والسؤال الآن: في وضعنا الحالي ماذا يجب علينا أن نفعل؟ ما أولويات العمل عندنا؟ أولاً ما هي أولوياتنا في طلب العلم؟ وبمعنى أدق: ما هي فروع العلم الذي يجب أن نتجه إليه سواءً في هذه المراحل الأولية من طلب العلم ثم بعد ذلك في المراحل الأخرى؟ بمعنى: هل نبدأ بالعقيدة أو علم الحديث؟ ثانياً: ما الخطوات اللازمة لنبني إيماننا إلى المستوى الذي يجعلنا أهلاً لحمل رسالة الدين؟ بمعنى ما الأعمال المطلوبة منا - بخلاف الفرائض - لإصلاح وتطهير مقاصدنا، بناء شخصياتنا ونحو ذلك حتى نكون مقتدين بأسوتنا نبي الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ثالثاً: فيما يتعلق بالدعوة وحيث إن ما لدينا من علم هو في مرحلة مبتدئة ما نوع الأنشطة التي يتعين علينا القيام بها خصوصاً لفئة الشباب لدعوتهم وتدريبهم ليصبحوا على مستوى المسلم الجيد؟ وما الأشياء التي ينبغي علينا أن ندرسها لهم وندرسها نحن أيضاً؟ بمعنى: هل نبدأ بحلقة أم معسكر؟ هل لديكم تصور معين عن أنشطة فعالة في دعوة الناس إلى الإسلام؟ مثل توزيع الأشرطة أو المنشورات...إلخ.
رابعاً: كيف نتعامل مع من يعارض هذه الرسالة النقية من المسلمين؟ مثل من يدعو إلى سبيل يتعارض مع سبيل النبي - صلى الله عليه وسلم - سواء من ناحية العقيدة أو المنهج أو نحو ذلك، ولا نتحدث هنا عما يكون ناتجاً عن جهد بشري من أهل السنة، لكن يخلطون بين الحق والباطل، ولكن أولئك الذين يعادون صراحة شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم هم يدّعون أنهم مسلمون ويقودون الناس إلى التهلكة، إلى أي حد نصل في تحذير الناس من ذلك وإلى أي مدى يكون ذلك معلقاً في رقابنا بالنظر إلى عدم وجود من يفعل شيئاً تجاه هذا الأمر؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب:
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد أسعدني كثيراً ما تضمنته رسالتكم الكريمة من مشاعر إسلامية صادقة وحماسة دينية أصيلة، ورغبة جادة في رفع مستوى ثقافتكم الشرعية، وأدائكم الدعوي نحسبكم كذلك ولا نزكي على الله أحداً- فلكم منا خالص الدعاء، وعظيم الشكر والعرفان.
إخواني الشباب، لا شك أن وجودكم في هذه الديار يُضاعف من مسؤوليتكم، ويتطلب مزيداً من الجهد حتى تصلوا إلى ما تأملون من العلم الصحيح والعمل السليم، وما ذلك إلا لبعدكم من العلماء الراسخين، والأجواء الإسلامية، فضلاً عن وجود العديد من أدعياء الإسلام بين أظهركم كالقاديانية والبهائية، وبعض الفرق الضالة الأخرى.
أما بخصوص الفقرة الأولى من سؤالكم، فأقول:
1-يتعين عليكم أولاً تعلم العلم الواجب، وعلى رأسه أصول الإيمان والتوحيد، وأحكام الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوها مما لا غنى للمسلم عن معرفته ليقوم بالعمل الواجب على أساس صحيح، وقد يتفاوت الناس فيما يلزمهم تعلمه بحسب أحوالهم، فمن لديه أموال أو تجارات يلزمه تعلم أحكام الزكاة أكثر من غيره ممن لا يملك ذلك.
ولذا أنصحكم بحفظ ما تيسر من كتاب الله وسنة رسوله - عليه السلام -بشكل تدريجي مع المراجعة المستمرة والضبط التام، كما يستحسن مطالعة كتاب في التفسير، كتفسير ابن كثير، أو تفسير السعدي أو البغوي.
وأنصح بحفظ (ثلاثة الأصول) و(القواعد الأربع) وكتاب (التوحيد) و(كشف الشبهات)، وجميعها لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ويحفظ من الحديث (الأربعون النووية) للإمام النووي، و(عمدة الأحكام) للمقدسي، ويكون الحفظ بالتدريج وحسب الطاقة ومن سار على الدرب وصل.
وتقرؤون في الفقه (عمدة الفقه) لابن قدامة أو (فقه السنة) لسيد سابق، مع العناية بمعرفة الدليل وحفظه، والبعد عن التعصب والجدال العقيم.
2-يفضل أن يكون بينكم عالم، أو طالب علم متمكن يشرح لكم ما صعب، ويُوضح ما غمض، ويُسهل ما عسر، وأن يكون منصفاً، مأموناً، متجرداً عن الهوى والتعصب.
3-إذا لم يتيسر عالم أو طالب علم يمكنكم أن تقرؤوا المختصرات من الكتب بهدوء وتدبر، وتدونوا ما أشكل عليكم في كراسة خاصة ثم تراسلون من تثقون بعلمه وأمانته كفضيلة الشيخ: سلمان العودة، أو الشيخ: عبد الله بن جبرين، أو اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية.
4-من تيسير الله تعالى- ومنته وجود مئات من الدروس والمحاضرات العلمية المسجلة في أشرطة الكاسيت لكبار أهل العلم والفضل ومنهم: أصحاب الفضيلة: الشيخ: عبد العزيز بن باز، والشيخ: محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ: محمد بن عثيمين، وغيرهم من أهل العلم، فعلى سبيل المثال: شرح ابن عثيمين كتاب (التوحيد)، كاملاً وشرح العقيدة (السفارنينة)، و(مقدمة التفسير) و(القواعد الحسان في تفسير القرآن)، وغيرها كلها في مجموعات وحقائب خاصة فيمكنكم شراؤها والاستماع إليها، وتدوين فوائدها، وهذه المجموعات متوفرة لدى تسجيلات الاستقامة الإسلامية بمدينة عنيزة بالمملكة العربية السعودية.
وأظنكم من خلال ما تقدم قد أدركتم أنه لا مانع من الجمع بين دراسة العقيدة وحفظ الحديث وقراءة شروحاته، مع العناية بكتاب الله أولاً.
الجواب عن الفقرة الثانية:
مما يعينكم على تحقيق إيمانكم وزيادته، وتهيئة الفرصة لنجاحكم في حمل أعباء الرسالة والدعوة ما يلي:
1-العلم، فتحرصون بارك الله فيكم- على طلب العلم والاستزادة منه واغتنام وقت الشباب خاصة- في الحفظ مبتدئين بالأهم فالأهم كما تقدم- قبل قليل، فلا عمل بلا علم قال الله: "فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك"[غافر: 55] فأمر بالعلم أولاً ثم الاستغفار ثانياً وهو العمل، والعلم سبيل الخشية والخوف والتعظيم لله، قال الله: "إنما يخشى الله من عباده العلماء"[فاطر: 28].(13/227)
2-القراءة في كتب السيرة وأخبار السلف الصالح وتاريخ الفتوحات والوقائع الإسلامية وهذه القراءة من العلم أيضاً- إلا أنها تدفع إلى التأسي بنبينا محمد - عليه السلام - وأتباعه وتوقد الحماس في الصدور لإعادة مجد الأمة المفقود، وعزها المسلوب.
