عندما يحجم الآخرون، وتثبت عندما يزلّ الآخرون، وتحلم عندما يحمق الآخرون، وتغفر عندما يخطئ بحقها الآخرون.
* تلك القلوب المتجردة التي لا توجد فيها مساحةً أو موضع إبرةٍ من حقد على مسلم.
* تلك القلوب المتجردة التي لا تعرف الثأر لنفسها.
* تلك ا لقلوب المتجردة التي لا تجد للنوم طعماً أ لماً على ما يصيب الإسلام والمسلمين اليوم.
يقول سيد قطب - رحمه الله -:
لقد كان القرآن ينشئ قلوباً يعدها لحمل الأمانة، وهذه القلوب كان يجب أن تكون من الصلابة والقوة والتجرد
بحيث لا تتطلع وهي تبذل كل شيء، وتحمل كل شيء إلى شيء في هذه الأرض، ولا تنظر إلا إلى الآخرة، ولا ترجوا الا رضوان الله، قلوباً مستعدة لقطع رحلة الأرض كلها في نصب وشقاء وحرمان وعذاب وتضحية حتى الموت، بلا جزاء في هذه الأرض قريب.
ولو كان هذا الجزاء هو انتصار ا لدعوة، وغلبة الإسلام، وظهور المسلمين بل لو كان هذا الجزاء هو هلاك الظالمين بأخذهم أخذ عزيز مقتدر، كما فعل بالمكذبين الأولين. حتى إذا وجدت هذه القلوب التي تعلم أن ليس أمامها في رحلة الأرض إلا أن تعطي بلا مقابل أي مقابل وان تنتظر الآخرة وحدها موعداً للفصل بين الحق والباطل. حتى إذا وجدت هذه القلوب وعلم الله منها صدق نيتها على ما بايعت وعاهدت، أتاها النصر في الأرض وأتمنها عليه. لا لنفسها، ولكن لتقوم بأمانة المنهج الإلهي وهي أهل لأداء الأمانة منذ كانت لم توعد بشيء من مغنم في ا لدنيا تتقاضاه، ولم تتطلع إلى شيء من المغنم في الأرض تعطاه.
(وقد تجردت لله حقاً يوم كانت لا تعلم لها جزاءً إلا رضاه)
((اللهم اجعلنا من أصحاب هذه القلوب المتجردة حتى نفوز برضاك))
http://www.saaid.net المصدر:
=============
التمام التمام
سالم بن جروان الضوي
واجب على كل إنسان أن يسعى جاهداً لتكميل ما عنده من فضائل وخصال حميدة، وواجب عليه كذلك أن يسعى جاهداً لعلاج على ما عنده من نقائص وعيوب طيلة أيام عمره؛ فلا يمر يوم إلا وقد اكتسب فيه فضيلة، وتخلص في مقابل ذلك من نقيصة، فلا يزال كذلك حتى يرحل عن هذه الدنيا وهو ماضٍ على هذا النهج.
قال إبراهيم الحربي: (لقد صحبت الإمام أحمد عشرين سنة.. فما لقيته في يوم إلا وهو زائد عليه بالأمس) إنه عزم الرجال المؤمنين، ومضاؤهم وحرصهم على المراتب العالية والمنازل الشريفة.
لم يعرف الوقوف فضلاً عن التخلف ورجوع القهقرى.
إن الجنة منازل ودرجات، ولا ينال منازل الجنة العالية من كان مفرطاً مخلطاً راضياً بالدون.
لا ينال المنازل العالية في الجنة إلا من كان ذا همة عالية لا يرضى بالدون، له من كل خير نصيب، وله في كل عبادة مضرب سهم، لا يدع فضيلة إلا ويحرص على ضمها إلى ما عنده من فضائل، ولا نقيصة إلا ويسارع في التخلص منها.
إنها لمصيبة عظيمة أيها الأخ الحبيب أن تمر عليك السنون وأنت لم تتغير ولم تبرح مكانك.
إيمانك هو هو، وعلمك هو هو، وأدبك هو هو، إذن ما الذي استفدته من مرور الأيام وتعاقب الأعوام.
وليكن شعارك المرفوع، وهاجسك الدائم: التمام التمام.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============
لا يحقر أحدكم نفسه
منصور الأحمد
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا لا يمنعنَّ أحدكم رهبةُ الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب من أجلٍ ولا يباعد من رزق، أن يقول بحق، أو يذكر بعظيم) [1].
وعن أبى سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحقرن أحدكم نفسه، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه ؛ قال: يرى أمرًا لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله - عز وجل - له يوم القيامة.
ما منعك أن تقول في كذا وكذا ؛ فيقول: خشية -الناس، فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى[2].
هذان الحديثان موضوعهما واحد، وهو موضوع جليل وخطير وأي شيء أجل وأخطر من قول كلمة الحق، والشهادة به ؟ وهما بمجموع معانيهما يحددان العلل والأسباب التي تجعل الناس يستنكفون عن قول كلمة الحق، ومعالجة هذه العلل بالدواء الذي ليس قبله ولا بعده دواء.
إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ يخاطب أمته بهذين الحديثين فإنما يرمي إلى تربية هذه الأمة، وإعدادها إعدادًا ربانياً لمهمتها المنشودة في الأرض وفي التاريخ، ويبنيها بناء عقيديًا متماسكًا.
والمشكلة بالنسبة للأمة الإسلامية ليست في معرفة الحق والكشف عنه - حيث إن الله قد اقتضت حكمته أن لا يخلي هذه الأمة من طائفة تعرف الحق، وتبينه للناس - ولكن المشكلة الخطيرة هي السكوت في وجه الباطل، وعدم الجهر بالحق الواضح خوفًا من ضرر، أو طمعاً في نفع شخصي.
إن هذين الأمرين: الخوف والطمع هما اللذان يحجبان كلمة الحق أن تصل إلى الآذان، ويقفان حاجزًا أمام تواص الناس بالحق والصبر عليه.
ولم يزل الخوف هو العامل الأهم في القعود عن القيام بواجب الجهر بالحق، والرضا بالدون من الأهداف، والسهل من الأعمال، وهذا الخوف يكون من بطش ظالم، أو طغيان طاغوت، أو خوفًا من انقطاع رزق، وتضييق في عيش.(14/177)
فالشيطان عندما يأتي ليصرف العالم عن القيام بهذه المهمة المقدسة يبث في فؤاده الرعب عن طريق تخويفه من عاقبة ذلك بإبرازه ما حدث لبعض من قام بهذه المهمة، وتضخيمه لما نزل بهم من صنوف التنكيل والعسف، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، بأن يخوفه الموت نتيجة لذلك، حيث يصور له أن ما يحدث للمجاهدين في سبيل الله إنما هو من فعل أعدائهم بهم، وأنهم هم المؤثرون بآجالهم إطالة أو تقصيرًا، وكذلك يستعرض له الذين يضيق عليهم بسبب عدم قدرتهم على ضبط أنفسهم، وما هم عليه من هم وغم، وما في حياتهم من خشونة لا لزوم لها! وكيف أن من يسمون أنفسهم بدعاة الحق مطاردون في كل أرض، مذادون عن كل حوض، يتنكر لهم القريب، ويجفوهم الصديق.
ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يريد من المسلم دائماً أن يكون على ذكر من بدهيات عقيدته، وعلى وعي لأحابيل الشيطان، فلا يغفل عن حقيقة أن الآجال مقدرة من الله - تعالى -، وأن لا أحد يستطيع أن يتقدم أو يتأخر عن أجله الذي حدد له، وأنه ليس بمقدور أحد أن يزيد أو ينقص من أجل أحد، وكذلك فإن الله إذا أراد نفع أو ضرر إنسان فليس هناك من يستطيع أن يغير تلك الإرادة.
داءان خطيران وقع فيهما الدعاة إلى الله، فتقاعسوا عن الإرشاد والتبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و هما: التشبث بالحياة والحرص على حطامها.
* أما التشبث بالحياة، والبعد عن شبح التهديد، وإيثار السلامة فدفعهم إما إلى السكوت عما لا يسكت عليه؛ وإما إلى قلب الحقائق، والدخول في التأويلات التي تزين الباطل، وتخفي دمامته وقبحه.
مع أن الله قد أخذ العهد على العلماء ببيان الحق، دون أن تأخذهم في الله لومة لائم، وقد حذرهم من مصائر الذين كتموا الحق وأهملوه، قال - تعالى -: (وإذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ولا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ ورَاءَ ظُهُورِهِمْ واشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) [آل عمران: 187].
ووصف الله المؤمنين بأنهم (أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) [المائدة: 54].
* وأما الحرص على حطام الدنيا فقد كان له أثره المدمر في مسيرة المسلمين فكم من عالم عالم بالحلال والحرام ألجمه حب المال عن قول كلمة حق في موقف يحتاج إليها فيه! وكم من أناس تفضل الله عليهم بنعمة العلم والفقه يغضون الطرف عن كثير من المنكرات والمخالفات خوفًا من انقطاع جرايةٍ أو مرتب، أو ذهاب امتيازات مادية يتمتعون بها، وقد يخدعهم شيطانهم بإقناعهم أن هذه الامتيازات هي حقٌ يستحقونه، وأنهم أولى بها من غيرهم، ويغفلون أو يتغافلون عن الجانب الآخر من القضية وهو أن هذه الامتيازات ما هي إلا رشوة لهم على سكوتهم، وجائزة لهم لالتزامهم الأدب والسلوك الحسن أمام أعداء الله الذين تُحمد أمامهم الغلظة، لا رقة السلوك وحسنه.
إن مما يؤسف له أن الذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية حرب الإسلام، وندبوا أنفسهم لإخفات كل صوت يدعو إلى الله على بصيرة بصدقٍ وتجرد؛ قد تنبهوا إلى مقاتل الدعاة التي يصوبون إليها أسلحتهم، واستثمروا نقاط الضعف هذه ليعبثوا بدين الله ودعاته كما يحلو لهم ؛ فهم يداولون بين سلاح التخويف والإرهاب تارة، وسلاح الوظائف والامتيازات والرشا تارة أخرى، وقد تتخصص كل جهة من الجهات في استخدام واحد من هذين السلاحين على حسب مقتضيات الظروف والأحوال.
لقد جعل الله المال فتنة للناس، ومحكًا لتمييز المخلص في دعوته من غيره، وكم رأينا من الناس من كان في حال العسر يرفع عقيرته بالشكوى من أوضاع باتت تلفه وتلف غيره، ويشتهر بين الناس بالعمل في سبيل الإسلام، حتى إذا تحول إلى حيث جاء الرزق رغدًا، وطلَّق الفقر؛ خفت صوته بل تلاشى، ولفه ثوب الكسل، وأصبح النشاط الذي كان بالأمس أثرًا بعد عين.
من يدري؟ ! فربما تكون نفسه قد أقنعته أنه الآن - في حالته الحاضرة - قد وجد ثمرة جهاده ونتيجة صبره! مع أن أوضاع المسلمين في أغلب البقاع لا ترضي، ومشاكلهم متشابهة، وأينما اتجهنا وجدنا التهديدات التي تهدد مصيرهم، والأخطار التي تزيدهم ضعفًا؛ فموالاة أعداء الله؛ والتنصير الماحق الذي يتحيف بلاد المسلمين بل يهب عليها كالريح الصفراء؛ والدعوات الهدامة التي يروج لها في كل مكان؛ وتبديد ثروات المسلمين على ما لا يفيد؛ وإخضاع الإسلام في مجال الدعاية للأشخاص والأهواء...
كل ذلك وغيره كثير وكثير من المجالات التي يترتب على العلماء أن يقولوا فيها قولة واضحة لا غموض فيها ولا التواء.
وتبقى مسألة أخيرة وردت في الحديث الثاني، في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحقر أحدكم نفسه) هذه المسألة هي مسألة الثقة بالنفس التي أراد - عليه الصلاة والسلام - أن يغرسها في نفوس المسلمين، فالثقة بالنفس هي الدافع إلى العمل، وهذه الثقة لا تكون إلا حيث تكون النفس على يقين من صحة ما تدعو إليه، ومن بطلان ما عداه، ومن آثارها أن الشخص يتحول من عضو سلبي في المجتمع، ضائع في تيار الغفلة، إلى شخص مؤثر إيجابي لا يهاب أحدًا إلا الله، يستهين بالباطل، وتزداد استهانته به كلما انضم إليه بهذا الشعور أمثاله من الذين يتخذون من رسول الله أسوة حسنة.(14/178)
فصلى الله على هذا النبي الأمي الذي آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب، فهدانا - بهداية الله له -إلى أحسن السبل، وعرفنا مواطن الخير بأقصر عبارة وأجلاها، ونسأله - تعالى -أن يجعلنا من (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) [الأحزاب: 39].
ـــــــــــــــــــــ
(1) رواه أحمد في (المسند) 11494 بإسناد صحيح.
(2) رواه ابن ماجه، حديث رقم:4008.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============
أخي صاحب الدش
إبراهيم الغامدي
أخي الكريم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...وبعد:
اسمع كلامي يا حبيبي واضحاً من غير غشْ
فيما يسميه الأنام بعصرنا طبقاً و"دشْ"
هو: بوق تنصيرٍ لقسِّيسٍ لئيم منتفشْ
هو: ضحكة سكرى ترن، وصوت عهر يرْتعشْ
أخي.. إليك هذه الكلمات التي خرجت من قلبي فلعلها تصل إلى قلبك، وامتزجت بروحي فلعلها تمتزج بروحك.. كتبتها بمداد المحبة والصفاء، والنصح والوفاء، فلعلها لا تجد عن نفسك الصافية مصرفا.
أخي.. إني لا أعرفك، وأنت لا شك لا تعرفني، لكن الذي جعلني أكتب إليك هو ذلك الشيء الذي وضعته فوق منزلك.. يناطح السحاب ويعانق السماء، ويفتح قلبه لكل وافد ويصافح بيديه كل قادم.. قد مد قامته بكل فخر وسرور، وقد رفع رأسه بكل تكبر وغرور.
ثم جلست داخل منزلك كهيئة وقوفه هو خارجه.
فاتكأت على كل ما لطف من الفرش ورق، واسترخيت على السندس والإستبرق، وأمرت بالمرطبات، وأصناف المأكولات، وأغلقت النوافذ والأبواب، وتعطرت بالعطور وأنواع الأطياب.. ثم.. تناولت مفتاح الجهاز بيدك فقلبته كيفما شئت، ونفسك الأمارة تقول لك.. من مثلك؟ نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوى.. هاهو العالم بين يديك فتجول فيه أنى أردت.
فأخذت تنتقل ووجهك تعلوه الابتسامة، ونظراتك تطارد المشاهد المكشوفة، ولعابك يسيل على المناظر الفاضحة، فمن فيلم إلى مسرحية، ومن رقصة إلى أغنية، ومن ذنب إلى معصية، ومن صغيرة إلى كبيرة.
فتشاهد في هذه الشاشة البيضاء، ما ينكت في قلبك النكتة السوداء، فتتوالى هذه النقط السوداء على قلبك الأبيض، حتى يغلب السواد على البياض، فيموت قلبك، ويبقى جسمك، فتكره كل خير، وتحب كل شر، وتبتعد عن كل معروف، وتقترب من كل منكر، وتبدو على وجهك آثار كآبة وضيق، وهمّ عميق.
ورغم كل الملهيات، وما تملكه من مسليات، سوف تصبح معيشتك ضنكا، ولياليك سوداً، وسوف تعاني من الاكتئاب، والطفش والحيرة، والتخبط والفراغ.. لأن سيدك ومولاك يقول: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 124].
أخي.. أعرف أنك الآن تغطي عينيك لكي لا ترى شيئاً غير جهازك وتغلق أذنيك حتى لا تسمع أحداً سوى تلفازك.
أعرف أنك تجري وتجري.. وأنت لا تفكر إلا بفيلم اليوم وسهرة الليلة.
أعرف أنك تجري وتجري.. وأنت لا تفكر إلا في الشرق ومغرياته، والغرب وملهياته.
أعرف أنك تجري وتجري.. وتلهث وتلهث.
أعرف أنك تجري وراء الشهوات وتلهث وراء اللذائذ والموبقات.
ولكنك يا أخي.. لا تعرف أن في آخر هذا الطريق حفرة عميقة، ذات هوة سحيقة.
أخي.. إسمح لي بأن أقف أمام وجهك في منتصف الطريق وأقول لك: قف!!
قف.. وعد إلى ربك.. واتق النار.. اتق السعير.
إن أمامك أهوالاً وصعاباً، إن أمامك نعيماً وعذاباً، إن أمامك ثعابين وحيات.. وأمور هائلات.
والله الذي لا إله إلا هو.. لن تنفعك الأفلام والسهرات والرقص والأغنيات.
أخي الحبيب قف..
قف مع نفسك لحظة.. واسألها: إلى متى أجري خلف الشهوات.. وألهث وراء المنكرات.. كم سأعيش في هذه الدنيا؟ ستين سنة.. ثمانين سنة.. مائة سنة.. ألف سنة.. ثم ماذا؟.. ثم موت.. ثم الحساب فإما النعيم أو في نار الجحيم وماء الحميم.
أخي.. تخيل نفسك وقد نزل بك الموت، ودخلت القبر ورأيت ظلمته، ووحدته، وضيقه، ووحشته.
تذكر.. الملكين وهما يقعدانك ويسألانك.. تذكر.. كيف يكون جسمك بعد الموت.. تقطعت أوصالك، وتفتت عظامك، وبلي جسدك، وأصبحت قوتاً للديدان.
تذكر.. يوم تسمع الصيحة.. إنها صيحة العرض على الله.. فيطير فؤادك، ويشيب رأسك.. فتخرج من قبرك مغبراً حافياً عارياً.
قد رجت الأرض وبست الجبال وشخصت الأبصار لتلك الأهوال.. وطارت الصحائف.. وقلق الخائف.. وزفرت النار.. وأحاطت الأوزار.. ونصب الصراط.. وألمت السياط.. وحضر الحساب.. وقوي العذاب.. وشهد الكتاب.. وتقطعت الأسباب.
تذكر.. مذلتك في ذلك اليوم العظيم، وانفرادك بخوفك وأحزانك، وهمومك وغمومك وذنوبك.. فتبرأ حينها من بنيك، وأمك وأبيك، وزوجك وأخيك.
تذكر.. يوم توضع الموازين، وتتطاير الصحف.
كم في كتابك من زلل... وكم في عملك من خلل
تذكر.. يوم يُنادى باسمك بين الخلائق.. يا فلان بن فلان: هيا إلى العرض على الله، فتقوم أنت ولا يقوم غيرك، لأنك أنت المطلوب.
تذكر.. حينئذٍ ضعفك.. وشدة خوفك، وانهيار أعصابك، وخفقان قلبك.. وقفت بين يدي الملك الحق المبين، الذي كنت تهرب منه، ويدعوك فتصد عنه..
وقفت وبيدك صحيفة.. لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها، فتقرؤها بلسانٍ كليل.. وقلبٍ كسير، قد عمّك الحياء والخوف من الله.
فبأي لسانٍ تجيبه حين يسألك عن.. مالك الذي أضعته.. وعمرك الذي أسرفت فيه.. وعينك التي خنت بها.. وسمعك الذي عصيت به.. بأي قدم تقف غداً بين يديه، وبأي عين تنظر إليه وبأي قلب تجيب عليه..
ماذا تقول له غداً.. عندما يقول لك يا عبدي.. لماذا لم تجلّني، لماذا لم تستح مني، لماذا لم تراقبني..
يا عبدي.. هل استخففت بنظري إليك.(14/179)
يا عبدي.. ألم أحسن إليك.. ألم أُنعم عليك!!
أخي الحبيب.. تذكر.. هذه المواقف العصيبة، والأوقات الرهيبة يوم ينسى الإنسان كل عزيز وحبيب، ولا ينجو إلا من كان له قلب سليم.
أخي.. قف مع نفسك هذه الوقفة المصيرية، واعلم أنك ما وُجدت في هذه الدنيا إلا للعبادة وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]. ولم تُخلق للهو واللعب والعبث أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون: 115].
أخي.. إني أخاطب فيك دينك.. الذي يحرم هذه المنكرات.
وأخلاقك التي تترفع عن هذه الشهوات.
وعقلك الذي يأبى هذه الترهات.
وقلبك الذي يخاف من هذه الموبقات.
وغيرتك على نسائك العفيفات المحصنات.
فانتصر على نفسك.. وتغلب على هواك.. وأخرج هذا "الدش" من بيتك، وسيعوضك الله خيراً منه في الدنيا والآخرة.
أخي.. والله ما كتبت هذه الأحرف، ولا نطقت بهذه الكلمات، إلا لخوفي على وجهك الأبيض.. أن يصبح مسوداً يوم القيامة، وعلى وجهك المنير.. أن يصبح مظلماً، وعلى جسدك الطري.. أن يلتهب بنار جهنم، فعسى قلبك الطاهر أن يلتقطها.. ولعل نفسك الصافية تستقبلها..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...... أخوك المحب.
http://www.tttt4.com المصدر:
=============
ضرورة الدعوة إلى الله
الشيخ عطية محمد سالم
حاجة الإنسانية إلى الرسل ماسة، وضرورة الدعوة إلى الله مُلحّة، والدعوة في صدر الإسلام أدت مهمتها وحققت غايتها، فأخرجت الناس من الظلمات إلى النور، وجعلت من الحفاة العراة أئمة ودعاة، وفي غزوة تبوك لما تأخر عليهم - صلى الله عليه وسلم - في وضوئه لصلاة الصبح وكان من عادته - صلى الله عليه وسلم - في ذلك أن يبعد وكان معه المغيرة بن شعبه، ولما استبطئوا عودته - صلى الله عليه وسلم - وخافوا خروج الوقت قدموا ابن عوف فصلى بهم، وقد وصل - صلى الله عليه وسلم - بعد صلاتهم ركعة، فَهَمَّ المغيرة أن يشعرهم ليتأخر إمامهم فمنعه - صلى الله عليه وسلم - وقام في الصف مع المصلين، ولما أنهوا صلاتهم قام فأتى بالركعة التي سبقوه بها، فرأى منهم تحسرًا وأسفًا فقال: "إن الله لم يقبض نبيًا حتى يصلي خلف رجل من أصحابه"، ففيه إشعار أن دعوته قد أثمرت وأصبح أصحابه مؤهلين لإمامة العالم وقد كان.
وواصلت الدعوة إلى الله مسيرتها إلى العالم، فمن استقبلها وقبلها بقبول حسن فقد فاز وسعد، ومن عارضها ووقف في طريقها أزيل وأبعد حتى طبقت بتعاليمها المشرق والمغرب، واستوى فيها العرب والعجم، وتوحد تحت لوائها سائر الأمم، وأصبحوا بنعمة الله إخوانًا متعاطفين، كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، متعاونين كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، ولما طال الزمن وتعددت أساليب الحياة، وخالطت عادات الشعوب مع تعاليم الإسلام، وبَعُدَ الناس عن مشارق نور الهداية ومرضت النفوس بالأهواء، وأحضرت الأنفس الشح، ودب في الناس الوهن. وتغلبت الشهوات، وتألهت الرغبات، كما جاء في الأثر: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فدبت العصبية وظهرت الحزبية، وتعددت الطائفية مزقتهم السياسة دويلات وتقسمت الدول جماعات، وصارت الحزبية مبدأ، والتعصب لها وفاء، يكيد بعضها لبعض، فأصبحوا غثاء كغثاء السيل، وتداعت عليهم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتهم.
وكذلك الحال في الأفراد؛ فقد غرهم شيطان الحضارة وإبليس المدنية، وزينوا لهم ما ليس بحسن حتى رأوه حسنًا، فاعتبروا تقليد العدو حضارة وتطورًا، والحفاظ على الدين جمودًا وتعصبًا، فأخرجوا المرأة من خِدرها، وأسقطوا عنها حجابها.
اعتبروا الربا تطورًا اقتصاديًا، والزنا وشرب الخمر حرية شخصية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حدًّا من الحريات وتدخلاً في شؤون الآخرين، فالتبس الحق بالباطل، واستبدل الهدى بالهوى، حتى تكاد بعض بلاد المسلمين تنعزل فيها الدنيا عن الدين، ونادى فيها دعاة السوء "ما لله لله، وما لقيصر لقيصر"، وقد عادت بعض البلاد في حافرتها، فاستبدلت بوحي السماء قوانين الأرض، وبتحكيم الشرع موازين العقول، فما أشبه الليلة بالبارحة، حتى قيل جاهلية القرن العشرين.
وبناءً على هذا كله فإن ضرورة الدعوة اليوم أشد وألزم من أي يوم كان؛ لأن الباطل ألبس ثوب الحق، والفساد زين بما يشبه الإصلاح، والبدع زاحمت السنن، والتقاليد أفسدت المعتقدات.
وهذا يكفي لإطلاق صرخة تملأ الآفاق..أين الدعاة إلى الله؟ فضلاً عما دعا إليه كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من القيام بالدعوة.
ضرورة الدعوة إلى الله في الكتاب والسنة:
أولاً: الإشارة لذلك في الأمم قبلنا:
لقد نبهت الكتب السابقة قبل نزول القرآن الكريم على أن شعار هذه الأمة وميزتها إنما هي الدعوة إلى الله، كما جاء في قوله - تعالى -عن مؤمني أهل الكتاب: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157].(14/180)
فقد وصف الله لهم نبينا - صلى الله عليه وسلم - في كتبهم المنزلة على رسلهم موسى وعيسى، بأنه - صلى الله عليه وسلم - النبي الأمي، وأنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر إلى آخره. ونلحظ تقديم ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مقدمًا على تشريع الحلال والحرام، مما يفيد أنه الأصل في دعوات الرسل؛ لأنه يتضمن إصلاح العقائد، وتوحيد المولى - سبحانه -، وترسيخ الإيمان بالبعث والجزاء، وهو ما كان من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - أول أمره: مكث ثلاث عشرة سنة بمكة لم يشرع فيها حلال ولا حرام من أركان الإسلام إلا الصلاة ليلة الإسراء في أواخر العهد المكي. مما يدل دلالة قاطعة على ضرورة الدعوة وشدة حاجة الإنسانية إليها. وهذا لقمان الحكيم؛ قال ابن كثير: وكان قاضيًا على بني إسرائيل زمن داود - عليه السلام -، يقول الله - تعالى -عنه في وصاياه لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان: 17].
وقد كانت بقية باقية من أهل الكتاب قائمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ كما قال - تعالى -عنهم: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 113، 114].
إذا كان هذا النص يعطينا تاريخًا سابقًا لقيام أمة من أهل الكتاب قائمة تنهى عن المنكر وتأمر بالمعروف، فإنا نأخذ منه أيضًا ما يُسمى بمقومات الآمر الناهي: تلاوة القرآن والصلاة به، والمسارعة في الخيرات، ومعلوم أن قيام الليل من أقوى وسائل الإعانة على أمور الدين والدنيا، ونلحظ ذلك من خلال خطاب الله - تعالى -في أول سورة المزمل: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل: 1-6].
فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقيام الليل وترتيل القرآن، وأُعلم بأن ناشئة الليل هي التي تعين وتساعد على تلقي وتنفيذ وأداء القول الثقيل الذي هو الوحي بالتكاليف، فيكون هذا المنهج متحدًا للدعاة إلى الله قديمًا وحديثًا.
ونظير تلك الأمة من أهل الكتاب ما جاء التكليف به لهذه الأمة في قوله - تعالى -: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: 104].
ثانيًا: ضرورة الدعوة في هذه الأمة:
جاء في حق الأمم السابقة قوله - تعالى -: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء: 164، 165].
ونظير إقامة تلك الحجة قوله - تعالى -: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]. وقد جاء في حق إمام الدعاة وقدوتهم وقائدهم صلوات الله وسلامه عليه قوله - تعالى -في سبيل الدعوة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب: 45، 46]. وفي هذا النص نجده - صلى الله عليه وسلم - قد شارك الرسل قبله في البشارة والنذارة وزاد عليهم أنه كان شاهدًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
أما الشهادة فقد بينها - سبحانه وتعالى - في قوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء: 41]. أما كونه داعيًا إلى الله فكما جاءت النصوص: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل: 125]، وقوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]. ثم يأتي الخطاب إليه من الله - تعالى -: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 125-128].
إنه تكليف وتوجيه، تكليف بصيغة الأمر (ادع) ومنهج بالخطوات التي يسلكها مع من يدعوهم، والتنويه على أن هذا العمل سيلقى معارضين وقد يناله منهم ما يستلزم عقوبة فاعله وكيف يكون التعامل مع هذا الصنف من الناس، وأن الصبر عليهم هو سبيل الإحسان والله يحب المحسنين.(14/181)
وفي موضع آخر: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 33-35].
ثم جاء ما يشبه ترسيم الدعوة إلى الله في قوله - تعالى -: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].
قال ابن كثير: ولتكن منكم أمة منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال الضحاك: "هم خاصة الصحابة" إلى قوله: "والمقصود من هذه الآية الكريمة أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن مع عموم قوله - تعالى -: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]. والنظر في هذا النص يكون من عدة جهات:
أ - التعبير عن القائمين بالدعوة إلى الخير "بأمة" بدلاً من جماعة مثلاً مما يشعر بنوعية أولئك الدعاة من أن كل واحد منهم يصلح للإمامة: على حد قوله - تعالى -: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120]، وقول ابن مسعود: إن معاذًا كان أمة، فقيل له: هذا في إبراهيم - عليه السلام -؛ فقال ابن مسعود: إن الأمة معلم الناس الخير، وهكذا كان معاذ بن جبل - رضي الله عنه -.
ويؤيد ذلك ما جاء في الآية الأخرى في حق الذين ينفرون لطلب العلم في قوله - تعالى -: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122]، فسماهم طائفة لأنهم لم يتفقهوا بعد، فلم يستوجبوا الوصف بالأمة.
ب - وفي قوله - تعالى -: (وَلْتَكُنْ) أمر مؤكد باللام، التعبير هنا: ولتكن فيه معنى التكوين بدلاً من ولتقم من القيام، لأن معنى التكوين يشعر بما يسمى تشكيل الجماعة، والتشكيل يكون عن طريق جهة مسؤولة، وهو ما سميناه الترسيم، بتخصيص وتفريغ أولئك الأشخاص، وهذا من شدة ضرورة الدعوة إلى الله.
ج - الجمع بين (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) مشعر بتلازمهما، وقد يُدعى بأن أحدهما أعم من الآخر، وأعتقد أن الدعوة إلى الخير أعم؛ لأن الخير أفعل تفضيل حذفت منه الهمزة تخفيفًا، كما قيل: خير وشر، والخير عام، كما قال - سبحانه وتعالى -: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة: 7]، وقد اعتمدت ذلك في هذا المبحث من أن كل أمر بمعروف ونهي عن منكر من منهج الدعوة إلى الله؛ لأن مؤداها الإرشاد إلى الصراط المستقيم.
د - وهناك جهة قلَّما يراعيها الكثيرون من الكتاب والدارسين في تسلسل الآيات الكريمات في المصحف الشريف، مع شدة أهميتها، وهي ربط النص بما قبله وبعده؛ لأنه هنا يشعر بأثر الدعوة؛ فقبله قوله - تعالى -: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103]، وبعده قوله - تعالى -: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105].
وهكذا السياق: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً) ثم (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ) ثم (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا).
ونأخذ من هذا النسق أن الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يبقي على عصمة الله للأمة بكتاب الله ووحدة كلمتها وتوحيد صفها. وأن تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى تفرقة الأمة واختلافها.
06/03/2005
http://www.islamweb.net المصدر:
============
أيها الدعاة رمضان لكم قبل غيركم
عثمان بن عطية المزمومي
يمر بنا رمضان كل عام، فلا يجد فيه كثير من الدعاة والمصلحين المعين الذي يجدد الإيمان في قلوبهم ويعينهم على مواصلة ما نذروا أنفسهم للقيام به من دعوة وإرشاد وتربية للناس على مفاهيم هذا الدين، وتعليمهم ما يحتاجون إليه في أمر دينهم.
إن رمضان الذي مرَّ على الأمة سابقاً، وأثّرَ فيها تأثيراً عميقاً ولا نجد له مثيلاً في حياتنا هو رمضان نفسه.
والقرآن الذي تلاه سلفنا الصالح وحرّك كوامن الإيمان في قلوبهم وملأها بالخوف والخشية هو القرآن الذي نقلبه بين أيدينا في عصرنا هذا، فلماذا تغيرت أحوالنا عن أحوالهم؟
وما هو الخلل الذي حدث في حياتنا؟
إننا حين نقف مع هذه الظاهرة الخطيرة في نفوس الدعاة والمصلحين نلحظ الأسباب التالية:
أولاً: خطأ كثير من الدعاة في تغليب الاهتمام بالآخرين على حساب الاهتمام بالنفس، والفهم الخاطئ للنصوص التي جاءت مرغبة للخير في هذا الشهر.
ومن تلك النصوص:
1 - «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان»(1)؛ حيث يفهم الكثير من هذا النص أن من أنواع الجود التي يمكن أن يقدمها الداعية الجود بالوقت في تعليم الناس وتوجيههم، والتفرغ لهم «كما هو معروف من أنواع الجود المختلفة».
وهذا فهم فيه شيءٌ من الصحة، ولكن لا يعني بالضرورة الجود بالوقت كله للآخرين وإهمال النفس؛ لأن النفس الجزء الأكبر من الجود بشغلها بالطاعات والقربات لتطهر ولتتزكى، وخصوصاً أنها هي مصدر الجود الذي يراد بذله للآخرين.
ومن هذه النصوص:(14/182)
2 - «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»(1).
حيث يفهم بعضنا من هذا النص أن نفوس الناس يحصل لها من التهيؤ لتقبل الخير في رمضان ما لا يحصل في غيره؛ وذلك لأن الشياطين تُصفد فلا تخلص إلى ما كانت تخلص إليه في غير رمضان.
وهذه بالطبع فرصة سانحة لزيادة التأثير على الناس وترقيق قلوبهم وربطها بالله - تعالى -.
وهذا فهم صائب، ولكن الخطأ عدم الموازنة بين الأمور وعدم تقديم الأولويات؛ فالنفس هي أحق من تُقتنص لها الفرص لتعبيدها وتذليلها وتعويدها على جوانب العبادة المختلفة.
ثانياً: نسيان كثير من المصلحين أن النفوس العاجزة عن التأثير في ذاتها وقصرها على جوانب العبادة المختلفة ستكون أشد عجزاً عن التأثير في الآخرين وغرس المبادئ والقيم الخيّرة في نفوسهم، وهذا هو مضمون العبارة التي تقول: «فاقد الشيء لا يعطيه».
- إذ كيف يوصل الإيمان للقلوب ويعلقها بالله قلب مقطوع عن الله؟
- وكيف يرقق القلوب ويغذيها بالخوف والخشية قلب قاسٍ لم يتمرغ في طاعة الله، ولم تدمع عين صاحبه من خشية الله، ولم تتغذَّ روحه بالصلاة والقيام وتلاوة القرآن؟
ثالثاً: الغفلة عن حال نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو أعظم الدعاة، وعن حال السلف الصالح.
- فهذا رسولنا - صلى الله عليه وسلم -: «كان ينزل عليه جبريل في رمضان كل ليلة فيعارضه القرآن»(2)، متفق عليه بلفظ «فيدارسه القرآن».
- وكان - صلى الله عليه وسلم - «إذا دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشدَّ المئزر»(3).
- يقول ابن القيم: «وكان هديه - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات».
- وكان الإمام مالك إذا دخل رمضان أوقف حلقات العلم وكفَّ عن التدريس والفتيا وقال: «هذا شهر رمضان».
فكل هذه النصوص تعطي للدعاة درساً في وجوب الاهتمام بالنفس قبل الاهتمام بالغير.
* يا صُنّاع الحياة!
إن اهتمامكم بأنفسكم وصلتكم بالله هي من الدعوة ذاتها؛ لأنها المعين الأول لكم بعد توفيق الله على مواصلة جهدكم في دعوة الناس وتعليمهم وإصلاح فساد مجتمعاتنا، والتي تحتاج إلى ثقة كبيرة بنصر الله لهذا الدين مهما بلغ حجم الانحراف والفساد في هذه الأمة، وهذا ما تغرسه العبادة والاتصال بالله في النفوس حتى لا تقع ضحية اليأس والإحباط من التغيير.
* وأخيراً:
لا يعني كلامي هذا أن يتفرغ الدعاة والمصلحون لأنفسهم، ويتركوا الميدان للمفسدين والمضللين ودعاة الشر بحجة الاهتمام بالنفس قبل الغير، ولا يعني في المقابل أن يبذلوا لهم كل أوقاتهم وجهودهم بل التوسط مطلوب في كل الأمور.
فكلا طرفي قصد الأمور ذميم؛ كما قيل.
والوقت فيه مُتَّسع لهذا وذاك إذا أخلصنا النيات وجردنا المقاصد ورتبنا أولوياتنا، واستبعدنا كثيراً من الأمور التي تُعدُّ من الترف، أو يمكن قضاؤها بعد رمضان.
---------
(1) متفق عليه.
(1) متفق عليه.
(2) متفق عليه.
(3) متفق عليه.
رمضان 1423هـ * نوفمبر-أكتوبر 2002م
http://albayan-magazine.com المصدر:
============
أهلاً رمضان
صالح بن علي الغامدي
بعد أن خُلقت النفوس واعتلاها غبار الران وداهمتها سهام الشيطان وأصابها من الاعوجاج والانحراف ما كان كفيلاً لغفلتها عن ارتقائها في معارج صعود الإيمان، وأصبحت ظمأى إلى ظلال وارفة تسكن إليها، فإذا بشهر رمضان شهر الذكر والقرآن، الذي قال فيه - صلى الله عليه وسلم - " أتاكم شهر رمضان، شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيراً فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله - عز وجل - " رواه الطبري، يهل علينا بخيره وبركاته، فهل فاجأنا بقدومه أم أننا أعددنا العدة لاستقباله؟
فالسعيد منا من رتب أوراقه وهيأ نفسه للاستفادة من هذا الشهر من أول أيامه ولم لا؟ ومعظمنا يشكو من قسوة قلبه وضعف إيمانه فالسجدة بلا روح والصلاة بلا خشوع وآيات القرآن تقرأ بلا تدبر.
قال - تعالى - " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون "، ففضل الصوم عظيم وثوابه كبير فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: قال الله - عز وجل -: " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه " متفق عليه.
هاهو الظل الوارف والروضة الندية والحديقة الغناء، هاهي الفرصة الثمينة التي لا تعوض، إنه شهر رمضان المبارك الذي فيه قياد النفس، وتمكن فيه المنشطات الإيمانية.. لذا وجب عليك أن تكون لك في هذا الشهر وقفة المسلم الحقة، وقفة المسلم الذي يريد أخذ الزاد لضمان استكمال الطريق.. ولنبادر إلى التوبة الصادقة، حيث أن الذنوب سبب حرمان العبد من خيري الدنيا والآخرة قال - تعالى -: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ولا مصيبة أعظم من الحرمان من الأعمال الصالحة.
عقد العزم الصادق على اغتنام هذا الشهر وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة فمن صدق الله صدقه وأعانه على الطاعة ويسر له سبل الخير، قال - تعالى -: " فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم "..
دعاء الله بالعون على طاعته فالله يقول في كتابه: " أدعوني استجب لكم " كأن يكرر هذا الدعاء: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ".(14/183)
الإكثار من الأعمال الصالحة حتى تتهيأ النفوس وتستعد، ومن الحسنة الحسنه بعدها..
وأخيراً جدد توبتك.. وأنب إلى ربك.. واستقم كما أمرت وابدأ خطوة جديدة في حياتك؛ إنها خطوة في طريق الدعوة إلى الله فابدأ بنفسك ثم بمن حولك.. وأرشدهم وأنصحهم وكن لهم خير معين.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
http://www.almualem.net المصدر:
===========
أنت حبيب الله
عبد الحميد الكبتي
حين تتسلل خيوط الفجر لدى الداعية النجيب، يكون تذكر المعاني الجياد، فتنطق نفسه بركوب الأهوال، وحب البذل والعطاء، لذلك الفجر الذي أشرق في نفسه، من قبل أن يشرق على سهل وجبل، إذ هو في العلو قد اصطاد النور قبل غيره، فيكون من ذلك تميز في نفسه، من بعد تميز في التقاط الإشراق.
أي هم يشغله، وأية لذة يبحث عنها، وأي قلب هو قلبه، ثم أي وعي لديه، وهو في هذه النشوة العامرة بالإيمان؟
تجوب نفسه عالم الشهادة، ليرى الركون والتخبط والانزواء، قد لبس الكثير من الناس، تغطوا بألوان شتى من الأعذار والحجج والبراهين الواهية، فيعطف على ذلك قلبه، وتنطق على حالهم عينه، بدموع وشجون، متذكرًا قول الله - تعالى -، مرتلاً له: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّر} [سورة المدثر 1-4].
يا الله..
نداء لكل مدثر، لكل من تغطَّى بثيابه ونام، سواء أكان التغطي ماديًّا بفراش وثير، أو معنويًّا بحجج تترَى، من ولد وزوج، أو وظيفة وعمل، أو خوف ووجَل، أو تمنٍّ وأمل، كلها أغطية يكشف عنها هذا النداء الرباني العلوي.
" إنه النداء العلوي الجليل، للأمر العظيم الثقيل.. نذارة هذه البشرية وإيقاظها، وتخليصها من الشر في الدنيا، ومن النار في الآخرة؛ وتوجيهها إلى طريق الخلاص قبل فوات الأوان.. وهو واجب ثقيل شاق، حين يُناط بفرد من البشر - مهما يكن نبيًّا رسولاً - فالبشرية من الضلال والعصيان والتمرد والعتو والعناد والإصرار والالتواء والتفلت من هذا الأمر، بحيث تجعل من الدعوة أصعب وأثقل ما يكلفه إنسان من المهام في هذا الوجود! " [في ظلال القرآن لسيد قطب - رحمه الله -].
هل بعد هذا تتدثر وتنام؟!
فكيف يكون التغطي مع هذا التكليف، وكيف تكون الراحة مع هذه النذارة، إنه قول عظيم ثقيل جلل، لا ينفع معه نوم ولا وجل.
ونتذكر قول الحسن البصري، عندما تلا - رحمه الله - قول الله - تعالى -: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين}، قال الحسن: " هو المؤمن: أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، فهذا حبيب الله، هذا ولي الله ".
فيخف عنه حمل التكليف بعبارات الحسن البصري المبارك، وهو يبشره بحب الله - تعالى -، والولاية له، ومن ذا الذي يريد غير هذا، مهما كبرت المشاق، وكثرت التبعات، وتوالت الخطوب، "هذا حبيب الله، هذا ولي الله" سلوى تريحه من كل شيء، ومن أي تعب كان.
ويحنّ الداعية لهذا الحب وهذه الولاية الموعودة، إن هو استقام على الطريقة، وكأن تبعات نذارة النداء العلوي {يا أيها المدثر} قد خف حملها وسهل أمرها، وانشرحت نفسه وطابت، فيكمل الترتيل، ليصدع في فؤاده قول الله - تعالى -: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر} فيهتز لها، وينتبه..
" يوجهه إلى إنكار ذاته، وعدم المن بما يقدمه من الجهد، أو استكثاره واستعظامه.. وهو سيقدم الكثير، وسيبذل الكثير، وسيلقى الكثير من الجهد والتضحية والعناء. ولكن ربه يريد منه ألا يظل يستعظم ما يقدمه ويستكثره ويمتن به..
وهذه الدعوة لا تستقيم في نفس تحس بما تبذل فيها. فالبذل فيها من الضخامة بحيث لا تحتمله النفس إلا حين تنساه.. بل حين لا تستشعره من الأصل لأنها مستغرقة في الشعور بالله؛ شاعرة بأن كل ما تقدمه هو من فضله ومن عطاياه..
فهو فضل يمنحها إياه، وعطاء يختارها له، ويوفقها لنيله..
وهو اختيار واصطفاء وتكريم يستحق الشكر لله، لا المن والاستكثار " [في ظلال القرآن لسيد قطب - رحمه الله -]
كرامة.. ورفعة.. وطهارة
فيخر قلب الداعية ساجدا باكيا تائبا، ويتعلق بربه أكثر، أن يعينه على دعوته، وأن يقيه أغطية الدنيا، وحجب العمل، ووسوسات النفس، وركون الأصحاب، وافتتان الأتباع، فما ثمة مجال في طريق الدعوة لهذه المعاني، وإن أصابه منها شرر، نطقت له سورة عبس، بكلام من الرب يسلي قلبه:
{فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [سورة عبس 13-16].
" يُبيِّن الله - عز وجل - حقيقة هذه الدعوة وكرامتها وعظمتها ورفعتها، واستغناءها عن كل أحد وعن كل سند وعنايتها فقط بمن يريدها لذاتها، كائنا ما كان وضعه ووزنه في موازين الدنيا..
فهي كريمة في كل اعتبار، كريمة في صحفها، المرفوعة المطهرة الموكل بها السفراء من الملأ الأعلى ينقلونها إلى المختارين في الأرض ليبلغوها، وهم كذلك كرام بررة.. فهي كريمة طاهرة في كل ما يتعلق بها، وما يمسها من قريب أو من بعيد.. وهي عزيزة لا يتصدى بها للمعرضين الذين يظهرون الاستغناء عنها، فهي فقط لمن يعرف كرامتها ويطلب التطهر بها.
هذا هو الميزان.. ميزان الله.. الميزان الذي توزن به القيم والاعتبارات، ويقدر به الناس والأوضاع.. وهذه هي كلمة الله. الكلمة التي ينتهي إليها كل قول، وكل حكم، وكل فصل " [في ظلال القرآن لسيد قطب - رحمه الله -](14/184)
كرامة.. رفعة.. طهارة.. لها اتصال وطيد بالملأ الأعلى، وليس في هذه الأرض لها نسب إلا من حملها بحق، ومنهم (حبيب الله، ولي الله) فيشعر الداعية بمزيد خوف من الأمانة، وبمزيد ارتياح بعون الله له، وبمزيد نشوة بهذا الطهر والصفاء، الذي يتلبس به في دعوة الله - عز وجل -.
إنه الوفاء.. وإلا!!
كل هذه العطايا، وكل هذه المنح، وكل هذه الكرامات، والولايات، والحب الرباني الكبير، هو للداعية الواعي، المتحرك بدعوته، المتجرد لها، فإن لم يفعل، صدع به قول الله - تعالى - في سورة الجن: {قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الآيات 22 ـ 23].
" هذه هي القولة الرهيبة، التي تملأ القلب بجدية هذا الأمر.. أمر الرسالة والدعوة.. والرسول - صلى الله عليه وسلم - يؤمر بإعلان هذه الحقيقة الكبيرة.. إني لن يجيرني من الله أحد، ولن أجد من دونه ملجأ أو حماية، إلا أن أبلغ هذا الأمر، وأؤدي هذه الأمانة، فهذا هو الملجأ الوحيد، وهذه هي الإجارة المأمونة.
إن الأمر ليس أمري، وليس لي فيه شيء إلا التبليغ، ولا مفر لي من هذا التبليغ، فأنا مطلوب به من الله ولن يجيرني منه أحد، ولن أجد من دونه ملجأ يعصمني، إلا أن أبلغ وأؤدي!
يا للرهبة! ويا للروعة! ويا للجد!
إنها ليست تطوعا يتقدم به صاحب دعوة. إنما هو التكليف. التكليف الصارم الجازم، الذي لا مفر من أدائه. فالله من ورائه!
وإنها ليست اللذة الذاتية في حمل الهدى والخير للناس. إنما هو الأمر العلوي الذي لا يمكن التلفت عنه ولا التردد فيه!
وهكذا يتبين أمر الدعوة ويتحدد.. إنها تكليف وواجب. وراءه الهول، ووراءه الجد، ووراءه الكبير المتعال! " [في ظلال القرآن لسيد قطب - رحمه الله -]
ومع هذا العلو من المتعال، يصعد الداعية درجة في منبره، يشتاق للمزيد، من بعد وضوح أصل الأمر ورأسه، يصعد بطهارة وكرامة وولاية، ونذارة ووجل وأمل، في أن يكون:(حبيب الله، ولي الله) وتتطلع عينه إلى أحباء لله قبله، وإلى أولياء قد سبقوه.
http://www.islameiat.com المصدر:
-===========
القدح المعلى
عبد الحميد الكبتي
لم يزل الداعية إلى الله - تعالى -يروي معاني الشوق في نفسه حيناً بعد حين، من بعد صدعٍ بترك الخمول والتغطي! وقد حاز بسلوكه طريق الدعوة على لقب أهداه له الحسن البصري -رحمة الله- عليه حين وصفه بأنه " حبيب الله " (1)؛ إن هو لزم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
والداعية الحريص على نجاته، الطالب للارتواء الحقيقي - وليس المتتبع للسراب - ليُجهد نفسه للحصول على هذا " القدحُ المُعلى " العالي الرفيع، الذي يرتفع به علوا! بقدر ما ارتفع هو له ومد له الأيادي، فلا تطاله أيادي أهل السفول، ولا خواطرهم، فضلاً عن تفكيرهم واهتماماتهم وأعمالهم الخفيضة.
روحُ الدين ولُباب القُرب كلها، ومهماز العمل الدقيق في القلوب، وأساس أي داعٍ لله - تعالى -.. هو هذا " القدحُ المُعلى "؛ فإن غاض، أو جف، أو تضائل، لم يبق إلا السراب؛ الذي يُخدعُ به المرء أحياناً فيظنه ماءً!. وبفقده إياه لم يعد ثمة شي يستحق الاحترام لا في الدنيا، ولا في الآخرة.
بل إن جفاف هذا القدح في نفس الداعية يمسيه ممتلئاً بالأهواء والنزوات، ويصبح المرء مرتوياً من ضروب كثيرة من العوج النفسي، والالتواء الخلقي، والتعرج العملي، إذ " القدحُ المُعلى " هو جادة الصراط المستقيم، في النفس والخلق وفي العمل على السواء، فإن جف باتت هذه الثلاث مصدراً للنفرة والاشمئزاز.
وقد تُغص ميادين الدعوة ويتقلب فيها أقوامٌ يجعلون ربهم - سبحانه وتعالى - آخر ما يُرعى ويُرغب؛ لأن الأمر عندهم لا يعدو أن يكون حرفة تُدِرِّ رِبْحاً، وتُبرِز اسماً، وتُعلي رسماً!
صحيحٌ قد يتحقق للمرء ربحاً واسماً ورسماً وإن خفت روحه من " القدحُ المُعلى " لكنه الاخضرار الآني السريع - مهما طال في نظره - ثم لا يلبث إلا أن يجف وتذروه الرياح، فهذا حمدون بن أحمد يعطينا فقه الاخضرار والاصفرار الذي نقول، فقد قيل له - رحمه الله -: " ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟
قال: لأنهم تكلموا لعزِّ الإسلام، ونجاة النفوس، ورضا الرحمن. ونحن نتكلم لعزِّ النفوس، وطلب الدنيا، ورضا الخلق " (2)
أرشدنا - رحمه الله تعالى - بأنه عندما يجف قدحنا العالي في نفوسنا وقلبونا، ترتكس المعاني، ويمسي " العزِّ " للنفس لا لدين الله، دين الله على عظمته يُبدل بنفس! وينقلب معنى الخوف من أهوال الآخرة وشدائدها إلى طلبٍ وضيعٍ للدنيا، ويخدر طلب رضا ذي الجلال والكمال ليحل مكانه رضا الخلق الناقصين!. شتان بين خُضرة نضرة تُروى بها رياض القلوب والأبصار، وبين صفرةٍ خادرةٍ جافةٍ هشةٍ ما تلبث أن تطير إلى سفول.
أشواك.. تُدمي وتُهلك!
إن المرائي سُبَّة في جبين الدين، وآفة جائحة في الدعوة، ومرض في الجماعة، لا يقطع هدفاً، ولا يحقق مبتغى، يستفيد منه غيره وهو الهالك، وينجو به الناس وهو الخاسر، ويدخل به أقواماً للجنان، ويناله من رياءه قعر عميق. بل من الأوائل!
إن أول من تسّعر بهم النار؛ عالم ومجاهد وكريم: يؤتى بعالم فيقول الله: أما علمتك العلم؟ قال: بلى يا رب! فيقول: ماذا فعلت، والله أعلم؟ قال: علمت الجاهل وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: إنما تعلمت ليقال عالم، خذوه إلى النار، فيسحبونه على وجهه حتى يلقى في النار، ويفعل بالمجاهد المرائي والكريم المرائي كذلك.. (3)(14/185)
يا لها من جفلة للقلب حين يرى هذه الصورة المروعة لكل الكيان، تجعل العيون تذهل من مدامعها، والفؤاد يرجع هلعاً من مناظرها، حتى أن معاوية بن أبي سفيان رضوان الله عليه لما سمع الحديث بكى حتى مرّغ وجهه في التراب، وقال صدق الله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15-16].. كل أولئك من جفاف وانعدام هذا الترياق المبارك..
هذه أشواك الآخرة، ومن أشواك الدنيا؛ ما يرشدنا إليه الإمام علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، أنه ذكر فتناً تكون في آخر الزمان، فقال له عمر: متى ذلك يا عليّ؟ فقال: " إذا تُفقِّه لغير الله، وتُعُلِّم العلم لغير العمل، والتُمست الدنيا بعمل الآخرة " (4)
فهي الفتن في الدنيا أشواك أخرى تسبق أهوال القيامة، ولنا أن نتأمل اليوم أنواع الفتن وضروبها وتشعبها، ابتداء من الفتنة في النفس والذات، ووصولاً إلى الفتنة في آفاق الأمة الكبيرة، و يا لها من أشواك هذه الفتن؛ فقد أدمت النفوس، وأنّ لها كتف الدعوة، وأهريق منها رحم هذه الأمة المباركة، ومن أبرز أسباب هذه الفتن وتلك، هو جفاف هذا " القدحُ المُعلى ".
أزهار.. دعوية
ولا تتوقف عينُ الداعية إلى الله على مناظر تلك الأشواك المرعبة؛ التي أدمت فكره وخاطره وغاصت في بنان نفسه، بل في الكون جمال وأزهار، وفي الدعوة حقول زاهيةٌ، وسهول وافرةٌ، تدفعه للتأمل والجلوس مع الذات، ومراجعة نفسه وما تحوزه من هذه الورود اليانعة.
عن أبي سعيد الخدري رضوان الله عليه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في حجة الوداع: (نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، فرُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيه، ثلاثٌ لا يُغَلُّ (5) عليهن قلبُ امرئ مؤمن: إخلاص العمل لله، والمُناصحة لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعاءهم يُحيط من ورائهم) (6)
فالإخلاص مورد من موارد أداء الأمانة على وجهها الأتم، وينبوع من ينابيع سلامة الصدر من الحقد والشحناء، وأي قلب تشرب هذه المعاني بالإخلاص فأنّا أن تصيبه الفتن - بحول الله - وهل غالب الفتن إلا من خيانة الأمانة، أو من حقد وتباغض بين أهل الإسلام، وأهل الدعوة، وأمة الاستجابة.
وزهرة النصر والحفظ للأمة تأتي من هذا القدح قال - عليه الصلاة والسلام -: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها؛ بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم) (7)
وزهرة زيادة الخير ورفعة الدرجات
قال - عليه الصلاة والسلام - لسعد ابن أبي وقاص - رضي الله عنه -: (إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله - تعالى -إلا ازددت به خيراً، ودرجة ورفعة) (8)
هذا هو " القدحُ المُعلى " وما يزرعه في القلب، يحرص عليه الداعية " حبيب الله " ليزداد بهذا الحب جمالا على جمال.
اقبل باقة.. رُقَّية
حين يجمع الداعية المبارك هذه الأزهار؛ فلا حقد، ولا خيانة، بل رفعة في الدرجات، وانتظاراً للنصر، يكون قد حاز باقة من المعاني العالية، تزيده رقية العابدة جمالاً في باقته حين تقول: " تفقهوا في مذاهب الإخلاص، ولا تفقهوا فيما يؤديكم إلى ركوب القلاص " (9).
وصدقت - رحمها الله - فإن فقه معاني الإخلاص هو الذي يقود للمعالي، وليس التفقه فيما يوصل للبروز والتعالي، والفقه العالي يطوي في جنباته كل الخير، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق (.. إلا ازددت به خيراً، ودرجة ورفعة) فالخير كله مطوي ها هنا، والرفعة والعلو لن تكون إلا به، ومسكين من طلبها دون ارتواء من " القدحِ المُعلى "، ونجيب هو " حبيب الله " من ارتوى وقرّب هذا القدح في كل وقت من شفاه قلبه وفكره وعمله وسلوكه، فيزداد مع الحب رفعة ودرجة، وتنهال عليه الفتوحات، كأنه لم يكن يتذوقها.
ثكلتك أمك!
قد يتطرق للداعية إلى الله - تعالى -بعض عجب وغرور من هذه المعاني التي تشربها، يدله على علاج ذلك طلحة بن عبيد الله رضوان الله عليه قال: " خرج عمر ليلة في سواد الليل، فدخل بيتاً، فلما أصبحتُ ذهبت إلى ذلك البيت، فإذا عجوز عمياء مُقعدة، فقلتُ لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ فقالت: إنه يتعاهدُني مدة كذا وكذا، يأتيني بما يُصلحني، ويخرج عني الأذى. فقلتُ لنفسي: ثكلتك أمك يا طلحة، أعثرات عمر تُتبع؟ " (10).
والعجب آفة التفقه، وقريب من الجديد في طريق الدعوة، أن تتسارع نفسه إلى الظن بغيره ممن سبقه، أو ينزل من قدر أعمالهم إذ هو الفقه!، فيأتي خبر سعدٍ هذا كأنه تذكير له ووقاية مما يحاذره المرء في طريق الدعوة.
توازن... واعتدال
قد بالغ بعض المتصوفة في مسائل الإخلاص حتى دخلوا بالناس في أمثال الوسوسة، التي حجبت الكثير من الطاقات، وأهدرت العديد من الهمم في مرابض هذه الوسوسة العجيبة، حاربها الإمام أحمد رضوان الله عليه فيما يبثه المحاسبي - رحمه الله - وقتها، وحاربها حديثاً الدعاة إلى الله، لكن لا تزال بعض صور تلك الوسوسة تظهر في بعض المواقف، والتوازن الحق هو المطلب، ما بين تلك الأشواك وهذه الزهور يكون التوازن ثم.
قال رجاء بن حيوة يقول عن عبد الله بن مُحيريز: إنْ كنتُ لأُعُدُّ بقاء ابن محيريز أماناً لأهل الأرض!! دخل ابن محيريز حانوتاً بدانق، وهو يريد أن يشتري ثوباً، فقال رجل لصاحب الحانوت: هذا ابن محيريز!، فأحسِن بيعه، فغضب ابن محيريز وخرج، وقال: إنما نشتري بأموالنا، لسنا نشتري بديننا. (11)(14/186)
العيش مع مثل هذه القصص السلفية النقية، يجعل الداعية يتحسس في نفسه دون تلك الوسوسة التي نكره، فقد ينطلق الداعية من نقد مغالي المتصوفة ويجفل منهم، ومعه الحق، لكن في جفلته تلك قد يجد في نفسه بعض تساهل، وقلة في التدقيق، فتعيده هذه القصص وأمثالها إلى ما هو الصراط المستقيم.
وفي حفيد النبوة... قدوة
الإخلاص معنى خفي في القلب يعمله الرب من عبده، ويتعلم الداعية من هذا فقهاً أخر في إخلاصه؛ " فقه الخبيئة! "، قال الإمام الحافظ عبد الله بن دواد الخُريبي: كانوا - أي السلف - يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح، لا تعلمُ به زوجته ولا غيرها " (12)
حتى الزوجة لا تعلم! فم ذا الذي يعلم!! هو الله - سبحانه - وعبده الكسير العاجز، الذي بهذا الفقه " فقه الخبيئة " يزداد جبراً لنفسه، وقوة بقوة الله وحوله وطوله، ففي بعض الأحيان ونتيجة للعمل الدعوي الجماعي، تمسي كل أوراق الداعية من الأعمال الصالحة مكشوفة لمربيه وقائده، وهذا حسَنٌ جميل، والأجمل هو إضافة حُسُن الخبيئة هذا. وتأمل في خبر زين العابدين علي بن الحسين رضوان الله عليه:
قال عمر بن ثابت: لمّا مات علي بن الحسين فغسلوه؛ جعلوا ينظرون إلى آثار سواد بظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جِرَبَ الدقيق ليلاً على ظهره، يعطيه فقراء أهل المدينة.
وعن ابن عائشة قال: قال أبي: سمعتُ أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السرّ حتى مات علي بن الحسين.
وعن شيبة بن النعمان: كان علي بن الحسين يُبَخّلُ - يُوصف بالبخل من بعضهم -، فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة. (13)
فتأمل أيها الداعية يا حفيد النبي - صلى الله عليه وسلم - تأمل هذا النسل النبوي، وانسج على منواله، فقد ابدع في صدقة حتى أسود ظهره من الدقيق المحمول عليه!!، فأي أثر ترك على جسدك من خبيئة تفعلها؟، بل أي أثر ترك في قلبك من عمل سر لا يعلمه إلا الله!، فتش ودع هذه الآثار النبوية تحفزك لهذا الفقه " فقه الخبيئة "، ولا تكن مقلداً فتحصر نفسك في صدقة ودقيق، بل ابدع، ففي ضروب الخير كثرة، وكلٌ ميسر لما خلق له.
حمانا الله من الاغترار ومن توابعه وجذوره؛ وقف مطرف بن عبد الله بعرفة وقال: " اللهم لا تردهم من أجلي " (14).
فكن أخي أماناً لنفسك، وأجمع باقتك، وجهز خبيئتك، ولا تجعل الله يرد عباده من أجلك، ثم لا تزال حبيباً لله.
----------
(1) يراجع مقال " أنت حبيب الله ".
(2) صفوة الصفوة 4/122.
(3) إشارة للحديث الصحيح عن الألباني في صحيح الترغيب 1/13-15 وصحيح الجامع كما في ملحق فتح المجيد ص 572-573.
(4) أخرجه عبد الرزاق.
(5) من الإغلال: الخيانة في كل شي، ويروى بالفتح وهو الحقد والشحناء.
(6) قال الألباني رحمة الله في صحيح الترغيب والترهيب 1/5 أنه صحيح.
(7) (8) البخاري.
(9) صلاح الأمة في علو الهمة. للعفاني.
(10) البداية والنهاية 7/139.
(11) (12) صلاح الأمة في علو الهمة 1/128.
(13) راجع الحلية 3 /135.
(14) الزهد للإمام أحمد.
http://www.islameiat.com المصدر:
============
تعريف الملأ في الفكر الإسلامي ( من صفات الملأ )
عثمان جمعة ضميرية
لو عدنا إلى القرآن الكريم، وتتبعنا الآيات الكريمة، التي يتحدث الله - تعالى - فيها عن أولئك الملأ ومواقفهم من الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، لوضعنا أيدينا على مفتاح شخصية أولئك الملأ وتعرفنا على صفاتهم، وسنشير فيما يلي إلى أهم هذه الصفات، ولعلّ الحديث - فيما يأتي - عن وسائل الملأ في محاربتهم لدعوة الرسل والصَّد عنها، يعطينا ملامح أخرى لشخصية الملأ وصفاتهم أيضاً.
أولاً - الملأ يستكبرون في الأرض بغير الحق:
وتلك شنشنة قديمة نعرفها من الملأ، الذين نصبوا أنفسهم دعاة للضلال والصد عن الدعوة ولمعاداة الأنبياء والكفر بهم، فقد أخذتهم، العزة بالإثم عندما بعث الله - تعالى -لهم رسلاً من البشر، يدعونهم إلى الله - تعالى- وتوحيده وعبادته، فاستنكفوا عن ذلك، وقعدوا بكل صراط يوعدون ويكذبون، ويصدون عن سبيل الله من آمن ويبغونها عوجاً، فاستحقوا - بذلك - الخلود في النار: (إنَّ الَذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا واسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ولا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ وكَذَلِكَ نَجْزِي المُجْرِمِينَ) [الأعراف: 40].
وقد وصف الله - تعالى -أولئك الملأ بالاستكبار، حتى أصبح ذلك وصفاً لازماً لهم، وها هي الآيات القرآنية الكريمة تحدِّثنا عن موقف أولئك الملأ من أنبيائهم، عليهم الصلاة والسلام، واستكبارهم عن اتباع الهدى: أ - فالأشراف والسادة المستكبرون من قوم نوحٍ - عليه السلام -، يكذِّبون نوحاً؟ لأن أتباعه من البشر، بل هم من فقراء البشر وأراذل القوم - بزعمهم - من أصحاب المهن البسيطة، كالباعة والحاكة، وغيرهم، ولذلك فالسادة المستكبرون يأنفون أن يكونوا معهم فى دعوة واحدة، وفي صف واحد يجمعهم: (ولَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلَى قَوْمِهِ إنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (25) أَن لاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ اللَّهَ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ المَلأُ الَذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا ومَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إلاَّ الَذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ومَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ) [هود: 26 - 27]، (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ واتَّبَعَكَ) [الشعراء: 111].(14/187)
وكأنهم طلبوا من نوح - عليه السلام - أن يطرد المؤمنين عنه؛ احتشاماً ونفاسة منهم وأنفة أن يجلسوا معهم -تماماً كما طلب سفهاء قريش من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يطرد عنه جماعة من الضعفاء، ويجلس معهم مجلساً خاصاً - ولكن نوحاً - عليه السلام - أجابهم بما حكاه الله - تعالى -عنه، فقال: (ومَا أَنَا بِطَارِدِ الَذِينَ آمَنُوا إنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ ولَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (29) ويَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إن طَرَدتُّهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [هود: 29-30].
(ومَا أَنَا بِطَارِدِ المُؤْمِنِينَ (114) إنْ أَنَا إلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) [الشعراء: 114- 115].
ب -وبعث الله - تعالى -هوداً - عليه السلام - إلى عاد، وكانوا ذوي شدة وبأس وقوة، وكأنهم قد وصلوا إلى قمة الإبداع المادي والحضارة الصناعية والرفاه - وقتذاك - إلى حد الترف والإسراف، فاتخذوا من البناء على جوادِّ الطرق المشهورة ما يبهر العقول، ومن البروج المشيدة والبنيان المخلد ومآخذ الماء ما يثير الإعجاب، وكل ذلك لا لحاجةٍ لهم، بل هو يفيض عن حاجتهم، فيتخذونه عبثاً وتكاثراً ولهواً ومفاخرة: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) [الشعراء: 127-128].
فكان ذلك الثراء العريض والتقدم الصناعي، الذي أُتخموا فيه، سبباً من أسباب استكبارهم وغرورهم واستعلائهم..
فوقفوا ضد هود - عليه السلام -، وانطلق الملأ الكافر منهم -إذ كان فيهم من قد آمن بهود - عليه السلام - يكذِّب ويصد عن الدعوة، وينشر الأراجيف والشائعات الكاذبة، بحجة أن هوداً - عليه السلام - من البشر، وكيف يؤمنون لبشر مثلهم؟: (وإلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قَالَ المَلأُ الَذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وإنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكَاذِبِينَ)، [الأعراف: 65-66].
(وقَالَ المَلأُ مِن قَوْمِهِ الَذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ ويَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) ولَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِّثْلَكُمْ إنَّكُمْ إذاً لَّخَاسِرُونَ)، [المؤمنون: 32-34].
(فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)، [فًصِّلت: 15].
ج - وهاهم أولاء الملأ من قوم صالح - عليه السلام - يدفعهم الكبر إلى الاستعلاء والتكذيب والكفر: (قَالَ المَلأُ الَذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوا إنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ)، [الأعراف: 76].
فهم كفروا بما آمن به هؤلاء المؤمنون المستضعفون، استكباراً أن يكونوا مثلهم مؤمنين، وكأنها نكاية بهم أو مشاكسة ومعاكسة لأولئك المؤمنين المستضعفين! وكيف يرضون لأنفسهم أن يطيعوا رجلاً من البشر؛ ويصيروا مرءوسين له؟ وهم أصحاب الزعامة والسيادة والمال والثراء: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًاً مِّنَّا واحِدًاً نَّتَّبِعُهُ إنَّا إذًاً لَّفِي ضَلالٍ وسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ)، [القمر: 23 - 25] وكما كانت عاد في قمة التقدم الصناعي والرفاه والوفرة حتى أهلكهم الله - تعالى -بسبب تكذيبهم، كذلك كانت ثمود، فقد جاءت بعدها تخلُفُها في هذا المتاع الذي أنعم الله - تعالى -به عليهم وكان سبباً لاستكبارهم وكفرهم: (واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ ولا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [الأعراف: 67].
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ المُرْسَلِينَ (141) إذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَطِيعُونِ (144) ومَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وعُيُونٍ (147) وزُرُوعٍ ونَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَطِيعُونِ (150) ولا تُطِيعُوا أَمْرَ المُسْرِفِينَ (151) الَذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ ولا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إنَّمَا أَنتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنتَ إلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)، [الشعراء: 141-154].(14/188)
د -وكذلك وصف الله - تعالى -الملأ من قوم شعيب - عليه السلام - بالكبر، فقال: (قَالَ المَلأُ الَذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَ لَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ومَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وأَنتَ خَيْرُ الفَاتِحِينَ (89) وقَالَ المَلأُ الَذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إنَّكُمْ إذاً لَّخَاسِرُونَ) [الاعراف: 88-90].
هـ - وهي الصفة بعينها، يصف الله - تعالى -بها الملأ من قوم فرعون: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وكَانُوا قَوْماً مُّجْرِمِينَ)، [يونس: 75].
(ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (45) إلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وكَانُوا قَوْماً عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ)، [المؤمنون: 46-47].
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ والْجَرَادَ والْقُمَّلَ والضَّفَادِعَ والدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وكَانُوا قَوْماً مُّجْرِمِينَ) [الأعراف: 133].
(ولَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ ومَا كَانُوا سَابِقِينَ)، [العنكبوت: 39].
و - والملأ من العرب، زعماء قريش وصناديدها، كانوا يستكبرون عن آيات الله، وقد وصفهم الله - تعالى -بذلك فقال: (اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ وكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)، [الأنعام: 93].
وفي المدينة كان المنافقون يأنفون أن يؤمنوا برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن المؤمنين حوله هم من السفهاء بزعمهم: (وَإذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ)، [البقرة: 13].
وقد كانوا إذا قيل لهم: تعالوا يستغفر لكم رسول الله صدوا وأعرضوا عما قيل لهم استكباراً عن ذلك واحتقاراً لما قيل لهم، وكان يمثل ذلك الطاغية رأس المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول [1]، قال الله - تعالى -عنهم: (وإذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ ورَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وهُم مُّسْتَكْبِرُونَ)، [المنافقين: 5].
* ونجد في السيرة النبوية نماذج لاستكبار الملأ من قريش، فيما كانوا يطلبونه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل لهم مجلساً خاصاً، يجلس فيه معهم وحدهم، ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه، كبلال وعمار، وصهيب وخباب، وابن مسعود، - رضي الله عنهم -، وليُفْرِد أولئك بمجلس على حده، فهم يأنفون أن يجلسوا مع هؤلاء الضعفاء، ويتكبرون عليهم، فحذَّر الله - تعالى -نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يميل إلى ذلك ونهاه عنه وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء المؤمنين الأتقياء [2].
(واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)، [الكهف: 28].
وعن سعيد بن أبى وقاص - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة نفر، فقال المشركون للنبي: اطرد هؤلاء، لايجترئون علينا.
قال: وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما.
فوقع في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقع، فحدّث نفسه.
فأنزل الله - عز وجل -: (ولا تَطْرُدِ الَذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ) [الأنعام: 52] [3].
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: مرَّ الملأ من قريش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار.
فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء؟ فنزل فيهم القرآن: (وأَنذِرْ بِهِ الَذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إلَى رَبِّهِمْ) إلى قوله: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام: 51 -53] [4].
وأخرج الإمام ابن جرير الطبري عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: مرَّ الملأ من قريش بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب، ونحوهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمد رضيت بهؤلاء من قومك؛ أهؤلاء الذين منَّ الله عليهم من بيننا؛ أنحن نكون تبعاً لهؤلاء؛ اطردهم عنك! فلعلك - إن طردتهم - أن نتبعك! فنزلت هذه الآية: (ولا تَطْرُدِ الَذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ) إلى قوله - تعالى -: (وكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ) إلى آخر الآية [5].(14/189)
وأخرج أيضاً عن خباب - رضى الله عنه- في قوله - تعالى -: ! ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) إلى قوله: معم فتكون من الظالمين،، قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاريّ، فوجدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعداً مع بلال وصهيب وخباب، في أناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حوله حَقَروهم، فأتوه فقالوا: إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف العرب به فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبُد.
فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت!
قال:نعم!
قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتاباً.
قال: فدعا بالصحيفة، ودعا علياً ليكتب.
قال: ونحن قعود في ناحية، إذ نزل جبريل بهذه الآية: (ولا تَطْرُدِ الَذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ ومَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مَنَ الظَّالِمِينَ)، ثم قال: (وكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)، ثم قال: (وإذَا جَاءَكَ الَذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)، فألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيفة من يده، ثم دعانا، فأتيناه وهو يقول: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)! فكنا نقعد معه، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله - تعالى -: (واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: 28].
قال: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقعد معنا بعد، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها، قمنا وتركناه حتى يقوم [6].
وعن عكرمة، - رحمه الله -، في قوله - تعالى -: (وأَنذِرْ بِهِ الَذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إلَى رَبِّهِمْ) الآية، قال: جاء عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، ومطعم بن عدي، والحارث بن نوفل، وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل، في أشراف من بني عبد مناف من الكفار، إلى أبي طالب قالوا: يا أبا طالب، لو أن ابن أخيك يطرد عنه موالينا وحلفاءنا، فإنما هم عبيدنا وعسفاؤنا [7]، كان أعظم في صدورنا، وأطوع له عندنا، وأدنى لأتباعنا إياه، وتصديقنا به! قال: فأتى أبو طالب النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثه بالذي كلموه به، فقال عمر بن الخطاب: لو فعلتَ ذلك حتى تنظر ما الذي يريدون وإلامَ يصيرون من قولهم؟ فأنزل الله - تعالى- ذكره هذه الآية: (وأَنذِرْ بِهِ الَذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إلَى رَبِّهِمْ …) إلى قوله (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)، قال: وكانوا: بلال، وعمار بن ياسر، وسالم مولى أبي حذيفة، وصبيح مولى أسيد.
ومن الحلفاء: ابن مسعود، والمقداد بن عمرو، ومسعود بن القاريّ، وواقد بن عبد الله الحنظلي، وعمرو بن عبد عمرو ذو الشمالين، ومرثد بن أبي مرثد، وأشباههم من الحلفاء.
ونزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء: (وكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنْ بَيْنِنَا) الآية.
فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب فاعتذر من مقالته، فأنزل الله - تعالى -ذكره: (وإذَا جَاءَكَ الَذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) الآية [8].
تعليل وتحذير وفي تعليل موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - واجتهاده في دعوة أولئك الملأ وما أعقب ذلك من توجيهات ربانية يقول الباحث محمد عزة دروزة - رحمه الله -: ولقد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - أن موقف الزعماء هو المؤثر في الجمهور، وأن نطاق دعوته سوف يبقى ضيقاً، وأنها سوف تتعثر، وأن الأذى سوف يشتدُّ على المؤمنين مادام الزعماء في هذا الموقف.
وكان بعضهم معتدلاً، أو أقل اندفاعاً في المناوأة والكيد والصدّ من بعض، فأدَّاه اجتهاده إلى بذل الجهد في تألُّفِهم وإقامة الصِّلات معهم، بل ومسايرتهم شيئاً ما، ولو كان في ذلك بعض الغضِّ أو الإهمال لأصحابه، على أمل كسبهم للدعوة وكسر الطوق المضروب حولها.
وكان هذا الاجتهاد خلاف الأولى في علم الله - عز وجل -، فاقتضت حكمة الله تنبيهه إلى ذلك، وإلى أن مهمته هي: الإنذار والتبشير والدعوة، والاهتمام بالذين آمنوا به وانضووا إليه، وعدم المبالاة بالزعماء الذين امتنعوا عن الاسستجابة أو وقفوا موقف الصدِّ والأذى؛ بسبب استكبارهم، وخبث نياتهم، وسوء أخلاقهم، واعتباراتهم الشخصية والأسرية.
وأن كل ما عليه هو أن يتلو القرآن ويدعو إلى الله ومكارم الأخلاق.
فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضلَّ فإنما يضل عليها، وأنه ليس هو وكيلاً عليهم ولا مسؤولاً، ولا جبَّاراً ولا مسيطراً، وإنما هو منذر، على ما جاء في آيات عديدة في سُوَرٍ عديدة، منها هذه الآيات كمثال: 1 - (قَدْ جَاءكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ومَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ومَا أنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ) [الأنعام: 104].(14/190)
2- (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ومَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ومَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (108) واتَّبِعْ مَا يُوحَى إلَيْكَ واصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ) [يونس: 107 - 109].
3 - (إنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةِ الَذِي حَرَّمَهَا ولَهُ كُلُّ شَيْءٍ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ (91) وأَنْ أَتْلُوَ القُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ومَن ضَلَّ فَقُلْ إنَّمَا أَنَا مِنَ المُنذِرِينَ (92) وقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ومَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [النمل: 91-93].
4 - (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ومَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وعِيدِ) [ق: 45].
5 - (فَذَكِّرْ إنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ (22) إلاَّ مَن تَوَلَّى وكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ العَذَابَ الأَكْبَرَ(24) إنَّ إلَيْنَا إيَابَهُمْ(25) ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) [الغاشية: 21 - 26] [9].
هؤلاء أتباع الأنبياء...
سنة ثابتة: قال الإمام ابن كثير - رحمه الله - [10]: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان غالب من اتبعه في أول بعثته ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والإماء، ولم يتبعه من الأشراف إلا قليل، كما قال قوم نوحٍ لنوح: (ومَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إلاَّ الَذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ) الآية (هود: 27)، وكما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان، حين سأله عن تلك المسائل، فقال له: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؛ فقال: بل ضعفاؤهم.
فقال: هم أتباع الرسل [11].
والغرض أن مشركي قريش كانوا يسخرون بمن آمن من ضعفائهم، ويعذِّبون من يقدرون عليه منهم، وكانوا يقولون: أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا؛ أي: ما كان الله ليهدي هؤلاء إلى الخير، لو كان ما صاروا إليه خيراً، ويدعنا، كقولهم: (لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إلَيْهِ) [الأحقاف: 11]، وكقوله: (وإذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وأَحْسَنُ نَدِياً) [مريم: 73].
قال الله - تعالى -في جواب ذلك: (وكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً ورِءْياً) [مريم: 74].
وقال في جوابهم، حين قالوا: (أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام: 53] أي: أليس هو أعلم بالشاكرين له بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم فيوفقهم ويهديهم سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم، كما قال - تعالى -: (جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].
وفي الحديث الصحيح: » إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم « [12].
فتاريخ الرسالات السماوية وسنة الله في الدعوات، يدلان على أن الذين يبادرون قبل غيرهم، ويسارعون إلى تصديق الرسل، عليهم الصلاة والسلام، فى غالبيتهم من أولئك الفقراء والعبيد والمستضعفين، وهؤلاء هم الفئات المهضومة حقوقهم، أو الذين حرموا من الامتيازات الاجتماعية أو السياسية، التي احتكرها لأنفسهم الملأ المستكبرون الطاغون، الذين أوقعوا عليهم الظلم والاضطهاد بفعل النظام السائد الذي يهدر آدمية الفقراء ويجعل الملأ الكبراء سادة بالفطرة، لهم على العبيد حق السمع والطاعة والخضوع.
ويقول صاحب المنار: مضت سنة الله - تعالى -أن يسبق الفقراء المستضعفون من الناس إلى إجابة دعوة الرسل واتباعهم وإلى كل دعوة إصلاح، لأنه لا يثقل عليهم أن يكونوا تبعاً لغيرهم، وأن يكفر بهم أكابر القوم المتكبرون، والأغنياء المترفون، لأنه يشق عليهم أن يكونوا مرؤوسين، وأن يخضعوا للأوامر والنواهى التي تحرم عليهم الإسراف الضار، وتوقف شهواتهم عند حدود الحق والاعتدال [13].
ومن الواقع التاريخي: وإذا كانت هذه قاعدة عامة في الدعوات السماوية، كما حكاها الله - تعالى -في القرآن الكريم، فإننا نجد لها أمثلة أخرى فى تاريخ البشر وواقعهم: فقد كان في مقدمة الذين سارعوا في الدولة الرومانية إلى اعتناق المسيحية، هم الأرقاء، لأنها وعدتهم بملكوت السماء، وأعلنت أنه ليس مقصوراً على السادة، بل إنها أخبرتهم أن دخول الأغنياء الجنة هو أصعب من أن يلج الجمل في سم الخياط، والمفروض أنه الغني الباغي الظالم المستكبر..
وفي التاريخ الجاهلي الحديث، كان من أكبر المؤيدين للثورة الفرنسية: الفلاحون؛ كي تخلصهم من القيود الاقتصادية والاجتماعية التي فرضها عليهم المُلاَّك الإقطاعيون، وأرباب الحرف والصنائع؛ لتحررهم من سيطرة نقابات الطوائف، والعامة كي يكون لهم نصيب من الحكم الذي كان مقصوراً على الملوك والنبلاء والفئات العليا ورجال الكنيسة [14]، ولعل هذا يفسر شعار تلك الثورة المعروف، وهو: (الحرية والإخاء والمساواة) الذي أطلقوه ليخدعوا به الناس وليكسبوا الجماهير إلى صفهم.
جاهلية قديمة جديدة..(14/191)
ورغم الدعوات التي يطلقها كثير من الناس في الشرق والغرب، يزعمون فيها أنهم دعاة تحرر الإنسان وأنهم جاؤوا لينقذوا الضعفاء والمهضومة حقوقهم، وأنهم أنصار حقوق الإنسان، وأنهم سند لحق الشعوب في تقرير مصيرها، ومن أجل ذلك أنشئت المنظمات الدولية وما تفرع عنها من مجالس ومنظمات..
رغم هذا فإنهم هم الذين يكرسون الظلم والعدوان ويزدرون الضعفاء حتى ولو كانوا يجلسون بجانبهم في مقعد من مقاعد منظماتهم التي اصطنعوها لتكون أداة سيطرة على الآخرين.
يقول صاحب: (منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله): ومازال لهذه الطبقية الشاذة الهمجية جذور راسخة في عصرنا الذي يسمى بعصر التقدم والمدنية: -فبعض المنسوبين إلى أهل العلم يتطاولون على الذين لا علم عندهم!.
- والأغنياء المترفون - الرأسماليون والإقطاعيون - يحتقرون العمال الكادحين والفقراء المدقعين، ولو كانوا أصحاب مواهب فذة! !.
- وأرباب الوظائف الكبيرة يزدرون عامة الناس، ويتخذون من أنفسهم أرباباً من دون الله! !.
وهذه كلها مقاييس جاهلية، مهما نعق دعاتها بالمساواة والعدل..
ولله - سبحانه وتعالى - مقياس ثابت لا يتزعزع: (إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13].
إن المتقين أعزُّ خلق الله، وأرفعهم شأناً، ولو كانوا شعثاً غبراً لا يملكون مالاً أو جاهاً..
فهم مؤمنون أتقياء وكفاهم ذلك نسباً وشرفاً...
درس للدعاة..
وإذا كان الاستكبار في الأرض بغير الحق، والاستعلاء على الناس، عقبة أمام كل دعوة وإصلاح، وجسراً إلى النار، وسبباً للهلاك والبوار، فينبغي على المؤمنين عامة، والدعاة خاصة، أن يكونوا على حذر من الكبر والغرور، وأن يرتقوا إلى أفق مشرقٍ وضيء، فيكونوا من الموطئين أكنافاً الذين يَأْلَفُون ويُؤْلفون، وأن يطامنوا من كبريائهم، وأن يخفضوا جناحهم لإخوانهم المؤمنين، فيدخلون في زمرة عباد الرحمن الذين يمشون في الأرض هوناً، وعندئذ يمدون أبصارهم للدار الآخرة التي جعلها الله - تعالى - للمؤمنين المتواضعين: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُواً فِي الأَرْضِ ولا فَسَاداً والْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص: 83].
وما أعظم ما أدبَّنا الله - تعالى - به، عندما اقتلع من نفوسنا كل بذرة تنبت الكبر في نفس صاحبها! وما أعظم أدب الإسلام عندما جعل في نفس كل إنسان وازعاً ونوراً يستضيء به، وحكماً عدلاً لا يخطئ الصواب يقضي بأن الكبر تزوير للحقيقة وتعالٍ على الناس بدون حقٍ..
إذ لا شيء، مما يتيه به الإنسان فخراً على الآخرين، ويتكبر عليهم بسببه، يسوِّغ له ذلك ويبرره.
أرأيت العلم الذي تُفاخِر به وتتكبر؟ إنه من عند الله - سبحانه -، ومهما أوتيت منه فلن تبلغه كله: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا) [البقرة: 31].
(وفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف: 76].
(ومَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إلاَّ قَلِيلاً) [الإسراء: 85].
أرأيت إلى الملك والسيادة والزعامة؟ إنها بقدر من الله - تعالى -، وهو ينزعها منك متى شاء: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [ال عمران: 26].
أرأيت إلى الرزق والمال والمتاع المادي كله؟ إنك لم تخلق منه شيئاً، فهو كله من عند الله، وليس لك فيه إلا الكسب: (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ أَمْ نَحْنُ المُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) [الواقعة: 63 - 70].
وحتى الطاقة التي تستخدمها وتُسَخّرها لتيسير سبل الحياة لديك..
إنها هبة من الله - تعالى -ومنحة للبشر: (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَتِي تُورُونَ (71) أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ المُنشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً ومَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ) [الواقعة: 71 - 73].
وماذا بقي لديك؟ الحسب والنسب؟ فهل لك في ذلك إرادة واختيار؟ هل كنت بمحض إرادتك من بني فلان أو من بنى فلان آخر... ؟ وما الذي يميزك عن غيرك، والكل يمتون بالنسب إلى أصل واحد.. إلى آدم - عليه السلام -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13]، » والناس كلهم لآدم وآدم من تراب«[15].
فماذا بقي بعد هذا كله؟ ماذا بقي لك تتكبر به على الآخرين إلا العجز والضعف ومعرفة الأصل الذي كنتَ والنهاية التي إليها تصير؟.
فلتعد إلى نفسك، ولتضعها في مكانها، ولا ترفعها إلى ما لا تستحق، وليكن لك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة.
------------------
(1) انظر: تفسير ابن كثير 2/ 372 - 377، 4/370 - 373، دار الفكر، بيروت.
(2) انظر: تفسير ابن كثير 2/81.(14/192)
(3) أخرجه الإمام مسلم في فضائل الصحابة برقم (46)، وابن ماجه في الزهد برقم (4128)، وقال الشيخ محمود شاكر في تعليقه على الطبري: 11/ 379: خرجه السيوطي في الدر المنثور، وزاد نسبته لأحمد وابن أبي حاتم وابن حبان وأبي الشيخ وابن مردويه وأبي نعيم والحاكم والفريابي وعبد ابن حميد والنسائي وابن المنذر.
(4) مسند الإمام أحمد: 1/420.
(5) أخرجه الطبري في التفسير: 11/574 - 575، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/20: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير كردوس، وهو ثقة، ونسبه السيوطي لابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه وأبي نعيم في الحلية، انظر: تفسير الطبري بتحقيق وتعليق محمود شاكر، في الموضع نفسه.
(6) الطبري 11/376 - 377، وابن ماجه برقم (4127) في الزهد، قال المحقق: في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات وقد روى مسلم والنسائي والمصنف بعضاً من حديث سعد بن أبي وقاص وقال ابن كثير في التفسير 2/ 136: (وهذا حديث غريب فإن هذه الآية مكية والأقرع بن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر) ونسبه السيوطي أيضاً لابن أبي شيبة وأبي يعلى وأبي نعيم في الحلية وابن المنذر وأبي الشيخ، وابن مردويه والبيهفي في الدلائل انظر: تعليق محمود شاكر على الطبري (11/377).
(7) العسفاء: جمع (عسيف)، وهو العبد، والأجير المستهان به.
(8) أخرجه الطبري بإسناده عن عكرمة في التفسير: 11/379 - 380.
(9) انظر بحثه القيم عن: (معركة النبوة مع الزعامة) ص 246 - 248، وهو البحث المقدم للمؤتمر العالمي الثالث للسيرة النبوية عام 1400 هـ بالدوحة، ومنشور في البحوث والدراسات المقدمة للمؤتمر 6/407 وما بعدها، الطبعة الأولى 1401 هـ.
(10) تفسير ابن كثير 2/136.
(11) القصة بكاملها في البخاري، كتاب بدء الوحي رقم (7)، فتح البارى 1/31 - 33 وفي مواضع أخرى منه، ومسلم في الجهاد والسير، برقم (74) 3/ 1393 - 1397، والإمام أحمد في المسند: 1/262.
(12) أخرجه الإمام مسلم في البر والصلة برقم (2564)، والإمام أحمد في المسند 2/285 و 539، وابن ماجه في السنن، كتاب الزهد برقم (4143)، والبغوي في شرح السنة برقم (4150) 14/34.
(13) تفسير المنار للسيد رشيد رضا: 8/504.
(14) انظر:التفسير القرآني للتاريخ، د راشد البراوي: ص 158.
(15) أخرجه الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وإسناده حسن، مشكاة المصابيح بتحقيق الشيخ الألباني: 3/1373.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============
أفكار دعوية (1)
الشبكة الإسلامية
من فضل الله على العباد أن يسر لهم فعل الخيرات، وكسب الحسنات، حتى بمجرد التفكير، والنية في الإسلام لها أجرها العظيم وثوابها الجزيل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: ( فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة )متفق عليه، والدعوة إلى الله من أعظم الأعمال الصالحة، ونفعها يتعدى إلى الغير، ومجالاتها وسبلها كثيرة ومتجددة، والأفكار فيها أكثر وأرحب.
ومن بين الأفكار الدعوية التي قد تكون نزلت إلى واقع ملموس، وشئ مشاهد محسوس، أو أنها ما زالت في الأذهان تدور، أو مدونة بين السطور، ما سنتناوله بإذن الله تعالى في هذا المقال:
أولا- أفكار تتعلق بالدعوة في البيت:
البيت هو أول المؤسسات التي ينشأ فيها الدعاة إلى الله منذ نعومة أظفارهم، وفيه ينبغي أن يبدأ الدعاة دعوتهم، فيمارسون الدعوة فيها، سواء كانوا آباء أو أبناء، ومن الأفكار الدعوية في هذا المجال:
1-إقامة حلقة القرآن الكريم في البيت، حيث يجتمع أفراد الأسرة على كتاب الله، مما يكون له الأثر في النفوس، وهو في الوقت نفسه زاد إلى الآخرة.
2-تدارس بعض الكتب المفيدة، وتدريب الأبناء على القراءة.
3-نشر الحرص والاهتمام بالصلاة بين أفراد الأسرة، والمحافظة عليها في أوقاتها دون تأخير.
4-الاهتمام ببقية العبادات كالزكاة والصوم والحج والعمرة وغيرها.
5-الاهتمام بالأذكار الثابتة، وخاصة أذكار النوم والاستيقاظ، والأكل والشرب، والدخول والخروج، وأذكار الصباح والمساء.
6- التركيز على زيارة الأرحام، وصلتهم، وبيان فضل ذلك.
7-حضور الأسرة بكل أفرادها في بعض المحاضرات والندوات الهادفة.
8-الخروج في بعض الرحلات العائلية الهادفة.
ثانياً- أفكار تتعلق بالدعوة في المسجد:
فالمسجد له دور بارز في مجال الدعوة إلى الله، بل إن البداية الحقيقية تكون من هذا البيت العظيم، فمن أفكار الدعوة المتعلقة بالمسجد:
1-إقامة حلقات للقرآن العظيم، والتي هي مجال رحب للدعوة إلى الله، يتم فيها احتضان الشباب.
2-عمل لوحات خاصة بالفتاوى والفوائد والإعلانات مثل المحاضرات والدروس العلمية، والمساهمة في برامج المسجد والتبرعات........
3- قراءة يومية في أحد الكتب المختارة، يراعى فيها عدم الإطالة، ويكون بعد إحدى الصلوات مباشرة وقبل خروج المصلين.
4- إقامة درس أسبوعي في المسجد، يقوم عليه إمام المسجد، ويتم فيه تبادل الحوار، لتقوية العلاقة بين الشيخ وجماعة المسجد.
5-عمل برنامج استضافات أسبوعي أو نصف شهري أو شهري، وحث الجماعة على المشاركة والحضور، مع مراعاة التنوع والتجديد فيها، كاستضافة طبيب، مسؤول، طيار، مرشد من مستشفى، أوشعبة مكافحة المخدرات....... وغيرهم.(14/193)
6- توزيع مطويات شهرية خلال العام، وخاصة فيما يتصل بالمناسبات الشرعية ( رمضان- عاشوراء -الحج ) أو المناسبات العادية ( نهاية العام - الامتحانات... وغيرها ).
7- تشجيع من عنده قدرة من المصلين على المشاركة في إلقاء الكلمات في المسجد، وذلك بالتنسيق مع إمام المسجد.
8- عمل برنامج لزيارة جيران المسجد من المسلمين وغيرهم، وترغيب المسلمين في صلاة الجماعة.
ثالثا- أفكار تتعلق بدعوة المعلمين:
وهنا يأتي دور المؤسسة الثالثة بعد البيت والمسجد، حيث يقوم المعلم المسلم بتكملة المشوار، وأداء دوره، نحو من هم أمانة في عنقه، وهناك العديد من الأفكار الدعوية فيما يتعلق به، ومن ذلك:
1-التعاون مع إخوانه المعلمين على إيجاد روح التآلف بينهم، وإبعاد أي بادرة شحناء.
2-التناصح الودي بين المعلمين بالأسلوب المناسب، وذلك عند وجود أي خطأ سواء في المظهر أو الملبس أو الكلام أو غير ذلك، ووجود النصح يضفي على المدرسة طابع التدين مما يجعل كثيراً من المعلمين يعمل، ويتعاون على ذلك.
3-الاهتمام بالمدرسة بشكل عام وغرف المعلمين بشكل خاص، وإظهارها بالمظهر الجميل الرائع، وتزويدها بعدد من الوسائل الجيدة والمفيدة.
4-الارتقاء بفكر وثقافة المعلم وتطلعاته، وذلك من خلال:
أ - تعريف المعلم ببعض أحوال إخوانه المسلمين في العالم الإسلامي في الأحاديث والجلسات بين المعلمين أو اللوحات الحائطية أو النشرات المدرسية.
ب -طرح دورات تعليمية وتدريبية للمعلمين داخل المدرسة، أو المشاركة في الدورات المقامة خارج المدرسة.
5- طرح مسابقة خاصة بالمعلمين تناسب ومستوى المعلم.
6- رسالة إلى المعلم وذلك بواسطة ظرف فيه بعض المطويات والكتيبات أو بعض المجلات، أو غير ذلك من الأشياء المناسبة والمفيدة للمعلم، وتكون هذه الرسالة كل شهر مثلا.
7- استضافة أحد العلماء - أحيانا - عند لقاء المعلمين خارج المدرسة، وإن لم يكن لقاء خارج المدرسة فيستضاف في بعض الاجتماعات المدرسية.
8- إقامة بعض المحاضرات في المدرسة خاصة بالمعلمين مع استضافة معلمي المدارس الأخرى، وذلك خارج وقت الدوام الرسمي.
9- عرض فكرة الاشتراك في الشريط الخيري، حيث يوفر للمدرس المشترك شريط كل أسبوعين، أو كل شهر.
10- استغلال مجلس الآباء عند اجتماعه كأن تلقى كلمة توجيهية أو توزع بعض النشرات التوجيهية.
11-عرض المشاريع الخيرية على المعلمين مثل ( كفالة الأيتام - بناء المساجد - الاشتراك في المجلات الإسلامية - تفطير الصائمين - دعم المشاريع الخيرية ).
رابعاً- أفكار تتعلق بدعوة الطلاب:
1-أن يكون المدرس قدوة حسنة للطالب.
2-استقطاع بعض الوقت من الحصة لتوجيه خاطرة، أو نصيحة، أوتعليق، كخمس دقائق.
3-استخدام أسلوب التعزيز اللفظي ( ثناء ومدح ) من قِبَل المعلم تجاه الطالب .
4- وضع جوائز للطلاب المتميزين.
5- وضع لوحة في الفصل ولوحة في مدخل المدرسة بها أسماء الطلاب المميزين.
6- غرس المعاني الطيبة واستعمال الألفاظ الحسنة والعبارات الصحيحة حتى يعتاد عليها الطالب وترسخ في ذهنه .
7-جعل الحصص الأولى من العام الدراسي مداًّ لجسور الثقة والألفة بينه وبين الطالب، والعمل على إدخال السرور إليهم، وتحبيب الدراسة والمدرسة والمعلم في نفوسهم، وخاصة إذا كانوا صغارا في مراحلهم الأولى.
8-على المدرس بيان أهمية مادته مع التركيز على بيان حاجة الأمة لها .
9-تفعيل حصة النشاط الثقافي .
10-الاعتناء بإقامة معرض دائم في المدرسة، وتدريب الطالب من خلاله على معايشة القضايا المهمة مثل :
أ-المآسي التي تحل ببلاد المسلمين من حروب ومجاعات.
ب-العقوبات الإلهية التي تحل ببعض البلدان.
ج-أخبار الجهاد والمجاهدين .
د-المخدرات والمسكرات والدخان وآثارها .
هـ-الحوادث المرورية .
و-المشاريع الدعوية .......
11-تشجيع الطلاب وتدريبهم على الأنشطة الدعوية فيما بينهم وغرس محبة ذلك في قلوبهم.
12-تكليف الطلاب ببعض البحوث الصغيرة لتدريبهم على ذلك.
13- معايشة أحوال الطلاب، وإشعارهم بالمشاركة في أفراحهم وأحزانهم.
14- اكتشاف مواهب الطلاب ومعرفة ميولهم، وتفجير الطاقات لديهم كل في مجاله وحسب قدراته.
15-استغلال الإذاعة المدرسية والاستفادة منها في الدعوة إلى الله.
16- تفعيل دور مسجد المدرسة، وإقامة حلقات القرآن الكريم به.
17-إقامة صلاة الظهر جماعة بالمدرسة.
18-الاهتمام بالمحاضرات العامة .
تلك هي بعض الأفكار الدعوية، والتي نسأل الله أن تكون موجودة ومعمولاً بها في أوساط أمة الدعوة التي أثنى الله عليها بقوله: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }(آل عمران: 110)، سائلين الله العون للدعاة والهداية للجميع، والحمد لله رب العالمين.
=============
أفكار دعوية ( 2 )
بعد أن تناولنا بعض الأفكار الدعوية في مقال سابق نواصل الحديث- بإذن الله تعالى- عن أفكار أخرى تكملة لما سبق، ولما كانت الأفكار كثيرة ومتجددة، فنأخذ منها، ونقتطف بعضها، سائلين الله التوفيق والسداد، والعون والرشاد:
أولاً- أفكار تتعلق بالدعوة إلى الله في العمل:
فالواحد منا يقضي ساعات طويلة في عمله، وقد تمر على البعض أوقات فراغ لا يحسن استغلالها، أو قد يكون معه في مجال العمل من غير المسلمين فلا يستغل قربه منهم، وهذه الأفكار منها ما هو قابل للأخذ والتنفيذ، أو الرد والتأجيل، ومنها ما لا يقبل إلا المبادرة والتطبيق، وذلك حسب الظروف والأحوال، فمن الأفكار الدعوية في هذا المجال:
ثانياً- أفكار تتعلق بالدعوة إلى الله في الأسواق:(14/194)
وما أدراك ما الأسواق؟ فهي التي يكثر فيها الجدال والخصام، والتنافس على الأموال، والغفلة ووجود الشيطان، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (خير البقاع المساجد، وشر البقاع الأسواق)رواه الطبراني وابن حبان والحاكم وصححاه، فالدعوة إلى الله والتذكير بالله أمر مهم في مثل هذه الأماكن، ومن الأفكار الدعوية المتعلقة بالأسواق:
1-الإكثار من ذكر الله - عز وجل -، وخاصة دعاء السوق: فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من قال حين يدخل السوق: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، وبني له بيتا في الجنة) رواه الترمذي وابن ماجه.
2-الاعتناء بالصدق وحفظ اللسان.
3-غض البصر، ومراقبة الله - عز وجل -.
4- الاعتناء بالأمانة وعدم الغش في التعامل مع الناس بيعاً وشراءاً.
5-أداء الصلوات في أوقاتها، والتذكير بها والدعوة إليها.
6-إيجاد مساجد أو مصليات في الأسواق، مع تخصيص أماكن للنساء.
7-إيجاد تسجيلات إسلامية تحتوي الأشرطة النافعة والمفيدة.
8-البعد والتحذير من منكرات الأسواق، وخاصة فيما يتعلق ببيع المحرمات.
9-الإعتناء بالتصيحة الطيبة والدعوة بالأسلوب الحسن.
10-الاعتناء بحجاب المرأة والدعوة إليه.
11-التحذير من الربا والمعاملات المحرمة.
12-الاعتناء بالملصقات واللوحات التوجيهية والإرشادية.
ثالثاً- أفكار تتعلق بالدعوة في المنتزهات والأماكن العامة:
1-الاعتناء بنظافتها والمحافظة عليها.
2-التأمل والتدبر والتفكر في خلق الله - عز وجل - ونحن نرى الأشجار المتنوعة، والزهور اليانعة، والأرض الخضراء، والسماء الزرقاء، والليل والنهار، وآيات الله الكثيرة.
3-تذكَّر الجنة بأشجارها وأنهارها وأجوائها وخيراتها ونعيمها، وتذكير الآخرين بها.
4-مراعاة شعور الآخرين وعدم إيذائهم.
5-الاعتناء بالمساجد وأماكن الصلاة، وأداء الصلاة في أوقاتها.
6-إدخال البرامج المفيدة والنافعة من خلال الإذاعات الخاصة بهذه الأماكن، وإبعاد المحرمات والمنهيات عنها، والبدائل متوفرة بفضل الله كالأناشيد واللقاءات والمسابقات وبث التعليمات والتوجيهات بالأسلوب الشيق والمحبب.
7-تخصيص أماكن خاصة للعائلات، وأخرى للنساء والأطفال، وثالثة للشباب.
8-تنظيم بعض المحاضرات والندوات والفعاليات الهادفة.
رابعاً- أفكار تتعلق بالدعوة في الأندية ومراكز الشباب:
1- التركيز على الأهداف والغايات في هذا الجانب، وربط ذلك بمقاصد الإسلام العظيمة.
2- الاعتناء بالمسابقات الهادفة مع مراعاة التنويع والتحسين.
3- الاعتناء بالجانب الثقافي من خلال إيجاد المكتبات وتزويدها بالكتب القيمة والمجلات النافعة.
4- الاعتناء بالوسائل العلمية والثقافية الحديثة كالانترنت مع توجيه الشباب نحو المواقع الطيبة والمفيدة.
5- تنظيم المحاضرات والندوات مع مراعاة الانتقاء والتجديد، وتلمس حاجات الشباب لتناولها.
6-الاعتناء بالبحث العلمي وتوفير الدعم المادي والمعنوي.
7-تشجيع الإبداع والابتكار، وتنمية المواهب وخاصة لدى الشباب.
8-إظهار الاهتمام والعناية، وعدم الاستهانة بقدراتهم.
9-ربط الشباب ببيوت الله، وغرس محبة المساجد في قلوبهم، من أجل إيجاد التوازن في حياتهم، وتأدية رسالتهم.
10-الاعتناء بأنواع الرياضة، فتقوية الأبدان مطلب شرعي، مع مراعاة النواحي الشرعية فيها.
وهكذا أخي المسلم الكريم، والداعية الحبيب نصل معك إلى ختام هذا اللقاء حول تلك الأفكار في الدعوة إلى الله المولى الغفار، سائلين الله الفوز بالجنة والنجاة من النار، والله يحفظك ويرعاك، ويسدد خطاك، والحمد لله رب العالمين.
15/09/2004
http://www.islamweb.net المصدر :
================
الغرقى
الحياة كالبحر الكبير (المحيط)، فيه جزر متناثرة، القليل منها فيها الأمن والرغد، وأكثرها جرداء لا حياة فيها أو موحشة تقطنها السباع..
والناس في هذا البحر يصارعون الأمواج المتلاطمة، فبعضهم يجيد السباحة، وبعضهم لا يجيد فهو يغرق..فأما المجيدون للسباحة فقليل منهم من يعرف طريق الجزيرة الآمنة الصالحة للحياة، وأكثرهم يتجهون إما إلى الجزر الجرداء أو الموحشة، وإما يتجهون إلى عمق البحر الكبير..
وهم في كل ذلك يطلبون النجاة!..
هنا يبرز المنقذون، الذين يجيدون السباحة، ويعرفون طريق الجزيرة الآمنة، ويدركون أهمية النجاة، لينقذوا الغرقى من الغرق، وليدلوا التائهين إلى الطريق الصحيح...
لكن العجب أن كثيرا من الغرقى يرفضون عونهم، وكثير من التائهين يعرضون عن توجيهاتهم!!!!..
فمن هم هؤلاء المنقذون؟..
المنقذون من مهلكات هذه الحياة هم المصلحون، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، والرجل يزعهن، ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقتحمون فيها) البخاري في الرقاق، باب: الانتهاء عن المعاصي..
فهؤلاء الغرقى والتائهين كالهوام والفراش تأتي إلى النار لتقع فيها ظنا منها أنها نور وحياة، والشفيق يذب ويطرد حتى لاتقع فتحترق..
ومثل جماعة يتجهون إلى حفرة فيها نار، وناصح يمسك بثيابهم يمنعهم من المضي، وهم يجاذبونه ثيابهم.. يدفعونه بأيديهم.. يشتمونه.. ويؤذونه.. ويأبون إلا السقوط في حفرة النار، وربما جروه معهم..
قال رسول الله:(14/195)
(إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، فانطلقوا على مُهلتهم، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش، فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني، وكذب بما جئت به من الحق) مسلم في الفضائل، باب: شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته ومبالغته في التحذير ممايضرهم..
إن الناس كلهم غرقى إلا من رحم الله، ينظرون إلى منقذيهم نظرة استكبار وعناد وقلوبهم تئن مما بها من العطش إلى الهداية والرحمة، إنهم يكابرون، ويزعمون أنهم على بر الأمان، في جزيرة الخيرات، فيمتنعون على منقذيهم أشد الامتناع، ولو صدقوا مع أنفسهم لشهدت عليهم فطرهم بأنهم هلكى حيارى ماداموا لم يذلوا لرب العالمين، ولم ينصاعوا انصياعا كاملا لهدي النبي الأمين..
لكن بالرغم من كل ذلك الإعراض والعناد والرفض منهم للنجاة لا ينبغي للمنقذين أن يتركوا نجدتهم وإنجائهم من الغرق، فهم إلى اليوم لم يدركوا حقيقة الأمر، ولم يقفوا على حقيقة الطريق الذي هم فيه، فهم في عمى أعماهم الشيطان بما زين لهم من الشهوات والملذات، يظنون أنفسهم في بر الأمان، وهم في الحقيقة يصارعون أمواجا عاتية ويتجهون إلى جزر موحشة، فهم في وهم كبير..
فمن الذي يخرجهم من هذا الوهم قبل أن يهلكوا؟!.
من الذي يمد إليهم يد العون ولو رفضوا؟.
من الذي يصبر على إعراضهم ولو آذوا وظلموا؟.
ليس أهل لذلك إلا من سار على نهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، إنهم العلماء وطلاب العلم والمهتدون..
هم الذين يمدون أيديهم ويصبرون عليهم، هم الذين لديهم أمل كبير لا ينتهي في هدايتهم، كما قال رسول الله لما عرض له ملك الجبال أن يطبق الأخشبين على أهل مكة جزاء إعراضهم:
(بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا) البخاري، كتاب بدء الخلق، باب: إذا قال أحدكم "آمين".
هم الذين يقومون بهذا الواجب لله - تعالى –لا يرجون من أحد جزاء ولا شكورا، لا يكفون عن المحاولة تلو المحاولة لإنقاذ من يقدرون إنقاذه ولو آذوهم أو عادوهم..
هذا المريض يحكم عليه الطبيب ببتر أحد أعضائه إبقاءً لباقي جسده فيرفض فهل يستجاب لرفضه؟..
بالطبع لا، لأن رفضه يعني الموت، والمحبون له لن يرضوا بذلك، ولذا فإنهم يصرون عليه أن يستجيب ويحملونه بالقوة على ذلك، لأنهم يعلمون أنه إذا عوفي سيحمدهم ويرضى عنهم، وإذا لم يفعلوا سخط عليهم، كما قال رسول الله:
(من أسخط الله في رضى الناس سخط الله عليه، وأسخط عليه من أرضاه في سخطه، ومن أرضى الله في سخط الناس - رضي الله عنه -، وأرضى عنه من أسخطه في رضاه حتى يزينه، ويزين قوله وعمله في عينه) الطبراني في الكبير، انظر: السلسلة الصحيحة 5/395..
إن من الظلم ترك الغرقى بلا نجدة، كما أن من أظلم الظلم الغرق معهم، لمن كان يعرف خطر الغرق، وعنده أسباب النجاة، وهذا مثل من علم طريق الحق والنجاة ثم فرط في تعليمه من جهل، وزاد على ذلك بأن تشبه بالجاهلين في جهلهم، وسار في طريقهم..
أفليس من السفه أن يترك العالم علمه ويقينه بحقائق الأمور فيغرق مع الغرقى من أجل شهوة مال أو منصب أو خوف على دنيا؟..
بلى هذا هو السفه بعينه، قال - تعالى -: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}..
وقد أراد الغرقى في كل زمان ومكان أن يجروا معهم المنقذين وزينوا لهم الغرق، مع أن الغرق لا يمكن أن يزين، لأنه غرق وليس نجاة، فكيف يكون حسنا؟!..
ومع ذلك زينوه في عقول كثير من المتطلعين إلى الدنيا حتى غرقوا معهم، لكن الصادقين امتنعوا ورفضوا بيع علمهم ويقينهم بثمن بخس، رفضوا أن يغرقوا بعد أن هداهم الله وعرفهم طريق النجاة:
{ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار}..
دعت قريش رسول الله إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله سورة الكافرون، وأمر رسوله فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية:
{قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين}..
{قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين} انظر: تفسير ابن كثير..
ثم مارسوا معه نوعا آخر من أنواع الغرق، طلبوا منه شرط اتباعه أن يطرد الفقراء فقال - تعالى -:
{ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين} انظر: تفسير ابن كثير..
وكذلك فعلت الغرقى مع نوح من قبل فقال لهم: {وما أنا بطارد المؤمنين * إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون * إن أنا إلا نذير مبين}..
فهكذا يجب على المنقذ ألا يستجيب لدعوات الهالكين والتائهين أبدا، يجب عليه أن لا يستجيب لرغبات الغريق أبدا، فليس الغريق في موضع يؤهله لأن يرشد ويعظ، بل هو محتاج إلى من يعظه ويرشده لينجو..
فإن زل واستجاب فإنه يظلم نفسه ويظلم الغرقى أيضا..
يظلم نفسه حين يضيع علمه وفهمه ومعرفته بطريق النجاة فيرضي لنفسه أن يكون جاهلا هالكا مع الجاهلين الهالكين..(14/196)
ويظلم أولئك حينما لا يزجرهم ولا يرشدهم وهو يراهم يتجهون إلى الغرق، وإلى البقاع الموحشة والجرداء المهلكة، ولذا فإنهم يتعلقون بثيابه يوم القيامة يشكونه إلى الله أن كان يراهم ساقطين ثم لم يمد يده إليهم بالنجاة..
إن العالم بالحق العارف بحقيقة الدنيا والآخرة عليه أن يؤدي هذه الأمانة التي حملها بالعمل على هداية الناس ولو نفروا.. والصبر على ذلك ولو تنكروا.. وعدم كتمان الحق أو التهاون فيه أو مجاراة أهل الهوى والشهوات.. لأن الله سائله عنها.. وكم قد جاء الوعيد في القرآن لمن كتم علما أو اشترى به ثمنا قليلا، قال - تعالى -: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}..
ولعل في تحذير الله نبيه أن يستجيب لأهواء الضالين أبلغ الوعيد لمن هو دونه ممن آتاه الله علما فانصاع لأهواء من ضل عن السبيل: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلا * ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا * إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا}..
إن الحياة بحار متلاطمة وأمواج عاتية، والناس فيها في عنت وشدة ليس لهم قرار ولا استكانة إلا إذا تمكنوا من جزيرة آمنة واسعة فيها العيش الرغيد، هذه الجزيرة هي جزيرة الإيمان..
فيا أيها المنقذون! مدوا أيديكم إلى الغرقى ودلوا التائهين..
ويا أيها الناس! لا تكابروا، ولا تعاندوا، وأمسكوا بأيدي منقذيكم، واسمعوا لهم، ولا تخالفوهم، فإنهم إنما يسوقونكم بأمر الله ودينه إلى جنة الدنيا وجنة الآخرة، فإنكم إذا صرتم في بر الأمان، وذقتم طعم الإيمان، حينها تعلمون أنهم كانوا لكم من المحبين.
إن طائفة من التائهين يغرقون وإرادتهم منعقدة على إغراق الناس معهم، يطمحون إغراق الأمة كلها فيما غرقوا فيه، قد صرفوا كل همهم لأجل ذلك، ومن حق المرء أن يتساءل لم يفعلون ذلك؟..
أهو حقد دفين أم حسد مكين؟..
أم هم أتباع إبليس اللعين: {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين}؟.
يغرقون ويجرون الناس معهم إلى الغرق، فهل يتركون ليعبثوا بمصير الأمة؟!.
كلا..
من هنا شرع الثبات على الحق والأمر بالمعروف النهي عن المنكر..
من هنا شرع قول الحق وعدم خوف لومة لائم في ذات الله..
من هنا شرع الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس..
كل ذلك لكف يد هذا الظالم الغارق الذي يريد إغراق غيره معه بغير ذنب إلا الحقد وتقليد الشيطان الرجيم، وإنقاذ الأمة من مصير مجهول مظلم ينتظرها في قاع البحر الكبير، حيث تتعرض لأنواع المخاوف والظلمات والوحوش التي تفتك بها، وليس فيه إلا الهلاك والخراب والاضطهاد والاعتداء وفساد الحياة..
وصدق الله حين قال: {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما}.
http://saaid.net المصدر :
-=============
ثم يأتي سبع عجاف
محمد العبدة
عندما يتاح للدعوة أن تنشط وتعبر عن نفسها، وتنطلق في صفوف الناس لتنقذهم من الظلمات إلى النور، وتنقلهم من الجهل إلى العلم، وتأخذ بأيديهم إلى الحياة الكريمة، عندما يتاح لها ذلك لماذا لا يستطيع أصحابها استثمار هذا الرخاء كما فعل نبي الله يوسف - عليه السلام - عندما علم أنه سيأتي بعد الرخاء سبع عجاف.
فأخذ للأمر أهبته واستعد له استعداد الحازم البصير.
ولم يموه على نفسه وعلى الناس ويطمئنهم بأن الأمور تسير إلى الأحسن، بل صارحهم وبين لهم.
ونحن نعلم أن الله - سبحانه وتعالى - يبتلي المؤمنين بسنوات عجاف ليخرجوا من المحنة أكثر مضاء وصفاء، وأكثر خبرة ودراية، فيستغلوا كل ظرف ومناسبة للسير بالدعوة خطوة أو خطوات إلى الأمام، ونحن نعلم ما يخطط له الأعداء من مكر الليل والنهار، وما يفعله الذين لا يكفون عن البطش والقهر وكأنهم الوحش الذي ولغ في الدماء فهو يتلذذ بها، فإذا أبعد الله هؤلاء وأراح منهم العباد والبلاد فليهتبل المسلمون الفرصة وليضاعفوا من نشاطهم ويرسخوا أقدامهم.
لقد أتيحت للمسلمين فرصة في صلح الحديبية فاستغلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحسن استغلال، ووافق على الشروط التي ظاهرها لمصلحة قريش، وتمكن المسلمون بعدها من نشر الدعوة والتجوال بين القبائل لا يردهم أحد، وفي فترة قصيرة تضاعف عدد المسلمين، فالذين حضروا الحديبية كانوا ألفاً وأربعمائة، والذين حضروا فتح مكة بعد سنتين كانوا عشرة آلاف، وهذا الصلح هو الفتح المقصود بالآية (أنا فتحنا لك فتحا مبينا) فهو فتح بالفرصة التي أتيحت للدعوة، فأقبل الناس على دين الله أفواجاً.
إن عرض الإسلام في جو من هدوء الأعصاب وحرية الحوار بالحجة والكلمة الطيبة سيكون له أبلغ الأثر في صفوف الآخرين، ذلك أن الحق له قوة ذاتية يظهر بها على الباطل، فإذا أحسن العرض واختير الوقت المناسب، وكان الداعية عالماً بما يدعو له، فطناً أريباً قد فقه مقاصد الإسلام ومراميه، جاءت النتائج طيبة بإذن الله.
أما تضييع الفرص بسبب حسن ظننا الذي لا حدود له، وأنه لن يأتي ما يزعجنا ويعكر صفو راحتنا، وأن الأمور تسير كما نريد، فليس وراء هذا إلا العجز والندم.
وقد تستغل الفرصة بأعمال ضعيفة ليس لها أثر يذكر، وتمضي الأيام والسنون دون القيام بعمل ترتاح له نفس المسلم ويبنى عليه ما بعده، ولا يحتاج كل جيل للبدء من جديد والرجوع إلى نقطة الصفر، ومتى يشفى صدر المؤمن إذا كانت كل الجهود والطاقات تذهب للتكديس لا للبناء.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
هل أنت معه ؟ !(14/197)
فهد الغفيلي
يأتي وصف الله - عز وجل - حين يتحدث عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويشير إليه بهذه العبارة الجميلة المُعَبِّرة فيقول ـ عز من قائل ـ: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) (الفتح: 29)، ثم يُثَنِّي بالذين معه دون أن يشير إلى أنهم مؤمنون، أو مسلمون، أو غيرها من الألقاب التي يستبدل بها المولى - سبحانه وتعالى - المعية المندرجة تحت إطار التبعية، وهذا ـ لعمري ـ أفضل وصف، وهو لا ينطبق على صحبه ـ رضوان الله عليهم ـ في ذلك المكان والزمان؛ بل يشملك ـ أنت ـ أيضاً يا من تقرأ هذا المقال! فأنا ـ يا صاحبي ـ على يقينٍ أنك ممن ينطبق عليهم هذا الوصف ولا أُزكي على الله أحدا، ولكني تمعنت ذلك الوصف الذي ذكره ربي فقلت عنك ذلك؛ لما رأيت منك من ودٍّ، وإحسان، وتعامل بالمعروف، وعطف، وتراحم بين أبناء هذا الدين الخالد.
وإني لأعلم ـ علم اليقين ـ أنك موحد تؤدي جميع الواجبات المنوطة بك على الوجه المطلوب ـ بإذن الله ـ، ولكني يا أُخيَّ أريد تذكيرك هنا بأمرٍ مهم وددت منك ـ لو تفضلت علي ـ أن تتمعن فيه بجدٍّ، وهو ذلك الوصف وكيفية طرحه.
فربي بعدما ذكر وصف محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحبه ـ رضوان الله عليهم ـ قال عنهم إنهم: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً) (الفتح: 29) إلى آخر الوصف. وحين يُقدّم المولى - عز وجل - وصفاً على آخر، فهذا لا يأتي عبثاً بل يقصد به بيان الأهمية؛ لما يتصف به المؤمن صادق الإيمان الذي يستحق أن يكون من أتباعه - صلى الله عليه وسلم - .
وكما أن المسلم يؤدي أركان الإسلام الخمسة على وجهها الصحيح، فهو قبل ذلك يتعامل مع الآخرين بنفسية طيبة وأخلاق عالية، وكما قيل "الدين المعاملة"، فأنت حين تصلي وتصوم، كُلُّ ذلك لك، ولا تزيد غيرك شيئاً، اللهم إلا برفع معنويات الغيورين، وحث المقصرين..أما حين تعامل الآخرين معاملة جيدة خالية من العنف والقسوة، محفوفة بالرفق، طابعها التسامح، فأنت بهذا تعكس صورة حسنة، وتعطي فكرة جميلة عن مجتمعٍ بأسره..ولا ننس أن المسلم الحق قد يستخدم القسوة والشدة، وهي مقدمة على كل صفاته السابقة، ولكن في وقت محدد، ووفق ضوابط دقيقة لا يسع المجال لذكرها، ولكني مضطر لعرضها مع الكثير من الاختصار، فأقول: من يتخلف عن مجاهدة الكفار، ويحاول التنصل من هذا الواجب المقدس، لا يحسب ضمن المؤمنين صادقي الإيمان مهما فعل من الواجبات والسنن الأخرى؛ لقوله - تعالى -: (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ* إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (التوبة: 44ـ45) وإن الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك اجتمعت فيهم الصفات كُلُّها، ولكنهم تساهلوا في أمر الشدة مع الكفار، فبقي وضعهم معلقاً حتى نزل قوله - تعالى -: ( وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) ... إلى آخر الآية. (التوبة 118) كما أن للشدة ضوابط صارمة أيضاً، ومنها عدم قطع الشجر، أو هدم دور العبادة، أو قتل الرهبان أو النساء وغيرهم، أي أن الشدة مطلوبة، ولكنها في زمن معين وضد أشخاص محددين.
وبعد كل ما سبق طرحه، بقي لدي سؤال صغير أود أن أختم به مقالتي هذه وهو: هل يليق بمن يقول إنه ينتمي لهذه الأمة، ويتشرف بالتبعية لرسولها - صلى الله عليه وسلم - ، ويفاخر حين يذكر مثل هذا الوصف للمؤمنين، متمنياً أن يكون مشمولاً به، أن يستخدم العنف مع إخوانه ليأمر بمعروف أو ينهى عن منكر، أو حتى يستخدم أسلوباً جافاً فظاً حين ينصح؟ سوف أبدأ بالإجابة عن نفسي قبل أي واحدٍ منكم لأقول: لا.... فمن يريد أن يكون مشمولاً بالتبعية والمعية، لابد أن يتمسك بجميع الصفات، لا أن يأخذ منها ما يتماشى مع أهوائه، ويترك ما لا يتوافق مع شهواته ورغباته.
وإني على يقين أن إجابتك سوف تكون مطابقة لإجابتي حين أسأل: هل أنت معه؟ فإن كنت كذلك، فأنت تضم صوتك، وتضع يدك في أيدي أبناء هذه الأمة حين يكافحون الإرهاب ويستضيفون أجناساً شتّى من مختلف البلدان من أجل هذه الغاية. والله ولي التوفيق.
http://www.asyeh.com المصدر :
============
رجل الدعوة سمات خاصة وملامح مميزة
عاشق الفردوس:
في زحمة المسؤوليات، وكثرة الأعمال، قد ينسى صاحب الدعوة نفسه، فيظلمها ويهمل حقوقها عليه، فلا يزكيها ولا يحاسبها أو يقوِّمها، وقد يضيع حقوق إخوانه ودعوته عليه، فيتأخر عن اللقاءات والالتزامات الدعوية، ويكون التنفيذ لها حسب الظروف والمزاج. إن صاحب الدعوة هو صافرة الإنذار التي تنذر بالخطر حال حدوثه.. فهو النائم المستيقظ، المستقر في جميع أحواله، ولهذا فإن لصاحب الدعوة الحق علامات وسمات، لا تنفك عنه، فهي تعبر عما يحمله من الحق، وتبرز الهداية والنور فيما يحمل من دعوة ومنها
1- الإيجابية:
فصاحب الدعوة رجل إيجابي..
" إن الداعية روح مفعم بالحق والنشاط والأمل واليقظة، فمهمته العظمى أن يرمق الحياة بعين ناقدة وبصر حديد، حتى إذا رأى فتوراً نفخ فيه من روحه ليقوى، وإذا رأى انحرافاً صاح به ليستقيم " [الشيخ محمد الغزالي].
2- قوة الإرادة:
وصاحب الدعوة قوي الإرادة..(14/198)
" على حين أنه إيمان ملتهب مشتعل قوي يقظ في نفوس الإخوان المسلمين ظاهرة نفسية عجيبة نلمسها ويلمسها غيرنا في نفوسنا نحن الشرقيين، أن نؤمن بالفكرة إيماناً يخيّل للناس حين نتحدث إليهم عنها أنها ستحملنا على نسف الجبال وبذل النفس والمال واحتمال المصاعب ومقارعة الخطوب حتى ننتصر بها وتنتصر بنا " [من رسالة دعوتنا، رسائل الإمام حسن البنا، ص 16].
3- العطاء:
وصاحب الدعوة رجل معطاء..
" وكم أتمنى أن يطلع هؤلاء الإخوان المتسائلون، على شباب الإخوان المسلمين وقد سهرت عيونهم والناس نيام، وشغلت نفوسهم والخليون هجع، وأكب أحدهم على مكتبه من العصر إلى منتصف الليل عاملاً مجتهداً ومفكراً مجداً، ولا يزال كذلك طول شهره حتى إذا ما انتهى الشهر جعل مورده مورداً لجماعته، ونفقته نفقة لدعوته، وماله خادماً لغايته، ولسان حاله يقول لبني قومه الغافلين عن تضحيته: لا أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الله " [من رسالة "إلى أي شيء ندعو الناس" الرسائل: ص 36].
4- التضحية:
وصاحب الدعوة رجل مضح:
" قليل من الناس من يعرف أن الداعية من دعاة الإخوان، قد يخرج من عمله في القاهرة في عصر الخميس، فإذا هو في العشاء بالمنيا يحاضر الناس، وإذا هو في صلاة الجمعة يخطب في منفلوط، وإذا هو العصر يحاضر في أسيوط، وبعد العشاء يحاضر بسوهاج، ثم يعود أدراجه فإذا هو في الصباح الباكر في عمله بالقاهرة قبل إخوانه الموظفين" [من رسالة المؤتمر الخامس، الرسائل: ص 129].
5- علو الهمة:
"وصاحب الدعوة رجل ذو همة عالية، وإن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا، وتنهض في مهمة كمهمتنا، وتواجه واجبات كتلك التي نواجهها، لا ينفعها أن تتسلى بالمسكنات أو تعلل بالآمال والأماني، وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف وصراع قوي شديد: بين الحق والباطل وبين النافع والضار وبين صاحب الحق وغاصبه، وسالك الطريق وناكبه وبين المخلصين الغيورين والأدعياء المزيفين، وإن عليها أن تعلم أن الجهاد من الجهد والجهد هو العناء وليس مع الجهاد راحة حتى يضع النضال أوزاره وعند الصباح يحمد القوم السري" [من رسالة: هل نحن قوم عمليون، الرسائل: ص 69].
6- الحكمة:
وصاحب الدعوة رجل حكيم في تصرفاته، وترتيب أولوياته، فهو يقدم الأهم على المهم، ويركز في دعوته على العقائد قبل العبادات، والأخلاق والفرائض قبل المندوبات والنوافل، ودرء المفاسد على جلب المصالح.
فالحكمة من الأمور التي أمر الله بالدعوة بها: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} [النحل: 125]، وهي كذلك أفضل ما يُعطاه المرء: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269].
والدعوة إلى الله تحتاج إلى حكمة الداعي عند قيامه بها، فهو يتعامل مع نفس بشرية لها طبائعها.. ولها سلوكياتها، وسيواجهها فكرياً.. واجتماعياً.. وسيتعامل معها من كل الجوانب ولو لم يحسن الداعي التعامل مع هذه النفس "المدعو" فسوف يبوء بالفشل.
وتنجلي أهمية هذا الأسلوب عندما تدعو وسط جماعة تربص بها الأعداء يريدون النيل منها وقديماً قالوا: "أرسل حكيماً ولا توصه".
7- قدوة حسنة:
وصاحب الدعوة قدوة لغيره: ويعلم جيداً أن الناس في زماننا هذا يفتقرون إلى القدوة الحسنة التي تجعلهم يقتنعون بسمو الفكرة الإسلامية.. التي قامت على الأعمال لا الأقوال وبالأفعال لا بمعسول الكلام.
فالناس في حاجة إلى قدوة تدفعهم إلى الأمام.. لا تقهرهم إلى الخلف.. في حاجة إلى قدوة تجعلهم يؤمنون بمصداقية هذا الدين الذي يحمل أصحابه على الالتزام بتعاليمه وشرائعه قبل أن يأمروا به الآخرين: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} [الصف: 2].
لأن من طبيعة البشر وفطرتهم التي فطرهم الله عليها أن يتأثروا بالمحاكاة و"القدوة" أكثر مما يتأثرون بالقراءة أو السماع خاصة في الأمور العملية. ولأن القدوة أيضاً ذات تأثير أعمق في النفس البشرية، ولأن الخطأ الصادر عن الداعية ليس كخطأ الرجل العادي، فإن خطأ الرجل العادي قد يختص به ولا يتجاوزه... أما خطأ الداعية فيتعدى أثره إلى الآخرين.. وقد تضر نتائجه بالدعوة كلها، شعر بذلك أم لم يشعر.
فمما شوه كمال الدعوة وجمالها وأفقدها مصداقيتها عند الكثير من المدعوين شيوع انفصال العلم عن العمل والفكرة عن التطبيق عند البعض من الدعاة.
8- اجتماعي:
الإنسان اجتماعي بطبعه يتعامل مع من حوله.. ويتكيف معهم ويخالطهم... ويتأثر بهم ويؤثر فيهم.. ويأخذ منهم ويعطيهم.. ومهما حاول الإنسان أن ينطوي على نفسه وينزوي بعيداً عن الناس... فسوف يأتون إليه وتفرض عليه معاملاتهم ومخالطتهم.
وفي هذه الحالة يصبح ذلك الشخص إنساناً سلبياً اجتماعياً، هذا الشخص لا ينبغي أن يكون واحداً من أبناء الدعوة.. التي قامت على التعارف.. وارتكزت على الانتشار داخل المجتمع.. وانفتحت على كل البشر تعرض عليهم رسالة الإسلام الذي غاب عن كثير من الناس.. تُظهر لهم محاسنه، وتبين لهم شرائعه، وتقف بكل قوة في وجه أعدائه تقاومهم بالقدوة الحسنة والكلمة الطيبة.
ولن يتأتى ذلك من هذا الشخص المعزول اجتماعياً القابع في بيته ينتظر من يحركه ويدفعه إلى الإمام.
9- الذكاء والفطنة:
وصاحب الدعوة يوظف الإمكانيات المتوافرة لديه، فهو رجل فطن.. ولا يقبل بالسلبية ولا يقبل بالبطالة وسط أبناء فكرته فهو يوظف كل الطاقات.. ويستفيد من كل الإمكانيات المتاحة صغيرة كانت أم كبيرة.(14/199)
فمن الأشياء الخاطئة عند توزيع الأعمال والتكاليف على أبناء الفكرة الاكتفاء بالأفراد المعروف عنهم النشاط والحركة والإيجابية.. لأنهم بالتأكيد أكثر الناس استعداداً لقضاء وتنفيذ ما يوكل إليهم من أعمال وترك الأفراد المعروف عنهم الانطواء.. أو المتصفون بالسلبية الاجتماعية مما يجعل الأمر يتفاقم عندهم.. وتزداد سلبياتهم وتضعف ثقتهم بأنفسهم والخوف من المسؤولية.. ويزداد تثاقلهم إلى الأرض.. وتقل حركتهم.. وينقص عطاؤهم.. ويصبحون عبئاً على الدعوة بدلاً من أن يكونوا حامليها.
فالعضو الذي يعمل ينمو ويتطور، والعضو الذي لا يعمل يضمحل ويموت، فكثيراً ما شاهدنا وتابعنا عندما تغيب الأفراد والعاملون الإيجابيون عن أعمالهم لأسباب السفر أو الزيارات أو الاعتقالات أو لأي أسباب أخرى.. ظهر أفراد جدد كانوا بين أيدينا.. وأمام أعيننا.. ولكننا لم نستعن بهم ولم نشركهم في أنشطتنا..لظننا عدم كفاءتهم أو لأنهم سلبيون اجتماعياً..وعندما أوجدتهم الضرورة وجدناهم شعلة من النشاط.. وأصحاب حركة دؤوب.. وعمل مستمر.. وظهرت مواهبهم.. ووضحت معالمهم الإيجابية.
http://www.dawahtoday.net المصدر :
============
الحكمة في الدعوة إلى الحق بين الإفراط والتفريط
الحكمة كما قال العلماء: هي وضع الشيء في موضعه، وهي نعمة من نعم الله - سبحانه - من رُزقها فقد أوتي خيراً كثيراً كما قال - تعالى -: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) فلابد للعلماء والدعاة أن يتصفوا بالحكمة ويتعلموها لإيصال العلم والحق والإسلام إلى من يخاطبونه.
ومتى عدمت الحكمة فات المقصود وحصل الخلل وكثر الجدل والمراء، وأعظم الحكمة في الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى -: أن ينزل المدعو المنزلة اللائقة به، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أنزلوا الناس منازلهم) حديث حسن المتن رواه جماعة من الصحابة بأسانيد لا تخلوا من مقال، لكن بجموعها يرتفع الحديث، ومن هنا فإن الداعية إلى الله - سبحانه وتعالى - والعالم المعلم للناس الخير عليه أن يدرك من خلال قواعد الشرع تقسيم المدعوين إلى ثلاث أقسام يجب معرفتها:
القسم الأول:
جاهل بالحكم غير مدرك ولا معاند وهذا القسم هو الذي يحتاج إلى رفق ورحمة وإيضاح للحق معاملة له بالحال التي تناسبه.
القسم الثاني:
عالم بالحكم ولكن عنده شيء من التفريط والإهمال والغفلة وهذا القسم نوعان:
1)نوع يأتي بعد ارتكاب المخالفة وقد صحى ضميره وانتبه قلبه وثاب رشده يريد معرفة ما يلزمه ويبحث عن طريق الخلاص من ذنبه فهذا النوع يحتاج لطريقة خاصة للتعامل معه وتشجيعه وهدايته والرفق به وفتح آمال المستقبل أمامه وتثبيته على الاستقامة حتى يشعر بحلاوة السهولة واليسر فيستمر في إحياء قلبه وإزالة أثار الرجس، والمخالفات فلابد من استعمال الحكمة معه بما تقتضيه حاله.
2)النوع الثاني المستمر في تفريطه وإهماله وغفلته ومخالفته وهذا يحتاج لوصفة خاصة لأنه مازال مريضاً، وربما وقع في أمراض أخرى فالحكمة معه معرفة الأمراض التي تلبس بها وإدراك الأغراض التي تنذر بوقوعه في أمراض أخرى واستعمال الحكمة معه لمعالجته بحسب الحال التي هو فيها.
القسم الثالث:
العالم الذي يتلبس بشيء من العناد والكبر ويتمتع بجرأة فائقة في رد الحق أو التردد في قبوله وربما تجاوز إلى دفعه ومحاربته وقد يمارس الجدل ويتستر بغطاء حق فيما يظهر للناس لكنه يريد بمزاعمه تلك الباطل، وهذا أنواع كثيرة أيضاً يحتاج العلماء والدعاة لمعرفة الحكمة في إدارة الدعوة معهم وكشف خفاياهم وزيفهم وإيضاح كل ذلك بحكمة وبصيرة.
هذه الأقسام إذا أدركناها عرفنا أنه ليس من الحكمة أن نسوي كل قسم بالآخر بل لابد أن ننزل كل قسم منزلته في خططنا الدعوية والعملية، وقد أصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه المنهجية بقاعدة مهمة تدرك من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - يوم بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن حيث قال له: " إنك تأتي قوماً أهل كتاب" وقصة بعثة معاذ إلى اليمن بكاملها منهج متكامل تحتاج لرصدها بكاملها من قبل الدعاة لأن فيها من منهج الحكمة الشيء الكثير.
وعندما نتأمل في الجملة التي قدمناها من قصته نلحظ أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما قال ذلك، ليكون معاذ على خبرة ودراية بحال المدعوين فيضع له منهجاً لإيصال الحق لهم وخطة لإيصال العلم إليهم فبدأ من حيث يحتاجونه لا من الصفر وهذا يعني أن على الدعاة والعلماء أن يدركوا الأرضية التي يقف عليها المدعو وذلك لا يتأتى دون دراسة ما يحيط بالمدعو من أحوال وأوضاع تسهل إيصال الحق إليه وتعمل بالحكمة والموعظة الحسنة لتجلية ما خفى فإن عرف أن المدعو يريد المكابرة والاستكبار والنفور والتعدي على الحق، كان من الحكمة منع الاستكبار والتعدي ومنع الطرق الملتوية التي ينفذ منها هذا القسم بقصد تجميد الحق وتفسيخه أو إزالته بالكلية وإن زعم الاستقامة والامتثال: وفيما يلي نضرب بعض الوقائع من عمل صاحب الشريعة - صلى الله عليه وسلم - في استعمال الحكمة في الدعوة والبيان في أمثلة تدلنا على حاجة العلماء والدعاة للدراسة والتأصيل في حال وقعنا ومعرفة ما نحتاجه حتى نوصل الحق لمريديه ونحميه من المعتدين عليه وفق منهجية الرسول محمد ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وبعيداً من سلوك تفسخ القائلين والمفتين لما يحدث من حرب للدين وقيمه بما يصدرونه من أحكام مجانبة للحق في قولهم للمعتدين على الحق: (هذه أمور داخلية تخصكم لا ندخل في قضاياها)(14/200)
وحتى نبعد عن النوم العميق الذي يمارسه كثير ممن يعدون في الدعاة ويحسبون على العلم وأهله بما يمارسونه من تفسير للحكمة بطريقة سلبية أدت إلى ظهور تفسخ الباطل وانتشاره بنشوة تحت ظل ممارسة ذلك السكوت الرهيب الذي يمارسه فريق من حماة الحق تحت مسمى الحكمة دون معرفة مواضع وضع الحكمة بل إنهم جعلوا من الحكمة أن لا حكمة وأصبح يمارس البعد عن الحق والاعتداء على الدين تحت سمع وبصر هذا الفريق الذي قعد للمعاندين قاعدة الدين يسر " ويسروا ولا تعسروا " ليأتوا بها على لسان هذا الفريق بعد كل منكر يقترف وبين يدي كل إثم يراد له أن ينتشر ويسمون كل هذا حكمة. كما أننا نريد من ضربنا للأمثلة محاربة ظاهرة سلوك العنف المطلق بحجة الحكمة أيضاً في حماية الحق وإبرازه وفرضه تحت مبررات كثيرة تستعمل جانب القوة وتنسى الجمع بين أدلة العقوبة وأدلة العفو ولا تتأتى الحكمة إلا في الجمع بين الأدلة ومعرفة إنزال النصوص على أحكامها ومتى يكون العفو ومتى تجب العقوبة.
http://www.olamaalshareah.net المصدر :
============
ادع إلى سبيل ربك
عبد الملك القاسم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. و بعد:
رأيت رجلا فلبيني الجنسية، كان قسيسا ومنصرا، ومن? الله - عز وجل - عليه بالهداية! فيا ترى كيف عمل بعد أن شرح الله صدره للإسلام؟ بدأ يدعو بني جلدته حتى اسلم على يديه أربعة آلاف شخص! وذلك خلال سنوات معدودة! يا ترى كم من شخص سوف يسلم على يد أربعة الآلاف هؤلاء الآن، ويتدرج الخير إلى يوم القيامة! فهنيئا له.
قال - صلى الله عليه وسلم -: « من دل على خير فله مثل أجر فاعله » [رواه مسلم] قال النووي - رحمه الله -: "دل بالقول، واللسان، والإشارة، والكتابة".
أخي المسلم: الدعوة إلى الله - عز وجل - من أجل? الطاعات وأعظم القربات، وتحتاج من الجميع إلى التفاني والإخلاص والجد والمثابرة لتبليغ هذا الدين والدفاع عنه والذب عن حياضه: {يا أيها المدثر. قم فأنذر} [المدثر: ? ?] وإذا لم نقم نحن أبناء الإسلام بهذا الدين فيا ترى من سيقوم به؟!
لقد أكرمك الله - عز وجل - بنعمة الإسلام، ويسر لك الأمور وسهل لك الطريق حتى تسلك أعظم طريق، قال ابن القيم: "فالدعوة إلى الله - تعالى -هي وظيفة المرسلين وأتباعهم".
أخي المسلم: من قدم كتابا فهو داعية، ومن أهدى شريطا فهو داعية، ومن علم جاهلا فهو داعية، ومن دل على خير فهو داعية، ومن ألقى كلمة فهو داعية...أبواب واسعة وطريق سهلة ميسرة، فلله الحمد والمنة وكلما فترت الهمة وانتابك الضعف تذكر الأجور والثمرات العظيمة، لمن قام بأمر الدعوة إلى الله، ومنها:
أولا: متابعة الأنبياء والاقتداء بهم: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} يوسف.
قال الفراء: " حق على كل من اتبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه، ويذكر بالقرءان والموعظة".
ثانيا: المسارعة إلى الخيرات والرغبة في نيل الأجور حيث أثني الله - عز وجل - على أهل الدعوة: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله} فصلت.
قال الشوكاني: " فلا شيء أحسن منه، ولا أوضح من طريقه، ولا أكثر ثوابا من عمله".
ثالثا: السعي لنيل الأجور العظيمة والحسنات الكثيرة مع العمل القليل، فقد بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: « من دل على خير فله مثل أجر فاعله » [رواه مسلم]، فإذا دللت رجلا على الإسلام كان لك مثل أجر إسلامه وعمله وصلاته وصيامه ولا ينقص ذلك من أجره شيئا، وان دللت رجلا على الحج فلك مثل أجر حجه، وهذا باب عظيم واسع يدخله من وفقه الله - عز وجل -.
رابعا: التسديد والتوفيق: أنه من ثمار الدعوة الواضحة قال - تعالى -: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}
قال البغوي: "الذين جاهدوا المشركين لنصرة ديننا".
خامسا: رجاء صلاح الذرية: فإن في ذلك قرة عين في الدنيا والآخرة، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا قال - تعالى -: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا} النساء. ومن أعظم القول السديد الدعوة إلى الله.
سادسا: من ثمار الدعوة أننا نثقل موازين حسناتنا يوم العرض، قال - صلى الله عليه وسلم -: « من دعا إلى هدى كان له من الأجور مثل من تبعه، لا ينقص من أجورهم شيئا » [رواه مسلم].
قال النووي: ".. وأن من سن سنة حسنة، كان له مثل أجر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة".
سابعا: القيام بالدعوة إلى الله من أسباب الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، قال - تعالى -: {والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [سورة العصر].
ثامنا: الدعوة إلى الله من الأسباب الجالبة للنصر على الأعداء، قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} [محمد: 7]. لأنه بالدعوة يعبد الله - عز وجل - بما شرع، وتزال المنكرات، ويبث في الأمة معاني العزة والكرامة لتسير في طريق النصر والتمكين.
تاسعا: بالدعوة إلى الله تنال المراتب العلا، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: "وهذه المرتبة أي مرتبة الدعوة تمامها للصديقين، الذين عملوا على تكميل أنفسهم وتكميل غيرهم، وحصلت لهم الوراثة التامة من الرسل".(14/201)
عاشرا: من ثمار الدعوة: صلاة الله وملائكته وأهل السموات والأرض على معلم الناس الخير، لأن ما يبلغه إنما هو العلم الموروث من قول الله - تعالى -وقول رسوله الكريم، قال - صلى الله عليه وسلم -: « إن الله، وملائكته، وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير » [رواه الترمذي].
الحادي عشر: الدعوة إلى الله رفعة في الدنيا والآخرة، قال ابن القيم: "إن أفضل منازل الخلق عند الله، منزلة الرسالة والنبوة، فالله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس".
الثاني عشر: من ثمار الدعوة استمرار ثواب الداعي بعد موته، قال - صلى الله عليه وسلم -: « من سن سنة حسنة، فله أجرها ما عمل بها في حياته وبعد مماته حتى تترك » [رواه الطبراني]. و قال - صلى الله عليه وسلم -: « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث »، وذكر منها: « أو علم ينتفع به ».
الثالثة عشر: محبة الله - عز وجل - لمن قام بدينه وبلغ رسالته، قال الحسن عند قوله - تعالى -: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} فصلت
قال: " هو المؤمن، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، فهذا حبيب الله، هذا ولي الله".
الرابع عشر: من ثمار الدعوة المحبوبة التي تسر النفس وتشرح الصدر، وتعين على الاستمرار ومجابهة الشدائد، دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنضارة لمبلغ مقالته: « نضر الله امرءا سمع مقالتي فبلغها » [رواه ابن ماجة]. فهنيئا لمن أدركه هذا الدعاء، ونال منه نصيبا.
الخامس عشر: دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرحمة لمبلغ حديثه من أعظم ما يعين على السير قدما: « رحم الله امرءا سمع مني حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره.. » [رواه أحمد]. واليوم توفرت شروط التبليغ، فالكتاب والشريط الإسلامي يحوي كل ذلك؛ ليبلغ المدعو على أكمل وجه وأحسن حال، وأذكر أن رجلا أسلم وذكر أنه أتى إلى هذه البلاد وأقام سنوات ثم غادر إلى بلده ولم يدعه إلى دين الله أحد من الناس، حتى تيسرت له فرصة عمل أخرى، ورجع بعد سنة مع شركة تعمل في صيانة الشقق المفروشة. قال: فوجدت يوما مطوية صغيرة وضعت على طاولة المطبخ بعد خروج المستأجر، فإذا بها معلومات عن الإسلام، فكانت نقطة البحث عن الإسلام والسؤال عنه، حتى أسلمت و أسلم أبي وأمي وزوجتي، وأحاول أن تسلم بقية العائلة الآن، فكيف هي فرحة الداعية الذي وضع هذه المطوية يوم القيامة، إذا أقبلت هذه العائلة وغيرها وكانت في صحائفه وحسناته؟
السادس عشر: الدعوة إلى الله صدقة من الصدقات، قال - تعالى -: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} البقرة.
قال الحسن: " من أعظم النفقة نفقة العلم".
أسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا من الدعاة إلى دينه، وأن يرزقنا جميعا الاخلاص في القول والعمل.
http://www.islamway.com المصدر:
=============
كوني داعية بأفعالك
أسماء الرويشد
إن الذي ينحدر للهتافات على الملذات ذلك الذي رضي لنفسه أن يعيش دائماً في القاع، وأما من يرقى في سلم الطاعات ومجاهدة الملذات فذلك صاحب الإمامة في الدين وقدوة المتقين ومضرب الأمثال للعاملين، رجلا كان أو امرأة..(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ)(التحريم: من الآية11)..وكذلك(وَمَرْيَمَ أبنت عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا)(التحريم: من الآية12)..
لذلك فإننا في ظل الظروف الحالية والمرحلة الخطيرة المقبلة بحاجة ماسة إلى قدوات من نساء فقهن دينهن ووعين دورهن في المجتمع إذ أن هناك مجالات وميادين نسائية كثيرة تفتقر إلى التوجيه القيادي العملي ولا سيما في مجالي التربية في البيوت والتعليم في المدارس والجامعات. ومع ذلك فهناك من النساء الرائدات كان لهن التأثير الكبير بفضل الله على أزواجهن وأسرهن وطالباتهن من خلال أسلوب القدوة الفعال.
ومع أن الصحوة العلمية والحركة الدعوية في أوساط النساء قد بلغت في وقتنا الحاضر من القوة والنشاط بما لم يسبق له مثيل فيما مضى، إلا أنه لا يزال الأمر محصور في طبقة المتدينات والراغبات في الخير إجمالاً بينما هناك في أوساط النساء جماعات كثيرة وشريحة ضخمة لا يبلغهن ذلك الخير ولا تصلهن الدعوة فكيف في الغالب بسبب الغفلة والانشغال بأمور الدنيا؟
فكيف يمكن إيصال الدعوة إليهن والتأثير عليهن؟
إنه عن طريق القدوة الصالحة لتلك المرأة الواعية الفاضلة التي لابد أن تكون موجودة بين صفوف أولئك النسوة.
فلذلك أيتها الموفقة يا من هداك إلى طاعته وبين لك سبيله يا طالبة العلم الشرعي يا من نشأت في بيوت الصلاح والدعوة يا أم وزوجة وأخت وبنت الداعية يا نساء بيوت العلم والصحوة.
إلى المثل التي يحتذي بها غيرها من النساء إلى القدوة الصالحة لغيرها من المؤمنات إلى المثال الحي الواقعي لحياة ملأتها المغريات والملهيات حتى ظن بعض المفتونات أن بلوغ ذلك المستوى من تكوين الذات وإنشاء مثل تلك البيوت من الأمور المستحيلةّ!
إليك أختي القدوة الداعية بأفعالك هذه التوصيات والتنبيهات:(14/202)
1- إن مما يساعد المرأة المسلمة على الارتقاء بذاتها إلى درجة القدوة أن تتخذ مع اقتدائها بنبيها وسلفها الصالح- من بعض من تلقاه من الصالحات العالمات بدينهن مثلاً تقتدي به، لأنها لابد وأن تجد فيمن عاشرته وتلقت عته وسمعت وهدى فائق يجذبها إليه، فتستطيع من خلال التأمل أن تقف على أفضل ما يحمله من حولها من الصالحين والصالحات من صفات ثم تستلهم من ذلك الدافع القوي لتربية ذاتها، فقد تجد عند البعض حسن التعامل مع الآخرين كالصفح عن المسيء وحسن الظن ولطف الخطاب وسعة الصدر والتواضع وإنكار الذات، وقد تلمح عند أخريات مظهرها المتلائم مع دينها مع احتفاظها ببهائها وجمالها ونظافتها كل ذلك من غير إسراف ولا مخيلة. ولهذا التوجيه أصل عظيم في كتاب الله - تعالى - ذحيث قال الله - تعالى -أمراً نبيه بالنظر في أحوال وأوصاف الأنبياء قبله متخذاً هديهم أسوة له فقال - تعالى -: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام: من الآية90).
2- لابد أن تكوني واضحة وصادقة مع نفسك لاكتشاف نوعية التصرف والخطأ الذي لا يصلح معه أن تكوني قدوة ويسقط هيبتك الدينية ومن ثم انتفاعهم بكلامك، بل قد يكون ذلك سبباً في فتنة الآخرين وضلالهم تأسياً بخطئك، وذلك الأمر يتطلب الوقوف على النفس بالمحاسبة ومراجعة الذات ثم العمل على تهذيبها ومجاهدة ما شق عليها.
3- الحذر من بعض الأمور الدارجة في هذا العصر التي تهافت عليها الكثير من النساء لقصورهم العلمي ونقص ديانتهم فأصبحت في بعض المجتمعات والأسر من المشاهد والظواهر المألوفة مع مخالفتها الصريحة للدين وبيان حكم تحريمها ولكن لغلبه ممارستها وكثرة الوقوع فيها أستسهلها وتأثر بها كثير من الصالحات والقدوات، وشاكلن الجاهلات في ذلك فأختلط الأمر على العامة وتلبس الباطل والمنكر بلبوس الحق والمعروف.
ومن ذلك:
- ما يتعلق بالمظهر واللباس سواء في لبس الحجاب عند الخروج أو لبس الثياب والزينة عند النساء فأما مظاهر القصور والخلل في الحجاب متنوعة منها التساهل في لبس النقاب الواسع والبرقع وانتشار ذلك ولبس العباءة أو الجلباب الضيق والمزخرف بالزينة والتساهل في ستر القدمين والساقين بالجوارب ولنا في عائشة - رضي الله عنها - أسوة حسنة عندما كانت تشد خمارها حياءً من عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو ميت في قبره عندما كانت تدخل البيت الذي دفن فيه. وأما التساهل في المطهر واللباس والزينة بشكل عام فقد عمت بها البلوى في أوساط بيوت المسلمين وتقلد حملها ووزرها كثيرات ممن هم مظنة القدوات لغيرهن. فلبسن الملابس الضيقة المحجمة لأجسادهن بشكل تأباه الفطرة السليمة ويحرمه الدين القويم كما صح في حديث الكاسيات العاريات. وكذلك الملابس شبه العارية التي تكشف عن أجزاء من الجسم شانها أن تستر. وللأسف لقد كان النكير من قبل على عامة النساء اللواتي وقعن في هذه المظاهر الخداعة من التقليد الساذج للغرب، ولكن للأسف نجد هذه المظاهر انتقلت إلى كثير من الصالحات وتساهلن بها في أنفسهن وفي أهليهن.
- كثرة الخروج للأسواق والتجوال بها وكذلك الملاهي والمطاعم التي تكثر فيها المنكرات وتجمع الفساق والأصل قرار المرأة في بيتها(وقرن في بيوتكن).
- السفر بغير محرم وفي الحديث المتفق عليه (لا يحل لامرأة أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم).
- الخلوة مع الرجل الأجنبي كالبائع في المحل والطبيب في العيادة والسائق في السيارة لحديث(لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما).
- التعطر عند الخروج من المنزل أو أثناء الزيارات والتجمعات النسائية وتقديم العطر والبخور لهن ومنهن من ستركب سيارتها مع سائق أجنبي يجد ريحها ونسيت قول النبي - صلى الله عليه وسلم -(أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية).
- الاختلاط بالرجال في البيوت بالجلسات الأسرية أو إقرار ذلك أثناء جلوسها معهم والسماح للبنات بمخالطة الشباب الذكور من الأسر القريبة مع غياب الغيرة على الأعراض وعدم مراقبة المولى جلا وعلا.
- الإسراف العام في شؤون الحياة المبالغة في الاهتمام بالتوافه من أمر الدينا كتزيين المنازل واقتناء الأواني والإسراف في الملابس والحلي والولائم على وجه التفاخر والتكاثر المحرم والذي غرق فيه أرباب الدنيا- نسأل الله العافية.
4- إن الفرق الذي بيننا وبين أسلافنا وقدواتنا الصالحة أن المسلمات كن جميعاً قدوات بعضهن لبعض (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وذلك بسبب قوة علاقتهن بالله - تعالى -ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف كانت القلوب بالله متصلة وحريصة على تأدية أمانة هذا الدين، والآن قل أن نجد هذه البواعث فينا إلا من - رحمه الله - لغلبة الغفلة والتعلق بالدنيا وشهواتها، وكلما بعد الزمان عن زمن المصطفى صلى اله عليه وسلم ازداد هذا الجهل وقل التأثر وتساهل الناس في أداء الأمانة وغابت قيادة القدوة قال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).
5- وفي الختام أذكر أختي المسلمة فأقول: تأملي سيرة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - القدوة.. - صلى الله عليه وسلم -، ادرسيها لعلها تكون زادك إلى الله والدار الآخرة وكذلك سير أسلافك من الصالحين العابدين العالمين من رجال ونساء طلباً لشحذ همتك ودفعاً لنفسك للتأسي بهم.
سائلين ربنا ومولانا - جل وعلا - أن يتولانا فيمن تولى من عباده الصالحين ويدخلنا برحمته في زمرة أوليائه أئمة الهدى. ونسأله - جل وعلا - أن يجعلنا للمتقين إماما.
http://www.asyeh.com المصدر :
=============(14/203)
نصيحة لطلبة العلم
للشيخ عبد العزيز بن باز
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله، نبينا محمد وآله وصحبه.
أما بعد: فلا ريب أن طلب العلم من أفضل القربات، ومن أسباب الفوز بالجنة والكرامة لمن عمل به. ومن أهم المهمات الإخلاص في طلبه، وذلك بأن يكون طلبه لله لا لغرض آخر، لأن ذلك هو سبيل الانتفاع به، وسبب التوفيق لبلوغ المراتب العالية في الدنيا والآخرة.
وقد جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة - يعني ريحها -" [أخرجه أبو داود بإسناد حسن].
وأخرج الترمذي بإسناد فيه ضعف عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من طلب العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار" فأوصى كل طالب علم، وكل مسلم يطلع على هذه الكلمة، بالإخلاص لله في جميع الأعمال عملا بقول الله - سبحانه وتعالى -: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يقول الله - عز وجل - أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه".
كما أوصى كل طالب علم، وكل مسلم، بخشية الله - سبحانه -، ومراقبته في جميع الأمور، عملا بقوله - عز وجل -: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وقوله - سبحانه -: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) قال بعض السلف: رأس العلم خشية الله وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار به جهلا وقال بعض السلف: من كان بالله أعرف كان منه أخوف ويدل على صحة هذا المعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له" فكلما قوي علم العبد بالله كان ذلك سببا لكمال تقواه وإخلاصه ووقوفه عند الحدود وحذره من المعاصي.
ولهذا قال الله - سبحانه وتعالى -: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فالعلماء بالله وبدينه، هم أخشى الناس لله، وأتقاهم له، وأقومهم بدينه، وعلى رأسهم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم أتباعهم بإحسان. ولهذا أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من علامات السعادة أن يفقه العبد في دين الله، فقال - عليه الصلاة والسلام -، من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين أخرجاه في الصحيحين من حديث معاوية - رضي الله عنه -، وما ذاك إلا لأن الفقه في الدين يحفز العبد على القيام بأمر الله، وخشيته وأداء فرائضه، والحذر من مساخطه ويدعوه إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، والنصح لله ولعباده.
فأسأل الله - عز وجل - أن يمنحنا وجميع طلبة العلم وسائر المسلمين الفقه في دينه، والاستقامة عليه، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى إله وصحبه.
نشرت في مجلة التوحيد المصرية، ص 11 - 12.
http://www.islamspirit.com المصدر:
==============
صفات وأخلاق الدعاة
الشيخ عبد العزيز بن باز
أما أخلاق الدعاة وصفاتهم التي ينبغي أن يكونوا عليها، فقد أوضحها الله - جل وعلا - في آيات كثيرة، في أماكن متعددة من كتابه الكريم.
(أولا) منها: الإخلاص، فيجب على الداعية أن يكون مخلصا لله - عز وجل -، لا يريد رياء ولا سمعة، ولا ثناء الناس ولا حمدهم، إنما يدعو إلى الله يريد وجهه - عز وجل -، كما قال - سبحانه -: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ) وقال - عز وجل -: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ) فعليك أن تخلص لله - عز وجل -، هذا أهم الأخلاق، هذا أعظم الصفات أن تكون في دعوتك تريد وجه الله والدار الآخرة.
(ثانيا) أن تكون على بينة في دعوتك أي على علم، لا تكن جاهلا بما تدعو إليه: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ). فلا بد من العلم، فالعلم فريضة، فإياك أن تدعو على جهالة، وإياك أن تتكلم فيما لا تعلم، فالجاهل يهدم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح، فاتق الله يا عبد الله، إياك أن تقول على الله بغير علم، لا تدعو إلى شيء إلا بعد العلم به، والبصيرة بما قاله الله ورسوله، فلا بد من بصيرة وهي العلم، فعلى طالب العلم وعلى الداعية، أن يتبصر فيما يدعو إليه، وأن ينظر فيما يدعو إليه ودليله، فإن ظهر له الحق وعرفه دعا إلى ذلك، سواء كان ذلك فعلا أو تركا، فيدعو إلى الفعل إذا كان طاعة لله ورسوله، ويدعو إلى ترك ما نهى الله عنه ورسوله على بينة وبصيرة..(14/204)
(ثالثا) من الأخلاق التي ينبغي لك أن تكون عليها أيها الداعية، أن تكون حليما في دعوتك، رفيقا فيها، متحملا صبورا، كما فعل الرسل عليهم الصلاة والسلام، إياك والعجلة، إياك والعنف والشدة، عليك بالصبر، عليك بالحلم، عليك بالرفق في دعوتك، وقد سبق لك بعض الدليل على ذلك كقوله - جل وعلا -: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقوله - سبحانه -: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) الآية وقوله - جل وعلا - في قصة موسى وهارون: (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) وفي الحديث الصحيح يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه " خرجه مسلم في الصحيح، فعليك يا عبد الله أن ترفق في دعوتك، ولا تشق على الناس، ولا تنفرهم من الدين، ولا تنفرهم بغلظتك ولا بجهلك، ولا بأسلوبك العنيف المؤذي الضار، عليك أن تكون حليما صبورا، سلس القياد لين الكلام، طيب الكلام حتى تؤثر في قلب أخيك، وحتى تؤثر في قلب المدعو، وحتى يأنس لدعوتك ويلين لها، ويتأثر بها، ويثني عليك بها ويشكرك عليها، أما العنف فهو منفر لا مقرب، ومفرق لا جامع..
ومن الأخلاق والأوصاف التي ينبغي بل يجب أن يكون عليها الداعية، العمل بدعوته، وأن يكون قدوة صالحة فيما يدعو إليه، ليس من يدعو إلى شيء ثم يتركه، أو ينهى عنه ثم يرتكبه، هذه حال الخاسرين نعوذ بالله من ذلك، أما المؤمنون الرابحون فهم دعاة الحق يعملون به وينشطون فيه ويسارعون إليه، ويبتعدون عما ينهون عنه، قال الله - جل وعلا -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) وقال - سبحانه - موبخا اليهود على أمرهم الناس بالبر ونسيان أنفسهم: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)
وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون له يا فلان ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه " هذه حال من دعا إلى الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم خالف قوله فعله وفعله قوله، نعوذ بالله من ذلك.
فمن أهم الأخلاق ومن أعظمها في حق الداعية، أن يعمل بما يدعو إليه، وأن ينتهي عما ينهى عنه، وأن يكون ذا خلق فاضل، وسيرة حميدة، وصبر ومصابرة، وإخلاص في دعوته، واجتهاد فيما يوصل الخير إلى الناس، وفيما يبعدهم من الباطل، ومع ذلك يدعو لهم بالهداية، هذا من الأخلاق الفاضلة، أن يدعو لهم بالهداية ويقول للمدعو هداك الله، وفقك الله لقبول الحق، أعانك الله على قبول الحق، تدعوه وترشده وتصبر على الأذى، ومع ذلك تدعو له بالهداية، قال النبي - عليه الصلاة والسلام - لما قيل عن (دوس) إنهم عصوا، قال: " اللهم اهد دوسا وأت بهم ". تدعو له بالهداية والتوفيق لقبول الحق، وتصبر وتصابر في ذلك، ولا تقنط ولا تيأس ولا تقل إلا خيرا، لا تعنف ولا تقل كلاما سيئا ينفر من الحق، ولكن من ظلم وتعدى له شأن آخر، كما قال الله - جل وعلا -: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ).
فالظالم الذي يقابل الدعوة بالشر والعناد والأذى، له حكم آخر، في الإمكان تأديبه على ذلك بالسجن أو غيره، ويكون تأديبه على ذلك على حسب مراتب الظلم، لكن ما دام كافا عن الأذى، فعليك أن تصبر عليه، وتحتسب وتجادله بالتي هي أحسن، وتصفح عما يتعلق بشخصك من بعض الأذى، كما صبر الرسل وأتباعهم بإحسان.
وأسأل الله - عز وجل - أن يوفقنا جميعا لحسن الدعوة إليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه، والثبات عليه، ويجعلنا من الهداة المهتدين، والصالحين المصلحين، إنه - جل وعلا - جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
http://www.islamspirit.com المصدر:
=============
طبت وطاب ممشاك
سطام قادم الشمري
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على النبي الأمي الأمين إمام المتقين وقائد الغر المحجلين وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
إن المسلم يحتاج إلى الجد والاجتهاد في فعل الخير والمبادرة إلى الأعمال الصالحة قال - عليه الصلاة والسلام -: « بادروا بالأعمال فتناُ كقطع الليل المظلم » [رواه مسلم].
وليس بخاف علينا أن العمر قصير والأنفاس معدودة ولذلك ينبغي علينا جميعاً اغتنام شبابنا قبل هرمنا وحياتنا قبل موتنا، وأن نطرد السآمة والملل وتكون هممنا عالية دائماً للتسابق إلى لفعل الخيرات والتحسر على فواتها كما كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يفعلون ذلك. ولا ننسى أن نذكر باستشعار النية وإخلاص العمل لله- جل وعلا - فإنّ الإخلاص من أهم أعمال القلوب وغني عن البيان أن العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً لوجه الله - تعالى .(14/205)
فإن زيارة الإخوان ومحبتهم ومجالسة الصالحين وصحبتهم من أفضل القربات عند الله - سبحانه وتعالى - ويحصل بها فضائل عظيمة، وفوائد عديدة ويترتب عليها مصالح كثيرة ولذلك أثنى الله- جل وعلا - على المتزاورين فيه والمتجالسين فيه والمتحابين فيه والرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم جعل المحبة قرينة الإيمان ولا ريب أننا بحاجة ماسة للإهتمام بهذا الجانب خاصةً في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن وتعددت فيه المحن وتنوعت من خلاله المشاغل والملهيات.
1. فضل زيارة الإخوان ومحبتهم:
* قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « إن الله يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي » [رواه مسلم].
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يُقذف في النار » [رواه البخاري].
* وقال - صلى الله عليه وسلم -: « إن رجلاً زار أخاُ له في قرية فأرصده الله - تعالى -على مدرجته ملكاً. فلما أتى عليه قال أين؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية. قال: من نعمة تربها؟ قال: لا غير أني أحببته في الله قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببت فيه » [رواه مسلم].
* وقال - عليه الصلاة والسلام -: « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » [متفق عليه]
* وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً » [رواه الترمذي].
* وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أين تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم فقال - عليه الصلاة والسلام -: « المرء مع من أحب » [متفق عليه].
* وجاء في الحديث « والرجل يزور أخاه من ناحية المصر في الله في الجنة » [رواه الطبراني].
* وقال - عليه الصلاة والسلام -: « قال الله - عز وجل - وجبت محبتي للمتحابين فيّ ووجبت محبتي للمتجالسين فيّ ووجبت محبتي للمتزاورين فيّ » [صححه الألباني].
* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « أوثق عُرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله » [السلسلة الصحيحة].
2- فضل مجالسة الصالحين وصحبتهم:
* جاء في الحديث « لا يقعد قوم يذكرون الله - عز وجل - إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده » [رواه مسلم].
* وقال - صلى الله عليه وسلم -: « إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك- أي يعطيك- وإما أن تبتاع منه وأما أن تجد ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وأما أن تجد ريحاً خبيثة » [متفق عليه].
3- فضل قضاء حوائج الإخوان وإدخال السرور على قلوبهم:
* قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم » ويشمل ذلك التنفيس عن كربته والتيسير عليه وستره.
* قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه » [رواه مسلم].
* عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قيل يا رسول الله من أحب الناس إلى الله؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: « أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله - عز وجل - سرور تدخله على مسلم أو تكشف عن كربة أو تقضي عنه ديناًَ، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كفّ غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضين أمضاه ملأ الله قلبه رضىً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يُثبتّها له أثبت الله - تعالى -قدمه يوم تزل الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل » [حسّنه الألباني صحيح الجامع(176) وفي السلسلة الصحيحة (906)].
4- فضائل عديدة تتحقق من جراء زيارة الإخوان ومجالسة الصالحين:
1- الدعوة إلى الله:
* جاء في الحديث: « من دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ».
2- الدلالة على الخير:
* قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « من دلّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله » [رواه مسلم]، والدلالة على الخير لا ريب أنها متحققة عند زيارة الإخوان ومجالسة الصالحين.
3- المصافحة:
من علامات المغفرة المصافحة فالمسلم عندما يلتقي أخاه المسلم ويصافحه بحرارة فإنه يُغفر لهما قال - صلى الله عليه وسلم -: « ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غُفر لهما قبل أن يتفرقا »
4- إفشاء السلام:
والسلام عند اللقاء مفتاح أبواب القلوب فالمسلم عندما يُسلّم على أخيه المسلم فقد حقق معنى من معاني إفشاء السلام، قال - صلى الله عليه وسلم -: « لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم » [رواه مسلم].
5- طلاقة الوجه:
فالمسلم إذا أقبل على أخيه بوجه طلق قد علته البشاشة فإنه يكون قد تأسى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حين كان - عليه الصلاة والسلام - لا تفارق الإبتسامة محياه وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: « لا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق » [رواه مسلم].