3-العمل بكل ما تعلمتموه في الحال من فرائض ونوافل، وأن تجتهدوا في إحياء السنن التي أماتها الناس سيما في ديار الغربة كقيام الليل، وصيام النوافل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعيادة المرضى، وصلة الأرحام، ودعوة المفتونين بزيف الحضارة الغربية، وكل عمل صالح تعملونه ستجدون أثره زيادة في الإيمان، وقوة في اليقين، وثقة بالله، وشجاعة في القلب بإذن اللطيف الخبير.
الجواب عن الفقرة الثالثة:
وأما بخصوص مجالات الدعوة فأنصحكم أولاً بطلب العلم كما تقدم-، وبعد أن تقطعوا فيه شوطاً مطمئناً تجمعوا حينئذ بين العلم والدعوة بالرفق واللين ووسائل الدعوة بحمد الله- كثيرة فمنها إقامة المحاضرات في المراكز الإسلامية لديكم، واستضافة الشباب المسلم في هذه المراكز ودعوتهم إلى حضور المناشط الدعوية، ومما ينفع كثير ويؤثر على الشباب المبتدئين الذين ترغبون في دعوتهم بل وعامة الناس القراءة عليهم من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن الكتب النافعة في هذا الشأن (الرحيق المختوم) للمباركفوري، أو مختصر السيرة لابن عبد الوهاب.
ومن الوسائل كذلك إقامة المخيمات الدعوية في الإجازات ويتخللها برامج علمية مفيدة، ومسابقات، وطرائف تدفع السآمة عن النفوس، وتشوق الجميع للمشاركة.
ومن الوسائل توزيع الكتيبات، والأشرطة، والمطويات الدعوية ذات الموضوعات المناسبة لطبقات المدعويين.
وأما الفقرة الرابعة من السؤال فيتعين عليكم أن تعلموا أن ضوابط التعامل مع المخالف في العقيدة كما يلي:
أولاً: مقدمات مهمة
1-العقيدة التي يجب على كل مسلم أن يعتقدها ولا يجوز له مخالفتها هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وتسمى عقيدة الفرقة الناجية، وهي ما كان عليها نبينا - عليه السلام - وأصحابه الكرام، ودرج عليها أصحاب القرون المفضلة، ولا تزال إلى اليوم بحمد الله- واضحة المعالم، بينة المسائل، محررة الأصول، معلومة الحدود، وقد كتب في بيانها وضبطها وشرحها عشرات المؤلفات ولله الحمد والمنة-.
2-ومن رحمته تعالى- ورأفته بعباده أن السلف رضوان الله عليهم- قد أجمعوا على تلك العقيدة، ولم يحدث بينهم نزاع، في أي من مسائلها بله أصل من أصولها وقواعدها، اللهم إلا جزئيات ملحقة يسع الخلاف فيها، كمسألة رؤية نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لربه في الدنيا ونحوها مما ساغ فيه الاجتهاد، ومن تمام النعمة اتفاق السلف على منهج العقيدة أيضاً تلقياً وأداء ودعوة إليها.
3-أن العقيدة توقيفية مصدرها الكتاب الشريف، والسنة الصحيحة وإجماع السلف الصالح، قال الزهري - رحمه الله -: من الله الرسالة وعلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - البلاغ وعلينا التسليم (صحيح البخاري- كتاب التوحيد 46).
4-أن فهم العقيدة إنما يكون بفهم السلف الصالح، ووفق ما اعتقدوه وتعلموه من نبيهم - عليه السلام -، سيما مع سعة علومهم، وفرط ذكائهم وقوة إيمانهم، وحسن مقصدهم، وتمام عدلهم رضي الله عنهم-.
5-لا ينبغي لطالب الحق أن يتلقى عقيدته مما هب ودب من الكتب والمصنفات، سيما كتب المقالات والفرق؛ لأن بعض أصحاب هذه المقالات قد أسسوها على أسس فلسفية ومنطقية ولم يؤسسوها على الأدلة الشرعية، ولكن الواجب تعلم العقيدة على علماء أهل السنة الراسخين، والاستفادة من تراث السلف ومصنفاتهم، كالإيمان لابن مندة، ولابن أبي شيبة، والإبانة الكبرى والصغرى لابن بطة، وأصول الاعتقاد للالكائي، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرها كثير بحمد الله-.
ثانياً: الاختلاف والتفرق:
1-أمر الله تعالى بالوحدة والائتلاف، والاعتصام بالكتاب والسنة، وذم وعاب التفرق والاختلاف، ونهى عنه وحذر منه، فقال: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا"[آل عمران: 103] وقال: "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات"[آل عمران: 105].
2-يجب التسليم لقضاء الله وقدره بأن الاختلاف والافتراق سيقع في الأمة لا محالة، فقد أخبر المعصوم - عليه السلام - بذلك فقال: "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة" (رواه أبو داود (4596)والترمذي (2640) وغيرهما وقال: حسن صحيح) وفي لفظ: "كلها في النار إلا واحدة" عند ابن ماجة (2993) من حديث أنس - رضي الله عنه - وجاء الحديث بألفاظ وطرق متعددة.
وهذا لا ينافي الأمر بالوحدة والاتفاق؛ لأن الخبر بل الأخبار الكثيرة جاءت في الصحيحين وغيرهما بأنه لا تزال طائفة من الأمة ظاهرة على الحق، لا يضرها من خذلها ولا من خالفها إلى قيام الساعة.
3- ليس كل خلاف موجب للفرقة والتنازع، فالاختلاف اليسير فيما يسع فيه الاجتهاد أمر مقبول، بل قد حصل بين السلف شيء يسير من هذا سبق ذكره، وإنما الحذر من الاختلاف في الأصول والكليات (يراجع الاعتصام للشاطبي).
4-أن الاختلاف قد يدّعى مع كونه لا حقيقة له بالفعل، وإنما بسبب سوء فهم المسألة من قبل طرفين متنازعين، فيظن أحدهما أن عبارة السلف في تعريف الإيمان مثلاً أنه: قول وعمل، تخالف قول صاحبه أن الإيمان: قول وعمل واتباع للسنة مثلاً، كما نقل عن سهل بن عبد الله التستري، فيتنازع الاثنان في مسألة لا خلاف فيها أصلاً.(13/228)
5-ليس كل من خالف السلف في مسألة أو مسألتين من مسائل العقيدة يخرج بالكلية من زمرة السلف، ويرمى بالبدع، فقد خالف إمام الأئمة ابن خزيمة وأبو ثور وغيرهما في مسألة الصورة، فبُيّن خطأهما بهدوء بلا قسوة، وبعدل بلا جور، ولم يُخرجا من أهل السنة والجماعة بسبب زلة أو زلتين.
6-لزوم الحذر من الوقوع في الخلاف بسبب الهوى والجهل والظلم، إذ كثير من الخلافات تنشأ نتيجة هذه الأمور الثلاثة والله المستعان.
ثالثاً: ضوابط في معاملة المخالف:
1-العدل: قال الله: "وإذا قلتم فاعدلوا"[الأنعام: 152] وقال: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"[النساء: 58] فلا نتجاوز الحدود، ونهضم الحقوق، ونلغي الحسنات بسبب خلاف يسير، يمكن تجاوزه بل إصلاحه بشيء من الصبر والحكمة.
2-المناصحة والرفق: قال - عليه السلام -: "الدين النصيحة قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم (55) من حديث تميم الداري - رضي الله عنه -.
فمن وجدناه مخالفاً في مسألة ما وتحققنا مخالفته فيها بذلنا له النصيحة في قالب من الرفق واللين، والرحمة والشفقة، بعيداً عن التشنج والانفعال والغلظة والقسوة.
3-الدعاء له بإخلاص: قال الله - تعالى -: "اهدنا الصراط المستقيم"[الفاتحة: 6] وقال: " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" [آل عمران: 8] وهو دعاء بصيغة الجمع في الآيتين، وفيه إشارة إلى مفهوم الجسد الواحد.