6- التناصح:(14/206)
وهو من التعاون على البر والتقوى فالمسلم يأخذ بيد أخيه ويبين له برفق وحكمة ما يره من النواقص والمعايب والنصيحة ليست كما يراها البعض تدخلاً في شئون الغير هي دليل المحبة والمودة. قال - صلى الله عليه وسلم -: « الدين النصيحة. قلنا لمن، قال لله ولكتابه ولرسوله وللأمة المسلمين وعامتهم » [رواه مسلم].
7- الهدية:
فإنها تورث المودة والمحبة وتُذهب الضغينة وربما كانت سبباً بعد الله - سبحانه وتعالى - في الهداية والاستقامة لا سيما عند إهداء الكتب والمطويات والأشرطة النافعة فلا تتردد أخي المسلم بتقديم هدية لأحد إخوانك مستشعراً قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: « تهادوا تحابوا »
8- المحبة:
فلا يخفى على أحد أن الزيارات الأخوية وما يترتب عليها من مصافحة ودلالة على الخير وإفشاء السلام وطلاقة الوجه والتناصح وتقديم الهدايا مظنة للمحبة وكما نعلم فإن الإيمان قرين المحبة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يحب لنفسه » [متفق عليه].
نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علّمنا وأن يجعل جميع أعمالنا خالصة لوجهه الكريم كما نسأله - سبحانه - أن يجعلنا من المتحابين والمتزاورين فيه.إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://www.islamway.com المصدر:
=============
أصحاب العقل المعيشي
محمد العبدة
لا شك أن الحزب الأكبر داخل المجتمعات الإسلامية في هذه الأيام، هم من وصفهم ابن القيم ب (أصحاب العقل المعيشي) الذين يقلقهم دائماً التفكير بكيفية رفع مستواهم المعيشي، أو كيفية المحافظة على هذا المستوى.
ترى أحدهم يفكر ليل نهار في هذه الأمور، ويتعب نفسه ليل نهار بغية الوصول إلى مستوى يضاهي أصدقاءه وجيرانه، فالأحاديث دائماً عن المسكن والملبس، وعن السيارة والأثاث والراتب.
هؤلاء جمهور كبير، قد ألفوا هذه الحياة وعاشوا على هامشها.
تتقطع بهم الأيام والليالي، بلا هدف ولا رسالة، فهل يستطيع الدعاة نقل هذا الصنف من الناس إلى الطرف الآخر، أو بالأصح الانتقال بهم تدريجياً ليصبحوا أصحاب مبدأ ورسالة والتزام؟ ليس عسيراً نقل بعضهم على الأقل، وذلك عندما تُغشى مجالسهم، ويسمعون التذكير البليغ والموعظة المؤثرة، وبيان عظمة الله في خلقه وأمره، وآياته في الأنفس والآفاق، وأحاديث اليوم الآخر، ومصائر الشعوب والأفراد.
من العصاة قديماً وحديثاً وبيان محاسن الإسلام.
إن من الضروري للدعوة أن تنتقل إلى صفوفها أعداد غير قليلة حتى تفرض نفسها على أرض الواقع، ومن الضروري أن ينتقل إليها من كان عدواً لها بالأمس أو مُهملاً لها، فهؤلاء ربما يكونون أنشط وأقوى لأنهم يريدون تعويض ما فات من التقصير والنقص، هناك أساليب كثيرة - غير ما ذكرنا - لاجتذاب أمثال هؤلاء أو بعضهم، ولكننا نحن المقصرون في تجديد الوسائل الدعوية واستنفاذ كل الجهود للاتصال بجماهير الأمة ودعوتها للالتزام بدين الله.
لقد سمع أحدهم حبر الأمة ابن عباس - رضي الله عنهما - وهو يفسر سورة البقرة في أيام منى، فقال: لو سمعها اليهود والنصارى لأسلموا، وذلك دليل على أن العلم بكلام الله ووضعه مواضعه الصحيحة قد يؤثر في أشد الناس عُتُوّاً، وخاصة إذا خرج الكلام من قلب خالص يملؤه الاهتمام بأمر المسلمين.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============
رؤية مستقبلية للدعوة النسائية
د. رقية بنت محمد المحارب
الناظر إلى الأحداث التي تعصف بالأمة بعين البصيرة المتأملة وقلب المشفق النصوح يدرك تماماً الأهمية الكبرى للإصلاح والتقويم الذي يرتكز على هدى من الله تقوم أسسه على اتخاذ الدعوة إلى الله منهجاً ووسيلة نحو غاية التغيير إلى الأفضل والرقي نحو المعالي وتعبيد الناس لربهم تبارك وتعالى.
وفي صفوف النساء، يبتهجُ القلبُ بجهودٍ رائعةٍ في الدعوة إلى الله تزخر بها الساحات، فمن أنشطة في المؤسسات التعليمية، إلى إطلالة متميزة في عالم القلم والصحافة، إلى جهود محتسبة في تعليم القرآن، ومحاضرات ودروس تشهد إقبالاً كبيراً، وملتقيات قوية تقوم بها مؤسسات دعوية رائدة.
وأولو النظرة المتزنة يلتفتون إلى الماضي متعظين، ويعيشون الحاضر قانعين، ويستشرفون المستقبل متفائلين، تصحيح الأخطاء السابقة، وتطوير الأعمال الحالية، وتصحيح كل زلل والزيادة من كل خير، فكانت هذه النظرة الاستشرافية لمستقبل ذي تأثيرٍ قوي، وإصلاحٍ أعمق، وجهودٍ أوسع، مرتكزة على علمٍ وافر وعمل دؤوب، واعتباراً بسنن الله في الكون كما يقول الله - تعالى -: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين وهذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين}.
فإن دراسات المستقبل وما تقدمه من رؤية ثاقبة ذات أبعاد مبنية على أسس وأوليات تعطي نتائج متوقعة إلى حد كبير يعتمد على الدقة والواقعية في تحديد الأهداف ورسم الاستراتيجيات والاستفادة من معطيات الحاضر بأقصى درجة لقيادة المستقبل ويمنحنا هذا الاستشراف القدرة على المقارنة الواعية بين النتائج التي تنجم عن اختيارنا وبين التي تتم ونجد أنفسنا فيها دون استعداد يذكر.
والمستقبل لا يمكن القفز إليه، بل لا بد من اتخاذ الحيطة والاستعداد له منطلقين من رؤية علمية استوعبت تجارب الآخرين، وانطلقت من ثوابت ورؤى تكفل الاطمئنان إلى نجاحها وسداد وجهتها.(14/207)
ومن أهم ما تقدمه دراسات استشراف المستقبل هو التعرف على إمكانيات الصف الإسلامي في ظل الظروف الحالية وما يمكن أن نحافظ عليه منها وما يمكن أن نتنازل عنه، كما يجب أن نعيش الواقع بكل زواياه ونتعرف على خطط المواجهة، ونعد لذلك خططاً للتطور مستفيدين من كل المكتسبات والقوى الداخلية والخارجية، مع عدم إغفال حال الطوارئ، وما يواجهه المستقبل الدعوي من تحديات، وما يفرضه ذلك من تدريب وإعداد من شأنه أن يقلل الخسائر، ويفتح أعيننا على أهمية تنويع مواردنا المالية وأنشطتنا الدعوية، وتكثيف الاستثمار في التربية الإبداعية لأجيالنا القادمة.
وتتجه هذه الاستراتيجية إلى تأصيل هذا الوعي الاستشرافي ليقوم على نهج علمي، وتنميته لينتقل من دائرة المعرفة إلى دائرة الفعل الذي يقود تخطيطنا وأولويات مشاريعنا وسلوكنا واختياراتنا، فهو أساسي في المنهجية التي لا بد أن يربى عليها الأجيال القادمة.
ويتوجه العمل في المجال النسوي إلى:
ـ الاهتمام بنظم المعلومات المتقدمة وخدماتها التي تتيح التواصل الفعال.
ـ أن تتضمن لقاءاتنا تعميق الوعي بحدود إمكانياتنا وقدراتنا ومستقبل أمتنا، ليس في حدود البلد الواحد وإنما على مستوى العالم.
ـ التنسيق مع المؤسسات المعنية الدعوية والإعلامية والثقافية والاجتماعية لتنمية التعاون المستقبلي والإفادة من كل الطاقات.
ـ العناية بالدراسات المستقبلية، ودراسات خطط التغيير التي يتزعمها الغرب سعياً لإضعاف التمسك بالقيم الإسلامية كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة، والشرق الوسط الكبير وعولمة الثقافة الغربية ودراسة وسائل التنفيذ المزمع العمل بها لتكوين حصانة قوية لدى الجيل.
ـ ضرورة المبادة لاقتراح لتغيير المجتمع الغربي ودعوة إلى الإسلام بإعطاء النموذج الإسلامي الذي تقبله النفوس وتسعد به البشرية.
واقع الدعوة النسائية وميادين العمل:
المتأمل للدعوة النسائية يجدها في بداياتها، إلا أنها قفزت قفزات كبيرة، ففي الحين الذي سبقتها الحركات النسوية الليبرالية من قوى عظمى لا تخطو تلك الحركات خطوها المؤمل منها في كثير من البلاد الإسلامية! تقول ليلى الأطرش: وبمنتهى الصدق نقول إن استراتيجيات المرأة للوصول إلى البرلمان بالمنافسة أثبتت فشلها، ولم تؤد إلى نتيجة فاعلة رغم كل ما بذل من جهد ورغبة حقيقية منذ مؤتمر بكين وحتى اليوم..(عن صحيفة الدستور الأردنية 23/6/2003م).بينما المتابع للمناشط الدعوية يجد الإقبال الكبير عليها رغم ضعفها من حيث التنظيم والتنظير مع ضعف الحصيلة العلمية والقدرة الخطابية مما يؤكد الرغبة والمتابعة الشغوفة للخطاب الإسلامية.
ولعلي أعرض في هذه الورقة وباختصار جوانب من واقع العمل الدعوي في الأوساط النسائية، مع استشراف ما يمكن القيام به في المستقبل.
المدارس النظامية والجامعات:
انطلقت الدعوة النسائية من الجامعات والكليات حيث كانت تتأسس الصحوة في المصليات وقاعات الدرس، وأثمرت بعد بضع سنين كوادر متحمسة استطاعت أن تبني فكراً وتوجد تياراً قوياً واعياً فاعلاً على قدر من التدين، بالرغم من المؤثرات الإعلامية الفضائية والصحفية. وهي بهذا تعتبر أحد أهم المجالات الدعوية يجتمع فيها ما يزيد على المليون فتاة من شتى أنحاء البلاد، من فئة عمرية مهمة وحيوية، فلا نحتاج إلى تكلف في الوصول إليها، إنما نحتاج الخطاب وقوة التأثير وتعدد الوسائل، وتفهم للحاجات النفسية والعاطفية والاجتماعية!
يقترح لمستقبل هذا المجال ما يلي:
ـ الاهتمام بالأنشطة الثقافية في الكليات بصورة مؤسسية.
ـ الحرص على بناء المدارس والكليات النموذجية التي توفر التعليم الحديث، مع الحرص على وضع البرامج التربوية المركزة المحددة الأهداف المتنوعة الوسائل، ويمكن الاستفادة من سهولة الحصول على التراخيص والعائد المادي منها لإقناع التجار الطيبين بالمساهمة الفاعلة فيها.
ـ الاهتمام بالبرامج العامة واستغلال المناسبات، كاليوم المفتوح والمعارض، والقيام بجهود دعوية إبداعية تهتم بأماكن تجمع الطالبات، ولا تقتصر الأنشطة داخل جدران المصلى كما هو الحاصل، بل إن الخروج للأماكن العامة للطالبات يشكل مفاجأة وإثارة تجذب نفوس الفتيات.
ـ التركيز في المستقبل على المناظرات والحوارات المفتوحة مع أولي العلم والبصيرة والمربين، والصبر على الآخر، فالمناظرات كانت وما زالت وسيلة قوية لدحض الشبه وإنارة البراهين، إلى جانب ما لها من قرب عاطفي من المخالف وسماع لرأيه، فكم سيكون التأثير قوياً لو تم الإعلان ـ مثلاً ـ عن مناظرة للحديث عن خطر الفضائيات أو العلاقات العاطفية غير الشرعية، أو غير ذلك من الموضوعات التي لا أدري لم أصبحنا نغفل علاجها أو نتناولها برتابة ونمطية جامدة؟!
ـ العناية القوية بتأهيل المعلمات والمديرات، وخصوصاً القائمات على الجهود الدعوية في المدارس والكليات، واحتضان أصحاب المواهب والقدرات الفنية، وذلك من خلال توجيه إداري واع، واستقطاب لأولي الخبرة في الإرشاد والشورى، وإقامة دورات وتبادل التجارب بين المحاضن للاستفادة من النجاحات وتصحيح الأخطاء ومواطن الضعف.(14/208)
ـ الالتفات إلى وسائل التأثير مباشرة، كالوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العلم الشرعي، خصوصاً في أبواب العقيدة والفقه، فالتوازن مطلوب بين إشغال أوقات الفتيات بالنافع من الوسائل غير المباشرة، وبين إصلاح الذات وتربية النفس بالوعظ والتذكير والعلم الشرعي، كما لا ينبغي أن يميت الواقع في أنفسنا الاهتمام بالقضايا الكبيرة، كالحجاب وتحرير المرأة، بل علينا بذل الجهد في التخطيط والتنسيق لأعمال دعوية مؤثرة فيها.
مدارس تحفيظ القرآن الكريم:
انتشرت مدارس التحفيظ وتوجه النساء إلى حفظ كتاب الله وتعلم أحكامه، فمثلاً في مدينة الرياض يدرس أكثر من 45000 طالبة في 300 مدرسة في حين لم يتجاوز عدد المدارس خمسا فقط قبل عشرين عاماً، ومع أن هذه المدارس لا يتجاوز دوامها الساعتين إلا أنها بالغة الأثر؛ لأن أغلب الدارسات أقبلن برغبة وإخلاص. فإذا التفت أهل العلم والدعوة لهذه المدارس فإنها ستثمر (بإذن الله) كوادر ذات علم وأثر في المجتمع.
ولضمان مستقبل أكثر إشراقاً، خصوصاً في ظل توقع أن يتم تحجيمها، فأقترح التالي:
ـ التفكير في احتمالات تقليص عددها وتحجيم دورها، ووضع الاستراتيجية المناسبة، وذلك من خلال بناء مؤسسات اجتماعية تعني بتعليم كتاب الله.
ـ انتقاء عدد من المتميزات من الطالبات، وإعطاؤهن دروساً خاصة في المهارات التي تحتاج لها الداعية كفن الإلقاء، وطرق إعداد البحوث، وكيفية التأثير في الآخرين، وفقه السيرة... إلخ؛ ليكن نواة ينفع الله بهن في أماكن دراستهن النظامية أو أماكن عملهن في المستقبل.
ـ تدريب الطالبات بعد إعدادهن في مجاميع أقل سناً أو خبرة أو علماً. وهذا يتطلب تشجيع لقاءات خاصة بالمراهقات وغير ذلك.
الصحافة والإعلام:
أثبتت المرأة الداعية إلى حد ما قدرتها على النجاح في العمل الصحفي الموجه واتباع أصوله، والحرص على السبق الصحفي، والإثارة الإعلامية، وجذب الجمهور، وأساليب ذلك.
تحتاج المرأة في الصحافة إلى توجيه قوي من أصحاب الخبرة والتعليم الأكاديمي العالي في مجال الإعلام، لمعرفة أسباب الضعف وطرق التطوير، خاصة مع كثرة المتطوعات وهاويات العمل في هذا المجال، ويقترح عمل دورات تأهيلية للمنسوبات، والتركيز على الحديث عن هموم واقعية يومية للمجتمع، بعيداً عن مثاليات ضخمة أو غير ذات جدوى، إضافة إلى التفاعل مع الأحداث والمناسبات، وإبراز الجهود الدعوية في كل مكان، تبشيراً ونشراً لأخبار الخير.
تجدر الإشارة إلى وجود انتعاش في الحركة الدعوية النسائية، حيث برزت مجلات ناجحة أسهمت في بناء الكوادر الدعوية كالأسرة والمتميزة وأسرتنا وحياة، وغيرها، لكن ما تزال بحاجة ماسة لدخول المرأة الداعية الصحفية في الصحافة اليومية التي تدخل كل بيت وعمل، للصدع بالآراء النيرة التي تمثل لسان الغالب من نساء مجتمعنا المحافظ. ونحتاج في المستقبل إلى تكثيف المشاركة الإعلامية في مختلف الوسائل الإعلامية، ولا بد من أجل الوصول لذلك إلى وجود مراكز تدريب صحفية تشرف عليها الأخوات الإعلاميات المتميزات، يكون هدفها توجيه مجموعة من النابهات المتميزات في طرحهن الفكري، وإمدادهن بالأدوات اللازمة في مجال التواصل الإعلامي، ويمكن كذلك التفكير في تحويل بعض المجلات النسائية إلى أسبوعية وإصدار صحف يومية تعني بالشأن النسائي. كما يمكن التفكير في إنشاء قنوات فضائية موجهة للمرأة، تقوم النساء على إعداد برامجها كاملة ويقوم الرجال بتقديمها. كما أن من الأفكار: إنشاء مكتب صحفي يرعى إنتاج المربيات ويتولى تنسيق وصوله إلى معظم وسائل الإعلام.
المؤسسات الخيرية الإغاثية:
لم تكن المؤسسات الإغاثية في السابق متوجهة لخطاب المجتمع النسائي لهذا الحجم الذي نراه اليوم، ولم يعد سراً أن مؤسسات كثيرة نجحت من خلال السماح بإقامة أنشطة نسائية فأصبحت محاضن قوية التأثير كبيرة الجهود رغم الخبرة القصيرة. ولا بد من التأكيد على وحدة الهدف والتآخي والترابط، فَيَد الله مع الجماعة، وأن تسلم من "الغيرة" و "الاستئثار" و "التنافس غير الشريف"، وهذه نقطة مهمة ينبغي مراجعتها في كل آن!!
يقترح لهذا المجال:
ـ إقامة اتحاد نسائي يجمع العاملات في الجمعيات الخيرية الطيبة في كل أنحاء المملكة، وذلك يتطلب التدرب على العمل الإداري وغيره من المهارات اللازمة لإقامة التجمعات الشعبية.
ـ التواصل مع الجمعيات النسائية الإسلامية العالمية وإقامة مؤتمرات مشتركة ولقاءات، وغير ذلك.
ـ تولي شؤون الدعوة إلى الله بين النساء بشكل عام، ربطاً بين المؤسسات؛ لتبادل الخبرات والتجارب وتلافي مواطن الضعف.
ـ حرص القائمات عليها على النفوذ وصناعة القرار في مسيرة المرأة بشكل عام، كإصدار البيانات والشفاعة.
ـ عمل خطط واضحة واقعية للطوارئ من قبل هذه المؤسسات بشأن قضية المرأة، والتفكير في منابر أخرى في حال تعرضت هذه المؤسسات للإغلاق، وهذا أمر متوقع.
ـ العناية بتأهيل الداعيات المحاضرات، واحتضان المواهب وتربيتها لمستقبل يشوبه الغموض والتوجس، خاصة في قضية المرأة، وصناعة الفتيات لغد يكن فيه منارات هدى ساطعة وجبال مقاومة راسخة!
ـ تشجيع العمل التطوعي لكثير من الفتيات والنساء ولو عن بعد ونشر مفهوم العمل التطوعي؛ ليكون رافداً، فليس ممكناً أن تصل هذه المؤسسات إلى كل مكان لخريجات الجامعات من المتفوقات في الدراسات الشرعية، استفادة من خبراتهن وحماسهن لمستقبل دعوي أفضل.
ـ إلقاء أضواء إعلامية عبر الصحافة اليومية على جهودها، فمن المؤسف أن هذه الأعمال الضخمة الرائعة لا تحظى بتغطية إعلامية.(14/209)
ـ ضرورة ارتباط العمل الإغاثي بالدعوة؛ لتحقيق الهدف الذي من أجله أنشئت المؤسسات الخيرية.
ـ العناية بالدعوة في أوساط المرأة الريفية.
المؤتمرات والمحاضرات:
تطور الحس النسائي فأصبحت المرأة تنظم اللقاءات الدعوية، وقد فاجأ الإقبال على هذه الملتقيات الجميع، فكان عدد الحضور من النساء يفوق المتوقع..
وهذا مجال آخر مبشر بقوة الحركة الدعوية بين النساء. يقترح لتطوير هذا المجال:
ـ اشتراط القوة العلمية والخطابية والمعرفة الواقعية للداعية، وتطوير ذلك.
ـ الاهتمام بالفئات العمرية والشريحة الاجتماعية المقبلة على المحاضرة، والتي غالباً ما تكون من كبيرات السن أو ربات البيوت، ومن أهل الخير عموماً.
ـ الحرص على رسم خطوات علمية توجه النفس للتغيير، فلا يكفي الحديث العاطفي المجرد عن القضية، بل لا بد من تخطيط عملي تضيء خطواته الداعية للحاضرات.
ـ رفع مستوى العلمي للحاضرات، بالاهتمام بأمور العقدية بأدلتها، والأحكام الفقهية، وأعمال القلوب.
ـ إنشاء مؤسسة نسائية لترتيب المؤتمرات واللقاءات إذ إن من الملاحظ أن الترتيبات تستهلك جهوداً كبيرة.
ـ تنشيط إقامة هذه المؤتمرات في كل المناطق حيث تنحصر في مدينتين أو ثلاث.
ـ استضافة متحدثات من الخارج؛ تحقيقاً لعالمية الرسالة وإشعاراً للترابط القائم على العقدية بين المسلمات، وكذلك استفادة من الخبرات.
ـ تنويع الموضوعات بحيث تتفاعل مع الأحداث، والبعد عن التكرار، مع ضرورة التواصل الشرعي.
التأليف العلمي:
بالنظر إلى دخول المرأة في مجال الدراسات العليا في المجال الشرعي والدعوي أستطيع أن أقول: إن المرأة حققت تطوراً في هذا المجال، إلا أنه ما يزال حبيس الأرفف.. ورهن الدرجات العلمية.. لذا فأقترح على المعتنين بالشأن الدعوي تكوين لجنة لفرز الرسائل العلمية ومكاتبة الباحثين لنشرها والاستفادة من الباحثات في المجال نفسه، وأقترح تكوين هيئة أو مؤسسة أو تجمع للباحثات بحيث يكون رابطة لهن يستفدن، بعضهن من بعض، ويعين بعضهن بعضا على اختيار الموضوعات، وغير ذلك. وأقترح كذلك إنشاء دار نشر نسائية تهتم بالتأليف للمرأة والتنظير لها، ويمكن أن تكون نواة لمركز دراسات وبحوث نسائية.
الحِلق الخاصة واللقاءات الاجتماعية:
مع ظهور الميل إلى التجمعات الأسرية ووجود الداعيات من النساء بدأت الدعوة تنتشر في أوساط عامة النساء عن طريق توجيه محاضرات ومسابقات ثقافية لا تخلو من فائدة علمية. إضافة إلى الحلق التي تعقدها بعض المتميزات ذات الظروف الخاصة. فأقترح تكوين ملتقيات أو ما يسمى "صوالين" للتربية والتعليم لدى عدد من المتميزات علمياً وأدبياً، مع ضرورة التنوع؛ فلا يكون التركيز على الناحية الشرعية.. فقط بل يوجه إلى إعداد الشاعرة والكاتبة والأديبة.
الجاليات:
توجه عدد من الداعيات إلى الجاليات غير العربية بالدعوة، فوجهن الخطاب الدعوي بلغات مختلفة لشريحة عريضة من المجتمع، مما أثمر وعياً لدى عدد من النساء، ولكن لا يزال دون المستوى المطلوب، وحبذا لو عملت دراسة تبين أثر العناية بهذا النوع من الدعوة في هذا الوسط، سواء في أوساطهن التي تعيش بيننا أو في بلادهم بعد رجوعهم لها.
http://www.saaid.net المصدر:
============
لا تعيريني بذنبي !
د. نوال العيد
إن تعييركِ لأختك بذنبها أعظم إثماً من ذنبها، وأشد من معصيتها؛ لما فيه من تزكية للنفس وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن أختك قد باءت به.. ولعل شعورها بذنبها، وما أحدث لها من الذِّلة، والخضوع، والازدراء على نفسها، والتخلص من مرض الكبر والعُجب، ووقوفها بين يدي الله ناكسة الرأس، خاشعة الطرف، منكسرة القلب، أنفع لها وخير من صولة طاعتك، والاعتداد والمنة على الله وخلقه بها، فما أقرب تلك العاصية من رحمة الله، وما أقرب هذه المدللة من مقت الله، فذنب تَذِلِّي به لديه أحب إليه من طاعة تدلي بها عليه، وإنك إن تبيتي نائمة وتصبحي نادمة، خير من أن تبيتي قائمة وتصبحي معجبة، فإن المُعجب لا يصعد له عملٌ، وإنك أن تضحكي وأنت معترفة، خيرٌ من أن تبكي وأنت مدلة، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المدلين، ولعل الله أسقاها بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلاً هو فيك فلا تشعرين.
وتأملي قول الله لأعلم الخلق به، وأقربهم إليه وسيلة: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} (الإسراء: 74) ويقول الله على لسان يوسف الصديق: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}(يوسف: 33) فكيف تأمنين أنت على نفسك؟
جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن جندب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدَّث أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله - تعالى -قال: من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك.
ومرَّ أبو الدرداء على رجل قد أصاب ذنباً فكانوا يسبونه فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب، ألم تكونوا مستخرجيه قالوا: بلى قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم، قالوا: أتبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي.
إن الأولى بالمسلم أن لا يُعَيِّر أخاه بذنب، أو يهزأ منه بمعصية، بل عليه أن يكون مرآة له تعكس حسنه وقبيحه، ولا تُطْلع على ذلك غيره..(14/210)
إن جلد الذوات ليس من هديه - صلى الله عليه وسلم -.. أخرج البخاري في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب أن رجلاً على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه عبدالله، وكان يلقب حماراً، وكان يُضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جلده في الشراب، فأُتِي به يوماً فأُمِر به فجُلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تلعنوه.. فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله" وأخرج بعده من حديث أبي هريرة قال: أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بسكران فأمر بضربه، فمنَّا من يضربه بيده، ومنا من يضربه بنعله، ومنا من يضربه بثوبه، فلما انصرف قال رجل: ما له أخزاه الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم".
أيتها الكريمة..احمدي الله أن هداك، وللطاعة اجتباك، ولا تعيِّري أخية لك بذنب، بل انصحيها وادعي الله لها، ولا تكوني عوناً للشيطان عليها.
http://www.asyeh.com المصدر:
=============
فاتورة التليفون والمواقع الجنسية
أبو عبد الرحمن محمد بن عمران
أخي الحبيب: تخيل أن هيئة الاتصالات في بلدك، قررت إضافة بنداً جديداً في فاتورة التليفون، وهذا البند هو لحساب عدد دخولك على المواقع الجنسية على الإنترنت..!! أخي الحبيب: بالله عليك هل تدخل إلى هذه المواقع الخبيثة؟؟ بالطبع لا..ولكن لما؟؟ ؟؟
هل لخوفك من الفضيحة سواء من الأب والأم، أو من الزوجة والأولاد، أو من الإخوان، أو من أي شخص آخر …
أخي هل تعلم أن الله - عز وجل - يراك، وأنت تُشاهد وتُقلّب نظرك في هذه الصور الجنسية الخبيثة، هل تعلم أن الله يراك ومُطّلعٌ عليك، وأن ملائكته تكتب ما تفعل وتعمل؟؟؟
أخي: تخيل أنك الآن الآن الآن بين يدي رب العالمين، وأعطاك صحيفة أعمالك، ثم قال لك: أقرأ كتابك … يا الله أقرأ كتابك!!! نعم والله، ولكن على من ستقرأ؟؟ هل على زوجتك؟ أم على أولادك؟ أم على والدك ووالدتك؟
لا والله إنه على الله الملك الجبار، شديد العقاب ذي الطول، الذي لا يفلت منه أحد، تخيل أنك واقف بين يديه - عز وجل - وتقرأ قائلاً: "دخلت يوم كذا في الساعة الثالثة ليلاً، في الوقت الذي تتنزل فيه الرحمات، وينادي رب الأرض والسماوات: «هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَهُ»
أمّا أنا فلم أُبالي بنظرك، ولم أستحي منك، فدخلت على المنتديات، وشاهدت الصور العاريات، واطلعت على المحرمات، وقلّبت نظري في الصور الخليعات، فاقترفت السيئات، ولم أشتغل بجمع الحسنات، ولم يهمني أمرك يا من تعلم الخفيّات … ولم أخاف عقابك … يا من تعلم الهفوات …
لم تهمني نارك، ولا أريد جنانك، ولا أخاف عذابك، أُبارزك بالمعاصي وأنا على ذلك قدير، وأنتهي عن طلب الطاعات وأنا عنها غنيٌ ولست فقير، أفعل الشر والسيئات.. وأنا بذلك كفيل " فيا الله من غضب الله علي عبد قل حياؤه منه، واستهون بنظره عليه، ولم يُبالي بنظره - جل شأنه - فرحماك اللهم بنا … لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
أخي الحبيب: إن هذه المواقع كما قال شيخنا سيد العربي فك الله أسره وإخوانه جميعاً - بتصرف، قال: أنها مدمرات ومخدرات؛ فإنها أول ما تدمر أخلاقك، وإذا لم تستح فاصنع ما شئت، ثم دينك ولا بدّ، ثم تدمرك أنت.
وهي مخدرات بمعنى أنك إذا دخلت اليوم على تلك المواقع الخبيثة، ثم خرجت منها تألمت وتبت وندمت إن يسر الله لك ذلك - ثم تأت بالغد فتقول " أين الشَمّه " أي أريد أن أتناول تلك المفسدات، ولا تقدر على المقاومة مع نفسك الأمّارة بالسوء.
أخي الحبيب: إن حبر الأمة عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قال: خوفك من الريح إذا حركت ستر بابك، وأنت على الذنب، ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك، أعظم من الذنب إذا فعلته.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
http://www.islamway.com المصدر:
===========
دعوة بلا حدود (1/2)
يوم أن قتلتني طبيبتي..!
ندى بنت عبدالعزيز محمد اليوسفي
صراحةً كنتُ أقسو كثيراً على الطبيبات بكلماتي، وروايتي الأحاديث التي أسمعها عن سلوكهنّ من هنا وهناك، ولم أكن بِدعاً في ذلك أمام كثيرٍ من أفراد هذا المجتمع الذين يرون في عملِ الطبيبة خرقاً لكل شرعٍ وعُرف، كنتُ أحارب عمل المرأة في المجال الطبي بكل قوة، ولا أفكّر أبداً في حاجتنا فعلاً للطبيبات والممرضات النساء المُؤتَمنَات المسلمات، بل وسعيتُ بشتّى الطُرُق لِحَرفِ ابنة أخي عن دراسة الطب.
لكن كان ماتحمله في قلبها من همّ، و ما ترنو إليه من حلم، أقوى من ألف ألف سلاح، وكلمة فمّ. كانَت تردّد أنّ لا نجاة لمجالاتنا الطبية من النظام الغربي المتفشّي إلا أن يمسك زمامه أخوةٌ صالحون، و أن يكثر سواد المستقيمات والمستقيمين في الكليات الطبية.
كانت تنظر إلى الغد بتفاؤل، ولا تقصر في طرق أي باب يوصلها لما تريد في سبيل إصلاح زميلاتها، والتحرر من المخالفات الشرعية في التعليم الطبي قدر الإمكان، كانت تُطالِب بالمُخاطَبة والمُكاتَبَة، وكم رأينا وجهها يتهللُّ بشرَاً وفرحاً عند نجاح مسعاها في أمر، وكم رأيناها تبكي وتحاول التنفيس عما في النفس من إحباطٍ وهمّ عند فشلها في تحقيق أمر. كانت تتقلّب بين تلك الحالتين فترة دراستها، وكنتُ أنا من وراء الجدار أُراقِب، و بخوفٍ أترقّب، ويكفيني ما أصاب علاقتي بأخي بسبب هذا الأمر، حتى كان ذلك اليوم.(14/211)
فاجأني ألمٌ بالبطنِ شديد، حملني زوجي للمستشفى القريب، كان انسداداً حادّاً في الأمعاء، ويحتاجُ جراحةً عاجلة، لم نجد إلا جرّاحاً رجلاً، رفضتُ، وقضينا تلك الليلة نقطع العاصمة ذهاباً وإياباً بحثاً عن مستشفى فيه جرّاحة امرأة، وكان ما أطلب من سابع المستحيلات، سلّمت نفسي مُكرَهة لمبضع الجرّاح، وكم زاد ألمي ألماً لاضطراري للتكشّف أمام طاقم الجراحة ولم أكن قد تكشّفت أمام طبيبٍ رجلٍ قطّ.
أفقتُ من التخدير وإذ بابنة أخي فوق رأسي بلباس العمليات، وهي طالبة في ذلك المستشفى، تسأل عن حالي، وقد لاحظَت اضطرابي وسعيي للتأكّد من ستر جسمي، أمسكت بيدي بحنان، وهي تطمئنني وتقول لا تقلقي ولا تخافي، اتصل زوجكِ سائلاً عن مهارة الجرّاح وأخبرنا بجراحتكِ العاجلة، فجئتُ مع أبي للمستشفى، وكنتُ معكِ من بداية تخديرك، و حاولت أن لا يتجاوزوا كشف موضع العملية فقط، و حرّصتُ إحدى العاملات أن لا تُدخِل من ذاك الباب أحد.
أهويتُ دون شعورٍ مني على يديها أقّبلها، رفعَت يدها بسرعة، ورفعت نقابها الأخضر، وهوت على رأسي تقبّله بابتسامة وهي تتمتم: (لا بأس، طهور إن شاء الله). ونُقِلت بعدها إلى جناح التنويم، وودّعتني، كنتُ عاجزة عن التحرّك من السرير للألم، وكان صوت التلفاز يزعجني بمعازفه، وصعُب عليّ التفاهم مع الممرضات، وخالفت رغبتي رغبة المريضات الأخريات.
فجأة سمعتُ صوت التلفاز يخفّض، والستائر على المريضات تُغلَق، ويُطلَب منهنّ التحجّب فجولة الأطباء اليومية تكادُ تبدأ، عرفتُ ذلك الصوت وزدتُ به فخراً وفرحاً، زارتني بعد انقضاء الجولة الصباحية ومعها دعاء زيارة المريض لتعلّقه فوق سريري.
آهٍ يا ابنتي لقد قتلتني بحملكِ الهمّ، لقد قتلتِ فيني ذلك الوهم، لقد قتلتِ فيني كل نظرة انتقاص أو ازدراء لمن حملت على عاتقها إسعاد المؤمنات وسترهنّ و حراسةِ عفافهنّ. تُرى كيف سنطمئنّ إلى أنفسنا وأعراضنا وعوراتنا في المستشفيات مالم نطمئِنّ لوجود أمثالكنّ..؟!!.
المستشفيات يستحيل أن تُغلَق، والحاجة أم الاختراع، والمؤمن الصادق لا يعدم وسيلة توصلهُ لما يرضي الله، و وجود الصالحين والصالحات هو ما سيشحذ العمل الدعوي في هذا القطاع، وسيعجّل بأسلمته، وارتفاع الأصوات بالمطالبة بإصلاحه وفصل الرجال عن النساء به.
و مع تزايد الحاجة لعملٍ منظّم مُثمِر للدعوة إلى الله في الأوساط النسائية في المجال الصحي وإصلاح أوضاعه ودعوة أهله بالحكمة والموعظة الحسنة وللإعانة في ترجمة الأفكار لواقع مُثمِر؛ كان انضمام بعض الصالحات لهذا المجال احتساباً وجهاداً، وعلى الرغم من قلّتهنّ بالنسبة لغيرهنّ من العاملات؛ لكن ربّ قليلٍ تُكَثّره النّية، والقليل مع الإخلاص؛ كثير.
العاملة في المجال الصحي، طبيبة كانت أو صيدلانية أو ممرضة أو محضّرَة مختبر، أو فنّية أشعّة، أو مشرفة اجتماعية أو إدارية، ينبغي أن تعلم أن الدعوة إلى الله سبيل الأنبياء و باب للأجر تستطيع أن تبني به جبال من الحسنات ولأن يهدي بها الله امرأة واحدة خير لها من حمر النعم، والدنيا معبر لدار المستقر، و هي محاسبة على كل صغيرة وكبيرة.
ينبغي أن تمتثل الإسلام حقّ الامتثال فتكون داعية بأخلاقها وتعاملها، داعية بحجابها و حشمتها، داعية بحيائها وامتثالها للأوامر الإلهية مهما كلفها ذلك، داعية بلسانها ومالها، داعية بسنّها السنن الحسنة و الصلابة في الحق و عدم تقديم التنازلات وأن لا تخاف في الله لومة لائم، داعية بتغييرها المنكر والتحرّر من المخالفات الشرعية في بيئة عملها قدر الإمكان.
داعية بنشرها الخير وأمرها بالمعروف بين زميلاتها، داعية بتواضعها و تسامحها و نصح مريضاتها، داعية بتفقيههن بأحكام الطهارة والصلاة وتذكيرهن بتجديد التوبة واللجوء إلى الله والتوكل عليه.
تذكّر نفسها بأن النصرانية ما انتشرت إلا عبر بوابة الطب وحفظ الصحة فتسعى حثيثة لأن تقدم الدعوة للدين الحق والعلاج بل وتحرص على دعوة من يخالطنها في مجال العمل من المسلمات وغير المسلمات.
متى ماعلمت العاملات في المجال الصحي ذلك وامتثلنه فلنتيقّن -بإذن الله- أنهن سيصبحن مشاعل هداية في مواجهة العقبات و آفات الطريق، وسيكون ذلك فتحاً لهذا الدين وخيراً على أهله، وإصلاحاً لفسادِ هذا المجال و تفرنجه الذي ضاقت به نفوس الموحّدين عقوداً.
لتبدأ كل واحدة بنفسها فلتربها، ولتصلح شأنها، سلاحها التقوى، لتشكر نعمة الله أن هداها و رزقها الثبات في زمنٍ يموج بالفتن والشهوات والشبهات.
لتبادر بالعمل لهذا الدين، علماً وتعليماً ودعوة وأمراً بالمعروف و نهياً عن المنكر، ولتبذل في ذلك الغالي والنّفيس.
لتصبر نفسها مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، و لتحتسب ما قد تلاقيه من صنوف الأذى فهي داعية قبل أن تكون عاملة في المجال الصحي، بل داعية وهي على مقاعد الدراسة في كليتها.
لتدرك أهمية العلم الشرعي فتسعى حثيثة في طلبه فهي تعلم أنها متى ما أخلصت النية فالله تعالى يبارك في أوقاتها وعملها.
ولتحافظ على التوازن و إعطاء كل ذي حق حقه في حياتها العلمية والعملية و حقوقها الأسرية تجاه زوجها وأولادها وأهلها.
ولتعلم أنها مطالبة بإتقان عملها و لتحتسب هذا العمل لتقلب عملها ودراستها إلى عبادة تثاب عليها.
ولتعلم أن الطب أرض خصبة للدعوة، لإنارة المشاعل، لهداية الحائرين، الطب طب للأرواح قبل الأبدان، طب للنفوس والأفئدة التائهة، علاج للقلوب المضطربة، إنارة لدروب الحيارى بآي القرآن.(14/212)
يقول الشيخ الدكتور عبد الله وكيل الشيخ: ( نأمل أن نرى المجال الطبي من أنشط المجالات في نشر الدعوة وحض الناس على الخير، ولسنا نطلب أن تنقلب العيادات والمستشفيات إلى قاعات محاضرات ولا إلى منابر واعظين، وإنما نبتغي أن يستغل العاملون في هذا المجال مواقعهم المؤثرة لأجل أن يبلغوا ما يستطيعون من الخير وأن يتخففوا قدر ما يستطيعون من المخالفة).
هاهي منظمة أطباء بلا حدود التي تجوب الأرض، من أقصاها إلى أقصاها، تنشر مبادئها وأوبئتها، ليست بأحسن حالاً من الطبيب المسلم الداعية الموحّد وأي عامل في المجال الصحي مادامَ يملكُ جناناً متقداً وحماسةً للعمل الدعوي لا حدود لها، إنها الازدواجية المحبّبة، الطب والدعوة.
ليكن إصلاحنا للمجالات الطبية ودعوتنا ديناً ندين الله به، وغايةً سامية يحملها القلب فيترجمها البنان واللسان والأفعال، بالمخاطبات والمطالبات والتغيير والمتابعة كلٌّ في موقعه، طبيباً أو عالماً أو طالب علم أو مريض أو داعيةً مسدّد أو أيّ مسلمٍ موحد.
لنعاضد أختنا في المجال الطبي فهي والله على ثغر، تحتاج من يساعدها على رفع صوتها بالمطالبة في تنظيف بيئة عملها من كل ما يخالف الشريعة، ومن يشدّ على يدها بالتشجيع والمؤازرة إن رأى منها إحساناً، ومن يحسن الوعظ والتذكير والمناصحة إن رأى منها تقصيراً أو إخلالاً.
نريد أن يتوجّه إليها الدعاة بالوعظ والتثبيت و الإصلاح، وأن ينشطوا في دعوة ووعظ المسئولين والعاملين الرجال بالحسنى، فعلى عاتقهم تقع المسئولية الأكبر في المخالفات الشرعية التي تمتلئ بها بعض المستشفيات.
وليتوقّف البعض الذي لا يفتأ يذكر أخواتهُ العاملات في المجال الطبي بالسوء ودون تثبّت، ويقذف المحصنات المؤمنات ويرمي أعراضهنّ بالتّهم دون بيّنة، فقط لعملهن في المجال الطبي. كم يحتاج هؤلاء لوقفة مراجعة للنفس، أو فليسدّوا المكان الذي سدّيْن.
لا نُطالِبهم بتغيير النظرة، لكن لن يكون الحل أبداً في التجنّي على أخواتهم، وحثّهنّ على الهرب وترك المجال، فالفاسدات منتظرات الفرصة للتسيّد والانقضاض وهدم ماتمّ نزعه من حقوق للمرأة المسلمة طالبة الطب والعاملة في المجال الصحي وما زالت المُطالبَة به على أشدها وعلى كل مستوى.
المستشفيات النسائية يضع الكثيرون أمامها العقبات ولا تلاقي الدعم والتأييد من البعض لاحتجاجهم بعدم وفرة العناصر النسائية المؤهلة، والهرب وعدم تشجيع المجتمع للعاملة الصحية سيجعل بيننا وبين هذا الأمل مسافات وأميال.
وسنُفلِح بإذن الله إذا صحّ منا العزم وصدَقَت النية وتحمّلنا في ذات الله ما تحمّلنا. ليكن لسان حالنا إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب.
نُشِرَ بمجلة المتميزة-عدد ربيع الثاني1425هـ
==============
دعوة بلا حدود ( 2- 2 )
المريضة التي عالجتني..!
ندى بنت عبد العزيز اليوسفي
قالت لي والدمعة تسبق كلماتها: وكأنّ الله قد أمرضها لتهديني..!، قلتُ: الهداية بيدِ الإله أخية، قالت: في الوقت الذي كانت فيه تتألّم، ويرتفع ضغطها ويهبط فجأة؛ كانت كل قطعةٍ فيّ تضطرب، يصلُ الرعب مني منتهاه، يهبط ضغطي ويصعد، وتحمرّ منّي العينين، أضطّربُ في الممرّ، كنتُ حديثة عهدٍ بتمريض الحالات المزمِنَة.
كانت تدهشني نظراتها الدافئة من خلف قناع الأكسجين، كلها اطمئنان، لا أذكر أنني سمعتها تتألّم بصوتٍ مرتفع، كل ما أتذكّرهُ من صورتها كيف كانت تربتُ على يدي بحنو كلما أحسَّتْ فيها اضطراباً وأنا أحاول تعديل أي من الأنابيب الداخلة والخارجة من جسمها، وكيف كانت تتحامَل على نفسها لتذهب للمتَوَضَّأ مرتكزَةً على الإطار الحامل ذي العجلات، طالبةً منّي أن أساعدها في سحب قاعدة المغذّي في الممَرّ، ولا تطمئن إلا إذا تأكّدت من أدائنا الصلاة.
كان يزدادُ تعجّبي عندما أراها تذكّرني وتذكّر زميلاتي بإغلاق الستائر على المريضات الأخريات عند مرور الفريق الطبي في جولتهِ الصباحية على المرضى، لا أنسى كيف كانت تحرص على أن تكون مستيقظة قبل الجولة الصباحية للأطباء حتى تتمكّن من سترِ نفسها جيداً.
ما أحضر لها الزوّار شيئاً ولا أهدوها أمراً؛ إلا وأشركت فيه جميع العاملين في الجناح، كانت تتلطّف معنا في العبارة مهما أخطأنا أو أتينا بما لا يسرّ، أكره ما كانت تكره أن نفتح التلفاز في الجناح، وكانت تخفض صوت إذاعة القرآن حتى لا تُزعج من حولها من مريضات نائمات.
نما شعورٌ غريبٌ في قلبي تجاهها، أحسستُ نحوها بالحبّ، وجهٌ يشعّ منه الصدق، وقلبٌ يسع الكل، ولسانٌ لم أسمع منه إلا ذكر الرب، كلما هممتُ بأمر تذكّرتُ ابتسامتها الحانية وهي تذكّرني بالبسملة قبل أن آخذ منها العيّنة، وكلما مررتُ بذلك الباب، باب حجرتها، تذكّرت ذلك المشهد الأخير، في يوم العملية الجراحية التي كانت مقرّرة لها.
كانت على السرير، وكنّا نقطع الجناح، ونعبر الممرّ، لنذهب إلى المصعد، حتى ننزل لغرفة العمليات، كانت تشد يدي، وتسألني بالله أن أتأكّد أن كل جسمها مغطىً ولا يظهر منها شيء، كانت تردّد: "اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي".
كان هذا آخر عهدي بها، بعدها لم تعد إلى الجناح، أظلمت الدنيا في عيني، وكأنّ قطعةً من جسدي فُصِلَت، وكأن ألف لترِ دمٍ من طُحالي ونخاع عظمي سُحِب. جاء ابنها في الغد ليأخذ متعلّقات والدته من حجرتها، علاماتُ الحزن عليه ظاهرة، ساعدناهُ في جمع متعلّقاتها، وما زالت آياتُ الفجيعة عليّ بادية، انكفأتُ باكية وأنا أضع في الحقيبةِ مذياعها الطيب.(14/213)
ولمّا كان من الغد، عادَ ابنها من جديد، وخلفهُ مرافق، يحملون كراتين كثيرة، وأكياس، يضعها أمامنا في قاعدة التمريض، يقول: هذه لكم، من الوالدة، قبل أيام أوصت أن نجهّزها لكم لتعطيكم إياها، وها هي قد ماتت - رحمها الله -، وأمانتها لكم قد وصلت.
كانت هدايا رائعة، تحف صغيرة راقية، مع رسالة رقيقة مذيّلة باسمها تشكرنا فيها على حُسن عنايتنا بها وبالمرضى، ومعها كتيبات وأشرطة دعوية باللغة العربية وأخرى بلغات زميلاتي.
على الرغم من امتلاء جناحنا بهذه الكتب والأشرطة والمجلات الإسلامية، التي يحضرها مرضانا للأجنحة والعيادات؛ إلا أننا لم نسمعها، ولا أدري ما الذي جذبنا لنسمع هذه بالذات، ونقرأ تلك بالتحديد، ربما احتراماً لهذه المرأة الحديدية، التي تغلّبَت على آلامها، و حافظت رغم قسوة ظروفها الصحية على فروض دينها، و أطفأت تعبنا وعملنا الشاق بابتسامة حانية ومعاملةٍ حسنةٍ طيبة.
أحببتُ الاستقامة من خلالها، أحببتُ البشاشة في تعاملها، أحببتُ صبرها وثباتها، أحببتُ سترها وعفافها، أعترف، كنتُ لا أحرص على حجابي، وكنتُ أتباسط كثيراً في حديثي مع بعض الزملاء، كنتُ أجمع الصلوات وأؤخّرها، وأحياناً كثيرة أغضب ممن ينصحني وألقي ما يعطيني من شريطٍ أو كتاب.
كنتُ أستحي من نفسي أمامها، وأخجل من ضآلتي أمام صبرها والتزامها، في أسابيع مُكثها معنا تحوّلت همّتي إلى همّةٍ أخرى، إلى عزيمةٍ وعمل، كنتُ أتمنّى أن أبشرها، وتفرح عينها بعودتي إلى الحق. لكن حين جاءني خبر توقّف قلبها؛ حلّقتُ في أفق الخشوع وقد شرَقْتُ بدمعتي، وتركتُ أوصالي يجول بها ارتعاد الخشيةِ، وبدأتُ أبكي مثل طفلٍ خائفٍ في الظلمةِ، كأنّي بها أمامي.....، وسكتَت محدّثتي.
ما أعظم هذا الدين.. !، حتى المريض وجد مكاناً له بين الدُعاة، نعم، المريض الداعية، بابتسامته، ببشاشته، بصبره، وتحمّله، بتذكيره، ووعظه، كل السلف وأفراد الأمّة الصالحين الأُوَل كانوا دعاةً في المرض، وعلى فراش الموت.
ما أعظم هذا الدين.. !، في أحلك الظروف وأصعب المواقف، ومهما كانت حالة الإنسان، فإنه لا يمكن أن يشعر بالضعف أبداً، لا يمكن أن يشعر بقلة أهميته، بأنه عالة على المجتمع.
ما أعظم هذا الدين.. !، حتى المريض، حتى العاجز والضرير، حتى الأصم والأبكم والكسير، يمكنه أداء هذه الوظيفة. وظيفة لا تعرف توقيعاً للحضور ولا الغياب، لا تعرف مكافأةً ولا ترقيةً دنيوية، لا تعرف ليلاً أو نهار، لا تعرف مناوبَة ولا استلام، لا تعرفُ سليماً أو ضرير، وظيفة تُشعر المرء بالسمو، بالعلو، بالسعادة، وبالتوازن في الحياة.
ما أعظم هذا الدين.. !، هذه الوظيفة، وظيفة الدعوة إلى الله، في كل مكان، وأي زمان، وعلى أيّ حال، بكلامٍ أو بصمت، في غربٍ أو شرق، في مستشفاً أو سوق، في مدرسة أو بيت، في وزارة أو حتى طائرة وسيّارة.
ما أعظم هذا الدين.. !، إنها دعوة لا تعرف الحدود، إنها دعوة بلا حدود، صاحبها ذلك المسلم الموحّد، الذي يملك جناناً متقداً بحب الخير، وحماسة للعمل لهذا الدين لا حدود لها.
ما أعظم هذا الدين.. !، وما أكسل البعض أمام هذه الوظيفة الشاغرة، وما أعجزه عن تحقيق خيريته المكفولة بأمرنا بكل معروف ونهينا عن كل منكر، وما أعجب حال من يدعون قلة علمهم الشرعي أو بعض المخالفات التي يحملونها عائقاً لهم عن سلك هذا الطريق.
ما أعظم هذا الدين.. !، وعد بالحسنى والزيادة، ((للذين أحسنوا الحسنى وزيادة))، والإحسان في القدوة أعظم وسيلة دعوية صامتة ومتحدثة، قائمة وقاعدة، ساكنة ومتحركة، يطيقها الصحيح والمريض، فعجباً لمن عجز عن استغلالها.. ؟!!
نُشِرَ بمجلة المتميزة-عدد جماد الأول 1425هـ
http://www.saaid.net المصدر:
=============
رسالة إلى كل بائع دخان
سيدي البائع:
تحية طيبة وبعد،
هذه رسالة محبة قبل أن يكون مطلب...
فهي من أجل صالحك قبل أن تكون لمصلحة شعب بأكمله وأمة بأسرها..
أن السجائر التي تقوم ببيعها وقد تظن إنها تدر عليك مكسبا كبيرا أو ربما ترى أن مكسبك كله منشأه من بيع السجائر وان سائر البضائع لا تحقق لك أي دخل يذكر، مخطئ أنت بالتأكيد.
فالله - سبحانه وتعالى - لم يجعل بركته فيم حرم ولا السعادة فيم يغضبه. لقد اجمع علماء المسلمين في فتاواهم أن التدخين حرام وبالتالي فبيع السجائر وكل ما هو للتدخين من تبغ ومعسل وخلافه هو اتجار في الحرام ويكون المكسب الناتج عنه كله مال حرام.
يا سيدي لا تظن أن الرزق مال يتدفق بين يديك بل هو بركة في قليل وابن بار وقضاء بالخير يحيطك ومعونة في كربك. والمال الحرام يصطحب الضيق وسوء العاقبة وصعوبة الأيام وكثرة المشاكل والأمراض ولقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به » (سنن الترمذي)
ومن هذا الحديث يا سيدي تتبين فداحة هذه التجارة فكل ما ستكتسبه منها من طعام و صحة أو نماء أو تربية عيال سيكون مصيرها إلي النار.
والمكسب مكسب اليوم ولكن الخسارة خسارة العمر فكر جيدا وتوكل على الله واجعل ابتعادك عن الحرام إرضاء له وسيخلفك مال خيرا من مالك وحال خير من حالك.
ولك منا كل التقدير والاحترام.
http://www.islamway.com المصدر:
=============
دعوة الجاليات داخل المستشفيات ( عرض لتجربة مبتدئة )
د. فاطمة بنت عبد الرحمن الحيدر
مقدمة:(14/214)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، اشهد أن محمد عبد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
لقد استغل أعداء الله العمل الطبي في التنصير وإخراج المسلمين من دينهم إلى النصرانية، وسخروا لذلك الكثير من الوقت والجهد والمال. فها هي طائراتهم الجوابة "مستشفيات متنقلة" تجوب غابات أفريقيا وتغوص في أعماق صحاري آسيا من أجل الدعوة لدين باطل وعقيدة فاسدة، يقضي فيه الشباب ريعان شبابهم ويمضي فيه شيبهم بقية عمرهم لا يألون جهداً في بذل الغالي والرخيص من أجل ذلك الهدف.
أما نحن المسلمين، فإننا لم نألف أم تأتي الدعوة من العاملين في المجال الطبي من أطباء وممرضين وفنيين وغيرهم...
إن فكرة دعوة الجاليات داخل المستشفيات والمراكز الصحية تعتبر حاجة ملحة وضرورة وليست ترفاً وذلك لأسباب كثيرة:
• فالإسلام هو دين الحق، يقول- تبارك وتعالى -في سورة آل عمران {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} (85).
وحق لهذا الدين أن يدعى له!...
• ثم إن نبي هذه الأمة - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث رحمة للعالمين {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء (107).
ونحن لا بد أن نسير على خطاه رحمة تمشي في الأرض تهدي الناس لخير وسعادة الدارين. فما قيمة الصحة والعافية إن ضاعت الآخرة؟ فسعينا لإصلاح عقائد الناس وهدايتهم للخير أولى من حفاظنا على صحتهم وعافيتهم. وفي كل خير!
• وقد كان سابقونا يضربون الأرض يبتغون من فضل الله أو يجاهدون في سبيل الله يدعون إلى الله في سفر وعناء وأخوة لنا اليوم يسعون في الأرض يدعون الله، يتركون أبناءهم وأرزاقهم.
فكيف بنا نحن، باقون في أرضنا ورخائنا وبين أهلينا وهؤلاء المساكين يأتون إلينا من بلاد الكفر ثم لا يسمعون كلمة حق في هذا الدين يخرجهم الله بها من الظلمات إلى النور؟ يقول الله - تبارك وتعالى - في سورة آل عمران {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وألئك هم المفلحون} (104).
• وإذا نظرنا إلى عدد القادمين للعمل لدينا في المستشفيات لوجدنا جلهم من النساء.
كل هذا دعا إلى ضرورة إيجاد لجنة نسائية مختصة، قال - تعالى -{واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً} (34).
وهكذا بفضل الله تم تشكيل لجنة التوعية والإرشاد بكلية الطب والمستشفيات الجامعية الفرع النسائي- بناء على قرار سعادة وكيل كلية الطب للدراسات العليا والتعليم الطبي المستمر ورئيس لجنة التوعية والإرشاد بكلية الطب والمستشفيات الجامعية بتاريخ 17-3-1423هـ.
• الفئات المستفيدة من خدمات اللجنة:
• فئة طالبات كلية الطب.
• فئة الموظفات "طبيبات ممرضات فنيات وغيرهن ".
• فئة المريضات والمرافقات والمراجعات.
وحيث أن المحاضرة اليوم تدور حول فئة الجاليات فسيقتصر الحديث حول هذه الفئة.
الأهداف الرئيسية:
• دعوة غير المسلمات إلى الإسلام.
• نشر الوعي الشرعي بين المسلمات.
• وسائل الدعوة:
1. القدوة:
وذلك بالحرص على الإلتزام بالسلوك الإسلامي العام لأكبر عدد ممكن من الأخوات الملمات وخاصة الطبيبات والطالبات {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} سورة الصف (2-3).
2. اكتساب مهارات التواصل وفن الحوار والحرص على مهارات امتلاك القلوب من لين وبشاشة ودعم ومساندة يقول الله - تبارك وتعالى - في سورة يوسف {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة} (108).
ويقول - تعالى -في سورة النحل {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} (125).
ويقول في سورة آل عمران {فبما رحمت من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} (159).
3. التركيز على كل الطبقات بغض النظر عن الجنسية أو طبيعة العمل، سواء كن طبيبات أو ممرضات أو سكرتيرات أو عاملات نظافة أو مراسلات،، فالكل في دين الله سواء.
وفي وصيته - صلى الله عليه وسلم - لعلي ابن أبي طالب كما ورد في صحيحي البخاري ومسلم {- فوالله لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر من النعم}.
4. الإعتناء بالجاليات المسلمة وغير المسلمة بشكل فردي وجماعي داخل المستشفى وداخل سكنهم وتلمس حاجاتهم خاصة المسلمات الجديدات.
5. عقد لقاءات دورية معهن (كل شهرين تقريباً يتم فيها بشكل ودي إلقاء محاضرة مع توزيع هدايا رمزية وتأمين وجبة الغداء.
تشتمل الحاضرات على تعريف بالإسلام وبيان محاسنه لغير المسلمات وخاصة فيما أشكل عليهن همه مثل الحجاب توزيع الإرث والتعدد،،، ومحاضرات أخرى للمسلمات لتعزيز جانب العقيدة وتصحيح ما يحملن من أخطاء عقدية وشرعية إضافة إلى محاضرات عامة مثل أخلاقيات التمريض في الإسلام، المرأة في الإسلام، يوم في حياة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ضوابط العمل في البيئة المختلطة وغير ذلك....
6. عقد مسابقات دورية حول محتوى كتيبات أو أشرطة نافعة إضافة للتوزيع الدوري لبعض المجلات النافعة مثل مجلة البيان والجمعة.
7. توزيع هدايا موسمية مع التذكير بفضل هذه المواسم مثل قبل دخول شهر رمضان المبارك قبل لعيد الحج وغيره،،،
8. التواصل مع هيئات أخرى مثل الندوة العالمية للشباب الإسلامي مكاتب دعوة الجاليات.(14/215)
9. تنشيط دور الطالبات في الدعوة وربط العمل الطبي مع الدعوي في المواد الدراسية مثل أخلاقيات الطبيب المسلم وذلك بهدف تثبيت مبدأ الدعوة وضمان استمرار العمل الدعوي في المجال الطبي.
10. وأخيراً التواصل مع لجان داخلية أخرى مثل شئون الطالبات لضمان متابعة الإحتشام والسلوك العام.
المعوقات:
• لعل أهم معوق لهذا العمل العظيم هو دنو الهمة وعدم حمل هم الدعوة.
• ظن بعض الأخوات الطبيبات أن ممارسة الطبيبة للدعوة تتعارض مع عملها وتأخذ من وقتها وجهدها ما يمكن أن يوفر لصحة مريضاتها أو أن الدعوة فيها استغلال للعمل الطبي لأهداف أخرى يمكن أن يقوم بها غيرها.
• الشعور بالدونية لدى البعض، فتشعر أنه ليس لديها ما تقوله أو أنها تفتقر للمهارات المطلوبة أو ما هو أسوأ وهو شعورها بأن حال المرأة خاصة لو كانت غربية- أفضل منها.
• الخوف من ردود الأفعال مثل المساءلة الإدارية أو سوء الأدب من قبل المدعوة.
• معوقات إدارية.
وإذا نظرنا إلى هذه المعوقات نجد أن المعوق الرئيسي هو سبب نفسي بحت يرجع إلى عدم وجود دافع داخلي للدعوة أما المعوقات الأخرى فأسباب تتخذ لتبرير المعوق الرئيسي.
نقاط هامة لنجاح الدعوة:
1- الإخلاص: فإخلاص النية في هذا العمل وابتغاء وجه الله - تعالى -في ذلك أمر لازم،،، وكل عمل لا يقوم على الإخلاص فهو أقطع،،
2- القدوة: وهي أقوى وسيلة للتغيير فما فائدة أن تدعو لأمر ولا يراك غيرك تمارسه فكل قول لا يصدقه عمل لا ثمرة منه.
• ولنا في سابقينا قدوة فأولئك الأفذاذ ذهبوا للتجارة ودخل الناس بسببهم في دين الله أفواجاً وما ذلك إلا أنهم رأوا فيهم من صفاء العقيدة وجمال السلوك ما شجع الكثيرين في إقتفاء أثرهم والدخول في دينهم.
3- الاحتساب وابتغاء ما عند الله- تبارك وتعالى -{بل يؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى} سورة الأعلى (16-17).
4- الصبر والمجاهدة فمجاهدة النفس وما تلاقيه الداعية من صفات وردود أفعال فالأجر على قدر الصبر والإحتساب.
يقول الله- تبارك وتعالى -في سورة آل عمران {فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين} (146).
5- الإعتقاد الجازم بأن الهداية بيد الله - سبحانه - فما نحن إلا أسباب مأجورين على أعمالنا،، فلا يشعر الإنسان بالحزن والأسى إذا لم يجد آذاناً صاغية {فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليا وما أنت عليهم بوكيل} الزمر (41).
6- التجديد والمرونة في وسائل الدعوة وسلوك كل طريق مشروع،، فما يناسب هذه قد لا يناسب تلك،،، وما يحبب هذه في دين الله قد يختلف عم ما تحبه الأخرى ولنا في نبي الله نوح - عليه السلام - قدوة ومثال {قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً -- ثم إني دعوتهم جهاراً ثم إني ألنت لهم وأسررت لهم اسراراً} سورة نوح (5-9).
7- المراجعة النقدية لما تم ويجري ومشاورة الأخريات.
التوصيات العامة:
إحياء الحس الدعوي وغرس هم الدعوة في قلوب ونفوس الطالبات من خلال مناهج التعليم الطبي واللقاءات الودية والتواصل معهن لضمان قوة الدافع للدعوة واستمرار العطاء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
http://www.saaid.net المصدر:
============
الحكمة في الدعوة إلى الله
أسماء الرويشد
أمر الله - تعالى -نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة إلى الله - تعالى- بالحكمة فقال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل: من الآية125). وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلازم الحكمة في جميع أموره، وخاصة في دعوته إلى الله - تعالى -.
والحكمة فضل من الله - عز وجل - يؤتيه من يشاء من عباده قال - تعالى -: { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } (البقرة: من الآية269).
إلا أن للظفر بالحكمة طرقا ووسائل- كما هي سنة الله تعالى- تعين الداعية إلى الله على اكتسابها والتزامها- بعد توفيق الله تعالى-.
وتعريف الحكمة الجامع هو: "الإصابة في القول والعمل والاعتقاد ووضع كل شيء موضعه بإحكام وإتقان".
وبهذا التعريف يتبين أن الحكمة في الدعوة إلى الله - تعالى- تكون بإتقان الأمور وإحكامها بأن تنزل جميع الأمور منازلها، وبمراعاة أحوال المدعوين فتارة يستخدم الرفق واللين والحلم مع بيان الحق بأدلته مع من يلمس فيهم الاستجابة وقبول الحق والرغبة فيه.
وتارة تكون الحكمة باستخدام الموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب لمن غلبت عليهم الغفلة وكانت عندهم شهوات تصدهم عن الحق. وتارة تكون الحكمة باستخدام الجدال بالتي هي أحسن، بحسن الخلق والتلطف بالكلام وتحسينه بالأدلة العقلية والنقلية، ورد الباطل بأقرب طريق وأنسب عبارة وأن لا يكون القصد من ذلك مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو، بل لابد من أن يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق، وهذه المرتبة تستخدم لكل معاند.
ومن الحكمة في الدعوة إلى الله: أن يبدأ الداعية بالمهم ثم الذي يليه فيقدر الأمور قدرها، فمثلاً لا يبدأ بدعوة الناس إلى أنواع النوافل والقربات وهم في أمس الحاجة إلى تصحيح عقيدتهم أو إلى تعلّمهم الطهارة والصلاة.
كل ذلك مع مراعاة ظروف المدعوين وأحوالهم من الناحية الإعتقادية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، والقدر الذي يناسبهم في الدعوة، بحيث لا يشق عليهم بالتكاليف قبل استعداد النفوس لها، مع تعليم العامة ما يحتاجون إليه بألفاظ وعبارات قريبة من أهامهم ومستوياتهم.(14/216)
فالحكمة تجعل الداعية يرى حاجات الناس فيعالجها بحسب ما يقتضيه الحال، وبذلك ينفذ الداعية إلى قلوب الناس من أوسع الأبواب ويتحقق له بفضل الله - تعالى -التأثير عليهم وإقبالهم إلى الحق وقبوله.
كما أنه ينبغي أن يعلم أن الداعية لا يكون حكيماً في أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته إلا بتوفيق الله - تعالى -ثم بالفقه في أركان الدعوة وركائزها..التي تتمثل في الآتي:
1- العلم بما يدعو إليه؛ بأن يدعو إلى الله على بصيرة بالحجة والبيان، إلا أن العلم لا يكون لصاحبه من دعائم الحكمة إلا باقترانه بالعمل الصالح، إذ من مقتضى الحكمة عند الداعية أنه يكون عاملاً بما يدعو إليه مخلصاً لله - تعالى -متخذاً النبي - صلى الله عليه وسلم - قدوة له وإماماً في ذلك.
2- معرفة الصفات والأخلاق والآداب التي ينبغي أن يلتزم بها الداعية، وعلى رأسها في مقام الحكمة: الحلم والأناة التي تسمح للداعية بأن يحكم أموره فلا يقدم على أي عمل أو قول إلا بعد النظر والتأمل ووضوح الغاية الحميدة التي سيجنيها، إذا إن للأشياء مراتب ونهايات تصل إليها ولها أوقات، فمقتضى الحكمة أن يعطى كل شيء حقه وفي وقته فلا يعجله ولا يؤخره.
3- معرفة الداعية بأحوال المدعوين وأصنافهم ومشكلاتهم. وهذا سبق أن أشرنا إليه.
4- ثم معرفة الوسائل والأساليب التي تستخدم في نشر الدعوة وتبليغها والكيفية النافعة في إيصال الحق لهم، وأحسن الطرق والأساليب في دعوة الناس ومخاطبتهم ومجادلتهم هي طريقة القرآن الكريم، وطريقة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسوق النص القرآني والحديث النبوي في ألصق الأمور مساساً بها. وهذا من أعظم الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيراً كثيراً. وينفع في ذلك كثيراً- بإذن الله- الاطلاع على مواقف النبي - صلى الله عليه وسلم - الحكيمة في عفوه وصفحه ورفقه وحلمه وأناته وشجاعته وجوده وكرمه وإصلاحه وحزمه وشدته وسائر أحواله في دعوته. كما أنه يجدر بالداعية الاستفادة من الوسائل والتقنيات الحديثة النافعة والمؤثرة والمتماشية مع أحكام الشريعة كوسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة وشبكات الاتصال.
5- وليكن شعار الداعية دائماً {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإصلاح مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} (هود: من الآية88).
http://www.asyeh.com المصدر:
=============
رسالة قصيرة للكتاب في المنتديات
تركي العبدلي
هذه رسالة موجهة لكتاب المنتديات، والذين يسعون لنشر الفضيلة وهدم سور الرذيلة، الذين يتطلعون الى غد مشرق لدينهم، للذين يزرعون الآمال في نفوس الناس بأن النصر للإسلام...
أقول لهم...
يا كتاب المعالي... يا ناشدين الخير وهداية الناس... الا ترون أن الكثير من أوقاتنا تذهب على شبكة النت ولا ندري هل هي لنا أم علينا؟، وأن أناملنا تعبت من الضغط على أزرار لوحة المفاتيح... اسمح لي أن أقول لك توقف لحظة... نعم توقف لحظة... وارفع يدك عن زر الفأرة قليلا ولا تقفز إلى صفحة أخرى... حتى تمرر عينيك الكريمتين على هذه الكلمات... هل خطر ببالك هذه المحاور التي ينطلق منها الكاتب... الصالح...
1- أن على الإنسان أن يترفع عن بعض الردود احتراما لإسلامه الذي بين له كيفية تعامله مع الآخرين ولو انحطت أخلاقهم، وأن يظهر محاسن دينه والتي تنطق بها أنامله على الشبكة.
2- أن يحرص على هداية الناس للخير، وأن يحصل منهم ولو أدنى المكاسب مهما ضؤلت كأن يجعله ينثني عن سيئة كان يعزم عملها.
3- أن ينتقي مقالاته المطروحة سواء كانت من منقولة أو معقولة، حيث تكون مما ينفع الناس.
4- أن يبتكر في فن العرض والنقد، ويبتعد عن الأسلوب الموحد في الطرح بحيث لا يجعل الملل يتسرب إلى نفوس القراء..
5- أن يخلص العمل لله - تعالى -، وضابطه أولا أن ينظر في صفحة قلبه هل من شريك لله في موضوعه ثم ينظر في صفحة مقاله هل فيها ما يثير سخط الله عليه ولو مخالفة بسيطة لدينه...
6- أن يلزم الدعاء بأن يهديه الله إلى ما يحب ويرضى و أن ينفع الله - تعالى - بما يكتب.
أقول إن لم يخطر ببالك ذلك فراجع نفسك أخي وأختي الحبيبين..
http://saaid.net المصدر:
============
حكم الدعوة إلى الله وفضلها
الشيخ عبد العزيز بن باز
حكمها:(14/217)
فقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الدعوة إلى الله - عز وجل -، وأنها من الفرائض، والأدلة في ذلك كثيرة، منها قوله - سبحانه -: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ومنها قوله - جل وعلا -: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ومنها قوله - عز وجل -: (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ومنها قوله - سبحانه -: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) فبين - سبحانه - أن أتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - هم الدعاة إلى الله، وهم أهل البصائر، والواجب كما هو معلوم هو اتباعه، والسير على منهاجه - عليه الصلاة والسلام - كما قال - تعالى -: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) وصرح العلماء أن الدعوة إلى الله - عز وجل - فرض كفاية، بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة، فإن كل قطر وكل إقليم يحتاج إلى الدعوة وإلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب، وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة، وعملا صالحا جليلا.
وإذا لم يقم أهل الإقليم، أو أهل القطر المعين بالدعوة على التمام، صار الإثم عاما، وصار الواجب على الجميع، وعلى كل إنسان أن يقوم بالدعوة حسب طاقته وإمكانه، أما بالنظر إلى عموم البلاد، فالواجب: أن يوجد طائفة منتصبة تقوم بالدعوة إلى الله - جل وعلا - في أرجاء المعمورة، تبلغ رسالات الله، وتبين أمر الله - عز وجل - بالطرق الممكنة، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد بعث الدعاة، وأرسل الكتب إلى الناس، وإلى الملوك والرؤساء ودعاهم إلى الله - عز وجل -.
وفي وقتنا اليوم قد يسر الله - عز وجل - أمر الدعوة أكثر، بطرق لم تحصل لمن قبلنا، فأمور الدعوة اليوم متيسرة أكثر، من طرق كثيرة، وإقامة الحجة على الناس اليوم ممكنة بطرق متنوعة: عن طريق الإذاعة، وعن طريق التلفزة، وعن طريق الصحافة، ومن طرق شتى، فالواجب على أهل العلم والإيمان، وعلى خلفاء الرسول أن يقوموا بهذا الواجب، وأن يتكاتفوا فيه، وأن يبلغوا رسالات الله إلى عباد الله ولا يخشوا في الله لومة لائم، ولا يحابوا في ذلك كبيرا ولا صغيرا ولا غنيا ولا فقيرا، بل يبلغون أمر الله إلى عباد الله، كما أنزل الله، وكما شرع الله، وقد يكون ذلك فرض عين إذا كنت في مكان ليس فيه من يؤدي ذلك سواك، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه يكون فرض عين، ويكون فرض كفاية، فإذا كنت في مكان ليس فيه من يقوى على هذا الأمر، ويبلغ أمر الله سواك، فالواجب عليك أنت أن تقوم بذلك، فأما إذا وجد من يقوم بالدعوة والتبليغ، والأمر والنهي غيرك، فإنه يكون حينئذ في حقك سنة، وإذا بادرت إليه وحرصت عليه كنت بذلك منافسا في الخيرات، وسابقا إلى الطاعات، ومما احتج به على أنها فرض كفاية قوله - جل وعلا -: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ الآية، قال الحافظ ابن كثير عند هذه الآية وجماعة ما معناه: ولتكن منكم أمة منتصبة لهذا الأمر العظيم، تدعو إلى الله، وتنشر دينه، وتبلغ أمره - سبحانه وتعالى -، ومعلوم أيضا أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - دعا إلى الله، وقام بأمر الله في مكة حسب طاقته، وقام الصحابة كذلك - رضي الله عنهم - وأرضاهم بذلك حسب طاقتهم، ثم لما هاجروا قاموا بالدعوة أكثر وأبلغ، ولما انتشروا في البلاد بعد وفاته - عليه الصلاة والسلام - قاموا بذلك أيضا - رضي الله عنهم - وأرضاهم، كل على قدر طاقته وعلى قدر علمه، فعند قلة الدعاة، وعند كثرة المنكرات، وعند غلبة الجهل كحالنا اليوم، تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته، وإذا كان في محل محدود كقرية ومدينة ونحو ذلك، ووجد فيها من تولى هذا الأمر، وقام به وبلغ أمر الله، كفى وصار التبليغ في حق غيره سنة، لأنه قد أقيمت الحجة على يد غيره ونفذ أمر الله على يد سواه.
ولكن بالنسبة إلى بقية أرض الله، وإلى بقية الناس، يجب على العلماء حسب طاقتهم، وعلى ولاة الأمر حسب طاقتهم، أن يبلغوا أمر الله بكل ما يستطيعون، وهذا فرض عين عليهم على حسب الطاقة والقدرة.
وبهذا يعلم أن كونها فرض عين، وكونها فرض كفاية، أمر نسبي يختلف، فقد تكون الدعوة فرض عين بالنسبة إلى أقوام وإلى أشخاص، وسنة بالنسبة إلى أشخاص وإلى أقوام، لأنه وجد في محلهم وفي مكانهم من قام بالأمر وكفى عنهم.(14/218)
أما بالنسبة إلى ولاة الأمور ومن لهم القدرة الواسعة، فعليهم من الواجب أكثر، وعليهم أن يبلغوا الدعوة إلى ما استطاعوا من الأقطار، حسب الإمكان بالطرق الممكنة، وباللغات الحية التي ينطق بها الناس، يجب أن يبلغوا أمر الله بتلك اللغات حتى يصل دين الله إلى كل أحد باللغة التي يعرفها، باللغة العربية وبغيرها، فإن الأمر الآن ممكن وميسور بالطرق التي تقدم بيانها، طرق الإذاعة والتلفزة والصحافة وغير ذلك من الطرق التي تيسرت اليوم، ولم تتيسر في السابق، كما أنه يجب على الخطباء في الاحتفالات وفي الجمع وفي غير ذلك أن يبلغوا ما استطاعوا من أمر الله - عز وجل -، وأن ينشروا دين الله حسب طاقتهم، وحسب علمهم، ونظرا إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإلحاد وإنكار رب العباد وإنكار الرسالات وإنكار الآخرة، وانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان، وغير ذلك من الدعوات المضللة، نظرا إلى هذا فإن الدعوة إلى الله - عز وجل - اليوم أصبحت فرضا عاما، وواجبا على جميع العلماء وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإسلام، فرض عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان بالكتابة والخطابة، وبالإذاعة وبكل وسيلة استطاعوا، وأن لا يتقاعسوا عن ذلك، أو يتكلوا على زيد أو عمرو، فإن الحاجة بل الضرورة ماسة اليوم إلى التعاون والاشتراك، والتكاتف في هذا الأمر العظيم أكثر مما كان قبل، ذلك لأن أعداء الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة، للصد عن سبيل الله والتشكيك في دينه، ودعوة الناس إلى ما يخرجهم من دين الله - عز وجل -، فوجب على أهل الإسلام أن يقابلوا هذا النشاط الملحد بنشاط إسلامي، وبدعوة إسلامية على شتى المستويات، وبجميع الوسائل وبجميع الطرق الممكنة، وهذا من باب أداء ما أوجب الله على عباده من الدعوة إلى سبيله.
فضل الدعوة
وقد ورد في فضل الدعوة والدعاة آيات وأحاديث كثيرة، كما أنه ورد في إرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - الدعاة أحاديث لا تخفى على أهل العلم، ومن ذلك قوله - جل وعلا -: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فهذه الآية الكريمة فيها التنويه بالدعاة والثناء عليهم، وأنه لا أحد أحسن قولا منهم، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم أتباعهم على حسب مراتبهم في الدعوة والعلم والفضل، فأنت يا عبد الله يكفيك شرفا أن تكون من أتباع الرسل، ومن المنتظمين في هذه الآية الكريمة (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) المعنى: لا أحد أحسن قولا منه لكونه دعا إلى الله وأرشد إليه وعمل بما يدعو إليه، يعني: دعا إلى الحق وعمل به، وأنكر الباطل وحذر منه، وتركه، ومع ذلك صرح بما هو عليه، لم يخجل بل قال: إنني من المسلمين، مغتبطا وفرحا بما من الله به عليه، وليس كمن يستنكف عن ذلك ويكره أن ينطق بأنه مسلم، أو بأنه يدعو إلى الإسلام، لمراعاة فلان أو مجاملة فلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل المؤمن الداعي إلى الله القوي الإيمان، البصير بأمر الله يصرح بحق الله، وينشط في الدعوة إلى الله ويعمل بما يدعو إليه، ويحذر ما ينهى عنه، فيكون من أسرع الناس إلى ما يدعو إليه، ومن أبعد الناس عن كل ما ينهى عنه، ومع ذلك يصرح بأنه مسلم وبأنه يدعو إلى الإسلام، ويغتبط بذلك ويفرح به كما قال - عز وجل -: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) فالفرح برحمة الله وفضله فرح الاغتباط، فرح السرور، أمر مشروع، أما الفرح المنهي عنه فهو فرح الكبر، والفرح هذا هو المنهي عنه كما قال - عز وجل - في قصة قارون: (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)
هذا فرح الكبر والتعالي على الناس والتعاظم، وهذا هو الذي ينهى عنه..(14/219)
أما فرح الاغتباط والسرور بدين الله، والفرح بهداية الله، والاستبشار بذلك والتصريح بذلك ليعلم، فأمر مشروع وممدوح ومحمود، فهذه الآية الكريمة من أوضح الآيات في الدلالة على فضل الدعوة، وأنها من أهم القربات، ومن أفضل الطاعات، وأن أهلها في غاية من الشرف وفي أرفع مكانة، وعلى رأسهم الرسل - عليه الصلاة والسلام -، وأكملهم في ذلك خاتمهم وإمامهم وسيدهم نبينا محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، ومن ذلك قوله - جل وعلا -: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي فبين - سبحانه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعو على بصيرة، وأن أتباعه كذلك، فهذا فيه فضل الدعوة، وأن أتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - هم الدعاة إلى سبيله على بصيرة، والبصيرة هي العلم بما يدعو إليه وما ينهى عنه، وفي هذا شرف لهم وتفضيل، وقال النبي الكريم - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح: " من دل على خير فله مثل أجر فاعله " رواه مسلم في الصحيح، وقال - عليه الصلاة والسلام -: " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " أخرجه مسلم أيضا، وهذا يدل على فضل الدعوة إلى الله - عز وجل -، وصح عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال لعلي - رضي الله عنه - وأرضاه: " فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم " متفق على صحته، وهذا أيضا يدلنا على فضل الدعوة إلى الله وما فيها من الخير العظيم، وأن الداعي إلى الله - جل وعلا - يعطى مثل أجور من هداه الله على يديه، ولو كانوا آلاف الملايين، وتعطى أيها الداعية مثل أجورهم، فهنيئا لك أيها الداعية إلى الله بهذا الخير العظيم، وبهذا يتضح أيضا أن الرسول عليه الصلاة وللسلام يعطى مثل أجور أتباعه، فيا لها من نعمة عظيمة يعطى نبينا - عليه الصلاة والسلام - مثل أجور أتباعه إلى يوم القيامة، لأنه بلغهم رسالة الله، ودلهم على الخير - عليه الصلاة والسلام -، وهكذا الرسل يعطون مثل أجور أتباعهم عليهم الصلاة والسلام، وأنت كذلك أيها الداعية في كل زمان تعطى مثل أجور أتباعك والقابلين لدعوتك، فاغتنم هذا الخير العظيم وسارع إليه.
http://www.islamspirit.com المصدر:
============
حول سيارتك لوسيلة دعوية
قد لا تكون الفكرة جديدة، ولكن أحببت أن نحول هذا الموضوع للنقاش وطرح الأفكار للاستفادة من السيارة كوسيلة دعوية، وهذه بعض الأفكار:
1- كتابة عبارات مؤثرة على الزجاج الخلفي للسيارة مثلا:
" احذر سوء الخاتمة"
" لا سعادة مع معصية "
" ماذا أعددت للموت؟ "
يمكن كذلك كتابة اسم موقع إسلامي يسبقه عبارة: " ماذا تعرف عن الإسلام؟ "
بأي لغة حسب الجاليات الموجودة.
** أترك لكم البقية..
وإذا كان ذلك ممنوعا فعليك بالفكرة الثانية..
2- هناك مظلات من الورق المقوى للزجاج الأمامي والخلفي ما عليك سوى كتابة تلك العبارات عليها أو آية للتذكير كقوله - تعالى -: " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله "
أو قوله - تعالى -: " اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون"
ويمكن أن تكتب مثلا: " هل استمعت لشريط كذا للشيخ فلان؟؟ "
أو " ماذا تعرف عن عذاب القبر؟؟ " وغيرها من الأسئلة التي تدفع من يقرأها للبحث عن الإجابة..
3- استغلال المظلة الموجودة فوق رأس السائق فتضع ورقة بحجم المظلة تثبتها بواسطة دبوس صغير وتكتب فيها مثلا: " أجعلت الله أهون الناظرين إليك؟ "
أو " أتحب الله؟ إذن أطعه " وغيرها، فإذا ما وقفت عند إشارة المرور فما عليك سوى إدارة هذه المظلة ليراها من بالسيارة الأخرى فتكون رسالة غير مباشرة وأقترح تغيير العبارات أسبوعيا.
4- هناك مصباح أحمر خلف الزجاج الخلفي لكثير من السيارات ما عليك سوى كتابة أي عبارة تذكيرية باللون الأسود على الزجاج الخلفي مقابل هذا المصباح فإذا ما دست على الفرامل ليلا ظهرت بوضوح بخلفيتها الحمراء..
5- ضع داخل سيارتك كيسا وبداخله بعض المطويات ليتسلى بها من يجلس في المقعد الخلفي أثناء السير.
هذه بعض الأفكار وكما ذكرت قد لا تكون جديدة لدى البعض ولكنها كذلك بالنسبة للبعض الآخر.
اللهم أعنا على حمل راية الدعوة واغفر لنا تقصيرنا.
داعية لا يعرف لغة من أسلموا على يديه:
يمثل حاجز اللغة عقبة دون كثير من الناس في دعوة غيرهم للإسلام، وذلك أن كثيرا من غير المسلمين لا يجيدون العربية، والمسلمون العرب لا يجيدون لغة هؤلاء، وهذا ما دفع بهذا الرجل إلى هذه الفكرة الرائدة. أحدهم قام باقتناء مجموعة من الكتب التي تدعو إلى الإسلام باللغات المختلفة ووضعها في (شنطة سيارته) وكتب على سيارته بلغات عدة: إذا أردت أن تعرف عن الإسلام فأوقفني، وحين يوقفه شخص -وكثير منهم لا يعرف صاحبنا لغته - يفتح له (شنطة السيارة) ويطلب منه أن يختار ما يتفق مع لغته.
أخي في الله لتجعل من سيارتك وسيلة دعوية:
1- لا تتحرك بسيارتك إلا ومعك مجموعة من الكتب والأشرطة والفتاوى لتوزيعها واقترح عليك اقنتاء الحقيبة الدعوية.
2- لا تسمح لأحد من الركاب بفعل منكر في سيارتك من غيبة أو شرب دخان... الخ.
3- اجعل لك برنامجاً سمعياً تلتزم به خصوصاً إذا كنت دائم السفر.(14/220)
4- أعرف أحد الإخوة لا يقف في محطة وقود إلا ترجل من سيارته وبادر العامل بالسلام والسؤال عن اللغة ثم فتح حقيبة سيارته وأعطاه كتابا وشريطا بلغته وأعطاه مجموعة من الفتاوى المطبوعة (1000 ورقة بـ 50 ريال) وقال له وزعها على السيارات التي تتوقف عندكم. وقد أصبح الأخ بحمد الله يوفر كتبا وأشرطة لبعض الإخوة الذين يطلبونها منه في طريقه.
5- أقام أحد الإخوة مشروعا في سيارته وهو: نصيحة الشريط فكلما وقف بجوار سيارة بها طرب وغناء أهدى إليه شريطا.
تتمه... استغلال شركات تأجير السيارات في نشر الخير.
http://saaid.net المصدر:
===========
من سنن الأنبياء الأخذ بالأسباب المادية
محمد العبدة
في غمرة الاندفاع العاطفي، وزحمة الأحداث والقراءات السطحية، يتناسى المسلمون أو قد يجهلون سنن التغيير التي أودعها الله - سبحانه وتعالى - في كتابه أو أجراها على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - بل إن بعض هذه السنن قد يعرفها الناس بالتجربة الطويلة والخبرات المتراكمة المتأملة، ومن هذه السنن أن الدعوات الصادقة إذا أريد لها النجاح لابد لها من قوى تؤيدها وتنصرها، قوى من التكتل الجماهيري الذي يلتف حول هدف واضح محدد أو - بمصطلح ابن خلدون - لابد من (العصبية) التي تعني الالتحام والتعاضد والتناصر لتحقيق هدف معين، وليس المعنى المذموم لكلمة (عصبية)، وإذا كان التكتل سابقاً يعتمد على القبائل والعشائر، فإنه في العصر الحديث يعتمد على جميع شرائح المجتمع، الذين يلتفون حول علماء - فقهاء، يعلمون بفقههم وتفكيرهم سنن التغيير وتحويل المجتمعات والتأثير فيها، وخاصة ما نحن فيه من تعقيدات هذا العصر.
هذه القوة والمنعة هي التي افتقدها نبي الله لوط - عليه السلام - حين قال: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [هود: 80]، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: » رحم الله لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد، وما بعث إليه بعده نبياً إلا وهو في ثروة من قومه « [1].
ويقول الإمام الجويني: (وما ابتعث الله نبياً في الأمم السالفة حتى أيده وعضَّده بسلطان ذي عدة ونجدة، ومن الرسل - عليهم السلام - مَن اجتمعت له النبوة والأيد والقوة كداود وموسى وسليمان - صلوات الله عليهم أجمعين -) [2]، فإذا كان الأنبياء يؤيَّدون (بثروة من قومهم) وهي القوة والمنعة في العدد والعدة، وهم مع ذلك مؤيَّدون بالمعجزات وخوارق العادات، فكيف بغيرهم الذين يرومون التغيير بالعشرات أو المئات، ويقولون نحن نتوكل على الله، لا شك أن المسلم يطلب العون من الله ويتوكل عليه، والله - سبحانه - وعد بنصر المسلمين، ولكن لابد من الأخذ بالأسباب الشرعية، ومن أهمها تجميع القوى التي تناصر وتعاضد.
هل درسنا هذا الموضوع بعمق وأناة أم أن مقولة (نعمل والنتائج على الله) لا تزال هي الشائعة والأكثر قبولاً ورواجاً، مع أنها ظاهرياً صحيحة فهي كلمة حق تُستخدم في غير محلها، فالقول بأننا نعمل يجب أن يمحص؛ إذ ما أدراك أن عملك صواب، قد أخذت فيه بالأسباب؟، نعم، إذا بذل الجهد الصحيح فالنتائج على الله، أما أن يُعمل أي عمل ثم يقال (النتائج على الله)؛ فهذا ضرب من حب السهولة، وحتى نستريح نفسياً من اللوم والتقريع، وحتى لا ننقد أنفسنا، حتى لو فرضنا أنه توفر عنصر الإخلاص في هذا العمل، فهذا لا يكفي إذ لابد من معرفة سنن الله في التغيير.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح الجامع الصغير، 3/176 وقال عنه حديث حسن.
(2) غِياث الأمم، 182.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============
الحرمان
عبد العزيز حامد
* عرفت شاباً جاء للعمرة واعتمر، ثم مكث سبع سنين دون أن يرجع إلى بلده، ومع هذا، لم يزر المدينة المنورة ولو مرة رغم تيسر ذلك فلما سألته عن السبب، قال: وهل تُشد الرحال إلى مسجد فيه قبر؟ ! يقصد المسجد النبوي الشريف! ! وما علم المسكين أن القبر كان خارج المسجد لكن أدخلته السياسة لا الشريعة، وقد أنكر العلماء ذلك منذ عصر سعيد بن المسيب، ولم تطل بهذا الشاب حياة بعد ذلك إلا شهوراً حتى مات، دون أن يصلي ركعة واحدة في المسجد النبوي الشريف!
* ورأيت أفراداً يصلون طول العام مع الجماعة في المسجد، ولكنهم يجعلون صلاتهم مع الإمام (نافلة)، ويقومون لصلاة الفريضة فرادى قبل الصلاة أو بعدها بدعوى عدم التأكد من صحة الصلاة خلف الإمام؛ لعدم التيقن من صحة عقيدته! !
* ورأيت من عاش عَزِباً، فعَرّض نفسه للفتن، بدعوى أن العلم يضيع بين أحضان النساء!
* ورأيت من تزوج ولم ينجب عمداً وحرم نفسه وحرم زوجته من الذرية؛ لأنه اقتنع بقول مرجوح لبعض الأحناف بأن الإنجاب يحرم في دار الحرب!
* ورأيت من أدرك والديه الكبرُ، فكان يعقهما، ولا يحسن معاملتهما لأنهما (غير ملتزمين)!
* وسمعت بأقوام تركوا حضور مجالس العلماء، بدعوى أن (الكتب) فيها الكفاية والغَنَاء! ثم أقاموا لأنفسهم مجالس خاصة!
* * وهناك الكثير والكثير من الصور التي يمكن لأي منا أن يستحضرها لتكون أمثلة على ذلك (الحِرْمان) أو الخذلان الذي يعاقب الله به بعض من ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
إن الشيطان يصرفهم عن الطاعة بدعوى الطاعة، ليلقوا ربهم بغير بضاعة، أو ببضاعة مزجاة.
نسأل الله السلامة.(14/221)
إذا كانت هذه مظاهر فردية من الحرمان، فإن هناك ظواهر جماعية من ألوان أخرى من الحرمان، فإلى جانب الشريحة المحدودة من المحرومين عن الثواب باسم الحرص على الثواب، فإن هناك شرائح عريضة تصرفهم ملاهي الدنيا عن مساعي الآخرة، فينضمون إلى ركب المغبونين في الصحة والفراغ في رمضان وفي غير رمضان.
نعم! فهناك من يتجاهلون أن الله - تعالى -جعل لبعض الأزمنة حرمة، كما جعل لبعض الأماكن حرمة، فكما أن حرمة المكان الذي حرّمه الله لا ينبغي أن تنتهك، فكذلك حرمة الزمان.
ولرمضان حرمة، ولأيامه منزلة، وللياليه قدسية، ومن أخل بتلك الحرمة والمنزلة والقدسية في الزمان المحرم كرمضان كان كمن أخل بها في المكان المحرم كالمسجد الحرام.
قال الرسول: (رمضان شهر الله الحرام)[1] فلرمضان حرمة في ليله ونهاره، ولكن كثيراً من الغافلين (المحرومين) يصومون عن المباح في نهاره، ويسهرون على الحرام في لياليه! وأبرز الأمثلة على ذلك الحرمان، من يضيعون صلاة القيام في شهر البركات، حتى لا تضيع عليهم الحلقات والمسلسلات مع الغافلين والغافلات، فلا يكتفون بفقدان الثواب بل يفقدون معه المروءة والعدالة.
تراهم يلتهون عن التشمر للشهر، بالتسمر أمام ما يبث من أنواع الخناعة والخلاعة والعهر التي يُخص بها الشهر الكريم إمعاناً في إيذاء الضيف.
وكأن الشياطين تنتهي من حشد تلك المسلسلات قبل أن تسلسل في رمضان، فتنصرف بعد ذلك إلى محابسها تاركة لشركائها من شياطين الإنس أن يُضيّعوا على الناس الشهر، يضيعوا الصلاة ويضيعوا الصيام، ويضيعوا القيام، ويضيعوا ليلة القدر، التي من حُرمها فقد حُرم الأجر، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يُحرم خيرها إلا محروم) [2].
إن الحرمان ألوان..
ولكن المحروم من حُرم الثواب، فاللهم رحماك...
(اللهم أعطنا ولا تحرمنا) [3].
(1) أخرجه مسلم، كتاب الصوم، رقم: 1163، والنسائي في قيام الليل (6) وأحمد في مسنده (344/2) واللفظ له.
(2) أخرجه ابن ماجة في الصيام، رقم:1644.
(3) من دعاء النبي في حديث أخرجه أحمد، رقم: 224.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============
يا إمامنا صل فإنك لم تصل
ياسر عبد العزيز طاكشندي
إن مسئولية الإمام بالمسجد مسئولية من المسئوليات الجسيمة التي لا يعيها كثير من الأئمة والعلماء في عصرنا هذا، بل ولا يعيرها في أيامنا هذه الكثير ممن يقومون بالإمامة أي اهتمام.
فإذا أردنا أن نلقي الضوء على أحد هذه الجوانب فأول ما يلفت انتباهنا هو الحديث الذي رواه الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه-.
قال: بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ دخل رجل صلى فقام فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إرجع فصل، فإنك لم تصل، فعلها ثلاثاً، ثم قال: والذي بعثك بالحق نبياً لا أحسن غير هذا فعلمني.
فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها.
وإذا ما نظرنا إلى موقف النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي ورد آنفاً فإنه رغم أن النبي كان جالساً مع أصحابه يحدثهم إلا أنه لم تفت عليه أن يراعي شئون المصلين في المسجد والنظر في صحة صلاتهم، بل ولم يكتف بذلك مرة بل فعلها ثلاث مرات وهو يراقب هذا الرجل.
والمتمعن في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام يجد أن القيام بمهام الإمامة ليس عبارة عن طقوس وحركات يؤديها الإمام ويكررها المأمومون خلفه، بل يتعين عليه أن يراعي من هم حوله فهذا من مسئولياته وكما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
وهذه المسئولية تتفاوت بحسب القدرة.
فيجب على الإمام مراعاة شئون من حوله جميعاً سواء كانت مما يتعلق بأمور الدين، أو الدنيا، ذلك لأن الإسلام لم يفرق بين أمور الدين والدنيا لأنه نظام حياة كاملة وشاملة لأعمال الإنسان المسلم في جميع أحواله، وأطواره، لكن الذي فرق أمور الناس بين دين ودنيا هم العلمانيون وجميع أعداء الإسلام، حتى صرنا مقتنعين بما أملاه الغرب - وأذياله من العلمانيين - علينا من التفرقة بين الدين والدنيا.
فهل لأئمتنا ولنا أن نعي الدور المنوط بنا تجاه ربنا ثم تجاه مجتمعنا الذي نعيش فيه؟.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===========
وقفة مع الدعاة
عبد اللطيف الوابل
إن المتأمل في حال الأمة الإسلامية اليوم وما وصلت إليه من فرض نفسها على الواقع حتى أصبحت ترى أفواجاً من الشباب يلتزمون في دين الله سراعاً في قوة وحماسة وعزم؛ يجد في نفسه أملاً قوياً ويحس في صدره بفرحة غامرة، وحين يمد خطوة قليلاً فيدخل في خضم هذه الأمواج المباركة يقف متألماً حزيناً إذ يرى الأمراض الصغيرة الخطرة تصيب بعض هذه الأفواج الموعودة بنصر دين الله، هي صغيرة ويمكن تلافيها حين يتيقظ لها ذوو الألباب وهي خطرة لأنها سرعان ما تنتشر في صفوف الدعاة كانتشار النار في الهشيم فتهدم هذا البنيان المبارك وتهلكه، ويتذكر المرء قول الشاعر:
أرى خلل الرماد وميض جمر *** ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعودين تذكى *** وإن الحرب أولها كلام(14/222)
ولما كان الخلل في ضبط الكلام وعدم الالتزام بمنهج الإسلام في استقامة اللسان من أهم أسباب هدم صفاء الأخوة ونقاء المحبة، بل من أهم أسباب تقويض البنيان وضياع الجهود وتفرق الكلمة أحببت أن أذكِّر هذه الأفواج المباركة ببعض معالم هذا المنهج وذكر بعض الأمثلة مما يحصل في صفوف الدعاة ثم أبين ما يحصل من جراء الانحراف عن الالتزام بهذه المعالم الواضحة، مع يقيني بأن كثيراً منها قد لا يخفى على أغلب طلبة العلم والدعاة ولكن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلزم المرء بنصح إخوانه وتذكيرهم براءة للذمة وحرصاً على جمع القلوب ووحدة الكلمة.
وقبل البدء في الحديث عن هذه الأمور أحب أن أنقل كلمة للأستاذ سيد قطب - رحمه الله - حين تطرق لظلال قول الله - سبحانه - (وقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ إنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنسَانِ عَدُواً مُّبيِناً) يقول - رحمه الله -: (فالشيطان ينزع بين الإخوة بالكلمة الخشنة تفلت، وبالرد السيئ يتلوها فإذا جو الود والمحبة والوفاق مشوب بالخلاف ثم بالجفوة ثم بالعداء.. والكلمة الطيبة تأسو جراح القلب وتندي جفافها، وتجمعها على الود الكريم).
أولاً: منهج الإسلام في استقامة اللسان:
1 - اختيار أحسن اللفظ وأجمله حين الكلام سواء كان ذلك في محاضرة أو موعظة أو نقاش علمي أو نقد بناء أو نصيحة صادقة أو غير ذلك لأن في ذلك كله أماناً من نزغات الشيطان وتسويله.
2 - الإمساك عن الكلام إلا لمصلحة راجحة والتحرز الشديد من الكلمة وحصرها في نطاق ضيق، يقول الإمام النووي - رحمه الله -: اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام، أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء. وكم كلمة أشعلت حروباً وأوقدت عداوة الدهر بكامله! !..
3 - وزن الكلام وضبطه والتأمل فيه وفي عواقبه قبل إخراجه وعدم التسرع فالكلمة إذا خرجت لم تعد.
4 - القول بالعدل والصدق وإن كان ذلك على أقرب قريب سواء كان ذلك مختصاً بالأفراد أو الجماعات أو المؤسسات الإسلامية، والحذر كل الحذر من مسايرة الحماس والعواطف الجياشة وخاصة في المحافل العامة وعلى منابر النصح و الإرشاد.
5 - البعد عن تحريف الكلام وليه والمغالطة فيه وأن يكون كلامه لإخوانه واضحاً صريحاً غير محتمل للتأويلات للشحناء والبغضاء والتدابر وانعدام الثقة.
6- الالتزام بالقول وتصديقه بالفعل وعدم الفصل بينهما.
7- ترك الجدل والمراء وكل صنف من أصناف الكلام المؤدية إلى فساد القلوب وشحناء الصدور من لمز أو همز أو غمز مع اللين في القول لإخوانه المؤمنين وترك الغلظة والفحش.
8 - محاسبة النفس على كل كلمة خرجت والنظر في عاقبتها والخشية من الله - سبحانه - حين السؤال ووزنها بميزان الله أهي مما يرضي الله أم مما يسخطه، فإن كانت الثانية أتبع السيئة بالحسنات.
9 - التحلي بلباس التقوى في كل حال من أحوال الكلام فإن الله هو المطلع وهو الذي سيحاسب، كيف وقد قال - سبحانه -: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وأَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
ثانياً: بعض الأمثلة الناتجة عن عدم الالتزام بهذه المعالم:
قبل البدء في ذكر هذه الأمثلة أود أن أنبه أن ذكري لها ليس من باب الشماتة؛ وإنما من باب بيان عيوبنا حتى نصلحها ونتناصح بيننا حتى يستقيم البناء ولأجل أن يتنبه لها المربون المصلحون فيحفظون بتجنبها هذا البناء الشامخ ويسدون الباب على أعداء الإسلام من المنافقين ممن يتربصون بهم الدوائر ويسعون في إشعال نار الفتنة بين أفراد الحركات الإسلامية الملتزمة بمنهج السلف الصالح.
1- أصبحت أعراض كثير من الدعاة لحماً طرياً يؤكل بالليل والنهار فالغيبة تُعمل خنجرها في لحوم الدعاة إلى الله وبألسنة مَن؟ إنها ألسنة إخوانهم وأحبابهم وصدق من قال:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على المرء من وقع الحسام المهند
فترى طالب العلم يدرس في نهاره؛ بل ويذكِّر الناس بتحريم الغيبة ويتلو عليهم قول الحق - سبحانه -: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ ولا تَجَسَّسُوا ولا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) ثم يجلس مع صاحبه في المساء الساعات الطويلة لا على صحيح البخاري أو صحيح مسلم أو أمر يهم شأن المسلمين بل على ذكر فلان الداعية، وماذا له وماذا عليه، وهكذا حتى يجر الحديث بعضه بعضاً فلا ينتهي مجلسهم إلا وقد قاموا عن مثل جيفة حمار، ضيعوا أوقاتهم وتحملوا أوزار غيرهم وهتكوا أعراض إخوانهم، ولو كان هذا الحديث لمصلحة شرعية راجحة لكان الأمر يسيراً، لكنه أصبح كالفاكهة يتفكه بها.
فأين أولئك من قوله - سبحانه -: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ومن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: » وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم «.(14/223)
2 - الرجم والتخرص دون تبين أو تمحيص أو معرفة، فتسمع أحياناً في مجتمع الدعاة ألفاظاً عجيبة قد لا تسمعها من عوام الناس فترى بعضهم يصف بعضاً لأنه لم يوافق هواه أو ليس على شاكلته بأنه عميل وذاك جاهل، وهذه المؤسسة مشبوهة، وتلك مجلة فيها كيت وكيت، وهكذا تتوالى الألقاب والأوصاف، والله قد خاطب المؤمنين بقوله: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) وفي الحديث: » إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث «، ويقول - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة: » إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان، الله - تعالى -ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله - تعالى -لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم « ويقول الحسن البصري - رحمه الله -: (ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه).
3 - بخس الناس أشياءهم وترك العدل في القول فتسأل فلاناً الداعية عن كتاب معين أو مركز إسلامي أو مجلة أو عن داعية آخر أو غير ذلك فيحدثك ويجيبك حسب هواه ورغبته فإن كان السؤال عن أمر موافق لهواه رفعه فوق السماء وإلا كال له الشتم والمذمة، وأقل أحواله أن يطلب منك غض الطرف عنه وعدم الالتفات إليه فأين المسكين من قول الله - سبحانه -: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ولَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ) وقوله: (وإذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ولَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) وقوله: (ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) وحين بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن رواحه يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم فقال: (والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليَّ ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على ألا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض).
4 - مخالفة العمل للقول...
فترى مجموعة من الدعاة يتفقون على أمر بينهم لمصلحة الدعوة ومن باب التعاون على البر والتقوى وما إن يتفرقوا إلا وقد خالف العمل القول وامتثل كل منهم المثل السائد: (كلام الليل يمحوه النهار) بل إنك تسمع أحياناً داعية يذكر الناس في محاضرة أو موعظة أو مجلس فينتقد حالة مرضية في مجتمع الدعوة وسرعان ما تراه يقع فيما نهى عنه قبل أن ينهي محاضرته وكأن الأمر أصبح مألوفاً ومعتاداً، والله قد مقت من هذا وصفه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ).
وأمر بالوفاء بالعهود والمواثيق فقال: (وبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) وقال: (وأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً).
5 - الوقوع في النميمة والتخصص في إفساد القلوب عن طريق اللسان الذي خلقه الله لذكره وتلاوة كتابه، فترى أقواماً قد تخصصوا في الإيقاع بين الدعاة وطمس معالم الود والصفاء، وما علموا أنه لا يدخل الجنة نمام وأن شر الناس من يسعى بينهم بالنميمة، فليتذكر أولئك قول الله - سبحانه -: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وأَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الحَقَّ ويَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ).
6 - عدم الاتزان في القول والتردد بين الإفراط والتفريط فيوماً يذكر فلاناً الداعية فيرفعه فوق منزلته التي هو فيها حتى كأنك ترى صحابياً من خيرة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وحين يتغير الهوى وتزول المصالح ترى ذاك الذي كان في الأفق قد نزل إلى الحضيض، وهذا كله نتيجة الشطط والبعد عن الحق وميزان العدل.
7 - تفسير النصيحة على غير وجهها وتقديم الظن السيئ على حسن النية مما تسبب في انعدام النصح وتركه بين الدعاة إلى الله.
فحين يأتي الناصح ليقول حقاً يتبادر لذهن المنصوح أولاً الظن السيئ، والتفسير المغلوط، فلا يقبل النصح بل ربما قال له أنا أعرف بحالي! وكأن المسكين معصوم عن الخطأ والزلل.
ولا نشك بأن الدعاة إلى الله - سبحانه - بشر وأنهم يخطئون ويذنبون، لكن حين تصبح بعض هذه الأمثلة ظواهر تراها بالليل والنهار، هنا يحتاج الأمر إلى لفت الأنظار وشد الانتباه لمعالجة هذه الظواهر المرضية، والكيس من دان نفسه وحاسبها، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
ثالثاً: عواقب البعد عن معالم منهج الإسلام في ضبط اللسان:
1 - التباعد والتباغض بين الدعاة إلى الله وعدم استفادة بعضهم من بعض وخاصة إذا كانوا من مدارس مختلفة.
2 - انعدام الثقة في صفوف الدعاة مما تسبب في حيرة كثير من الشباب لأنه لم يعد يعرف الصادق من غيره فذاك يثني على فلان، وذاك يرد، ومن هنا كثرت المدارس وتعددت الطرق وتباعدت القلوب.
3 - انعدام البركة وتأخر الثمرة وهذا نتيجة عدم الالتزام الصادق بأمر الله ومنهجه.
فكم ترى من الدعاة وكم تبذل من جهود فإذا بحثت عن الثمرة وجدتها لا تتناسب مع هذه الجهود؛ بل والمصيبة أنك ترى أحياناً ثمرات لكنها تقطف بأيدي الأعداء وصدق الله إذ يقول: (ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).(14/224)
4 - كثرة قالة السوء في صفوف الدعاة لأن الذي لا يحمي بيته ويحفظه يصبح مرتعاً للصوص حتى لا تكاد تميز بين اللص وصاحب الدار، وهكذا نرى اليوم في صفوف الدعاة أنواعاً من المنافقين وقالة السوء، يظن من لا فطنة له أنهم من رواد هذه الصحوة المباركة.
ولهذا أصبح ستار الدعوة سهل الاختراق من كثير من أعداء الإسلام.
5 - غياب النقد والمراجعة والتناصح لأنه قد اختلطت المفاهيم فلم يعد يفرق الداعية بين النقد البناء والنصح الصادق وبين السب والشتم والتخرص وهكذا تضيع الجهود والتجارب دون استفادة من الدروس وأخذ العبر وتصحيح المسار.
6- ضعف التخطيط وضياع الجهود على المستوى العام للدعوة وانعدام عنصر التعاون الشامل بين الحركات الإسلامية ولو على أقل الأمور في الخطوط العامة، فذاك يبني وأخوه يهدم ما بنى وهذا يتعامل مع إخوانه بأسلوب سياسة الشرق والغرب، فكيف يحصل التخطيط الشامل والتعاون والتنسيق وبأي حال يمكن أن تصب جهود الدعاة كلها في مصب واحد؟.
7 - قسوة القلوب وصدؤها وبلادة الحس وعدم الشعور بالإثم فأصبحت ترى أقواماً اعتادوا على الانحراف عن هذه المعالم فلا يؤثر فيهم نصح ولا يمنعهم تخويف بالله، فإن نصحت لا تجد إلا قبولاً بارداً وعاطفة سريعة الانطفاء وعزيمة كاذبة على ترك هذا الخلق الذميم سرعان ما تنتهي ويردها قلبه القاسي.
فإليك أخي الداعية أسوق هذه التذكرة وتلك الالتفاتة لعلها تصادف قلباً قد آلمه ما يرى من حال الدعاة فتتمكن فيه النصيحة ويتذكر ما نسى، ويحملها لغيره نصحاً لله وفي ذات الله فإن المرجع هو إلى الله وحده والسؤال سيكون في القبر لك وحدك حين الظلمة والوحشة، فاتق الله واخشَ يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===========
عد كلامك من الجمعة إلى الجمعة
الشيخ: علي العمري
من أهم الأمور التي تشغل المسلمين الصالحين، والدعاة العاملين كيفية المحافظة على أوقاتهم، حتى أن العلماء الأولون كانوا كثيراً ما يحذّرون من تضييع الزمان. قال الفضيل بن عياض: " أعرف من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة "!.
ودخلوا على رجل من السلف فقالوا: لعلنا شغلناك؟ فقال: " أصدقكم، كنت أقرأ فتركت القراءة ".
وحتى يصير الداعية محافظاً على عمره، عليه أن يكون حازماً في وقته، فلا يرضى بتضييعه في الأمور التي تأخذ من وقته وهو لا يشعر، وهذه بعض الوصايا من أجل حفظ الوقت:
* يذكر علماء الإدارة أنه من كانت أعماله مكتوبة في قائمة واضحة فإنه يتنج أكثر، ويحسن استغلال أوقاته، ومثال ذلك: هل لديك خطة واضحة للقراءة تستطيع أن تعرف من خلالها متى بدأت القراءة في كتاب ما؟ ومتى ستختمها؟ فتسجيل ذلك في ورقة أو دفتر بشكل منتظم، يعينك على هذا الأمر كثيراً.
* هل لديك مشاريع دعوية محددة خلال الشهر الواحد؟ مثال ذلك: كتابة مقال تربوي أو دعوي أو..وإرساله كمشاركة إلى إحدى المجلات أو الصحف؟ أو توزيع رسائل إسلامية دعوية على الأصدقاء والجيران؟
* وهل يوجد في برنامج المحاسبة اليومي بنود منوعة محددة المعالم تحاسب نفسك على ضوئها؟ ومثال ذلك: قيام أربع ركعات في الليل، والتصدق بصدقة يومية، والمحافظة على السنن الرواتب، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اليوم مائة مرة، وقول: "لا إله إلا الله" مائة مرة، "وسبحان الله وبحمده" مائة مرة، وغير ذلك من الأوراد الشرعية.
* ثم هل لديك خطة أو استراتيجية لإتقان عمل ما؟ مثال ذلك: حفظ أجزاء محددة من كتاب الله، ومعرفة تفسيرها، وإتقان ألفاظها، ودراسة أحكامها، لتكون بعض مضي المدة المحددة مرجعاً وخادماً لإخوانك وللمتعلمين من حولك من خلال هذا العلم؟
وفي الختام: هل بإمكانك - في نهاية كل شهر- معرفة النتائج التي حققتها في ضوء أهدافك المكتوبة، وأعمالك المنجزة، على شكل إحصائيات، فتعرف كم حققت؟ وفي كم مرة أخفقت، لتتعرف الأسباب، وتدرك هل أنت تتقدم أم أنك تعمل بلا هدف؟ وتضيع الزمان في غير فائدة أو تركيز لعمل مّا؟
راجع يا أخي الأسئلة السابقة مرة أخرى، وأجب عنها، وإذا لم تستطع الإجابة لوحدك فاجعل غيرك من الجادين يساعدك، لتعلم هل أنت ممن عني بحفظ وقته أم لا؟!
http://www.islameiat.com المصدر:
============
رجل الفطرة
محمد العبدة
يرجع الداعية - في بحثه الدؤوب عن أصحاب الفطر السليمة الذين لا يحملون بين جوانحهم عوامل الضعف والهزيمة النفسية - إلى سيرة مُعلِّم الخير محمد - صلى الله عليه وسلم -، ليستلهم منها معالم تنير له الطريق.
ومن الدروس المستفادة من السيرة النبوية أن الله - سبحانه وتعالى - بعث أكرم خلقه من بيئة لا هي بالحضرية المدنية المغرقة في الترف وفنون النعيم والملذات، ولا هي بالبدوية الجافية البعيدة عن التمدن والعمل المشترك، فالأسر القرشية لم تصل بعد إلى تعقيدات المدنية، ولم تأسرها الشكليات والمظاهر، ولا يزال شباب قريش يألفون الخشونة والفروسية، رغم عيشهم في بيئة تجارية مبتعدين عن خلق المذلة والمراوغة التي يألفها من استحكمت فيه عوائد الترف، أو عاش تحت قهر الاستبداد والبحث عن لقمة العيش في بيئة مادية لا رحمة فيها ولا شفقة.
ولا نعني من هذا أنه لا بد من العيش في قرى أو مدن صغيرة -كمكة عند البعثة-، فهذه سطحية في التفكير وسذاجة، ولكن المقصود هو: العيش في أجواء الفطرة السليمة، أجواء التخفف من القيود التي تكبل المسلم عن الانطلاق في دعوته، هذه القيود التي لم يأت بها شرع ولا حكم بها عقل، ولكن دواعي الانحطاط هي التي تهتف بها.(14/225)
فالدعوة لا يتم أمرها ولا يقوى عودها إلا برجال تعودوا الخشونة، تتجافى جنوبهم عن الانغماس في النعيم، كلما سمعوا هيعة طاروا إليها.
والرجل الذي عاش حياته راضياً بالقليل، بل خائفاً من ذهاب هذا القليل، عاش يسمع وصايا والدته تحذره وتخوفه من أي عمل عدا العمل الذي سيعيش منه، هذا الرجل قد انغرس في نفسه الضعف، وأصبح بعيداً جداً عن المغامرة وركوب المصاعب، فهو دائماً يخاف من المجهول، يخاف من المستقبل، يفكر دائماً في الاحتياطات اللازمة لتدبير (العيش).
هذا الرجل الذي يحمل أتعاب مدينة مرت عليها قرون وهي تعيش تحت قهر كل متغلب، وتألف كل قادم، هو لا شك يشعر بضآلة نفسه وقصور همته، ولا يسمح لتفكيره بأن يخطر له ذكر الأعمال الكبيرة والمشروعات العظيمة، بل إذا حمل فكرة قوية يمسخها إلى (نصف) فكرةٍ يؤوِّلها حتى تتمشى مع ضعفه وانحطاطه، فهو دائماً في منتصف طريق ونصف نهضة، لا هو بالبادىء، ولا هو بالمنتهي، فإذا تعلم ودرس أصبح نصف دارس أو نصف طبيب، وإذا كان موظفاً يحس أنه جزء صغير من آلة ضخمة، فمثل هذا لا يساعد على التحفز لعمل كبير، فهو رجل (الحد الأدنى).
ونحن نريد رجل الفطرة الذي يملك حيوية الاندفاع والتضحية، فيه بساطة وسمو، فإذا عقل الإسلام وفقهه فقد جمع (نوراً على نور)، وهو الرجل المؤهل للتغيير.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===========
الدعوة مفتوحة .. فهل أنت مستعدة ؟
د.سعود بن عبد الله الفنيسان
تتخوف بعض النساء من الدخول في مجال الدعوة معتقدات خطأ أن هذا المجال قاصر على المختصات في الدراسات الشرعية والدعوية، بالرغم من أن مجالات الدعوة كثيرة ومتعددة، ولا تحتاج إلى تخصص دقيق، فمجرد سلوك طيب وبسيط من الداعية قد يترك أثرا أعمق بكثير من عدة دروس ومحاضرات إنشائية تقليدية، ومن أهم مجالات الدعوة بالنسبة للمرأة ما يلي:
• البيت: وهو مملكة المرأة التي يربى فيها النشء وتخرج منها الأجيال.
• المسجد: حيث يفضل أن تشهد المرأة فيه الصلوات والجمع والأعياد، ويتعين عليها الحضور لتوجيه النساء والمشاركة في الدروس العلمية والندوات والمحاضرات المقامة فيه.
• الدورات الخاصة بتحفيظ القرآن: يجب العناية بها وتشجيعها ودعمها مادياً ومعنوياً وتطوير أساليبها القائمة.
• المدارس والجامعات فعلى النساء الداعيات الاهتمام بالفتيات في هذه المرحلة، خاصة بالأنشطة العلمية والثقافية وتطوير أساليبها.
• المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية الحكومية والأهلية، وذلك بزيارة أقسام النساء فيها للتنبيه على ما تحتاجه المريضة، ودعوة المرافقة والطبيبة والعاملة ومتابعة ما ينشر في وسائل الإعلام من مخالفات شرعية في المستشفيات.
• تجمعات العوائل والأسر في المناسبات الخاصة فينبغي العناية بهذه التجمعات والمشاركة فيها بوضع البرامج العلمية والمسابقات الثقافية المفيدة وتخصيص الجوائز التقديرية لذلك.
• المشاركة في وسائل الإعلام (المقروءة والمسموعة والمرئية)؛ وذلك بطرح القضايا التي تخص المرأة والطفل. وتشجيع المجلات النسائية المتخصصة والهادفة عن طريق الكتابة والاشتراك فيها.
• زيارة الأقرباء والجيران سواء كانت الزيارة واجبة أو مستحبة أو جائزة، فمجرد الزيارة دعوة عملية، فكيف إذا اشتملت على نصح وتوجيه وتعليم؟
• المشاركة في حملات الحج والعمرة بوضع البرامج العلمية والثقافية الخاصة، لا سيما وكلهن مسافرات متفرغات لطاعة..
• المشاغل النسائية والأسواق التجارية والمنتزهات العامة تعتبر أوسع ميادين الدعوة؛ نظراً لكثرة من يرتادها من النساء وسهولة الدعوة بينهن، حيث الأمر لا يتطلب عادة من الأخت الداعية أكثر من جملة أو جملتين تلقيهما بوجه طلق إلى أختها، ثم تهديها شريطاً أو كتيباً أو مطوية صغيرة تعالج منكراً من المنكرات أو تبين قضية من القضايا التي تخص المرأة.
• الجمعيات والمنتديات النسائية، وهي مع قلتها تعتبر أخطر وأهم المجالات الدعوية في المجال النسوي؛ حيث إن العضوية والانتساب إلى هذه الجمعيات والمنتديات يكون عادة لنساء وبنات الذوات بمستوى اجتماعي وثقافي عال، فيتطلب الدخول والمشاركة فيها مستوى علمي وثقافي راق، مع إعداد برامج علمية وفكرية وثقافية تتناسب مع مستوى منسوبات هذه الجمعيات.
وهناك بعض الأمور يتعين على المرأة الداعية معرفتها، ومنها ما يلي:
• الأصل في خطاب الرجال هو خطاب للنساء إلا ما خصت به المرأة وهو قليل جداً.
• من الضروري اللازم: التفريق بين (الثابت والمتغير) في الأحكام والتوجيهات الشرعية، فمن الثابت: (وجوب الحجاب، والمحرم بالسفر، والقوامة للرجل، والتنصيف في شهادتها في الأموال، وفي المواريث أحياناً… إلخ). وضابط الثابت في الشرع: (كل ما ورد بنص قطعي الدلالة من الكتاب والسنة، وما أجمع عليه علماء الأمة) وكل ما ليس من الثوابت فهو من المتغيرات.
• يجب أن يعلم أن ما يسمون بـ "أنصار المرأة" هم خصومها حقيقة، وقضايا المرأة عندهم كلها من المتغيرات، يوردون الشبه على (الثوابت والمتغيرات) فينبغي دراسة جميع شبههم ثم القيام بالرد عليها ودحضها.
• المسؤولية في تربية الأولاد مشتركة بين الأبوين، ولكنها في حق الأم أوجب وأولى ما لم يبلغ الأولاد في سن التمييز. ومسؤولية تربية البنت بعد البلوغ أوجب على الأم أيضاً حيث أودع الله فيها من الحب والعطف والرقة والحنان ما ليس عند الأب.
• إذا كانت الدعوة إلى الله واجبة على الرجل والمرأة معاً فهي على المرأة بين صفوف النساء أوجب من الرجل؛ لأن ذلك أدعى للقبولِ.(14/226)
• الأخذ بـ (الرخص) الشرعية للعوام أولى من قصرهم وإلزامهم بـ (العزائم). أما الدعاة والقدوات للناس فأخذهم لأنفسهم بالعزيمة أولى من الرخصة.
• لا يجوز للمرأة الداعية أن تخرج من بيتها دون إذن وليها أب أو زوج وينبغي له أن يأذن لها إذناً خاصاً أو عاماً مطلقاً ما دام خروجها من أجل الدعوة إلى الله، وهي ملتزمة بقواعد الشرع وآدابه.
• وأخيراً: الواجب على كل من الرجل والمرأة في مجال الدعوة أن يكون عمل كل طرف مسانداً للآخر، فالدعوة بين صفوف النساء: الأصل المتعين أن تكون على المرأة، وما يعمله الرجل فهو عمل مساند لعمل المرأة لا غير.
مقترحات:
1- إعداد دراسة شاملة لقيام مستشفيات أهلية خاصة بالنساء، ثم السعي مع الجهات المعنية لإخراجها إلى الواقع.
2- الاحتساب على جميع منسوبي المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية بأن لا يعالج المرأة ويتولى الكشف عليها إلا امرأة مثلها.
3- السعي لدى الجهات المعنية لافتتاح مكاتب نسوية للتوجيه والإرشاد في جميع المستشفيات توظف فيها خريجات الدراسات الشرعية والخدمة الاجتماعية.
4- أن تتبنى الجمعيات الخيرية في المدن الكبيرة فتح مكاتب مجانية تقدم الاستشارات الأسرية وإصلاح ذات البين يتولاها بعض العلماء وطلاب العلم.
14/04/1425
02/06/2004
http://www.lahaonline.com المصدر:
===========
أيام .. وأيام
رقية بنت محمد المحارب
نهتم كثيراً بالأيام العالمية التي يركز فيها الإعلام الكلام حول قضية من القضايا، فمثلاً هذه فعاليات ومطويات بمناسبة اليوم العالمي للمعلم وأخرى نعلن مشاركتنا بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وثالثة عن يوم الأم في غفلة في بعض الأحيان عن البعد التاريخي والعقدي لهذه المناسبات.وأظن أن بعض الناس قد يقول والمانع من المشاركة الفعالة في قضية يتفق على أهميتها الجميع من التنبيه على خطر بعض الأمراض وتكريم بعض الفئات العزيزة على المجتمع مثل المعلمين والمسنين والمرأة؟ والجواب هو لا مانع بشرط أن تكون هذه القضايا مما يفيد مجتمعنا الكلام حوله، وأيضاً أن لا يكون في يوم ثابت كل سنة خروجاً من المحذور الشرعي في تخصيص زمان معين بنشاط خاص، وبشرط أيضاً أن لا تكون مما يتعلق بعقيدتهم وتاريخهم وظروفهم الخاصة مثل يوم الأم الذي يعبر عن الاحتفال بالأم الآلهة أو يوم الحب الذي يعتبر عيداً للإحتفال بالقسيس فالنتاين أو الحديث عن مرض ينتشر كثيراً في بلادهم وهكذا.. هذا من جهة ومن جهة أخرى أين مظاهر العناية بالتوعية والتثقيف وإصدار الملاحق الصحفية التي تعتني بقضايا أمتنا الإسلامية الملحة ونهضتها الصناعية ومخططات الأعداء لمسخ البقية الباقية من مظاهر الإسلام فيها؟
في استبانة وزعت على إحدى الثانويات بمدينة الرياض تبين أن حوالي 60% من الشباب لا يصلي مع أن جميع هؤلاء الطلاب هم في سن التكليف، وهذا يتعلق بالركن الثاني الذي هو حد فاصل بين الإيمان والكفر يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، بل كاد أن يحرق بيوت من لا يشهد الجماعة في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: (إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار). وأجزم أن هناك كثيراً من الطلاب لا يعرفون مسائل عقدية مهمة لنجاتهم في آخرتهم ولا يدركون كثيراً من أحوال المسلمين، ولا يعرفون كيف يكونون فاعلين في مجتمعهم، بل لا يعرف بعض طالباتنا شيئاً كافياً عن المسجد الأقصى والقدس وكشمير والشيشان إلا بعد أن تفجرت فيها الحرب.
وسرتني بالفعل مبادرة إدارة تعليم الرياض عندما أقامت أسبوعاً للتوعية بأهمية الصلاة وعقدت بعض المحاضرات ووزعت المطويات النافعة، ولقد كانت لهذا الأسبوع التوعوي أصداء طيبة من لدن أولياء الأمور والمثقفين ولله الحمد وشكرتها الأمهات. ولكن كنا ننتظر أكثر اهتماماً بهذا الموضوع من كتاب الصحف وكاتباته، وكذلك من إدارات التعليم في المناطق الأخرى. وأتمنى لو أن إدارات تعليم البنات تتبنى إقامة أسبوع للحياء وآخر يخصص للحجاب وثالث يتناول كيف تقضي الفتاة وقتها ورابع يتناول القنوات الفضائية وخامس يتيح فرصة لإظهار الكفاءات الأدبية والدعوية وغيرها وهكذا..
إنه لا يصح أن يجهل شبابنا قضاياهم المهمة في حين يعرفون تفاصيل الحياة الخاصة للمغنية فلانة أو الممثل أو عارضة الأزياء أو مصمم الأزياء فلان التي ملأت أخبارهم الصحف والمجلات.
إننا بهذا الطريقة نوفر حصانة لأبنائنا وبناتنا، ونتفاعل في الوقت نفسه مع الأحداث اليومية، كما أننا نجدد من نمطية العملية التعليمية ويشعر الطلاب بالحيوية في أجواء المدرسة، والأهم من ذلك أن نصنع الحدث ونخرج من دوامة ردود الفعل.
http://www.saaid.net المصدر :
===========
أو خير هو ؟!
محمد العبدة(14/227)
جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -قام فخطب الناس، (فقال: لا والله ما أخشى عليكم أيها الناس إلا ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا، فقال رجل: يا رسول الله أيأتي الخير بالشر؟ فصمت رسول الله- صلى الله عليه وسلم -ساعة ثم قال: كيف قلت، قال: قلت يا رسول الله أيأتي الخير بالشر؟ فقال له رسول الله: إن الخير لا يأتي إلا بخير، أوَ خيرٌ هو؟ إن كل ما ينبت الربيع يقتل حبطاً أو يَلُم...) [1]، أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحذر المسلمين من فتنة المال، وهي فتنة كبيرة، إلا من أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فالمال خير، كما سماه الله - سبحانه وتعالى - في القرآن، ولكن الحريص عليه والشره في جمعه هو الذي يهلك، كما أن نبات الربيع خير ولكن الحيوان الذي يأكل بصورة خاطئة هو الذي يُصاب بالتخمة (ويقتل حبطاً) فالمشكلة في طريقة تناول الخير، وطريقة أخذ الأشياء بقواعدها وأصولها السليمة إن العلم خير، ولكن إذا أُخذ كمعلومات للتكديس، ولم يتحول إلى ما ينفع الناس في الدنيا والآخرة، ولم يتحول إلى أداة لتغيير واقع المسلمين المحزن، فإنه سيكون وبالاً على أصحابه، وقد قال حكيم لرجل يستكثر من العلم دون العمل: يا هذا إذا أفنيت عمرك في جمع السلاح فمن تقاتل؟ ! والعلم خير، ولكن ما الفائدة من تسويد مئات بل ألوف الصفحات حول مشكلة انتهت ومضى عهدها، وليس لها وجود في واقعنا اليوم، وما الفائدة من تأليف عشرات الكتب في موضوع واحد دون إضافة جديدة، أو إبداع يستحق القراءة، بل يتهالك بعضهم على التأليف، وتأتيهم شهوة الكتابة عندما يرى مؤلفاً ناجحاً فينسج على منواله تقليداً بحتاً، يلفقه من هنا وهناك دون عناء أو تعب، ورغم أن كمية المقروء في العالم الإسلامي (6ر3) كيلوغرام مقابل سبعين كيلوغرام للفرد في الغرب، وكمية المطبوعات (29) عنواناً لكل مليون من السكان في العالم العربي مقابل (488) عنواناً في العالم الذي يسمونه متقدماً، كما جاء في إحصائيات اليونسكو، رغم هذا الكم القليل فإن المشكلة في مضمون هذا القليل وضحالته، فالأمية الثقافية ضاربة أطنابها، وطرق التعليم ووسائل التنفيذ لم تؤهل الفرد ليبدأ طريق العلم الصحيح، وقد وصلتني أخيراً رسالة من صديق يشكو هذا الكم من الكتب التي عناؤها قليل ويذكر أمثلة على ذلك » الأحوال المطلوبة في رؤية المخطوبة « و » فصل الخطاب في رؤية الخطاب «...الخ.
لم يؤلف شيخ الإسلام ابن تيمية تفسيراً كاملاً للقرآن، لأنه لا يريد أن يكرر شيئاً قد كُتب عنه، مع أن التفسير كان أحب علم لديه كما يذكر هو عن نفسه، ولذلك علق واستدرك على تفسير بعض الآيات والسور التي رأى أنها بحاجة إلى زيادة بيان، إن العلم خير، ولكن كثرة التعريفات والاختلافات وكثرة الردود والمهابشات العلمية، مما يربك أذهان الناس ويجعلهم في حيرة من أمرهم، وبخاصة ذلك الناشئ المقبل على الله، والمقبل على الدعوة، ولهذا كتب ابن الجوزي (تلبيس إبليس) حتى لا يُخدع طلبة العلم، وتصيبهم آفات الطلب والتأليف.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مسلم، كتاب الزكاة، ج2، ص 419، طبعة دار الكتب العلمية.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===========
المعاهد العلمية لغير الناطقين بالعربية .. مراحل وضوابط
إسلام علي
تعتبر المعاهد العلمية الإسلامية في الدول غير الناطقة بالعربية من أكثر الأعمال ثمرة وأبرزها وضوحًا.ومن أتيح له مقابلة الطلاب المتخرجين في هذه المعاهد يلحظ الفرق بينهم وبين أقرانهم ممن لم تتح لهم فرصة الدراسة، فهم متميزون فكرًا وخلقًا وعلمًا وعملاً.
ورغم هذه الثمار الطيبة لهذه المعاهد فإن الكثير منها لو توافرت له القوى البشرية المؤهلة، وكذلك الوسائل التقنية والإدارية لتضاعف إنتاجه. وفي الكلمات التالية سنحاول إلقاء الضوء على الشكل المطلوب - وليس المثالي - لإقامة هذه المعاهد بهدفين أساسيين:
1 - استفادة العاملين في مجال الدعوة في البلاد غير الناطقة بالعربية من أجل تطبيق هذه الفكرة في أماكنهم.
2 - توجيه المؤسسات الدعوية وأهل الخير ولفت أنظارهم للعمل في هذا المجال الدعوي الخصب ودعمه.
قد يقول قائل: ولماذا نلجأ لمعالجة موضوع كهذا هنا، وبهذا الشكل، في حين أن هناك خبراء في الإدارة المدرسية؟. وأقول له: إن العمل الإسلامي في بعض المناطق يفتقد للخبرات البشرية المدرَّبة، ولا تعجب إذا سمعت أن أحد هذه المعاهد يديره أحد الحاصلين على ليسانس حقوق مثلاً! ولا تعجب إن علمت أن مدرس اللغة العربية متخرج في كلية التربية الرياضية!
ولا تندهش إن قلت لك: إنهم قد يطلبون كتابًا عربيًّا في موضوع ما كمرجع، ولا يصل إليهم هذا الكتاب إلا بعد شهرين أو ثلاثة.
ومن ثَم، فمَن نوجه لهم هذه الأوراق نحسّ أنهم في حاجة إليها، ونسأل الله - تعالى -أن ينفعنا وإياهم بما نقول.
بداية نحن نمر في طريقنا لإنشاء هذه المعاهد أو المراكز بمراحل متعددة، تبدأ بالتخطيط الجيد، ثم تأتي كيفية تسويقها والإعلان عنها، ثم يأتي دور اختيار الطلاب الذين يلتحقون بهذه المعاهد من بين المتقدمين، وأخيرا يأتي بالتنفيذ العملي.
وفي هذا المقال نعرض لمرحلة التخطيط، ثم نعرض لباقي المراحل في مقالات لاحقة إن شاء الله.
مرحلة التخطيط(14/228)
ونعني بها ما يجب أن يتم قبل بدء العمل الفعلي. ومن الجدير بالذكر أننا حتى نخطط لا بد أن نكون قد حددنا الهدف الذي سنخطط له، وأن يكون لدينا العلم بالمدى الزمني الذي سنخطط فيه، والمدى الزمني الذي سننفذ فيه العمل، كذلك لا بد أن نحدد هل ما نقوم به من تخطيط هو خطة لتنفيذ عمل محدد فحسب، أم أننا نخطط لمجموعة من المراحل، سيعقبها التخطيط لكل مرحلة على حدة؟ مع وضع الضوابط التي يحدد في ضوئها الانتقال من مرحلة لأخرى، كما أن ما يتم لا بد أن يكون في إطار الميزانية المحددة للعمل.
وتشمل عملية التخطيط لإنشاء المعهد:
1 - وضع اللوائح المحددة لمهام وصلاحيات كل مسئول وعامل في المعهد.
2 - اختيار العاملين. (الموظفين، والمدرسين،... ).
3 - وضع اللوائح لقبول الطلاب.
4 - وضع المناهج التعليمية الملائمة للدارسين.
5 - عمل دورات تأهيلية للعاملين.
6 - استكمال أثاث المعهد.
7 - استكمال متطلبات السكن الداخلي.
8 - وضع لوائح لنظام الدراسة بالمعهد.
9 - وضع لوائح السكن الداخلي.
10 - اعتماد المعهد من الجهة المسئولة في الدولة، لتوفير الغطاء القانوني للعمل.
ونعرض لبعض هذه النقاط بشيء من التفصيل:
1 - وضع اللوائح المحددة لمهامّ وصلاحيات كل مسئول وعامل في المعهد:
كثير من هذه المعاهد يكون غالبًا أحد الأنشطة التابعة لهيئات إغاثية أو دعوية، وهي بدورها تتبع المقرات الرئيسية لها في دول أخرى، ومن ثَم فبعض الهيئات تُؤْثِر المركزية في كل شيء، وبعضها قد يفوّض، والبعض الآخر يترك الأمور معلقة ما دامت هناك تقارير وصور للأنشطة. إلا أنه لنجاح العمل لا بد من وضوح موقع كل فرد في العمل ومهامه وصلاحياته،
حتى لا يضيع وقت العاملين في مشكلات إدارية بعيدًا عن الاهتمام بالعمل الأصلي المنوط بهم.
ومن أهم الأمور التي تحتاج للتحديد: صلاحيات الانتقال بين أبواب الميزانية، الإذن بالإجازات التي يطلبها العاملون،
المكافآت والعقوبات التي توقع على العاملين، نقل العاملين من عمل لآخر، قرارات الفصل التي تصدر تجاه الطلاب المخالفين للائحة.
2 - اختيار العاملين:
بعيدًا عن التوصيف الوظيفي لكل وظيفة، فلا بد من توافر بعض الصفات الأساسية التي لا غنى عنها في كل موظف: - التخصص - القدوة - الصبر
ولا بد عند اختيار العاملين من وجود مواصفات واضحة، فبعض الهيئات تلجأ للأسف إلى "تسديد الخانات"، وهو ما ينتج عنه أخطاء يصعب استدراكها فيما بعد. وقد قابلت مجموعة من الطلاب درسوا العربية لأكثر من ستة أشهر متصلة، والواحد منهم إذا أراد أن يقول جملة قالها بطريقة عجيبة، فمثلاً إذا أراد أن يقول: (أريد أن أنام) قال: (أريد أفعل نوم) وقس على ذلك: (أريد أفعل وضوء)، (أريد أفعل صلاة)، وحين سألت عن السبب عرفت أن معلمهم ليس له أية علاقة باللغة العربية، وكل ما في الموضوع أنه تقدم لوظيفة لم تجد من يشغلها فشغلها!.
3 - وضع اللوائح لقبول الطلاب:
لا بد من معرفة الهدف من إقامة المعهد؛ لتحديد المواصفات المطلوبة في الطلاب، فأحيانًا تجد الهدف العام مثلاً تخريج طلاب مؤهلين للدراسة في الجامعات الإسلامية، ليصبحوا علماء في الدين، يُفتون ويعلمون أهل هذه البلاد، ثم تجد معظم الطلاب ممن يحصلون على درجات ضعيفة في دراستهم العادية، وتقديراتهم متدنية، وليس لديهم أي طموح، وقد التحقوا بالمعهد!. وهذا الصنف لا يتوافق إطلاقًا مع الهدف العام المحدد للمعهد.
وقد تجد الهدف العام - مثلاً - تخريج دعاة للقرى، ثم تجد شروطًا غاية في التعقيد، ومعظم المختارين من المدن الرئيسية في القُطر، ومن ذوي التقديرات العلمية المرتفعة، فهم لم يعيشوا في القرية، وطموحهم العلمي أكبر من حصره في قرية، ومن ثَم فنجاح مثل هذا المعهد في تحقيق هدفه أمر غير متوقع.
4 - وضع المناهج التعليمية الملائمة للدارسين:
قلنا إن بعض هذه المعاهد يكون أحد الأنشطة لهيئات دعوية أو إغاثية، وبعض هذه الهيئات يكون له أكثر من معهد في أكثر من دولة، ويكون له لجنة إشرافية على التعليم، تعتمد هذه اللجنة منهجًا موحدًا لجميع المعاهد التابعة للهيئة. ورغم فوائد الإشراف العلمي على العمل، فإن وجود منهج موحَّد أمر ثبت عدم ملاءمته، وذلك لاختلاف ظروف كل مجتمع عن غيره. فتدريس اللغة العربية في ماليزيا مثلاً يختلف عن تدريسها في دولة مثل ألبانيا؛ لأن ماليزيا كانت الأبجدية العربية مستخدمة فيها قبل الاستعمار، ومعظم الأطفال يتعلمون الأبجدية في المساجد، ومن ثَم فهم عند تعلمهم العربية لا يحتاجون لدراسة شكل كتابة الأبجدية، كما أن حصيلتهم من المصطلحات الدينية كبيرة، نظرًا لكون الدولة إسلامية. في حين تجد ألبانيا تستخدم الحروف اللاتينية، وغُيِّبت عن الإسلام قرابة الخمسين عامًا، فالدارس هناك يحتاج لوقت حتى يتقن الأبجدية، كما أنه عند دراسته للعربية لهدف ديني لا بد أن يتعلم المصطلحات الدينية، حيث حصيلته الدينية في غاية الفقر.
وفي إحدى الدول الأوربية صممت إدارة أحد المعاهد على مهاجمة المذهب الفقهي للدولة، والدعوة لعدم التمذهب، وهو ما دفع الإدارة الدينية في هذه الدولة لإصدار قرار بإغلاق هذا المعهد.
وأخلص في هذه النقطة إلى أنه لا بد من تطويع المناهج لتلائم البيئة التي سيتم تدريس المنهج فيها، ووفق الأهداف التي تم إنشاء المعهد من أجلها، ووفق أشهر أو سنوات الدراسة في المعهد.
5 - عمل دورات تأهيلية للعاملين:(14/229)
سبق أن بينَّا أن العمل الإسلامي في بعض المناطق من العالم تنقصه الخبرة بشكل كبير؛ ولذا لا بد من تأهيل القائمين على هذا العمل، حيث لا نبالغ إذا قلنا: إنهم يرسمون مستقبل الإسلام في هذه البلاد، وعندما يتصدى بعض من لا يملكون المهارات اللازمة لتربية النشء في هذه البلدان، نجد أن نتاج تربيتهم من الشباب ينتهي طموحهم عند مجرد الحصول على عمل، كما تجد أُفقهم الدعوي لا يتجاوز القرية التي تربوا فيها، في حين أن الشكل الطبيعي والمنتظر أن يكون هؤلاء الشباب قادة للمسلمين في بلادهم في المستقبل القريب.
وإذا لم تتوفر مراكز للتدريب الإداري المناسب في بعض البلدان، فننصح بالاستفادة من البرامج التدريبية التي تقدمها مراكز التدريب الإداري في الدول العربية أو أوروبا، وبعض هذه المراكز تقدم دوراتها على شرائط فيديو.
وأقترح للمرشحين للعمل في هذه المراكز أن يُدَرَّبوا على الموضوعات الآتية:
1- إدارة الاجتماعات
2- فريق العمل
3- الاتصال
4- علم النفس التربوي
5- التخطيط الإستراتيجي
كما يفضل أن يحصل هؤلاء المرشحون على مجموعة من المحاضرات أو القراءات حول:
1. تاريخ الدولة المقام فيها المركز.
2. الوضع السياسي والاقتصادي لهذه الدولة.
3. طبيعة الشعب وأهم خصائصه.
وقد أثبتت التجارب الكثيرة أن الكثير من الخبرات يهدَر ولا يورث، حيث يبدأ كل مبعوث إلى تلك البلدان من البداية دائمًا، دون أن يبحث في خبرات مَن سبقوه، ودون أن يحاول أحد نقل هذه الخبرات إليه. ويكون تصوره عن الشعب مبنيًّا على حدْسه الخاص، أو مستقًى من القريبين منه الذين قد تنقصهم النظرة الشاملة أو الرؤية العلمية. تجد أحدهم يقول مثلاً: هذا شعب كله حب للإسلام. بينما يرى آخر أن هذا الشعب لا يقبل أي دين. ويرى ثالث أن العمل في هذه الدولة ضرب من العبث وتضييع للوقت، وآخر يرى أن الخلافة ستخرج من هذا البلد! وطبعًا كل هذا الكلام وليد تجارب شخصية بحتة، وليس وليد دراسات علمية معتمدة.
6 - وضع لوائح لنظام الدراسة بالمعهد:
توضح هذه اللوائح مدة الدراسة، والشهادات التي تُمنح للطلاب، والعطلات التي يحصلون عليها، ونسب الغياب المسموح بها، والحالات التي يجوز فيها للإدارة فصل المخالفين، أو معاقبتهم، ويفضَّل أن يوقِّع الطالب وولي أمره على هذه اللائحة كإجراء لقبول الطالب.
7 - وضع لوائح السكن الداخلي:
ويوضّح فيها نظام السكن.. من حيث عدد الوجبات ومواعيدها، ومواعيد إغلاق المبنى، والعقوبات التي يتعرض لها المخالفون… ويفضل أن يوقع الطالب وولي أمره على هذه اللائحة كإجراء لقبول الطالب.
8 - اعتماد المعهد من الجهة المسئولة في الدولة، لتوفير الغطاء القانوني للعمل:
اعتاد كثير من الدعاة على العمل السري أو الخفي؛ نظرًا لنشأتهم في جو من القيود السياسية، وعندما تتاح لهم فرصة العمل المنفتح فإنهم يستمرون بنفس النهج الذي تربَّوا عليه، فتجدهم يعملون ولا يريدون لأحد أن يعرف ماذا يفعلون، ويعتبرون أي مسئول حكومي شخصًا غير مرغوب فيه، وقد آن للدعاة أن يخرجوا من هذه القيود.
لذا ينبغي للمسئولين عن هذه المعاهد أن يتصلوا بالمسئولين في الدولة التي يعملون فيها، ويشاوروهم في إدارة المعهد، وكيفية توظيفه في خدمة الدولة والبيئة التي يقام فيها، بهذا ينكسر حاجز الشك بين الطرفين، ولا يشعر المسئولون في الدولة أن خلف هذا البناء يوجد أشباح يخططون لأمر ما.. لا يعلمونه.
كما أن الاعتماد الحكومي للمعهد في بعض الدول يُعَدّ شرطًا لممارسة نشاطه، وفي دول أخرى يمكن ممارسة النشاط دون اعتماد من الدولة، ولكن عدم الاعتماد يُفقد المعهد خاصية هامة، وهي شعور الطلاب أنهم يحققون شيئًا؛ لأن الطالب يقول لنفسه: ماذا سيستفيد إذا قضى عامًا أو عامين، ثم لا يحصل على أية شهادة؟. وتبقى مرحلة التسويق لهذه المعاهد وذلك دور القائمين عليها.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
http://www.saaid.net المصدر :
============
أيام لا تنسى في سراييفو
خالد بن ثامر السبيعي
لا أدري ما الذي دفعني لجلب الذكريات حتى تراءت أمام عيني تلك الأيام " أيام لا تنسى في سراييفو"
كان ذلك في التسعينات وفي أوائل الحرب الظالمة الشرسة على البوسنة، حيث ذهبت مع هيئة خيرية وتنقلت في عدة مواقع في رحلة هي من أغرب الرحلات في حياتي، واستقر بنا المطاف في سراييفو المحاصرة.
كيف وصلنا.. تلك قصة أخرى تحتاج إلى مقال أطول. المهم أننا وصلنا إلى مدخل سراييفو، حيث كان الدخول عن طريق نفق تحت الأرض طوله 800 م، هذا النفق لا يستطيع أن يمشي فيه إلا شخصا واحدا.
وفجأة تخرج على مدينة دوبرينيا.. التي كانت تسمى مدينة الأشباح.
بيوت مهدمة... مباني دكتها القذائف... شوارع خالية من البشر... صورة من الدمار والإرهاب الذي ليس له نظير. وبعد فترة من الزمن دخلنا وسط المدينة.
سراييفو... مدينة رائعة كساها الله بالجمال، حيث الأشجار والأنهار والغابات الكثيفة.. تحيط بها الجبال الخضراء إحاطة السوار بالمعصم وتتنافس المآذن والطراز العمراني العثماني الجميل في سماء المدينة لكي تعطي رونقا إسلاميا أصيلا في قارة أوربية لا تعشق إلا تعليق الصلبان ما كان يفسد هذا الجمال وتلك الروعة إلا مدافع الهاون... وقناصة الصرب المجرمين الذين كانوا يشرفون على المدينة من على سفوح الجبال.
فيعيثون في الأرض فسادا وإجراما فواحر قلبي كم سالت دماء بريئة على مسطحات الأرض الخضراء وكم تقطعت أشلاء مسلمة في يوم غائم ممطر لا يوحي إلا بالأمن والأمان.(14/230)
لن أطيل الحديث عليكم فمأساة البوسنة شاهد على العصر شاهد على من زرعوا الإرهاب في هذا العالم ثم طبقوا بكل حقارة المثل المشهور "رمتني بدائها وانسلت "
ولكني أقف معكم أمام ثلاثة مشاهد كان لها بالغ الأثر في نفسي:
أولها:
شاب أردني كان مشرفا على عدة حلقات للقران الكريم وكان ينتقل في أحياء سرايفو يتابع سير هذه الحلقات المباركة كل ذلك مع وجود قناصة الصرب المتربصين الذي حصل أنه أصيب في كتفه أثناء نشاطه الدعوي حتى تسبب ذلك بعاهة في يده وقد شاهدته بنفسي.
ما هو أعجب من ذلك أنه حينما تماثل للشفاء عاد يزاول رسالته العظيمة التي خالطت شغاف قلبه ولم يتردد حتى لو أدى ذلك إلى عاهات في سائر جسده.
فتأمل أيها الغيور على الدين حال هذا الشاب الذي يدعوا إلى الله في ساحات الخطر وومظان الهلاك وحال كثير منا كيف ركنوا إلى الدنيا ورضوا بالقليل من البذل في ساحات الأمن ومراتع الرخاء
فحي هلا إن كنت ذا همة *** فقد حدا بك حادي الشوق فاطوي المراحلا
المشهد الثاني:
خرجت لأداء صلاة الجمعة... في وسط سراييفو، فرأيت فتيات متحجبات يخرجن من بيوتهن لأداء الصلاة... فتعجبت من حالهن وقوة إيمانهن، وهن يعلمن خطورة الأمر... وصعوبة الظروف، فعاد بي التفكير إلى فتياتنا في بلادنا الآمنة.. كيف حالهن مع الصلاة؟ وإلى أي طريق تسير الفتاة التي نشأة في بيت مسلم ومحافظ، بل ومنذ نعومة أظفارهم ومأذنة المسجد تطل على بيتها... حي على الصلاة، حي على الفلاح. لن أكثر من الكلام حول هذا الأمر... وأدع للقارئ الكريم حرية التفكير والتخيل... حول التدرج الخطير في حال المرأة في بلاد المسلمين ومدى الاستجابة السريعة لمخططات الأعداء.
المشهد الثالث:
دعانا أحد الأخوة الفضلاء إلى العشاء في بيته، وكان البيت مظلما لانقطاع التيار عن سراييفو...
وأمام ضوء الشمع الخافت كان الحديث يدور عن أحوال المسلمين في البوسنة ومعاناتهم، وفجأة سمعنا دوي انفجار... فقال الأخ لا عليكم هذه من الأمور المعتادة في سراييفو...
يقول لنا قصة غريبة فقال: حدث في هذا البيت أمر عجيب، وكرامة من الله.
يقول: كانت أختي تدرس بعض الأطفال القرآن في هذا المجلس.. وأثناء ذلك سقطت قذيفة هاون في فناء البيت، ومن كرم الله علينا أنها لم تنفجر بل سقط الجدار على أختي... مما سبب لها إصابات طفيفة... فالحمد لله على كل حال.
فقلت في نفسي: سبحان الله... هل فهمنا معنى التوكل حقيقة أم أنها كلمات تخرج من أفواهنا... ولم نراها واقعا في حياتنا. فيا ليتنا نعيش مع كتاب الله وآياته العظيمة، اقرأ قول الحق - عز وجل - ((ومن يتوكل على الله فهو حسبه)) وتدبر وتأمل كنوز هذه الآية الكريمة لكي تصل إلى الحقيقة.
أيها الكرام...
إن أمتنا في خطر... وإن شبابنا في خطر... وإن فتياتنا في خطر.
أمور يضحك السفهاء منها *** ويبكي من عواقبها اللبيب
فما أحوجنا إلى الغرباء ... الذين يصلحون إذا فسد الناس.
شباب ركلوا الدنيا بأقدامهم وأقبلوا إلى الله مسرعين...أجساد تمشي على الأرض وقلوب ترفرف حول العرش، فطوبى للغرباء.
http://saaid.net المصدر:
=============
أنت وجراحات المسلمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،، لا يخفى ما جاءت به الشريعة من صلة المسلم بأخيه المسلم هي من أعظم الصلات وأقواها إذ الجامع بينها رابطة الدين فحث عليها وحذر مما يفرق اجتماعها أو يكدر صفوها بالقول أو الفعل والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة أشهر من أن تذكر وهي معروفة معلومة. وأخوة الإسلام لا تحدها حدود وأقاليم ونحوها مما يفرق بعضها بعضاً وهذا أمر معلوم لديك، أخي الكريم بل والشواهد عليه كثيرة والمعيار في ذلك هو قوله - تعالى -: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [الحجرات]. ومتى ما فهم هذا الأصل الأصيل وأضيف إليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " متفق عليه.
بعدها يتضح معنى حق وحقيقة الأخوة ويتأكد هذا عند احتياج المسلم لأخيه المسلم وبخاصة إذا كانت الحاجة لأمة من المسلمين قد هُضم حقها وبغي عليها في أرضها فسلبت ديارهم وأموالهم وهتكت أعراضهم وقتلوا و...و... و.. حتى أصبح هذا العمل الشنيع الموجع من قبل هؤلاء الكفار أمر مألوفاً أمام سمع وبصر العالم فلا تكاد تخبو نارها حتى تهب فتنة أخرى وحدث ولا حرج عن مجازر المسلمين. في القديم والحديث وصدق الله إذ قال: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) [البقرة].
وبالنظر إلى القضايا إخواننا المسلمين المنكوبين والمضطهدين في دينهم وبلادهم في الوقت الراهن نقف وقفات:
الوقفة الأولى:
العلم الأكيد الذي لا مرية فيه أن أعداء الإسلام والمسلمين هم أعداء هم أعداء مهما سالمونا إذ أن شرهم كامن فيهم حتى يحققوا رغباتهم ومرادهم، قال - تعالى -: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) [البقرة].
الوقفة الثانية:
ماذا يعني ويوحي لك حينما ترى أعداء الإسلام يطالبون بحقوق الإنسان ودماء المسلمين أرخص الدماء تهدر كرامة المسلم ويحرق ويهدم بيته ويهتك عرضه و... و.. و.. ثم ينادي بحقوق الإنسان!! بينما محاضن الحيوانات والعناية بها والدفاع عنها لا تعدو ولا تحصى! ألا ترى ذلك من التناقض والانتكاس في الفطر، وقبل ذلك تعلم أن المسلم مقصود وإلا فهو إنسان.
الوقفة الثالثة:(14/231)
إن ما يحدث من تسلط الأعداء على آحاد المسلمين وجماعاتهم إنما هو بسبب الذنوب والمعاصي قال - تعالى -: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) [الشورى] فتغير أحوال المسلمين مرهون برجوعهم إلى ربهم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) [الرعد].
الوقفة الرابعة:
أن تكون تلك القضايا ونحوها سبباً في زيادة الترابط بين المسلمين وأن يظهر ذلك جلياً في مشاركتنا لهم بآمال وآلامهم فنفرح لفرحهم ونتألم لمصابهم ومتى كانت لتلك القضايا نصيباً من مجالساً وأوقاتنا أنتحبت الدعاء لهم بالنصر والتمكين والبذل والإنفاق لهذه الجزيرة من خدم وعمال مسلمين ونستبعد جميع ملل الكفر والإلحاد وكنا مع إخوانهم المسلمين حسياً ومعنوياً.
الوقفة الخامسة:
أن لا يغيب عن ذهنك أخي المسلم فضل الاهتمام بقضايا المسلمين وخطر إهمال ذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: " ما من امرئ مسلم يخذل إمرأ مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله - تعالى - في موضع يحب نصرته وما من امرئ مسلم ينصر امرأ مسلماً في موضع ينتقص في من عرضه وينتهك فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته " [رواه أبو داود وقال أيضاً: " إن لله - تعالى -أقواماً يختصهم بالنعم لمنافع العباد ويقرها فيهم ما بذلوها فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم " الحديث رواه ابن أبي الدنيا وهو حسن.
الوقفة السادسة:
أن تكون تلك القضايا مذكرة لنا بنعمة الله علينا من أمن وأمان ورغد في العيش فحذاري حذاري من التفريط من شكرها قال - تعالى -: (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) [النحل 112].
الوقفة السابعة:
" احذر الشماتة بأصحاب تلك القضايا وتعداد أخطاءهم ولا تكل ولا تمل من مد يد العون لهم ولا تشغلنا قضايا المسلمين وكثرتها عن بعضها البعض، ولا نيأس في نصرهم ونصرتهم ولتكن قضاياهم مؤثرة في زيادة الإيمان، والعمل لدينا نحو هذا الدين حيث دل الكتاب والسنة على نصرت هذا الدين وأهله وأن العاقبة لهم والتأريخ شاهد على ذلك.
الوقفة الثامنة:
أسئلة تحتاج منك أخي المسلم إلى إجابة سواءً في العاجل أم في الآجل نحو تلك القضايا. - ماذا عملنا وما هو عملنا؟ - كم وكيف عملنا؟ - ما هو نصيب أموالنا وأوقاتنا نحو تلك القضايا؟ - لمن نترك هؤلاء؟
مطالب بعد تلك الوقفات:
المطلب الأول:
الحرص التام على العمل بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وحث الناس على ذلك إذ هما أساس النصر والتمكين في الأرض والآيات والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة.
المطلب الثاني:
التدبر لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إضافة إلى التأريخ في القديم والحديث لأخذ العبرة والعظة وشحذ الهمم في التقدم بالأمة إلى الأمام وإحياء رح الجهاد فيها.
المطلب الثالث:
السع في كشف خطط ومكر الأعداء بكل وسيلة.
المطلب الرابع:
الاهتمام بالتربية الجادة للنفس والغير لما في ذلك من الخير العظيم في مواجهة أي حدث يحدث.
المطلب الخامس:
العلم بفائدة نشر الفتاوى والمطويات ونظم القصائد والخطب وجمع التبرعات وإقامة المعارض في أي قضية من قضايا المسلمين.
المطلب السادس:
إشعار أفراد طبقة المجتمع بقضايا المسلمين وخاصة طبقة الشاب والنساء.
المطلب السابع:
التعاون والمساعدة مع مكاتب الجاليات والمؤسسات الخيرية التي تعتني بقضايا المسلمين.
المطلب الثامن:
السعي بكل وسيلة تمكنه في دعوة الكفار إلى الإسلام.
المطلب التاسع:
رصد وتسجيل الأحداث لتبقى تأريخاً يستفاد منه وتؤخذ منه الدروس.
المطلب العاشر:
الالتفاف حول علماء الأمة المعروفين بصلاح المعتقد وسلامة المنهج للاستئناس بآرائهم والصدور عن رأيهم إذ هم أعلم الناس بمعالجة قضايا الأمة وإيجاد الحلول الناجعة لها.
المطلب الحادي عشر:
السعي في إصلاح النفوس وإزالة الشحناء والبغضاء من قلوب المسلمين بعضهم من بعض إذ في ذلك من الخطر ما لا يخفى فإذا لم يلتفت لهذا المطلب والمسلمون يقتلون ويشردون... و.. فمتى نلتفت لذلك وإلى متى؟
المطلب الثاني عشر:
أن لا نغتر ولا ننخدع بما تذيعه وتنشره بعض وسائل الإعلام المشبوهة ضد المسلمين من الكذب عليهم وتضخيم أخطاءهم والمبالغة في بعض الحقائق ونحو ذلك.
المطلب الثالث عشر:
أن نحسن معاملتنا مع جميع إخواننا المسلمين وبالأخص الوافدون لهذه البلاد من عمال وخدم وحجاج وغير ذلك من حيث الحرص على تعليمهم ما ينفعهم إذا رجعوا إليها. أيضاً الحرص على أن لا يبخسوا حقهم من مال وغيره..
المطلب الرابع عشر:
وهو من الأهمية بمكان قراءة الآيات وسماع الأحاديث والقصص التي تبين فضائل الإحسان في الدنيا والآخرة وتأمل قوله: (فمن يعمل مثال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره).
قف مع لماذا:
1- لماذا هذا الابتلاء يحدث في المسلمين وهم مسلمون!!
الجواب: أن هذا امتحان من الله ليرى الصادق الصابر ممن هو ضد ذلك وأيضاً لو كان النصر والتمكين حليف المسلمين في جميع أمورهم في الإسلام لدخل في الإسلام كل منافق وأيضاً بهذا الابتلاء يرى الله هل المسلمون يعاونون ويساعدون إخوانهم أم لا؟ قال - تعالى -: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) [آل عمران 142] وقال: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين* [العنكبوت 2-3].
2- لماذا شرعت الزكاة؟(14/232)
الجواب: لحكم كثيرة منها مواساة للفقراء ولذا من أصناف أهل الزكاة المجاهدون في سبيل الله إذ هم بحاجة إلى المادة الحسية والمعنوية في رد عدوان الأعداء وكون الزكاة تدفع لهذا الصنف لا شك أن لها أثراً في نفوسهم وقوة عزائمهم وتأمل آخر في فريضة الصيام أنه كما أنت أيها الصائم تحس بالجوع فترة معينة فهناك من يحس بالجوع وننصر ونقنت لإخواننا المسلمين المنكوبين في كل مكان وزمان؟ الجواب: لينصرنا الله ولئلا يتسلط علنيا الأعداء فيأتينا ما أتاهم.. وهل ننتظر المنصرون ليساعدوا إخواننا أم ماذا؟ قال - تعالى -: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) [الحج 40] وقال: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) [محمد 7] وقال - صلى الله عليه وسلم -: " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) [رواه أبو داود وغيره] وقال - صلى الله عليه وسلم -: " من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا " [متفق عليه].
وبقي أمر ثان... وهو أن ما مضى ذكره لا يعني أن ننسى أو نتناسى قضايا المسلمين الفقراء والضعفاء و.. و... في الداخل بل نقوم بحقهم ونتفقد أحوالهم حيث أن الشريعة جحاءت حاثة على ذلك ورتبت على ذلك الأجر العظيم في الدنيا والآخرة فمن ذلك الفلاح ودخول الجنة والإعانة والتأييد من الله والتيسر والتنفيس للهموم من الكروب وأنه أيضاً من أكبر أسباب رحمة الله ومن صفات المؤمنين المتقين. كذا جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن تأمل حياة السلف - رحمهم الله - وجدهم في هذا الجانب من المسابقين فيه بل منهم من عُرف بذلك وأصبح يسمى بأبي المساكين وإذا علمت أخي الكريم أن الشريعة جاءت بالإحسان إلى البهائم حتى وهي تذبح كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه مسلم أيقنت أنه ومن باب أولى الإحسان إلى بني آدم وانطلاقاً من هذا الجانب المهم أنشئت المبرات الخيرية في هذه البلاد حرسها الله وجزى الله كل خير من أنشأها وعمل فيها، حيث الجهد والجد المحسوس والملموس والعطاء والبذل المتواصل الذي يعرفه القاصي والداني، إلا وإن ما تقوم به تلك المبرات يحتاج منا جميعاً التبرع لهم إضافة إلى ما يلي: أولاً: المشاركة معهم بنفسك فيما يقومون به.
ثانياً: تعريف أهل الخير من المحسنين وغيرهم المبرات. ثالثاً: إبداء ما لديك من اقتراحات وتوجيهات تخدم أعمال المبرة وترتقي بها إلى الأفضل. رابعاً: زيارة المبرة بين الحين والحين للتعرف عليها عن قرب ولمعرفة ما استجد فيها من المشاريع الخيرية. خامساً: الدعاء لهم بظهر الغيب.
عقبات خطيرة:
أولاً: إن من المسلمين من يتعذر عن مساعدة إخوانه المسلمين فتارة بعدم المال أو قلته أو ضيق الوقت أو.. أو... وهذه أعذار غير مقبولة وذلك لأننا نملك الإمكانيات وهي موجودة لدى كل واحد ولكن الشعور والاحساس بالمسئولية هو المفقود إلا ما شاء الله إذ المطلوب بذل المستطاع وكل بحسبه، قال - صلى الله عليه وسلم -: " اتقوا النار ولو بشق تمرة " متفق عليه وقال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق " رواه مسلم.
ثانياً: إن من البعض من يشكك في المبرات والمؤسسات الخيرية فتارة بقوله من يضمن لي أنهم يوصلون المال إلى مستحقيه وتارة هل هؤلاء محتاجون لزكاة حقيقة ومرة أخرى... و... والجواب عن هذه العقبة هو فيما يلي: 1- أن هذا المسلك خطير جداً إذ لو فتح الباب على مصراعيه لتعطلت أمور كثيرة سببها الوهم والشك والتخمين قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثير من الظن.. ) الحجرات. 2- الأصل في كل مسلم ومؤمن الأمانة والثقة والصدق. 3- لا أحد يمانع من أن تزورهم بنفسك بل وتباشر بعض الأعمال بنفسك. 4- على المسلم أن يتثبت في كل شئ من أمره ويتحرى الحقائق ثم بعد ذلك لو بذل الزكاة والصدقة ونحوها لم يظن أنه مستحق لها وتبين له فيما بعد أن من بذلت له ليس مستحقاً لها. ففي هذا الحال أجر الإنسان وأجزءه ما بذله هكذا ذكر علماءنا كيف وتلك الجهات موثوقة رسمية مصرح لها.
ثالثاً: ومن المعوقات وساوس الشيطان المختلفة في هذا الجانب قال - تعالى -: (الشيطان بعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم) [البقرة]. وقال: (إنما ذالكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) [آل عمران 174]. إلى كل عامل ومحتسب في تلك المبرات والمؤسسات نوصيك بما يلي: أولاً: بالإخلاص لله في كل ما تقوم به. ثانياً: استشعار عظم الأجر والمثوبة من الله - سبحانه وتعالى - حيث أن له أثراً في الاحتساب والصبر والجد في العمل بلا ملل ولا كلل.
ثالثاً: الحرص على العلم الشرعي والإلمام بما تيسر منه إذ أن ذلك معهم لمن يمارس الدعوة إلى الله.
رابعاً: العناية بجانب الأخلاق وحسن المعاملة.
خامساً: استغلال الفرص والأوقات والأزمنة المناسبة في تذكير المسلمين بقضايا إخوانهم كفصل الشتاء، وأيام الأعياد ونحوها.
سادساً: إذاعة ما يجدُ من قضايا المسلمين عبر (الأئمة والخطباء والصحف والمجلات والإنترنت.. و.. و... ".
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
31-01-2005
http://www.asunnah.net المصدر:
============
منهج التعرف إلى الله والتعريف به ( 1 ـ 2 )
د.فريد الأنصاري (*)
مقدمة:(14/233)
قد لا يخطر على بال الداعية إلى الله أن يسأل نفسه ـ وهو يدعو إلى الله ـ: «ما معنى الدعوة إلى الله»؟ هذا سؤال أساس وضروري؛ لأن بالجواب عنه ينضبط العمل الدعوي، ويستقيم. وأحسب أن إهمال تحقيق عقيدة التوحيد في المجال الدعوي لدى بعض الحركات الإسلامية، بأقسامه الاستقرائية، كما بينه علماء السلف، من توحيد للربوبية، وتوحيد للألوهية، وتوحيد للأسماء والصفات، هو من أخطر المزالق التي تقود إلى الانحراف عن المنهج. فالجواب عن سؤال: «ما الدعوة إلى الله؟ » لا يكون إلا بالانطلاق من عقيدة التوحيد أساساً.
إلا أن الجدير بالذكر أن الوقوف عند حدود استظهار أقسام التوحيد، دون الغوص إلى عرض مقاصده، في منهج الدعوة إلى الله، هو أيضاً من أخطر المزالق التي تقود إلى الانحراف عن المنهج؛ إذ سريعاً ما يغيب عن الداعية ـ في غمرة الانخراط الاجتماعي ـ الهدف الأسمى الذي يتحرك من أجله، فتجف عباراته، وتنضب دعوته، فلا يبقى لها أثر في النفوس، ولا محبة في القلوب. وبيان ذلك ـ بحول الله ـ هو كما يلي:
في التعريف القرآني بالله:
إن أول مقاصد القرآن الكريم هو تعريف الناس بالله، هذا الرب العظيم المتكلم بالقرآن جل جلاله؛ ولذلك جاء تعريف الله لذاته - سبحانه - بأسمائه الحسنى؛ مباشرة بعد التنبيه على عظمة هذا القرآن. كأنه قال لك: اعرف القرآن أولاً لتعرف الله. أوَ ليس هو - تعالى - المتكلم بالقرآن؟ قال ـ جل جلاله ـ يصف ذاته: {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم (22) هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون (23)هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} [الحشر: 22 - 24] فاقرأ وتدبر.
لقد كان أوْلى بالإنسان أن يسأل نفسه: من أنت؟.. نعم! أنت هذا الإنسان الذي وجد نفسه ـ فجأة ـ في هذا الكون الفسيح، الممتد عرضه إلى حدود الغيب المجهول..!
كون عجيب وغريب لم يستطع الإنسان المعاصر رغم ما اكتسب في مجال العلوم الكونية، والفلكية، والطبيعية من معارف أن يسبر أغواره الرهيبة. بل ها هو ذا ما يزال واقفاً على شاطئ الكون ينظر في حيرة: أين ترسو حدود الضفة الأخرى؟
ثم تأتي الرسالة من رب الكون إلى هذا الإنسان.. وكان أوْلى به أن ينظر أول ما ينظر إلى مرسلها، ويسأل أول ما يسأل عن مصدرها حتى يتحقق منه يقيناً.
وإذن! دعني أبدأ لك بالدعوى فأقول: إننا ـ مع الأسف ـ لا نعرف الله!
نعم! إن وضع المسلمين اليوم يؤكد هذه الحقيقة المؤسفة؛ ومن هنا وجب التعريف به.
أما المعرفة بالله فدرجات ومراتب، وما أحسب هذا الشرود الرهيب عن باب الله في هذا الزمان إلا دليلاً قاطعاً على الجهل العظيم الذي يكبل الناس أن يبحثوا عن ربهم الذي خلقهم؛ مما يصنفنا دون أدنى مراتب المعرفة بالله. تَرَاخَيْنَا عن سلوك طريق المعرفة به في الرخاء، فبقينا هَمَلاً، أو لَقضى في مزبلة التاريخ! وبقيت وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينا دون وفاء؛ فكان لها مفهومها المخالف في واقعنا: «تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة»(1).
لو كان الناس يعرفون الله حقاً لرأيت الحال غير الحال؛ ولرأيتهم يسابقون في أداء حق الخالقية. وبيان ذلك بالمثال الآتي، ولا مُشاحَّة في الأمثال:
إذا قدر الله أن يكون إنسان ما جاهلاً بوالديه ـ لسبب من الأسباب ـ كليهما أو أحدهما، لكنه نشأ محتضناً بحضن بعض المحسنين، حتى شب وكبر ثم اكتشف الحقيقة: وهي أن هذا الذي رباه ليس أباه، وأن هذه التي أرضعته ليست أمه التي ولدته؛ فإنه حينئذ يدخل في غربة شديدة، قد تذهب بعقله كله، أو بعضه، إلا أن يعتصم بالله؛ والسبب في ذلك أنه فقد المعرفة بمن كان له سبباً في الخروج من عالم العدم إلى عالم الوجود، ودخل في جهل عظيم بنسبه وأصله، وانقطعت بين يديه سلسلة سنده التي تربطه إلى شجرة المجتمع الإنساني الذي يعيش فيه. وهنا ـ بصورة تلقائية لا إرادية ـ يدخل في سلسلة من البحث والأسئلة في كل مكان، وحيثما اتفق، يسأل سؤالاً واحداً: من أبي؟ أو من أمي؟ سؤالان يؤولان إلى معنى واحد هو: من أنا؟
إن البحث عن الذات فطرة في الإنسان، ولن تُعرف الذات إلا بمعرفة سبب وجودها؛ إذ المعلولات مرتبطة بالعلل وجوداً وعدماً، ومن ثَمَّ جهلاً ومعرفة. وهنا يذكر حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، في قصة غضبه من كثرة أسئلتهم المعنتة. أخرج الشيخان عن أنس ابن مالك ـ رضي الله عنه ـ في حديث طويل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فيهم خطيباً، فكان مما قال: «من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه! فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به، ما دمت في مقامي هذا! قال أنس: فأكثر الناس البكاء، وأكثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: سلوني! فقال أنس: فقام إليه رجل، فقال: أين مُدخلي يا رسول الله؟ قال النار! فقام عبد الله بن حذافة، فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال: أبوك حذافة! قال: ثم أكثر أن يقول: سلوني! سلوني! فبرك عمر على ركبتيه، فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً. قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال عمر ذلك، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أولى والذي نفسي بيده! لقد عرضت عليَّ الجنة والنار آنفاً، في عرض هذا الحائط، وأنا أصلي، فلم أرَ كاليوم في الخير والشر! »(2).(14/234)
فتأمل هذا المشهد: كيف لم يجرؤ أحد من الصحابة أن يسأل شيئاً؛ إذ رأوا أمارة الغضب عليه - صلى الله عليه وسلم -، إلا رجلان: أحدهما سأل عن مدخله، فأجابه: النار، والعياذ بالله! والآخر انتهز الفرصة ـ رغم هول الموقف ـ فقال: «من أبي؟ » فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أبوك حذافة». إن الإحساس بانقطاع النسب عقدة اجتماعية، سببها الإحساس بالجهل بالذات اجتماعياً، لا وجودياً؛ ولذلك فقد جاء في رواية مسلم لهذا الحديث: «فأنشأ رجل من المسجد كان يُلاحَى فيدعى لغير أبيه فقال: يا نبي الله! من أبي؟ » أي أنه كان إذا خاصمه أحد من الناس؛ سبه وعيره بنسبته إلى غير أبيه! فكان ذلك يحزنه ويعقده، فلم يستطع أن يكتم رغبته الجامحة في معرفة حقيقة نسبه، رغم ما شهد من رهبة اللحظة، وخوف الصحابة من غضب النبي - صلى الله عليه وسلم -! وكم شهدنا من الناس من أنفق ما أنفق من الأموال والأعمار من أجل اكتشاف والده، أو أي أحد من عشيرته، أو أي خيط مهما بعد أو ضعف من خيوط نسبه، أو من له صلة بذلك من الناس، عساه أن يصله بحقيقة نفسه، ولو توهماً!
غريب أمر هذا الإنسان! كيف يجهد لمعرفة حقيقته الاجتماعية، ولا يجهد ذلك الجهد وأقصى لمعرفة حقيقته الوجودية؟
إن الذي ينصت إلى خطاب الفطرة في نفسه يسمع نداء عميقاً يترجم الرغبة في معرفة من أسدى إليه نعمة الوجود. ألا ترى أن الإنسان مفطور على شكر من وصله بمعروف؟ بلى! إذن: لِمَ لا تسأل عمن خلقك؟ لا تسرع في الإجابة! لا تقل لي: إنني أعرف الله؛ فأنا مسلم، فما هذا الذي نريد؟
أنت مخلوق. هذه حقيقة وجودية؛ فلا أحد منا جاء إلى الوجود بإرادته وقراره. من هنا كان الواجب الأول عليك أن تبحث عن الله الخالق، بهذه الصفة، أعني صفة الخالقية؛ لأنها سبب مجيئك إلى الكون؛ وإلا كنت عدماً. ولذلك كان أول حق لله رب الناس على الناس وجب عليهم أداؤه ابتداء: هو حق الخالقية. أليسوا مخلوقين؟ بلى! إذن تعلق بذمة كل مخلوق أن يشكر الخالق، من حيث هو - عز وجل - خلقه.
و «الخلق» مفهوم من أغرب مفاهيم القرآن العظيم، ومن أكثرها استعصاء على الفهم والإدراك؛ فهو دال عموماً على: التكوين والإنشاء؛ إبداعاً واختراعاً. أي أنه خلق الخلق على غير مثال سابق، فتأمل هذه الحقيقة أولاً: «على غير مثال سابق» إنه - تعالى - فَطَرَ خلقه، وأنشأهم ولم يسبق له في ذلك نموذج يحتذى؛ ف- سبحانه وتعالى- من خالق عظيم! فلقد كان - تعالى - ولم يكن قبله شيء، هو الأول بلا بداية، وهو الآخر بلا نهاية،- جل شأنه، وتعالى جده -، ولا إله غيره. تأمل كيف كان خلق الكون؟ كيف كان العدم، وما العدم؟ ثم كان الوجود بأمر {كُن فَيَكُونُ} [البقرة: 117]. ثم تأمل كيف كان خلق آدم - عليه السلام -: كيف صنع الله من الطين بشراً سوياً؟ يفيض جمالاً وحيوية. عجباً، عجباً! كيف كانت كتل الطين في جسم آدم تتحول إلى شرايين، وشعيرات دموية، وعظام ولحم طري؟ عجباً، عجباً! كيف تحول الصلصال في محاجره - عليه السلام - بصراً يبرق، ويشع بنور الحياة، ويرى الألوان والأشياء، ويسيل بالدموع فرحاً وحزناً؟ عجباً، عجباً! كيف تَخَلَّقَ الترابُ في جمجمته دماغاً مائعاً مارجاً متكوناً من ملايين الخلايا اللطيفة الحساسة، تجري شعيراتها بالدم الدفاق، وتختزن ملايين المعلومات والذكريات، وتتأهب للتفكير في أدق الخطرات والنظرات؟ عجباً، عجباً!
ثم تأمل: كيف جعل من الطين والماء نباتاً جميلاً، فصارت له أزهار تملأ الأنوف عبيراً أخاذاً، وثماراً تملأ القلوب بهجة وجمالاً؟ ذلك هو (الخلق) الذي تحدى به ربُّ العالمين كلَّ العالمين، فقال: {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون} [النحل: 17]، وقال ـ جل جلاله ـ: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب (73) ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز} [الحج: 73 - 74].
وهذه حقيقة قرآنية كبرى تترتب عليها أمور كبيرة في حياة الإنسان، وجوداً وعدماً؛ ذلك أنه كلما نادى الله الناس في القرآن بالاستجابة لأمره التعبدي، ناداهم من حيث هو (خالقهم)، هكذا بهذه الصفة دائماً، وهو أمر مهم فيما نحن فيه من طريق المعرفة بالله. أي أنه - تعالى - يسألهم أداء حق الخالقية، هذه الصفة العظيمة لذاته - تعالى - التي بها كنا نحن الناس هنا في الأرض نتنفس الحياة.
تدبر قوله - تعالى -: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون (21) الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون } [البقرة: 21 - 22].
وتدبر قوله - تعالى -: {يا أيها الذين اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } [النساء: 1]، وقوله - سبحانه -: { واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين} [الشعراء: 184].(14/235)
هاتان آيتان كلِّيتان من القرآن العظيم، تعلق الأمر فيهما بالعبادة والتقوى، وما في معناهما من الانتظام في سلك العابدين، وفلك السائرين إلى الله رب العالمين، إثباتاً لحق الله من حيث هو خالق لشجرة البشر. ولا يفتأ القرآن يُذَكِّر بهذه الحقيقة، باعتبارها مبدأ كلياً من مبادئ الدين والتدين، وأنها العلة الأولى منه؛ وذلك نحو قوله - تعالى -: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ِ} [الذاريات: 56]. فكثيراً ما يردد الناس هذه الآية، ولكن قليلاً جداً ما يتدبرونها. إنها آية كونية عظمى.. إنها مفتاح من مفاتيح فهم القرآن العظيم، وباب من أبواب معرفة الربوبية العليا. تأمل قوله - تعالى -: {وما لكم لا ترجون لله وقارا (13) وقد خلقكم أطورارا} [نوح: 13 - 14]. انظر كيف ربط حقه - تعالى - على عباده بمبدأ خلقهم أطواراً.. فكلما ازداد الكفار تعنتاً ازداد القرآن إفحاماً لهم، في بيان تفاصيل الخلق. فتلك حجة الله البالغة إجمالاً وتفصيلاً.
تدبر معي هذه الآيات واحدةً واحدة.. قال - عز وجل - في حق الكافر الذي أنكر البعث على محمد - صلى الله عليه وسلم -، فجاء بطحين عظام ميتة نخرة، ونفخ فيها فتطاير غبارها من يده، فاستهزأ متسائلاً بما حكاه عنه القرآن الكريم، قال: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ(78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ - صلى الله عليه وسلم - (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ} [يس: 78 - 81].
وتأمل كيف أن تلك كانت هي حجة موسى الذي صنعه الله على عينه، في رده على فرعون؛ إذ تعنت في إنكاره. قال - عز وجل -: {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 49 - 50]. إنه تعريف للربوبية ولحقوقها في عبارة من أوجز العبارات الربانية المسطورة في القرآن الكريم.. فتدبر.. {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}.
وجاءت الحجة الربانية في بيان الأطوار الوجودية للإنسان في قوله - تعالى - أيضاً: {قُتِلَ الإنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ - صلى الله عليه وسلم - ((18) مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ(21) ثُمَّ إذَا شَاءَ أَنشَرَهُ (22) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ}. [عبس: 17 -23].
وقال في سياق التمهيد لقصص بعض الأنبياء، ودحض حجج المنكرين للبعث: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 12 - 16]. تأمل: ما بال هذا البيان والتفصيل لقضية الخلق؛ لولا أنها قضية كونية كبرى، ينبني عليها ما ينبني من مصير وجودي في حياة الإنسان، هذا المخاطب بها ابتداء؟
وانظر إلى هذا السؤال الإنكاري الرهيب عن الوظيفة الوجودية للإنسان؛ إذ تمتع بمنة الخلق، ثم غفل عنها وتناساها.. انظر وتدبر جيداً، واقرأ، وأعد القراءة مرة، وأخرى؛ لعلك ترى.. قال ـ جل جلاله ـ: {أَيَحْسَبُ الإنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 36 - 40].
وكما كانت تلك هي حجة القرآن في الدعوة إلى العبادة، وإثبات حق الخالقية لله الواحد القهار؛ كانت هي عينها حجته في الدعوة إلى التوحيد ونفي الحق الوهمي للشركاء، وذلك كما في قوله - تعالى -: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ - سبحانه وتعالى- عَمَّا يُشرِكُونَ} [الروم: 40]، وقال: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الأعراف: 191]. وقال: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل: 17]. إنه قول ثقيل جداً، فتدبر.(14/236)
ومن أثقل الآيات القرآنية، وأعمقها دلالة على الموقع الوجودي للإنسان من الخلق قوله - تعالى -: {هَلْ أَتَى عَلَى الإنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) إنَّا خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إمَّا شَاكِرًا وَإمَّا كَفُورًا (3) إنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيرًا (4) إنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} [الإنسان: 1 - 5]. إن «قضية الخلق» تمثل مفتاح فهم الربوبية، والمعنى الوجودي والوظيفي للإنسان. ولولا خشية الإطالة لبينت لك من خلال كل سور القرآن بدون استثناء أنها المبدأ الكلي الذي على أساسه خاطب الله الإنسان بكل أمر ونهي، بل إنها تمثل البنية الأساس لخطابه الذي عليه يتفرع كل شيء، مما قرره في العقيدة والشريعة على السواء.
أي ظلام أشد من التصور العبثي للحياة:
إن هذا الحق بقدر ما هو متعلق بذمة الإنسان لربه الذي خلقه، فإنه يستفيد منه معنى عظيماً لوجوده. إن إحساسه بوجوب هذا الحق عليه يخرجه من التيه الوجودي الذي ضاعت فيه أفكار الكفار من العالمين. أو بعبارة قرآنية: يخرجه {مِِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ} [البقرة: 257]. وأي ظلام أشد من التصور العبثي للحياة! أو كما قالوا: «إن هي إلا أرحام تدفع، وأرض تبلع! » فبأي نفسية يعيش الإنسان هذه الحياة، وهو يرى أنما غايتها إلى العدم المطلق والفناء الرهيب الذي ما بعده من حياة؟ فأي لذة يجدها في متعها وهو يعتقد أنها إلى زوال قريب؟ ذلك ما يقوده غالباً إلى الشره المتوحش في تناولها، أو إلى العزوف القَلِق ثم الانتحار! ألا ما أشد وحشة الكفر والضلال! فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلي به آخرون.
إن معرفة الله من ههنا تبدأ: الشعور بالفرح به - تعالى - رباً خالقاً، والأنس بجماله - عز وجل - إلهاً رحيماً؛ فيمتلئ القلب شوقاً إليه - تعالى -، ثم تنشط الجوارح للسير إلى بابه الكريم، والعروج إلى رضاه، عبر مدارج السالكين، ومنازل السائرين. فيجد الإنسان الأنس كل الأنس كلما ازداد معرفة بالله جل جلاله.
وإنما مدارج المعرفة به - تعالى - أن ينطلق المسلم من توحيد الربوبية الذي ينفتح بابه على العبد أول ما ينفتح من الشعور بحق الخالقية كما قررناه؛ ذلك أن الرب إنما هو رب من حيث هو مالك للمربوب؛ ذلك معناه العام في اللغة وفي الشرع. قال ابن منظور: «الرَّبُّ: هو اللّه - عز وجل - هو رَبُّ كلِّ شيءٍ: أَي مالكُه، وله الرُّبوبيَّة على جميع الخَلْق، لا شريك له، وهو رَبُّ الأَرْبابِ، ومالِكُ المُلوكِ والأَمْلاكِ. ولا يقال الربُّ في غَير اللّهِ، إِلاّ بالإِضافة. ورَبَّهُ يَرُبُّهُ رَبّاً: مَلَكَه»(1).
فرب الدار: مالكها، وربة البيت: سيدته، ورب السيارة: صاحب السيادة عليها. إلا أن «المالكية» الحقة إنما تقع في الواقع على من يملك أصل الاختراع والإبداع، إنشاء وتطويراً؛ ذلك هو المالك الحقيقي للشيء، وذلك هو الله - سبحانه وتعالى- في ربوبيته للكون والخلق أجمعين. إنه مالك كل شيء خلقاً وإبداعاً، وزيادة ونقصاً، وإحياء وإماتة، وبدءاً وإعادة، وبعثاً ونشوراً. وما كان ذلك كله ليكون لولا أنه هو - عز وجل - الذي خلق. ومن هنا كان أول وصف لذاته - تعالى - نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - في بدء تعريفه بالله رباً: {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] فهو الرب إذن، وأول ما وصف به نفسه - تعالى - أنه {الَّذِي خَلَقَ}؛ لأن الربوبية إنما ترجع في حقيقتها إلى هذا المعنى كما بيناه آنفاً. ومن هنا اطراد هذا المبدأ في القرآن الكريم، حتى لا تكاد تخلو سورة منه، بدءاً بالفاتحة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} [الفاتحة: 2]؛ حتى سورة الناس {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1]. فالقرآن كله إذن قائم على ترسيخ مفهوم الرب في قلوب المربوبين، عسى أن تستجيب فطرهم لأداء حق الربوبية، بتوحيد الألوهية عبادةً لله رب العالمين.
وخلاصة الأمر أن الخالق مالك، وأن المالك رب؛ ذلك أنه - تعالى - خلق فملك، وملك فرَبَّ. فهذه معانٍ بعضها يحيل على بعض، حتى كان لفظ (الرب) جماعها؛ فجمع بذلك كل أوصاف الكمال والجمال والجلال، من الأسماء الحسنى والصفات العلى. ولننصت الآن في ذلك إلى القرآن العظيم؛ حيث يقول الله - عز وجل - معرفاً بذاته - سبحانه -: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر: 24]، فقوله - تعالى -: {هُوَ اللَّهُ} جملة اسمية من مبتدأ وخبر، فيها معنى الجواب عن سؤال تقديره: سؤال السائل عن الرب (من هو؟)، فقال: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ}، أي (الرب هو الله)؛ لأن الضمير (هو) لا بد أن يعود على معاد سابق، كما قال الله حكاية لحوار فرعون مع موسى وهارون: {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 49 - 50]. وكما في قوله - تعالى - من سورة الإخلاص: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. [الإخلاص: 1].(14/237)
فكانت الإحالة ـ في نهاية الأمر ـ في تعريف الرب على (الأسماء الحسنى)، بعدما ذكر - عز وجل - بعضها؛ فقد جاءت الآية المذكورة من سورة الحشر في سياق التعريف بالله - عز وجل - من خلال بعض أسمائه، وذلك قوله - تعالى -: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إلَهَ إلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 22 - 24].
فالأسماء الحسنى هي مدخل التعريف بالله رباً، وهو توحيد الربوبية، كما في هذه الآيات، وهي كذلك مدخل التعريف به إلهاً، وهو توحيد الألوهية، كما في قوله - عز وجل - من سورة الأعراف: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180].
ومن هنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أسماء الله الحسنى: «إن لله تسعة وتسعين ـ أعطى مائة إلا واحداً ـ من أحصاها دخل الجنة. إنه وتر يحب الوتر»(2) وفي رواية: «من حفظها دخل الجنة».
وزاد الترمذي والحاكم وغيرهما في الحديث تفصيلاً في عد هذه الأسماء(3).
قلت: إن جماع توحيد الربوبية يؤول إلى إثبات الأسماء والصفات لله رب العالمين، إثبات إيمان وتسليم، لا ينحرف به تأويل، ولا يزيغ به تعطيل، ولا يخرمه تشبيه أو تجسيم. فهو - تعالى -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. فلا ينسب شيء من الخلق والتدبير في الكون إلا له - سبحانه -، وحده دون سواه، ولا يعتقد شيء من النفع والضر، والعطاء والمنع، والحياة والموت يصل الكائنات من غيره - تعالى -. فكل الأسماء الحسنى والصفات العلى دلت على تفرده - سبحانه - بمقتضياتها من الفعل والأمر، لا دخل لأحد من خلقه في ذلك إلا بإذنه - تعالى -. تدبر ـ ثم تدبر ـ قوله - عز وجل -: {اللَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إلاَّ بِإذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255].
ذلك هو توحيد الله في ربوبيته أي في مالكيته للكون وخالقيته له، وذلك هو المنطلق السليم، والأساس القويم لتوحيد الألوهية، كما ذكرنا، وبقدر تصفية ذلك يكون السير في طريق المعرفة الربانية، والرقي في مدارج الإيمان لأداء حق الخالقية؛ حيث إن توحيد العبودية، أو الألوهية كله لا يخرج عن معنى السير إلى الله رغباً ورهباً، من حيث إنه - تعالى - موصوف بصفات الكمال والجمال. وبهذا السير تتحقق للعبد رتب المعرفة به - تعالى -، ويكتسب الجديد من منازل الإيمان، ومقامات الإحسان، سيراً في طريق عبادته - تعالى - على نهج السنة النبوية؛ استجابة لقوله - تعالى -: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99].
وهنا نعود إلى حديث الأسماء الحسنى؛ حيث يتبين أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أحصاها ـ أو من حفظها ـ دخل الجنة» إنما المقصود بالإحصاء (الحفظ) عينه، كما هو في صحيح البخاري في «باب إن لله مائة اسم إلا واحداً»، وقد ذهب أغلب العلماء ـ كما سترى بحول الله ـ إلى أن (الحفظ) هنا هو بمعنى حفظ المقتضيات من الأفعال والتصرفات، لا حفظ العبارات، كما في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك»(1). والمقصود بحفظ المقتضيات: توقيع كل أعماله وتصرفاته بما تقتضيه دلالاتها من حدود والتزامات.
فمثلاً إذا انطلق العبد في طلب رزقه، واكتساب قوته فإنما يفعل ذلك باسمه - تعالى -: (الرزاق)، ومعناه أن يعتقد ألا رزق يصل إليه إلا ما كتب الله له، ثم إنه لا مانع له منه وقد كتبه الله له، ويكون لهذا ـ إن صح اعتقاده فيه ـ أثره الإيماني، يجتهد كل يوم في تحصيله، فلا يساوم في دينه مقابل مال، عطاءً أو حرماناً؛ إذ وجد في معرفته باسم الله الرزاق أنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع. وهو قصد من مقاصد حفظ (الاسم) من أسمائه الحسنى: الثبات على ذلك أمام الفتن، لا تزحزحه المضايقات ولا المناوشات، ولا التهديدات، ولا تذهب به الوساوس كل مذهب، بل يسكن إلى عقيدته مطمئناً، آمناً من كل مكروه، إلا ما كان من قدر الله، موقناً أن الله لا يريد به إلا خيراً. فذلك أمر المؤمن الذي ليس إلا لمؤمن، والمؤمن أمره كله له خير كما في الحديث الصحيح؛ حيث قال - عليه الصلاة والسلام -: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير. و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سرَّاء شكر؛ وكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء صبر؛ فكان خيراً له»(2).(14/238)
إنها عقيدة السلام والأنس الجميل بالله. وبقدر ما تسكن النفس إلى اسمه - تعالى - (الرزاق) يذوق العبد من معنى (الحفظ) جمالاً حميداً، وأنساً جديداً، فتعلو القدم بذلك في مراتب العبودية، وتوحيد الألوهية مقامات أخرى. والربانيون في (حفظ) كل اسم من أسمائه الحسنى ـ بهذا المعنى ـ مراتب ومنازل. وبذلك يمتلئ القلب حباً لجمال أنواره وجلال أفضاله - تعالى -، فيزداد شوقاً إلى السير في طريق المعرفة الربانية التي كلما ذاق منها العبد جديداً ازداد أنساً وشوقاً، فلا تكون العبادة ـ بالنسبة إليه حينئذ ـ إلا أنساً، وراحة، ولذة في طريق الله؛ إذ تنشط الجوارح للتقرب إليه - تعالى - بالأوقات والصلوات، والصيام والصدقات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات، والدخول في سائر أعمال البر الصالحات. ولك في أسماء الله الحسنى ـ من كل ذلك ـ مسالك تقربك إلى الله - سبحانه -، وتوصلك إليه.
هذا هو الفهم الأليق بحديث الأسماء الحسنى، وهو ما ذهب إليه أغلب شراح الحديث عند تعرضهم لذلك؛ ومن هنا قال ابن حجر - رحمه الله - في الفتح: «وقال الأصيلي: ليس المراد بالإحصاء عدها فقط؛ لأنه قد يعدها الفاجر، وإنما المراد العمل بها. وقال أبو نعيم الأصبهاني: الإحصاء المذكور في الحديث ليس هو التعداد، وإنما هو العمل، والتعقل بمعاني الأسماء والإيمان بها»(3).
وقال أيضا: (وهو أن يعلم معنى كلٍّ في الصيغة، ويستدل عليه بأثره الساري في الوجود، فلا تمر على موجود إلا ويظهر لك فيه معنى من معاني الأسماء، وتعرف خواص بعضها. قال: وهذا أرفع مراتب الإحصاء. قال: وتمام ذلك أن يتوجه إلى الله - تعالى - من العمل الظاهر والباطن؛ بما يقتضيه كل اسم من الأسماء)(4).
ذلك هو الشأن بالنسبة لسائر أسمائه الحسنى: الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن... إلخ. فكلها (حسنى) بصيغة التفضيل المطلقة هذه، أي لا شيء أحسن منها؛ فهي تبث النور والسلام والجمال في طريق السالكين إليه - تعالى - بحفظها، وتملأ قلوبهم إيماناً وإحساناً. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: «إن لله - تعالى - آنية من أهل الأرض، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه ألينها وأرقها»(5).
وههنا لنا لطيفة من لطائف الأسماء الحسنى، نذكرها بحول الله؛ رفعاً للغبش الذي قد يدور بخلد بعضهم، أو مما قد يلقيه الشيطان في خاطر العبد الذي لم يذق بعدُ جمال بعض الأسماء، من مثل أسمائه - تعالى -: (الجبار، والمتكبر، والقهار). إن أول شيء يجب التذكير به أن هذه الأسماء ـ كسائر أسمائه - تعالى - قد وصفها الله - عز وجل - في القرآن بأنها (الحسنى) على التفضيل، وفي هذا لطائف كثيرة؛ فبالنسبة إلى خصوص معاني التكبر والكبرياء والقهر والجبروت من أسمائه - تعالى - فهي مما يشين الإنسان، ويلقي به في دركات الذم والنقص؛ لو اتصف بها، وتخلَّق بأحوالها. لكنها في ذات الله - تعالى - جلال وجمال، ونور وكمال، فهي (الحسنى). نعم قد ورد الوعيد في حق من اتصف بها من الناس، كما في الحديث القدسي: «قال الله - تعالى -: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري؛ فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار»(1).
وبيان ذلك أن الله - عز وجل - قصر ذلك الوصف عليه - تعالى -، ولم يأذن لأحد من خلقه في اكتسابه، وهو - عز وجل - وحده يليق به ذلك لجلال قدره، وعظمة ملكه وسلطانه؛ فهو الملك الحق العدل، لا ينافي شيء من ذلك عدله ورحمته، بل إن وصف القهر والجبر والكبرياء في ذاته مصدر رحمة لعباده المؤمنين، وهذا من لطائف المسألة؛ حيث إن المؤمن حينما ينتسب إلى الله عبداً، فإنه يكتسب من نسبة العبودية عزة ومنعة؛ إذ هو محمي من الظلمة والفجار؛ باسم الله الجبار القهار. وأنت حينما ترى في الأرض عبداً جاهلاً متكبراً؛ تدرك بسرعة أنه ينتحل ما ليس له، كيف يصدق تجبره وكبرياؤه، وقد قال الله فيه: {وَخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]؟ فكبرياؤه تلك إنما هي صورة من ورق! إنها مرض نفسي، فهي تعبير عن الشعور بالنقص إزاء كمال حاوله فلم يصله: من الناحية الاجتماعية، أو المالية، أو السلطانية، أو أي جهة أخرى. فقد يكون الإنسان غنياً ذا ثروة طائلة، فإذا تكبر دل ذلك على نقص من جهة أخرى، ربما ظن أن ماله يغنيه من كل وجه، فلما أدرك أنه لا يسد له حقيقة الكمال استكبر فطغى وتجبر وظلم! إنك أيها العبد المنتسب ـ بخضوعك وعبوديتك ـ إلى كبرياء الله الحق تشعر أن الكبرياء مما ينتحله الخلق كذب وافتراء، بل مرض يستحق صاحبه الحسرة والإشفاق! تماماً كما تشفق على من ألقى بيده إلى التهلكة بالكفر والضلال، على غرار قوله - تعالى -: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} فالجاهل قد يرى الجبار من الناس أسداً يزأر في وجوه الخلق، وعبد الله إنما يراه أسداً من ورق، أو دمية (كرتونية) تحكي لعبة الأسد. والمتكبر من الخلق هو أول من يشعر ـ في نفسه ـ بضعفه، وعجزه، وفشله في أن يندمج في المجتمع، ويتواضع أمام الخلق. وما أصدق قول الشاعر في هذا:
ملأى السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤوسهن شوامخ
وأنت إذ ترى ما لا يرى الجهلة تستريح.. فقد عرفت أنما الكبرياء والجبروت لله الواحد القهار؛ فكانت بذلك أسماؤه الحسنى: الجبار والمتكبر والقهار، ونحوها من أسماء الجلال برداً وسلاماً على قلوب عباده الصالحين تبعث النور والجمال.. ولا عجب؛ فهي من (الأسماء الحسنى) حقاً وصدقاً. و {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران: 95]، والله خير الصادقين.
--------
(*) رئيس قسم الدراسات الإسلامية، جامعة المولى إسماعيل، مكناس المغرب.(14/239)
(1) رواه الحاكم، والطبراني، وأبو نعيم، والبيهقي، وعبد بن حميد. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير رقم: 2961 نشر المكتب الإسلامي. بيروت.
(2) متفق عليه.
(1) لسان العرب، مادة: «ربب». طبعة دار صادر بيروت.
(2) متفق عليه.
(3) رواه الترمذي والحاكم في المستدرك.
(1) رواه أحمد والترمذي والحاكم بسند صحيح.
(2) رواه أحمد، ح/ 18460.
(3) فتح الباري: 11/ 226، نشر دار المعرفة بيروت: 1379هـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب.
(4) فتح الباري: 11/ 227.
(5) رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 2163.
(1) رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 4311.
(1) رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 4311.
http://albayan-magazine.com المصدر:
===========
منهج التعرف إلى الله والتعريف به (2 - 2)
د. فريد الأنصاري (*)
* مفهوم الحياة والتعريف بالله:
هل تعرف: ما الحياة؟ هذا المعنى اللطيف الغريب العجيب الذي يوصف به كل كائن حي في هذا الوجود، ما دامت نسمتها الغريبة تسري بجسده، حتى إذا فارقته تلك النسمة؛ فارق الحياة، أو بالأحرى فارقته الحياة؛ فصار ميتاً، ولم يعد معدوداً من أحياء هذا الكون.
مهم جدا أن تستحضر أن (الحياة) بكل ألوانها وتجلياتها مصدرها واحد: هو (الحي) - سبحانه -. فليس عبثاً أن يعلمنا الله أن من أسمائه الحسنى هذين الاسمين العظيمين: (الحي) و (المحيي). فهو الحي بذاته - سبحانه -، المحيي لغيره. ولا حياة لأحد سواه إلا بأمره. فسبحانه وتعالى من رب عظيم، وله الحمد في الأولى والآخرة.
وقد وصف الله ـ جل جلاله ـ (الحياة) في القرآن الكريم بصفتين متقابلتين: الأولى هي (الدنيا) والثانية هي (الآخرة). وذلك نحو قوله - تعالى -: {أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إلاَّ قَلِيلٌ} [التوبة: 38]، وقوله - سبحانه -: {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إلاَّ مَتَاعٌ} [الرعد: 26].
فالحياة إذن طبقتان: الأولى تنتمي إلى عالم الشهادة، وهي حياتنا هذه التي نحيا بها، والثانية تنتمي إلى عالم الغيب، وهي الحياة الآخرة. وقد علمت أن الإيمان بالآخرة في الإسلام ـ من حيث هي (حياة) ـ ركن من أركان الإيمان الستة التي وجب على كل مسلم أن يعلمها، ويؤمن بها. ولنبدأ الآن رحلة التدبر لهذا المعنى في الرسالة القرآنية.
ذلك أنه ما قُرِن بالإيمان بالله شيء ـ في الكتاب والسنة ـ مثل الإيمان باليوم الآخر. فهو أصل من أصول الرسالة القرآنية، ومقصد من مقاصد البلاغ الإلهي. وما كان ذلك ليكون لولا أن فيه حكمة ما. وهو ما نحاول اكتشاف بعض أسراره في هذه الإشارات بحول الله.
وأما الآيات فلنذكر منها أمثلة تدل على ما سواها؛ فذلك في القرآن أكثر من أن يحصى لفظاً ومعنى. ونحوه قول الله - تعالى - في حق المؤمنين الصالحين من سائر الملل: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62]، وقوله - عز وجل - في حق المنافقين: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8]. وقال في حق أهل الكتاب الذين عرفوا الحق فأسلموا: {لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [آل عمران: 113 - 114]، وقال في سياق التشريع: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ} [البقرة: 232]، وقال - سبحانه - في حق العابدين من عُمَّار المساجد: {إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18]، وقال - سبحانه - في التنبيه على التأسي بسيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، ومعلوم أن مثل هذا في القرآن كثير.
وأما السنة فقد تواتر فيها هذا المعنى بهذه الضميمة: «الإيمان بالله واليوم الآخر»، تواتراً معنوياً كلياً؛ فمن ذلك قوله - عليه السلام -: «من أحب منكم أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة؛ فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر»(1)، وقوله: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت»(2)، وقوله أيضاً: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريراً ولا ذهباً»(3). ونحوه في السنة الصحيحة كثير جداً.(14/240)
والغاية عندنا إنما هي بيان طبيعة هذه العقيدة في الإسلام، واكتشاف بعض أسرارها؛ إذ رغم أن المسلمين اليوم يؤمنون باليوم الآخر، إلا أن آثار ذلك في حياتهم قليل جداً؛ بسبب عدم الإحساس بحقيقته في وجدانهم، وضعف السير إليه خلال آياته؛ لاكتشاف مشاهده الإيمانية من خلال مشاهده القرآنية. وهذا عمل إيماني وجب على كل مسلم أن يسعى لاكتسابه؛ حتى يجد ما وجد الصحابة من هذه الحقيقة القرآنية العظمى. ويلتقط واحداً من أعظم مضامين رسالة الله رب العالمين إلى الناس أجمعين.
إن الله ـ جل جلاله ـ يخبرك يا صاحِ بخبر {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: 13]! وافقه عن الله ما يقول؛ فإن الأمر يهم وجودك، ومصيرك أنت بالذات!
اقرأ، وأنصت، وتدبر قوله - تعالى -: {إنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( 42 ) وَاللَّهُ يَدْعُو إلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [يونس: 24 - 25].
ههنا لمفهوم (الحياة) حقيقتان: حقيقة الحياة الدنيا، وحقيقة الحياة الأخرى.
فأما الحياة الدنيا فأهم خصائصها الجوهرية أنها فانية؛ فهي محكوم عليها بـ (الفناء)، وقد ضرب الله لها في الآية السالفة مثلاً: وهو دورة الحياة والموت في الطبيعة؛ إذ ينزل ماء الحياة في فصل الخريف وفصل الشتاء، غيثاً يبعث النبات من أعشاب وزروع، فتبتهج الأرض بالربيع الزاهر، وتحتفل بموسم الجمال، أشجاراً وأطياراً وأنهاراً، وزخرفة تعلو الروابي والبساتين والسهول؛ فتكون أشبه ما تكون بالحسناء المتزينة بشتى التلاوين وفنون الصنعة؛ حتى تكون في أسحر أحوال الإغواء والإغراء) ذلك أن الزخرفة الصارخة تلقي على قلب الإنسان شباكاً سحرية، فتستوعب كل وجدانه وتفكيره، فلا يرى شيئاً بعد ذلك إلا من خلالها؛ حتى إذا جاء الصيف، وأنضجت الزروع حبوبها كان الحصاد مآلها، فلا ترى لها في الأرض أثراً إلا هشيماً من حصيد؛ تماماً كما تتناثر أوراق الأشجار عند الخريف، لَقىً ذابلاً تذروه الرياح بكل البطاح، فتعوي ريح الفناء بالوديان والقيعان لتكنس كل أثر للحياة، وكأن الأشجار المتحطمة الأغصان ما أورقت قط ولا أزهرت، وكأن الأطيار الراحلة في الأفق البعيد ما عششت ههنا ولا غردت {كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ}.
ولنا في هذا المثال الرباني الحق عِبرتان كلتاهما ترجع إلى حقيقة كونية عظمى: الأولى تتعلق بمفهوم المكان، أي طبيعة بناء الكون، والثانية تتعلق بمفهوم الزمان، أي طبيعة حركة العمر.
فأما الحقيقة الأولى، أي مفهوم المكان؛ فهو راجع إلى أن هذا البناء الكوني الممتد ما بين السماء والأرض ليست له طبيعة خالدة؛ لأن تكوينه الابتدائي كان كذلك، أي أنه بني على هذا الوِزان، وهو أن يحيا إلى حين، لا إلى الأبد. فكل المكان من حيث هو مكان قائم على مبدأ الفناء. فحركة أجرامه ومدارات فضاءاته، كلها سائرة إلى نهايتها. ومن هنا كانت حياة هذا الكون الحالي إنما هي (الحياة الدنيا). فهي حياة. نعم! لكنها إلى حين، إنها (دنيا): أي قريبة الأجل، لا خالدة، ولا حتى ممتدة امتداداً طولياً حقيقياً، بالنسبة إلى امتداد (الحياة الأخرى). وكم أخطأ الناس في هذا الزمان في فهم معنى (الدنيا)؛ إذ ظنوا أنها دالة على الجمال، والغنى والرفاه؛ حتى جعلوا من أسماء بناتهم (دنيا). وما هذا التعبير بدالٍّ على المدح، بل له دلالة قدحية ناقصة. فالدنيا ـ بهذا السياق خاصة ـ من الدنو والدناءة، وهي معنى نازل لا علو له. ولذلك قيل لسيئ الأخلاق: دنيء. أي له أخلاق منحطة قريبة من الأرض. فالدنيا: حياة قريبة ــمن الفناء، لا لذة حقيقية فيها ولا متعة، ما دام كل شيء فيها إلى فناء. فهي دنيا. ومن هنا سمت العرب أبناءها ـ قبل الإسلام وبعده ـ (خالداً) و (خالدة)؛ إذ رغبوا قبله في الخلود الدنيوي، وهو محال؛ لأن الضدين لا يجتمعان، ثم رغبوا بعده في الخلود الأخروي السعيد، وهو ممكن بإذن الله.
إن بناء الكون الدنيوي له ساعةٌ ينهار فيها، ثم يفنى بإرادة الله، فلا يبقى شيء إلا الله الواحد الأحد. وهذه الساعة هي (الساعة) بتعبير القرآن؛ ذلك الحدث الكوني العظيم. سألتك بالله أن تتدبر قوله - عز وجل -: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلاَ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187]، ومثله قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (ه1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1 - 2].(14/241)
والساعة: هي القيامة، والواقعة، والقارعة، والصاخة... إلخ من الأسماء التي عبر فيها الرب العظيم عن لحظة نهاية الكون الدنيوي. فالكون الدنيوي إذن تكوين ابتدائي، والكون الأخروي تكوين استئنافي. قال ـ جل جلاله ـ: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]، وقال - سبحانه -: {أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ( 91 ) قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت: 19 - 20]؛ ولذلك قال - تعالى -: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: 187] كما أوردناه قبل.
إن الساعة ـ إذن ـ هدم وبناء: هدم لكون الدنيا، وبناء لكون الآخرة. إنها تحول كوني عجيب من طبيعة إلى أخرى، يحدث في لحظة واحدة، كاللمحة من البصر! كما في قوله - تعالى -: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النحل: 77]. وقال: {وَمَا أَمْرُنَا إلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50].
إن الكون الدنيوي خَلْقٌ فانٍ، ومعمار إلى زوال. هذه هي الحقيقة الأولى.
أما الحقيقة الثانية، أي مفهوم الزمان؛ فهو مرتبط في دلالته بالمكان، بل إنما الزمان وليد حركة المكان. فالمكان الفاني لا ينتج عنه إلا زمان فان. كما أن المكان الخالد لا ينتج عنه إلا زمان خالد. ومن هنا كان العمر البشري ـ مهما توهمنا أنه طال ـ قصيراً جداً. ويكفينا في ذلك حقيقة واحدة: هي أن الشهوات الدنيوية كلها: لذتها تنتهي ببدايتها! كل شوق إلى المزينات الدنيوية يموت بمجرد الحصول عليها؛ فلذة الطعام الشهي الجميل إنما تشعر بها قبل أن تأكله، وعند بداية الأكل، ثم يبدأ بعد ذلك خط التلذذ في الهبوط حتى درجة الشبع، فالتخمة، حتى يصير اللذيذ بعد ذلك ممجوجاً قبيحاً، وقد كان قبل قليل في غاية اللذة.
وقس على ذلك كل المتع الدنيوية، مما زين للناس، من مثل الوارد في قوله - تعالى -: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14]. إن طبيعة الشهوات الدنيا أنها فانية، لا تكاد تبتدئ حتى تنتهي! وإنما جمال المتعة هو الخلود فيها. هذا هو الجمال الحق، وتلك هي الحياة الحق؛ ولذلك قال بعده مباشرة ينسخ قبح الزوال بجمال الخلود: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 15]. قضية العمر أو الزمان راجعة إلى هذا المعنى، فالفرق فيه ما بين الوهم والحقيقة؛ هو بالضبط فرق ما بين الفناء والبقاء.
وما أجمل قول الله الملك السلام في آيتي (يونس) مما أوردنا قبل للتدبر: {إنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( 42 ) وَاللَّهُ يَدْعُو إلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [يونس: 24 - 25]. تدبر قوله في آخر الكلام: {وَاللَّهُ يَدْعُو إلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.(14/242)
إنه معنى جميل جداً؛ فقد جاء مقابلاً لما ذكر من أمر الحياة الدنيا وزخرفها الفاني، ومآلها الحصيد. إذ كل ذلك مُوحٍ بالخوف والخراب؛ لأن دار الدنيا هي دار الخراب؛ فكل نفس تعلقت بها إنما تعلقت بالوهم، وهذه حقيقة رهيبة تملأ القلب هولاً وفزعاً، إذا كان لهذا الإنسان القارئ أو المستمع للخطاب الرباني قلب فعلاً {إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37]، فمقابل ذلك الشعور بما صوره القرآن لك من مآل مأساوي للحياة الدنيا، مكاناً وزماناً؛ ينفح الله روحك بالبشرى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إلَى دَارِ السَّلامِ}. السلام الحق الجميل الممتد بلا نهاية، يملأ عرض السماوات والأرض؛ ولكن ـ فقط ـ لمن آمن واهتدى. ولذلك قال: {وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}. فلا جنة بلا هداية. عمر ممتد بلا نهاية، وزمان بلا حساب، يغرف من جمال الله خلوداً إلى الأبد. ذلك هو السلام. قال ـ عز من قائل ـ: {إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ( 03 ) نَحْنُ أَوْلَيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ( 13 ) نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} [فصلت: 30 - 32].
* الحياة بين الطول والعرض:
إن الإنسان عندما يتدبر هذه الحقائق القرآنية العظيمة يرى بأم عينيه أن العمر الدنيوي مجرد حلم، وأن مفهوم (الحياة) إنما يتجلى بصورة حقيقية في الآخرة، حتى لكأن ما دون الآخرة ليس بحياة! وتلك آيات القرآن العظيم ناطقة بهذا. قال - عز وجل -: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64]. فلفظ {الْحَيَوَانُ} صيغة دالة في العربية على الامتلاء، كقولك (فيضان) بدل (فيض)؛ إذا كان قد بلغ السيل الزبى، والتقى الماء على أمر قد قدر، فجرف كل شيء، فيقال حينئذ: (فيضان). فلفظ (حيوان) هو بمعنى الامتلاء حياة، بل هو فيضان الحياة. تلك هي طبيعة الحياة الآخرة تفيض بالحيوية والحياة، وتمتد نعمها التي لا تنفد على عرض الكون، فلا يعرف لها نهاية، خلوداً مؤبداً، إلى ما شاء الله. ويبقى ما دون ذلك من (حياة) أشبه ما يكون بطعم الصياد الذي يغري الفريسة لتقع على المتعة الوهمية؛ فتكون من الهالكين. فهي (متاع الغرور) حقاً، كما قال - عز وجل - في سياق آخر: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].
والكافر لا يرى ذلك إلا بعد هلاكه. فما أعجب تعبير القرآن في هذا! إذ يقول الله ـ تبارك و- تعالى -: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ( 32 ) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: 23 - 24]. فحسرة الكافر وندمه إنما هو لكونه لم يقدم لحياته. ويقصد الحياة الآخرة، ولكنه لم يصفها بـ (الآخرة)؛ للدلالة على أنها هي وحدها حياته؛ إذ أدرك الآن عياناً أن ما سبق من حياته الدنيا ليس بحياة. فندم على تفريطه في حياته الحقيقية: الآخرة. ونتيجة الأمر أنه ما حيي إلا من حيي في الآخرة وللآخرة. وأما الدنيا فهي ـ بالنظر إلى هذا المعنى ـ ليست بحياة؛ إلا مجازاً.
فإذن لا طول للحياة الدنيا ولا بقاء لها مكاناً وزماناً. بل هي مجرد خدعة للإنسان إن لم يستثمرها للحياة الحقيقية: الآخرة. إنها ـ لو تدبرت ـ عمر في أيام.. فلا طول. وإنما الطول مفهوم يدل على الحصر؛ إذ ما سمي طولاً إلا لقابليته للعد والقياس، وكل معدود محدود. ومن هنا وصف الله الجنة بالعرض دون الطول. وذلك بعدما قرر - عز وجل - طبيعة الحياة الدنيا، فقال على سبيل الجزم والتحذير: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ( 02 ) سَابِقُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 20 - 21].
لقد ابتدأ الخطاب في الآية بهذا الأمر الجازم: (اعلموا..!) والعلم إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع قطعاً ويقيناً، أي بلا تردد ولا شك، ولا ظن. (اعلموا..) هكذا قطعاً. وجاء المثال القرآني العجيب مرة أخرى بصيغة أخرى: مثال الزرع؛ إذ ينبهر الفلاح بخضرته وجماله وسنبله، فلا يلبث أن يصير حقله الجميل حطاماً، أو حصيداً كأن لم يغن بالأمس! فكذلك الدنيا كلها بزينتها وأموالها وأولادها.. {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}.(14/243)
وهنا جاء المقابل الأخروي هذه المرة في القرآن الكريم بصيغة فريدة.. لا مثيل لها، جاء طلب المسابقة إلى المغفرة والجنة، ووصف الجنة بما قال - عز وجل -: {عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} فوصفها بالعرض دون الطول. ذلك هو الزمان الأخروي السعيد، والعمر الجميل المديد. تلك هي الحياة.. (خالدين فيها أبداً). إن (الطول) ـ كما ذكرنا ـ مفهوم محدود معدود. والجنة لا حد لها، ولا عد. إنها (الحيوان). فلا يليق بوصفها من ألفاظ الامتدادات إلا (العرض)؛ إذ بالعرض تعيش اللحظة الواحدة أكثر من مرة. أما الطول فلا يتيح لك من اللحظة الواحدة إلا خطوة واحدة، تخطوها إلى أمام؛ لتصبح بعد ذلك من (الماضي)، فلا يمكنك أن تسبح في النهر مرتين، كما قال الحكماء. وأما العرض فهو امتداد أفقي في الزمان الفسيح؛ إذ تتمتع بالمتعة الواحدة أبداً، وتعيش الشعور الواحد أبداً، وتغرف من اللحظة الواحدة معنى الخلود. صورته في الدنيا هي (بركة العمر)؛ حيث يبارك الله العمر القصير ـ ولا يكون العمر إلا قصيراً ـ ويزكيه؛ فينجز المؤمن فيه من الصالحات ما يمكنه بإذن الله من الخلود في الجنة. وصورته في الآخرة: حياة سعيدة مطلقة في الزمان، سابحة في الجمال، تنعم بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
فما أبلد من يستنزف طول عمره على حساب عرضه! ولا يسابق إلى هذا إلا من عرف الله ابتداء، ثم اكتشف هذا المعنى اللطيف (للحياة)، وذاق جماله، فسابق إليه. وإنما {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. فكيف السبيل إلى ذلك، وكيف المسير؟ ذلك هو البلاغ الرابع من بلاغات الرسالة القرآنية. فيه بيان طريق العمل، ورسم معالم السلوك.
حتى إذا وجدت ما وجدت، وعرفت من ربك ما عرفت، أبت عليك معرفتك، وما فاضت به عليك من جمال الأخوة الكونية؛ إلا أن تسعى بهذا الخير إلى الناس كل الناس.. داعياً إلى الله ومعرفاً به. لا يمكن لعارف بالله حقاً إلا أن يكون داعية إليه. وهل يستطيع المحب أن يكتم من محبته شيئاً؟ إن الوجدان ليضيق عن كتمان جمال تشرق أنواره على الكون كله!.. ولا يمكن للنور إلا أن ينير!
* إن الدعوة إلى الله إنما هي تعريف بالله.. فتأمل!
فكيف إذن يكون التعريف بالله؟
ذلك ما تبينه آيات الدعوة إلى الله من سورة (فصلت)، ذات (القواعد العشر). إنها خلاصة القول فيه، وجماعه؛ فقد فصلت المنطلقات تفصيلاً، وحددت الغايات تحديداً، وضبطت الوسائل ضبطاً. إنها منهج متكامل بذاتها في الدعوة إلى الله. وإن الناس اليوم لو أخذوا بها وحدها في هذا الشأن لكفتهم. اقرأها أولاً، ثم لنتعاون معاً على تدبرها آية آية إن شاء الله؛ عسى أن نصل إلى رسم منهاج قرآني للدعوة إلى الله. قال - تعالى -: {إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (03) نَحْنُ أَوْلَيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (13) نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (23) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ( 33 ) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ( 43 ) وَمَا يُلَقَّاهَا إلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ( 53 ) وَإمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 30 - 36].
هذه هي القواعد العشر في الدعوة. فأحصِ معي أصولها من خلال هذه الآيات واحدة واحدة، وتدبر:
1- {إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ}.
2 - {ثُمَّ اسْتَقَامُوا}.
3 - {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} عدها واحدة إلى قوله - تعالى -: {نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ}.
4 - {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ}.
5 - {وَعَمِلَ صَالِحًا}.
6 - {وَقَالَ إنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
7 - {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ}.
8 - {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
9 - {وَمَا يُلَقَّاهَا إلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
10 - {وَإمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
هذا هو الظاهر الجلي، ولكن يجوز أن تجد أكثر؛ فالقرآن بحر زاخر بالكنوز، لا يحصي معانيه إلا الله جل جلاله.(14/244)
ـ أما القاعدة الأولى: فهي أن (قول: ربنا الله) إعلان للتوحيد. تدبر.. إنه (قول). وهذا شيء مهم في حد ذاته، (فقوله) ذلك إعلان له، ودعوة إليه، وترسيخ له في المجتمع. ألم تسمع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي سأله: أن يقول له في الإسلام شيئاً لا يسأل عنه أحداً بعده؛ فقال له - صلى الله عليه وسلم -: «قل آمنت بالله فاستقم»(1)، وفي رواية أخرى: «ثم استقم». هكذا (قل) تصريحاً لا تلميحاً، إعلاناً وإشهاراً لا تورية وتقية، {إلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ} [النحل: 106]. فإنما أصل الدين إعلان توحيد الله، ورفع راية (لا إله إلا الله). فارفعها يا صاحِ عالياً عالياً، ارفعها فوق كل راية؛ حتى لا تظهر فوقها راية، {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39]. قل: «آمنت بالله» حيثما حللت وارتحلت، قلها في كل مكان.. أعلن تدينك ولا تخفه، أشهر سلوكك الإسلامي، وانتماءك الحضاري، وصبغتك الربانية، وكونك من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. عش بهذا المنطق، وبهذا الشعور واعتز به، ولا تخجل «إنك على صراط مستقيم». إنه مبعث الفخر إذا افتخرت الأمم بتفاهاتها المادية، وخزعبلاتها الفكرية، هذا دين رب الكون كله فاعتز به. {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8].
{إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} تلك هي القاعدة الأولى، فاحفظها بوجدانك؛ فقد جعلها الله أول شرط الفلاح. فاعرف ربك وعرِّف به على ما فصلنا في البلاغ الثاني من هذا الكتاب، تكن قد قلت: ربنا الله.
ـ وأما القاعدة الثانية: فهي الاستقامة على قولك ربنا الله.. {ثُمَّ اسْتَقَامُوا}، أي الالتزام بما أقررت، والوفاء بما شهدت به على نفسك، وشهد به عليك الله، والملائكة، والناس أجمعون. ذلك صراط مستقيم أقررت به، فاستقم عليه عقيدةً وسلوكاً، ظاهراً وباطناً، خوفاً ورجاء؛ تكن من الصادقين؛ ذلك أن الاستقامة على توحيد الله ـ معرفةً وتعريفاً ـ في ربوبيته وألوهيته، وما تفرع عن هذه وتلك، من معان رفيعة سامية، كعبادته - تعالى - بما له من أسماء حسنى وصفات عُلا، إثباتاً لها، ودعاءً بها، وسيراً إليه في أنوارها.. كل ذلك وما في معناه من مقتضياته يجعلك مسلماً حقاً، ويحقق وعد الله فيك من الأمن في الدنيا والآخرة. وبيانه كما يلي:
ـ القاعدة الثالثة: التبشير وعدم التنفير. وذلك ببناء الكلام في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ على قصد تحبيب العباد في رب العباد. إذ على ذلك ينبني مفهوم الخوف والرجاء. انظر كيف بشر الله من استقام على ذلك بالجنة وبالولاية الربانية الحقة، والنجاة من غضبه وعذابه. إنه شعور جميل جداً. شعور بالأمن الروحي، والسلام الوجداني، يفيض بالقلب المؤمن الصادق. إن العبد ليجد جمال الكرم الإلهي في نفسه، ونور رحمته ينبعث من صدقه، في توجهه وسيره إلى الله، مع خوفه من زوال ذلك؛ مما ينشط حركة سيره، وسرعة إقباله على ربه رغباً ورهباً. فـ (البشرى) هي أعظم ما يحب الإنسان أن يسمع في حياته. وهي أرفع منازل الدعوة إلى الله، وأرقاها غاية ووسيلة. إلا أنه معلوم شرعاً وعقلاً أن البشرى لا تتحقق إلا إذا لابسها خوف عدم حصول المرتجى. فالتخويف أساس لتحقيق التبشير؛ ولذلك قلما ذكر الترغيب في القرآن إلا ذكر معه الترهيب؛ فهما حقيقتان متلازمتان. إلا أن ضابط ذلك وجماعهما هو التحبيب. أي لا يجوز أن يُفَرِّط المرء في أحدهما، أو يُفْرِط بما يؤدي إلى تنفير النفس عن المقصود، وتيئيسها من الله والعياذ بالله. بل يجب أن يكون التخويف على قدر ما يحبب العباد في رب العباد؛ فههنا ميزان من الحكمة قلَّ من يحسنه من الناس. ولذلك قال ابن القيم - رحمه الله -: «ويندرج الخوف والرجاء في الحب»(2).
فاجعل التبشير بالخير في الدنيا والآخرة جوهر خطابك للناس، واجعل النذارة له مصدقة؛ حتى لا تتواكل الأنفس، وتتراخى عن أداء حق الله. واقصد إلى تعريف الخلق بالله؛ فإنهم إن عرفوه حقاً أحبوه؛ فتعلقوا بعبادته آنئذ خوفاً وطمعاً. ففي الصحيحين: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن؛ قال: يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا»(3)، وفي مسلم: أن أبا موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمُعَاذاً إلى الْيَمَنِ. فَقَالَ «ادْعُوَا النّاسَ، وَبَشّرَا وَلاَ تُنَفّرَا، وَيَسّرَا وَلاَ تُعَسّرَا»(4).
ومن ألطف النصوص في هذا المعنى ما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: «إن رحمتي سبقت غضبي»(5). فهذا رب العالمين يعلمنا أن نجعل خطاب الرحمة سابقاً في دعوتنا، ونجعل لذلك النذارة خادمة للبشارة؛ لأن الكل مشمول بقصد المحبة. وما أجمل وصف الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، في ذلك، وهو سيد الدعاة إليه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128]. فأشد الناس خوفاً من الله هو أشدهم محبة له. بهذا المنطق وجب أن تبني خطابك أيها الداعية؛ فما تفرد النذير في موطن من الكتاب والسنة إلا لحكمة خاصة.(14/245)
- القاعدة الرابعة: الدعوة إلى الله لا إلى ذات الهيآت والمنظمات. تدبر قوله - تعالى -: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ}، فهو أولاً متفرع عن (القول) الأول: {قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} وفي سياقه. فإعلان التوحيد بالتعرف على الله والتعريف به، أمر متضمن لما نحن فيه: (قول الدعوة إلى الله) فليس الداعي الحق إلى الله إلا معرفاً به؛ ولذلك كان هذا أحسن ما يعلنه العبد في طريق عبادة الله في الأرض: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً...}. ثم هو (دعوة إلى الله) على غرار قوله في سياق آخر مما سبق بيانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]. فهي دعوة إلى (الله) جل جلاله وجماله، توحيداً وتفريداً وتجريداً؛ رغبة ورهبة.. فتدبر.. لا ضير أن تنظم عملك ضمن أي تنظيم دعوي، ما دامت أصوله العقدية سليمة، وما دام منهجه الدعوي مستقيماً على الكتاب والسنة، ولكن احذر أن يختلط عليك الأمر، فتدعو الناس إلى التنظيم بدل دعوتهم إلى الله، فتكون قد اتخذت التنظيم آنئذ وثناً يعبد من دون الله الواحد القهار. اجعل الله غايتك على كل حال. واتخذه هدفاً لدعوتك: تتعرف عليه وتعرف به؛ تكن أحسن القائلين في الدين. اجعل تنظيمك أو جماعتك خادمة لله، ولا تجعل الله خادماً لتنظيمك أو جماعتك، فتدبر.. تلك لطيفة من لطائف قوله - تعالى -: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ}. وقد فصلنا الكلام في هذا المعنى بكتابنا (البيان الدعوي)، معززاً بأدلته الوافية هناك، فارجع إليه إن شئت، والله الهادي إلى الحق، ولا حق سواه.
ـ القاعدة الخامسة: في أن العمل الصالح أساس الدعوة إلى الله، وعلى رأسه الصلاة. ولذلك قال: {وَعَمِلَ صَالِحًا} عطفاً على إحسان القول. فلا قول حسن إلا إذا انبنى على عمل صالح، ثم انبثق عنه عمل صالح. فويل لمن ناقضت أفعاله ما أظهر للناس من أقواله. إن الاستقامة التي اشترطت على الذين قالوا ربنا الله هي هنا قد سيقت مساقاً دعوياً ظاهراً، بمعنى أنه يجب أن تنتبه إلى أن الداعي إلى الله يدعو بقوله وبفعله، كما أن المفتي يفتي الناس بقوله وبفعله أحب أم أبى؛ فسلوكه الفعلي مناط اتباع؛ تلك سنة الله في الخلق. فاجعل عملك صالحاً حتى تكون به مصلحاً؛ ويأجرك الله مرتين.
ـ القاعدة السادسة: إعلان الانتماء لكل المسلمين، والحرص على عدم تفريق وحدتهم العامة. {وَقَالَ إنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] فـ (من) هذه تفيد التبعيض كما هو معلوم عند اللغويين. والمعنى: أنك واحد من المسلمين، جزء من كل. فالدعوة إلى الله هي دعوة إلى الله، وانتماء عام لكل المسلمين. وفي ذلك راحة من مضايق الهيآت والجماعات. فما أجمل أن تجيب الداعي إلى الله إذا سئلت: (من أي جماعة أنت؟) فتقول: (من المسلمين)؛ ذلك الحق من رب العالمين، (فماذا بعد الحق إلا الضلال)!
ـ القاعدة السابعة: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ}. هذا مبدأ ثابت من مبادئ القرآن، فاثبت عليه. لا يستوي الخير والشر، لا يستوي الحق والباطل، لا يستوي المعروف والمنكر، لا يستوي الكلام الطيب والكلام الخبيث. ونتيجة ذلك دعوياً: لا تستوي الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، والدعوة إليه بالتي هي أخشن. لا يستوي في ميزان الله من يقرب الناس من الله ويعرفهم بجماله وجلاله، ومن ينفرهم عنه ويجهلهم بقدره، وإن ظن أنه بذلك يحسن صنعاً، فلا تغتر به. هذا كتاب ربنا واضح في المسألة وضوح الشمس في رابعة النهار، وتلك سنة نبينا قاطعة بأن المنهج الدعوي الإسلامي إنما هو ما اتسم بالحلم والأناة، والتيسير على الناس في طريق تعريفهم بحقوق ربهم. ذلك هو الحق الثابت أبداً: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ}.(14/246)
ـ القاعدة الثامنة: دفع الشر بالخير. وهي تفسير للقاعدة السابقة، وبيان لها، وتحقيق خاص لمناطها العام: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}. فالعلاقة بين القاعدتين هي العلاقة بين المبدأ الكلي والتطبيق الجزئي؛ كما هي العلاقة بين المطلق والمقيد؛ وذلك مثلاً حيث يواجهك الخصوم في الدعوة إلى الله من أهلك وعشيرتك، أو حكومتك، أو يحاصرونك؛ فاقتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا تلتفت إلى غيره، إياك أن تغلبك الرغبة الجامحة في الانتقام؛ لا يستفزنك تحرشهم، ولا يثيرنك جهلهم وعنتهم، وخاصة أن مناط الأحكام في الدعوة في هذا الزمان غالب أمره أنه يتنزل في بلاد المسلمين، ويخاطب من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فكيف تنزع إلى العنف الجاهلي؟ ـ حاشا الجهاد في سبيل الله ـ إنك إن تفقد منهج القرآن، وتخطئ سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة إلى الله؛ تفقد صفة الداعي إلى الخير؛ والله أمرك أن تدعو إلى الخير، كما بينت لنا الآية قبل: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: 104]، وتفقد صفة الداعي إلى الله، فلا تكون داعية إلا إلى نفسك. حذارِ من التشنج، حذارِ من الغضب لنفسك. ما دمت قد جعلت نفسك لله فاجعل الكل لله، ولا تتحرك في الدعوة إليه - تعالى - إلا بما تقدر أنه لله. {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} تلك مقدمة مسلَّمة في منهج الله، نتيجتها واضحة حاسمة، هي: {فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}. تلك هي الحكمة المذكورة بوضوح في قوله - تعالى -: {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين} [النحل: 125]. عجيب كم ضل كثير من الدعاة ـ مع الأسف ـ عن منهج الله لما هجروا القرآن إلى غيره من الأهواء، مستجيبين لردود الأفعال. ألا ما أوضح القرآن، لو يدَّكرون.. {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 17]، ولكن الضلال عمى. اقرأ يا صاحِ مرة أخرى.. وتدبر: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}. ذلك هو الأصل في المنهج الدعوي، وما سواه جزئي حادث، ولكل حادث حديث. وإنما العبرة عندنا في هذا الكتاب تقعيد الأصول.
ـ القاعدة التاسعة: في الصبر على الأخذ بالمنهج القرآني؛ ذلك أنه يحمل النفس على معاشرة الناس فيما تكره من تحمل الأذى في الله، ودفع الشر بالخير، ودفع الجَهَلَةِ بالحكمة والموعظة الحسنة، ودفع العداء بالتي هي أحسن. كل ذلك شديد على النفس؛ لأنها جبلت على محبة ذاتها، والانتقام لها؛ ولذلك قال في القاعدة التالية: {وَمَا يُلَقَّاهَا إلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}. فدرِّب نفسك على الصبر حيث يجب الصبر، وعلِّمها كيف تكبح جماحها؛ حتى لا ترد الجهلَ بالجهل، والشرَّ بالشر، فتزيغ عن الصراط المستقيم.
ـ القاعدة العاشرة: الحذر من الشيطان. وههنا لطيفة من اللطائف؛ ذلك أن بعض المسلمين قد يغيب عنه في فتنة الانغماس الاجتماعي أن الشر من الشيطان. حقيقة كبرى قد تنسى.. اذكر هذا جيداً وجدد إيمانك به. إن الشيطان الملعون خَلْقٌ من خَلْقِ الله، بل هو شر خلق الله، إنه ليس وهماً ولا خيالاً، إنه حقيقة. إنه يسعى لتضليل عباد الله، وأنت واحد ممن يستهدفه الشيطان بغوايته، وكل الناس معرض له. فتدبر.. يجب أن تعرف الشيطان وحيله الخبيثة؛ فالمؤمن الكيِّس الفطن هو من يسأل عن الشر مخافة أن يلحقه؛ فاسأل عنه حتى تعرفه؛ فإنك إن تجهل به تقع في أحابيله. والله - عز وجل - عرفنا به في غير ما آية من القرآن، فقال - تعالى -: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27].
وقال - عز وجل - في وجوب اتخاذ الشيطان عدواً: {إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6] وقال: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (811) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (911) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إلاَّ غُرُورًا (021) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا} [النساء: 118 - 121].
* اعرف عدوك تنتصر عليه!
اعرف الشيطان حتى تعرف طبيعة العلاقة بينه وبين المسلم عموماً، وبينه وبين الداعية إلى الله خصوصاً. إنك إذ تدعو إلى الله تقوم بهدم ما بناه إبليس اللعين؛ فتزداد عداوته لك أضعافاً مضاعفة، ولكنك إن اعتصمت بالله واستعذت به فلن يصل إليك، فلا سلطان له على عباد الله الصالحين.(14/247)
إن أسهل ما يمكن أن يزرعه في قلبك هو أن يشغلك بالحسن دون الأحسن، فإذا استجبت له نزل بك دَرَكة، فدَرَكة؛ حتى يجعلك من الغاوين. ومن هنا قال - عز وجل - من بعد ما أرسى قواعد المنهج الدعوي: {وَإمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36]. لقد كان السياق في الحض على الصبر، والثبات على منهج الدفع بالتي هي أحسن، وعدم الاستجابة لاستفزاز خصوم الدعوة: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ( 43 ) وَمَا يُلَقَّاهَا إلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34 - 35]. فقال بعد ذلك مباشرة: {وَإمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36] فجاءت القاعدة العاشرة في الاستعاذة من نزغ إبليس اللعين؛ خاتمة للقواعد العشر في المنهج القرآني للدعوة؛ حتى يستشعر الإنسان استقامة ما هو عليه من صراط، وصواب ما سار عليه من سبيل، وأنه ماضٍ في ذلك على بصيرة يدعو إلى الله. فمهما حصل من اختلال طارئ، أو ابتلاء سابق؛ فاثبت على منهجك لا تغير ولا تبدل ما دمت تنهل من القرآن، كتاب الله رب العالمين، وكلما ألقى الشيطان في روعك من الوساوس ما ألقى؛ {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
* خاتمة:
أحسب أن تلك قواعد وضوابط تضع الداعية على منهج التعرف إلى الله جل جلاله، والتعريف به. وإن الحركة الإسلامية إذ يكون ذلك هو غايتها، في سائر أوجه نشاطها الإسلامي؛ فإنها تأمن كل أشكال الشرود والانحراف بين أفرادها والمتعاطفين معها، إلا ما شاء الله، وتضمن بإذن الله لتوجهها السلامة من الزيغ عن المقاصد التعبدية، والنجاة من الانجراف إلى المقاصد الدنيوية والمكاسب الحزبية الضيقة، في أي مجال كانت أنشطتها، سواء في المجال السياسي أو الاجتماعي أو النقابي أو الإعلامي... إلخ. ذلك أن توسل العبد بكل أشكال أنشطته للتعرف على الله والاشتغال بالتعريف به يملأ قلبه جمالاً إيمانياً قلَّما يجتمع معه حب الشهوات، وابتغاء الضلالات، مما يجنب الحركة الإسلامية كثيراً من الويلات والزلات. ولا نجاة إلا لمن عصمه الله منها.
-------------
(*) رئيس قسم الدراسات الإسلامية، جامعة المولى إسماعيل، مكناس المغرب.
(1) رواه مسلم.
(2) متفق عليه.
(3) رواه أحمد والحاكم بسند صحيح.
(1) رواه مسلم.
(2) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، لابن القيم: 1/ 421، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، تحقيق زكريا علي يوسف.
(2) متفق عليه.
(4) رواه مسلم.
(5) رواه البخاري.
شعبان 1423هـ *أكتوبر - نوفمبر 2002م
http://albayan-magazine.com المصدر:
=============
إنما يوفى الصابرون أجرهم بغيرِ حساب
أخيتي الغالية
إن الدنيا دار ابتلاء ولكل شخص في هذه الدنيا ابتلاء لا تقولي أنا ليس لدي ابتلاء..لا والله حتى حين تنعمين بالنعم فيما حولك فهذا ابتلاء..هل تشكرين الله عليها أم لا... ((اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطان))
لكن أخية
اخترت لك هذه الكلمات الجميلة من شيخ الإسلام ابن تيمية فأوصيك غاليتي بقراءتها والتمعن في معانيها
وتذكريها حين تصابين بإبتلاء فلنبدأ....
وبعد، فإن الصبر من أعظم خصال الخير التي حث الله عليها في كتابه العظيم، وأمر بها رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - في سنته المطهرة، وقد وردت مادة (صبر) في القرآن الكريم في مائة وأربعة مواضع، على تنوع في مواردها وأسباب ذكرها.
فقد أمر الله نبيه بخلق الصبر فقال: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ} [النحل 127] وقال - تعالى -: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف 35].
وأمر الله به المؤمنين، فقال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران 200].
وأثنى على أهله، فقال - تعالى -: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة 177].
وأخبر بمحبته للصابرين، فقال - تعالى -: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران 146]، ومعيته لهم، فقال - تعالى -: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال 46].
ووعدهم أن يجزيهم أعلى وأوفى وأحسن مما عملوه، فقال - تعالى -: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل 96]
وقال - تعالى -: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر 10].
وبشرهم فقال - تعالى -: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة 155]
وأخبر أن جزاءهم الجنة فقال - تعالى -: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان 12].
وقرنه بالصلاة في قوله - تعالى -: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاة} [البقرة 153]
وقوله - تعالى -في سورة يوسف: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف 90]
وقرن الله - تبارك وتعالى - الصبر بالعمل، فقال: {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود 11]
وقرنه بالاستغفار: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالأِبْكَارِ}(14/248)
وقرنه بالتسبيح، في قوله - تعالى -: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور 48]
وفي قوله - تعالى -في سورة طه: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه 130]
وقرنه بالشكر في عدة آيات، قال - تعالى -: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم 5].
وحديث القرآن عن الصبر متنوع وممتع مما يدل على أهميته ومكانته العظيمة، وكذا الشأن في السنة النبوية، فقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته على هذا الخلق الكريم، وكانت سيرته - صلى الله عليه وسلم - أنموذجاً يحتذى في التخلق بخلق الصبر بشتى أنواعه وأعلى درجاته، ومن قرأ في سيرته العملية وسنته القولية سيجد أن للصبر شأناً عظيماً.
قال - صلى الله عليه وسلم -: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله عجب، لا يقضي الله لمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له".
فهذا الحديث يعم جميع أقضيته لعبده المؤمن وأنها خير له إذا صبر على مكروهها وشكر لمحبوبها، بل هذا داخل في مسمى الإيمان كما قال بعض السلف: "الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر" لقوله - تعالى -: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}
وإذا اعتبر العبد الدين كله رآه يرجع بجملته إلى الصبر والشكر،
وذلك لأن الصبر ثلاثة أقسام:
** صبر على الطاعة حتى يفعلها، فإن العبد لا يكاد يفعل المأمور به إلا بعد صبرٍ ومصابرة ومجاهدة لعدوه الباطن والظاهر، فبحسب هذا الصبر يكون أداؤه للمأمورات وفعله للمستحبات.
** النوع الثاني: صبر عن المنهي عنه حتى لا يفعله، فإن النفس ودواعيها، وتزيين الشيطان، وقرناء السوء، تأمره بالمعصية وتجرئه عليها، فبحسب قوة صبره يكون تركه لها، قال بعض السلف: أعمال البر يفعلها البر والفاجر ولا يقدر على ترك المعاصي إلا صديق.
*** النوع الثالث: الصبر على ما يصيبه بغير اختياره من المصائب وهي نوعان:
* نوع لا اختيار للخلق فيه، كالأمراض وغيرها من المصائب السماوية، فهذه يسهل الصبر فيها، لأن العبد يشهد فيها قضاء الله وقدره، وإنه لا مدخل للناس فيها، فيصبر إما اضطرارا، وإما اختيارا، فإن فتح الله على قلبه باب الفكرة في فوائدها وما في حشوها من النعم والألطاف انتقل من الصبر عليها إلى الشكر لها والرضا بها، فانقلبت حينئذ في حقه نعمة، فلا يزال هجيرى قلبه ولسانه رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وهذا يقوى ويضعف بحسب [قوة] محبة العبد لله وضعفها، بل هذا يجده أحدنا في الشاهد كما قال الشاعر يخاطب محبوبا له [ناله ببعض ما يكره]:
* النوع الثاني: أن يحصل له بفعل الناس في ماله أو عرضه أو نفسه.
فهذا النوع يصعب الصبر عليه جداً، لأن النفس تستشعر المؤذي لها، وهي تكره الغلبة، فتطلب الانتقام، فلا يصبر على هذا النوع إلا الأنبياء والصديقون، وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - إذا أوذي يقول: يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر وأخبر عن نبي من الأنبياء أنه ضربه قومه فجعل يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه جرى له هذا مع قومه [فجعل يقول مثل ذلك]، فجمع في هذا ثلاثة أمور: العفو عنهم، والاستغفار لهم، والاعتذار عنهم بأنهم لا يعلمون، وهذا النوع من الصبر عاقبته النصر والعز والسرور والأمن والقوة في ذات الله، وزيادة محبة الله ومحبة الناس له وزيادة العلم، ولهذا قال الله - تعالى -: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، فإذا انضاف إلى هذا الصبر قوة اليقين والإيمان ترقى العبد في درجات السعادة بفضل الله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
غالياتي
ربما أكثرت عليكن.. لكن كلامه جميل جدا
أسأل الله أن أستفيد أنا منه
أسأل الله أن يفتح على قلبي وقلوبكن
والله لقد خصصت هذا الموضوع لإحدى الأخوات التي تعاني من كربه وأرجو من الله أن ييعينها على كربتها
كلنا لنا ابتلاء والله ينظر إلى قلوبنا يالغاليات ونصبر ((ومن يتوكل على الله فهو حسبه)) أترككن بحفظ الرحمن.
http://www.saaid.net المصدر:
============
تجربة في الخطابة
لطف الله بن عبد العظيم خوجه
مضى على انتظامي في الخطابة أربعة عشر عاما، وهي فترة كافية لتسجيل ما لدي من خبرة في هذه التجربة.
مهما تعلم المرء ودرس كيفية إعداد الخطبة، فلن يكون مثله مثل من نالها عن: خبرة، ومكابدة، ومعالجة طويلة. وليس المعنى غلق باب الاستفادة من السابقين، كلا، لكن الفائدة لا تكمل، ولا تحسن، ولا تتعمق إلا بالمكابدة، وحسب المستفيد من تجارب الآخرين أنه تقدم خطوات.
كيف تعد خطبة؟.
سؤال مهم لأمرين:
الأول: كونه يتعلق بأمر شرعي، فقد أمر الله المؤمنين بإقامة خطبة الجمعة، وأوجبها وفرضها.
الثاني: كونه يتعلق بعملية لها تأثير كبير في صياغة التوجهات والعقول.
أولاً: مشروعية الخطبة.(14/249)
شرع الله - سبحانه وتعالى - للمسلمين عيدا كل أسبوع، يجتمعون فيه للصلاة وسماع الذكر، وهم في أحسن هيئة، متطهرين، متطيبين، خاشعين، كافين أيديهم وألسنتهم، سامعين، منصتين، كما جاء الأمر بذلك في نصوص معروفة، فاستماع الخطبة غاية، فإن الصلاة يجتمع لها كل يوم خمس مرات، لكن الجمعة امتازت بالخطبة، ومن هنا أمر الشارع وحث على حضور الخطبة، ورتب أجور كبيرة على التبكير، فقد روى أبو داود عن بسنده عن أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع، ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها) [في الطهارة، باب: الغسل يوم الجمعة]
وحرم من تأخر، فأتى بعد الشروع في الخطبة، من أن يكتب في صحيفة المسارعين.
فإذا تأملنا حرص الشارع على: تهيئة الناس، وإعدادهم لسماع الخطبة. أدركنا أهمية العناية بأمرها، وإتقانها، وأدائها على أحسن وجه ممكن. فقوم جاءوا متطهرين، متطيبين، خاشعين، في أدب وإنصات، لا يتحقق مثله في غير هذا الموطن، من حقهم أن يحترموا، ويقدروا، ولا يتحقق تقديرهم إلا بإسماعهم المفيد الجيد الحسن من الذكر والعلم. فقد أتوا طائعين، ولو شاءوا لكانوا من المتأخرين، فليس من المروءة والكرم مقابلتهم بكلام غير مفيد، أو كلام ممل، غير مرتب، لم يبذل فيه مجهود، وربما كتب قبل الجمعة بساعة!!..، فما أمر الله - تعالى -به يجب أن يتقن، فهو من القربات، وإتقان القربات يزيد في الحسنات.
ثانيا: أثر الخطبة في تقويم الناس.
أستطيع أن أقول وبثقة: إن المنابر هي المؤثر الأول في توجيه الناس.
ربما كان هناك من يرى وسائل الإعلام أشد أثرا، وأنا أوافقه على ذلك، بقيد:
- ما إذا كان ما يعرض فيها من جنس ما يطرح في المنابر.
نعم حينذاك يكون لوسائل الإعلام أثرا كأثر المنابر، لكن إذا كان المعروض في وسائل الإعلام فاسد الفكر والخلق، فلا، بل الغلبة للمنابر بلا ريب، وذلك: أن كل باطل فمصيره إلى الزوال، ولا بد، ولا يبقى إلا الحق، قال - تعالى -:
- "فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
- "قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب * قل جاء الحق وما يبديء الباطل وما يعيد".
"بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق".
فالمنابر ليس فيها إلا الحق والإيمان، وهو الباقي، وأما غيرها فما فيها من باطل فلن يبقى، ولو اتبعه الناس فإلى حين.
أما ترى الناس إذا أرادوا الخير والنجاح والنجاة لأنفسهم، في: تفريج كربة، أو جواب سؤال، أو حل مشكلة. توجهوا إلى المساجد، وتركوا وسائل الإعلام وما فيها، إذا كان باطلا، وراءهم ظهريا؟.
فهذا حال الناس، يبحثون عن اللهو واللعب في وسائل الإعلام، أما الجد والانطلاقة الصحيحة والإيمان، فإنهم إنما يبحثون عنها في بيوت الله - تعالى -، حيث: المحاريب، والمنابر، وكراسي العلم. وهذه حقيقة ساطعة يجب أن نلتفت إليها لندرك حقيقة: أثر المنبر. فإنه المؤثر الأشد على قلوب الناس.
ولا أدل على هذه الحقيقة من: نجاح هذه المنابر في توعية الناس، واستنقاذ قطاع عريض منهم، من فساد كثير من وسائل الإعلام، حتى باتت مصدر قلق لكل من يعادي الإسلام، ولقد تمنى كبار النصارى أن يكون لهم منبر يجتمع الناس إليه كل أسبوع، كما للمسلمين.
إن الأثر الكبير للمنبر ينبع من: كون ما يلقى فيه، ويتلى عليه، إنما هو كلام الله - تعالى -، وحديث رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو كلام يدور حول ذلك.
ومعلوم أن خطاب الشارع يلمس الفطر مباشرة بلا واسطة، ومن دون حجاب، ويخاطب العقل بحجة واضحة، فإذا كان الكلام يمس الفطر مباشرة، ويحج العقل بأدلته، فلا ريب أنه سيكون المؤثر الأقوى على النفوس، وهذا سر تأثير الخطب أكثر من غيرها:
- إن فيها الصدق، وليس فيها الكذب.
- فيها الأمانة، وليس فيها خيانة.
- فيها حرارة الإيمان، وليس برودة الكفر.
- فيها المحبة، وليس فيها الكراهية.
- فيها الإرشاد إلى الخير، والتحذير والتبصير بحقيقة الشر.
- فيها الفضيلة، وليس فيها رذيلة.
- وكل ذلك يخترق الآذان، ويصل القلوب، ويخاطب النفوس بحساسية وشفافية.
ها قد عرفنا طرفا من أهمية الخطبة، من حيث الشرع، ومن حيث أثرها، فإذا بان ذلك، فإن السؤال السابق يعود مرة أخرى ليطلب جوابه: كيف تعد خطبة؟.
نعم كيف تعد خطبة؟..
طريقة إعداد الخطبة.
أول ما يتبادر إلى الذهن عند طرح هذا السؤال: الطريقة التقليدية السائدة وهي:
- تحديد الموضوع المراد، ثم حصر أدلته من الكتاب، ثم من السنة، ثم تتبع أقوال أهل العلم، ثم ترتيبه على هذا النحو، ثم بيان حقيقته، وصوره، وأهميته، وفوائد الامتثال لما جاء فيه، وسلبيات إهماله، مع مقدمة وخاتمة.
لو ضربنا مثلا بموضوع الربا، فإن الطريقة المتبعة في الإعداد هي: إيراد أدلة تحريم الربا من القرآن، ثم من السنة، ثم أقوال أهل العلم، ثم بيان حقيقته وصوره، ثم الحكمة من تحريمه، وفائدة اجتنابه، وخطر التعامل به.
وهكذا في كل موضوع.. قد تختلف بعض النقاط، وقد تزيد وقد تنقص، ويقدم هذا ويؤخر هذا، بحسب الموضوع، لكن البنية الأساسية في جميعها واحد.
ووصف هذه الطريقة أنها تقليدية لا يعني بالضرورة ضعفها أو عدم جدواها، كلا، فقد تكون مفيدة، وقد لا يتيسر غيرها، وقد تكون في غاية التأثير، وذلك بحسب جودة الإعداد، ودقة العبارة، وحسن العرض، لكن هي على كل حال: طريقة منطقية، تقليدية، وترتيب سائد معروف عند أهل العلم وغيرهم. وهي أحسن الطرق في استيفاء نقاط الموضوع، وإعطاء كل نقطة حقها من الكلام والعرض. لكن:(14/250)
هل الخطبة مختصة بهذه الطريقة ضرورة؟.. وهل يجب أن يكون ما يطرح فيها مستوفى النقاط غير ناقص؟.
الجواب: يبدو أن ذلك ليس واجبا. وليست الخطبة مختصة بتلك الطريقة، بل هي طريقة من الطرق، ومن الجائز اتخاذ طرق أخرى غيرها، ما دامت خالية من أي محذور شرعي، والعلة في ذلك:
أن الخطبة لا يشترط فيها أن تكون درسا علميا، يجب فيه الشرح والتفصيل والاستيفاء، بل قد تكون موعظة وتذكرة لا يشترط فيها إلا صحة الكلمة، وتحريك القلوب، لا يلزم فيها الاستيفاء والشرح، كما هو معلوم، فبالكلمة الواحدة والجملة والجملتين، قد تتحقق الموعظة ذات الأثر البالغ، ويحصل المقصود، وهذا مجرب معروف، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعظ في خطبه، كما كان يعلم، في كلمات معدودة، قصيرة لا تتجاوز بضعة دقائق، لكنها مؤثرة، محركة للقلوب، مقومة للسلوك، يلقيها النبي - صلى الله عليه وسلم - بصوت مسموع مرتفع، يشتد، وتحمر عيناه، كأنه منذر جيش، يقول: (صبحكم، ومساكم). [مسلم، الجمعة، باب: تخفيف الصلاة]
فنحن الآن بين نوعين من الخطب: الخطب العلمية، والخطب الوعظية.
وكلاهما مهم، والناس بحاجة إليهما، الخطب العلمية لها طريقتها الموصوفة بالتقليدية، كما بينا آنفا، والوعظية لا يشترط فيها ما يشترط في العلمية..
وبكلا النوعين كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، وكانت خطبه تمتاز بالقصر، والكلمة الجامعة، ولم يكن يحرص على استيفاء نقاط ما يريد الكلام فيه، ولا اتباع طريقة الشرح والتحليل، بل كلمات معدودة جامعة.
إذن، إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتبع في خطبه طريقة الاستيفاء والشرح المفصل، فهذا دليل على عدم اشتراط تلك الطريقة، وهذا هو المطلوب.
لكن ههنا سؤال وهو:
- أليست تلك الخطب التقليدية خلاف هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبه؟.
- وأليس من السنة قصر الخطبة، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: (قصر خطبة الرجل، وطول صلاته: مئنة من فقهه) [رواه مسلم، في الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة]، ومعنى مئنة: أي دالة على فقهه؟.
فالجواب:
أولاً: قصر الخطبة من المستحبات، بمعنى أن التطويل ليس محرما، وقد خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - بسورة ق.
ثانياً: المقصود بالخطبة هو الذكر والموعظة والتعليم، فإن حصل ذلك بخطبة قصيرة، وبكلمات معدودة، جامعة، يفهمها الناس، فهو الأولى والأحرى والأفضل، لموافقة الهدي النبوي، لكن:
ماذا لو أن الخطيب لا يملك الفصاحة والبلاغة، والقدرة على حصر المعاني واختصار ألفاظها؟.
وماذا لو أن أذواق الناس وأفهامهم قد فسدت وتعطلت، حتى ما عادوا يفهمون إلا بالشرح والتبسيط؟..
يبدو أنه حينئذ لا مناص من الشرح والتفصيل والتبسيط، حيث إن المقصود من الخطبة هو حصول الموعظة والعلم، فإن كانت لا تحصل إلا بهذه الطريقة، فما حيلة المضطر إلا ركوبها، وعندئذ لا يبدو أن المطيل في خطبته، بالمقارنة بخطب النبي - صلى الله عليه وسلم -، مخالفا للهدي النبوي، وذلك لأن الغاية والمقصود لا يتحقق إلا بها، وقد كانت الوسيلة في عهد النبوة الاختصار والقصر، لكون الناس على فهم صحيح، وخطيبهم أوتي جوامع الكلم، أما وقد تغير ذلك، فامتنع حصول المقصود من الخطبة إلا بالشرح والتفصيل، فلا أظن من الصواب تخطئة هذه الطريقة، خاصة إذا عرفنا أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب بسورة ق~، والخطبة بها فيها شيء من الطول.
وتسويغ تطويل الخطبة عن الحد النبوي لا يعني التوسع في ذلك، بل ينبغي على الخطيب أن يجتهد في الاختصار قدر ما يمكنه، ويتخلص من داء التكرار المزعج، والشرح الممل حتى لما هو واضح.
ذلك من حيث قصر الخطبة وطولها، أما من حيث طريقتها، فإن الطريقة النبوية تقوم على طرح جزء من الموضوع والقضية المراد الحديث عنها، دون تقصٍ أو استيفاء، وهذا بخلاف الطريقة التقليدية القائمة على التقصي والاستيفاء.
- فهل هذه الطريقة كذلك تعد مخالفة للسنة؟.
الجواب أن يقال: الشارع لم يأمر باتخاذ طريقة معينة في إعداد الخطبة، لم يأمر بطريقة الاستيفاء، وكذا لم ينه عنه، ولم يأمر بطريقة طرح جزء من الموضوع، هو الأهم والمناسب للمقام والحال، ولم ينه عنه، بل أمر بإقامة الخطبة، وترك تحديد الطريقة، بحسب حال الخطيب، وحال السامعين، وقد كانت خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - قصيرة، ومن ثم لم يكن من الممكن بحال استيفاء الموضوع، وقد عرفنا أنه أوتي جوامع الكلم، والسامعون على قدر كبير من الفهم والإيمان والعلم، لكن الحال اليوم مختلف، الناس في قلة من العلم والإيمان، والناس محتاجون إلى معرفة كل ما يتعلق بالموضوع المطروح، لجهالتهم بكثير من أساسيات الدين، والمنبر كما أنه للوعظ كذلك هو للتعليم، فما الذي يمنع حينئذ من اتخاذ طريقة الاستيفاء؟.
يبدو أنه لا مانع، خاصة وأنه ليس ثمة دليل يمنع من ذلك، غاية الأمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله، لظروف الحال في زمانه، حيث السلامة في الفهم والعلم والإيمان، فكان يكفيهم أن يذكرهم بأهم جزء في الموضوع بحسب المقام، لكن الناس اليوم بحاجة إلى طريقة الاستيفاء، كي يتعلموا ويتفقهوا، وبحاجة كذلك إلى طريقة العرض الجزئي لكيلا يملوا، فنحن إذن بحاجة إلى الطريقتين: طريقة الاستيفاء للتعلم، وطريقة العرض الجزئي للتذكرة ولفت الانتباه.
إذن الأمر واسع، وليس من السنة التضييق في شيء وسعه الله على العباد، ولم يأمر فيه بشيء.
قد عرفنا بما سبق أن الإعداد إما أن يكون بطريقة الاستيفاء، وإما بطريقة العرض الجزئي، وكل ذلك باعتبار أن الخطبة ذات موضوع واحد، لكن كيف لو كانت الخطبة أكثر من موضوع؟..(14/251)
ذلك جائز وممكن، ولا يمكن فيها توفية كل موضوع حقه، ولا نستطيع أن نفاضل بين الخطبة ذات الموضوع الواحد وذات الموضوعات المتعددة، فنحن نحتاج إلى النوعين جميعا، بحسب الأحوال والمقتضيات، فمرة قد يكون هذا أفضل، ومرة الآخر.
هذه الطريقة طريقة الإعداد: الاستيفاء، أو العرض جزئي. يحسن أن نسميها الطريقة العامة، وذلك لنفسح المجال لبيان الطريقة الخاصة للإعداد، وهي التي تصور شروط وأدوات إعداد الخطبة، كيف تكون؟.
وأهم نقطة فيها هو:
- أن نفهم أن الإعداد الصحيح الجيد المؤثر المثمر، لا بد له من دافع يدفع إليه، ويغري به، ويعين عليه، بدونه تفقد الخطبة أثرها وتأثيرها، وتكون جسدا بلا روح.
هذا الدافع يقوم على فكرة: المعاناة.
ويفسرها المثل القائل: "ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة". [مجمع الأمثال لأحمد الميداني النيسابوري 2/200، المستطرف في كل فن مستظرف 69]
وأداتها: الملاحظة، والتأمل بعمق وتحليل، في الأخبار والحوادث والأحوال التي تمر بالخطيب، في كل مكان.
وشرح هذه الفكرة ما يلي:
إن الغرض من الخطبة هو التأثير في القلوب والعقول، فمقصودها تحريك العاطفة وإعمال العقل.
والخطيب لا يمكن له أن ينجح في ذلك، ما لم ينفعل قبل بالأمر الذي يريد الحديث عنه.. لذا كان من الواجب عليه ألا يخطب إلا في أمر يشغل: قلبه، وعقله، ونفسه. حتى إنه ليتمثله في كل شيء يمر به، فيكون حديث نفسه، ونطق لسانه، فإذا كان ذلك فقد وضع قدمه على الطريق، وسهل عليه ما بعده.
قد يكون الخطيب مجيدا في اختيار الموضوع واستيفاء عناصره، لكن قد لا يكون لكلامه الأثر ما لم يعان موضوعه، ويعيش همومه وأحداثه، حتى ليمتنع لأجله من التمتع بالمباحات، لاشتغال الخاطر والذهن.
- لم كانت خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات تأثير فريد على القلوب والعقل؟.
لأنه كان على يقين بما يقول، وعلى قناعة تامة بالدعوة التي عليها، وهمّ دائم لتحقيق هدف معين.
والإنسان إذا كان راسخ الإيمان بفكرة وعقيدة ما، فكل ما يصدر منه من كلام يشرح فيه فكرته وعقيدته، سيحمل معه سلطانه على القلوب، فيطرق أبوابها. لا، بل هي مفتحة تدخلها الكلمات بلا استئذان.
إن كلمات الواثق تزلزل قلوب الغافلين..
فليست العبرة بتنميق العبارات، إنما العبرة بالصدق والثقة، وذلك لا يكون إلا من قلب جرحته الحقائق، حتى تركت أثرها فيه مدى الدهر..
إن الجرح الغائر إذا كان في البدن لم يمكن إخفاؤه، فإن قدر على ستره، لم يقدر على كتم ألمه، فيبدو في وجهه وفي عينيه.. وكذلك القلب إذا جرح لم يمكن التكتم على ما فيه، ويستوي في هذا العامي والعالم، فهي ميزة تميز بها الإنسان خاصة، دون النظر إلى موقعه، ومنزلته، وشأنه..
ويستوي في أصله المجروح بحقائق الدنيا والمجروح بحقائق الآخرة، إنما يتميز المجروح بحقائق الآخرة بشرف ما جرح به، كالفرق بين من قاتل للمغنم، ومن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فكلاهما مسّه القرح، لكن فاز المخلص لله بالثواب، فلم يذهب ألمه سدى، بخلاف المبتغي للدنيا، فلا دنيا نالها، ولا آخرة حصل ثوابها، والخطيب بمنزلة من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وليس بمنزلة من قاتل للمغنم، فهو أولى بالمعاناة، لشرف ما يحمل، ولأنه يعلم من الحقائق ما لا يعلمه غيره من عامة الناس، روى الترمذي بسنده عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع، إلا وملك واضع جبهته، ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات، تجأرون إلى الله، لوددت أني كنت شجرة). [في الزهد، باب: لو تعلمون ما أعلم]
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحمل النوع من المعاناة، فقد تركت أثرها فيه، فبدت في كلماته، وحركاته، يقول الله - تعالى -يصف حاله مع المعاناة الإصلاحية:
{قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون* ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين* وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين* إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون}.
ليست النائحة الثكلى، كالنائحة المستأجرة، وليس الخطيب الثكلان، كالخطيب المستأجر..
فمن أراد لكلماته الأثر في قلوب الناس، فليكن في كل ما يتكلم به:
- كالنائحة الثكلى..
- واليتيم الذي فقد أبويه..
- والمظلوم المهضوم..
- والمريض المتألم.
كل هؤلاء يشكون بمرارة، ويصفون حالهم بحرارة، حتى يغرق السامع معهم، فيعيش مأساتهم بنفسه، ويراها رأي العين، فكذلك يراد من الخطيب أن يكون، حتى يعيش الناس كلماته وموضوعاته، كأنهم يرونها رأي العين.
- قد يقول القائل: علمنا أهمية المعاناة لنجاح الخطبة، فكيف نولدها في نفوسنا؟.
وهذا سؤال مهم، وجوابه: مختصر، ومفصل:
فأما المختصر فيقال فيه: إن الهم والمعاناة في القلب يتولد من اليقين بأمرين:
الأول: اليقين بأمر الآخرة، من الموت، وما يتبعه من أهوال القيامة، والنعيم للمتقين، والجحيم للمجرمين.
الثاني: اليقين بأمر الدعوة، بالعمل على استنقاذ الناس من عذاب الآخرة، شفقة، ورحمة، وخوفا عليهم.
فإذا تمكنا من القلب حضر الهم، وتحرك القلب، فنطق اللسان، وكتب القلم، وحصل الأثر.
وأما الجواب المفصل فيقال فيه:(14/252)
لا يخلو الإنسان من الهموم، والهم همان: هم الدنيا، وهم الآخرة. فمن سلم من أحدهما لم يسلم من الآخرة، والغافل من كانت همه الدنيا، أما العاقل فهو من كانت همه الآخرة، فالإنسان بين هذين الهمين ولا ثالث.
فإذا ثبت حصول الهم ولزومه للإنسان كان من العقل والحكمة أن يكون للآخرة، إذ هو المطلوب وصاحبه محمود مثاب، روى الإمام أحمد وابن ماجة بسنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
(من كانت همه الآخرة، جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت همه الدنيا، فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له).
وعن همّ الآخرة يتولد ويتفرع هم الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح الناس، إذ من شغلته آخرته بالرغبة في الجنة والرهبة من النار، وتعلم من دينه محبة الخير، وجد ميلا إلى وصية الناس ونصحهم، حيث إن يقينه بالآخرة يشخصه في صورة النذير العريان، وفي صورة منذر الجيش، يقول: (صبحكم، ومساكم).
وحتما لا بد أن يجد من يهمل وصيته، ومن يعرض عنه، ومن يجادله، ومن يعاديه، بجهل، وهذا حال البشر، لكن عنه يتولد ألم وهمّ في القلب، كالألم والهمّ يكون في قلب الأب من ضلال ولده وغوايته، فإذا صار كذلك، تكبد القلب المعاناة والحرقة، فحصل الأثر.
إذن، لمن أراد التأثير في الآخرين فعليه: أن يحمل هم دينه وآخرته، ويحمل كذلك تبعا هم إصلاح الناس وإرشادهم، فإذا حصل له ذلك، تفقت له آفاق الكلمة، واقتدر على الإبداع، بلا تكلف، فحصل التأثير المطلوب.
ذلك هو لب الموضوع، وأسّ الفكرة، ثم ما بعده إنما هي توجيهات يستكمل بها الموضوع، فمن ذلك:
(1) دوام القراءة في القرآن، فإنه ينير القلب، ويزكي النفس، ويخرج الكلمات تحمل النور والزكاء.
(2) متابعة أحوال المسلمين في العالم، ودوام الاطلاع على ما يستجد من الحوادث والأخبار، فهذه العناية لها أثر حسن على إعداد الخطبة، فمن المهم أن يكون الخطيب في دائرة الحدث…ومثله معرفته لأحوال المجتمع والحي الذي يقطن فيه، ومد الصلات بينه وبين السكان، والتعرف على مشكلاتهم، فإن هذا التعايش له أثر كبير في حسن إعداد الخطبة، خاصة إذا كانت تتعلق بمشكلة تتعلق بالحي، فليس الخبر كالمعاينة، ومن يتغلغل في أوساط الناس، فحديثه عنهم ليس كحديث المنعزل.
(3) القراءة في تراجم الصالحين، من أنبياء وصحابة وتابعين ومن تبعهم بإحسان، فإن لها أثر كبير في خشوع النفس ورقة القلب وزيادة الإيمان، وهي قوت الأفكار والمعاني المؤثرة في القلوب.
(4) ملك الخطيب أدوات الخطابة، من لغة سليمة، وعلم أصيل، فسلامة اللغة وصدق المعلومة أصل في إعداد الخطب، فاللغة السليمة لها جرس في الآذان، والمعلومة الصادقة تستقر في النفوس، وتزرع الثقة في القلوب.
(5) القراءة في كتب الأدب القديمة والحديثة، القديمة مثل: عيون الأخبار وأدب الكاتب لابن قتيبة الدينوري، والبيان والتبيين للجاحظ، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والأمالي لأبي علي القالي، ومؤلفات الأدباء المعاصرين، كالرافعي والمنفلوطي والطنطاوي، وكذا الدعاة البارزين الذين لهم كلمات عميقة المعنى في باب الدعوة مثل: الأستاذ سيد قطب، والأستاذ محمد قطب، والشيخ محمد الغزالي، وغيرهم.
(6) اجتناب الكتب الصعبة في ألفاظها وأسلوبها، فإن تعابير الإنسان بنات قراءاته، فإذا كانت قراءته في الكتب السهلة في أسلوبها، البليغة في عباراتها، كانت تعابيره كذلك، وإذا كانت قراءاته في الكتب الصعبة في أسلوبها، الغامضة في عباراتها، كانت تعابيره كذلك، والواجب أن تكون الخطبة سهلة العبارة، مفهومة قريبة المعنى.
(7) أن تكون فكرة الخطبة واضحة كالنهار، وكذا التعبير عنها.
(8) عرض الخطبة قبل إلقائها على المختصين للتأكد من سلامتها وسهولتها.
(9) مراعاة التسلسل المنطقي للفكرة المطروحة، وميزانه: أن لا تنفذ فكرة إلى أخرى إلا بوساطة وجسر صحيح، ومن الخطأ القفز من فكرة إلى فكرة بدون تلك الوساطة، فإن ذلك مما يغمض الكلام، ويبهم المعنى.
(10) عدم التكرار في الأفكار، فإن كان ولا بد فمرتان، وضبط الجمل والبحث عن أخصر التعابير، والبعد عن الشرح الممل الطويل.
(11) الخطبة تتألف من مقدمة وموضوع وخاتمة، وللمقدمة أهمية كبرى، وكذا الخاتمة، إذ هي المفتاح للدخول إلى الموضوع، فإذا أحسن كان الموضوع محل عناية الحاضرين واهتمامهم، وهنا نحن بحاجة إلى الإثارة الإعلامية، التي تجذب السامع، وطرق الجذب متعددة، مثل البدء بقصة، أو سؤال، أو التقاط أهم جملة في الموضوع والبدء به، وربما يكون بآية أو حديث أو قول لعالم، كل ذلك بحسب الأحوال، وعلى الخطيب أن يحسن اختيار مادة البدء.. وكذا الخاتمة، فإنها مهمة، ولعله من المناسب أن تكون بإعادة ذكر أهم جملة أو فكرة في الموضوع، أو بذكر ملخص شديد لما ورد في الخطبة، يستخدم فيها الحكم والأمثال أو الجمل عميقة المعنى.
وللخطبة بعد كتابتها كتابة أولية عدة مراجعات:
- فمراجعة أولى: ينظر في: جملها، وعباراتها، وصياغتها. فيعدل ويصلح ويحذف إن شاء، فهي لإعادة النظر في الصياغة.. وهي مراجعة لازمة، لكل كاتب.
- ومراجعة ثانية: يكون فيها التصحيح الإملائي والنحوي، وينصح الخطيب بالتشكيل، كي يجتنب نسيان القاعدة النحوية، ومن ثم اللحن.(14/253)
- ومراجعة ثالثة: لوضع الفواصل والنقاط، ولمعرفة الوقفات، وعلامات الاستفهام والتعجب، وهذا الإعداد مهم في تيسير فهم الخطبة، فالإلقاء لا بد أن يكون محكوما بهذه القواعد، ليحصل بها الغرض، من: فهم الكلام، واستيعابه، وتصوره، ومن الخطأ إلقاء الخطب بدونها.
- ومراجعة رابعة: يعد فيها الخطيب نفسه ويدربها على طريقة الإلقاء، يلقي الخطبة عدة مرات، والأفضل أن يحفظها، ويتدرب على إلقائها مرتجلا، ليس لأنه يلزم أن يلقيها من على المنبر كذلك، كلا، بل ليكون مدركا لما يأتي من الجمل التي يقرأها، فيفهم ما يقول قبل أن يقول، فذلك أدعى للتفاعل مع الخطبة.
تلك هي طائفة من الوصايا لإنتاج خطبة ناجحة، ولا أزعم أني أحط بالموضوع، ولم يكن ذلك همي، وإنما همي فتح الطريق أمام راغب في: تعلم كيفية إعداد خطبة ناجحة..والله الموفق.
http://www.saaid.net :المصدر
===========
ضرورة ملحة لواقع مؤلم
سعد بن مفرح المجلي
النجاح في جلّ القضايا ومعظم الأمور الثرية بالمعطيات ذات الاكتفاء الذاتي يعتمد في أكثر الأحيان على وجود المقوّم الناجع والعامل المؤثر، وعلى التتبع القويم لبعض الضروريّات التي لا يستقيم ولا يعتدل النجاح إلا بها، كما أن الاصطفاف في مصاف العظماء، والاستعلاء إلى مشارف الأولياء أمر له لمعان ومطمع له محاسن، لا يتم الوصول إلى ذلك وتحقيقه إلا شريطة وجود العامل المؤثر والإرادة القوية، ومما لا شك فيه أن الجري والسعي الحثيث داخل الأنفاق المظلمة أو المشي على حدود الحلقات المقفلة يوهم صاحبها بالتقدم والتطور، وهو في حقيقة الأمر يعيش داخل دوّامة قويّة، ويمرّ بمرحلة عدم الاتزان مما يجعله بلا فائدة - يدور في فلك الضمور والترهّل، وما هذا الداء إلا داء مكتسب يسوّغه الإهمال واللامبالاة، ويزيد في تعزيزه الرضا بالدون، والقعود في الحضيض.
إن تقدّم الأمم واعتزازها مرتبط أيما ارتباط بالمستوى الثقافي والمعرفي لدى أفرادها، وإن كان هؤلاء الأفراد - في الصدق - يعانون من مثل هذه الأمراض، وتلفحهم مثل هذه الآفات، ويفتقدون التنوع في السلوك والمنهج، فإنه من الأجدر أن يكونوا - مع بالغ الأسف - سبباً للانحطاط المسفّ، والسقوط المريع لمجتمعاتهم- حتى وإن كان يتمثل لهم الكثير من الطموح والأمل، ويتجمع لديهم كم لا بأس به من الإمكانات والحوافز - لأنهم قد غلّبوا جانباً على جانب، وأخلّوا بالاتزان، وبدؤوا بالسعي في "اللا شيء"، وأقحموا في حلقات التكرار والروتين، وانعدام التوازن، وانفصام الشخصية.
ومما ينبغي علينا هو تحسّس الجراح ورسم ملامح المسار، وتحديد معالم الطريق بشيء من الإطناب والإيجاز، فالعاقل تكفيه إشارة ومنها:
- الروتين يجعل من النفس سجيناً يعيش داخل سياج فولاذي، لا تستطيع الخروج عنه، ولا تحاول معرفة ما يتم خارج هذا الإطار، وما هو بعيد عن هذا السياج، مما يؤدّي إلى كبحها و"فرملتها" عن التقدم، وعن اكتشاف حقيقتها، والتنقيب عن كنوزها واهتماماتها الميتة قسرياً.
- الروتين يفضي إلى تكسير المصاعد التي ترتقي عليها النفس، مما يؤدي إلى إلجامها وإرغامها إلى القعود، والرضا بالدونيّة وعدم العمل.
- الروتين يزيد من بواعث وحيثيات الكسل، ومن ثم ينتج عنه الملل والسآمة والضجر من الحياة والواقع، فيفضي إلى اضطراب داخلي لما يجري في النفس، ينتج عنه انفصام حقيقي للشخصية، وفقد تام لأدنى درجات الموثوقيّة للتغيير الإيجابي في مواهب، وإمكانات فعليّة لشخصية مقتولة.
- الروتين يفقد الشهية، ويؤدي إلى إفراغ تام، وقتل بطيء لجميع أو معظم بواعث علو الهمة، وقتلها في مهدها، وبالتالي حرمان الأمة والمجتمع لكثير من الطاقات المعطلة، نتيجة تكرار ممل، وعمل سلبي، ودوران ساكن لم يقدم صاحبه خطوة واحدة لمجاراة تقدّم عجلة الزمن و سرعة تغير أنماط الحياة.
- الروتين يؤدي إلى تكوين عقل أصم، يعاني من الإصمات والتحجّر، وبالتالي فقد الكثير من الإبداع والاختراع، وإهمال الكثير من المواهب المندفنة، والقدرات المكتنزة، وتعريضها للعطل، بفعل تهميش فعلي لها، وعدم استقراء لمسببات ذلك، وبهذا تم تحويله من آلة معالجة لكل ما يتم إدخاله لها، إلى مستودع ومخزن للمعلومات والثقافة؛ فهو يحفظ الأشياء والمعارف على وجهها دون العلم، ومع الفقد التامّ والجزئي لمغازيها وأسرارها، إذ إن المصلي لو اعتاد الروتينية والتكرار لأدعية وأفعال الصلاة،، لما تحرك فيه وازع الإيمان، وما فطن لما هو سببٌ لمشروعيتها وقولها، ولفقد الكم الهائل من الأسرار والكنوز والمنافع الجمة، وهلم جرًّا.
وما أن يأتي التغيير في السلوك والعمل إلا وتتفتح الآفاق وتنجلي الغمامة، ويعود النشاط وتدبّ الحياة، لتواجد البنية التحتية الموهبة- لها ابتداء وتوافر الأسباب والبيئة المتغيرة المسوّغة لعملها، وخذ مثلاً على هذا أن كثيراً من الشباب الذين يجدون الرغبة في كثرة الاستماع إلى الشريط الإسلامي، وبناء ذواتهم من خلاله قد فعلوا فعلاً حسناً بهذا، لكنهم قد ارتكبوا عظيماً بأنهم لم يتعاهدوا ملكة القراءة مثلاً، فقتلوها أو دفنوها، ولو حاولوا التغيير باقتحام هذا الباب لتفجرت هذه الموهبة والقدرة بالكثير من العطاء والعمل.
- الروتين يؤدي إلى انعدام وفقد الروح مع العمل الشرعي، ويؤدّي إلى ضياع حلاوة الإيمان ويعدم التأمل والتفكر ويوهن التفكير والتخطيط للمستقبل.(14/254)
- التخلية قبل التحلية، والضدّ بالضدّ يأتي، والتغيير مناقض للروتين ومخالف له، وبناء خصلة يعني هدم خصال، والعلاقات العكسية تعني الحرص على تنمية ومعالجة الطرف الإيجابي، ومن ثم متابعته وتعاهده، وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
- التغيير الإيجابي عمل صالح، وكل عمل يحتاج إلى صبر ومصابرة، ولا تغيير صحيح إلا بتعلم وتجربة تقتربان من الصحة. وجهد ومجاهدة وعزيمة تبعث العمل قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون).
- عند انتقال الضوء بين سطحين مختلفين في الكثافة، فإن هذا يؤدي إلى تغيير في التركيب لهذا الشعاع، وبالتالي فإن هذا الانتقال يشبهه التغير عند الشخص، وهذه المرحلة ثرية بالفراغات والتغيرات والفجوات، لذا ينبغي الحذر من هذه الفجوة الناتجة عن الانتقال من وضعيّة إلى وضعيّة أخرى، والتغيير إلى طريقة مختلفة السلوك، بالاستفادة من أهل التجارب وذوي الخبرات؛ لأن الإقدام على مثل هذه التغيرات يعقبه الكثير من التحوّلات قد يتيه فيها المرء إن لم يكن على سابق قدر عظيم من العلم الشرعي، والإيمان القويم بالله - تعالى -، وعلى فهم عميق نحو التنبّؤ بالمتغيّرات التي تعقب التحدّي وتكون ضريبة له.
- التغيير لا بد فيه من التقدّم، ولا ينبغي فيه التأخر، ومطلوب منه الصعود، ولا ينثني فيه للنزول، والمرء مجبول على السباق، وقد أُقحم المضمار رغماً عن أنفه، فإن لم يكن متطلعاً لوثبات عالية وتطلعات سامية، لانحدر على وجهه مع المتأخرين، وتعلقت نفسه وذاته بتوافه الأمور، وانحط اهتمامه بالترهات، يقول ابن تيمية - رحمه الله - (فيما معناه): " المرء في علوّ أو نزول، ولا شيء بينهما فالله حكم لعباده بالجنة أو بالنار فلا منزلة بينهما، والمرء إن لم يكن قي تقدّم فهو في تأخر".
فاقد الشيء لا يعطيه، والمتكلم فيما لا يعرف أحمق، فالحذر الحذر من النداءات الخافتة والهتافات المستعجلة من أن مسايرة الواقع أمر مطلوب، وأن الهزيمة في معترك التغيير والتطور أمر حتمي ولابد منه، ومن العيب أن تكون أنت أنت قبل سنة وبعدها؛ فالنفس تملّ وتكلّ، ولا يُطرد الملل إلا التغيير والتجربة.
انتبه للتغيرات البطيئة، واحرص عليها، ولا تحقر التقدّم مهما كان، ولا تحقرن الصغير مع الصغير وإنما السيل اجتماع النقط.
التغيير مطلب شرعي، وضرورة حثّ عليها الدين، قال - تعالى -: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ولا يرتقي ويسمو المرء ولا تتغير حاله إلا بتغيير حقيقي في نفسه، وصدق التوكل على الله مع اتخاذ السبب وصدق التغيير، والآية دالّة.
خير العمل أدومه وإن قلّ، وعذراً على التجريح فقد جاء الزمن بإعصار تعقبه ريح، ومن رام شيئاً وجده والمؤمن صاحب حكمة أنّى وجدها فهي له، هذه ترانيم محبّ قد عصر تفكيره وعقله ليعطي -ولو شيئاً- في هذه القضية، وهي فصول بناء من وجهة نظر النقد البنّاء عسى أن ينتفع بها قارئ أو يستفيد منها مجتهد، وحسبي أن أكون أنا من أول الغيث الذي يهطل ما إن يحس ببوادر الرعد، ويتهادى بعد مقدّمات البرق.
2/3/1426
11/04/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
===========
لماذا تبدع المرأة عبر الشبكة العنكبوتية ؟
بدرية العبد الرحمن العبيد
يتجلى إبداع المرأة في الإنترنت عبر الحديث الفكري والإبداع الأدبي، وتتجلى المرأة السعودية في النت حين التعرض للشأن النسوي السعودي خصوصا في حديث الفكر..وتحكمها عدة تيارات فكرية وأطياف ثقافية قد تتزاوج وقد تتنافر..
ويتجلى إبداعها الأدبي في تلك النصوص البارعة التي تزدحم بها الشبكة العنكبوتية بشكل متخم.. والغريب أن أغلبها يستحق التصنيف كروائع ومع ذلك يضخ في الشبكة العنكبوتية، التي لم تأخذ بعد حجمها من الاحترام!
ولئن كانوا من قبل يقولون عن الكلام الفاهي (كلام جرايد) فهم يقولون الآن (كلام انترنت)، ولكن مادمنا في رصد ذلك التجلي لإبداع المرأة تحديدا على شبكة الانترنت، فلابد أن نحاول استقصاء العوامل والأسباب التي بسببها استطاعت المرأة أن تتفوق وتبدع على الشبكة:
1- هامش الحرية الأكبر وارتفاع سقف الحريات والمسؤولية في النت عنه في الثقافة المطبوعة، وهذا أمر يتشارك فيه مبدعو النت عموما رجالا ونساء، فالرقيب لا يستطيع الاحاطة ولا السيطرة على ما سيطرح في المنتديات العنكبوتية التي كل ما تتطلبه هو كتابة الموضوع ومن ثم نقر زر الإضافة.. بخلاف الصحافة المطبوعة التي تمر على عدد من المحررين المقيدين بقوانين المطبوعات وقوانين المؤسسة نفسها ومعطيات الاتجاه الفكري الذي تنتمي إليه المطبوعة، كل هذا يمر عليه الإبداع قبل أن ينشر في الصحافة المطبوعة..
ونعرف جيدا كيف أن حرية المبدع هي السبيل لنمو إبداعه، وكما أن أقدام الصينيات مثلا كانت تحبس سابقا في أحذية حديدية لتمنعها من النمو بعد البلوغ كنوع من علائم الجمال، كذلك لا يستطيع المفكر ولا المبدع النمو في بيئة أطرها الفكرية ضيقة وخانقة وغير قادرة على توفير مقومات الإبداع..
الإبداع يقتل حينما يختنق ولو بقليل من الحواجز الخارجية، والأمر يتجلى في ضعف الإبداع الأنثوي المطبوع عنه في الإنترنت..(14/255)
ومن هنا يعاني المبدعون العرب بشكل عام، والنساء منهم على وجه الخصوص من أزمة الحرية على عدة مستويات، ونلاحظ على الكثير منهم سمات المعاناة والآلام النفسية الغريبة التي تنجم من عملية التكميم المنظمة التي تمارسها قوانين المطبوعات ويمارسها المجتمع أحيانا والأسرة أحيانا.. وهذا ما يؤدي إلى حصول ردود فعل فكرية عنيفة في حالة التحرر ولو الجزئي منه (الانترنت منفذا على سبيل المثال).
ما زلنا نطالع بكل أسف موجة رد الفعل المضادة المتمثلة في المواضيع التي تتجرأ على التابو لمجرد أنه تابو، وتتمرد عليه وتتحدث عنه بلا وعي وفي كثير من الأحيان بنوع من الصفاقة والاستفزاز.. مازلنا نعاني من صدمة منتديات تنشأ من أجل الجعجعة حول الحرية، والحقيقة إن الحرية التي يتحدثون عنها هي صفاقة همها النيل من المقدسات والثوران دون قضية. وكأن المهم أن تثور وتسخر وتسفه بغض النظر عن لماذا تفعل ذلك.. وربما في بعض الأحيان لمجرد خالف تعرف.. وأرى أنني أحياناً أصل لقناعة أن خالف لم يعد يعرف من كثرة المخالفين.. والكل بات يستخدم لهجة التعدي على المقدسات للحصول على شهرة سريعة وباهتة... فبئس ما يشترون وكأن العملية الفكرية الإبداعية ـ بكل أسف ـ تحولت لميدان تحدي بين فرقة وفرقة أخرى، وضاغط ومضغوط.
إن إعادة النظر في سقف حريات المطبوعات، سيكفل ضبط التدفق الإنترنتي اللا واعي في كثير من الأحيان، والذي نما فيه مثقف النت بشكل ملحوظ فيما لا يتجاوز الخمسة عشر سنة على الأكثر التي هي عمر الإنترنت العربية. ما يدفعنا للقول إن الحرية التي يجدها المثقف في عالم النت هي أكبر عوامل نموه السريع على الإطلاق.
ولدينا حرية من نوع آخر في الإنترنت هي حرية حجم النص غير المقيد، والمقيد بصرامة في المطبوعة؛ إذ إننا نعاني من قضم أطراف المقالات حتى تناسب حجم الزاوية والمكان المتاح الذي يتركه لنا المحرر.. وهذا أمر لا يحدث في النت.
2- ضخامة حجم المتلقين.. وتنوع أطيافهم ومستوياتهم الثقافية بما يكفل تعدد الرؤى حول المادة المطروحة.. وتباينها في كثير من الأحيان، وهو الأمر الذي يحتاجه الحراك الثقافي في أي مكان.. ففي الوقت الذي نجد فيه الثقافة المطبوعة محكومة تقريبا برؤية واحدة هي توجه المطبوعة أو توجه المجتمع ككل، نجد متلقي النت مختلفا تماما من هذه الناحية تحديدا، وبالتالي لم يعد المثقف يكتب وهو يعرف ردة الفعل التي ستترتب على ما يكتب.. وإنما يتوجس خيفة من كل الأطياف التي تضعه تحت مجهرها وتحاكم إبداعه وفقا لنظرتها.
هذا الأمر الذي يشعل المعارك الثقافية في المنتديات الحوارية خصوصا.. والمعارك النقدية حول النصوص في المنتديات الأدبية.. وإن كان موسوما بالشللية ومدفوعا بكل أسف بالدوافع النفسية البحتة (الغيرة والرؤية المسبقة والحالة التفكير القطيعي) إلا أنه بشيء من الوعي يمكن أن يتحول إلى تظاهرة ثقافية ضخمة..
3- يسر النشر والتغاء النخبوية بحيث يكون الاحتفاء بالإبداع أكثر من الاحتفاء بالمبدع، رغم أن كثيرا من الأسماء المستعارة (اليوزرات) تلمع وتظهر بشكل جيد (الخفاش الأسود، فتى الأدغال، نورماس، أكاي، حصة مكيافيللي، شون، ومشاعل العيسى، أجنادين، بنت الرعد، ممتعض، حاطب ليل، أنين، محبة فلسطين، هيلدا، وهج وغيرها من الأسماء).
ويمكننا القول أن سهولة النشر وإتاحة المشاركة للجميع من أهم العوامل على الإطلاق في انتفاضة مثقف النت واستمراريته.
وعلى هامش ذلك فإن مبدع النت يجد حماسا أكثر في نشر ومتابعة وتجويد إنتاجه نظرا لأنه يرى رده فعل المتلقي فور نشره لإبداعه.. وأعني بها خاصية الردود التي تحتفظ بها المنتديات كذلك خاصية التعليق على المقال التي تحتفظ بها بعض المواقع.. بعكس كاتب المطبوع الذي قد ينتظر أياما قبل أن يرى ردة فعل واحدة على نص نشره.. أو تجاوب أو حتى تشجيع.
4- وفيما يخص المرأة يمكن التركيز على قضية الاسم المستعار وقابلية التخفي به الأمر الذي يمنح هامشا من الأمان للمرأة لا تمنحه الصحافة المطبوعة التي تطالب بالاسم الصريح مثلا.. فمازال لدى المجتمع توجس خفي من اسم المرأة ربما ليس كالأول طبعا.. ولكنه مازال موجودا على استحياء.. ونحن لن نتخلص من هذا الهاجس حتماً!
وقد وجدت الكثيرات من مبدعاتنا متنفسا كبيرا في النت والاسم المستعار لدرجة خارجة عن المألوف أحيانا.. لكنها تعكس حالة اختناق الإبداع في الصحافة المطبوعة، والذي تهرب منه المرأة للنت، لذلك ووفقا لإطلاعي الطويل على المنتديات الإبداعية أجد أنه وبرغم أن الرجل مهيمن في كل مكان وزمان عددا وإبداعا إلا أن المرأة تغلبه في النت.. وتتفوق عليه.. مشاركة وأداء وحضورا أيضا!
ماذا ننتظر من المجتمع ومن مبدعة النت؟(14/256)
1- نطمح أن تفرز لنا مطحنة الإنترنت أسماء نسائية لامعة نضجت في وقت قياسي في أتون النت نضجا أدائيا وفكريا قادرا على نقل المشهد الفكري السعودي لسنوات قادمة للأمام.. وانتقال أديب الإنترنت من النت للمطبوع أمر بالغ الصعوبة حينما يكون ذلك الانتقال امتدادا لمشوار النت بأشواكه وخطيئاته ونظرة المجتمع القاصرة له.. ولكنه أمر ضروري جدا لتحريك العجلة للأمام.. فلا ننتظر من مبدع بحجم فتى الأدغال أو نورماس أو تمر حنا وهي أديبة وروائية كاتبة (أنت لي) ظهرت ونمت في منتديات واحة الهجير.. لا نطمح كثيرا أن يبقوا في سراديب النت للأبد.. وان تبقى كتاباتهم حبيسة الشبكة دون أن تظهر في كتب مطبوعة.. وقد كانت هناك محاولة قوية من منتدى المحاور لتجميع إبداع أعضاء المنتدى على شكل مقالات تنشر في كتاب، كما بدأت الآن تظهر مجلات تبدأ الكترونية، ومن ثم تتحول لمطبوعة مثل مجلة الإسلام اليوم التي يرأس تحريرها الشيخ العودة ومجلة الساخر ومجلة الوسطية وغيرها الكثير.. وهي خطوة في سبيل خطوات إن شاء الله.
2- وفي سبيل ذلك لابد من الاعتراف بإبداع النت الذي صار مبتذلا في الحديث الفكري الثقافي.. ولا ينتظر من مجتمع يحاكم الإنترنت دائما ويصفها بأنها مقلب قاذورات! أن يحترم كاتبا تخرج من هذا المكان.. لذلك نطمح لمجتمع واع بدور النت السلبي والايجابي معا حتى لا نتحول إلى دون كيشوتات تصارع الزمن بلا جدوى.. والتنبيه على أن تضخم المنتديات لدرجة التورم يمكنه أن يكوّن انطباع ابتذال لثقافة النت عند المتلقي، وبالتالي فإن نوعا من الوعي وضبط حجم المنتديات وعددها وتحديد مشاركات الأعضاء بشكل يمنع من حدوث تخمة ثقافية غير مستساغة كفيل باستمرارية متابعة المتلقي واحترامه لما يطرحه الإنترنت..
3- ومهما قلنا عن استقلالية مفكر ومثقف ومثقفة النت فإننا لا نكاد نختلف أن الثقافة النتية لا تختلف عن المطبوعة في أنها مرآة العصر الذي تعيش فيه، ووفقا لذلك فإن مزيدا من الرقي الفكري في المجتمع سيدفع بثقافة الانترنت للأمام أكثر.. والعكس بالعكس.
4- ثقافة النت رغم أنها توسع الشقاق الفكري من جهة إلا أنها يمكنها أن ترأب الصدوع من جهة، ويمكن التعويل عليها في رأب الشقاق الفكري بمزيد من التوعية الفكرية بأهمية الحوار ومحوريته في تكوين الفكر.
لماذا لا تستغل منتديات الإنترنت من قبل جهات أعلى؛ جهات مسؤولة لتوظيف الأفكار النيرة الفعالة التي تتفق عليها كافة الأطياف الفكرية المختلفة؟ الليبرالي والإسلامي يتفقان على تجريم الإرهاب مثلا، ومكافحة الجريمة والظلم والعنصرية.. كل هذه القضايا لم لا يتم توظيف المنتديات لطرحها وحلها وتفعيل حلولها على الواقع؟ على الأقل لتكون خطوة في رأب الشقاق الفكري العظيم الذي يتجلى ويزداد كل يوم في الحوار الفكري الإنترنتي؟
وعلى مستوى المرأة.. لم لا يتم تكوين منتديات نسوية فكرية يمكنها أن تتطور فيما بعد لتصبح شبيهة بمراكز الحوار الثقافية؟ لو سلمنا أن حوار النساء بينهن أهدأ وأكثر تسامحا من حوار الرجال كما نشهد دائما؟
5- في سبيل التطور للأفضل لابد من مراعاة أن هامش الحرية الذي يمنحه الاسم المستعار لا يعفي الأديبة والمفكرة من المسؤولية التي تترتب عليها كما يفترض بأي عقلية متطورة أن تفكر، فالحرية لا تتوفر دون مسؤولية والمسؤولية تقتضي الحرية.. والنماذج السيئة التي اتخذت الحرية رمزا للتفلت الذي وقعت فيه لا تعني أن الحرية أمر مستهجن ومرفوض والعكس صحيح، لا يعني كون الحرية مطلبا أن هذه الحرية لا تترتب عليها أي التزامات.
وأتصور أن الحديث عن هذه النقطة يطول والمعول عليه أولا وأخيراً هو فكر المفكرة والأديبة وأخلاقياتها وضميرها... ومراقبتها للخالق - عز وجل -.. والكلمة أمانة يقول الله - تعالى - في كتابه الكريم: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الآية 71) الأحزاب.
http://www.lahaonline.com المصدر:
===========
ضرورة ملحة لواقع مؤلم
سعد بن مفرح المجلي
النجاح في جلّ القضايا ومعظم الأمور الثرية بالمعطيات ذات الاكتفاء الذاتي يعتمد في أكثر الأحيان على وجود المقوّم الناجع والعامل المؤثر، وعلى التتبع القويم لبعض الضروريّات التي لا يستقيم ولا يعتدل النجاح إلا بها، كما أن الاصطفاف في مصاف العظماء، والاستعلاء إلى مشارف الأولياء أمر له لمعان ومطمع له محاسن، لا يتم الوصول إلى ذلك وتحقيقه إلا شريطة وجود العامل المؤثر والإرادة القوية، ومما لا شك فيه أن الجري والسعي الحثيث داخل الأنفاق المظلمة أو المشي على حدود الحلقات المقفلة يوهم صاحبها بالتقدم والتطور، وهو في حقيقة الأمر يعيش داخل دوّامة قويّة، ويمرّ بمرحلة عدم الاتزان مما يجعله بلا فائدة - يدور في فلك الضمور والترهّل، وما هذا الداء إلا داء مكتسب يسوّغه الإهمال واللامبالاة، ويزيد في تعزيزه الرضا بالدون، والقعود في الحضيض.(14/257)
إن تقدّم الأمم واعتزازها مرتبط أيما ارتباط بالمستوى الثقافي والمعرفي لدى أفرادها، وإن كان هؤلاء الأفراد - في الصدق - يعانون من مثل هذه الأمراض، وتلفحهم مثل هذه الآفات، ويفتقدون التنوع في السلوك والمنهج، فإنه من الأجدر أن يكونوا - مع بالغ الأسف - سبباً للانحطاط المسفّ، والسقوط المريع لمجتمعاتهم- حتى وإن كان يتمثل لهم الكثير من الطموح والأمل، ويتجمع لديهم كم لا بأس به من الإمكانات والحوافز - لأنهم قد غلّبوا جانباً على جانب، وأخلّوا بالاتزان، وبدؤوا بالسعي في "اللا شيء"، وأقحموا في حلقات التكرار والروتين، وانعدام التوازن، وانفصام الشخصية.
ومما ينبغي علينا هو تحسّس الجراح ورسم ملامح المسار، وتحديد معالم الطريق بشيء من الإطناب والإيجاز، فالعاقل تكفيه إشارة ومنها:
- الروتين يجعل من النفس سجيناً يعيش داخل سياج فولاذي، لا تستطيع الخروج عنه، ولا تحاول معرفة ما يتم خارج هذا الإطار، وما هو بعيد عن هذا السياج، مما يؤدّي إلى كبحها و"فرملتها" عن التقدم، وعن اكتشاف حقيقتها، والتنقيب عن كنوزها واهتماماتها الميتة قسرياً.
- الروتين يفضي إلى تكسير المصاعد التي ترتقي عليها النفس، مما يؤدي إلى إلجامها وإرغامها إلى القعود، والرضا بالدونيّة وعدم العمل.
- الروتين يزيد من بواعث وحيثيات الكسل، ومن ثم ينتج عنه الملل والسآمة والضجر من الحياة والواقع، فيفضي إلى اضطراب داخلي لما يجري في النفس، ينتج عنه انفصام حقيقي للشخصية، وفقد تام لأدنى درجات الموثوقيّة للتغيير الإيجابي في مواهب، وإمكانات فعليّة لشخصية مقتولة.
- الروتين يفقد الشهية، ويؤدي إلى إفراغ تام، وقتل بطيء لجميع أو معظم بواعث علو الهمة، وقتلها في مهدها، وبالتالي حرمان الأمة والمجتمع لكثير من الطاقات المعطلة، نتيجة تكرار ممل، وعمل سلبي، ودوران ساكن لم يقدم صاحبه خطوة واحدة لمجاراة تقدّم عجلة الزمن و سرعة تغير أنماط الحياة.
- الروتين يؤدي إلى تكوين عقل أصم، يعاني من الإصمات والتحجّر، وبالتالي فقد الكثير من الإبداع والاختراع، وإهمال الكثير من المواهب المندفنة، والقدرات المكتنزة، وتعريضها للعطل، بفعل تهميش فعلي لها، وعدم استقراء لمسببات ذلك، وبهذا تم تحويله من آلة معالجة لكل ما يتم إدخاله لها، إلى مستودع ومخزن للمعلومات والثقافة؛ فهو يحفظ الأشياء والمعارف على وجهها دون العلم، ومع الفقد التامّ والجزئي لمغازيها وأسرارها، إذ إن المصلي لو اعتاد الروتينية والتكرار لأدعية وأفعال الصلاة،، لما تحرك فيه وازع الإيمان، وما فطن لما هو سببٌ لمشروعيتها وقولها، ولفقد الكم الهائل من الأسرار والكنوز والمنافع الجمة، وهلم جرًّا.
وما أن يأتي التغيير في السلوك والعمل إلا وتتفتح الآفاق وتنجلي الغمامة، ويعود النشاط وتدبّ الحياة، لتواجد البنية التحتية الموهبة- لها ابتداء وتوافر الأسباب والبيئة المتغيرة المسوّغة لعملها، وخذ مثلاً على هذا أن كثيراً من الشباب الذين يجدون الرغبة في كثرة الاستماع إلى الشريط الإسلامي، وبناء ذواتهم من خلاله قد فعلوا فعلاً حسناً بهذا، لكنهم قد ارتكبوا عظيماً بأنهم لم يتعاهدوا ملكة القراءة مثلاً، فقتلوها أو دفنوها، ولو حاولوا التغيير باقتحام هذا الباب لتفجرت هذه الموهبة والقدرة بالكثير من العطاء والعمل.
- الروتين يؤدي إلى انعدام وفقد الروح مع العمل الشرعي، ويؤدّي إلى ضياع حلاوة الإيمان ويعدم التأمل والتفكر ويوهن التفكير والتخطيط للمستقبل.
- التخلية قبل التحلية، والضدّ بالضدّ يأتي، والتغيير مناقض للروتين ومخالف له، وبناء خصلة يعني هدم خصال، والعلاقات العكسية تعني الحرص على تنمية ومعالجة الطرف الإيجابي، ومن ثم متابعته وتعاهده، وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
- التغيير الإيجابي عمل صالح، وكل عمل يحتاج إلى صبر ومصابرة، ولا تغيير صحيح إلا بتعلم وتجربة تقتربان من الصحة. وجهد ومجاهدة وعزيمة تبعث العمل قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون).
- عند انتقال الضوء بين سطحين مختلفين في الكثافة، فإن هذا يؤدي إلى تغيير في التركيب لهذا الشعاع، وبالتالي فإن هذا الانتقال يشبهه التغير عند الشخص، وهذه المرحلة ثرية بالفراغات والتغيرات والفجوات، لذا ينبغي الحذر من هذه الفجوة الناتجة عن الانتقال من وضعيّة إلى وضعيّة أخرى، والتغيير إلى طريقة مختلفة السلوك، بالاستفادة من أهل التجارب وذوي الخبرات؛ لأن الإقدام على مثل هذه التغيرات يعقبه الكثير من التحوّلات قد يتيه فيها المرء إن لم يكن على سابق قدر عظيم من العلم الشرعي، والإيمان القويم بالله - تعالى -، وعلى فهم عميق نحو التنبّؤ بالمتغيّرات التي تعقب التحدّي وتكون ضريبة له.
- التغيير لا بد فيه من التقدّم، ولا ينبغي فيه التأخر، ومطلوب منه الصعود، ولا ينثني فيه للنزول، والمرء مجبول على السباق، وقد أُقحم المضمار رغماً عن أنفه، فإن لم يكن متطلعاً لوثبات عالية وتطلعات سامية، لانحدر على وجهه مع المتأخرين، وتعلقت نفسه وذاته بتوافه الأمور، وانحط اهتمامه بالترهات، يقول ابن تيمية - رحمه الله - (فيما معناه): " المرء في علوّ أو نزول، ولا شيء بينهما فالله حكم لعباده بالجنة أو بالنار فلا منزلة بينهما، والمرء إن لم يكن قي تقدّم فهو في تأخر".(14/258)
فاقد الشيء لا يعطيه، والمتكلم فيما لا يعرف أحمق، فالحذر الحذر من النداءات الخافتة والهتافات المستعجلة من أن مسايرة الواقع أمر مطلوب، وأن الهزيمة في معترك التغيير والتطور أمر حتمي ولابد منه، ومن العيب أن تكون أنت أنت قبل سنة وبعدها؛ فالنفس تملّ وتكلّ، ولا يُطرد الملل إلا التغيير والتجربة.
انتبه للتغيرات البطيئة، واحرص عليها، ولا تحقر التقدّم مهما كان، ولا تحقرن الصغير مع الصغير وإنما السيل اجتماع النقط.
التغيير مطلب شرعي، وضرورة حثّ عليها الدين، قال - تعالى -: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ولا يرتقي ويسمو المرء ولا تتغير حاله إلا بتغيير حقيقي في نفسه، وصدق التوكل على الله مع اتخاذ السبب وصدق التغيير، والآية دالّة.
خير العمل أدومه وإن قلّ، وعذراً على التجريح فقد جاء الزمن بإعصار تعقبه ريح، ومن رام شيئاً وجده والمؤمن صاحب حكمة أنّى وجدها فهي له، هذه ترانيم محبّ قد عصر تفكيره وعقله ليعطي -ولو شيئاً- في هذه القضية، وهي فصول بناء من وجهة نظر النقد البنّاء عسى أن ينتفع بها قارئ أو يستفيد منها مجتهد، وحسبي أن أكون أنا من أول الغيث الذي يهطل ما إن يحس ببوادر الرعد، ويتهادى بعد مقدّمات البرق.
2/3/1426
11/04/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
==========
لماذا تبدع المرأة عبر الشبكة العنكبوتية ؟
بدرية العبد الرحمن العبيد
يتجلى إبداع المرأة في الإنترنت عبر الحديث الفكري والإبداع الأدبي، وتتجلى المرأة السعودية في النت حين التعرض للشأن النسوي السعودي خصوصا في حديث الفكر..وتحكمها عدة تيارات فكرية وأطياف ثقافية قد تتزاوج وقد تتنافر..
ويتجلى إبداعها الأدبي في تلك النصوص البارعة التي تزدحم بها الشبكة العنكبوتية بشكل متخم.. والغريب أن أغلبها يستحق التصنيف كروائع ومع ذلك يضخ في الشبكة العنكبوتية، التي لم تأخذ بعد حجمها من الاحترام!
ولئن كانوا من قبل يقولون عن الكلام الفاهي (كلام جرايد) فهم يقولون الآن (كلام انترنت)، ولكن مادمنا في رصد ذلك التجلي لإبداع المرأة تحديدا على شبكة الانترنت، فلابد أن نحاول استقصاء العوامل والأسباب التي بسببها استطاعت المرأة أن تتفوق وتبدع على الشبكة:
1- هامش الحرية الأكبر وارتفاع سقف الحريات والمسؤولية في النت عنه في الثقافة المطبوعة، وهذا أمر يتشارك فيه مبدعو النت عموما رجالا ونساء، فالرقيب لا يستطيع الاحاطة ولا السيطرة على ما سيطرح في المنتديات العنكبوتية التي كل ما تتطلبه هو كتابة الموضوع ومن ثم نقر زر الإضافة.. بخلاف الصحافة المطبوعة التي تمر على عدد من المحررين المقيدين بقوانين المطبوعات وقوانين المؤسسة نفسها ومعطيات الاتجاه الفكري الذي تنتمي إليه المطبوعة، كل هذا يمر عليه الإبداع قبل أن ينشر في الصحافة المطبوعة..
ونعرف جيدا كيف أن حرية المبدع هي السبيل لنمو إبداعه، وكما أن أقدام الصينيات مثلا كانت تحبس سابقا في أحذية حديدية لتمنعها من النمو بعد البلوغ كنوع من علائم الجمال، كذلك لا يستطيع المفكر ولا المبدع النمو في بيئة أطرها الفكرية ضيقة وخانقة وغير قادرة على توفير مقومات الإبداع..
الإبداع يقتل حينما يختنق ولو بقليل من الحواجز الخارجية، والأمر يتجلى في ضعف الإبداع الأنثوي المطبوع عنه في الإنترنت..
ومن هنا يعاني المبدعون العرب بشكل عام، والنساء منهم على وجه الخصوص من أزمة الحرية على عدة مستويات، ونلاحظ على الكثير منهم سمات المعاناة والآلام النفسية الغريبة التي تنجم من عملية التكميم المنظمة التي تمارسها قوانين المطبوعات ويمارسها المجتمع أحيانا والأسرة أحيانا.. وهذا ما يؤدي إلى حصول ردود فعل فكرية عنيفة في حالة التحرر ولو الجزئي منه (الانترنت منفذا على سبيل المثال).
ما زلنا نطالع بكل أسف موجة رد الفعل المضادة المتمثلة في المواضيع التي تتجرأ على التابو لمجرد أنه تابو، وتتمرد عليه وتتحدث عنه بلا وعي وفي كثير من الأحيان بنوع من الصفاقة والاستفزاز.. مازلنا نعاني من صدمة منتديات تنشأ من أجل الجعجعة حول الحرية، والحقيقة إن الحرية التي يتحدثون عنها هي صفاقة همها النيل من المقدسات والثوران دون قضية. وكأن المهم أن تثور وتسخر وتسفه بغض النظر عن لماذا تفعل ذلك.. وربما في بعض الأحيان لمجرد خالف تعرف.. وأرى أنني أحياناً أصل لقناعة أن خالف لم يعد يعرف من كثرة المخالفين.. والكل بات يستخدم لهجة التعدي على المقدسات للحصول على شهرة سريعة وباهتة... فبئس ما يشترون وكأن العملية الفكرية الإبداعية ـ بكل أسف ـ تحولت لميدان تحدي بين فرقة وفرقة أخرى، وضاغط ومضغوط.
إن إعادة النظر في سقف حريات المطبوعات، سيكفل ضبط التدفق الإنترنتي اللا واعي في كثير من الأحيان، والذي نما فيه مثقف النت بشكل ملحوظ فيما لا يتجاوز الخمسة عشر سنة على الأكثر التي هي عمر الإنترنت العربية. ما يدفعنا للقول إن الحرية التي يجدها المثقف في عالم النت هي أكبر عوامل نموه السريع على الإطلاق.
ولدينا حرية من نوع آخر في الإنترنت هي حرية حجم النص غير المقيد، والمقيد بصرامة في المطبوعة؛ إذ إننا نعاني من قضم أطراف المقالات حتى تناسب حجم الزاوية والمكان المتاح الذي يتركه لنا المحرر.. وهذا أمر لا يحدث في النت.(14/259)
2- ضخامة حجم المتلقين.. وتنوع أطيافهم ومستوياتهم الثقافية بما يكفل تعدد الرؤى حول المادة المطروحة.. وتباينها في كثير من الأحيان، وهو الأمر الذي يحتاجه الحراك الثقافي في أي مكان.. ففي الوقت الذي نجد فيه الثقافة المطبوعة محكومة تقريبا برؤية واحدة هي توجه المطبوعة أو توجه المجتمع ككل، نجد متلقي النت مختلفا تماما من هذه الناحية تحديدا، وبالتالي لم يعد المثقف يكتب وهو يعرف ردة الفعل التي ستترتب على ما يكتب.. وإنما يتوجس خيفة من كل الأطياف التي تضعه تحت مجهرها وتحاكم إبداعه وفقا لنظرتها.
هذا الأمر الذي يشعل المعارك الثقافية في المنتديات الحوارية خصوصا.. والمعارك النقدية حول النصوص في المنتديات الأدبية.. وإن كان موسوما بالشللية ومدفوعا بكل أسف بالدوافع النفسية البحتة (الغيرة والرؤية المسبقة والحالة التفكير القطيعي) إلا أنه بشيء من الوعي يمكن أن يتحول إلى تظاهرة ثقافية ضخمة..
3- يسر النشر والتغاء النخبوية بحيث يكون الاحتفاء بالإبداع أكثر من الاحتفاء بالمبدع، رغم أن كثيرا من الأسماء المستعارة (اليوزرات) تلمع وتظهر بشكل جيد (الخفاش الأسود، فتى الأدغال، نورماس، أكاي، حصة مكيافيللي، شون، ومشاعل العيسى، أجنادين، بنت الرعد، ممتعض، حاطب ليل، أنين، محبة فلسطين، هيلدا، وهج وغيرها من الأسماء).
ويمكننا القول أن سهولة النشر وإتاحة المشاركة للجميع من أهم العوامل على الإطلاق في انتفاضة مثقف النت واستمراريته.
وعلى هامش ذلك فإن مبدع النت يجد حماسا أكثر في نشر ومتابعة وتجويد إنتاجه نظرا لأنه يرى رده فعل المتلقي فور نشره لإبداعه.. وأعني بها خاصية الردود التي تحتفظ بها المنتديات كذلك خاصية التعليق على المقال التي تحتفظ بها بعض المواقع.. بعكس كاتب المطبوع الذي قد ينتظر أياما قبل أن يرى ردة فعل واحدة على نص نشره.. أو تجاوب أو حتى تشجيع.
4- وفيما يخص المرأة يمكن التركيز على قضية الاسم المستعار وقابلية التخفي به الأمر الذي يمنح هامشا من الأمان للمرأة لا تمنحه الصحافة المطبوعة التي تطالب بالاسم الصريح مثلا.. فمازال لدى المجتمع توجس خفي من اسم المرأة ربما ليس كالأول طبعا.. ولكنه مازال موجودا على استحياء.. ونحن لن نتخلص من هذا الهاجس حتماً!
وقد وجدت الكثيرات من مبدعاتنا متنفسا كبيرا في النت والاسم المستعار لدرجة خارجة عن المألوف أحيانا.. لكنها تعكس حالة اختناق الإبداع في الصحافة المطبوعة، والذي تهرب منه المرأة للنت، لذلك ووفقا لإطلاعي الطويل على المنتديات الإبداعية أجد أنه وبرغم أن الرجل مهيمن في كل مكان وزمان عددا وإبداعا إلا أن المرأة تغلبه في النت.. وتتفوق عليه.. مشاركة وأداء وحضورا أيضا!
ماذا ننتظر من المجتمع ومن مبدعة النت؟
1- نطمح أن تفرز لنا مطحنة الإنترنت أسماء نسائية لامعة نضجت في وقت قياسي في أتون النت نضجا أدائيا وفكريا قادرا على نقل المشهد الفكري السعودي لسنوات قادمة للأمام.. وانتقال أديب الإنترنت من النت للمطبوع أمر بالغ الصعوبة حينما يكون ذلك الانتقال امتدادا لمشوار النت بأشواكه وخطيئاته ونظرة المجتمع القاصرة له.. ولكنه أمر ضروري جدا لتحريك العجلة للأمام.. فلا ننتظر من مبدع بحجم فتى الأدغال أو نورماس أو تمر حنا وهي أديبة وروائية كاتبة (أنت لي) ظهرت ونمت في منتديات واحة الهجير.. لا نطمح كثيرا أن يبقوا في سراديب النت للأبد.. وان تبقى كتاباتهم حبيسة الشبكة دون أن تظهر في كتب مطبوعة.. وقد كانت هناك محاولة قوية من منتدى المحاور لتجميع إبداع أعضاء المنتدى على شكل مقالات تنشر في كتاب، كما بدأت الآن تظهر مجلات تبدأ الكترونية، ومن ثم تتحول لمطبوعة مثل مجلة الإسلام اليوم التي يرأس تحريرها الشيخ العودة ومجلة الساخر ومجلة الوسطية وغيرها الكثير.. وهي خطوة في سبيل خطوات إن شاء الله.
2- وفي سبيل ذلك لابد من الاعتراف بإبداع النت الذي صار مبتذلا في الحديث الفكري الثقافي.. ولا ينتظر من مجتمع يحاكم الإنترنت دائما ويصفها بأنها مقلب قاذورات! أن يحترم كاتبا تخرج من هذا المكان.. لذلك نطمح لمجتمع واع بدور النت السلبي والايجابي معا حتى لا نتحول إلى دون كيشوتات تصارع الزمن بلا جدوى.. والتنبيه على أن تضخم المنتديات لدرجة التورم يمكنه أن يكوّن انطباع ابتذال لثقافة النت عند المتلقي، وبالتالي فإن نوعا من الوعي وضبط حجم المنتديات وعددها وتحديد مشاركات الأعضاء بشكل يمنع من حدوث تخمة ثقافية غير مستساغة كفيل باستمرارية متابعة المتلقي واحترامه لما يطرحه الإنترنت..
3- ومهما قلنا عن استقلالية مفكر ومثقف ومثقفة النت فإننا لا نكاد نختلف أن الثقافة النتية لا تختلف عن المطبوعة في أنها مرآة العصر الذي تعيش فيه، ووفقا لذلك فإن مزيدا من الرقي الفكري في المجتمع سيدفع بثقافة الانترنت للأمام أكثر.. والعكس بالعكس.
4- ثقافة النت رغم أنها توسع الشقاق الفكري من جهة إلا أنها يمكنها أن ترأب الصدوع من جهة، ويمكن التعويل عليها في رأب الشقاق الفكري بمزيد من التوعية الفكرية بأهمية الحوار ومحوريته في تكوين الفكر.
لماذا لا تستغل منتديات الإنترنت من قبل جهات أعلى؛ جهات مسؤولة لتوظيف الأفكار النيرة الفعالة التي تتفق عليها كافة الأطياف الفكرية المختلفة؟ الليبرالي والإسلامي يتفقان على تجريم الإرهاب مثلا، ومكافحة الجريمة والظلم والعنصرية.. كل هذه القضايا لم لا يتم توظيف المنتديات لطرحها وحلها وتفعيل حلولها على الواقع؟ على الأقل لتكون خطوة في رأب الشقاق الفكري العظيم الذي يتجلى ويزداد كل يوم في الحوار الفكري الإنترنتي؟(14/260)
وعلى مستوى المرأة.. لم لا يتم تكوين منتديات نسوية فكرية يمكنها أن تتطور فيما بعد لتصبح شبيهة بمراكز الحوار الثقافية؟ لو سلمنا أن حوار النساء بينهن أهدأ وأكثر تسامحا من حوار الرجال كما نشهد دائما؟
5- في سبيل التطور للأفضل لابد من مراعاة أن هامش الحرية الذي يمنحه الاسم المستعار لا يعفي الأديبة والمفكرة من المسؤولية التي تترتب عليها كما يفترض بأي عقلية متطورة أن تفكر، فالحرية لا تتوفر دون مسؤولية والمسؤولية تقتضي الحرية.. والنماذج السيئة التي اتخذت الحرية رمزا للتفلت الذي وقعت فيه لا تعني أن الحرية أمر مستهجن ومرفوض والعكس صحيح، لا يعني كون الحرية مطلبا أن هذه الحرية لا تترتب عليها أي التزامات.
وأتصور أن الحديث عن هذه النقطة يطول والمعول عليه أولا وأخيراً هو فكر المفكرة والأديبة وأخلاقياتها وضميرها... ومراقبتها للخالق - عز وجل -.. والكلمة أمانة يقول الله - تعالى - في كتابه الكريم: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الآية 71) الأحزاب.
http://www.lahaonline.com المصدر:
===========
المشرفة الداعية
إيمان فهيم
الحمد لله الكريم الرحمن، ذي العطايا الجزيلة والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الهادي إلى أعظم سبل الخير والرضوان وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
إن الإشراف التربوي جهد بشري بين شخص وآخر لا يقف عند حد التشخيص والعلاج والتقويم والمتابعة بل يتجاوز إلى ما هو أسمى ذلك فهو وسيلة دعوية بالإحسان تنال به الدرجات وتضاعف به الحسنات بإذن الله - تعالى -. والمعلمة مرآة للدعوة تعكس التوجيه مترجماً أفعلاً على سلوك الطالبات. لذلك فهي بحاجة إلى مشرفة داعية ترشدها وتثبتها على طريق الصواب بالتوجيه والدعوة والمتابعة.
أختي المشرف: اسعي إلى أن تكوني داعية لدين الله وسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ولا تقولي ((للدعوة أهلها)) فأنه من واجبات كل مسلم ومسلمة أن يقوم بواجب الدعوة إلى الله فالدعوة لم يحدد لها نوعية بشر عملاً بأمر الله قال - تعالى -{أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} سورة النحل 125وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - (بلغو عني ولو آية) أخرجه البخاري.
فابذلي الغالي والنفيس لتوجيه سلوك أو تعديل خطأ، وحاولي استكشاف طاقات و إمكانيات معلماتك لتوظيفها في المكان المناسب والوقت المناسب وارتقي بها من أن تكون مدعوة إلى أن تكون داعية، ومن أن تكون مقودة إلى أن تكون قائدة، ولا تنسي أننا خير أمة أخرجت للناس.
قال - تعالى -{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}.
وقبل البداية لا بد من محاسبة نفسك ومراقبتها والالتزام بصفات ضرورية ترتقي بك لتكوني مؤهلة للقيام بواجب الدعوة ومن تلك الصفات:
1- الإخلاص لله - تعالى -:
أخيتي لا يكن همك من عملك الرقي في الدنيا ونيل الشرف والثناء فكل ذلك مصيره إلى زوال قال - تعالى -((وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورا)) ولكن أبتغي بعملك وتوجيهك ودعوتك رضاء الله - عز وجل - ونيل الأجر قال - صلى الله عليه وسلم - ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
2- القدوة الحسنة:
(خير من القول فاعله، وخير من الصواب قائله، وخير من العلم حامله) مقوله تدعونا إلى تلمس طيب فحواها والسير على هداها وهي من أهم الصفات لمثلك ويجب أن تجعليها كالتاج للرأس فبدونها لن يكون لقولك القبول أو لدعوتك صدى فالالتزام بما تدعين إليه أهم من الدعوة إليه قال - تعالى -((يا أيها الذين آمنوا لما تقولوا ما لا تفعلون كبر مقتاًً عند الله مالا تفعلون)) وقال - تعالى -((أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)) كوني قدوة لمعلماتك ليصبحن بدورهن مربيات بالقدوة. يقول الشافعي: ((من وعظ أخاه بفعله كان هادياً))
ولا تنسي قول الشاعر:
لا تنهى عن خلقٍ وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
3- التحلي بالأخلاق الفاضلة والحميدة:
أختاه: تزين بجواهر الأخلاق الفاضلة تعكس منك ابتسامة صادقة وكلمة طيبة تتغلغل في القلوب وتأسر النفوس وقبل ذلك ترضي الرب المعبود وقدوة لكي في ذلك خير الأنام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأعظم الناس خلقاً قال تعالى((وأنك لعلى خلق عظيم)) والخلق الحسن وسيله لزيادة الأجر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار)) والتحلي بالأخلاق الفاضلة مع الناس عموماً والمعلمات خاصة يزيل الحواجز النفسية فيكون من السهل الاتصال وتبادل الحوار.
4- التواضع:
إذا ما أردت بذراً سريع الإنبات ونبتاً سريع الإناع وثمراً سريع القطاف فلتسقيه بماء التواضع.(14/261)
عن قيس بن مسعود - رضي الله عنه - أن رجلاً كلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح فأخذته الرعدة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد)) وقال - صلى الله عليه وسلم - ((إن الله أوحى إليَ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد)) فهذا شأن قائد الأمة شرفه الله لأعظم دعوة، وكان أكثر الناس تواضعاً أحبه الناس فأقبلوا على دعوته، فليكن لك القدوة الحسنة.
5- الصبر:
أختي المشرفة الداعية: إذا رفعة الدرجات فعليك بالصبر رداء يكن لك وقاء في تحل الصدود والنفور فلا بد أن تضعي في اعتبارك أن المعلمات طباعهن وأفكارهن وتقبلهن ونشاطهن وقدراتهن تختلف من واحدة لأخرى لذلك لن تكون ردة الفعل واحدة وبتالي جهودك ودعوتك لن تكون بنفس الأسلوب فلذلك يستدعى منك الصبر والتحمل في العامل والتوجيه واستعيني بالدعاء وطلب العون من الله. أختي: أيضاً عند قيماك بالدعوة لابد من مراعاة بعض القواعد التي تعينك في أداء الدعوة وتسهيل المهمة ومن ذلك:
1- الاستزادة من العلم
لابد أن تكون ركيزة الدعوة معرفة كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لكي تكون الدعوة على بصيرة وبذلك أمر الله نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قال - تعالى -((قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن أتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين)) فالعلم يزيدك ثقة وثباتاً ويبعدك عن القول بدون علم.
2- تحسين مهارات الاتصال لبناء العلاقات
أختي المشرفة الداعية: عندما تكونين قادرة على التأثير في المعلمات واستخدمت أساليب متعددة وأحسنت التصرف معهن وتمكنت من إقناعهن باستخدام أساليب الاتصال اللفظي وغير اللفظي أصبحت قادرة على تحقيق أهدافك وحصد نتائجك متمثلة في قبول المعلمة دعوتك للخير وترجمت قبولها بقيامها هي أيضاً بواجب الدعوة نحو طالباتها.
3- طلب المشورة من أهل العلم
عندما يتشاور أكثر من شخص في أمر معين تتنوع الأفكار وتتعدد وجهات النظر للموضوع الواحد وبعد التحليل والتفصيل يسهل اختيار الأفضل وتوقع النتائج، لذلك يجب أن تحرصي على طلب المشورة ممن هم أهل لها حلاً لمشكلة أو مواجهة لعقبة وذلك أمر الله - تعالى -في قوله ((وشاورهم في الأمر)) وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما نزلت (وشاورهم في الأمر) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أما إن الله ورسوله غنيان عنهما ولكن الله جعلها رحمة لأمتي فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ومن تركها لم يعد غياً)) ذكره الشوكاني
4- مراعاة أحوال المعلمة
يبغي على المشرفة الداعية أن تكون متيقظة لحال معلماتها في حين إقدامها على دعوة ما، فقد تمر المعلمة بظرف عائلي أو صحي يمنعها من الاهتمام بما يلقى عليها، فتخيري الأنسب لحالها من التوجيه والدعوة مع عدم الإطالة أو التأجيل.
5- التخطيط وترتيب الأولويات
أن مما يساهم في تشتت الجهود وتخبط المسير عشوائية الهدف وعدم التخطيط له بالتركيز بشكل مهم على ترتيب الأوليات. فالتخطيط يوفر الوقت والجهد ويوجه النشاط والإمكانيات نحو تحقيق الأهداف مما يمهد الطريق للنجاح مع ضرورة الأخذ في الاعتبار عند تحديد الأهداف واختلاف المعلمات في أمور كثيرة.
أختي الداعية: هناك بعض الأمور التي يجب أن تحذري منها عند قيامك بالدعوة ومن ذلك:
1- التسلط وفرض الإرادة
قد تصطدمي بمعارضة معلمة لموضوع ما عند توجيهك أو دعوتك لها، فلابد عندها من الحنكة في التصرف بالبحث عن الأساليب والآداب الملائمة لتوضيح وجهة نظرك إن كان الصواب جانبك دون تسلط أو جدال، يقول الله - تعالى -لرسوله - صلى الله عليه وسلم - (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) وقوله - تعالى -((فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى)).
2- استعجال النتائج
إيّاك واستعجال نتائج قال - تعالى -((إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((التأني من الله والعجلة من الشيطان)) أخرجه البيهقي. فالعجلة في الدعوة طريق الفتور والركون، ولكن أبذري وتابعي ولا تنتظري إلا الأجر من الله.
3- أن يكون دور المعلمة متلقية فقط:
فمن المهم أن تدفعي المعلمة للعطاء ولا يبقى دورها مستقبلاً فقط، فلابد من حفزها وزرع الثقة في نفسها لكي تقدم على دعوة طالباتها للتمسك بما أمر به الله والابتعاد عما نهى عنه وهنا نلقي الضوء على بعض الأساليب التي تفيد في أداء مهمة الدعوة:
من المهم أن تحرصي في الأساليب المستخدمة:
• ترجمتها للأهداف المخطط لها من قبلك.
• مناسبتها لطبيعة المعلمة.
• موافقة المضمون للكتاب والسنة.
ومن هذه الأساليب:
1- الهدايا: وسيلة محبة وطريقة دعوة يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ((تهادوا تحابوا)) أخرجه البخاري تخيري المناسب منها كشريط أو كتيب.............. الخ.
2- التوجيه للقراءة: وذلك بتوجيهيهن لقراءة كتاب أو موضوع للاستفادة منه بشرط وثوق مصدره وسلامة معتقد كتابه.
3- تخول المعلمات بالنصيحة: سبيلك للمتابعة ومد جسور الدعوة مع تخير أفضل القول وأيسره وعدم إطالة الكلمة وخذي من الرسول - صلى الله عليه وسلم - القدوة.
4- الانترنت: من أكثر الوسائل إقبالاً من جميع فئات المجتمع، فأمدي المعلمة بأسماء مواقع تفيدها في دينها وعلمها وإرشادها إلى أفضل المنتديات في ذلك.
5- المطويات: إمداد المعلمات بالمطويات المعدة من قبلك بأفضل شكل وأطيب مضمون.(14/262)
6- حفزهن للبحث: طرح موضوع بحثي لا يتجاوز الصفحة تجنباً لإرهاق المعلمة بما يتناسب مع طبيعة عملها ويرتقي بدينها، مثل البحث في الربط بين موضوع الكتاب وإعجاز الله في ذلك.
7- تفعيل الدعوة في الحلقات التنشيطية: توجيه المعلمات للتّخطيط للحلقات التنشيطية وتحديد أهدافها يسهم في رقى مستواهن العلمي والتربوي ومن الجميل أن يدرج ضمن الأهداف حلقة تفعيل الدروس في الدعوة.
وفي نهاية المطاف ليس لنا إلا التنبيه بأنك داعية في جميع أحوالك:
• فإخلاصك في عملك الوظيفي وحرصك عليه دعوة تستقى منه المعلمة إتقان العمل والحرص عليه والدقة في إتمامه وإنجازه.
• انضباطك في مواعيد العمل دعوة تؤدي بالمعلمة إلى مراعاة الله في السر والعلن واستثمار دقائق الحصص.
• مظهرك عامة حجاباً وزينة ولباساً دعوة به القدوة ترسم للمعلمة.
• حديثك وأقوالك دعوة تتعلم منها المعلمة الأدب وحسن إرادة الحوار واحترام الغير.
• نقدك المتوازن بين المدح والقدح دعوة تستقي منها المعلمة التوازن في أقوالها وأفعالها مع الطالبات وتستشعر ضرورة الموازنة في الثناء.
• عدلك بين المعلمات معاملة وتقييماً دعوة طريق لعدلها مع الطالبات.
• مشاركتك في الأنشطة دعوة تتعلم منها المعلمة عدم الركون والتغيير النافع.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://www.saaid.net المصدر:
============
قصاص الأثر
بدرية الغنيم
في الطريق وعورة تستوقف العربة وتؤخر المسير، وأحجار وشواخص تحرف عن الطريق، فيتوه ضعيف البصر، وينجو قصاص الأثر، من استجمع حواسه الخمس يرهف السمع يمعن النظر يشتم الرائحة يتذوق طعم الطريق ويتحسس سخونته وبرودته.
قصاص الأثر زاده الصبر الجميل، تتوقف عربة المسير لحجر كبير اندس بين العجلات، ترجل طويل النفس، الشمس تتكئ على كتفيه والريح تعبث ببردية رمال الصحراء تحرق وجنتيه وتعكس الوهج على عينيه لكن قصاص الأثر أبصر من زرقاء اليمامة وأصبر من جمل أتدرون لم؟ لأنه يحمل الخريطة ويتابع المسير، لأن الهدف أغلى من وقته وماله وروحه، هذا سر صبره.. لكل صاد له عن الطريق علامة وأثر عليه، فالشمس توقع على بشرته عنوان صموده، وهوام الطريق تحفر أخاديد بأنيابها على جلده، وبثور لسعها يكسي ما بقي من بشره، والحجارة ترسم خدوشاً وشروخاً على يديه ورجليه، وربما تتلف بعض أصابعه فتتساقط في الطريق.
اعتاد وجود العوائق أصبح في إلف معها حتى إذا افتقدها يوماً شك في صحة الطريق، فهي علامات ودلالات على الطريق: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل).
تلك الحجارة يبعدها عن مركبته حتى يسلمها لكفء مثله، حتى تصل أو على الأقل تبقى سائرة في الطريق لهداية المسافرين (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل).. وإن توقفت يوماً استمتع بتنظيف الطريق من العوائق والبوائق لأولئك السائرين، قصاص الأثر ماهر أيضاً في تعبيد الطرق، أتدرون لم؟ لأنه يحمل الخريطة، وكأنه يوقع بعلمه وبصموده على الطريق على شمسه وحجارته وأشجاره ومنحدراته ومنزلقاته ويضع إشارات التحذير ويعلق لافتات الوجهة الصحيحة كتبها بقطرات دمه المتتابعة على الطريق. يفل الخريطة ليتأكد من سلامة الوجهة ويدون عليها عوائق جديدة ليستفيد منها من أتى بعده، ويستلهم منها طرق العلاج وليقطع الوحشة وشعور الوحدة والغربة التي يجدها في بعض مراحل سيرة فيأنس بتدوين خبرته عليها.
يلتفت للكسالى على الطريق ممن اصطحبوا كثيراً من الزاد والمتاع والرياش اصطحبوا الدنيا برمتها ويريدون أن يتجاوزوا ثقالاً.. ويصيح لا تثقلوا العربة.. أصلحوا العربة فالطريق سالك للمبصرين.
عمي هم مبصر هو لأن النور بين عينيه لا يفارقه كتاب الله وسنة نبيه - عليه الصلاة والسلام -.
إن غاب نجم أو التحفت السماء بالغيوم لا يحيد عن الطريق أتدرون لماذا؟ لأنه يحمل الخريطة، قد خبأها في صدره تسقيها أوردة قلبه وينفض عنها الغبار هواء رئتيه، حبا وولاء لدينه، صدق في إيمان، علم وعزيمة وبذل وذب عنه وخلق فاضل وأدب جم وأخوة صادقة، تلك هي الخريطة التي لا يستطيع إلا قلة قليلة رسمها وقلة قليلة تستطيع ترجمتها إلى واقع تعيشه وتستهدي بها في حياتها وقلة قليلة من تثبت عليها قصاص الأثر له حداء يزيل عنه وعثاء السفر.
مركب الدعوة لن يضل إذا تابع آثار المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام وكان زاده نيته الخالصة لله وزينته وعطره صدق أخوته، وغايته نشر دين الله.
http://www.lahaonline.com المصدر:
==========
بذل النوال في الإرشاد إلى طريقة الاستفادة من المنتديات
يتساءل الكثير من رواد المنتديات - إن لم يكن بلسان المقال فبلسان الحال - عن كيفية الإفادة والاستفادة من هذه المنتديات وأنت حين تطالع المنتديات يسوؤك من يخبط فيها خبط عشواء، يركب الحرف على الحرف والكلمة على الكلمة من غير هدف ولا تبيان!
فطائفة من رواد المنتديات، مالهم حظ فيها ولا بيات!
ضحك بلا سبب!
وعجب من غير عجب!!
ولغب وصخب!!!
وذوق مسلوب منه الأدب
مماراة ولجاج...وعمامة الحجّاج!
شعارهم: قيل وقال، وجئتكم ضيفا.. فكيف الحال والأحوال؟!
صدق عليهم قول الزميل: أخي - عابر سبيل (... أبصرت روّادها فإذا جلّهم من فرسان (خزاعة) وما أدراك ما خزاعة؟!
جاء أعرابي فقيل له: ممن؟ قال: من خزاعة. قالوا: وما خزاعة؟
قال: جوع وأحاديث،،، إعراب الكلام ولحن في العمل.. )
ففكرت وقدّرت، وقدّمت وأخّرت، ثم نظرت فأيقنت:
أن الأمر ما منه بد، فشمرت عن ساعد الجد، وسألت ربي حسن الرشْد....(14/263)
لأسطر بعض الإنباهات وأرقم فيها الإرشادات..
منها ما هو من أثر المسير، أو نصح خبير، أو عظة بصير..
بضاعة مزجاة، وما أبرئ نفسي من بعض فحواه!
لكنه يجوز عند أهل العقول، أن يأخذ الفاضل من المفضول!
فبالله أنا وبه أقول:
إن بُليت بالشبكة العنكبوتية... ورمت المنتديات النتّية، فـ:
- أخلص النية، تجزل لك العطية.. فإن من رام الهدية والتشكرات النرجسية، حبط عمله، وتكسر قلمه.
- حدد الهدف، تنجو من التلف... وتسلم من مغبة الترف!
- تخيّر لنفسك الاسم الحسن، فإنك به مرتهن...
- ثم إن رمت الكتابة والأفادة فـ:
* نقّح الفكرة، واجمع لها من دواوين الخبرة، فغذاء الأفكار: دليل، وبرهان، وتجربة يقظان، وحكمة من كان.
* فإن جمّعت المادّة، فرتّب قبل أن تكتب، واحذف ما يفيد حذفه، وبيّن ما غمُض حرفه، وليكن همّك: الكيف... لا الكمّ والزيف.
* فإن لاحت لك القناعة بحسن البضاعة، مع جودة الصناعه، فتوكل واحتسب الطاعه.
* فاكتب ولا تسهب؛ فخير الكلام ما ذكّر آخره بأوله؛ وعبارة التصريح، أفهم عند القارئ من التواء التلميح، حتى لا تساء بك الظنون أو تفتن بها مفتون... وحدّثوا الناس بما يعرفون!
فإن لزم الأمر فطال الحرف والسطر، فجزّء الموضوع على حلقات واربط بين السابق والآت.
* وكن لما كتبت فاهم، فقد يحاورك فيه عالم، أو يراودك فيه حاسد ناقم، أو جاهل ولائم... فلا تكن أجهل الناس بما كتبت، فتكون أشقاهم بما سطرت!
واعلم أنه ما كل من سيقرأ مكتوبك، يوافق رأيك ومطلوبك.... فإنك إن رمت إرضاء الناس، فقد علقت بوسواس، وزدتّ على نفسك من وجع الراس!
* إن نقلت عن إنسان، أو نسخت مقالة أو حرفان، فانسب الفضل لصاحبه، ولا تكن ممن يحب أن يحمد بما لم يفعل، ليُذكر في المحفل.