فلو كل من خالفنا طلبنا من الله له الهداية، وصدقنا في دعائنا له لقلت بواعث الخلاف والفرقة.
4-البعد عن التبديع والتفسيق: ليس كل خلاف يستدعي وصم صاحبه بأنه مبتدع، ومفارق للجماعة، كما أنه ليس كل من نصر مذهب إحدى الفرق في بعض المسائل يجعل منهم وينسب إليهم، فابن حجر قال بقول الأشاعرة في جملة من الصفات وكذا فعل النووي ومع ذلك لا يعدان أشعريين، وإن زعمه البعض.
5-يجب التفريق بين المخالف والمتعصب وطالب الحق، فهناك من يخالف حمية وهوى وعصبية، وتقليداً وآخر يخالف اجتهاداً أو غفلة أو سوء فهم أو ملبساً عليه، فالأول يهجر إن غلظت بدعته واستعصت استجابته والآخر يحفظ حقه في الوصل ودوام النصح حتى يراجع الحق.
6-يجب التفريق بين المخالفة والبدعة المغلظة، وغيرها، فهناك بدع كبرى كالتجهم والرفض ونحوها، فيعامل أصحابها بما يناسب حالهم، وتبين معتقداتهم حتى تحذر وشخوص معتنقيها حتى تهجر، وخصوصاً مع خاصتهم وكبرائهم، وأما العامة فلا بأس من دعوتهم إلى الإسلام وإقناعهم به لمن قوي على الدعوة، وعرف ما يدعو إليه وما يحذر منه.
7-الاختلاف في مناهج الدعوة والإصلاح قد تقع من أصحاب العقيدة الواحدة، لا ينبغي أن يكون الاختلاف في وسائل الدعوة وطرائقها المتنوعة مستنداً للتبديع والتفسيق والتصنيف والافتراء، طالما أن العقيدة واحدة والدعوة إليها هدف، والبراءة من مخالفتها مطلب، والخلاف في الوسائل محل اجتهاد ونظر.
8-الرد إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - قال الله: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" [النساء: 59] ولفظة "شيء" نكرة في سياق الشرط فتعمّ كل شيء.
و ينبغي لكم أن تحذروا الناس من المذاهب والفرق الضالة، كالقاديانية، والبهائية، والرافضة وغيرهم، خصوصاً مع عدم وجود من يُحذر ويُنكر كما ذكرتم -.
وختاماً أسأل الله لكم علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ودعوة مستجابة،، والله أعلم وصلى الله وسلم على رسوله وآله وصحبه والسلام عليكم.
5/1/1425
25/02/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
-=============
اربح - اربحي المليارات خلال الإجازة الصيفية
يقول الشيخ محمد بن إبراهيم النعيم:
(إن الهدف من هذه الحياة ليس الأكل والشرب، لأننا حين نعيش لهذا الهدف نشترك مع البهائم والكفار، فإن همّهم في الحياة الأكل والمتاع كما وصفهم الله - تعالى -ذاماً حالهم، فقال - جل وعلا - (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوىً لهم).
وإنما الهدف من وجودنا وتسخير ما على هذه الأرض لنا، هو عبادة الرحمن وعصيان الهوى والشيطان.
وبمصطلح تجاري هو أن نجمع أكبر قدر ممكن من الحسنات قبل حلول الأجل، وأن نحرص كل الحرص على استثمار أوقاتنا المحدودة بالعمل الصالح الذي يرفع من درجاتنا في الجنة.
ومما ينبغي التنبه له أن الساعة التي تمر من حياتنا ولا نحسن استغلالها ستكون علينا حسرة وندامة يوم القيامة
وساعتها سيقول كل مقصر يا ليتني قدمت لحياتي إلا أن يتفضل الله - جل وعلا - ويتكرم، وهو أهل للكرم...
إن أكبر مشكلة تواجه كل مسلم بل كل إنسان على هذا الوجود هي: أن حياته محدودة، ومعدودة بسنوات وأيام بل وثوان لا يستطيع أن يزيد فيها لحظة واحدة.
فمهما بلغ المسلم من حرص وجهد لكسب الحسنات فلا يزال العمر قصيراً موازنة بأعمار الأمم السابقة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أعمار أمتي ما بين ستين إلى سبعين، وأقلهم من يجوز ذلك).
فإن متوسط الزمن الإنتاجي للإنسان قد لا يتجاوز عشرين سنة من عمره الكلي. فلو كان عمر الفرد منا ستين سنة فإن ثلثها سيكون نوماً على افتراض أن الإنسان ينام ثمانيَ ساعات يومياً أي ثلث يومه
وخمس عشرة سنة تكون فترة طفولة ومراهقة ومشاغبة غالباً، وهي قبل سن التكليف،
فيبقى حوالي خمس وعشرين سنة قد يمضي منها على الأقل سنتان تقريباً في تناول وجبات الطعام الثلاث وقضاء الحاجة ونحو ذلك من الأمور الملحة على افتراض مضي ساعتين منها يومياً(13/229)
فيبقى حوالي ثلث عمره تقريباً؛ ثلاثة وعشرون سنة، وهو ما ينبغي عليه أن يستغله في إنتاج أكبر قدر ممكن من الحسنات. وذلك الثلث يزيد المرء حسرة على قصر عمره الإنتاجي. ومن هنا تبدأ المشكلة، وتبرز ضرورة الأخذ بأسباب إطالة العمر. ) انتهى كلامه - حفظه الله -..
من هنا... ها هي الإجازة تفتح أبوابها لنا.. ما هي إلا لحظات تمر وأوقات تنقضي.. فلنسارع في قضاء أوقاتها بجمع أكبر قدر ممكنا من الحسنات.. ما أجمل أن نترك بعد موتنا بصمات.. فنحرص على الأعمال الجاري ثوابها إلى ما بعد الممات.. فلنسارع في تطبيقها قبل حلول الأجل..
قال - تعالى -(الذين ءامنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مئاب)
شباب الجيل للإسلام عودوا.. فأنتم روحه وبكم يسود
وأنتم سر نهضته قديما.. وأنتم فجره الزاهي الجديد
قال - تعالى -(حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها)
أخي المسلم / أختي المسلمة
فهناك أعمالا ممكن تنجزها في أقصر فترة زمنية ممكنة.. وندعو الله - عز وجل - أن نشاهد في تلك الإجازة الصيفية رجالا ونساء الكل يتسابق.. يتنافس.. في فعل الخيرات.. وإرضاء رب البريات..
ومن هنا.. أسرد بعض الأفكار المتواضعة والتي خصصتها ويمكن تطبيقها أثناء سفرنا
وربما سفرا يكون سبباً عظيماً لنشر الخير للغير والتأثير في الخلق:
1 ـ القرآن الكريم:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علَّمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثَّه، أو مسجداً بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته).
فبذلك أخي المسلم تستطيع أن تربح الملاين من الحسنات بدون أن تشعر من خلال هذا العمل الفضيل ألا هو (نشر وتوزيع كتاب الله القرآن الكريم) وهو من الأعمال الجارية وتنال أجرها حتى بعد الموت.. ففي أثناء سفرك يمكنك تطبيق ما يلي:
1 ـ يمكنك وضع نسخ من القرآن الكريم في المساجد المطروقة عند توقفكم فيها للصلاة أو للراحة..
2 ـ وضع عدد من المصاحف في الاستراحات، والشقق المفروشة وأماكن الانتظار..
3 ـ شراء نسخ من القرآن الكريم المترجم بعدة لغات (الإنجليزية، الفرنسية وغيره) وتوزيعها على الأجانب في الحرم المكي أو غيره..