* حسن الإخراج من الإبهاج، فلوّن حرفك، ورقّم سطرك، وأبرز من المقال.. ما تشتد له الحاجة والسؤال.
* ثم تخيّر للمقال العنوان، فإنه التاج والبرهان....
* فإن كملت لك السوابق، فانظر أي مكان له في المنتدى يوافق، فلا تخلط أدبا بسياسة، ولا طبّاً بوناسة!
* فإن لم يكن لك شيء من بنيات فكرك ووجدانك، أو ابتكار يراعك وبنانك، فانقل فائدة، حتى لو كانت سائدة، فقد تكون عن بعض الناس غائبة، أو جمّع الأخبار ا لطازجة متأكداً من صحة الأخبار، قبل النشر أو الإنكار!
* تابع ما طرحت باهتمام، واقرأ تعقب من تعقب بإلمام، فلعل في الردود تنبيه فيُشكر، أوسائل فيُخبر، أو خطأٍ منه يستغفر، أو لائم فيُنظر: هل صح لومه أم بان لؤمه!
* إن قرأت لأحدهم مقال، فتعقّبه بالإثراء لا بكيل الإطراء، وركّز في الرد على الأساس، واترك عنك الوسواس، و فاسد القياس، فإن وجدت خللا فسدّده بألطف عباره وأبين إشارة، مردفا ذلك بالدعوات النيرات، وسؤال الله حسن الثبات، فإن لم يكن لك تعقيب... فدعوة محبوب، تتألف بها القلوب.
* فإنك تستحق الإكبار بقدر ما تبحث للآخرين عن أعذار!
- واعلم حماك الله من سوء التقصير، أن لكل حسنة محاذير... فكن منها على حذر، قبل أن يدهمك الخطر! فالحذر الحذر من:
* أن تكتب للكتابة، أو تطلب الريادة.
* أن تنشر بين الناس إشاعه، أو تكون لكل خبر إذاعه، فتكون أحد علامات الساعه، فما كل ما يُعلم يقال، ولو كان عن طريق السؤال!
* لا تقبل على أحد مسبة أو مذمّة، إلا من برأت منه الذمة، أوترجّح فيه البرهان على المظنة.
* لا تلمز بمقالك، أو تعرض بأقوالك، وتذكّر سوء فعالك، فقد يوقعك الله في شر أعمالك....
* إن تعقبك بالرد شاتم أو لا ئم، فلا تعجل بالخصائم، أو كيل التهم والطلاسم.... بل تأنّ وتأنّ.. وتعنّ قول أهل الفن...
يزيد سفاهة وأزيد حلما.... كعود زاده الإحراق طيباً
فإنك بذلك تصنع من يدافع عنك بلسانك، من إخوانك وخلانك... فإن أظهر الله صدقك وفرّج كربك، فلا تشمت بشامت، أو تفتخر بأنك كنت الصامت!
بل زد على المخطئ حرصا وإشفاقا، ودعوة واتفاقا.
* لا تبن بينك وبين الآخرين وهم الحواجز، فتلغز وتغامز، أو تفرض في ذهنك صورة للرواد من قبل أن ترى منهم وتعتاد، فالحكم على الشيئ فرع عن تصوره!
* لا تقحم نفسك في حوار، لا تعلم له مسار، واكفف إن جهلت عن التوجيه، فإن فاقد الشيئ لا يعطيه!
* لا تلزم كلام خصمك اللوازم، إلا إذا دلّت عليه واضحات العلائم، ولا تتهم النيّات، أو تنقب في الخفيات... فالأصل في المؤمن الظاهر والسلامة، وأنه قد يأتي بالملامه!
* لا تحزن إن قلّت التعقبات على مقالك، ولا تيأس فكل يائس هالك.... واعمل ولا تملّ، فأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل ّ.
.................
وبعد: وأي بعد..
فهذا جهد المقل، فاستكثر منه أو استقل، وعدّ منه المخل، وانشره فأنت في حل.
وما كان فيه من شطط أو زلل، فمن نفس قليلة العمل، طويلة الأمل، وشيطان يؤزها بالعجز والكسل، نعوذ بالله من فتنة القول وفتنة العمل. والله أعلم... ونسبة العلم إليه أسلم.... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://saaid.net المصدر:
===========
حملة لإيقاظ ملايين الناس فجرا
الفكرة:
إحياء فرض الفجر في الأمة الإسلامية.
من هم المشاركين؟
يشارك فيه كل أفراد الأمة الإسلامية كبيرها وصغيرها، رجالاً ونساءاً
كيف أبدا؟؟!
يقوم كل واحد فينا بتبني (من اثنين إلي خمسة أفراد فقط) يتولي إيقاظهم على صلاة الفجر على شرط أن يقوم هؤلاء الأفراد بإيقاظ من اثنين إلى خمسة أفراد وهكذا، واعتماداً على المبدأ التسويقي فلو قمت بإيقاظ شخصين فقط فبعد أسبوعين فقط من دخولك هذا المشروع سوف تكون السبب في أيقاظ اثنين وثلاثين ألف وسبعمائة وثمانية وستين مصلي للفجر.(14/264)
لقد آن الأوان أن نتحرك وأن نكون إيجابيين، مشروع صغير لا يكلفك أكثر من مكالمتين تليفون((أو رنتين فقط))
على الفجر والثواب كبير جداً فقط لا تحتقر من المعرف شيئاً.
دعونا نبدأ ونخلص النية وبعون الله سوف نكون الأُمة التي أحيت فجرها عسي الله أن يرفع عنا هذا المقت >>
ملحوظة:
الأمانة الأولى تقع على عاتق مصلي الفجر في كل مكان أن ينهضوا بالأمة ويعينوا الآخرين على صلاة الفجر
إذا لم تكن من مصلي الفجر فاتصل بمن تعرف أنه يداوم على هذه الصلاة حتى تشجعه على هذا العمل واسأله أن يوقظك يومياً.
وتذكر جيداً: إذا كانت سنة الفجر خيراً من الدنيا وما فيها فبالله عليكم ما بالكم بالفجر..
http://saaid.net المصدر:
============
بين القوة والضعف
من السهولة على كثير من الناس معرفة الخير والشر، فإن الفرق بينهما واضح لكل ذي فطرة سليمة، بل إن اتباع الخير أيسر على النفس من تعمد الشر، ولكن معرفة خير الخيرين واتباع أعلاهما، ومعرفة شر الشرين والسكوت أو
الاضطرار لفعل أدناهما دفعاً لأعلاهما فهذا هو الفقه الدقيق الذي يحتاجه المسلم، خاصة إذا كثر الدَّخَن، واضطربت المفاهيم، وكثرت الاجتهادات دون علم ينير الطريق ويوضح المحجة.. والمسلم مضطر للعيش في هذه الأجواء، التي يختلط فيها الحق والباطل ويكثر فيها الشر مع وجود الخير، فكيف يكون منسجماً مع نفسه ومع مبادئه التي يحملها ولا يقع في التناقض والحيرة، ويصبح ممزق الشخصية بين الواقع والمثال.
هنا يظهر مصداق حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " فالفقيه حقاً هو من يجنب نفسه والمسلمين الالتفاف حول النصوص والأخذ بالرخص الملفقة، كما يجنب نفسه والمسلمين العنت والحرج المتعارض مع الحنيفية السمحاء.
إن سهولة انتشار كتب العلم في هذا العصر، جعل بعض الناس يقرأ الكتاب والكتابين، ثم يستنبط ويستخرج الأحكام من غير أن يكون على دراية تامة ومعرفة بأسرار الشريعة وحكمتها في التدرج بالناس ومراعاة المصالح ومعرفة أسباب
اختلاف العلماء، ومن غير أن ينظر بعين البصيرة إلى تطور مراحل الدعوة والدولة، وكيف كانت تتنزل الأحكام. والذي يطالب المسلمين بتطبيق تفاصيل الشريعة، كالتميز عن الكفار في كل شيء أو تطبيق ما جاء في سورة براءة من قتال المشركين كافة والمسلمون في حالة ضعف، فهذا لم يفقه الإسلام الفقه الصحيح.
ومن الأدلة على أن بعض الأحكام تختلف بين حال القوة والضعف:
1- ما جاء في قصة صبيغ بن عِسل أنه كان يسأل عن تفسير وَالذَّارِيَاتِ
ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وقْراً... الآيات، يفتش بذلك عن المعضلات ويتتبع المتشابه، وسمع به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فدعا الله أن يمكنه منه، فلما حضر بين يديه وتأكد له أنه يسأل عن هذه الأشياء أمره بوضع عمامته فإذا له وفرة، فقال له: (لو رأيتك محلوقاً لضربت عنقك)، لقد خشيَ عمر أن يكون هذا الرجل من الخوارج الذين وردت الأحاديث بذمهم وأن من علاماتهم التحليق، وكان عمر سيقتله لو تأكد له أنه من هذه الفئة مع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقتل ذي الخويصرة التميمي عندما انتقد قسمته لغنائم حنين وقال له: (إنك لم تعدل) فقال - صلى الله عليه وسلم -: (ويحك من يعدل إذا أنا لم أعدل!)، فيُعلم أن العفو عن الخوارج كان في حالة الضعف والاستئلاف [1]..
2- إن الحال التي أخبر الله - سبحانه - أن المسلمين يسمعون أذىً من الذين أوتوا الكتاب والمشركين نسخت عند بعض العلماء بحال القوة والأمر بقتالهم، وبعض الناس يقول: الأمر بالصفح باق عند الحاجة إليه بضعف المسلم عن القتال، ولا خلاف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مفروضاً عليه لما قوي أن يترك ما كان يعامل به أهل الكتاب والمشركين ومظهري النفاق من العفو والصفح إلى قتالهم وإقامة الحدود عليهم سواءً سميّ هذا نسخاً أو لم يُسَمَّ) [2].
3- احتمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المنافقين أذاهم قبل نزول براءة ما لم يحتمل من أذى الكفار وهو بمكة ما لم يكن يحتمل بدار الهجرة والنصرة [3].
4- إن الآيات مثل " وإذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً" [الفرقان: 63]، "وأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" [البقرة: 237]، "وإذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ "[القصص: 55]، إن هذه الآيات لا دليل على نسخها بالآيات التي تدعو إلى قتال المشركين والغلظة عليهم، وأمثال ذلك مما وردت به السنة النبوية، ولا يقول بالنسخ إلا من يتوهم التعارض في ذلك، ممن خفي عليه حسن اختلاف الأمرين عند اختلاف الحالين، ولذلك أنزل الله الكتاب والحديد وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبي الرحمة والملحمة [4].
ولا يظن ظان أن اختلاف الأمرين عند اختلاف الحالين هو تغيير لأحكام الله أو انحراف بها عما وضعت له، فالأحكام الثابتة المفروضة لا تتغير إلى يوم القيامة، ويبقى هناك أمور يراعى فيها حال المسلمين من الضعف أو القوة في كل عصر، ولا يعقلها إلا العالمون..
ــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر ما كتبه ابن تيمية حول هذا الموضوع في (الصارم المسلول) ص 189 -239 /224.
(2) انظر ما كتبه ابن تيمية حول هذا الموضوع في (الصارم المسلول) ص 189 -239 /224.
(3):انظر ما كتبه ابن تيمية حول هذا الموضوع في (الصارم المسلول) ص 189 -239 /224.
(4) محمد بن إبراهيم الوزير: العواصم والقواصم 1 / 172.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===========
لآلئ التواصل
عبد العزيز بن عبد الله الأحمد(14/265)
إن دوام الألفة وبقاء الإخاء وترطيب العلاقة أمر يطلبه ويسعى إليه العقلاء من جميع الأمم بلْهُ في الإسلام هدف جميل، وغرض أسمى رغب فيه ورصد لمن سعى إليه الأجر الكبير وأحله المقام العظيم..بل أباح بعض المنهيات إذا كان لمصلحة جمع القلوب، وتقريب النفوس..وذلكم مثال واضح لتكميل وإتمام مكارم الأخلاق على يد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي قال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "رواه البيهقي والحاكم.
وإن ما يضاد ذلك من التقاطع والتباغض نهى عنه الشارع الحكيم أيما نهي.. محذراً من تعاطي أسبابه.. وهو داء عالمي أممي في القدماء والمحدثين ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "دب إليكم داء الأمم من قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر" رواه أحمد والترمذي وجود إسناده المنذري.
إن دوام الألفة وبقاء الإخاء وترطيب العلاقة أمر يطلبه ويسعى إليه العقلاء من جميع الأمم بلْ هو في الإسلام هدف جميل، وغرض أسمى رغب فيه ورصد لمن سعى إليه الأجر الكبير وأحله المقام العظيم.
إن دوام المحبة وتناغم النفوس يتوصل إليهما عبر عوامل ولآلئ كثيرة منها:
1- الثقة المتبادلة بين الطرفين وحسن الظن بالآخرين وعدم التعامل بشك وارتياب!! ولنتصور حالة شخصين يتعاملان وكل منهما يشك بالآخر!! كيف تكون صفة التعامل ونتائجه؟ إن حالة التوجس النفسي بين المتعاملين تفرز في الغالب تعاملات جافة وظنون خاطئة وأحكام جائرة. وما ساءت علاقة بين صديقين أو زوجين أو قريبين إلا وتجد سوء الظن قد أخذ النصيب الأكبر في بعث التدابر والتباغض ولذا أتى في القرآن الكريم "يا أيها الذين أمنوا إجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم.. " وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " متفق عليه.
إن استحضار الثقة وحسن الظن بالآخرين يجلب للإنسان إلتماس الأعذار لهم وعدم المبادرة بالإساءة.. وإنما يكون مدعات لرد السيئة بالحسنة.
2- الصدق والصراحة.. هما أمران ضروريان في التعامل مع الله - تعالى -ومع الناس.. والصدق ليس كلمة تقال!! بل هو دليل إيمان المرء، وصلاح طويته، ونقاء سريرته، وإن غياب الصدق في الفعال والأقوال من قاموس حياتنا يسلب اللذة منها.. ويغطي عالمها بالنفاق والمجاملة المقيتة التي لا تفتأ أن تزول إذا ما حلت بواقع.
وإن الصدق وإن كان في تضاعيفه هزات دنيوية، وابتلاءات جسمية فسيؤول بصاحبه إلى الخير والأنس والراحة، ألم يقل الله - تعالى -بعد معرض غزوة الصادقين وثمرات من التزم بالصدق راصداً ذلك رصداً عملياً واقعيا ً"يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين "، وإن الصدق يزداد جمالاً إذا إنضمت إليه الصراحة والمكاشفة بين المؤمنين أسراً ومجتمعات.. صراحة تهدف للمناصحة الإيجابية.
وكم يجور البعض منا على البعض بسبب حقرانه للآخر والدخول إلى النيات والمقاصد ويعز ذلك علينا حينما يستفحل ذلك وما أجمل أن يجلس شخصان مختلفان بعمل أو رأي أو موقف وقد استحضرا العامل الأول وضما إليه الصدق والصراحة.. وعالجا أمرهما معالجة الحكماء والأطباء.. فسيُفضي ذلك غالباً إلى حل المشكلة أو بعضها أو على الأقل عدم تفاقمها وتطاير شررها إلى من حولهما من أولاد أو طلاب أو أتباع.
3 - التقدير وإحترام ا لآخرين ووضع كل إنسان حسب موقعه ومكانته من عالم، أو صاحب سلطة، أو داعية، أو أب، أو أم.. وليس هذه دعوة للمجاملة الباردة أو التمييع بدعوى التقدير والسكوت على الأخطاء حتى تتفاقم.. وإنما هي دعوة لنوع من الإحترام الصادق والأدب مع الآخرين وحفظ العورات والأعراض بقدر ما تحفظ الدماء والأموال!!
إن إحترامك لأبيك أو شيخك أو أستاذك أو قريبك إذا كان يوافقك ليس فيه جديد أمر. إن محك التقدير والتوقير حينما تجد أن ذلك الشخص أو غيره يخالفك في أمر ما.. فستجد الأمر فعلاً دخل في" صالة الإمتحان ".
وكم يجور البعض منا على البعض بسبب حقرانه للآخر والدخول إلى النيات والمقاصد ويعز ذلك علينا حينما يستفحل ذلك لاسيما في الأسر الطيبة وبين أهل السنة والعلم من العلماء والدعاة والرعاة!!
ويكفي العبد شراً وبعداً وقسوة أن يحقر أخاه المسلم فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " بحسب امريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"رواه مسلم. ومنشأ ذلك كبر في القلب وتعاظم في النفس كما قال العلماء فيُنتج ذلك استعلاء الذات ونظرة دونية للآخرين ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " الكبر بطر الحق وغمط الناس " رواه مسلم، وفي رواية للإمام أحمد " الكبر سفَهُ الحق وازدراء الناس " وفي رواية لمسلم وأحمد وغيرهما " فلا يراهم شيئاً".
الصدق ليس كلمة تقال!! بل هو دليل إيمان المرء، وصلاح طويته، ونقاء سريرته، وإن غياب الصدق في الفعال والأقوال من قاموس حياتنا يسلب اللذة منها وإن التواضع ولين الجانب لهو من عزائم الأمور الشرعية والعقلية إذ به تجتمع قلوب المتنافرين والمتباعدين.
4- التعاون والإنتاجية إن كثيراً من الأدواء والمشكلات التي تنتشر بين الأسر والمجتمعات إنما تنشأ غالباً من الأنانيين والبطالين الذين لا هم لهم إلا الهذر والسفسطة والنقد وتجريح الآخرين ولو أن الشخص عمل وأنتج فإنه حينئذ سيحس بواقع الجهد وكلفة مواجهة النفس والآخرين.. ومن ثم يتشمم نَفَس العاملين المنتجين الذين إن تكلم فبتجربة وممارسة.. أما الخاملون فهم لم يكتسبوا خبرة العمل ومرارته التي تحسسهم بالحاجة للتعاون والتكامل والتناصح.(14/266)
إن الشخص العامل المنتج سيحُس بضخامة العمل ومن ثم يحس بقيمة العاملين ومدى جلدهم واصطبارهم وتحملهم.. كذلك يحسسه عمله بأخطائه وأهمية الإلتفات إليها ومداواة عللها، ولذا مادام يحس بهم ويحسون به.. فسيتبادلون فيما بينهم صور الإحسان والمعروف وينأون بأنفسهم عن الكسل والقعود وتقمص شخصية الحسود.
فما ظنك بشخص يجهد ويعمل ليتمثل هذه العوامل وغيرها.. فهو يحسن الظن بالآخرين ويصدق في التعامل معهم.. ويصارحهم ويناصحهم.. وفي نفس الوقت يحمل التقدير والإحترام لهم.. كل ذلك وهو متعاون مع من حوله.. فترى على مرور الأيام والشهور ظهور بصماته وإنتاجيته في نفسه وفيمن حوله، إنها لآلئ فتكون عقداً جميلاً يزين حياة المرء المسلم ويزيد تواصله، جعلنا الله وإياكم منهم.
11/10/1425 هـ
http://www.holol.net المصدر:
============
في بيتنا داعية
خالد عبد اللطيف
هي: نعم الرجل هو..مشاغله الدعوية تستغرقه فلا نراه إلا على الطعام وفي أوقات نومه.. !!
هو: زوجتي ولله الحمد داعية ملء السمع والبصر.. محاضرة هنا ودرس هناك.. لكنّي وأطفالنا نفتقدها كثيرا.. !
هذه نماذج لا يخلو منها واقعنا.. مردها إلى خلل في الموازنة بين الأولويات يفضي إلى تناقض ظاهر بين حال بعض الدعاة رجالا أو نساء في مجتمعهم الكبير وبين حالهم في مجتمعهم الصغير (البيت).. ولابد من التأكيد على أننا نشير إلى "بعض" الدعاة وليس كلهم؛ لئلا يتخذ بعض ضعاف النفوس هذا الكلام ذريعة إلى انتقاص أهل هذا المقام الكريم العظيم "الدعوة إلى الله"!
بل هو تذكير رفيق لهذه الفئة المصطفاة بالقصة العظيمة ذات الدلالات الكثيرة لأم الدرداء لما وصفت لسلمان الفارسي حال أبي الدرداء - رضي الله عنهم - أجمعين - مع أهل بيته، فلم تشكُ ولم تعبْ، بل أثنت على حاله من قيام الليل وصيام النهار؛ حتى لم يبق لأهله منه نصيب! وهذا من حسن أدبها - رضي الله عنها - فاكتفت بالمعاريض والتلميح!
فانبرى الصحابي الجليل سلمان - رضي الله عنه - الذي تربى في مدرسة النبوة، وتعلم خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، لبيان أن على المسلم حقوقا كثيرة، منها حق بيته وأهله، كما أن له حظه من العبادة والاجتهاد فيها، ملخصا ذلك في قوله لأبي الدرداء - رضي الله عنه -: "إن لأهلك أو لبيتك - عليك حقا... ".. فما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صدق سلمان".
إننا لا نشكك في صدق نية الدعاة، وحسن مقاصدهم، ولكنه التنبيه الواجب إلى نصيب أهل البيت من هذا الخير، بل وهذه الدعوة، فما أحوج الزوجة إلى الاحتواء والإشباع العاطفي مثلما يحتاج المدعوون إلى الاستيعاب والرفق والحكمة، وما أحوج الزوج إلى نصيبه من زوجته (بل حقه عليها مقدّم ومعظّم!)، وما أحوج أبناء الدعاة إلى العطف والحنان والإشفاق مثلما يحتاج المدعوون!
كما أن الداعية الموفقة من النساء تزن نجاحها في دعوتها بنجاحها في القيام بحق زوجها وأولادها ورضاهم بحظهم منها وعدم افتقادهم لها قبل أن تزنه بأعداد من يحضرون دروسها ومحاضراتها!
كما ينبغي أن يُلفت انتباه من اختار الله زوجته - أو زوجها في ركب الدعاة.. أن يتلطف في العتاب، ويعين شريك الحياة على الموازنة بين الخيرين.
وإنها لموازنة دقيقة.. وقد تكون أحيانا عسيرة.. لكنها يسيرة على من يسرها الله - تعالى -عليه فألهمه رشده، وهداه لاقتفاء آثار النبوة!
http://www.asyeh.com المصدر:
============
رسالة من أم إلى ابنها
جمال صالح عبيد الغامدي
هذه إحدى الأمهات قالت بالحرف الواحد:
لي أربعة أبناء، ثلاثة لا أراهم إلا قليلا..أما رابعهم يأتيني كل جمعة..بعد صلاة الجمعة مباشرة.. ومعه جريدة.. يتصفحها عندي قليلا ثم ينصرف" فكتبت إليهم هذه الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم(14/267)
يا بني.. هذه رسالة مكلومة من أمك المسكينة.. كتبتها على استحياء.. بعد تردد وطول انتظار.. أمسكت بالقلم مرات فحجزته الدمعة.. وأوقفت الدمعة مرات فجرى انين القلب.. يا بني.. بعد هذا العمر الطويل.. أرآك رجل سويا مكتمل العقل.. ومتزن العاطفة.. من حقي عليك أن تقرأ هذه الورقة.. وإن شئت بعد فمزقها كما مزقت أطراف قلبي من قبل.. يا بني.. منذ خمسة وعشرين عاما كان يوما مشرقا في حياتي.. عندما أخبرتني الطبيبة أنني حامل.. والأمهات يا بني يعرفن معنى هذه الكلمة جيدا.. فهي مزيج من الفرح والسرور.. وبداية معاناة مع التغيرات النفسية والجسمية.. وبعد هذه البشرة.. حملتك تسعة أشهر في بطني.. فرحةً جذلا.. أقوم بصعوبة.. وأنام بصعوبة.. وآكل بصعوبة.. وأتنفس بصعوبة.. ولكن.. كل ذلك لم ينقص محبتي لك.. وفرحي بك.. بل نمت محبتك مع الأيام.. وترعرع الشوق إليك.. حملتك يا بني وهن على وهن.. وألما على ألم.. أفرح بحركتك.. وأسر بزيادة وزنك وهي حمل على ثقيل.. إنها معاناة طويلة.. أتى بعدها فجر تلك الليلة التي لم أنم فيها... ولم يغمض لي فيها جفن.. ونالني من الألم والشدة، والرهبة والخوف مالا يصفه القلم ولا يتحدث عنه اللسان.. ورأيت بأم عيني الموت مرات عدة... حتى خرجت إلى الدنيا.. فامتزجت دموع صراخك بدموع فرحي.. وأزالت كل ألامي وجراحي.. يابني.. مرت سنوات من عمرك وأنا أحملك في قلبي.. وأغسلك بيدي.. جعلت حجري لك فراشا.. وصدري لك غذاء.. أسهرت ليلي لتنام.. وأتعبت نهاري لتسعد.. أمنيتي كل يوما أن أرى ابتسامتك.. وسروري في كل لحظة أن تطلب مني شيء أصنعه لك.. فتلك هي منتهى سعادتي.. ومرت الليالي والأيام.. وأنا على تلك الحالة.. خادمة لم تقصر.. ومرضعة لم تتوقف.. وعاملة لم تفتر.. حتى اشتد عودك.. واستقام شبابك.. وبدت عليك معالم الرجولة.. فإذا بي أجري يمينا وشمالا.. لأبحث لك عن المرأة التي طلبت.. وأتى موعد زفافك.. فتقطع قلبي.. وجرت مدامعي.. فرحة بحايتك الجديدة.. وحزنا على فراقك.. ومرت الساعات ثقيلة.. فإذا بك لست ابني الذي أعرفه.. لقد أنكرتني وتناسيت حقي.. تمر الأيام لا أرآك.. ولا أسمع صوتك.. وتجاهلت من قامت بك خير قيام.. يا بني.. لا أطلب إلا القليل.. اجعلني في منزلة أطرف أصدقائك عندك.. وأبعدهم حضوة لديك.. اجعلني يا بني.. إحدى محطات حياتك الشهرية.. لأرآك فيها ولو لدقائق.. يا بني.. احدودب ظهري.. وارتعشت أطرافي.. وأنهكتني الأمراض.. وزارتني الأسقام.. لا أقوم إلا بصعوبة.. ولا أجلس إلا بمشقة.. ولا يزال قلبي ينبض بمحبتك.. لو أكرمك شخصا يوما لأثنيت على حسن صنيعه.. وجميل إحسانه.. وأمك أحسنت إليك إحسانا لا تراه.. ومعروفا لا تجازيه.. لقد خدمتك وقامت بأمرك سنوات وسنوات.. فأين الجزاء والوفاء؟... ألهذا الحد بلغت بك القسوة وأخذتك الأيام؟ يابني.. كلما علمت أنك سعيد في حياتك زاد فرحي وسروري.. ولكني أتعجب وأنت صنيع يدي! أي ذنب جنيته حتى أصبحت عدو لك؟ لا تطيق رؤيتي!.. وتتثاقل زيارتي.. هل أخطأت يوما في معاملتك أو قصرت لحظة في خدمتك؟.. امنحني جزءا من رحمتك.. ومن علي ببعض أجري.. وأحسن.. فإن الله يحب المحسنين.. يا بني.. أتمنى رؤيتك.. لا أريد سوا ذلك.. دعني أرى عبوس وجهك.. يا بني.. تفطر قلبي.. وسالت مدامعي.. وأنت حي ترزق.. ولا يزال الناس يتحدثون عن حسن خلقك وجودك وكرمك.. يا بني.. أما آن لقلبك أن يرق لامرأة ضعيفة أضناه الشوق.. وألجمه الحزن.. جعلت الكمد شعارها.. والغم دثارها.. وأجريت لها دمعا، وأحزنت قلبا، وقطعت رحما.. لن أرفع الشكوى.. ولن أبث الحزن.. لأنها إن ارتفعت فوق الغمام.. واعتلت إلى باب السماء.. أصابك شئم العقوق.. ونزلت بك العقوبة.. وحلت بدارك المصيبة.. لالالالالالا.. لن أفعل.. لا تزال يا بني فلذة كبدي.. وريحانه حياتي.. وبهجة دنياي.. أفق يا بني.. بدأ الشيب يعلو مفرقك.. وتمر السنوات ثم تصبح أبا شيخا.. والجزاء من جنس العمل.. وستكتب رسائل لأبنك بالدموع.. مثل ما كتبتها إليك.. وعند الله تجتمع الخصوم.. يا بني.. اتقي الله في أمك.. كفكف دمعها.. وواسي حزنها.. وإن شئت بعد ذلك فمزق رسالتها.. واعلم أن من عمل صالحا فلنفسه.. ومن أساء فعليها..
إخوتي /أخواتي.. لنقف و نراجع و نفكر في تعاملنا و مخاطبتنا لأمهاتنا.. فقد كثرت آهاتهن.
http://www.almualem.net المصدر:
===========
من وسائل الاتصال الناجح
محمد بن عبد الله الهبدان
الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن من القضايا المهمة لدى الدعاة إلى الله - تعالى -أن يتعلموا كيف يكون التواصل مع الجمهور لأنهم يسعون لأهداف عالية، ومقاصد سامية وهنا في هذا المقال أنبه إلى مفاهيم مهمة حري بنا أن نتنبه لها حين نتحدث مع غيرنا فمن تلك المفاهيم:
أولاً: مهارات الاتصال هي مهارات مكتسبة وليست مورثة:
يقول الله - تعالى -: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل: 78)
فأنت عندما ولدت لم تك متكلما، ولم تك ماشيا. وهكذا تعلمت تلك الصفات وهاتيك المهارات من خلال الدربة، وكذا عليك الاستمرار في التدرب لكسب أيضا مهارات الاتصال مع الجمهور والتأثير عليهم.
ثانياً: تصور أن الرسالة التي تريد إيصالها للجمهور لن يحسنوا فهمها، وهذا يجعلك تفكر في الأسلوب الذي تتحدث به، والطريقة التي تتكلم بها، مما يوصلك إلى تحقيق الهدف المنشود بأفضل وسيلة، وأحسن طريقة.(14/268)
ثالثاً: وضوح العبارات في ذهن المستمع:
حينما توجه خطابا لابد أن تكون متأكداً من أن المصطلحات التي تستخدمها في حديثك معروفة في أذهان المستمعين، لأن الكلمات التي تستعملها في خطابك ربما لا يفهمها من تتحدث إليهم إما لاختلاف البيئات أو تعدد اللهجات، وتأمل قول الله - تعالى - (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) يقول قتادة - رحمه الله -: بلغة قومه إن كان عربيا فعربيا، وإن كان عجميا فعجميا، وإن كان سريانيا فسريانيا ليبين لهم الذي أرسل الله إليهم ليتخذ بذلك الحجة عليهم. [الدر المنثور ج5/ص4]
، وقد أخرج أحمد عن أبي ذر - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لم يبعث الله نبيا إلا بلغة قومه).
رابعا: طريقة الأداء لما تتكلم به:
إن نبرات صوتك، وحركات يديك، ونظرات عينيك لها تأثير كبير على المدعوين، فقد ذكروا أن 90% من المعنى المراد يمكن توصيله أو تحقيقه بهذا الأسلوب، بل إن 87% من المعلومات المخزونة في عقول الناس تدخل عن طريق عيونهم [1] ولذا يخبر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا خطب أحمر وجهه وعلا صوته، ولما كان عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - يقرأ عليه سورة النساء حتى بلغ قول الله - تعالى -(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) (النساء: 41) قال: حسبك، يقول ابن مسعود: فالتفت فإذا بعيناه تذرفان!! فكم هو جميل هذا الموقف ومؤثر!! كم له من الدلالات والإيحاءات الرائعة!!
ومن المواقف التي توضح أثر تحركات المتحدث ما رواه البخاري عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه - رضي الله عنه - قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قالوا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وجلس وكان متكئا فقال ألا وقول الزور قال فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت، وكان - صلى الله عليه وسلم - يشير بيده فيقول أنا وكافل اليتم كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى كما في صحيح مسلم.
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - استخدم في حديثه عدة أساليب؛ فقد كان - صلى الله عليه وسلم - متكأ بين أصحابه فلما جاءت عبارة مهمة ويحب أن ينبه أصحابه إليها جلس واعتدل في جلسته فقال: ألا وقول الزور...ثم كرر - صلى الله عليه وسلم - العبارة مرارا حتى تمنى أصحابه - رضي الله عنهم - سكوته إشفاقاً عليه.
خامساً: التواصل بغير كلام:
يمكن أن يتم التواصل مع من تريد بغير كلام كأن يكون بإشارة أو حركة يد أو إدامة نظر ونحو ذلك، فمن النماذج على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ أي في مرضه الذي مات فيه ـ فقلت له أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقضمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستن به وهو مستند إلى صدري. فتم التواصل بين عائشة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنظر فقد لحظت عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ينظر إلى السواك ففهمت منه رسالة وهو رغبته في السواك فقامت وهيئة السواك له - صلى الله عليه وسلم -. وروى البيهقي في سننه (1/265) عن أنس بن مالك قال رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامة في قبلة المسجد فغضب حتى أحمر وجهه فقامت امرأة من الأنصار فحكتها وجعلت في مكانها خلوقا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحسن هذا.
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتكلم في بداية الأمر بل عرف الصحابة الكراهة والغضب منه عندما شاهد النخامة في قبلة المسجد فقالت هذه المرأة وحكتها.
إذن يمكن أن يتم التواصل مع من تريد من خلال هذا الأسلوب، والذي يحدد نوع الأسلوب هو نوع الحاجة ونوعية الموقف الذي يحصل للإنسان ومن خلال ذلك يتم ما الأسلوب الأمثل في آلية التواصل مع المخاطب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
----------------
[1] ـ الخطوات الذكية ص 18.
17/1/1426 هـ
26/ 02 /2005
http://www.islamlight.net المصدر :
-============
كيف تدعو إلى الله تعالى في الحي الذي تسكن فيه ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين وقدوة للسالكين وحجة على العباد أجمعين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
فيعتبر الحي حلقة اللقاء والتجمع الثانية بين الناس بعد الأسرة الواحدة ، ولذلك لابد من الاهتمام بهذا التجمع ، وتوفير كل ما يلزم للرقي به دينياً ودنيوياً ، واستغلال هذا التجمع الطبيعي في الدعوة إلى الله تعالى .
وإنه مما يؤسف له أن تجد الكثير من الأحياء وفيها من الأخيار الأعداد الكثيرة ثم لا تجد من يجمع الناس فيه على الخير إلا ما تراه من بعض الأنشطة الفردية الباهتة من بعض أهل الحي ، والباقون في سبات عميق .
وهذا دور مبارك لا بد له من رجال يحملون الهم ، ويسعون في الأرض إصلاحاً وإنجاحاً ..
والناس في الجملة مدعوون ، فإن قام بهذا الصالحون ، وإلا فالمفسدون في الأرض لا ينتظرون طويلاً !
وهذه بعض الأفكار في الدعوة إلى الله تعالى في الأحياء ، جمعتها تذكيراً وتحذيراً ، تنويراً وتبصيراً ، وكان الله بالعاملين عليماً خبيراً .(14/269)
أولاً : استغلال المسجد للقاء بهم ، والحديث معهم ، فإن المجالسة والخلطة تورث المحبة ، وتكسب التعارف والتآلف والتكاتف والتناصر والتآزر ، ولدور المسجد في هذا المطلب المهم بدأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ به حين قدومه للمدينة النبوية ، فكان مكان اللقاء وموطن المحبة ، ومجمع الإخاء .
وللإمام دور مهم في هذا التجانس بين أهل الحي الواحد ، وكذلك للدعاة في الحي الدور نفسه وأكثر منه ، إذ لا نتوقع من عوام الناس أن يقوموا بهذا الدور إلا فيما ندر .
ثانياً : تأسيس مجلس للحي ، يجتمع فيه الصالحون من أهل الحي يناقشون أهم أمور الحي الدعوية والاحتياجات الحياتية فيه ، فالناس مجبولة على محبة من أحسن إليها ، ومدَّ يده بالمعروف إليها ، فإذا قام الصالحون بتوفير احتياجات الحي والسعي في ذلك ، كلٌّ بحسبه ، تعلَّق الناس بهم ، وكان لهم عندهم منزلة كريمة .
مثل توفير الكهرباء وصيانة الإنارة في الحي ،والسفلتة ، وبراميل النفايات ، وأمن الحي وغير ذلك مما تعم به الفائدة ، ويتم ذلك بالشفاعات الحسنة ، ومراجعة الدوائر الحكومية ، وزيارة التجار للاستفادة منهم في توفير احتياجات الحي ،وغير ذلك من الوسائل المشروعة النافعة .
[ يجب الحذر أن يقوم بهذا الدور من عُرف بالشر والسوء ، لأنه سيسعى ومن خلال الناس على نشر فساده وشرِّه ، فيجلب للحي السوء ، والناس يتبعونه في ذلك دون تمحيص ودراسة ]
ثالثاً : السعي في عقد جلسة دورية لأهل الحي :
# أهدافها :
ـ تعارف أهل الحي .
ـ مناقشة أمور الحي .
ـ إنشاء برامج دعوية للحي من خلال هذا الاجتماع .
ـ توفير الاحتياجات المالية للمشاريع في الحي .
ـ تفقد أحوال أهل الحي .
# المشاركون فيه :
جماعة المسجد الذي يلتقون فيه خمس مرات تقريباً في اليوم الواحد .
# زمانه :
في كلِّ أسبوع مرة واحدة بين المغرب والعشاء ، ويمكن أن يكون كلّ أسبوعين أو في كل شهر ، ولكن لا بد منه ، فإنه من أنجع وأنفع المشاريع الدعوية في الحي .
# مكانه :
الأفضل أن يكون في ملاحق المسجد إن وجدت وكانت مناسبة ، أو في بيت كلِّ واحد من أهل الاجتماع ، ففي كلِّ لقاء يتغير البيت ، لتعرف بيوت الجيران ، وتنعدم الكلفة بينهم ، ويتفقد أحوالهم .
# آلية اللقاء :
ـ يتولى أحد الأعضاء النشطاء التذكير بالموعد ومكانه وزمانه .
ـ يرحب صاحب البيت بالأعضاء .
ـ ضيافة خفيفة ـ لا كُلفة فيها ـ يفتتح بها اللقاء ، حتى يتم التجمع الكامل ، وتسقط الرسميات والكلفة بينهم .
ـ كلمة وعظية من إمام المسجد أو من ينيبه من أهل الحي ولديه القدرة على ذلك .
ـ مناقشة أمور الحي بفتح المجال للحوار المفتوح معهم ، والأفضل أن يكون هناك محاور للنقاش ، ففي كل لقاء تطرح قضية ، يساهم فيها من يشاء بما يريد ، ويتم التعليق والتوجيه عليها من إمام المسجد أو الدعاة في الحي .
ـ توزيع بعض الكتب والأشرطة والنشرات المناسبة في آخر اللقاء .
ـ تحديد زمان ومكان اللقاء التالي .
ـ وحبذا لو أن هناك هدية رمزية لأهل البيت من أهل الحي ، لكسب ولاء النساء ، وإدخال السرور عليهن .
ـ التذكير بدفع الاستقطاع الشهري من الجميع لدعم أنشطة الحي .
رابعاً : الاهتمام بالشباب في الحي ، وذلك لأمور :
ـ دعوتهم إلى الله تعالى ، وشغلهم بالنافع ، حتى لا يشتغلوا بغيره ، فيعم ضررهم وخطرهم .
ـ كسب ولاء وثقة الآباء .
ـ استغلال طاقات الشباب في النافع الصالح .
ـ دفع مفاسدهم وتجنب سوء بعضهم .
وتكون دعوتهم بأمور ، منها :
إنشاء تحفيظ قوي في الحي ، يشمل التربية الروحية أولا ، ثم توفير الأنشطة الترفيهية والتربوية والاجتماعية لهم فيه .
ـ عقد جلسة أسبوعية يجلب لها في كلِّ أسبوع داعية مناسب للشباب ، ثم تكون خاتمة المجلس وجبة غذائية إن أمكن .
ـ إنشاء مسابقة دورية ثقافية مكتوبة أو مسموعة بينهم ، وحبذا لو استغلَّت الأشرطة في ذلك لضمان سماعها .
ـ توزيع الأشرطة والكتب عليهم .
ـ السيطرة على ملاعبهم وما يجري فيها ، حتى لا تكون بؤر فساد وإفساد .
ـ الذهاب بهم للمحاضرات بالمساجد ، وخصوصاً فيما يهم الشباب ويناسبهم .
ـ التنسيق مع دور الملاحظة والسجون ومستشفيات الأمل لزيارتها بهم ، للوقوف على حال أهلها ، وأخذ العبر .
خامساً : إنشاء مستودع خيري بالحي :
من أهم أهدافه توفير لوازم الفقراء من أهل الحي ، وينشئ هذا المستودع أهل الحي أنفسهم ، فهو منهم ولهم ، يخدم الأغنياء كما يخدم الفقراء ، فهو يقدم للأغنياء وأهل الخير ملفات كاملة عن كلِّ أسرة فقيرة في الحي عبر برنامج يقوم عليه أهل الأمانة والثقة في الحي تحت إشراف مباشر من إمام المسجد والدعاة في الحي ، ومن خلال هذا البرنامج تقدم مجموعة من المواد الغذائية الأساسية لكل أسرة محتاجة في كل شهر عبر استقطاع وتبرع شهري من المشاركين في هذا البرنامج ، ويمكن أن يقدم البرنامج خدمات أخرى خلاف التغذية كتسديد فواتير الكهرباء والماء أو أجرة كراء المنزل أو شراء بعض الأدوية أو الأردية ، أو يقدم كسوة العيد أو هدية طالب المدرسة أو مصروف يومي للطلاب الفقراء وغير هذه البرامج المهمة في حياة الناس .
وكم لمثل هذا البرنامج من أثر مبارك في نفوس الفقراء والأغنياء على حدٍّ سواء !
إنها دعوة عبر اللقمة والشربة والكساء والدواء ، والله وليُّ الأتقياء !!
شبكة الدعوة المعلوماتية
http://www.dawah.info/knoz_show.php?id=32
=============
الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة
عبد العزيز بن عبدالله بن باز(14/270)
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، أرسله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على طريقته في الدعوة إلى سبيله، وصبروا على ذلك وجاهدوا فيه حتى أظهر الله بهم دينه، وأعلى كلمته ولو كره المشركون، وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الجن والإنس ليعبد وحده لا شريك له، وليعظم أمره ونهيه وليعرف بأسمائه وصفاته، كما قال عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وقال عز وجل: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا
فبين سبحانه أنه خلق الخلق ليعبد، ويعظم، ويطاع أمره ونهيه. لأن العبادة هي توحيده وطاعته مع تعظيم أوامره ونواهيه، وبين عز وجل أيضا أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما. ليعلم أنه على كل شيء قدير، وأنه قد أحاط بكل شيء علما. فعلم بذلك أن من الحكمة في إيجاد الخليقة: أن يعرف الله سبحانه بأسمائه وصفاته، وأنه على كل شيء قدير، وأنه العالم بكل شيء جل وعلا، كما أن من الحكمة في خلقهم وإيجادهم أن يعبدوه ويعظموه ويقدسوه ويخضعوا لعظمته؛ لأن العبادة هي الخضوع لله جل وعلا والتذلل له، وسميت الوظائف التي أمر الله بها المكلفين - من أوامر وترك نواه - عبادة؛ لأنها تؤدى بالخضوع والتذلل لله عز وجل.
ثم لما كانت العبادة لا يمكن أن تستقل بتفاصيلها العقول، كما أنه لا يمكن أن تعرف بها الأحكام من الأوامر والنواهي على التفصيل، أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل، وأنزل الكتب لبيان الأمر الذي خلق الله من أجله الخلق، ولإيضاحه وتفصيله للناس حتى يعبدوا الله على بصيرة، وحتى ينتهوا عما نهاهم عنه على بصيرة، فالرسل عليهم الصلاة والسلام هم هداة الخلق، وهم أئمة الهدى، ودعاة الثقلين جميعا إلى طاعة الله وعبادته، فالله سبحانه أكرم العباد بهم، ورحمهم بإرسالهم إليهم، وأوضح على أيديهم الطريق السوي، والصراط المستقيم، حتى يكون الناس على بينة من أمرهم، وحتى لا يقولوا ما ندري ما أراده الله منا، ما جاءنا من بشير ولا نذير، فقطع الله المعذرة، وأقام الحجة بإرسال الرسل وإنزال الكتب، كما قال جل وعلا: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ
وقال عز وجل: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ الآية، وقال سبحانه: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ(14/271)
الآية، فبين سبحانه أنه أرسل الرسل وأنزل الكتب؛ ليحكم بين الناس بالحق والقسط، وليوضح للناس ما اختلفوا فيه من الشرائع والعقائد، من توحيد الله وشريعته عز وجل، فإن قوله سبحانه وتعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً يعني على الحق، لم يختلفوا من عهد آدم عليه الصلاة والسلام إلى نوح وكان الناس على الهدى كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، وجماعة من السلف والخلف، ثم وقع الشرك في قوم نوح، فاختلفوا فيما بينهم، واختلفوا فيما يجب عليهم من حق الله، فلما وقع الشرك والاختلاف أرسل الله نوحا عليه الصلاة والسلام، وبعده الرسل، كما قال عز وجل: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وقال تعالى: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُالَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فالله أنزل الكتاب ليبين حكم الله فيما اختلف فيه الناس، وليبين شرعه فيما جهله الناس، وليأمر الناس بالتزام شرع الله والوقوف عند حدوده، وينهى الناس عما يضرهم في العاجل والآجل، وقد ختم الرسل جل وعلا بأفضلهم وإمامهم، وبسيدهم نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله عليه وعليهم من ربهم أفضل الصلاة والتسليم، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، ودعا إلى الله سرا وجهرا، وأوذي في الله أشد الأذى، ولكنه صبر على ذلك، كما صبر من قبله من الرسل عليهم الصلاة والسلام، صبر كما صبروا، وبلغ كما بلغوا، ولكنه أوذي أكثر، وصبر أكثر، وقام بأعباء الرسالة أكمل قيام، عليه وعليهم الصلاة والسلام، مكث ثلاثا وعشرين سنة يبلغ رسالات الله ويدعو إليه، وينشر أحكامه، منها ثلاث عشرة سنة في أم القرى (مكة المكرمة) أولا بالسر، ثم بالجهر صدع بالحق، وأوذي وصبر على الدعوة وعلى أذى الناس، مع أنهم يعرفون صدقه وأهانته ويعرفون فضله ونسبه ومكانته، ولكنه الهوى والحسد والعناد من الأكابر، والجهل والتقليد من العامة فالأكابر جحدوا واستكبروا وحسدوا، والعامة قلدوا واتبعوا وأساءوا، فأوذي بسبب ذلك أشد الأذى عليه الصلاة والسلام.(14/272)
ويدلنا على أن الأكابر قد عرفوا الحق وعاندوا، قوله سبحانه: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ فبين سبحانه أنهم لا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يعلمون صدقه وأمانته في الباطن، وكانوا يسمونه الأمين قبل أن يوحي إليه عليه الصلاة والسلام، ولكنهم جحدوا الحق حسدا وبغيا عليه، عليه الصلاة والسلام لكنه عليه الصلاة والسلام لم يبال بذلك ولم يكترث به، بل صبر واحتسب وسار في الطريق، ولم يزل داعيا إلى الله جل وعلا، وصابرا على الأذى، مجاهدا بالدعوة، كافا عن الأذى متحملا له، صافحا عما يصدر منهم حسب الإمكان، حتى اشتد الأمر، وعزموا على قتله عليه الصلاة والسلام، فعند ذلك أذن الله له بالخروج إلى المدينة، فهاجر إليها عليه الصلاة والسلام، وصارت عاصمة الإسلام الأولى، وظهر فيها دين الله وصار للمسلمين بها دولة وقوة، واستمر عليه الصلاة والسلام في الدعوة وإيضاح الحق، وشرع في الجهاد بالسيف، وأرسل الرسل يدعون الناس إلى الخير والهدى، ويشرحون لهم دعوة نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام وبعث السرايا، وغزا الغزوات المعروفة حتى أظهر الله دينه على يديه، وحتى أكمل الله به الدين، وأتم عليه وعلى أمته النعمة، ثم توفي عليه الصلاة والسلام بعدها أكمل الله به الدين، وبلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام، فتحمل أصحابه من بعده الأمانة، وساروا على الطريق، فدعوا إلى الله عز وجل، وانتشروا في أرجاء المعمورة دعاة للحق ومجاهدين في سبيل الله عز وجل، لا يخشون في الله لومة لائم، يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله جل وعلا، فانتشروا في الأرض غزاة مجاهدين، ودعاة مهتدين، وصالحين مصلحين ينشرون دين الله، ويعلمون الناس شريعته، ويوضحون لهم العقيدة التي بعث الله بها الرسل، وهي إخلاص العبادة لله وحده، وترك عبادة ما سواه من الأشجار والأحجار والأصنام وغير ذلك، فلا يدعى إلا الله وحده، ولا يستغاث إلا به ولا يحكم إلا شرعه، ولا يصلى إلا له، ولا ينذر إلا له، إلى غير ذلك من العبادات، وأوضحوا للناس أن العبادة حق لله، وتلوا عليهم ما ورد في ذلك من الآيات مثل قوله سبحانه يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وصبروا على ذلك صبرا عظيما، وجاهدوا في الله جهادا كبيرا رضي الله عنهم وأرضاهم، وتبعهم على ذلك أئمة الهدى من التابعين وأتباع التابعين من العرب وغير العرب، ساروا في هذا السبيل، سبيل الدعوة إلى الله عز وجل، وتحملوا أعباءها، وأدوا الأمانة مع الصدق والصبر والإخلاص في الجهاد في سبيل الله، وقتال من خرج عن دينه، وصد عن سبيله، ولم يؤد الجزية التي فرضها الله، إذا كان من أهلها، فهم حملة الدعوة وأئمة الهدى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا أتباع الصحابة من التابعين وأتباع التابعين وأئمة الهدى، ساروا على هذا الطريق كما تقدم، وصبروا في ذلك وانتشر دين الله، وعلت كلمته على أيدي الصحابة ومن تبعهم من أهل العلم والإيمان، من العرب والعجم من هذه الجزيرة جنوبها وشمالها، ومن غير الجزيرة من سائر أرجاء الدنيا، ممن كتب الله له السعادة، ودخل في دين الله، وشارك في الدعوة والجهاد، وصبر على ذلك، وصارت لهم السيادة والقيادة والإمامة في الدين، بسبب صبرهم وإيمانهم وجهادهم في سبيل الله عز وجل، وصدق فيهم قوله سبحانه فيما ذكر في بني إسرائيل: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ صدق هذا في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وفيمن سار على سبيلهم، صاروا أئمة وهداة ودعاة للحق، وأعلاما يقتدى بهم، بسبب صبرهم وإيمانهم، فإن بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، فأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وأتباعه بإحسان إلى يومنا هذا، هم الأئمة وهم الهداة، وهم القادة في سبيل الحق، وبذلك يتضح لكل طالب علم أن الدعوة إلى الله من أهم المهمات، وأن الأمة في كل زمان ومكان في أشد الحاجة إليها، بل في أشد الضرورة إلى ذلك..
موقع الشيخ ابن باز
http://www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=Bz00134.htm
===========
46 طريقة لنشر الخير في المدارس
إبراهيم الحمد
الحمد لله ، والصلاة والسلام على خير خلق الله وآله وصحبه ومن والاه ... وبعد :
فمما لا شك فيه ، ومما لا يجادل فيه عاقل أنه بتربية النشء تتقدم الأمة ، وبتعليم الشباب تتحصن بل وتهاجم أعداءها . ومن المعلوم أن نظام التعليم في هذه البلاد – بفضل الله – قد أتاح الكثير من الفرص لنشر الخير داخل المنشآت التعليمية التي يقضي فيها شباب الأمة وقتاً ليس باليسير ، ومن المؤسف أن البعض ينظر إلى التعليم على أنه مجرد معلومات ، ناسين أو متناسين الدور الحقيقي للتربية والتعليم ، وإسهاماً مني في نشر الخير ، وإحياءً للدور الحقيقي للتعليم كتبت هذه الطرق التي استفدتها من خلال التجربة ومن إخواني الأفاضل.
أخي الفاضل إليك هذه التنبيهات :
1- لا يمكن أن نعمل على الإصلاح ما دمنا لم نشعر ولم نعِ أهمية نشر الخير في مدارسنا وبين النشء .(14/273)
نعم غيرنا يهدم والهدم أسهل من البناء ، لكن قد يكون البناء صامداً لا يسهل هدمه ، ثم كوننا نبني وغيرنا يهدم أقل ضرراً من أن نظل متفرجين صامتين لهدم شبابنا بل أمتنا .
2- سأذكر في هذا الكتاب الأنشطة الخيرية – فقط – وهذا لا يعني عدم الاهتمام بالأمور التنظيمية والترفيهية التي تساعد على نجاح الطرق الخيرية ،كما أني لم أذكر واجب المعلم المنهجي في الفصل، فهناك كتب متخصصة في ذلك .
3- لا ينبغي أن نكون في دعوتنا وحلولنا بعيدين عن واقع الطلاب وما يواجهون .
4- قد تتداخل هذه الطرق فيما بينها ، وقد يُستطاع فعل بعضها دون الآخر ، لذا يُؤخذ منها ما يُستطاع ويناسب .
5- ينتبه عند تطبيق بعض البرامج إلى أخذ الإذن فيها قبل العمل بها .
6- أقترح تشكيل لجنة أو مجموعة في المدرسة تهتم بتنفيذ مثل هذه الأمور ، وتخطط لها في بداية الفصل الدراسي التخطيط السليم المتابع .
7- وجود طابع التدين في المدرسة وذلك بتعاملها وكثرة برامجها – بشكل عام – يحل كثيراً من الإشكالات الطلابية ويقللها .
8- ينبغي على المسئولين في المدارس التعاون والتشجيع المادي والمعنوي لنشر الخير .
9- هذه الطرق الخيرية يقوم بها المعلمون وكذلك الطلاب أو على الأقل يتم توصيلها إلى المعلمين الأفاضل ، وأقول : ما كان عندك قديماً كان عند غيرك جديداً ، وأرجو ألا تعدم الفائدة من هذا الكتاب .
10 - لا مانع من استخدام هذه الطرق في مدارس البنين وكذلك مدارس البنات حسب المناسب .
11-أذكرك – أخي الفاضل – باستصحاب الإخلاص فيما تقوم به من دعوة وإصلاح .
12-لا بد أن نعلم أن الدعاء والقدوة الحسنة والتعامل الطيب هو بداية القبول بإذن الله .
11 طريقة لنشر الخير بين المعلمين
الطريقة الأولى :
التعاون على إبعاد أي بادرة شحناء بين المعلمين ، والعمل على إيجاد روح التآلف بين المعلمين حسب الإمكان والمصلحة ، ومما يعين على ذلك :
أ – لقاء أسبوعي أو شهري خارج الجو التعليمي 0
ب- التحذير من النميمة والغيبة في الحال وإقناع الزملاء بالبعد عنها .
جـ - إحياء خُلُق التسامح عن الزلات ، والتنازل عن بعض الرغبات في سبيل الأخوة في الله .
الطريقة الثانية :
النصح الودي بين المعلمين بالأسلوب المناسب ، وذلك عند وجود أي خطأ سواء في المظهر أو الملبس أو الكلام أو غير ذلك ، ووجود النصح يضفي على المدرسة طابع التدين مما يجعل كثيراً من المعلمين يعمل ويتعاون على ذلك .
وقد يتحرج البعض من النصح المباشرة ، فأقترح وضع صندوق للمراسلة بين المعلمين .
الطريقة الثالثة :
الاهتمام بغرفة المعلمين ، وذلك بالطرق التالية :
أ وضع مكتبة مسموعة ومقروءة فيها بعض المجلات النافعة والكتيبات المناسبة .
ب- وضع فيديو تُعرض فيه الأشياء المفيدة .
ج وضع لوحات إرشادية مثل : ( ركن الفتوى الأسبوعية ) ، و ( حديث الأسبوع ) ، و ( ركن الإعلانات الخيرية ) .
الطريقة الرابعة :
عرض المشاريع الخيرية على المعلمين مثل ( كفالة الأيتام - بناء المساجد – الاشتراك في المجلات الإسلامية – تفطير الصائمين – دعم المشاريع الخيرية بشكل عام ) وغيرها .
ويفضل ما يلي :
أ استضافة أحد مندوبي بعض المؤسسات ليطرح الفكرة ( المشروع الخيري ) على المعلمين .
ب- الاستفادة من لوحات الإعلانات في الإعلان عن بعض المشاريع .
ج- أن يعرض كل فكرة لوحدها .
الطريقة الخامسة :
الارتقاء بفكر وثقافة المعلم وتطلعاته وذلك :
أ بتعريف المعلم ببعض أحوال إخوانه المسلمين في العالم الإسلامي في الأحاديث والجلسات بين المعلمين أو اللوحات الحائطية أو النشرات المدرسية .
ب- طرح دورات تعليمية وتدريبية للمعلمين داخل المدرسة أو المشاركة في الدورات المقامة خارج المدرسة .
الطريقة السادسة :
طرح مسابقة خاصة بالمعلمين تناسب مستوى المعلم .
الطريقة السابعة :
رسالة إلى المعلم ، وذلك بأن يجهز للمعلم ظرف فيه بعض المطويات الخيرية وكتيب أو مجلة أو غير ذلك من الأشياء المناسبة والمفيدة للمعلم ، تكون هذه الرسالة كل شهر مثلاً .
الطريقة الثامنة :
استضافة أحد المشايخ – أحياناً – عند لقاء المعلمين خارج المدرسة ، وإن لم يكن لقاء خارج المدرسة فيستضاف في بعض الاجتماعات المدرسية .
الطريقة التاسعة :
إقامة بعض المحاضرات في المدرسة خاصة بالمعلمين مع استضافة معلمي المدارس الأخرى ، وذلك خارج وقت الدوام الرسمي . وأتمنى أن تتبنى هذه الطريقة والتي قبلها الجهة المختصة في إدارة التعليم
الطريقة العاشرة :
عرض فكرة الاشتراك في الشريط الخيري . حيث يوفر للمدرس المشترك شريط كل أسبوعين أو كل شهر ، وذلك بعد إعطاء سعر رمزي في بداية السنة .
الطريقة الحادية عشرة :
استغلال مجلس الآباء كأن تُلقى كلمة توجيهية أو تُوزع بعض النشرات التوجيهية 0
تنبيه : ينبغي أن يكون للمربين والدعاة في المدرسة وجود سواءً في الجلسات الداخلية والخارجية أو في تنظيم المدرسة أو غير ذلك بحيث يكون لهم قبول أكثر عند الآخرين 0
35 طريقة لنشر الخير بين الطلاب
من المعلوم أن هناك أوقاتً مخصصة للناط في المدارس كحصة النشاط والريادة والجماعات ، وسأذكر بعض الطرق الخيرية التي تناسب هذه الأوقات وغيرها – بشكل عام – عسى الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها :
الطريقة الأولى :
المحاضرات التربوية : ومن المفضل :
أ أن يستضاف لها أحد المحاضرين المناسبين ، وأن تكون ذات موضوع مناسب .
ب- الإعلان عنها وتحريض الطلاب على الاستفادة منها .
ج- تنبيه الطلاب بإجراء مسابقة على المحاضرة في الغد .(14/274)
د - ليس باللازم أن تكون إلقاء ، فبالإمكان إجراء مقابلة – مثلا – مع أحد المسئولين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو مكاتب دعوة الجاليات ، أو إحدى المؤسسات الخيرية أو مع أحد العائدين إلى الله .... إلخ .
الطريقة الثانية :
كلمات ما بعد الصلاة : ومن المفضل :
أ أن يلقيها المعلمون المناسبون بالتناوب ، أو أحد الطلاب ، ثم يعقب أحد المعلمين عليها أو بدون تعقيب .
ب- أن تكون كلمة واحدة فقط أو كلمتين كل أسبوع لا يُطال فيها ، وأن تكون العناوين مرتبة وهادفة .
ج- إما أن تكون تنبيهاً عاماً أو تكون مسلسلة مثل ( قصة كل أسبوع ) حيث تذكر القصة مع التعليق اليسير عليها ، أو حديث ( الأسبوع ) بالتعليق أو بدونه ، أو ( كتاب الأسبوع ) حيث يتم التعريف بكتاب يُحَثُّ الطلاب على اقتنائه ، أو ( مشكلة وحل ) ، أو ( فتوى الأسبوع ) وجميع الكلمات تحقق الهدف المرجو بإذن الله .
الطريقة الثالثة :
تطوير طريقة الإذاعة المدرسية ( وخاصة وقت الطابور الصباحي ) ، ومن تطويرها ما يلي :
أ الاستفادة من الطريقة رقم ( 2 ) فقرة ( جـ ) .
ب- تعويد الطلاب على الإلقاء الارتجالي .
ج- إيجاد بعض البرامج المفيدة مثل ( استماع إلى شريط قرآن أو محاضرة ثم تعريف به - ذكر بعض جراحات العالم الإسلامي وتبصير الطلاب بواقعهم – مقابلة مع أحد المسلمين الجدد – مقابلة مع أحد الدعاة المسلمين من بعض الدول النائية ) وغيرها .
الطريقة الرابعة :
حلقة القرآن الصباحية :
وتكون في وقت الطابور بحيث من يرغب المشاركة فيها يُعفى من حضور الطابور ، ومدتها تقريباً 20 دقيقة يحفظ فيها الطلاب كل يوم بعض الآيات من كتاب الله ، مع وجود سجل للحضور والغياب والحفظ .
الطريقة الخامسة :
حلقة القرآن المسائية :
فينشأ حلقة في المساء داخل المدرسة مع وضع الحوافز المشجعة لها ، بإشراف أحد المعلمين أو غيره يعطى مكافأة من ميزانية المدرسة ، فإن لم يتم إنشاء الحلقة داخل المدرسة فينشأ حلقة في الحي القريب من المدرسة في أحد المساجد .
الطريقة السادسة :
النشرات الخيرية [1] :
بحيث يتم توزيع النشرات الخيرية على الطلاب وهي على قسمين :
أ نشرات توجيهية مرتبة ومسلسلة يعدُّها المعلم – وقد تكون جاهزة – يعالج فيها بعض الأخطاء أو يُذكِّر بموضوع مُهمٍّ ( كالصلاة – بر الوالدين – حفظ اللسان – صلاة الوتر – حكم الإسبال ..... إلخ ) . وتكون عليها أسئلة مدرجة كمسابقة مدرجة في آخرها يكون عليها جوائز .
ب- نشرات توجيهية أوقات المواسم ( رمضان – عاشوراء – عشر ذي الحجة ... إلخ ) وهي - ولله الحمد – متوفرة .
الطريقة السابعة :
إعداد المسابقات :
أ مسابقة القرآن الكريم .
ب- مسابقة حفظ الأحاديث .
ج- مسابقة حفظ الأذكار .
د مسابقة على نشرة أو كتيب بعد توزيعه .
ذ مسابقة عامة ( منوعة أو بحوث ) .
ر مسابقة الأسرة ( يجيب عنها الطالب مع مشاركة أفراد أسرته ) وتكون إما عامة أو على شكل كتيب موزع مثلاً .
ز مسابقة الإلقاء .
الطريقة الثامنة :
الجمعيات المدرسية : التي تحوي نخبة من الطلاب جديرة بالاعتناء أكثر ، ومن برامجها :
أ البرامج المنوعة داخل الفسح ( لقاء – مشاهدة جهاز (( الفيديو )) – مسابقة – شريط ... إلخ ) .
ب- إعداد بعض الأعمال الخيرية في المدرسة ( الإعلانات – توزيع الأشياء الخيرية – وضع اللافتات الخيرية ... إلخ ) .
ج - الزيارات والرحلات الممتعة المفيدة ، واكتشاف وتنمية مواهب الطلاب .
وينبغي :
أ الإعلان عنها بصورة قوية .
ب- حث المعلمين والطلاب على المشاركة فيها ، وعند كثرة عدد الطلاب المناسبين يفتح أكثر من جماعة أو أكثر من غرفة باسم جماعة واحدة .
الطريقة التاسعة :
إقامة الرحلات والزيارات لطلاب المدرسة بشكل عام ، مثل : زيارة العلماء – زيارة معارض الكتاب – زيارة معرض أضرار التدخين والمخدرات ..... إلخ ) .
الطريقة العاشرة :
الاهتمام بالطلاب الكبار في المدرسة وإعطاؤهم قدراً أكبر من التقدير والعناية مع وجود الجلسات الخاصة بهم ، ومحاولة جعلهم قدوات في المدرسة .
الطريقة الحادية عشرة :
إنشاء ( غرفة انتظار ) التي تستخدم عند غياب المعلم .
حيث تُهيأ غرفة فيها ( جهاز فيديو – مجلات مفيدة – مسجل مع بعض الأشرطة – كتيبات ) .
الطريقة الثانية عشرة :
إعداد حقائب الانتظار ( الحقائب الدعوية ) :
وهي عبارة عن حقيبة داخلها مثلاً : ( مجلات مفيدة – كتيبات قصصية وغيرها – مسجل وأشرطة – مسابقات ) يستخدمها من هو مكلف بحصة الانتظار ، ومن المستحسن أن يكون لكل مستوى دراسي حقيبة خاصة قد تختلف عن المستوى الذي بعده ، وهي مجربة ومفيدة جداً .
الطريقة الثالثة عشر :
وجود مكتبة صغيرة في كل فصل للاستعارة ، يكون المسئول عنها رائد الفصل أو غيره وإن لم يتيسر في كل فصل فيوجد غرفة في المدرسة ( كالإذاعة 9 تقوم بهذا الأمر ، ولكن المهم أن يكون لها تنظيم ، ويشجع الطلاب على الاستفادة منها .
الطريقة الرابعة عشر :
تعليق أذكار الصباح في كل فصل على لوحه جيدة ، حيث يسهل على الطلاب ذكرها ، أو تغليف كارت الأذكار وإعطاؤه للطلاب وحثهم عليه .
الطريقة الخامسة عشر :
وضع لوحة في كل فصل ويكون فيها نصائح أو توجيهات أو إعلانات أو فتاوى أو غيرها يتولاها مجموعة من المعلمين أو الطلاب أو إحدى الجمعيات المدرسية .
الطريقة السادسة عشر :
إقامة بعض المعارض المفيدة في المدرسة مثل : ( معرض للكتاب – معرض للشريط الإسلامي – معرض جراحات العالم الإسلامي – معرض أضرار المخدرات والتدخين )
الطريقة السابعة عشر :(14/275)
مشاركة الطلاب في بعض الأعمال الخيرية في المدرسة وفي الأحياء ( كالاشتراك في المجلات الخيرية مع قسيمة الاشتراك – التبرعات – توزيع بعض النشرات في المساجد وعند المناسبات العائلية – الاهتمام بهداية الخدم والسائقين .... إلخ ) ومن المناسب أن يقوم أحد المعلمين بتوفير هذه الأمور ليسهل على الطالب ذلك .
الطريقة الثامنة عشر :
النصح الفردي : ويقصد بذلك محاولة انتشار النصح بين المعلم والطالب ، وكذلك بين الطلاب مع بعضهم كإهداء شريط أو كتيب أو كلمة توجيهية ، وينبغي ألا يكون ذلك منقطعاً ، وقليل دائم خير من كثير منقطع .
الطريقة التاسعة عشر :
وضع شاشة أو شاشات تُعرض فيها الأشياء المفيدة في فناء المدرسة أو في بعض الغرف ، وتستخدم إما في الفسح أو حصة النشاط .
الطريقة العشرون :
الدورات التعليمية : حيث تقام في المدرسة بعض الدورات المفيدة مثل : ( دورة في التجويد – دورة في الحاسب الآلي – دورة في الفقة – دورة في الإنجليزي – دورة في علوم القرآن – دورة غي الخطابة والإلقاء – دورة تربوية – دورة في إحدى القضايا التي يحتاجها الطالب ... إلخ ) ، وأقترح أن تكون داخل وقت الدوام الرسمي ( في الفسح أو في حصة النشاط ) ويعطى القائم عليها مكافأة من ميزانية المدرسة ، وأتمنى أن يتبنى ذلك المعلمون والجهات المختصة في إدارة التعليم .
الطريقة الحادية والعشرون :
تهيئة الجو لأداء بعض السنن في المدرسة كصلاة الضحى والسنة الراتبة للظهر ، وذلك بعد حث الطلاب على ذلك .
الطريقة الثانية والعشرون :
توجيه الطلاب على كيفية الاستفادة من أوقاتهم وخاصة في العطل الصيفية وغيرها ، ومن ذلك :
أ إقامة المراكز والبرامج الصيفية في المدرسة وحث الطلاب على المشاركة فيها .
ب- تحديد يوم يلتقي فيه بعض المعلمين والطلاب لممارسة بعض الأنشطة التربوية والترفيهية وخاصة القصيرة .
ج - طرح مسابقة في أوقات العطل .
الطريقة الثالثة والعشرون :
الاهتمام بهداية عمال المدرسة ومتابعتهم ، وكذلك إعداد بعض الهدايا المفيدة للضيوف من أولياء الأمور وغيرهم .
الطريقة الرابعة والعشرون :
رسائل لأولياء الأمور : وذلك بأن يوضع ظرف فيه رسالة ونحوها تذكر ولي الأمر بأمور مهمة ينبغي التنبه لها مثل : ( الصلاة – الأطباق الفضائية – أهمية الصحبة الطيبة – أهمية حلقات التحفيظ – حفظ اللسان .... إلخ ) مما يساعد في تربية الطالب تعاوناً بين المنزل والمدرسة ، وقد تكون هذه الرسائل لجميع أولياء الأمور أو بعضهم .
الطريقة الخامسة والعشرون :
الرسائل الأسرية : وهي ظرف موجه إلى أسرة الطالب بشكل عام باسم المدرسة ، فيه أشياء خيرية تناسب المستوى الأسري ، أو فيها حث على التبرع لمشروع خيري أو غير ذلك .
الطريقة السادسة والعشرون :
وضع استبانة حول قضية من القضايا كسماع الغناء – مثلاً – وإخراج النسبة المئوية ثم ذكر الحلول لها في نشرة المدرسة أو نشرة خاصة أو في كلمة تلقى في المدرسة .
الطريقة السابعة والعشرون :
تشكيل لجنة (( متابعة السلوك )) : ( وذلك بالتعاون مع المرشد الطلابي ) وأقترح أن :
أ تقوم بمتابعة سلوكيات الطلاب وحلها جماعياً أو فردياً .
ب- إعداد رسائل خاصة لعلاج بعض الأخطاء مثل : ( رسالة لمن يحب سماع الأغاني والفنانين ) ، ( رسالة لمن يكثر من الحلف الكاذب ) ، ( رسالة لمن هو مبتلى بالتدخين وما شابهه ) ، ( رسالة لمن هو مغرم بمتابعة الأطباق الفضائية ) ، ( رسالة لمن لا يهتم بالصلاة ) ، يُوضع معها ما يعالج هذه الأخطاء من ( أشرطة وكتيبات ) مع عدم الاكتفاء بأسلوب الرسائل في التوجيه .
الطريقة الثامنة والعشرون :
إخراج عمل خيري تستفيد منه بقية المدارس – عن طريق إدارة التعليم – ( كإخراج مطوية – كتاب مسابقات – شريط – مسابقة في الحفظ – مسابقة بحوث ) وتكون باسم المدرسة .
الطريقة التاسعة والعشرون :
استغلال المقررات الدراسية والواجبات والمشاركة في التوجيه والإصلاح .
الطريقة الثلاثون :
صحيفة أحاديث الفضائل : حيث تكتب أحاديث في فضائل منوعة في عدة لوحات على عدد الفصول ، وكل أسبوع يغيَّر مكانها من فصل إلى آخر ، ويكون مكان تعليقها في الفصل مناسباً .
الطريقة الحادية والثلاثون :
كروت الفوائد : وهي أن يعد المعلم كروت صغيرة في كل كارت فائدة أو حديث توزع في بداية الحصة فقط أو في حصة الانتظار ، ثم ت}خذ من الطلاب ، وبإمكانه استخدامها في باقي الفصول .
الطريقة الثانية والثلاثون :
طرح فكرة استبدال الأشرطة الضارة بأشرطة مفيدة وذلك بالتعاون مع إحدى التسجيلات ولو بسعر رمزي .
الطريقة الثالثة والثلاثون :
إيجاد سلة لباقي المأكولات وأخرى للأوراق المحترمة بدلاً من رميها .
الطريقة الرابعة والثلاثون :
العناية بالطلاب الموهوبين ومتابعة عطائهم وتربيتهم فردياً .
الطريقة الخامسة والثلاثون :
استغلال مصلى المدرسة – وخاصة أوقات الفسح – في البرامج المفيدة .
وفي الختام
هذا الكتاب مشاركة يسيرة ، وأتمنى من المدارس والمدرسين والطلاب التعاون فيما بينهم لنشر الخير والدعوة إليه ، كما أتمنى من إدارة التعليم المزيد من تبني بعض الطرق الخيرية في المدارس كما أنبه على أن طرق الخير غير محصورة في هذه الطرق وغير قاصرة على المدارس فقط .
وأسأل الله تعالى أن ينفعني وإياكم بما نقول ونعمل ، ونستغفر الله من الخطأ والزلل ، وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليماً كثيراً .
قال صلى الله عليه وسلم (( كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته )) .
------------------------(14/276)
[1] - تنبيه : لا ينبغي الإكثار منها ، ولكن عند طرحها تطرح بقوة للوصول إلى الهدف المرجو منها . ويحبذ أن يحث الطلاب على إيجاد ملف في المنزل تحفظ فيه الأوراق التي توزع في المدرسة ، ويطلع على هذا الملف آخر العام رائد النشاط .
موقع صيد الفوائد
http://www.saaid.net/afkar/Fekrh4.htm
============
من أين تبدئين الدعوة في المجال الطبي ؟
د. رقية بنت نصر الله محمد نياز
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (سورة آل عمران: الآية: 102)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (سورة النساء: الآية: 2).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ُيصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَه فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ُ} (سورة الأحزاب: الآية: 70، 71)(1).
أما بعد: فالإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للناس جميعاً، وبه ختم الله سائر الرسالات السماوية السابقة، يقول - سبحانه وتعالى -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ُ} (سورة المائدة: الآية: 3).
ومقام الدعوة إلى هذا الدين مقام عظيم ومرتبة عالية، لأنه مقام صفوة خلق الله - تعالى -محمد - صلى الله عليه وسلم -، وخلفائه الراشدين - رضي الله عنهم - الذين خلفوه في العلم والعمل به والدعوة إليه (2).
إذاً، فالدعوة والتبليغ هدف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشعار لحزبه المفلحين، وأتباعه من العالمين (3)، قال - تعالى -{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (سورة يوسف: الآية: 108. ).
ولقد كان من فضل الله - تعالى - على الإنسانية أن عمّم أمر التكليف بالدعوة إلى هذا الدين، ولم يخصها بجنس دون الآخر ولا بذكر دون أنثى، فحمل - سبحانه وتعالى - النساء هذه المسؤولية أيضا.
وقد حمّل القرآن الكريم خطاب التكليف إلى الرجل والمرأة معاً في قوله - تعالى -: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (سورة آل عمران: الآية: 104). ومعلوم أن الأمة تتكون من الرجال والنساء فالخطاب للجميع (4).
وجاء الاستقلال بالتكليف في خطاب خاص موجه للمرأة، وذلك في قوله - سبحانه وتعالى - {وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا}. وقد فسر حبر هذه الأمة (القول المعروف) بأنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (5). اللذان يعدان أصل الدعوة إلى الله وأساسها المتين.
ومما يدل أيضا على تخصيص المولى - سبحانه - المرأة بهذا الخطاب، قوله - تعالى -: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (سورة الأحزاب: الآية: 34)، ومعلوم أن هذه الآية لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يخبرن بما أنزل الله إليه من القرآن في بيوتهن وما يرين من أفعاله - عليه الصلاة والسلام - وأقواله، حتى يبلغ ذلك إلى الناس فيعملوا بما فيه ويقتدوا به (6).
والخطاب وإن كان في الآيتين السابقتين لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن نساء المؤمنين مقتديات بهن، ونقل هذه الأمور من صميم الدعوة إلى الله - تعالى -.
إذا هذا الخطاب من البشائر العظيمة، وهذا التكليف من الأوسمة التي حُقّ للمرأة المسلمة أن تفرح وتفتخر وتستبشر بها!! كيف لا والله - سبحانه وتعالى - رفع من قدر الدعوة وأثنى على الذين يدعون الخلق إلى الخالق- تبارك وتعالى -(7) في مثل قوله - تعالى -: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَال إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ َ} (سورة: فصلت، الآية 33).
كيف لا تفرح الأخت المسلمة بهذا الخطاب وبشارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تطرق أذنيها حين يقول: (فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحد، خير لك من حمر النعم) (8).
كيف لا تستبشر وهي تعلم علما يقينا أنها بهذا التكليف ستنال أجورا عظيمة تساوي أجور كل من كانت سببا في هدايتهم وصلاحهم، وذلك في حياتها وحتى بعد مماتها إلى يوم القيامة (9)، وذلك تصديقا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه، لا ينقص من أوزارهم شيئا) (10).(14/277)
لهذا كان للمرأة المسلمة منذ فجر الإسلام دور مبكر في الدعوة إلى الله ونشر هذا الدين. فهي أم الرجال، وصانعة الأبطال، ومربية الأجيال. لها من كنانة الخير سهام، وفي سبيل الدعوة موطن ومقام. بجهدها أشرق أمل الأمة ولاح فجرها العظيم. على عكس بعض نساء اليوم اللاتي شغلن أنفسهن في غير طاعة، وشغلن أنفسهن بسفاسف الأمور وصغيراتها، فنجد اهتماماتهن منصبة في اللباس، وأُخرى في قصات الشعر، والمرور على المراكز التجارية، والتجول في الأسواق، والتنقل بين القنوات والمجلات أخذ عليهن جل الأوقات. فضاعت منهن أنفس اللحظات وأثمن الأوقات في غير ما خلقن له. يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: فمن كان وقته لله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته، وإن عاش فيه عاش عيش البهائم، فإذا قطع وقته الغفلة والسهو..فموت هذا خير له من حياته (11).
فهل يصح للمرأة أن تنصرف بعد ذلك عن هذا الطريق!! طريق الدعوة إلى الله.. طريق الدعوة إلى الخير والهدى والذي عده (القرآن الكريم) من اللوازم الضرورية لإيمانها، فإذا ما تخلفت عن هذا الواجب العظيم دل ذلك على وجود شرخ في البناء الإيماني قد يخرجها إلى حظيرة النفاق والمنافقين ولا يمكن إصلاحه وترميمه إلا من خلال القيام بهذا الواجب... واجب الدعوة.
وهذا إشارة إلى ما جاء في قوله - تعالى -: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيرحمهم الله إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (سورة التوبة: الآية 71). فعلق - سبحانه وتعالى - إيمان المؤمنين والمؤمنات بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. أي الدعوة ثم أردف ذلك ببعض أركان الإسلام مثل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وأيضا في قوله - تعالى -: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (سورة التوبة: الآية 67). وعلى العكس من ذلك فالله - سبحانه وتعالى - نسب النفاق إلى الآمرين بالمنكر والناهين عن المعروف، ومعلوم أن نسبة النفاق إلى أي أحد معناه نفي الإيمان.
ويؤكد - صلى الله عليه وسلم - هذا بقوله: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (12)، وفي رواية أخرى: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) (13).
من هنا نؤكد ونقول إن إيمان المرأة يحتم عليها مسؤولية القيام بالدعوة في المجال الذي تعيشه كلا حسب طاقاتها وقدراتها، فالأم في بيتها، والمعلمة في صفها، والطبيبة في عيادتها، والإدارية في إدارتها.... الخ.
إن المجتمعات في حاجة ملحة إلى دعوة الله وبدون هذه الدعوة لا استقرار ولا سعادة، واجتماعنا اليوم كان لأجل تقديم هذا الخير لفئة مهمة من البشر ـ الجاليات ـ في مؤسسة إنسانية، اجتماعية لا أحد ينكر دورها الهام الذي باتت تلعبه على كل المستويات. فإذا كانت الشريعة الإسلامية قائمة على حفظ الروح وتغذيتها، فإن المجال الصحي قائم على حفظ البدن ووقايته وفي هذا الصدد يقول الإمام الشافعي - رحمه الله -.. " صنفان لا غنى للناس عنهما: العلماء لأديانهم، والأطباء لأبدانهم "، والإنسان إنما هو بدن وروح، والروح والبدن مرتبطان أوثق ارتباط وهذا يعطي للأخت الطبيبة المسلمة بصفة خاصة وللعاملات في هذا المجال مسؤوليتين عظيمتين لا مسؤولية واحدة. إحدى هاتين المسؤوليتين تتعلق بحفظ البدن والأخرى حفظ الروح.
ولقد شعر المنصّرون وغيرهم بأهمية مكانة المجموعة الطبية واستغلوها للدعوة إلى دينهم ومذهبهم، ولقد أفصح " صمويل زويمر " على هذه الأهمية بقوله: " إن جميع العاملين في ميدان التبشير في الجزيرة العربية متفقون على أن الطبيب القدير والجراح الماهر يحمل جوازاً يفتح القلوب مهما كانت عنيدة، إن المستشفيات في الجزيرة العربية هي مكان تلتقي فيه الرحمة بالخلق، ويتعانق فيه الصلاح والسلام ". (14)
ونحن نقول: إن المستشفيات والمراكز الصحية أماكن يجتمع فيها المسلمون بأمثال هؤلاء المنصّرين وغيرهم من الجاليات العاملين في هذا المجال باسم الطب والتمريض والهيئات الفنية والأيدي العاملة. فلماذا لا تستغل هذه المجالات وتكون منبرا للخير والهدى وذلك بغرس العقيدة السليمة ومحو العقائد الفاسدة وآثارها المدمرة. وهذا بالطبع يحتاج إلى وقفة صارمة منك أيتها الأخت العاملة في المجال الصحي.
ولا تقول قائلة: إنني لا أحسن الدعوة، لأنني غير متخصصة في المجال الدعوي!! فهذا كلام مردود لأن الدعوة إلى الله - تعالى - لا تحتاج عالما متخصصا.. أو خطيبا مفوها.
إن المرأة المسلمة العاملة في المجال الصحي تستطيع بفطرتها السليمة أن تميز الأخطاء وتصححها، وتتعرف على المنكرات وتنبه عليها. وقبل هذا وذاك هي مسلمة تملك من مبادىء الدين وأساسياته ما يمكنها من القيام بالدعوة إلى العقيدة السليمة عقيدة التوحيد.
هذا هو الطريق.. لكن من أين البداية الصحيحة في هذه الدعوة؟.(14/278)
وللإجابة على هذا السؤال نقول: من المهم في أي دعوة موجهة أن يبدأ الإنسان من نفسه وبنفسه، ولعلي لا أغالي في قليل أو كثير إذا قلت للأخوات العاملات في هذا المجال أن الأساس في دعوة هذه الفئة خاصة وفي هذا المجال بالذات أن يبدأ بتصحيح النفس وإصلاح الذات وأقصد بذلك ـ الداعية ذاتها ـ لتكون صورة حية للإسلام في الأقوال والأفعال، في المظهر والسلوك والتعامل ومن هنا تكون أنموذجا صالحا للاقتداء، وأيضا تكون قد ساهمت في الدعوة بأسلوب من أساليبها والذي يعرف في المصطلح الدعوي بأسلوب القدوة.
وتبرز أهمية القيام بالدعوة من خلال القدوة هنا بالذات من عدة أمور أهمها:
أولا: سرعة انتقال الخير من المقتدى به إلى المقتدى وسهولته. فالأخذ بالشيء عمليا والتمسك به أكثر إقناعا للمدعوين من الحديث والثناء عليه، لاسيما وأن لغة الحوار بين المرأة الداعية وبين الجاليات قد تكون معدومة وإن وجدت فإنها في نطاق ضيق ومحدود، وذلك لاختلاف اللغات، فمجرد العمل بالخير وتطبيقه تحصل قناعة عندهم بصلاحية هذا الخير والفعل للتطبيق، وأنه ليس أمراً مثالياً مجرداً. كل ذلك دون الحاجة إلى لغة الخطاب.
ثانيا: سهولته، فأثر القدوة عام يشمل جميع الجاليات على مختلف مستوياتهم، فالمتعلم والأمي منهم سيناله نصيب من الدعوة من خلال محاكاة فعل الداعية وتقليدها وإن لم يتم فهمه.
ثالثا: إن متطلبات العمل في المجالات الصحية تقتضي التنقل والحركة المستمرة مما يصعب معه عقد مناقشات وحوارات. وهنا تبرز قيمة الدعوة بالقدوة..
رابعا: إن من طبيعة البشر وفطرتهم التي فطرهم الله عليها أن يتأثروا بالأمور العملية أكثر مما يتأثرون بالأمور الفطرية كالقراءة والسماع، وهذا التأثير فطري لا شعوري. (15) ومن هنا أشارت أم سلمة - رضي الله عنها - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأسلوب الدعوي والمبادرة إلى (الحلق والتحلل) ليقتدي به الناس عمليا، فكان كما قالت - رضي الله عنها -.
وقد أكدت المصادر الأصلية في تاريخ الدعوة الإسلامية أن من أسباب انتشار الإسلام خارج النطاق العربي حتى وصل إلى الهند والسند شرقا والأندلس غربا كان من أهم أسباب هذا الانتشار هو أسلوب القدوة الحسنة.. فقد حمل الصحابة رضوان الله عليهم الإسلام بجوارحهم ولم يحملوه على ألسنتهم فحسب فكان الإسلام يتجلى في أفعالهم وسلوكهم وتعاملهم، ونتيجة لذلك يقول " غوستاف لوبون أقبلوا على تعلم اللغة العربية وإن تعلمها ساعد على تعريفهم بالإسلام ".
ويؤكد أهمية دور القدوة في الدعوة إلى الله - تعالى - أحد الذين استجابوا لهذا الدين حديثا إنه مدير دريم بارك الأمريكي " وليم فرنسيس " سابقا و " يوسف كيلي " حاليا، حين تحدث عن قصة إسلامه قائلا " لفت نظري إلى الإسلام كلمة قالها لي سائق سيارتي " أيمن ": أنت قلبك طيب زي قلوب المسلمين بالضبط. ففكرت من هنا في معنى هذا الإسلام وقرأت عنه حتى أشهرت إسلامي. ثم يقول: إن المسلمين يعاملوني جيدا حتى قبل أن أسلم أو أخبرهم أنني أفكر في الإسلام، ومعاملتهم لي لم تجعلني أشهر إسلامي ولكن جعلتني أفكر بإيجابية في اعتناق هذا الدين، وأعتقد أنه لو كانت المعاملة سيئة ربما لم أعتنق الإسلام، لأنه طالما أن هؤلاء المسلمين معاملتهم سيئة وتصرفاتهم خاطئة فلماذا أكون على دينهم. (16)
إذاً فحركاتك وسكناتك أيتها الأخت المسلمة العاملة في المجال الصحي محسوبة لك أو عليك إن خيراً فخير وإن شراً ـ والعياذ بالله ـ فشر نسأل الله السلامة.
ولعل حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - السابق ذكره يؤيد هذا المقام في قوله " فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحد خير لك من حمر النعم ".
لهذا نؤكد على الأخت المسلمة العاملة في المجال الصحي الالتزام ومراعاة الآتي:
أولا: تقوى الله ومراقبته في السر والعلن.
ثانيا: الالتزام بأركان الدين وواجباته كأداء الصلاة في أوقاتها المحددة بخشوع وبدون تفريط، والالتزام بالحجاب الإسلامي الساتر غير مبدية زينة وتبرج وسفور أو فتنة كالعطر والمكياج.
ثالثا: الاعتزاز بالدين الإسلامي والمجاهرة بآدابه وسلوكه فعلى سبيل المثال التحية بتحية الإسلام بدلا من التحيات الأجنبية الدخيلة.
رابعا: التخلق بأخلاق الإسلام والالتزام بها كالصدق والأمانة والنزاهة والتواضع والصبر.
خامسا: الدقة والالتزام والانضباط في المواعيد.
سادسا: تأليف قلوب الجاليات من خلال تقديم المساعدات.
سابعا: إتقان العمل والإخلاص فيه وهو ما يسمى في العرف الطبي بصدق النية وصدق العمل.
ثامنا: البعد عن الخوض في الأمور المحرمة شرعا والمستقبحة اجتماعيا، كالغيبة والنميمة والهمز، وكثرة الكلام والضحك، والتلفظ بالألفاظ غير المقبولة في المجتمع، والتدخين.
تاسعا: البعد عما يسمى بخوارم المروءة. وإن كانت ما لم يحرم شرعا كمضغ العلكة أثناء العمل، ولبس الملابس الشاذة اجتماعيا.
عاشرا: توضيح اللباس الشرعي الساتر للجاليات من خلال مظهرك وملبسك. والله. الله في الحجاب فاجعليه شيئا بارزا في مظهرك فالناعقون عندما بدأوا يطلون برؤوسهم من جحورهم الموحلة لتدمير الإسلام وأصوله العظيمة إنما كانت من خلال نزع الحجاب في أمثال هذه المؤسسات لدفع الفتاة إلى الرذيلة وإبعادها عن سياج الصون والعفاف.
وأخيرا: اجعلي رضى الله - سبحانه وتعالى - وتحقيق عبوديته من خلال هذه المهنة هو الهدف الأسمى، أما النجاح المادي والإجتماعي أو الحفاظ على السمعة وتحقيق الشهرة فإنه يأتي بعد ذلك تحقيقا لقوله - تعالى -{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.(14/279)
أختي المسلمة: إن بإمكان كل إمرأة عاملة في المجال الصحي أن تكون داعية إلى الله إذا التزمت بهذه الضوابط، والأمر يسير لمن يسره الله لها.
إن الأمل يحدونا إلى أن تكون هناك دعوة نسائية داخل المؤسسات الصحية وأن تكون هذه المحاولات جادة وأصيلة قائمة على مسالك رشيدة تبدأ من إصلاح النفس حتى ينعكس ذلك الإصلاح والخير على الغير، ولا ننسى هنا أن نذكر بأهمية الدعوة القولية. أو الدعوة بإحدى الوسائل السمعية كالكاسيت.. أو المقروءة كالكتب والمنشورات... الخ.
أختي المسلمة العاملة في المجال الصحي: إن قيامك بالدعوة أياً كان نوعها، ومهما كان حجمها يجعل منك عنصرا فعالا في بناء مجد دينك وأمتك وسوف تضمنين سعادة الدنيا والآخرة، وهذا تحقيقا لقوله - تعالى -: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونٍَ}(سورة: النمل: الآية / 97. ).
وقد أكد جمع من المفسرين أن الحياة الطيبة تكون في الدنيا والجزاء بالأجر يكون في دار الآخرة. (17)
والله - تعالى -أسال أن يجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
-------
1- خطبة الحاجة: كما سماها العلماء، وأثبت الشيخ محمد ناصر الدين الألباني صحة بعض طرقها، وله رسالة بعنوان (خطبة الحاجة) (ص 13) المكتب الإسلامي 1400هـ وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني (1/3). الطبعة الرابعة 1405هـ. ط. المكتب الإسلامي (بيروت).
2- انظر: رسالة في الدعوة إلى الله / للشيخ محمد بن صالح العثيمين (ص 5) مكتبة الربانيين.
3- انظر: أعلام الموقعين عن رب العالمين / للعلامة ابن قيم الجوزية (1/8) دار الفكر، ط. الثانية 1397هـ.
4- المرأة المسلمة المعاصرة إعدادها مسؤوليتها في الدعوة، د. أحمد أبابطين (ص 105).
5- انظر: الجامع لأحكام القرآن الكريم / للامام القرطبي (14/178).
6- انظر: أحكام القرآن / للامام أبو بكر بن العزي (3/1526).
7- انظر: تفسير القرآن العظيم / للحافظ ابن كثير (7/167).
8- صحيح البخاري مع فتح الباري (6/111) حديث 2942، كتاب الجهاد، باب دعاء النبي الناس إلى الإسلام.
9- انظر: شرح الإمام النووي على صحيح مسلم (16/226).
10- صحيح مسلم (4/2060) حديث 2674، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة.
11- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي / للإمام ابن القيم (184)..
12- صحيح البخاري مع فتح الباري (6/496) حديث 3461، كتاب الأنبياء.
13- صحيح مسلم (1/69) حديث 49. كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان..
14- نقلا عن كتاب المرأة المسلمة المعاصرة إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة / د. أحمد بن محمد أبابطين (ص 3 ـ 5).
15- انظر: المدخل إلى علم الدعوة / د. محمد أبو الفتح البيانوني (ص 273).
16- نقلا عن مجلة المستقبل، العدد / 122 جمادى الأخرة 1422هـ (ص 14، 16).
17- انظر على سبيل المثال: تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير (4/521).
http://www.saaid.net المصدر:
============
إلى أخي مشرف في منتديات الإنترنت .. إلى كل عضو مميز
أخي المشرف.. أخي العضو.. هذه بعض الأدوار التي يجب الانتباه لها حسب وجهة نظري.. أرجو أن تكون نافعة للدعوة إلى الله من خلال هذا المقام..
وأسأل الله أن يوفقني وإياك في العمل لخدمة دين الله - سبحانه - في عصر تكالبت الأمم والملل على ملة الإسلام.. ولعل من وسائل خدمة الإسلام وخدمة هذا الدين العمل المنظم ومن النظام التعرف على الأدوار المطلوبة.. وأرى أن من أدوار المشرف والعضو التالي:
• مع الإخلاص لله - تعالى - والدعاء بالتوفيق والتوكل عليه - سبحانه -.. مع هذا ينبغي الاهتمام بالأدب في الكتابة وحسن الصياغة قدر الإمكان..
• من مهام المشرف أو العضو الداعية الكتابة ولو قليلا دائما ولو كان نقلا جيدا.. والقليل الدائم خير من الكثير المنقطع.. كيف بنا ندعو الناس إلى ما لا نفعله.. كبر مقتا عند الله أن نقول ما لا نفعل..
• لا يشكر الله من لا يشكر الناس.. فمن رأى مقالا جيدا شكره وأثنى عليه..
• أنت داعية فلا تبحث عن الأخطاء فقط ولكن ابحث في كيفية تنمية الحق.. وكيفية إصلاح أصحاب الفكر.. كثير من الكتاب يمكنه التغير عن كلامه بطرق متنوعة.. بعضهم يصلحه الفكر الصحيح وبعضهم الخلق الجميل وبعضهم الإهمال وبعضهم بوسائل أخرى.. وأما تنمية الحق فهو بالكتابة البناءة أيضا وليس بالردود فقط... فليس الإصلاح طريقه الرد فقط وإنما البناء أيضا.. ولكي نتعرف على أهمية كل منهما فلننظر في السيرة النبوية وآيات القرآن الحكيم..
• أنت صاحب دار تكرم ضيوفك فلا تحرجهم بالكلمات الجارحة عند أخطائهم مهما كانت أخطاؤهم... إلا ما ترى أنه لا مانع من جرح ضيفك في بيتك من الأخطاء.. فهناك فرق بين تبيين الحق والجرح على الخطأ..
• أكرم ضيوفك بالعبارات الطيبة ورحب بهم كما ترحب بهم في منزلك.. غض الطرف عما يمكن غض الطرف عنه ونبه بلطف ودراية ما أمكن من الأخطاء.. فإن أفحش الضيف فأصحله ما استطعت إكراما لضيافتك.. وانظر في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيمن عادى الدعوة وبالغ في حربها.. هل أهانه في ضيافته..
• إنك تمثل الإسلام.. وتمثل المكان الذي تكتب فيه.. فعليك البعد في المناظرات عن الردود للذات الشخصية.(14/280)
• أنت على ثغر فلا يؤتين المنتدى من قبلك.. انتبه للملاحظات والمشكلات وكيف يمكن إصلاحها من غير سليبات إن أمكن. استشر إخوانك في أفضل السبل.. تعلم من الأحداث ومن الآخرين.. حتى من الأعداء..
• انتبه للأعضاء الجدد وشجعهم ورحب بهم.. خاصة إذا طلبوا التحية والدخول.. أو كانت أوائل المشاركات.. كم من الكتّاب سيكسبهم المنتدى إذا وجدوا الترحيب.. إن الأمة حرمت الكتابة في الإعلام فلنشجعها الكتابة في المنتديات وسيخرج الله - تعالى - متى شاء أسودا يملأون الشبكة خيرا وعلما كما ملأت جورا وظلما.
• على المشرف أو العضو الجيد مراعاة سوء الاختيار عند الجدد وعدم التعنيف على أخطائهم ومحاولة تشجيعهم.. على ألا يفهم من هذا قبول أخطائهم.. بل يمكن للمشرف الطلب بأسلوب لبق التصحيح أو التغاضي عن غير المهم أو يطلب منه أن يبحث عن موضوع آخر لما (فيفهم منه القارئ عدم اهتمامك بالموضوع ذاته وأن الموضوع الذي طرحته أكثر أهمية)..
• البحث عن الكتابات الجيدة ورفعها بطرق علمية (كالشكر و الإضافة وكتابة الروابط التي لها صلة بالموضوع)
• الانتباه للكتاب الجيدين والارتباط معهم وشكر عملهم وتفقدهم إذا فقدوا.. التعرف على بريدهم لمراسلتهم واستمرار الصلة بهم.
• وضع آلية للتعامل مع الخلاف وكيفية تحجيمه وتوجيهه التوجيه الحسن.. والتعاون على ذلك.. من غير إحداث ردود فعل أكبر منها.. وهذه ينبغي أن يشرف على وضعها الإشراف العام على المنتدى.
• عدم الرد على بعض السفهاء أو المنحرفين ردا ضعيفا يرفع مقاله للأعلى.. بل إما الرد القوي وإما الإهمال الحارق.. وإذا كان هناك موضوع سيئ ولزم عدم إهماله أو عدم رفعه إساءة للمنتدى فعليك مراسلة من تظن به خيرا أن يرد عليه من المشرفين أو الأعضاء الجيدين.. وإلا فعلى المشرف حذفه..
• ينبغي تبادل المراسلات بين المشرفين والأعضاء الجيدين في المنتدى وبين المشرف العام في متابعة القسم والنظر فيما يصلح المنتدى.
• تبادل المراسلات بينه وبين المشرفين والأعضاء الدائمين و توزيع الأدوار وتنويع الطرح و توحيد الطريقة في التعامل مع الأحداث.. وهذا سيكون روابط قوية بين الأعضاء الدائمين والمشرفين..
• ابتكار الطرق في نشر اسم المنتدى بين القراء.. من إعلانات مباشرة ومن عمل البرامج المحتوية عنوان المنتدى وكتابة الأبحاث التي فيها الرابط والإعلان في المنتديات الأخرى عن الموضوعات المهمة جدا في المنتدى هنا... وغيرها كثير من الطرق..
• التخصص في منتدى أو قسم من منتدى لا مانع منه ولكن ينبغي ألا يكون ذلك تعصبا أو هوى ضد منتديات إسلامية أو مواقع أسلامية أخرى.. فالحذر الحذر من التعصبات.. ونحن في عصر يتكاتف فيه أعداء الأمس ضد المسلمين وتكالبت عليه جميع قوى الشر بعسكرها وإعلامها...
• القدوة الحسنة في القسم والمنتدى عموما.. في حسن الكتابة والعبارة والبعد عن الغضب المنفر من المنتدى..
• لن يلتئم الشمل ويتناغم العمل إلا بالحب في الله - تعالى - والارتباط فيه وتناسي الزلات والعثرات وعدم ذكر المساوئ.. والنصح بالصراحة المؤدبة.. وقبول النصيحة والاستشارة.. وغيرها..
• أرجو أن أكون كتبت شيئا ينفع المشرفين والأعضاء الدائمين.. وأرجو الإضافة أو الرد عند وجود ملاحظات أو أخطاء لكي نستفيد جميعا منها..
http://saaid.net المصدر:
=============
داعية في كل أحواله
عبد الملك القاسم
وضع في سيارته مجموعة من الكتب والمطويات جزء منها مخصص للمسلمين، والآخر لغير المسلمين..واختار عدة لغات..
لم يكلفه الأمر سوى المرور على أحد مكاتب الجاليات وأخذ ما يريد.
شمر أبو عبد الله عن همته..
* فما توقف عند محطة بنزين إلا سألهم عن أسمائهم ليميز المسلم من الكافر..
ثم يسأل عن اللغة.. ليقدم بعدها مجموعة من الخير الذي لديه..
* ما توقف عند متجر إلا تقدم بهديته..
* أما أماكن الحلاقة وتجمعات العمال فلا يتركها، بل يتابعها باستمرار!!
* وفي أحد الأيام تنادى الأصحاب إلى رحلة برية في الصحراء.. حمل ما لديه من الخير وجعله بجواره في السيارة.. وسأله البعض بحدة.. أين نجد من يأخذها؟!
سنذهب إلى مناطق صحراوية.. لا ينبت فيها العشب.. فكيف نرى بها إنساناً؟!
قال لهم وهو يمسك بالكتب.. إذا لم نجد أحداً أرجعناها.. المكان فارغ، والسيارة فيها مُتسع..
وهناك والشمس في كبد السماء.. لا ترى إلا سراباً.. وجدوا راعي إبل في مكان منقطع.. عندها ترددت أصوات الجميع.. الحمد لله.. أين الكتب؟! ما هي لغته؟!
ناولوه ما يحتاج من الكتب وبعض الفاكهة.. وأسقوه عصيراً بارداً، كان معهم، ودعوا له بالهداية!!
* ما زار مستشفى إلا كانت يده تحمل كتباً يضعها في صالة الانتظار..
* أما زوجته فحملت ما تضعه في صالة النساء..
* وحين أقبل مع زوجته على الطبيبة.. ناولها كتاباً عن فتاوى المرأة، وندم أنه لم يحمل كتاباً عن الحجاب.
فهل من مُشمر؟!
http://saaid.net المصدر:
==============
وقفات إيمانية : مع حملة المنهج الرباني
مصطفى مشهور(14/281)
الصراع بين الحق والباطل، صراع طويل مرير، ودائماً على مدار التاريخ يأبى البغاة المعتدون، إلا أن يظلموا المؤمنين ويقعدوا لهم في كل طريق ويحاولوا فتنتهم وردهم عن دينهم، يقول الحق - سبحانه - يخبرنا عن كيدهم لكي نحذرهم: "..ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ".(البقرة: الآية 217) إنهم يحرصون دائماً على وأد الحق والنيل منه وهم بهذا يحادون الله ورسوله، ولذلك يحل دائماً بهم الجزاء العادل، وينزل بهم القانون الأزلي يقول الحق - سبحانه -: " إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين، كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز " (المجادلة: الآية 20-21).وقال - سبحانه -: " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ". (إبراهيم: الآية 42). ولهذا الصراع دروس وعبر يجب أن يعيها المؤمنون ولا يغفلوا عنها، إنه صراع المذاق، كثير الجراحات، فادح التضحيات، ولقد تحمل المسلمون الأوائل هذا كله، وأيقنوا أن الصراع كلما اشتدت وطأته، وأظلم ليله، كان النصر القريب، وبزوغ الفجر، وانتهاء الظلام وكان أوان تحقق الأمل المنشود.
لا بد لحملة الرسالة ودعاتها من التمسك دائماً بعقيدتهم فهي الحق الذي قامت عليه السماوات والأرض، ولا بد من الإيمان بها والعمل لها، فإنها أمانة آلت إليهم بعد جهاد وتضحيات ودماء، ومواقف ضد قوي الشر حاسمة، ويجب أن يبقي هذا الدين العظيم في أيدينا سليماً كما نزل من عند الله، فهو أمانة نورثها للأجيال، وقد تكون أصدق منا يقيناً، وأعمق منا إيماناً، وأقرب إلى تحقيق القرآن حفظاً وتلاوة وفهماً وتدبراً، وعلماً وعملاً، يجب أن نفقه القرآن وأن نعمل به وأن نتحرك بمقتضاه، وأن نعيش قضايا هذا الحق، فإن أسراره لا تتفتح لمن يتلونه فحسب، ولكن لمن يتابع توجيهاته، ويؤمن بموعود الله - عز وجل -: " وكان حقاُ علينا نصر المؤمنين". (الروم: الآية 47). " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون". (النحل: الآية 128).
نموذج إيماني فريد: يوسف - عليه السلام -:
لقد قص الله على نبيه الكريم، قصة أخ كريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، ولقد عانى يوسف - عليه السلام - ألواناً من المحن، محنته مع أخوته، ومحنته وهو في الجب، ومحنته وهو يباع كالسلعة، ومحنته كيد النساء له، ثم محنة السجن، ومع كل هذه المحن، وأشقها على نفسه اتهامه بتهمة مزورة ملفقة، ومفتراه، دون تحر ولا بحث، نجده خلف القضبان وراء السدود والأسوار، لا ينطوي على نفسه، ولا يندب حظه، لكنه يوجه السجن ويعلمهم عقيدة التوحيد الصحيحة، واليقين بالآخرة كما يوضح لهم العقائد الفاسدة: "... إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون، واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ". (يوسف: الآية 37-38). ثم يعلن رأيه فيما عليه الناس ويكشف في شجاعة وقوة فينادي من معه ويهز وجدانهم: " يا صاحبي السجن أ أرباب متفرق خبر أم الله الواحد القهار، ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون". (يوسف: الآية 39-40).
إن هذه القصة نزلت على النبي صلى الله وسلم في فترة حرجة من تاريخ الدعوة، بين عام الحزن، بموت أبي طالب وخديجة - رضي الله عنها -، وبين بيعة العقبة، فكانت بلسما وترويحاً عن رسول الله وصحابته، وعن المؤمنين في كل زمان ومكان إلى يوم القيامة.
ونموذج آخر: مؤمن آل يسن
إنه النموذج الذي اتبع الذكر، وخشي الرحمن بالغيب فكان له موقف مشرف مع القلوب المغلقة، المستكبرة على الله وعلى رسله وعلى دعوته، فهذا المؤمن استمع للحق، فاستجاب له، وآمن به، وانفعل بهذا الحق، فلم يستطع السكوت، ولم يؤثر الصمت في وقت شديد، ومنطق لأعداء الله أشد ينذر بالخطر، إنه استمع لما قالوه لمن سبقوه في هذا الطريق من الرسل، " قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم ". (يس: الآية 18).
فدعوة الحق عند الضالين شر، وصاحبها متهم يجب أن يسكت، وإلا فالرجم والعذاب الأليم، ومع ذلك فإن مؤمن آل يس يأتي من أقصى المدينة، يسعى ويقف أمام قومه وهم يكذبون ويجحدون ويتوعدون، ويوجه إليه نفس الدعوة، ويطلب منهم أن يتبعوا المرسلين ويتحدث إليهم في شجاعة وصراحة عن نفسه وعن أسباب إيمانه، ثم يهتف " إني آمنت بربكم فاسمعون". (يس: الآية 25)... فلم يمهلوه أن قتلوه وها هو يرفعه الله - عز وجل - إلى دار الخلد بين الخمائل فيها الرياحين، دار الكرامة " قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون، بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين". (يس: الآية 27- 28). وهنا يتدخل القدر بحسم، ليوقف الذين يبغون في الأرض بغير الحق عند حدهم، لقد صاح عليهم جبريل - عليه السلام - فخمدوا كما تخمد النار، صيحة واحدة وانتهى الشر، وذهب الباطل إلى غير رجعة. قال الله - تعالى -: " إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ". (يس: الآية 29).
إن دماء الشهداء غالية عزيزة عند الله، ينتقم لها مهما طال الزمن، وهي التي تنزلق فيها أقدام الظالمون فتهوى بهم إلى القاع، وبئس القرار.
ما أحوج الدعاة إلى الله أن ينهلوا من سيرة أسلافهم ما يقودهم إلى النصر، وأن يأخذوا من الماضي ما يعينهم على الحاضر.
ماذا ينتظروا المسلمون؟(14/282)
إن أهل فلسطين وقد اشتدت قبضة الصهيونية وعليهم ليستغيثوا بالمسلمين ويصرخوا، ويطلبوا النجدة، ويهيبوا بالمسلمين بعدم الخوف من يهود، فهل من مجيب؟
إنهم يرجون من المسلمين أن يتجدد عندهم الأمل في نصر الله للمؤمنين، وفي وعيده الثابت بقهر اليهود إذا اتحد المسلمون وقوى صفهم، ويقول - سبحانه - بصراحة: "وإذْ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم".
إن انتفاضة الشعب الفلسطيني المؤمن كانت كالصاعقة في وجوه الذين ظنوا أن شعب فلسطين قد تقاعس وانتهى ورضي بلعبة المفاوضة وانطلت عليه دعاوى السلام وظنوا أن هؤلاء المجاهدين ما هم إلا مجموعة من الإرهابيين وقطاع الطرق، لكن الحقيقة أن الانتفاضة قد تمردت على الاستعمار العالمي واليهودي ومخططات إسرائيل، وكيد أمريكا والغرب وهؤلاء في وقفتهم الصامدة وهم عزل، أمام دبابات وطائرات وصواريخ إسرائيل، ترجع لأسباب عميقة تمتد في أعماق ماضي هذا الشعب المؤمن الذي تراكمت صور الظلم اليهودي والاستبداد في حياته، على مدى أعوام طويلة، فلا محالة أن جاءت انتفاضة صادقة، تحرص على الموت لتوهب لها الحياة، لقد جاءت انتفاضة أهل فلسطين لتؤكد أن الثورة على الباطل تصنعها الشعوب، وعندما تحاول القوى الاستعمارية أيا كانت المساس بدينها وعقيدتها وشخصيتها وكيانها ومحاولة فصلها عن قرآنه وتاريخه الإسلامي، الذي لا يقوم هذا الشعب المسلم إلا به، إنها تحتاج منا جميعاً إلى العون بكافة ألوانه، العون المادي والمعنوي، عون الحكومات العربية والإسلامية وهي تملك الكثير، مقاطعة كل ما ينتجه الغرب، وما يصدره إلينا، ومقاطعة ثقافة الغرب، وحضارة الغرب الزائفة، التي لا تقدس إلا الانحراف والجنس وتقضى على الأسرة والشباب والعفة والفضيلة، وتهدم الأسرة.
إن مقومات العالم العربي والإسلامي ليست بالأمر الهين، فالمقومات البشرية تفوق مليار مسلم، ومساحة العالم الإسلامي أكبر من ربع العالم كله، والمقومات الاقتصادية، والمالية، والعلمية، كل هذا وغيره لو أحسن استخدامه لتقدمت الأمة العربية والإسلامية وأصبحت كتلة إسلامية، معسكراً يحقق التوازن بين الشرق والغرب، وتخفي النقطة السيئة السوداء من الخريطة وهي إسرائيل الباغية المزعومة إلى الأبد.
15/09/2003
http://www.ala7rar.net المصدر:
============
تمسك إن ظفرت بود حر
علي العمري
قليل من الناس من يعيش في الدنيا متحرراً من القيود المحيطة به. فتجد أحدهم منساقاً نحو أنماط من السلوك خاطئة، بل ومحرمة، لأنه يفعل هذه الأعمال متبعاً جملة من البشر؛ حتى يصير هذا التقليد شعاراً له في حياته. فينافح ويدافع عن الخطأ، وهو معترف به ومقر له. ولكن كيف يسوغ له أن يخطئ نفسه أمام الناس؟
كما أنه يحب سماع أخبار الناس الخاصة والتي فيها نوع من الأسرار، لمجرد السماع والإمتاع!. ولذا ضبط الإمام الربيع بن الخيثم قاعدة لصنف من الناس هذا حالهم بقوله: "لو نظر الناس إلى عيوبهم لما عاب إنسان على الثاني" وقيل له: يا أبا يزيد. ألا تذم الناس؟ فقال الربيع: والله ما أنا على نفسي براضٍ فأذم الناس، إن الناس خافوا على ذنوب الناس وأمنوه على ذنوبهم".
وفي هذه الحكمة البليغة يؤسس الإمام الربيع بن الخيثم في نفوس الناس أهمية التفكر في عيوبهم وأخطائهم، وعدم الاسترسال في الحديث عن أخطاء الناس وزلاتهم، وكأنه يذكر الأمة بعدم إباحة الكلام فيما لا حاجة فيه. إذ أن بعض الناس وإن كانوا من أهل الصلاح، إن فتح لهم باب الحديث عن خطأ إنسان فإنهم يناقشون هذا الخطأ، ويجرون أثناء كلامهم هذا أخطاءً صدرت منه قديماً لا علاقة لها بهذا الخطأ! وهذا عيب. ولذا عندما جاء أحد الناس للإمام الربيع فقال له: ألا تذم الناس؟ فقال: ما أنا على نفسي براضٍ فأذم الناس.
في هذا الموقف يتضح التجرد الكامل عن حظوظ النفس، حتى وإن كانت العوامل مهيأة للرد، والحديث عن أخطاء الغير.
إن هذا الصنف هم المتجردون من القيود المحيطة بهم، وهم الأحرار حقاً في الحياة. فلا يتكلم أحدهم إلا بما فيه الحق ولو كان مراً. سواء في إنسان تُكِّلم فيه، أو كتاب عُرض عليه، أو طائفة ذُكرت له، حتى وإن كان هذا الإنسان المتكلم فيه نداً له وعدواً له. وحتى إن كان مؤلف الكتاب لا يروق له أو من غير فكره!.
فالربيع بن الخيثم وإن كان خصماؤه يتكلمون فيه، إلا أنه لم يجد هذا مقنعاً لذمهم وتعييرهم.
إن منهج الربيع بن الخيثم قليل أنصاره حتى من جيل الأخيار، لكنهم هم الموفقون الأحرار.
فكن أنت أحد المتخرجين في مدرسة الربيع لتكن مؤمناً حراً موفقا.
تمسكْ إن ظَفرتَ بودِّ حُرٍّ *** فإنّ الحُرَّ في الدنيا قليلُ
http://www.islameiat.com المصدر:
===========
إلى محبي الجهاد ... هذا هو قائد المجاهدين
الحمد لله القائل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فصلت33 وصلى الله وسلم على نبينا محمد قائد المجاهدين وإمام المتقين وخاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.(14/283)
وبعد فإن أعظم قائد للجهاد والمجاهدين هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولذا وجب على كل من أراد الجهاد في سبيل الله أن يتبع هديه وسنته، وأن يقتدي به، قال الله - تعالى -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}الأحزاب21 فما بال أقوام يدعون الجهاد وحبه، ولا يتبعون هدي قائد المجاهدين وأفضلهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، الذي جاهد في الله حق جهاده!
إن إمام المجاهدين - صلى الله عليه وسلم - كان حريصاً على هداية الناس لا على قتلهم، كما وصفه ربه بقوله - تعالى -: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} التوبة128 وهو رحمةٌ مهداة للعالمين، قال عنه ربُّهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء107
لما خرج إلى الطائف فدعا أهلها إلى الله - تعالى - وإلى أن يؤووه حتى يبلغ رسالة ربه - عز وجل - وذلك بعد موت عمه أبي طالب، ردوا عليه قوله وكذبوه، فرجع مهموماً فلم يستفق إلا عند قرن الثعالب . فإذا هو بغمامة وإذا فيها جبريل ومعه ملَك الجبال، فناداه ملَكُ الجبال فقال : يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام وقد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ( بل استأني بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده وحده لا يشرك به شيئاً ) ) .
لقد بلَّغ النبي - صلى الله عليه وسلم - الرسالةَ وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، وصبر على الأذى الذي ناله في سبيل الله. فما بال من يدّعون حب الجهاد يستعجلون ولا يصبرون، أين الرفق بالمدعوين، أين الصبر على الأذى في سبيل الله. هكذا بمجرد أن يعرف أحدهم الدين يريد أن يلتزم به الناسُ أجمعين أو يقاتلَهم مباشرةً، فلِمَ لا يصبر على دعوتهم بالحسنى وتوضيح الحق لهم، وبذل الجهود من أجل هدايتهم، لقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو المؤيد من ربه ثلاث عشرة سنةً في مكة، وعشر سنين في المدينة، لم يتعجل ولم يفقد الصبر، ولم يتخل عن خلق الرحمة والرأفة بالمدعوين.
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيًّا من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه يقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. متفق عليه.
نعم هو - صلى الله عليه وسلم - يمسح الدم عن وجهه ويستغفر لقومه الذين أدموه وجرحوه، لم يدع عليهم ولم يستعجل بهلاكهم بل اعتذر لهم بأنهم لا يعلمون ودعا لهم بالمغفرة (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
إنه المعلم الحكيم الرؤوف الرحيم - صلى الله عليه وسلم -، انظروا كيف وصفه الصحابي الجليل معاوية بن الحكم وقد عطس أمامه رجل أثناء أداء الصلاة فشمته معاوية وهو يصلي فقال: فحدقني القوم بأبصارهم. فقلت: واثكل أمياه ما لكم تنظرون إليّ؟ قال: فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يسكتونني سكت. فلما انصرف رسول الله دعاني، بأبي هو وأمي، ما ضربني ولا كهرني ولا سبني، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه. رواه النسائي وأبو داود.
وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أحدًا من أصحابه في بعض أمره، قال: "بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا". متفق عليه.
صورٌ من شجاعته - صلى الله عليه وسلم -:
لقد كان - صلى الله عليه وسلم - أشجع الناس، ولم يمنعه ذلك من أن يكون أرحم الناس بالناس، عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَاجِعًا وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا. رواه البخاري ومسلم.
وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -وهو من أبطال الأمة وشجعانها- قال: (إنا كنا إذا اشتد بنا البأس واحمرَّت الحدق اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما يكون أحدٌ أقربَ إلى العدو منه، ولقد رأيتني يومَ بدرٍ ونحن نلوذُ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أقربُنا إلى العدو) رواه أحمد والطبراني والنسائي.
صورٌ من رحمته - صلى الله عليه وسلم -:
ومع تلك الشجاعة الفائقة، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - رؤوفاً رحيماً. وهاهو يقول لأصحابه: من فجع هذه بوليدها؟ فعن عبد الله، عن أبيه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حُمرة (طائر يشبه العصفور) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة، فجعلت تُعرش، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها. أبو داود.
وعن سهيل بن الحنظلية قال: مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعير قد لصق ظهره ببطنه، فقال: "اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة". "المعجمة: التي لا تنطق". رواه أبو داود بإسناد صحيح.
فيالها من رحمةٍ ما أعظمها، رحمة بالناس وبالطيور وبالبهائم، بالمسلم وبالكافر، وحرص على هداية الناس واستنقاذهم من النار.(14/284)
قال الشيخ ابن باز - رحمه الله -: (فالمقصود والهدف ـ من الدعوة ـ إخراج الناس من الظلمات إلى النور وإرشادهم إلى الحق حتى يأخذوا به وينجو من النار وينجو من غضب الله). قال - تعالى -: {اِتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَّهُم مُّهْتَدُون}. هذا هو المحك والمعيار أن يكون هدف الداعية الحرص على نجاة الناس من النار لا استعجال هلاكهم في الدنيا قبل الآخرة، وإخراجهم من الظلمات إلى النور لا الانتصار عليهم وهزيمتهم فمن أخذ به واستوعبه بارك الله في دعوته ووفقه، ويكون بذلك قد نقى ساحة دعوته من الشوائب والأمراض التي تمحق بركة الدعوات. فإخراج الناس من الظلمات إلى النور هو الهدف الأول، ثم يأتي التمكين بعد ذلك، أما إذا اختلف الترتيب المنطقي للدعوة، كتجميع الناس حول فكرة ثم يأتي الإنقاذ من النار بعد ذلك؛ فهذا هو الاختزال المذموم. [1]
وهذا القدوة النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى غلاماً من اليهود كان مريضاً يعوده فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال: أطع أبا القاسم فأسلم، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار" رواه البخاري. انظر (المقنع مع الشرح 10/456).
ترى ماذا تستفيد الدعوة من غلام يهودي ينازع الموت، إنها الشفقة على الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور. [2]
رسول الله لم يقتل المنافقين، وأدعياء الجهاد يقتلون المسلمين
فائدة: تعامل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع المنافقين في مجتمع المدينة النبوية: في المدينة النبوية أسس النبي - صلى الله عليه وسلم - دولته الإسلامية الناشئة وقد وجدت ضمن أهل المدينة فئةٌ من المنافقين، قال - تعالى -: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً}النساء145، هذه الفئة التي هي في الدرك الأسفل من النار كيف تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - معها..، لقد أمره الله بجهادهم فقال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}التوبة73، قال المفسرون جهاد الكفار يكون بالقتال، أما جهاد المنافقين فيكون بالحجة، فأسلوب التعامل مع كل فئةٍ يختلف، وذلك لحكم عظيمة وإلا فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يعرف المنافقين بأسمائهم وسماهم لحذيفة - رضي الله عنه -، قال - تعالى -: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ}التوبة64 ورغم ذلك لم يقتلهم وبرر عدم إقدامه على قتلهم كي لا يُقال أن محمداً يقتل أصحابه، رغم أنه لو أراد قتل المنافقين لاستطاع ذلك ولأيده صحابته رضوان الله عليهم فهو رسول الله وأفعاله بوحي من ربه، فمن أجل مصلحة الدعوة لم يقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - المنافقين، فكيف يتجرأ شبابٌ على حظٍ ضعيفٍ من العلم على قتل المسلمين في زماننا هذا بحجة الجهاد، أيُّ جهادٍ هذا الذي يُقتل فيه الآمنون من المسلمين، ويُجيز أصحابه التترس بالأطفال الأبرياء والنساء الضعيفات، إن مجرد حملهم السلاح يعني أنهم وصلوا إلى مرحلة من القوة تمكنهم من المواجهة فلماذا إذاً التترس في بيوت الأبرياء والتضحية بالضعفاء.
إن المراقب من الخارج حين يرى ما يحدث لضعفاء المسلمين من قتل بسبب أعمالٍ لا مبرر لها ولا يمكن تسميتها جهاداً، ليستنكر ذلك، ويستغرب كيف يتجرأون على قتل الناس وإهدار الدماء المعصومة بحججٍ واهية، أيُّ نصرٍ سيتحقق للإسلام من سفك دماء المسلمين داخل بلاد الحرمين، إن الذي يحدث هو تشويه للإسلام، وتصويرٌ للمسلمين بأنهم لا يُبالون بحرمة الدماء المعصومة.
توجيهات للشباب المنهج الصحيح في الدعوة إلى الله:
إن المنهج الصحيح في الدعوة إلى الله هو منهج نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، الذين بذلوا جهدهم وأوقاتهم لتعليم الناس الخير، كان الصحابة رضوان الله عليهم يتعلمون العلم ويعلمون غيرهم، سائرين على نهج نبيهم في مخالطة الناس وتعليمهم ودعوتهم. يقول الشيخ عايض القرني: (تتوافد قبائل العرب لتنظر إلى هذا العظيم وهو في مكة لباسه عادي لا يساوي ثلاثة دنانير، خبزه الشعير، ينام في بيت متواضع، يقف مع العجوز الساعات الطوال، يحمل الأطفال، يحلب الشاة، لا يجد كسرة الخبز، ومع ذلك تتساقط تحته عروش الظالمين كسرى وقيصر، لماذا؟ لأنه كسَّر بسيف العدل ظهور الأكاسرة، وقصَّر برماح التضحية آمال القياصرة). فلِمَ الاستعجال يا من تريدون الخير، ولم لا تتبعون الهدي النبوي في الصبر على الدعوة ومخالطة الناس والصبر على أذاهم، ودعوتهم باللين والرفق والموعظة الحسنة.
طاعة العلماء واتباع إرشاداتهم صمام الأمان:(14/285)
لقد عرف الأعداء الماكرون من أين يأتوننا، وألد هؤلاء الأعداء هم بعض بني جلدتنا ممن يمتطون دعاية الدعوة للإصلاح وأهدافهم مصلحية سياسية، وليست أهدافاً دعوية، فيدعون الحرص على الدين وهم أول من يشكك في العلماء الربانييين، فكل عالم لا يوافق هواهم ودعواتهم يعتبرونه عالم دولة، ويحاولون إسقاطه وصرف الشباب عن الاستماع له، وإذا أمر بما أمر الله به من السمع والطاعة لولاة الأمر وجمع الكلمة والنهي عن الفرقة والاختلاف اعتبروه منافقاً وشنوا الحملات الدعائية ضده، بل ونصبوا غيره ممن هم أصغر منه سناً وأقل علماً كبديل لأخذ الفتاوى منهم. ومع الأسف فقد نجحوا في تلك الخطة الماكرة في ظل حماس الشباب واندفاعهم الغير منضبط، فنشأ جيلٌ من الشباب تجاسروا على أهل العلم الذين شابت لحاهم في طلب العلم وتعليم الناس الخير وخدمة دين الله. ومع الأسف فإن أكثر أولئك الشباب لم يطلبوا علماً، ولم يأخذوا للطريق زاداً، إنما كان زادهم بعض الأناشيد الحماسية، وبعض تحليلات القنوات الفضائية، وغالبيتهم تزودوا بالرؤى والأحلام أياً كان مصدرها موثوقاً أو غير موثوق، وأغلبها أكاذيب ينشرها الأفاكون على صفحات الانترنت، وأين من يستطيع التحقق من صحتها، ووجد الأفاكون شباباً عاطلين عن العمل وعن طلب العلم وعن الدعوة وعن العبادة، فسيطروا على أفكارهم وسخّروهم لخدمة أهدافهم في زعزعة الأمن، ولتحقيق أحلامهم بالوصول إلى السلطة.
استغلوا حماسة الشباب، فضيّقوا عليهم آفاقاً كانت واسعةً من الدعوة وعمل الخير، والرفق بالناس والأناة بهم. وجعلوهم ينقمون على من حولهم، ويتصورون محاصرة المعاصي لهم، وكأن هذه المعاصي لن تزول إلا بدمارٍ أو هلاك، يأسٌ من الإصلاح، ويأسٌ من استجابة الناس، وقعودٌ عن الدعوة والعمل للدين.
فيا معشر الشباب الله الله في علمائنا، اطلبوا العلم وتعلموا الخير منهم، واقتدوا بهم، وأطيعوا أمرهم ونصحهم، قال الله - تعالى -: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}النساء83
ناصحوا ولاة الأمر وادعوا لهم بالصلاح:
أثر عن أحد السلف أنه قال: (لو كان لي دعوة صالحة لصرفتها للسلطان)، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. إننا أيها الإخوة نمر بمرحلة حرجة في تاريخ الأمة الإسلامية تحتاج منا إلى وقفة صادقة ومنهجية واضحة في التعامل مع هذه الأحداث التي تخرج الأمة من عنق الزجاجة، ومن هذه المحنة وهي أصلب عودًا وأشد تماسكًا، وإن أهم أركان هذا التماسك هم الحكام والعلماء والشعوب، وإن المنهج الشرعي مع الحكام حتى وإن جاروا: الصبر؛ (ما لم نرَ كفرًا بواحًا عندنا من الله فيه برهان)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمْرِ مِنكُمْ}، وفي الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال نبي الله ‘: ((من رأى منكم من أميره شيئًا فكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرًا فيموت إلا مات ميتة جاهلية)). يقول سماحة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: (لا ننازع ولاة الأمور ما ولاَّهم الله علينا لنأخذ الإمرة منهم؛ فإن هذه المنازعة توجب شرًّا كثيرًا وفتنًا عظيمة وتفرقًا بين المسلمين، من عهد عثمان - رضي الله عنه - إلى يومنا هذا، ما أفسد الناسَ إلا منازعةُ الأمرِ أهلَه) محمد بن صالح العثيمين، شرح رياض الصالحين، 512.
ويقول - رحمه الله -: (تجد بعض الناس همُّه إذا جلس في المجلس ما يستأنس إلا إذا أمسك عالمًا من العلماء أو وزيرًا من الوزراء أو أميرًا من الأمراء أو من فوقه ليتكلم في عرضه، وهذا غير صحيح، ولو كان هذا الكلام يجدي لكنا أول من يشجع عليه... ) إلى أن قال - رحمه الله -: (.. ولكنه لا يجدي، إنما يوغر الصدور ويكرِّه ولاة الأمور إلى الناس ويكرِّه العلماء إلى الناس ولا يحصل فائدة)
فتح أبواب الخير لا إغلاقها:
إن رحمة الله واسعة، وفضله عظيم، وخيره عميم، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويُرغِّب عباده في العودة إليه والإنابة والرجوع والتوبة ويحذرهم من اليأس والقنوط قال - تعالى -: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}الزمر53
وهكذا كان هدي نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، جاء شيخ كبير هرم قد سقط حاجباه على عينيه وهو يدعم على عصا حتى قام بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها فلم يترك منها شيئاً وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة " أي صغيرة ولا كبيرة " إلا أتاها، (وفي رواية: إلا اقتطعها بيمينه لو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم " أهلكتهم")، فهل لذلك من توبة؟ قال: " فهل أسلمت؟ " قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال: " تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن ". قال: وغدراتي وفجراتي. قال: " نعم! " قال: الله أكبر فما زال يكبر حتى توارى" (قال الهيثمي: رواه الطبراني والبزار ورجال البزار رجال الصحيح غير محمد بن هارون أبي نشيطة وهو ثقة. وقال المنذر في الترغيب إسناده جيد قوي. وقال ابن حجر في الإصابة هو على شرط الصحيح).(14/286)
فيا دعاة الخير، افتحوا أبواب الأمل للناس، ورغِّبوهم فيما عند الله، وحاوروهم بالحسنى، امتثالاً لأمر الله في قوله - تعالى -: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً)، وكونوا مبشرين لا منفرين، رحماء بالمسلمين كما وصف الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم قال - تعالى -: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}الفتح29
أسأل الله الكريم أن يجمع كلمة المسلمين على الخير وأن يهدي شباب المسلمين ويردهم للحق رداً جميلاً، وأن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأن يوفق ولاة أمور المسلمين للعمل فيما فيه خير أمتهم ودينهم وصلاح مجتمعاتهم، والرفق برعيتهم، وأن يؤلف بين قلوب الجميع شعوباً وعلماء وحكاماً ومحكومين.
======================
1، 2 - رسالة عاجلة للدعاة، خالد السبيعي
http://saaid.net المصدر:
=============
الخلل الأخطر
د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أرى كثيراً من الدعوات والدعاة المعاصرين يصرفون جل اهتمامهم إلى تشخيص وعلاج مظاهر الانحراف والفساد الأخلاقي لدى المسلمين، وهذه خصلة تُحمد لهم، بل الواجب أن يكون الأمر كذلك لكني مع ذلك لا أعذرهم - أو الكثيرين منهم حين يذهلون ذهولاً أعمى عن الخلل الأعظم والأخطر، ذلكم الخلل الذي لاشك أنه هو السبب الأول للانحراف الخلقي والفساد الاجتماعي، والفوضى والجهل، والتخلف وسائر المفاسد، ذلكم الخلل الحاصل في اعتقاد المسلمين علماً وعملاً، والمتمثل في: الجهل بأوليات الإسلام، والوقوع في المعتقدات الضالة، والأعمال الشركية والبدعية، من بدع المقابر، وتقديس الأشخاص الأموات والأحياء، وتقديس الأولياء والأقطاب والأغواث، وبدع الطرق النكدة، وبدع المشاهد والآثار والأشجار والأحجار، وصرف كثير من أنواع العبادة لغير الله - سبحانه - ونحو ذلك مما يطول ذكره، ولا يخفى على ذي بصيرة.
كما يتمثل هذا الخلل أيضاً لدى الدعاة في إغفال أكثرهم الاهتمام بأصول الدين وفرائض الإسلام، أو إعطائها أقل مما تستحقه من الاهتمام والعناية، مع العلم أنها هي مفاتيح الخير والصلاح، وهي مغاليق الشر والفساد، كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإخلاص العبادة لله وحده، ونبذ الشرك والبدع ووسائلهما، ونحو ذلك من الأصول.
ولو تأملنا نصوص القرآن والسنة لوجدنا أن الاهتمام بالأصول يشير إلى أن هذا هو الواجب الأول في الدعوة، وهو الذي به يحصل صلاح الناس وأحوالهم، وبه ينتهون عن الفساد والمنكر من تلقاء أنفسهم، وإلى هذا المعنى وجهنا الله - تعالى - إلى إقامة الصلاة، وهي من الأصول العظيمة، وبين أن إقامتها تنهى عن الفحشاء والمنكر، فقال - تعالى -: (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر). [سورة العنكبوت، الآية: 45].
وبين الرسول، - صلى الله عليه وسلم - أن عبادة الله وحده وترك الشرك، وإقامة أركان الإسلام، هي الإسلام الذي يرضاه الله ويأمر به وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان إذا فعل ذلك صلحت أموره، فقد جاء في حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم وفيه: (فأتاه رجل فقال يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: "الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان.." الحديث.
ومن ذلك قصة الرجل الذي سأل النبي، - صلى الله عليه وسلم -، عن الإسلام، فذكر له، - صلى الله عليه وسلم -: "الصلاة، والصوم، والزكاة والحج"، فقال الرجل: "والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهم" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لئن صدق ليدخلن الجنة".
وذلك لأنه من المعلوم بالضرورة أن من فعل هذه الأمور العظيمة على وجهها كما أمر الله، مخلصاً دينه لله، فإن سائر أحواله ستصلح ويهديه الله سبيل الخير والصلاح والفلاح، وجنة الله ورضوانه، كما قال - تعالى -: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم " [سورة محمد، الآية: 2].
ولا يعني هذا أني أقلل من شأن محاربة الفساد والانحرافات الخلقية، كلا والله، فهذا (أي النهي عن الفساد) أصل عظيم من أصول الدين، لكني أقول يجب أن نبدأ بما بدأ الله به، وبدأ به أنبياؤه من حيث الأولوية، ونعطي كل أمر حقه، كما أمر الله، فالإسلام كل لا يتجزأ، والإيمان بضع وسبعون شعبة، لكني أقول: إن حق الله أولى، وبعده ترتب الأمور كما جاءت في دين الله.
فتوحيد الله وطاعته، وطاعة رسوله، واتباع شرعه، ونبذ الشرك والطاغوت، هذا أصل عظيم، ثم إقامة الفرائض من الصلاة والزكاة والصيام والحج، أصل عظيم، ثم الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، أصل عظيم، ثم النهي عن الفساد في الأرض، والأمر بالفضائل أصل عظيم كذلك، فكل الأصول يجب أن نهتم بها.(14/287)
لكن الأصل الأول هو أجلها وأعظمها، وهو العروة الوثقى، قال الله - تعالى -: " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها " [سورة البقرة، الآية: 256].
كما أني لا أدعي أن الدعوات المعاصرة لم تهتم بهذا الأمر العظيم، لكني أقول وعلى ثقة - والواقع يشهد ـ أنها أو أكثرها لم تعطه حقه، ولم تتنبه إلى أنه هو الأعظم والأخطر، وأن الانحراف فيه هو السبب الأول لكل انحراف وضلال.
والرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما قاتل الناس في دين الله، قاتلهم على الأصول: شهادة أن لا إله إلا الله (وعبادة الله وحده ونبذ الشرك)، وشهادة أن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان... الخ؛ لأن هذه الأصول إذا قام الناس بحقها كما أمر الله صلحت قلوبهم وأعمالهم وسائر أحوالهم، ثم إن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لم يهمل الجوانب الأخرى من الأحكام والآداب والأخلاق، لكنها جاءت بعد تلك الأصول لأنها تبع لها، ومبنية عليها، لا العكس.
وخلاصة هذا الموضوع: أن صلاح حال المسلمين وإخراجهم مما هم عليه من جهل وفساد وانحراف وتخلف مرتبط قبل كل شيء بصلاح عقيدتهم واستقامتهم على دين الله، وعبادته وحده وتقواه- سبحانه - وطاعته، واتباع رسوله، - صلى الله عليه وسلم -، وهذا هو منهج الرسل ومنهج القرآن والسنة ومنهج المصلحين المهتدين، وما دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - يرحمه الله - منا ببعيد، أما صرف بعض الدعاة النظر عن هذه المسألة واهتمامهم بغيرها مما هو فرع عنها فهو بمثابة علاج الشجة والجروح في رأس مقطوع.
http://www.asyeh.com المصدر:
===========
تصحر النخبة
الشيخ طارق الحسين
لم تعد الصحوة الإسلامية تملك رموزاً بالقدر الذي يرفع شأنها أمام محبيها ومبغضيها على حد سواء. وهناك مدّ شبابي وشعبي متدفق على الإسلام بغزارة مقابل تصحّر في جانب الرموز ومطالبات من قبل المدَّ الجماهيري ما لبث أن أصبح ضغطاً على النخبة لا تملك احتضانه ولا احتواءه مما أدى إلى تهميش النخبة ونزع الثقة منها، والبحث عن غيرها ولو كان من غير الإسلاميين.
إن النخبة الإسلامية بدأت تتحول إلى الفردية، وباتت تفقد جانب الكتلة بشكل واضح وإن بدت هناك محاولات للتكتل على هيئة بيانات جماعية تارة وتوصيفات للواقع تارة أخرى كل ذلك للإيحاء بأن النخبة لا تزال تمارس دورها، وهذا بلا شك محاولة للعلاج ولكنه أسلوب مجتزأ ومبتور من مراحل الدواء.
عندما تضيع أي أمة أو فكرة أو مشروع فاعلم أن هناك ضياعاً لرموزه إما باختفاء عن الساحة، أو بانقسام على بعضهم أو لسبب من الأسباب الممكنة.
نحن لا ننكر أن الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة كما يقول سيدنا الحبيب صلى الله علية وسلم، ولكن هذا الحديث حجة علينا لا لنا، لأن الشعب الذي يتكون من عدة ملايين ثم لا يعرف فيه من القدوات أو الرموز الإسلامية سوى آحاد ممن لهم تأثير وبروز وأداء فهو شعب قريب من الموت إن لم يكن قد مات حقاً، وإن الصحوة في هذه الحالة أكثر موتاً وذهاباً. لو افترضنا شعباً يبلغ عدده عشرين مليوناً والقدوات البارزة والمؤثرة فيه على مستوى العام يبلغون ألف رجل وامرأة فكم نسبة هذا الألف إلى العشرين مليوناً؟ يصبح لدينا واحد من كل عشرين ألفا، هذه النتيجة دليل واضح على إفلاس إسلامي فكري وتربوي ونخبوي، فكيف إذا ثبت لدينا أن كثيراً من البلاد الإسلامية لا تمتلك هذه النسبة ولا نصفها مع هذه الأعداد الهائلة من البشر؟
ليست السياسة مقصدنا هنا لأن العمل السياسي يمارس باللوائح والقوانين المفروضة على الجميع، وليست الأعداد الهائلة في الشارع الإسلامي أو ما تسمى بالصحوة هي المراد بالتحليل.
مبتغانا في هذه السطور هي النوعيات التي تملك القدرة على القيادة والتأثير في الجماهير، وهي النخبة المقدمة والمقتدى بها أو ما يسمى بالرموز والعلماء والمفكرين والأدباء والأولياء والعباد وأضرابهم.
إن التكتل النخبوي وتكاثر الرموز من أهم مقومات ومكونات المجتمع الناضج الفتي. وإن قلة الرموز وانحسار القيادات والقدوات لهو من أبرز صفات القطيع والنمل والنحل وكثير من الدواب. أما الإنسان الذي خلقه الله مكرماً على سائر مخلوقات الأرض فهو متطلع لمزيد من العقول والمبدعين والرموز والمفكرين يتتابعون جيلا بعد جيل.
ولا يصح أن يضع الشيطان مداخلة في حديثنا هذا عن قضية الخلاف والتنازع عند كثرة الرموز، لأن قوماً من اليهود أو النصارى أو غيرهم يمتلكون ضعف ما نطمح إليه ويديرون حياتهم على أكمل وجه حسب ما تمليه ولاءاتهم لقوانينهم وطاعتهم لسلطة شعوبهم، فالخلاف والتنازع يأتي من نقص في الدين وخلل في الأخلاق، واختلاف وجهات النظر دليل كمال وليس ثمت ما نخشاه إلا النفوس المريضة.(14/288)
ولو تأملنا في واقع الرسالات والنبوات لوجدنا مبدأ تكثيف الرموز والقدوات من أساليب التأثير حسب حاجة كل قوم، فإذا خفف من الرموز عوض الرمز المنفرد بمزايا ومكونات تغطي الجوانب الأخرى لحكمة أرادها - عز وجل -. فعندما كان نوح - عليه السلام - منفرداً عوضه الله بطول المدة التي تغطي الحاجة، وذلك من الابتلاء له - عليه السلام -، كذلك لم يكن قومه بالعدد الذي يعجز عنه نبيٌ أو مرسل واحد، ولو نظرت إلى هود - عليه الصلاة والسلام - وكيف كان منفرداً في أمة «عاد» الجبارة لوجدته يحمل صفة تناسب الوقوف في وجه جبروتهم وهي القوة والصلابة والشجاعة وأعلى مقامات التوكل حين يقول لأولئك الجبارين {فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنظِرُونِ * إنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ..} وقد أسلم معه فوق ذلك أربعة آلاف كما في الروايات.وإن كان شعيبٌ - عليه الصلاة والسلام - ضعيفاً في جسده وقوته إلا أن الله أعطاه قوة العشيرة {وإنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ}.في قصة أبينا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ما يوضّح ذلك، فعندما أرسله الله - عز وجل - إلى قومه لم يكن بحاجة في البداية إلى سند يبلغ معه أو قدوات تتكتّل معه لأن أصل الدعوة في حياته كانت بداية بين أب يصنع الأصنام وابن يسعى إلى تحطيمها، وكان الحوار شديداً وقوياً بين الأب وابنه، فلما وقع منهم ما وقع، وأنقذه الله، ثم انتقل من بابل إلى بيت المقدس بدأ مرحلة جديدة وهي: {إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً}، وهذه الإمامة تقتضي عدداً من القدوات، وكتلة من الرموز الحيّة من أنبياء وأولياء، فكان - عليه الصلاة والسلام - نقطة تحوّل في تاريخ البشرية وهي بداية التمهيد لقيام أكبر ثلاث رسالات وثلاثة كتب وثلاثة أمم وهي رسالة موسى بالتوراة، وعيسى بالإنجيل، ومحمد عليه وعليهم الصلاة والسلام بالقرآن. وهذا مما جعل إبراهيم - عليه السلام - أباً للأنبياء، لأن التأثير على الخلق بهذه الأعداد الهائلة والأمم الزاخرة لا بد له من مدٍّ رسالي ونبوي وتكتّل رحمة من الله بعباده ورأفة بهم. ولقد كان يجتمع في المكان الواحد والزمان الواحد في بني إسرائيل النبيان والثلاثة وقد يجتمعون في زمان واحد وأمكنة متفرّقة، أو في مكان واحد بأزمنة متفرّقة. إن أعظم نخبة رسالية اجتمع فيها الأنبياء في التاريخ هي في بني إسرائيل أمة يعقوب ويوسف والأسباط وموسى وهارون ويوشع وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى بن مريم وآلاف غيرهم يصلون إلى أربعة آلاف، وورد ثلاثة آلاف، وورد غير ذلك. بدأت الرسالة في بني إسرائيل بموسى وانتهت بعيسى، سوى من سبق موسى من الأنبياء الذين كانوا رصيداً دعوياً ورمزياً قوياً.
ولما لم يُجْدِ بني إسرائيل كل هذا العدد الهائل من الأنبياء والأولياء والدعاة ونعمة التفضيل التي قال الله عنها: {يَا بَنِي إسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العَالَمِينَ}، لما لم يجدهم ذلك كله حوَّل الله عنهم الرسالة بعد أن حاولوا قتل عيسى - عليه السلام -، وانقسم بنو إسرائيل إلى يهود ونصارى أو إلى توراتيين وإنجيليين، وتوقّفت الرسالة فيهم وأصبح غيرهم جديراً بها فآتاها الله العرب الأميين وأخرج منهم محمداً - صلى الله عليه وسلم -. ولكن هذه الرسالة هي الرسالة الخاتمة التي جاءت بين يدي الساعة وقد نبّه الله ابتداء هذه الأمة بأنه لا نبي بعد محمد - عليه الصلاة والسلام - إلا أنه سيأتي عيسى ليجدد شريعة محمد ويحكم بها إتماماً لهذا الأمر ورحمة بهذه الأمة وتكريماً لها. إن الفترة التي تمتدّ بين الرسولين محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام طويلة ولكن التعويضات التي أعطاها الله لهذه الأمة بدلاً عن إرسال أنبياء كثيرة سأذكر بعضها، وهي:
-الأمان من العذاب والهلاك العام وهو أمر أجاب الله فيه دعوة الحبيب - صلى الله عليه وسلم -
-الوعد بعدم تسليط الأعداء عليها تسليطاً كلياً يستأصل بيضتها وهي دعوة الرسول - عليه الصلاة والسلام - كذلك.
-الخيرية والدوام على ذلك إلى قيام الساعة مع فترات هبوط وضعف وتجانف.
-الطائفة المنصورة والفرقة الناجية وهي النخبة التي تأتي منقذة للأمة، وممسكة بزمامها مع اختلاف في قوتها وتأثيرها، وسرعة مجيئها وحضورها. وهي الكتلة النخبوية، وهي الرموز القائدة التي نتحدّث عنها الآن.
فإذا نظرت إلى فترات الانتكاسة لهذه الأمة فستجد غياباً لكتلة النخبة واغتراباً لقدواتها إلا من عناصر هنا وهناك كي لا يذهب صوت الإسلام، وبالمقابل فإن فترات التمكين تكون ذات عدد وقوة تنتشر هادية في كل مكان، وتملأ السمع والبصر، ليس بالمسائل العلمية والحركة الثقافية فحسب، بل بالمواقف البطولية أولاً وبالتأثير في الناس وإحياء القلوب واستثارة عوامل النصر ودوافع الهبة الصادقة.
من المهم جداً أن نذكر أسباباً لضعف الرموز وتفكّك النخب، وكيف حدث ذلك؟
ونؤكد على سببين عريضين يدخل تحتهما تفصيلات كثيرة أدّيا إلى هبوط الأثر النخبوي، وإلى القحط والتصحّر.
أولهما: ظهور الاحتكار النخبوي والتضييق الرمزي.
وتغيب المشاريع المفكّرة الواعدة، أو وأدها في مهدها ومحاولة الوقوف في وجهها وصدّها عن أخذ المكانة إما بإهمال احتوائها أو بسبب أشكال الظروف البيئية التي تعيشها النخبة، أو وجود أمراض العلو والعظمة والاستكبار في بعض النخب القائمة، وهذه خيانة لله ورسوله والمؤمنين مهما بلغت مكانة هذه الرموز وعلا كعبها.
ثانيهما: نهاية السقف الإمكاني وانتهاء القدرة على المواصلة للدور النخبوي لسبب أو لآخر(14/289)
كتغير الظروف التي يعجز عن مواجهتها الرموز، أو ضعف التهيئة والتأسيس حيث أهملت جوانب مهمة في بناء شخصيات هذه النخب ومنهجها أو غير ذلك مما يدخل في الكلمة الدارجة «ليس بالإمكان أكثر مما كان».
إن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يعد فيها أنبياء وليس يحفظها رجل واحد بل إن بقاءها واستمرار حياتها يجيء في زخم القدوات ونهوض أسراب الرموز، ولقد كان السبب في خيرية القرن الأول أن الرموز فيه لم يكونوا وحداناً بل زرافات، أينما قلب المرء وجهه وبصره وجد جموعاً من السابقين إلى الخيرات تهزّ غراس المعاني وتنثر ثمارها في الطرقات والبيوت والمساجد. زمرٌ تتحرّك بهدايات الرحمن - سبحانه - مجتمعة متماسكة أمام زخّات الفتن وتقلّبات الدهر، عشرات عشرات ومئات وآلاف من الأولياء والمبرزين في مجتمع صغير كمجتمع المدينة الطاهر، فكم في ظنّك يحتاج واقعنا إلى رمز حيّ؟
إن النخب الإسلامية تتصحّر، وإن الأرض الإسلامية أقحطت في هذه الأيام من السبّاقين وأهل الجرأة والعطاء والاحتواء. إننا نؤمن بأن الصالحين في هذه الأمة بالملايين، ولكن الرموز غائبة لتجمع هذه الملايين على منهاج واحد، وإن القدوات تحتاج إلى تنبيه وإنذار، أفلا يخرج من الملايين أسرابٌ تكسر حواجز الجمود، وتجّدد ألوان الحياة، وترفع السقف إلى مكانه الصحيح، وتهتك أستار الاحتكار؟ ثم تقول للناس هلمّوا؟
وعندما يُسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث». فهذه نسبية واضحة بأن الخبث لا يكثر إلا في قلة وضعة وغياب من الصالحين وقلة اكتراث، ولن يهلك الصالحون بمجرد كثرة الخبث بل بعدم وقوفهم أمام هذا الخبث بالإصلاح والتطهير والحدّ من انتشاره، وهذا منصوص عليه في الكتاب والسنة، وهو ما وقع للأنبياء من نجاة عند إهلاك أقوامهم.
إن كثرة الصالحين وانتشار الرموز وتكتّل النخب الإسلامية صمام أمان لهذه الأمة من الهلاك والذل والضياع وما حدث من خير في تاريخ أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فليس وراءه إلا الصالحون من حكام وعلماء وقادة وأولياء.
ليس هناك من يشك في حفظ الله لهذه الأمة وأن هذه النخب والرموز قادمة لا محالة، وعبق أريجها ينتشر الآن من بين الدماء والأنقاض والجراح ولكن ألا نطمح أن نكون منهم وفيهم؟ ألا يوجد عندنا أو بيننا من يتطلّع إلى أن يكون في صفوف السابقين؟
{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَاماً}.
http://www.islameiat.com المصدر:
============
آداب الدعوة
كان هناك غلام يهودي يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمرض الغلام يومًا فذهب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - يزوره، فقعد عند رأسه، وقال له: (أسلم). فنظر الغلام إلى أبيه، فقال له أبوه: أطع أبا القاسم. فأسرع الغلام قائلا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله. فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فرحًا مسرورًا بإسلام الغلام، وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) [البخاري].
***
أمر الله - عز وجل - المسلمين بالدعوة إلى الإيمان به وعبادته، فقال - سبحانه -: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} [آل عمران: 104].
وقال الله - تعالى -مبينًا فضل الدعوة إليه: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين} [فصلت: 33].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله) [مسلم].
وللدعوة إلى الله آداب يتحلى بها المسلم، منها:
إخلاص النية: الإخلاص هو السر في نجاح الداعي إلى الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) [متفق عليه].
الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة: المسلم - في دعوته غيره - يستخدم الكلمة الطيبة، ويبتعد عن الفحش والتفحش، قال - تعالى -: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125].
الفهم الجيد للدين: لا بد أن يكون الداعي إلى الله على علم بأحكام الدين، ولكي يتحقق له ذلك فيستحب له حفظ القرآن الكريم، ومن أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - قدر ما يستطيع حتى يستدل بها في دعوته، يقول - تعالى -: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} [يوسف: 108].
القدوة الحسنة: الداعي قدوة لغيره، ولذلك عليه أن يحرص على العمل بما يعلم، وأن يتخلق بما يدعو إليه وإلا كان ممن قال الله فيهم: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} [البقرة: 44].
واحذر أن تكون ممن قال الشاعر فيهم:
يا أيهَا الرَّجُُل المعلِّمُ غَيرَه *** هَلا لِنَفسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيم
فلابد أن يكون الداعي طيب الأخلاق، حسن السيرة. وقد جاء رجل إلى السيدة عائشة -رضي الله عنها- فسألها: ماذا كان خلق رسول الله؟ فقالت: كان خلقه القرآن [مسلم]. أي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتصف بكل صفات الخير التي يدعو الناس للتمسك بها من خلال آيات القرآن الكريم والسنة النبوية.
وليحذر الداعي من الانسياق في المعاصي مع الناس، ويبتعد عن مواضع التهم والشبهات، قال - صلى الله عليه وسلم -: (..فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل مَلِك حِمَى، ألا وإن حِمَى الله محارمه) [مسلم].(14/290)
البعد عن مواضع الخلافات: الداعي يبتعد عن مواضع الخلاف ما وسعه ذلك، فيتحدث إلى الناس في الأمور المتفق عليها، حتى لا يتعرض للدخول في جدال لا طائل تحته، أو لرياء يُذهب ثواب عمله.
البدء بالأهم: الداعي إلى الله يتدرج في دعوة الناس، فيدعوهم إلى الفرائض قبل السنن، ويدعوهم إلى الأمور الواجبة قبل الأمور المستحبة.
بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل إلى أهل اليمن، فقال له: (إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله - عز وجل - فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تُؤْخذ من أغنيائهم، فَتُردُّ على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوقَّ كرائم أموالهم (لا تأخذ أفضلها عندما تجمع زكاة أموالهم) [مسلم].
الرفق واللين: المسلم يدعو غيره بالرفق واللين، قال - تعالى -: {ولو كنتم فظًا غليظًا لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159] وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه) [مسلم وأبو داود].
الذكاء والفطنة: المسلم ذكي وفطن، يعرف كيف يدعو الناس إلى الله، وكيف يتحدث إليهم ويقنعهم، وهو دائمًا يختار الوقت المناسب لدعوته.
فهم شخصية المدعوّ: الداعي إلى الله لابد أن يكون بصيرًا عارفًا بمن يدعوه فيتفهم شخصيته، ويحسن الطريقة التي يدعوه بها، وما يناسب شخصًا قد لا يناسب شخصًا آخر. ومن الأفضل للداعي أن يعرف شيئًا عن ظروف المدعو الاجتماعية.
مخاطبة الناس على قدر عقولهم: المسلم إذا دعا غيره كان عليه أن يراعي حاله ومستواه، فمن الناس من يناسبه الكلام الفصيح، ومنهم من يناسبه الكلام البسيط المفهوم، قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذَّب الله ورسوله) [البخاري].
البدء بدعوة الأهل والأقارب: المسلم يبدأ بدعوة أهله وأقاربه، قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6]. ويقول - تعالى -: {وأنذر عشيرتك الأقربين}. [الشعراء: 214]. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ابدأ بمن تعول) [الطبراني].
عدم اليأس: الداعي إلى الله لا ييأس إذا صادف رفضًا ممن يدعوه، فعليه أن يدعو ويترك أمر الهداية إلى الله، قال - تعالى -: {إنك لا تهدي من أحببت والله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} [القصص: 56].
http://www.tihamah.net المصدر:
=============
تنظيم العمل الخيري في داخل الأحياء
أكثرنا يحب الخير.. ويحاول أن يعمل خيرا.. لكن جهودنا تبقى بلا تنظيم.. ويغلب عليها طابع العفوية... ولاشك أن عمل الخير حسن، لكن العفوية أو قُل الفوضى في التنفيذ إن شئت تفقد أعمال الخير كثيراً من فاعليتها فمثلاً:
أغلبنا يتصدق على من يظهر له أنهم محتاجين. وهذا أمر طيب ولاشك؛ لكن لو حصرنا من في الحي من المحتاجين، وتأكدنا من صحة كونهم في حاجة للمساعدة ثم نظمنا لهم مبلغاً من المال شهرياً يقيهم السؤال والتعرض للناس خاصة الأرامل والأيتام، أما كان أفضل من الفوضى التي قد تجعل الصدقة في يد من لا تحل له؟
فما أكثر الذين يطلبون الصدقة وهم لا يستحقونها، وكم رأينا من المحتالين الذين يدَّعون الفقر أو المرض أو الدَين كذباً وزوراً ليستدروا عطف المسلمين ويأخذوا أموالاً لا تحل لهم، بينما يبقى المحتاجون حقاً خلف الأبواب لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.
يمنعهم العجز عن الخروج لطلب المساعدة إما لكبر سن أو صغر ه أو لكون المحتاج أرملة تخشى على نفسها من الخروج والتعرض لهذا وذاك.
وكثيرٌ منهم ممن قال الله - تعالى - فيهم:
(لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ). (البقرة: 273)
فالأرملة مثلاً ليس بإمكانها عادة أن تخرج لتطلب من الناس المساعدة، وكثيراُ ما يكون في خروجها مشقة عليها، بل قد يتعرض لها من لا خوف لله في قلبه بشيء من الأذى.
فمِثلُ هذه تحتاج أن تصلها مساعدة من أهل الخير شهرية وهي في بيتها تستطيع معها أن تقر في بيتها بعيداً عن أعين الفساق.
و تستطيع أن تعيش حياة طبيعية كبقية أفراد المجتمع المسلم بدلا من الخروج يومياً في رحلة للبحث عن أهل الخير.. لمساعدتها..
إذا علمت هذه المرأة أنه سيأتيها في يوم محدد من كل شهر مبلغاً كافياً على الأقل لحاجاتها الضرورية. اطمأنت نفسها وتوجه تفكيرها إلى الحفاظ على أبنائها وتربيتهم تربية إسلامية بدلاً من الخروج في كل يوم للبحث عن المال. وترك الأولاد بلا رعاية.
بل إنَّ في قرارها في بيتها حفظاً لكرامتها وكرامة أولادها، فلا يشعر الطفل أو الطفلة ولا أمهما أنهم عالة على المجتمع ولا يجد الطفل أو الطفلة في المدرسة من يعيِّرهما بفقرهما وأنهم يحتاجون إلى ما في أيدي الآخرين.
ولا يخفى ما يورثه مثل ذلك الإحساس بالمهانة من انحراف نفسي قد يؤدي إلى انحراف في السلوك.
ثم إن رب أو ربة الأسرة المحتاجة - وكلنا محتاج إذا علمت أن هناك مرتباً شهرياً محدداً لها أو أنها كُفِيَت مؤونة سد الحاجات الضرورية للبيت استطاعت أن توازن بين مصروفاتها و دخلها الشهري بشكل يحقق توازناً داخل المنزل ويهيئ لحياة كريمة مستقرة مثل بقية الأسر في المجتمع.(14/291)
وما كل الأُسر المستقرة معيشياً في المجتمع ذات دخل مرتفع ولا متوسط لكن من أسباب استقرارها أنها عرفت كم يدخل عليها شهرياً وبالتالي كم تصرف في الشهر، وكم تدَّخِرُ للطوارئ بدلاً من الحال المتذبذب بين وجود النفقة يوماً وانقطاعها أياماً.
فيبقون في همِّ ترقُّب الأيام وما تخفيه لهم.
وحتى مع وجود الجمعيات الخيرية يبقى الأمر شاقاً على كثير من الأسر لا سيما العجزة، والأرامل، والأيتام؛ فلا أقل من أن يتعاون أهل الخير في كل حي وينظموا صدقاتهم ويوجهونها الوجهة الأكثر نفعاً في المجتمع المسلم.
ولعل من الأفضل أن يتم البحث عن الأسر المحتاجة في الحي بمساعدة إمام المسجد أو أحد الدعاة في الحي، ويتم تأمين مساعدة هذه الأسر عن طريق أهل الخير في الحي أو خارجه على أن يُعَرَّف المتبرع بهدف المساعدة وكيفيتها وأن المطلوب منه هو مساعدة شهرية مستمرة على حسب استطاعته فبعضهم يتبرع بمائة ريال وآخر بخمسين ريال وآخر بمأتي ريال والحصيلة يقوي بعضها بعضاً، ويكفي أن المتبرع ملتزم بهذا المبلغ شهرياً مما يسهل على اللجنة التي تتولى توزيع هذه المساعدات على الأسر ضبط عملها في ضوء مايأتيها من مساعدات.
وبإمكان هذه اللجنة التي توزع المساعدات أن تتكفل بإحضار الحاجات الضرورية للأسرة التي يصعب عليها ذلك بدلاً من أن تعطيها المساعدة كلها نقوداً؛ فبعض الأسر يصعب عليها إحضار بعض الحاجات الضرورية كأكياس الرز والسكر والدقيق واسطوانة الغاز و نحو ذلك. فتلتزم اللجنة بإحضار هذه الأشياء من المساعدة، وبإمكان اللجنة أن تتفق مع أحد مراكز بيع الجملة على الحصول على المشتريات من عنده بسعر مخفض، خاصة إذا علم صاحب المتجر أنها ستذهب في عمل خيري، ويكون ذلك في صالح توفير سيولة مالية أكثر لتلك الأسر.
ولعله من الأفضل أن يتولى إمام المسجد وبعض الأعضاء في اللجنة توصيل هذه المساعدات إلى الأسر لما في وجود إمام المسجد من دفع لكثير من الظنون التي قد تأتي لبعض الناس.
و الله أعلم وصلى على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
http://www.saaid.net المصدر:
============
أولئك أهل الله والصفوة الملأ
علي العمري
تحتاج كل قافلة تسير عبر الصحراء القاحلة والطرق المقفرة إلى الدليل والمرشد الذي يهديها السبيل، ويعرفها أماكن الخطر. فلا يسمح للقافلة أن تستريح في هذا المكان الخطر لكي لا تؤذى أو يسلب ما معها من خيرات فتهلك في مهاوي الصحراء.
وقد يدرك مرشد القافلة بثاقب بصره، ونور فراسته، من خلال بعض المؤشرات والإرهاصات أموراً قد تنفع القافلة فيحثهم حينئذ على سرعة الانطلاق. وقد تكون أخرى ضارة كزوبعة رملية لربما تدوم فترة في المنطقة التي سيرحلون إليها فيهدّئ من سير القافلة.
وهكذا، فإن طريق الدعوة يحتاج إلى هذا الصنف من البشر، والذين اشترط فيهم الشيخ الزاهد شاه بن شجاع الكرماني جملةً من الصفات بقوله: "من غض بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشهوات، وعمّر باطنه بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنة، وعوّد نفسه أكل الحلال لم تخطئ له فراسة". وقوم يتصفون بهذه الصفات الصعبة على النفوس، يستحقون أن يكونوا من أهل الله الذي لا يخيب سعيهم ويتولى الله حمايتهم، وينفع بسببهم القافلة عن طريق فراسة يتفرسها فيفتح لهم باب خير لم يعرفوه، أو يحذرهم من خطر لم يتوقعوه!.
ألا ما أشد حاجة رجال العمل في الدعوة إلى أمثال هؤلاء المصطفين.ولتكن تلك الصفات التي دعا إليها الشيخ الكرماني ضمن منهج التربية العملي الأساسي لجيل الدعوة.
http://www.islameiat.com المصدر:
============
لست بعيدة عنهم . . !
تنظر العيون بإعجاب شديد إلى القابضات على الجمر في فلسطين والعراق (وغيرها من ديار الجهاد ضد المعتدين) ممن قدّر لهن أن تكون زوجة أو أختا أو أما لأحد الأبطال المجاهدين..عندما نتابع حوارا مع إحداهن عبر إحدى وسائل الإعلام، أو نسمع مقالاتهن عندما يبشّرن باستشهاد ذويهن، نتذكر الخنساء، ونوقن أن في مشارق الأرض ومغاربها كثيرات مباركات أمثالها؛ ذابت مرارة الأسى في قلوبهن لما امتلأت يقينا بالله - تعالى -وحبا لإعلاء كلمته ونصرة دينه!
لكن (والسؤال لكل مسلمة): متى تتجاوزين الإعجاب المجرد إلى التأسي؟
قد تسألين: كيف وحالنا غير حالهم؟!
بل لست بعيدة عنهم يا أخت الإسلام.. هم على ثغر اختاره الله لهن، وأنت على مثله اختاره الله لك، يجمعكما دين واحد وغاية واحدة ورسالة واحدة؛ فرابطي في ثغرك بحسن القيام بمسؤوليتك في بيت زوجك، وتربية أطفالك على شرائع الدين وآدابه وأخلاقه.. ونصح أخواتك المسلمات بكل خير.
كوني داعية في مجالس النساء إلى الفضيلة، وانهي عن المنكر، وحببي أخواتك في الدين وأعينيهن على أنفسهن والشيطان..
كوني عالية الهمة؛ فلست بعيدة عن هذه النماذج الفذة، فلك مثلهم سمع وبصر وفؤاد، فلا ترضي بالدنية، بل كوني صانعة للصالحات؛ يكتب لكِ مثل أجورهن وأجور من يدعونهن إلى يوم القيامة بإذن الله.
نعم.. بإمكانك أن تصنعي الكثير.. فقط أخلصي النية للمولى القدير، وسليه التوفيق، وارفعي غشاوة الغفلة عن عينيك؛ تنفتح أمام ناظريك آفاق الخير والطريق إلى سعادة الدارين!
24/10/1425هـ
06/12/2004 م
http://www.lahaonline.com المصدر:
============
الحج فرصة دعوية
محمد بن عبدالله الهبدان
أيها الأخوة الأكارم: استمعوا إلى هذه الأرقام:
عدد المشاركين في أعمال النظافة في المشاعر المقدسة أكثر من اثنين وعشرين ألف عامل، وهذه نسبة ولله الحمد يشكر المسؤولون عليها.
فالعناية بنظافة المشاعر أمر في غاية الأهمية حتى يؤدي الحاج منسكه في أماكن نظيفة وسليمة.(14/292)
وعدد المشاركين في الأعمال الصحية والإسعافات الأولية تسعة آلاف وخمسمائة عامل هؤلاء غير القطاعات الخاصة كوزارة الدفاع والحرس وغيرها من القطاعات وهذا أيضاً مطلب مهم لخدمة حجاج بيت الله الحرام، والعناية بصحتهم، والمحافظة عليها.
بقي علينا أن نعرف أيها الأكارم ما هو أهم من ذلك كله..نعم أهم من ذلك كله!!
لأن هؤلاء الحجاج ما قدموا لهذه البلاد من كل فج عميق، من أجل الحرص على صحتهم؟!! كلا؛ ولا من أجل العناية بنظافة أماكنهم..ولكنهم قدموا لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام.. قدموا استجابة لنداء الله - تعالى -.. ورجاء أن يعودوا وقد غفرت لهم ذنوبهم.. ويرجعوا كيوم ولدتهم أمهاتهم.. لقد جاءوا من كل مكان.. جاءوا من أطراف الدنيا الواسعة.. جاءوا وقد أنفق بعضهم كل ما يملك ليقيم فرض الله - تعالى -.. جاءوا وقد أضنوا أعمارهم، و أفنوا شبابهم، لجمع ما يحتاجونه لإقامة الركن الخامس من أركان الإسلام!! جاءوا وقد تركوا عيالهم، وبذلوا جهدهم، وتكبدوا مشاق السفر، ومتاعب الحلّ والترحال، والنزول والانتقال يرجون رحمة ربهم والفوز برضوانه!!
نعم لقد جاءوا وقد كانوا ينتظرون هذه الفرصة بأحر من الجمر، وقد رأيناهم وهم يبكون فرحاً وشوقا لرؤية بيت الله الحرام.. رأيناهم والدموع تنهال من أعينهم.. رأيناهم وفي صدورهم أزيز كأزيز المرجل من البكاء.. هؤلاء الذين قدموا إلينا.. يا ترى كم سخرنا لهم من الدعاة إلى الله - تعالى -؟ كم من الموجهين والناصحين هيأنا لهؤلاء؟!! كم من العلماء وطلبة العلم نحتاجه لتقييم سلوك هؤلاء، وتفقيههم في دينهم، وتعليمهم هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - في حجه ونسكه.
ضع يدك على قلبك، حتى لا تُصدم بهذا الرقم.. نعم ضع يدك على قلبك؛ لأنها والله مأساة عظيمة أن يحدث مثل هذا.. أتعلم كم عدد الدعاة التابعين لوزارة الشؤون الإسلامية لأداء الإرشاد والتوجيه لحجاج بيت الله الحرام في العام الماضي فقط مائة وسبعون داعية!! وإذا أضفنا الدعاة الآخرين.. والذين يتبعون قطاعات أخرى كالحرس ونحوه يبلغ عددهم حوالي سبعمائة داعية!! عمال النظافة أكثر من اثنين وعشرين ألفاً!! والدعاة إلى الله - تعالى - الذين هم من ينيرون الطريق للناس فقط سبعمائة داعية!!
ومع هذا العدد الضخم من عمال النظافة نرى في المشاعر من الأوساخ والقذر الشيء الكثير.. بمعنى أن هذا العدد الضخم لم يكف لتغطية العمل المطلوب.. فكيف بسبعمائة داعية.. قل ألف داعية! قل ألفين داعية.. فماذا يصنع هؤلاء مع هذه الأعداد الضخمة؟!!
أيها المسلمون: مليونا مسلم قدموا من كل فج عميق يسخر لهم فقط هذا العدد؟!! مليونا مسلم يتعطش معظمهم للكلمة الطيبة، والتوجيه السليم، والمحاضرة الهادفة ومع ذلك نستقبلهم بمثل هذا العدد اليسير؟!!
مليونا مسلم فرصة سانحة وغنيمة باردة.. فلا يحتاج إلى تذاكر سفر ولا تأشيرات دخول، ولا قيمة السكن في الفنادق، ولا مصروفات المآكل والمشارب ومع ذلك نفرط في هذا الخير العظيم.