4 ـ إهداؤه لبعض العمال المتواجدون في المحطات أو المطاعم وكذلك حارس الشقق المفروشة وذلك بعد سؤالهم عن إسلامهم لأن القرآن الكريم لا يمسه إلا المطهرون..
5 ـ عند زيارتك لإحدى المستوصفات الطبية لا قدر الله فيمكنك إهداء نسخة من القرآن الكريم لطبيبك.
وكذلك وضع عدد منه في داخل مسجد و أماكن الانتظار المتواجد في داخل هذا المستوصف..
2 ـ سجادة الصلاة:
يقف المسلم.. يتجه إلى القبلة.. يكبر.. يبدأ بالصلاة.. فما أجمل أن يكون وقوفه على سجادة من إهدائك..
1 ـ بعد السياحة في منطقة ما ومن قبل رحيلكما أو انتقالكم من شقة إلى شقة أخرى يمكنك وضع مجموعة من السجاد فيها
وإخبار الحارس في ذلك حتى تضمن بقاءها في ذلك المسكن..
2 ـ إهداء لحارس الشقة هدية مغلفة تحتوي على سجادة فاخرة مع مصحفا أو مجموعة من الكتيبات الإسلامية..
3 ـ أثناء السفر وعند السكن في إحدى الشقق المفروشة أو الفنادق تختار الوقت المناسب وتهدي لكل جيرانك المتواجدين في نفس سكنك هدية مغلفة تحتوي على (مصحف + سجادة فاخرة + مجموعة من المساويك بالشكل الذي يكون كل مسواك لوحده مغلفا بتغليفة بيضاء شفافة وهو متواجد لدى جميع التسجيلات الإسلامية لأن غالب الناس لا يريدون المساويك المكشوفة خوفا من الجراثيم وما شابه ذلك)..
4 ـ وضع مجموعة من السجاد بأحجام وألوان مختلفة في المساجد المطروقة عند توقفكم فيها للصلاة أو للراحة..
ولا ننسى أيضا المساجد المتواجدة في بعض المنتزهات أثناء زيارتكم لها ومساجد الاسعافات أو المستوصفات أيضا..
5 ـ عند زيارتك لأماكن الترفيه كالبيوت القديمة أو كما تسمى " بيوت الشعر " فيمكنك وضع مجموعة من السجاد فيها وتنال أجرها حتى الموت..
ملاحظة - سجاد الصلاة يفضل أن تكون جديدة ومعطرة بالمسك أو في أي نوع من أنواع العطور الجيدة عطر الله قلوبكم بذكره -
3 ـ علماً ينتفع به (الشبكة العنكبوتية):
يقول الشيخ محمد النعيم: (.. فإن الدال على الخير كفاعله، وإنك إن دللت إنسانا على الله ثم استقام، فلك مثل صلاته وتسبيحه وجميع صالح أعماله لا ينقص من أجره شيئاً. وإذا دعا بدوره أناساً فتابوا، فلك مثل أجورهم ولو كنت في قبرك. وهكذا فإنه يسجل لك أجور خلق كثير فكأنك رُزقت أعماراً كثيرة. ومصداق ذلك ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم، مثل آثام من تبعه، لا ينقص من آثامهم شيئا) انتهى كلامه - حفظه الله - تعالى -.
فنجد ولله الحمد الشبكة العنكبوتية تزخر بالعلوم والمعارف وربما تفوق على ما تحتويه المكتبات.. فالانترنت يحتوي على علوم مقروءة
ومسموعة فهناك الفلاشات وعروض الفيديو المؤثرة والقصص الحديثة العهد وغير ذلك الكثير..
ويمكنك أخي القارئ / أختي القارئة الاستفادة من تلك الشبكة أثناء السفر كما يلي:(13/230)
1 ـ في إحدى سفراتنا وبعد دخولنا لاحدى الشقق المفروشة في منطقة مكة المكرمة استوقفتني تلك الورقة المتربعة في إحدى زوايا الغرفة فإذا بي أجدها ورقة مطبوعة من إحدى المواقع الالكترونية وتتكلم عن الفوائد العجيبة لـ " العسل الأسود " وتذكر مجموعة من الأحاديث والإعجاز العلمي فيه.. فلفت نظري في آخر تلك الصفحة أرقام هواتف موزع هذا العسل لمن يريد شراءه أو الاستفسار عنه وغير ذلك الكثير.. وكان أول من انتفع بتلك الوريقات زوجة أخي حيث كانت تعاني من فقر الدم - حفظها الله - من كل مكروه.. فذلك الإنسان فبلا شك لا نعرفه ولا يعرفنا ولكنه قبل رحيله وضع تلك المعلومات لوجه الله - تعالى -وربما وضعها أيضا في كل الشقق وطلب نشرها لوجه الله - تعالى -كما هو موضح في الصفحة....
ومن هنا فما أجمل أن تترك لك بصمة وأثرا في كل شقة أو مسكن تلتجئون إليه أثناء سفركم.. قصة أعجبتنا وشدت انتباهنا في الانترنت أو بيان طبي أو أرقام هواتف العلماء والتسجيلات الإسلامية أو حتى تعريف بموقع إسلاميا معروفا أو مقالا أو نصيحة مؤثرة نقوم بطباعتها من الانترنت ثم تصويرها إلى أكبر عددا ممكنا ونسمح لها أن تسافر معنا فنضع في كل سكن نسكنه أو مكان نأوي إليه نسخة من تلك الأوراق ابتغاء وجه الله - تعالى -.. ويحرص أن يتضح في شكل وهيئة تلك الأوراق أنها مطبوعة من الانترنت حتى تسلم من أمانة محتواها ويتضح الأمر للقارئ أنها مطبوعة من موقع الكتروني حتى إذا أراد الرجوع إلى المصدر فالأمر واضح أمامه..
2 ـ تلك الأوراق المختارة والمنتقاة من الشبكة العنكبوتية يمكن وضع عدد منها في المساجد بشتى أنواعها: المساجد المطروقة عند توقفكم فيها للصلاة والمساجد المتواجدة في بعض المنتزهات أثناء زيارتكم لها ومساجد الاسعافات أو المستوصفات.... الخ
3 ـ تحتوي الشبكة ولله الحمد على مقاطع من الفيديو والمحاضرات ومجموعة من الفلاشات المؤثرة جدا من تصميم وإخراج بعض الغيورين والغيورات على دين الله - تعالى - جزاهم الله - تعالى -خيرا وجعله في ميزان حسناتهم يوم القيامة.. آمين
فيمكنك تسجيل ما تختاره من تلك العروض في أقراص " سدروم " وتنسخه بالكمية الذي تستطيع عليه أكبر عدد ممكنا، ويتم توزيع ذلك القرص أو السدروم على الشباب والفتيات في أماكن تجمعهم كمثل في بعض أسواق مكة " شركة مكة وغيرها " وكذلك في أماكن الترفيه والمنتزهات أو عند توقفكما في إحدى المحطات أو عند الإشارة وما شابه ذلك.. وممكن أن تذكر في داخل هذا القرص عنوان البريد الالكتروني الخاص بكم لما في ذلك أثر ونتائج طيبة لما تراه من أثر دعوتك وعند حاجة أحد الناس لك يكون هناك اتصالا بينكما عن طريق الايميل.. ولكن عندما يقوم بهذا العمل أوالدعوة امرأة تحرص أن يكون البريد تحت اسم رجل
ومن تلك الفلاشات أو الفيديو:
مقطع العم مسعود والعم صالح عن أثر التدخين
http://www.saaid.net/video/part7.htm
عرض فرشي التراب
http://www.fanateq.com/adv/frshi-trab/web.html
4 ـ هناك بعض المواقع الإسلامية المترجمة إلى عدة لغات كمثل موقع الشيخ سلمان العودة المترجم إلى عدة لغات (الفرنسية+ الإنجليزية...... )
وهناك مواقع أخرى ولكن يحرص أن تكون تلك المواقع إسلامية وأصحابها ثقة ومن أهل الصلاح والتقوى ومأمونون في ذلك..