أيسركم يا أهل التوحيد أن يرجع هؤلاء بمثل ما جاءوا به ؟!! أيسركم يا أهل الإيمان أن يعود هؤلاء ولم نصنع لهم برامج مفيدة، ترسخ فيهم معاني التوحيد الخالص، وتوضح لهم حقائق الإيمان، وتبين لهم بجلاء نواقضه ؟!! أيسركم يا أهل الإسلام أن يعبث الأعداء بعقائد المسلمين المستضعفين فلما قدموا إليكم تخاذلتم في تعليمهم مسائل الاعتقاد؟!!
أيها الأخوة في الله: إنها مسؤولية الجميع في استغلال هذا الموسم العظيم للدعوة إلى الله - تعالى -، إننا نتحمل مسؤولية هؤلاء الذين قد غٌرر بهم في بلدانهم، وقد ضمرت هوية الإسلام من بعضهم، وأصبحت عبادات بعضهم حركات وتمتمات تؤدى بصورة رتيبة بدون خشوع ولا خضوع، ولا استشعار لعظمة هذه العبادات، ومن ثم لا أثر لها في واقع الحياة، مسؤوليتنا في وضع برامج مفيدة، مسؤوليتنا في التخطيط المسبق لكيفية استثمار هذا الموسم!! مسئوليتنا أن نتبنى وضع لجان على مدار العام لوضع مقترحات ووسائل جديدة لهذه الأعداد الغفيرة!!
هذا الموسم العظيم.. وهذا الجمع الغفير.. تصور لو كان للنصارى هل كانوا سيفرطون به مثل ما فرطنا نحن؟!! تصور لو كان الذي يتولى أمره الرافضة هل يتصور أن يحصل عندهم العشوائية في العمل والفردية مثل ما نفعل؟!! تصور لو كان الذي يتولى شأنه الصوفية، هل يتصور أن تكون أعمالهم في الحج فوضوية؟!!
إذا كان الرافضة والصوفية قد استغلوا هذا الموسم بكافة الوسائل الممكنة، فماذا قدمنا نحن؟!! لقد اشتكى رجال الجمارك من كثرة الكتب والنشرات التي يحضرها الرافضة من بلادهم لنشرها في المشاعر؟!! لقد بلغ بهم الحرص على الدعوة لباطلهم أن يأتوا إلى رجال الأمن ليدعوهم إلى مذهبهم الباطل؟
يا دعاة الإسلام.. يا حملة الشريعة.. يا طلبة العلم.. الله الله في الأمانة التي حملتم إياها.. الله الله في تبليغ دين الله - تعالى -للناس.. فقد رأينا عامة السائلين في كل واد يهيمون، للبحث عن من يحل إشكالاتهم، ويجيب على استفساراتهم.. الله الله في تربية الناس على دين الله - تعالى -، وإذكاء روح الحماس لديهم للعمل به، والدعوة إليه، والذود عن حياضه.
إلى متى يا دعاة الإسلام يظل الواحد منا متقوقعاً على مجموعة من طلبة العلم، في إحدى الحملات ليتحول الاجتماع فيها.. إلى اجتماع للمؤانسة والمحادثة والخلطة!! في وقت يحتاج فيه إلى كل وحد منهم حاجة جد والله ماسة.(14/293)
إلى متى يا طلبة العلم تنفق الساعات الطوال في مطارحات علمية كان لها موقع غير هذا الموقع، وربما ثارت معركة داحس والغبراء في جدل فقهي حول مسألة فرعية، وكأنه لم يسبق أن اختلف فيها مالك والشافعي، ولا أحمد وأبو حنيفة - رحمهم الله - تعالى -.. إلى متى يا حملة الشريعة يظل هم الواحد منا نقل الأخبار فيما جرى له من الزحام، وإضاعة الأوقات بالكلام.. في وقت يتطلع الحجاج فيه إلى هاد يهديهم.. ومفت يفتيهم.. ومرشد يرشدهم.
أيها الأخوة في الله: إن حديثي مع العلماء وطلبة العلم لا يعني خروج غيرهم من المسؤولية والمساءلة.. فكل من عنده طاقات وإبداعات فهو مطالب أن يخرجها في هذا الموسم.. فمن كانت عنده قدرة علمية، فهو مطالب بأن يلقي الدروس العلمية، ويفتي للناس، ويبين لهم أحكام المناسك، وما يجب عليهم، وما يحرم عليهم فعله.
ومن كانت عنده قدرة وعظية فيذهب إلى الحملات وتجمعات الناس في المساجد لتذكيرهم بالله - تعالى -، ويحثهم على تقوى الله - تعالى -والتمسك بدينه، والمداومة على ذكره واستغفاره، ويحثهم على الاجتهاد في الدعاء والتضرع والمناجاة لله - تعالى -، ويحثهم على اجتناب أذية الناس وحفظ اللسان، والإحسان إلى الخلق ونحو هاتيك الموضوعات.
ومن كانت عنده خبرة في المشاعر والأماكن فيخرج للناس ليرشد الضال، ويهدي الحيران، ويوصل الشيخ الكبير إلى مكانه. عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إياكم والجلوس بالطرقات قالوا يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها قال فأما إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه قالوا وما حقه قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متفق عليه، وقد زيد على هذه الخمسة المذكورة ـ زاد أبو داود ـ وإرشاد ابن السبيل وتشميت العاطس إذا حمد الله ـ وزاد سعيد بن منصورـ وإغاثة الملهوف ـ وزاد البزارـ الإعانة على الحمل ـ وزاد الطبراني ـ وأعينوا المظلوم واذكروا الله كثيرا.
ومن كانت عنده قدرة مالية حتى ولو لم يحج فإنه يستطيع أن يساهم بماله في الدعوة إلى الله - تعالى -فيعطي المؤسسات الخيرية أو من يثق بهم من الدعاة إلى الله - تعالى -لشراء الكتب النافعة، و الأشرطة المفيدة، ومن ثم توزيعها على حجاج بيت الله الحرام، أو أن يتبنى مجموعة من الدعاة إلى الله ليقوموا بدعوة بني قومهم فيتكفل بنفقة حج بعض الدعاة من أفريقيا أو من إندونيسيا أو الفلبين أو غيرها من بلاد المسلمين فينسق مع مكاتب الدعوة في الداخل حتى يتم تفريغ هذا الداعية ليقوم بإلقاء المحاضرات والدروس هناك.
ومن كانت عنده قدرة بدنية فيقوم بتوزيع الطعام في أماكن المشاعر المختلفة، ويسقي الحاج، ويعين المسكين، ويساعد أهل الخير في توزيع الكتب والأشرطة على الناس، ويا حبذا لو نسق هؤلاء مع المؤسسات الخيرية
ومن كانت عنده قدرة على التنسيق مع الدعاة إلى الله - تعالى - فليستعن بالله - تعالى -، فينسق مع أصحاب الحملات، على أن يعد لهم محاضرات تربوية، أو دروسا علمية لبعض العلماء والدعاة إلى الله - تعالى -، فيكون مفتاح خير للناس، ومشعل هداية.
ومن كانت عنده خبرة في شبكة الإنترنت فينشر فيها ما يتعلق بأحكام الحج ويجمع المقالات المفيدة في هذا الموضوع ويطرح بعض الأفكار الدعوية، سواء كان ذلك باللغة العربية أو بغيرها من اللغات، ولا ننسى أن نشكر الأخوة القائمين على بعض المنتديات على تخصيصهم بعض المنتديات للحج وما يتعلق به وما ذاك إلا لشعورهم بأهمية هذا الركن العظيم فنسأل الله - تعالى -أن يوفق القائمين عليها
ومن كان منا يحسن اللغات الأجنبية فينبغي أن يكون صلة بمن يحجبنا عنهم حاجب اللغة فيحادثهم، ويخاطبهم بلسانهم (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)(ابراهيم: من الآية4) خاصة إذا علمنا أن بعض طلاب الدنيا من أصحاب الحملات الخارجية يسعون للتأكل والانتفاع وتحقيق مزيد من المكاسب الدنيوية على حساب إخلال الحجيج بنسكهم واستمرار جهلهم بدينهم وتخلفهم.. فتشعر بثقل التبعة، وعظم المسؤولية.
ولذا من استطاع أن ينسق مع وزارة الشؤون الإسلامية في ترتيب البرامج الدعوية لهذه الحملات فقد فعل خيرا كثيرا، يقول الله - تعالى -: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: من الآية125) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
أيها الأخوة في الله: إننا لا ننكر الجهد المشكور الذي يبذله العلماء والدعاة هناك، وما يفعله أصحاب الأموال من الإنفاق العظيم في خدمة حجاج بيت الله الحرام، ولكن مهما عظمت جهود العلماء والدعاة في هذا السبيل فلن تكفي للقيام بالحد الواجب؛ نظراً لضخامة شيوع المنكرات، وانتشار المخالفات، وعامتها نابع عن جهل وقلة معرفة، لا عن سوء نية وخبث طوية، ولذا فلا بد من قيام كل حاج رأى تركاً لواجب أو مواقعه لمحرم بدوره في هذا السبيل، امتثالا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه البخاري ومسلم، فكن يا رعاك الله ممن يغضب لله إذا انتهكت محارمه، ويسعى بصدق لإحياء هذه الفريضة الغائبة فإنه: " من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء "رواه مسلم.(14/294)
وهكذا كان هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - في الحج فقد كان آمرا بالمعروف ناهياً عن المنكر، فعندما سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يهل بالحج عن غيره، وهو لم يحج عن نفسه قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " حججت عن نفسك؟ قال: لا. قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة "
و أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على من تأخر في الحل من الإحرام من أصحابه ممن لم يسق الهدي - رضي الله عنهم - وغضب لذلك، حتى أمرهم بالحل فحلوا فاستجابوا لذلك - رضي الله عنهم -، فحلوا وسمعوا وأطاعوا، وإنكاره - صلى الله عليه وسلم - على الفضل بن عباس عندما كان رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها، وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر.
وما أجمل والله أن يتأسى الدعاة والمصلحون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الخلق العظيم، ويجعلوا من أنفسهم قدوة حسنة للناس، في كافة الأعمال وبخاصة في موسم الحج، بحيث يكونون أسبق الناس إلى فعل الخير الذي يأمرون به، وأبعدهم عن مواقعه ما ينهون عنه، وأشدهم حذراً منه.
وأخيراً.. يا دعاة الإسلام لا تنسوا الفرصة العظيمة التي سنحت لكم بوجود المرأة المسلمة، فخصصوا لها برامج تخصها، وأحاديث توجه إليها، ولتكن عنايتكم بالتركيز على المفاهيم الخاصة والتي تعالج ما تتعرض له المرأة من هجوم فكري وتضليل يمارس عليها على المنابر الإعلامية المختلفة.
26/11/1425 هـ
7/1/2005م
http://alhabdan.islamlight.net المصدر :
===========
تجربتي في التحرك بالقرآن
سمية رمضان
هي دعوة عملية للتعامل مع القرآن العظيم بشكل تطبيقي وبنظرة تغير كل شيء في حياتنا لما يحب الله ويرضى، دعوة لنعيش جنة الدنيا، دعوة للتعامل مع آيات القرآن الكريم بشكل عملي تطبيقي فلا نكتفي بمجرد تلاوته ثم حبس آياته بعد ذلك بين دفتي المصحف، دعوة لإخراج الآيات لتثير القلب فينبض بها، فتتحرك بها الجوارح.
أي: نتحرك بالقرآن، فعندها سيكون كتاب الله ربيعاً للقلب وذهاباً للهم وجلاء للحزن.
سنتكلم عن تجربة حية واقعية اشتركت فيها مجموعة من النساء تم توجيههن وتدريبهن على كيفية التطبيق العملي لآيات القرآن الكريم، وكانت نتائج هذه التجربة ناجحة جداً وذلك من واقع روايات النساء أنفسهن وكيفية تعاملهن مع الآيات.
جاءتني دعوة كريمة من قرية ليست ببعيدة عن الحضر، فهي تعتبر في قلب العاصمة، ولكن لها مواصفاتها ومعتقداتها الخاصة التي تتشابه مع كثير من القرى التي تقع في المنطقة الجنوبية من البلاد، سعدت بهذه الدعوة كثيراً، فهي فرصة قد منحها الله لي للتعرف عن قرب على نساء هذه القرية، حيث إني أعتبر أن المرأة هي مرآة البيت، منها تستطيع أن تستشف بشكل قريب من الحقيقة أهل هذا البيت، فتخرج بانطباع جيد عن أهل القرية ككل بمعرفة نسائها عن قرب.
لم أبحث عن المكان كثيراً، فقد كان المسجد في القرية يعرفه الجميع، وبعد تحيتي لمالك هذا البيت توجهت ببصري إلى الحاضرات، فوجدت عدداً فوق ما تصورت حضوره، ولاحظت فرحة تظهر جلياً على وجوه الحاضرات، كما لاحظت أواني الطعام بأصنافه المحددة في صحبة هؤلاء النسوة، بالطبع لفت نظري ما رأيت. وعند استفساري عن ذلك قالوا لي: إنه مولد سيدنا فلان، وهو المدفون عن يمينك، بسرعة لمح بصري الضريح، قلت لأخواتي برفق: وماذا تفعلن في هذا اليوم؟ قالوا: إنه يوم ننتظره من العام إلى العام، نذبح فيه الذبائح ونُعد ما ترين من أطعمة محددة خصيصاً لهذا اليوم، ونسأل شيخنا أن يحقق لنا الدعاء.
هالني ما سمعت، أو ليس هذا شركاً علنياً واضحاً قد توافرت أركانه، وأوضحت لهن ذلك، فقالت إحداهن موضحة: نحن لا نعبده ولكننا نطلب من الله إلى جواره، حيث إنه رجل مبارك ميمون ومكان مرقده هو مكان استجابة الدعاء، وأخذت توضح لي هذا الأمر وكأنها تريد أن تزيل جهلي، توقفت عن الجدال وبدأت الدرس، فوجدت آية من آيات الله تُلح عليَّ أن أتناولها وأشرحها مع توضيح كيفية التحرك بها، فاستسلمت لقوله - سبحانه -: "فاعبد الله مخلصاً له الدين" (2) (الزمر).
وسقت لهم مثلاً من بيئتهم، حيث قلت: لو كانت إحداكن في حاجة إلى ثور كبير يساعدها وزوجها في الزراعة والعمل، فاستدانت المال من أجل شرائه، وكانت فرحتهم به عارمة، فقاموا برعايته والاهتمام به وتغذيته ثم أرادوا أن يجعلوه في ساقيتهم يديرها ليخرج الماء فينبت به الزرع، ولكنه كان كلما اقترب منه أحد قام برفسه وقد هاج ولا يهدأ إلا مع جارهم في الحقل المجاور، ولا يرضى إلا بربطه في ساقية هذا الجار، فعندها فقط يبدأ في الدوران، وقد حاولوا مراراً وتكراراً ولكن لا فائدة، فنفس السيناريو يتكرر يومياً، ماذا سيكون رد فعلهم، حيث يرعى في حقلهم ثم هو يخدم غيرهم؟! قالت واحدة: هذا أمر عجيب ولا يستحق هذا الثور إلا الذبح أو البيع، ابتسمت لها وقلت لهن: إنه - سبحانه - لم يذبحنا ولم يتخلَّ عنَّا بل يدعونا دوماً لطاعته، فنحن نأكل من رزق الله ثم يكون نُسكنا لغيره، واحتفالنا بأعياد ما أنزل الله بها من سلطان، بل وبعضنا يعتقد أن سواه ينفع أو يضر فندعوه من دون الله!(14/295)
قالت واحدة: ولكننا لا نعبد شيخنا، فأشرت أنا إلى حيث يرقد الشيخ وقلت لهن: إن هذا الرجل لا يملك لنفسه شيئاً، فهو في أمس الحاجة إن كنتن تعتقدن صلاحه أن تدعين له الحي الذي لا يموت، أن يرحمه، إن هذا الرجل الميت إن كان يملك لنفسه شيئاً ما مات وما دفن في التراب، فانبرت إحداهن بعفوية قائلة: يا حبيبتي لقد أحببناك في الله ونخشى عليك من قولك هذا أن يُميتك شيخنا!، فنظرت إليهن جميعاً قائلة: هل سمعتن قول أختكن؟ إنها تعتقد أن هذا الرجل الميت يستطيع أن يُميت ثم تلطفت معهن في الحديث شارحة معنى الآية، وكيف كان إخلاص الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكيف كان تحركه بها، ومن ثم شرحت لهن كيف يمكنهن التحرك بها الآن جاعلين قدوتنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس أجدادنا أو آباءنا، وسألت كل أخت أن تحاول أن تتذكر موقفاً شديداً مرت به ومن نادت أول ما نادت: "وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين" (يونس: 22).
قالت أكثر من واحدة من الوهلة الأولى ننادي الله ثم نأتي بأشياء نوزعها في مقام سيدنا الشيخ وندعو عنده.
قلت لهن: هذا هو ما أردت شرحه..إن الإخلاص أن تستمري في دعائك لله ولا تستعيني بغيره، دعاء من لا يوجد في قلبه وفكره سواه - سبحانه - من دون شريك، فهو - سبحانه - قادر ولا يحتاج من يُعينه.
فمن أرادت التحرك بقوله - سبحانه -: "فاعبد الله مخلصا له الدين" (2) (الزمر: 2)، فعليها أن تصاحب مشاعرها كما هي في الوقت الذي تشعر فيه أن لا ملجأ من الله إلا إليه.
في وقت درسي المعتاد كانت المفاجأة الكبيرة حضور كثير من تلك النسوة غير مباليات بالمسافة بيننا وبينهن، رحبت بهن كثيراً وبدأن معنا التحرك بآيات وآيات من كتاب الرحمن وحين يعُدن إلى باقي نساء القرية يقمن بتعليمهن ويزلن عن قلوبهن الحجب وعن عيونهن الغشاوة، وقد ركزت على الآية التي اتفقت مع نساء القرية على التحرك بها، ومرت أشهر فسنوات وعلمت أنه لم يعد الآن في هذه القرية إلا القليلات الغافلات، وأصبح الذبح لهذا الولي الذي يعتقدونه من المحرمات.
وسأروي بعض تجاربهن طوال السنوات الماضية وكيفية تحركهن بالآية الكريمة (وهذه الوقائع حقيقية أبطالها أحياء يرزقون).
قالت إحداهن راويةً لأخوات المسجد: خرجت من غفلتي منذ سماعي للأخت الداعية ومن يومها قررت أن يكون قوله - تعالى -: "فاعبد الله مخلصا له الدين" (2) منهجاً لي، فكنت أرددها دوماً قبل أي عمل، وكذلك كنت أفعل مع من حولي سواء في قول أو فعل.
الصدقة ترفع البلاء:
وفي يوم ذهبت لزيارة مريضة كانت تعاني من آلام مبرحة لا تكاد تفارقها، أخذت أهوِّن عليها، وأدعوها إلى اللجوء إلى الله، ودفع صدقات لرفع البلاء عنها، فقالت لي المرأة المريضة: إني دفعت الكثير الكثير من الصدقات ولم أترك أحداً.. دفعت لله ودفعت لإمامنا بالقرية، بل وأرسلت صدقات إلى كل الأولياء المشهورين ولا فائدة، هنا فطنت إلى أساس البلاء.. فهذه السيدة تعاني من غفلة، أردت أن أنقذها منها.
فقلت لها: إن الصدقات لا تكون إلا لله خالصة، وما كان لغير الله لا يقبله رب العزة، ويجب أن يكون دعاؤك لله خالصاً لا تشوبه شائبة فهو الوحيد القادر على شفائك.
أسألك بالله أن تتحركي بقوله - سبحانه -: "فاعبد الله مخلصا له الدين" (2).
اسألي الله وحده وانقطعي تماماً عن سؤال غيره مع التداوي والأخذ بالأسباب، ثم توبي إلى الله واعتذري عن غفلتك واسأليه في كل وقت وألحي عليه في الدعاء ولا تجعلي أحداً يصرفك عن الله، فوعدتني بذلك، وداومت على زيارتها أذكرها بما اتفقنا عليه وهي تؤكد لي أنها ما زالت على العهد باقية، وكنت أدعو لها كثيراً في ليلي أن يشفيها من غفلتها، ليشفي جسدها، وبدأت أختي في التحسن التدريجي، فازداد تمسكها بحبل الله فقد علمت بتجربة حية كم هو قرب مجيب، وعندما أدركت ذلك بتمام شفائها، كانت كثيرة الاستغفار لما انقضى من عمرها فقد ضل سعيها وهي تحسب أنها تُحسن صنعاً.
وجاءتنا أخت أخرى وهي سعيدة مغتبطة فإن الله قد ساق لها مجموعة من النساء، وكانت سبباً رئيساً في هدايتهن.. فقد تقابلت معهن في الطريق وكن عازمات على السفر إلى العاصمة الثانية، حيث كان هناك ضالة مضلة تدعي أن لديها القدرة على عمل كل شيء من زواج الفتاة إلى حمل العاقر إلى شفاء المرضى، وكان من أصابهن الله بالغفلة يجلسن أمام منزلها بالمئات من جميع أنحاء البلاد، بل ومن العالم العربي وكن يفترشن الأرض أمام منزلها طوال الليل، لعلهن يحظين بمقابلة الشيطان في الصباح، ومن ثم روت لنا الأخت الكريمة ما كان منها ومنهن، حيث قالت: قلت لهن: هل نسيتن أم تناسيتن ما اتفقنا عليه يوم أن جاءت الأخت الداعية وتعاهدت وأنتن أن نتحرك بقول الله: فاعبد الله مخلصا له الدين (2)؟
نظرت إحداهن للأخرى وانبرت واحدة منهن قائلة: وما تعارض ذلك مع ما نود فعله؟ فهذه المرأة التي سنذهب إليها ما هي إلا سبب أما الفاعل فهو الله.
قلت لهن: ألا تدعي أنها تعلم الغيب؟ ألا تدَّعي أنها قادرة على شفاء المرضى، وزواج الفتيات، وحمل العاقر؟ فكيف يكون اللجوء إليها غير متعارض مع الإخلاص الكامل لله ويقيننا بقدرته وحده - سبحانه -؟!
قدرة واهية:(14/296)
وهذه المرأة تدعي أشياء وليس لديها العلم الذي يؤهلها لذلك فهي ليست طبيبة ليجعل الله على يديها الشفاء، أما زواج الفتيات فهذا أمر لا يستطيعه سوى الرحمن - سبحانه -، ثم تتحملن مشقة السفر وأنتن معتقدات أن هذه المرأة تستطيع أن تنفعكن فتسألنها حاجتكن وتبذلن لها أموالكن.. فهذا دليل على زيادة قناعتكن بقدرتها الواهية المدمرة بعقائد من يعتقد فيها، فعلينا أن نطرق باب الله وحده مع الأخذ بالأسباب ولن نخسر شيئاً، بل هي الإفادة الكاملة، فلا سفر ولا مال. بل هو رجاء للمولى ودعاء، ونظرت للأخت التي لها سنوات لم يتم حملها وقلت لها إني أعلم عن طبيب له تجارب كثيرة وخبرات طويلة في مثل حالتك وسأذهب معك إليه، ولكن مع الاهتمام بفروض دينك وزيادة الأعمال التطوعية خالصة لله - سبحانه -، ولتنظمي أوقاتك ولا تبخلي على نفسك بركعات قليلة في سكون الليل، قبل صلاة الفجر، مع يقينك الواثق بالله أنه قادر، وسأحجز لك بمشيئة الله عند هذا الطبيب.. ولنسم الله ونبدأ خطتنا.
ثقة بالله:
قالت: سبحان الله.. غفلت عن الآية الكريمة ونسيت ما تعاهدنا عليه، وسأحاول إن شاء الله أن أتحرك بها وثقتي كبيرة في الله واتجه بصري إلى الأم التي تريد زواج، ابنتها، وقلت لها: بالله عليك كيف كان زواجك من زوجك؟ ألم تحك لنا كثيراً عن كيفية إتمامه وكيف كنت تظنينه أمراً مستحيلاً، فكيف تلجئين الآن لغير الله؟!
قالت: أعوذ بالله من إبليس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والحمد لله أن سخرك لنا، فكان هذا اللقاء، والله لن أذهب لهذه المرأة ما حييت وسيكون تضرعي ودعائي إلى الله.
فقلت لها: وساعدي ابنتك على برها بك وبأبيها، وعلميها تقوى الله وليكن دعاؤك لله خالصاً.
أما الأخت المريضة فقد قلت لها: أين أنت من قول الله - تعالى -: وإذا مرضت فهو يشفين 80 (الشعراء)؟
قالت لي: والله يا أخت من الآلام التي أشعر بها فإني كالغريقة التي تتعلق بقشة.
قلت لها: ولو كانت هذه القشة فيها هلاكك، فليكن تعلقك بالله فهو القادر الوحيد على انتشالك، وليكن دعاؤك لله، تحركي بصدق بقوله - سبحانه -: "فاعبد الله مخلصا له الدين" (2) (الزمر: 2). ثم اتفقت معهن جميعاً على أن نلتقي في ساعة معينة من الليل كلٌّ منا في منزلها، ولكن لقاؤنا مع الإله الواحد الأحد نرجوه ونتوسل إليه وتسأله كل منا طلبها، وقد كنت أنا في دعائي ألح ثم ألح ثم ألح على الله أن يساعدنا جميعاً على التحرك الصحيح بالآية الكريمة، وكانت العناية المكسوة برحمة الله تنتظرنا جميعاً، فإني أؤكد لكن أن الأخت التي كانت تريد الحمل معي الآن وهي التي يلتصق بها وليدها هناك، وهذه الفتاة عروس لم يمض على زواجها سوى عدة أشهر، أما هذه السيدة التي تسبح فهي التي كانت مريضة وشفاها الله بقدرته، نظر كل من كان بالمسجد بشغف شديد لمن أشارت إليهن. وبدون ترتيب منا كانت كل واحدة بالمسجد تسأل الله حاجتها ثم توالت التجارب والروايات.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
=============
للدعوة إلى الله أسرار لا يعلمها الكثيرون تعطي من يتعفف وترفع من يتواضع
شادي الأيوبي
هذه كلمات لكل من يصدع بالدعوة إلى الله، ثم يقلب ذات يوم كفيه، وينظر في أمره بعد سنين من الدعوة كما يظن فلا هو غير شيئاً فيمن حوله، ولا أضاف شيئاً، بينما يحالف التوفيق غيره خلال مدة قليلة، فترى الناس التفت حوله، واجتمعت عليه، وسمعت كلامه، فسبحان الذي مَنَّ على أفضل خلقه بمحبة الناس له، وتوددهم إليه.
الدعوة إلى الله سر
نعم الدعوة إلى الله سر، لكنها سر غير خفي، على أنه رغم وضوحه لا يُوفَّقُ إليه غير القليلين ممن توافرت فيهم صفات كثيرة، وهذه بعض أسرارها الخفية الظاهرة:
من جميل هذه الدعوة أنها تعطي صاحبها طالما تعفف، وترفعه طالما تواضع للناس، وتجعل الناس في خدمته طالما كان خادماً للناس، وكما تجعله مطاعاً مسموع الكلام طالما كان مطبقاً لما يدعو إليه، تجعل كلامه محبوباً طالما تجنب التشدق والتعجرف والكلام عن نفسه، فإذا طلب تنميق الكلام وزخرف القول، صار واحداً من خطباء الكلام يخاطب الأسماع، لكن كلماته لا تصل إلى القلوب...
الأخ الداعية.. الأخ الخطيب أو الواعظ.... اسمع كلمات تخرج من قلبٍ مشفق محب، لم يجمعه بك غير الحب لهذه الدعوة، وحب الخير للناس هذه الدعوة مدرسة عظيمة..... لا يوفق إلى دخولها إلا المخلصون، ولا يستمر فيها إلا الأشد إخلاصاً، ولا يتخرج منها إلا من لا يرون لأنفسهم أي فضل، ولا يتميز من خريجيها إلا من يرون الفضل لكل أحد من الناس إلا لأنفسهم.
كيف تعرف قدرك في قلوب الناس؟
إن من جميل الأمور أن العامة لا يخفون مشاعرهم، أو لا يمكنهم إخفاؤها، وهذا قد يكون جارحاً في بعض الأحيان، لكنه من أصدق المعايير وأوضحها، وهناك موهبة حري بالداعية إلى الله أن يمتلكها، وهي قراءة القلوب، فهي تعني فهم ما يشعر به الناس نحو هذا الداعية، هل يحبونه أم يبغضونه أم لا يبالون به؟ وذلك من خلال علامات الوجوه وزلات الألسن، فهذه من الصعب إخفاؤها.
فإذا رأيت من العامة الحب لك والتعلق بكلامك، ومحاولة تطبيقه فاعلم أنك في فضل من الله، فاسع إلى المزيد منه، بالإخلاص التام في القول والعمل.
أما إذا رأيت منهم الجفاء عنك والإعراض عن كلامك ففتش: من أنت؟ وما تقول؟ وماذا تفعل؟
بعد هذا هناك أمور جدير بالداعية الانتباه إليها تخص الدرس الخطبة نفسها منها:
إياك أن تجعل من نفسك موضوع الحديث،
فبعض الكلمات قد لا يكون مدحاً مباشراً للنفس، لكنه يفصح عن اعتداد كبير بها، وهي مزعجة للسامع، منفرة من الخطيب.
التعريض بالناس ممنوع،(14/297)
بعض الخطباء يعرِّضون بالناس أو ببعضهم بعد حوادث معينة، ويظنون أنهم ببعض المواراة لن يعرف أحد من يقصدون، فيتكلمون بكلام جارح فاضح، ويظنون أنهم يحسنون صنعاً.
لا تكلف الناس ما لا يطيقون،
لا ينبغي للخطيب أن يكون مثالياً إلى درجة السذاجة، فيطالب الناس أن يكونوا ملائكة لا يخطئون ولا يزلّون، بل إن من الحكمة والواقعية توقع الأخطاء والزلات، والتعامل معها بسمو وبعد نظر.
لا تتكلم في الهلاميات والفلسفات والكلام غير المفهوم.
ليست العبرة بطول الخطب ولا بكثرة الكلام لكن في تأثيره.
المهمة لا تنتهي بالانتهاء من الخطبة أو الدرس.
من الخطأ أن يسرع الخطيب أو المحاضر بالمغادرة بعد كلامه، فالناس لديهم حاجات وشكاوى وهموم واستفسارات، وهم معتادون أن يبوحوا بها لمن يرون من أهل الصلاح والخير.
لا تحرم من حولك من كلمة طيبة ومن بسمة صادقة،
فالكلمة الطيبة والبسمة الصادقة مفتاح تملك به القلوب، فمن كان عديم البضاعة منهما ليس له حظ في حب الناس أو التأثير فيهم.
عليك أن تصبر على أذى الناس، وتحمل شكاواهم، والسعي بينهم بالخير واعلم ان لك الأجر في الدنيا قبل الآخرة.
في الختام، الخطيب والداعية المخلص ينتظر الأجر من الله، على أنه ينال من حب الناس ودعائهم ورفعهم من مكانته وتقديمهم له، ما يجعله في خير كثير، وقد قال ابن القيم - رحمه الله - طوبى لمن بات وألسن الناس تدعو له، والويل لمن بات وألسن الناس تلعنه".
وحب الناس للمرء ودعاؤهم له من عاجل بشرى المؤمن، فنسأل الله أن يعجل لنا البشرى في الدنيا قبل الآخرة.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
============
العاصم من فتن الشهوات
عبدالله بن محمد العسكر
(لا يتفاضل الناس في مراقي الشرف والمجد، ولا تنزل الهمم وتسقط التطلعات إلا بمقدار ما تتمتع به النفوس من ضبط السلوك وقوة الإرادات). فالمرء صاحب السلوك السوي والنفس الخيرة يتجلى فيه مظهر الكرامة الإنسانية مطبوعًا على أجمل صورة من الكمال والنبل، وبسبب ضعف هذه النفس وهوانها وانسياقها خلف شهواتها ينزل المرء من سماء الإنسانية العالي ليكون أشبه بالحيوان ساقطًا مهملاً كما قال الله (أولئك كالأنعام بل هم أضل).
إن قيمة المرء: إيمانه بربه، وصدقه في مراقبة مولاه، وميزانه: نزاهته وسمعته، وشرفُه: في طهارة عرضه وبياض صفحته، وبعدِه عن كل ساقط من الفعال وخبيث من الخلال.
ومع كثرة المغريات في هذا الزمان، وتنوعِ أبواب الشر ووسائل الإغراء الشيطاني تغيرت سلوكيات كثير من المسلمين رجالا ونساء، ليس الشباب منهم فحسب وإن كانوا هم الفئةَ الأكبر بل وبعض من يوصفون بالراشدين والعقلاء ممن يفترض فيهم العقل والحكمة والتوجيه، وهي حقيقة يجب أن نعترف بها وأن الا نتجاهلها.
إنه ومع الأسف الشديد قد عمّت الفتنة وطمت، وأصابت بغبارها فئاما كثيرة من المسلمين نظرا لضخامة تلك الفتنة وبشاعتها، وفي المقابل ضعفُ الوازع وندرة الناصح وضعف الرقيب. ثمثل ذلك في صور عديدة منها:
1- السفر لبلاد الإباحية والخنا والفجور تلك البلاد التي لا تمانع من ارتكاب الحرام بل على العكس من ذلك فإنهه تَعرِض المعصية في صور فتانة ومكر شيطاني كبار. ومع أننا لا نتهم كل من ذهب إلى تلك البلاد بارتكاب ومعاقرة تلك الفواحش والموبقات إلا أننا نعجب من أقوام يظن فيهم العقل والاتزان يذهبون بأزواجهم وأبنائهم وبناتهم الذين لا يزالون في سن المراهقة فيقذفون بهم في أتون تلك الأماكن الموبوءة ليروا بأعينهم صور النساء والرجال بالألبسة الفاضحة والمناظر المخلة بالآداب.
أفلا يتقي الله ذلك الأب الذي استأمنه الله على هذه الرعية التي سيسأل عنها لا محالة في يوم تزل فيه الأقدام ويخرس فيه اللسان.
أفيجلس المسكين يربي أولاده جل العام على الفضيلة والحشمة والخلق والدين ثم يُفسد ذلك كله بسفرة قصيرة تبقى صورتها محفورة في نفوس ناشئته وفلذات كبده لا يدرى ما عواقبها؟!
متى يبلغ البنيان يوما تمامه *** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
2- ومن مظاهر الانكباب على الشهوات والرتوع في حظيرة المعصية الولع الشديد بمشاهدة المناظر المنحلة والأفلام الخليعة التي أصبحت ومع الأسف تتنافس في بثها بعض القنوات الفضائية العربية مع الأسف، ليس لملاكها هم سوى جمع الدرهم والدينار فحسب، فتراها تنشر مسلسلات الغرام والعشق، وثبث مشاهد الرقص والغناء، ولا تبال بعد ذلك في أي واد هلك الناس!!.
أجل إنهم أهل الشهوات ومروجو الرذيلة، الحريصون على إفساد عباد الله، أصحاب مشاريع الفساد في الأمة، المتفنون في إغواء المسلمين بمكر ودسائس لم يبلغها حتى الشيطان فصار الحال بأحدهم كما قال القائل:
وقد كنت جنديا لإبليس فارتقى *** بي الحال حتى صار إبليس من جندي
ولولا أن هؤلاء المفسدين وجدوا من المسلمين من يتشرب هذا الفساد ويروق له ذلك الضياع و إلا لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من التقدم الهائل في خطط الفساد والإفساد.
3- ومن مظاهر الرتوع في الشهوات والانغماس فيها التهافت غير المسبوق من كثير من الشباب على مواقع الانحلال والمنتديات المنتشرة وبكثرة على الشبكة العنكبوتية. فأصبح بعض يقضي أمام شاشاتها الساعات تلو الساعات يحرق زهرة عمره، ويضيع ماله ودينه قبل ذلك في مشاهدة الصور، والدخولِ في حوارات بين الجنسين من الشباب والشابات يندى لها الجبين، وتدمى لها قلوب أهل الغيرة والصلاح!!
وفي هدأة الليل وسكونه، وفي غفلة من الوالدين تدور تلك المحادثات والحوارات التي تسخط الباري جل في علاه. فإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.(14/298)
أيها الإخوة في الله: إن الأمر خطير، وإن الشر قد استفحل، ووقع في براثنه وشباكه أناس ما كان يظن بهم والله ذلك. وما ذاك إلا بسبب القرب من حبائل الشيطان والبعد عن حبل الواحد الديان.
فإلى من غرق في بحر الشهوة أو كاد: إن الواجب المتحتم علينا فعلُه أن نذكِّر ببعض ما يعين على الإقلاع عن تلك المعاصي التي تسخط رب الأرباب، ولعل من يسمع هذا الحديث أن يأخذ بها فيسعده الله في الدارين وينجيه من مغبة هذه الذنوب وتلك الخطايا. فمن اعتبر فذاك الظن بكل مسلم يرجو لقاء الله، ومن أعرض فأمره إلى الله، وهو الحسيب الرقيب {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء}.
مما يعين على ترك الفاحشة:
أولا: تذكر أخي حين تهم نفسك بالمعصية ربا لا يحجب بصره حجاب، ولا يغلق عنه باب...إنه العالم بالسرائر، كما أنه العالم بالعلانية، الذي لا تخفى عليه خافية، ولا يمنع بصرَه أن يكون الإنسان في قعر داره، أو أن يتدثر بلحافه، أو أن يكون في جوف البحار أو فوق قمم الجبال... كل ذلك لا يمنع من رؤية الله له، ف- سبحانه - من إله عظيم، وربٍّ لطيف خبير...
فمن علِم ذلك فليخجل من ربه وليستح منه!! كيف يجترئ على معصيته وهو يعلم أن الله يراه {ألم يعلم بأن الله يرى}؟!! {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى الطغيان
ثانيا: إن مما يعين وبشكل كبير على ترك ما حرم الله من الفواحش البعد عن مواطنها وأماكنها قال - تعالى -: (ولا تقربوا الزنا). فالحذر الحذر من الاقتراب من مقدمات الفاحشة. ومما يعين على ذلك غض البصر؛ فإن فيه راحة للقلب، وطمأنينة في النفس، وحلاوة يهبها الله لذلك الغاض لبصره طلبا لمرضاة الله، وفي الحديث القدسي وفي سنده مقال (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركه مخافتي أبدلته حلاوة يجدها في قلبه).
أما حين تطلق بصرك في الحرام فإن الحسرة لا تفارقك، والهموم لا تزايلك، ومع هذا فإنك لم تستفد شيئا من نظرك سوى الكدر والسآمة!!
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا *** لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر *** عليه ولا عن بعضه أنت صابر
ثالثا: وإن مما يعين المرء على ترك سبيل الفاحشة وطريقها التأمل فيما أعده الله لأهلها يوم القيامة، قال - تعالى -: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}.
وفي صحيح البخاري في حديث المنام الطويل وفيه أنه - عليه الصلاة والسلام - جاءه جبريل وميكائيل - عليهما السلام - قال: " فانطلقنا فأتينا على مثل التنور؛ أعلاه ضيق وأسفله واسعٌ فيه لَغَطٌ وأصوات؛ قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ فإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك ضوضوا ـ أي صاحوا من شدة الحر ـ فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟! قال: هؤلاء الزناة والزواني " فهذا عذابهم إلى يوم القيامة عياذًا بالله.
وأخرج الإمام أحمد في كتاب الزهد عن عيسى - عليه السلام - قال: (لا يكون البطالون حكماء، ولا يلج الزناة ملكوت السماء. وفي جهنم نهر يقال له نهر الغوطة يجري من فروج المومسات يؤذي أهلَ النار ريحُ فروجهم). أجارنا الله وإياكم من خزيه وعذابه.
يقول الإمام أحمد: لا أعلم بعد القتل ذنبًا أعظم من الزنا.
رابعا: من عوامل ترك الفواحش أن يتذكر ذلك المسرف على نفسه بالرتوع في لذات رخيصة عابرة، وشهوات دنيئة ليتذكرأن الموت بالمرصاد؛ بل ربما أتى الموت ذلك المذنب وهو مقيم على فاحشة والعياذ بالله، أو أمام منظر على شاشة يقلب فيها النظر فيما حرم الله ونهى عنه!!
أجل إنه موت الفجأة الذي كل يوم بل كل ساعة نسمع بأخباره. تصديقا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (إن من أمارات الساعة موت الفجأة) رواه الطبراني وحسنه الألباني.
وما بعد الموت فإنه أدهى وأمر. إنه القبر فالحشر والنشر فالجنة أو النار:
إن دنيا يا أخي من بعدها *** ظلمة القبر وصوت النائح
لا تساوي حبة من خردل *** أو تساوي ريشة من جانح
لا تسل عن قيمة المجد وسل *** عن أساليب الفريق الرابح
جلس عمر بن عبد العزيز مرة في إحدى الليالي متفكرا فبكى واشتد بكاؤه حتى قامت زوجته فاطمة فزعة من صوته فلما سألته عن سبب بكائه قال: "تذكرت منصرف القوم غدا بين يدي الله فريق في الجنة وفريق في السعير، ولا أدري مع أيهما أصير!! "
أجل إنها حقيقة لا مناص عنها!!
وما الناس إلا ميت وابن ميت *** تعجل حي منهم أو تأجلا
فلا تحسبن الله مخلف وعده *** بما كان أوصى المرسلين وأرسلا
هو الموت يا ابن الموت والقبر بعده *** فمن بين مبعوث مخفا ومثقلا
ومن بين مسحوب على حُرِّ وجهه *** ومن بين من يأتي أغرّ محجلا(14/299)
فإلى أولئك الذين استهانوا بمعصية الله وما جعلوا لله وقارا: اعلموا علم اليقين أنكم حتما ستلقون الواحد الديان في يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمال حملها وترى الناس سكارى ومل هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد!!
واعلموا أنكم لا محالة واقفون بين يدي من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. فأين المفر؟!
قال - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان فينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما عمل، وينظر عن شماله فلا يرى إلا ما عمل وينظر أمامه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة ".
وقال الحسن البصري - رحمه الله -: (إن العبد ليقف بين يدي الله فتسقط فروة وجهه حياء من الله)!!
فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله حين تشهد عليهم الأرض التي عصوا الله عليها (يومئذ تحدث أخبارها) بل ويل لهم حين تشهد عليهم جوارحهم التي تلذذوا بها في الحرام، أجل إنها تنطق وتتكلم وتخبر بما فعلوا من الحرام!
فواسوأة من عصى جبار السموات والأرضين، ويله ثم ويله!!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ - حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ - وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ -وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ -فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ}.
اللهم أجرنا من الحرام، وجنبنا الذنوب والآثام، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا...
اللهم اعصمنا من مضلات الفتن ونزغات الشياطين، وثبتنا على الحق حتى نلقاك غير مضيعين ولا مغيرين.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد،،،
http://www.saaid.net المصدر:
=============
هكذا علمنا السلف (2) الدعوة ( كن قدوة تكن داعية ):
د. يحي إبراهيم اليحي
قد يتصور أن الدعوة لا يقوم بها إلا متخصصون يحسنون الحديث ويجيدون الخطب، ويتقنون الكتابة ممن أعطاهم الله البيان والحكمة والأسلوب الحسن. ولو أدرنا النظر في تاريخنا لوجدنا إن انتشار الإسلام لم يقوم على خطب جهورية، ولا محاضرات بيانية ولا كتابات متقنة، وإنما انتشر على أيدي أناس حملوا الإسلام في ذواتهم فأصبحوا قدوات في جميع أعمالهم وعلاقاتهم وتحركاتهم ويقضتهم وسباتهم، ولو كانت الدعوة بالخطب والمحاضرات والكتابات والمقالات إذاً دعاة الإسلام قليل. ومن طبيعة البشر المتأصلة في نفوسهم أن عمل الداعية هو الباني والمؤثر في نفوسهم أكثر بكثير من خطبه ومحاضراته.
ويسعدني في هذه الحلقة أن أسوق إليك أخي الكريم بعض أقوال السلف التي تشير إلى همِّ الدعوة وأهمية القدوة.
قال تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ }
(( من صحت تبعيته للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ألبسه درعه وخوذته، وقلده سيفه، ونحله من أدبه وشمائله وأخلاقه، وخلع عليه من خلعه، واشتد فرحه به: كيف هو من أمته؟ ويشكر ربه ـ عز وجل ـ على ذلك، ثم يجعله نائباً له في أمته، ودليلاً وداعياً لهم إلى باب الحق ـ عز وجل ـ.
كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الداعي والدليل، ولما قبضه الحق ـ عز وجل ـ أقام له من أمته من يخلفه فيهم، وهم آحاد أفراد، من كل ألف ألف واحد، يدلون الخلق، ويصبرون على أذاهم، مع دوام النصح لهم، يتبسمون في وجوه المنافقين والفساق، ويحتالون عليهم بكل حيله حتى يخلصوهم مما هم فيه، ويحملوهم إلى باب ربهم ـ عز وجل ـ)).
بهذا ساد أولئك العلماء:
قال يزيد بن المنادي كان الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل: (( من أحي الناس وأكرمهم نفساً وأحسنهم عشرة وأدباً كثير الإطراق والغض، معرضاً عن القبيح واللغو، لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث والرجال بالطرق وذكر الصالحين والزهاد في وقار وسكون ولفظ حسن، وإذا لقيه إنسان سر به وأقبل عليه، وكان يتواضع تواضعاً شديداً، وكانوا يكرمونه ويعظمونه ويحبونه)).
معالم خراب القرى:
قال تعالى: { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً }
وأوجزه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ بجملة واحدة جامعة حين سئل: (( أتوشك القرى أن تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجارها على أبرارها))
معالجة الناس وتربيتهم مهما كان انحرافهم وانفراج الزاوية بينهم وبين دينهم:
قال عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ: (( إني أعالج أمراً لا يعين عليه إلا الله، قد فني عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وفصح عليه الأعجمي، وهاجر عليه الأعرابي، حتى حسبوه ديناً لا يرون الحق غيره)) وارجع إلى قصة موسى مع فرعون والبون الشاسع بين موسى كليم الرحمن وبين فرعون مؤله نفسه.
وصفة للحديث المؤثر والمربي للناس:
قال يحي بن معاذ الزاهد: (( أحسن شيء: كلام رقيق، يستخرج من بحر عميق، على لسان رجل رفيق)).
http://www.taiba.org
===============(14/300)
هكذا علمنا السلف ( 5 ) توظيف جميع الطاقات والاستفادة من جميع القدرات :
د. يحي إبراهيم اليحي
إن أي دعوة تهمل شريحة من المجتمع تعتبر ناقصة ومآله إلى الانحسار ، وقد تميزت الدعوة الإسلامية باحتوائها جميع طبقات المجتمع ، وتوظيف جميع طاقات ، فليس في المجتمع المسلم عنصر مهمل أو مبعد أو مركون مهما كان.
(( لكن قد يصح أن يقال : أنه - أي فرض الكفاية - واجب على الجميع على وجه من التجوز، لأن القيام بذلك الفرض قيام بمصلحة عامة ، فهم مطلوبون بسدها على الجملة ، فبعضهم هو قادر عليها مباشرة وذلك من كان أهل لها ، والباقون وإن لم يقدروا عليها قادرون على إقامة القادرين ، فمن كان قادراً على الولاية فهو مطلوب بإقامتها ، ومن لا يقدر عليها مطلوب بأمر آخر ، وهو إقامة ذلك القادر وإجباره على القيام بها ، فالقادر إذن مطلوب بإقامة الغرض ، وغير القادر مطلوب بتقديم ذلك القادر ، إذاً لا يتوصل إلى قيام إلا بإقامة ، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ))
كبوة الجواد وهفوة العالم لا تقدح فيه .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود ))
وقصة حاطب بن أبي بلتعة من الشواهد الصريحة في ذلك .
فيحفظ لمثل هؤلاء منزلتهم ، ويقدر جهدهم في عمل الخير ، ويحتفظ لهم بأعماله التي قدموها في نصرة الإسلام ، ولا تنبذ أعمالهم وتنكر جهودهم لزلة حصلت منهم .
التناسب بين الأعداد والكوادر
يجب أن يتناسب العدد مع الطاقة العلمية والتربوية ، ولا ينظر في قضية الحماس ، أو يعتمد على الطاقة المادية فحسب ، فما يجتمع بخطبة ينفض بخطبة !!
لا يسعى بالتطوير إلا من ذاق التعب والمعاناة :
الجالسون والخاملون لا ننتظر منهم أفكار جديدة في تطوير الأساليب والوسائل الدعوية ، ومن ظن ذلك فقد اعتمد على الأوهام والأحلام ، إن الذي لا يعيش هم الدعوة وينام ويستيقظ عليها محال أن ترد عليه أفكار في تطويرها والرفع من شأنها . (( ليست الثكلى كالمستأجرة )) .
الاهتمام بالثقات والمحافظة عليهم فهم عماد الدعوة :
وفي الصحيح : (( الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا )) .
الثقات هم صمام الأمان للدعوة ، وهم السبب الرئيس في بقائها ودوامها ، وهم المرجع عندما تعصف الفتن ، ويتساقط الناس على جنبات الطريق صرعى الفتنة .
فلا ينبغي التوسع والانفتاح قبل التأكد من وجود عدد كاف للذود عنها وحمايتها والمحافظة عليها .
الأسلوب التربوي بطيء لكنه مضمون :
إن نجاح السلف في تربية الرجال يشهد له تلك النخب العديدة التي تخرجت من تلك المدرسة ، فمجرد مطالعة لكتب التراجم ترى قائمة عظيمة من رجال تلك العصور : العلماء الربانيون ، المجاهدون الصادقون ، الزهاد المتعبدون الواعون ، رجال الحسبة ...
فهل ترى أن ذلك تم في خطبة أو محاضرة أو موعظة عابرة كلا !
لقد تخرج أولئك الأجيال من مدارس طويلة يرعاها أولئك الأفذاذ من العلماء ، ولكن الكثير يرغب عن هذا المسلك ويستعجل الثمرة .
وطريق التربية صعب ... طويل .... بطيء ... لكنه طريق مأمون ، ثابت ، مضمون .
التحسب لجميع الخطوات :
شتان ما بين سلوك العالم المربي وسلوك الفائر ، المربي له موازين محددة ، يزن ويقيس ويمحص ويستنتج قبل أن يخطو ، والفائر يغضب ويندفع ، ويتسرع ويستعجل فيتورط .
صعود الثقات رأس الوقاية :
تبوء الثقات منابر التوجيه والتعليم هو الضمان في تحقيق استمرارية الدعوة ، والنجاة بها إلى بر الأمان ، وتحقق مجتمع يلتزم بالعقيدة علماً وعملاً ، ورسم الخطوات البعيدة المدى في إصلاح الناس وتوجيههم ، مع وضوح الرؤية فيما يتخذونه من وسائل وأساليب .
كن ربانياً :
الابتداء قبل الانتهاء ، يجب حمل النفس على الطريق المستقيم ومجاهدتها على ذلك ، حتى تتأهل لإصلاح الناس والبداية بصغار العلم قبل كبارها كما قال ابن عباس - رضي الله عنهما- :
قال ابن المتكدر : (( كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت ))
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في شرح معنى : { كُونُوا رَبَّانِيِّنَ } : (( قال مجاهد : (( هم الذين يربون الناس بصغار العلم قبل كباره ، فهم أهل الأمر والنهي ... )) قال : وذلك المنقول عن السلف في الرباني .
نقل عن علي قال : (( هم الذين يغذون الناس بالحكمة ويربونهم عليها )) .
وعن ابن عباس قال : (( هم الفقهاء المعلمون )) .
قلت : أهل الأمر والنهي هم الفقهاء المعلمون .
وقال قتادة وعطاء : (( هم الفقهاء العلماء الحكماء )) .
قال ابن قتيبة : (( وأحدهم رباني ، وهم العلماء المعلمون )) .
قيل : إن الرباني منسوب إلى الرب ، فزيادة الألف والنون كاللحياني ، وقيل : إلى تربيته الناس ، وقيل : إلى ربان السفينة ، وهذا أصح فإن الأصل عدم الزيادة في النسبة ، لأنهم ( منسوبون إلى التربية )
http://www.taiba.org المصدر :
================
ماذا يمكن أن نقدم من خدمة لإخواننا ؟
الشيخ محمد بن عبد الله الهبدان
كثيراً ما يتحدث الناس في منتدياتهم ومجالسهم وحواراتهم عن ما يحدث لإخواننا في كل مكان سواء كان ذلك في فلسطين أو في أفغانستان أو الشيشان أو العراق وبالأخص في الفلوجة، الكل يشرح المأساة، وما آلت إليه أحوال إخواننا، وغالباً ما يكون السؤال: ما العمل؟ ماذا يمكن أن نقدم من خدمة لإخواننا؟
وقد كتب عن هذه القضية عدة دراسات من قبل علماء وباحثين، ودوري فيها تلخيص مقترحاتهم ودراساتهم، ومن ثم عرضها للاستفادة منها وتطبيقها قدر المستطاع.
أولا- واجبات الفرد:
* استحضار النية الصادقة واستدامتها لنصرة إخواننا في كل مكان.(14/301)
* تحري أوقات الإجابة والدعاء يومياً لإخواننا بالنصرة والتمكين.
* إبداء النصرة لإخوانهم ونشر أخبارهم وأحوالهم من خلال المشاركة في برامج البث المباشر وبرامج الفتاوى عبر الإذاعة والتلفاز ومنتديات الإنترنت.
* توزيع شريط إسلامي يخدم القضية ريعاً وموضوعاً.
* وضع حصالة منزلية باسم) حصالة النصرة)ولنتذكر قول الحبيب - صلى الله عليه وسلم -: " ما نقص مال من صدقة ". تصرف في النازلة التي وقعت.
* التحدث في جمع من الأقارب أو مجموعة العمل الوظيفي أو الأصدقاء عن الواجب نحو إخواننا.
* استخدام الرسائل الهاتفية للتذكير بالواجب نحو إخواننا.
* توصية من عرف بالعبادة والخير والصلاح بالدعاء لإخوانه.
* السعي لإنشاء أوقاف خيرية تصرف في مصرف (في سبيل الله).
* زيارة العلماء وحثهم وتذكيرهم بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه قضايا المسلمين ومطالبتهم بأداء الدور المنوط بهم، كل ذلك بأدب واحترام.
ثانياً - واجبات الأسرة:
* إثارة الموضوع وقضايا المسلمين بينهم وجعلها الهم رقم واحد في قلوبهم.
* وضع صندوق خاص للعائلة تضامناً لإخوانهم المسلمين في كل مكان.
* تذكير الأسرة بفضل النصرة للمسلمين والوقوف معهم في وقت المحن وذكر الآيات والأحاديث التي تؤيد ذلك.
* تلقين الأمهات وربات البيوت أطفالهم حب الله ورسوله، وحب الجهاد، من خلال الكتب المختارة والشعر والأناشيد المسجلة بالأشرطة وغيرها.
* إنشاء مكتبة صغيرة تشمل كتيبات ونشرات وأشرطة تتضمن موضوعات عن أحوال المسلمين وتبين واقعهم.
* إضافة عبارة أو كلمة مأثورة عن نصرة المستضعفين في العالم الإسلامي لبطاقات المعايدة والأفراح والدعوات الشخصية.
ثالثا - واجبات الإعلاميين والصحفيين والمثقفين:
* كتابة المقالات في الصحف السيارة بكل ما يتعلق بواقعهم وكشفها للناس وإثارة القضية في كل يوم.
* دعم المقالات والتقارير الصحفية بالصورة والأدلة التي توضح حجم معاناة إخواننا وما يمرون به من أزمات، فالصورة أبلغ ألف مرة من الكلمة.
* عقد الندوات والمحاضرات والمؤتمرات بخصوص قضايا المسلمين عامة والقضية النازلة على سبيل الخصوص.
رابعا - واجبات العاملين في قطاعات التعليم:
* اجعل قضية المسلمين هماً لا ينفك عنك في كل أوقاتك أو جلها.
* اصنع من طلابك محبين لنصرة إخوانهم.
* خصص وقتاً يسيرا لتوضيح النازلة التي وقعت والموقف الشرعي تجاهها واطرح الموضوع للنقاش معهم.
* اطلب منهم كتابة التعبير عن القضية النازلة.
* استخدم شريط الكاسيت والفيديو والإنترنت وكل ما توصل إليه العلم في إذكاء حب نصرة إخواننا.
* إعداد بحوث عن كل قضية تنزل بالمسلمين وكتابة تقرير عنها.
خامسا - واجبات الأئمة والخطباء والدعاة والعلماء:
* إخراج البيانات التي توضح الحقيقة وتكشف للناس الأمر، وإصدار الفتوى الشرعية في النازلة.
* أن يعطي الإمام تصورا صحيحا عن النازلة الواقعة ويوضح لهم الحقائق قدر الوسع والطاقة.
* القنوت لهم في الصلوات.
* لتكن منابرنا وسيلة لنصرة إخواننا وشرح قضاياهم لعامة الأمة.
* وضع لوحات حائطية توضح أخبار النازلة الواقعة لإثارة الاهتمام في قلوب الناس.
* إلقاء الكلمات في المساجد التي تبين الدور المنوط على الأفراد تجاه قضايا المسلمين.
سادساً- واجبات مستخدمي الإنترنت:
* توظيف استخدام قنوات المحادثة والدردشة والحوار المباشر وقنوات المحادثة غير المباشرة، من خلال برامج ساحات الحوار والمنتديات، ولا تنس مجموعات الأخبار والحوار المنتشرة على مستوى العالم، للحديث عن نصرة إخواننا.
* بادر إلى إنشاء موقع إسلامي للتعريف بالقضية وأخبارها (باللغة العربية أو غيرها)، أو على الأقل الدلالة على مثل هذه المواقع.
* توظيف البريد الإلكتروني، إذ يعد وسيلة ممتازة ورائعة النتائج، وذلك بإرسال تقارير وأخبار ودعوات.
* يمكنك أن تقدم خدمة متميزة بتقديم الأخبار ونقل البث الحي والمباشر للمقابلات والندوات والخطب الخاصة بالقضية كما يمكنك نشر مقال متميز أو موقع أو كتاب أو روابط تخدم القضية، ويمكنك نسخ مقال متميز وإرساله إلى منتديات يكثر فيها الزوار.
* إعداد الفلاشات والعروض المتميزة عن النازلة التي وقعت في المسلمين ونشرها في المنتديات.
هذه بعض الخطوات.. ويقيني أن ما عندك أكثر.. ونحن في انتظار مشاركة الإخوة والأخوات في إثراء هذا الموضوع وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
5/10/1425هـ
http://alhabdan.islamlight.net المصدر:
===========
دعاة لا يعرفون القراءة
صالح أحمد البوريني
وإن غياب هذه الثقافة سيجعل الواعظ والخطيب معزولا عن الواقع، يحلق وحيدا في أجواء خالية، ويدور في حلقة مغلقة، بعيدا عن إدراك حاجة المجتمع، وتحديد مستلزمات الإصلاح، وتحقيق رسالة الوعظ، والقيام بواجب التوعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن جماهير الأمة المسلمة اليوم تتطلع إلى خطاب إسلامي أصيل وعصري، يقبس من مشكاة الوحي، ويتابع خطوات الحياة، ويسلط أشعة الشريعة الغراء على قضايا العصر ومستجدات الأحداث ومتغيرات الواقع التي يقف المسلم إزاءها في حيرة بين القبول والرد. ويعالج كل هذه القضايا بروح من وسطية الإسلام وشموليته، وتميز منهجه في الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وتفرد قواعده الأصولية وأحكامه الفقهية في القدرة على وصف واستنباط الحلول لمشكلات الحياة البشرية كلها.
ولا شك أن هذا الخطاب لا يتأتى إلا لمن تعاهد نفسه بالتثقيف المستمر، واعتنى بالقراءة والمتابعة والاطلاع.
ضرورة القراءة:(14/302)
إذا كانت القراءة علامة على وعي الإنسان، وشاهدا على ارتقاء المجتمعات وتقدم الأمم، فإنها - لا شك - ضرورة لازمة لنخبة خاصة من الناس، وواجب أدبي وشرعي عليهم، أولئك هم صانعوا الوعي وموجهو الرأي في المجتمع.
وثمة طائفة من هؤلاء تحتل موقعا رئيسا على الحدود بين واقع توعية الجماهير ومستقبل هذه التوعية، ألا وإنهم الخطباء والوعاظ، سواء منهم من كان يعمل تحت المظلة الرسمية للدولة ومن كان عمله تطوعيا مستقلا.
ذلك أن طبيعة الواجب وقداسة المهمة التي يضطلع بها من تصدى للوعظ وانبرى للخطابة تفرض عليه أن يكون بصير القلب منفتح اللب. فصاحب القلب المبصر والعقل المستبصر أقدر على تشخيص العلة ومعرفة دوائها واتخاذ أفضل الوسائل لعلاجها.
ثقافة الواعظ والخطيب:
وإزاء ما تعانيه الأمة من جهل بالإسلام، وبُعد عن تمثل روحه وفهم رسالته وتخلف عن الالتزام بمنهجه الشرعي والأخلاقي في الحياة، إضافة إلى حجم التحديات القائمة في وجهه، وشراسة الحرب المعلنة عليه؛ إزاء ذلك كله، فإن ثقل الواجب الملقى على عاتق الدعاة إليه، ومنهم العاملون في الخطابة والوعظ في المساجد، يزداد ويكبر ليوازي حجم تلك التحديات الجسيمة والحرب اللئيمة؛ وهو ما يستدعي ألا تنحصر ثقافة الداعية المسلم في حدود التحصيل الأكاديمي للعلم الشرعي فحسب، وإنما تتجاوزه إلى حفظ القرآن الكريم، وما أمكن من الحديث النبوي الشريف، وإتقان اللغة العربية، والإلمام بثقافة العصر والاطلاع على ما أمكنه من علوم زمانه، ليكون ذلك كله مكملا لثقافته الشرعية، ومعينا على استكمال متطلبات القيام بواجب الوعظ والإرشاد والدعوة إلى الإسلام العظيم.
وكما أن التحصيل الشرعي كان بالقراءة، فإن إتمام دور هذا التحصيل، وإكمال دائرته حتى يشرق نوره على كل ما حوله لن يكون إلا بنشاط واجتهاد ووسائل تشكل القراءة واحدة من أعظم قواعدها وأمكن أسسها.
فلن يملك الواعظ والخطيب أن يكون معالجا للواقع المريض إلا بمعرفة أمراضه وكشف أسبابها ووصف أدويتها، ولن يكون مصلحا في الناس ولا مؤثرا في نفوسهم ولا مغيرا في سلوكهم إلا بالعلم والحكمة والوعي؛ تلك التي تجتمع في إطار ثقافة خاصة لا يكتمل تحصيلها بغير القراءة الواعية المستمرة.
وهذه الثقافة ستكون سلاحه الذي يواجه به جهل الناس بقيم الإسلام وأحكامه، وانشغالهم المفرط بشئون دنياهم عن أمور دينهم، وغفلتهم عن اتخاذ الإسلام أساسا لإصلاح الواقع وبناء المستقبل. وستكون هذه الثقافة عونا له على حسن النظر في سطور كتاب الواقع الذي تتلاحق فيه أنفاس الحياة، وتتعاقب فيه المستجدات والمتغيرات، وتدور فيه عجلة الأحداث بسرعة لا تمهِل حملة الدعوة وصناع الرأي وفرسان التوعية والتذكير.
وإن غياب هذه الثقافة سيجعل الواعظ والخطيب معزولا عن الواقع، يحلق وحيدا في أجواء خالية، ويدور في حلقة مغلقة، بعيدا عن إدراك حاجة المجتمع، وتحديد مستلزمات الإصلاح، وتحقيق رسالة الوعظ، والقيام بواجب التوعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
جفوة القراءة والفقر الثقافي:
ومما يثير الأسف أن فئة من الخطباء والوعاظ يكتفون بما حصَّلوا من علم شرعي، ولا يحاولون استكمال بعض النقص الظاهر في كفايتهم العلمية وأدائهم العملي، ويقفون من العلم عند حدهم ولا يتجاوزونه إلى الاستزادة من العلوم الأخرى والثقافة العامة، بل ربما قصروا في مذاكرة ما حصلوا من العلم الشرعي نفسه، فانعكس ذلك على خِطَابهم ووعْظهم ضعفا ظاهرا عند بعضهم في اللغة إلى حد يزري بصاحبه، ونقصا ملحوظا لدى آخرين في إتقان أساليب التوصيل والعرض والإقناع، واضطرابا لدى بعض منهم في تناول قضايا عصرية معينة؛ وهو ما يشي بضحالة فكرية وفقر ثقافي، وتقصير في واجب الإعداد العلمي لخطبته والتحضير المنهجي لدرسه وموعظته.
ونتج عن ذلك أن انعكس فقر خطابهم الوعظي وضعفه على مستمعيهم ومصلِّي مساجدهم، فمن جمهورهم من استسلم للأمر الواقع على مضض، ورضي بأن يكون مع الأغلبية الصامتة، ومنهم من رفع عقيرته بالاحتجاج، وعبَّر عن امتعاضه بالشكوى المسموعة، ومنهم من شد الرحال إلى مساجد أخرى يبحث عن خطاب أكثر تأثيرا وإقناعا.
ولذلك فإن على الواعظ والخطيب أن يصحب الكتاب، وألا يجفو القراءة، وعليه أن يستزيد من العلم، ويزاول الاطلاع على المصادر الثقافية العصرية ولا سيما المجلات والدوريات التي تعتبر من أهم روافد الوعي بالحاضر ونوافذ الاطلاع على واقع الحياة.
شهادة إنصاف:
ومما يقتضيه الإنصاف أن نشهد بأن نفراً قليلا من الخطباء والوعاظ، سَمَت بهم همتهم، ووطنوا أنفسهم على القراءة والبحث والاستزادة من العلم؛ ليؤدوا واجبهم على أكمل وجه، فسدوا ثغرتهم وأحسنوا أداءهم، وارتقى خطابهم إلى درجة التأثير وإحداث التغيير في نفوس الكثيرين من الناس، فتزايد جمهورهم وكثر محبوهم. وقد استحق هؤلاء المتميزون من الخطباء والوعاظ أن تُسجَّل خطبهم ومواعظهم على الأشرطة يتداولها الناس، وأن تنشر دروسهم ومواعظهم في كتب مستقلة.
وليس كل هؤلاء من ذوي التخصصات الشرعية، وليسوا جميعا من حملة الشهادات العليا، فثمة مهندسون ومعلمون في المدارس وحملة شهادات شرعية دون درجة الماجستير والدكتوراه تهتز لخِطابهم النفوس، وتخشع لموعظتهم القلوب، وتتفتح العقول لدروسهم، ويشتاق الناس لمجالسهم ومحاضراتهم.
وفرة مصادر المعرفة:(14/303)
إن تحصيل الثقافة المناسبة لدور الواعظ والخطيب لا يقتصر على المعلومات الشرعية المجردة، بل يمتد إلى مساحة تتسع للإلمام بقدر من علوم اللغة والتربية والنفس والاجتماع والتاريخ والتراجم والسير والملل وما تيسر من العلوم الأخرى. ومما لا ريب فيه أن ذلك متعذر من غير مداومة القراءة ومواصلة الاطلاع، والبقاء على تواصل دائم مع مصادر المعرفة التي باتت في أيامنا سهلة قريبة من الجميع.
فأكثر المساجد اليوم فيها مكتبات توفر قاعدة مرجعية للخطيب والواعظ، والمكتبات العامة توفر من المراجع الموسوعية والكتب والمجلات والصحف ما يقضي حاجة القارئ والباحث. ولا ننسى الإشارة إلى أهمية الإفادة من منجزات الثورة المعلوماتية المعاصرة، وما تفتحه من أبواب الاطلاع على أنواع العلوم وألوان الثقافة المنشورة في مئات وآلاف المواقع على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)، وما توفره الأقراص المدمجة التي تختزن المعلومات، وتستوعب الموسوعات العلمية الكثيرة وتضعها في لحظات قليلة بين يدي القارئ.
ويبقى المتصدي لواجب الخطابة والوعظ في حاجة ماسة إلى التزود من مصادر العلم والمعرفة؛ ليغذي خطبته وموعظته، ويثريها بالشواهد والنصوص والاقتباسات المناسبة، ويستطيع مواكبة المتغيرات والمستجدات، وليكون حاضرا بخطاب أصيل متميز قادر على الاستجابة لمطالب الواقع.
القراءة تجدُّد وتجديد:
وهذا نداء خاص أتوجه به في نهاية هذا المقال إلى السادة الخطباء والوعاظ، وهمسة في آذان هذه الصفوة القيادية التي تسنمت موقعا رياديًّا مرموقًا؛ إذ ارتقت منابر المساجد، وتبوأت بإرشادها ومواعظها مقاما قياديا متقدما في حياة المجتمع. أقول:
اقرءوا يا سادتي؛ فإن الأمة تنتظر قطوف قراءتكم، اقرءوا بالعين والعقل والقلب، فالقراءة طاقة معرفية تحرك العقل وتمد مساحة الوعي الفكري بزاد متجدد. وهي نمو يمضي بالإنسان نحو النضج العقلي والروحي والأخلاقي والاجتماعي. إن القراءة حركة إلى الأمام؛ ندرك بها مسيرة الحياة، ونطلع بها على متغيرات العصر.
اقرءوا لأن القراءة تنوير للذهن، وإضاءة لأجواء النفس، تعين على كشف خفاياها ومعرفة مزاياها وإدراك عيوبها؛ ولأن القراءة فتح لمغاليق البصيرة، وسبر لأغوار الطريق، واستكشاف لآفاق المجهول.
اقرءوا لأن القراءة قوة للعقل وزاد للروح وإرواء للقلب؛ ولأنها عبادة لله - تعالى -وقربة نؤجر عليها إذا صدقت النية وصح القصد، إذ هي استجابة لأول أمر إلهي نزل في القرآن الكريم: "اقرأ باسم ربك الذي خلق".
اقرءوا، فالقراءة استزادة من العلم "وقل ربِّ زدني علما"، وهي تمرين فكري يسمو بإنسانيتنا إلى مستوى الفهم عن الله - تعالى -.
اقرءوا، فالقراءة تصفية لعدسة التأمل "ويتفكرون في خلق السماوات والأرض"، وتجلية لعين الكشف "قل سيروا في الأرض فانظروا"، وتقوية لملَكة الاستنباط وتوسيع لدائرة الرؤية، وتنمية لملكات التصوير والتحليل والمقارنة.
اقرءوا يا سادتي لتتجددوا، ولتجددوا غيركم، ولتتغيروا وتغيروا في الناس، "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
27/03/2005
http://www.ala7rar.net المصدر:
===================
واقع المرأة الدعوي
الشيخ / عوض بن محمد القرني
1- ضعف الاهتمام بدعوة المرأة، ويظهر ذلك من خلال:
ـ مقارنة البرامج الدعوية الخاصة بالنساء بمثلها الخاصة بالرجال من حيث عدد البرامج وتنوعها وفاعليتها واستمرارها.
ـ مقارنة عدد العاملات في مجال الدعوة بعدد العاملين من الرجال.
ـ مقارنة عدد وإمكانات المؤسسات المهتمة بدعوة المرأة مع مثيلاتها المهتمة بدعوة الرجال.
2- التقصير في تأهيل المرأة للدعوة.
ويظهر ذلك من خلال:
ـ عدد الدارسات في أقسام الشريعة وأصول الدين والدعوة مقارنة بأعداد الرجال.
ـ عدد النساء المستفيدات من الدورات العلمية مقارنة بأعداد الرجال المستفيدين من تلك الدورات.
ـ أعداد العاملات في حلقات القرآن مقارنة بالرجال في الميدان نفسه.
ـ أعداد المحتسبات العاملات في مجال الدعوة مقارنة بالرجال.
3- مظاهر الواقع الدعوي للمرأة:
برامج دعوية يستفيد منها الرجال والنساء وينفذها الرجال، وهذه شبه مقصورة على المحاضرات والدروس في المساجد التي فيها أماكن للنساء، وهي قليلة بالنسبة إلى المساجد التي لا يوجد فيها أماكن خاصة بالنساء.
- برامج دعوية يستفيد منها النساء فقط وينفذها الرجال مثل المحاضرات والمواعظ في كليات ومدارس البنات.
- برامج دعوية يستفيد منها النساء، وينفذها النساء مثل المحاضرات والدورات العلمية والدروس في كليات ومدارس البنات وحلقات التحافيظ النسائية.
* مقترحات للتطوير:
- تفعيل اللجان النسائية في المؤسسات الخيرية ودعمها بالإمكانات البشرية والمادية.
- إنشاء أقسام نسائية في مكاتب الدعوة وتوظيف داعيات مؤهلات.
- التوسع الكبير في الإذن للداعيات والمحتسبات وتشجيعهن ودعمهن لممارسة دورهن.
- توظيف مؤهلات شرعيات في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- التوسع في إنشاء حلقات تحفيظ القرآن الكريم النسائية، وإنشاء أقسام نسائية في جمعيات تحفيظ القرآن الكريم.
- التركيز على تأهيل النساء الداعيات علمياً ومهنياً والتوسع في ذلك.
- إنشاء مؤسسات في المناطق والمحافظات توفر الأماكن والإمكانات لممارسة المرأة لدورها الدعوي، ويشرف على تلك المؤسسات إما وزارة الشئون الإسلامية أو تعليم البنات أو المؤسسات الخيرية.
- تجديد وتطوير الخطاب الدعوي النسائي بما يتفق مع مقتضيات العصر وحاجات المجتمع.
- التوسع في الاستفادة من تقنيات العصر في الدعوة النسائية.(14/304)
- التأكيد على الدعاة من الرجال والنساء بالتركيز على خصوصية المنهج الإسلامي في قضايا المرأة، وبيان خطأ بعض الممارسات والتقاليد الاجتماعية، وكشف زيف وخطورة الشبهات التي يثيرها المستغربون ومن خُضع بهم في هذا الموضوع.
http://www.dawahwin.com المصدر:
==============
سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله
محمد بن شاكر الشريف
الدعوة إلى الله تعالى عبادة من أشرف العبادات وعمل من أجل الأعمال لا يقوم به على وجهه الصحيح إلا أولو العزم من الرجال لما يكتنفه من مشاق ومسئوليات وخاصة في زمان غربة الدين ، والدعوة إلى الله مهمة رسل الله إلى الناس من لدن آدم عليه السلام إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذين جعلهم الله تعالى واسطة بينه وبين خلقه يبلغون عنه شرعه إليهم ، ويكفي في بيان شرف هذا العمل قوله تعالى : (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين )* أي : لا أحسن من ذلك على الإطلاق، لكن الدعوة عمل ، والعمل لا يؤتي ثماره المرجوة منه إلا أن يؤدى على وجه من الإتقان والكمال وهذا هو ما يحبه الله تعالى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) والإتقان في الدعوة أجل وأخطر من أي عمل آخر لأن الدعوة يعول عليها في تحقيق الغاية من الخلق قال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) فكان في عدم إتقان الدعوة والخطأ فيها سبيل من سبل الصد عن دين الله وهو ذنب جسيم ، والمسلم في الدعوة إلى الله تعالى يقابل بيئات مختلفة ويتعامل مع أصناف شتى من الناس في ظل ظروف متباينة لذا كان المسلم في حاجة ماسة إلى المعرفة بسياسة الدعوة في دعوته الناس إلى دين ربهم العزيز الحميد، السياسة التي يكون هدفها العمل على تحقيق الغاية من الخلق بالطرق المناسبة لتحقيق الهدف في ظل مراعاة البيئات المتعددة وأصناف الناس والظروف المحيطة بالداعية والمدعو، وهذا هو الإصلاح الحقيقي الذي يعمد إلى تحقيق المقاصد الحميدة بأقصى قدر ممكن في ظل الأوضاع والظروف القائمة من غير أن تتدخل تلك الظروف أو الأوضاع فتحرف مسار المقاصد والأهداف،فإن السياسة الحقة هي عمل ما فيه الصلاح، ولذلك كانت دعوات الرسل جميعهم دعوة للإصلاح كما قال نبي الله شعيب عندما دعا قومه إلى توحيد الله وعبادته والالتزام بما شرعه لهم من الأحكام : ( إن أريد إلا الإصلاح ) فالإصلاح هو منهج الرسل وأتباع الرسل، بعكس الإفساد الذي هو منهج المنافقين ومعارضي رسل الله رغم تبجحهم بزعم الصلاح قال الله تعالى عن المنافقين : ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون إلا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) ، ومن هنا فإن الله ينهى عن طاعة المسرفين أصحاب الفساد في الأرض فيقول : ( ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) والإصلاح أمر حسن جميل تدركه النفوس بما أودع الله في فطرتها من حب الجمال والحسن حتى إن الإنسان ليدركه قبل أن تصل إليه في ذلك شريعة قال الرجل الذي من قوم موسى عليه السلام قبل أن تأتي موسى الرسالة : ( إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ) ولا أحد أحسن في سلوك طريق السياسة النافعة أو الإصلاح من رسل الله الذين أرسلهم لقيادة العالمين في طريق الهداية والخير وفي هذا المقال نستعرض بعضا من الملامح العامة لأساليب وطرائق السياسة الشرعية التي اتبعها الرسل في الدعوة إلى الله تعالى لتكون نبراسا للدعاة يقتفون أثرها وينهجون على منوالها، فمن ذلك:(14/305)
1- مراعاة الظروف المحيطة وأحوال البيئة التي تتم فيها الدعوة، فينبغي على الداعية دراسة البيئة دراسة جيدة فيعرف عادات الناس وأخلاقهم ونقاط الضعف والقوة لديهم كما يعلم عقائدهم وعباداتهم وما يتعلق بهم حتى تكون خطواته الدعوية متناسقة مع تلك الأوضاع للحصول على أكبر قدر من النتائج الحسنة في الدعوة، وليس معنى ذلك الانحناء أمام هذه الظروف والأحوال وجعلها تعرض نفسها أو معطياتها على الدعوة بحيث تؤثر في مضمون الدعوة بالتغيير أو التمييع ، ولكن الداعية يتصرف مع مراعاة الظروف فلا هو يستسلم لهذه الظروف ولا هو يغالبها –إذا كانت أكبر من استطاعته – فتغلبه، ولنأخذ المثال التطبيقي على ذلك من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فعندما أوحى الله إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كانت البيئة المحيطة كلها بيئة شركية ، فكانت مواجهتهم له في بادئ الأمر فيها نوع من المغالبة التي لا يستطيعها الإنسان بمفرده هذا من جانب ومن الجانب الآخر فقد يموت الداعية أو يقتل قبل أن يتمكن من كسب أحد من الناس ليقوم بمهام الدعوة من بعده، وهذا قد يؤدي في النهاية إلى إفشال المشروع الدعوي برمته كما أن الرضوخ لهذا الواقع والاستسلام لضغوطه بحيث تكون مهمة الدعوة إجراء بعض الترقيعات على الواقع والتي قد لا تؤثر كثيرا ، كان في هذا أيضا انحراف بالدعوة عن طريقها ، فماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم إزاء ذلك الوضع ؟ لقد سلك الرسول صلى الله عليه وسلم طريقا وسطا بحيث يحافظ على نقاء الدعوة وتوصيل الحق كاملا غير منقوص في الوقت الذي لا يغالب فيه الواقع الذي هو فوق الطاقة المحدودة للفرد، فقد لجأ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الدعوة الفردية السرية، فبدأ بدعوة من يأنس فيهم الرشد ورجاحة العقل في إدراك الحق، فحافظ بذلك على نقاء الدعوة مع أمنه من مضايقات المشركين ومغالبتهم له في أول الأمر ، وليس في هذا تقصير من ناحية عدم تعميم الدعوة لأن هذا القدر كان هو الممكن وكان هذا من السياسة الحكيمة التي اتبعها الرسول في توصيل الدعوة وتبليغها وبعض الناس لا يفطنون لذلك فيريد أن يبلغ الشريعة كلها من غير نظر إلى ما حوله فيصطدم بما يعوقه عن تحقيق قصده وربما صرفه ذلك العجز عن الدعوة نهائيا وهو إنما أُتي من عدم علمه بالسياسة الشرعية في الدعوة وظنه أن كل ما هو معلوم لديه ينبغي قوله وإذاعته ولشيخ الإسلام رحمه الله تعالى كلام نفيس في ذلك عما ينبغي على العالم أن يقوم من البيان والتبليغ فيقول رحمه الله تعالى : (فالعالم في البيان والبلاغ كذلك ; قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إلى بيانها . يبين حقيقة الحال في هذا أن الله يقول : (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين : بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله والقدرة على العمل به . فأما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي وإذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه : كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالجنون مثلا وهذه أوقات الفترات فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئا فشيئا بمنزلة بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعث به شيئا فشيئا ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به ولم تأت الشريعة جملة كما يقال : إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع . فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها . وكذلك التائب من الذنوب ; والمتعلم والمسترشد لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم فإنه لا يطيق ذلك وإذا لم يطقه لم يكن واجبا عليه في هذه الحال وإذا لم يكن واجبا لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداء بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط . فتدبر هذا الأصل فإنه نافع . ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الأشياء وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل والله أعلم . ومما يدخل في هذه الأمور الاجتهادية علما وعملا أن ما قاله العالم أو الأمير أو فعله باجتهاد أو تقليد فإذا لم ير العالم الآخر والأمير الآخر مثل رأي الأول فإنه لا يأمر به أو لا يأمر إلا بما يراه مصلحة ولا ينهى عنه إذ ليس له أن ينهى غيره عن اتباع اجتهاده ولا أن يوجب عليه اتباعه فهذه الأمور في حقه من الأعمال المعفوة لا يأمر بها ولا ينهى عنها بل هي بين الإباحة والعفو . وهذا باب واسع جدا فتدبره) .(14/306)
لكن الدعوة السرية الفردية اللتي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر وإن كانت مهمة لمرحلة الابتداء أو شرطا في النجاح والاستمرار لكنها لا تصلح أن تكون منهجا عاما إلى آخر المدى؛ إذ لا يمكن لدعوة عالمية يرجى لها الذيوع والانتشار في مشارق الأرض ومغاربها أن تعتمد هذا الأسلوب فقط إلى النهاية فإن في هذا إضعاف شديد للدعوة بل وأد لها، لذلك فما أن استجاب لهذه الدعوة نفر من الصحابة الأجلاء وخرجت الدعوة عن حيز الانحصار في شخص واحد بحيث يؤمن من وأدها والقضاء عليها، وما أن وجد الرسول صلى الله عليه وسلم أعوانا على الدعوة حتى بادر إلى الأسلوب الآخر أسلوب الإعلان والبوح وإظهار الدعوة والجهر بها بين الناس ؛ إذ هذا الأسلوب هو الكفيل بنشر الدعوة وبلوغها للناس على نطاق واسع في زمن قليل جدا إذا قورن بزمن الأسلوب الأول، لكن ما أن جهر الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة حتى عاداه المشركون وصدوا الناس عن دعوته ولم يكن هذا في الحقيقة نتيجة لأمر عارض كطريقة عرض الدعوة مثلا ولكن كانت هذا المعارضة نتيجة تناقض حقيقي بين دعوة الإسلام ودعوة الشرك فالإسلام قائم على عبادة الله وحده والعدل بين الناس، وأما الشرك فهو قائم على عبادة غير الله والعلو في الأرض بغير الحق، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما اطمأن على الدعوة ظل سائرا في طريقه لم يثنه عن ذلك ما ظهر من معارضة المشركين لأن هذا المعارضة من طبيعة التناقض التام بين دعوة الحق ودعوة الباطل، وعلى الدعاة إلى الله تعالى على بصيرة أن يستفيدوا من هذه السياسة التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله تعالى ، فعليهم أن يراعوا الظروف والأحوال في الدعوة مع الحذر من أمرين: أحدهما : التفريط في مضمون الدعوة أو عرضها ناقصة أو مبتورة أو خلطها بأمور مخالفة بزعم ترويجها أو التخلص من بعض القيود، وثانيهما: تعرض الدعوة للوأد أو القضاء عليها نتيجة للمغالبات التي تفوق طاقتهم، ومن البين أن الأسلوب أو الطريقة التي تتبع في ذلك قد تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى آخر اعتمادا على أوضاع بيئة الدعوة وظروفها وإمكانات الدعاة وقوتهم ولا شك أن هناك أساليب كثيرة يمكن أن تتحقق بها الدعوة مع تفادي المحذورين المذكورين، ومن هذه الأساليب الأسلوب الذي اتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من باب السياسة الشرعية وليس من قبيل التشريع الدائم الذي ينبغي على الدعاة اتباعه وسلوكه في جميع الظروف والأحوال.
2-مراعاة المصالح والمفاسد : الشريعة كلها مبناها على المصالح فما أمرت به فهو المصلحة الخالصة أو الراجحة وما نهت عنه فهو المفسدة الخالصة أو الراجحة، وإذا تعارضت المصالح والمفاسد في الأمر الواحد بحيث لا يخلو من أحدهما بل يجتمعان معا فإنه يقدم الأرجح منهما فما كانت مصلحته أرجح من المفسدة عمل به وعوِّل عليه وما كانت مفسدته أرجح من مصلحته ترك ولم يعول عليه، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المراعاة في موقفه من أذى المشركين له ولأتباعه في مكة حينما جهر بدعوته فقد بدأ المشركون في الصد عن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحذير القادمين إلى مكة منه وحرصهم على ألا يجلس إليه أحد، كما بدأوا في إيذاء المسلمين وإهانتهم وتعذيب الضعفاء منهم وقد كان في ذلك ظلم شديد للمسلمين والعربي نفسه أبية لا تحتمل الضيم ولا تقبله حتى قال قائلهم :
و لا يقيم على ضيم يسام به *** إلا الأذلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته *** وذا يشح فلا يرثى له أحد(14/307)
فكيف إذا انضاف إلى ذلك الإسلام؟! ورد الظلم وإباء الضيم مصلحة ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ) لكن كان في رد الظلم والانتصار للنفس في ذلك الظرف إلى جانب تلك المصلحة مفسدة كبيرة تربو عليها ، فكانت السياسة الشرعية في ذلك الوقت منع المسلمين من الرد على المجتمع الجاهلي والأمر بالصبر واحتمال الأذى؛ فإن أحدا لا يدري في تلك الظروف مع قلة المسلمين وضعفهم و قوة المجتمع الجاهلي ماذا يمكن أن تسفر عنه المواجهات بين المسلمين وعدوهم، فقد تتمخض عن معركة كبيرة يفنى فيها المسلمون أو أكثرهم ، أو قد تتدخل القبائل دفاعا عن أبنائها ( ولو كانوا مسلمين بدافع العصبية الجاهلية ) مما يمكن أن تنشأ عنه ما يعرف بالحرب الأهلية مما لا يوفر ظروفا مساعدة على الدعوة بل تتقوقع الدعوة في هذه الحالة وتنحصرأو غير ذلك من الاحتمالات التي تخسر فيها الدعوة كل ما حققته من مكاسب، فكان احتمال الضيم على ما فيه من إيلام وقسوته على النفوس الأبية أهون شرا وأقل ضررا من محاولة دفع الظلم، لكن هذه المراعاة للمصالح والمفاسد لا تتم مع الاستكانة والشعور بالمذلة أو التعرض للإبادة الكاملة، لكنها تكون مع الاستعلاء بالدين والشعور بالعزة ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأجواء وهو يأمر أصحابه بالصبر يبشرهم بالعز والنصر والتمكين ويقسم على ذلك ففي حديث خباب بن الأرت أنه قال: ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ) وعلى ذلك فإن من السياسة الشرعية أن يراعي الدعاة والعاملون المصالح والمفاسد المترتبة على الأعمال والتصرفات فإن العمل لا يكفي فيه أن يكون ظاهره مشروعا إذا علم أنه يترتب عليه مفسدة أكبر من المصلحة التي يحققها ، وهذا يدخل في القاعدة الفقهية المعروفة بـ( سد الذرائع ) وهي أن العمل المشروع إذا كان ذريعة إلى مفسدة أكبر فإنه يمنع ، ومما ينبغي ملاحظته في هذا الباب أن المصالح والمفاسد المترتبة على بعض الأعمال لا تظل أبد الدهر هكذا ، فإن المصالح والمفاسد المترتبة على أوضاع تتغير بتغير تلك الأوضاع ، ولذلك فإن المسلمين بعدما انتشرت دعوتهم وقويت شوكتهم أذن لهم في القتال ثم أمروا به ولم يعد الرد على المشركين مفسدة ينبغي لأجلها تحمل الظلم والسكوت عن مواجهته ، ونظرا لاتساع رقعة بلاد المسلمين اليوم فإن المصالح والمفاسد المرتبطة بالأوضاع تختلف من مكان لآخر لاختلاف الأوضاع فما يكون مفسدة في مكان قد لا يكون مفسدة في مكان آخر وما يكون مصلحة في مكان قد لا يكون مصلحة قي مكان آخر ، والمصلحة والمفسدة إنما تقاس بمعيار الشرع وليس بمعيار المكسب والخسارة المادية فقط، فقد دل غلام الأخدود الملك الكافر على كيفية قتله وكان ذلك في ظاهره مفسدة لتمكين الكافر من التسلط على نفس مسلمة ولكنه كان بمقياس الشرع مصلحة راجحة لأن هذا التصرف كان سببا ووسيلة إلى إحياء نفوس كثيرة، وكذلك إذا نزل الكافر الباغي المعتدي بأرض المسلمين فإن التصدي له ومدافعته هو المصلحة وإن ترتب على ذلك مفسدة إهلاك للحرث والنسل لأن تركه وعدم مدافعته يؤدي إلى إهلاك الدين الذي هو مقدم على الحرث والنسل ثم هو بعد ذلك لن يحافظ على الحرث والنسل.(14/308)
3- الحرص على هداية المدعوين أولا: الداعية له هدف عظيم وهو هداية الناس إلى دين الله وهذا هو ما يحرص عليه ويسعى في سبيل تحقيقه ويلتمس له الوسائل والطرق المناسبة رغبة في إخراج الناس من الظلمات إلى النور للفوز برضا خالقهم، وليس هم الداعية محصورا في إقامة الحجة على الناس وإن كان ذلك من مقتضيات دعوته، فعندما يكون هم الداعية إقامة الحجة وكفى فإنه لن يجتهد اجتهاد الحريص على هداية الناس وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته حريصا جدا على هداية الناس وكان يبذل لهم كل ما يدعوهم إلى الاهتداء وكان يحزن حزنا شديدا على عدم استجابة الناس للدعوة حتى خاطبه ربه في ذلك وقال له : ( لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ) وقال: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) وقال : (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ) باخع نفسك : أي مهلكها، فلم يكن هم الرسول صلى الله عليه وسلم محصورا في مجرد إقامة الحجة عليهم بل كان همه الأكبر هو في قيادهم إلى الإيمان وقد كان صلى الله عليه وسلم يسلك في ذلك كل طريق من شأنه أن يحقق مراده وهذه عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تخبرنا أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ( هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا) وعلى ذلك فإن من السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله تعالى أن تظهر من الداعية الرغبة الحقيقية والحرص على هداية الناس والتحسر على ما هم فيه من الضلال والبعد عن دين الله تعالى ولا موقفه منهم موقف المتشفي فيهم الذي وقف جهده وهمه في الإغلاظ عليهم ، وهذه السياسة الشرعية في الحرص على هداية الناس ليست قاصرة على شريعتنا بل هذا ما أوصى الله به موسى وأخاه هارون عندما أرسلهما لدعوة فرعون قال الله لهما : ( فقولا له قولا لينا لعله يذكر أو يخشى ) فالموقف موقف دعوة وترغيب في الهداية فكان المناسب لذلك هو القول اللين الذي من شأنه يقود إلى الاستجابة ، وأما الإغلاظ في القول والشدة في التصرف في هذه الحالة يكون مدعاة للنفور والاستكبار، وهذا نوح عليه السلام قال لقومه : ( اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ...) إلى أن يقول: ( ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا..) كل ذلك حرصاً منه ورغبة في هدايتهم، فالتماس الوسائل واتخاذ الطرق والأساليب المؤدية لذلك هو هم الدعاة الحقيقي وبعد هذا الجهد الكبير فهناك من يشرح الله صدره ويهديه، ولكن مع ذلك تبقى بقية ظالمة فاجرة متكبرة لم يرد الله هدايتها، فإذا وصلت فئة إلى هذا الحد وانقطع أمل الداعية في رجوعهم للحق فإن على الداعية أن يواجه الظالم الكفور بما يناسبه مع مراعاة ما تقدم ذكره من المصالح والمفاسد ، وليس من السياسة الشرعية تركه والحالة هذه يتمادي في غيه ويزيد من شططه إذا لم تكن هناك مصلحة ترتجى من وراء ذلك، وقد قال الله تعالى في قصة موسى عليه السلام مع فرعون لعنه الله : ( ولقد ءاتينا موسى تسع آيات بينات فسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ) فرد عليه موسى عليه السلام وقال له :( لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ) فبعد كل هذه الآيات البينات يلج فرعون في غيه ويرفض الإيمان ويتهم موسى بالسحر فما كان من موسى عليه السلام إلا أن واجهه بأنك تعلم يا فرعون علما يقينا أن هذا ليس بسحر وأن هذه آيات أنزلها رب السموات، ثم يتهدده بقوله : وإنك يا فرعون مثبورا أي هالكا ممقوتا ناقص العقل،فليس من السياسة الشرعية في الدعوة أن نقف أبد الدهر عند قوله تعالى:( فقولا له قولا لينا ) وليس من السياسة أيضا أن نبدأ الدعوة بـ( وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ) وإنما السياسة الحقة هي مقابلة كل موقف بما يناسبه ففي موقف الدعوة وقبل استحكام العناد يأتي قوله تعالى : (فقولا له قولا لينا ) وفي موقف الجهاد والجلاد يأتي قوله تعالى: ( وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ) وقوله تعالى: ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) وقوله : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ) ومن ذلك هذا الذي نزل فيه قوله تعالى : ( أولم يرى الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم ) قال قتادة: (ذكر لنا أن أبي بن خلف أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل ففته ثم ذراه في الريح ثم قال يا محمد من يحيي هذا وهو رميم قال الله يحييه ثم يميته ثم يدخلك النار قال فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد) فقابله الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الشدة في الجواب فهذا الذي يناسب موقف المعاندين المتجبرين (يتبع)(14/309)
4- عدم التقيد بالأرض أو الارتباط بالأوطان: فقد تضيق أرض الأوطان على رحابتها بالدعاة إلى الله بحيث يحاصرون من كل جهة فلا يتمكنون من الدعوة أو تبليغ الأمانة التي ائتمنهم الله تعالى على تبليغها لخلقه ، وقد لا يقف الأمر عند حدود المنع والتضييق بل يتعداه إلى أن يأتمر أهل الظلم والضلال بالدعاة ليقتلوهم أو يخرجوهم وينفوهم من ديارهم أو يحبسوهم رجاء فتنتهم وردهم إلى الجاهلية التي أنقذهم الله منها، وقد سجل القرآن الكريم هذه الأساليب كلها في محاربة المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول الله تعالى:" وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك..." الآية والإثبات هو الحبس والقيد والإخراج هو النفي والطرد والإبعاد، والقتل معروف وإذا لم تسمح لهم الأحوال باتباع تلك الأساليب لمنع الداعية من الدعوة إلى الله، أو لقوة الركن الذي يركن إليه من قبيلة أو عرف أو نظام، أو لعدم مواتاة الظروف لاتباع ذلك المنهج فإنهم يعمدون إلى فتنة الداعية بالإغراء كي يحولوه عن طريقته، وقد سجل أيضا القرءان الكريم هذا الأسلوب حيث يقول الله تعالى:" وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره..." الآية فماذا يفعل الداعية إزاء هذا الوضع الحرج ؟ هل يستسلم لذلك ويركن إلى بعض القواعد الفقهية و يتكئ عليها بغير ضوابطها الصحيحة كما يفعل ذلك بعض الناس الذين صعبت عليهم تكاليف الدعوة حتي يسوغ لنفسه مداهنتهم وترك مدافعتهم؟، إن للدعاة في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في كل شأنهم في العبادة والدعوة وفي السياسة وفي كل شيء ، لقد عانى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أشد المعاناة من إيذاء المشركين له في مكة المكرمة حتى قاطعوه هو وعشيرته وحاصروهم في الشعب حتى لم يجدوا ما يأكلونه، وضيقوا عليه كل التضييق وحاصروه أشد المحاصرة حتى يحولوا بينه وبين لقاء الوفود ودعوتهم إلى الله فماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ كان صلى الله عليه وسلم يسعى في مقابلة الحجيج وعمار بيت الله وزواره وكان يجتهد في المحافظة على سرية هذه اللقاءات حتى لا يسعى المشركون في إفسادها ، ولم يستسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم .لذلك بل حاول في اتجاه آخر وهو الخروج بالدعوة من الحصار الذي فرض عليها فقام برحلته المشهورة إلى الطائف على رجليه والتي تبعد عن مكة قرابة ثمانين كيلو متر كل ذلك في سبيل أن يكسر الطوق المضروب حول الدعوة وهو ما يعني أن المسلم لا يجوز له أن يتضعضع أمام الواقع ويستسلم له ولا يبحث عن مخارج أخرى بل عليه السعي والبحث وكلما لاح له بارق أمل فعليه أن يسلك السبيل إليه مهما كان في ذلك من مشقة، ولما بلغ الطغيان بالمشركين مبلغا عظيما يفوق قدرة بعض المسلمين أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة وبقي هو ومن يمكنه البقاء من المسلمين في مكة يواصلون مهمة الدعوة إلى الله إلى أن طفح الكيل بالكفار ولم يعودوا قادرين على تحمل بقاء الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم عزموا على قتله ووضعوا الخطة لذلك وشرعوا في تنفيذها، عندها لم يعد البقاء في مكة والحالة هذه يرجى منه تحقيق نفع للدعوة وأصبح البقاء في هذه الحالة من قبيل الإلقاء باليد إلى التهلكة أو من قبيل تقديم حب الأوطان والديار على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله وكلا الأمرين ممنوع في دين الله فقد قال الله تعالى :" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" كما قال تعالى:" قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين" وهذا يبين لنا جانبا من سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في عدم التمسك بالأرض والتقيد بالوطن على حساب الدعوة، وإذا نظرنا نظرة إجمالية في ذلك فسنجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ظل يدعو في مكة ثلاث عشرة سنة ولم يترك مكة مع أول صدود أهلها أو مع تأخرهم وإبطائهم في الاستجابة ما يبين أن من السياسة الشرعية في الدعوة ألا يستعجل الداعية إيمان الناس واهتدائهم بل عليه أن يبذل وأن يقدم ما دام هناك تقبل واستجابة ولو كان ذلك بطيئا أو ضعيفا، فإن الداعية لو كان كلما استعصت عليه محلة تركها وذهب إلى غيرها لم يكد يستقر به المقام ولم يكد يحقق شيئا وسيظل ينتقل من مكان إلى مكان من غير فائدة أو جدوى؛ إذ غالبية الناس تظل فترة على المتابعة والتقليد لما وجدوا عليه آباءهم ولا يتحولون عن ذلك إلا بعد جهد جهيد ومتابعة ومثابرة من الدعاة، ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ظل مثابرا على المقام في مكة وهو يواصل الدعوة بكل ما أمكنه من سبيل ولم يخرج منها إلا مكرها كما بين ذلك بقوله عن مكة حرسها الباري :" والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت" ، ومن الأمور التي ينبغي التفطن لها أن تكوين الرجال في مثل تلك البيئة المخالفة للدعوة المشاقة لها رغم صعوبته ومشقته لكنه يأتي في الغالب الأعم بعظماء الرجال لأنه لا يصبر على تلك الأحوال أو لا يستجيب للدعوة في ذلك الحين إلا من رسخ الإيمان عنده حتى صار مثل الجبل في ثباته ورسوخه، ولك أن تقيس ذلك بما كان عليه إيمان المهاجرين الأولين وثباتهم في الدين، ويتبين هذا من أن النفاق لم يظهر فيمن استجاب للدين في مكة بعكس من استجاب للدين عند ظهوره وفشوه فقد ظهر فيهم النفاق لأنه في مثل هذه الحالة يدخله الصادق الذي يرجو الله والدار الآخرة كما يدخله(14/310)
المنافق الذي يطمع في الحصول على المميزات، وأما عند الشدائد فلا يدخل إلا الصادقون،وقد نجحت تلك السياسة التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحفاظ على الدعوة وعلى الدعاة أما الدعاة فلم يحملهم ما لا يطيقون ولم يجعل ارتباطهم بالأرض والوطن مما يُحرص عليه وإن أضر بدينهم بل سمح لمن لا تسمح له أوضاعه القبلية بالحماية أو المنعة بالخروج إلى الهجرة أو الإسرار بالدين إلى حين الظهور والغلبة، وأما الحفاظ على الدعوة فبالمرابطة والتواجد وعدم إخلاء الساحة عند الشدة (ما لم تصل إلى حد القضاء على الدعاة وإفنائهم)، فالفئة التي لم تستطع تحمل الأذى خرجت إبقاء وحفاظا عليهم، والفئة القادرة على التحمل بقيت للقيام بالواجب، إلى أن وجد المسلمون أرضا تقلهم (المدينة) وجماعة تؤويهم وتحميهم (الأنصار) فانتقلوا إليها بكليتهم، فالأرض كلها لله والمسلم يبذر بذره في الأرض التي تقبلها حتى تؤتي أكلها :" والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا" فإذا ضيق على الدعاة في أوطانهم ولم يعد لهم إمكانية الدعوة لدين الله رغم توسلهم لذلك بمختلف السبل فإن أرض الله واسعة " ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله" وبهذا يتبين أن الهجرة في سبيل الله عندما تسد السبل على الدعاة وكذلك البقاء والقيام بالدعوة عندما يكون هناك أمل أو احتمال في الاستجابة كلاهما يتكامل في بيان معنى من معاني الجهاد والاجتهاد في تحقيق مرضاة الله فليس المهاجر في سبيل الله الذي يترك وطنه ومسقط رأسه ليحافظ على دينه جنانا خوافا خرج فارا بنفسه تاركا ما وجب عليه من الدعوة إلى الله، وليس من بقي بين القوم يدعوهم إلى الله متهورا هجاما على الأمور لا يقدرها حق قدرها، غير أن ترك الأوطان والهجرة منها ليس قدرا محتوما في مسير الدعوات وأنه ينبغي على كل داعية أن يهاجر من بلده كما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وإنما هي سياسة جزئية يُلجأ إليها عند الحاجة وإلا لو قدر أن أهل البلدة استجابوا للدعوة لم يكن هناك ما يسوغ الخروج، بل الخروج في هذه الحالة يعد تفريطا وتضييعا للدعوة وإماتة لها، فلو أن أهل مكة آمنوا بالرسول لمِّا دعاهم إلى الله من أول الأمر وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ليهاجر ويخرج من مكة يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم الذي تقدم " ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت"(14/311)
5- تقديم الأصول على الفروع: ومن السياسة في الدعوة إلى الله تقديم الأصول على الفروع إذ الفرع الذي لا أصل له مقطوع مبتوت وإن طال به الزمن، وتقديم ما يلزم وجوده لصحة الأقوال والأفعال على الأقوال والأفعال نفسها، وهذا يتبادر لكثير من الناس أنه أمر منطقي لا ينبغي الاختلاف حوله أو العمل بغيره، لكن عند التطبيق نجد هذا الأمر مهملا في كثير من الحالات وقد أشار إلى هذه السياسة وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه عندما أرسله إلى اليمن داعيا فقال له:" إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم وترد على فقرائهم فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس" وفي رواية أخرى للبخاري ومسلم " فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم ..."الحديث ففيه تقديم عبادة الله وتوحيده والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم على الصلاة والزكاة وسائر فروض الإسلام إذ لا يصح شيء من أداء هذه الفرائض إلا بعد الإيمان، ومن هنا قدم الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليمه لمعاذ في كيفية الدعوة أن يدعو أولا إلى الأصل الذي تتوقف عليه صحة الأشياء قبل الأشياء نفسها ، إذ لا فائدة منها إذا لم تعتمد على الأصل الذي يصححها ، وفي هذا السياق تقول عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن القرآن :" إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب "بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر" وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده" قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث قَوْله : ( نَزَلَ الْحَلال وَالْحَرَام ) أَشَارَتْ إِلَى الْحِكْمَة الْإِلَهِيَّة فِي تَرْتِيب التَّنْزِيل , وَأَنَّ أَوَّل مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن الدُّعَاء إِلَى التَّوْحِيد , وَالتَّبْشِير لِلْمُؤْمِنِ وَالْمُطِيع بِالْجَنَّةِ وَلِلْكَافِرِ وَالْعَاصِي بِالنَّارِ , فَلَمَّا اِطْمَأَنَّتْ النُّفُوس عَلَى ذَلِكَ أُنْزِلَتْ الْأَحْكَام , وَلِهَذَا قَالَتْ " وَلَوْ نَزَلَ أَوَّل شَيْء لَا تَشْرَبُوا الْخَمْر لَقَالُوا لَا نَدَعهَا " وَذَلِكَ لِمَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ النُّفُوس مِنْ النَّفْرَة عَنْ تَرْك الْمَأْلُوف" اهـ فالالتزام بما جاء في الشرع عن الحلال والحرام والواجبات وغيرها يحتاج إلى قاعدة الإيمان لذلك تأخر تشريع ذلك حتى استمكن الإيمان في القلوب، وهذه السياسة مما ينبغي علي الدعاة مراعاتها في الدعوة إلى الله فإنسان مثلا يدعو غير الله ويستغيث به وهو في الوقت نفسه واقع في بعض البدع فوجه همتك إلى نهيه عن الشرك واستغرق وقتك حتى يقلع عنه أو يتوب ولا تصرف جهدك إلى نهيه عن البدع مع إقامته على الشرك، إذ ما الفائدة من تركه للبدعة وهو مقيم على الشرك؟ وإنسان تارك لبعض الواجبات لا تشغل نفسك بالحديث معه في بعض السنن بل وجه همتك إلى الواجبات التي تركها فإنه لو أطاعك واستمع لنصحك كنت بذلك قد رحمته وسعيت في الخير له،وإذا تزاحم عليك أمران بحيث لم تتمكن من الجمع بين الأمرين فقدم الدعوة إلى ما يعد أصلا ولا تشغل نفسك بالفرع، وإذا كان الأمران مما يعدا من الأصول فقدم أعلاهما منزلة، وإذا كانا في المنزلة سواء أو قريبا من السواء فقدم ما لا يحتمل التأخير ويضيع بخروج الوقت عما لا يضيع بالوقت أو كان وقته موسعا، وإذا كانا في ضيق الوقت وسعته سواء فقدم المتفق على حكمه بين أهل العلم عما اختلفوا فيه، وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يخطب المسلمين وبينما هو على تلك الحالة إذ جاءه رجل فقال:"يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه قال فأقبل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديدا قال فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها" فلما أخبر الرجل بأنه لا يدري ما دينه كان أولى ما يشتغل به الرسول صلى الله عليه وسلم هو تعليم الرجل دينه ولذلك ترك الخطبة وأقبل عليه يعلمه ولم يؤخر ذلك حتى ينتهي من الخطبة، قال النووي في شرح الحديث:" وَفِيهِ الْمُبَادَرَة إِلَى جَوَاب الْمُسْتَفْتِي وَتَقْدِيم أَهَمّ الْأُمُور فَأَهَمّهَا , وَلَعَلَّهُ كَانَ سَأَلَ عَنْ الْإِيمَان وَقَوَاعِده الْمُهِمَّة . وَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ يَسْأَل عَنْ الْإِيمَان وَكَيْفِيَّة الدُّخُول فِي الْإِسْلَام وَجَبَ إِجَابَته وَتَعْلِيمه عَلَى الْفَوْر"اهـ. وهكذا لا بد من مثل هذه الموازنات عندما لا يمكن تحقيق الجميع مرة واحدة، ولا يعني تأخير الحديث عن شيء أو السكوت عنه إباحة له، وإنما لأن هذا هو المتاح أو المقدور عليه أو الذي يقود إلى ما بعده، وقد يظن بعض الناس أن من الحكمة أو الحنكة أو السياسة وحسن التصرف واللباقة موافقة القوم على بعض ما عندهم من الباطل وعدم مواجهتهم بما يكرهون لإزالة الوحشة ولجعل الناس تقبل على الدعوة وتقبل ما فيها ثم يقولون : وبعد أن يرسخ الإيمان في قلوبهم يمكن نهيهم عما سبق موافقتهم عليه من الأخطاء، وهذا يعد من السياسة بمقتضى النظر العقلي الذي(14/312)
يتعارض مع النصوص الشرعية ثم إنه قد يؤدي في النهاية وبمرور الزمن إلى ترسيخ تلك الأخطاء وقد لا يجد الدعاة الفرصة المناسبة بعد ذلك لتصحيح تلك الأخطاء فتظل عالقة بدعوتهم عند الناس، وهنا لا بد من التفريق بين السكوت عن النهي عن الشيء أو السكوت عن الأمر به وبين الموافقة عليه وإقراره فإن السكوت مما يمكن تحمله إذا لم تكن ظروف الدعوة تسمح بالجهر، أما الإقرار والموافقة على الباطل أو الخطأ فليس هناك ما يسوغه من أدلة الشريعة، بل الأدلة كلها على خلاف ذلك
6-العناية بالأسباب مع عدم الاعتماد عليها: الداعية إلى الله يقوم بتلك المهمة انطلاقا من التزامه بما شرع الله وحبا لهداية الناس إلى الخير فتدفعه شفقته ورحمته إلى بذل الجهد في ذلك لكنه مع ذلك قد تعترضه بعض العوائق التي تحول بينه وبين مراده أو قد تضعف من همته في متابعة ذلك ، وقد تكون بعض هذه العوائق مما يمكن التغلب عليها أو التقليل من تأثيرها عن طريق اتخاذ بعض السبل والوسائل التي تعين على ذلك، لكن هناك من الناس من يظن أنه ما دام يدعو إلى الله ابتغاء وجهه فإنه لا يحتاج إلى الأسباب وأن الله ناصر دعوته، وكأن هذا الشخص يرى أنه يجب على الله تعالى نصره بمجرد الدعوة إليه ولو مع ترك الأسباب، وهذا تصور غير صحيح ومما يبين عدم صحة إهمال الأسباب سياسة الرسول في الدعوة إلى الله تعالى فمن ذلك كانت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في أولها سرية فقد ظل يدعو إلى الله في سرية ثلاث سنوات(ما يقابل 13% من سني الدعوة) حتى لا يعرضها في أول أمرها إلى مواجهات حادة مع المشركين لا يستطيع تحملها كثير من الناس وفي ذلك أخذ بالأسباب وعدم إهمالها، وعندما كان يطوف على الناس في المواسم ويطلب النصرة ويقول:" من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي" فكان يبحث عن الناصر وهذا من الأخذ بالأسباب ولم يقل إني أدعو إلى ربي على بصيرة ولا عليَّ إذ لم آخذ بالأسباب أو أبحث عن النصير، إن ترك تحصيل الأسباب المقدور عليها التي خلقها الله تعالى يعد تقصيرا يلام عليه العبد بحسب ما عنده من التقصير وعند النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم منذ بداية الدعوة وحتى وفاته صلى الله عليه وسلم نجد أن العناية بالأسباب والأخذ بها وعدم التفريط فيها كان ديدنا له صلى الله عليه وسلم فعندما جاءه الأنصار يبايعونه عند العقبة أخذ عليهم" وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم " ومن ذلك أيضا عندما عزم على الهجرة مع أبي بكر رضي الله عنه استأجر دليلا خريتا ( ماهرا عارفا بالطرق) يقود بهم ويدلهم على الطرق التي يستطيعون بها الخروج من غير أن يلحق بهم المشركون، والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن العناية بالأسباب والأخذ بها لا يعني التوكل عليها أو الاعتماد فإن التوكل والاعتماد إنما يكون على خالق الأسباب الذي جعل الأسباب أسبابا وهو سبحانه قادر على أن يمنع الأسباب من أن تنتج نتائجها إذا شاء ذلك، وفي قصة الهجرة المتقدمة فمع الأسباب التي أخذ بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن الكفار من تتبعهم للأثر ومن متابعة الرصد أوشكوا على التوصل إلى مكان الرسول وصاحبه وهنا يظهر عون الله خالق الأسباب ومسبباتها ودفاعه عن المؤمنين ويمنع الكفار من التوصل إلى الرسول الكريم وصاحبه رضي الله عنه ( وتفصيل القصة معروف)، وكما في قصة إبراهيم عليه السلام عندما أراد قومه أن يحرقوه فأبطل الله السبب ومنع النار من الإحراق( قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) وهذا موسى عليه السلام عندما أراد فرعون وجنوده أن يقتلوه هو ومن آمن معه، ولما لم تكن به قدرة على مواجهته أخذ بالأسباب المقدورة له وهي الخروج بمن آمن معه من مملكة فرعون، ولما اتبعه فرعون وجنوده ولم تعد لموسى عليه السلام حيله في ذلك ألغى الله الأسباب وجعله يعبر هو ومن آمن معه البحر بالآية التي جعلها له (اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) فالأخذ بالأسباب كان معلما بارزا من سياسة الرسول في الدعوة إلى الله تعالى ومع الأخذ بالأسباب وإحكامها وعدم التقصير فيها فلا بد من التوكل على الله والاعتماد عليه والاستعانة به واللجوء إليه فإن الأسباب لا تفعل من تلقاء نفسها وإنما بجعل الله لها تلك الخاصية، وهذا رسولنا الكريم في غزوة بدر بعدما أعد العدة ونظم الجيش لجأ إلى الله يدعوه ويكثر من الدعاء حتى أشفق عليه صاحبه أبو بكر من كثرة دعائه، وهذا عمر رضي الله عنه يقص علينا ما كان من خبر ذلك الموقف فيقول :" لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك.." الحديث فإعداد العدة وأخذ الأهبة والتوسل بالأسباب لا يمنع من الدعاء واللجوء إلى الله مسبب الأسباب، وكذلك اللجوء إلى الله ودعاؤه واعتقاد أن النصر من عنده وأنه الخالق لكل شيء وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن لا يمنع من الاجتهاد في الأخذ بالأسباب وإعداد العدد المناسبة لكل أمر يراد الدخول فيه، بل هما أمران يتكاملان في فهم المسلم وتصوره.(14/313)
7- الاستفادة من أوضاع المجتمع: قد يحدث أن تكون هناك أوضاع في المجتمع تمكن الاستفادة منها في نفع الدعوة وحماية الدعاة فلا يجوز للدعاة إهمال ذلك وعدم الانتفاع على أساس أن تلك أوضاع في مجتمع جاهلي أو معادي للإسلام فلا ينبغي العمل بها أو الاستفادة منها، وذلك لأن النظر ينصب على طبيعة الوضع ومدى موافقته للشرع ولا ينظر إليه من جهته الجغرافية أي البقعة التي يكون فيها؛ إذ الحكم على الشيء يعتمد على ما يحمله من أفكار وتصورات وليس على المكان الذي يوجد فيه ، وبالنظر إلى سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك نجده قد استفاد هو وجمع من أصحابه من تلك الأوضاع فقد كانت مكة المكرمة –بل والجزيرة العربية كلها- ينتشر فيها النظام القبلي وفي هذا النظام فإن القبيلة تحمي أفرادها فقد تمتع رسول الله وبعض من أصحابه بذلك وظلوا في حماية قبائلهم فلم يتمكن المشركون من الوصول إليهم وإيذائهم الإيذاء الشديد، وكان من الأمور المتعارف عليها مسألة الجوار وهو أن من نزل في جوار أحد فإنه يحميه من أن يصل إليه أحد بسوء فكان بعض المسلمين الذين لا يجدون قبيلة تحميهم ينزلون في جوار بعض كبراء المشركين فيحمونهم وليس في هذا مخالفة شرعية إذ كل ما فيه أن يتمتع المسلم بالحماية وشعوره بالأمان في التزامه بالإسلام وهذا حقه، وكونه نزل في جوار أحد المشركين فليس في ذلك ما يعاب عليه لأنه لم يفعل ما يخالف الشرع فعندما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يدعو أهلها وردوا عليه بردهم القبيح لم يدخل مكة حينما رجع من هناك إلا في جوار المطعم بن عدي، وكذلك عثمان بن مظعون عندما رجع من هجرة الحبشة الأولى لم يدخل مكة إلا في جوار الوليد بن المغيرة، وأبو بكر رضي الله عنه لما أراد الهجرة إلى الحبشة مما يلاقي من إيذاء قريش لقيه ابن الدغنة وعرف مقصده فعرض عليه الرجوع ودخل معه مكة وقد أجاره، فإذا كان الداعية إلى الله تعالى مضيق عليه وكان في المجتمع الذي يدعو فيه أوضاع أو تنظيمات يمكن الاستفادة منها في الدعوة أو تدفع عنه شرا من غير أن يرتكب في سبيل ذلك شيئا نهت عنه الشريعة فعليه أن يستفيد من ذلك، ورغم أن الأوضاع الجاهلية الأصل فيها البعد عن الشريعة فلا يلزم من ذلك أن يكون رصيد الفطرة عندهم صفرا بحيث لا يكون في أمورهم ما يُقبل شرعا، وهذه قريش رغم ظلمها وطغيانها مع المسلمين إلا أنهم عقدوا فيما بينهم عقدا لنصرة المظلوم( وكان ذلك قبل البعثة) وهو ما عرف بحلف الفضول قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو ادعى به في الإسلام لأجبت " وقد تتواجد اليوم في بعض المجتمعات بعض التنظيمات أو المؤسسات التي تحاول القيام بشيء شبيه بما كان في حلف الفضول فلا عيب على الداعية إذا حاول الاستفادة من ذلك، أما إذا ترتب على ذلك مساس بالدين فعلى الداعية أن يكون أبعد شيء من ذلك، ففي قصة أبي بكر المتقدمة لما جهر بالصلاة وقراءة القرآن في مسجد فنائه وخيره ابن الدغنة بين عدم الجهر والاستعلان بالصلاة وبين أن يرد عليه جواره، اختار أبو بكر رضي الله عنه الاستعلان بالصلاة والجهر بقراءة القرآن ورد على ابن الدغنة جواره وقال :" أرضى بجوار الله"(14/314)
8- عدم المداهنة في الحق: كثيرا ما يتعرض أصحاب الدعوات إلى محن وشدائد حتى يخيل لبعض الناس أن من السياسة الحكيمة تجاوز تلك المحن أو الشدائد ولو بالتصريح ببعض الكلمات والجمل التي يكون في ظاهرها مخرج من تلك الشدائد وإن لم يكن ذلك الظاهر مرادا لهم، لكن الناظر في سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله تعالى لا يجد لذلك التصور سندا بل يجد سياسته على العكس من ذلك فقد نزل عليه قول الله تعالى يحذره من المداهنة في الدين ويقول له :" ودوا لو تدهن فيدهنون " فأهل العدواة للدين يريدون من أصحاب الدعوة أن يداهنوهم وهم على استعداد لمكافأتهم على ذلك بمداهنة الدعاة أيضا من باب المقابلة بالمثل فقد عرض الكفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا الله سنة في مقابل أن يعبد آلهتهم سنة فأنزل الله تعالى :" قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون .." الآيات ليقطع الطريق على ذلك التصور بصورة حاسمة، وقد فهم تلك المعني جيدا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وعمل به في أشد المواقف حلكة فقد هاجر هو وجماعة من المسلمين إلى الحبشة عند ملكها النجاشي وكان نصرانيا وقد أرسلت قريش في أثرهم عمرو بن العاص ليردهم من عند النجاشي وحاول عمرو أن يقدم المسوغ الذي يجعل النجاشي يسلم له جعفرا ومن معه فقال له: أنهم يقولون في عيسى قولا عظيما وذلك أن النصارى ترى عيسى عليه السلام إلها أو ابن إله بينما المسيح في العقيدة الإسلامية هو بشر رسول من عند الله تعالى مثله مثل إخوانه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فلما مثل جعفر بين يدي النجاشي وسألهم عما يقولون في عيسى عليه السلام لم يداهن ولم يحاول أن يتلفظ بألفاظ أو كلمات توافق في ظاهرها اعتقاد النصارى بل أجمع على الصدق وعدم المداهنة في الدين وقال نقول فيه الذي جاءنا به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم البتول العذراء فأخذ النجاشي عودا من الأرض وقال والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، ولو حاول جعفر رضي الله عنه أن يداهن لانقلب الأمر عليه وعلى أصحابه ذلك أن اعتقاد النجاشي في عيسى كان اعتقادا صحيحا، فعند الشدائد والأهوال قد يميل الداعية إلى المداهنة ويتلفظ بألفاظ فيها نوع من الترضية لأهل الضلال وإن كان هو يقصد بها في نفسه معاني صحيحة لكن ليست العبرة بما في نفسه هو وإنما بما يفهم الناس من كلامه فلو كان الناس لا يفهمون من ذلك إلا ما يؤيد أهل الضلالة لم تكن تورية الداعية قد حققت إلا تأييد الباطل، وهذا بخلاف ما إذا كان يوري على الأعداء في الحرب أو القتال كما فعل محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه عندما كان يخطط لقتل رجل من اليهود المحاربين وقال له عن رسول الله –وهو يوري- هذا الرجل قد عنانا، وبخلاف ما يقوله الأسير عندما يقع في أيدي الأعداء وكذلك الذي يكره على كلمة الكفر فإن هذا ونحوه ممن قال الله فيهم :" إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" غير أن هناك من الأمور التي قد يظنها الناس مداهنة وهي ليست من ذلك في شيء وإنما هي كلمات حقيقية لا كذب فيها يقولها الداعية يستميل بها النفوس ويؤلف بها القلوب فهذا جعفر رضي الله تعالى عنه يقول للنجاشي بعد ما ذكر ما كانوا يلاقونه من المشركين في مكة :" فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك"
تلك كانت بعض الوقفات القصيرة مع سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله أما تفاصيل تلك السياسة فهي السيرة النبوية بكاملها على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ولعلنا نرجع إليها في مناسبة أخرى على نحو أشمل وأكثر تفصيلا
--------------------
الهوامش
(1) صحيح الجامع، للألباني، رقم 1880 وحسنه.
(1) قد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتأييد من الله قادراً على القيام بذلك بمفرده، ولم يكن الله ليميت رسوله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يكمل تبليغ رسالة ربه، لكن لما كان -صلى الله عليه وسلم- قدوة وأسوة للمسلمين فإنه يسلك الطريق الذي يكون في وسع كل مسلم سلوكه، الطريق الذي يعتمد على الأسباب لا على خوارق العادات؛ لأن هذه ليست في يد المسلم، بحيث يكون تقاعس المسلم عن سلوك ذلك السبيل تقصيراً يلام عليه، ولا يعني هذا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن في هذه السياسة مؤيداً من الله وأنه كان يتصرف باجتهاده صرفاً، بل هو يجتهد في عمل الأصلح، والوحي يسدده في ذلك
(2) كانت في الأصل: يبالغ، ولعله خطأ مطبعي.
(1) مجموع الفتاوى 20/ 59 - 61.
(1) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، رقم 3343.
(1) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، رقم 2992، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، رقم 3352. قرن الثعالب هو قرن المنازل ميقات أهل نجد. والأخشبان: جبلا مكة أبو قبيس والذي يقابله.
(2) تفسير ابن جرير الطبري 23/30.
منقول من مجلة البيان
السنة التاسعة عشرة * العدد 207* ذو القعدة 1425هـ * ديسمبر/يناير 2005م
====================
نظف أسنانك فستحتاج إليها يوم القيامة
المكان: أرض بيت المقدس.
الزمان: يوم الحساب.
التوقيت: مع اقتراب الشمس من الرؤوس.
المشهد:(14/315)
أنت واقف تحت الشمس وقد بلغ منك العرق بمقدار ذنوبك إلى الكعبين أو الساقين أو الصدر أو الفم فيغمرك العرق وكل أعلى بمقدار كم سيغرق وأنت في هذا الموقف تتمنى أن ينتهي بأسرع ما يمكن وبأي طريقة وحولك يقف أصدقاؤك الذين كنت معهم على غير طاعة الله لا يستطيعون أن يفعلوا لك شيئا ولا حتى أن يكونوا كما كانوا يفعلون في الدنيا ' رجالا ' في مواقف المعصية فهم مشغولون بأنفسهم أيضا.
وبينما أنت في هذا الموقف العصيب تنظر على مقربة منك فترى ظلا عظيما ممتدا يقف تحته الكثير من الناس كنت تعرفهم بأشكالهم بل حتى منهم من تعرفه باسمه بل ومنهم من وقفت وتكلمت معه مرات ومرات ما بالهم هناك وأنا هنا؟؟؟ بل ما لهم مستظلين وأنا في عرق ذنوبي غريق. نعم أليسوا هم من كانوا يدعونني إلى صحبتهم ويلحون علي في ذلك أليسوا هم من كانوا يحذرونني من صحبة رفاقي ويخبرونني بهذا المشهد ويرجونني ألا أكون في موضعي هذا.
حينها يملأ الندم قلبك ' ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ' فهل علمت أخي الحبيب من الذي سيحتاج إلى أسنانه يوم الحساب أسأل الله ألا تكون منهم.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ' الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل '.
وقال صلي الله عليه وسلم: ' لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ' وكما وجه الحبيب - صلى الله عليه وسلم - كل قابل لنصحه ومستجيب لأمره إلى من يكون الخليل والصاحب ومن يدخل بيتك ويأكل طعامك كذا بين الثواب العظيم للصحبة الحسنة في الدنيا والآخرة فقال - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر: ' إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم [يحسدهم الحسد المحمود] الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله - عز وجل - قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم على نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم تلا الآية: ' ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون '.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر: ' إذا خلص الله المؤمنين من النار وأمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار قال يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار فيقول الله - تعالى -: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى كعبيه فيخرجونهم فيقولون: ربنا أخرجنا من قد أمرتنا فيقول الله - تعالى -: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار ثم من كان في قلبه مثقال حبة من خردل' فانظر أعزك الله إلى شفاعة المؤمنين في إخوانهم وأصحابهم وأهليهم وأصدقائهم يوم القيامة وفضلها العظيم.
وتعال معي عزيزي الشاب إلى محور حديثنا الأساس وهو السبيل إلى اختيار الأصحاب والأصدقاء لكي ننال الثواب العظيم ولعل من أفضل العبارات التي تصوغ شكل الصاحب والرفيق عبارة الإمام ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - من القرن السادس الهجري حيث قال - رحمه الله -: ' ينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته خمس خصال: أن يكون عاقلا حسن الخلق غير فاسق ولا مبتدع ولا حريص على الدنيا '.
ونلمح في العبارة أن المنهي عنه في الصاحب أكثر من المأمور به وهي إشارة إلى أن الصفة الحسنة إن وجدت في الصاحب فليست كفاية للحكم بصلاحه لصحبتك بل الأهم انتفاء المنهيات حيث أنها علامة الهلاك.
1- أما العقل فهو رأس المال ولا خير في صحبة الأحمق لأنه يريد أن ينفعك فيضرك ونعني بالعاقل الشخص الذي يفهم الأمور على ما هي عليه إما بنفسه أو يكون بحيث إذا شرح له فهم وهذا مفهوم بالفطرة فلا نظن أن هناك من يحب مصاحبة الحمقي الذين لا يعرفون ما لا يفعلون.
2- وأما حسن الخلق فلا بد منه فرب عاقل يغلبه غضب أو شهوة فيطيع هواه فلا خير في صحبته فلا يغرنك صاحب العقل الراجح إن ساءت أخلاقه فسيؤذيك أنت أولا بأخلاقه قبل أن ينفعك بعقله وإن لم يفعل تنطبع أخلاقه على أخلاقك ولو بعد حين.
3- وأما الفاسق فإنه لا يخاف الله ومن لا يخاف الله - تعالى - لا تؤمن غائلته ولا يوثق به وهذا والله من درر كاللام فأمر طبيعي للغاية أن من لا يراعي حرمات الله - تعالى - هل سيراعي حرماتك وهل تأمنه على نفسك ومالك؟ كلا والله وإن ظهر منه عكس ذلك فعند الملمات والخطوب تظهر الحقائق وتنكشف وعندها لا ينفع الندم.
4- وأما المبتدع فيخاف من صحبته بسراية بدعته فصاحب البدعة يسرب إليهم فهمه الخاطئ للإسلام وبدعته ولا تشعر فمثلا كثرة مخالطتك للقبورييين ورؤيتك لما يفعلونه تقذف في القلوب الاعتقاد في القبور والتبرك بها والذبح والنذر لها والدعاء عندها وهذا من أخطر الأمور.(14/316)
5- وأما الحريص على الدنيا فإن واجب المؤمن أن يتجنب عشرة طلاب الدنيا فإنهم يدلونه على طلبها وجمعها ومنعها عن أصحاب الحق فيها وذاك الذي يبعد العبد عن طلب نجاته ويقطعه عنها ويجتهد في صحبة أهل الخير ومن يدله على طلب الآخرة وينبغي الحذر من هذه الصفة بالذات فصاحبها قد يكون صاحب عقل راجح وخلق رفيع وليس مبتدعا ولا فاسقا ولكنه غافل عن الله - تعالى -وليس حريصا على مرضاته فتصبح مثله بعد فترة من الوقت لا يهمك في هذه الدنيا إلا ذات الدنيا العمل والدراسة والكلية والبيت وغيرها من الأمور الدنيوية ولا يصبح في عقلك ولا فكرك حيز ولا مجال لمرضاة الله - تعالى - والسعي إليها فيقسو قلبك أعاذنا الله - تعالى - وإياك من ذلك، ويختم ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -فيقول: ' ومن اجتمعت فيه هذه الخصال كلها فإن صحبته لا ينتفع بها في الدنيا فقط بل ينتفع بها في الآخرة وعلى هذا يحمل كلام بعض الصحابة والتابعين - رحمهم الله - تعالى -: استكثروا من الأخوان فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة '.
وخير ختام لهذا الكلام قول الله - تعالى -: ' الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين '
أخي الحبيب: إنها دعوة لإعادة النظر في أصدقائك وتوصيفهم تبعا للقواعد التي ذكرناها سابقا فإما أن تنال بهم الشفاعة يوم القيامة وتكون معهم في تلك المكانة العظيمة وإما أن تبدأ بالأخذ بنصيحتي وتستعد بتنظيف أسنانك فستحتاج إليها في ذلك المقام.
حفظك الله - تعالى - ومن تحب من كل سوء وشر وأعانك على الخير ونيل رضاه.
23 ذو الحجة 1425هـ - 2 فبراير 2005 م
http://www.islammemo.cc المصدر:
==============
( إني حفيظ عليم )
عبد الله بن سليمان العبد الله
إن من عظيم نِعَمِ الله على العباد وَهْبَهُ إياهم أموراً تُمَيِّزُ بعضَهم فيها عن بعض، وقُدَرَاً متفاوتة مختلفة.
فليس البشر كلهم في القُدُرَات سواءً، ولا هم أيضاً في المواهب على اتفاق، بل أوْجَدَ الله فيهم اختلاف ذلك، وتفاوته وعدم اتفاقه لِحِكَمٍ عُظمى قلَّ المُدْرِكُوْن لها.
و لذلك كانت هذه الكلمة تحمل في طيَّاتها أصلاً أصيلاً، وقاعدةً متينةً وهي: (معرفة المرء قُدَرَ نفسه).
قال العلامة ابن عاشور - رحمه الله -: (و هذه الآية أصلٌ لوجوب عرْضِ المرء نفسه لولاية عمل من أمور الأمة إذا علِمَ أنه لا يصلح له غيره لأن ذلك من النصح للأمة). التحرير والتنوير (7/9)
و معناها واردٌ عن السلف - رضي الله عنهم - ومن أحسن تلك الكلمات ما كتبه الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - لأحد العباد لما كتب أحد العباد إليه ينكر عليه اشتغاله بالعلم، ويدعوه إلى التفرغ للعبادة، فكتب له مالك - رحمه الله -: "إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر".
فالإمام مالكٌ - رحمه الله - أشار هنا إشارة بليغة إلى هذه القاعدة الكبيرة، فما أفقهه من إمام، وما أبعد نظره.
و هذه القاعدة الكبرى مُرْتَكِزَةٌ على ركيزَتَيْن اثنتين:
الأولى: عدم رَفْعِ النفس فوق قدْرِها.
حيث ترى وهو كثير مَنْ يُخادع نفسه ويُلْبِسُها لباس الزور فيُنزلها منازل كبيرةً عليها، ليست هي من أهلها ولا قَرُبَتْ من أحوالهم.
الثانية: عدم إهانتها وإنزالها عن قدرها.
و هذه كسابقتها في الكثرة والانتشار.
و كما أن الناس متَّعَهم الله بقُدَرٍ فإنه مما لا شك أن لتحصيلها سُبُلاً وطُرُقَاً، وجملة تلك طريقان:
الأولى: إدراك المرء ذلك من نفسه.
و ذلك من خلال تجارُب وأحوال مرَّت به علَّمته أنه يملك قُدْرَةً على أمرْ دون غيره، وقليل من يُدْرِكُ ذلك من تلقاء ذاته.
و لقد حَفَلت السيرة بشيء من ذلك ما يُذْكِرُ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: أنا من الراسخين في العلم.
فابن عباس هنا أدرك من نفسه هذه القُدْرَة فنبَّه عليها، وأفصح عن حقيقتها.
و مثله: ما يُذكرُ عن كثير من السلف صحابةً وتابعين وتابعيهم من إخبارهم غيرَهم عما يعلمونه دون غيرهم.
الثانية: إدراك غيره منه.
الإنسان مَدَنِيٌ بطبعه، مُنْجَذِبٌ إلى بني جنسه، كثير المعاشرة لهم؛ لذا فقد يطلع بعضٌ على أن فلاناً موهوب بموهبة كذا؛ وهو جاهل بقُدْرَته هذه، غافلاً عن تلك الموهبة.
و من هذه ما حفَلَت به السيَر فمنها:
شأن أبي ذر - رضي الله عنه - فقد طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يوليَه إمرةً فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين على مال يتيم"
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أدرك من حال أبي ذر - رضي الله عنه - عدم أهليته للإمارة فنهاه، وقد غابت هذه عنه وأدركها غيره.
و مِنْ ذلك ما يُذكر عن الخليل بن أحمد الفراهيدي - رحمه الله - لما جاءه الأصمعي عبد الملك بن قريب - رحمه الله - طالباً علم العَرُوْض فلم يستطع فهمه، فأنشد الخليل:
إذا لم تستطع شيئا فدعه *** وجاوزه إلى ما تستطيع.
و حيث عُرِفَ هذا فإن على الإنسان أن يعلم أن لهذه المعرفة لقُدُرَات النفس مجالان هما أهم ما يظهر في الساحة:
الأول: العلم.
مُفْرِحٌ أن نرى كثيراً من رجال الصحوة يعملون ويشتغلون في طلب العلم، ولكن يُؤْسِفُ جداً أن ترى عدداً ليس بالقليل منهم ينفضُّ عن مجالس العلم تلك في فترة قصيرة وجيزة.
و حين بَحْثِ السبب في ذلك تلمح أنه الجهل بقُدْرَةِ الرجل وميوله واهتمامه.(14/317)
فإن طلب العلم شأنُ مَنْ ليس له أي شأن إلا طلب العلم؛ فهو يحتاج إلى تفرُّغٍ، وسهر، وبحث، وتحرير، وحفظٍ، ….
فكثير ممن سلك ذلك لم يَدُرْ في خاطره ولو لمرَّةٍ تساؤلٌ:
هل هو ممن يستطيع طلب العلم والتفرُّغ له، وإعطاءه حقه؟
الثاني: الدعوة.
إن الاهتمام بالدعوة شأن كثيرين من رجال الصحوة وشبابها، وهذا مما يُبَشِّرُ بخير.
لكن يَرِدُ عليه ما وَرَدَ على المجال السابق؛ وهو: أن بعض المشتغلين بالدعوة ممن دفعتهم عاطفتهم إلى العمل بها، وهذا أمر لا يُراد؛ إذ أمور الدعوة لابد لها من سلوك مسارات منضبطة، ونظام مدروس.
أما أن تُسْلَك سُبُل الدعوة هكذا بلا قواعد تُدْرَسُ من خلالها، فلا.
و أما أن يسلك الدعوة من له قُدرة على تحمل أعبائها ومن ليس له قدرة، فلا، وليس من شأن الجادين.
هذان مجالان مهمان جاء الحديث عنهما لكونهما هما الظاهران في الساحة، وفي صفِّ رجال الصحوة، وفي سلك العمل الدعوي.
و إلا فهناك مجالات كثيرة تحتاج إلى أن نتحدَّث عنها في مثل هذا.
و أخيراً: فإن لمعرفة المرء قُدَرَ نَفْسِه، واكتشاف مواهبه، فوائد نفيسة؛ منها:
الأولى: تنظيم العمل الإسلامي.
فإذا عرف كلٌّ منَّا ما يحسنه ويتقنه من أعمال، ومجالات، انتظم العمل الإسلامي بعمومه؛ العلمي، والدعوي.
فمن عرف أهليته للعمل الدعوي، وتوافرت لديه إمكانات وقُدَرُ الإبداع في المجال الدعوي سلكه وسار فيه.
و من عرف من نفسه الإتقان في المجال العلمي انتهجه ولَزِمَه.
و بذلك ينتظم العمل الإسلامي في أحسن مساراته.
الثانية: حفظ الوقت.
و سرُّه أن كلاً سيعمل في حقله الذي مالت إليه نفسه، ووثق في الإتقان فيه، والإبداع في مجالاته.
و حفظ الوقت هنا نوعان:
الأول: حفظ وقت العمل الإسلامي.
فلا يضيع أكثر زمانه في أمور ليس منها نفع له.
و ذلك: أنه لو أخذ كلٌّ منَّا مجاله الذي يتقنه لكان في ذلك إنجاز أهدافٍ كِثار كبارٍ في مشروع العمل الإسلامي.
لكن حين تقلب كثيرٍ من رجال الصحوة في مجالات عِدَّةٍ، وتنقلاتهم فيما بين مجالات العمل الإسلامي تتأخر أهداف كان تحققها في وقت سبق، أو ربما تتحق في وقتها لكن ليست بإتقان وإحكام، وهذا مما لا يتمشى مع أهدافنا في العمل للإسلام والسعي نحو نشره.
الثاني: حفظ وقت الشخص.
ففي سلوكه مجالاً ليس له أهلية السلوك فيه يُوْرِثُه الملل والسآمة، ومن ثَمَّ الانقطاع عنه والبحث عن غيره.
فهذه الحالة أنتجت ضياع وقت كان من الممكن أن يُسْتَغلَّ لو عُرِفَت قُدْرَةُ النفس في غيره من الأعمال الأخرى.
و أعني بالأعمال: ما يحسنه الشخص ويرى أهليته له.
الثالثة: تقدير الجهود.
حيث كلٌّ على ثَغْرَةٍ من ثغور العمل الإسلامي، وكله عمل خير.
فذو العمل الدعوي يُقَدِّرُ جُهْدَ العامل في العمل العلمي، وكذلك العكس.
و حين تتخلَّف المعرفة لِقُدَرِ النفس ومواهبها يكون النقد الهادم للجهود، ويكون الانتصار للزيف الإنتاجي؛ إذ يظن كل عامل أنه خير من صاحبه شأناً، وأجل منه عملاً.
و هذا ما جلب لنا الخرقَ الكبير في صرح العمل الإسلامي.
الرابعة: تغطية جوانب العمل الإسلامي.
و لعل هذه من أجلِّ فوائدها، وأعظم ثمارها؛ فهو ما نطمح إليه في العمل للإسلام والسعي لنشره وتبليغه للناس في أقاصي الأرض.
فقد عَلِمَ كلٌ مشربه، ولَزِمَ دَرْبَه.
فَيَجِدُّ العامل بإتقان عمله وتوسيع نطاقه، وتكثير مَنْ يُعينه ممن ينهج نهجه في القُدَر والمواهب.
هذه خاطرة سنحت فكُتِبَتْ، آملُ أن أكون قد وُفِّقْتُ في وضع نقاط على أحرفها.
و الله الموفق والهادي لا إله إلا هو، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
http://saaid.net المصدر:
==============
أجمل الحياة أن تصنع بأيدي المتعبين
دعاء عمار
عندما يخرج الإنسان من واقعه الصعب، ويحوّل طاقة الحزن بداخله إلى إنتاج وإبداع بدلاً من إبقائها لتكون معول هدم لنفسه ومَن حوله، وبدلاً من الاستسلام للأمر الواقع بمجتمعه إضافة إلى ما يجده الشخص في حياته من مشاكل، يسعى إلى إيجاد عوامل النهوض وصناعة حياة أفضل، ويجد المتعة في مساعدة الآخرين وترك أثر في محيطه بدلاً من العيش كماً زائداً لا فرق بين وجوده و غيابه، عندها فقط يحق للإنسان أن يكون إنساناً، وأن يشعر بالسعادة والمتعة الحقيقية خاصة مع إخلاص النية لله في كل خطوة من خطوات الحياة، واحتساب الأجر في الصبر على المصاعب والمعاناة.
هؤلاء هنّ مجموعة من صانعات الحياة رفضن السلبية وتحدين من حولهن من مثبطي الهمم، وجدن في أنفسهن الطاقة والقوة على تجميع أنفسهن واكتساب الخبرة من بعضهن ليبدأن خطوات فعالة في طريق الألف ميل.
سهى تخصص إدارة أعمال، هبة تخصص محاسبة وهنادي تخصص هندسة صناعية عرفن بعضهن بعضاً من خلال مراحل الدراسة المختلفة فارتبطت أفكارهن ومشاعرهن ليكوّنّ بذلك فريقاً متميزاً من الفتيات بعدما حركت الإيجابية فيهن تلك الحلقة بنفس العنوان في صُنّاع الحياة.
بدأت أولى أفكار الإيجابية لديهن بتصميم أسطوانة كمبيوتر تحوي عدداً من المواضيع المفيدة والمعلومات البسيطة ونسخها فيما بينهن ثم توزيعها، وتقول عن ذلك هنادي: " في البداية كان عملنا عشوائياً ودون خبرة، فخرجت الاسطوانة بسيطة جداً، وكنّا نوزعها حتى اقترح علينا بعض الأقارب بيعها والاستفادة من ثمنها في مساعدة بعض المحتاجين، وبالفعل بدأنا في بيعها بثمن بسيط، ومن أراد زيادته كنوع من الدعم لنا زاده، وقد تأثّر عدد من الناس بنا، واشتروها بمبلغ وصل إلى مائة دولار أو دينار في بعض الأحيان، حتى تمكّنا في البداية من شراء عدد من الكراسي المتحركة، ووضعناها في خدمة الجرحى والمعاقين في المستشفى".(14/318)
ورغم معارضة بعض السلبيّين من الناس والتشكيك في مقدرة هؤلاء الفتيات على النجاح إلا أنهنّ تمكنّ في بداية مشروعهنّ الصغير من بيع (2000) اسطوانة بدلاً من (500) كما خطّطن من قبل، ولأن الإبداع يأتي عندما تفكر بطريقة غير ما يفكر به العاديون من الناس فقد طرأت لهن فكرة لإنجاز نشاط رغم قلة إمكاناتهن المادية فتقول هبة: " أردنا فعل شيء لمحاربة التدخين لكن قلة الإمكانات كانت مشكلة فعمدنا إلى جمع الاسطوانات القديمة غير المستعملة، وألصقنا عليها شعارات للتنفير من التدخين والترغيب في تركه، ووزعناها مجاناً على الناس كنوع من الزينة التي تُعلّق في السيارات على سبيل المثال، وتكون بذلك دعاية متحركة".
شيئاً فشيئاً بدأت الخبرات تتبلور، وتقسيم الأدوار والاختصاصات يتم اعتماده؛ فهو بلا شك سبب رئيس في نجاح المشاريع سواء كانت صغيرة أم كبيرة، وهذا ما تم اعتماده لديهن خاصة بعد ازدياد عدد الفتيات الملتحقات في أنشطة صُنّاع الحياة، فاختص أهل الصيدلة بمشروع حُماة المستقبل ومكافحة التدخين، ومشروع حُماة البيئة واستفادوا من خبرة سيدة أجرت دراسة بيئية، ولها دراية بهذا الموضوع منذ عشرين عاماً تقريباً، إضافة لعدد آخر من المشاريع التي تبدأ وتستمر أو تنتهي حسب احتياجات المجتمع والإمكانات المتوفرة لديهن، ففي رمضان مثلاً قُمْن بمساعدة عدد من الأسر من خلال مبلغ تم جمعه من أنشطة سابقة، وكان لهنّ دور فعّال في تقديم إغاثة أهلية سريعة بعد اجتياح بيت حانون الأخير.
رغم النجاح الذي حققته الفتيات إلا أن الكثير من الصعوبات واجهتهنّ في طريقهن؛ فهن كفتيات يصعب عليهن التحرك كثيراً ويلزمهن التقيد بالوقت وعدم التأخر مما يجعل وقتهنّ ضيّقاً خاصة، وأن عدداً كبيراً منهن عاملات، بجانب الصعوبات الأخرى التي تفرضها قوات الاحتلال من حيث إغلاق الحواجز فلا يتمكّنّ من الاتصال المباشر لعدة أيام، وسوء الحالة المادية للكثير من الأسر قلل من حجم انتشار أنشطتهنّ خاصة بيع الاسطوانات، كما ألقى الوضع الحزبي لغالبية المجتمع الفلسطيني بظلال ثقيلة عليهنّ؛ فكان من الصعوبة على العديد من الناس تصديق أنهنّ قمن بنشاطهنّ بشكل تطوعي مستقل بعيداً عن أي تنظيم خاصة في بداية ظهورهنّ، واستغراب بدئهنّ بمثل ذلك النشاط بمفردهنّ وهنّ فتيات.
ورغم أن بداية تحرك هؤلاء الفتيات رغبتهنّ في مساعدة المحتاجين من أبناء المجتمع والمتضررين بفعل الاحتلال، لكنهنّ لم يقتصرْن على استغلال الإيجابيّة في أنفسهنّ فقط بل حاولن بثها في فئات المجتمع المختلفة حيث تقول هبة: " كان من الممكن أن نجمع التبرعات أو المساعدات من الناس لمن يحتاجها لكن رأينا أن ذلك شيء سلبي من جهة المتبرع؛ لأنه رغم وجود الفطرة الخيرة لكنه لن يشعر بأهمية كبيرة له، لكن إن شعر أنه يستفيد من خلال تبرعه بشكل ملموس سيحرك ذلك عنصر الإيجابية لديه هو الآخر، وبذلك نفيد المتبرِّع والمتبرَّع له معاً".
وجود الهدف هو المحرك الأساسي للإنسان، وما يجعل لحياته معنًى وطعماً ممتعاً رغم الألم والمصاعب، وبدونه مهما كانت الحياة مليئة بوسائل الترف والرفاهية؛ فما ذلك إلا متاع مؤقت ما يلبث أن يلحقه الكدر والضيق طالما لم يستفد منه الإنسان في بناء الحياة التي خلقه الله - تعالى -لإعمارها والاستفادة منها في تعمير آخرته، هكذا كنّ هؤلاء الفتيات حيث تقول سهى: " هدفنا الأول والأخير هو رضا الله تعالى- ثم إبعاد الملل عنا من كثرة وقت الفراغ والاستفادة منه؛ فالآن لم يعد لدى الكثيرات منا وقت للملل أو التفكير بأشياء ليست ذات قيمة"، تؤكد هبة كلامها فتقول: " قول لأحد الأئمة كان يقلقني دوما حين أفكر فيه، وهو أن الإسلام سيأتي يوم القيامة ويقول يا رب هذا نصرني، وهذا خذلني حتى يصل لسيدنا عمر -رضي الله عنه- ويقول الإسلام: يا رب كنت غريباً حتى جاء هذا الرجل ونصرني، فكنت أفكر: ماذا سيقول الإسلام عني يوم القيامة؟ وهل من المعقول أن أبقى على هامش الحياة دون إحداث تغيير أو ترك أثر في المجتمع؟ "، وقالت هنادي: " إن لم تضف شيئاً في الحياة كنت أنت زائداً عليها، ونحن لم نرد أن نعيش لأنفسنا نأكل ونشرب ونأتي بأولاد إلى الحياة ليعيشوا بلا هدف مثل الكثير من الناس، لكن أردنا أن نعيش لنا وللمجتمع من حولنا".
وفي ذلك الإطار قدمت الفتيات نصيحة لجميع من يعشن في الحياة في باقي الدنيا بأن يكن فاعلات في مجتمعاتهن، ويضفن أشياء كثيرة بمقدورهن القيام بها بأبسط الإمكانيات، فعلى الأقل حسب تعبير إحداهن: " ليس لديهنّ احتلال يصعّب حياتهن أو يزيد آلامهن"، فيجب ألا ترضى الفتاة العربية بأن تنحصر اهتماماتها في الملابس والماكياج والموضة فقط، خاصة إن توفر لديها الوقت والجهد والمال اللازم لإنجاح مشاريع عديدة، فكيف ترضى للفراغ والملل أن يملأ حياتها؟ "
12/2/1426
22/03/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
============
( إني حفيظ عليم )
عبد الله بن سليمان العبد الله
إن من عظيم نِعَمِ الله على العباد وَهْبَهُ إياهم أموراً تُمَيِّزُ بعضَهم فيها عن بعض، وقُدَرَاً متفاوتة مختلفة.
فليس البشر كلهم في القُدُرَات سواءً، ولا هم أيضاً في المواهب على اتفاق، بل أوْجَدَ الله فيهم اختلاف ذلك، وتفاوته وعدم اتفاقه لِحِكَمٍ عُظمى قلَّ المُدْرِكُوْن لها.
و لذلك كانت هذه الكلمة تحمل في طيَّاتها أصلاً أصيلاً، وقاعدةً متينةً وهي: (معرفة المرء قُدَرَ نفسه).(14/319)
قال العلامة ابن عاشور - رحمه الله -: (و هذه الآية أصلٌ لوجوب عرْضِ المرء نفسه لولاية عمل من أمور الأمة إذا علِمَ أنه لا يصلح له غيره لأن ذلك من النصح للأمة). التحرير والتنوير (7/9)
و معناها واردٌ عن السلف - رضي الله عنهم - ومن أحسن تلك الكلمات ما كتبه الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - لأحد العباد لما كتب أحد العباد إليه ينكر عليه اشتغاله بالعلم، ويدعوه إلى التفرغ للعبادة، فكتب له مالك - رحمه الله -: "إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر".
فالإمام مالكٌ - رحمه الله - أشار هنا إشارة بليغة إلى هذه القاعدة الكبيرة، فما أفقهه من إمام، وما أبعد نظره.
و هذه القاعدة الكبرى مُرْتَكِزَةٌ على ركيزَتَيْن اثنتين:
الأولى: عدم رَفْعِ النفس فوق قدْرِها.
حيث ترى وهو كثير مَنْ يُخادع نفسه ويُلْبِسُها لباس الزور فيُنزلها منازل كبيرةً عليها، ليست هي من أهلها ولا قَرُبَتْ من أحوالهم.
الثانية: عدم إهانتها وإنزالها عن قدرها.
و هذه كسابقتها في الكثرة والانتشار.
و كما أن الناس متَّعَهم الله بقُدَرٍ فإنه مما لا شك أن لتحصيلها سُبُلاً وطُرُقَاً، وجملة تلك طريقان:
الأولى: إدراك المرء ذلك من نفسه.
و ذلك من خلال تجارُب وأحوال مرَّت به علَّمته أنه يملك قُدْرَةً على أمرْ دون غيره، وقليل من يُدْرِكُ ذلك من تلقاء ذاته.
و لقد حَفَلت السيرة بشيء من ذلك ما يُذْكِرُ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: أنا من الراسخين في العلم.
فابن عباس هنا أدرك من نفسه هذه القُدْرَة فنبَّه عليها، وأفصح عن حقيقتها.
و مثله: ما يُذكرُ عن كثير من السلف صحابةً وتابعين وتابعيهم من إخبارهم غيرَهم عما يعلمونه دون غيرهم.
الثانية: إدراك غيره منه.
الإنسان مَدَنِيٌ بطبعه، مُنْجَذِبٌ إلى بني جنسه، كثير المعاشرة لهم؛ لذا فقد يطلع بعضٌ على أن فلاناً موهوب بموهبة كذا؛ وهو جاهل بقُدْرَته هذه، غافلاً عن تلك الموهبة.
و من هذه ما حفَلَت به السيَر فمنها:
شأن أبي ذر - رضي الله عنه - فقد طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يوليَه إمرةً فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين على مال يتيم"
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أدرك من حال أبي ذر - رضي الله عنه - عدم أهليته للإمارة فنهاه، وقد غابت هذه عنه وأدركها غيره.
و مِنْ ذلك ما يُذكر عن الخليل بن أحمد الفراهيدي - رحمه الله - لما جاءه الأصمعي عبد الملك بن قريب - رحمه الله - طالباً علم العَرُوْض فلم يستطع فهمه، فأنشد الخليل:
إذا لم تستطع شيئا فدعه *** وجاوزه إلى ما تستطيع.
و حيث عُرِفَ هذا فإن على الإنسان أن يعلم أن لهذه المعرفة لقُدُرَات النفس مجالان هما أهم ما يظهر في الساحة:
الأول: العلم.
مُفْرِحٌ أن نرى كثيراً من رجال الصحوة يعملون ويشتغلون في طلب العلم، ولكن يُؤْسِفُ جداً أن ترى عدداً ليس بالقليل منهم ينفضُّ عن مجالس العلم تلك في فترة قصيرة وجيزة.
و حين بَحْثِ السبب في ذلك تلمح أنه الجهل بقُدْرَةِ الرجل وميوله واهتمامه.
فإن طلب العلم شأنُ مَنْ ليس له أي شأن إلا طلب العلم؛ فهو يحتاج إلى تفرُّغٍ، وسهر، وبحث، وتحرير، وحفظٍ، ….
فكثير ممن سلك ذلك لم يَدُرْ في خاطره ولو لمرَّةٍ تساؤلٌ:
هل هو ممن يستطيع طلب العلم والتفرُّغ له، وإعطاءه حقه؟
الثاني: الدعوة.
إن الاهتمام بالدعوة شأن كثيرين من رجال الصحوة وشبابها، وهذا مما يُبَشِّرُ بخير.
لكن يَرِدُ عليه ما وَرَدَ على المجال السابق؛ وهو: أن بعض المشتغلين بالدعوة ممن دفعتهم عاطفتهم إلى العمل بها، وهذا أمر لا يُراد؛ إذ أمور الدعوة لابد لها من سلوك مسارات منضبطة، ونظام مدروس.
أما أن تُسْلَك سُبُل الدعوة هكذا بلا قواعد تُدْرَسُ من خلالها، فلا.
و أما أن يسلك الدعوة من له قُدرة على تحمل أعبائها ومن ليس له قدرة، فلا، وليس من شأن الجادين.
هذان مجالان مهمان جاء الحديث عنهما لكونهما هما الظاهران في الساحة، وفي صفِّ رجال الصحوة، وفي سلك العمل الدعوي.
و إلا فهناك مجالات كثيرة تحتاج إلى أن نتحدَّث عنها في مثل هذا.
و أخيراً: فإن لمعرفة المرء قُدَرَ نَفْسِه، واكتشاف مواهبه، فوائد نفيسة؛ منها:
الأولى: تنظيم العمل الإسلامي.
فإذا عرف كلٌّ منَّا ما يحسنه ويتقنه من أعمال، ومجالات، انتظم العمل الإسلامي بعمومه؛ العلمي، والدعوي.
فمن عرف أهليته للعمل الدعوي، وتوافرت لديه إمكانات وقُدَرُ الإبداع في المجال الدعوي سلكه وسار فيه.
و من عرف من نفسه الإتقان في المجال العلمي انتهجه ولَزِمَه.
و بذلك ينتظم العمل الإسلامي في أحسن مساراته.
الثانية: حفظ الوقت.
و سرُّه أن كلاً سيعمل في حقله الذي مالت إليه نفسه، ووثق في الإتقان فيه، والإبداع في مجالاته.
و حفظ الوقت هنا نوعان:
الأول: حفظ وقت العمل الإسلامي.
فلا يضيع أكثر زمانه في أمور ليس منها نفع له.
و ذلك: أنه لو أخذ كلٌّ منَّا مجاله الذي يتقنه لكان في ذلك إنجاز أهدافٍ كِثار كبارٍ في مشروع العمل الإسلامي.(14/320)
لكن حين تقلب كثيرٍ من رجال الصحوة في مجالات عِدَّةٍ، وتنقلاتهم فيما بين مجالات العمل الإسلامي تتأخر أهداف كان تحققها في وقت سبق، أو ربما تتحق في وقتها لكن ليست بإتقان وإحكام، وهذا مما لا يتمشى مع أهدافنا في العمل للإسلام والسعي نحو نشره.
الثاني: حفظ وقت الشخص.
ففي سلوكه مجالاً ليس له أهلية السلوك فيه يُوْرِثُه الملل والسآمة، ومن ثَمَّ الانقطاع عنه والبحث عن غيره.
فهذه الحالة أنتجت ضياع وقت كان من الممكن أن يُسْتَغلَّ لو عُرِفَت قُدْرَةُ النفس في غيره من الأعمال الأخرى.
و أعني بالأعمال: ما يحسنه الشخص ويرى أهليته له.
الثالثة: تقدير الجهود.
حيث كلٌّ على ثَغْرَةٍ من ثغور العمل الإسلامي، وكله عمل خير.
فذو العمل الدعوي يُقَدِّرُ جُهْدَ العامل في العمل العلمي، وكذلك العكس.
و حين تتخلَّف المعرفة لِقُدَرِ النفس ومواهبها يكون النقد الهادم للجهود، ويكون الانتصار للزيف الإنتاجي؛ إذ يظن كل عامل أنه خير من صاحبه شأناً، وأجل منه عملاً.
و هذا ما جلب لنا الخرقَ الكبير في صرح العمل الإسلامي.
الرابعة: تغطية جوانب العمل الإسلامي.
و لعل هذه من أجلِّ فوائدها، وأعظم ثمارها؛ فهو ما نطمح إليه في العمل للإسلام والسعي لنشره وتبليغه للناس في أقاصي الأرض.
فقد عَلِمَ كلٌ مشربه، ولَزِمَ دَرْبَه.
فَيَجِدُّ العامل بإتقان عمله وتوسيع نطاقه، وتكثير مَنْ يُعينه ممن ينهج نهجه في القُدَر والمواهب.
هذه خاطرة سنحت فكُتِبَتْ، آملُ أن أكون قد وُفِّقْتُ في وضع نقاط على أحرفها.
و الله الموفق والهادي لا إله إلا هو، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
http://saaid.net المصدر:
============
أجمل الحياة أن تصنع بأيدي المتعبين
دعاء عمار
عندما يخرج الإنسان من واقعه الصعب، ويحوّل طاقة الحزن بداخله إلى إنتاج وإبداع بدلاً من إبقائها لتكون معول هدم لنفسه ومَن حوله، وبدلاً من الاستسلام للأمر الواقع بمجتمعه إضافة إلى ما يجده الشخص في حياته من مشاكل، يسعى إلى إيجاد عوامل النهوض وصناعة حياة أفضل، ويجد المتعة في مساعدة الآخرين وترك أثر في محيطه بدلاً من العيش كماً زائداً لا فرق بين وجوده و غيابه، عندها فقط يحق للإنسان أن يكون إنساناً، وأن يشعر بالسعادة والمتعة الحقيقية خاصة مع إخلاص النية لله في كل خطوة من خطوات الحياة، واحتساب الأجر في الصبر على المصاعب والمعاناة.
هؤلاء هنّ مجموعة من صانعات الحياة رفضن السلبية وتحدين من حولهن من مثبطي الهمم، وجدن في أنفسهن الطاقة والقوة على تجميع أنفسهن واكتساب الخبرة من بعضهن ليبدأن خطوات فعالة في طريق الألف ميل.
سهى تخصص إدارة أعمال، هبة تخصص محاسبة وهنادي تخصص هندسة صناعية عرفن بعضهن بعضاً من خلال مراحل الدراسة المختلفة فارتبطت أفكارهن ومشاعرهن ليكوّنّ بذلك فريقاً متميزاً من الفتيات بعدما حركت الإيجابية فيهن تلك الحلقة بنفس العنوان في صُنّاع الحياة.
بدأت أولى أفكار الإيجابية لديهن بتصميم أسطوانة كمبيوتر تحوي عدداً من المواضيع المفيدة والمعلومات البسيطة ونسخها فيما بينهن ثم توزيعها، وتقول عن ذلك هنادي: " في البداية كان عملنا عشوائياً ودون خبرة، فخرجت الاسطوانة بسيطة جداً، وكنّا نوزعها حتى اقترح علينا بعض الأقارب بيعها والاستفادة من ثمنها في مساعدة بعض المحتاجين، وبالفعل بدأنا في بيعها بثمن بسيط، ومن أراد زيادته كنوع من الدعم لنا زاده، وقد تأثّر عدد من الناس بنا، واشتروها بمبلغ وصل إلى مائة دولار أو دينار في بعض الأحيان، حتى تمكّنا في البداية من شراء عدد من الكراسي المتحركة، ووضعناها في خدمة الجرحى والمعاقين في المستشفى".
ورغم معارضة بعض السلبيّين من الناس والتشكيك في مقدرة هؤلاء الفتيات على النجاح إلا أنهنّ تمكنّ في بداية مشروعهنّ الصغير من بيع (2000) اسطوانة بدلاً من (500) كما خطّطن من قبل، ولأن الإبداع يأتي عندما تفكر بطريقة غير ما يفكر به العاديون من الناس فقد طرأت لهن فكرة لإنجاز نشاط رغم قلة إمكاناتهن المادية فتقول هبة: " أردنا فعل شيء لمحاربة التدخين لكن قلة الإمكانات كانت مشكلة فعمدنا إلى جمع الاسطوانات القديمة غير المستعملة، وألصقنا عليها شعارات للتنفير من التدخين والترغيب في تركه، ووزعناها مجاناً على الناس كنوع من الزينة التي تُعلّق في السيارات على سبيل المثال، وتكون بذلك دعاية متحركة".
شيئاً فشيئاً بدأت الخبرات تتبلور، وتقسيم الأدوار والاختصاصات يتم اعتماده؛ فهو بلا شك سبب رئيس في نجاح المشاريع سواء كانت صغيرة أم كبيرة، وهذا ما تم اعتماده لديهن خاصة بعد ازدياد عدد الفتيات الملتحقات في أنشطة صُنّاع الحياة، فاختص أهل الصيدلة بمشروع حُماة المستقبل ومكافحة التدخين، ومشروع حُماة البيئة واستفادوا من خبرة سيدة أجرت دراسة بيئية، ولها دراية بهذا الموضوع منذ عشرين عاماً تقريباً، إضافة لعدد آخر من المشاريع التي تبدأ وتستمر أو تنتهي حسب احتياجات المجتمع والإمكانات المتوفرة لديهن، ففي رمضان مثلاً قُمْن بمساعدة عدد من الأسر من خلال مبلغ تم جمعه من أنشطة سابقة، وكان لهنّ دور فعّال في تقديم إغاثة أهلية سريعة بعد اجتياح بيت حانون الأخير.(14/321)
رغم النجاح الذي حققته الفتيات إلا أن الكثير من الصعوبات واجهتهنّ في طريقهن؛ فهن كفتيات يصعب عليهن التحرك كثيراً ويلزمهن التقيد بالوقت وعدم التأخر مما يجعل وقتهنّ ضيّقاً خاصة، وأن عدداً كبيراً منهن عاملات، بجانب الصعوبات الأخرى التي تفرضها قوات الاحتلال من حيث إغلاق الحواجز فلا يتمكّنّ من الاتصال المباشر لعدة أيام، وسوء الحالة المادية للكثير من الأسر قلل من حجم انتشار أنشطتهنّ خاصة بيع الاسطوانات، كما ألقى الوضع الحزبي لغالبية المجتمع الفلسطيني بظلال ثقيلة عليهنّ؛ فكان من الصعوبة على العديد من الناس تصديق أنهنّ قمن بنشاطهنّ بشكل تطوعي مستقل بعيداً عن أي تنظيم خاصة في بداية ظهورهنّ، واستغراب بدئهنّ بمثل ذلك النشاط بمفردهنّ وهنّ فتيات.
ورغم أن بداية تحرك هؤلاء الفتيات رغبتهنّ في مساعدة المحتاجين من أبناء المجتمع والمتضررين بفعل الاحتلال، لكنهنّ لم يقتصرْن على استغلال الإيجابيّة في أنفسهنّ فقط بل حاولن بثها في فئات المجتمع المختلفة حيث تقول هبة: " كان من الممكن أن نجمع التبرعات أو المساعدات من الناس لمن يحتاجها لكن رأينا أن ذلك شيء سلبي من جهة المتبرع؛ لأنه رغم وجود الفطرة الخيرة لكنه لن يشعر بأهمية كبيرة له، لكن إن شعر أنه يستفيد من خلال تبرعه بشكل ملموس سيحرك ذلك عنصر الإيجابية لديه هو الآخر، وبذلك نفيد المتبرِّع والمتبرَّع له معاً".
وجود الهدف هو المحرك الأساسي للإنسان، وما يجعل لحياته معنًى وطعماً ممتعاً رغم الألم والمصاعب، وبدونه مهما كانت الحياة مليئة بوسائل الترف والرفاهية؛ فما ذلك إلا متاع مؤقت ما يلبث أن يلحقه الكدر والضيق طالما لم يستفد منه الإنسان في بناء الحياة التي خلقه الله - تعالى -لإعمارها والاستفادة منها في تعمير آخرته، هكذا كنّ هؤلاء الفتيات حيث تقول سهى: " هدفنا الأول والأخير هو رضا الله تعالى- ثم إبعاد الملل عنا من كثرة وقت الفراغ والاستفادة منه؛ فالآن لم يعد لدى الكثيرات منا وقت للملل أو التفكير بأشياء ليست ذات قيمة"، تؤكد هبة كلامها فتقول: " قول لأحد الأئمة كان يقلقني دوما حين أفكر فيه، وهو أن الإسلام سيأتي يوم القيامة ويقول يا رب هذا نصرني، وهذا خذلني حتى يصل لسيدنا عمر -رضي الله عنه- ويقول الإسلام: يا رب كنت غريباً حتى جاء هذا الرجل ونصرني، فكنت أفكر: ماذا سيقول الإسلام عني يوم القيامة؟ وهل من المعقول أن أبقى على هامش الحياة دون إحداث تغيير أو ترك أثر في المجتمع؟ "، وقالت هنادي: " إن لم تضف شيئاً في الحياة كنت أنت زائداً عليها، ونحن لم نرد أن نعيش لأنفسنا نأكل ونشرب ونأتي بأولاد إلى الحياة ليعيشوا بلا هدف مثل الكثير من الناس، لكن أردنا أن نعيش لنا وللمجتمع من حولنا".
وفي ذلك الإطار قدمت الفتيات نصيحة لجميع من يعشن في الحياة في باقي الدنيا بأن يكن فاعلات في مجتمعاتهن، ويضفن أشياء كثيرة بمقدورهن القيام بها بأبسط الإمكانيات، فعلى الأقل حسب تعبير إحداهن: " ليس لديهنّ احتلال يصعّب حياتهن أو يزيد آلامهن"، فيجب ألا ترضى الفتاة العربية بأن تنحصر اهتماماتها في الملابس والماكياج والموضة فقط، خاصة إن توفر لديها الوقت والجهد والمال اللازم لإنجاح مشاريع عديدة، فكيف ترضى للفراغ والملل أن يملأ حياتها؟ "
12/2/1426
22/03/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
-=========
آمنة بناني : داعية إلى الله بالرسم على الزجاج
اختارت آمنة بناني (ربة بيت منخرطة في جمعيات خيرية، أم لأربعة أبناء، منهم رسامة) أن تمارس فن الصباغة على الزجاج وتتخذها وسيلة لنقش حب الله في الصدور عبر لوحاتها الهادفة، سواء منها التي تهديها في المناسبات أو التي تعرضها في المعارض كلما أتيحت لها الفرصة.
تسكن"آمنة بناني"بحي المحيط في العاصمة المغربية الرباط في عمارة تتميز شقتها فيها عن باقي شقق العمارة ببصماتها الفنية، إذ يكفي الزائر أن يرى زجاج الباب الخارجي لبيتها مزينا بلوحات فنية ليعرف أنه بيت آمنة.