طريقة الاستفادة منها: أن يختار من تلك المواقع مجموعة من المقالات المترجمة والمواضيع أو فتاوى أو مجموعة من الأذكار وما شابه ذلك ويتم طباعتها وتوزيعها على الأجانب الغير العرب الذين غالبا ما نقابلهم أثناء سفرنا في أمكنة مختلفة.. وتوزيعها أيضا على خدم وخادمات الأسر سواء عند مشاهدتنا لهم في الحرم المكي أو المتواجدات لدى جيراننا في السكن أو عندما نقابلهن في إحدى المنتزهات أو غير ذلك،،
5 ـ اختيار بعض المواعظ القصيرة والقصص المؤثرة من المواقع الاسلامية وهي كثيرة ولله الحمد وتطبعها وتكون رفيقتك في السفر لإلقائها على الناس في المساجد المطروقة، فحالما أدركت الصلاة تلقي كلمة قصيرة ومؤثرة.. وكما ذكر في مطوية "معرض وسائل الدعوة" قصة لأحد الشباب: (وأنا أعرف أحد حفاظ كتاب الله - تعالى -وهو من الدعاة المباركين، كانت سبب هدايته من بعد غوايته وسقوطه في براثن المخدرات والفجور والفواحش والغناء وترك الصلوات وغيرها من الطامات كلمة قصيرة من شيخ مبارك سمعها منه في سفر، فهل من معتبر؟ )..
4 ـ سقيا الماء (يوم الجمعة):
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(من أطعم مؤمناً حتى يُشبعه من سغبٍ أدخله الله باباً من أبواب الجنة لا يدخله إلا من كان مِثلَهُ) " السغب " هو الجوع
وقال - عليه الصلاة والسلام - (إن من موجبات الجنة إطعام المسلم السغبان)
(إن العبد ليتصدّق بالكسرة تربو عند الله - عز وجل - حتى تكون مثل أحد)
(ليس صدقة أعظم أجراً من ماء)
(في كل ذات كبدٍ حرّى أجر) رواه أحمد بإسناد صحيح
1 ـ في الحرم المكي أو المدني عند اجتماع الناس لصلاة الجمعة، فنشاهد صفوف المصلين تغطي الساحات الخارجية للحرم فيؤدون الصلاة تحت حرارة الشمس مع ضيق المكان وصعوبة تداول ماء زمزم وكثرة الناس.. ما أجمل أن نجعل ذلك فرصة لنا لاكتساب الأجر العظيم وذلك من خلال توزيع الماء البارد على المسلمين بعد انتهائهم من صلاة الجمعة مباشرة..(13/231)
الطريقة: تقوم بشراء مجموعة من الصناديق الكرتونية المحملة بقوارير الماء الصحية الباردة وتقوم بتكليف مجموعة من العمال بأجر مادي لهم أن يقوموا بتوزيع هذا الماء البارد على الناس فور الانتهاء من صلاة الجمعة وأن يتهيئون لذلك ويستعدون له وكل عامل يقف في مكان مخصص له قريب من أبواب الحرم وينادون وهم يناولون إخوانهم المياه أنه مجاني تبرعا من أحد المحسنين وذلك حتى لا يُفهم أنه يباع كما يفعل عادة في أزقة وطرق الديار المقدسة.. وكل ذلك يحصل تحت مراقبتك ومتابعتك له..
ويمكن تطبيق ذلك أيضا في المساجد الأخرى كالمطروقة عند وقوفكم بها للصلاة وهذا يكون في أي وقت وليس تخصيصا ليوم الجمعة
لكن المساجد الموجودة في المدن السياحية الكبرى يكون ذلك في أيام الجمع لكثرة الناس ولحاجتهم إلى الماء في ذلك الوقت بسبب حرارة الجو وصعوبة الذهاب إلى أماكن المياه..
2 ـ توزيع المياه المبردة والمشروبات المثلجة في أماكن الانتظار كمثل مواقف السيارات أو الموجودة في داخل المستوصفات أو المشاغل أو الحلاقة.... الخ
3 ـ في الديار المقدسة وخاصة في أيام شهر رمضان المبارك لا نغفل عن أماكن انتظار نزول المصعد الكهربائي المتواجد في داخل كل عمارة أو فندق فنجد هناك تزاحم الناس عليه كل بعد صلاة ينتظرونه بكل لهفة ليحملهم إلى مسكنهم فما أروع أن نستغل تلك الفرصة الجميلة حيث نقوم بتوزيع عليهم بعض المياه المبردة أو العصائر المثلجة لنخفف عنهم حرارة الشمس وهول الموقف..
4 ـ يكون هناك اتفاقا سريا بينك وبين صاحب إحدى المحلات أو التموينات التجارية بحيث تدفع له مالا كبيرا
فإذا جاء أحد الزبائن لتلك التموينات واشترى ماء فصاحب المحل لا يحاسب ولا يأخذ قيمته فيخبر الزبون أو المشتري أنه تم دفع قيمة هذا الماء من قبل أحد الصالحين المتبرعين لوجه الله - تعالى -وهكذا إلى أن تنتهي قيمة المال المتفق عليها بينه وبين هذا المتبرع..
5 ـ أواني المطبخ:
أثناء السفر وعند السكن في إحدى الشقق المفروشة فيمكنك شراء بعض الأواني كمثل مجموعة من الأكواب وإبريق الشاي والقهوة... الخ
وبقاءها في الشقة تبرعا لوجه الله حتى يستفيدون منها الناس من بعدك..
***
وفي الأخير.. إن ما ذكرنا غيض من فيض فهناك أعمال مختلفة ممكن تطبيقها بالطرق كما ذكر سابقا
ومن تلك الأعمال توزيع كتيبات الأذكار وتوزيع الأشرطة والكتب الإسلامية ونشر المجلات الإسلامية... الخ
ويمكنك أخي القارئ / أختي القارئة الرجوع إلى كتاب (كيف تطيل عمرك الإنتاجي؟ ) للمؤلف محمد بن إبراهيم النعيم.. فإنه كتاب قيما وننصح بقراءته والإلمام به..
كان الشيخ صديق حسن خان - رحمه الله - يحث على الانتفاع بالوقت والاستعداد للرحيل حيث يقول:
(وقدّموا لأنفسكم فإن كل امرئ ما قدّم قادم، فمن مسرور بحسناته ومحزون على سيئاته نادم،
ولا تغفلوا (ذكر الموت) فإنه ليس بغافل عنكم ولا ناس،
ومهدوا لنقلكم من القصور إلى بطون الأرماس،
وبادروا قبل أن يحل فيه الميعاد، وقبل أن ينادي الرحيل..
الرحيل.. وأنتم بلا زاد. فحينئذ تشتد الحسرة على من فرط في الأعمال.
ويطلب الرجعة ولات حين رجوع ولا إمهال.
فيا لها حسرة تتقطع لها الأكباد، حسرة لا ينفع عندها المال ولا العشيرة ولا الأولاد. فالبدار.. البدار.. بالتخلص من المظالم والآثام).
ولا ننسى أن نذكركم إن للأعمال في الديار المقدسة - مكة المكرمة والمدينة النبوية - لها ثوابا وأجرا مضاعفا
قال الخطيب السنوسي: يجب أن نشعر الأهل والأبناء بمكانة هذا البلد إذ أن الحسنات تضاعف في مكة فكذلك السيئات تعظم في البلد الحرام، يقول عبد الله بن مسعود: لو أن رجلاً همَّ بقتل مؤمن عند البيت، وهو بعدن، أذاقه الله في الدنيا من عذاب أليم.