حكت لنا آمنة بناني عن دور الفن في الدعوة إلى الله كما عن أثره في تنمية العلاقة الزوجية والمساعدة على تربية الأبناء وصولا إلى المجتمع وقضايا الأمة الإسلامية.
بصمات الوالدين:
تقول آمنة بناني وهي تحكي عن بداياتها مع فن الصباغة على الزجاج:"من أحب اللحظات في حياتي أن أكون مصدر عطاء، والعطاء بالنسبة لي في الظرف الحالي هو الفن بصفته موهبة ونعمة، أسأل الله أن يديمها ويحفظها من الزوال. ترعرعت في بيت تملؤه بصمات الفن لوالدي الذي كان يعمل في الجيش، وكان يعشق الفن لدرجة أنه كان يملأ أرجاء البيت بأعماله الفنية، ويتعلق الأمر بالنقش على الخشب. هذا بالإضافة إلى أن أمي - رحمها الله - هي الأخرى كانت تتقن فن التطريز والخياطة".
وتضيف آمنة:"الصباغة على الزجاج جاءت في المرحلة الثانية إذ الأولى تميزت بالرسم حيث كنت أدرس في الثانوية العسكرية وكان المجال مفتوحا أمامنا نحن التلاميذ لممارسة جميع الفنون التي تعجبنا، وكنت حينها من المتفوقات في الفنون التشكيلية، وكنت أرغب دائما في الإبداع. والصباغة على الزجاج بدأتها منذ خمس سنوات، تتويجا لموهبة الرسم التي تعتبر القاعدة الأساسية لفن الصباغة على الزجاج. واخترت الزجاج لأنني أحب الشفافية والوضوح".
لوحاتها والأمة:(14/322)
لا تنفك آمنة عن تذكر ما يقع للأمة الإسلامية وهي تضع لمساتها الفنية على لوحاتها الزجاجية، كما تكتشف أن الصور التي تبثها الفضائيات عن واقع هذه الأمة تسيطر على عقلها الباطني لتجد آثار هذه الأحداث منقوشة على زجاجاتها وتعبر آمنة عن ذلك بقولها:"إنني كلما أتممت لوحة، صغيرة كانت أم كبيرة، أتأملها لأقرأ من خلالها نفسيتي سواء من حيث الألوان أو غيرها، خصوصا وأن لوحاتي تتأثر بما يحيط بي من أحوال الأمة الإسلامية وخصوصا ما يذاع عبر الفضائيات وما يقرأ في الجرائد".
الأمل في المستقبل:
شاركت آمنة برواق خاص يهم الأسرة بقاعة باحنيني بوزارة الثقافة بالرباط موازاة مع يوم دراسي نظمته منظمة تجديد الوعي النسائي بمناسبة اليوم العالمي للأسرة، ولقيت اللوحات إقبالا متميزا، خصوصا وأنها تحاول أن تغرس قيم أخلاقية فاضلة بريشة فنية نافذة، وكان من بين مضامين لوحاتها الزجاجية على سبيل المثال لا الحصر:"أبناؤنا أمانة بين أيدينا"،"الأسرة شجرة..الآباء جذورها والأبناء فروعها"دلالة على الأسرة المستقرة، المترابط أعضاؤها مثل الشجرة،"لا تنس ذكر الله"، كما فكرت آمنة بطريقة فنية في تشجيع الأبناء على الجد والاجتهاد عبر نقش لوحات توضع على مكاتب الأطفال مزينة بورود مكتوب عليها"ما شاء الله فلان"إذ كلما رأى الطفل تلك العبارة أخذ جرعة من التحفيز على الجد والعطاء وترك الكسل، وبذلك يساعد الفن الآباء على حسن تربية أبنائهم استعانة بذوق فني هادف يشرح الصدر.
ولا تكتفي آمنة بذلك بل إن ورشاتها الفنية في العطل المدرسية يستفيد منها الأطفال الصغار، وتعبر عن هدفها من ذلك بقولها:"إن الذي يهمني هو أن ينتقل هذا الفن إلى أبنائنا وبناتنا حتى إذا متنا يحتفظون لنا بالمشعل".
وتتحسر آمنة لواقع عدد لا يحصى من ربات البيوت بقولها:"يحز في نفسي أن أسمع عن ربات البيوت أنهن أسيرات الفراغ، فبالفن يمكن لربات البيوت أن يقمن ورشات خاصة بالرسم أو التطريز، بل ويمكن أن يكون الفن وسيلة من وسائل الدعوة إلى فضائل الأخلاق وحسن المعاملات، بل وتجاوز أعظم المشكلات داخل الأسرة".
وتضيف آمنة:"إن الرسم والفن الهادف بصفة عامة يهدئ الجو داخل البيت ويدفئه، فالأبناء يعايشون هذا الفن مما يجعلهم يميلون نحوه أو غيره من الهوايات، ولا يضيعون أوقاتهم في الفراغ القاتل، كما أنني آخذ برأيهم في أعمالي وهو ما يوطد العلاقة بيننا ويزرع روح التشاور والحوار البناء، ليبقى زوجي في الأخير هو الحكم، ونعم الحكم".
وتؤكد آمنة أن نعمة الدفء التي يضفيها الفن على العلاقات داخل الأسرة لا يستشعرها إلا من ذاق طعمها وأن الفن راحة ومتنفس من المتاعب النفسية التي يمكن أن تصدر حتى من خارج البيت". وتستشهد الفنانة آمنة بالمثل المغربي الذي يقول:"ما تعمله يدك يفرح له قلبك"فذاك شأن اللوحات التي يمكن اعتبارها في بعض الأحيان بمثابة الأبناء.
وعند سؤال آمنة عن الوقت المفضل لديها لممارسة فن الرسم على الزجاج بقولها:"أختار الصباح الباكر بعد صلاة الصبح انطلاقا من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:"بورك لأمتي في بكورها"وفعلا أنا ألمس ذلك حين أرسم في الصباح؛ إذ معظم اللوحات التي أعدها قبل طلوع الشمس تبدو زاهية مما يشجعني على الإبداع، سواء في اختيار الألوان أو الكتابات التي ترافق الرسوم. وحينما أكتب شعرا جميلا أفضل أن يرسم على شكل لوحة زجاجية"
تقييد الإبداع:
سألنا آمنة عن أي نوع من الأعمال الفنية تفضل فأجابت:"أغلب اللوحات التي أعدها هي بالدرجة الأولى تستجيب لطلب نفسيتي، وفي غالب الأحيان الطلبات تكون مبنية على نماذج أعددتها تعجب الزائر فيطلب مثلها".
وأكدت أنها تكره التقيد بمحددات الطلب في إعداد اللوحات الفنية، لأنها من وجهة نظرها لا تسمح للإبداع بالانطلاق. ويكفي آمنة أن تعرف المناسبة التي يقصد طالب اللوحة إهداءها فيها، وبعد ذلك يبقى شكل اللوحة وألوانها من اختيارها لكي تتمكن من العطاء أكثر.
وتضيف آمنة:"معظم لوحاتي هي عبارة عن هدايا تدخل في إطار ثقافة الهدية الهادفة فالذين يشترون اللوحات الفنية يفضلون أن تكون هديتهم في مناسبة زفاف أو عقيقة أو نجاح.. هادفة لا أن تكون مادية فقط. والهدية الهادفة يكون تأثيرها أقوى على الشخص المتلقي.
ذكر الله قوة:
المتأمل في اللوحات الفنية التي تعدها آمنة يلحظ أن معظمها يتضمن أقوالا وحكما وأدعية مأثورة أو وصايا أو آيات قرآنية، وتستدل آمنة على ذلك بقولها:"أعتبر ذكر الله والكلمات الهادفة من عناصر القوة داخل لوحاتي، وأعتبر ذلك من أساليب الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، فمثلما تسوق اللوحات التي تملأ الشوارع منتجات معينة وترسخ ثقافة ما، اخترت أن يكون متأمل اللوحة التي أعدها أمام سلعة تقربه من الله ومن الأخلاق الفاضلة وهو يتمتع بجمال الفن".
وتردف آمنة:"رب كلمة بسيطة رسمت مسار شخص نحو الخير أو الشر. وأنا كلما كتبت عبارة تذكر بالله في لوحاتي سألت الله أن لا أحرم أجر من ذكره."
ومن جهة أخرى تؤكد آمنة أن المرأة يمكن أن تقدم الكثير لخدمة دينها وأمتها من قلب بيتها بواسطة هذا الفن أو غيره، وأحيي النساء اللواتي يخترن لوحاتي لهذا الهدف، بل منهن من شجعنني للمضي في هذا المسار وإخراجه للعموم بعدما كنت أقتصر على الرسم لبيتي وداخل بيتي".
فلسطين السليبة:(14/323)
حاولنا نبش ذاكرة آمنة في مسارها الفني ومحاولة معرفة ما إذا حدث لها مع فن الصباغة على الزجاج حدث مؤثر فقالت:"لا أكاد أنسى حين عرضت بعض لوحاتي التي أعتبرها جد عادية وأعددتها بعفوية في مهرجان نظمته إحدى الجمعيات بالرباط لأجد من يأخذ ثلاث لوحات مقابل ثمانية آلاف درهم والتي جعلتها بدوري مساهمة في عمل خيري لصالح فلسطين المحتلة، وهذه بصمة يحق لي الشرف بجعلها ضمن أعز ذكرياتي".
آخر لوحة:
كم كانت فرحة آمنة عارمة وبادية من إشراقة عينيها وهي تجيبنا عن موضوع آخر لوحة أعدتها، لقد كانت اللوحة هدية منها لزوج بنتها. وأوضحت مضمونها بقولها:"إنها عبارة عن ورود بلون داكن بقوة الحب الذي يربطني ببنتي وزوجها وهذه اللوحة اخترت لها دعاء:"بارك الله لكما وجمع بينكما في خير". وقد قوبلت بنفس القوة التي رسمت بها وبدفء الصلة التي أسأل الله أن يديمها بيننا".
واستطاعت آمنة من خلال هذه اللوحة أن ترسم الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الأصهار، وليس الشكل الذي نجد فيه أم العروس في أغلب الأحيان تتصيد الفرص لتؤجج الصراع بين بنتها وزوجها لأسباب واهية.
لوحة المحرومين!
لم يقتصر اهتمام آمنة على أسرتها الصغيرة أو على زبنائها الذين يعيشون دفء الأسرة الملتئمة، بل إن زياراتها المتكررة لمركز"للا مريم"لحماية الطفولة بالرباط، جعلها تبوح لنا بمشروع لم تكن ترغب أن تعلن عنه إلى حينه، فهي تفكر في تقديم لوحة خاصة بالأطفال المحرومين الموجودين بهذا المركز، كما أنها بصدد دراسة كيفية رسم لوحة جماعية رفقة هؤلاء الأطفال وتسأل الله التوفيق.
وتعلن آمنة عن استعدادها لخدمة هذه الفئة بقولها:"أنا رهن الإشارة لمن يرغب في خدمة المحرومين والمنكوبين بهذا الفن، فلم لا ننظم أياما خاصة بالأطفال المرضى في المستشفيات يتعلمون الرسم على الزجاج وتبقى لوحات من إنتاجاهم في غرفهم ينسون بها هموم ما يكابدونه من المرض؛ خصوصا منهم ذوي الأمراض التي يتطلب الاستشفاء منها المكوث في المستشفى لمدة طويلة".
10/11/1425
22/12/2004
http://www.lahaonline.com المصدر :
============
الأمل
يُحكى أن قائداً هُزِمَ في إحدى المعارك، فسيطر اليأس عليه، وذهب عنه الأمل، فترك جنوده وذهب إلى مكان خال في الصحراء، وجلس إلى جوار صخرة كبيرة.
وبينما هو على تلك الحال، رأى نملة صغيرة تَجُرُّ حبة قمح، وتحاول أن تصعد بها إلى منزلها في أعلى الصخرة، ولما سارت بالحبة سقطت منها، فعادت النملة إلى حمل الحبة مرة أخرى. وفي كل مرة، كانت تقع الحبة فتعود النملة لتلتقطها، وتحاول أن تصعد بها...وهكذا.
فأخذ القائد يراقب النملة باهتمام شديد، ويتابع محاولاتها في حمل الحبة مرات ومرات، حتى نجحت أخيرًا في الصعود بالحبة إلى مسكنها، فتعجب القائد المهزوم من هذا المنظر الغريب، ثم نهض القائد من مكانه وقد ملأه الأمل والعزيمة فجمع رجاله، وأعاد إليهم روح التفاؤل والإقدام، وأخذ يجهزهم لخوض معركة جديدة.. وبالفعل انتصر القائد على أعدائه، وكان سلاحه الأول هو الأمل وعدم اليأس، الذي استمده وتعلمه من تلك النملة الصغيرة.
*حكى الرسول - صلى الله عليه وسلم - لصحابته قصة رجل قتل تسعة وتسعين نَفْسًا، وأراد أن يتوب إلى الله -تعالى- فسأل أحد العباد الزهاد: هل تجوز لي التوبة؟ فأجابه ذلك العابد: لا. فاغتاظ الرجل وقتله وأكمل به المائة، وبعد أن قتله زادت حيرته وندمه، فسأل عالمًا صالحًا: هل لي من توبة؟
فقال له: نعم تجوز لك التوبة، ولكن عليك أن تترك القرية التي تقيم فيها لسوء أهلها وتذهب إلى قرية أخرى أهلها صالحون؛ لكي تعبد الله معهم.
فخرج الرجل مهاجرًا من قريته إلى القرية الصالحة، عسى الله أن يتقبل توبته، لكنه مات في الطريق، ولم يصل إلى القرية الصالحة. فنزلت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، واختلفوا فيما بينهم أيهم يأخذه، فأوحى الله إليهم أن يقيسوا المسافة التي مات عندها الرجل، فإن كان قريباً إلى القرية الصالحة كتب في سجلات ملائكة الرحمة، وإلا فهو من نصيب ملائكة العذاب.
ثم أوحى الله - سبحانه - إلى الأرض التي بينه وبين القرية الصالحة أن تَقَارَبِي، وإلى الأخرى أن تَبَاعَدِي، فكان الرجل من نصيب ملائكة الرحمة، وقبل الله توبته؛ لأنه هاجر راجياً رحمته - سبحانه -، وطامعاً في مغفرته ورحمته.
[القصة مأخوذة من حديث متفق عليه].
*ما هو الأمل؟
الأمل هو انشراح النفس في وقت الضيق والأزمات؛ بحيث ينتظر المرء الفرج واليسر لما أصابه، والأمل يدفع الإنسان إلى إنجاز ما فشل فيه من قبل، ولا يمل حتى ينجح في تحقيقه.
الأمل عند الأنبياء:
الأمل والرجاء خلق من أخلاق الأنبياء، وهو الذي جعلهم يواصلون دعوة أقوامهم إلى الله دون يأس أو ضيق، برغم ما كانوا يلاقونه من إعراض ونفور وأذي؛ أملا في هدايتهم في مقتبل الأيام.
الأمل عند الرسول - صلى الله عليه وسلم -: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على هداية قومه، ولم ييأس يوماً من تحقيق ذلك وكان دائماً يدعو ربه أن يهديهم، ويشرح صدورهم للإسلام.
وقد جاءه جبريل - عليه السلام - بعد رحلة الطائف الشاقة، وقال له: لقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبيْن (اسم جبلين)، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (بل أرجو أن يُخْرِجَ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا) [متفق عليه].(14/324)
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واثقاً في نصر الله له، وبدا ذلك واضحاً في رده على أبي بكر الصديق، أثناء وجودهما في الغار ومطاردة المشركين لهما، فقال له بكل ثقة وإيمان: {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40].
أمل نوح - عليه السلام -: ظل نبي الله نوح - عليه السلام - يدعو قومه إلى الإيمان بالله ألف سنة إلا خمسين عامًا، دون أن يمل أو يضجر أو يسأم، بل كان يدعوهم بالليل والنهار.. في السر والعلن.. فُرَادَى وجماعات.. لم يترك طريقاً من طرق الدعوة إلا سلكه معهم أملا في إيمانهم بالله: {قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهارًا. فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا. وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارًا. ثم إني دعوتهم جهارًا. ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارًا} [نوح: 5-9].
فأوحى الله -تعالى- إليه أنه لن يؤمن معه أحد إلا من اتبعه، فصنع السفينة، وأنجاه الله هو والمؤمنين.
أمل يعقوب - عليه السلام -: ابتلى الله - سبحانه - نبيه يعقوب - عليه السلام - بفقد ولديْه: يوسف وبنيامين، فحزن عليهما حزنًا شديدًا حتى فقد بصره، لكن يعقوب - عليه السلام - ظل صابرًا بقضاء الله، ولم ييأس من رجوع ولديه، وازداد أمله ورجاؤه في الله - سبحانه - أن يُعِيدَهما إليه، وطلب يعقوب - عليه السلام - من أبنائه الآخرين أن يبحثوا عنهما دون يأس أو قنوط، لأن الأمل بيد الله، فقال لهم: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87]، وحقق الله أمل يعقوب ورجاءه، وَرَدَّ عليه بصره وولديه.
أمل موسى - عليه السلام -: ظهر الأمل والثقة في نصر الله بصورة جليَّة في موقف نبي الله موسى - عليه السلام - مع قومه، حين طاردهم فرعون وجنوده، فظنوا أن فرعون سيدركهم، وشعروا باليأس حينما وجدوا فرعون على مقربة منهم، وليس أمامهم سوى البحر، فقالوا لموسى: {إنا لمدركون} [الشعراء: 61].
فقال لهم نبي الله موسى - عليه السلام - في ثقة ويقين: {قال كلا إن معي ربي سيهدين} [الشعراء: 62]. فأمره الله - سبحانه - أن يضرب بعصاه البحر، فانشق نصفين، ومشى موسى وقومه، وعبروا البحر في أمان، ثم عاد البحر مرة أخرى كما كان، فغرق فرعون وجنوده، ونجا موسى ومن آمن معه.
أمل أيوب - عليه السلام -: ابتلى الله - سبحانه - نبيه أيوب - عليه السلام - في نفسه وماله وولده إلا أنه لم يفقد أمله في أن يرفع الله الضر عنه، وكان دائم الدعاء لله؛ يقول - تعالى -: {وأيوب إذ نادى ربه إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} [الأنبياء: 83]. فلم يُخَيِّب الله أمله، فحقق رجاءه، وشفاه الله وعافاه، وعوَّضه عما فقده.
الأمل والعمل:
الأمل في الله ورجاء مغفرته يقترن دائمًا بالعمل لا بالكسل والتمني، قال - تعالى -: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا} [الكهف: 110]. وقال - عز وجل -: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم} [البقرة: 218].
فلا يقول الإنسان: إن عندي أملا في الله، وأُحسن الظن بالله، ثم بعد ذلك نراه لا يؤدي ما عليه تجاه الله من فروض وأوامر، ولا ينتهي عما نهى الله عنه، والذي يفعل ذلك إنما هو مخادع يضحك على نفسه.
روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (حسن الظن من حسن العبادة) [أبو داود وأحمد].
فضل الأمل:
الأمل يدفع الإنسان دائماً إلى العمل، ولولا الأمل لامتنع الإنسان عن مواصلة الحياة ومجابهة مصائبها وشدائدها، ولولاه لسيطر اليأس على قلبه، وأصبح يحرص على الموت، ولذلك قيل: اليأس سلم القبر، والأمل نور الحياة.
وقيل: لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس.
وقال الشاعر:
لا خير في اليأس، كُلُّ الخير في الأمل
أَصْلُ الشجاعةِ والإقدام ِفي الرَّجُلِ
والمسلم لا ييأس من رحمة الله؛ لأن الأمل في عفو الله هو الذي يدفع إلى التوبة واتباع صراط الله المستقيم، وقد حث الله - عز وجل - على ذلك، ونهى عن اليأس والقنوط من رحمته ومغفرته، فقال - تعالى -: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر: 53].
وإذا فعل المسلم ذنبًا فهو يسارع بالتوبة الصادقة إلى ربه، وكله أمل في عفو الله عنه وقَبُول توبته. والأمل طاقة يودعها الله في قلوب البشر؛ لتحثهم على تعمير الكون، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة (نخلة صغيرة)، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسَها فليْغرسْها) [أحمد].
وقال حكيم: لولا الأمل ما بنى بانٍ بنيانًا، ولا غرس غارس شجرًا.
ولولا الأمل لما تحققت كل الإنجازات التي وصلت إليها البشرية، وذلك لأن المخترع لم يتمكن من تحقيق إنجازه من أول مرة في أغلب الأحيان، وإنما حاول تحقيقه مرة بعد مرة دون يأس أو ملل، ولذلك قيل: الأمل يُنَمِّي الطموح والإرادة، واليأس يقتلهما.
فليحرص المسلم على الأمل في كل جوانب حياته، ولْيتمسك به تمسكه بالحياة، ولا يستسلم لليأس والقنوط أبدًا.
وقد قال الشاعر:
أُعَلِّلُ النَّفْسَ بالآمال أَرْقُبُها
ما أَضْيَقَ الْعَيْشَ لولا فُسْحَة الأمل
فالإنسان يصبر على ضيق العيش في الدنيا على أمل أن يفرج الله همومه، ويوسع عليه، ولولا ذلك لضاق الإنسان بمعيشته، يقول الله - سبحانه -: {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87].
http://www.tihamah.net المصدر:
=============(14/325)
اتباع الشهوات .. والفرقة بين المسلمين
أ.د.ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:
يقول الله - عز وجل -: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"
وإن من أعظم الفساد فساد ذات البين الناجم عن اتباع الشهوات أوالشبهات.
إن الأهواء والشهوات تدفع إلى ظلم الغير في سبيل تحصيل الشهوة فيقع الخلاف وينشأ الافتراق "فما يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه، وإلا حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الآراء والأفكار، فإذا استسلم الناس لله ورسوله انتفى السبب الأول الرئيس للنزاع بينهم - مهما اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة - فليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر، إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصر عليها مهما تبين له وجه الحق فيها! وإنما هو وضع "الذات"في كفة، والحق في كفة وترجيح الذات على الحق ابتداء!.. ومن ثم جاء هذا التعليم بطاعة الله ورسوله عند المعركة.. إنه من عمليات "الضبط"التي لا بد منها في المعركة.. " "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ".
وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة علمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل..
وأما الشبهات والتأولات الفاسدة، فتبعد الناس عن الحق إلى أقوال وآراء متباينة، ومن أظهر ذلك الافتراق الذي وقع في الأمة بانحراف ثنتين وسبعين فرقة عن الجادة.
كما أن اتباع الشهوات والشبهات سبب لعدد من الآفات الكفيلة بتمزيق الصف وتفريق الأمة، ولعل من أهمها ما يلي:
أولاً: البغي:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو صاحب تجربة واسعة مع المخالفين، قال - رحمه الله - (الفتاوى 14/482-483): "وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة علمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل كما بغت الجهمية على المستنة في محنة الصفات و القرآن محنة أحمد و غيره، وكما بغت الرافضة على المستنة مرات متعددة، وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته، وكما قد تبغي المشبهة على المنزهة، وكما قد يبغي بعض المستنة إما على بعضهم، وإما على نوع من المبتدعة بزيادة على ما أمر الله به وهو الإسراف المذكور في قولهم: "ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا".
ثانياً: الغرور بالنفس:
فالغرور بالنفس يولد الإعجاب بالرأي، والكبر على الخلق، فيصر الإنسان على رأيه، ولو كان خطأ، ويستخف بأقوال الآخرين، ولو كانت صواباً، فالصواب ما قاله، والخطأ ما قاله غيره، ولو ارعوى قليلاً واتهم نفسه، وعلم أنها أمارة بالسوء، لدفع كثيراً من الخلاف والشقاق، ولكان له أسوة بنبينا - صلى الله عليه وسلم - الذي قال الله - تعالى - له: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران: من الآية159)، وإذا كانت صفة التواضع ولين الجانب من أوائل صفات المؤمنين، فإنها في حق من انتصب للعلم والدعوة والفتوى والتعليم أوجب وأكثر ضرورة وإلحاحاً.
ثالثاً: سوء الظن بالآخرين:
فهو ينظر لجميع الناس بالمنظار الأسود، فأفهامهم سقيمة، ومقاصدهم سيئة، وأعمالهم خاطئة، ومواقفهم مريبة، كلما سمع من إنسان خيراً كذبه، أو أوَّله، وكلما ذُكر أحد بفضل طعنه وجرحه، اشتغل بالحكم على النيات والمقاصد، فضلاً عن الأعمال والظواهر، والمصادرة للآخر قبل معرفة رأيه، أو سماع حجته. ثم هو لا يتوقف عند هذا الحد، بل لسانه طليق في أعراض إخوانه، بسبهم، واتهامهم، وتجريحهم، وتتبع عثراتهم، فإن تورع عن الكلام في أعراض غيره من الفضلاء، سلك طريق الجرح بالإشارة، أو الحركة، بما يكون أخبث وأكثر إقذاعاً، مثل: تحريك الرأس، وتعويج الفم، وصرفه، والتفاته، وتحميض الوجه، وتجعيد الجبين، وتكليح الوجه، والتغير، والتضجر. "وأنت ترى هؤلاء الجراح القصاب، كلما مر على ملأ من الدعاة اختار منهم (ذبيحاً) فرماه بقذيفة من هذه الألقاب المرة، تمرق من فمه مروق السهم من الرمية، ثم يرميه في الطريق، ويقول: أميطوا الأذى عن الطريق فإنه من شعب الإيمان! "
رابعاً: حب الظهور بالجدل والمماراة:
ويكون دافع ذلك في الغالب هوى مطاعاً، وقد يكون قلة الفقه أوالفراغ وترك الاشتغال بما ينفع.
وقد روى الإمام أحمد وغيره عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم قرأ: "ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون".
قال الإمام أبو يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة - رحمهما الله -: "الخصومة في الدين بدعة، وما ينقض أهل الأهواء بعضهم على بعض بدعة محدثة. لو كانت فضلاً لسبق إليها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتباعهم، فهم كانوا عليها أقوى ولها أبصر، وقال الله تعالى: "فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن" [آل عمران: 20]، ولم يأمره بالجدل، ولو شاء لأنزل حججاً، وقال له: قل كذا وكذا".(14/326)
وقال ابن قتيبة - رحمه الله - يصف الحال في أيام السلف عليه الرحمة والرضوان: "كان المتناظرون في الفقه يتناظرون في الجليل من الواقع والمستعمل من الواضح وفيما ينوب الناس فينفع الله به القائل والسامع، فقد صار أكثر التناظر فيما دق وخفي، وفيما لا يقع وفيما قد انقرض.. وصار الغرض فيه إخراج لطيفة، وغوصاً على غريبة، ورداً على متقدم...
وكان المتناظرون فيما مضى يتناظرون في معادلة الصبر بالشكر وفي تفضيل أحدهما على الآخر، وفي الوساوس والخطرات ومجاهدة النفس وقمع الهوى، فقد صار المتناظرون يتناظرون في الاستطاعة والتولد والطفرة والجزء والعرض والجوهر، فهم دائبون يخبطون في العشوات، قد تشعبت بهم الطرق، قادهم الهوى بزمام الردى..".
فلما وقع الناس في الجدل تفرقت بهم الأهواء، قال عمرو بن قيس: " قلت للحكم بن عتبة: ما اضطر الناس إلى الأهواء؟ قال: الخصومات".
وقد روي عن أبي قلابة وكان قد أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تجالسوا أصحاب الخصومات فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون.
قال معن بن عيسى: "انصرف مالك بن أنس رضي الله عنه يوماً من المسجد وهو متكئ على يدي، فلحقه رجل يقال له أبوالحورية، كان يتهم بالإرجاء، فقال: ياعبدالله! اسمع مني شيئاً أكلمك به، وأحاجك وأخبرك برأيي.
قال: فإن غلبتني؟
قال: إن غلبتك اتبعني.
قال: فإن جاء رجل آخر فكلمنا فغلبنا؟
قال: نتبعه!
فقال مالك - رحمه الله -: يا عبد الله بعث الله - عز وجل - محمداً - صلى الله عليه وسلم - بدين واحد وأراك تنتقل من دين إلى دين".
وقال عمر بن عبدالعزيز: "من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل".
وجاء رجل إلى الحسن فقال: "يا أبا سعيد تعال حتى أخاصمك في الدين، فقال الحسن: أما أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه"!
وإذا كان الجدل والمراء والخصومة في الدين مذمومة على كل حال فإنها تتأكد في حق المقلدة والجهال.
ويتأكد ترك المراء والجدل في كل مالا طائل من ورائه كملح العلوم والنوادر، وما لا يثمر عملاً غير السفسطة والتلاسن.
أسأل الله أن يجنبنا وإياكم فتن الشهوات والشبهات، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن يؤلف بين قلوبنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
29/11/1425
http://www.almoslim.net المصدر:
(((((((((((((((
الفهرس العام
الباب الحادي عشر – كشكول الدعوة إلى الله (4)
ابحث عن قناة !!
اسمحوا لهم بالمشاركة
كيف تدعو الفتاة المسلمة إلى الله ؟
عبر ودروس من زيارة بلاد الروس 3 - 6
عبر ودروس من زيارة بلاد الروس 2 - 6
عبر ودروس من زيارة بلاد الروس 4 - 6
عبر ودروس من زيارة بلاد الروس 5 - 6
واعتصموا بحبل الله جميعا
صور من عداء المشركين للدعوة
أدوار ونشاطات إمام المسجد وجماعته في الإجازة
ظاهرة مرضية في نشأة الجماعات
حيل أهل الباطل لفتنة الدعاة
أنت بدون الإسلام صفر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تقليديون دائما
السامرائي : اليابانيون أسرع الناس قبولاً للإسلام
احفظوا أنفسكم من الزنا
وسائل وطرق الارتقاء بأبنائنا الطلاب في المرحلة المتوسطة والثانوية
هل تعرف هذا الإيثار المذموم ؟
كونوا أنصار الله
قبسات من كتاب الله 1 - 3
قبسات من كتاب الله 2 - 3
قبسات من كتاب الله 3 - 3
وصايا محب ( 1 ) دليل الذاكرين
إذا تيقن أن أمره ونهيه لا يفيد .. فهل يأمر وينهى ؟!
دعوة إلى تأصيل المصطلحات السياسية ( 1 ـ 2 )
دعوة إلى تأصيل المصطلحات السياسية ( 2 ـ 2 )
الإصلاحيون والخطاب الدعوي المنقوص
معالم دعوية
الهزيمة النفسية بدور تحفيظ القرآن الكريم
دفاعاً عن المخيمات الدعويّة !
أهمية الواقعية والمعاصرة في موضوعات الخطيب
العوائق أولا
أختاه..حتى تكوني من أسباب النصر
وسائل وأفكار للدعوة في الجهات الخيرية
فن المقالة
وقفات مع إمام المسجد في رمضان !!
المرأة الداعية
من فقه الدعوة
مقترحات للعاملين في المكاتب الدعوية في المستشفيات
أفسحوا الطريق للنساء
ألا هل بلغت؟
للجادين فقط ... هكذا ينشر الوعي
الدعوة إلى الله أعظم الأعمال وأحسنها
لا مناصب في الدعوة
كيف تدعوا المرأة إلى الله ؟
يا ما كنت داعيا
رسالة إلى أصحاب موقع الأغاني
لأصحاب المواقع والمجموعات
كيف أنشر الخير بين الطلاب ؟
الأهلية الشرعية للقيادة الإسلامية (1 - 2 )
الأهلية الشرعية للقيادة الإسلامية ( 2 - 2 )
إحدى عشر وسيلة لصيد القلوب
ثبتي الخطوة على طريق الصحوة
المعاصي البارزة من بعض طلاب حلقات التحفيظ
الخاصة والعامة
كيف تكسب قلباً
الدعوة بالقدوة
كل في موقعه
دورة علمية للقارات في بيوتهن
ليس الأهم أن تبدأ ..
سوق الدعوة
الصحوة الجديدة ... انقلاب أم تصحيح ؟!
تعالوا إلى - نهضة دعوية كبرى -
إحسان الصلاة نقطة البداية لإصلاح النفس والعمل
رسالة إلى من تعين بعيدا عن أهله
كيف أنشر الخير بين الطلاب ؟
كيف نهنأ باستخدام الجوال ؟؟
البلوتوث الدعوي
الهاتف الإسلامي .. كبسولات دينية للمحرجين
ولولا رهطك لرجمناك
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
مواقف دعوية من السيرة النبوية ( 1 )
مواقف دعوية من السيرة النبوية ( 2 )
مواقف دعوية من السيرة النبوية ( 3 )
مواقف دعوية من السيرة النبوية ( 14 )
بصمات دعوية ... بصمات تربوية ... !
الهجر المعنوي
الدعوة في أوكار البالتوك ... بين مؤيد ورافض
الداعية بين الإعراب والبناء ( 1 )
برامج مقترحة للجنة الإطار العام لرعاية السلوك وتقويمه في المدارس والحد من المشكلات السلوكية
الدعوة ليست مهمة إضافية !!(14/327)
لا تلمني ...
دور المرأة في الدعوة إلى الله - عز وجل - وإصلاح المجتمع
رسالة إلى صاحب عمل
خطة عمل مشروع " ما يطلبه المسلمون "
توجيهات دعوية
أيها الدعاة .. بينوا دين الله ( 2 )
بضاعة الأنبياء
هكذا فليكن القضاة والحكام
أيها العقلاء ..!! ... كفوا عن هذا ...؟!!..
دعوة ونداء
أيها الآمرون بالمعروف!..امضوا..واصبروا.. أنتم أحباء الله
لآليء من الكتاب المكنون (1)
لآليء من الكتاب المكنون ( 2 )
تأملات في السيارة
محاولة لعلاج ظاهرة التنازع والتشرذم
العلاقات الاجتماعية بناؤها وتوظيفها في الدعوة إلى الله
للدعاة اثنتا عشرة وسيلة لكظم الغيظ
توجيهات دعوية
الداعية المجدد
الأهداف الضائعة
فن تكوين العلاقات
استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان
أولويات الدعوة إلى الله
المؤسسات القديمة
معالم رئيسة في واقع العمل الإسلامي
خواطر في الدعوة .. هكذا يفعل العلماء
وقفة مع نهج الدعوة الإِسلامية
دعوة لمقاومة البدع والمبتدعة
لماذا ؟ .. أنا أجيبك
لم تقولون ما لا تفعلون
لا تقولوا الباطل
كيف تدعو المسلمة أخواتها إلى الله ؟
إذا هبت رياحك فاغتنمها
طرق هداية المنتكس
مشاهداتي في بريطانيا
مواقف " الملأ " من الدعوة إلى الله
فقه الإسلام ودعوة للمراجعة البناءة ( 1 )
المخالطة
الدعوة الإسلامية بين جوهرها في منهاج الله وبين مسيرتها المعاصرة
ماذا نعمل ؟ !
حراسة السفينة
الحس الدعوي
القلوب المتجردة
التمام التمام
لا يحقر أحدكم نفسه
أخي صاحب الدش
ضرورة الدعوة إلى الله
أيها الدعاة رمضان لكم قبل غيركم
أهلاً رمضان
أنت حبيب الله
القدح المعلى
تعريف الملأ في الفكر الإسلامي ( من صفات الملأ )
أفكار دعوية (1)
أفكار دعوية ( 2 )
الغرقى
ثم يأتي سبع عجاف
هل أنت معه ؟ !
رجل الدعوة سمات خاصة وملامح مميزة
الحكمة في الدعوة إلى الحق بين الإفراط والتفريط
ادع إلى سبيل ربك
كوني داعية بأفعالك
نصيحة لطلبة العلم
صفات وأخلاق الدعاة
طبت وطاب ممشاك
أصحاب العقل المعيشي
رؤية مستقبلية للدعوة النسائية
لا تعيريني بذنبي !
فاتورة التليفون والمواقع الجنسية
دعوة بلا حدود (1/2)
دعوة بلا حدود ( 2- 2 )
رسالة إلى كل بائع دخان
دعوة الجاليات داخل المستشفيات ( عرض لتجربة مبتدئة )
الحكمة في الدعوة إلى الله
رسالة قصيرة للكتاب في المنتديات
حكم الدعوة إلى الله وفضلها
حول سيارتك لوسيلة دعوية
من سنن الأنبياء الأخذ بالأسباب المادية
الحرمان
يا إمامنا صل فإنك لم تصل
وقفة مع الدعاة
عد كلامك من الجمعة إلى الجمعة
رجل الفطرة
الدعوة مفتوحة .. فهل أنت مستعدة ؟
أيام .. وأيام
أو خير هو ؟!
المعاهد العلمية لغير الناطقين بالعربية .. مراحل وضوابط
أيام لا تنسى في سراييفو
أنت وجراحات المسلمين
منهج التعرف إلى الله والتعريف به ( 1 ـ 2 )
منهج التعرف إلى الله والتعريف به (2 - 2)
إنما يوفى الصابرون أجرهم بغيرِ حساب
تجربة في الخطابة
ضرورة ملحة لواقع مؤلم
لماذا تبدع المرأة عبر الشبكة العنكبوتية ؟
ضرورة ملحة لواقع مؤلم
لماذا تبدع المرأة عبر الشبكة العنكبوتية ؟
المشرفة الداعية
قصاص الأثر
بذل النوال في الإرشاد إلى طريقة الاستفادة من المنتديات
حملة لإيقاظ ملايين الناس فجرا
بين القوة والضعف
لآلئ التواصل
في بيتنا داعية
رسالة من أم إلى ابنها
من وسائل الاتصال الناجح
كيف تدعو إلى الله تعالى في الحي الذي تسكن فيه ؟
الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة
46 طريقة لنشر الخير في المدارس
من أين تبدئين الدعوة في المجال الطبي ؟
إلى أخي مشرف في منتديات الإنترنت .. إلى كل عضو مميز
داعية في كل أحواله
وقفات إيمانية : مع حملة المنهج الرباني
تمسك إن ظفرت بود حر
إلى محبي الجهاد ... هذا هو قائد المجاهدين
الخلل الأخطر
تصحر النخبة
آداب الدعوة
تنظيم العمل الخيري في داخل الأحياء
أولئك أهل الله والصفوة الملأ
لست بعيدة عنهم . . !
الحج فرصة دعوية
تجربتي في التحرك بالقرآن
للدعوة إلى الله أسرار لا يعلمها الكثيرون تعطي من يتعفف وترفع من يتواضع
العاصم من فتن الشهوات
هكذا علمنا السلف (2) الدعوة ( كن قدوة تكن داعية ):
هكذا علمنا السلف ( 5 ) توظيف جميع الطاقات والاستفادة من جميع القدرات :
ماذا يمكن أن نقدم من خدمة لإخواننا ؟
دعاة لا يعرفون القراءة
واقع المرأة الدعوي
سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله
نظف أسنانك فستحتاج إليها يوم القيامة
( إني حفيظ عليم )
أجمل الحياة أن تصنع بأيدي المتعبين
( إني حفيظ عليم )
أجمل الحياة أن تصنع بأيدي المتعبين
آمنة بناني : داعية إلى الله بالرسم على الزجاج
الأمل
اتباع الشهوات .. والفرقة بين المسلمين(14/328)
المفصل في فقه الدعوة إلى الله تعالى (15)
الباب الحادي عشر - كشكول الدعوة إلى الله (5)
جمعها وأعدها وفهرسها
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الحادي عشر - كشكول الدعوة إلى الله (5)
كتاب ربنا مصدر عزنا
أ. د. ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد، إن كتاب الله فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، ولا تنفد عبره.
لهذا وغيره كان لزاماً علينا أن نقف مع آياته متدبرين متعقلين متأملين، ولاسيما أن الدوافع المعاصرة كثيرة أقف في هذه العجالة مع واحد من أهمها ألا وهو أهمية ربط واقع الناس به.
فنحن نعيش اليوم واقعاً يملي على العقلاء من الدعاة والمربين والعلماء والموجهين ضرورة ربط الناس بالقرآن والسنة، لما لهما من أثر على حياة الفرد والأمة، فالأمة تعيش وهناً وضعفاً لم تمر بمثله في تاريخها، وكلنا يبحث عن العلاج والعلاج في القرآن "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ" [الإسراء من الآية: 9]، وكلنا يرجو السلامة والنجاة من مضلات الفتن التي تتابع والنجاة في القرآن، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي".
فرغد الحياة في كتاب الله - جل وعلا -، ومعالجة مشكلات الحياة الفردية والجماعية، الأسرية والاجتماعية في ضوء القرآن الكريم من أقوى وسائل الخروج منها، بل من أقوى أسباب رقي الأمة، والعود بها إلى سابق عهدها، الذي كان يعيشه السلف الصالح - رضوان الله تعالى عليهم -، وهذا لا يكون بغير تدبر كتاب ربنا وكلامه الذي أنزله لإصلاح شأننا.
إن أمتنا اليوم تعيش وقتاً حرجاً ومرحلة حاسمة من تاريخها، خاصة بعد الغزو الغربي لأمة الإسلام، وعودة عصور الاستعمار، التي خلت، فبعد أن رزحت الأمة تحت وطأة الاستعمار عقوداً دُرست فيها معالم من علم الشريعة، كانت لا تخفى بين الناس، ثم بدأت آثار الاستعمار تنحسر بقيام الصحوة الإسلامية المباركة في المشارق والمغارب، فلم يجد الأعداء بداً من إعادة الكرة للحيلولة بين الأمة وبين نهضتها.
ولما كان الارتباط بين الأمم السابقة واللاحقة وثيقاً، لتشابه الأحوال والظروف، وتوافق الطبع البشري، وإن اختلفت العصور والآلات، كان من الطبيعي أن تكون في آيات الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بل هو تنزيل من حكيم حميد كان لابد أن تكون آياته دروساً تناسب حال من نزل عليهم القرآن، وكذلك تناسب المسلمين في كل زمان ومكان.
وقد قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -:
وبعد فإن حبل الله فينا كتابه فجاهد به حَبل العِدا مُتَحَبِّلا
وأَخْلِق به إذ ليس يَخْلَقُ جِدةً جديداً مواليهِ على الجِدِّ مُقبِلاً
لقد أنزل القرآن على أمة متناحرة متفرقة متشرذمة، فألف الله به بين القلوب وجمع به الشمل، واليوم تعيش الأمة تناحراً وتفرقاً وتشرذماً بسبب نعرات وجنسيات وحدود مصطنعة كما كان الجيل الأول.
لقد بزغ فجر القرآن ولم تكن للعرب قوة ودولة وكلمة بل همج رعاع مجرد أتباع للفرس أو للروم، فما أضحوا حتى ملكوا كنوز كسرى وقيصر، واليوم يعيش المسلمون تبعية غربية من الطراز الأول!
لقد نزل القرآن على أمة لم تكن لها معارف تذكر أو حضارة تضاهي حضارات الأمم، فما هي إلاّ سنوات وإذا بحضارة الإسلام تضيء أسبانيا وبلاد أوروبا الغربية، ثم لما تنكب الناس الصراط أصبحت تلك الحضارة خبراً للحرف الناسخ كان!
كنا أساتذة الدنيا وقادتها والغرب يخضع إن قمنا نناديه
كانت أوربا ظلاماَ ضل سالكه وشمس أندلس بالعلم تهديه
واليوم تقنا لمجد فَرَّ من يدنا فهل يعود لنا ماض نناجيه؟
حقاً! هل يعود لنا ماض نناجيه؟ الجواب: نعم إذا عدنا إلى مصدر عز الصدر الأول، إلى الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم، إلى السنة التي عض عليها الرعيل الأكمل.
وقد دل على هذا صريح القرآن وأجمع عليه أهل العلم والإيمان، إنساً وجناً، قال الله - تعالى - مخبراً عنهم: "قالوا إنا سمعنا قرآنا عجباً، يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً"، وقال - سبحانه -: "وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين، قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم"، إن كتاب ربنا فيه علم من سبق، ومن قال به صدق، ومن خاصم به فلج، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم.
فالخطوة الأولى في النهوض بالأمة، والتي ينبغي أن يعيها الدعاة والمربون هي دعوة الناس إلى التمسك بكتاب ربهم والرجوع إليه والاهتداء بهديه، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن التالين له المتدبرين لآياته العاملين بأحكامه المطبقين لها، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته وسلم.
25/1/1426
http://www.almoslim.net المصدر:
=============
الدعوة ومواجهة مؤامرات الأعداء(15/1)
لا ريب في أن العالم الإسلامي اليوم يعيش أيامه ولياليه في مغارة مظلمة من المؤامرات والدسائس التي تستهدف عقيدته وما يملكه من المقومات الثقافية والحضارية. فقد أنهكته المؤامرات وعمّق جرحه مكر الليل والنهار. فقد تداعت عليه الأمم من كل الأفق كما تداعى الأكلة على قصعتها.
فجُلّ ما نرى هنالك من اضطرابات طائفية وحروب أهلية مدمرة، وصراعات بين الدول المسلمة بعضها مع بعض، وحركات متطرفة قاتلة لبر هذه الأمة وفاجرها إلا وتقف من ورائها في - غالبيتها ومعظمها - الدوائر الغربية الحاقدة التي تسهر على صنع المؤامرات بأنواعها وأشكالها وتعمل على تمريرها بصورة ذكية ومدروسة.
وإذا كانت مسألة المؤامرات مسألة معروفة لا يرتاب فيها أحد، وقد شمر الكثيرون عن سواعدهم لدراسة أنماطها وطرق تمريرها، فإن الذي نود أن نشير إليه هنا هو أن ثمة أسبابًا تقود القوم إلى ممارسة هذا النوع من الأعمال المشينة، وإلا فإن النصارى، وهم غالبية الغربيين، من المفترض أن يكونوا ـ إن كانوا حقا نصارى ـ أقرب الناس مودة للإسلام والمسلمين كما ورد في القرآن الكريم وأدناهم حبًا لمبادئه وترحابًا بحقائقه.
التركيز على هذه الأسباب دراسة وتحليلاً يستحق منا اهتمامًا أكثر من التعرف على مظاهر المؤامرات وأشكالها التي لا تعد ولا تحصى والتي ترجع جميعها في النهاية إلى ذات الأسباب وذات العلل، فلو أننا تمكنا من معرفة العلل التي تنبع منها كل هذه المكايد أمكننا إيجاد العلاج المناسب لها، ولو على المدى البعيد، وحسب زعمي فإن من السهولة بمكان معرفة هذه الأسباب المحفزة للغربيين على التعامل مع العالم الإسلامي بالمؤامرات والدسائس والتي من أهمها:
1- الصورة المشوهة للإسلام عند الغربيين: فمن المعلوم أن هناك صورة مشوهة للإسلام والمسلمين قامت الكنيسة بصياغتها وترويجها في الغرب في القرون الوسطى لاستنفار الأوروبيين للمشاركة في الحروب الصليبية، وقد قام "علم الاستشراق" الذي تأسس في الغرب بغية استيعاب الإسلام ومقاومته، عبر تحطيم بنيته التحتية، بإضفاء صبغة بحثية على تلك الصورة المشوهة، مما ألقى على عيون الغربيين أغشية من الظلام بحيث لم يعودوا يرون في الإسلام أي قبس من النور، فقد غدت معلومات الإنسان الغربي العادي عن الإسلام ـ إثر رواج تلك الصورة ـ سيئة جدًا.
وبسبب غياب الحركة القوية لتبليغ رسالة الإسلام في المحيط الغربي، ظلت تلك الصورة السيئة قابعة في الذهن الغربي حتى أصبحت مع الأيام صورة راسخة في لا شعور الإنسان الغربي وإرثه الفكري والمعرفي، الأمر الذي جعله، رغم تقدمه المذهل في مجال ترويض العقل والفكر على قواعد المنهج العلمي والموضوعي في البحث والدراسة، يتخوف من الإسلام ويعتبره خطرًا عظيمًا على حضارته التي يظنها مثالية في إطار التنظير والتطبيق مما يحيد به إلى مقاومة الإسلام بأية وسيلة من الوسائل.
2- يُؤْلَف في غالبية الشعب الأمريكي البساطة في التفكير بحيث يصدق الكثيرون منهم كل ما يسمعون، وهذه البساطة تستغلها الصهيونية العالمية، عدوة الإسلام، أبشع استغلال بوضعهم تحت تأثير وسائل إعلامية متعددة تعتبر في معظمها ملكًا لها. فالعدو الصهيوني، من سياسته، الاهتمام بأي حدث سلبي يحدث في هذه البقعة من العالم الإسلامي، أو تلك ثم عرضه في ساحة الإعلام الأمريكي على اعتبار أن هذا الحدث نابع عن الإسلام وأنه يمثل المجتمعات الإسلامية جميعها.
فعلى سبيل المثال يهتم الإعلام الغربي الصهيوني اهتمامًا متزايدًا بما يحدث في بعض المناسبات المبتدعة من قيام بعض المنتسبين للإسلام بضرب رأسه ووجهه بالسكاكين والسلاسل، كما يهتم بأحداث العنف والقتل وإراقة الدماء التي تقع في بعض البلاد الإسلامية، - والتي هي الأخرى أيضًا من صنع الدوائر الصليبية والصهيونية - كل ذلك بأسلوب التهويل والتعميم لإقناع الشعب الأمريكي على الأخص وبقية العالم على أن الإسلام دين العنف والقتل وإراقة الدماء حتى يقاوموه بكل ضراوة ويعملوا على اتخاذ تدابير لازمة لتدمير مقوماته والحد من انتشاره.
ولعله من نافلة القول أن نعلن بأن الإعلام الصهيوني قد استطاع تحقيق السيطرة المطلقة على الضمير الأمريكي الذي أصبح يعتبر النهضة الإسلامية المتوقعة كابوسًا مزعجًا. فيشغل ليله ونهاره في صنع المكائد لإحباط مشاريع الإسلام النهضوية، ولتفتيت عراه حتى لا يبقى له أي صوت مسموع.
وليس الأمر بمقتصر على النفوذ الذي يمارسه الصهاينة على ساحة الإعلام الأمريكي، بل إن اليهود أصبحوا في أمريكا "اليد التي تعبث بأيدي السياسة الداخلية والخارجية معًا"، وهم الذين يتحكمون في كراسي الرئاسة والحكم ولا يستطيع أي حاكم هناك - مهما كان - أن يتحدث بغير ما يريده اليهود، وإلا عملوا على إسقاطه وربما حدث له كما حدث لجون كنيدي الذي اغتاله اليهود بعد ما تحدث بحقوق العرب في فلسطين وندَّد بتصرفات اليهود".
وليس هذا فحسب، بل إن الأخطبوط الصهيوني قد استطاع إحكام قبضته على معظم الدول الأوروبية، وفي هذا يقول الصهاينة: "حتى اليوم تمكنا من قلب الأنظمة القائمة في معظم ممالك أوروبا، والبقية آتية لا ريب عما قريب، وثمة دول عديدة علاوة على الولايات المتحدة الأمريكية واقعة في شراكنا". كما أن الصهاينة لم يألوا جهدًا للتغلغل إلى المراكز الحساسة في المؤسسات الدولية،(15/2)
على ضوء هذه الحقائق أظننا ندرك بكل سهولة بأن الصهيونية العالمية هي التي تستثير الروح الصليبية في المسيحيين، وهي التي تلقنهم فنون صناعة المؤامرات وكيفية تمريرها، فجلّ ما نرى في عالمنا الإسلامي من مظاهر الفحش والمجون وتفكك الأسرة والصراع بين الأقطار المجاورة، والاضطرابات الطائفية والتطرف والقتل باسم الدين هي، في غالبها، مما خرج من مختبر المؤامرات الصهيونية، وذلك حتى يفقد المسلمون مقوماتهم وتندثر معنوياتهم ويتهدم ما لديهم من روح المقاومة، فيصبح اليهود هم السادة والمسيطرون بدون منازع.
هذه كانت مجموعة من الأسباب التي تقف وراء المؤامرات على اختلاف أنواعها وأشكالها. ولكن لما كانت معرفة الأسباب لا تكفي وحدها لرفع الأزمة كان لابد من محاولة إيجاد الحلول الجادة لمواجهة هذه المؤامرات من اليهود وغيرهم ممن يكيدون لهذا الدين وأهله والنزول بها إلى الواقع العملي التنفيذي دون الوقوف عند مجرد الفكر النظري..فلابد من:
1ـ أن تنهض في المحيط الغربي حركات دعوية قوية تحمل على عاتقها مهمة توضيح حقائق الإسلام ومبادئه السامية إلى كل شخص غربي أيًّا كان وأينما كان وذلك باستخدام كافة الوسائل والأساليب المتاحة والمشروعة.
2ـ أن ننشئ في المحيط الغربي شركات إعلامية ضخمة يكون من همها نشر حقائق الإسلام ومبادئه ووجهات نظره في القضايا العالمية عبر قنوات متعددة، كالصحف، والجرائد والإذاعة المسموعة والمرئية، والبث المرئي القضائي.
3ـ أن نقوم بتحصين الداخل ببرامج تربوية واسعة من شأنها أن تشيع التقوى بين المسلمين وتحرضهم على التزام الصبر والتحمل فالتقوى والصبر سبيلان مهمان لإبطال فعل المؤامرات أيًّا كان مصدرها. مصداقًا لقوله - تعالى -: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)[آل عمران: 120].
4ـ السعي في نشر المنهج النبوي في التربية والتوعية، فقد كان من أسلوب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه على الرغم من قضاء عمره كله في خضم المؤامرات الآتية من الجهات المختلفة، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يُذكّر الصحابة بتلك المؤامرات إلا نادرًا، بل كان - صلى الله عليه وسلم - دائم الاهتمام بغرس عظمة الله وجبروته في قلوبهم وتحبيب الإسلام والآخرة إلى نفوسهم، ومن عجب أنه في أول خطبه في المدينة لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى ما لاقاه هو وأصحابه من قريش طيلة السنوات الماضية.
ولم يكن هذا شأن خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه فقط، بل إننا لو قمنا باستقراء شامل لما سجل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحاديث والخطب نجد أنه لا يركز على سرد المؤامرات إلا نادرًا، مما يعني أن السنة النبوية في تحقيق الحصانة الداخلية، هي السير على منهج تربوي إيجابي من شأنه أن يجعل كل فرد من أفراد الأمة الإسلامية، من حيث التقوى والصلاح، كالصخرة الصامدة التي لا تقدر حتى أشد تيارات المياه عتوًا من أن تزحزحها ولو قيد شعره.
5ـ إشاعة اليقين في المسلمين بموعود الله بالنصر إذا هم عادوا لدينه وتمسكوا به وعملوا بمقتضاه وقاموا لله بحق العبودية الصحيحة {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 55).
كان هذا جزءًا من حقيقة المؤامرات التي تحاك ضد الدعوة وأصحابها، وكانت هذه بعض سبل المواجهة لتلك المؤامرات، ولا شك أن هناك سبلا أخرى يمكن سلوكها وكل إنسان يخدم دينه بقدر طاقته وبحسب ما يفتح الله عليه... نسأل الله أن ينصر الدين ويخذل الكافرين والمغرضين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الثلاثاء: 14/09/2004
http://www.islamweb.net المصدر:
=============
استقبال المسلم الجديد
د. عبد الله بن إبراهيم اللحيدان
منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوته الناس للإسلام أعظم منهج، وسبيله أقوم سبيل، ولا سبيل لدعوة مثمرة إلا باقتفاء نهجه في الدعوة مع كل أصناف المدعوين، ولقد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع حديثي العهد بالإسلام منهج تبدو ملامحه في حوادث ومواقف عديدة. وتتعدد شواهد حسن الاستقبال للمسلم الجديد في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان خلق النبي الكريم في معاملتهم وحسن استقبالهم قد بلغ الغاية في السماحة معهم والاهتمام بأمرهم، حتى مع من آذوه في دعوته، وسأعرض لبعض الأمثلة التي تبين فرحه - صلى الله عليه وسلم - وسروره بهم وحسن استقباله لهم وطلاقة وجهه عند لقائهم وإكرامهم وحسن ضيافتهم وفتح باب الأمل لهم بعفو الله ومغفرته:(15/3)
فمن ذلك ما جاء في إسلام خالد بن الوليد - رضي الله عنه -، فحين قدم هو وعمرو بن العاص وعثمان بن أبي طلحة - رضي الله عنهم - قال خالد - رضي الله عنه -: وأُخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فسر بنا، فلبست من صالح ثيابي، ثم عمدت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلقيني أخي فقال: أسرع، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر بك فسر بقدومك، وهو ينتظركم، فأسرعت المشي فطلعت فمازال يتبسم إلي حتى وقفت عليه، فسلمت عليه بالنبوة، فرد علي السلام بوجه طلق فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً، ورجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير».
ومن ذلك ما جاء في قصة وفد ثقيف، فقد أنزل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفد ثقيف في المسجد وبنى لهم خياماً لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا، ولما أسلموا كان الصحابة - رضي الله عنهم - يقومون على خدمتهم وهم يأخذون حظهم من التفقه والتعلم لدين الله، قال ابن إسحاق عن بعض وفد ثقيف قال: كان بلال - رضي الله عنه - يأتينا، حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بقي من رمضان، بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأخذ منه العلماء جواز إنزال المشرك في المسجد ولاسيما إذا كان يرجى إسلامه وتمكينه من سماع القرآن ومشاهدة أهل الإسلام وعبادتهم.
وأجاز العلماء إظهار الفرح والسرور للمسلم الجديد عند إسلامه وكذلك صنع الطعام له احتفاء به وتأليفاً له على الإسلام.
ومن حسن الاستقبال للمسلم الجديد: فتح باب الأمل والرجاء له عند إسلامه، ويشهد لذلك ما جاء في حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أنه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: «ما لك يا عمرو؟ »، قال: قلت: أردت أن أشترط، قال «تشترط بماذا؟ »، قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله». إن هاجس المسلم الجديد عند إسلامه ذنوبُه التي اقترفها قبل إسلامه، وهو لا يعلم شيئاً عن عظيم عفو الله - تعالى - وسعة فضله، والداعية جدير بأن يحرص على أن يبين للمسلم الجديد أن الإسلام يجبّ ما قبله.
واقتفى المسلمون أثر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفرح والسرور بالمسلم الجديد، فقد شهد التاريخ أن المسلمين إبان الفتوحات الإسلامية كانوا يخيرون الناس بين الإسلام وبين الجزية، فمن قبل الإسلام صار من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن اختار دين قومه أخذت منه الجزية، فكان من يختار الإسلام يكبر له المسلمون تكبيرة أشد من تكبيرة الفتح فرحاً بإسلامه وهدايته.
ومن هنا فإن متطلبات الدعوة بين المسلمين الجدد كثيرة، وأساس ذلك توعية العامة من المسلمين بدورهم في دعوتهم وحسن استقبالهم، فحسن الاستقبال هو أول رسالة إلى المسلم الجديد، وهو يجعله يقبل على الإسلام، كما أن سوء الاستقبال ينفره عنه، وويل للمنفرين، إذ إن التبشير بالإسلام له صور متعددة فقد يكون بالقول أو الفعل أو الهيئة أو المعاملة، وكذلك التنفير من الإسلام قد يكون بالقول أو الفعل أو الهيئة أو المعاملة، وهي مما يشترك فيه عموم المسلمين. إن بعض المسلمين قد يبخل على المسلم الجديد بابتسامة لطيفة أو بنظرة حانية أو بكلمة رقيقة، فيلقاه بوجه عبوس، وقد يحقر هذه النظرة، ولا يظن أنها قد تكون سبباً في تفكير المسلم الجديد في الرجوع إلى دينه!!
http://www.al-mostaqbal.com المصدر:
-==========
فقر المشاعر
محمد بن إبراهيم الحمد
الإنسان مركب من جسد وروح ومشاعر، فليس جماداً أصمّ، وليست حاجته قاصرة على الطعام والشراب فحسب، بل هو محتاج - مع ذلك - إلى غذاء عقله، وروحه، ومشاعره وتفصيل ذلك يطول، وليس هذا مجال بسطه.
وحسب الحديث ههنا أن يدور حول المشاعر، وحاجة الإنسان إليها؛ فالذي يُلاحظ في حياتنا اليومية أننا نعاني من فقر المشاعر الإنسانية الصادقة المعتدلة؛ فتجد من الناس من هو جافٍ لا تكاد تحظى منه بكلمة شكر، أو ابتسامة محبّ، أو دعوة مخلص.
ومنهم من هو متملّق محتال يزجي المديح بلا كيل لمن يستحقّ ولمن لا يستحقّ؛ إما رغبة أو رهبة أو لأجلهما معاً؛ فإذا انقضت مصلحته قَلَبَ ظهَر المِجَنِّ، وعرَّى أفراس الصّبا ورواحله.
أما من يقابل الناس بالبشر، ويصافحهم براحة كريمة، ويثني عليهم إذا هم أجادوا، ويردّهم إلى الصواب برفق إذا هم أخطؤوا، ويُسدي إليهم المعروف إذا هم احتاجوا دون أن يكون خائفاً منهم أو راجياً لهم ـ فذلك قليل في الناس، غريب بينهم.
ومن كان كذلك أحدقت إليه الضمائر الحرة، وأولته وداً وانعطافاً؛ وأساغت عشرتَه، وأصاخت السمعَ لما يقوله.
ولكن هذا الصنف ـ مع الأسف ـ قليل؛ لأن المصالح الخاصة قد طغت، فصارت المعاملة إلى النفعية أقرب منها إلى المروءة والإنسانية.
ولا ريب أننا بحاجة ماسة إلى كمية كبيرة من المشاعر الصادقة؛ حتى نحفظ الودّ فيما بيننا، ونبعد عن شبح الأوهام التي تعترينا، ولأجل أن تكون حياتنا مليئة بالمسرّات، بعيدة عن المكدّرات والمنغّصات.
وإن المتأمل في حياتنا ليرى عجباً؛ فلغة المشاعر التي تضفي علينا الدفء في قَرِّ الشتاء، وتهبّ علينا بالنسيم العليل في حرّ الهجير ـ تكاد تنقرض عند فِئام من الناس في هذه الأزمان.(15/4)
كيف يكون ذلك؛ ونحن نتفيّأ ظلال دين عظيم يرعى هذا الجانب حقّ رعايته، ويحذِّر من أن تتضاءل تلك العواطف النبيلة، فيضيع بسبب ذلك من حقائق الشريعة، وعزة أهلها ما يضيع؟!
ومن هنا جاء الإسلام بما يربي تلك المعاني، ويحييها في النفوس؛ فنصوص الوحيَين - التي لم تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وأحاطت بها إجمالاً أو تفصيلاً ـ مليئة بتقرير تلك المعاني السامية التي تنهض بالمشاعر، وتقضي على روح الأثرة والقسوة، والغِلظة والكزازة.
فلو أجَلْت فكرك في حِكَم الصلاة، والزكاة، والصيام والحج ـ وهي أعظم دعائم الإسلام بعد الشهادتين ـ لوجدت أن من أعظم حكم تشريعها مراعاة المشاعر، وقيام روح الألفة والمودّة بين المسلمين.
ولو ألقيت نظرة فيما يقرره الشارع من أوامرَ ونواهٍ وما جرى مجرى ذلك لرأيت ذلك رأْي العين.
ألا ترى أن الشارع يقرر ألا ننسى الفضل بيننا، وأن أحدنا لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأن المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يسلمه، ولا يحقره؟
أليس الشارع يأمرنا بستر عورات المسلمين، والسعي في قضاء الحوائج، وتنفيس الكُرُبات، وعيادة المرضى، وتشييع الجنائز؟
أليس يأمر بإفشاء السلام، والرحمة بالخلق، والعطف عليهم، وحسن رعايتهم، ومداراتهم، والصبر على أذاهم.
أليس يأمر ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وإكرام الجار، والوفاء للأصحاب، وحسن المعاملة للزوج والأولاد.
أليس يأمر بالأمانة وإنجاز الوعد، وحسن الظن، إلى غير ذلك من الأوامر التي ليس بعدها أمل لآمل، ولا زيادة لمستزيد.
وفي مقابل ذلك، فهو ينهى عن أمور كثيرة من شأنها أن توهي حبال المودة بين المسلمين، أو تنقض عُراها؛ فتراه ينهى عن العقوق، والقطيعة، وأذيّة الجار، والكبر، والحسد، والغل، والحقد، والبخل، والفظاظة، والوقاحة، والعِناد، والغيبة، والنميمة، والسب، واللعن، وإفشاء السر، والسخرية بالناس، والتعبير بالعبارات المستقبحة، والتخاطب بالألقاب السيئة.
وينهى - كذلك - عن كثرة الجدال والخصومة، وعن المزاح البذيء، وعن الكلام فيما لا يعني، وعن الخيانة، والمكر، وإخلاف الوعد، والتحسس والتجسس، وتتبع العورات، والتهاجر، والتشاحن، والتدابر وما إلى ذلك.
وتفصيلُ ما مضى، وذكرُ أدلته يحتاج إلى مجلّدات ضِخام، والمقام لا يسمح بذلك.
ومع ذلك كله فإن الناظر في أحوال إخوانه المسلمين يعتريه الأسى واللوعة؛ لما حلّ بهم من الشنآن، والقطيعة، والتهاجر، وجفاف المشاعر، وجفاء الطباع.
فمن ذلك ضعف وبرود المشاعر بين الوالدين والأولاد، وبين الأرحام، والجيران، والأزواج، وبين المعلمين والطلاب.
ومن ذلك قلة المراعاة للمشاعر حال تقديم النصيحة، وقلة ذلك من قبل المنصوح الذي يردّ النصيحة، ويزري بالناصح أو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
ومن ذلك قلة المراعاة لمشاعر العمال، والغرباء، والصغار، والمرؤوسين؛ وذلك باحتقارهم، أو هضم حقوقهم أو ما شاكل ذلك.
ومن هذا القبيل قلة المراعاة للمخالفين والخصوم حال الردّ والمناقشة أو المجادلة، ولا يعني ذلك ترك الردّ أو قوّة الحجّة فيه، وإنما المقصود من ذلك ما يكون من الظلم، والزيادة، والبغي، والاستطالة.
ومن ذلك قلة المراعاة لمشاعر المراجعين من قبل بعض الموظفين؛ حيث يستقبلونهم بتثاقل، وبرود، ويقدمون لهم الخدمة بمِنّة وتباطؤ.
ومن ذلك قلة المراعاة لحقوق الأخوّة والصداقة، كقلّة التعاهد، والتزاور، وكالجفاء، وكثرة التجني، وما جرى مجرى ذلك.
ومن ذلك قلة المراعاة لمشاعر المريض أثناء زيارته، كحال من يذم الطبيب الذي يعالج المريض، أو الذي أجرى له العملية الجراحية، أو كحال من إذا زار المرضى أن يذكر لهم أقواماً أصيبوا بمثل ما أُصيبوا به فماتوا.
ومن مظاهر فقر المشاعر ما يقع بين جماعة المسجد الواحد؛ فهم يجتمعون لأشرف الغايات ألا وهي عبادة الله - عز وجل - بأداء الصلاة، وليحققوا مقصداً من أعظم مقاصد الدين ألا وهو الاجتماع، والألفة، والمحبة.
ومع ذلك تجد جماعة بعض المساجد لا يراعون هذا الجانب؛ فتجد أن العلاقة بين الإمام والمؤذّن وجماعة المسجد ضعيفة أو معدومة، بل ربما شاع بينهم كثرة الانتقاد، وكثرة اللوم والعتاب، وربما شاع بينهم القطيعة والبيْن.
وهذا مصداق قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم"(1).
فالذي ينبغي لهؤلاء أن يقطعوا على الشيطان طريقه، وألا يسترسلوا مع الظنون السيئة؛ فينبغي للإمام أن يراعي مأموميه، وأن يرفق بهم، وأن يتحمل بعض ما يصدر منهم من جفاء أو كثرة اقتراحات، أو انتقاد.
كما ينبغي أن ينزلهم منازلهم، وأن يبادرهم بالسلام والتحية، خصوصاً كبار السن، ومن لهم قدر وجاه.
كما عليه أن يراعي مشاعر الصغار، والمقصرين، وأن يأخذ بأيديهم إلى الصلاح.
كما عليه أن يحفظ عرضه وذلك بالانضباط، والاعتذار حال المغيب، وأن يوكل الكفؤ إذا كان لديه عذر.
كما على المؤذن مثل ما على الإمام، وعليه أن يحسن علاقته بالإمام والمأمومين، وعليهما أن يهيّئا جو الخشوع والراحة للمصلين.
وبالمقابل فعلى جماعة المسجد أن يلتمسوا العذر للإمام والمؤذن في بعض الأمور، وعليهم المناصحة بالتي هي أحسن.
وإذا وفّقوا بإمام عاقل فليعَضّوا عليه بالنواجذ، وإذا رأوا من بعضهم إساءة في حقه فليوقفوا ذلك المسيء عند حدّه.
وعلى كل حال فالمسألة تحتاج إلى بسط؛ فإن مظاهر فقر المشاعر كثيرة وكل واحد مما مضى يحتاج إلى وتفصيل وعلاج.(15/5)
وصفوة المقال: فإن مراعاة المشاعر منهج شرعي، ومطلب اجتماعي يحتاجه المعلم مع طلابه، وعميد الأسرة مع أهل بيته، كما يحتاجه القاضي في مقطع أحكامه، والعالم في تصدّيه للناس، والرئيس الأعلى في سياسته لرعيته.
بل ويحتاج إليه كل إنسان ما دام مدنياً بطبعه، ولا يستطيع أن يعيش في عزلة مطلقة.
وأخيراً لا تحتقر شيئاً مما يكسبك شكوراً، وتزداد به صحيفة أعمالك نوراً؛ فلا تحتقر كلمة طيبة، أو ابتسامة صادقة تنزلها رحمة على قلب إخوانك.
ولا تتهاون بملاطفة الصغير؛ فإنه سيكبر ولن ينسى لك ذلك الجميل، ولا يغبْ عن بالك مواساة العامل الغريب؛ فإنه يأنس بذلك، ويرتاح له، ولا تتوانَ أن تقول للناس حسناً؛ فإن كنت تعرف من تقول له ذلك استملْت قلبه، وإن كنت لا تعرفه فقد أسعدْته، وكسبْت رضا ربك في ذلك كلّه.
بل لا تحتقر المكالمة الهاتفية، أو الرسالة البريدية، أو الجوّالية المسعدة المعبّرة، المذكّرة، المواسية، وتذكّر أن في "الكلمة الطيبة صدقة" واستحضر "أن تبسّمك في وجه أخيك صدقة".
و"لا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلِق".
وبالجملة فالموضوع طويل، والحديث عنه ذو شجون، وما مضى إنما هي إشارات وذكرى و (الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ).
--------------------
(1) رواه الإمام أحمد 3/313 و 354 و 366 و 384، ومسلم (2812).
26/1/1426
07/03/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
============
سياحة المؤمن
في حين يحزم حقائبه عدد كبير من المسلمين ممَّن منَّ الله عليهم بنعمة المال إلى البلاد الأوربية والأمريكية، يدير عدد لا بأس به من المتصفحين مواقع الإنترنت متصلين بالعالم، وهم في غرف نومهم وعلى مكاتبهم.
فما هدف هؤلاء السواح التقليديين والتقنيين يا ترى؟!
الحقيقة المؤسفة أنَّ أكثر هؤلاء يسيحون لأجل المتعة فحسب، في حين تبقى عقول أولئك المستقبلين من الغرب تحمل كثيراً من التساؤلات، بل وأعتقد أنَّ كثيراً منها يحمل في عقله وقلبه حقداً على المسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر، نظراً للسياسة اليهودية الإعلامية الحاقدة.. ولكن يبقى عدد لا بأس به من أولئك يعرف أنَّه يُمَارس ضده التضليل الفكري، بينما هو يتشوَّق للحقيقة، ويبحث عن مصدر يعطيه إياها بالبراهين والأدلة والإقناع على الطريقة الغربية.
وما أسرع هؤلاء إذا اقتنعوا في تغيير أساليب حياتهم، بل معتقداتهم..
فماذا حمل المسافر المسلم لهم إذا اضطر للسفر إلى البلاد الكافرة للعلاج أو للدراسة؟ وماذا حمل لدينه؟ يقول - صلى الله عليه وسلم -: "لأن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ لك من حمر النعم"، فهل فكرنا في حمل كتب تتكلَّم عن الإعجاز العلمي في القرآن، أو عن دلائل النبوة المحمدية، أو ماذا يحمل الإسلام لأهله من سعادة؟
هل فكَّرنا كيف نكسب حمر النعم بدلالة هؤلاء إلى الإسلام؟
لماذا لا يصبح كلّ منا سفيراً لدينه؟ وحسبنا أن نجعلهم في البداية يوحدون الله ويدخلون في الإسلام، ومن ثم يتم التواصل معهم ليكونوا معنا في الطريق، وليكن شعارنا: "أسلم يأتك ضعف أجر المسلم".
أمّا ذلك المسافر إلى الدول العربية والإسلامية التي تتعطش نساؤها خاصة لمجالس العلم، ويتشوق أهلها لحلقات الذكر، فيجد من الفرص الدعوية ما لا يخطر له على بال، وبخاصة في تلك المناطق التي ينتشر فيها الشرك والبدع، ويقلّ الداعي إلى الهدى.
إنَّها دعوة إلى كلّ مسافر أن يسافر وفي قلبه همّ نفع الناس، فتلك والله المنقبة العليا والشرف الكبير، وهو فضل من الله يؤتيه من يشاء.
25/10/1424
18/12/2003
http://www.lahaonline.com المصدر:
=============
القصة وسيلة دعوية
محمد الدويش
إن من يقرأ كتاب الله - تبارك وتعالى - يجد أن القصة تتكرر فيه في مواطن عدة، ويتجاوز الأمر إيراد القصة وتكرار ذلك إلى:
* الامتنان على النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن أنزل إليه أحسن القصص: ((نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين))(يوسف: 3).
* الإخبار بأن القصص سبب لتثبيت فؤاد النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك))(هود: 120).
* الأمر بقص القصص: ((فاقصص القصص لعلهم يتفكرون))(الأعراف: 176).
* الأمر بالاعتبار بما قص الله في كتابه: ((لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)). (يوسف: 111).
ولقد اعتنى - صلى الله عليه وسلم - بشأن القصص، فحفظت لنا دواوين السنة طائفة من قصه - صلى الله عليه وسلم - عليهم من قصص الأمم الماضية وأخبارهم.
ولم تكن قصص القرآن أو السنة قاصرة على أنباء الصالحين وأخبارهم، بل شملت مع ذلك قصص المعرضين والفجار للاعتبار بما أصابهم.
كل ذلك يؤكد أهمية القصة ودورها التربوي الدعوى مما يجدر بالدعاة أن يعتنوا بها ويستخدموها في دعوتهم وخطابهم للناس.
إنها تحمل عنصر التشويق والإثارة، ويُقبل عليها المستمع والقارئ بعناية وإنصات، وهي كذلك تقدم البرهان على تأهل المعاني المجردة إلى التطبيق على أرض الواقع، وتبرز النموذج والقدوة الصالحة، وتزيد المرء إيماناً بقدرة الله- تبارك وتعالى -وسائر صفاته.
وتبدو أهمية ذلك بشكل أكبر في تربية الناشئة وخطابهم; إذ يعاني شباب المسلمين اليوم وفتياتهم من غياب القدوة الصالحة، ومن بروز النماذج والقدوات السيئة والإعلاء من شأنها وتبجيلها لدى الناس.
ومع أهمية القصة وعلو شأنها إلا أنه ينبغي أن يراعى في ذلك أمور عدة، منها:
* أن تُعرَض وتُستخدَم في الخطاب بالقدر المعقول; فلا تكون هي اللغة الوحيدة في الخطاب، أو تكون على حساب غيرها.(15/6)
* الحذر من القصص الواهية والأخبار التي لا زمام لها ولا خطام; إذ إن النفوس كثيراً ما تتعلق بالغرائب وتجنح إليها، والقليل منها هو الذي يثبت عند التحقيق والنقد العلمي.
* أن تأخذ أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - وقصصه، وأخبار الرعيل الأول من سلف الأمة مكانها الطبيعي، وألا تطغى أخبار من بعدهم من المتأخرين ممن تعرف منهم وتنكر.
* أن البشر مهما علا شأنهم وارتفع قدرهم، ومهما بلغوا المنازل العالية من الصلاح والتقى فلن تكون أعمالهم حجة مطلقة، بل لا بد من عرضها على هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ; كما يروي بعضهم في مقام الصبر أن شيخاً قام يرقص على قبر ابنه حين توفي رضًى بقدر الله على حد زعمه، وخير من ذلك هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي تدمع عينه ويحزن قلبه، ولا يقول إلا ما يرضي ربه، وهديه - صلى الله عليه وسلم - القولي والعملي في النوم والقيام خير مما يروى عن بعضهم أنه صلى الفجر بوضوء العشاء كذا وكذا من السنوات، وهديه في تلاوة القرآن خير مما يروى عن بعضهم أنه يختم القرآن كل ليلة، مع التماسنا العذر لمن كان له اجتهاد من سلف الأمة في ذلك.
جعلنا الله – تعالى - من أهل الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://www.quran-radio.net :المصدر
================
هذه تجربتي في الدعوة على الأرصفة
سرحان العطوي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وأله وصحبه أجمعين:
إن من طرق الدعوة إلى الله في هذا الزمان هي دعوة الشباب على الأرصفة والمنتزهات حيث يكثر في الصيف خروج الشباب للجلوس على الطرقات وجميعهم قدموا إلى تلك الأماكن يعانون من الملل في المنازل وغيرها وجلسوا يتحدثوا مع زملائهم وهذا أمر ليس بغريب ...
ولكن الغريب حينما تراهم يطلبون السعادة بمعصية الله ويعصون الله بنعمه..
تجد أحدهم يحمل الطبل والعود ومزامير الشيطان..
فحينما تخاطبه سائلاً هل أنت تشعر بالسعادة وأنت تفعل هذا الفعل ويجيب عليك ويقول لا والله يا شيخ أريد إن أرفه عن نفسي ولو سألته هل أنت راضي عن هذا الفعل؟
أجابك قائلاً لا والله غير راضي فتجد أنه في غفلة وينتظر التوجيه والبعض الأخر يقول: لم يأتي أحد يناصحنا من قبل.
أخي الكريم:
لا تغفل عن نوع من أنواع الدعوة إلى الله وهو دعوه الشباب على الأرصفة فكم من شاب كان عاص لله وجدناه على تلك الطرقات وفي بعض المنتزهات وتخاطبنا معه بكل صرحه ناصحين وفتح الله على قلبه وأصلح الله حاله..
قد يأتيك الشيطان ويلبس عليك ويقول لك أن هؤلاء الشباب ليس فيهم خير قد يستقبلونك وربما تجد منهم ردة فعل سيئة كطردك من جلستهم أو غير ذلك من سوء الخلق .
أقول لك اسأل مجرب؟
منذ عدة سنوات ونحن نمارس الدعوة على الطرقات لم نجد من الشباب إلا كل احترام وحسن خلق والخير موجود فيهم ...
ولكن من يحرك هذا الخير!!!
وإليك أخي الملتزم قصص من واقع الدعوة على أرصفة مدينة تبوك ....
القصة الأولى:
ذهب ثلاثة شباب من الصالحين إلى أحد الجلسات وكان لديهم أرقيله (شيشة) وصوت الغناء مرتفع من مسجل سيارتهم فقاموا بالسلام عليهم وهم يحملون السلاح الفتاك (الابتسامة) استأذنوهم بالجلوس معهم فرحبوا بهم وأغلقوا مسجل السيارة وبدأ الحديث معهم...
وقد يتعجب البعض من هذا الأمر ولكن أقول هذا ليس بغريب قال تعالى ((وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين))
القصة الثانية:
هؤلاء شباب ملتزمين كانوا يريدون السفر إلى مكة المكرمة لأداء مناسك العمرة وهم في طريقهم وقبل خروجهم من مدينة تبوك وجدوا شاب يجلس لوحده على الرصيف وبيده مزمار الشيطان العود فوقفوا عنده ونزل أحدهم إليه وناصحه فستقبل من النصيحة وقال له أنتم ذاهبون إلى مكة كما أخبرتني هل من الممكن أن أرافقكم ...
فأجابه الملتزم حياك الله
وإذ به يخرج الدخان ويكسره ويأخذ العود ويحطمه على الرصيف ويرافقهم إلى أداء العمرة خاشعاً متذلل إلى ربه بعد أن كان يعصيه...
ويقولون عنة أنه قام الليل معهم تلك الليلة داعياً الله بالمغفرة والثبات،،،،،
فسبحان من بدل الحال من جلسة شيطانية إلى رفقة صالحة وأداء عمرة..
القصة الثالثة:
هؤلاء اثنين من الدعاة على الأرصفة ذهبوا إلى شباب جالسين في أحد المنتزهات وجلسوا معهم بعد أن استأذنوهم بالجلوس معهم ورحبوا بهم وبدأ بالحديث معهم وتفاجئوا برائحة خمر تنبعث من أفواههم فذكروهم بالله الذي هم يعصونه وعظمة ربهم وما أعدة الله من النعيم الذي لا يفنى للمتقين وذكروهم بعقوبة شرب الخمر وما أعده الله من عذاب لشاربين الخمر وذكروهم برحمة الله حتى لا يقنطوا..
استأذنوهم قائمين من جلستهم...
وإذ بأحدهم يطلب رقم الجوال منهم.. ودموعه تسيل من عينيه فيها.... ووجهه عليه علامات الندم..
وهو يقول لم نجد من يناصحنا وأنى محتاج لكم وهذا رقم جوالي..
لا تنسوني من دعائكم...
وفي اليوم الثاني اتصل بهم وطلب مقابلتهم والجلوس معهم بعد أن استيقظ من سكرته وجلس معهم وهو نادم
على ما فرط في جنب الله جل جلاله وقد أعلن توبته عن شرب الخمر...
فنسأل الله الثبات لنا ولهم...
14/1/1426
http://www.denana.com المصدر:
===============
لماذا، ومن يستفيد من الحديث عن الخطبة ؟
أ. د. سليمان بن حمد العودة(15/7)
كانت الخُطبة ولا تزال، وستستمر مجالاً كبيراً للتأثير، استخدمها الأنبياء والمرسلون - عليهم السلام - للبلاغ ونشر الدعوة، ومارسها الساسة لتحقيق أهدافهم، وقدّم بها القادة والفاتحون توطئة لفتوحاتهم، وكانت الخطبة أحد المؤشرات الهامة لنجاح المديرين في إداراتهم المختلفة، وفوق هذا كله فهي درس أسبوعي تُهز به أعواد المنابر، ويلتقي المسلمون في المسجد لسماع الخطب، ويصدرون وقد خشعت قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق، وأخذوا حظهم من الدعوة للخير والتحذير من الشرور والآثام.
الخُطبة إذاً متعددة الأغراض، شاملة لكافة الأطياف، يستفيد من جمالها المربي الذي يريد أن يغرس مفاهيم التربية الحقة، كما يستفيد منها الواعظ الذي تذرف العيون لحسن عبارته ورقّة تعبيره، ويستخدمها المعلم الناجح الذي يُريد أن يهيئ طلابه لاستقبال درسه.
إن الخُطبة بمفهومها الشامل أداة مهمة للتأثير في الإعلام والتعليم والدعوة والتربية في السلم وفي الحرب وفي حال السراء والضراء والضعف والقوة.
وإذا كانت الخُطبة ونِسبُ التأثر والتأثير فيها قاسماً مشتركاً بين الأمم في القديم والحديث؛ فثمة مزايا ومميزات للخُطبة في الإسلام. وعند المسلمين تختلف عن غيرهم من الأمم والأديان، ولعل أبرز هذه المميزات الصدق في القول، والعدل في الحكم، ونُبل الهدف والغاية، وما من شكٍ أن الخُطبة تعبيرٌ عن المبدأ وترجمان للهدف، ومهما كان زخرف القول في الخُطبة فلا يصح إلا الصحيح، ويذهب الزبدُ جفاءً ويمكث في الأرض ما ينفع الناس.
أجلْ! تأملوا في صدقية وآثار، بل والفرق بين آثار هذه الخطب المختصرة.
قال النمروذ: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}.
وقال إبراهيم - عليه السلام - {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258]. والنتيجة: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 258].
والفرق كبير بين علو فرعون حين قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]، وقال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: 51 - 52]. وحين أرسل في المدائن حاشرين: {إنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإنَّا لَجِمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء: 54 - 56]. وبين كلمات موسى ـ - عليه السلام - ـ وكلها صدق وتوكل واستعانة بالله: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} [يونس: 84]، {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]. والنتيجة: {فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الشعراء: 57]، {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف: 137].
ومن تأمل في كثير من الخُطب قديماً وحديثاً وبين سائر الأمم وجد الفرق ظاهراً في الحال والمآل.
وخلاصة القول أن الخُطبة وإن كانت عند الإطلاق تتجه ابتداءً إلى خُطبة الجمعة، وهي أشرف الخطب وأعظمها أثراً وتستحق كل عناية واهتمام، إلا أن الخطبة وأثرها تتجاوز ذلك إلى منابر أخرى.
وتتعدد أغراض الخطبة، وتتشعب مجالاتها، وهذه الأغراض والمجالات الواسعة حَرِيَّةٌ بالاهتمام، كما أن خطيب الجمعة ليس وحده المؤثر، وإن كان المفترض فيه أن يكون أقوى الخطباء المؤثرين؛ فثمة خُطباء آخرون وفي مواقع مختلفة حَرِيُّون كذلك بكل عناية واهتمام.
إذاً يفترض في حديثنا عن خُطبة الجمعة وخطيب الجامع أن نستحضر كذلك المفهوم الواسع للخطبة وأطياف الخطباء المؤثرين ومدى التأثير المنتظر لكل منهم في متلقيه؛ ليكون في حديثنا شمول لا يؤثر على المرتكز والمحور في خُطبة الجمعة حتى يعم النفع بها، وتتسع دائرة تأثيرها، ويكثر عدد الخطباء، ونفسح المجال لقاعدة أكبر للتأثر بالخطبة والخطيب.
وبهذا يتضح أثر وأهمية الخطبة، وبخاصة من أناس قد لا يتمكنون من صعود منابر الجمعة، لكن قد لا يقل أثرهم عن غيرهم في منابر أخرى.
والله من وراء القصد.
--------------------
(*) أستاذ بجامعة القصيم ـ السعودية.
ذو القعدة 1425هـ * ديسمبر/يناير 2005م
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============
سياسة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة إلى الله (1 - 2)
محمد بن شاكر الشريف
الدعوة إلى الله - تعالى - عبادة من أشرف العبادات، وعمل من أجل الأعمال لا يقوم به على وجهه الصحيح إلا أولو العزم من الرجال لما يكتنفه من مشاق ومسؤوليات وخاصة في زمان غربة الدين. والدعوة إلى الله مهمة رسل الله إلى الناس من لدن آدم - عليه السلام - إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - الذين جعلهم الله - تعالى - واسطة بينه وبين خلقه يبلغون عنه شرعه إليهم، ويكفي في بيان شرف هذا العمل قوله - تعالى -: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33](15/8)
أي: لا أحسن من ذلك على الإطلاق؛ لكن الدعوة عمل، والعمل لا يؤتي ثماره المرجوة منه إلا أن يؤدى على وجه من الإتقان والكمال، وهذا هو ما يحبه الله - تعالى - كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله - تعالى - يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»(1)، والإتقان في الدعوة أجلُّ وأخطر من أي عمل آخر؛ لأن الدعوة يعوَّل عليها في تحقيق الغاية من الخلق. قال - تعالى -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] فكان في عدم إتقان الدعوة والخطأ فيها سبيل من سبل الصد عن دين الله وهو ذنب جسيم. والمسلم في الدعوة إلى الله - تعالى - يقابل بيئات مختلفة، ويتعامل مع أصناف شتى من الناس في ظل ظروف متباينة؛ لذا كان المسلم في حاجة ماسة إلى المعرفة بسياسة الدعوة في دعوته الناس إلى دين ربهم العزيز الحميد، السياسةَ التي يكون هدفها العمل على تحقيق الغاية من الخلق بالطرق المناسبة لتحقيق الهدف في ظل مراعاة البيئات المتعددة وأصناف الناس والظروف المحيطة بالداعية والمدعو، وهذا هو الإصلاح الحقيقي الذي يعمد إلى تحقيق المقاصد الحميدة بأقصى قدر ممكن في ظل الأوضاع والظروف القائمة من غير أن تتدخل تلك الظروف أو الأوضاع فتحرف مسار المقاصد والأهداف؛ فإن السياسة الحقة هي عمل ما فيه الصلاح، ولذلك كانت دعوات الرسل جميعهم دعوة للإصلاح كما قال نبي الله شعيب عندما دعا قومه إلى توحيد الله وعبادته والالتزام بما شرعه لهم من الأحكام: {إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ} [هود: 88] فالإصلاح هو منهج الرسل وأتباع الرسل، بعكس الإفساد الذي هو منهج المنافقين ومعارضي رسل الله رغم تبجحهم بزعم الصلاح. قال الله - تعالى - عن المنافقين: {وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11 - 12]. ومن هنا فإن الله ينهى عن طاعة المسرفين أصحاب الفساد في الأرض إذ يقول: {وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} [الشعراء: 151 - 152].
والإصلاح أمر حسن جميل تدركه النفوس بما أودع الله في فطرتها من حب الجمال والحسن؛ حتى إن الإنسان ليدركه قبل أن تصل إليه في ذلك شريعة. قال الرجل الذي هو من قوم موسى - عليه السلام - قبل أن تأتي موسى الرسالة: {إن تُرِيدُ إلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} [القصص: 19]، ولا أحد أحسن في سلوك طريق السياسة النافعة أو الإصلاح من رسل الله الذين أرسلهم لقيادة العالمين في طريق الهداية والخير، وفي هذا المقال نستعرض بعضاً من الملامح العامة لأساليب وطرائق السياسة الشرعية التي اتبعها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة إلى الله - تعالى - لتكون نبراساً للدعاة يقتفون أثرها، وينهجون على منوالها؛ فمن ذلك:
1 - مراعاة الظروف المحيطة وأحوال البيئة التي تتم فيها الدعوة:
فينبغي على الداعية دراسة البيئة دراسة جيدة فيعرف عادات الناس وأخلاقهم ونقاط الضعف والقوة لديهم، كما يعلم عقائدهم وعباداتهم وما يتعلق بهم، حتى تكون خطواته الدعوية متناسقة مع تلك الأوضاع للحصول على أكبر قدر من النتائج الحسنة في الدعوة، وليس معنى ذلك الانحناء أمام هذه الظروف والأحوال وجعلها تعرض نفسها أو معطياتها على الدعوة، بحيث تؤثر في مضمون الدعوة بالتغيير أو التمييع، ولكن الداعية يتصرف مع مراعاة الظروف؛ فلا هو يستسلم لهذه الظروف ولا هو يغالبها ـ إذا كانت أكبر من استطاعته - فتغلبه، ولنأخذ المثال التطبيقي على ذلك من سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فعندما أوحى الله إليه - صلى الله عليه وسلم - كانت البيئة المحيطة كلها بيئة شركية، فكانت مواجهته لهم في بادئ الأمر فيها نوع من المغالبة التي لا يستطيعها الإنسان بمفرده، هذا من جانب. ومن الجانب الآخر فقد يموت الداعية أو يُقتل قبل أن يتمكن من كسب أحد من الناس ليقوم بمهام الدعوة من بعده، وهذا قد يؤدي في النهاية إلى إحباط المشروع الدعوي برمته(1)، كما أن الإذعان لهذا الواقع والاستسلام لضغوطه بحيث تكون مهمة الداعية إجراء بعض الترقيعات على الواقع والتي قد لا تؤثر كثيراً، كان في هذا أيضاً انحراف بالدعوة عن طريقها؛ فماذا فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إزاء ذلك الوضع؟
لقد سلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - طريقاً وسطاً بحيث يحافظ على نقاء الدعوة وتوصيل الحق كاملاً غير منقوص، في الوقت الذي لا يغالب فيه الواقع الذي هو فوق الطاقة المحدودة للفرد؛ فقد لجأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الدعوة الفردية السرية، فبدأ بدعوة من يأنس فيهم الرشد ورجاحة العقل في إدراك الحق، فحافظ بذلك على نقاء الدعوة مع أمنه من مضايقات المشركين ومغالبتهم له في أول الأمر، وليس في هذا تقصير من ناحية عدم تعميم الدعوة؛ لأن هذا القدر كان هو الممكن، وكان هذا من السياسة الحكيمة التي اتبعها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في توصيل الدعوة وتبليغها، وبعض الناس لا يفطنون لذلك، فيريد أن يبلغ الشريعة كلها من غير نظر إلى ما حوله، فيصطدم بما يعوقه عن تحقيق قصده، وربما صرفه ذلك العجز عن الدعوة نهائياً، وهو إنما أُتي من عدم علمه بالسياسة الشرعية في الدعوة وظنه أن كل ما هو معلوم لديه ينبغي قوله وإذاعته.(15/9)
ولشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - كلام نفيس في ذلك عما ينبغي على العالم أن يقوم من البيان والتبليغ، فيقول - رحمه الله تعالى -: (فالعالم في البيان والبلاغ كذلك؛ قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن كما أخر الله - سبحانه -إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسليماً إلى بيانها؛ يبين حقيقة الحال في هذا أن الله يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]، والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله، والقدرة على العمل به. فأما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي، وإذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه: كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالجنون مثلاً؛ وهذه أوقات الفترات؛ فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئاً فشيئاً بمنزلة بيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما بعث به شيئاً فشيئاً؛ ومعلوم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، ولم تأت الشريعة جملة. كما يقال: إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع. فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبلغ(2) إلا ما أمكن علمه والعمل به؛ كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يُلقّن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها. وكذلك التائب من الذنوب؛ والمتعلم والمسترشد لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم؛ فإنه لا يطيق ذلك وإذا لم يطقه لم يكن واجباً عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجباً لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداء، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان؛ كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه. ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات؛ لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل؛ وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط. فتدبر هذا الأصل؛ فإنه نافع. ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الأشياء وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل، لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم؛ فإن العجز مُسقط للأمر والنهي وإن كان واجباً في الأصل. والله أعلم. ومما يدخل في هذه الأمور الاجتهادية علماً وعملاً أن ما قاله العالم أو الأمير أو فعله باجتهاد أو تقليد؛ فإذا لم يرَ العالم الآخر والأمير الآخر مثل رأي الأول فإنه لا يأمر به أو لا يأمر إلا بما يراه مصلحة، ولا ينهى عنه؛ إذ ليس له أن ينهى غيره عن اتباع اجتهاده، ولا أن يوجب عليه اتباعه؛ فهذه الأمور في حقه من الأعمال المعفوة لا يأمر بها ولا ينهى عنها، بل هي بين الإباحة والعفو. وهذا باب واسع جداً، فتدبره)(1).
لكن الدعوة السرية الفردية التي اتبعها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر، وإن كانت مهمة لمرحلة الابتداء أو شرطاً في النجاح والاستمرار، لكنها لا تصلح أن تكون منهجاً عاماً إلى آخر المدى؛ إذ لا يمكن لدعوة عالمية يرجى لها الذيوع والانتشار في مشارق الأرض ومغاربها أن تعتمد هذا الأسلوب فقط إلى النهاية؛ فإن في هذا إضعافاً شديداً للدعوة بل وأداً لها؛ لذلك فما أن استجاب لهذه الدعوة نفر من الصحابة الأجلاء، وخرجت الدعوة عن حيز الانحصار في شخص واحد بحيث يؤمَن من وأدها والقضاء عليها، وما أن وجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعواناً على الدعوة حتى بادر إلى الأسلوب الآخر أسلوب الإعلان والبوح وإظهار الدعوة والجهر بها بين الناس رغم ما في ذلك من تعرض للأذى والمضايقات؛ إذ هذا الأسلوب هو الكفيل بنشر الدعوة وبلوغها للناس على نطاق واسع في زمن قليل جداً إذا قورن بزمن الأسلوب الأول، لكن ما أن جهر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة حتى عاداه المشركون وصدوا الناس عن دعوته، ولم يكن هذا في الحقيقة نتيجة لأمر عارض كطريقة عرض الدعوة مثلاً، ولكن كانت هذا المعارضة نتيجة تناقض حقيقي بين دعوة الإسلام ودعوة الشرك. فالإسلام قائم على عبادة الله وحده والعدل بين الناس، وأما الشرك فهو قائم على عبادة غير الله والعلو في الأرض بغير الحق، لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعدما اطمأن على الدعوة ظل سائراً في طريقه لم يثنه عن ذلك ما ظهر من معارضة المشركين؛ لأن هذه المعارضة من طبيعة التناقض التام بين دعوة الحق ودعوة الباطل. وعلى الدعاة إلى الله - تعالى - على بصيرة أن يستفيدوا من هذه السياسة التي اتبعها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة إلى الله تعالى؛ فعليهم أن يراعوا الظروف والأحوال في الدعوة مع الحذر من أمرين:
أحدهما: التفريط في مضمون الدعوة أو عرضها ناقصة أو مبتورة أو خلطها بأمور مخالفة بزعم ترويجها أو التخلص من بعض القيود.
وثانيهما: تعرض الدعوة للوأد أو القضاء عليها نتيجة للمغالبات التي تفوق طاقتهم. ومن البيِّن أن الأسلوب أو الطريقة التي تتبع في ذلك قد تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى آخر اعتماداً على أوضاع بيئة الدعوة وظروفها وإمكانات الدعاة وقوتهم.
ولا شك أن هناك أساليب كثيرة يمكن أن تتحقق بها الدعوة مع تفادي المحذورين المذكورين، ومن هذه الأساليب الأسلوب الذي اتبعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو من باب السياسة الشرعية وليس من قبيل التشريع الدائم الذي ينبغي على الدعاة اتباعه وسلوكه في جميع الظروف والأحوال.
2 - مراعاة المصالح والمفاسد:(15/10)
الشريعة كلها مبناها على المصالح؛ فما أمرت به فهو المصلحة الخالصة أو الراجحة، وما نهت عنه فهو المفسدة الخالصة أو الراجحة. وإذا تعارضت المصالح والمفاسد في الأمر الواحد بحيث لا يخلو من أحدهما بل يجتمعان معاً؛ فإنه يقدم الأرجح منهما؛ فما كانت مصلحته أرجح من المفسدة عُمل به وعُوِّل عليه، وما كانت مفسدته أرجح من مصلحته تُرك ولم يعوَّل عليه. وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذه المراعاة في موقفه من أذى المشركين له ولأتباعه في مكة حينما جهر بدعوته؛ فقد بدأ المشركون في الصد عن دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتحذير القادمين إلى مكة منه وحرصهم على ألا يجلس إليه أحد، كما بدؤوا في إيذاء المسلمين وإهانتهم وتعذيب الضعفاء منهم، وقد كان في ذلك ظلم شديد للمسلمين؛ والعربي نفسه أبية لا تحتمل الضيم ولا تقبله حتى قال قائلهم:
ولا يقيم على ضيم يُسام به *** إلا الأذلاَّن: عير الحي والوتدُ
هذا على الخسف مربوط برمته *** وذا يشح فلا يرثي له أحدُ
فكيف إذا انضاف إلى ذلك الإسلام؟ ورد الظلم وإباء الضيم مصلحة {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ} [الشورى: 41]. لكن كان في رد الظلم والانتصار للنفس في ذلك الظرف إلى جانب تلك المصلحة مفسدة كبيرة تربو عليها، فكانت السياسة الشرعية في ذلك الوقت منع المسلمين من الرد على المجتمع الجاهلي والأمر بالصبر واحتمال الأذى؛ فإن أحداً لا يدري في تلك الظروف مع قلة المسلمين وضعفهم وقوة المجتمع الجاهلي ماذا يمكن أن تسفر عنه المواجهات بين المسلمين وعدوهم؟ فقد تتمخض عن معركة كبيرة يفنى فيها المسلمون أو أكثرهم، أو قد تتدخل القبائل دفاعاً عن أبنائها (ولو كانوا مسلمين بدافع العصبية الجاهلية) مما يمكن أن تنشأ عنه ما يعرف بالحرب الأهلية مما لا يوفر ظروفاً مساعدة للدعوة، بل تتقوقع الدعوة في هذه الحالة وتنحصر أو غير ذلك من الاحتمالات التي تخسر فيها كل ما حققته من مكاسب، فكان احتمال الضيم على ما فيه من إيلام وقسوة على النفوس الأبية أهون شراً وأقل ضرراً من محاولة دفع الظلم، لكن هذه المراعاة للمصالح والمفاسد لا تتم مع الاستكانة والشعور بالمذلة أو التعرض للإبادة الكاملة، لكنها تكون مع الاستعلاء بالدين والشعور بالعزة، ولذلك كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأجواء وهو يأمر أصحابه بالصبر يبشرهم بالعز والنصر والتمكين ويقسم على ذلك؛ ففي حديث خباب بن الأرت أنه قال: «شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، واللهِ ليتمنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون»(1).
وعلى ذلك فإن من السياسة الشرعية أن يراعي الدعاة والعاملون المصالح والمفاسد المترتبة على الأعمال والتصرفات؛ فإن العمل لا يكفي فيه أن يكون ظاهره مشروعاً إذا عُلم أنه يترتب عليه مفسدة أكبر من المصلحة التي يحققها، وهذا يدخل في القاعدة الفقهية المعروفة بـ (سد الذرائع) وهي أن العمل المشروع إذا كان ذريعة إلى مفسدة أكبر فإنه يمنع، ومما ينبغي ملاحظته في هذا الباب أن المصالح والمفاسد المترتبة على بعض الأعمال لا تظل أبد الدهر هكذا؛ فإن المصالح والمفاسد المترتبة على أوضاع تتغير بتغير تلك الأوضاع، ولذلك فإن المسلمين بعدما انتشرت دعوتهم وقويت شوكتهم أذن لهم في القتال، ثم أمروا به، ولم يعد الرد على المشركين مفسدة ينبغي لأجلها تحمل الظلم والسكوت عن مواجهته.
ونظراً لاتساع رقعة بلاد المسلمين اليوم فإن المصالح والمفاسد المرتبطة بالأوضاع تختلف من مكان لآخر لاختلاف الأوضاع فما يكون مفسدة في مكان قد لا يكون مفسدة في مكان آخر، وما يكون مصلحة في مكان قد لا يكون مصلحة قي مكان آخر، والمصلحة والمفسدة إنما تقاس بمعيار الشرع وليس بمعيار المكسب والخسارة المادية فقط؛ فقد دل غلامُ الأخدود الملكَ الكافر على كيفية قتله، وكان ذلك في ظاهره مفسدة لتمكين الكافر من التسلط على نفس مسلمة، ولكنه كان بمقياس الشرع مصلحة راجحة؛ لأن هذا التصرف كان سبباً ووسيلة إلى إحياء نفوس كثيرة بالإيمان، وكذلك إذا نزل الكافر الباغي المعتدي بأرض المسلمين؛ فإن التصدي له ومدافعته هو المصلحة وإن ترتب على ذلك مفسدة إهلاك للحرث والنسل؛ لأن تركه وعدم مدافعته يؤدي إلى إهلاك الدين الذي هو مقدم على الحرث والنسل، ثم هو بعد ذلك لن يحافظ على الحرث والنسل.
3 - الحرص على هداية المدعوين أولاً:(15/11)
الداعية له هدف عظيم هو هداية الناس إلى دين الله وهذا هو ما يحرص عليه ويسعى في سبيل تحقيقه، ويلتمس له الوسائل والطرق المناسبة رغبة في إخراج الناس من الظلمات إلى النور للفوز برضا خالقهم، وليس همُّ الداعية محصوراً في إقامة الحجة على الناس وإن كان ذلك من مقتضيات دعوته؛ فعندما يكون همُّ الداعية إقامة الحجة وكفى فإنه لن يجتهد اجتهاد الحريص على هداية الناس؛ وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعوته حريصاً على هداية الناس وكان يبذل لهم كل ما يدعوهم إلى الاهتداء، ويحزنه حزناً شديداً عدم استجابة الناس للدعوة؛ حتى خاطبه ربه في ذلك وقال له: {وَلا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [آل عمران: 176]، وقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6]، وقال: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3] باخع نفسك: أي مهلكها. فلم يكن همُّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - محصوراً في مجرد إقامة الحجة عليهم، بل كان همه الأكبر هو في قيادهم إلى الإيمان، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يسلك في ذلك كل طريق من شأنه أن يحقق مراده؛ وهذه عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تخبرنا أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: «هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أُحُد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي؛ فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد! فقال: ذلك فيما شئت؛ إن شئت أن أُطبق عليهم الأخشبين؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا»(1).
وعلى ذلك فإن من السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله - تعالى - أن تظهر من الداعية الرغبة الحقيقية والحرص على هداية الناس والتحسر على ما هم فيه من الضلال والبعد عن دين الله - تعالى -، ولا يكون موقفه منهم موقف المتشفي فيهم الذي وقف جهده وهمه على الإغلاظ عليهم، وهذه السياسة الشرعية في الحرص على هداية الناس ليست قاصرة على شريعتنا، بل هذا ما أوصى الله به موسى وأخاه هارون عندما أرسلهما لدعوة فرعون؛ إذ قال الله لهما: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]؛ فالموقف موقف دعوة وترغيب في الهداية، فكان المناسب لذلك هو القول اللين الذي من شأنه أن يقود إلى الاستجابة. وأما الإغلاظ في القول والشدة في التصرف في هذه الحالة يكون مدعاة للنفور والاستكبار. وهذا نوح - عليه السلام - قال لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ} [نوح: 3 - 4] إلى أن يقول: {ثُمَّ إنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا} [نوح: 8 - 11]، كل ذلك حرصاً منه ورغبة في هدايتهم.(15/12)
فالتماس الوسائل واتخاذ الطرق والأساليب المؤدية لذلك هو همُّ الدعاة الحقيقي. وبعد هذا الجهد الكبير فهناك من يشرح الله صدره ويهديه، ولكن مع ذلك تبقى بقية ظالمة فاجرة متكبرة لم يُرِدِ الله هدايتها؛ فإذا وصلت فئة إلى هذا الحد وانقطع أمل الداعية في رجوعهم للحق؛ فإن عليه أن يواجه الظالم الكفور بما يناسبه مع مراعاة ما تقدم ذكره من المصالح والمفاسد، وليس من السياسة الشرعية تركه والحالة هذه يتمادى في غيه ويزيد من شططه إذا لم تكن هناك مصلحة ترتجى من وراء ذلك، وقد قال الله - تعالى - في قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون ـ لعنه الله ـ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إسْرَائِيلَ إذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا} [الإسراء: 101]، فرد عليه موسى - عليه السلام - وقال له: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء: 102]، فبعد كل هذه الآيات البينات يلجُّ فرعون في غيه، ويرفض الإيمان، ويتهم موسى بالسحر؛ فما كان من موسى - عليه السلام - إلا أن واجهه بأنك تعلم يا فرعون علماً يقيناً أن هذا ليس بسحر وأن هذه آيات أنزلها رب السموات، ثم يتهدده بقوله: وإنك يا فرعون لأظنك مثبوراً أي هالكاً ممقوتاً ناقص العقل، فليس من السياسة الشرعية في الدعوة أن نقف أبد الدهر عند قوله - تعالى -: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا} [طه: 44]، وليس من السياسة أيضاً أن نبدأ الدعوة بـ {وَإنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء: 102]، وإنما السياسة الحقة هي مقابلة كل موقف بما يناسبه ففي موقف الدعوة وقبل استحكام العناد يأتي قوله - تعالى -: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا} [طه: 44]، وفي موقف الجهاد والجِلاد يأتي قوله - تعالى -: {وَإنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء: 102]، وقوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التحريم: 9]، وقوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: 123]، ومن ذلك هذا الذي نزل فيه قوله - تعالى -: {أَوَ لَمْ يَرَ الإنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 77 - 78]، قال قتادة: (ذُكِرَنا لنا أن أُبَيَّ بن خلف أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعظم حائلٍ، ففتَّه، ثم ذرَّاه في الريح، ثم قال: يا محمد! من يحيي هذا وهو رميم؟ قال: الله يحييه، ثم يميته، ثم يدخلك النار. قال: فقتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد»(2)، فقابله الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذه الشدة في الجواب؛ فهذا الذي يناسب موقف المعاندين المتجبرين.
---------------------
(1) صحيح الجامع، للألباني، رقم 1880 وحسنه.
(1) قد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتأييد من الله قادراً على القيام بذلك بمفرده، ولم يكن الله ليميت رسوله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يكمل تبليغ رسالة ربه، لكن لما كان - صلى الله عليه وسلم - قدوة وأسوة للمسلمين فإنه يسلك الطريق الذي يكون في وسع كل مسلم سلوكه، الطريق الذي يعتمد على الأسباب لا على خوارق العادات؛ لأن هذه ليست في يد المسلم، بحيث يكون تقاعس المسلم عن سلوك ذلك السبيل تقصيراً يلام عليه، ولا يعني هذا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن في هذه السياسة مؤيداً من الله وأنه كان يتصرف باجتهاده صرفاً، بل هو يجتهد في عمل الأصلح، والوحي يسدده في ذلك
(2) كانت في الأصل: يبالغ، ولعله خطأ مطبعي.
(1) مجموع الفتاوى 20/ 59 - 61.
(1) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، رقم 3343.
(1) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، رقم 2992، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، رقم 3352. قرن الثعالب هو قرن المنازل ميقات أهل نجد. والأخشبان: جبلا مكة أبو قبيس والذي يقابله.
(2) تفسير ابن جرير الطبري 23/30.
ذو القعدة 1425هـ * ديسمبر/يناير 2005م
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============
الدعوة ميدان واسع
ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ثم أما بعد:(15/13)
فهذه وقفة مع حكاية الله - عز وجل - طرفاً مما دار بين يوسف عليه والسلام وبين صاحبي السجن، أخبر الله تعالى عن يوسف عندما سأله صاحباه تأويل الرؤية أنه قال للسجينين: "لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا"(يوسف: من الآية37) من المفسرين من ذكر أن يوسف يقول للسجينين: لا يأتيكما طعام إلا أخبركما بنوع الطعام الذي سيأتي كما قال عيسى - عليه السلام -: "وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ" (آل عمران: من الآية49) والقول الآخر: إن يوسف يقول لهما بلسان الحال سأعبّر لكم الرؤيا، ولكن ليس الآن، سأؤخرها إلى وقت حضور الطعام، وهم يعرفون متى يحضر الطعام، فقوله: "إلاّ نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما"، معناه: سأنبئكم قبل حضور الطعام، أي لن أؤخر تعبير الرؤيا تأخيراً كثيراً، ولكن عندي موضوع أهم وهو الدعوة إلى الله - جل وعلا -، وهذا هو المعنى الراجح والمعنى الأقوى..ثم بدأ في دعوتهم إلى الله - جل وعلا - فلما انتهى من بيان الدعوة قال لهما: "يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً" (يوسف: من الآية41).
إن الصادق يبلّغ رسالات ربه على أي حال، وفي أي وضع في السجن وفي خارج السجن، بالعبارة المسموعة وبالمقالة المقروءة وبالإشارة المرئية، بل بالسكوت حيث يحسن السكوت وبالمعاملة الطيبة ولن يملك مخلوق أن يحجر على الناس الدعوة إلاّ في نطاق ضيق مخصوص
وهذا الأسلوب من يوسف - عليه السلام - من باب التشويق؛ لأنه لو أخبرهما بتعبير الرؤيا قبل أن يدعوهما إلى الله لانشغل كل واحد منهما بتعبير رؤيته، فالذي قيل له: إنه سيخرج وسيسقي ربه خمراً سينشغل باله بالخروج والاستعداد له، والذي قيل له: ستصلب سينشغل باله بالقتل ومآله، فإذا حدّثهما عن الدعوة لم يكونا قد هيِّئا لهذا الأمر، فقال لهما: سأؤجل تعبير الرؤيا؛ لأنه يعلم ماذا في الرؤيا، وبدأ يدعوهما والذهن صافٍ وبعيد عن الشواغل، وهذا أسلوب رائع من يوسف - عليه السلام - وفيه دروس أهمها:
إن الداعية لا يحول بينه وبين تبليغ دعوته أي شيء ما دام على قيد الحياة، العالم الصادق لا يستطيع أحد على سطح الأرض أن يمنعه من تبليغ دعوته ما دامت عينه تطرف وقلبه ينبض ولسانه معه، وهكذا كان يوسف، فمع أنه سُجن غير أنه لم يترك الدعوة إلى الله - جل وعلا - بل تستطيع إذا ابتليت وأسأل الله أن يعفيك- أن تدعو إلى الله ولو مع السجان حتى لو حيل بينك وبين الناس وعزلت وحدك، فلا بد أن يأتيك السجان عند أكلك وشربك فتستطيع أن تدعوه.
والدعوة في السجن لها أساليب ووسائل عدة فقد لا تكون بالكلام بل بالخلق وبالمعاملة، فمن عامل الناس بأخلاقه لا بأخلاقهم، اطرد في حياته، وكان لفعله وقوله تأثير، وهناك خلل يقع فيه البعض حيث تتناقض أخلاقه تبعاً لأخلاق الناس، فلو لم يكن مع المسجون إلا أن يتعامل مع السجان بالخلق الصحيح لكان دعوة له كيف إذا أتيحت له الفرصة في الكلام معه ووعظه.
إن الوسائل تختلف، وكذلك الأساليب تتنوع وبعض الأساليب والوسائل أقوى من بعض حتى في السجن فلا عذر لأحد.
وإذا كان الأمر كذلك فما هو عذر هؤلاء الذين لا يبلغون رسالة الله وهم في بيوتهم ومع أهلهم ومع أزواجهم بحجج واهية هم يعرفون عدم صدقها أكثر من غيرهم "بَلِ الْإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ" (القيامة: 15).
في صحيح البخاري أن شاباً جاء يعود عمر رضي الله عنه في مرض موته بعد أن طعن، فأثنى عليه خيراً ثم انصرف، فلما أدبر رأى عمر إزاره يمس الأرض، فقال: ردوه علي، ثم قال له: ابن أخي! ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك.
فانظر إلى الخليفة الراشد رضوان الله عليه على أي حال وفي أي وقت يحرص على الدعوة؟ وفي مسألة قد يراها بعض من ينتسب إلى الطيبين اليوم ثانوية!!
أخا الإسلام إن الناس لن يحاسبوك ولكن سيحاسبك الله - جل وعلا - وهو يعلم هل أنت معذور أو لا فإذا كان يوسف وهو في السجن يبلغ رسالة ربه ومثله فعل عدد من العلماء والمصلحين على مدار التاريخ، فما هي حجتك؟ لماذا لم تُقِم الدعوة بين أهلك وبنيك وأمك وأبيك وأختك وأخيك؟ إن الأقربين أولى بالمعروف.
إننا لم نسمع بنبي جاء بدعوة التوحيد فهيئ له قومه اللاقطات والمنابر وحشدوا له الجموع والطلاب من أجل الاستفادة من علمه بل قال الله تعالى: "كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلاّ قالوا ساحر أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون".
إن الصادق يبلّغ رسالات ربه على أي حال، وفي أي وضع في السجن وفي خارج السجن، بالعبارة المسموعة وبالمقالة المقروءة وبالإشارة المرئية، بل بالسكوت حيث يحسن السكوت وبالمعاملة الطيبة، ولن يملك مخلوق أن يحجر على الناس الدعوة إلاّ في نطاق ضيق مخصوص، فالعاقل من نظر ببصره إلى ميادين الدعوة الأخرى الرحيبة الفسيحة، وأعمل فكره كيف يبلغ رسالات الله فيها واضعاً نصب عينيه قول الله تعالى: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن وسبحان الله وما أنا من المشركين".
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته ومن اتبع أثرهم إلى يوم الدين.
8/12/1425
http://www.almoslim.net المصدر :
============
مقولات دعوية تحت المجهر
د. جمال بادي(15/14)
شاع في الساحة الدعويّة في العقود الأخيرة مقولات سلبيّة لم تحظ من أقلام ذوي الأفهام ما تستحقه من التحليل والتقويم، فاستساغ كثير من الدعاة تلك المقولات وألفوها، وردّدوها كلما تجدّدت مسبّباتها.
وليست المقولات مجرّد كلمات تُردّد، ولكن يترتب عليها مآلات نفسيّة شعوريّة، ومواقف دعويّة غير معلنة. وقد يترتب على بعضها آثار تعيق التطوير الدعويّ وتقدّمه نحو الأفضل.
ومن تلك المقولات السلبية مقولة: "لم آمر بها ولم تسؤني" للتعبير عن مشاعر الرضا والقبول والغبطة لأمر أو حدث وقع في مكان ما، ولم تحصل فيه مشاركة من أتباع المدرسة الدعوية !
وعادة ما يكون في هذا الحدث سلبية بشكل أو بآخر، وعادة لا يدخل تحت الأجندة الدعوية لأصحاب المقولة، لكنهم يرضونه ويقع منهم تأييد عاطفي وجداني لفاعله مع عدم إقرارهم له منهجاً وتأصيلاً!
وهنا أمور:
الأول: حصول نوع من انفصام الشخصية الدعوية مع الوعي بها وهو أمر غير مقبول عند التمحيص وإمعان الفكر والرأي ويترتب عليه ارتباك وصراع نفسي يتم تجاوزه وتحجيمه وإبعاده عن دائرة الشعور بعد صراع يطول أو يقصر حسب مستوى التفكير النقدي للشخص- وهو من الأمور التي تسبب الاكتئاب الدعوي المتقطع كلّما وردت على الذاكرة الدعوية موجباته أو تجدّدت صوره الذهنيّة.
الثاني: تدرّج السلبية في الموقف يأخذ أشكالاّ عدة، فمهما بلغت درجة عدم الموافقة على "الحدث" الذي حصل "كأحداث سبتمبر" وما تبعته من أحداث ومقايسات في طول العالم الإسلامي وعرضه مما أعلنت جهات معينة محسوبة على الدعوة الإسلامية وساحتها مسؤوليتها الكاملة عنه بما لا يقبل الشك، إلا أن السلبية هنا تكمن في عدم الإعلان عن موقف "عدم الموافقة" مهما قلّ والذي تعبّر عنه جزئية "ولم تسوءني" من المقولة المشؤومة.
وفي مقابل ذلك ينبري أناس آخرون تنقصهم التجربة والخبرة والرؤية الصحيحة للأحداث ولكن تدفعهم الغيرة على الحق وعلى "سمعة الإسلام" بكل ما يملكون من عواطف متأججة رافضة للحدث بالكتابة في الموضوع والحديث عنه فتأتي كتاباتهم العاطفية دون تحقيق المقصود الأعظم وهو "تغيير المسار الفكري" لكل من قد يتأثر بمذهب وفكر أصحاب الحدث، وعلى الأقل محاولة حفظ عقول الآف الشباب الآخرين عن الوقوع ضحية لهذا الفكر المنحرف.
ومن تلك المقولات: "علينا بذل الأسباب وليس علينا النتائج، أو النتائج على الله".
هذه المقولة لها معنى صحيح من حيث عموم الأقدار في هذا الكون. إلا أن لها معنى آخر غير صحيح هو المقصود بالنقد والتقويم في هذا المقال؛ إذ أصبحت المقولة بشكلها السلبي احتجاجاً بالقدر على ضعف أو فشل الداعية أو المدرسة الدعويّة في أمر ما.
وقد أدّت بعد انتشارها وقبولها من عدد كبير من الدعاة دون تبصر أو تدبر إلى الإهمال التام لأمور عظيمة منها:
أ) - عدم العناية بسلامة وجودة وملائمة الوسائل المبذولة في العمل الدعوي.
ب) - عدم عناية الداعية بمآلات الأفعال والأقوال أو عدم تقديرها ابتداء.
ج) - إهمال توافق الأسباب المبذولة مع السنن الإلهية في الأنفس والآفاق وفي الكون والمجتمعات.
د) غياب أو ضعف مقام المحاسبة والمراقبة فيما يفعل الداعية أو يدع.
هذان مثالان لمقولات دعويّة سلبيّة أسأل الله أن يوفق الدعاة إلى التنبّه إلى آثارها ومآلاتها، وأن ييسر لهم إقصاءها عن قاموسهم الدعويّ.
18/1/1426
27/02/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
=============
حبنا للناس سييسر علينا دعوتهم
إبراهيم الزعيم
بعد أن طلبنا منها إجراء حوار رحّبت بنا على الرغم من انشغالها بعملها وبيتها ودعوتها، وطلبت منّا زيارتها في منزلها، بعد أن التقيت بها - والذي لم يكن اللقاء الأول - تساءلت كثيراً عن السبب الذي جعلني أُجِلّها وأحترمها! لعل السبب يكمن في كلماتها الصادقة العذبة، أو في ابتسامتها الدائمة، أو في حبها للناس جميعاً، أو لعلّه ذلك كلّه، إننا ندعو قراءنا الكرام إلى هذا الحوار مع الداعية الإسلامية "أُم دعاء" عمّار المصريّة الأصل التي أحبّت فلسطين فأعطتها كل ما تملك.
بداية نرحب بك من خلال شبكة (الإسلام اليوم)؟
أهلاً ومرحباً بكم، وأسأل العلي القدير أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجمعنا بكم في مستقر رحمته.
"أم دعاء" نرجو أن تعطينا فكرة عن الأسرة التي ترعرعتِ فيها؟
لقد كانت أسرة بسيطة، تضم الأب والأم والأبناء، لكن - وبفضل الله - سبحانه وتعالى - كان والدي محبوباً من الناس جميعاً، حتى إنهم كانوا يتردّدون عليه دوماً ليحل لهم مشاكلهم، لقد كان والدي يجمعنا دائماً حوله منذ صغرنا، ويقص علينا قصص الأنبياء والصالحين، وينتهز المناسبات الدينية المختلفة ليحدثنا عنها، كما أنه إذا لاحظ فعلاً غير صحيح من قبل بعض أفراد المجتمع كان يبين لنا الحكم الشرعي في ذلك، على الرغم من أنه لم يكن داعية، إلا أنه كان مسلماً بطبيعته، أما والدتي فقد كانت مولعة بالدروس والندوات، وكانت تعلمنا الأدعية ونحن نردّد خلفها.
ما هي أهم محطّات حياتك؟(15/15)
كنت أرغب في دخول كلية دار العلوم في مصر، لكن كان من الصعب الوصول إليها؛ حيث إنها بعيدة عن مكان سكني، فدرست في كلية التجارة في إحدى الجامعات، إلا أن بغضي للربا جعلني أترك الدراسة، ثم بعد أن تزوجت ذهبت مع زوجي إلى اليمن، فدرست اللغة العربية، لأنه لم يتيسر لي أيضا الدراسة في كلية شرعية، وذلك لأن إقبال الطلبة اليمنيين الكبير على هذه الكليات لم يترك متسعاً لغيرهم لدخولها، فكانت الدراسة الشرعية من خلال الحياة، فتلقيت الفقه عن عدد من المشايخ، وقد كنت أستغل فترات غياب زوجي عن المنزل لأيام كثيرة قد تصل إلى عشرين يوما بحكم عمله في الاطلاع، فكنت أحدّد لكل فترة من هذه الفترات ما أريد أن أتعلمه فيها، فمرة أبدأ بحفظ أجزاء من القرآن الكريم، ومرة أدرس السيرة، ومرة أدرس الفقه، ومرة أبدأ بالمراجعة لذلك كله، وقد أتاح لي ذلك دراسة السيرة مثلاً من أكثر من كتاب مثل السيرة النبوية، والمنهج الحركي للسيرة، والرحيق المختوم، وقد كانت أصعب محطات حياتي اختيار الزوج، إلا أن الله هوّن ذلك الاختيار عليّ، وقد أكرمني الله - سبحانه وتعالى -- بالزوج الذي يعينني على طاعة الله، وقد تحقّق لي ما كنت أتمنى، وهو أن يمنّ الله عليّ ببيت يُؤسّس على طاعة الله ورضوانه، فزوجي دائماً ما يذكّرني وكريماتي بطاعة الله، والإخلاص في كل عمل نؤديه لله، وتجديد النية باستمرار.
نرجو أن تحدّثينا عن طبيعة حياتك وأسرتك؟
في البداية تمّ عقد قراني في المسجد، وكان الاتفاق بيني وبين زوجي من البداية على أساسيات العلاقة بيننا، واتفقنا أن يكون مرجعنا عند الاختلاف كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم نجد نرجح الأفضل، وقد رزقنا الله بأربع بنات، فكنا حريصين على تربيتهن تربية إسلامية، لقد كان حديثنا لهن دائماً "هذا يرضي الله ورسوله وهذا يغضبهما"، بهذه الكلمات أنشأناهن النشأة الإسلامية التي تقوم على العقيدة الصحيحة، وبفضل الله ثلاثة منهن أتممن حفظ كتاب الله كاملاً، أما عن دراستهن فقد درست أكبرهن في قسم الصحافة والإعلام، والأخرى درست الشريعة، ومازالت ابنتي الثالثة تدرس في الجامعة في قسم الأشعة، أما عن الرابعة والتي تحفظ ثمانية أجزاء فمازالت في المرحلة الثانوية.
متى وكيف بدأت رحلتك مع الدعوة إلى الله؟
كان ذلك من الصغر، فقد كنت عندما أسمع القصة أنقلها إلى من هو أصغر مني أثناء اللعب، وقد أعطي الدروس والندوات وأنا في الخامسة عشرة من عمري.
هل كان للأسرة والدراسة دور في صقل شخصيتك الدعويّة؟
طبعا، لقد كان للوازع الديني الموجود عند والدي ووالدتي الأثر البالغ في تكوين شخصيتي، ومع أن الإخوة على نفس القدر من العلم، إلا أن حب الدين غُرِس في قلوبنا، وحتى إن نسيَ الإنسان أو ابتعد قليلاً عن الطريق الصحيح فسرعان ما يعود إليه.
هل تأثرت بعالم أو داعية معين؟ ومن هو؟
في فترة الستينيات كان الالتزام قليلاً بالدين، لذلك كان الإنسان يسعى إلى الاستزادة من العلم لينشر دعوة الله بأفضل السبل وأيسرها، وقد مَنّ الله علينا في تلك الفترة بدعاة كبار تربّينا على أيديهم وتعلمنا منهم الكثير، ومن ضمن من تأثّرت بهم في حياتي شاب ذو خلق رفيع، فقبل عام 1975م أصبت بمرض الزائدة الدودية، وكان لابد من إجراء عملية جراحية لي، وكان معي أخواتي في الله، وقد شعرت حينها بالخجل الشديد لأني شعرت بأني أثقلت على الشاب الذي أجرى لي العملية، وخاصة أنه كان ينوي الذهاب لأهله وخطيبته لقضاء الإجازة معهم، فأحسست أنه لاحظ شعوري هذا، فقال لي كلمة أثرت فيّ ولا يزال تأثيرها في نفسي إلى الآن، لقد حدثني عن البخل، ثم وصفني بالبخل، وقال: إنه يستغرب هذا مني، فسألته عن الذي يقصده بقوله، فقال لي: بخل الثواب، ثم قال لي: " لماذا تريدين أن تحرميني هذا الأجر؟ "، ثم قال لي: " إن أردت أن تقدمي خدمة لإنسان فافعلي ذلك لوجه الله"، وقد وعدته أن أفعل الخير ما حييت، ومن يومها إلى الآن لا أعمل عملاً إلا وأذكر هذا الشخص بالدعاء، كما أن موقفاً للشيخ عمر التلمساني أثّر فيّ كثيراً، حيث كنا نحضر له ندوة، فأراد أن ينهي هذه الندوة، فطلبنا منه أن يبقى معنا؛ لأن حديثه يصل إلى القلوب، فأخبرنا بأنه يريد أن يذهب إلى منزله؛ لأن زوجته التي صبرت عليه وأعانته على الدعوة مريضة، ولا يوجد عندها أحد، وأنه يريد أن يكون العلاج الذي تتناوله قبل نومها من يده، فتعلمت منه أن الداعية مهما كان مشغولاً في دعوته فلا يمكن أن يفرط في بيته وأسرته؛ لأن أسرته هي التي تعينه على الخير، كما أنني تأثّرت بالشيخ مصطفى مشهور والذي أخبرنا أنه أثناء فترة اعتقاله، وعندما كانت زوجته تحضر لزيارته كان يحدّد معها الكيفية التي ستتبعها في تربية أبنائهما إلى أن يأتي موعد الزيارة القادمة، وهكذا في كل زيارة، وهذا يؤكد أن الداعية إن لم يعتن ببيته من الداخل فإنه لن ينجح في الخارج، وقد توفي هؤلاء الدعاة ومازالت أسرهم مستمرة في البذل والعطاء، إنني أتمنى أن نقتدي بهؤلاء الذين طبقوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
نعلم أن كريماتك هن من الحافظات والمعلمات للقرآن الكريم. كيف غرستِ ذلك الحب لكتاب الله في نفوسهن؟(15/16)
الرحلة تبدأ من قبل الزواج، حيث يتم اختيار الزوج بما يرضي الله، ثم تأتي بعد ذلك فترة الحمل، والتي كنت فيها أتذكر قول أم مريم: (إذ قالت امرأة عمران ربِّ إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم)[آل عمران: 35]، فكنت في كل حمل أنذر مولودي لله، وأكون في ذكر وطاعة، ثم بعد ذلك يأتي دور التربية بعد الولادة، فقد كنت أخصص لكل طفلة أرزق بها سورة معينة أردّدها لها دائما، فابنتي الثانية لا تنام إلا على سورة الرحمن، حتى إن ابنتي الكبيرة دعاء كانت تقرأ لدميتها سورة الرحمن، حتى حفظتها وعمرها عامان ونصف العام، وعندما يكبرون كنت أسمعهم القرآن والأناشيد الإسلامية من خلال الأشرطة، وهم يردّدون ما يسمعون، كما أني كنت أحفظهم القرآن على حسب المناسبات، ففي رمضان كنت أحفظهم آيات الصيام، وفي الحج كنت أحفظهم الآيات التي تتحدث عن الحج، وهكذا، ثم أكملت كل واحدة منهن باقي السور والأجزاء إلى أن أتموا حفظ القرآن الكريم كاملاً، وضمن تربيتي لهن لم أكن أقيم لهن حفلات بمناسبات معينة، فكنا نستبدلها بحفلات إسلامية أقيمها لهن ولغيرهن من الأطفال بالتعاون مع أخواتي في الله، فكان يُتلى فيها القرآن وتُقدّم فيها الأناشيد، وكنا نحضر للأولاد لباس الصلاة (وهو الثوب) ونحضر للبنات الحجاب، ونقدم لهم الهدايا، وفي العام القادم ننظر من ثبت على طاعة الله منهم ومن تأخر، وبعد أن يكبروا قليلاً يأتي دور الصحبة، حتى إنها لو لم تتوفر داخل العائلة نحاول إيجادها لهن من خلال الأُخوة في الله، لقد يسّر الله لهن من يشجعهنّ على الحفظ إلى أن أتموه، ثم بعد ذلك جاءت مرحلة تثبيت الحفظ، والتي تُعدّ أصعب من مرحلة الحفظ.
16/11/1425
28/12/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
===============
المسنون وبيت الله
منى السباعي
عندما يذكر المسجد يتبادر إلى الذهن الراحة النفسية والطمأنينة القلبية، فالمسجد منذ عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما زال مكانًا لتجمع المسلمين صبيانهم وشيوخهم، نسائهم، واليوم تشهد مساجدنا روعة تجمع الأحباء الكبار فيها، ينهلون من علوم القرآن، يحفظون، ويرتلون، ويبدأون من جديد حياة مسجدية جميلة، تقتل فراغ الشيخوخة، وتصنع لهم عالمًا رائعًا من الحب في الله والصحبة فيه.
فبين كبارنا الأعزاء والمسجد علاقة تواصل متميزة يتناولها هذا التحقيق.
المسجد والراحة النفسية:
يقول الحاج محمد عوض الله حماد إسماعيل "77 عامًا على المعاش: قبل إحالتي على المعاش لم أكن أتمكن من أن أصلى الخمس صلوات في المسجد، بينما بعد خروجي على المعاش صرت مواظبًا على الصلاة في المسجد، كما نقوم بتوعية الشباب المسلم بأمور دينه، وفى أحيان كثيرة أجد شبابًا على وعى كبير، فلا أخجل من أن أسألهم عما لا أعرف من أمور ديني.
الحاج محمد حسين - 67 سنة: أحضر إلى المسجد منذ كان عمري 40 سنة، والحمد لله أؤدي الصلاة فيه دائمًا، وأعلم أولادي أن يترددوا على المسجد، ويلتزموا بالصلاة في المسجد لما في ذلك من صلاح الدنيا والآخرة.
الحاج أحمد على - 70 سنة: بعد المعاش بدأت أحضر إلى المسجد وأتعلم من أمور الدين الكثير، ونجتمع في كل يوم في جلسة قرآنية جماعية نتعلم فيها أصول القراءة الصحيحة، كما قال الله - تعالى -: {ورتل القرآن ترتيلا}.
الحاج رجب عبد اللطيف - على المعاش: مواظبتي على الصلاة في المسجد، وحضور مجالس حفظ القرآن الكريم بعد خروجي على المعاش تشعرني بالراحة النفسية، وتزيل عن روحي كل متاعب وهموم الدنيا.
استفادة روحية:
الحاج عادل محمد يماني - على المعاش: لست مواظبًا على المسجد حتى بعد خروجي على المعاش، وأكتفي بالمواظبة على صلاة الجمعة ورمضان في المسجد، أما بالنسبة لدروس العلم فلديّ كتبي، فاستفادتي من المسجد استفادة روحية فقط؛ لأن أئمة المساجد لا يخاطبون احتياجاتي، وإنما يخاطبون الشباب أكثر مما يخاطبوننا.
استثمار مربح:
- الحاج عبد الستار محمد حسن - على المعاش: بعد خروجي على المعاش أصبح نشاطي في عمل الخير مع بعض الأصدقاء من خلال لجنة الزكاة بالمسجد، فنحن نستثمر أوقاتنا في استثمار مربح بدلاً من تضييعها في الجلوس على المقاهي.
- الحاج الشحات عوض إبراهيم - على المعاش: أنا لا أعرف القراءة ولا الكتابة، ومن خلال المسجد تعرفت على الصحبة الطيبة، وأصبحنا نتعلم دروس الفقه، وعلوم الدين، ونتعاون على فعل الخيرات.
الملائكة تحفنا:
أما النساء المسنات، فالمسجد بالنسبة لهن بيت تفريج الهمّ، كما تؤكد السيدة كاميليا محمد - 58 عامًا التي تقول: أصبح الوقت بين المغرب والعشاء أيام السبت والإثنين والخميس وقت عيد بالنسبة لي، ولجميع جاراتي وحبيباتي اللاتي تعرفت عليهن في المسجد، وتعلمنا على أرضه الطاهرة كيف نحب بعضنا البعض في الله، وكيف نكون صدورًا واسعة وحنونة فتصَّبر بعضنا على همومهن ونتواصى بالتحمل، وندعو بظهر الغيب لأحبائنا وأبنائنا، والتي تحفظ منا دعاءً تعلمه للأخريات وكل من سمعت شيئًا أعجبها تقوله لنا جميعًا.
إنها جلسة ربانية جميلة ننسى فيها همومنا، ونقتل الفراغ، ونتحمل جفاء الأبناء، وتجاهل الأحباء، ونتبادل النصح والخبرات، ونخرج منها ونفوسنا صافية مغسولة، فقد كانت الملائكة تحفنا وتستغفر لنا كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهل يستحق أي شيء في الدنيا أن نضحي من أجله بهذه الفرصة الرائعة؟(15/17)
وتتذكر السيدة عايدة سيدة 66 عامًا أيامها مع المسجد قبل أن تزداد عليها آلام الركبة والساق، وتضطرها إلى المكوث في البيت، وعدم صعود السلم أو هبوطه، فتقول إنها كانت أجمل أيامها التي بارك الله فيها فاتسعت لأن تحفظ أثناءها أجزاء كثيرة من القرآن، وتتقن أحكام التجويد التي كانت تقرأ بها سماعيًا، ولكنها لا تعرفها حكمًا حكمًا، وتضيف السيدة عايدة: لقد شملتنا جميعًا بركات المسجد والصحبة الطيبة، فكم كانت أكثر من واحدة منا تعانى من مشاكل، وتسألنا أن ندعو لها بظهر الغيب، ونفعل فتأتى بعد وقت قصير منشرحة الصدر لتقول لنا إن الله فرج كربها، وبعد أن حالت ظروفي الصحية دون الانتظام في ارتياد المسجد مازلت محافظة على صلتي بأخواتي عبر الهاتف، ومازلت أحفظ في بيتي ما يحفظنه في المسجد، ولله الحمد.
دور المسجد:
وحول ما يجب أن يكون عليه إمام المسجد أو الداعية الذي يتعامل مع المسنين يتفق الشيخ طارق عبد التواب المفتش بوزارة الأوقاف، والشيخ محمد عبد العزيز الشريف إمام مسجد على أن على الإمام أن يحسن التعامل مع المأموم، خاصة مع هذه الفئة العمرية، وألا يستخف بهم، وإنما يعاملهم باللين والرأفة، وأن يصبر عليهم باعتبارهم طلبة علم مع المحافظة على هيبة الإمام في نفوس المأمومين، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه".
ويرى فضيلة الشيخ محمود أبو سريع - مدير إدارة شئون القرآن بمديرية أوقاف الجيزة: أنه عند مجالسة كبار السن يجب أن يتحلى الداعية والإمام بسعة الصدر، إذا بدر من أحدهم ما يضايقه، كما يجب عليه ترتيب وإعداد ما يلقيه عليهم حسب أهميته لهم، وعلى قدر ما يفهمونه، فقد روى البخاري عن الإمام على - رضي الله عنه - أنه قال: "حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ ".
تربية روحية وسلوكية:
وحول أهمية المسجد في حياة كبار السن، وكيف يمكنهم استغلال هذه الفرصة يقول فضيلة الأستاذ الدكتور محمد المختار محمد المهدي إمام أهل السنة والرئيس العام للجمعيات الشرعية، والأستاذ بجامعة الأزهر الشريف: إذا كان هؤلاء المسنون قد انتهوا من أعمالهم الوظيفية، فلديهم مجالات ضخمة لخدمة المجتمع ونفعه مثل: الجمعيات الخيرية، ومجالات كفالة اليتيم، ورعاية الفئات غير القادرة، ومحو الأمية، وعلى الخطيب أن يحثهم على تحرى حسن الخاتمة.
وينبغي على الداعية أن يبين لهم أهمية ما عليهم، ولا حجة لهم أمام الله في أن يتركوا العمل لدينهم ولأولادهم ولجيرانهم ولأمتهم كلها بدعوى أنهم أحيلوا إلى التقاعد؛ إذ عليهم أن يستغلوا هذه الفرصة في اكتساب الثواب ونقل الخبرات إلى شباب الأمة.
ونحن نضم صوتنا إلى صوت شيخنا د. محمد مختار المهدي، وندعو آباءنا وأمهاتنا إلى بيوت الله حيث راحة القلب، وصفاء النفس، وقتل الفراغ، والأهم تثقيل موازين الحسنات.
13/10/2003
http://www.islamweb.net المصدر:
============
الكنز المفقود
أكثر من سبعين عامًا عاشها المسلمون في روسيا وآسيا الوسطى تحت أسوار القفص الحديدي الشيوعي..أكثر من سبعين عامًا من القهر والاستبداد والتسلط..أكثر من سبعين عامًا صبَّ فيها الشيوعيون كل ألوان الطغيان والقتل.. أكثر من سبعين عامًا مُحي فيها التاريخ بالقوة، ومُسخت الهوية، وأصبح مجرَّد الانتساب إلى الإسلام جريمة عظيمة ليس لها عقوبة إلا الإعدام.
وفجأة يتحطم ذلك القفص، وتتمزق أجزاء تلك الإمبراطورية الحمراء، وتنطلق كل الأعراق والأجناس في البحث عن هويتهم المنتزعة، وتاريخهم المفقود، حتى الروس أنفسهم عادوا إلى الاعتزاز بالقيصرية الروسية، وراحوا يُشيِّدون الكنائس الأرثوذكسية، ويُظهرون معالم الصليب.
وانطلق المسلمون من حيث الجملة مع من انطلق في تلك العودة، وعادت المآذن بحمد الله تعلو من جديد، وسمع الناس أصوات التكبير تعطِّر الأجواء.
عاد الناس بعاطفتهم المتشوقة إلى الإسلام، يحدوهم الحنين والتطلع إلى ماضٍ عريق عاشته أمة الإسلام في ديارهم.
ذهب أحد الدعاة إلى ريف من أرياف المسلمين هناك، وأعطى نسخة من القرآن الكريم لعجوز مسلمة ربما جاوزت الستين عامًا، ففتحت عينيها مستغربة، تملؤها الدهشة، ثم جالت في نفسها ألوان من الأفكار والمشاعر، وفجأة أجهشت بالبكاء، وأخذت تقبِّل المصحف وتقلِّبه على وجهها، ثم راحت تجري تنادي أبناءها، وتتحدث معهم بلهفة، وكأنها تعرِّفهم بكنز مفقود طالما انتظروا الحصول عليه، ثم التفتت إلى الداعية وقالت له: لقد كان أبي يحدثنا أن جدَّه كان يملك نسخة من القرآن الكريم يتلو فيها على أبنائه!!
وبعد أحاديث عابرة أراد صاحبنا أن ينصرف مع رفاقه، فأبت عليهم، وألحَّت عليهم إلحاحًا شديدًا إلا دخلوا بيتها، فقبلوا دعوتها تطييبًا لخاطرها، ثم قالت على استحياء: هل يتيسّر لكم أن تعلِّموا أبنائي سورة الفاتحة، أما أنا فقد ذهب عمري؟! ولما أرادوا الانصراف قالت لهم: ليس عندي ما أجازيكم به، ولكن أرجو أن تقبلوا هذا وأخرجت عملة روسية (الروبل) عرفانًا بجميلكم ووفاءً بحقكم!!(15/18)
إنها عاطفة بدأت تدبُّ فيها الحياة من جديد، لكنها في أغلب الأحوال عاطفة غير موجهة التوجيه الصحيح، وغير مستثمرة الاستثمار الأمثل؛ فالجهل يضرب بأطنابه في عقول الناس، ولهذا أصبح الانتماء إلى الإسلام عند كثير من الناس جزءًا من الانتماء العرقي والتاريخي، وأدى ذلك إلى انسياق عامتهم وراء حملات التغريب والعلمنة التي قادتها أمريكا وأوروبا التي افتتن فيها الناس جميعًا بمختلف أديانهم وأعراقهم، بعد أن تخلصوا من جحيم الكبت والذلة. لقد حرص الغرب على تصدير الحضارة الأخلاقية والاجتماعية الغربية إلى روسيا والجمهوريات المختلفة، وعدَّها سوقًا استهلاكية يسهل غزوها والتأثير عليها.
بل إن حملات التنصير الكاثوليكية والبروتستانتية لما وجدت الصدود والاستنكار من الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا الاتحادية وغيرها، وجَّهت حملاتها التنصيرية إلى مناطق المسلمين وبخاصة كازاخستان وأوزبكستان وطاجكستان، ووجدت فيها أرضًا خصبة يسهل غزوها والتأثير عليها.
إن المسلمين في روسيا الاتحادية وآسيا الوسطى يمثلون عمقًا استراتيجيًا في غاية الأهمية، كما يمثلون ثقلاً بشريًا لا يمكن الاستهانة به على الإطلاق، ولكن مع الأسف الشديد كان الملتفت الأكبر لهم من المسلمين: تركيا العلمانية، وإيران... !! فهل ندرك أهمية تلك المناطق.. أو نطويها كما طويت مناطق أخرى من مناطق المسلمين؟!
وهل نسعى بجد إلى إعادة الهوية الضائعة إلى المسلمين؟! وهل نستغل تلك العاطفة المتقدة في نفوسهم، أو ننساهم كما نسينا غيرهم؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في البناء الدعوي: 186
24/11/2004
http://www.islamweb.net المصدر:
============
الربانية
الأستاذ فتحي يكن
إن شرط نجاح الداعية القائد المسلم في الدنيا، وفلاحه في الآخرة، هو ربانيته.. فالداعية المسلم يجب أن يكون ربانيا، بمعنى أن يكون في المعية الربانية والحفظ الرباني والرعاية الربانية في شؤونه الخاصة والعامة، في المظهر والمخبر..في جوف الليل وهو يصلي ويتضرع، وفي زحمة النهار وهو ينشط ويتدافع، وفي قلب المعركة وهو يجالد ويقارع..
- إن ربانيته تجعل عمله خالصاً لوجه الله لا يشوبه شرك ولا رياء.
- وإن ربانيته تجعله دائم الطلب لمدد الله ونصره وهداه.
- وإن ربانيته تدفعه إلى تتبع سقطاته قبل تتبعه لسقطات الآخرين، والى محاسبة نفسه قبل محاسبة الآخرين، والى تحاشي الغفلة، ودوام الحضور، والى أن يستعظم أخطاءه حتى يراها كالجبال، والى أن يستصغر أعماله فيندفع للتعويض للمزيد، ممتثلا قول الله - تعالى -: "ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر".
- والربانية جوهر نجاح القائد وسر فلاحه في جميع أعماله وتصرفاته. فهو رباني الأخلاق، ورباني العلاقة، وربانية المعاملة، ورباني التفكير، ورباني التقرير، ورباني التخطيط، ورباني الخطاب، وصدق الله - تعالى - حيث يقول: [ولكن كونوا رانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون].
http://muslema.com المصدر:
=============
كيف يكون الداعية شخصية محبوبة ?
ما هي المحبة وأنواعها ؟
المحبة ميل النفوس إلى ما تراه أو تظنه خيرًا، وذلك ضربان:
طبيعي: وذلك في الإنسان والحيوان، وقيل: قد يكون بين الجمادات، كالألفة بين الحديد وحجر المغناطيس.
اختياري: وذلك يختص به الإنسان،
وهو أضرب:
ومنها: ما يكون للفضيلة كمحبة المتعلم للعالم، وهذه المحبة باقية على مرور الأوقات، وهي المستثناة بقوله تعالى:{ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ(67)} [سورة الزخرف].
فضيلة المحبة:
أحد أسباب نظام أمور الناس المحبة، ثم العدالة، فلو تحاب الناس، وتعاملوا بالمحبة؛ لاستغنوا عن العدالة، فقد قيل: العدالة خليفة المحبة تستعمل حيث لا توجد المحبة، ولذلك عظَّم الله المنة بإيقاع المحبة بين أهل الملة، فقال:{ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ(63)} [سورة الأنفال] { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا(96)} [سورة مريم]، أي محبة في القلوب، وتنبيهًا على أن ذلك أجلب للعقائد وهو أفضل من المهابة؛ فإن المهابة تنفر، والمحبة تؤلف. وكل قوم إذا تحابوا تواصلوا، وإذا تواصلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عملوا، وإذا عملوا عمروا.
حاجة الداعية إلى أن يجعل من نفسه شخصية محبوبة:
من الجوانب التي تعين الأخ على أن يجعل من نفسه شخصية محبوبة:
الألفة: ذلك أن الإنسان مقصود بالأذية، محسود بالنعمة، فإذا لم يكن آلفًا مألوفًا؛ تخطفته أيدي حاسديه، وتحكمت فيه أهواء أعاديه، فلم تسلم له نعمة، ولم تصف له مدة، فإذا كان آلفًا مألوفًا؛ انتصر بالألفة على أعاديه، وامتنع من حاسديه، فسلمت نعمته منهم، وصفت مدته عنهم. وقد روى جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله علي وسلم -، أنه قال:[الْمُؤْمِنُ آَلِفٌ مَأْلُوفٌ وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ وَخَيْر النَاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَاسِ] رواه الدار قطني في الأفراد، والضياء في المختارة، وحسنه الألباني في الصحيحة 427 .
والمؤاخاة في الناس قد تكون على وجهين:
أخوة مكتسبة بالاتفاق الجاري مجرى الاضطرار.
أخوة مكتسبة بالقصد والاختيار.(15/19)
فأما الأخوة المكتسبة بالاتفاق: فأول أسبابها التجانس، فإن قوي؛ قوي الائتلاف. وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ] رواه البخاري معلقاً مجزوماً به من حديث عائشة، ورواه مسلم وأبو داود وأحمد من حديث أبي هريرة.
وأما الأخوة الثانية وهي المكتسبة بالقصد: فلابد لها من داع يدعو إليها، وباعث يبعث عليها، وهذا ما يعنينا بهذا البحث،
وقد يكون الداعي إليها من وجهين: رغبة وفاقة.
فأما الرغبة: فهي أن يظهر من الإنسان فضائل تبعث على إخائه، ويتوسم بجميل يدعو إلى اصطفائه. وهذه الحالة أقوى من التي بعدها لظهور الصفات المطلوبة، من غير تكلف لطلبها، وإنما يخاف عليها من الاغترار بالتصنع لها، فليس كل من أظهر الخير كان من أهله، ولا كل من تخلق بالحسنى كانت من طبعه، والتكلف للشيء مناف له، إلا أن يدوم عليه، مستحسنًا له في العقل، أو متدينًا به في الشرع، فيصير متطبعًا به، مطبوعًا عليه.
وأما الفاقة: فهي أن يفتقر الإنسان لوحشة انفراده، ومهانة وحدته، إلى اصطفاء من يأنس بمؤاخاته، ويثق بنُصرته وموالاته. وقد قالت الحكماء: من لم يرغب في ثلاث بُلي بست: من لم يرغب بالإخوان بُلي بالعداوة والخذلان. ومن لم يرغب في السلامة، بُلي بالشدائد والامتهان، ومن لم يرغب في المعروف بُلي بالندامة والخسران. وقيل لمعاوية: أيما أحب إليك؟ قال:صديق يُحَبِّبني إلى الناس.
الإغضاء عن هفوات من تريد مصاحبته:
يقول الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين:( ثم لا ينبغي أن يُزهد فيه، لخُلق أو خلقين ينكرهما منه، إذا رضي سائر أخلاقه، حمد أكثر شيمه؛ لأن اليسير مغفور، والكمال مُعوز، وقد قال: أبو الدرداء - رضي الله عنه -: ومعاتبة الأخ خير من فقده، ومن لك بأخيك كله. وقال - رضي الله عنه -:إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك، فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى).
http://www.uae4ever.com المصدر :
===============
كيف يكون الداعية شخصية محبوبة ( 2- 2 )
كيف تكسب ود الناس؟
هناك وسائل كثيرة يستطيع الأخ الداعية من خلالها أن يكسب ود الآخرين، والتي منها:
الالتزام بحسن الخلق: قال أبو حاتم - رضي الله عنه -: " الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق، وترك سوء الخلق؛ لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا، كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيئ ليفسد العمل، كما يفسد الخلُّ العسل، وقد يكون في الرجل أخلاق كثيرة صالحة كلها، وخلق سيئ، فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الصالحة كلها... قال الفضيل بن عياض: (إذا خالطت، فخالط حسن الخلق، فإنه لا يدعو إلا إلى خير، وصاحبه منه في راحةٍ، ولا تخالط سيئ الخلق؛ فإنه لا يدعو إلا إلى شر، وصاحبه منه في عناء، ولأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحبُّ إليَّ من أن يصحبني قارئ سيئ الخلق؛ إن الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بعقله، وخف على الناس وأحبوه، وإن العابد إذا كان سيئ الخلق ثقل على الناس ومقتوه).
قال أبو حاتم - رضي الله عنه -: حسن الخلق بذر اكتساب المحبة، كما أن سوء الخلق بذر استجلاب البغضة، ومن حسن خلقه؛ صان عرضه، ومن ساء خلقه هتك عرضه؛ لأن سوء الخلق يورث الضغائن، والضغائن إذا تمكنت في القلوب أورثت العداوة، والعداوة إذا ظهرت من غير صاحب الدين أهوت صاحبها إلى النار، إلا أن يتداركه المولى بتفضل منه وعفو.
ومن أعظم ما يُتوسل به إلى الناس، ويستجلب به محبتهم: البذلُ لهم مما يملك المرء من حُطام هذه الدُّنيا، واحتماله عنهم ما يكونُ منهم من الأذى. فمن عدم المال فليبسط وجهه للناس؛ فإنَّ ذلك يقوم مقام بذل المعروف، إذ هو أحد طرفيه، وقد سُئل ابن المبارك عن حسن الخلق، فقال: (هو بسط الوجه، وبذل المعروف).
استعمال المداراة وترك المداهنة مع الناس: قال أبو حاتم - رضي الله عنه -: " الواجب على العاقل أن يلزم المداراة مع من دُفع إليه في العشرة من غير مقارفة المداهنة، إذ المداراة من المداري صدقة له، والمداهنة من المداهن تكون خطيئة عليه، والفصل بين المداراة والمداهنة: هو أن يجعل المرء وقته في الرياضة لإصلاح الوقت الذي هو له مقيم بلزوم المداراة من غير ثلم في الدين من جهة من الجهات، فمتى ما تخلَّق المرء بخلق وشابه بعض ما كره الله منه في تخلقه، فهذا هو المداهنة؛ لأن عاقبتها تصير إلى قلّ. ويلازم المداراة: لأنها تدعو إلى صلاح أحواله، ومن لم يدار الناس ملَّوه، كما أنشدني علي بن محمد البسامي:
دار من الناس ملالاتهم *** من لم يدار الناس ملُّوه
ومُكرمُ الناس حبيب لهم *** من أكرم الناس أحبوه
... وعن ابن الحنفية قال: (ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدًّا، حتى يأتيه الله منه بالفرج أو المخرج).
قال أبو حاتم - رضي الله عنه -: من التمس رضى جميع الناس التمس مالا يُدرك، ولكن يقصد العاقل رضى من لا يجد من معاشرته بُدًّا، وإن دفعه الوقت إلى استحسان أشياء من العادات كان يستقبحها، واستقباح أشياء كان يستحسنها، ما لم يكن مأثمًا، فإن ذلك من المداراة، وما أكثر من دارى فلم يسلم، فكيف توجد السلامة لمن لا يداري؟!.
قال أبو حاتم - رضي الله عنه -: من لم يعاشر الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه، وترك التوقع لما يأتون من المحبوب، كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه إلى أن ينال منهم الوداد، وترك الشحناء، ومن لم يدار صديق السوء كما يداري صديق الصدق ليس بحازم.(15/20)
إفشاء السلام، وإظهار البشر والتبسم: عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [السلام اسم من أسماء الله وضعه الله في الأرض، فأفشوه بينكم، فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم فردوا عليه، كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إياهم السلام، فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم و أطيب]رواه البزار والطبراني والبيهقي، وقال المنذري في الترغيب 3/428: وأحد إسنادي البزار جيد قوي. قال أبو حاتم - رضي الله عنه -: الواجب على العاقل أن يلزم إفشاء السلام على العام؛ لأن من سلَّم على عشرة كان له عتق رقبة، والسلام مما يذهبُ إفشاؤه بالمكتن من الشحناء، وما في الخَلَد من البغضاء، ويقطع الهجران، ويصافي الإخوان. والبادئ بالسلام بين حسنتين، تفضيل الله - عز وجل - إياه على المسلّم عليه بفضل درجة، لتذكيره إياهم بالسلام، وبين ردّ الملائكة عليه عند غفلتهم عن الرد... قال زبيد اليامي: (إن أجود الناس من أعطى مالاً لا يريد جزاءه، وإن أحسن الناس عفوًا من عفا بعد قدرة، وإن أفضل الناس من وصل من قطعه، وإن أبخل الناس من بخل بالسلام)... وَعَنْ عَمَّار بْن يَاسِر - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: (ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ)رواه البخاري- تعليقا-.
قال أبو حاتم - رضي الله عنه -: الواجب على المسلم إذا لقي أخاه المسلم أن يسلم عليه مبتسمًا إليه، فإن من فعل ذلك تحات عنهما خطاياهما كما تحات ورق الشجر في الشتاء إذا يبس، وقد استحق المحبة من أعطاهم بشر وجهه.
وعن سعيد بن الخمس أنه قيل له: ما أبشّك؟ قال: " إنه يقوم عليّ برخيص".
قال أبو حاتم: البشاشة إدام العلماء، وسجية الحكماء، لأن البشر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المبغضة، وفيه تحصينٌ من الباغي، ومنجاة من الساعي، ومن بشَّ للناس وجهًا لم يكن عندهم بدون الباذل لهم ما يملك... ولسعيد بن عبيد الطائي:
الق بالبشر من لقيت من الناس جميعًا ولاقِهم بالطلاقه
تجن منهم أجنى ثمار، فخذها طيبًا طعمهُ لذيد المذاقه
... وعن حبيب بن أبي ثابت قال: (من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو يتبسم).
الإقلال من المزاح: عَنْ أَنَس بْن مَالِكٍ قَال: كَانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَادٍ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: [رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ لَا تَكْسِرْ الْقَوَارِيرَ] قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي ضَعَفَةَ النِّسَاءِ. رواه البخاري ومسلم والدارمي وأحمد.
قال أبو حاتم - رضي الله عنه -: الواجب على العاقل أن يستميل قلوب الناس إليه بالمزاح، وترك التعبُّس.
والمزاح على ضربين: فمزاح محمود، ومزاح مذموم.
فأما المزاح المحمود: فهو الذي لا يشوبه ما كره الله - عز وجل -، ولا يكون بإثم ولا قطيعة رحم.
وأما المزاح المذموم: فالذي يثير العداوة، ويُذهب البهاء، ويقطع الصداقة ويُجرِّئ الدنيء عليه، ويحقد الشريف به... قال ربيعة: "إياكم والمزاح، فإنه يُفسد المودة، ويُغِلُّ الصدر". وعن عبد الله بن حُبيق قال: "لا تمازح الشريف، فيحقد عليك، ولا تمازح الوضيع، فيجترئ عليك".
قال أبو حاتم - رضي الله عنه -: المزاح في غير طاعة الله مسلبة للبهاء، مقطعة للصداقة، يورث الضغن، وينبت الغِلَّ. وإنما سمي المزاح مزاحًا لأنه زاح عن الحق، وكم من افتراق بين أخوين، وهجران بين متآلفين، كان أول ذلك المزاح، عن الحكم قال: كان يقال: "لا تمار صديقك ولا تمازحه، فإن مجاهدًا كان له صديق، فمازحه، فأعرض كل واحدٍ منهما عن صاحبه، فما زاده عن السلام حتى مات".
قال أبو حاتم - رضي الله عنه -: وإن من المزاح ما يكون سببًا لتهييج المراء، والواجب على العاقل اجتنابه؛ لأن المراء مذموم في الأحوال كلها، ولا يخلو المماري من أن يفوته أحد رجلين في المراء: إما رجلٌ هو أعلم منه، فكيف يجادل من هو دونه في العلم؟! أو يكون ذلك أعلم منه، فكيف يماري من هو أعلم منه؟!... وعن الأوزاعي قال: قال بلال بن سعد: "إذا رأيت الرجل لجوجًا مماريًا معجبًا برأيه؛ فقد تمت خسارته"... عن محمد بن المنكدر قال: قالت لي أمي وأنا غلام: "لا تمازح الغلمان، فتهون عليهم، أو يجترئوا عليك". وقال عمر بن الخطاب: "من كثر ضحكه؛ قلت هيبته، ومن مزح؛ استخف به، ومن أكثر من شيء؛ عُرف به).
وصايا ونصائح للداعية في هذا الباب:
1 - يجب على الأخ اللبق أن يُحسن الإنصات إلى محدثه مع حسن الاستماع: وهناك قول لطيف، وهو: "إذا أردت أن يحبك الناس، فكن مستمعًا طيبًا وشجع محدثك على الكلام عن نفسه".
2 - إكرام الضيف يكون بطلاقة الوجه وحسن اللقاء وطيب الكلام والطعام: قال - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: [مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ]رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه والدارمي وأحمد.(15/21)
3 - الدعاء: وذلك بأن تدعو الله - تبارك وتعالى - أن يجعلك محبوبًا بين إخوانك، وتدعوه - سبحانه - أن يجعل هؤلاء الفتية الذين آمنوا بالله ربًا وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً أن يكونوا متحابين متزاورين متباذلين في الله، عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: [إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي]رواه مسلم وأحمد والدارمي ومالك.
4- الدقة في المواعيد والالتزام بها مع الناس.
5- تبادل الأخ الهدايا مع إخوانه وأرحامه: فإن الهدية تجلب المحبة، كما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم -: [تَهَادَوْا.. تَحَابُّوا]رواه البخاري في "الأدب المفرد" وأبو يعلى والبيهقي.
6 ـ بث الحماس والتشجيع في محدثك: إن عمل عملاً طيبًا يستحق الثناء والتشجيع (فإننا نتعهد بالغذاء أجساد أبنائنا وذوينا، ولكننا قلما نطفئ ولو جزءًا يسيرًا من ظمئهم إلى أن يكونوا شيئًا مذكورًا، وبينما نغدق عليهم الطعام والشراب ألوانًا وأشكالاً، ترانا نبخل عليهم بكلمات التقدير والتشجيع، فلو أنها استخدمت؛ فإنها تختزن في ذاكرتهم، وتتجاوب أصداؤها في صدورهم على مر السنين نغمًا حلوًا لا ينسى)[كيف تكسب الأصدقاء ص29].
7 ـ لا تكثر الجدل في أي شأن من الشئون أيًا كان، فإن المراء لا يأتي بخير.
8 ـ قدر الأخ الذي أمامك وحدثه بما يهتم به: فيسر لذلك، وينفتح بالحديث عن نفسه ورغباته ومشاكله، وهنا ترسم في قلبه صورة طيبة عنك تكون أوضح في لقاء آخر، ولا تنس أن تكثر من ترديد اسمه أثناء محادثتك إياه.
9 ـ أن يكون تعاملك وحبك للناس مندرجا تحت هذه القاعدة (الحب في الله والبغض في الله).
الخلاصة:
نصل بعد كل ما ذكرناه (إن من حببه الله إلى الناس؛ فقد أنعم عليه نعمة وسيعة، كما أن من بغضه إليهم فقد جعل له نقمة فظيعة، والسبب فيمن يكون محبًا إلى الخلق أن من رعاه الله، فصفا جوهره، وطاب حسن عمله له نور في مشاعر من يراه فيحبه، وإياه قصد - تعالى -بقوله لموسى - عليه السلام -: }وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي(39){[سورة طه]. قال الإمام القرطبي في هذه الآية: (قال ابن عباس: " أحبه الله وحببه إلى خلقه"). وقال ابن عطية: (جعل عليه مسحة من جمال لا يكاد يصبر عنه من رآه). وقال قتادة: كانت في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلا أحبه وعشقه، وقال عكرمة: المعنى: جعلت فيك حسنًا وملاحة فلا يراك أحد إلا أحبك، وقال القرطبي: المعنى وألقيت عليك رحمتي. وقال ابن زيد: جعلت من رآك أحبك حتى أحبك فرعون؛ فسلمت من شره، وأحبتك آسية بنت مزاحم فتبنتك).
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: [إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ قَالَ فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ]رواه البخاري ومسلم وأحمد ومالك. يقول الإمام النووي في شرح هذا الحديث: (... وحب جبريل والملائكة يحتمل وجهين: أحدهما: استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم. والثاني: أن محبتهم على ظاهرها المعروف من المخلوقين، وهو ميل القلب إليه واشتياقه إلى لقائه. وسبب حبهم إياه كونه مطيعًا لله - تعالى -، محبوبًا له، ومعنى: [يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ] أي الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه؛ فتميل إليه القلوب وترضى عنه، وقد جاء في رواية: [فَتُوضَعُ لَهُ المَحَبَةُ]). فنسأل الله- تبارك وتعالى -أن تكون أعمالنا خالصة لوجهه - سبحانه -، فيرضى عنا، ثم يكتب لنا القبول في الأرض، فيحبنا الناس، فينفتح بذلك باب من أبواب الخير للدعوة الإسلامية، وللإسلام عمومًا.. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــ
المصدر: -
من [سلسلة رسائل فتيان الدعوة]: "كيف يكون الداعية شخصية محبوبة" بإشراف: -الشيخ / جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين..الشيخ / أحمد بن عبد العزيز القطان.
http://www.sharkiaonline.com المصدر:
=============
مشكلات المجتمع بين الدعاة والآخر
محمد بن عبد الله الدويش
الذين يريدون التغيير في المجتمعات يستثمرون الفرص المتاحة، وينطلقون من حاجات الناس ومشكلاتهم.
وقد سار التيار العلماني على هذا المنوال، وأصبح ينطلق من حاجات ومشكلات موجودة في مجتمعات المسلمين، ويستثمر هذه الحاجات في المطالبة بالتغيير؛ فيبدو حينئذ للناس بمظهر الغيور على المجتمع، والساعي للإصلاح، فتلامس مطالبه واقع الناس، ويشعرون بحرصه على مصالحهم.
ومن أمثلة ما يثيره هؤلاء:مشكلة الأقليات الدينية والمذهبية في بلاد المسلمين، والتعامل التجاري مع غير المسلمين، ومخرجات التعليم، والتعليم الشرعي وصلته بسوق العمل، وتمويل المشروعات الاقتصادية.
ومشكلات تتعلق بالمرأة كتعليمها والحاجة إلى التوسع فيه، والحالة الاقتصادية للأسرة التي تتطلب أن تشارك المرأة في تحمل التكاليف، والمشكلات التي تعاني منها المرأة العاملة المتعلقة بالتنقل أو السفر إلى أماكن العمل... ونحو ذلك.(15/22)
ويدرك الغيورون الناصحون سوء مسلك طائفة من هؤلاء؛ فيشعرون أن من واجبهم الشرعي إنكار المنكر، والدفاع عن مجتمعاتهم، والوقوف في وجه المفسدين، فيسعون إلى التصدي لطروحاتهم والمحافظة على سمت المجتمع.
ويصاحب هذه الجهود المشكورة أمور تحتاج إلى تأمل ومراجعة؛ فسلامة نوايانا لا تعفينا من السعي إلى سلوك الأسلوب الصحيح في التعامل مع هذه المشكلات.
إننا بحاجة ماسة إلى مراجعة أسلوبنا في التعامل مع مشكلات المجتمع، ومما يجدر بنا أن نراعيه ما يلي:
1 - الاعتراف بالمشكلات الحقيقية الموجودة في مجتمعاتنا، وإن كان ذلك لا يتفق مع ما نحب، وتعويد أنفسنا على أن نفهم الأمور كما هي لا كما نريد.
وقد نرى من المصلحة تلافي الحديث الصريح عن بعض ما قد يسيء الناس فهمه وينزلونه على غير منزلته، أو ما يؤدي إلى استغلال دعاة السوء له؛ لكن ذلك لا ينبغي أن يدعونا إلى نقل هذا التحفظ إلى نقاش أصل المشكلة حتى في الحوارات الشخصية والمجالس الخاصة.
بل قد يتجاوز الأمر مجرد التحفظ على الصراحة في نقاش المشكلة إلى التصريح بإنكارها في الخطاب العام، وأن ما يثيره الآخر مجرد ضحك على الناس وليس له وجود.
2 - التعامل الواقعي مع حاجات الناس والاعتراف بها، وإن كان الآخر قد يوظفها توظيفاً سيئاً؛ فمن المكابرة أن ننكر حاجة الأسر إلى تعزيز مصادر الدخل، وحاجة الناس إلى قدر من الترفيه المباح.... إلخ، وقد راعى الفقهاء هذا الأمر فنزلوا الحاجة العامة منزلة الضرورة، ورُخِّص فيها ما لا يُرخَّص في غيرها.
وفرق بين ما نختاره لأنفسنا من تورع وبُعد عن الشبهات، وبين ما نلزم الناس به، وفرق بين حاجتنا وحاجات الآخرين؛ فأُسَرُنا بمشكلاتها وحاجاتها لا تمثل بالضرورة المجتمع بأسره.
3 - الاعتناء بالمنهج العلمي في فهم الظواهر الاجتماعية والتعامل معها، وحين لا نفهم ظاهرة فلنستعن بالمتخصصين فيها؛ فغيرتنا وشعورنا بالمسؤولية الدعوية لا يكفي وحده لفهم كل شيء أو تأهيلنا للحديث عن كل مشكلة.
4 - البعد عن الحديث عن نوايا الآخر ومقاصده في الإفساد؛ فالنوايا لا يعلمها إلا الله - تعالى -، وما يبدو لنا من قرائن قد لا يبدو للناس، وقد لا يكفي في إقناعهم. والنقاش الموضوعي للقضايا المثارة أوْلى وأكثر إقناعاً للناس وبناء لهم.