وقال مجاهد - رحمه الله -: تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات.
وقال الحسن البصري - رحمه الله -: صوم يوم بمكة بمائة ألف، وصدقة درهم بمكة بمائة ألف، وكل حبة بمائة ألف.
وما أجمل أن يكون لوالدينا أو لأحد موتانا أو عزيزا على قلوبنا حظاً من أعمالنا الخيرة..
قال - صلى الله عليه وسلم - (إذا تصدّقت المرأة من بيت زوجها كان لها أجر ولزوجها مثل ذلك لا ينقص كل واحد منهما من أجر صاحبه شيئا له بما كسب ولها بما أنفقت) رواه الترمذي وقال حديث حسن.
قال - صلى الله عليه وسلم -: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات "
قال - عليه الصلاة والسلام - " داووا مرضاكم بالصدقة "
نسأل الله - تعالى -أن يوفقنا إلى حسن استغلال أوقاتنا، وأن يكون هذا العمل شاهدا لنا يوم القيامة لا شاهداً علينا وأن يجعل هذا العمل من العلم الذي ينفع صاحبه حتى بعد موته برحمته - عز وجل -..
http://www.saaid.net المصدر:
============
من يوقف نزيف الغفلة ؟؟ ( 2 )
الشيخ خالد بن محمد الشارخ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..أما بعد..
لقد قرأنا في المقالة الماضية عن المخطط الماكر والعداء المستميت، والحديث عن الهجمة الصليبية التي تُحاك خيوطها، ويُستكمل كيدها، والتي قد طبقت بعض حلقاتها وهي في طريقها إلى تطبيق الباقي، وسمعنا على وجه الخصوص مكائد هذه الحملة الصليبية على بلاد الحرمين، وما هي مساعيهم ومطالبهم. وبينا أن هذا ليس بغريب على أمة الصليب وحماة الصليب، لكن الأشد من ذلك كله هو مواكبة هذه الهجمة لغفلة تامة من المسلمين إلا من رحم الله، وبردة قلب وانعدام الغيرة على هذا الدين أن يطال بأذى، أو يُمس جنابة بسوء..(13/232)
وحتى لا أكون أيها الإخوة ممن يلقي الكلام على عواهله دون إثبات أو دليل.. دعونا نستعرض حال المسلمين الآن مع هذه الهجمة الشرسة، وهل أفاق المسلمون فعلا أو أحسوا بعظم الخطر أم لا؟ لأبين لكم أن ما دمنا على هذا الحال فسيحقق العدو أحلامه وأهدافه وذلك عبر أمور..
فمن مظاهر الغفلة عند المسلمين:
لقد هام أكثر المسلمين تطبيقاً لما بثه الأعداء من اليهود والنصارى لتخدير الشعوب المسلمة، وإشغالها بما لا يحقق لها هدفاً، أو يجلب لها انتصاراً، أو يحقق لها رقياً بين الأمم، فاشغلوا الأمة بتوافه الأمور، كإقامة المسابقات والمباريات، وإغراق السوق بالكم الهائل من المسلسلات والأفلام، وانتشار القنوات الفضائية بكل ما تحمله من سقوط القيم والمبادئ، والمتاجرة بالأجساد، وغير ذلك من صور إلهاء الشعوب المسلمة عن قضاياها المهمة..
وليس العجيب أيها الإخوة أن يبث الأعداء لنا ذلك، لكن الأدهى والأمر أن يطبق هذا كله أكثر المسلمين دون وعي أو انتباه، ولئن كان الاشتغال بهذه الأمور مقبولاً أو مستساغاً في حين وأن كان لا يستساغ فإنه في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها الأمة لا يستساغ أبداً..
ومن مظاهر الغفلة عند المسلمين: فشو المنكرات والمحرمات في أوساط المسلمين إلا من رحم الله، والتهاون بالمعاصي، والتساهل بما حرم الله - سبحانه وتعالى -، ومن أعظم المحرمات والمنكرات الشرك ومظاهره، والكفر بأنواعه، مما تغص بها بلاد المسلمين إلا من رحم الله منهم.. فأضرحة وقبور، ومقامات وزيارات بدعية، واحتفالات صوفية، إلى التعلق بالكافرين، ومحبتهم ونصرتهم، والمسارعة في إرضاءهم، فكيف تتوقع النصر أمة هذا ديدنها، وتعاملها مع ربها، ناهيك عن تضييع الصلاة عن وقتها.. انظر لشوارع المسلمين وطرقاتهم إذا نادى المنادي إلى الصلاة لتراها على اكتظاظها وزحامها ولا كأن منادي الصلاة يناديهم، ولكن انظر إليها مرة أخرى لو أقيمت مباريات أو مسابقات، أو عرض مسلسل هنا أو هناك، لتراها عكس ذلك تماماً، ناهيك عن الذين في بيوتهم ويسمعون النداء بالصلاة ومع ذلك يبقون في بيوتهم، لا يحركهم النداء إلى الصلاة. ففي كل حي عشرات من الناس الذين لا يشهدون الصلاة مع المسلمين، كيف سينصرون الله ونحن لم ننتصر على أنفسنا في أمور يسيرة كهذه، ناهيك عن الليالي الحمراء، والتي تدار فيها المحرمات والمسكرات، والأغاني والقينات، التي هام في لياليها أكثر شباب المسلمين، كيف تنتصر الأمة وهي تفجع بحماتها، بقلبها النابض، بشبابها الذين هم أولى أن يعيشوا لدينهم، وينافحوا عن عقيدتهم، وأن يحموا الديار، ووالله لو علمت دولة الصليب وهي تهجم على بلاد المسلمين أن ستجد شباباً قاموا بحق الله، ولم يستسلموا للشيطان، وعاشوا هم هذا الدين، والدفاع عن حماه، فلا والله لن تتجرأ أبدا أن تخوض حرباً مع المسلمين..
ومن طريف ما يذكر.. أن ملك الروم أراد الهجوم على بلاد الأندلس (ردها الله) فأرسل رجلاً لينظر ما هي اهتمامات شباب المسلمين وطموحاتهم هناك، فلما جاء هذا الرجل وجد فتى يبكي..
قال: له ما يبكيك؟
قال: أبكي لأني لم أصب الهدف، وكان يتدرب على الرماية..
فقال له: وما يضرك؟ ارمِ مرة أخرى تصيب الهدف..
قال: ولكن عدو الله لا يمهلني، فإذا لم أصبه لأول مرة فإنه سيقدر على قتلي..
فرجع الرجل إلى ملك الروم فقال: لا أرى أن تدخل الآن..
فمضى زمن ثم عاد الرجل ليرى فتى آخر يبكي.. فسأله: ما يبكيك؟ وظنه كسابقه..
فقال: لقد وعدت صديقتي هاهنا ولم تأتي، فأنا حزين على تركها لي..
فقال لملك الروم الآن الآن.. وفعلاً بسطوا نفوذهم على بلاد الأندلس أندلس الإسلام..
وهكذا دائماً أيها الإخوة.. فمتى ما استطاع الأعداء إضاعة شباب الأمة، فقد استطاعوا ولا شك بسط نفوذهم، واستيلاءهم على بلاد المسلمين..