5 - الاعتناء بتقديم البديل واقتراح الحلول لمشكلات الناس؛ فالشرع لم يحرم على الناس ما يحتاجون إليه إلا حين تكون مفسدته أعظم، ومع ذلك ففي المباح ما يغني عن الحرام، وليس صحيحاً ألا يعرف المجتمع عنا إلا أننا نقول «لا» دوماً، وأننا نقف وقفة المتوجس من كل جديد.
رمضان 1423هـ * نوفمبر-أكتوبر 2002م
http://albayan-magazine.com المصدر:
==============
الأشياء الصغيرة
د. عبد الكريم بكار
في أحيان كثيرة يجد الناس أنفسهم يعملون وفق معادلات خاطئة، أو يجدون أنفسهم وقد قعدوا عن العمل بسبب تنافر إمكاناتهم مع طموحاتهم. شيء جميل وعظيم ألا نرضى بالقليل، وأن نتطلع إلى الكثير من الخير لنا ولأمتنا، ولكن بشرط ألا تعظم الفجوة بين المطلوب والممكن إلى درجة نفقد معها الحماسة للعمل، ونزهد معها في الممكن، فيضيع من أيدينا إذ ترنو أبصارنا نحو العسير والمستحيل!
في مجال الأعمال يقولون: فكر عالمياً، وتصرف محلياً. وهذا قول حكيم، يمكن أن نستفيد منه في المجال الدعوي والمجال الحضاري عامة. لنمتلك الرؤية الشاملة والواسعة، ولنحاول أن نعرف موقعنا بدقة على الخارطة العالمية والمحلية. ولنلامس في تصوراتنا آفاق المطلوب والمتاح، وآفاق القريب والبعيد، والسهل والمرهق، ولكن لنركّز جهودنا دائماً في دوائر التأثير، حيث لا يدخل في الرصيد في نهاية المطاف إلا تلك المنجزات الصغيرة والقابلة لوضع اليد عليها. الأشياء الصغيرة تظل دائماً قابلة للتنفيذ، لأنها قابلة للتصديق، والأشياء الكبرى كثيراً ما تبقى في حيز الأمنيات، لأننا نشك عادة في قدرتنا على القيام بها.
كثير من الشباب المسلم حائر في توظيف وقته وطاقاته في المجال المثمر والملائم؛ فهذا شاب يرغب في أن يكون داعية وطبيباً. وهذا شاب يرغب في أن يكون مهندساً وفقيهاً. وهذا شاب ثالث يرغب في أن يكون مدرساً ورجل أعمال...
شباب كثيرون ابتعثتهم حكوماتهم إلى بلاد الغرب ليدرسوا بعض التخصصات العلمية المهمة، فما كان منهم إلا أن تركوا تخصصاتهم، وانتقلوا إلى المجال الدعوي. وكثيراً ما تصادف في الولايات المتحدة الأمريكية شاباً مسلماً يعمل إمام مسجد، وقد كان تخرج في قسم الكيمياء أو الفيزياء. وهذا رجل يحمل الدكتوراة في الأدب الإنجليزي ترك التدريس في الجامعة ليدرس في مدرسة عربية هزيلة هناك...
في بلادنا شباب ورجال كثيرون لا يحبون الوظائف التي قضوا فيها شطراً مهماً من أعمارهم، إنهم ينظرون إليها على أنها خط رزق احتياطي، أو أنها مصدر تُستمد منه الوجاهة الاجتماعية. إن تطلعاتهم وتفاعلاتهم ومستقبلهم ليس في هذه الوظائف والأعمال ولهذا فإنهم لا يعطونها إلا القليل من اهتمامهم وجهدهم! هذا مدرس يعمل في تجارة العقار، وهو يجد في تجارته من المردود المادي أضعاف ما يجده في وظيفة التدريس، ولهذا فإنه لا يحضر دروسه، ولا يكلف طلابه بكتابة ما ينبغي أن يكتبوه من الواجبات أو ما ينبغي أن يحلوه من التمارين؛ لأنه لا وقت لديه للتصحيح. وإذا دُعي إلى اجتماع مسائي في المدرسة فإنه لا يحضر فذلك في نظره اجتماع لغو، ولا وقت لديه لمثل ذلك! وهذا ليس أكثر من نموذج صغير لبلاء كبير!
وأود أن أضع النقاط على الحروف في الإضاءات التالية:(15/23)
1- لن يكون في المستقبل ما يسمى "بالأمم العظيمة والدول العملاقة" ولكن سيكون هناك دوائر تضم أعداداً من الأبطال الصغار الذين يهتمون بإتقان الأشياء الصغيرة التي بين أيديهم وهم يشكلون - حيثما وجدوا بكثافة - بؤراً متفوقة ونافذة ومؤثرة، إنهم يعملون بصمت ومن غير عناوين كبيرة إنهم أشبه بقطرات الماء التي يتشكل منها النهر العظيم، وأشبه بحبات الرمل التي يتكون منها الجبل العظيم، حبة الرمل ليست بشيء، لكن لولا حبات الرمل لم يكن هناك الجبل العملاق!
من المهم أن ندرك أن كل موقع يحتله واحد منا هو ثغرة من ثغور الإسلام، ومن خلال نوعية تصرفنا وأدائنا في ذلك الموقع، نسهم في رفع راية الإسلام وحماية حرماته، أو نسهم في ذهاب ريح الأمة وجعلها عالة على غيرها من الأمم. إن أمهر البنائين لا يستطيع أن يشيد صرحاً متيناً من لبنات هشة. وإن أعظم الحكام لا يستطيع أن يبني مجتمعاً أقوى من مجموع أفراده.
كان (بنجوربون) يقول: إن إسرائيل لن تقوم بناء على قرار تصدره المنظمة الصهيونية العالمية، ولكننا سنبنيها لبنة لبنة، سنضم البقرة إلى البقرة والمزرعة إلى المزرعة والمصنع إلى المصنع والجامعة إلى الجامعة، وبذلك وحده يصبح لنا دولة بما تعنيه الكلمة.
هذا المنطق هو المنطق القابل للتطبيق، وأعتقد أن مساعينا في دفع الأمة في دروب النهضة ينبغي أن تتركز في شيئين أساسيين: تقديم النماذج وبناء الأطر.
إن عقولنا تنطوي في أعماقها على ميول نحو الاستحالة، واستصعاب الأمور والنماذج العملية هي التي تزرع في تصوراتنا ومشاعرنا الميول نحو الممكن إن كل مثقف مسلم بقليل من الوعي وقليل من الجهد يستطيع أن يقدم في جانب من جوانب حياته نموذجاً صغيراً يجذب إليه بعض الناس، فيقلدونه ويترسمون خطاه، وبذلك يكثر الخير، وتترسخ تقاليد ثقافية مثمرة.
وهناك في الأمة رجالات فيهم سمات قيادية، ولهم همم عالية وهؤلاء لا يكتفون بتقديم النماذج، لكنهم يبنون الأطر التي تجمع الجهود المتفرقة، وتوجه الأنشطة وتحرر الطاقات الكامنة. ومن النماذج والأطر تتشكل فيزياء التقدم.
2- الأمم الفقيرة ليست هي الأمم التي لا تملك المال، لكنها الأمم التي يتلفت أطفالها يمنة ويسرة، فلا يجدون حولهم سوى رجال من الدرجة الثالثة أو الرابعة، فتتجه أبصارهم نحو رجالات الأمم الأخرى باحثة عن القدوة والمثل وعن حقل جديد للممارسة. وبذلك تنشأ الفتنة الثقافية!
3- هناك علاقة عكسية بين الكيف والكم. وبما أن جهودنا وطاقاتنا مهما بلغت هي في النهاية محدودة فإن ما ننجزه يخضع لتلك العلاقة: الكم دائماً على حساب الكيف. والمتأمل في (حديث القصعة) وفي واقعنا اليوم يجد أن الأمة تعاني من مشكلة (كيف) لا مشكلة (كم) ولو اتجهنا إلى جعل الإحسان والإتقان السمة التي لا نتنازل عنها في جميع أعمالنا لتحسنت النوعية وارتقت الأمة.
أملي أن نكف عن الهروب إلى الأمام والذي طالما مارسناه من خلال الحديث عن الأشياء الكبيرة كيلا نتحمل مسؤولية الأشياء الصغيرة ومن الله - تعالى -الحول والطول.
19/10/1425
02/12/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
===========
أحمد ديدات ... يسلم عليكم
عبد الله آل سليمان
حطت بي رحلة إلى جنوب أفريقيا في مدينة (ديربن) تلك المدينة الساحلية التي يكتنفها شاطئ جميل يزيدها بهاء وجمالاً، وتردد على مسامعي اسم الشيخ أحمد ديدات من الأخوة الذين لقينهم هناك وكنت أترحم عليه كلما سمعت ذكره حتى انتبه لي بعض الإخوة وشعر عندها أني أنما أفعل ذلك ظنا مني أنه قد توفي فقال لي: الشيخ لا يزال على قيد الحياة فقلت: سبحان الله قد وصلنا خبر وفاته وأغلب الناس عندنا يظنون ذلك فقال: هو حيَّ يرزق وهذه مدينته وأن أردت ذهبت بك إليه لزيارته فهو يستقبل الزوار على شدة العلة التي يُعاني منها فتواعدنا على ذلك. وحددنا يوماً لزيارته فجاءني الأخ وأخذني بسيارته وسرنا ما يقارب 40 كم لنصل إلى بيت الشيخ فأدخلونا عليه فإذا بذلك القوام المعافى قد هده المرض فاسكن منه كل متحرك من رأسه إلى رجليه وألزمه السرير فهو مشلول شللاً كاملاً أثر ذلك حتى على كلامه وحركة فمه فلا يستطيع حتى تحريك فكيه ليمضغ الطعام وإنما يُطعم ويسقى عن طريق الأنابيب وآلمني حاله وإنما يقلب عينيه فيما حوله وكم تحمل تلك النظرات من كلام ومعانٍ قلت في نفسي ماذا سيقول لو أسعفه الكلام؟! تلوتُ عليه شيئاً من القرآن وطبقت ما وجه به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدعاء للمريض كما في حديث عبد الله بن عباس (من عاد مريضاً لم يحضره أجله فقال: عنده سبع مرات اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض).
استأنس واستبشر وبدت علامات الارتياح على وجهه ثم زاد بشره عندما علم من أين قدمت وأني من المدينة النبوية من المملكة العربية السعودية.
وكم كنت أتمنى أن أسمع منه شيئاً أطلع به على مشاعره
كم كنت أتمنى في تلك اللحظة أن يفتح لي باب الحوار معه.
فقال له: ولده يوسف رسالة للشيخ؟ فأشار نعم وهذه الإشارة تتم بهز حواجب الشيخ يرفعها إلى أعلى علامة الإيجاب فإذا لم يحركها دل ذلك على عدم موافقته. وهي الوحيدة التي تتحرك في جسد كامل. فقلت في نفسي أي رسالة وظننت أن هناك رسائل جاهزة تقدم للضيوف كتعبير عن امتنانه للزيارة فإذا بالأخ يوسف يشير إلى لوحة وضعت على الجدار عند رأسْ الشيخ ويخبرني أنها وسيلة الشيخ للتفاهم مع من حوله وسترى الآن...
هذا شكل اللوحة تقريباً
F E D C B A 1
L K J i H G 2
R Q P O N M 3
X W V U T S 4
Z Y 5(15/24)
فجاء من يقف بجوار الشيخ ثم ينظر إلى اللوحة ويبدأ في عد الأرقام التي عليها 1، 2، 3، وهكذا فإذا ذكر الرقم الذي يريده الشيخ أشار إليه فبدأ مباشرة في قراءة الحروف التي تحت هذا الرقم حتى يصل إلى الحرف المطلوب فيشير الشيخ بالموافقة فيكتبه ثم يعود إلى الأرقام مرة أخرى والحروف وهكذا في سرعة عجيبة حتى تتألف الكلمة فيقرأها كلها على الشيخ فيشير بحواجبه إيجاباً.
ولا يمكن نقل الصورة بالكتابة كما تُرى على الحقيقة ويدهشك سرعة بديهة الشيخ فقد حفظ تلك الأسطر وما فيها فيحتاج الكاتب أن ينظر إلى اللوحة كل مرة ليقرأ منها أما الشيخ فلا يحتاج ذلك، وذكر لي الأخ يوسف أنه يعمل ويكتب ويدعوا إلى الله بهذه الطريقة همة عالية فقلت: سبحان الله حفظ الله له عقله وفكره وسمعه وبصره وهو ما كان ينافح به عن دين الله وينزه ربه عما يقوله الظالمون - تعالى -ربنا عما يقولون علواً كبيراً.
كتب لي رسالة شكر بمُناسبة الزيارة وطلب منى أن أقرأ عليه شيئاً من القرآن وسأل بعض الأسئلة وسألت ابنه متى كانوا في الرياض للعلاج فذكر لي السنة وفهم من والده اعتراضه على الجواب فأخذ يصحح من أبيه وعبر تلك الإشارة السنة والشهر و المدة.
قال لي الشيخ: متى تسافر؟ فأخبرته، قال: أين تنزل قلت: جدة وأنا استغرب سؤاله فقال: عندما تطأ قدماك جدة كل من تلقاه من أهل تلك البلاد المباركة قل له أحمد ديدات يسلم عليك. عندها علمت أي حب يحمله هذا الرجل لهذا البلاد وأهلها....
فودعته وانصرفت داعيا له بحسن الخاتمة فزودني نسخة أصلية من مناظرته الشهيرة مع جيمي سواجارت.
http://www.saaid.net المصدر:
=============
إضاءات للدعاة والداعيات
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
• إذا بلغ بك الجهد مبلغه فتذكّر خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى الطائف، وما قُوبِل به - عليه الصلاة والسلام - في الطائف من سَفَهٍ ثم رجوعه إلى مكة ومبيته بوادي نخلة، وكلّ ذلك كان وحيداً راجلاً.
• وإذا طالك الأذى من الأقربين، فاقرأ: (تَبَّتْ يَدَا) يهون عندك كل أذى.
• وإذا أُوذِيت في الله فتذكّر (سلا الجزور) حينما وُضِع على أشرف وأطهر كَتِف.
حتى على كتفيك الطاهرين رَمَوا *** سلا الجزور بكفِّ المشركِ القزمِ
• إذا آذاك السفهاء، فتذكّر (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ).
• ولو أدموا عقبيك في طريق الدعوة فتذكّر رد الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حينما أدموا عقبيه فقال:
• ولو سال الدم على وجهك فتذكّر قوله وهو يمسح الدم عن وجهه: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
• وإن طالك الأذى فاقرأ: (وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا)
• تذكّر أن موسى خرج خائفاً يترقّب، وفي اللوح المحفوظ أنه نبيّ قال ابن عباس: لقد قال موسى رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير وهو أكرم خلقه عليه، ولقد كان افتقر إلى شِقِّ تَمْرة ولقد أصابه الجوع حتى لزق بطنه بظهره.
• إذا ادلهمّت الخطوب، وضاقت بك السُّبُل، ولم تَرَ لانبلاج الصبح وجهاً، فتذكّر يونس بن متى - عليه الصلاة والسلام - إذ نادى في الظلمات (لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
• وإذا أوذِيت فتأمل قول سيد ولد آدم - عليه الصلاة والسلام -: لقد أوذِيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أُخِفْتُ في الله وما يَخَاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة وما لي طعام إلا ما وَارَاه إبط بلال.
• إذا أتاك الأذى ممن شاركوك الطريق فتذكّر قول أبي الحسن عليّ - رضي الله عنه -: إلى الله أشكو عُجَرِي وبُجَرِي.
قال الشعبي: رأى عليٌّ طلحة في وادٍ مُلقى، فنزل فمسح التراب عن وجهه، وقال: عزيز عليَّ أبا محمد بأن أراك مُجدلا في الأودية تحت نجوم السماء، إلى الله أشكو عجري وبجري. قال الأصمعي: معناه سرائري وأحزاني التي تموج في جوفي.
• وإذا ضاقت بك الأرض بما رحُبت، فتذكّر الثلاثة الذين خُلِّفوا، وقد هُجِروا قرابة خمسين ليلة، فلا أحد يُكلّمهم، وقد اعتزلهم الناس حتى قال كعب بن مالك - رضي الله عنه -: فاجتنبنا الناس، وتغيَّروا لنا حتى تَنَكّرَتْ لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة.
• إذا رأيت غَلَبَة الباطل، فتذكّر: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ)
فهذا مثل ضَرَبَه رب العزّة - سبحانه وتعالى - فقال في آخر الآية (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) والأمثال لا يفهمها ولا يَعِيَها كل أحد (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ).
وتذكّر قول الْمُحَدَّث الْمُلْهَم عمر - رضي الله عنه -: اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة.
• إذا رأيت صولة الباطل، وانتفاشة النفاق، فتذكّر أن ألدّ أعداء الدعوة وقفوا صاغرين بين يدي من عادَوه وآذوه، فقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء!
فصولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة.
فلا تحزن.
جمادى الآخرة 1425 هـ.
http://www.saaid.net المصدر:
============
توجيهات ونصائح للمرأة الداعية
د. رقية بنت محمد المحارب
أولاً: إن مهمة الداعية ليست تبكيت الناس ولا تقريعهم، ولا تبدأ بعيبهم وذمهم؛ لأن هذا قد يثير حمية الانتصار لأنفسهم أو لعدالتهم أو لمذاهبهم أو لأقوالهم ويعين الشيطان عليهم.(15/25)
ثانياً: طريق الدعوة مليء بالأشواك: قال - تعالى -: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} [آل عمران: 186].
ثالثاً: ينبغي أن تكون الداعية دائمة القلق لحال الناس من غير يأس ولا قنوط، فتحمل هم الإسلام ولا تتجاهله كمن عنده صداع في رأسه لا يمكن أن يتناساه أو يغفل عنه.
رابعاً: طريق الدعوة والإيمان يحفل بالمتراجعين والمترددين والناكصين، وما أجمل أن تصبر الداعية على هذا الضعف والتردد، فتطيل النفس معهم ولا تحملهم ما لا تطيق نفوسهم وطباعهم وإمكاناتهم.
قال - تعالى -: {خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199].
قال الإمام الطبري - رحمه الله -: "خذ العفو من أخلاق الناس واترك الغلظة عليهم".
فلا ينبغي أن يغلب جهل المدعو حلم الداعية بحال من الأحوال.
خامساً: ينبغي للداعية أن تهتم بجانب تربية النفس والارتقاء بقدراتها وعلمها وأخلاقها، وينبغي أن تعوّد نفسها على تحمل البرامج الجادة واستثمار الوقت بكل وسيلة ممكنة على أحسن وجه.
سادساً: استبعاد الجانب الشخصي من الدعوة مهم، فهذه الدعوة ربانية لا تنحصر في أفراد أو جماعات أو هيئات، فيجب أن نصحح الاعتقاد لدينا أن الدعوة تنحصر في هذا الفرد أو ذاك، والواجب تهيئة أكبر عدد ممكن من الداعيات والصالحات.
سابعاً: ليس الهدف من الدعوة هو تحطيم أشخاص معينين أو إسقاطهم، فلم يكن هم موسى - عليه السلام - القضاء على فرعون بل كان يرجو أن يخرج الناس من عبودية العباد إلى إخلاص العبادة لرب العباد.
فلا بد من البعد عن السب والشتم، فهو ليس من طرق الدعوة ولا من وسائلها، فهي جاءت لإسقاط الباطل وبسقوطه يسقط من حمله.
ثامناً: الدعوة إلى الله، هي دعوة على بصيرة، بصيرة بكل شيء، من طريق الدعوة و السبيل الأقوم وأخذ حظ من العلم المؤصل السليم، وبصيرة بحال المدعوين وظروفهم، وبأعداء الدعوة وأساليبهم، وبصيرة كذلك بنفسها لتعرف إرادتها ونيتها فلا يلتبس عليها الأمر ولا تتداخل المقاصد.
http://www.saaid.net المصدر:
=============
الخادمة
د. رقية بنت محمد المحارب
هناك أناس يعيشون بيننا، يحملون هم الغربة عن بلادهم، أتوا للبحث عن قوتهم، يخدموننا فنأمرهم أمر الأسياد لعبيدهم، ومع ذلك نبخل عليهم بكلمة طيبة، وبأمر بالمعروف وتعليم عبادة صحيحة أو حفظ آية كريمة!
بل إذا قيل لإحداهن أن تعلم خادمتها آية الكرسي أو صفة الصلاة وفق السنة الصحيحة، قالت غاضبة: وشغل البيت يكون على من؟!
فهذا نداء عاجل لكل من تسكن عندها خادمة ألا تخرج من بيتها مثلما دخلت، بل تخرجها داعية في بلدها، وليس ذلك ببعيد!
فإليك أختي المسلمة طرقاً جُربت وآتت ثمارها فاختاري منها ما يناسبك:
• لا ينقص من كرامتك ولن تحسي بالذل والله إذا أمرتِ خادمتك أن تحضر معكِ وقت وضوئك وصلاتك ولا ضير أن تؤميها أيضاً للتعليم وتطبيق العلم بشكل صحيح.
• مكاتب الدعوة التعاونية لدعوة الجاليات كثيرة ولله الحمد، فلن يضر البيت إن شاء الله إذا ذهبت خادمتكِ لأحد المكاتب القريبة؛ لحضور مجلس علم أو موعظة أو تعلم قرآن بلغتها، ولك مثل أجرها يوم أن تحفظ آية أو تتعلم علماً وأجر من علمته إلى قيام الساعة.
• الجلسات العائلية لا تخلو من وجود عدد من الخادمات فلم لا يستغل اجتماعهن في شرح حديث أو تفسير آية أو تعليم عبادة، أو تأصيل مسألة كالحجاب وغيره؟
• أعدي خادمتك لتكون المعلم لهن في هذه الاجتماعات، فهذا أدعى للقبول وأوقع في النفس من بني جنسهن.
• شريط أو كتاب ببضع ريالات يحمل علماً جمّاً بلغات كثيرة، يمكنكِ الحصول عليه من مكاتب دعوة الجاليات وإعطائه الخادمة، وهذا حجة على من تتعذر بضيق الوقت في تعليمها أو عدم الاستطاعة.
• الهدية لها تأثير جميل في النفس، وثمرتها في الدعوة مباركة، فلا تبخلي على خادمتك بين الفينة والأخرى بإهدائها جزاء حفظ آية أو تعلم حديث.
• التجديد والتغيير له أثره في الدعوة، فجددي الطرق ونمقي الأسلوب والعبارات وحبذا لو أقيمت لمعشر الخادمات بعض المسابقات العلمية الخفيفة؛ لإشاعة البهجة والسرور، وتعليم المسائل والعبادات والعقائد بطريقة سلسة ممتعة.
http://www.saaid.net المصدر:
=============
أسس بناء المساجد في الإسلام
الشيخ عمار حسن
1-أمر الله - عز وجل - ببناء المسجد كشعار للمسلمين ليعبدوا رب هذا البيت ولتلقي الأوامر الإلهية وأداء الفرائض الربانية والشرائع والأحكام الإسلامية، ونسبها الله - سبحانه وتعالى- لنفسه ليظهر قدسيتها في نفس المؤمن عندما يحضرها، ولتتحول كل الطاعات التي يقوم بها المسلم إلى قربات يزكي بها المؤمن نفسه ويطهر جسده من خلالها.
لقد جعل الله - جل وعلا - ما ينطلق منها من إشعاع حكيم وتنوير هادف ديناً يتميز به المصلي عن العابث التائه، يستطيع المسلم أن يغير في حياته من خلاله فيقضي على الجهل بالعلم وعلى الذنوب بالتوبة وعلى الفحش بالخلق الحسن.
2- لقد أطلق على هذه البيوت لفظ (المساجد) تعظيماً لركن الصلاة العظيم السجود، وإكراماً للساجدين والخاضعين والطائعين، لتكون المنطلق الأساسي في تحقيق الإخلاص وبناء روح التقوى في المجتمع الإسلامي، لقد جعل الله المسجد مهوى الأفئدة، وعلق القلوب بها فصارت معمورة بالمصلين مضاءة بإيمانهم قبل صابيحهم وقناديلهم، إنها ملتقى الأفراد والجماعات الحية بروح الإيمان والتقوى، ففيها تتحول جميع مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية إلى عبادة يؤجر عليها المسلم.(15/26)
3- إن المساجد في حقيقتها تمثل مراكز هداية وإشعاع ولذلك يشترط في بنائها الأساس الأعظم المشروط في كل العبادات الأخرى ألا و هو التقوى، فلا يمكن أن تقوم بدوها الإيماني إذا لم تكن قائمة على الإيمان بالله - تعالى -و توحيده والإخلاص في عبوديته.
4- إن لبناء وعمارة المساجد فضل عظيم وأجر جزيل وقد أثنى الله - سبحانه وتعالى - بنفسه ومدح الفئة المحبة لله الصادقة في إيمانها التي تسعى إقامة شعائر الله وجمع شمل الأمة المؤمنة في بيوت الله فقال - تعالى -: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر ِوَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ {18} [سورة التوبة].
والعمارة عمارتان:
أ- عمارة بناء وصيانة وتنظيف وتطهير وتنوير وتطييب، الساعون في ذلك مبشرون بالهداية والمغفرة وبقصور ودور وبيوت في الجنة.
ب- عمارتها بالصلاة والدروس وحلق القرآن وذكر الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمشي إلى المساجد يرفع الدرجات ويحط الخطايا وانتظار الصلاة فيها رباط، والمكث فيها اعتكاف، الحاضرون فيها مألوفون، والغائبون عنها مفقودون محرمون، ألا وإن لكل بيت زينة، وزينة المساجد المصلون؛ هم ضيوف الرحمن مشهود لهم بالإيمان، وحق على المزور أن يكرم من زاره فيها، من أدمن الاختلاف إلى المسجد أصاب أخاً مستفاداً في الله، وعلماً مستظرفا، وكلمة تدعوه إلى الهدى، وكلمة تصرفه عن الردى، ويترك الذنوب حياء وخشية أو نعمة أو رحمة منتظرة".
المساجد حصن حصين من الشيطان، المشاؤون إليها في ظلم الليالي مبشرون بمنابر من نور تام يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزعون".
المساجد منازل السكينة ومجمع الملائكة، المساجد بيوت الله في الأرض، تضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض، فيها تهبط الرحمات، وتتنزل البركات، وتتلى الآيات، وتشرق عليها أنوار رب الأرض والسموات.
إن المساجد في الأمة الإسلامية تمثل المدرسة الأولى التي يتلقى فيها المسلم منذ نعومة أظفاره مبادئ العقيدة والتوحيد والعبادة والعلاقات العامة والتوعية والتربية والتوجيه والنهوض بالفرد وتأسيس الأسرة وتكوين المجتمع المتلاحم في الأمة المؤمنة الواحدة، فكانت بحق أقدس وأطهر وأحب البقاع إلى الله - تعالى - وإلى قلوب المؤمنين، نسأل الله - سبحانه - أن يوفقنا جميعاً لتعظيم شعائر الله والقيام بمهام هذا الإسلام العظيم وأداء رسالة المساجد تأسيساً وبناءً وعمارة والحمد لله رب العالمين.
بتاريخ: 3/12/1425هـ
http://www.aljannahway.com المصدر:
============
مملكة الروح
أ. د. عبد الكريم بكار
أرواحنا وليست عقولنا هي مكمن وجودنا، وهي البعد الأرحب والأعمق في شخصياتنا. في أرواحنا تجتمع الروعة مع الغموض، ومنهما معاً تتولد الحيرة، والعالم حائر في أمر الروح اليوم، وحائر في التعامل معها. وقد مسّ أمة الإسلام في أيامنا هذه شيء من هذا وذاك. ليست مهمة الإيمان مقصورة على رسم الفضاء النظري لمعتقداتنا ورؤانا، وإنما أيضًا منحنا التميز في عالم فقد الإيمان ودخل عالم الشك والضياع. إن الإيمان بالله تعالى- يمنحنا ميزة فورية هي صعوبة سجننا داخل معطيات مادية محدودة. إنه يخرجنا فورًا من العالم المحدود والمحسوس إلى عالم من غير حدود.
وذلك العالم عالم الروح وعالم الغيب. في العالم المادي يشعر الإنسان دائمًا بالانكماش والضعف، ويجد نفسه محاصرًا بالضرورات ومهددًا بنفاد الطاقة. لكن في عالم الروح الأمر مختلف، كل شيء يتمدد، ويتسع، ويكبر؛ فيشعر المؤمن بمدد لم يحسب حسابه يغمر كيانه كله بالنور والحبور.
هدفنا الأعظم نحن المسلمين أن نفوز برضوان الله تعالى-، وهذا الفوز يشكل مرجعية وأولوية بالنسبة إلينا، بمعنى أن الذي يدخل البهجة على نفوسنا، ويغمر أرواحنا بالسرور النقي يجب أن يظل دائمًا في إطار محبوبات الله تبارك وتعالى-، كما أن كل أشكال الارتقاء المادي وكل المغانم والمكاسب التي نحاول الحصول عليها يجب أن تتم داخل ذلك الإطار.
وهذه نقطة مفاصلة بيننا وبين الأمم الأخرى. إن الأمم التي تقود الحضارة اليوم قد أسست منذ مدة لوضعية فيها الكثير من المجافاة للروح؛ حيث الأولوية لرفاهية الجسد، وحيث الحكم لمنتجات العقل ومعطيات الخبرة والممارسة. وليس في إمكان القوم على المدى القريب فعل أفضل من ذلك ما داموا فقدوا المفاهيم والرمزيات التي تجعل استمداد الرؤى من الوحي شيئًا معقولاً أو مقبولاً. إن الإيمان يجعلنا ننظر بجدية إلى أن كل التحسينات التي ندخلها على بيئاتنا وعلى أوضاعنا العامة لا تشكل غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لمساعدتنا على تعميق صلتنا بالله تعالى- وعلى النجاح في الابتلاء الذي كتب علينا في هذه الحياة.(15/27)
إن مما يدعو إلى الأسف أن هذا المعنى المحوري قد لحقه الكثير من الحيف في هذه الأيام؛ حيث تعمل العولمة على إغراق وعينا بجزئيات وفرعيات وتفصيلات لا نهاية لها. ومع أن الاهتمام بالتفاصيل يظل علامة على الارتقاء؛ إلا أن ذلك يجب أن يكون في إطار الأصول والمبادئ الكلية، وإلا تحول إلى عامل يطمس ملامح توجهنا العام، فنفقد الغاية العظمى، وتصبح حركتنا في الحياة أشبه بكوكب فقد مداره. الخلاصة أن مواصفات زماننا التي تزداد رسوخًا وتعميمًا لا تخدم عالم الروح، ولا تلائم متطلبات الإيمان، وهذا يعني أن على المسلم الذي يريد أن يحيا وفق مبادئه وعقيدته أن يعوّد نفسه السباحة ضد التيار، وأن يمتلك طاقة استثنائية على التحمل والممانعة، ولدينا العديد من الآثار التي تدل على ما يلاقيه المتمسك بدينه في زمان كزماننا من عنت ومشقة، كما ورد ما يدل على عظم الأجر وجزالة المكافأة التي أعدها الله تعالى- له.
لا يخفى علينا أننا في عالم يقدّس القوة على حساب الرحمة، ويحتفي بالمادي على حساب المعنوي، وينخرط في العاجل على حساب الآجل، وينظر إلى الطيبة على أنها نوع من السذاجة، وينظر إلى الحديث عن الأخلاق على أنه شيء ينزع إلى المثالية، والمتحدث عنها يستحق شيئًا من الإشفاق!. وفي عالم كهذا تكون الأحاديث حول الرجاء والخوف والمحاسبة والمناجاة والشوق إلى الله تعالى- وتذكر الصراط والميزان والكوثر وشقاء جهنم... شيئاً يدل على العيش خارج العصر وبعيدًا عن دوائر الاهتمام. وهذا بالضبط ما يجعل مملكة الروح تبدو موحشة ومهجورة!.
إن المسلم في هذه الحياة يحتاج إلى أمور كثيرة، لعله يأتي في مقدمتها أمران: رؤية راشد مسددة للواقع بفرصه وإمكاناته وتحدياته... وطاقة تساعده على قطع طريق طويل مملوء بالصعاب والعقبات.
التفكير والتأمل والتثقف والحوار... أمور تساعد على تكوين الرؤى الجيدة. ويبقى علينا أن نتعلم كيف نحصل على مفتاح منجم الطاقة والقدرة المطلوبة.
إن الإيمان بالله تعالى- حين يتجاوز وضعية القناعة العقلية ليصبح مصدرًا للشعور بمعية الله تعالى- والأنس به والتوكل عليه والاستعانة به والثقة بما عنده... فإنه يصبح آنذاك المولّد الأساسي لروح المقاومة وروح المبادرة وروح الاستمرار لدى الإنسان المسلم.
الإيمان حتى يكون كذلك فإنه يحتاج إلى شيء غير الفكر وغير الثقافة، إنه يحتاج إلى التعبد والتنفل والإكثار من ذكر الله تعالى- ومناجاته... ولا ريب أن من يفعل هذا يكون في الأساس قد صار أداء الواجبات وترك المعاصي شيئًا مالوفًا في حياته وموضع التزام صارم.
في هذا الإطار يقدم لنا شهر رمضان المبارك الذي نتفيأ ظلاله هذه الأيام الفرصة الذهبية لاستعادة شيء من أمجاد الروح السليبة. إن الصيام في حد ذاته هو إعلان من المسلم بأنه قادر لمدة شهر كامل أن يفتح قوسًا في سلسلة أنشطة تستهدف خدمة الجسد، وذلك من أجل إنعاش الروح. إن عالم ما بعد الحداثة يدفع بالناس للعيش في وسط مائع خال من القيود وغير محدود بحدود. ويأتي الصوم بحرفية توقيته من الفجر إلى المغرب ليمنح المسلم فرصة التأكيد على أن التدين الصحيح يوفر للمسلم ترياق المناعة ضد موجات التحديث التي تستهدف تفكيك المنظومة الفكرية والخلقية التي تساعدنا على أن نظل بشرًا أسوياء.
إن الاعتكاف قد بات بين السنن التي هجرها كثير من المسلمين مع أنه يوفر فرصة عظيمة لالتقاط الأنفاس اللاهثة خلف مكاسب مؤقتة، كما يوفر فرصة نادرة لإرواء أرواحنا الظامئة وتحريك عواطفنا الجامدة.
إن في إمكاننا أن نتخذ من رمضان مناسبة لمراجعة أحداث عام كامل ومن خلال تلك المراجعة فقد نتمكن من العودة إلى مملكة الروح ومغادرة عالم الوهم والسراب؛ فهل نحن فاعلون؟
http://saaid.net المصدر:
============
امرأة سعودية تسلم على يدها سبع نساء
ذهبت هذه المرأة السعودية بصحبة زوجها إلى أحد المؤتمرات الطبية في أحد المدن الأوربية، ذهبت وهي تعلم أن ربها في السعودية هو ربها في أوربا، وهي تعلم أن هنا رجال وهناك رجال. التزمت بدينها وبتعاليم دينها وانعكس هذا على لباسها، فكان الحجاب الكامل.
نزلت في تلك المدينة بالحجاب الكامل حتى أنه لا ترى – منها - شيئاً. كانت تنتقل مع زوجها بين أورقة المؤتمر وهي سواد لا يعرف ما بداخلها، وكانت الأعين تتفحصها وتود أن تعلم ما هذا حجاب كامل وسط أوروبا؟! شيء لم يألفوه. واجتمعت عليها كثير من النساء الأوربيات وهن بروفسورات قد بلغن من العمر سنيناً وقلن لها - وكانت تجيد اللغة الإنجليزية - "أنك ما لبست هذا الشيء إلا وفيكِ عيب أو وجهك مشوه"، وهذه هي فكرتهم عن الحجاب أنه يخفي القبح داخله.
أخذتهن جانباً وكشفت عن وجهها فإذا هي امرأة كأي امرأة أخرى لا قبح ولا تشويه بل نور إن شاء الله. تحدثت إليهن وشرحت لهن وضع المرأة في الإسلام وعظمة المرأة المسلمة وكم الحجاب يصونها ويحميها وتحدثت عن الإسلام عموماُ، وبعد حوالي ثلث ساعة أعلنت سبع برفسورات منهن الإسلام! ودخلن في الإسلام والسبب هذه المرأة السعودية المسلمة المحافظة على دينها وحجابها...
ياه! سبع بروفسورات في ثلث ساعة فقط! كم نحن مقصرات!؟ هذه المرأة لم تتنكر لدينها ولم ترم الحجاب وتذوب داخل هذه المجتمعات وتصبح رخيصة ذليلة بعد أن أعزها الإسلام.. هذه هي المرأة المسلمة إذا قامت بدورها تقود العالم، امرأة عادية تقود البروفسورات!!!!
وفقكِ الله يا أختي المسلمة وحماكِ ونفع بكِ الإسلام والمسلمين وجعلكِ قدوة لغيركِ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
http://www.gafelh.com المصدر:
=============(15/28)
هكذا علمنا السلف ( 97 )
أصلح ما بينك وبين الله يصلح الله ما بينك وبين الناس
د. يحيى بن إبراهيم اليحيي
عن مجاهد قال : ((إن العبد إذا أقبل على الله - عز وجل - أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه)) (1)
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ - عز وجل - مِنْ حُسْنِ عِبَادَةِ اللَّهِ)).
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَالَ : أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ)).
قبول المحل لما يوضع فيه أن يفرغ من ضده:
قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده، وهذا كما أنه في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات، فإذا كان القلب ممتلئاً بالباطل اعتقاداً ومحبة لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع، كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه إلا إذا فرغ لسانه من النطق بالباطل، وكذلك الجوارح إذا اشتغلت بغير الطاعة لم يمكن شغلها بالطاعة إلا إذا فرغها من ضدها، فكذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته والشوق إليه والأنس به، لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته وحبه والشوق إلى لقائه إلا بتفريغه من تعلقه بغيره.
ولا حركة اللسان بذكره والجوارح بخدمته إلا إذا فرغها من ذكر غيره وخدمته، فإذا امتلأ القلب بالشغل بالمخلوق والعلوم التي لا تنفع لم يبق فيها موضع للشغل بالله ومعرفة أسمائه وصفاته وأحكامه.
وسر ذلك أن إصغاء القلب كإصغاء الأذن، فإذا أصغى إلى غير حديث الله لم يبق فيه إصغاء ولا بفهم لحديثه، كما إذا مال إلى غير محبة الله لم يبق فيه ميل إلى محبته، فإذا نطق القلب بغير ذكره لم يبق فيه محل للنطق بذكره كاللسان، ولهذا في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -أنه قال : ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً)) فبين أن الجوف يمتلئ بالشعر فكذلك يمتلئ بالشبه والشكوك والخيالات والتقديرات التي لا وجود لها، والعلوم التي لا تنفع، والمفاكهات والمضحكات والحكايات، ونحوها، وإذا امتلأ القلب بذلك جاءته حقائق القرآن والعلم الذي به كماله وسعادته، فلم تجد فيه فراغاً لها ولا قبولاً فتعدته وجاوزته إلى محل سواه.
كما إذا بذلت النصيحة لقلب ملآن من ضدها لا منفذ لها فيه فإنه لا يقبلها ولا تلج فيه، لكن تمر مجتازة لا مستوطنة، ولذلك قيل:
نزه فؤادك من سوانا تلقنا *** فجنابنا حل لكل منزه
والصبر طلسم لكنز وصالنا *** من حل ذا الطلسم فاز بكنزه
وبالله التوفيق.
---------------------
[1]كتاب الزهد للإمام أحمد / 524.
http://www.taiba.org المصدر:
=============
من أجل الارتقاء بالعمل الإرشادي في ترسيخ تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف
حوار: حسين عبد عواد
كم هو جميل الجلوس بين يدي العلماء العاملين والفقهاء المحققين، وكم تزدحم الأسئلة والاستفسارات وتجول في الذهن والخاطر حينما تجلس بقرب عالم محقق تجد أنه جدير بأن يجيبك على جميع ما يدور في ذهنك وخلدك، هذا ما لمسناه ووجدناه عندما التقينا وحاورنا الأستاذ الفاضل الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي في جامع العثمان بدمشق الشام، حتى تذكرنا بقول الله تبارك وتعالى: {يَرْفعِ اللَّهُ الَّذِذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ} ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين))...
*وكنا قد سألناه أولاً عن توجه العلماء في سابق العهد بأنهم حينما ينهون دراستهم الجامعية يتوجهون إلى الأزهر الشريف، لماذا هذا التوجه برأيك؟ وهل أن العلم انحصر في الأزهر؟ فقال مجيباً:
- العلم لا ينحصر في الأزهر ولا في غيره من المؤسسات والجامعات في البلاد العربية والإسلامية وإنما باعتبار أن الأزهر من أقدم الجامعات الإسلامية ويتوافر فيه كثرة من العلماء المتخصصين وفيه مجالات متعددة للدراسة وتيسير الأمور فيه أكثر من غيره فيقبل الناس على الأزهر الشريف لتحقيق أهدافهم ونيل العلوم من علمائه وهذا السبب في اتجاه الناس نحو مصر والأزهر.
* في إطار التحقيق العلمي يمتاز أسلوبكم بقوة العبارة وسرعة الإشارة من أين جاءكم هذا الأسلوب؟
- حينما كنت طالباً كنت أحس بصعوبة شديدة في فهم مختلف العلوم الإسلامية في إطار العقيدة أو التفسير أو الحديث أو الفقه أو في غير ذلك من العلوم فعاهدت نفسي أن أذلل المشكلات العلمية أمام الطلاب ومتوسطي الثقافة وعكفت على هذا وبذلت كل جهد ممكن بالإضافة إلى ما كونت به نفسي من اطلاع واسع واختيار العبارات الملائمة وأيضاً الممارسة العلمية للتدريس في الجامعة وغيرها كل ذلك جعلني اتجه إلى هذا النوع من الأسلوب الذي ولله الحمد يتقبله الناس ولاسيما ونحن في عصر السرعة وفي المجال الذي لم يعد هناك إمكان لترك الناس يتيهون في خضم المعلومات والتأملات وغير ذلك ووفقني الله لهذا النوع من الأسلوب.
* عملتم في الدعوة إلى الله سنين عديدة ما هي صفات الداعية الناجح في نظركم؟
- الداعية الناجح يجب أن تتوفر فيه أولاً الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة في الالتزام بأحكام شرع الله ودينه وفي صلته الوثقى بالله - سبحانه وتعالى - في محبة النبي الأعظم وفي سنته وسيرته الشريفة هذا أول شرط في نجاح الداعية.
ثم في الأمر الثاني لابدَّ أن يكون للداعية نفسه تكويناً قوياً وأصيلاً ويطلع على الثقافات المختلفة سواء الإسلامية وغيرها ليخاطب الناس بأسلوب العصر.(15/29)
ثالثاً - لابدَّ من الإخلاص في العمل لله جل جلاله وخصوصاً في مجال الدعوة لأن الكلام إذا خرج من القلب دخل إلى القلب وإذا كان تجارة بلسان لا يتجاوز الأذان فالإخلاص بالعمل شرط أساسياً لنجاح الداعية.
رابعاً - لابدَّ من الصبر على المهمة وتحمل المشاق فقد كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والرسل العظام وبخاصة سيدنا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - يتعرضون لأنواع الأذى والمضايقة والتهديد بالقتل فما ثناهم ذلك كله عن متابعة مهامهم والقيام بواجباتهم حتى ظهر أمر الله وانتشر الدين بفضل هذه الجهود والتضحيات التي علمنا إياها الأنبياء الكرام هذا أهم العناصر التي ينبغي أن ينتصر بها الداعية.
* في إطار الصحوة الإسلامية اليوم هل يرى العلامة الزحيلي أن الصحوة الإسلامية تسير على الطريق المستقيم الذي رسمه الشرع الحنيف مع شدة الصراع بين الأديان والحضارات خاصة وأن الإسلام يتعرض لهجمة شرسة؟
- لاشك أن الصحوة الإسلامية ظاهرة طيبة في الثلاثين السنة الأخيرة وتعد حركة مباركة، ولكن هذه الصحوة تحتاج إلى ترشيد وإلى توجيه وإلى الالتزام بأقوال العلماء وقبول النصح منهم فتولى الصحوة الإسلامية مع الأسف الشديد أناس يقتصر جهدهم على مجرد العاطفة الإسلامية وإذكائها في النفوس والحماس ودفع الناس إلى العمل بالإسلام دون أن يسلح الناس بالعلوم والمعارف التي يستفيدون منها وفي خارج الدروس والمحاضرات والمواعظ والخطب، فلذلك هذه الدعوة أو هذه الصحوة أصيبت بانتكاسة شديدة ولاسيما الدول التي ظهرت فيها تعرضوا لها بالبطش والثأر والسجن والقتل وغير ذلك من ألوان الصد عن دعوتهم، فلابدَّ من أن نعيد حساباتنا ونضع خطة استراتيجية ومناسبة للعمل في ضوء الظروف التي نعيشها كل ذلك يجعلنا من الضروري أن نفكر نحن العلماء تفكيراً جدياً في توجيه الصحوة توجيهاً مباركاً وخصوصاً أن التحديات كثيرة والظروف قاسية والاتهامات متعددة، فلابدَّ أن نقابل ذلك بمستوى علمي رصين وبكفاءة عالية لنقف أمام هذا التيار الخطير الذي يواجه الإسلام لأن الأعداء عندهم إمكانات ضخمة ونحن مع الأسف الشديد لا توجد لنا مؤازرة من حكوماتنا ودولنا فبقي الجهد فردياً ومتروكاً لبعض المؤسسات والجمعيات وهذا ينقصه كثير من الجهود ومن الدعم والمؤازرة المادية والمعنوية حتى ننجح في هذا السبيل، على العكس مما يجد أولئك المبشرون دعماً قوياً من حكوماتهم ولذلك يحاولون تنصير الناس في إفريقية وفي جنوب شرق آسية وغير ذلك، ونحن لا نجد عون إلا من الله - سبحانه وتعالى -، والقضية تحتاج إلى دراسة وتفكير وتخطيط ووعي وأن نكون على مستوى الأحداث لا أن نعيش في جانب التاريخ وننسى ظروف العصر.
* هل الإسلام ملاذ لكل الجماعات الإسلامية من خلال نظرتكم العلمية؟
- الإسلام هو الأمل الوحيد وهو طريق الإنقاذ والنجاة أمام جميع العالم وبخاصة المسلمين فلا طريق لحل المشكلات التي نتعرض لها والهجمات الحالكة والمضايقات والتعدي على حقوقنا وبلادنا وأراضينا ومحاولة تدمير وجودنا وعقائدنا ومقدساتنا والأصل في مناهجنا ودراستنا كل ذلك لابدَّ أن نقف وقفة مناسبة لمثل هذه الأوضاع وأن يكون حصادنا أفضل مما قمنا به في الماضي.
* التكتلات والجماعات الإسلامية ظاهرة انتشرت في العراق، ما هو رأيكم في ذلك؟
- هذه التكتلات لابدَّ لكي تنجح أن ينظم بعضها إلى بعض وأن يتعاونوا من أجل خط واحد وهو مقاومة الأعداء والغاصبين والمحتلين لأنه - سبحانه وتعالى - أمرنا دائماً بالعمل الجماعي، وأما العمل الفردي فهو أشبه بقول النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -: ((يد الله مع الجماعة وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)) وهذه الجماعات يجب أن يتناسى زعمائها حظوظهم وأهوائهم وتكتلاتهم وأن يعملوا أولاً في خط واحد وفي خندق واحد، وأن يكون بينهم جسر للتعاون والتضامن ليكونوا قوة واحدة أما الأعداء.
* كتابكم الفقه الإسلامي وأدلته موسوعة الفقه في العصر الحديث التي نالت إعجاب كل الناس أين هذه الموسوعة من قلب العلامة الزحيلي، وما هي الطريقة التي اتبعتها في تأليفه؟(15/30)
- هذه الموسوعة ولله الحمد التي طبع منها إلى الآن أكثر من (25) طبعة في البلاد عدا المطبوع منها في اللغات الأجنبية، فطبع مثلاً ترجمتها في تركية ووزعوا منها في بعض السنوات دفعة واحدة مجاناً (350.000) نسخة لكل أنحاء تركية للمشتركين في جريدة الزمان وجاءهم كما قالوا لي بالحرف الواحد جاءنا ببركة هذا الكتاب الموضوعي والحيادي والمتجرد والذي أخفيت فيه كل حظوظ النفس وعملت بإخلاص في السحر وفي كل الأوقات أن ينال القبول من المسلمين، وتحقق هذا الأمل ولله الحمد واستفاد منه الكثيرون ولم أدخل بلداً إلا ويقابلني الكثيرون بأنهم تلاميذ لي من طريق هذا الكتاب وكنت أشعر بالراحة العظمى وبالفضل الكبير حينما يقول الواحد منهم جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، فاعتقد أن هذا الكتاب استطاع أن يقتلع من أذهان الناس أن الفقه الإسلامي وأن الشريعة الإسلامية غير صالحين للتطبيق في الزمان والمكان، فأسلوبه الواضح وحيادته واعتماده على الدليل ومعاصرته للأحداث كل ذلك اكسب هذا الكتاب قبولاً ولله الحمد، يجد كل إنسان فهي ضالته لاسيما في فهرسته الألف البائية في آخر الأجزاء. فهذا الكتاب لاشك أنه يحتل محل القيمة العليا في نفسي هو وكتابي (التفسير المنير) ولله الحمد، هذان كتابان كما يقول الكثيرون: كتاب الفقه الإسلامي هو المغني في كل بيت، وأيضاً كتابي التفسير المنير الذي حصلت عليه جائزة لأفضل كتاب في العالم الإسلامي عام 1995 من إيران في عهد الرئيس رفنسجاني. هذان الكتابان إن وجدا في كل بيت يكاد يغنيان أهل البيت عن أي شيء يريدونه للتعرف على معالم الإسلام وأفكاره وتوجهاته وأحكام شرائعه وصلة المسلم بكتاب الله وبهذا الفقه المستمد من المصادر الشرعية المعتمدة في هذه الشريعة.
* ما هي آخر إنتاجاتكم العلمية؟
- الحمد لله كتبي كثيرة وصلت إلى أكثر من (55) مؤلفاً والبحوث المقدمة للمؤتمرات الدولية أكثر من (130) بحثاً والمقالات والبحوث المنشورة في المجلات أكثر من (350) فبلغ المجموع أكثر من (500) آخرها صدر لي (المعاملات المالية المعاصرة) لأن أكثر الناس لا يعرفون حكم هذه المعاملات لأنه كما قلت لكم لابدَّ أن نعيش عصرنا وأن نبين للناس أحكام التعامل مع البنوك الإسلامية وغيرها. أيضاً صدر لي كتاب (فتاوى معاصرة) وصدر لي كتاب أخيراً (أخلاق المسلم) طبع منه جزءان الجزء الأول علاقة الإنسان بالخالق والجزء الثاني علاقة الإنسان بالمجتمع والجزء الثالث يطبع الآن علاقة الإنسان بالكون وبالنفس الإنسانية، فهذه الكتب إن شاء الله سددت فراغاً وحققت مطامح الكثير من الشبان في التعرف على أشياء وأخلاق وآداب الإسلام وأصول الإسلام.
* ماذا توصي العراقيين في هذه المرحلة؟
- العراق يحز وطأها في نفسي ويكاد السيف يقطع كبدي وقلبي ويدمي نفسي لأننا وقعنا في مأساة أخرى مأساة في الشق وهي العراق ومأساة في الوسط وهي فلسطين ومأساة سابقة وهي ضياع الأندلس. فالعراقيون الآن أنا أحيي جهودهم وكفاحهم وأدعو الله لهم بأن يسدد خطاهم وأن ينصرهم على أعدائهم، صحيح أن كل عمل في الدفاع عن الأوطان والحرمات والمقدسات يتطلب تضحيات جسيمة من قتلى وأموال وغير ذلك، لكن أقول أن موقف العراقيين موقف مشرف كموقف إخواننا في فلسطين موقف عزيز وكريم وشريف ولولا هذه المقاومة بعد فشل الجيوش العربية والإسلامية وفشل كل الأنظمة الرسمية لم يبق أمل في التعبير عن عزة المسلم إلا جهود المقاومة سواء في العراق أو في فلسطين أو في غيرهما، وهذا هو الذي أضاء للناس طريق النور وجعل الأمل قوياً في انتصاراتنا على أعدائنا بعد أن فشلت منظماتنا وجيوشنا ومؤسساتنا الرسمية.
* كيف نوظف الإعلام في خدمة الإسلام والمسلمين؟
- مما لا شك فيه أن الإعلام أصبح يعبر عنه بأنه السلطة الرابعة في كل الدول، وأصبح الإعلام منه الصحيح ومنه الكاذب بوجه سياسات الدول ويحتضنه رجال الأمن والمخابرات، فنحن بأشد الحاجة إلى أن يكون الإعلام إسلامي موحد وقناة فضائية واحدة وصحف ومجلات واحدة وأن يكون لنا صوت إسلامي متميز وقرار واحد في الأحداث حتى نعبر عن ثباتنا وتطلعاتنا أمام العالم الآخر لأن مشكلتنا الآن مشكلة التفرقة والتجزئة والتشرذم والشتات وأن الغربيين إلى الآن حينما يكون هناك جاليات في الغرب كما شكوا لي أنه يطالبون المسلمين بأن يعبروا عن رأي واحد فلا يتمكنوا من هذا التعبير فهذا مما يحز في النفوس ويؤسفنا أنه لا يوجد لنا قرار واحد ولا توجه واحد.
فالإعلام الإسلامي هو الكفيل بأن يوحد هذه الجهود ويوجهها توجيهاً صحيحاً وموحداً ليعبر عن حقيقة الإسلام وتطلعاته وصفاته ونقاءه دون أن يتعثر بهذه الاتهامات الباطلة التي يتورط بها بعض الشبان زاعمين أنهم ينشرون الإسلام وهم في هذا يهدمون قيم الإسلام وأحكام وشرفه وعزته وأصوله.
* في العراق انتشرت ظاهرة تعريف قوائم بأسماء العملاء والجواسيس وهي قوائم غير صحيحة في أحيان كثيرة وقد يكون فيها خلط ولبس مما يترتب عليه قتل بعضهم بلا ذنب، ما هو حكم الإسلام فيها؟(15/31)
- الله - سبحانه وتعالى - يقول: {إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ}. فينبغي أن نحذر الفتنة والعراق من قديم الزمان إلى الآن هو ميدان للفتن الكثيرة، يجب أن نأخذ درساً من الماضي ودرساً من الحاضر وخصوصاً أن بعض هذه القوائم كاذبة، فعلى الناس أن يحذروا مثل هذه الأخبار الملفقة والدعايات المغرضة وإيقاع الفتنة بين صفوف المسلمين فمثل هذا كله يعد إضعافاً للصف الإسلامي ومحاولة لتصفية جهود المسلمين وعرقلة مسيرتهم فكل ذلك ينبغي أن نأخذ منه الدروس والعبر وأن نعمل عملاً يعتمد على الفطنة والحكمة والإخلاص والأعراض عن هذه الأقاويل والإشاعات الباطلة والأخبار الملفقة والكاذبة فهذا هو شأن المسلم وهو من أصول هذا الدين.
* ما حكم القاتل والمقتول الذي هو بريء؟
هؤلاء القتلة لاشك أنهم مقصرون متورطون في هذه الأحداث وكل شيء يتم دون ودون عمل كما قلت لك بمضمون هذه الآية: {إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ} لاشك أن من يتورط في هذه يكون مسؤولاً أمام الله - سبحانه - ومقصراً في الأخذ بالاحيتاطات اللازمة التي يطالبنا بها ديننا وشرعنا وأن لا يتورط بمجرد الإشاعات.
* وهل يقتص من القاتل؟
- لاشك شرعاً إذا أثبت أنه مقصر في البحث يقتص من القاتل لكن الذي يقتص ليس فئة أخرى لأنكم الآن في العراق لا يوجد نظام حكم واحد، الدولة هي التي تتولى هذا وليس الجماعات يقتض بعهم بعض وإلا وقعنا في فتنة جديدة.
* يعني إلى حين تكوين الدولة الجديدة؟
- نعم إلى حين تكوين دولة نقية وجديدة وتتحمل المسؤولية يحق شرعاً فعلاً الاقتصاد من هؤلاء القتلة الذين تورطوا بقتل غير مشروع، ولاشك أن المقتول شهيد، لأنه بريء والمسؤول هو القاتل لأنه لم تثبت.
أ د:وهبة الزحيلي.
عميد كلية الشريعة ورئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه سابقاً.
http://www.zuhayli.net المصدر:
============
مضى عهد النوم
حينما أسدل الليل خيوط السواد وكسي الأرض بنسيجه بهيماً قاتماً كان بدر الدجى ومنار الهدى الإمام المصطفى ورسولنا المجتبى عليه أفضل صلاةٍ وأتم تسليم..
قد تملكت قلبه الرهبة حين تنزلت عليه آياتٍ محكمات يقول المولى جل وعلى فيها (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا..)
حينها كان عائداً لخير زوجاته خديجة المرضية وهو يردد (زملوني .. زملوني .. ) فبدأت تهدأ من روعه وتدعوه ليطمئن وينام.. فكان الرسول - عليه الصلاة والسلام - يجيبها قائلا... (مضى عهد النوم يا خديجة)..
ذاك خير الأنام يأمره الله - تعالى -بإحياء الليل والقيام فصلوات الله عليه وسلامه حين أذعن لأمر مولاه وأجاب أمره وسعى لرضاه.. فكَانَ - صلى الله عليه وسلم - مُمْتَثِلا مَا أَمَرَهُ اللَّه - تعالى - بِهِ مِنْ قِيَام اللَّيْل وَقَدْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَحْده كَمَا قَالَ - تعالى -. " وَمِنْ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَة لَك عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا "
لقد كان نبينا قمر الليل ورهبانه لا ينام الا قليل وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر..
وكان هدي أصحابه كذاك إحياء الليل وقيامه رغبةً لله ورهبة ورجاءً لما عنده..
{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون} يَعْنِي ذَلِكَ قِيَام اللَّيْل وَتَرْك النَّوْم وَالاضْطِجَاع عَلَى الْفُرُش الْوَطِيئَة قَالَ مُجَاهِد وَالْحَسَن فِي قَوْله - تعالى -" تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِع " يَعْنِي بِذَلِكَ قِيَام اللَّيْل، وَعَنْ أَنَس هُوَ الصَّلاة بَيْن الْعِشَاءَيْنِ.
ومن أبواب فضل القيام ما روي عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل أَنَّ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ "ألا أَدُلّك عَلَى أَبْوَاب الْخَيْر؟ الصَّوْم جُنَّة وَالصَّدَقَة تَكُفّ الْخَطِيئَة وَقِيَام الْعَبْد فِي جَوْف اللَّيْل " وَتَلا هَذِهِ الآيَة " تَتَجَافَى جُنُوبهمْ عَنْ الْمَضَاجِع يَدْعُونَ رَبّهمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ "
وعَنْ أَسْمَاء بِنْت يَزِيد قَالَتْ قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -" إِذَا جَمَعَ اللَّه الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْم الْقِيَامَة جَاءَ مُنَادٍ فَنَادَى بِصَوْتٍ يُسْمِع الْخَلائِق سَيَعْلَمُ أَهْل الْجَمْع الْيَوْم مَنْ أَوْلَى بِالْكَرَمِ ثُمَّ يَرْجِع فَيُنَادِي لِيَقُمْ الَّذِينَ كَانَتْ " تَتَجَافَى جُنُوبهمْ عَنْ الْمَضَاجِع" الآيَة - فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيل ".
أيها الفضلاء.. تلك هي الحياة النقية والسعادة الدنيوية والعيشة الهنية.. !
تلك الحياة السوداء في ظلمة الليل حين يهجع الأنام فتنفرد لله الواحد المتعال رافعاً يديك مبتهلاً لرب الجلال
فتشعر بوميض النور وضوئه يشع في حناياك.. حينها... تستعذب ظلمة الليل وعتمته..(15/32)
وإن تبتلت إلى الله وأعلنت ضعفك وعجزك وتقصيرك وحاجتك إليه وجدت بابه مفتوح وعطائه ممنوح فإن ذقت حلاوة الإستجابة فزد وإن لم تجرب فجرب.. فالله - تعالى - أمر عباده بالدعاء ووعدهم بالإجابة.. {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} فهذا من فضل الله - تعالى -وكرمه حين أنَدَبَ عِبَاده إِلَى دُعَائِهِ وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِا الإِجَابَةِ.. كَمَا كَانَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ يَقُول يَا مَنْ أَحَبُّ عِبَادِهِ إِلَيْهِ مَنْ سَأَلَهُ فَأَكْثَرَ سُؤَالَهُ وَيَا مَنْ أَبْغَضُ عِبَاده إِلَيْهِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَلَيْسَ أَحَد كَذَلِكَ غَيْرك يَا رَبِّ...
وَفِي هَذَا الْمَعْنَى يَقُول الشَّاعِر :
اللَّه يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْت سُؤَالَهُ *** وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ
فيا كل عبد مذنب ابشر فإن الله - تعالى - يفرح بتوبتك..
أيها المحزون والمهموم أبشر فالله - تعالى - ينتظر التجائك وابتهالك حتى يكفيك محنتك..
أيها المريض أبشر بالشفاء فالعافية بيد الله فقط ارفع يديك واطلب العافية منه..
أيها المسلمون أجمع أبشروا بالنصر فإن الله - تعالى - وعدكم بالنصر المؤزر فلترفعوا أكف الضراعة حتى يرفع الله عنا السوء ويؤيدنا بقوته وعزته..
لبست ثوب الرجاْ والناس قد رقدوا وقمت أشكوا إلى مولاي ما أجدُ
وقلت يا عدتي في كل نائبةٍ ومن عليه لكشف الضر أعتمدُ
أشكوا إليكَ أموراً أنت تعلمها مالي على حملها صبرٌ ولا جلدُ
وقد مددت يدي بالذل معترفاً إليك يا خير من مدت إليه يدُ
فلا تردنها يا ربي خائفةً فبحر جودك يروي كل مَن يردُ
***
وبعد أيها الأحبة ألا يحق لنا هذا الخطاب.. فنردد وندوي في كل الأكوان.. مضى عهد النوم أيها المسلمون.. مضى عهد النوم أيها المؤمنون..
**
أيها الكرام.. هذي بعض الخلجات والنفحات وددت أن أنفع بها نفسي وإياكم فلا تنسوني من خالص دعواتكم عل الله يغفر لي وإياكم ويبلغنا شهره الكريم..
7-8-1425 هـ
http://www.hawahome.com المصدر:
============
كنا أربعة واليوم صرنا ( 45 ) دانمركية مسلمة
نشأت في مدينة " أهوش " الدانمركية لأبوين نصرانيين.
درست في طفولتي الإنجيل الذي لم يجب عن تساؤلات ظلت تدور في عقلي.
كنت أبحث عن الدين الحق، وكنت أحب القراءة في مجال الأديان.
تزوجت شابا دانمركيا يعمل مصمما للملابس، وكنت أقوم بعرض للأزياء.
أنجبت من زوجي ثلاثة أطفال قبل أن أنفصل عنه.
رحت أبحث عن الدين الحق، واطلعت على ترجمات للقرآن الكريم كانت محرفة وتحوي على العديد من الأفكار القاديانية.
التقيت مسلمين أتراكا وباكستانيين، لكن صورة الإسلام عندهم لم تكن واضحة مثل معظم المسلمين المغتربين.
لم ترضني هذه الصورة للإسلام فبدأت أتردد على المكتبات أبحث عن الكتب الإسلامية المترجمة.
تعرفت على محاسب مصري يعمل في الدانمرك، وكان داعية، فحدثني عن الإسلام وقدم لي صورته الصحيحة.
حين كان يحدثني عن الإسلام ويذكر لي أن الله يغفر الذنوب جميعا عدا الشرك به كنت أبكي.
أعلنت إسلامي وتزوجت من الشاب الداعية، واسمه محمد فهيم، وصرت أقف معه أصلي مثله.
علمني زوجي الإسلام لتبدأ رحلتي بعد ذلك في الدعوة.
أسلم أبنائي الثلاثة (خالد ويعقوب وأمينة)، وأمي، وجدتي لأبدأ بعدها بالتحرك خارج نطاق أسرتي.
معظم الدانمركيين لا يعرفون الإسلام حقا ويجهلون تعاليمه، فبدأت مع ثلاث أخوات دانمركيات مسلمات باستئجار غرفة صغيرة تابعة لمسجد في أحد المنازل، ونشرنا إعلانات في الصحف، وتجولنا بأنفسنا نوزع على الناس إعلانا يقول : " إذا أردت الحصول على إجابة منطقية وسليمة عن أسئلتك في العقيدة، وإذا أردت معرفة الحقيقة..فاتصل بالمسلمات الدانمركيات ".
قمنا بجولات في المدارس الدانمركية للتعريف بالإسلام، وقمنا ببث برامج إذاعية عن الإسلام في الإذاعة المحلية.
أنشأنا مدرسة وحضانة إسلاميتين للحفاظ على أطفال المسلمين.
في الدانمارك حرية نستفيد منها لخدمة الدين الإسلامي.
أهم معوقاتنا ندرة المال، واختلاف بعض المسلمين فيما بينهم.
بعد إعلاننا عن دعوتنا اتصل بنا بعض القساوسة وقالوا لنا: " إننا نريد أن ننقذكن من النار، ونحن نشعر بالأسى عليكن "، وحاولوا رد بعض المسلمات عن دينهن، لكننا قلنا لهم : " سنرى يوم القيامة من سيشعر بالأسى؟ ".
الحمد لله، بعد أن كنا أربع مسلمات صرنا الآن 45 مسلمة دانمركية.
قيمة المرأة في الغرب بقدر جمالها وأنوثتها..
فلا قيمة لها عند الرجل وفي المجتمع إذا فقدت هذين الشيئين.
حالات الطلاق كثيرة جدا، والمرأة هنا ضعيفة من داخلها، ولا تجد أسرة تلجأ إليها، ولا كياناً تحتمي به وقت الشدة، ولذا فهي تلجأ إلى الأطباء النفسانيين والحبوب المهدئة.
30/11/1425هـ
http://www.aljannahway.com المصدر:
============
الجوانب الدعوية في حياة المجدد
محمد بن عبد العزيز الخضيري
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين، وبعد:
إن من القضايا المغفلة في حياة شيخ الإسلام الإمام المجدد : محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - دراسة الجوانب الدعوية في حياة الشيخ ودعوته إذ كان التركيز في غالب ما كتب عنه منصباً على حياته وحقيقة دعوته ومؤلفاته ورسائله وأثر دعوته على الأمة جمعاء وعلى من جاؤوا بعده من أهل الإصلاح خاصة.(15/33)
ولم تستوف بعد الجوانب الدعوية في حياته، بحيث تكون هناك دراسات حول دعوة الشيخ وأساليبه الدعوية ومقومات نجاح الدعوة، وصفات الشيخ الدعوية، وسمات دعوته، وقد عثرت على بعض الدراسات لكنها قليلة من جهة أو قد اقتصرت على جانب ولم تشتمل على الجوانب كلها، ولا يفوتني في هذا المقام الإشادة بالرسالة الماتعة التي كتبها الشيخ عبد المحسن الباز وفقه الله، وعنوانها (رسائل الإمام محمد بن عبد الوهاب الشخصية دراسة دعوية)، فقد أجاد فيها وأفاد، وأبدع في إبراز الجانب الدعوي في رسائل الشيخ، لكن بقيت بقية الجوانب والأبعاد الدعوية في حاجة إلى دراسات مماثلة والميدان شحيح والحاجة ماسة.
والذي يدعونا إلى طرق هذا الجانب عدة أسباب:
1- حاجة الدعاة إلى رؤية تجارب دعوية ناجحة.
2- إن دعوة الشيخ تعد قريبة نسبياً من واقعنا الذي نعيشه.
3- إن دعوة الشيخ كتب لها النجاح، وحققت ما أخفقت في تحقيقه كثير من الدعوات.
4- كون الشيخ ممن جمعوا بين العلم والدعوة والعمل.
5- حرص الشيخ على اتباع السلف وإحياء السنن، فالدعوة تكون أقل عثاراً، وأفضل في جانب الاقتداء.
وبما أن الحديث عن الجوانب الدعوية في حياة المجدد طويل لا تكفيه مقالة ولا محاضرة فإني سأكتفي هنا بذكر أهم ما يتعلق بالموضوع في نقاط مختصرة إيقاظاً وتنبيهاً، ولعل الله ييسر الكتابة حول هذا الموضوع بتفصيل وبيان، والله الموفق والمعين.
1- الاتصال بولاة الأمر ودعوتهم:
منذ بدأ الشيخ دعوته في العيينة لم يجعل بينه وبين الأمراء حاجزاً يمنعه من الوصول إليهم وتبليغهم دين الله، وقد حصل الشيخ مراده عندما استجاب له أمير العيينة عثمان بن معمر، ولما تغير عليه، انتقل الشيخ بدعوته إلى أمير الدرعية محمد بن سعود الذي وفقه الله لقبول هذه الدعوة وحماية قائدها.
2- توزيع المسؤوليات:
لم يستأثر الشيخ في إدارة الدعوة بجميع الأدوار لمعرفته بأن الدعوة جهد جماعي يجب أن تتضافر فيه الجهود ويجتمع على القيام به ذوو التخصصات المختلفة، ولذا كان الشيخ يرسل بعض طلابه إلى أهل المناطق لتعليمهم أو لمناظرة المخالفين، كما أرسل مجموعة من الطلبة ليقوموا بدعوة بعض المخالفين ومذاكرته وتوضيح التوحيد له، وكان يعين الأمراء، ويدعو الوفود للالتقاء بهم وتذكيرهم بواجبهم.
3- تنظيم الأوقات:
كانت دعوة الشيخ وحياته تسير بانضباط لتحقيق أقصى الثمرات بأقل جهد ووقت ممكن، ولذا كان الشيخ ينظم أوقاته بين إلقاء الدروس والتأليف ومراسلة السائلين وكتابة الفتاوى وفي الليل كان هناك وقت للعبادة والتهجد.
4- التدرج في الدعوة والإنكار:
لا يخفى أن قبول الناس لأي دعوة لا يمكن أن يتم دفعة واحدة، بل يؤخذ جرعات حتى يستسيغ الناس ذلك ويقبلوه، وهذا مما طبعت عليه النفوس لا يشذ عنه إلا نزر يسير من البشر، ولذا كان الشيخ يكتفي بالإنكار على الناس عندما يراهم حول قبة زيد بن الخطاب بقوله: الله خير من زيد، ولكنه - رحمه الله - لما وجد قبولاً من أمير العيينة شجعه ذلك على أن ينكر على أهل القبور شركهم وبدعهم باليد بعد أن أخذ الإذن من عثمان بن معمر بهدمها، بل إنه أصر على أن يصحبه الأمير عثمان بنفسه لهدمها.
5- التخطيط للدعوة:
التخطيط لأي أمر جوهر النجاح له، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطط لدعوته ونشر دين الله في الأرض وعلى منهجه سار المصلحون في الأرض، لقد كان الشيخ المجدد يخطط للدعوة بطريقة فذة، ويظهر ذلك في ميادين كثيرة، منها: أنه لما أراد قطع شجرة الذيب خرج إليها بنفسه سراً يريد قطعها، إذ إن قطعها علانية له آثار سلبية على الدعوة والداعية لا تحمد عقباها، ومنها: مراعاة أحوال المدعوين، فللعامة كتب ورسائل وللعلماء وطلبة العلم كتب أخرى مناسبة لهم.
6- مشاركته الفاعلة في أمور الدولة:
لم يكن الشيخ أستاذاً في جامعة أو محاضراً في مسجد أو داعية بين الجمهور فقط، بل كان - رحمه الله - يمارس الإصلاح الاجتماعي، والتوجيه السياسي، والإدارة بكل صورها وأبعادها، لقد كان - رحمه الله - يعين الأمراء أحياناً، وربما ذهب بنفسه لحل بعض المشاكل في المناطق المجاورة، ويتولى قسمة الأموال ويختار القضاة ويرسل الدعاة.
7- توظيف التأليف لخدمة الدعوة:
تكاد تكون مؤلفات الشيخ كلها في خدمة دعوته ولم تكن بمنأى عنها، وما كان الشيخ يكتب ويؤلف ترفاً فكرياً أو ليثري المكتبة الإسلامية أو ليزيد من أعداد المؤلفات، لكنه كان يؤلف ليدعو ويصلح، وتكون مؤلفاته رافداً عظيماً من روافد انتشار الدعوة، ولذا كتب لتلك المؤلفات البقاء، وسارت مسير الشمس، وشرقت بها الركبان وغربت، وكثرت شروحها، وعظم انتفاع الخلق بها، ولم تقتصر مؤلفاته على التأصيل لجوانب علمية بحتة لا يفهمها إلا طلاب العلم وشراة المعرفة، بل كتب حتى لعامة الناس وخطباء المساجد ومصلحي المدارس.
8- محو الأمية الدينية:(15/34)
جاء الشيخ في وقت تكاد معالم الإسلام فيه أن تندرس، وحل بالمسلمين زمان عاد فيه كثير منهم إلى أفعال الجاهلية، ونسيت معالم الدين وأركانه، فقام الشيخ - رحمه الله - بجهد عظيم في هذا الباب قل من يتفطن له من الدعاة، وهو محو الأمية الدينية في المجتمع، وكان هذا المشروع الجبار من أبرز مشاريع الشيخ العملية، حيث كتب الشيخ بعض مؤلفاته لخدمة هذا الجانب كالأصول الثلاثة والقواعد الأربع، وتلقين أصول العقيدة للعامة، وثلاث مسائل يجب تعلمها على كل مسلم ومسلمة؛ لتدرس للعامة من رجال ونساء وبادية وحاضرة، وتقرأ عليهم في مساجدهم، ويرددها الدعاة والأئمة عليهم صباح مساء، ويطالبونهم بحفظها كل يوم بعد صلاة الفجر، حتى صار العامة من أتباع الشيخ خيراً من بعض العلماء في مناطق أخرى لمعرفتهم بأصول الدين وحفظهم لها واستمساكهم بها وإدراكهم التام لها.
9 - المراسلة:
كان الشيخ يراسل المدعوين، سواء كانوا من طبقة العلماء أو طلاب العلم أو الأمراء والأعيان أو عموم الناس، وكان الشيخ يدرك ما لهذه الوسيلة من أثر بالغ في مخاطبة المدعو والوصول إلى عقله وقلبه، وتحريك عوامل التأثر في نفسه، وكانت أحياناً جواباً لخطاب أرسل إليه، أو دفعاً لشبهة، أو حلاً لمعضلة، أو دعوة مباشرة، أو إيضاحاً لحقيقة ما يدعو إليه وإزالة الغبش الذي يطرح حوله، وغالب تلك الرسائل كان بعد المعاهدة المشهورة التي وقعت بينه وبين الإمام محمد بن سعود، وكان - رحمه الله - يطلب أحياناً من بعض الشخصيات المهمة التعليق على رسائله أو تقريظها ليكون سبباً لقبولها، وكان يأمر بنسخ بعض رسائله المهمة لتبعث إلى الأقطار لقراءتها على الناس، وقد أفاض الأستاذ عبد المحسن الباز في رسالته الآنفة الذكر في هذا الجانب بما لا مزيد عليه، وقد بلغت رسائل الإمام الشخصية ستاً وستين رسالة ضمنها الكثير من الأساليب والمضامين الدعوية المهمة.
10- الدعوة الفردية:
وهي الدعوة الموجهة إلى فرد بعينه يستعمل فيها الداعية عدداً من الأساليب والوسائل للتأثير عليه، وهذا النوع من الدعوات من أنفع الأساليب في التأثير على المدعوين وكسبهم وإقناعهم وإزالة الحواجز الوهمية بينهم وبين الداعية، وتحتاج من الداعية إلى مخالطة المدعو والتعرف على أحواله وأخلاقه، وقد كان المجدد - رحمه الله - يمارس هذا الدور بقوة وكسب عن طريقه أنصاراً كان لهم أعظم الأثر في نشر الدعوة، ومن ذلك:
لما قام الشيخ بترك حريملاء قاصداً العيينة نزل على أميرها عثمان بن معمر، وعرض عليه دعوته ونصرته، ووعده بالعز والتمكين إن هو نصر دين الله، وقَبِل ابن معمر ذلك ونصر الدعوة إلا أن تهديدات أمير الأحساء خوفته، ولذا قام الإمام بزيارة ابن معمر ووعظه وذكره بالله، ودعا مرة أحد المدعوين لزيارته، وأخبره أن الأمر إن كان شاقاً عليه فإن الإمام سيتوجه إليه ويزوره بنفسه، بل كان - رحمه الله - يدعو مخالفيه إلى الجلوس معه للمناقشة وإزالة الإشكال.
ولا يخفى أن كثيراً من الوسائل تبقى صامتة تخاطب عقل المدعو دون أن تحرك عواطفه وحواسه ولا يتعرف المدعو على الداعية إلا من جانب واحد لكن عبر اللقاء تزول كثير من الأوهام ويتعرف المدعو بحواسه كلها سمعه وبصره وفكره وقلبه على الداعية، وهذا أبلغ في التأثير وأوقع في النفس ولذا لما أطال في إحدى رسائله إلى عبد الله بن عيسى وابنه عبد الوهاب اعتذر عن الإطالة خوفاً مما قد تحدثه من سوء الفهم وأكد على ضرورة اللقاء، فقال: "وأخاف أن يطول الكلام فيجري فيه شيء يزعلكم، وأنا فيّ بعض الحدة، فأنا أشير عليكم وألزم أن عبد الوهاب يزورنا، سواء كان يومين وإلا ثلاثة، وإن كان أكثر يصير قطعاً لهذه الفتنة، ويخاطبني وأخاطبه من الرأس" (مجموع مؤلفات الشيخ 5/315).
11 - الفتاوى:
لم يكن الشيخ داعية محنكاً فحسب، ولكن كان عالماً متضلعاً من فنون الشريعة متأهلاً للفتيا، رحل في طلب العلم ولقي المشايخ الكبار وقرأ الأمهات وحصل المطولات، ولذا تلقى الناس فتاواه بالقبول، وراسلوه طلباً للإجابة على أسئلتهم، وقد استثمر الشيخ هذا الجانب في نشر دعوته وبيانها وإزالة اللبس عنها وكان لبعض فتاواه أثر كبير في هداية بعض المدعوين واستبانة الحق لهم بعد أن أثارت جدلاً واسعاً في المجتمع وقوبلت بتأييد ورد عريضين، ومن ذلك: أنه لما كان في العيينة أفتى بكفر بعض الطواغيت الذين زينوا للناس أن يصرفوا لأشخاصهم بعض العبادة التي لا تكون إلا لله، فأشكل الأمر على بعض علماء الدرعية وأئمة المساجد فيها فأرسل لهم الشيخ رسالة يوضح لهم فيها حقيقة القضية ويبين الأدلة الشرعية للفتوى، وكانت هذه الفتوى سبباً في هداية كثير من الناس واستبانتهم للحق، ولم يكن ممن يتعصبون لآرائهم أو يتنقصون علماء الإسلام في فتاواهم، بل كان متواضعاً يخضع للحق ويعلن على الملأ قبوله متى استبان، ويقول: "فإذا أفتيت أو عملت بشيء وعلمتم أني مخطئ وجب عليكم تبيين الحق لأخيكم المسلم" (مجموع مؤلفات الشيخ 5/241).
ولم يكن الشيخ يتبرم من كثرة أسئلة الناس أو يستثقلها، بل كان يستحث المدعوين على الأسئلة، ويؤكد أنه (لا يزعل من ذلك)، وكان - رحمه الله - يؤكد على عدم انتقاص العالم واطراح محاسنه لأجل مسألة أو مئة أو مئتين أخطأ فيها هذا العالم، بل الواجب إرشاده للصواب والإبقاء على مودته وعلو منزلته (المرجع السابق ورسالة الباز 1/133).
12 - الموعظة:(15/35)
لا شك أن المواعظ سياط ا لقلوب تحرك الكسلان وتوقظ الغافل وتنبه المهمل، ولذا نجد الشيخ - رحمه الله - لا يكتفي بذكر الأدلة والبراهين على صحة الدعوة، بل إذا وجد من يعرف الحكم ولم ينقد له ذكره بالجنة والنار والقبر وعذابه، ورهبة الوقوف بين يدي الله - جل وعلا - يقول لأحد المدعوين: "فتضرع إلى الله بقلب حاضر خصوصاً في الأسحار أن يهديك للحق ويريك الباطل باطلاً، وفر بدينك فإن الجنة والنار قدام، والله المستعان" (مجموع المؤلفات 5/305)، ويحذر أحدهم من معاونة المشركين لأجل تنمية المال قائلاً له في رسالته إليه: "فإن الخلود في النار جزاء الردة الصريحة ما يُسوى (أي: يساوي) بُضَيعة (تصغير بضاعة)" (المرجع السابق 5/224).
13 الإغلاظ بالقول:
عندما لا تنفع الملاينة ولا تجدي البراهين فإنه قد تنفع الغلظة بالقول مع مراعاة حدود الشرع وإدراك العواقب، ولذا قال موسى لفرعون: "قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً" (الإسراء: 102)، وقد أغلظ الشيخ بالقول لأقوام بعد أن استنفذ كافة الأساليب اللينة معهم، فقال: "وأنت لا تلمني على هذا الكلام، تراني استدعيته أولاً بالملاطفة، وصبرت منه على أشياء عظيمة، والآن أشرفت منه على أمور ما ظننتها" (مؤلفات الشيخ 5/141).
14- التهديد والتخويف:
وهو آخر دواء يستنفذه الداعية عندما لا تجدي كافة الوسائل مع المدعو، ولا شك أن بعض النفوس قد لا ينفع معها إلا هذا الأسلوب من الإنكار، وقد خاطب الإمام مرة أحد خصومه، الذي ظهر له أنهم يعادونه عناداً بعد قيام الحجة عليهم، فيقول الشيخ مهدداً متوعداً إن لم يتوبا إلى الله ويكفا عن محاربة دينه فإنه يفتي الناس بعدم الصلاة خلفهما، وعدم قبول شهادتهما، ووجوب عداوتهما (مجموع المؤلفات 5/226)، بل إنه دعا إلى المباهلة بعض مخالفيه تهديداً لهم وبياناً بأنهم مبطلون وإعلاماً باستيقان الشيخ بما يدعو إليه، فقال: "وأنا أدعو من خالفني إلى أحد أربع: إما إلى كتاب الله، وإما إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإما إلى إجماع أهل العلم، فإن عاند دَعَوْته إلى المباهلة، كما دعا إليها ابن عباس في بعض مسائل الفرائض" (مؤلفات الشيخ 5/226).
15- الحوار والمناظرة:
قال تعالى: "وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل: من الآية125)، وقد حير الشيخ خصومه عندما استخدم هذه الوسيلة لما أوتيه من قوة حجة وسعة علم ودعوة حق وحدة ذكاء، وكان يناظر الإنسان بمذهبه إن كان شافعياً فبكلام الشافعية، أو مالكياً فبكلامهم، وهكذا.
وكان - رحمه الله - من شدة تمرسه يواجه الخصم بحججه، ويضرب أقوال الخصوم بعضها ببعض، وكان ينكر على من يحيد عن الموضوع حال المناظرة ويعرض بالذين يتهربون عن المواجهة، وكان يعلن أنه يقبل الحق متى استبان له، فليس جداله عن عصبية أو إثبات ذات أو لتعجيز خصم وإحراجه.
16- التجرد ونشدان الحق:
كان الشيخ - رحمه الله - لا يتعصب لقول أحد كائناً من كان إلا قول الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، يقول - رحمه الله -: "ولست ولله الحمد أدعو إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم، مثل: ابن القيم، والذهبي، وابن كثير، وغيرهم، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (مجموع مؤلفات الشيخ 5/252).
ولا يخفى أن المدعو يتأثر كثيراً بمن ينشد الحق، ويسعى لطلبه ولا ينافح عن قول أحد لكونه معظماً عنده، ولا يطلب شيئاً لنفسه من محمدة أو جاه أو مال أو غير ذلك من مكاسب الدنيا ومراتبها، ولذا كان الأنبياء يصرحون لأممهم بأنهم لا يسألونهم على دعوتهم أجراً، قال الله تعالى عن هود: "يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ" (هود: 51)، ومثل ذلك ورد عن صالح وإبراهيم وغيرهم من أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم.
17- رد الشبهات والإجابة عليها:
لم يدع الشيخ - رحمه الله - الشبهات تعبث في قلوب الناس وتفسد عقولهم، فكان يرد على الشبهة أو الشبه، سواء أرسلت إليه أو سمعها أو كان يتوقع أن يقولها خصومه، ولذا كانت للشيخ مبادرات في رد الشبه قبل فشوها حماية للدعوة والمدعوين من التأثر بها، وكان رد الشيخ يتسم بالوضوح وعدم التعقيد فيستفيد منه العامي وطالب العلم وغيرهما، كما يقسم بالأصالة حيث يدفع الشبهة بالدليل من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لا بزخارف القول وتنميق الكلام، ولعل أوضح مثال على ذلك كتابه (كشف الشبهات)، وكتاب (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد).
18- استشراف المستقبل:
هذا لون من التخطيط لمستقبل الدعوة، حين يقوم الداعية بدراسة الأوضاع الراهنة فيضع بدائل متعددة يقابل بها أي طارئ يستجد على صعيد الصراع بين الحق والباطل، ولعل من أجَلِّ الأمثلة على ذلك وأوضحها: عقد صلات مع بعض أهل الدرعية قبل أن يفارق العيينة أو يطرد منها، فكانت له صلة مع آل سويلم واثنين من إخوة محمد بن سعود، وهما: ثنيان ومشاري، بل إن كتاب تفسير سورة الفاتحة كتبه الشيخ حين كان في العيينة بناءً على طلب من ابن أمير الدرعية آنذاك، وهو: عبد العزيز بن محمد آل سعود.
19- هجر المكان الذي لا يقبل الدعوة:(15/36)
إن هجر الداعية للمكان الذي رفض الدعوة أو تردد في قبولها ولم يعرها اهتمامه، والبحث عن مكان آمن يستقبل الدعوة ويهيئ الجو المناسب لانتشارها، ولذا خرج الشيخ من حريملاء إلى العيينة؛ لأن بعض أهلها هموا بالاعتداء عليه، ولأن أمير العيينة تأثر بدعوة الشيخ وقبلها فكانت الفرصة مناسبة للانتقال؛ لأن المقصود نشر الدعوة وقيامها، وهجر الأوطان من أشق الأمور على النفوس وأصعبها، لكن الذي يحمل هم إصلاح الخلق ورفع راية الحق لا يبالي أي أرض حلّ ما دامت مصلحة الدعوة تقتضي ذلك، ولما حصل التهديد لأمير العيينة حول الشيخ وأمره بالخروج منها خرج إلى الدرعية طالباً الملاذ الآمن له ولدعوته لعل الله أن يجعل ذلك سبب انتشار الدين ورفعة أمره.
20- مراعاة أحوال المدعوين:
إن مراعاة حال المدعو ضرورة تتوقف عليها نجاحات الداعية، والفرق بين الداعية وغيره أن الداعية يتبع الحكمة ويراعي المدعو لعله يوافق من قلبه قبولاً ومن ذهنه فهماً ومن عاطفته ميلاً واستجابة، ولذا كان تعامل الشيخ مع المدعوين مختلفاً حسب أحوالهم وظروفهم ومستويات تفكيرهم ومناصبهم، ومن تأمل كتب الشيخ ورسائله وجد ذلك جلياً ظاهراً حتى إنه ليكتب بعض عباراته بالعامية لتحقيق هدفه ومراعاته لمدعويه، لا كما في كتاب تلقين أصول العقيدة للعامة، ولما خرج إلى الدرعية وتعاقد مع محمد بن سعود راعى جانب السلطة والإمارة عنده فلم ينازعه إياها أو يدعي لنفسه ما يدعو الأمير إلى التلكؤ والرد، بل حفظ للمدعو حقه ومكانته، ومن قرأ خطب الشيخ وجد هذا المعنى في خطبه من مراعاة أحوال المدعوين، ورسائله - رحمه الله - يختلف أسلوبها باختلاف المدعو.
وختاماً:
هذه بعض الجوانب الدعوية في دعوة الشيخ وهي غيض من فيض، وقد بقيت فيها بقية، كما أن ما ذكر يحتاج في بعض الأحيان إلى بسط وتوضيح وتمثيل، أسأل الله تعالى أن يوفق للقيام بذلك، ويعين عليه ويخلص الأقوال والأعمال، والله المستعان وعليه التكلان.
http://saaid.net المصدر:
===========
أصوات تطرب لها الذئاب
حدَّثتُ نفسي ذات مساء: لو سار الذئب خلف الحملان، لقلنا: شأنه وطبيعة جُبل عليها ... فكيف وقد سارت الحملان تتهادى بحسنها وتثغي بصوتها تريد أن تلفت انتباه الذئب؟! إنَّ ذلك معاكس لطبيعة الأشياء، وللمعروف والسائد.
وحدَّثتُ نفسي ذات مرَّة: هل يفترض أن يوجد في العالم ذئاب وحملان على صور آدمية؟ أقصد: بشراً يحاكون الذئاب والحملان في تصرفاتها، فالأولى تخدع الثانية، والثانية تنخدع بالأولى، ثمَّ ألا يكفيها ما ترى وما يقع لمثيلاتها من الحملان حتى تتعظ؟
أطلت، ولكن ألا ترون أنَّ بعض النساء تحاكي الحملان في تصرُّفاتها عن سذاجة (سأفترض ذلك!) فهي لا تدرك أبعاد السلوكيات التي تقوم بها، ونتائج ما تقوم به، ومقدار التنازلات التي تقوم بها عن "طيبة" ـ عفواً أخطأت ـ "عن غفلة "! أعتقد أنَّ ذلك أصوب.
والذئاب التي تأتيها هذه التنازلات تنتظر التفاتة من هذه الحملان حتى تهجم عليها بعينها وبلسانها أو حتى تفترسها بيدها.
ألا تعتقدون أنَّ من السذاجة لدى بعض النساء تنعيم الصوت عند محادثة الرجال؟ والرجل ـ أي رجل ـ يهزَّه صوت المرأة، فكيف والصوت ناعم منعَّم. ومهما كانت وسيلة المرأة؛ محادثة مباشرة أو عبر هاتف، أو حتى مذيعة في إذاعة أو تلفاز، وأيَّاً كان هدف هذه المحادثة؛ فإنَّ هذا لا يعذرها بتنعيم صوتها وترخيمه والتغنُّج فيه.
تقول إحداهن: ذهبتُ لمحل كبير يوجد فيه مختلف أنواع البضائع، وتتعدَّد فيه منافذ البيع، وبينما أنا منهمكة في الشراء إذ بفتاة شابة "متبرِّجة" تتجه إلى أحد العاملين في السوق وهي تحمل بيدها صندوقاً يحوي لعبة من ألعاب الأطفال، ثمَّ تتكلَّم مع هذا العامل بصوت ناعم وبأسلوب فيه دلال تقول: "ما أدري أين أحاسب على هذا، هنا أم هناك؟ " عفواً.. أريد منكم ـ حفظ الله أسماعكم ـ تنعيم صوتكم وأنتم تقرؤون هذا السؤال!
تقول صاحبتنا ـ التي تروي القصة: لفتت هذه بصوتها وبحركاتها ودلالها كلّ من حولها، وإذ بمارد ضخم يخرج من بين البضائع يتوجَّه للفتاة صاحبة السؤال بأسلوب أكثر نعومة من أسلوبها، يقول وهو يكاد يأكلها بعينيه: حاسبي في أي مكان، هنا أو هناك، وابتسامته شتت تقاطيع وجهه الجامدة وكأنَّما عثر على ضالته.
أوَ ليس من السذاجة أن تنعم الفتاة صوتها في الهاتف، وبخاصة إذا كان المتحدِّث رجلاً، بل والتحدُّث معه بأسلوب فيه رخاوة؟
ما رأيكم بهذا المقطع من محادثة هاتفية تتكرر كثيراً حتى تبلَّد الحس في إنكارها واعتقدنا أنَّ ذلك نوع من الذوق، أو ما يسمِّيه الغربيون "الإتيكيت":
اسمعوا حفظ الله أسماعكم:
الرجل: مساء الخير.
المرأة: مساء النور.
الرجل: فلان موجود؟
المرأة: لا يا عيوني، خرج لـ... إلخ.
هل هناك داعٍ لهذه التفاصيل وتلك الكلمة التي خرجت ببراءة، (عفواً، بسذاجة)؟!
الرجل: إذاً مع السلامة.
المرأة: عفواً يا عيوني، من أقول له؟ ".
وهل هناك داعٍ لهذا الاستفسار وإطالة المكالمة، خصوصاً وهو المتصل، ويفترض أنه حريص على أن يترك اسمه؟
تبدأ السذاجة عند بعض النساء بتوزيع الألفاظ الناعمة بدون حساب، ولاحظوا بعضهنّ وهي تبيع جزءاً من حيائها وحشمتها من أجل حفنة ريالات "تكاسر" البائع بها!! وادخلوا بعض المحلات لتجدوا فتاة تخلو بالبائع في المحل، وليس بينها وبينه إلاَّ طاولة البضائع، تحاجج البائع في ثمن بضاعة بعبارات على شاكلة
"علشاني، الله يخليك، ولا أرتاح إلا أشتري من عندك". فإذا غُلِّف كلّه بأسلوب منمّق وصوت ناعم فكيف النتيجة؟!(15/37)
أو ما رأيكم، والأمر مُشاهد ومُلاحظ وغير مخفٍ، حين تكشف المرأة جزءاً من وجهها للبائع بين فينة وأخرى، مدعية فحص البضاعة؛ لتستدر بفعلها ذلك عطفه لينزِّل لها من الثمن بضعة ريالات.
أوَ ليس من السذاجة حين تذكر الفتاة للبائع تفاصيل حاجتها بالتفصيل الدقيق المُخجل؟
ـ أريد قميصاً لونه كذا يناسب بشرتي.. !
ـ أريد "... " مقاس كذا.. !
أوَ ليس من السذاجة قيام بعض الفتيات بتجريب أنواع الكحل (أقسم بالله رأيتها بنفسي).. أو بعض أدوات الزينة في المحل، وأمام أعين البائعين الجائعة؟!
أوَ ليس من السذاجة دخول بعض الفتيات إلى الأسواق بعطرهن وتبرُّجهن، بل قيام بعضهن بتجريب أنواع العطور أمام البائع، بل أحياناً يجرِّب البائع لها ذلك العطر على معصم يدها، وتسلِّمه إيَّاها طائعة مختارة!
ساذجات بعض فتياتنا إلى درجة أنَّ السذاجة قليل في حقّ تصرُّفاتهن، وهنّ يسعين عن جهل للذئاب، والذئاب تهزُّ الذيل في ولهٍ بانتصار يتلوه انتصار.
أقول: متى تتنازل المرأة عن ذلك اللهاث الذي أِشقاها وتبني لها شخصية متزنة متمسِّكة بأصول قويمة تأخذ منها صمودها وقوتها وتستظلُّ بظلِّها؟!
حينها لا تستطيع الذئاب أن تعوي ولا تطرب!
أختاه لا تكوني مثل هؤلاء
25/12/1425هـ
http://www.islamic-oyster.com المصدر:
=============
كيف أنكر على امرأة متبرجة في السوق
أبو جهاد سلطان العمري
عندما أذهب إلى السوق أرى نساء متبرجات ويلبسن العباءات الفاتنة، كيف أنكر عليهن؟
1- جدد نيتك دائما وأبدا، وليكن قصدك هو التقرب إلى الله بهذا العمل.
2- إذا كان مع تلك المرأة محرما لها، فتحاول أن تأخذه بعيدا عن أهله وتسلم عليه وتبتسم له وتخاطبه بكلام هين ولين وتراعي الحكمة في ذلك.
3- قد يأخذك الغضب لله إلى سوء التصرف فاحذر من ذلك.
4- إذا كانت المرأة ليس معها محرم فإن كان معك زوجتك فقل لزوجتك تكلمها وتنصحها.
5- قد تكون زوجتك لا تعرف طريقة الإنكار وتستحي فقل لزوجتك: خذي هذه المطوية أو الشريط وأعطيها لها.
6- إذا لم يكن معك شريط ولا مطوية فقل لتلك المرأة "يا أختاه اتق الله في لباسك " وغيرها من العبارات الهادفة.
7- ليس شرطا أن تنظر للمرأة عند الإنكار عليها، بل تستطيع الإنكار بدون النظر لها.
http://saaid.net المصدر:
==============
ثلاث كلمات أَعرِفها عن الإسلام
(أمير) شخصية مميزة تعرفت عليه في جمهورية (الطاي)، وهي إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي، وموقعها على حدود الصين، أخذني (أمير) في جولة سياحية هناك من أمتع الجولات في حياتي، ومكثت أياماً في بيت خشبي بين الجبال الخضراء نشرب الماء من النهر الذي بقربنا، ونأكل الطعام من الأغنام والأبقار التي حولنا، وكانت حياة ممتعة وجميلة،
أما (أمير) فقد دخل في الإسلام منذ خمس سنوات، وكان وثنياً يعبد الأصنام سابقاً وعمره لا يتجاوز الثلاثين عاماً، وبعدما هدي إلى الإسلام عن طريق قراءة الكتب واتصاله مع التجار الأتراك أراد أن يصلي فلم يكن هناك أحد قد علمه المواقيت فاجتهد وقسّم ساعات اليوم على خمس صلوات، ثم بدأ يصلي إلى أن عرف الحقيقة بعد ذلك، وقد أخبرني بأن في سيبيريا أربعين مليون نسمة، منهم خمسة ملايين مسلم ولكن أكثرهم مسلمون بالاسم فقط، ولا يوجد من يهتم بهم وبتعليمهم، وهو يتمنى - ومثله كثير - أن يتعلم الإسلام.
وقد اقترح عليّ رحلة لصيد الغزلان في الجبال، فوافقت وخرجنا مجموعة على الخيول ننطلق في الحقول للصيد ومعي عشرة أشخاص صيادين كلهم غير مسلمين، ودار الحوار بيني وبينهم عن الإسلام، فقالوا لي: نحن لا نعرف عن الإسلام إلا ثلاث كلمات، فقلت مستغرباً: وما هي؟ فقالوا: (الجزيرة، القاعدة، ابن لادن)، فسكتُّ برهة وهم ينظرون إليّ، وكنت أفكر في نفسي ماذا أقول لهم؟ وكيف أجيبهم؟ هل من الصواب أن أدافع عن الإسلام، وأبيّن لهم أن الإسلام أكبر من هذه الثلاث كلمات، أم أقول لهم إن في الإسلام كلمات ثلاث أهم من هذه، وهي (الله، محمد، القرآن)؟.
ودارت في نفسي أفكار كثيرة، ولكن التفت حولي ثم التفت إليهم وقلت لهم: هل تنظرون إلى هذه المناظر الخلابة والجميلة من حولنا: جبال شاهقة وأنهار تجري من حولنا وزهور وورود، كلما قطعنا مسافة اشتممنا رائحة عطرة وكأننا في قطعة من الجنة. إن هذا من خلق الله، والله هو خالقنا، ومنعم علينا، ونحن من واجبنا أن نشكره بالصلاة، وبدأت أتحاور معهم في قضايا الجمال في الإسلام ووحدانية الله وجمال الإسلام، ثم تابعنا السير معاً في صيد الغزلان، وكان يوماً ممتعاً وجميلاً حقاً، وقد استفدت من هذه الرحلة فوائد كثيرة أعظمها ازدياد حبي للصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - لأنهم كانوا أفضل منا بكثير، فقد وصلوا إلى هذه البلاد ونشروا الإسلام ونحن مع كل ما نملكه من قدرات وأموال ومعرفة وتكنولوجيا لم نستطع أن ننشر الإسلام (إسلام الحب، وإسلام السلام، وإسلام العدالة...).
لأني في كل قرية كنت أزورها هناك كان يُقال لي: (أنت أول عربي نراه أمامنا).
نعم إنها رحلة جميلة ومفيدة، وقد تعلمنا منها عظم المسؤولية التي علينا في نشر الإسلام في الشرق وإن كانت الإحصائيات تؤكد في العشر السنوات الماضية ازدياد عدد المسلمين في العالم بنسبة (234%) في مقابل زيادة النصارى (47%)، إلا أن المسؤولية عظيمة علينا وخاصة كذلك عندما يُقال لنا لا نعرف من الإسلام إلا ثلاث كلمات.
http://www.almutawa.info المصدر:
============
الجنود المجهولون
د. محمد العبدة(15/38)
تركز كتب التاريخ عادة على الجانب السياسي من الحياة..جانب الدول والحكومات وتقلبات الأحوال بها، وذهاب أناس ومجيء آخرين، وإذا أخذنا التاريخ الإسلامي نموذجاً فالصورة نفسها، بل هي أكثر حدة وإيغالاً في إبراز هذا الجانب الذي يختلط فيه الصحيح بالمزيف والحقيقي بالمشوه.
ولكن ماذا عن الجانب الحضاري في تاريخنا الإسلامي وهو مساوٍ للتاريخ السياسي ومتفوق عليه، لماذا لا نبرزه حتى تكتمل الصورة أولاً؟ وحتى يكون المثال والقدوة؟ هذه المساجد العظيمة من بناها، والمدارس والمستشفيات والأوقاف الكثيرة المتنوعة، التي كانت تقدم الخير للناس للكبار والصغار، بل حتى للحيوانات العاجزة والكبيرة في السن، كان هذا في مدننا الإسلامية في دمشق وقرطبة وبغداد والقاهرة في القرن السابع الهجري كان في دمشق مئة مدرسة، منها اثنتان للطب، وواحدة للهندسة، وفي القدس أربع وأربعون مدرسة، وفي بغداد - رغم سقوطها بيد المغول - أربعون مدرسة، وكان فيها المدرسة المستنصرية، التي كانت جامعة فيها مدرسة للطب وأروقة لدراسة المذاهب الأربعة، ومساكن وحمام ومستشفى، وكان في القاهرة خمسون مدرسة، وكل هذه المدارس كانت بجهود أفراد أو أوقاف، آلاف الكتب في شتى فنون المعرفة قام بها علماء مرموقون لخدمة العلم لم ينتظروا أجراً مادياً، ولكن ذكرهم استمر في شتى العصور، آلاف العمال المهرة الذين بنوا وشيدوا وصنعوا كل ما تحتاجه الأمة في عصرهم، وكانت لهم مؤسساتهم التي تجمعهم وتحميهم، هؤلاء جميعاً هم الذين أعطوا للحضارة الإسلامية طابعها المونق، وإن ظلوا بعيدين عن الشهرة، بل ربما لا يذكرهم التاريخ.
هذا الجانب الحضاري مستمر في هذه الأمة التي لا يتوقف عطاؤها حتى وهي ضعيفة في الجوانب السياسية أو العسكرية، وقد رأيت مؤخراً امتداداً لهذا النفس الحضاري حين قام (الشيخ) بمشروع لتشجيع الشباب على الزواج، ونجح المشروع نجاحاً باهراً، وقدمت خدمات لهؤلاء الشباب تقدر بالملايين، وهذا مما شجع على الاستمرار في المشاريع الحضارية، فقام مشروع لمساعدة الأسرة المسلمة وتوعيتها وحل مشاكلها عن طريق الدروس والمحاضرات والخبراء الاجتماعيين والدورات التعليمية، ثم قام مشروع متمم لهذه المشاريع، وهو بناء شقق صغيرة وتأجيرها للمتزوجين الجدد بأسعار زهيدة، واكتملت هذه السلسلة بمشروع العيادات الخيرية التي جهزت بأحدث الأجهزة الطبية وبخبرة الأطباء والمستشارين والفقراء يعالجون مجاناً وأصحاب الدخل المحدود بأجور رمزية.
ألم نقل: إن الجانب الحضاري مستمر، وإنه هو الجانب الأقوى والأبرز، وإن هذه الأمة وصفت بالخيرية إلى يوم الدين. إن المسلم ليأمل أن يكون هذا الذي وصفنا نموذجاً يحتذى في كل المدن والقرى في بلاد المسلمين، وليس من الضروري التقليد الحرفي، بل القصد العمل الحضاري بشتى فروعه، وبأوسع معانيه مع الإتقان والإخلاص.
2/6/1425
http://www.almoslim.net المصدر:
============
مزالق الطريق
د. محمد العبدة
ليس المصلح من يُعلِّم الناس الخير، ويلقنهم حب الفضائل، ويتعلمون منه أنواع العلوم فيحفظونها ويطبقونها، ولكن من يحتاط ويحترس، ويخشى من زغل العلم ودخائل النفس وخباياها، فينبه إلى المزالق، ويقطع على تلامذته طرائق الفهم الخاطئ، أو وضع الكلام على غير مواضعه؛ وذلك لأن للنفوس عاهات تعتريها من شغف بالغرائب، وحب للظهور والتعالم، فالمربي هو الذي يحرس هذا العلم من أن تتلاعب به الأهواء فتحمله على ما تريد وتصل به إلى مدى لا تحمد عقباه، كما يحرسه من أنصاف المتعلمين الذين لم يرسخوا فيه.
وعندما تطلق العبارات العامة أو المجملة دون تخصيص أو تفسير فإن الناس يحملونها على غير محملها؛ وهذا ما يربك الأفهام، وخاصة إذا تعلقت بأمر من أصول العقائد كالولاء والبراء، أو الإيمان والكفر أو بالمفاهيم الأساسية للإسلام، ومن هنا ينشأ التفرق والاختلاف، وتتشعب الآراء والأفكار، وذلك لنقص العملية التربوية.
إن منهج الاحتراس وسد الكُوى منهج قرآني جاءت به آيات كثيرة، قال – تعالى -: "لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً" (النساء: 95)، وقال تعالى: "فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى" (الأنفال: من الآية17).
وهو منهج نبوي، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - إذا تكلم يعيد الكلمة ثلاثاً لتُعْقَل عنه، ومن صفة كلامه أنه بَيِّنٌ فَصْل يحفظه من جلس إليه، وقد عَلَّم المسلمين التأدُّب مع الأنبياء حتى لا تقع منهم الهفوة ولو كانت غير مقصودة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما ينبغي لعبد أن يقول: إني خير من يونس بن متى"، وعندما قال له رجل: يا رسول الله يا خير البرية! قال: "ذاك إبراهيم".
وهذا منهج سلفي، فقد خشي التابعي الفقيه عبيدة السلماني أن يضع الناس كتبه على غير مواضعها، فدعا عند موته إلى محوها ورعاً، وقد تكلم الحسن البصري بكلمة حملت على أنها مغايرة لمنهج أهل السنة، قال ابن عون: "لو علمنا أن كلمة الحسن تبلغ ما بلغت لكتبنا برجوعه كتاباً وأشهدنا عليه شهوداً، ولكن قلنا: كلمة خرجت لا تحمل".(15/39)
إن في العالم الإسلامي اليوم نهضة علمية، وطلبة علم حريصين كل الحرص على تلقيه وحفظه، وهم حريصون على لقاء العلماء والمربين، فإذا لم يكن العالم ربانياً عارفاً بدخائل النفوس، يعطي طالب العلم ما يحتاجه ويعيه كان عاقبة ذلك الغلو والتفرق، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، وهذا أمر لا يسر من كان همه مصلحة الدعوة وانتشار الإسلام، وإذا كانت هذه الآفات موجودة في واقعنا اليوم، فكم نتمنى على المربين التنبه لها، وسد هذه الثغرة ليكون البناء سليماً.
قلت في خاطرة سابقة: إن شبكة العلاقات الاجتماعية بين المسلمين واهية ضعيفة، وإن لم تكن بعض حبالها قد تقطعت، ومن الظواهر البارزة التي يعرفها الجميع، مما يمارسه بعض العاملين في مجال الدعوة من سياسة (الإهمال) لإخوانهم، سواء أكان هذا عن عمد أو غير عمد.
وهي سياسة فاشلة من جميع الوجوه؛ لأن الأصل في عقد الأخوة المصارحة والمناصحة، والأمر بالمعروف والشفقة والرحمة، وتفقد الأحوال كما كان يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين وصف بأنه يتفقد أصحابه، حتى أنه يسأل عن المرأة العجوز التي كانت تقُمُّ المسجد حين افتقدها.
وهي سياسة فاشلة؛ لأن الأخ (المُهمَل) سيتألم جداً، بل ربما أصيب بعُقَد نفسية وإحباط شديد وهذا قد وقع إلا إذا كان قوي النفس، قوي الإيمان كما فعل كعب بن مالك - رضي الله عنه - عندما هُجِر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة بسبب تخلفه عن غزوة تبوك، فقد كان يحضر الجماعة، ويسلم على المسلمين ولكن لم يكن أحد يرد عليه، وأراد ملك الروم استغلال ذلك، ولكن كعباً كان مستعلياً بإيمانه فصبر حتى جاء الفرج من السماء.
وهي سياسة فاشلة؛ لأنها تعني أن الدعوة لم تستطع معرفة الرجال ومعرفة القدرات والطاقات، ووضع كل إنسان موضعه، مهما يملك من قدرات قليلة.
وهي سياسة فاشلة؛ لأنها دليل على التخلف الحضاري والأخلاقي، ففيها روح الأنانية والفردية، فالذي يفعل هذا لا يبقى معه أحد، وكأنه يقول: أنا ومن حولي نكفي للدعوة.
إن هذا (الإهمال) ليس وليد هذه الأيام، بل هو من أمراض الدعوة في العصر الحديث، والحزبية والأنانية تغذيانه، وإن التحدي الذي يواجهه المسلمون يفرض عليهم أن يكفوا عن هذه السياسة البلهاء، وأن يستفيدوا من كل طاقة، وإن الوسائل الحديثة تساعد على تصنيف القدرات، وإذا لم يفعلوا فما هو إلا الهوى الذي يخفي وراءه التخلف والضعف.
__________________
(*) من كتاب (خواطر في الدعوة).
5/8/1425هـ
http://www.almoslim.net المصدر:
==========
يا أهل الفجر
صالح بن عبد الرحمن الخضيري
الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وبعد:
فئةٌ موفقة، وجوههم مسفرة، وجباههم مشرقة، وأوقاتهم مباركة، فإن كنت منهم فاحمد الله على فضله، وإن لم تكن من جملتهم فدعواتي لك أن تلحق بركبهم، أتدري من هم؟
إنهم أهل الفجر، قوم يحرصون على أداء هذه الفريضة، ويعتنون بهذه الشعيرة، يستقبل بها أحدهم يومه، ويستفتح بها نهاره، والقائمون بها تشهد لهم الملائكة، و من أداها مع الجماعة فكأنما صلى الليل كله...
إنها صلاة الفجر التي سماها الله قرآنا فقال - جل وعز -: "وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُود".الإسراء: 78.
المحافظة عليها من أسباب دخول الجنة، والوضوء لها كم فيه من درجة، والمشي إليها كم فيه من حسنة، والوقت بعدها تنزل فيه البركة، قال النبي: - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم بارك لأمتي في بُكورهَ". أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
أهل الفجر:
الذين أجابوا داعي الله وهو ينادي (حي على الصلاة، حي على الفلاح)، فسلام على هؤلاء القوم، حين استلهموا (الصلاة خير من النوم)، واستشعروا معاني العبودية، فاستقبلتهم سعادة الأيام تبشرهم وتثبتهم، قال - صلى الله عليه وسلم -: "بشر المشائين في الظلم إلى المسجد بالنور التام يوم القيامة". أخرجه الترمذي وأبو داود.
يا أهل الفجر:
لقد فزتم بعظيم الأجر، فلا تغبطوا أهل الشهوات والحظوظ العاجلة فما عندهم -والله- ما يغتبطون عليه، بل بفضله وبرحمته فاغتبطوا، وإياه على إعانتكم فاشكروا، وإليه فتوجهوا، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله". أخرجه مسلم.
يا أهل الفجر:
هنيئاً لكم أن تتمتعوا بالنظر إلى وجه الله الكريم في الجنة، قال - صلى الله عليه وسلم - : "إنِّكم سترون ربَّكم كمَا ترون هذا القَمرَ لا تُضامونَ في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشَّمسِ وقبلَ غروبها فافعلُوا ثم قرأ: " وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ". أخرجه البخاري ومسلم.
يا أهل الفجر:
ألا ترضون أن يذهب الناس بالأموال والزوجات، وترجعون أنتم بالبركة في الأوقات والنشاط وطيب النفس وأنواع الهديات، ودخول الجنات ونزول الرحمات، قال - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى البُردين دَخل الجنة". أخرجه البخاري ومسلم، والبردان: صلاة الفجر وصلاة العصر.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لن يلج النار أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبه". أخرجه مسلم، والمراد بهذا صلاة الفجر وصلاة العصر.
يا أهل الفجر:
أنتم محفوظون بحفظ الله، أنفسكم طيبة، وأجسادكم نشيطة، يقول - صلى الله عليه وسلم -: "من صلَّى الصبح فهو في ذمة الله". أخرجه مسلم.(15/40)
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "يعقدَ الشيطان على قافية رأسِ أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، ويضرب على مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" متفق عليه.
يا أهل الفجر:
كفاكم شرفاً شهادةُ ملائكة الرحمن لكم، قال- صلى الله عليه وسلم -: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم - وهو أعلم بهم - كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون" متفق عليه.
يا أهل الفجر خاصةً ويا من يحافظون على صلاة الجماعة عامة: أبشروا، فوضوؤكم درجات، وممشاكم إلى المسجد حسنات، وجلوسكم فيه رحمات من ربكم وصلوات: "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح" أخرجه البخاري ومسلم.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذِّ بسبع وعشرين درجة، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطُ خطوة إلا رفعت له بها درجة وحُطَّت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه: اللهمَّ صلِّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدهم في صلاة ما انتظر الصلاة". متفق عليه، وفي رواية مسلم: "اللهم ارحمه، اللهم اغفر لهُ، اللهم تب عليه، ما لم يؤذِ فيه، ما لم يحدث فيه".
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال : إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط" أخرجه مسلم.
فسلامٌ على المحافظين على صلاة الفجر، حين تركوا السَّهر، وودَّعوا السَّمر، وفازوا بعظيم الأجر، ترى الواحد من هؤلاء يستعدُّ لها من الليل بالساعة المنبِّهة، والوضوء والأوراد المتنوعة، وإذا خشي فوات القيام لها وصَّى أحداً يوقظه، وقبل هذا كله إحساس الإيمان الذي يعمر قلبه، فحتى لو عرض له أمرٌ فتأخر عن النوم مرَّةً وجدته عند الصلاة يهبُّ من نومه فزعاً إليها، مبادراً بأدائها، فللَّه درُّهم حين صلَّوا صلاة الفجر لميقاتها، فحفظوا وقتها، وداوموا عليها، وفازوا بأحب عمل إلى الله - عز وجل - قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله - عز وجل -؟ قال: الصلاة على وقتِها…. "الحديث، متفق عليه.
أولئك هم الرِّجال حقاً، والمؤمنون صدقاً، قال ربُّنا - جل وعلا - : " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ" النور36-38.
أمَّا مَن ضيَّعوا الصلاة وتهانوا بها وأخَّروها عن وقتها فيا ليت شعري لو يعلمون ماذا تحمَّلوا من الوِزر؟ وماذا فاتهم من الأجر؟ قال - تعالى -: "فوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ "الماعون4-5.
وقال - تعالى -: " فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً ". مريم 59-60.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ أوَّل ما يُحاسبُ به العبدُ يومَ القيامة مِن عملهِ صلاتُهُ، فإن صلُحت فقد أفلحَ ونَجَح، وإن فسدت خابَ وخَسِرَ…. "الحديث رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
أيُّها المضيِّع لصلاة الجماعة ولا سيما صلاة الفجر، أفما لك همَّةٌ ترتفع بها لتكون مع من سبق الثَّناء عليهم والإشادة بهم، لماذا تجعل للشيطان عليك سبيلا؟ ولماذا ترضى أن يبول في أذنيك؟ فقد ذُكِرَ رجلٌ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نام ليلةً حتى أصبح فقال: "ذاكَ رجلٌ بالَ الشيطانُ في أذُنيهِ" أخرجه البخاري ومسلم.
أيُّها الأخ:
تذكَّر وأنت تتنعّم بلذيذ المنام، ما يعقب ذلك من حسرةٍ وألم، ويكفيك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "... أصبَحَ خبيثَ النَّفسِ كِسلان ". متفق عليه.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الرُّؤيا: "وأمَّا الرَّجلُ الذي يَثْلَغُ رأسَهُ بالحجرِ فإنَّه يأخذُ القرآن فيرفُضُهُ، وينامُ عنِ الصلاةِ المكتوبةِ" أخرجه البخاري، فحين تلذَّذ بالنوم عن الصلاة جُوزي بأن يرضَّ رأسه بالحجارة، والجزاء من جنس العمل.
ألا فالْحق بأهل الفجر؛ لكي تكون في ذمة الله، ولتُكتب في ديوان الأبرار، وتحصل لك السعادة والنور، وتمحى من صحيفة النفاق، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس صلاةٌ أثقل على المنافقين من صلاةِ الفجرِ والعشاءِ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبو". أخرجه البخاري ومسلم.
يا أخي:(15/41)
حاسب نفسك، واصدق مع ربك، واستفتح يومك بتوبةٍ تمحو ما سلف منك، وتذكر نِعَمَ الله عليك، واسأل الله دائماً أن يعينك، واحذر السَّهر فهو سببٌ رئيسٌ لفوات فريضة الفجر، وابذل مع هذا من الأسباب ما يكون لك عوناً بإذن الله: بأن تنام على طهارة وقد قرأت أذكار النوم، وجعلت الساعة المنبهة عندك؛ فإن خفت مع هذا ألاَّ تقوم فأوص بعض أهلك أو جيرانك بالاتصال عليك وإيقاظك، وإذا استيقظت فاذكر الله مباشرة، وانهض من فراشك بسرعة، ولا تتململ فيه أو يوحي إليك الشيطان بأن تستريح قليلاً، فهذا مدخل من مداخله، وابتعد عن المعاصي والذنوب ولا سيما النظر المحرَّم، فإن المعصية سببٌ لحرمان الطاعة، وكن ذا عزيمةٍ قوية، وتذكر ثواب المسارعين إلى المساجد الذين تعلقت قلوبهم بها، وأكثروا من التردُّد عليها فهم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهم السعداء الموفَّقون في الدنيا، وأهل الجنة في الآخرة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثةٌ كلهمْ ضامنٌ على الله إنْ عاشَ رُزِقَ وَكُفِيَ، وإنْ مات أدخله الله الجنَّةَ، ومنهم : مَن خرجَ إلى المسجدِ فهو ضامنٌ علَى الله" أخرجه أبو داوود وابن حب أسأل الله لي ولمن قرأ هذه الرسالة ولجميع المسلمين والمسلمات سعادة الدنيا والآخرة والفوز برضوانه وجنَّته.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
27 / 8 / 1425 هـ
http://www.toislam.net المصدر:
===========
هكذا علمنا السلف ( 95 )
التذكير والوعظ
د. يحيى بن إبراهيم اليحيى
عن عبد الله الزيدي قال: سمعت سعيد بن عبد الله بن الربيع بن خيثم يقول إذا أصبح : ((اعملوا خيراً وديموا على صالح، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم : {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ})) (1). (2)
أصلح سريرتك:
عن منذر الثوري عن الربيع بن خيثم أنه كان يقول : ((السرائر السرائر اللاتي يخفين على الناس وهو عند الله بواد))، قال : ويقول : ((التمسوا دواءهن، قال : ثم يقول : وما دواؤهن؟ أن تتوب ثم لا تعود)) (3)
جوده في سبيل الله:
عن سفيان عن سرية الربيع أن الربيع كان يتصدق بالرغيف ويقول : ((إني أستحي أن يكون في صدقتي كسراً)) (4)
الإيثار والاستحضار في التقرب إلى الله:
عن سفيان عن سرية الربيع بن خيثم قالت: ((كان الربيع بن خيثم تعجبه الحلوى فيقول: اصنعوا لنا طعاماً، فنصنع له طعاماً كثيراً، فيدعو فرح وفلاناً فيطعمهم بيده ويسقيهم ويشرب هو فضل شرابهم، فيقال : ما يدريان هذان ما تطعمهما؟ فيقول : لكن الله يدري)) (5)
ويؤثرون على أنفسهم :
عن منذر أن الربيع بن خيثم قال لأهله : اصنعوا لي خبيصاً، وكان لا يكاد يشتهي عليهم شيئاً فصنعوه، قال : فأرسل إلى جار له مصاب فجعل يأكل ولعابه يسيل، فقال أهله : ما يدري هذا ما أكل؟ فقال الربيع : لكن الله - عز وجل - يدري)) (6)
إذا كان الربيع لصا فيا ترى ماذا نكون؟
عن نسير بن ذعلوق قال : ((كان الربيع بن خيثم يبكي حتى يبل لحيته من دموعه فيقول : أدركنا قوماً كنا في جنوبهم لصوصاً)) (7)
-----------------------
(1) سورة الأنفال الآية 21.
(2) كتاب الزهد للإمام أحمد / 466.
(3) كتاب الزهد للإمام أحمد / 466.
(4) كتاب الزهد للإمام أحمد / 468.
(5) كتاب الزهد للإمام أحمد / 468 - 469.
(6) كتاب الزهد للإمام أحمد / 465.
(7) كتاب الزهد للإمام أحمد / 469.
http://www.taiba.org المصدر:
===========
الاعتدال في الدعوة
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله - تعالى -بالهدى ودين الحقّ، فبلغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حقّ جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيسرني أن ألتقي بكم هذا اللقاء في موضوع مهم يهمّ المسلمين جميعهم، ألا وهو الدعوة إلى الله - عز وجل -.
قال - تعالى -: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}، والاستفهام في الآية بمعنى النفي، أي : لا أحسن قولاً.
والغرض من الإتيان بالاستفهام في موضع النفي إفادة أمرين :
الأول - انتفاء هذا الشيء.
الثاني - تحدي المخاطب أن يأتي به، فالاستفهام مشربٌ معنى التحدي، أي: إذا كان عندك شيء أحسن من هذا فأتِ به، ولكننا نقول : لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً، وقال إنني من المسلمين.
والدعوة إلى الله - تعالى - هي الدعوة إلى شريعة الله الموصلة إلى كرامته، ودعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام تدور على ثلاثة أمور :
أولاً - معرفة الله - تعالى -بأسمائه وصفاته.
ثانياً - معرفة شريعته الموصلة إلى كرامته.
ثالثاً - معرفة الثواب للطائعين والعقاب للعاصين.
والدعوة إلى الله - تعالى -أحد أركان الأعمال الصالحة التي لا يتم الربح إلا بها كما قال الله - تعالى -: {والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر}.
فإن التواصي بالحقّ يلزم منه الدعوة إلى الحق، والتواصي بالصبر يلزم منه الدعوة إلى الصبر على دين الله - تعالى - في أصوله وفروعه.
إن الدعوة إلى الله صارت الآن وما زالت بين طرفين ووسط.(15/42)
أما الطرفان فجانب الإفراط، بحيث يكون الداعية شديداً في دين الله يريد من عباد الله - تعالى -أن يطبقوا الدين بحذافيره، ولا يتسامح عن شيء الدين يسمح به، بل إنه إذا رأى من الناس تقصيراً حتى في الأمور المستحبة تأثر تأثراً عظيماً، وذهب يدعو هؤلاء القوم المقصرين دعاء الغليظ الجافي، وكأنهم تركوا شيئاً من الواجبات، ومن الأمثلة على ذلك:
المثال الأول: رجل رأى جماعة من الناس لا يجلسون عند القيام إلى الركعة الثانية، أو عند القيام إلى الركعة الرابعة، وهي التي تسمى عند أهل العلم جلسة الاستراحة، هو يرى أنها سنة، ومع ذلك إذا رأى من لا يفعلها اشتدّ عليه، وقال : لماذا لا تفعلها؟ ويتكلم معه تكلم من يظهر من كلامه أنه يقول بوجوبها، مع أن بعض أهل العلم حكى الإجماع على أن هذه الجلسة ليست بواجبة، وأن خلاف العلماء فيها دائر بين ثلاثة أقوال:
القول الأول : أنها مستحبة على الإطلاق.
القول الثاني : ليست مستحبة على الإطلاق.
القول الثالث : أنها مستحبة لمن كان يحتاج إليها، حتى لا يشقّ على نفسه كالكبير، والمريض، ومن في ركبه وجعٌ، وما أشبه ذلك.
فيأتي بعض الناس، ويشدد فيها، ويجعلها كأنها من الواجبات.
المثال الثاني: بعض الناس يرى شخصاً إذا قام بعد الركوع، ووضع يده اليمنى على اليسرى، قال : أنت مبتدع لا بد أن تسدل يديك، فإن وضعتهما على الصدر فإن ذلك من البدع والمنكرات، مع أن المسألة مسألة اجتهادية، وقد يكون الدليل مع من قال : إن اليدين توضعان بعد الركوع على الصدر، كما توضعان قبله أيضاً على الصدر؛ لأن هذا هو مقتضى الحديث الذي رواه البخاري عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال : ((كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة)).
المثال الثالث : كذلك بعض الناس ينكر على من يصلّي إذا تحرك أدنى حركة، وإن كانت هذه الحركة مباحة، وقد ورد في السنة ما هو مثلها أو أكثر، فتجده ينكر عليه الإنكار العظيم، حتى إنه يجعل هذا الأمر هو محل الانتقاد في هؤلاء القوم، مع أنها حركة مباحة جائزة ورد نظيرها، أو ما هو أكثر منها في شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا تشديد. وكان أبو جحيفة - رضي الله عنه - ذات يوم يصلي وقد أمسك زمام فرسه بيده، فتقدمت الفرس، فذهبرضي الله عنه وهو يصلي يسايرها شيئاً فشيئاً حتى انتهى من صلاته، فرآه رجل من نوع هذا المتشدد، فجعل يقول : انظروا إلى هذا الرجل - وأبو جحيفة صحابي جليل - رضي الله عنه - فلما سلم أبو جحيفة بيّن لهذا الرجل أن مثل هذا العمل جائز، وأنه لو ترك فرسه لذهبت ولم يحصل عليها إلى الليل، فانظر إلى الفقه في الشريعة والتسامح والتيسير فيها.
وهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بأصحابه وهو يحمل أمامة بنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جدّ هذه الطفلة - فكان يصلي بالناس حاملاً هذه الطفلة، فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها- صلى الله عليه وسلم - هذا فيه حركة، وفيه ملاطفة للطفلة، وفيه أنه يؤمّ الناس فقد يلتفت بعضهم لينظر ماذا كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - مع هذه الطفلة. ومع ذلك فالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أتقى الناس لله - تعالى -وأعلمهم بما يتقي - كان يفعل ذلك.
ومثال آخر : اجتمع نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألوا عن عمله في السّرّ، فأخبروا بذلك، فتقالّوا عمل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، ولكن نحن بحاجة إلى عمل أكثر ليغفر الله لنا ذنوبنا، فقال أحدهم : أنا أصوم ولا أفطر. وقال الثاني : أنا أقوم ولا أنام. وقال الثالث : أنا لا أتزوج النساء، فبلغ قولهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ((أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس منّي)). هذا كله يدل على أنه لا ينبغي لنا، بل لا يجوز لنا أن نغلو في دين الله، سواء أكان في دعاء غيرنا إلى دين الله، أم في أعمالنا الخاصة بنا، بل نكون وسطاً مستقيماً كما أمرنا الله - تعالى -بذلك، وكما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فالله - تعالى -يقول: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلكم تتقون}. والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه : ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم))، وأخذ حصيات وهو في أثناء مسيره من مزدلفة إلى منى أخذ حصيات بكفه وجعل يقول : ((يا أيها الناس بأمثال هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين)).
وضد ذلك : من يتهاون في الدعوة إلى الله - تعالى -فتجده يرى الفرص مواتية والمقام مناسباً للدعوة إلى الله، ولكن يضيع ذلك، تارة يضيعه لأن الشيطان يملي عليه أن هذا ليس وقتاً للدعوة، أو أن هؤلاء المدعوين لن يقبلوا منك، أو ما أشبه ذلك من المثبطات التي يلقيها الشيطان في قلبه، فيفوت الفرصة على نفسه.(15/43)
وبعض الناس إذا رأى مخالفاً له بمعصية بترك أمر أو فعل محظور كرهه، واشمأز منه، وابتعد عنه، وأيس من إصلاحه، وهذه مشكلة، والله - سبحانه وتعالى - بيّن لنا أن نصبر، وأن نحتسب، قال الله - تعالى -لنبيه : {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعةً من نهار بلاغٌ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون}. فالإنسان يجب عليه أن يصبر ويحتسب، ولو رأى على نفسه شيئاً من الغضاضة، فليجعل ذلك في ذات الله - تعالى -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - عندما أدميت إصبعه في الجهاد، قال : هل أنت إلا إصبع دميت، وفي سبيل الله ما لقيت.
وهذا عكس الأول حتى إن هذا ليرى الأمر بعينه، ويسمعه بأذنه يجد هذا الأمر المخالف لشريعة الله، ولا يدعو الناس إلى الاستقامة وعدم معصية الله - تعالى -ومخالفته، بل إنّا نسمع أن بعض الناس يقول :
يجب أن تجعل الأمة الإسلامية التي تنتسب إلى الإسلام، وتتجه في صلاتها إلى القبلة، يجب أن تكون طائفة واحدة غير متميزة، لا يفرق بين مبتدع وصاحب سنة، وهذا لا شك خطأ وخطل وخطر؛ لأن الحق يجب أن يميز عن الباطل، ويجب أن يميز أصحاب الحق عن أصحاب الباطل حتى يتبيّن، أما لو اندمج الناس جميعاً، وقالوا : نعيش كلنا في ظل الإسلام، وبعضهم على بدعة قد تخرجه من الإسلام، فهذا لا يرضى به أحد ناصح لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.
ويوجد أناس يستطيعون الدعوة إلى الله؛ لما عندهم من العلم والبصيرة، ويشاهدون الناس يخلّون في أشياء، ولكن يمنعهم خوف مسبة الناس لهم، أو الكلام فيهم أن يقولوا الحق، فتجدهم يقصرون ويفرطون في الدعوة إلى الله - تعالى -وهؤلاء إذا نظروا إلى القوم الوسط الذين تمسكوا بدين الله على ما هو عليه إذا رأوهم قالوا : إن هؤلاء لضالون، إن هؤلاء لمتعمقون، إن هؤلاء لمتشددون متنطعون، مع أنهم على الحق.
وإذا نظر إليهم المفرطون الغالون قالوا: أنتم مقصرون لم تقوموا بالحق، ولم تغاروا لله - تعالى -، ولهذا يجب أن لا نجعل المقياس في الشدة واللين هو ما تمليه علينا أهواؤنا وأذواقنا، بل يجب أن نجعل المقياس هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهدي أصحابه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - رسم لنا هذا بقوله وبفعله وبحاله - صلى الله عليه وسلم - رسمه لنا رسماً بيّناً، فإذا دار الأمر بين أن أشدّد أو أيسّر، بمعنى أنني كنت في موقف حرج لا أدري الفائدة في الشدة أم الفائدة في التيسير والتسهيل، فأيهما أسلك؟
أسلك طريق التيسير؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الدين يسر))، ولما بعث معاذاً و أبا موسى الأشعري إلى اليمن قال: ((يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا))، ولما مرّ يهودي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال السّام عليك يا محمد يريد الموت عليك؛ لأن السام بمعنى الموت - وكان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة - رضي الله عنها - فقالت : ((عليك السّام واللعنة)) فقال لها النبي - عليه الصلاة والسلام - : ((إن الله رفيق يحب الرفق، وإن الله ليعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف))، فإذا أخذنا بهذا الحديث في الجملة الأخيرة منه: ((إن الله ليعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف)) عرفنا أنه إذا دار الأمر بين أن أستعمل الشدة، أو أستعمل السهولة كان الأولى أن أستعمل السهولة ثقة بقول الرسول - عليه الصلاة والسلام -: ((إن الله ليعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف)).
ومن أراد أن يفهم هذا الأمر فليجرب؛ لأنك إذا قابلت المدعو بالشدة اشمأز ونفر وقابلك بشدة مثلها، إن كان عامّياً قال: عندي علماء أعلم منك، وإن كان طالب علم ذهب يجادلك، حتى بالباطل الذي تراه مثل الشمس، وهو يراه مثل الشمس، ولكنه يأبى إلا أن ينتصر لنفسه؛ لأنه لم يجد منك رفقاً وليناً، ودعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. والحق لا يخفى إلا على أحد رجلين : إما معرض وإما مستكبر، أما من أقبل على الحق بإذعان وانقياد فإنه بلا شك سيوفق له.
ومن التطرف ما يكون من الآباء والأمهات في زمننا هذا حين صار الشباب - ولله الحمد - من ذكور وإناث عندهم اتجاه إلى العمل بالسنة بقدر المستطاع، صار بعض الآباء والأمهات يضايقون هؤلاء الشباب من بنين وبنات في بيوتهم، وفي أعمالهم حتى إنهم لينهونهم عن المعروف، مع أنه لا ضرر على الآباء في فعله، ولا ضرر على الأبناء أو البنات في فعل هذا المعروف، كمن يقول لأولاده: لا تكثروا النوافل لا تصوموا البيض، أو الاثنين، أو الخميس، أو ما أشبه ذلك، مع أن هذا لا يضر الوالدين شيئاً، ولا يحول دون قضاء حوائجهما، وليس بضار على الابن في عقله، أو بدنه، أو في درسه، ولا على البنت كذلك. وأنا أخشى على هؤلاء القوم أن يكون هذا النهي منهم لأولادهم كراهة للحق والشريعة، وهذا على خطر، فالذي يكره الحق أو الشريعة ربما يؤدي به ذلك إلى الردة؛ لأن الله - تعالى -يقول : {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم}. ولا تحبط الأعمال إلا بردة عن الإسلام كما قال الله - تعالى -: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}. هذا مثال من الشدة في أولياء الأمور.
أما بالنسبة للأولاد من بنين أو بنات إذا كانوا متمشين في مناهجهم وسيرهم على شريعة الله، فليسوا في شدة.(15/44)
وهناك في المقابل من يكون شديداً من الأولاد بنين وبنات على أهله، بحيث لا يتسع صدرهم لما يكونون عليه من الأمور المباحة، فتجده يريد من أبيه أو أمه أو إخوته أن يكونوا على المستوى الذي هو عليه من الالتزام بشريعة الله، وهذا غير صحيح، فالواجب عليك إذا رأيتهم على منكر أن تنهاهم عنه، أما إذا رأيتهم قد قصروا في أمر يسعهم التقصير فيه كترك بعض المستحبات فإنه لا ينبغي لك أن تشتد معهم، وكذلك في بعض الأمور الخلافية يجب عليك إذا كانوا مستندين إلى رأي أحد من أهل العلم أن لا تضيق بهم ذرعاً، وأن لا تشتد عليهم.
فالذي ينبغي للإنسان سواء أكان داعية لغيره إلى الله، أم متعبداً لله أن يكون بين الغلو والتقصير، مستقيماً على دين الله - تعالى -كما أمر الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك في قوله: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب}.
وإقامة الدين: الإتيان به مستقيماً على ما شرعه الله - تعالى -، ولا تتفرقوا فيه، نهى عن ذلك - سبحانه وتعالى -؛ لأن التفرق خطره عظيم على الأمة أفراداً وجماعات.
والتفرق أمر مؤلم ومؤسف؛ لأن الناس إذا تفرقوا كما قال الله - تعالى -: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، فإذا تفرق الناس، وتنازعوا فشلوا وخسروا وذهبت ريحهم، ولم يكن لهم وزن، وأعداء الإسلام ممن ينتسبون للإسلام ظاهراً، أو ممن هم أعداء للإسلام ظاهراً وباطناً يفرحون بهذا التفرق، وهم الذين يشعلون ناره، ويلقون العداوة والبغضاء بين هؤلاء الإخوة الدعاة إلى الله، فالواجب أن نقف ضد كيد هؤلاء المعادين لله - تعالى -ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ولدينه، وأن نكون يداً واحدة، وأن نكون إخوة متآلفين على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما كان سلف الأمة في سيرهم ودعوتهم إلى الله - تعالى -، ومخالفة هذا الأصل ربما تؤدي إلى انتكاسة عظيمة، والتفرق هو قرة عين شياطين الإنس والجن؛ لأن شياطين الإنس والجن لا يودون من أهل الحق أن يجتمعوا على شيء، بل يريدون أن يتفرقوا لأنهم يعلمون أن التفرق تفتت للقوة التي تحصل بالالتزام بالوحدة والاتجاه إلى الله - تعالى -ويدل على هذا قوله - تعالى -: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، وقوله: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}، وقوله: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء}، وقوله : {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}.
فالله - تعالى - قد نهانا عن التفرق، وبيّن لنا عواقبه الوخيمة، والواجب علينا أن نكون أمة واحدة، وكلمة واحدة، وإن اختلفت آراؤنا في بعض المسائل، أو في بعض الوسائل؛ فالتفرق فساد وشتات للأمر، وموجب للضعف، والصحابة -رضوان الله عليهم - حصل بينهم اختلاف لكن لم يحصل منهم التفرق ولا العداوة ولا البغضاء، حصل بينهم الاختلاف حتى في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن ذلك أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال لأصحابه : ((لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة))، وخرجوا - رضوان الله عليهم - من المدينة إلى بني قريظة، وحان وقت صلاة العصر، فاختلف الصحابة، فمنهم من قال : لا نصلي إلا في بني قريظة ولو غابت الشمس؛ لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم - قال : ((لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة)) فنقول سمعنا وأطعنا.
ومنهم من قال : إن النبي - عليه الصلاة والسلام - أراد بذلك المبادرة والإسراع إلى الخروج، وإذا حان الوقت صلينا الصلاة لوقتها، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يعنف أحداً منهم، ولم يوبخه على ما فهم، وهم بأنفسهم لم يتفرقوا من أجل اختلاف الرأي في فهم حديث الرسول - عليه الصلاة والسلام -، وهكذا يجب علينا أن لا نتفرق، وأن نكون أمة واحدة.
قد يقول قائل : إذا كان المخالف صاحب بدعة، فكيف نتعامل معه؟.
فأقول : إن البدع تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول: بدع مكفرة.
القسم الثاني: بدع دون ذلك.
والواجب علينا في القسمين كليهما أن ندعو هؤلاء الذين ينتسبون إلى الإسلام، ومعهم البدع المكفرة وما دونها، إلى الحق ببيان الحق، دون أن نهاجم ما هم عليه إلاّ بعد أن نعلم منهم الاستكبار عن قبول الحق؛ لأن الله - تعالى -يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - : {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم}، فندعو أولاً هؤلاء إلى الحق ببيان الحق وإيضاحه بأدلته، والحق مقبول لدى ذي كل فطرة سليمة، فإذا وجد منهم العناد والاستكبار فإننا نبيّن باطلهم على أن بيان باطلهم في غير المجادلة معهم أمر واجب.
أما هجرهم فهذا يترتب على البدعة؛ فإذا كانت البدعة مكفرة وجب هجرهم، وإذا كانت دون ذلك فإننا ننظر إلى الأمر، فإن كان في هجرهم مصلحة فعلناه، وإن لم يكن فيه مصلحة اجتنبناه، وذلك أن الأصل في المؤمن تحريم هجره لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يحل لرجل مؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث)) فكل مؤمن وإن كان فاسقاً فإنه يحرم هجره ما لم يكن في الهجر مصلحة، فإذا كان في الهجر مصلحة هجرناه؛ لأن الهجر دواء، أما إذا لم يكن فيه مصلحة، أو كان فيه زيادة في المعصية والعتو فإن ما لا مصلحة فيه تركه هو المصلحة.(15/45)
وحل هذه المشكلة : أعني مشكلة التفرق أن نسلك ما سلكه الصحابة - رضي الله عنهم - وأن نعلم أن هذا الخلاف الصادر عن اجتهاد في مكان يسوغ فيه الاجتهاد لا يؤثر، بل إنه في الحقيقة وفاق؛ لأن كل واحد منا أخذ بما رأى بناءً على أنه مقتضى الدليل، إذن فمقتضى الدليل أمامنا جميعاً، وكل منا لم يأخذ برأيه إلاّ لأنه مقتضى الدليل، فالواجب على كل واحد منا أن لا يكون في نفسه على أخيه شيء، بل الواجب أن يحمده على ما ذهب إليه؛ لأن هذه المخالفة مقتضى الدليل عنده.
ولو أننا ألزمنا أحدنا أن يأخذ بقول الآخر، لكن إلزامي إياه أن يأخذ بقولي ليس بأولى من إلزامه إياي أن آخذ بقوله، فالواجب أن نجعل هذا الخلاف المبني على اجتهاد أن نجعله وفاقاً، حتى تجتمع الكلمة، ويحصل الخير.
وإذا حسنت النية سهل العلاج، أما إذا لم تحسن النية، وكان كل واحد معجباً برأيه، ولا يهمه غيره، فإن النجاح سيكون بعيداً.
وقد أوصى الله عباده بالاتفاق، فقال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، فإن هذه الآية موعظة للإنسان أي موعظة.
أسأل الله - تعالى -أن يجعلني وإياكم من الهداة المهتدين، والصلحاء المصلحين إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://www.aldawah.net المصدر:
===========
هل أنت أسد من أسود الله ؟
خالد الرفاعي
إن الكلمة لها وقع عظيم على النفس فقد تفتح للشخص الذي تكلمه آفاق الإيمان وتلامس شغاف قلبه فيكون هناك بصيص نور يشع له حياته لينطلق بكل قوة وما أجمل الحماس المتوازن الذي بعده النجاح المستمر.
شاب في المدينة المنورة كان يضيع وقته ويدخن بل يتعدى على الغير بل متورط في بعض الأمور جاء في وسط رمضان متبدل الحال عليه هيبة، ونور يغمر وجهه ويعلن أنه أقبل على الله تفاجأ الجميع بذلك بل عانقوه بحرارة ودعاء صادق بل لم يكتف وأعلن أنه سيعتكف في الحرم وسيبذل جهده في نشر هذه اللذة الإيمان والتي وجدها في قلبه لكل الناس ويصبح أسدا من أسود الله ويقول: ليرينّ الله ما أعمل؟
وأخرى في المدينة...فتاة كانت في العشرين من عمرها تعلقت بثياب والدها وقالت له: منذ عشرين سنة وأنت تجد هذه السعادة الإيمانية وتحرمنا منها ولا تخبرنا عنها، لن أسامحك أبداً وأجهشت بالبكاء؟
وهي الآن بألف امرأة في الدعوة لله ما تتكلم إلا وتؤثر وتُبكي من يسمعها، لا تترك صيام أو صلاة ليس الفرض بل النوافل وزيادة... إنه الإيمان.
وآخر التقيت به في جدة وبعد محاولات لأخرج بسرٍ من أسراره الإيمانية قال : إني أقرأ كل يوم جزأين من القرآن الكريم وأسبح وأستغفر وأحوقل وأذكر الله أكثر من سبعة آلاف مرة وأعيش في حياة سعيدة لا يصفها أحد.
وآخر في جدة:
كان متورطا في المخدرات، بل رأس فيها، جاءه ناصح وكلمه ومن معه، فلم ينفع معهم بل سخروا منه كثيراً فوقف الناصح على ركبتيه وهو جالس ورفع يده إلى السماء وقال أما أنا فأريد الفردوس الأعلى فتقشعرت أجسامهم فتأثروا كثيرا بل أعلن رئيس العصابة توبته وتتابعوا واحداً تلو الآخر بإعلان إقبالهم على الله وتوبتهم ورئيسهم الآن في مكة ويطلق عليه عابد الحرمين من كثرة عبادته.
أخي: كلمة لها أثر و ابتسامة من أعماق قلبك ونصيحة من القلب تقع في القلب.
ذلك الشاب سمع كلمة صادقة من ناصح، والفتاة سمعت توجيها إيمانيا من والدها والشيخ يطمئن بكثرة ذكر الله والعصابة شعرت بتحريك لإيمانها فكلهم اشترك بينهم داعي الإيمان وصدق الكلمة التي انطلقت ودخلت لقلوبهم.
أخي : الناس فيهم خير فكلمة وابتسامة تحرك القلوب لله.
http://www.almuslm.com المصدر:
===========
ماذا أعددنا لكشف الضر والبلاء ؟
محمد شلال الحناحنة
عبر نظرة فاحصة لأحوال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها نجد أن أمتنا تعيش ابتلاءت متتالية، وتواجه مصائب كثيرة، أعظمها تسلّط أعدائها عليها، مما قهرها وأذلها، وجعلها تتأخر عن ركب الحضارة، وتستصغر نفسها أمام الأمم، ويمزقها الفساد من وجوه عديدة، فما أسباب ما أصابها من فجائع؟ وكيف تنهض مما آلت إليه؟! والحق أن لهذا الواقع المؤلم أسباباً كثيرة نوجز أهمها فيما يأتي:
1- إعراض الأمة عن شرع الله، والاحتكام إلى شرائع وضعية ناقصة زائفة، فظلمت شعوبها، وعانت قهر الأمم الأخرى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون" (45) (المائدة)، فلا مفرَّ لها، ولا ملجأ مما أصابها إلا بالعودة إلى حكم الله، والإنابة إليه.
2- الانغماس في المعاصي والذنوب، وترك سنة الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبذلك فقدت الأمة تلك الخيريّة المرتبطة بهذه السنة العظيمة كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر (آل عمران: 110).
3- عدم شكر النعم لمن حباهم الله منا بنعم الصحة والعافية، والمال والبنين والأمن والأمان، فابتلاهم الله بالضر، ليدركوا نعم الله عليهم ويشكروا له: "لئن شكرتم لأزيدنكم " (إبراهيم: 7)، ولذلك وجب التضرع إلى الله، وإخلاص الأعمال لوجهه الكريم، وصدق الدعاء والالتجاء إليه، لكشف هذا البلاء، وتزكية النفوس ببذل الصدقات في سبيل الله لأنها تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار.
4- حب الدنيا، والحرص على مظاهرها البراقة، ومتاعها الهالك، والتكالب عليها، مع عدم صفائها لنا، متغافلين عن ضرها وكدرها، متناسين الإعداد للآخرة بهمم عالية ونفوس تواقة للقاء الله ونيل رحمته ورضاه.(15/46)
5 سوء الخلق من كذب وكبر وفسوق وخيانة للأمانة، وتبذير، وعدم الصبر، مما أفقدنا حلاوة الإيمان وسلط علينا من لا يرحمنا، فتوالت علينا المصائب والأحزان.
6- تسويف التوبة والاستغفار، مما رفع رحمة الله عنَّا، ومُنعنا الغيث، وأصابنا القنوط، فليس من مخرج من هذا البلاء إلا الإنابة إلى الله: وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو (الأنعام: 17)، وعلينا الأخذ بسننه من الإعداد للنهوض والقوة والرقي.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
===========
شبابنا وثقافة الإنترنت
محمد بن عبد الله الدويش
يندر أن تجد من يخالفك اليوم في أن كثيراً مما يتداول في الشبكة العنكبوتية ـ وخاصة في بعض ساحات الحوار ـ يبرز مرضاً فكرياً نعاني منه.
وليس المجال مجال الحديث عن الشبكة وما يدور فيها فله ميدان آخر، إنما الذي يعنينا هنا دلالته على التفكير السائد لدى أولئك.
والقاسم المشترك لدى شريحة واسعة منهم: السطحية والسذاجة الفكرية، أو السب والشتم المقذع، أو الخروج عن أدب الحوار والجدال، أو القول في الدين بغير علم.... إلى آخر تلك المآسي التي تبدو لمن يتصفح هذه المواقع.
وأجزم أن هؤلاء لا يمثلون مجتمع الصحوة تمثيلاً صادقاً، لكنهم بالتأكيد شريحة وفئة ليست قليلة.
إن هذه الظاهرة تدعو الغيورين على هذا الجيل الذي يفكر بهذه العقلية إلى التأمل والمراجعة؛ فهي إفراز لبعض جوانب الخلل والإخفاق في الواقع التربوي.
ونتساءل هاهنا: إلى أي حد نتوقع من هذا الجيل الذي يفكر بهذه العقلية أن يسهم في مشروع الإصلاح والبناء المناط بهذه الصحوة؟ وهل مثل هؤلاء على مستوى التحديات التي تواجه الأمة اليوم؟
إن المربين والمصلحين بحاجة إلى أن يضعوا ضمن برنامج عملهم الارتقاء بهذا الجيل، وأن يوظفوا مثل هذه المشكلات في فهم الثغرات التربوية لدى الشباب.
ومن الوسائل التي ينبغي أن يعنى بها في التعامل مع هذه المشكلة:
1- تحقيق المزيد من التواصل مع الشباب، وفتح الصدور والقلوب لهم، والصبر على ما قد يبدو من بعضهم من أخطاء؛ فهذا مدعاة لأن يقتربوا من المصلحين والمربين.
2 - توسعة المحاضن والمجالات التربوية التي يمكن أن تستوعب هؤلاء الشباب؛ فالنماذج المتاحة لا تتلاءم مع الحاجة المتزايدة، وإمكاناتها العددية لا تستوعب كثيراً من الشباب، كما أن النمط السائد فيها لا يلائم كافة الشرائح، فلا بد من تعدد الأنماط واتساع أفق المربين لاستيعاب مجالات عمل متنوعة تستوعب كافة الفئات.
3 - الاعتناء بالبناء العلمي والفكري، وإثراء الساحة بالمزيد مما يسهم في الارتقاء بالشباب، بدلاً من التركيز على الخطاب العاطفي وحده؛ فالساحة الدعوية اليوم يسيطر عليها الخطاب العاطفي والحماسي، ومع أهميته وتأثيره إلا أن المبالغة فيه تؤدي إلى إيجاد جيل يندفع مع العواطف ويقنعه هذا اللون أكثر من الخطاب المنطقي العقلي.
4 - الاعتناء بتيسير المادة الفكرية والعلمية التي تستهدف الشباب؛ فكثير مما يقدم لا يتلاءم مع مستوياتهم فلا يحظى بالقبول لديهم.
5 - مراجعة الأهداف التربوية، وتحقيق مزيد من الاهتمام بتنمية الجوانب العقلية، والارتقاء بمهارات التفكير لدى الشباب، والتخفيف من التركيز على تقديم المادة العلمية والثقافية من خلال خط اتصالي وحيد الاتجاه.
6 - توسيع دائرة الحوار المباشر والتدريب على مهاراته داخل البرامج واللقاءات التي تقدم للشباب.
7 - تهيئة مجالات وفرص عمل دعوية واسعة على شبكة الإنترنت لتكون بديلاً لهؤلاء الشباب يصرفون فيها جزءاً من أوقاتهم التي يصرفونها على الشبكة.
1424هـ * مارس 2003م
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============
إلى كل مسلم
عبد الله القادري
لا يخفى على أحد حالنا الذي نعيشه اليوم، والمصائب التي نزلت ولا زالت تنزل بنا. قد يطرح السؤال: وما السبب في ذاك؟! والجواب: نحن السبب في ذلك كله، ولماذا؟ لأن الله - سبحانه وتعالى - أنزل إلينا كتابا وأرسل إلينا رسولا، فهجرنا الكتاب وخالفنا الرسول - صلى الله عليه وسلم -. لقد كنا قبل ذلك في جاهلية جهلاء حمقاء عمياء، حتى إن الرجل فيها كان يدفن ابنته (فلذة كبده) وهي حية، وكان أهلها يعبدون الأصنام والأوثان من الحجر والشجر، بل إن منهم من كان يصنع الصنم من التمر فيعبده في النهار فيأكله في الليل!!! لقد كنا مغمورين لا يكاد يعرفنا أحد.
وكنا أرقاء أذلاء مستعبدين، تحت وطأة الغزاة من الفرس والروم حتى جاء الإسلام فحرر بلادنا من الغزاة المستعمرين والطغاة المستبدين وفتح أعيننا على النور، ورد لنا عقولنا بعد أن تاهت في دياجير الخرافات والأوهام، وبعد أن كمنا مغمورين لا نكاد نًعرَف ولا يحس بوجودنا، أصبحنا نحن العالم الأول في الدنيا وأشرقت شمس حضارتنا فأضاءت الدنيا شرقا وغربا، وأصبح الذين كانوا بالأمس يطئوننا بأقدامهم يرتجفون من الخوف منا وتكاد تنخلع قلوبهم برؤيتنا، إن هؤلاء الذين يزعمون اليوم بأنهم أرقى الأمم ووصلوا إلى القمر ويحاولون الوصول إلى المريخ، واخترعوا السيارات والطائرات والآلات والأسلحة المختلفة...هؤلاء تلامذتنا، نعم، وتعلموا في مدارسنا وجامعاتنا ولكن غاب الأساتذة فتولى مكانهم التلاميذ، ماذا يعرف التلاميذ؟ هل يعرفون أحسن من الأساتيذ؟!(15/47)
إن العلم عندنا مرتبط بالإيمان فالعلم يتقدم ويسير والإيمان يسدده، حتى لا يزل عن الطريق المستقيم الذي رسمه الله رب العالمين، وبينه رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم -، ولكن هؤلاء أخذوا العلم وحده وتقدموا به، هانحن نرى الحال الذي أوصلونا إليه.المفروض نحن الذين عندنا العلم والإيمان نتقدم ونقود العالم كما كنا من قبل، ولكننا عجزنا عن القيادة فتفلت الزمام من بين أيدينا فأصبح في أيديهم، فصاروا يوجهون القافلة إلى حيث شاءوا إن هؤلاء كانوا سكارى عندما كنا نحن نقود العالم، كانوا سكارى من خمر المادة والنعيم الذي كانوا فيه في ظل قيادتنا فلما أفاقوا وصحوا من سكرتهم انبهروا بعبقريتنا وما وصلنا إليه، وأخذتهم الدهشة وقالوا: " كيف استطاعوا هؤلاء الذين كانوا بالأمس عبيدا لنا أن يصلوا إلى هذا الحد من التقدم والعمران؟ وكيف غاب عنا نحن هذا؟ ومنذ ذلك الوقت وهم يخططون للقضاء علينا وبعد حروب طويلة كانت سجالا بيننا وبينهم، استطاعوا في النهاية أن يتغلبوا علينا ويسقطوا دولتنا، ومنذ ذلك الحين ونحن متفرقون مختلفون ولا زلنا كذلك إلى الآن، وأعطونا الخمر التي سكروا بها من قبل فشربناها وبدأوا هم يأخذون كل ما يعجبهم من تراثنا وتقاليدنا وقيمنا وخيرات بلادنا، وسكرنا نحن وغابت عقولنا وغرقت نفوسنا في الشهوات والملذات وأصبحت المادة هي رب الناس عليها يجرون ويتقاتلون ومن أجلها يحبون ويبغضون وعليها يصبحون ويمسون ويحيون ويموتون، هذا هو حالنا، كما لا يخفى على عقل، فمتى نعود كما كنا، إلى سالف مجدنا وعزنا؟!.
يجب أن نعلم أننا كلنا مسؤولون أمام رب العالمين عن ضياع هذا الدين وضياع أهله، فما عسانا نقول عندما يوقفنا أمامه ويسألنا ماذا فعلتم من أجل ديني الذي ارتضيته لكم؟ وهل اتبعتم كتابي الذي أنزلته إليكم؟ هل ائتمرتم بما أمرتكم به؟ هل انتهيتم عما نهيتكم عنه؟ وهل اتبعتم رسولي الذي أرسلته إليكم؟ هل صدقتم به وبما جاءكم به من عندي؟ هل اتبعتم سنته واهتديتم بهديه؟ فبماذا ستجيبون؟ وكيف يكون شعوركم وأنتم تسمعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بين يدي ربه: " وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً... الفرقان- الجزء التاسع عشر.
ماذا نقـ، ول لربي حين يسألنا عن الشريعة لم نح، مي معاليها
ومن يجيب إذا قال الحبيب لنا أذهبتم سنتي والله محييها
إن لم نعدها لدين الله عاصفة سيذهب العرض بعد الأرض نعطيها
فيجب أن نفكر في الإجابة من الآن، ويجب أن نعمل لديننا ولإعادة مجدنا وعزنا من الآن، ولن يكون لنا ذلك ونحن مختلفون ومتفرقون.
فوحدوا صفوفكم وكلمتكم واجمعوا شملكم وشتاتكم، واتحدوا تحت راية واحدة هي راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -. دعوا الخلافات المذهبية التي مزقتكم، دعوا النزاعات عن الفروع، وتمسكوا بالأصول. اطردوا الأنانية وتآخوا في ما بينكم فكلكم إخوة ولا فضل لأحدكم على الآخر إلا بالتقوى وارجعوا إلى كتاب ربكم وتدبروه ففيه كل شيء، ولا تقرأوه تلك القراءة الجوفاء التي لا طائل من ورائها فهو الكتاب الذي أحيا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، العرب بعض أن كانوا أمواتا فلما قرأه عليهم وفتحوا له عقولهم وقلوبهم وفهموه إذا بهم يصحبون أمة أخرى، غير التي كانت معروفة من قبل.
فيجب أن نفتح له عقولنا وقلوبنا ونفهمه كما فعلوا حتى نتغير كما تغيروا.
http://www.da3ya.net المصدر:
===========
لترتفع رسائل الدعاة ... نحو النجوم
أحمد عبد المحسن العساف
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على إمام الدعاة وقدوة العباد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً؛ وبعد:
فهذه طريقة مقترحة تبين كيفية كتابة رسالة دعوية راقية ومؤثرة في المدعوين؛ اقتضتها الحاجة وكثرة السؤال ممن بذلوا أوقاتهم لخدمة دين الله ونفع عباده؛ وقد جاءت في اثنتي عشرة خطوة كما يلي:
أولاً: اجعل لطرحك مسوغاً:
فذلك أدعى لقبوله ولفت الانتباه إليه؛ وحتى لا يتسلل الشك إلى نفس المخاطب بأنه المقصود بالحديث خاصة في بعض المسائل.وهذا المسوغ:
إما أن يكون موجوداً: كأن يبدأك بسؤال أو ذكر حادثة فتجيب أو تعلق بما يناسب، أو أن ترى منظراً لرجل مصاب فتذكره بنعمة الله وحقوقها، أو تشاهد مستغرباً في لباسه فتحدثه عن نعمة الإسلام والتدين وتعمق مفاهيم الولاء والبراء لديه. ومثله أن تستغل التزامك بقوانين المرور وأنظمته للتذكير بضرورة الالتزام بأوامر الله ونواهيه وتعزيز مفاهيم الأمانة وحفظ الضرورات الست عنده، وكأن تستغل انضباطه بمواعيده للثناء عليه وذكر فضيلة الوفاء بالوعد والعهد ثم تتخذ ذلك منطلقاً للحديث عن الصلاة ومواقيتها وجماعتها وتعرج على المنافقين بفضح خلائقهم وصفاتهم دون أسمائهم.
أو تسعى لإيجاده: كأن تورد القصة من باب التسلية ثم تعلق عليها، أو تستمع معه إلى شريط نافع أو برنامج ماتع وتناقشه فيه، أو تبادره بالسؤال عن الامتحانات لتحدثه عن فضيلة الصبر أو الشكر؛ أو تستخبره عن والديه لتعقب بحديث عن حقهما ووجوب برهما وطاعتهما في غير معصية. وهكذا حتى لا يشعر صاحبك أنك تعتسف الحديث اعتسافاً.
ثانياً: لا تشعره بأنك تلقي محاضرة:
وذلك بأن تكون على سجيتك أثناء الطرح؛ متوسط اللغة غير متقعر ولا مسفٍ ولا مغرقٍ في العامية؛ ولا تبدأ حديثك بما تبدأ به المحاضرات بالرغم من فضل تلك البداية وأجرها. ولتكن معانيك واضحة قريبة سهلة المأخذ وحاذر الرمزية وكن مباشراً دفعاً للظنة والفهم الخاطئ.
ثالثاً: اجعل لطريقة عرضك خطة قبل اللقاء:(15/48)
وذلك بالتزام منهج تسلكه لبلوغ الهدف المنشود من اللقاء معتمداً على ترتيب الأفكار ومراعاة الأولويات، فلا تذكر للمدعو صوراً من الربا قبل ذكر تعريفه وبعض أدلة تحريمه؛ وتذكر أن إيجاد المسوغ من أهم مهمات خطة الطرح.
رابعاُ: احرص على رؤوس الأقلام المهمة:
فقد لا يسعفك الوقت أو شخصية المقابل، فلا تطل واكتف بذكر رؤوس الأقلام المهمة لكونها أرسخ في الذهن وأبعد عن الملل؛ ولا مانع حسب حالة المتلقي من تكرارها؛ وتذكر قول المبرد: " من أطال الحديث وأكثر القول فقد عرض أصحابه للملال وسوء الاستماع ".
خامساً: لا تذكر الشبهة نقداً وتجعل ردها نسيئة:
والصواب ذكر المفهوم الصحيح والتأكد من فهمه ورسوخه ثم ذكر الشبهة وتفنيدها؛ وسيكون نجاحك أكيداً باهراً لو شاركك المدعو بتفنيد الشبهة ودحضها بناءً على قولك الأول.
سادساً: ليس ضرورياً أن يكون لكل لقاء موضوعاً خاصاً:
ويتأكد ذلك في الجلسة الأولى؛ ويكتفى بذكر الله حينما تعرض مناسبة كالآذان أو العطاس أو القيام من المجلس أو الفراغ من طعام أو شراب، وعند البخاري من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا " وقد علق الحافظ ابن حجر على ذلك بقوله: " ويستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال " ثم قال: " ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص؛ والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط ".
سابعاً: نوَّع خطابك:
فلا تجعله محصوراً في العلم أو العاطفة أو الفكر أو الأدب؛ بل شكله حسب المقام والمستهدف، ومن تنويع الخطاب أن يكون مرة بلسانك وأخرى عبر شريط أو إذاعة وثالثة من خلال كتاب أو مجلة، وهكذا..
ثامناً: لا يكن حديثك متشائماً:
فلا تشحن خطابك بالسلبيات ولا تصيره مكتظاً باليأس والقنوط والهزائم فذلك أدعى لرفضك ورد مقولتك وقطع العلائق معك. ولا يعني هذا الإغراق في الإيجابيات والتفاؤل المفرط الساذج لأن كثرتها خلاف الواقعية والموضوعية؛ والتوسط مطلوب في كل شيء.
تاسعاً: لا تشغله بالجزئيات:
فلعله لا يستفيد شيئاً من التوسع في ذكر اختلافات الأئمة - رضوان الله عليهم - في مسألة ما مثل ما يستفيده من الاقتصار على القول الراجح أو من ترسيخ حكم أساسي في ذهنه، ثم إن شغله بالجزئيات مدعاة لتشتيت الذهن وعدم شعوره بالفائدة ثم الانقطاع.
عاشراً: لا تسرد موضوعاتك مرة واحدة:
فلن يستفيد ولن تجد ما تحدثه به مستقبلاً إلا المعاد المكرر، وستكون كصاحب بيض وضعها في سلة واحدة وقطع بها أرضاً وعرة ثم عثر! فما ظنك بالبيض؟
الحادي عشرة: ليكن خطابك مما يحتاجه المدعو:
فلا تحدث فقيراً عن الإسراف وخطره مثلاً؛ ولا ترشد آخر غير سالكٍ إلى أهمية النظر في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية مثلاً، وإذا علمت عمن معك أنه يرافق صحبة سيئة فحدثه عن الصحبة الصالحة وبركتها. وليكن حديثك عن الأشياء الظاهرة عليه أو المعلومة عنه حديثاً غير مباشر خصوصاً في بدايات المعرفة. ويدخل ضمن هذه الفقرة مراعاة اهتمامات المدعو حتى يأنس بالجلوس إليك؛ ومنها أيضاً تحديث المدعوين على قدر مداركهم واستيعابهم كما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: " ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ".، وإياك إياك أن تطب زكاماً فتحدث جذاماً، والسلامة لا يعدلها شيء.
الثاني عشرة: تجنب متاهات السياسة ولا تدخل في موضوعات حرجة:
وذلك أجلب لاطمئنانه وأضمن لاستمراره، ومن نفيس كلام الإمام الشاطبي - رحمه الله - قوله: " وليس كل ما يُعلم مما هو حق يطلب نشره، وإن كان من علم الشريعة ومما يفيد علماً بالأحكام ". وليكن موقفك واضحاً في رفض الأخطاء واستنكارها كالتي يقوم بها بعض المنتسبين لأهل الخير - بنفس الدرجة التي تنكر بها المخالفات الأخرى.
الثالثة عشرة:
أخيراً أصلح نفسك وتعاهد سريرتك وتفقد نيتك يصلح الله لك مَنْ معك، ويجعل لكلامك نورانية تخترق حُجُب النفوس حتى لو كانت غليظة إلى حيث موقعها من قلب المدعو؛ وأحثك على مزيد من العلم ومزيد من الثقافة ومزيد من المهارة فلا يحسن أن يكون المدعو أميز من الداعية في واحدة مما ذكرت؛ وكن قدوة بسمتك وبقولك وبفعلك؛ سددك الله ووفقك وأعانك؛ ولله الأمر من قبل ومن بعد؛ والسلام،
* كتب مقترحة:
• مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي. د. عبد الكريم بكار.
• ثقافة الداعية. د. يوسف القرضاوي.
http://www.almurabbi.com المصدر:
==========
قواعد الدعوة إلى الله
الحمد لله، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فصلى الله وبارك عليه، وعلى آله، وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين أما بعد،،،
من فضائل الدعوة إلى الله:
فإن الدعوة إلى الله هي أشرف الوظائف، وأفضل الأعمال، فإنها الوظيفة الأساسية للنبيين والمرسلين، والعمل الرئيسي لسائر الهداة المصلحين، وقد نص الله - تبارك وتعالى - على أن أحسن الناس قولًا هم الدعاة إلى الله، فقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[33]} [سورة فصلت].(15/49)
كما أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن الداعين إلى الله، العاملين بعلمهم، المعلمين لغيرهم هم أعلى الناس درجة، وأكثر الناس تأثرًا وتأثيرًا بالدين الحنيف، وأعظم الناس انتفاعًا بالغيث الذي أغاث الله به الأرض، فعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: [مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ] رواه البخاري ومسلم.
كما أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عظيم مثوبة الدعاة عند الله، فَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: [لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ] فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ: [أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ] فَقَالُوا: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: [فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأْتُونِي بِهِ] فَلَمَّا جَاءَ بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ: [انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ] رواه البخاري ومسلم. يعني من أن تتصدق بأنفس المال.
خير مناهج الدعوة:
ولقد رسم القرآن الكريم خير مناهج الدعوة فيما وصف للدعاة من آياته المحكمة، وفيما قص الله عن النبيين والمرسلين من طرق دعوتهم إلى الله التي تعتبر النموذج الأعلى للداعين إلى الله، وقد وضع القرآن الكريم النظام الأساسي للدعوة إلى الله - تعالى - إذ يقول: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...[125]}[سورة النحل].وإذ يقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[108]}[سورة يوسف].
قواعد الدعوة إلى الله:
أولاً: الحكمة في الدعوة إلى الله:
فقد طلب الله من الداعي إليه أن يسلك طريق الحكمة في دعوته، والحكمة: 'هي وضع الأمور في مواضعها' فاللين حيث ينفع اللين، والشدة حيث لا يجدي غيرها، فوضع اللين في موضع الشدة مضر كوضع الشدة في موضع اللين.
ومن الحكمة في الدعوة:
1- معرفة نفسيات المدعوين، ومنازلهم: فدعوة الأمي غير دعوة المتعلم، والمستقيم في الجملة غير المنحرف، والمعاند غير خالي الذهن، وسادة القوم غير عامتهم. وهذه القاعدة في الدعوة من أعظم أسباب نجاحها؛ ولذلك دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام أول الأمر سرًا ثلاث سنوات.