وانظروا مرة أخرى لأسواق المسلمين، ولأوساط النساء بالذات، لترى ما يندى له الجبين، وتتقطع لأجله الأفئدة، فمظاهر التبرج والسفور الذي بدأ يظهر في مجتمعنا بعد أن لم يكن، ومظاهر إظهار الزينة، والخضوع في القول، إلى البروز في طرقات المسلمين بلباس ملفت، بحجة الرياضة، وتحريك البدن، ونحن نعلم يقيناً أن هذا بداية الهاوية، لأن المرأة هي صمام الأمان في هذه الأمة، متى فسدت فسد المجتمع وضاع، وصدق الصادق المصدوق إذ يقول: (إياكم والنساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).
أين نساء المسلمين اللاتي كن يربين أبناءهن على الجهاد في سبيل الله، وإرخاص النفس لإعلاء كلمة الله، أين أمثال الخنساء التي قدمت أربعة من أولادها في سبيل الله في معركة القادسية، وقبل بدء المعركة قالت لهم: (إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها وجللتم ناراً على أرواقها، فيحموا وطيسها، وجالدوا رسيسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة).
فلما كشرت الحرب عن نابها، تدافعوا إليها وتواقعوا إليها حتى تساقطوا واحداً تلو الآخر.. فلما أُخبرت بعد المعركة بمقتلهم قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة..
أين نساء اليوم من أسماء أم عبد الله بن الزبير، التي قالت لولدها عبد الله بن الزبير حينما أراد الجهاد، فلمست صدره، فوجدت درعاُ، قالت: ما هذا يا عبد الله؟ قال: هذا درع يا أماه.. قالت: ما هذا بلباس رجل يريد الشهادة في سبيل الله!!
نعم بهذه المعاني كن يربين أبنائهن، فكيف تنصر الأمة ونساؤها ذبن تقليداً للشرق والغرب؟ كيف تنصر الأمة ونساؤها بهذه الصورة من لبس ما حرم الله؟(13/233)
دعونا نكون صرحاء مع أنفسنا أكثر، ولست أقول هلك الناس، ولكن هو واقع ومن الخطأ تجاهله، والناصح الذي يضع اليد على الجرح خير من الذي يؤمل الأمة بآمال، ويعلقها بخيالات هي منها بعيدة، إنها سنة في كتاب الله لن تتغير ولن تتبدل أبدا..
أيها الإخوة.. ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)) إن هذا التسلط الكافر، والتهديد المستمر على بلاد المسلمين، ووجود العدو جاثماً على أراضي المسلمين، لن يزيله إلا بالعودة إلى الدين، العودة إلى الله، وإني أدعوا بدعوة عامة إلى كل من يبلغه كلامي، من حاكم ومحكوم، ورئيس ومرؤوس، وصغير وكبير، وذكر وأنثى، أدعوهم ونفسي إلى تجديد التوبة، وأدعوهم إلى تقوى الله، والتعلق بالله، وترك الذنوب والمعاصي، فهي السبب في كل ما جرى وسيجري، أدعوهم إلى سنة التضرع التي لن تظهر في أوساط الناس مع هذا البلاء المتتابع.. قال - تعالى -: ((فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ. فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ)).
أدعوهم بتحقيق العبودية لله رب العالمين، أدعوهم بأن الناصر هو الله وحده، وإذا لم ننصر الله فلن ينصرنا أحد، وستبقى تتخبطنا شياطين الإنس من اليهود والنصارى، ويسبوننا في كل جانب.
متى تفيقي يا أمتي؟
إلى متى هذه الغفلة؟
إلى متى موت الغيرة وبرودة القلب على أهله؟
إلى متى ولا هم لأحدنا إلا خاصة نفسه، ولا عليه بعد ذلك أنُصر الدين أم هُزم ما دامت دنياه صحيحة، وحياته مريحة، وما علم المسكين أن السنة التي حاقت بهؤلاء ستحيق به إن لم يسارع لنصرة هذا الدين، ويذود عن حماه؟
إلى متى يا أمتي وهذا التقحم في معاصي الله، وفي ما يغضب الله جل جلاله؟
إلى متى هذا الضياع يا شباب الإسلام؟
إلى متى هذا السفور يا أمة الله؟
إلى متى ينشغل المسلمون بما يضيع عليهم دينهم ودنياهم؟
انزعي ثوب الغفلة يا أمتي، وأوقفي هذا النزيف، وأزيلي عنك دثار الذل والخنوع، وتقنعي بثوب الحق، فإن الأمور ستقدم على أمور مهولة، وإننا لنرى والله - تعالى -أعلم على الأبواب، وأما الصغرى فقد انتهت منذ زمن وما زلنا في بعضها نسير..
قال مرعي الحنبلي المتوفى سنة 1730هـ في كتابه أشراط الساعة: وأما العلامات الصغرى فقد انتهت منذ زمن، ونحن في انتظار كبارها، فالله المستعان إذا كان - رحمه الله - يقول ذلك وقد توفي في القرن الحادي عشر، فكيف بعهدنا هذا الذي نراه والله أعلم يقترب من علامات الساعة الكبرى شيئاً فشيئاً، فإلى الثبات يا أمة الإسلام، فإن العلامات الكبرى إذا وقعت فهي كالخرزة انقطع سلكها فتتابع، فإن المرء لا يدري ربما يفتن في تلك العلامات، ويضل عن دينه مع ظهور هذه الفتن، فإن الثابت على دينه ذلك الزمن لقليل.. فقد ثبت عن المسيح الدجال أنه يتبعه كثير ويتأثر بدعوته ويفتن به كثير، فقد جاء في مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ينزل الدجال في هذه السبخة بمر قناة (وادي قرب المدينة) فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى أن الرجل يرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه)، وثبت من عظم هذه الفتنة أن الشخص لا يأمن على نفسه، فقد روى الإمام أحمد وأبو داوود وصححه الحاكم في المستدرك عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من سمع بالدجال فلينأ عنه، فو الله أن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات) فالذي لم يثبت أمام هذه الفتن الصغيرة فكيف سيثبت أمام هذه الفتن القادمة العظيمة، واعلم أن الناجين المنصورين هم الذين جاهدوا وصبروا على طاعة الله، وصدق الله إذ يقول: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)).
أما كيف نتصدى لهذا الهجوم الظالم على الإسلام والمسلمين، فإن أحداً من المسلمين لن تعجزه الطريقة المشروعة لنصرة هذا الدين، وحماية أرضه، ولكني أقترح وأذكر ببعض الأمور على سبيل الإجمال، وذلك بعد تحقيق التوبة العامة والخاصة، وعلى مستوى الأفراد والشعوب، واستمداد النصر من الله العلي القدير، والسعي الحثيث لإقامة دينه، وتحكيم شرعه في أرضه وتحت سماءه..
أول هذه الأمور:
بذل الوسع والجهد كل بحسبه لنصرة هذا الدين، فالإعلامي مطالب أن ينافح عن هذا الدين من خلال منبره الإعلامي، والطبيب هو الآخر مطالب أن يدافع عن هذا الدين وينصره ما استطاع، وكذلك المهندس والرياضي والتاجر إلى غير ذلك من أبناء هذه الأمة، الكل يسعى لنصرة هذا الدين، إن أمريكا ما خاضت هذه الحروب إلا بعد إعداد تام، وتأهب مستمر، وبعد أن بثت أقمارها الصناعية على العالم كله، وقوت ترسانتها العسكرية، وبعد أن أوجدت لها أنصاراً هنا وهناك، وبعد هذا الإعداد الطويل تقدمت لتحقيق أهدافها، نحن نريد الأمة أن تتحد جهودها، وتجمع كوادرها، ويتحد مفكروها وعلماؤها لانتشالها من هذا الحضيض، واذا لم تتلاقح الأفكار، وتجمع العقول، لانتشال هذه الأمة فستبقى مهددة في كل حين وحين.(13/234)
ثانياً: يجب أن نشارك جميعاً على توعية الأمة، يجب على العلماء والدعاة والمصلحين والأئمة والخطباء والمربين أن ينشروا الوعي لدي المسلمين، فيوقظوا في الأمة حسها الديني، ويحركوا حميتها الإسلامية، ويوقظوا هذه الأمة من سباتها العميق، لتقف أمام هذا المارد الذي لا يرحم.