2- اغتنام الفرص الملائمة للدعوة: ومن أروع الأمثلة على ذلك ما ذكر الله في قصة يوسف - عليه السلام - مع صاحبه في السجن إذ يقول: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ[36]}[سورة يوسف]. فهذان السجينان رأى كل واحد منهما رؤيا، وهي رؤيا غريبة تستدعي الاهتمام لذلك بحثًا عن معبر لها، ولم يختارا غير يوسف الصديق، وكان الذي حملهما على اختياره دون غيره هو ما رأياه عليه من حسن السلوك، والإحسان في القول والعمل، وما على وجهه من آثار الصلاح يدل على ذلك كله قوله: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.(15/50)
وحينما رأى يوسف - عليه السلام - حاجاتهما الماسة لتعبير هذه الرؤيا العجيبة، ورأى كذلك من حسن ظنهما فيه؛ اغتنم هذه الفرصة لدعوتهم إلى الله، وكان من حكمته - عليه السلام - أن يبدأ قبل دعوتهما إلى الله، وقبل تفسير الرؤيا لهما بزيادة تعريفها بنفسه، وتشويقهما إلى حديثه، وبيان نعمة الله على أهل التوحيد، فقال: {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي... [37]} ثم بين لهما أن الشرك بالله سبب لكل شر، وأن توحيد الله سبب لكل خير، فقال: {... إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ[37] وأتبعت ملة وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ[38]} ثم بعد كل هذه التمهيدات العظيمة جرد الدعوة إلى التوحيد فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[سورة يوسف].
وبعد إقامة هذه الحجة على هذه الدعوة العظيمة، فسّر لكل واحد من صاحبي سجنه رؤياه في عبارة موجزة صريحة واضحة لا لبس فيها ولا غموض. فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ[41]}[سورة يوسف].
ومن اغتنام الفرص في الدعوة كذلك: أن يتخول الدعاة المدعوين بالموعظة الحسنة في غير إكثار ممل: فإن كثرة الكلام تنسيه وتمله، ولذلك كان رسول الله يتخول أصحابه بالموعظة الحسنة مخافة السآمة عليهم، مع أن حديثه كان أعذب حديث يستمعون إليه، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - إذا تكلم كأن قطع السكر تتناثر من فمه - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذاك كله، فقد كان لا يكثر على أصحابه وإنما يغتنم الفرصة، فيتخولهم بالموعظة الحسنة مخافة إملالهم، فَعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ قَالَ: ' أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا' رواه البخاري ومسلم.
كما أشعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قصر الخطبة يوم الجمعة من فقه الرجل، فقد روى مسلم في صحيحة من حديث عمار بن ياسر - رضي الله عنهما - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: [إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ].
ولقد كان السامع له - صلى الله عليه وسلم - يستطيع أن يعد كلامه، ومع ذلك إذا تكلم أعاد الكلمة ثلاثًا ليفهم عنه - صلى الله عليه وسلم -.
3- ملاحظة أقدار الناس، وعدم التسرع في الكلام حتى تحين فرصة قد تكون الكلمة فيها خيرًا من كثير من الكلام.
4- مراعاة بيئة كل مدعو، وضرب الأمثال النافعة له من واقع بيئته، ولفت نظر المدعوين إلى نعم الله عليهم، وإحسانه إليهم دون قسوة أو غلظة، بل يزن الكلام وزنًا ويقدره تقديرًا قبل أن يتكلم به، ثم يستشعر الداعية في نفسه موقف المدعو وكأنه هو، وأن مراده من دعوته إنما هو سعادته في الدنيا والآخرة.
5 - ومن الحكمة كذلك: تلوينها فالسرية حين يغلب على الظن أن تنفع السرية والجهرية والليلية حين تواتي الليلية والنهارية حين تواتي النهارية: وفي ذلك كله يذكر الله حكمة نوح - عليه السلام - في دعوته إذ يقول: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا[5]فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا[6] وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا[7]ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا[8]ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا[9]فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا[10]يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا[11]وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا[12]}[سورة نوح].
6- أن يبدأ بالترغيب والتذكير بنعم الله على المطيعين: وفي ذلك يقول - تبارك وتعالى - في قصة نوح - عليه السلام -: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا[10]يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا[11]وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا[12]}[سورة نوح].(15/51)
ولذلك كله رأينا مؤمن آل فرعون الذي يكتم إيمانه يقول لآل فرعون لما هددوا موسى - عليه السلام - بالقتل، قال هذا الداعية الصالح مع كتمانه إيمانه: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ... } ثم يقول زيادة في التكتم: {... وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ... } فقد قدم الكلام على احتمال كذبه على الكلام على احتمال صدقه زيادة في أمر كتمانه أمره، ثم كان من أروع طرق جداله أن يستدل على صدقة بسلامة سلوكه وحسن هديه ولذلك قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ[28]} [سورة غافر].
وكأنه يقول: موسى صادق؛ لأنه مهتد، ولو كان كاذبًا لم يكن مهتديًا، فاستدل باهتدائه على صدقة، ثم قال: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ[29] وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ[30]مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ[31]وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ[32]يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ[33]}[سورة غافر].
ولما رأى أن قومه مصرون على عداوة رسول الله، والمحاربة لدين الله {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ[36]أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا... [37]} [سورة غافر].
لما قال فرعون هذه المقالة لم يجد هذا المؤمن حيلة من إعلان إيمانه، وليكن ما يكون، وفي ذلك يقول الله - تعالى -: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ[38]يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ[39]}[سورة غافر].
ثم يقول: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ[41]تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ[42]لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ[43]فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ[44]}[سورة غافر].
أما القاعدة الثانية من قواعد الدعوة إلى الله: فهي سلوك الموعظة الحسنة: والأقوال الرقيقة، والعبارات المؤثرة، وقد اشتملت الأمثلة التي ذكرت الكثير منها.
أما القاعدة الثالثة: فهي الجدال بالتي هي أحسن: فيبتعد الداعية عن الأقوال الشنيعة، والألفاظ البشعة، بل يستدل بالفعل عندما ينفع الاستدلال بالفعل، وبالنقل عندما يرى الاستدلال بالنقل، ويلفت نظر المدعوين إلى آيات الله الكونية، ويحرص أشد الحرص على الخصم بإقراره، وإلى ذلك كله يشير الله - تبارك وتعالى - إذ يقول: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ[24]قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ[25]قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ[26]قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[27]}[سورة سبأ].
ومن أعظم قواعد الدعوة الشاملة للقواعد الثلاث المتقدمة: أن يكون الداعي على بصيرة: وبصيرة الداعية تسلك به أحسن السبل وتهديه أقوم الطرق.
ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المثل الأعلى في حسن الدعوة إلى الله: قولًا، وعملًا، وسلوكًا، وكذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث داعيًا أمره بأحسن طرقها، فقد روى البخاري ومسلم من حديث أَبِي مُوسَى قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: [بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا]. كما روى أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَسَكِّنُوا وَلَا تُنَفِّرُوا] رواه البخاري ومسلم(15/52)
وكان من أمثلة ذلك عمليًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما روى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَهْ مَهْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: [لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ] فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: [إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ - عز وجل - وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ-أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -] قَالَ: فَأَمَرَ رَجُلًا مِنْ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ. رواه البخاري ومسلم-واللفظ له-. وفي رواية للترمذي وغيره: [أَهْرِيقُوا عَلَيْهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ] ثُمَّ قَالَ: [إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ].
ومن أعظم أسباب نجاح الدعاة: أن يتحلوا بالصبر: ولذلك قال لقمان لابنه وهو يعظه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[13]}[سورة لقمان].
كما أن من أعظم أسباب نجاح الدعاة كذلك: أن يكونوا عاملين بما يدعون الناس إليه، منتهين عما ينهون الناس عنه: وقد وصف الله الذي يخالف قوله فعله بأنه ممقوت، وفي ذلك يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ[2]كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ[3]}[سورة الصف].
ولله در الشاعر إذ يقول:
يا أيها الرجل المعلم غيره *** هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى *** كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يسمع ما تقول ويهتدى *** بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
ولذلك قال شعيب - عليه السلام - لقومه: {... وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[88]}[سورة هود]. والحمد لله أولاً وآخرًا.
___________________
من محاضرة 'طرق الدعوة إلى الله' للشيخ عبد القادر شيبة الحمد
الاثنين 7 رجب 1425هـ - 23 أغسطس 2004
http://links.islammemo.cc المصدر:
============
فضل الخطابة ومكانتها في الإسلام
إعداد حسن زهرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
بلغت الأدلة على فضل الدعوة إلى الله مبلغًا عظيما قرآنية كانت أم سنية عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم -.
قال - تعالى -: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين {فصلت: 33}.
فلا أحد أحسن قولا ولا أفضل عملا، ولا أكرم سعيًا، ممن دعا إلى مولاه، واقتدى برسوله، واهتدى بهداه. مما يوضح أهمية الدعوة إلى الله وفضلها وما يجنيه الداعي إلى الله من عظيم أجر وكثير فضل، واستغفار الملائكة.
وكفى الداعي إلى الله شرفًا أنه وريث الأنبياء قال - صلى الله عليه وسلم -: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة، وإنَّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء وإنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر". {صحيح الجامع ح6297}
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم وإنَّ الله - عز وجل - وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير". {صحيح الجامع ح4213}.
هذه الأحاديث وغيرها كثير تحثنا على طلب العلم ونشره بين الناس وتعليمه لهم وهي كافية لتكون تمهيدًا لمن أراد لنفسه التصدر في دعوة الناس وهدايتهم، حتى يهتم بدعوته ويطور من أسلوبها، ويتعلم كيف ينمي حصيلته العلمية وينظم لها الطريق الذي يصل به إلى الناس بصورة مفيدة، ومشوقة ونافعة.
ولأن الخطابة صورة من أبرز صور الدعوة إلى الله - تعالى - فقد نالت تلك المكانة السامية في الإسلام فبها "تتهذب النفوس، وتنتبه العقول من غفلتها، وتستيقظ من رقدتها، وتستنير البصائر بنور الطاعة، بعد أن أظلمتها المعاصي" {هداية المرشدين ص93}، وهي فوق ذلك كله "سلاح من أسلحة الدعوة يُحِقُّ الله به الحق، ويبطل الباطل، وعندما يكثر المبطلون في الأرض، ويظهر شرهم في البر والبحر، فإنَّ الخطيب واحد من الذين يتصدون لهذا الشر كسرًا لشوكته مع غيره من رفاق السلاح على طريق الحق".
{الخطابة في موكب الدعوة د- عمارة ص55}.
"لذلك فقد عنى الإسلام بالخطابة فشرع الخطب أيام الجمع والأعياد ليقوم الخطيب فيها بإرشاد يراعى فيه حال الأمة فيقرع أسماعها بالموعظة الحسنة ويستنهضها للأعمال التي تكفل عزها في الدنيا وسعادتها في الآخرة". {المصدر السابق}.
"إن الخطيب يرشد السامع إلى ما يحتاج إليه من أمور دينه ودنياه ويقيم له مراسيم لتقويم عيشه والاستعداد إلى ميعاده، وحسب الخطابة شرفًا أنها وظيفة قادة الأمم من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين". {فن الخطابة ص15}.(15/53)
"والخطابة وحدها هي السبيل لمخاطبة العقل والوجدان وتحريك المشاعر وتنبيه القلوب والأفئدة لتستيقظ بعد غفلة وتنتبه بعد غربة وتهتدي بعد ضلال".
{الخطابة الإسلامية د- أبو العمايم}.
"وأكدت التجربة أن الخطابة بالدرجة الأولى استعداد...ولكنه ينمو بالممارسة والتلقي عن نماذج حَيَّة تأخذ عنها مباشرة، ومن وراء الاستعداد رصيد من الثقافة يغترف منه الخطيب... وملاحقة للأحداث الجارية بما يناسبها من علاج على ضوء الشرع.
إن الخطابة ليست علمًا يُسْتَوْعَبُ وتُحْفَظُ قواعده لكنها ممارسة ومعاناة".
{الخطابة في موكب الدعوة ص5، 6}.
المنبر ومكانته
المنبر الذي نعنيه ليس هو فقط مجرد القطعة الخشبية المكونة من ثلاث درجات، أو حتى تلك الكلمة التي يزعمها كل من اعتلى منصة فتكلم من فوقها.
ولكننا نقصد تلك المكانة المعنوية، والهيبة الدينية، المستمدة من بيت الله والدعوة إلى الله، حتى وإن لم تكن منبرًا على صورة منبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو خلفائه، بل لو وقف المتحدث (الخطيب) أمام المصلين بلا منبر فهو على منبر الحق، ويعتلي أفضل مكانة، وأحسن منزلة، بوقوفه هذا، فالعبرة ليست بالقطعة الخشبية، ولكن العبرة والمقصود هو الفائدة المرجوة من وقوفه وبمن يُخَوِّفُ ويُنْذِرُ ويَعِظُ، فهو يبلغ عن الله، ويحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويُخوِّفُ بالنار، وينذر بالعذاب، ويُبشر بالجنة ورحمة رَبِّ العالمين.
هذا هو الذي نعنيه ونريد أن نبرز دوره، وخطورة إهماله، لذا حاول أعداء الدين إضعافه وتهميش دوره لما لديهم من علم مسبق أنه مصدر الإصلاح والخير، وموقظ الهمة، ومبعث العزة وهو أيضًا مصدر تعليم الناس وتنويرهم.
فالمنبر هو مكان رسول الإسلام - عليه الصلاة والسلام - ولابد من وقفة متأنية لكل من أراد أن يعتليه، يسأل نفسه لماذا تقف هذا الموقف؟ ومكان من هذا؟ وماذا تقول من فوقه؟
إن هذه الأسئلة مهمة في أن تُرَوِّضَ مَنْ يندفع للخطابة وليس لها بأهل.
إن المنبر هو تلك المكانة المرموقة التي غُرِسَتْ في نفوس المسلمين وعقولهم، وهو المنزلة الرهيبة التي يهابها الجميع.
فمهما وقف الخطيب أمام الطلبة في الجامعة؛ ومهما تحدث في الندوات واللقاءات أمام ألوف الناس فهذا شيء والمنبر شيء آخر، فالمنبر يبث فيمن يعتليه الرهبة وفي الجالسين أمامه المهابة.
ثم مكان من هذا؟! إنه موقف محمد المعصوم الذي علم - صلى الله عليه وسلم - من فوقه البشرية ووجههم ووعظهم وخوفهم ونصح لهم وأرشدهم. وموقف السلف من بعده - صلى الله عليه وسلم -.
أن هذا المكان حِكْرٌ أو ينبغي أن يكون حِكْرًا على الصالحين المصلحين، خاصًا بالدعاة إلى رب العالمين، لا نصيب فيه للأفاكين، أو المضللين، أو لبائعي دينهم بدنيا غيرهم، فالمنبر أطهر بقعة في الأرض وكيف لا وهو في أفضل وأطهر مكان ألا وهو المسجد واختص به الرسول - صلى الله عليه وسلم - دون سواه في حياته، فهل بعد هذا الوصف يجرؤ مفرط أن يعتلي المنبر وهو يعلم من نفسه أنه فارغ العلم، فاقد النصح لغيره، عديم النفع لهم؟!
ثم يسأل نفسه: ماذا أقول من فوقه؟
من أجل تلك المكانة وهذه المنزلة كان لزامًا على كل غيور على دينه أن يقوم بدوره لإعادة الهيبة للمنبر ولمن يعتليه.
والله من وراء القصد.
http://www.altawhed.com المصدر:
============
في رحاب ليلة القدر
الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري
الحمد لله الذي هدى إلى الإحسان، وجعل كتابه دليلاً لأهل الإيمان، والصلاة والسلام على مَن زانه ربه بالقرآن، وحباه بليلة القدر في رمضان، وعلى آله سادة الأزمان، وصحبه نجوم الأكوان، وعلى مَن تبعهم من أهل الحق والإتقان، وبعد:
فسلام من الله عليكم ورحمة من لدنه وبركات.
يقام هذا الاحتفال الكبير المبارك بليلةِ القدرِ التي أشرقت منها هويةُ هذه الأمة وأينعت حضارتُها،
لذا كانت ليلةً عظيمةَ الشأنِ رفيعةَ الشرفِ، والشريف والعظيم يرفع قَدْر مَن يلوذ به ويكون معه.
أيها المؤمنون في مشارق الأرض ومغاربها: إن للمناسبات الكريمة والأحداث العظيمة آثاراً بعيدة المدى؛ تسمو بالناس بقَدْر ما لها من قوة دافعة، وبقَدْرِ ما يقتربون منها، ويعرفون قَدْرَها.
وإنّ اللياليَ والأيام لَتكتسِب مِيزتها من الحدث الذي يقع فيها؛
وإننا في ليلةٍ مباركةٍ عظيمٌ نفعُها، كثيرٌ خيرُها؛ تُعَلِّمُنَا حركةَ الحياة، وتُرْشِدنا إلى وسائل الإحياء.
فرمضان زمان، وليلة القدر وعاء حوى رسالة، واستقبل أمانة، أدَّاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ومطلوب منَّا متابعة هذه الأمانة؛ حفظاً وتبليغاً،
هذه الأمانة هي القرآن، قال - تعالى -: [وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ] ([1])
أي: شرف ومكانة، وعز وكرامة؛ لك يا محمد ـ اللهم صل وسلم عليه ـ ولقومك من بعدك.
وسوف تُسألون أيها العرب عن أمانة القرآن، وسوف تُسألون عن حمل رسالة الإسلام، ففي ذلك قَدْركم، قال - تعالى -: [لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابَاً فِيهِ ذِكْرُكُمْ] ([2])
أي: فيه عزكم ومجدكم، فيه شرفكم وكرامتكم ومكانتكم بين الأمم.
فلنأخذِ القرآنَ بقوة؛ قوةِ الفهم والعقل، قوة الخُلُقِ والعمل.
والمطلوب من المسلمين أن يتعاملوا مع ليلة القدر بما فيها من معانٍ سامية، وقيمٍ راقية.
• فالقدر يعني فيما يعني: الموازنةَ والتقدير، والنية والتخطيط، لتحقيق الآمال والمقاصد، والوصول إلى المرامي والأهداف؛فماذا تريد أيها المؤمن من ربك؛ لنفسك وأسرتك ومجتمعك، لوطنك وأمتك،(15/54)
فالبدءُ بالأعمال يمر عبر النية والتخطيط، وتقديرُ الأمورِ منوطٌ بمقاصدها، والعاقبة للمتقين.
وبعد النية والموازنة ومباشرة العمل وأدائه تأتي مرحلة المحاسبة والمراجعة، لوضع التقدير الصحيح.
• فليلة القدر تعني فيما تعني: إعطاءَ الدرجةِ والعلامةِ والتقدير؛ لأعمالك وأقوالك، وتصرفاتك وسلوكك؛ على أساسٍ من القرآن والسنة؛
لترى نتيجة عملك: أمن الناجحين الفائزين، أم من الخائبين الخاسرين؟!!.
فيا لسعادةِ مَن كانت نتيجةُ عمله نجاحاً وتشريفاً،
ومراجعةُ أمورِ دنياه تقدماً وازدهاراً،
وتقديرُه الروحي رقياً وفلاحاً.
• وبعد الموازنة والتقدير يأتي دور التشريف والوقار والتعظيم، والعزة والتمكين والتكريم؛
بعلوّ الدرجة ورفعة المنزلة عند الله؛
وذلك بمقدار ما تحمل في فكرك وعقلك وقلبك؛
فتَشَرَّف أخي المؤمن بالقرآن حملاً، وارفع قَدْرَك به عملاً.
• وإلى أولئك الذين فاتتهم هذه الحركة الانسيابية من الموازنة والتخطيط، والتقدير بالتشريف؛
فليلة القدر لا تفوتهم؛ إذ هي ليلة العزم والتأكيد:
فمَن عاش ليلة القدر بخشوع وصفاء، وطهر ونقاء؛ متوكلاً على خالق الأرض والسماء؛
فتح الله عليه، وألهمه رشده؛ وكانت ليلةُ قَدْره يومَ تعظيمِ ربه، وتوقيرِ دينه.
ألا وليُعلم أن ليلة القدر ليست ظاهرةً كونيةً تلمع، ولا شبحاً غامضاً في أرجاء السماء يُلمح، ولا رؤيةَ ملاكٍ في الفضاء يسبح.
ليلة القدر ليست مجرد نوراً في الظلام يسطع، ولا كنزاً مالياً بالصدفة يُدْفَع.
ليلة القدر ليست كوكباً درياً في سماء الكون يوقد، ولا صورةً جميلة في مخيلة الذهن تظهر.
فهذه وأمثالها أوهام في فهم العبادة، وانحرافات في وعي الدين، وذلك حين يكون التطلع إلى شكل العبادة بعيداً عن مضمونها، وحين يكون النظر إلى السطحيات لا إلى العمق والهدف، وعندها يُجَمَّد الدين عن الواقع ويُعزل، ويتحوّل إلى مجرد طقوسٍ وعاداتٍ وتقاليد.
ليست ليلة القدر كذلك؛ بل هي ليلة حصاد جهود أعمال أديتها على مدار العام؛ عبر سنوات عمرك، وأشهرِ سنتك وعامك، وأيام شهرك؛ لا للحظات أو سويعات، بل بأوقات مستديمات،
نعم، ليست ليلة القدر عبادةَ ساعاتٍ أو أيام، بل يكون ذلك دأبك على الدوام.
ويتحقق المراد: عندما يتحول كلُ مسلم إلى قرآنٍ بالحق ناطق، ولخير البشرية فاعل، ولنفع الخلق ساعٍ؛ بتلاوة القرآن حق تلاوته؛
ففعل: (تلا) لا يعني (قرأ) فقط، بل أصل معناه اللغوي: (تبع)، قال - تعالى -: [وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا] ([3])
أي: تبعها،
وأنتم يا أهل القرآن، ويا مَن أوتيتم الكتاب: اتَّبِعوا ما فيه واعملوا بأحكامه، وتخلقوا بأخلاقه، قال - تعالى -: [الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكَتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ، أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ] ([4])
وكان - صلى الله عليه وسلم - خُلُقه القرآن.
أيها الأخوة والأحبة: بالقرآن أضاءت الأرض بنور السماء، وسمت الأمة وارتفعت بخير النداء؛ مستخدمة العلم وسيلة للرقي والتقدم، وأداة للرفعة والتمدن؛ إذ كان أول توجيه في القرآن: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ] ([5])
ومنها انطلقت الحضارة الإسلامية الإنسانية وانتشرت.
فيا قارئ القرآن لا تقرأ وَرَقَهْ، بل اقرأ وارق، وفي الحديث: "يُقَال لصاحبِ القرآن يوم القيامة اقرأ وارْقَ ورتِّل كما كنت تُرَتِّل في الدنيا؛ فإن منزلتَك عند آخر آية تقرؤها "([6]) ، هكذا شأن مَن عرف قَدْر قرآنِ ربه، وقرأ القرآن في ليلةِ قَدْرِه.
ليلة القدر[سَلاَمٌ هِيَ]([7]) بين الناس، وطمأنينة هي بذكر الله في القلوب، وصفاء هي في النفوس.
ليلة القَدْر لحظةُ [مَطْلَعِ الْفَجْرِ] ([8]) نوراً يشع من قلبك الذاكر لله على جوارحك، وينتقل قيماً وأخلاقاً إلى سلوكك وأعمالك.
فمَطْلَع الفجر مولد النهار بضيائه بعد ليل مظلم مدلهم، مولد السعادة بعد الشقاء، مولد الطاقة بعد المعصية، مولد القرب إلى الله بعد الجفاء، مولد العهد بينك وبين ربك على الثبات والاستقامة.
وما أحوج الأمة اليوم لطلوع فجر نصرها الكامل، وبزوغ نهار عدلها المشرق، وزوال الغيوم عن شمس حضارتها، وفي الحديث: "إن الله لَيَرْفَعُ بهذا الكتاب أقواماً ـ اللهم ارفعنا بالقرآن وانفعنا ـ ويَضَعُ به آخرين"([9]).
فَأَقْبِلُوا ـ عباد الله ـ على القرآنِ بصدورٍ منشرحة، وقلوبٍ منفتحة، وعقولٍ واعية، ونفوسٍ مطمئنة؛ ليُعتمد القرآن ركيزة للعلوم، وأساساً للمعارف والفهوم، ومنطلقاً للدراسات والأبحاث، ومُحَدِّدَاً للقيم والمفاهيم، ومفتاحاً للانتصارات؛ باستخدام أسلوب الإحياء والتطوير، والانبعاث والتحديث.
فليس هناك أرقى من نهضةٍ؛ تقومُ على العلم.
ولا أبقى على حضارةٍ؛ تكون الحكمةُ رائدها.
ولا أخلدَ من أمةٍ تقومُ على الصلةِ الربانية والطهارةِ النفسية.
وكل هذا مبثوث موجود في كتاب ربك.
فالقرآن الكريم نورُ العلم الذي خرجت به الأمة من ظلمات الجهل وترهات الجاهلية.
وهو الهدى نحو الرقي الإنساني بعد حيرة الضلالات السابقة واللاحقة.
وبكلمة جامعة: القرآنُ حركةُ إحياءٍ وانبعاث؛ ونهضةٍ وعُمْران؛ يُصْلِحُ الزمانَ والمكانَ والإنسانَ؛ لطي صفحات الخمول والموات، وتذويب التحجر والجمود، وتجاوز المحاكاة والتقليد؛ للوصول إلى حركة الفعل والإبداع، وتجدد الجهاد والاجتهاد والتلازم بينهما، وللوصول إلى خير المواكبة والتحديث، ونعمةِ الواقعية والتطوير، قال - تعالى -: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وِلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ] ([10]).
ففي الإحياء حياة لكل شؤون الناس، وتنمية اقتصادية واجتماعية على أوسع مجال.(15/55)
ففي إحياء ليلة القدر حياة للإنسان الفرد؛
طوبى لِمَن أحيا ليلة القدر ببذل الخير وفعل المعروف؛ برفع مستوى معيشةٍ لفرد.
وطوبى لِمَن خفف آلام أسرة، ونقلها من حالة فاقة وضيق، إلى ساحة كفافٍ وَسَعَةٍ، بتحقيق الكفاية الحياتية لها.
في مثل هذا إحياءُ ليلةِ قَدْرِك، وبمثل هذا تشريفٌ لمنزلتك، فهذه الأعمال وأشباهُها هي الرافعة لشأنك، والمشرِّفة لِقَدْرك؛ عند الله وعند خلقه.
ونلمح في الإحياء نورَ تنميةٍ في المجال الاقتصادي الخاص والعام؛ بتحويله من مشروعِ إنفاقٍ خِدْمي صِِرْفٍ؛ إلى مشروعٍ تنموي مثمرٍ منتج، وفي هذا عملية إحياءٍ، وحسنُ تقديرٍ؛ متوافقٌ مع ليلة القدر.
في الإحياء للحياة: تنمية للواقع المادي بما يُحَسِّنْه، وللأعمال بما يجعلها مُتْقَنَة، وللفنون بما يُجَمِّلُها؛ مع ربط كل ذلك بالخالق المكوِّن، بالرحيم الرحمن، بِمَن عَلَّم الإنسانَ القرآن؛ متجاوزين التعلق بالشكل والمظهر، واصلين إلى الحقيقة والجوهر؛
فالعلوم مرتبطة بالله العليم، والعمل مرتبط بالله الرقيب، والحكمة مرتبطة بالله الحكيم، والصنعة والصناعة مرتبطة بالله الخبير، والزراعة مرتبطة بالله المحيي، والتجارة مرتبطة بالله الحسيب، والطب مرتبط بالله الشافي، والهندسة مرتبطة بالله المبدع، والقضاء مرتبط بالله العادل، والمحاماة مرتبطة بالله الحق، وهكذا في كل شؤون الحياة.
فهنيئاً لكم أيها السالكون سبل إحياء الإنسان، هنيئاً لكم أيها العاملون في سبيل التنمية؛ وقد اتخذتم سبل التحديث من مفاهيم القرآن، واستخدمتم أدوات التطوير من نتاج حضارة الإسلام؛ بعيداً عن التقليد والمحاكاة للآخر، ليس نبذاً أو تنكراً، بل تأصيلاً وتحققاً.
فلسطين والعراق:
أيها المؤمنون في كل مكان: يحتفل المسلمون بليلة القدر وشعبنا في فلسطين الحبيبة، وفي العراق الجريح؛ يعيش حالة تُدمِي القلب، وتَعصِر الفؤاد.
فمع لحظات الغروب يفطرون على صوت المدافع، لكنها المدافع القاتلة والقنابل المتفجرة.
ويصومون مع هدير الطائرات ودوي الدبابات وأزيز الرشاشات؛ تخترق أجسامهم، وتدمِّر أحلامهم، وتخطف بالموت مواليدهم وأطفالهم.
ولهم علينا حق؛ فإن لم نتمكن اللحظةَ واليومَ من أداء كامل هذا الحق هواناً وضعفاً؛ فلا أقل من المحافظة على هذا الحق وصيانته، وتوريثه لأجيالنا وأبنائنا عزة وقوة؛
فالقدس أمانة، ووحدة الأمة والشعب أمانة، ووحدة المسار والمصير أمانة، ومأمورون من الله بأداء الأمانة.
تذكروا عباد الله: أنه في الوقت الذي تمتلأ فيه مساجد المسلمين في شتى بقاع العالم بالعُبَّاد والداعين، الراكعين الساجدين في ليلة القدر المباركة؛ فإن هناك مسجداً أسيراً؛
الأقصى وراء القضبان صامد، وخلف الأسوار ثابت، يرنو بعين حزينة، نحو أمة ضعيفة عن نصرته، كليلة عن تأييد حق شعبه.
المسلمون وتهمة الإرهاب:
أيها المسلمون: يأتي احتفالنا اليوم وسط ظروف عالمية تحتم العمل الدؤوب بمسئولياتنا؛ كلٌّ في موقعه على أكمل وجه، وأعلى درجة من الإحكام والتقدير، إذا أردنا أن نحيا ليلة القدر بمعناها؛ للحفاظ على خصوصياتنا الدينية والثقافية والاجتماعية.
فلقد اُتخذت بعضُ الأحداثِ ذريعةً للإيحاء للعالم بوجود صلة بين أمتنا المسلمة، وبين القتل والتدمير والإبادة والتطرف، وقاموس التهم جاهز.
وحُوِّلَت أنظارُ المؤسساتِ الدوليةِ الكبرى إلى أعمال عنف فردية أو جماعية، وتناست بل تعامت عن أعمال العنف المنظَّم؛ الذي يُجرِّف الأرض، ويُهدِّم الحجر، ويُحرِّق الشجر، ويقتلع الإنسان من جذوره، ويغتال شعباً أعزل بأكمله.
وماذا يُسمى احتلالُ أرض الغير، وامتهانُ كرامة الإنسان، وإذلالُ الشعوب؛ إن لم يكن إرهابَ دولة؟!!!.
الدعاء:
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وأدم اللهم نعمة الاستقرار في بلادنا، ونعمة التقدم والازدهار في ربوعنا.
اللهم إنك عفو تُحب العفو فاعفو عنا، واقض حوائجنا فيما يرضيك عنا.
وصلى الله وسلم على نبيه الأمين، وآله الطيبين الطاهرين، وصحبه الغر الميامين، والحمد لله رب العالمين.
___________________
([1]) سورة الزخرف، [43/44].
([2]) سورة الأنبياء، [21/10].
([3]) سورة الشمس، [91/2].
([4]) سورة البقرة، [2/121].
([5]) سورة العلق، [96/1].
([6]) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو.
([7]) سورة القدر، [97/5].
([8]) سورة القدر، [97/5].
([9]) رواه مسلم.
([10]) سورة الأنفال، [8/24].
في جامع بني أمية الكبير بدمشق، مساء الثلاثاء 26/رمضان/1425هـ، 9/11/2004م.
http://www.odabasham.org المصدر:
=========
الدعوة واستخدام التقنيات الحديثة
لا يشك أحد أن التقنيات الحديثة اليوم بلغت درجة كبيرة من التقدم، وهي تستخدم لأغراض متعددة سواء كانت تلك الأغراض مشروعة أو ممنوعة، وصار الكل يتفنن في عرض ما لديه سعياً للتأثير في الآخرين، ومن المجالات الطيبة التي استخدمت فيها تلك التقنيات الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى -، بهدف تذكير المؤمنين بدينهم، ودعوة غيرهم إلى الإيمان بالله - عز وجل - المعبود بحق، اتباعا لأمره - سبحانه -: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل: 125)، وقوله - سبحانه -: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت: 33).(15/56)
أنواع التقنيات الحديثة التي يمكن استخدامها في الدعوة:
التقنيات التي يمكن استخدامها في الدعوة إلى الله كثيرة ومتعددة، وينبغي عدم الاقتصار على بعضها دون الآخر، وذلك بهدف تعميم الدعوة عن طريق كل الوسائل المتاحة، حتى ينتشر الخير وتعم الفائدة، ومن تلك التقنيات الحديثة:
1- الهاتف والجوال.
2- الإنترنت.
3- الإذاعة والتلفاز.
4- القنوات الفضائية.
5- الصحف والمجلات.
6- لوحات الإعلانات الالكترونية بالأماكن العامة وغيرها.
أهمية استخدام التقنيات في الدعوة:
لا يخفى أهمية هذه التقنيات، حيث إنها انتشرت انتشاراً واسعاً فقربت المسافات، ووفرت الكثير من الجهود، وصار الداعية من خلالها يستطيع الوصول إلى شريحة كبيرة من المدعوين، وأنها تنقل الدعوة بطريقة جديدة وشيقة وممتعة، وأن استخدام تلك التقنيات في الدعوة بديل عن الاستخدامات الأخرى قليلة النفع.
وممارسة الدعوة إلى الله - تعالى -من خلال التقنيات الحديثة والإنترنت خاصة لا تحتاج لشهادات أو دورات معقدة، فلقد تعلم الكثيرون من الدعاة أصحاب الشهادات الشرعية الكثير من وسائل وأساليب استغلال هذه الشبكة في الدعوة إلى الله في أيام قليلة، واهتدى على أيديهم خلق كثير لا يعلمهم إلا الله، فخصوصية التعامل مع الشبكة في أناس متخصصين قد اضمحلت لما تتمتع به هذه الشبكة من المرونة في التعامل معها لدى جميع شرائح المثقفين.
فالإنترنت مثلاً في أحيان كثيرة ليست وسيلة احتكاك مباشر بالناس، وهذا الأمر يعطي قدراً كبيراً من المرونة للدعاة فإن الناس سيستفيدون من موقعك الدعوي و المعلومات المتوفرة فيه، و هذا أمر يختلف عن الشيخ الذي يجلس في المسجد و يعلم الناس فإنه في حال سفره أو مرضه تنقطع الاستفادة من علمه، ثم أيضاً لو سألك إنسان بطريقة مباشرة عن حكم من أحكام الإسلام ولا تعرفه فتجيبه بعدم المعرفة أما عبر الإنترنت والاحتكاك غير المباشر فإنه ينفع في إعطائك وقتا كافياً للبحث أو سؤال العلماء ثم الرجوع على السائل بالإجابة وهكذا.
عقبات استخدام التقنيات في الدعوة إلى الله:
من أبرز العقبات التي تواجه بعض الدعاة والمشايخ وطلبة العلم حول استخدام التقنيات الحديثة في الدعوة إلى الله وخاصة الإنترنت الآتي:
1- قلة العلم بالحاسب الآلي ومهاراته: مع أنها ليست صعبة أو معقدة، فبرامج التشغيل أصبحت مرئية وأصبح بإمكان أي شخص الالتحاق بدورة لمدة شهر أو أقل وتكون كافية لاستخدام الحاسب الآلي وتوظيفه في مجال الدعوة إلى الله - تعالى -.
2 قلة معرفة اللغات: من العقبات كذلك في توظيف التقنيات الحديثة في الدعوة إلى الله الجهل باللغات الأخرى والتي إن عرفها الداعية خاطب مجموعات كبيرة في العالم.
3 - بعض النواحي الفنية: ومن العقبات التي تقف أمام الدعاة في استخدام الإنترنت أو غيرها من الوسائل الحديثة في الدعوة إلى الله هي قضية النواحي الفنية فهناك بطء وانقطاع في الخدمة في بعض الأماكن كما أن هناك خدمات لا يستطيع الشخص العادي استخدامها.
4 ضعف القناعة: من أهم النقاط التي تقف أمام استخدام التقنيات الحديثة وخاصة الإنترنت فلدى بعض الدعاة ضعف أو عدم قناعة في استخدام التقنيات أصلا، إما بسبب عدم إتقانهم لهذه الخدمة أو بسبب عدم معرفتهم بالخدمات التي تقدمها.
5- الخوف: وأقصد به الخوف السلبي لدى البعض، وخاصة ممن وهبه الله العلم والصلاح، فهو يخاف من الدخول إلى عالم التقنيات الحديثة خوفا من الوقوع في معصية، أو مشاركة في منكر، ومع أن الاحتياط مطلوب إلا أن مثل هذا الفعل يفرح به أهل الفساد ليمارسوا دورهم بعيدا عن معرفة أهل الخير والصلاح، وتبقى الساحة خالية لهم وحدهم.
خطوات ومقترحات لا بد منها:
أولا- عقد دورات للدعاة حول استخدام التقنيات الحديثة، يكون من خلالها:
1- مسائل تأسيسية لا بد أن يتنبه لها الداعية وأن يمتلئ بها قلبه مثل الإخلاص والصبر والاحتساب.
2- فهم الواقع الذي يعيش به الداعية وطبيعة الناس الذين يدعوهم حتى يكون خطابه ملائم لهم.
3- أن يتوفر لدى الداعية ثقافة جيدة، وإطلاع على ما يحدث في هذا العالم.
4- تدريب الداعية على المهارات والوسائل الدعوية خاصة الحديثة منها، وكذلك استخدام مختلف التقنيات لتحقيق هدفه.
ثانيا- التجديد في وسائل وأساليب الدورات من خلال آليات مقترحة، مثل:
1- إعداد مجموعات عمل في الدورة الواحدة..فيتم مثلاً- توزيع بطاقات تحوي موقف تخيُّلي على كل مجموعة، ويتم مناقشة الأسلوب الأمثل للدعوة في مثل هذا الموقف، وحبذا لو كانت هناك إمكانية لتمثيل هذا الموقف بشكلٍ مبسط.
2- تدريب الدعاة على أن تكون لديهم خطة عمل دعوية واضحة في حياتهم، وألا يكتفوا بردات الأفعال على المواقف التي تحدث أمامهم، لذلك فإن النقطة السابقة لا تكفي وحدها، ولكن لابد من وجود جانبٍ آخر وهو "الواجب الخاص" الذي يقوم المتدرب بتنفيذه، وهو عبارةٌ عن اختيار فردٍ أو مجموعة أفراد يريد أن يدعوهم، ويضع خطّةً واضحة المعالم لذلك، ويبدأ في تنفيذها بعد أن يعرضها على المجموعة، وفي نهاية الفترة يكتب أو يعرض تقريرًا عن سير خطته، ومن البديهي القول أنّ المحاسبة هنا لا تكون على نتيجة الدعوة فما هي إلا بذور خير نلقيها والله وحده كفيل بإنباتها، ولكن يتم التقييم لأسلوب الداعية ومنهجية عمله وما واجهه من إيجابيات وسلبيات.
3- إعداد حلقات يتم من خلالها مناقشة قضايا مجتمعية وعالمية ودور الدعاة في معالجتها والتطرق إليها، وبخاصةٍ تلك القضايا التي لم يطرق بابها إلا القليل خوفًا أو حرجًا أو تناسيًا.(15/57)
4- تنظيم ندوات يحضرها مجموعة من الدعاة العاملين أو المتخصصين في أحد العلوم التي أشرنا لها أعلاه، فيتحدثون عن ما يهمّ المتدربين ويعرضون تجاربهم الدعوية.
5- تنظيم دورات تقنية مرافقة لهذه الدورة تهتم بتطوير مهارات الدعاة في استعمال التقنيات الحديثة في الدعوة، مثل الكمبيوتر، الإنترنت، الجرافيك، التصميم، وغيرها.
6- استثمار مواهب ومهن المتدربين في الدعوة إلى الله ومساعدتهم في ذلك، فتكون هناك جلسات بعنوان: كيف أدعو إلى الله من موقعي؟ أو كيف أوظف مهاراتي؟
7- يمكن اعتماد آلية "الرسائل المختصرة" -بالإضافة إلى قراءة الكتب- وهي رسائل تحتوي تلخيصًا لأهم النقاط التي يراد لفت نظر المتدرّب إليها في الكتب المرشحة للقراءة.. وفي مراحل متقدمة من الدورة يمكن أن يقوم المتدربون أنفسهم بإعداد هذه الرسائل وتبادلها.
وختاماً نسأل الله التوفيق والسداد.
والحمد لله رب العالمين.
الإثنين: 08/11/2004
http://www.islamweb.net المصدر:
==========
رفقا بالشباب
عبد الله المسلم
لقد كان من نتاج الصحوة المباركة أن توافد فئام من الشباب الغض إلى ركاب الصالحين، بل إن عامة أتباع الصحوة اليوم وحاملي لوائها هم من الشباب؛ وليس ذلك بغريب، إذ إن ذلك سنة الله في الأمم السابقة واللاحقة.
وحين يتأمل المصلحون اليوم واقع الشباب يرون أن ثمة ثغرات ومواطن ضعف وخلل لديهم لا بد من علاجها وتسديدها، فينبرون للإصلاح والنصح والتوجيه. ويأخذ معظم الحديث في هذه الدائرة صفة النقد، ومع الحماس وتوقد العاطفة يتحول إلى نقد لاذع؛ كأن يقال: الشباب مهمِلون في جانب العبادة، ومقصرون في الدعوة، ومفرطون في حقوق الأخوة، وضعاف في العلم الشرعي، والتزامهم غير جاد بل مصطنع..
وينصت الشباب الأخيار الأفاضل إلى هذا الحديث الناصح، ينصتون إليه بآذانهم وقلوبهم، وتغرورق عيونهم بالدموع التي يجتهدون في حبسها، وينصرفون داعين لمحدثهم بالسداد والثبات والتوفيق.
إن النقد العلمي الموضوعي المعتدل مطلب لا بد منه، لكن الإفراط في استخدام هذا الأسلوب ينطوي على محاذير عدة، منها:
1 ــ نسيان محاسن هؤلاء الشباب وإيجابياتهم؛ فهم وإن قصروا في قيام الليل إلا أنهم سرعان ما يهبُّون من فراشهم لصلاة الفجر رغم الجهد والتعب، وربما في بيوت لا يستيقظ فيها سواهم، وهم الذين تعففوا عن الحرام في ظل واقع مليء بوسائل الإثارة والإغراء، وهم الذين يتورعون عن الصغائر، ويبادرون بالتوبة من اللمم في حين يفاخر غيرهم بارتكاب الكبائر ويسعون إليها بما أوتوا من سبيل، ومع ذلك كله فشباب الصحوة متفوقون في أعمالهم ودراستهم مع ما يحملونه من هموم الدعوة والإصلاح
2 ــ كثير من الأهداف التي يرتجى تحقيقها من خلال النقد يمكن الوصول إليها بطرق أخرى غير طريق النقد؛ فالحديث عن النماذج في مجال ما من المجالات يشحذ الهمم على التأسي والإقتداء، والحديث عن أهمية أمر من الأمور يأخذ بيد المقصرين فيه.
والإيحاء غير المباشر يفعل فعله في النفوس، ولنا في النبي - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة؛ فحين رأى ابن عمر - رضي الله عنهما - رؤيا وقصها على حفصة؛ فقصتها حفصة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل"(1).
وعن سليمان بن صرد - رضي الله عنه - قال: استب رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه مغضبًا قد احمرَّ وجهه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"(2).
3 ــ أن هذا الأسلوب يخرج جيلاً فاقدًا للثقة في نفسه، محطم الآمال، يشعر أنه مجموعة متراكمة من الأخطاء، بل إنه يشكك ربما في صدق انتمائه وصلاحه؛ إذ هو لا يسمع إلا النقد والتقريع، وجيلٌ يعيش هذه النفسية سيكون بعيدًا عن المزاحمة في ميادين العمل والنشاط الخير.
4 ــ أن كثيرًا ممن يمارس هذا الأسلوب قد يوجب ما لا يجب، ويمنع ما لا يلزم منعه، فالنوافل نوافل لا يمكن أن تتحول إلى واجبات لا يعذر بتركها، ودقائق الورع إنما هي مراتب فاضلة للخاصة لا العامة، فعلامَ نؤثِّم من لم يؤثِّمه الشرع؟ ونوجب ما لم يوجبه؟
وهذا لا يعني التخلي عن النقد، ولا عن بيان الأخطاء والحديث عنها، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك، وليكن ذلك بتوازن واعتدال؛ فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يثني على أفراد من أصحابه في مواقف لا تحصى، وأثنى على قبائل كأسلم وغفار، وأثنى على المهاجرين والأنصار، وعلى أهل اليمن... وغير ذلك كثير.
---------------------
(1) رواه البخاري (1122) ومسلم (2479).
(2) رواه البخاري (6115) ومسلم (2610).
http://www.aldawah.net المصدر:
============
الخطبة الخطبة يا خطباء الجمعة
أ. د. ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم، وبعد:
إن خطبة الجمعة محاضرة أسبوعية واجب حضورها على كل مسلم عاقل بالغ مقيم صحيح، والتخلف عنها جد خطير، ففي مستدرك الحاكم وغيره عن أبي الجعد الضمري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه" قال الحاكم: "حديث صحيح على شرط مسلم"(1).(15/58)
وهذه المكانة للجمعة تلقي بأعبائها على الإمام والمأموم، وأخطأ من تصور أن الاعتناء بالجمعة واجب يقع على عاتق المأموم، فليبكر في الحضور متنظفاً متطيباً، وليصغ سمعه لما يقول الإمام، ولا يتلفت ولا يتشاغل، وغير ذلك مما ينبغي للمأموم أن يراعيه، ثم لا يجول بخاطره أن تلك التوجيهات تتضمن الأمر للخطباء والأئمة بإحسان الخطبة وإتقانها وإلاّ:
فلماذا يبكر ويحرص على شهود الخطبة قبل مبتدئها!
ولماذا ينصت إذا كان الإمام يلقي كلاماً مرتجلاً مليء بالعثرات لا يستحق أن يلقى له بال!!
ولماذا لا يتشاغل فلا يمس حصى ولا يفرقع أصابع، وكلام الإمام منذ العام هو هو لم يتغير!
وكيف يحترم الخطيب أو كلامه، والخطيب لم يحترم آلاف العقول التي بين يديه فيما يقدمه لها! ولم يحترم قبل ذلك الأمانة التي حملها!!
إن الخطيب ينبغي له أن يعتني بأمور، حتى تكون خطبته مؤثرة، منها ما يتعلق بموضوع الخطبة كحاجة الناس إليه وتوقيته، ومنها ما يتعلق بمراعاة السامعين وأحوالهم، ومنها ما يتعلق بأسلوب الأداء
وبعد ذلك يأتي بعضهم فيتساءل: ما بال الناس يتأخرون في الحضور؟ ولماذا لا يتفعالون مع الخطبة!
سبحان الله تثبطهم بفعلك ومقالك ثم تتساءل عن سبب تأخرهم!
كيف يتفاعل الحاضرون مع خطبة لم يتفاعل معها ملقيها!
وكيف يتأثرون بكلام لم يؤثر في قائله!
قد يتصنع الإمام العبارات، وقد يحسن إظهار انطباعات لم يتعدى أثرها إلى قلبه، فتكون النتيجة أن يحسن الناس تصنع الإنصات غير أن الكلام يدخل بأذن ويخرج بأخرى لا يمس قلباً، وتظل الحال هي الحال.
وبالمقابل:
حديث الروح للأرواح يسري
وتحمله القلوب بلا عناء
أما التفاعل الصادق مع الخطبة فقد كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [وهو الصادق المصدق] إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم.
فهل تأمل هذا ذلك الخطيب الذي يلقي خطبة لا تحرك فيه ساكناً ولا يتفاعل معها، بل نبراته مصطنعة، وكلماته باردة لم تؤثر فيه فضلاً عن أن يتعدى أثرها إلى غيره! فلا عجب أن تجلب خطبته النعاس إلى أناس جاؤوا مستيقظين بعد نوم طويل مغتسلين آكلين شاربين مهيئين بأسباب القبول الحسية التي أمر بها الشرع.
إن الخطيب ينبغي له أن يعتني بأمور، حتى تكون خطبته مؤثرة، منها ما يتعلق بموضوع الخطبة كحاجة الناس إليه وتوقيته، ومنها ما يتعلق بمراعاة السامعين وأحوالهم، ومنها ما يتعلق بأسلوب الأداء، فإذا راعى الخطيب هذه الأمور كان للخطبة شأن وأثر عظيم.
إن المسلم يحضر في العام أكثر من خمسين درساً، ومع ذلك فإن المستفيد قليل، وما ذلك إلاّ لعدم توظيف المنابر توظيفها الأمثل، ولك أن تتخيل لو أتيحت هذه المنابر للأهل الكفر من الغربيين كيف كانوا يصنعون؟!
إنني أوجه دعوة لأولئك الذين لا يجتهدون و لا يعتنون بما يلقونه في خطبهم، بل جل همهم إزاحة هم نزل بهم، وقضاء وقت فرض عليهم، دعوتي إليهم بأن يتقوا الله، وأن يحترموا عقول السامعين، فما هكذا تؤدى الأمانة.
وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلاّ حرم الله عليه الجنة". [البخاري ومسلم] قال القاضي عياض: "معناه بَيِّنٌ في التحذير من غش المسلمين، لمن قلده الله - تعالى - شيئاً من أمرهم واسترعاه عليهم، ونصبه لمصلحتهم في دينهم أو دنياهم، فإن خان فيما اؤتمن عليه فلم ينصح فيما قُلِّده إما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم، وأخذهم به... فقد غشهم" ثم ذكر القاضي أن ذلك من الكبائر الموبقة المبعدة عن الجنة(2). وأخشى ما أخشاه أن ينال بعض الخطباء نصيب من ذلك.
نسأل الله ألا يجعلنا من الذين ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، قائمين بأمر الله صالحين مصلحين، كما نسأله أن يعيننا على القيام بالحقوق والواجبات، وأن يتجاوز عن التقصير والزلات، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
_________________________
(1) حسنه النووي في الخلاصة 2/758، وصححه الألباني ينظر صحيح الجامع 6143.
(2) ينظر شرح النووي على مسلم 2/166.
12/9/1425
http://www.almoslim.net المصدر:
=============
أصداء التجديد
حسين بن عفيف
يجد بعض الدعاة نفوراً من الخلق عنهم، أو عدم تأثر عملي بمواعظهم وكلماتهم، أو مللاً وضجراً من عباراتهم وتوجيهاتهم، مما يدفعهم إلى المناداة بأعلى صوتهم بضرورة تجديد أساليب الخطاب، والتفنن في طرق إيصال المعلومات، ولا يشك أحد في ضرورة مثل هذا التجديد والتغيير وخاصة في زمن العولمة وعصر الانفتاح، ولكننا إن أردنا تحليلاً صحيحاً لهذه الظاهرة فلابد أن ننظر إليها من زواياها الثلاث: المؤثر والمتأثر وأسلوب التأثير، فإن أردنا تأثيراً في الناس وتغييراً في أساليب حياتهم فلنهيئ أنفسهم للتأثر، ولنزل الموانع التي تصدهم عن التغير، ولنختر من الأساليب ما يناسب كل واحد منهم حسب شخصه، ومن الكلمات ما يكون نافعاً له، ولا ننسى قبل ذلك ذواتنا وأهمية إعدادها لعملية التغيير التي ننشدها.(15/59)
وأحب هنا أن أسلط الضوء على هذه الأخيرة وهي الداعية نفسه وأثر إصلاحه لنفسه، وتجديده للإيمان في قلبه، في تأثر الناس بوعظه، واستماعهم لقوله؛ وما ذاك إلا لأننا بحاجة إلى أن نقف مع ذواتنا وأنفسنا التي بين جنبينا وقفات محاسبة صادقة قبل أن نتجه إلى الآخرين، ونحاول أن نغير ونؤثر فيهم، وأمامي هنا وقفة محاسبة أحب أن نقفها سوياً مع ذواتنا، علنا نجد لها أثراً وصدى فيمن حولنا..
يكاد كلنا يعرف حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله - تعالى - قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) (1).
ما أعظمها من مرتبة، وما أحلاها من منزلة أن تكون مع الله، ويكون الله معك، وماذا تريد من الدنيا إلا هذا، أن تكون ولياً لله تحبه ويحبك، تنكسر بين يديه فيفتح عليك ويحميك، تُظهِر أثر عبوديتك له فيفيض عليك من آثار ربوبيته وفيوضات رحمانيته - عز وجل وعلا -.
ولا تظننَّ - بعد إكمالك للفرائض - أن النوافل المقصودة في الحديث هي نوافل الصلاة والصيام والصدقة فقط، لا.. بل المقصود هذه السابقات مع مفهوم للنوافل أعظم وأشمل، فالنافلة المقصودة تشمل جميع مناحي الحياة، وأنواع القرب متى ما صحت النية وحسن القصد، مع عدم تهاون بأهمية الانكسار لله - عز وجل - في ميدان التأله بمحراب العبودية، واقرأ معي هذا المثل الجميل الذي يضربه لنا الشيخ الغزالي - رحمه الله تعالى - في كتابه [الإسلام والطاقات المعطلة] أثناء شرحه لهذا الحديث العظيم لنعي سوياً مقصود الحديث الشامل، يقول - رحمه الله تعالى -: " لو أن أحد رجال المال اختير عضواً في مجلس إدارة لإحدى الشركات، فانكب على عمله هذا يؤديه بقوة، ويحاول ترقيته وتنميته، ويحلم في منامه بطرق استثماره، ويكرس صحوه لحراسته، وهو في هذا كله يرمي إلى دعم الاقتصاد الإسلامي، ومطاردة الغزو الأجنبي، ورفع مستوى الأمة التي وقف على ثغرة خطيرة فيها... فليس يشك أحد من علماء الإسلام في أن هذا الرجل مجاهد في سبيل الله.. وأن تفانيه في هذا المجال - بعد استكمال الفرائض المكتوبة - يجعله من أولياء الله الصالحين، الذين عناهم هذا الحديث الشريف... ".
أرأيت أخي.. إنها عبادة وفن احتساب إذاً، هذا الفن الذي إذا أتقنه العبد حاز أعلى الدرجات، وأرفع المقامات عند الله - عز وجل -.
وبعد تأملنا في هذا الحديث فلننتقل إلى حديث نبوي كريم آخر متفق عليه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض) (2).
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - في شرحه لهذا الحديث: " قال العلماء: محبة الله لعبده هي إرادته الخير له وهدايته وإنعامه عليه ورحمته.. وبغضه: إرادة عقابه أو شقاوته ونحوه، وحب جبريل والملائكة يحتمل وجهين، أحدهما: استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم، والثاني: أن محبتهم على ظاهرها المعروف من المخلوقين وهو ميل القلب إليه واشتياقه إلى لقائه، وسبب حبهم إياه كونه مطيعاً لله - تعالى - محبوباً له، ومعنى يوضع له القبول في الأرض: أي الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه فتميل إليه القلوب وترضى عنه ".
أرأيتم المعادلة.. إنها باختصار أن يُقبل المرء بكليته على الله - عز وجل -، ويكن معه بصدق وإخلاص؛ فيحبه الله - عز وجل - ويكن معه، ويجعل الكون كله معه مؤيداً ونصيراً، وبالعكس.
ومن هنا نجد تفسيراً واضحاً لتلك الدعوات الرقيقات التي ناجى معلمنا العظيم، ونبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - بها خالقه ومولاه - عز وجل -، حين وجد ما وجد في الطائف، فعاد في طريقه محزوناً رافعاً يديه إلى السماء: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين.. أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك.. لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك) (3)..
فما إن انتهى حتى أكرمه الله - عز وجل - بإسلام عداس، وإقبال ملك الجبال عليه ليأمره بما شاء، تسلية له - صلى الله عليه وسلم -، وليعلم مكانته عند ربه - عز وجل -.(15/60)
وبعد هذا.. تأمل معي هذا الكلام الرائع لأستاذ الدعوة البارع الشيخ محمد الراشد - حفظه الله تعالى - في مقدمة المسار إذ يقول: " إن للتقوى آثار تشغيل، وبمقدار جديتنا يكون الناس جديين، ولنا شاهد دائم في أنفسنا، فإننا نتفاوت بين يوم ويوم، وإيماننا يزيد وينقص، فإذا كنا حيناً في إيمان جيد رأينا إقبال الناس علينا، وإذا كان فينا جزر إيماني وقسوة قلب في حين آخر: رأينا قلة جدوى نشاطنا، مع كثرة غدونا ورواحنا.. وكل منا قد تعاقبت عليه مثل هذه الأحوال، ولمس بنفسه اختلاف مواقف الناس منه... ".
وفي نهاية المطاف.. فإن الداعية إلى الله - عز وجل - متى ما قام بواجب الأمر والنهي، حريصاً على أن لا يأمر الناس إلا بأمر قد ائتمر به، ولا ينهاهم إلا عن شيء قد انتهى عنه، آخذاً بالأسباب، غير مغفل للوسائل، فما عليه بعد هذا، وهذا حاله أن يعلق قلبه في مثل قوله - عز وجل -: {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ... } (4).
------
الهوامش:
(1) رواه البخاري في الرقاق (باب التواضع) 11/292، 297.
(2) رواه البخاري في بدء الخلق (باب ذكر الملائكة) 6/220، ومسلم - واللفظ له في أواخر كتاب البر والصلة والأدب (باب إذا أحب الله عبداً حببه لعباده) (2637).
(3) ابن هشام ج2 ص 61، 62، وانظر عند الهيثمي في مجمع الزوائد: 6/235، وعند الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي: 2/275، رقم: 1839.
(4) سورة الشورى آية (48).
http://islameiat.com المصدر:
============
كيف تؤتي خطبة الجمعة أكلها ؟
د. محمد عمر دولة
لو أننا تأمّلنا حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - الذي يذكره كثيرٌ من الخطباء في خطب الجمعة: (وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظةً وجلت منها القلوبُ، وذرفت منها العيونُ، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظةُ مودِّع فأوصنا. قال: أوصيكم بتقوى الله - عز وجل - والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عَبْدٌ؛ فإنه من يعشْ منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدييّن، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإنّ كل بدعة ضلالة). [رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح] لوجدنا فيه معانيَ أكثر من التي اعتاد الناس الاحتجاجَ به عليها: مثل الدعوة إلى لزوم السنة، واجتناب البدعة.
فقد استنبط الإمام الخطابي من هذا الحديث معنى "الأمر بالصّبر على ما يصيبه من المضض في ذات الله كما يفعله المتألم بالوجع يصيبه"[1]
ومما يمكن الاستدلال عليه بهذا الحديث أنّ الموعظة البليغة والذكرى النافعة للمؤمنين بمثابة الغيث الذي يُحيى الأرض بعد موتها، كما قال الله - تعالى -: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمةً طيّبةً كشجرةٍ طيّبةٍ أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء * تؤتي أُكلها كلَّ حينٍ بإذن ربها ويضرب الله الأمثالَ للناس لعلّهم يتذكّرون}؛ فقد أثمرتْ كلماتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - في قلوب الصحابة - رضي الله عنهم -، وذلك - لعمري - مصداق قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا: فكان منها نقيّةٌ قبلت الماء فأنبتت العشب الكثير...)حتى قال: (فذلك مثل من فَقُه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعَلِمَ وعلَّم) رواه البخاري في كتاب العلم.وفي رواية مسلم : (طائفةٌ طيّبةٌ).
ومما يُمكن استنباطُه من فقه هذا الحديث أهمّيّة مراعاة ضوابط منهجيّةٍ في الخطبة، وتوفير شروطٍ علميّةٍ في الخطيب؛ فمن ذلك:
أولاً: البلاغة:
كما جاء هاهنا:(وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظةً بليغةً) قال ابن رجب: "والبلاغة في الخطْبة مُسْتَحْسَنةٌ؛ لأنها أقربُ إلى قَبول القلوب واستجلابها، والبلاغةُ هي التوصُّلُ إلى إفهام المعاني المقصودة وإيضاحها إلى قلوب السامعين بأحسن صورةٍ من الألفاظ الدّالة عليها وأفصحها وأحلاها للأسماع وأوقرها في القلوب"[2].
ثانيا: حُسْنُ عَرْض الآياتِ والأحاديثِ:
والعناية ببيان المسائل الشرعيّة بحيث تنشرح العقول لتفهّمها؛ ورُبَّ دليلٍ يُستعمَل في بابٍ دقيقٍ لا يخطر على البال - كصنيع البخاري - رحمه الله - في صحيحه - فتتشوّق النفوس إلى سماعه، وتزداد به انتباهاً وفهماً وابتهاجاً.
ثالثاً: التزام التوثيق والأمانة العلميّة، وتعليم الناس محبةَ الدّليلِ:
وذلك بالعزو إلى البخاري ومسلم والموطأ وغيرها من كتب العلوم - وهذا يكاد أن يكون مفقودا - وأما تعميمُ الكلامِ، والإغراقُ في الشعارات، والميلُ إلى العبارات الفضفاضة؛ فليس من العلم في شيء.
رابعاً: الحرص على الإيجاز في الكلام والاقتصار على القليل النافع:
وكما أنّ قِصَر الخطبة مَئِنَّةٌ من فقه الخطيب، فكذلك التطويل والمبالغة في التكرار والإسهاب من غير حاجة مَظنَّةُ جَهْلِه. وإذا كان أعظمُ خطيبٍ لا يُمَلُّ حديثُهُ - صلى الله عليه وسلم - يلتزم بالإيجاز وهو يخاطب أحرصَ الناسِ على استماعِه ممن يستزيدون ولا يضجرون فيخاف عليهم السآمة؛ فغيرهم من باب أولى.
ولا شكّ أنّ تجاهل السُّنّةِ في ذلك مَدْعاةٌ إلى إملالِ الناسِ وتشويشِ أذهانهم من ناحيةٍ، وسببٌ في الوقوع في الأخطاء والسّفسطة وخروج الخطيب عن المقصود واشتغال السامع بما لا ينفعه ولا يعنيه من ناحية أخرى.(15/61)
ولله در ابن مسعود - رضي الله عنه - ما كان أفقهَهُ! - فقد التزم بهذين الأدبين في قولِهِ وفعلِهِ: كما أخرج البخاري في كتاب العلم [باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخوّلهم بالموعظة والعلم؛ كي لا ينفروا] حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخوّلنا بالموعظة بالأيام كراهةَ السآمةِ علينا)، وباب [من جعل لأهل العلم أياماً معلومةً] ذكر فيه حديث أبي وائل قال: " كان عبد الله يذكّر الناس في كل خميسٍ فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددتُ أنك ذكّرتَنا كلَّ يومٍ قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكُمْ، وإني أتخوّلكم بالموعظة كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخوّلنا بها مخافةَ السآمةِ علينا ". ورحم الله البخاريَّ فقد ذكر هذين البابَيْنِ بين ترجمتَيْنِ بَدِيعَتَيْنِ: هما(باب العلم قبل القول والعمل) و(باب من يُرِد الله به خيرًا يفقهه في الدين) ولا يخفى ما بين ذلك من المناسبة!
خامساً: إظهارُ الشفقةِ ورقةِ النفسِ وإخلاصِ النّصحِ:
فليست النائحة الثكلى كالمستأجَرَة! وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحرص على هداية كفار قريش مع أنهم ساموه سوء العذاب؛ حتى خاطبه ربّه بقوله - سبحانه -: {لعلّك باخعٌ نفسَك ألا يكونوا مؤمنين}، [سورة الشعراء3] وقال - عز وجل -: {فلعلّك باخعٌ نفسَك على ءاثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}، [سورة الكهف6] وقال جل جلالُه : {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}. [سورة فاطر8].
سادساً: مراعاة مقتضى الحال من ذكر المسائل المناسبة للسّامعين من حيث اهتمامُهم بهذه القضايا وتأثرُهم بطريقة عرضها:
فليس خطاب العلماء كخطاب العامة، وليس خطاب الرجال كخطاب النساء، وليس خطاب الشِّيب كخطاب الشباب. وهذا يجمع لك ما تفرّق في تراجم البخاري في كتاب العلم [باب من خصّ بالعلم قوماً دون قومٍ كراهيةَ أن لا يفقهوا]، و[باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهمُ بعض الناس عنه؛ فيقعوا في أشدَّ منه]، وباب [من أجاب السائلَ بأكثرَ مما سأله]. ورحم الله ابن عباس رضي الله عنهما؛ فقد منع عمر - رضي الله عنه - في خلافته من الكلام في الأمور الدقيقة بعيداً عن العُصبة الداعية والبيئة الواعية بالمدينة.
سابعاً: الاعتناء بشأن الموعظة وإعداد العُدّة لها:
حتى تكون من الذكرى التي تنفع المؤمنين؛ فإنّ من جهل الخطيب أن يتهاونَ في شأن إعداد الخطبة؛ تعويلاً على أنّ الناس غيرُ مميِّزين للصالح من الطالح؛ فإنّ هذا من الظنّ الكاذب، والسامع ينقد بعقله ويغربل بأذنه ويُنكر بقلبه؛ ولهذا ترى كبار العلماء يتهيّبون أن يخاطبوا الناس عفو الخاطر إلا لضرورة، وتجدهم يعدّون الدروس ويراجعون المسائل.
ثامناً: التواضع وإشعار السامعين بأنك تذكّر نفسَك وتذكّرهم معك:
فلست تزكّي نفسَك أو تتشبّع بما ليس عندك، بل تتمثل قولَ إبراهيم التيمي: " ما عرضتُ قولي على عملي إلا خشيتُ أن أكون مُكَذَّباً " علّقه البخاري في كتاب الإيمان [باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر] قال ابن حجر: "يعني خشيتُ أن يكذّبني من رأى عملي مخالفاً لقولي فيقول: لو كنتَ صادقاً ما فعلتَ خلافا لما تقول؛ وإنما قال ذلك لأنه كان يعظ الناس. ويُروى بكسر الذال وهي رواية الأكثر، ومعناه أنه مع وعظِهِ الناسَ لم يبلغْ غايةَ العمل وقد ذمّ الله من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وقصّر في العمل فقال: {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}؛[سورة الصف3] فخشي أن يكون مكذِّبا أي مشابها للمكذبين"[3].
وما أحسن استحضار الخطيبِ أنّ التذكرةَ أمانةٌ يُؤدِّيها من باب " أعْطِ القوس باريها ".
تاسعاً: توعية الناس بقضايا المسلمين:
وغرس هموم الدعوة في قلوبهم، ومخاطبتهم بمفاهيم الإسلام فيما يعرض لهم في حياتهم كلها. كما قال الله - تعالى -: {قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين}. [سورة الأنعام 162] وإنك إذا تركتَ الناس وهمومهم التي تقضّ مضاجعهم، ولم تَهْدِهم بنور القرآن والسنة في حيرتهم، وطفقت تحدّثهم بمباحث عسيرة تستعصي على أفهامهم مثل : مفهوم المخالفة والموافقة؛ كانوا أقرب إلى مخالفتك منهم إلى الموافقة، وإذا استرسلتَ في ذكر اصطلاحات العلوم: مثل مسائل الغريب والمنكر والشاذ؛ جعلوا كلامك من ذلك القبيل، وإذا تماديت في موازين الصّرف والإعراب والبناء؛ اعتبروك من الأعراب الحفاة العراة العالة رِعاء الشاء!
عاشراً: الحرص على جمع كلمة المسلمين:
وحثّهم على التعاون على البر والتقوى، والحذر من الإسراف في إثارة القضايا الخلافيّة، والتنابز بالألقاب، والوقوع في العلماء؛[4] فإنّ "لحومهم مسمومة"؛ ورُبّ كلمةٍ يقولها المرءُ لا يُلقي لها بالاً تهوي به في جهنّم سبعين خريفا. وهذه المساجد بيوتُ الله التي أذن الله أن تُرفَعَ ويُذكَرَ فيها اسمُهُ؛ فلا يجوز أن تُتّخذ منبراً للعصبيّات، أو مفرِّقاً للجماعات، كما قال الله - تعالى -: {وأنّ المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا}. والحذر من الوقوع في تضليل الناس وتبديعهم بغير وجه حق، بل جهلاً وتعنّتاً وتعصُّباً مذهبياً.
ووالله لو فقه الخطباءُ أهميةَ الموعظةِ الحسنةِ، وأدركوا بركةَ الذّكرى النافعة للمؤمنين، وجمعوا للأمر عُدَّته؛ لعاد للمسلمين مجدُهم وعزُّهم. وصدق الله العظيم: {إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم}[الرعد 11].
-----
[1] المرجع السابق 4/301.
[2] جامع العلوم الحكم ص 348.
[3] فتح الباري 1/152. وذكر أنّ الحديث وصله البخاري في تاريخه وأحمد في الزهد.(15/62)
[4] ورحم الله الذهبي حيث قال:"تكلم الناس في أحمد. ومن يسلم من الكلام بعد أحمد" الرواة الثقات المتكلَّم فيهم بما لا يوجب الرّدّ للذهبي ص 39.
http://islameiat.com المصدر:
=============
مشاهدات داعية في اليابان
سيف الله بلوشي
توجد في اليابان في العصر الحالي ديانتان رئيستان هما: البوذية، والشنتوية. وكان دخولهما منذ القرن السادس عام 538م.
كما أن البلاط الإمبراطوري له تأثير كبير على الشعب، ويحضرنا هنا ما قام به الإمبراطور الياباني قديماً حوالي 1907م عندما طلب من المسلمين إرسال معلمين إلى اليابان ليعرفوا شعبه عن الإسلام، فذهب بعض الدعاة من باكستان، وأسلم على أيديهم آلاف اليابانيين. ولكن بعد ذلك ضاعت ديانتهم لعدم وجود الرعاية الكافية لهم من قِبَل المسلمين.
وكانت قوى المسيحية والبوذية قد حاولت أن تثني عزم الإمبراطور هذا عن رأيه، لكنها لم تفلح تماماً.
وإضافة إلى هذا ظهرت أديان كثيرة جداً شبيهة بالبوذية من حيث المبدأ في اليابان. مثلاً وجدت ديانة منذ حوالي 70 عاماً، ومؤسسها رجل عسكري؛ فعندما انهزمت اليابان في الحرب العالمية لجأ هذا العسكري إلى الجبال، ولم ينتحر مثل زملائه، وأسس ديناً جديداً، وأصبح له أتباع كثيرون، وأمثاله كثير يكادون يصلون إلى الآلاف، ولهم أتباع وميزانيات كميزانية الدولة، ونذكر هنا قصة عجيبة حدثت معنا أثناء قيامنا بالدعوة.
مرة كنا خارجين من محطة القطار، فوجدنا امرأة عجوزاً يابانية تقرأ من كتاب، وتصيح وتنادي إلى مذهبها، وتحدثنا معها، فقالت: كل هؤلاء الناس الذين ترونهم بمئات الألوف ـ كل هؤلاء ـ من أولاد الشياطين إذا دخلوا في ديني فإنهم يصبحون أولاد الرب «كهامي ساما»، فطلبنا منها أن توضح لنا منهج دينها، فقالت: تعالوا معي إلى مركزنا! فذهبنا مشياً على الأقدام حوالي ساعة كاملة، فوصلنا إلى عمارة مبناها كله من الزجاج، فدخلنا معها، وصعدنا المصعد، وفي الدور الثالث استقبلنا رجال ونساء يابانيون، ورحبوا بنا ترحيباً حاراً، فجلسنا معهم في المقاعد الخاصة بهم، وقالوا: مرحباً بكم في ديننا الجديد، فقلنا لهم: نحن لم ندخل في دينكم.
فبدؤوا يقدمون لنا صور أشخاص اعتنقوا دينهم، منهم أفارقة، وكثير من اليابانيين، فقالوا: مِنْ هؤلاء من كانوا مرضى نفسياً وجسمياً، وأرونا الجروح التي كانت في أجسادهم، فعندما دخلوا دينهم تعافَوْا تماماً بفضل دينهم هذا. فطلبنا منهم أن يأخذونا إلى المسؤول الأول عندهم، أو إلى مؤسس هذا الدين فقالوا: مؤسس هذا الدين، هو رجل عسكري برتبة جنرال في الحرب العالمية الثانية؛ عندما ألقت أمريكا القنبلة الذرية على هيروشيما، ومات الكثير منهم، ومنهم من نجا أو انتحر، وورَّث ابنته قيادة مذهبه، وهي تأتي إليهم مرة في الشهر، ولا نستطيع مقابلتها إلا بدفع تذكرة بالفلوس لنراها، فطلبنا مقابلة المسؤول الثاني، فقالوا: هو لا يستطيع مقابلتكم لكثرة انشغاله بالأعمال الدينية وهو في المركز الرئيسي. فطلبنا مقابلة المسؤول عندهم في عمارتهم تلك، فجلسنا، وطلبت منهم أن يروني طريقتهم في علاج المرضى؛ حيث كنت مصاباً في رجلي أثر حادث، فقلت: «هل تروني علاجكم؟ فقالوا: أغمض عينيك فأغمضت عيني، فبدأ يقرأ قراءته، وبدأت أنا أقرأ في نفسي المعوذتين؛ حتى لا أصاب بشيء مما يقول، فعندما انتهى سألني ماذا كنت تتمتم؟ فقلت: شيء من ديني الإسلام.
وكان هناك حوالي العشرات من أتباعهم، فقالوا: أنت لا تتأثر أبداً إلا إذا التزمت الصمت عندما نقرأ عليك. فقلت: لا أستطيع ذلك، ولقد سمعت منكم؛ فالآن أريدكم أن تسمعوا مني؛ فأنا أعرض عليكم ديني الإسلام، وإني أراكم في حاجة إلى دين الفطرة الذي ينقصكم، فاصمتوا، واسمعوا ما سأقرؤه عليكم! فبدأت اقرأ سورة من القرآن حتى ختمتها، وكانت سورة طويلة استمرت القراءة نصف ساعة، وهم يستمعون إليّ في صمت؛ فعندما انتهيت رأيت أعينهم تفيض من الدمع وفيها دهشة عجيبة، فبعضهم طلب المزيد من القراءة؛ لأنهم أحسوا بتغيير في نفوسهم ووجدوا راحة، وأعطوني عناوينهم لأتواصل معهم، واسْمِعُهم من تلك القراءة، وبعد فترة سمعت أن بعضاً منهم دخل في الإسلام، أو أتوا إلى الحج، فكنت أزورهم على فترات، وهكذا نجد الكثيرين لهم مذاهبهم وأديانهم المستحدثة منها والقديمة، ولكنهم لا يستقرون إلا في الدين الإسلامي عند اعتناقهم له.
أيضاً تحضرني قصة أخرى، عندما ذهبت إلى أحد المطاعم الريفية فرآني صاحب المطعم ورأى ثيابي، فقال: من أين أنتم؟ فقلت: نحن مسلمون، وعلى الفور قال: أنتم لا تأكلون إلا أكلاً حلالاً؟ فقلت: نعم! فدخل وأتانا بدجاج حيٍّ كثير هدية لنا، ودخل في الإسلام.
إن الشعب الياباني ليس له دين محدد يحكمه؛ ولذلك نشطت الهيئات الدينية المسيحية في إدخال اليابانيين في أديانهم، ولكنهم لم يفلحوا؛ وذلك لأن اليابانيين لا يميلون بطبعهم للدين المسيحي لأسباب كثيرة منها: أن المسيحية فيها رهبانية، وعقيدة الآلهة الثلاثة، مع عدم وجود نظام متكامل لحياة الإنسان، كذلك البوذية لم تفلح في إشباع الرغبة الروحية لهذا الشعب على الرغم من أن الشعب الياباني فريسة أمام المفترسين، إلا أن بعض دعاة الإسلام نشطوا في مجال الدعوة.
بعض صعوبات الدعوة:(15/63)
لقد واجهتنا بعض الصعوبات قديماً عندما كنا نجوع، ننتظر أياماً حتى نجد الأكل الحلال، ولكن الآن ـ والحمد لله ـ بنشاط بعض المسلمين هناك ظهرت محلات لبيع الأكل الحلال، كما كنا من قبْل نصلي على الرصيف، وصلاة الجمعة نصليها على الرصيف أمام مسجد طوكيو عندما كان مهدوماً، أما الآن فقد تحسنت الأمور قليلاً، وهناك بعض الصعوبات التي واجهت الدعاة كصعوبة طبيعة تلك البلاد من غلاء في المعيشة، وغلاء إيجار البيوت، والطقس...إلخ؛ فبعض الدعاة في الماضي تعبوا كثيراً في الكيفية التي يريدون بها العمل الدعوي، بل قال بعض منهم: إن اليابان تحتاج إلى مائة سنة حتى يدخل شعبها في الإسلام؛ ذلك لأن الشعب الياباني يحب المجاملات، ولا يقتنع بأي شيء، كما أنهم قوميون وبلادهم بعيدة جداً ولغتهم صعبة، ولكن نقول: إن كل ما ذكر لا يعد أقوالاً قاطعة، بل أمر الدعوة يحتاج إلى التعاون والتفكير.يقول - تعالى -: {وَلا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
ومع هذا نشط بعض الناس هناك وكوَّنوا مصلَّيات، ودخل كثير من اليابانيين في الإسلام على يد المسلمين وعلى حسب نشاطهم وانتشار مذاهبهم؛ حتى أصبح المسلمون اليابانيون يسألون: إذا أسلمنا إلى أي مذهب سننتمي؟ بسبب كثرة التحزبات عندهم، وهذه مشكلة، وأكثر الناس دخولاً في الإسلام في اليابان هن النساء. إذا تزوجت اليابانية بمسلم فلا بد أن تدخل في الإسلام قبل الزواج؛ لأنها ليست كتابية، وزوجها يحدد مصيرها إن كان صالحاً أو طالحاً فهي تابعة له. وأصبح عدد المسلمين ما يقارب 10. 000 آلاف، ومعظمهم نساء أنجبن الأطفال، وإذا وجدوا رعاية واهتماماً من المسلمين فإنهن يكوِّنون مستقبلاً إسلامياً في اليابان. ومن هنا نرى خطأ بعض الدعاة عندما يَدخل شخص في الإسلام، ويتركونه بعد نطقه للشهادة، ويهملونه بحجة أنه دخل في الإسلام وكفى، فيتحولون عنه لآخر، وهكذا، بل يجب علينا أن نهتم بمن يسْلِم ونوليه عناية ورعاية حتى يتمكن في الدين، ويتعلم أساسيات الإسلام، ويترسخ فيها.
مستقبل الإسلام في اليابان:
يبدو أن اليابان اليوم تتطلع إلى الحوار مع الحضارة الإسلامية؛ لأن اليابان أمام خطر العولمة مثل البلدان الأخرى؛ فالشعب الياباني 80% منه على دين البوذية والشنتوية، وأكثر من 1% مسيحية، وأقل من 1% على دين الإسلام، وفي الوقت الحاضر يبدو أنهم يرغبون في المناصرة من قِبَل المسلمين؛ ولهذا قال الوزير كونو: «الحصول على معرفة كافية عن الإسلام أمر مهم جداً وضروري». فالديانة البوذية توصي بعدم اتخاذ طبيب حسب علمي، وتقول: لا تأخذ ذهباً ولا فضة. وهذه الوصايا لا يمكن لأي بوذي تحمُّلها، وذلك عكس الإسلام؛ فهو دين وسط لا رهبانية فيه، ولا إكراه في الدين.
فإذا وجدت اليابان اهتماماً هذه المرة بالنسبة للدعوة إلى الإسلام ـ إن شاء الله ـ فسوف يجد الإسلام طريقه على قلوبهم وخاصة الشباب؛ لأنه يمكن التأثير فيهم عن طريق الحوارات واللقاءات والمناقشات.
يقول بروفيسور ياباني في أحد كتبه: إن الإسلام قريب جداً لليابانيين، إذا اعتُني بأمر الدعوة تماماً فسوف ينفجر الإسلام في اليابان كانفجار البركان في وقت قياسي. وأنا أقول قد يظهر الإسلام في اليابان كما تظهر الشمس عندهم.
شعبان 1425هـ * سبتمبر/أكتوبر 2004م
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===========
الاستفادة من الأطفال في الدعوة إلى الله تعالى
قدمت الطفلة ذات الأربع سنوات إلى منزل جدها في إحدى الدول العربية، في إجازة مع والديها بعد سنة عمل في المملكة العربية السعودية.
كان الجميع مهتماً بها، الكل يلاعبها ويحرص على سعادتها وتقديم كل ما ترغب به، وعلى الاستمتاع بوجودها بينهم، خاصة وأن الإجازة قصيرة، وهي ستعود مجدداً مع والديها إلى السعودية.
في البداية، وجدت الطفلة الصغيرة صعوبة في التأقلم السريع مع أهل والدها ووالدتها، ولكن ما هي إلا أيام معدودة، حتى عادت إلى طبيعتها من مرح وحركة وترديد ما تعلمته خلال المدة الماضية.
وعندما بدأ بعض أقاربها بتحيتها الصباحية "صباح الخير" أو المسائية "مساء الخير" كانت تصمت ولا ترد عليهم بالتحية، بل كانت تقول لهم: "السلام عليكم ورحمة الله".
وعندما تدخل إلى المنزل بعد زيارة خارجه، أو بعد أن تكون قد ذهبت إلى إحدى المحلات بصحبة أحد أقاربها لشراء سكاكر وحلويات، بدأت تردد في كل مرة دعاء الدخول إلى المنزل "بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله توكلنا".
لاحظ الجميع ما تردده هذه الطفلة الصغيرة (التي ألحقها والداها بدار تحفيظ قرآن في السعودية) من أذكار وأدعية في كل مناسبة تمر بها خلال يومها العادي، وقارن أقاربها بين ما تعودوا أن يرددوه من جمل دخيلة على الدين الإسلامي وبين ما تردده هذه الصغيرة من أذكار أوصى بها نبي الأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فما كان منهم إلا أن بدؤوا يتعلموا منها ترديد هذه الأذكار في كل مناسبة.
هذه القصة حقيقية، وقد وقعت بالفعل، وهي تعبير واقعي وصادق عن إمكانية تحويل الطفل إلى داعية لله - عز وجل - حتى وإن كان هو لا يعلم بهذا الشيء.(15/64)
ويروي أحد الأخوة قصة حقيقية أخرى، فيقول: " إن طفلاً ذهب مع أقاربه لإلقاء كلمات في قرية مجاورة، وذهب كل منهم إلى شارع ليطرق باب الناس وليعلمهم عن محاضرة، وعندما طرق الطفل باب أحدهم، خرج صاحب البيت مغضباً، فقال له الطفل: "نحن ضيوف أتينا من مدينة مجاورة، وبعد المغرب سنلقي محاضرة، ونتمنى أن تحضر"، فغضب الرجل وبصق في وجه الطفل، فما كان من الطفل إلا أن مسح البصاق من وجهه، وقال: "الحمد لله الذي ابتليت في سبيله".
اهتز الرجل وتأثر تأثراً كبيراً بموقف الطفل، واعتذر منه كثيراً، وذهب معه للمسجد واستضاف الطفل ومن معه في بيته.
أهمية الاستفادة من الطفل في الدعوة:
لا تنحصر أهمية أن يكون الطفل داعياً إلى الله في استفادة المجتمع منه، بل يحصل الطفل قبل غيره على الاستفادة من هذه التربية.
لذلك، فإن أهمية الاستفادة من الطفل في الدعوة إلى الله، تنقسم قسمين:
1- تربية الطفل تربية إسلامية صحيحة.
فعندما نربي أطفالنا على قيم الدين الإسلامي الحنيف، نكون قد شكلنا اللبنة الأساسية الصالحة بإذن الله- التي ستؤثر على حياته القادمة كاملة.
فعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "علموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع" الحديث.
وما ذلك إلا لأن تعلميهم الصلاة وهم أطفال، سيسهل عليهم المواظبة عليها عند الكبر.
وقيل: "العلم في الصغر كالنقش في الحجر"، وهو أساس ما يمكن أن يربى عليه الأطفال، فإن تعلم الطفل في صغره أمور دينه من صلاة وصدقة وصدق وحب الخير وبغض الحرام وقراءة القرآن والذكر، نما وكبر على ذلك، وسهل عليه فيما بعد المواظبة على معظم تعاليم الدين الإسلامي، ولكن إن تعلم في صغره الغش والكذب وترديد الأغاني والألحان ومشاهدة الحرام في المنزل أو في التلفاز، نما وكبر على ذلك، وبات من الصعب جداً تغيير أصل ما حدث في نفس، وما رسخ في ذاكرته ووجدانه.
2- إبلاغ الدعوة إلى الآخرين.
الفائدة الثانية التي يحققها الاستفادة من الطفل في الدعوة، هو إيصال الرسائل الدعوية إلى الأطفال من جيله، وإلى المجتمع الذي يكبره، بسهولة ويسر، يصبح تأثيرها -في بعض الأحيان- أكبر من تأثير الكتب والأشرطة والوسائل الدعوية الأخرى.
إذ يمتلك الطفل العديد من الخصائص والمميزات التي تساعده على أن يكون داعياً فاعلاً في المجتمع المحيط فيه، وهو ما يحقق للمجتمع فائدة عظيمة.
ميزات الطفل في الدعوة إلى الله:
يرتكز أساس مشروع الاستفادة من الطفل في الدعوة إلى الله على المميزات التي يمتلكها الطفل دون غيره، والتي تمكنه من إيصال الرسالة الدعوية بكل سهولة ويسر إلى المجتمع.
من هذه المميزات ما يذكره الأستاذ بدر بن عبد الله الصبي (مدرس مادة التربية الإسلامية والمدرس في دور تحفيظ القرآن الكريم)، وهي:
- الطلاقة في الحديث وحسن التعبير.
- قوة الشخصية وحب القيادة.
- القدوة الحسنة.
- جمال المظهر ونظافة الملبس، ودماثة الخلق.
- شيء من الثقافة والاطلاع.
فيما تذكر السيدة أم عبد الرحمن (الدارسة في دار أم سلمة لتحفيظ القرآن) بعض الميزات الأخرى، وهي:
أ- في الأطفال حماسة لفعل ما يُشعرهم أنهم مثل الكبار.
ب- جرأتهم في إنكار ما عُلّموا أنه منكر دون محاباة أو حرج.
جـ- ميلهم لتقليد الآباء والمربين، فإن صادفوا أسوة حسنة اصطبغوا بصبغتها منذ صغرهم.
د ميلهم للتنافس مع من هم في مثل سنهم، ويمكن أن يدفعهم ذلك لحفظ القرآن والحرص على السمت الإسلامي وتوجيه الآخرين وما إلى ذلك.
هـ - قدرتهم العالية على اختزان المشاهد وشدة تأثرهم لأوقات طويلة بما يرون، يمكن الاستفادة من ذلك في تعريفهم بما يجري لإخواننا المسلمين وتبغيض الكفار لهم وتعريفهم بحقيقة عدوهم وشغلهم بقضايا الأمة وتعويدهم الدعاء للمسلمين ونحو ذلك.
و سعة خيالهم وميلهم لاكتساب المهارات، ويمكن توظيف ذلك بحسب كل طفل.
ز- عمق إحساسهم بالامتنان لمن يحسن إليهم: يمكن أن نغرس في نفوسهم حب الله ورسوله وصحابته وأهل العلم.
وتضيف السيدة أم عبد الرحمن قصة تشير إلى ما ذكرته من صفات خاصة بالأطفال في الدعوة، فتقول: " أعرف طفلاً في المرحلة التمهيدية، وكان شديد التعلق بمعلمته لمعرفتها بطبيعة الأطفال وحسن التعامل معهم لذلك، فقد كان يرفض الخروج مع أمه المتبرجة ما لم تستتر مثلما تفعل معلمته".
كما يضيف الأستاذ عبد الله الصغير بعض هذه المميزات بالقول: " الطفل يتميز بتلقائيته وطاقته العالية وسلامة فطرته وعاطفته وحبه للتقليد والمحاكاة ففي كل مزية من هذه إذا أُحسن استثمارها وهُيّئ الجو المناسب تجعل الطفل قادراً على الدعوة إلى الله، وأبسط مثال لذلك أن الطفل إذا سمع أو تعلم في منزله أن الدخان حرام مثلاً نجده بتلقائية يقول: إن الدخان حرام في مجتمعات أخرى محيطة به حتى بدون أن يطلب منه ذلك، كذلك إذا أحب الطفل أحداً من مجتمعه المحيط به بدأ يقلده فيدفع الصدقة للفقير إذا رأى والده يكرر ذلك دائماً ويوزع الشريط إذا رأى أن هذا ديدن والده أو معلمه".
نماذج واقعية:
من الأمثلة الواقعية التي نعيشها في وقتنا الحالي، الطفل الداعية عبد الله بن محمد جبر، والذي كتبت الكثير من وسائل الإعلام العربية عنه، وكرمه العديد من المشائخ، وأثنى عليها أئمة العلم الشرعي، منهم الشيخ عبد العزيز ابن باز - رحمه الله -، والشيخ عبد الله التركي، وشيخ الأزهر جاد الله، والشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -، وغيرهم، كل ذلك، وهو لم يكن قد تجاوز عمره التسع سنوات.
وقد ولد الشيخ الطفل عبد الله جبر بمدينة الوادي الجديد في مصر في التاسع عشر من شهر شوال عام 1405 هـ الموافق 7/7/1985 م.(15/65)
• حفظ القرآن الكريم في 10 / 9 / 1992 م، حيث كان عمره سبع سنين وشهرين و 3أيام.
• ثم انتقل لحفظ الحديث الشريف فبدأ بحفظ الأربعين النووية.
• ثم أتم حفظ كتاب (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان)، وكان ذلك في 6 / 7 / 1994م.
• وبعد ذلك حفظ (مختصر صحيح البخاري) للزبيدي.
• و(مختصر صحيح مسلم) للمنذري.
• و(متن البيقونية في علم الحديث).
• و(منظومة سلم الوصول إلى علم الأصول).
• وهو يحفظ الآن متن الشاطبية في القراءات السبع، حيث وصل فيه إلى ثلثيه.
تعلم عبد الله ارتقاء المنابر للخطابة منذ كان عمره ثمانية أعوام على يد شيخه محمود غريب.
وكان يحضر دروس الشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - التي تعقد في الحرم في رمضان.
كما التقى بسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وعرض عليه علمه فدعا له الشيخ وأوصى به والده.
ومن النماذج التي نعيشها في واقعنا أيضاً، الأطفال الذين تشاركهم دور الإنشاد وبعض الوسائل الإعلامية في الدعوة إلى الله.
ففي قناة المجد الفضائية -على سبيل المثال- يوجد العديد من الأطفال (أولاد وفتيات) ممن يمتهنون الدعوة إلى الله في حياتهم اليومية، ويوظفون طاقاتهم وقدراتهم الإبداعية في تقديم صورة صحيحة وجميلة عن الإسلام.
وتزخر القناة بوجود برامج تستهدف بالدرجة الأولى الأطفال، وأبطالها كلهم من الأطفال، من حفظة القرآن، أو من مقدمي البرامج، أو من المنشدين والمنشدات الذين يقدمون أناشيد تلامس أحاسيس الطفل، مليئة بالمعاني الإسلامية، وبالقيم النبيلة، وبالأخلاق الحميدة.
كيف يمكننا الاستفادة من الطفل في الدعوة إلى الله؟
رغم بساطة الطفل، وإمكانية تعلمه بسرعة ويسر، وإمكانية تطويعه للخير، إلا أن التعامل مع الطفل يجب أن ينحصر ضمن نطاق معين من الأساليب والتوجهات الناجحة، فلكل بيت باب يطرقه، ولكل مسألة مدخل لها.
والاستفادة من الطفل في الدعوة إلى الله يجب أن تبنى على قواعد وأسس متينة منذ البداية، وتبقى بعيدة -قدر المستطاع- عن السلبيات التي يمكن أن تواجه هذا السبيل.
يحدد الأستاذ عادل العبد المنعم (المدرّس في ابتدائية الوليد بن عبد الملك في الحرس الوطني) بعض الطرق التي تمكننا من الاستفادة من الطفل في الدعوة، فيقول: " في البداية لا بد من تأسيس الطفل وتربيته تربية إسلامية راسخة كي نستفيد منه مستقبلاً في الدعوة إلى الله، وهناك مجالات يستطيع الطفل أن يمارسها في الدعوة إلى الله، مثل: دعوة زملائه وأصدقائه إلى فعل الفضائل وترك الرذائل، فإذا رأى هذا الطفل زميلاً له قد كذب مثلاً، فإنه ينصحه ويقول له: إن الكذب حرام، وهكذا... ".
فيما يقول الأستاذ عبد الله الصغير: " يمكننا ذلك بغرس الإيمان في نفسه، وذلك بتهيئة الجو الإيماني في محيطه، كذلك بزرع الثقة به وتنمية ثقته بنفسه بحيث يشعر بقدرته على القيام بالمهام والتكاليف الدعوية، ثم بتأهيله لبعض الصفات والخصائص المطلوب توافرها في الداعية كالقدرة على الحديث أمام الناس وحسن الخلق واللطف (التلطف) مع الآخرين وغيرها، أخيراً وجود القدوة الصالحة المحببة إلى نفسه".
ويعدد الأستاذ بدر عبد الله الصبي بعض النقاط الهامة في هذا المجال بما يلي:
- تربية الطفل على الأخلاق الحسنة، وحب تقديم الخير للآخرين.
- تدريب الطفل على حسن التعبير عن أفكاره.
- تنمية مهارة الإلقاء ومواجهة الجمهور.
- تعويد الطفل على المبادرة واتخاذ القرار، وتقوية شخصيته.
أما الأستاذ خالد بن محمد بن خليفة آل عمر (المدرس في حلقات تحفيظ القرآن الكريم بالرياض) فيرى في كتاب الله - عز وجل - خير معين للطفل على اكتساب معظم المهارات في الدعوة إلى الله، حيث يقول: " إن الحرص على تحفيظ الطفل كتاب الله، يعد من أجَلّ الأعمال التي يمكن عملها بتوفيق الله - عز وجل - للاستفادة حالياً ومستقبلاً في مجال الدعوة، فكتاب الله فيه كل الوسائل الممكنة في الدعوة إلى الله، فيتعلم الطفل أحكام الصلاة وتنفيذها على الوجه الصحيح، وذهابه وإيابه للمسجد جماعة مع المسلمين يجعله قدوة حسنة ويجعله متمكناً من الدعوة إلى الله بحثِّ زملائه على الصلاة في المسجد".
سلبيات يجب ألا نقع فيها:
لكل عمل -مهما صغر أو كبر- إيجابيات وسلبيات، ويقول البعض: " إن الخطأ يأتي مع العمل"، فإن لم تكن تعمل، فلا أخطاء لديك.
لذلك، فإننا نعي أن رسم خطة ناجحة للاستفادة من الأطفال في مجال الدعوة، وتطبيق هذه الخطة، ستتأثر بسلبيات عديدة، وقد تواجه مشاكل طارئة، يجب أن نكون متنبهين ويقضين لها، كي لا تفاجئنا وتحبط أعمالنا، وكي لا تؤدي بالعمل الدؤوب إلى طريق سلبي، بعيد عما نتمناه.
من تلك السلبيات التي يجب ألا نقع فيها في مجال الاستفادة من الطفل في الدعوة، ما يعددها الأستاذ بدر الصبي، وهي:
- تعريض الطفل لاستجداء الناس وإراقة ماء الوجه، وذلك من خلال جمع التبرعات، أو ترك الأموال وإهمالها معه مما يغريه بالاختلاس.
- القذف بالطفل في المواقف الدعوية الصعبة، مثل: إنكار بعض أنواع المعاصي لدى من هو أكبر منه، مما قد يعرضه للتراجع عن الدعوة في الكبر.
وهذا الحرص على تلافي السلبيات يؤكد على أهمية كرامة الطفل ومشاعره، وعدم تعريضه لمواقف قد تؤدي به إلى إركاسات سلبية في شخصيته، قد ترافقه مدة طويلة من حياته.(15/66)
كذلك يحدد الأستاذ عادل العبد المنعم بعض الصفات التي تركز على أهمية خلق فرص إبداعية للطفل، فيقول: " يجب علينا ألا نستهين بقدرات أطفالنا، فهذا الطفل لديه قدرات ومواهب يجب أن نستغلها في الدعوة إلى الله، فمثلاً لا نفرض على الطفل شيئاً معيناً، بل نترك له الحرية في الإبداع، وابتكار بعض الأساليب التي تفيد في الدعوة إلى الله، ويبقى واجبنا نحن في الإشراف والمتابعة والتصحيح".
وفي ذلك إتاحة الفرصة أمام الأطفال للتعبير عن أنفسهم بطريقتهم الخاصة، وإبداع أفكار جديدة، قد تصبح أساساً جديداً في مجال الدعوة.
فيما يذكر الأستاذ عبد الله الصغير بعضاً من هذه السلبيات، فيقول: " من أهم السلبيات ألا نحرج الطفل بعمل لا يندفع إليه ولا يرغب به؛ لأنه يولد عنده نفوراً ولو بعد حين كذلك لا يكلف بعمل يفوق مستوى تفكيره أو يعرض لمواقف صعبة لا يستطيع التصرف فيها، ومن السلبيات تعويده على الماديات بحيث لا يقوم بعمل إلا ويكافأ عليه مادياً بل لا بد من مكافآت معنوية أحياناً".
وتعدد السيدة أم عبد الرحمن بعضاً من السلبيات التي تلاحظها من خلال تجربتها الشخصية، وهي:
أ التعامل معهم على أنهم صغار قليلو القدرات، ليسوا أهلاً لتحمل المسؤوليات.
ب استعمال الألفاظ الشرعية مع صغار السن مما يدفعهم لاستعمالها في غير مواضعها، وبخاصة المنطوية على فتاوى تصدر عن علم كلفظ الحلال والحرام.
جـ - السلوك الذي يبدو متناقضاً يربك الطفل وربما صدّه عن التأسي بمربيه حسب سنه-.
ومعرفة هذه السلبيات تشكل ضمانة مساندة لتأسيس صحيح لطفل دعوي قادر على تحمل مسؤولية من نوع جديد، لم يكن بالحسبان -أحياناً- الاستفادة منها.
حتى لا نقف عند حد معين:
العمل الدعوي عمل كله بركة، والدعوة إلى الله هي عمل الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يحدث فيها الأجر العظيم من العمل القليل، وكلما استطاع الداعي إلى الخير أن يؤثر أكثر في نفوس الناس، حصل على أعظم الأجور، ذلك أنه وكما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً" أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة.
لذلك، فمن المفيد أن نحاول تطوير العمل الدعوي لدى الأطفال، كي لا نقف عند حد معين، قد يموت عنده التطوير والاستمرار، وقد يحدث فيه الملل والفتور.
وكلما استطعنا أن نطور عمل الأطفال في الدعوة إلى الله، أصبح الأجر أعظم والعمل أدوم.
يرى الأستاذ عادل العبد المنعم أن اكتشاف المواهب في الطفل، هي أساس تطوير عمله، فيقول: " نستطيع أن نطور الاستفادة من الطفل في مجال الدعوة عن طريق اكتشاف المواهب والقدرات التي يتميز بها كل طفل، ونقوم بتنمية هذه المواهب وتطويرها عن طريق بعض البرامج والدورات المصغرة للأطفال، فهذه تساعد الطفل في تنمية موهبته وتطويرها، وبالتالي نستفيد من هذه الموهبة في مجال الدعوة إلى الله".
فيما يركز الأستاذ عبد الله الصغير على مسألة تنمية ومتابعة الأطفال؛ لرفع مستوى عملهم، وتطوير أساليبهم، فيقول: " كلما ارتقينا بالطفل إيمانياً واجتماعياً وثقافياً استطعنا أن نطور الاستفادة منه، ولذلك لا بد من حب غرس القراءة في قلبه وتعويده حب الخير ومساعدة الآخرين، وعدم إبداء التناقضات أمامه بحيث أوامر اليوم تكون نواهي بالغد، وأخيراً عدم التقليل من شأنه بل إعطاؤه المجال دائماً للتعبير عن نفسه وإبداء ما فيها مع التوجيه وتقويم الخطأ إن وجد أيضاً التأليف القصصي الموجه للطفل".
أما الأستاذ بدر الصبي، فيركز على دور المجتمع والجهات المختصة في ذلك، ويذكر بعض الأساليب التي تساعد في تطوير عمل الطفل الداعية، وهي:
- تكوين مؤسسات أو لجان لتربية الأطفال تربيةً إسلامية متكاملة.
- نشر مجموعة من الأفكار الدعوية التي يمكن للأطفال المساهمة فيها.
- بث هذه الفكرة لدى المعنيين بتربية الطفل.
ويذكر الأستاذ خالد آل عمر بعض الأساليب الأخرى، منها:
- استشارة الطفل وأخذ رأيه في بعض الأمور المتعلقة بالدين والدعوة ومعرفة كيفية رده وتصرفه وموقفه حيال ذلك.
- تعويدهم على القيام بعدد من المسؤوليات.
- تعويده على المشاركة الاجتماعية كالتعاون مع جمعيات البر ومساعدة الفقراء والمحتاجين وإغاثة اللهفان، وكذلك تعويده على إلقاء الكلمات بعد الصلاة في المدرسة.
- تعويده على اتخاذ قراره دينياً واجتماعياً ونفسياً وفي كل مواقف حياته قدر المستطاع.
كما توجد بعض الأساليب الأخرى، وهي:
- وجود محاضن تربوية لتنمية قدرات الطفل الداعية.
- الاهتمام بالبيئة والبيت والمدرسة في حياة الطفل، وتحمل كل منهم مسؤوليته.
- التشجيع والمكافأة للأطفال، ما ينمي لديهم روح التطوير والعمل الدؤوب.
- لا بد له من أن يأخذ حقه من الطفولة كاللعب والمرح والنوم والأكل، وإن لم يأخذها في صغره فيخشى أن يأخذها إذا كبر بطريقة خاطئة.
القصص التي يرويها الناس حول تأثير أحد الأطفال على أقرانه أو أقربائه أو مجتمعه، كثيرة ومتعددة، والأسباب التي أدت إلى ذلك متنوعة ومشاهدة بشكل شبه يومي.
بقي علينا فقط أن نخلص النية لله - عز وجل - ونعمل ما بوسعنا لكسب تلك القدرة الصادقة والبريئة والمفعمة بالحيوية والنشاط، لإدخالها إلى العمل الإسلامي الدعوي، أملاً بالأجر والمثوبة من الله تعالى، وعملاً بسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، ونشراً للعمل الصالح بين الناس، علّ الله أن يجعل من الجيل الجديد، جيلاً صالحاً يستطيع أن يحقق للأمة الإسلامية ما عجزت عنه أجيال كثيرة حتى الآن.
18/9/1425هـ
http://www.almoslim.net المصدر:
==========(15/67)
لم الجهاد ، وهل ثم خيار ...؟!
الشيخ / مهنا نعيم نجم
الحمد لله الذي أعز بالجهاد أقواماً، وأذّلَ به آخرين، الحمد لله الذي جعلنا بالجهاد منتصرين وبالقرآن متميزين، فبعث لنا محمداً عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، الذي قاد الغُر المحجلين، أمثال: أبناء عمرو وأبي عبيدة وخالد بن الوليد ...
فكلما بزغ فجر يوم جديد ازدادت قناعتنا بأن ما ينقص أمتنا الإسلامية اليوم " الجهاد في سبيل الله " وأعني الجهاد بما حوى من أحكام وشرائع وفقه... فلا بدّ من قاعدة صلبة متينة تستطيع أن تصمد في هذا الصراع الشرس بين الحق والباطل!!
نعم لا بدّ من تربية النفوس على الصبر والاستعداد، فلم يعد هناك متسع لزيادة التفريط، ولتبدأ الأمة بأخذ الأسباب لخوض المعركة الكبرى مع أعداء هذه الأمة، ولتكن أول خطوة:
الاستزادة من العمل الصالح وإصلاح ذات البين، كما قال أبو الدرداء: "أيها الناس، عَمَلٌ صالح قبل الغزو فإنما تقاتِلون بأعمالكم... "
وكن على علم أن الأمر ليس بالكثرة ولا القلّة.. ومتى كان المسلمون أكثر عدد من أعدائهم في معاركهم؟
ولكن "إن الله يُدافع عن الذين آمنوا... "، و"إن تنصروا الله ينصركم... " فها هي وصية نبيك الحبيب لعمرو بن العاص، إذ قال: " إذا بعثتُكَ في سريّة فلا تَتَنَقَّهم واقتطعهم، فإن الله ينصر القوم بأضعفهم".
بل دونَكَ كتب السيرة والتاريخ، فانظر متى كان المسلمون أكثر عدد من أعدائهم في معاركهم؟!
فواعجباً للجنة كيف نام طالبها؟ وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها؟ وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها؟ وكيف قرّ المشتاق القرار دون معانقة أبكارها؟! وكيف قرّت دونها أعين المشتاقين؟! وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين؟!
فهل أنتَ على قدر المسؤولية؟! وهل أنتَ أهل" لحمل الدعوة الإسلامية، فهناك الألوف بل الملايين من الناس تائهون يبحثون عن بريق الأمل الذي أنتَ عن حماه تذود. نعم، لا أجد سبيلاً لنا إلا الجهاد في سبيل الله لرفع الظلم وإرجاع الحقوق إلى أهلها، فإياك ثمَّ إياك والالتفات إلى الدعوات المثبطّة، فإن الله أعزنا بالإسلام، فمتى ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله!
تعال يا من حالُهُ في وَبال *** وروحُهُ محبوسَةٌ في عقال
يا راقداً لم يستفق عندما *** أذَّنَ في صُبحِ الليالي بلال
روض المصطفى وارفٌ *** وأنتم أصحابُهُ يا رجال
لا تلتف إلى بعض المتخاذلين عن تبليغ دين الله ونشره، ولا تكن مثله جالساً ومتكئاً على أريكته، شبعان ريان، حتى إذا طلِبَ منه نصرة دينه ولو بكلمة، أو كلف بأبسط مهمة لخدمة دينه، انبرى يتهرب من المسؤولية!
واعلم أن الذين لا تغلي دماؤهم، ولا تلتهب نفوسهم، ولا تهتز مشاعرهم لدفاع وخدمة هذا الدين، لا يعقد عليهم أمل ولا يناط بهم رجاء، أموات غير أحياء، وما يشعرون أيان يبعثون.
"لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ" (التوبة: 44، 45).
فأنت تخضع لاختيار صعب، ولا يفهم من قولي أني أكفر أحداً، ولكن وجب على كل مسلم أن يجهاد ولو بكلمة أو بخط قلم أو كفالة أسرة مجاهد... ففي الحديث " من مات ولم يغزو أو لم يحدث نفسه بالغزو فقد مات على شعبة من نفاق "، وهذا لا يعذرك بأن تتكلم عن الجهاد وأحوال المجاهدين فحسب، بل في الحديث الصحيح "الساعي على الأرملة والمسكين كالمرابط في سبيل الله "، وأيضاً "من خلف غازياً في أهله فقد غزا ". نعم مطلوب منك أيها العاجز إذا كنت كبيراً في السِن أن يكون مثلُكَ في الجهاد (أبو أيوب الأنصاري)، الذي ذهب إلى الجهاد وهو يرفع السيف بيدهِ اليمنى وبالأخرى حاجب عيّنِهِ ليرى العدو!! وإذا كنت رجلاً مكتمل العقل فليكن مثالُكَ الصحابة أجمع، ولكن ليت شعري، ماذا حلّ برجالنا، لقد أصبحوا أشباه رجال!!
أما إذا كنتَ شاباً يانعاً، فأسامة بن زيد يكفيك مثلاً الذي قاد جيش يضم بين جنباته أبو بكر وعمر.. وأصحابه.
وأما إن كنتَ طفلاً فيكفيكَ (الأرقم بن أبي الأرقم) الذي آوى رسول الله في بيته وسط منازل المشركين في مكة المكرمة قبل الهجرة، ولم يتجاوز الاثني عشر ربيعاً أو (مصعب بن عمير) أول سفير في الإسلام، ولم يبلغ من العمر مثل أخيه الأرقم.
نعم أولئك الرجال، أما أنتِ أختاه لم أنساكِ، فهاهي أول فدائية منكنّ، وأول شهيدة في الإسلام منكنّ، فأنتُنَّ شقائق الرجال، فمنكنّ أسماء وسميّة والخنساء وفاطمة ورابعة...
بل يكفيكَ اليوم أيها الشاب المسلم في العالم الإسلامي أجمع أن ترى أطفال أفغانستان، العراق، السودان، الصومال، أندونيسيا، كشمير، البوسنة، الشيشان، فلسطين، الذين يدبون الرعب في صفوف أعداء هذه الأمة من يهود ونصارى وصليبين ومجوس...
نعم احرص على الموت توهب الحياة، نعم متى كان الموت يخيفنا نحن المسلمين؟ أليس لكَ في نبيك أسوة حسنة؟ يقول ابن عباس: لما كان يوم أحد، كنت أمسك عقال بغلة رسول الله، وهو يتقدم ليشق صفوف المشركين ويقول: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب".
وأما سلفك الصالح رضوان الله عليهم فلكَ منهم نموذجاً أراه كافياً لي ولك.(15/68)
لما ماتت ملكة الروم في عهد الخليفة هارون الرشيد الذي كانت الجزية تُسَلَّم له من كل الأقاليم، حيث كان يحكم ثلاثة أرباع الدنيا تولى بعدها " نقفور "، فأرسل رسالة إلى هارون، يقول فيها: " أما بعد، فإن المرأة التي كانت قبلي، كانت ضعيفة العقل، وكانت تدفع لكَ الجزيّة، وأما أنا الآن، فلن أدفع لك درهماً ولا ديناراً ".
فوصل الكتاب، وقرأه هارون الرشيد، فقلّب الكتاب استهتاراً به، لئلا يكتب في ورقة أخرى، وأخرج القلم، وكتب" بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون الرشيد: أمير المؤمنين، إلى نقفور كلب الروم، أما بعد: فالجواب ما تراه دون ما تسمعه"، ثم قال لقائده: جهزّ الجيش، فما مرّت أيام، إلاّ وهو قد طوّق الكلب في بلاده، وجعله يدفع الجزيّة مضاعفة"
يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة: "إنما كان قوام هذا الدين: كتاباً يَهدي، وسيفاً يَنصُر، وكفى بربك هادياً ونصيراً".
إذن فلا حياة للأمة إلا بالجهاد، وبتربية أبنائها على خوض الصعاب والمنايا، لتعود الأمة عزيزة من جديد.
أخي المسلم: ضع يدَكَ في يد إخوانك المجاهدين، وارتبط معهم بقوة برباط الأخوة الصادقة في الله "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًّا كأنّهم بنيانٌ مرصوص". ولنترك اللوم والتوبيخ، فاللوم لا يحرك ولا يجمع، والتفتيش عن الثغرات التي يدخل منها الداء أولى بسدّها، ولسنا بحاجة إلى معكرٍ إضافيّ، فليُحَوِل كلٌ منا أخاه إلى داعية معه يحمل همّ الدعوة إلى الله.
أيها الشاب المجاهد استعن بالله ولا تعجز، واسأل الله الصبر والثبات، وليكن همك جمع الكلمة ووحدة الصف "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، فهيا إلى التلاحم، والتعاون، ورصّ الصفوف، وهيا إلى التآزر:
فالنصر لم ينزل على متخاذل *** والرزق لم يبعث إلى متواكِل
فمن جدّ وجدّ، ومن سهر ليس كمن رقد، والفضائل تحتاج إلى وثبة أسد.
فليس على الأعقاب تدمى كلومُنا *** ولكن على أقدامنا تقطر الدِما
تأخرتُ أستبقي الحياة فلم أجد *** لنفسي حياةً مثل أن أتقدما
فالجهاد ذروة سنام الإسلام، وهو فريضة محكمة دائمة، ولهذا يقول شيخ الإسلام: " فإن نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا، ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة، فإنه مشتمل على محبة الله تعالى والإخلاص له، والتوكل عليه وتسليم النفس والمال له، والصبر والزهد، وذكر الله وسائر أنواع الأعمال على ما لا يشتمل عليه عمل آخر. (مجموع الفتاوى ج28 ص353)
من أجل ذلك وجب عليك أخي المسلم في أي مكان في أنحاء المعمورة أن تعلم أن الهدف النبيل والغاية الجليلة التي يحملها الجهاد لم تكن يوماً سفكاً للدماء كما يقول الكفرة وأصحاب القلوب المريضة من أعوانهم، بل غايته حمل الدعوة ونشر الفضيلة وتعميم الخير، ودفعاً للعدوان والشر، وحفظ الأنفس والأموال، ورعاية الحق وإقامة العدل.
ومن أخذ البلاد بغير حرب *** يهون عليه تسليم البلاد
فكن على يقين وتأكد أن المجتمع المسلم لا يمكن له الخروج والظهور لحيز الوجود إلا عن طريق الجهاد في سبيل الله، فهو الكفيل بتنقية وتصفية النفوس، ورفع الهامات والمعنويات، وإزالة الأحقاد والارتفاع إلى القمة الشامخة بعيداً عن النزاعات الجاهلية التي أوجدها الاستعمار.
إن من بواعث الجهاد في سبيل الله رفع الظلم وحماية المستضعفين وإحلال الحق والعدل أينما وقع... فيا ليت شعري... كم من مسلمة في شرق الأرض ومغربها سبِيَت؟! وكم من الأطفال والشيوخ قتلوا، بغير ذنبٍ اقترفوه أو جرمٍ ارتكبوه؟! وما زال المسلمون ينتظرون قرار مجلس الأمن الدولي، الذي أصدر قرار قتلهم والتنكيل بهم، وأعطى الموافقة على احتلال أرضهم واستغلال ثرواتهم !
فواعجباه، مازالوا ينتظرون، ولسان المسلمات يقول لشباب الإسلام:
أتسبى المسلمات بكلِ ثغرٍ *** وعيش المسلمين إذن يطيبُ
أما لله والإسلام حقٌ *** يدافع عنه شبان وشيبُ
وهذا ويتبين لكَ أخي المسلم الواثق بنصر الله أينما كنت في العالم أنه لا بد لكَ من الجهاد في سبيل الله، وفي الحديث " لساعة في سبيل الله أحب إلى الله من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود" نعم، لا بد لك من الجهاد في كل صورهِ، ولا بد من مواجهة الشرّ المسلح، بالخير المسلح... ولا بد من لقاء الباطل المتترس بالعدد، بالحق المتوشح بالعدّة " وأعدوّا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم" فالعين بالعين...
15/10/1425
http://www.almoslim.net المصدر:
============
فقاعة الباطل
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
هل شاهدت السَّيل وَزَبَده؟
هل رأيت فقّاعات تعلو وجه الماء؟
تتطاير..وتتصاعد
والماء يهدر هدير الفَحَل!
ثم ما يلبث السيل أن يختفي عن وجه الأرض بعد أن يمكث أياماً يَرتَوي منه الناس
وتتبخّر تلك الفقّاعات!
ويزول الزَّبَد..ويختفي إلى الأبد
فلا الزَّبَد بَقِي ولا السَّيل
غير أن الزَّبَد تلاشى وذهب هو وأثره، فما نَفَعَه التَّعالِي!
وأما السيل فتَطَامَن.. فنزل في جوف الأرض.. فاستقرّ في أودية لا تظهر للعيان
يُنتفع به وقت الحاجة.. بل تنتفع به الأجيال(15/69)
وحينما يحتاج الناس إلى الماء فإنهم يستنبطونه من داخل الأرض.. فينتفعون به(أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ)
وهكذا الحق والباطل
الباطل له جعجعة وجَلَبَة
له صوت هدير بكل دعوى فجّة!
يعلو وجه الأرض عُلوّ فساد
يَذهب أهل الباطل.. ويزول باطلهم
فلا يبقى لهم ذِكر حَسَن
ولا أثَر نافِع
(وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ)حينما ترى صولة الباطل تُراودك الظُّنون
ويَظنّ المنافقون أنْ لا قيام للحَقّ (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إَِّلا غُرُورًا)
هكذا يَرون صَولَة الباطل، ولا تثريب على أعشى البصيرة إذا لم يَرَ نور الحقيقة
فـ " نور الحق أضوأ من الشمس فَيَحِقّ لخفافيش البصائر أن تعشو عنه "!
أما الْحَقّ فإنه يَسْرِي كما سَرى السَّيل، لا يقف في وجهه سدٌّ مَنِيع، ولا حصن منيف.
وإذا جاء نهر الله بَطَل نهر مِعقل!
الْحَقّ ينتشر على وجه الأرض كانتشار ضوء النّهار
لا تردّه يَد، ولا يحجزه منخل!
بل يُضيء الأرض والسّماء
لا تستطيع أمم الأرض مَنْعَه ولا ردّه
هذا هو : الْحَقّ ثابتٌ ثبوت الجبال الرواسي بل أرسى
واضح وضوح الشمس في رابعة النهار بل أجلى
باقٍ إلى قيام الساعة
يَمكث في الأرض فلا يُمكن اجتثاثه
هو في قُرآن يُتلَى
هو في سُنة جارِية
هو في عِلم تُنبش كنوزه.. وتُكتشف أسراره
هو في مبادئ راسخة
هو في قلب كل موقِن
لا يَزيدُه المكر إلا صفاء
ولا الكيد إلا جلاء
ولا كثرة الطّعَنات إلا رسوخاً
ولا تتابع الضربات إلا صلابة
أما الزَّبَد فإنه سُرعان ما يزول.. وإن انتفش!
وسُرعان ما يتلاشى وإن عَضَده السلاح والنار والحديد!
رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - صورة من صور الباطل.. فنفخها فطارت!
قال - عليه الصلاة والسلام - : بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذَهَب، فأهَمَّني شأنهما، فأُوحِي إليّ في المنام أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما كذَّابَين يَخرجان بعدي، فكان أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة. رواه البخاري ومسلم.
هكذا هي فقّاعة الباطل.. تزول بالنّفخ.. وتطير في الهواء
لا ثبات لها ولا استقرار.
واليوم تظهر بعض هذه الفقّاعات في صورة كاتِب صحفي!
في هيئة مُتفيهق أعلامي!
زادُه القِيل والقال
يَكيل التُّهم ضد أسلافه
ويتنكّر لمبادئه
(فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ)
ولا يهمّنّك شأنهم
بل انفخ هذه الفقّاعات تطير.. إذ لا قرار لها!
أصحاب المبادئ الراسخة ماتوا ودُفنوا تحت الأرض.. وهم كالسيل تحت الأرض ويُنتفَع به
فـ الناس صنفان : موتى في حياتهمُ = وآخرون ببطن الأرض أحياءُ
وأصحاب المبادئ الهدّامة والأفكار المنحرِفة ماتوا وتلاشى ذِكرهم كتلاشي الفقّاعات
الناس لا تذكرهم بخير بل تلعنهم ولهم سلف بـ (أبي رغال)!
وما أبو رغال؟
أبو رغال دلّ أبرهة على الطريق إلى مكة، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله بالمغمس، فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك فَرَجَمَت قبرَه العرب!
شخص لا قيمة له
أراد النّفع والنّفع فحسب ... فهو نفعي لا غير !
ولو على حساب قومه.. ولو على حساب بيت تُعظِّمه العرب قاطبة
ليس لديه مبدأ.. النفع والمصلحة الشخصية عنده فوق كل اعتبار!
دلّ العدو على عورات قومه!
دلّ عدوّه على الطريق إلى مكة (بلد الإسلام)
ومات أبو رغال.. وتلاشَتْ فقّاعته!
وبَقِي له سوء الذِّكر مسطور مزبور في كُتب التواريخ
مات ابن أبي دؤاد.. حامل لواء البدعة
ومات أحمد بن حنبل - رحمه الله -
فالأول زَبَدٌ تلاشى إلا قليلاً
والثاني سَيلٌ نفع الله به
كم ورّث من عِلم؟
وكم تَرَك من قول؟
وكم خلّف من حِكمة؟
ما نفع ابن أبي دؤاد أن كان قاضي قضاة زمانِه
ولا الْمُقدَّم عند حاكم عصره وأوانه
أليس هو القائل للخليفة : اقتل أحمد ودمه في رقبتي؟!
فيا بُعد ما بين الرَّجُلَين!
الدنيا كلّها تعرِف من هو أحمد بن حنبل!
ولكن من يعرِف ابن أبي دؤاد؟
سائِل الدنيا..
واسأل التاريخ
ففي التاريخ مُعتَبَر
وفي الأيام مُدَّكَر
4 / 8 / 1425 هـ
http://saaid.net المصدر:
============
جزء من النص مفقود
جزء من النّص مفقود...
جملة قد نقرأها في بعض الرسائل التي تأتينا على الجوّال،
وهي تعني أن هناك جُزءاً من الرسالة مفقود، ومن خلال ذلك
نعلم أن الرسالة غير مُكتملة....
وأحياناً تكتمل بعض الرسائل بالتحديث التلقائي!!
وهناك كثيرُ من النّاس يوجد لديهم (* جزء من النص مفقود *) في حياتهم!!
ومن يُشاهد ما عليه كثير منهم وأحوالهم في هذه الأيام، يرى بالفعل أن هناك
جُزءاً من النص مفقوداً لديهم!!
وأقصد بذلك الجزء المفقود (الاستقامة)،
نعم... إن هذا الجزء هو من أهم الأمور التي ينبغي على كل أحد منّا العناية بها،
بل هو أصل، لأن الأصل في المسلم الاستقامة على دين الله،
الاستقامة تعني الثبات على الحق والوقوف عند حدود الله والإبتعاد عن ما حرّم الله والسير
في الطريق إلى الأمام، وعدم التوقف فإن المتوقف لا يسمى مستقيماً، ولا تنحرف يميناً ولا يسارا،
فالاستقامة ضد الانحراف.(15/70)
قال - تعالى - في محكم التّنزيل: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير ٌ) سورة هود
وإليكم ما ذكره ابن كثير في تفسير هذه الآية: يَأْمُر - تعالى -رَسُوله وَعِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِالثَّبَاتِ وَالدَّوَام عَلَى الِاسْتِقَامَة وَذَلِكَ مِنْ أَكْبَر الْعَوْن عَلَى النَّصْر عَلَى الْأَعْدَاء وَمُخَالَفَة الْأَضْدَاد وَنَهَى عَنْ الطُّغْيَان، وَهُوَ الْبَغْي إِنَّهُ مَصْرَعَةٌ حَتَّى وَلَوْ كَانَ عَلَى مُشْرِك وَأَعْلَمَ تَعَالَى أَنَّهُ بَصِير بِأَعْمَالِ الْعِبَاد فَلَا يَغْفُل عَنْ شَيْء وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء.
وأيضاً قال - تعالى -: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ)
الآية... في سورة الشورى. وذكر ابن كثير تفسير ذلك وَقَوْله " فَلِذَلِكَ فَادْعُ " أَيْ فَلِلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك مِنْ الدِّين الَّذِي وَصَّيْنَا بِهِ جَمِيع الْمُرْسَلِينَ قَبْلك أَصْحَاب الشَّرَائِع الْكِبَار الْمُتَّبَعَة كَأُولِي الْعَزْم وَغَيْرهمْ فَادْعُ النَّاس إِلَيْهِ. وَقَوْله - عز وجل - " وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْت " أَيْ وَاسْتَقِمْ أَنْتَ وَمَنْ اِتَّبَعَك عَلَى عِبَادَة اللَّه - تعالى -كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّه - عز وجل -.
وفي صحيح مسلم عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرَكَ قَالَ قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اِسْتَقِمْ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - رحمه الله - : هَذَا مِنْ جَوَامِع كَلِمه - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُطَابِق لِقَوْلِهِ - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اِسْتَقَامُوا} أَيْ وَحَّدُوا اللَّه، وَآمَنُوا بِهِ، ثُمَّ اِسْتَقَامُوا فَلَمْ يَحِيدُوا عَنْ التَّوْحِيد، وَالْتَزَمُوا
طَاعَته - سبحانه وتعالى - إِلَى أَنْ تُوُفُّوا عَلَى ذَلِكَ. وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ مِنْ الصَّحَابَة فَمَنْ بَعْدهمْ وَهُوَ
مَعْنَى الْحَدِيث إِنْ شَاءَ اللَّه - تعالى -. هَذَا آخَر كَلَام الْقَاضِي - رحمه الله -. وَقَالَ اِبْن عَبَّاس - رضي الله عنهما – فِي قَوْل اللَّه - تعالى -: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} مَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فِي جَمِيع الْقُرْآن آيَة أَشَدّ وَلَا أَشَقُّ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَة. قَالَ: وَقِيلَ: الِاسْتِقَامَة لَا يُطِيقهَا إِلَّا الْأَكَابِر لِأَنَّهَا الْخُرُوج عَنْ الْمَعْهُودَات
وَمُفَارَقَة الرُّسُوم وَالْعَادَات، وَالْقِيَام بَيْن يَدِي اللَّه - تعالى -عَلَى حَقِيقَة الصِّدْق.
بتصرف من صحيح مسلم بشرح النووي.
النّاس ولله الحمد والمِنّة فيهم الخير الكثير ولكن ينقص الكثيرين منهم هذا الجزء!!
ولابُد على كل أحد منّا القيام بعمل (تحديث) لهذا الجزء المفقود، وذلك بـ (الاستقامة)
على دين الله..
فلنبادر أيها الإخوة، ولتُبادرن أيتها الأخوات، من هذه اللحظات بالاستقامة،
فإنها خير طريق سار عليه من قبلنا من الأنبياء والصالحين..
وفقنا الله وإياكم لكل خير وللاستقامة على دينه وثبّتنا وإياكم على الحق..
http://saaid.net المصدر:
=============
تجربة داعية
د. نهى قاطرجي
تسعد المسلمة الداعية إلى الله - عز وجل - بتلك اللحظة التي تأتي فيها إليها إحدى الأخوات لتقول لها : لقد تبت إلى الله وأقلعت عن المعاصي، أو تقول لها لقد هداني الله - عز وجل - وتحجبت، أو تقول لقد أقتنعت بكلامك وبدأت أصلي، وغير ذلك من الأفعال التي تفرح قلب الداعية وتعطيها مزيداً من الحوافز على مباشرة الدعوة من جديد.
إلا أن التجربة التي مررت بها تركت فيّ أثراً كبيراً وعلمتني أن على الداعية أن تعمل على أن لا تجعل لحظوظ النفس دوراً في حياتها الدعوية، وأن تحارب وساوس النفس الأمارة بالسوء التي تدعو إلى العجب والفخر والإحساس بالعظمة وغير ذلك من الوساوس التي قد تفسد أي عمل دعوي وتبطله.
لذا على الداعية ألا تثق بنفسها تلك الثقة العمياء التي تجعلها تغتر بنفسها وتعتقد أنها مكتفية بذاتها، تستطيع دوماً أن تقنع وتؤثر بالآخرين دون حاجة لأي استعانة بأية وسيلة أخرى، بل عليها ان تعلم بأن الناس أنواع فما يؤثر بشخص قد لا يؤثر الآخر، لذا عليها ان تستخدم كل الوسائل المتاحة عندها من أجل نجاح دعوتها، حتى ولو كانت هذه الوسائل ليس من انتاجها بل من انتاج عالم أو كاتب أو داعية آخر، لأن الأصل في العمل الدعوي هو النتيجة وليس الوسائل، والنتيجة هي بيد الله - سبحانه وتعالى - الذي قد يبارك وينفع بأي عمل مهما كان صغيراً.
هذا الدرس الحياتي تعلمته منذ سنتين عندما كنت أشارك في سلسلة محاضرات أقيمت في إحدى البلدات، فقد طلبت مني إحدى الحاضرات بعد الانتهاء من القاء المحاضرة أن يكون موضع المحاضرة التالية عن الحجاب، إلا أن هذا الأمر لم يكن ممكناً لوجود عدة محاضرات أخرى سبق التحضير لها، إلا أني وعدتها أن أحضر لها في الأسبوع القادم نسخة عن محاضرة كنت قد كتبتها عن الحجاب وأهميته.(15/71)
عندما جئت في الأسبوع التالي أحضرت معي تلك المحاضرة وأحضرت معها أيضاً كتيباً صغيراً يتناول موضوع الحجاب، عندما انتهت زميلتي من القاء محاضرتها بحثت بين الحضور عن المرأة التي سألتني عن موضوع الحجاب فلم أجدها، لذا أعطيت المحاضرة والكتيب للأخت المسؤولة عن تنظيم المحاضرات، والتي نشأت بيني وبينها مودة وصداقة حميمة، على أن تعطيهما لتلك المرأة فيما بعد.
ومرت الأيام، وجاء موسم الحج وعلمت أن الأخت الفاضلة ذهبت لقضاء فربضة الحج، فأحببت ان أتصل بأهلها لأطمئن عليها إثر الأحداث الأليمة التي ألمت بالحجاج في تلك السنة، وعندما اتصلت بهم ردّت عليّ ابنتها ذات السابعة عشر ربيعاً التي أخبرتني أن أمها بخير وأنها ستأتي قريباً، ولكنها فاجأتني بخبر آخر، قالت لي : لم تباركي لي، فلقد تحجبت؟ فرحت كثيراً بالخبر وهنأتها عليه وقلت لها: مبارك كيف حصل هذا، فأجابت : لقد قرأت موضوع الحجاب الذي أعطيته لأمي، قلت لها : أي موضوع، تقصدين المحاضرة؟ قالت : لا، ولكنه ذلك الكتيب الصغير الذي أرفقتيه بالمحاضرة؟ آه لو تعلمين كم ترك في نفسي من أثر.
في تلك اللحظة شعرت بمشاعر متضاربة، بين إحساس بالحسد من هذا الكاتب الذي نجح فيما لم أنجح به، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لاحسد إلا في اثنين رجل اتاه الله علماً..."، وبين إحساس بالتعجب من قدرة الله - سبحانه - الذي تتعدد وسائل هدايته، فهذا كتاب صغير لكاتب لا أعلم إلى أي بلد ينتمي، والذي لم يكن يحتل في مكتبتي سوى ركناً صغيراً كان سبباً في هداية إنسان وتغيير حياته، فكم من كتب تملأ رفوف المكتبات إلا أنها لا تستخدم إلا من أجل الزينة، ثم كم لكاتب هذا الكتيب الصغير من أجر يوم القيامة، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، علم نافع أو صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له ".فليبارك الله - عز وجل - لهذا الكاتب عمله وللفتاة هدايتها وعسى أن يجعل الله لي أجر الدلالة على الخير، فإن الدال على الخير كفاعله.
http://saaid.net المصدر:
===========
الأمة الواحدة
محمد بن حمد الدريهم
جلست أتأمل ملياً قوله - تعالى -: (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم). [الأنفال: 63] وقوله: (...تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى... ). [الحشر: 14] في الآية الأولى ترى المِنة الربانية والهبة الإلهية لعباده المؤمنين.. حيث تأليف القلوب وقربها واتفاقها واجتماعها.. وتذهب بك الآية مذهباً بديعا آسراً حيث تؤكد لك ولجميع أهل الأرض أن هذا التأليف والجمع للقلوب إنما هو برحمة من الله وفضل، وأنه لا كنوز الأرض ولا أموالها تقدر على زرع المحبة وجمع القلوب وإحداث المودة الصادقة.. بل إنما حصل هذا التأليف ببركة الإيمان بالله تعالى- وتصديق رسوله وطاعته واتباعه..
في المقابل نجد حديث ربنا عن قوم آخرين.. حادوا عن طريق الهدى.. ولم يدخل الإيمان قلوبهم.. ويا لسحر هذا القرآن.. وعظيم بيانه.. وبديع إعجازه (تحسبهم جميعاً) إنك حين ترمقهم لأول وهلة تُصاب بإعجاب وإكبار لهذا الاتحاد والائتلاف والاجتماع.. بينما الحقيقة التي عرّاها وأبانها القرآن (وقلوبهم شتى) فقلوبهم متفرقة لا أُلفة بينها ولا محبة ولا رحمة.. إن بينهم من الإحن والعداوات مالا يظهر في الخارج لكنه مستقر ومغروس في باطنهم.. فلا يتعاضدون حق التعاضد ولا يرمون عن قوس واحدة.. ولذا جاء في قراءة (وقلوبهم أشت)أي شديدة التفرق وبعيدة عن الاتفاق.
إن القلب هو ملك الجسد.. وهو الآمر الناهي عليها.. وبقية الأعضاء جنود له مطيعون له. ولذا فإنه إذا امتلأ محبة لإخوانه وحرصاً عليهم فإنه يسعى إلى تحقيق هذا المعنى العظيم.. إن روح الجماعة في الإسلام؟؟ وروح الجماعة في القرآن والسنة مما يطول بذكره المقام ولا يسعه ألف مقال.. إن الاجتماع والائتلاف هو أقسى ما يمكن أن يراه المبغضون لهذا الدين.. وإن الفرقة والبغضاء والشحناء والحسد والكراهية حين تنتشر في جسد الأمة فإنها تُفرح العدو وتجعله قادراً على التغلغل في جسد الأمة.
تأمل نصوص القرآن.. وطالع نصوص السنة النبوية.. ستجد مئات النصوص التي تحذر من الظلم والبغضاء والحسد والكراهية والظن السيئ والغيبة والنميمة والكذب..
والقائمة لا حصر لها من السمات السيئة.. تأمل هذه الصفات جيداً. ستجد أنها كلها تساهم في إحداث الفرقة وزرع الإحن والشحناء.
إننا أحوج ما نكون فيه إلى زرع المحبة بيننا.. هذه المحبة المتفرعة من الإيمان بالله.. هذا الإيمان الذي يظللنا ويجمعنا تحت هذا المعنى العظيم.. وبتنا أيضا مطالبين فيه أكثر من أي زمن مضى بنزع فتيل الخلافات والعداوات التي لا تقدم خيراً لنا ولا للإسلام.. ما أجمل أن يكون المسلمون يداً واحدة وجسداً واحداً.. كما قال - عليه الصلاة والسلام - : "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).(15/72)
لم يكن الخلاف.. ولم تكن الفرقة في يوم لتحقق مجداً أو تحدث نصراً. بل الأمر بخلاف هذا.. فبقدر اختلافنا وفرقتنا تحدث المصائب ويتداعى علينا الخصوم.. يجب أن تعلو أصوات المخلصين الذين يسهمون في جمع الكلمة وتوحيد الصف قال - تعالى -: (إنما المؤمنون إخوة) وقال - تعالى -: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم). [الحشر: 10] وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره" وقوله - صلى الله عليه وسلم - : لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً".
إذا كانت المسألة متعلقة بأمور اجتهادية. فلِمَ تُضيّع الأعمار والأوقات في إثارة الجدل والخلاف حول مسائل لكل قائل بها دليله الذي يدين لله - تعالى -به، ولا إنكار في مسائل الخلاف.. لنبحث عن أمور هي أكثر نفعاً للأمة وللمجتمع وللحضارة وللإنسان..
لنعوّد أنفسنا على خُلُق الرحمة والعدل والمرونة والسهولة واللين.. "فما خُيّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً" "وما كان الرفق في شيء قط إلا زانه، ولا نُزع من شيء إلا شانه".
ليكن تعاملنا مع إخواننا مبنياً على الرحمة والمحبة والمودة.. فلا التعنيف ولا الجدال يثمر أو ينتج شيئاً..
إن سفينة الأمة مرهون نجاتها بتضافر الجهود وتكاتف الأيدي.. وكل واحد منا يجب أن يستشعر أنه مطالب بتقديم شيء مما يمكنه من القدرات والمواهب لخدمة إخوانه ومجتمعه ودينه...
19/9/1425
02/11/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
============
فقه مواجهة الدعاة لضغوط العمل
كن إيجابيًّا، كن مقبلاً غير مدبر، كن حاملاً للتفاؤل رايةً، كن باعثًا للأمل في نفسك وفيمن معك، لا تدَع لليأس أو الفشل مجالاً أن يصلا إلى قلبك، تعلَّم كيف تستخدم ألفاظ النجاح.
كثيرًا ما يشكو الدعاة إلى الله والعاملون في ميدان الدعوة وإدارياتها من ضغوط العمل وتزاحم الأعمال على صاحبها، حتى يكاد الداعية لا يحسن التصرف ويصاب بالإحباط والتوتر وضيق الأفُق من جرَّاء تزاحم الأعمال عليه، وربما يقع الداعية في دائرة الارتباك التام، أو تساقط الأعمال من بين يديه.
ولذلك كان ولا بد أن نقدم بعض الطرق الفعَّالة لمواجهة ضغوط العمل والتوتر المصاحب لها؛ حتى تستطيع أن توظفها لصالحك:
1- التفويض:
لا تحمِّل نفسَك أكثرَ من طاقتها، وحاوِل أن تُشرك إخوانَك معك في حلمك، وفي بعض مهامك اليومية الرئيسية، وفي همومك الدعوية اليومية؛ لكي يحسوا بحجم معاناتك وكمية الضغط الذي تتحمله نيابةً عنهم، ولا يجب أن تقوم وحدَك بكل الأعمال الدعوية الواجبة عليك، بل أشرِكهم وافتح لهم قنوات للعمل والتحرك وإخراج ما لديهم من طاقات مكنونة.
إن قيامَك بتخفيف الأعباء غير الضرورية عنك، وتفويض إخوانَك التفويض الفعَّال سيمنحك مزيدًا من الوقت والفرصة لتتعامل مع أمورك الأخرى التي قد تكون أكثر أهميةً، ويخفف من ضغط العمل عليك وحدك، ويجعلك تتفرغ للقيام بواجبك الأصلي في وضع الإستراتيجيات ومتابعة الأعمال والتوجيه، وحسن تقييم العمل، ورسم الخطط لعلاج ما يمكن علاجه، بدلاً من الانشغال بصغائر الأعمال التي يمكن تفويضها للغير.
2- التنظيم الفعَّال:
فإن حُسنَ التنظيم وسيادةَ روح الفريق الواحد في العمل، ووجود لوائح تنظيمية تضبط العمل، مع إشراك الجميع في اتخاذ القرارات، وإشعارهم أنهم جزءٌ من العمل، وأن الدعوة دعوتهم..كل ذلك وغيره مما يقوِّي ثقة الفريق الذي معك، ويرفع عن نفسك الكثير من الأعباء، ومما يقلل من تعرضك للضغوط والتوتر، ويخرجك من دائرة ضيق الأفق الإداري، إلى رحابة العمل المنظَّم الفعَّال.
3- الاستعداد المسبق للضغوط :
إن استعدادَك المسبَق للمواقف التي تسبب لك الإحساس بالضغط، وخاصةً إذا كانت تلك المواقف مما يمكن توقُّعه، مثل المناسبات الدينية، والأحداث التاريخية، وما تتطلبه من تفاعلات، وتوقع هذه المواقف التي تجعلك متوترًا، وتحضير نفسك لها جيدًا.. فإن ذلك سيخفف الكثير من الضغط والتوتر عنك؛ مما يجعلك تؤدي بطريقة أفضل، وتصل لتحقيق نتائجك بصورة رائعة، بدلاً من أن تلجأ إلى سياسة ردود الأفعال، والتي غالبًا ما تكون مسبِّبةً للضغط النفسي والعصبي ومُرهِقةً للعاملين من حولك.
4- تحدث مع نفسك بطريقة إيجابية:
كن إيجابيًّا، كن مقبلاً غير مدبر، كن حاملاً للتفاؤل رايةً، كن باعثًا للأمل في نفسك وفيمن معك، لا تدَع لليأس أو الفشل مجالاً أن يصلا إلى قلبك، تعلَّم كيف تستخدم ألفاظ النجاح، إذا سمعت نفسَك تقول عن أمر ما: "إنه عمل صعب"، أو "لماذا يحدث كل هذا؟! "، أو "لماذا تكالبت عليَّ الظروف؟ "، فامتنع فورًا عن هذا القول وتوقف، وواجِه حديثَك السلبي لنفسك بطريقة إيجابية، وقل لنفسك: إنك لهذا العمل بإذن الله، وإنك لا تعرف المستحيل، وإن الدين دينك، والعمل عملك، والواجب واجبك، مثلما استشعَر ذلك الصدِّيق بعد وفاة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أينقص الدين وأنا حي"، فكن إيجابيًّا متحركًا منتصرًا على عوامل اليأس والإحباط، وبذلك تتحكَّم في نفسك وتتغلَّب على التوتر الذي يصيبها، وتُحكِم قبضتَها وتوجيهَها نحو مسيرة العطاء المتوقدة لتسير في ظلال الأمل الوارفة.
5- إستراتيجية دفتر الإنجازات:(15/73)
ليكن لك مع نفسك كل يوم وليلة وقفةٌ لمراجعة الإنجازات التي تمَّت والوقوف عليها بنظرة إيجابية؛ لتكون دافعةً لك إلى الأمام، وأجلب دفترًا مميزًا واكتب عليه (دفتر الإنجازات اليومية)، واحرص على أن تسجل فيه إنجازاتك أنت وإخوانك اليومية على صعيد العمل كله أو في حياتك الشخصية، وسجِّل حالتك النفسية أثناء هذا الإنجاز وسعادتَك به إذا كان الأداء فيه مميزًا، وبهذه الطريقة ستتعلم كيف تفكر في صفاتك الإيجابية وصفات الفريق معك، ومواضع قوتكم.
وعندما تتزايد عليك الضغوط وتمرُّ بظروف سيئة تذكَّر ما أنجزتَه من قبل - وخاصةً في مثل تلك الضغوط - حينئذ سوف تتأكَّد من أنك حقَّقت الكثير في حالات نفسية مختلفة، وربما تكون أشدَّ قسوةً من تلك الظروف التي تمر بها، وستتأكد أنك تستطيع تحقيق نجاحات جديدة مهما كانت الظروف، وتذكر - أخي الحبيب - أن الرجل الواحد بوسعه أن يبنيَ أمةً إن صحَّت رجولتُه.
6- الاستعانة بالله:
وقبل ذلك وبعده لا بدَّ من تذكُّر أن المرء مهما أوتيَ من قوةٍ أو علمٍ أو طاقةٍ أو مهارة أو إمكانات أو أنصار من حوله فإنه لا حولَ له ولا قوةَ إلا بالله، وأنه لا بدَّ من الرجوع إلى ربِّ الأسباب أولاً حتى يعينَه على تجاوز ما هو فيه من ظروف وضغوط، وأن يعينه على إتمام هذه الأعمال كلها دون إنقاص منها أو تجاوز عن بعضها أو تقصير فيها، وحينما تكالبت القوى على الحبيب في الهجرة أخذَ بالأسباب واستعان برب الأسباب، وحينما خرج إلى بدر أخذ بالأسباب وأناب إلى رب الأسباب.. "اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبَد في الأرض".
وأشعر نفسك بقيمة ما قاله الحبيب - صلى الله عليه وسلم - للصدِّيق "لا تَحْزَنْ إِنَّ الّلهَ مَعَنَا"، وما قاله كليم الله لقومه: "كَلاَ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِين"، وهذا هو سمت الدعاة إلى الله في كل وقت وحين، وعند تضاعف الأعمال وتزاحمها لا بد من طلب العون من العلي الكبير.
وقبل الختام إليك بعضًا من الوصايا التي وضعها د. إبراهيم الفقي في كتابه القيِّم (أسرار قادة التميز)؛ لكي تكون عونًا لك في طريقك- أخي الداعية- لمواجهة ضغوط العمل:
- آمِن عندما يشكُّ الآخرون
- اعمَل عندما يحلم الآخرون
- أنصت عندما يتحدث الآخرون
- امتدح عندما ينتقد الآخرون
- ابتسم عندما يشكو الآخرون
- ابْنِ عندما يهدم الآخرون
- انسَ عندما يحكم الآخرون
- سامح عندما يدين الآخرون
- حب عندما يكره الآخرون
- ولا تنس أن تتحلى بروح ساخرةٍ مع جرعةٍ كبيرةٍ من الصبر.
02/12/2004
http://www.ala7rar.net المصدر:
============
الطاقات والمواهب في خدمة الدين
الشيخ/ محمد صالح المنجد
الحمد لله، وبعد،،،
مستلزمات ومقتضيات الاستقامة على شرع الله:
كثير من المسلمين اليوم لا يفقهون ماذا يعني، وماذا يقتضي، وماذا يستلزم وماذا تتطلب استقامتهم على شرع الله؟ إن الاستقامة على شرع الله - عز وجل - تستلزم أموراً كثيرة، وتتطلب من المسلم الغيور على دينه، وعلى عقيدته، الذي يريد أن يرفع لواء الإسلام عالياً تتطلب منه تكاليف كثيرة. ومن هذه التكليفات التي تقتضيها الاستقامة على شرع الله:
استغلال كل الطاقات والمواهب من أجل نصرة دين الله - عز وجل -: كثير من المسلمين لديهم طاقات عديدة مادية ومعنوية لكنهم لا يستغلونها لرفع دين الله، ونصرة شرعه - سبحانه -. ويظهر إخلاص الفرد المسلم وحماسه لهذا الدين بقدر ما يستغله من طاقات نفسه ومواهبه الذاتية من أجل نصرة دين الله، ولعل ذلك يعتبر مقياساً جيداً يستطيع أن يقيس به المسلم ما مدى صدقه؟ وما مدى إخلاصه؟ وما مدى تفانيه لنصرة هذا الدين؟
استغلال الطاقات والمواهب لإعلاء كلمة الله:
لقد آتانا الله قوى كثيرة، وأنعم علينا بمواهب جمة، لكن: هل استغلت هذه الطاقات والمواهب لإعلاء كلمة الله؟. إن الله - سبحانه - سمى نفسه القوي، فقال في سورة هود: {...إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ[66]}[سورة هود].
لقد أمر الله المؤمنين بإعداد القوة لملاقاة القوة للأعداء: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ... [60]} [سورة الأنفال]. وهي نكرة في سياق الأمر تفيد العموم.. جميع أنواع القوة.. وانظر أخي:
نماذج لاستغلال المواهب والطاقات في خدمة لدين:
1- داود - عليه السلام -: لما أعطى الله داود - عليه السلام - إلانة الحديد، فيم استخدمها ذلك النبي الكريم؟ لقد استخدمها في صناعة الدروع، وملابس الحرب، والعتاد العسكري؛ ليجاهد في سبيل الله - عز وجل -.
2- سيلمان - عليه السلام -: وقد أعطى الله سيلمان - عليه السلام - نعماً كثيرة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ... [16]}[سورة النمل]. ولذلك فها هو يستخدم الهدهد في طاعة الله، وفي إرسال كتب الإنذار والإعذار إلى الكفار؛ لدعوتهم إلى دين الله، وتهديدهم إذا هم مالوا وحادوا عن شرع الله.. وهاهو يستخدم جنوده من الجن، والإنس، والطير في تهديد الكفار، وإرغامهم وحملهم على إتباع الدين،
وها هو يستخدم العفاريت في جلب ما إذا رآه الكفار أسلموا، واستخدم الجن في بناء الصرح الممرد من قوارير، الذي بهر عين ملكة الكفار؛ فأسلمت لما علمت أن ملكها لا يساوي شيئاً بجانب ملك سليمان المؤيد من عند الله - عز وجل -.(15/74)
وإن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن. وقال - سبحانه -: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ[36]وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ[37]وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ[38]هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ[39]}[سورة ص]. من الجن الذين عصوا سليمان.
{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ... [12]}[سورة سبأ]. أنعم الله عليه بها، ففي أي شيء استخدمها؟ في السفر عليها لطاعة الله، في سبيل الله - سبحانه -.
{... وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ... [12]}[سورة سبأ]. النحاس المذاب يصنع فيها ما يشاء مما فيه فائدة للدين والبلاد والعباد.
{... وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ... [12]}[سورة سبأ]. سخرهم الله لسليمان.. ماذا يعملون له؟ المحاريب: المساجد، والأبنية. والجفان التي كالجواب، وهي: الأحواض العظيمة التي يجبى إليها الناس. والقدور الراسيات لعظمها ترسو من ثقلها لينتفع مما فيها المسلمون.
3- ذو القرنين - رضي الله عنه -: وذو القرنين الذي كان من جنود الإسلام سلطه الله على الشرق والغرب حتى جاب الأرض لا يمر على أمة من الأمم إلا دعاهم إلى الإسلام، فإذا رفضوا؛ جعل بلادهم قاعاً صفصفاً، وسلط عليهم جنوده، فاستباح بلادهم لما عصوا ما أمر الله به أن يطاع.. {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا[84]فَأَتْبَعَ سَبَبًا[85]}[سورة الكهف].
ولذلك لما ورد على قوم من الكفار ماذا قال؟ {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا [87]}[سورة الكهف]. من رفض وقاوم شرع الله؛ فسنعذبه بالقتل وغيره {ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا[87]وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا[88]}[سورة الكهف].
ولما ورد على القوم الذين لا يكادون يفقهون قولاً، لاستعجام كلامهم وبعدهم عن الناس، ضعفاء، لا حول لهم ولا قوة اشتكوا إليه من ظلم يأجوج ومأجوج، وإغارتهم عليهم، وإفسادهم أموالهم وزروعهم ومواشيهم وأنفسهم، فماذا قالوا: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً[94]}[سورة الكهف]. اكفنا شرهم يا ذا القرنين ونحن نعطيك الأجر، ولكن المسلم الذي يندفع بروح الإسلام، وقوة الإيمان والإخلاص لله - سبحانه - لا يأخذ أجرة إنما ينتظر الأجر من الله - سبحانه -، {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ... [95]}[سورة الكهف].
ما أعطاني الله من الإسلام والقوة خير مما ستعطونني... كما قال سليمان لمن جاءه بهدية بلقيس: {قَالَ أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ[36]}[سورة النمل].
قال لهم: {... فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا[95]آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ... }[سورة الكهف]. يعني وضع الأساس من الأسفل إلى الأعلى مما ملأ بين الجبلين طولاً وعرضاً، فصار سداً منيعاً. {... حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا[96]}[سورة الكهف].
وقد يقول البعض: لقد كان باستطاعته أن يبني السد هو ومن معه فلماذا استعان بهم؟!
قد يكون محتاجاً إليهم لقوة الأمر وعظمه، ولكنه رجل ذكي قد آتاه الله البصيرة، فهو يريد أن يعلم هؤلاء الناس الذين لا يكادون يفقهون قولاً كيف يصنعون الحديد، كيف يصنعون الصنعة، علمهم حرفياً خطوة بخطوة: {... فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا[95]آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا[96]}[سورة الكهف].
فالمسلم ينفع الناس، ويعلم المساكين ويأخذ بهم حتى يوصلهم إلى مرتبة يستطيعون فيها الاعتماد على أنفسهم، وهكذا توجيه الطاقات، وتوجيه الماديات في الإسلام.. إذن.. لقد كان أنبياء الله والمسلمون الأول يستغلون الطاقات لنصرة الدين، ونفع المسلمين، ونفع البلاد والعباد.
وكذلك كان عند الأفراد المسلمين طاقات فردية قدموها لنصرة الدين، وإعلاء كلمة الله:(15/75)
1- زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: قال - رضي الله عنه -: ذُهِبَ بِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأُعْجِبَ بِي فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا غُلَامٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ مَعَهُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِضْعَ عَشْرَةَ سُورَةً فَأَعْجَبَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: [يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي] قَالَ زَيْدٌ فَتَعَلَّمْتُ كِتَابَهُمْ مَا مَرَّتْ بِي خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى حَذَقْتُهُ وَكُنْتُ أَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ وَأُجِيبُ عَنْهُ إِذَا كَتَبَ. رواه أحمد وابوداود والترمذي. وفي رواية لأحمد: ' قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: [تُحْسِنُ السُّرْيَانِيَّةَ إِنَّهَا تَأْتِينِي كُتُبٌ] قَالَ قُلْتُ: لَا قَالَفَتَعَلَّمْهَا] فَتَعَلَّمْتُهَا فِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا الحديث.
فإذن كان لدى هذا الغلام من الذكاء والفهم الذريع ما تعلم به لغة قوم من الكفار غير لغته؛ ليخدم الدين، وليكون كاتباً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ كتب اليهود المرسلة إليه، ويجيب له عليها.
2- عيسى العوام - رحمه الله -: وقد تستغربون المواهب التي قد يبدع فيها البعض، ويبرع فيها فيسخرها لخدمة الدين كيف تكون! قال ابن شداد - رحمه الله - في إحدى الوقائع التي كانت بين صلاح الدين والنصارى: ومن نوادر هذه الوقعة ومحاسنها أن عواماً مسلماً كان يجيد العوم، يقال له: عيسى العوام وكان يدخل إلى البلد بالكتب والنفقات على ظهره ليلاً على غرة من العدو ـ البلد المسلمة كانت محاصرة بسفن العدو كانوا ينتظرون المدد ورسائل صلاح الدين التي يخبرهم فيها ماذا سيعملون ويمدهم بالنفقات لدعم الجهاد ـ فكان هذا الغواص المسلم يدخل من تحت سفن الأعداء ثم يخرج بعدها، ويدخل البلدة المسلمة وكان يغوص ويخرج من الجانب الآخر لمراكب العدو، وكان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس فيها ألف دينار، وكتب للعسكر، وعام في البحر فجرى عليه من أهلكه، ولكن الله قدر أن يموت هذا الرجل وهو جندي في وسط المعركة يخدم الدين، وأبطأ خبره عنا فاستشعر الناس هلاكهم ولما كان بعد أيام بينما الناس على طرف البحر في البلد وإذا البحر قد قذف إليهم ميتاً غريقاً فافتقدوه فوجدوه عيسى العوام. ووجدوا على وسطه الذهب وشمع الكتب وكان الذهب نفقة للمجاهدين. فما رُؤِيَ من أدى الأمانة في حال حياته وقد أداها بعد وفاته إلا هذا الرجل.
فإذن: حتى الغواصين والغطاسين كانوا يستغلون هذه الموهبة لنصرة الدين.
3- ولما دخل رسول الله المدينة توزعت الطاقات، واستغلت المواهب: فهذا بلال يؤذن، وسعد وغيره لحراسة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مبدأ الأمر. وزيد وغيره لكتابة الوحي والرسائل، وخالد وغيره للقيادة. خالد الذي كان مبدعاً في القيادة استغل طاقته في أي شيء؟ استلم مباشرة الجيوش يقودها في سبيل الله، وحسان، وكعب، وابن رواحة للقيام بالدور الإعلامي المطلوب لخدمة الإسلام.
وابن مسعود صاحب النعلين والمطْهَرة؛ لأنه كان فقيها شديد التعلم كان يسأل رسول الله.. حتى في الأشياء الدقيقة ليتعلم.. وسلمان يدل على فكرة الخندق لما احتاج المسلمون.. ونعيم بن مسعود الثقفي يعرض خدماته لما أسلم.. وأبو طلحة يأتي رسول الله بتبرع سخي بستان كبير، يقول: يا رسول الله ضعها حيث أراك الله.
ووضع التجار إمكاناتهم لنصرة الدين: فهذا عثمان - رضي الله عنه - يحفر بئراً على نفقته، ويجهز جيش العسرة على نفقته، ويفك أزمة المسلمين في وقت شدة بأن تبرع بالدواب التي حملت التجارة له بما عليها للمسلمين.. والملاحظ في السيرة النبوية أن هذا الاستغلال والتوزيع لم يظهر بشكل واضح إلا في المجتمع المدني بعد إرساء القاعدة الصلبة والهجرة إلى المدينة.
الحرص على توفير الكفاءات التي يحتاج إليها المجتمع المسلم، وقبل ذلك توفير الكفاءات الشرعية التي يتربى الناس عليها: وإلا فما الفائدة من الأطباء والمهندسين إذا كانت قلوبهم خاوية على عروشها من الإيمان والعقيدة الصحيحة. وانظر إلى الغثاء المتدفق من أجيال البعثات على بلاد المسلمين ـ كثير منهم ممن جاءوا من الغرب، أو الشرق قد أصبحوا حرباً على الإسلام وأهله ـ فليست القضية مجرد كفاءات علمية، وليست القضية مهارة في الأمور الدنيوية.. قبل ذلك لا بد أن تعمر القلوب بالإيمان، وأن تتربى النفوس، وإلا فإن هذه الطاقات ستستخدم في حرب الإسلام ولو كان أصحابها عبد الله ومحمد وأحمد وعبد الرحمن.
استغلال الكفرة لمواهبهم أسوأ استغلال:
وانظر كيف استغل الكفار الأولون مهاراتهم ومواهبهم أسوأ استغلال:
فهذا فرعون: لما أعطاه الله الملك والمال؛ سخر العباد، واستعلى عليهم، واعتدى على حق الألوهية، فادعى بأنه هو ربهم الأعلى، وبنوا له القصور والأنهار التي تجري من تحتها، وتأمل في هذه الأهرامات الموجودة الآن من الذي بناها؟ ولماذا بنوها؟ وكم أنفق فيها؟ إن الذين بنوها جماعة من الكفرة ممن سخر المساكين في ذلك الزمن، فأقاموها على دمائهم، وعلى أموال الشعوب الفقيرة في ذلك الوقت لماذا؟! لتكون مقبرة لهم زعموا! بناء كامل مقبرة لواحد ويدفن معه من الكنوز والأموال التي يحتاج إليها الناس.. كم قتل من الناس فيمن بنوا تلك الأهرامات؟ فالاستغلال السيئ للطاقات وللثروة هو الذي يبدد أموال الناس، ويفقرهم.(15/76)
وتأمل في حال قارون: لما أعطاه الله المال وأعطاه{... مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ... [76]}[سورة القصص]. استكبر وعلا، وزعم بأن الله يحبه ويرضى عنه وإلا لما أعطاه. فبماذا عاقبه الله بعد ذلك؟ سوء استغلال الأموال؛ يؤدي إلى الهلاك.
التبذير والإسراف يؤدي إلى الهلاك.. إنفاق الأموال في مجالات الحرام يؤدي إلى الخراب والهلاك؛ ولذلك يقول نبي من الأنبياء لقومه موبخًا: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ[128]}[سورة الشعراء].
هذه المنشآت التي فيها ضرر على المنشآت وأهله، وفيها تبذير للأموال عبث.
نصرة الدين لا تكون بالمواهب المحرمة:
فلا يحسبن كل إنسان أن هوايته التي يبدع فيها يمكن أن تستخدم لنصرة الدين؛ فإن هناك هوايات ومواهب نشأت في ظل الجاهلية بعيداً عن الإسلام، لا مجال لأصحابها في خدمة الدين، فمثلاً:
هواة لعب الورق والشطرنج هذه هواية ماذا تفيد الإسلام وأهله، ولو كانوا من أبطال العالم في ذلك.
ولا يظنَنَّ بعض السذج أن بعض تلك الأشياء قد تصبح إسلامية بمجرد ذكر من الأذكار يكتب عليها كمن يظن أن ورق اللعب إذا طبع عليه ' لا إله إلا الله ' صار إسلامياً، وكمن يظن أن قطعة الشطرنج إذا استبدل الصليب على رأسها بالهلال صار إسلامياً.
ومن يظن أن الذي يلعب الطاولة إذا قال في بداية لعبه: 'بسم الله' صارت اللعبة إسلامية، ومن الذي يظن أن النحاتين الذين ينحتون التماثيل والأصنام إذا نحتوا تمثالاً لعمر بن الخطاب، أو ابن تيمية صار عملهم إسلامياً.. فهذا هراء، وكلام فارغ، وإذا كانت القضية مضمونها جاهلي؛ فلا بد من نسفها تماماً.
وكثير من الأمور التي ينسبونها إلى الفن المعماري الإسلامي، الإسلام منها برئ؛ لأنها ما نشأت تحت راية القرآن والسنة، وإنما نشأت في فترات الترف؛ نتيجة للبذخ والإسراف وتضييع الأموال. فقد تكون الموهبة إذاً منقمة لا منقبة.. فعلى أصحاب الهوايات المحرمة أن يبحثوا عن مجالات أخرى يستفيد الإسلام من جهودهم فيها.
وانظر كيف أغوى الشيطان أناسًا من المسلمين أنعم الله عليهم بالصوت الجميل فاستخدموه للغناء والفسق ومزامير الشيطان بدلاً من استغلاله في قراءة القرآن، ودعوة الناس للصلاة بالأذان.
وأنعم الله على آخرين بذاكرة جيدة استغلوها بحفظ تفاصيل التوافه من الرياضات والأهداف، وأسماء اللاعبين وتواريخ ذلك، وكلمات الأغاني وأشعار المجون، بدلاً من استخدام ذاكراتهم في حفظ كتاب الله والعلم الشرعي.
دعوة لاستغلال الطاقات في طاعة الله:
إن الله سيحاسب الناس على طاقاتهم، فعلى من أنعم الله عليه بطاقة أن يستغلها لطاعة الله. من أنعم الله عليه بشخصية جذابة وقدرة على التداخل مع البشر أن يستغلها في الدخول إلى قلوب الناس وتعميرها بالإسلام، وانظر إلى مصعب بن عمير كيف أنعم الله عليه بتلك الجاذبية مما أدخل فيه أناساً من أهل الشرك، فصاروا قادة للإسلام. ومن أنعم الله بجاه، أو نفوذ، أو سلطان، فعليه أن يستعمله للخير، وفي إحقاق الحق، ومحاربة الباطل، وأن يقرب أهل الخير، ويجعلهم بطانته ومشورتهم كما فعل الراشدون وعمر بن عبد العزيز.
ومن آتاه الله قدرة في الشعر؛ فلينظمه في المنافحة عن الإسلام، وهتك أستار الباطل كما كان حسان يفعل - رضي الله عنه -. ومن آتاه الله بسطة في الجسم، فليجعلها في طاعة الله، حرباً على أعداء الله، يعين فيها الملهوف والمسكين والفقير من المسلمين. ولما أعطى الله طالوت بسطة في العلم والجسم؛ استعملها في قيادة بني إسرائيل بشرع الله حتى وصلوا إلى نصر الله. وتأمل كيف عوتب موسى - صلى الله عليه وسلم - واعتبر ذلك خطيئة في حقه لما استخدم قوته الجسدية في ضرب رجل، فوكزه فقضى عليه.
إذن.. إذا كنا نريد أن نكون صادقين في استقامتنا على شرع الله؛ فعلينا باستغلال طاقاتنا ومواهبنا المادية والمعنوية لإعلاء كلمة الله.
من' الطاقات والمواهب في خدمة الدين'
الأربعاء 19شوال 1425هـ - ا ديسمبر 2004 م
http://www.islammemo.cc المصدر:
==========
الحكمة وطول النفس
د. علي بن عمر بادحدح
يواجه الداعية أصنافاً من الناس . .فمنهم من يكون عظيم التأثر سريع الاستجابة، ومنهم من يقتنع بالحق ويعجب به لكن يعوقه عن الاستجابة ضعف عزيمته أو هوى نفسه، وهناك صنف من الناس يعرضون عن الحق وينفرون منه كأنما ختم على قلوبهم، وبعض أولئك ينصبون أنفسهم في مواجهة الدعوة ويبذلون جهدهم في حربها وتخذيل الناس عنها بالشبهات والشهوات، مع حرصهم على تثبيت الباطل والترغيب فيه والترويج له، وهذا الصنف من الناس سماهم الله بـ"الملأ" وهم -كما قال ابن كثير- يسعون في التحريض للنيل من أهل الحق كما في قوله - تعالى -: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك}.
ويجتهدون في تشكيك المستجيبين كما في قوله - تعالى -: {وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون}.
وهم دائماً في حركة واجتهاد في سبيل الباطل كما وصفهم الله:{وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد}.(15/77)
والداعية ينبغي أن يكون قوي الحجة، طويل النفس، حكيم الأسلوب، فلا يأس عنده وإن كثر المعرضون، ولا تهور لديه وإن زاد المتحرشون، بل يجتهد في تكثير الأدلة وزيادة البراهين مع كشف الشبهات ودحض الافتراءات ليكون لذلك أثره في إقناع وهداية بعض المعرضين أو إضعاف حميتهم للباطل أو تفتيت صفهم، فلا ينبغي أن يكون من الداعية لشر يدفعه، بعد جولة أو جولتين أن يعلن يأسه من المعرضين وسخطه عليهم واتهامه لهم بالاستكبار على الحق أو الكفر أو غيره، فالداعية طبيب، والطبيب إذا زادت علة مريضه لم يدفعه ذلك إلا إلى المزيد من الرحمة والاجتهاد في التماس أساليب العلاج دون أن يخطر على باله أن يتخلى عنه، ولذا كان التحلي بالصبر وسعة الصدر مع بعد النظر يعطي للداعية ثباتاً وقدرة على بذل مزيد من الجهد، وتنويع أساليب العرض، ولهذا أثره العظيم في المحايدين الذين يرقبون مواقف الداعية وتصرفاته.
وللداعية مثل عظيم يحتذى في موقف نوح - عليه السلام - من الملأ واتباعهم، فإنه : {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً}.
ونوع الأساليب في دعوتهم:
{إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً} ثم {إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً}.
ثم جاء موقف الملأ :
{قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين}.
هذا هو الموقف برغم طول الزمان الذي أمضاه، وضخامة الجهد الذي أضناه، وتنوع الأسلوب الذي توخاه، ومع ذلك ما نفد صبره وما خرج عن مقتضى الرحمة والحكمة :
{قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله مالا تعلمون}.
فهل استمرت دعوتك - أخي الداعية- عشر معشار مدة نوح؟ وهل لقيت عشر معشار إعراض قومه الذين قال فيهم : {وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً}.
إذن ألا يحق لنا أن نعتب عليك لما دبّ في نفسك من اليأس، وما وصمت به الناس من الكبر أو الفسق أو الكفر برغم أنك لم تبلغ جهدك في إقامة الحجة طول المدة، إذن فليكن لك - يا أخي - عشر معشار ما كان لنوح من الحكمة وطول النفس.
http://islameiat. com المصدر:
=============
الحق والباطل
د.طارق محمد الطواري
هناك حقيقتان يجب على المسلم أن يدركهما.
الأولى أن الصراع بين الحق والباطل والتدافع من أجل انتصار أحدهما على الآخر مستمر وهي معركة لا تنطفيء نيرانها ولا يخبوأ دارها في يوم من الأيام وأن هذا الصراع قد يشتد أحياناً فتظهر صورة بالصدام والاستعمار والتنكيل، وقد تهدأ إلى الحوار والدعوة فترسل الإرساليات التنصيرية ويرسل الدعاة إلى الله - تعالى - لإزالة الشبهات وإعادة الناس لدين الله أفواجا.
والحقيقة الثانية: أن سبب الخصومة بين الحق والباطل إنما هو تغاير العقيدة التي تنتج الاختلاف في التصور والنظم والأخلاق، فالذي يؤمن بالإله الواحد والمعاد والحساب والبعث والنشور والملائكة الكتبة والشهود يتحرك في حياته وفق هذه العقيدة وهو بلا شك يغاير تماما من يعيش لعيش ومن تتعدد عنده الآلهة ومن لا يؤمن بالجزاء ولا الحساب، ومن أجل ذلك فلا بد من تحرير مساحات شاسعة من عقول غير المسلمين مما استولى عليها من الخرافة والجهل.
ومن أجل ذلك فلا بد من تعبيد الناس لرب العالمين، وتحريرهم من الواقع المؤلم المزعج المادي الدنيوي إلى الآخرة الباقية، وإن دعوتك لأي إنسان إلى الإسلام يصب في كفة أهل الحق ويضعف أهل الباطل، وقد لا تستطيع الوصول والدخول لكل بيت في قطر عبر جغرافية العالم العريضة.
لكن مساهمتك في دعوة غير المسلمين مع لجنة التعريف بالإسلام توصلك إلى هذه الغاية، فلك أن تتصور إسلام الفليبيني والهندي والتايلندي والياباني والإمريكي والأوربي وأنه بإسلامهم قد تسلم أسرة بأكملها بالزوجة والأبناء ثم بقية الأهل، ومن ثم تكون سببا في دخول الإسلام إلى قرية وبلدة ذلك المسلم الجديد.
وقد صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول : (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها).
وقال - تعالى -: ((أفمن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها)).
نعم إن أهل الباطل أموات وأهل الحق أحياء.
وأذكر قصة لأحد الدعاة في مؤتمر إسلامي عقد بجنوب أفريقيا فحضره 16.000 مسلم وكان ممن حضر (4) منصرين فتعجبوا من الحضور ثم قال أحدهم قد قضيت من عمري في جنوب أفريقيا أكثر من عشر سنوات ودفعنا الأموال والأدوية وبنينا المستوصفات وحفرنا الآبار وأنشأنا المدارس ووزعنا الطعام والمواشي والهدايا للناس ولم يتنصر إلا القليل القليل وأنتم في أشهر معدودة دخل في دينكم الآلاف فما هو السر؟
فأجابه أحد الدعاة إن دينكم المحرف ميت كالجنازة يحتاج إلى أربعة مثلكم ليحملوه، وأما ديننا فحيٌ عظيم لا يحتاج لأن يحمله أحد بل يمشي ويدخل إلى القلوب كما ترى وتشاهد اليوم.
http://saaid.net المصدر:
============
الصحوة النسائية(15/78)