ثالثاً: دعوة للمربين والمصلحين والمعلمين وللآباء خاصة أن يربوا الشباب والناشئة على معالي الأمور، وعلى الغيرة على هذا الدين، والذود عن حماه، فإن الجيل القادم والله أعلم إن يكن هذا الجيل، سيعيش أحداثاً عظيمة، فيجب أن يعد لمثل هذا..
رابعاً: فضح المنافقين، ودعاوي المبطلين، وهتك أستار أفراخ الاستعمار، وبيان خبثهم، وأنهم امتداد لأولئك الذين قال الله عنهم: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)) فإن هذا نوع من الجهاد عظيم، جهاد مراغمة الشيطان وحزبه من أعظم الجهاد في سبيل الله ولإعلاء كلمة الله.
خامساً: إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي صمام الأمان، كيف لا وقد أخبر الله - سبحانه - أن الأمة الصالحة المصلحة لا تهلك، فقال عز من قائل: ((فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)).
سادساً: دعم قضايا المسلمين، ورفع الضراء عنهم، ونصرتهم بما نستطيع، ومن ذلك إعانتهم بالمال، ودعم أنشطة الخير هنا وهماك، وتفعيل دور الدعاة، ودعم نشاطاتهم ليستمر العمل، ودعم المسلمين في كل مكان وزمان، وخاصة المجاهدين على الثغور.
سابعاً: استمرار الدعاء والتضرع إلى الله أن يكشف هذه البلوى، وأن يظهر هذا الدين أهله، وأن يرد كيد الأعداء في نحورهم، لنستمر في الدعاء، ولنؤمل من الكريم الإجابة، فإن الله لا مكره له.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،
2/11/1425 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
============
رسالة الطبيب في الحياة
لقد خلق الله البشر ولكل قدرته وطاقته ومواهبه، وخلق أرزاقهم ويسر لهم السبيل باختيار منهج وطريق حياتهم، وأرشدهم لاتخاذ السبل في كسب العيش والبحث عن الرزق..
والكل راضٍ بما قسمه الله له، ولقد حمل الإنسان الأمانة في عمارة هذه الأرض بعد أن استخلف فيها.
قال - تعالى -: (وَإذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة: 30].
وقال: (إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ والأَرْضِ والْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وأَشْفَقْنَ مِنْهَا وحَمَلَهَا الإنسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب: 72].
وإن هذه الأمانة والاستخلاف تزداد مسؤوليتها والحمل الملقى على صاحبها مع حجم الطاقة والقدرة وبقدر المواهب والعلم والمعرفة والمكانة التي يتمتع بها.
وإن رسالة الطبيب رسالة إنسانية بما فيها من رأفة ورحمة وشفقة، والعبء ثقيل والأمانة عظيمة ودوره وشأنه عظيم في هذه الحياة وذلك بسبب:
1- مكانته وقدرته ومواهبه وعلاقته الاجتماعية..
2- طبيعة مهنته وتعامله مع أرواح وأنفس وأجساد البشر، وقوة وشدة تأثيره، لذا فمسؤوليته عظيمة، والأمانة ثقيلة، والدور الذي أنيط به جد مهم، فمن ثم عليه أن يقوم بواجبه بإحسان التعامل مع المريض والسعي لتخفيف الألم والحزن وشدة المرض عن الناس وأن يبذل جهده ويعمل بشكل دؤوب لتحقيق الصحة العامة والخدمة الإنسانية بشتى جوانبها والشفاء بإذن الله.
وتزيد هذه المسؤولية على الطبيب المسلم لأنه ينطلق من منظور ديني إسلامي ومراقبة ذاتية ومحاسبة مستمرة وارتباطه الكامل بالله - عز وجل - ولابد أن يتذكر كل طبيب أنه سيحاسَب عن هذه المسؤولية في يوم الحساب حينما يقف بين يدي رب الأرباب.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============
هندسة العلاقات الاجتماعية
محمد العبدة
من أشد الأمور فتكاً بالدعوة أن تصاب من الداخل، سواء بضعف الصف أو بتقطع شبكة العلاقات الاجتماعية فيما بين أفرادها، كالتدابر والتحاسد والتغالب على المناصب، وقد تكون هذه الأمور واضحة لا يقع فيها كثير من المخلصين، ولكن هناك أمور أخفى من ذلك تستحق التأمل والوقوف عندها طويلاً، ذلك عندما يكون الوعي الاجتماعي ضعيفاً، ولا نعلم: كيف نتحاور، كيف يرد بعضنا على بعض، كيف يحترم الكبير، تأجيل موضوع إذا استغلق حتى لا يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، كيفية المعاتبة والنصح...الخ.
وقد يكون السبب عدم اهتمامنا بهذه النواحي أصلاً، لأن الاهتمام منصب على العلم والفكر، مع أن قضية العلاقات الأخوية بحاجة إلى هندسة خاصة، نحتاج إلى معرفة النفسيات والطباع، ومعاملة كل أخ حسب ما يناسبه، فلا نستطيع أن نطبع البشر بطابع واحد، أو نصبهم في قوالب جامدة، فالرجال أنواع، فهناك البسيط المنفتح وهناك الانطوائي الاجتماعي، ومن يحب العزلة، والجريء والخجول...(13/235)
ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة في ذلك، كيف كان يعامل أصحابه مع اختلاف طبائعهم وأمزجتهم، كان أبو بكر هيناً ليناً وكان عمر شديداً، وعثمان حيياً، ويبدو أن شخصية علي لم تفهم من بعض الصحابة فقد جاء في السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل الزبير بن العوام عن حبه لعلي فقال الزبير: كيف لا أحبه وهو ابن خالي وعلى ديني فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (ستقاتله وأنت له ظالم) وأظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن ينبه الزبير وغيره إلى جوانب من شخصية علي قد تفهم على غير مرادها.
ويبدو أن الزبير رضي الله عنه نسي هذا الحديث، فعندما ذكّره به علي في معركة الجمل تذكر وترك القتال فوراً، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرف نفسية علي التي أخطأ فهمها بعض الصحابة، والآن تجد الأخ يظن ويعتقد أن في أخيه صفة غير محمودة، ويعامله على هذا الأساس لسنوات وأخوه لا يعلم بهذا، ولا هو يحاول أن يسأله أو يستفسر منه حتى يتأكد، هل هذه الصفة فيه؟ فيقع في الظلم، ثم قد يتبين له الحق ولكن بعد أن تصاب العلاقات الأخوية بالشلل.
إنها مصيبة أن يحدث هذا مع حسن النوايا، وذلك كله بسبب الاطلاع النظري والعيش مع الكتب دون معرفة الواقع والتعامل معه، فقد يكون الرجل صامتاً أو مداعباً ممازحاً، فيخوض الناس فيه وهو لا يدري.
لماذا لا نستفيد من السيرة النبوية، ولماذا لا نفكر في واقعنا ونحاول التعرف عل أسباب الخلل وهي كثيرة مع الأسف.
http://www.albayanmagazine.com المصدر:
============
وسائل ومميزات في الدعوة الفردية 1 - 4
الدكتور عبدالرحمن بن عايد العايد
أولاً: أهمية الدعوة:
يبين أهمية الدعوة أن الشارع أمر بها ومدح من اتصف بها وحذر من تركها فقال الله - سبحانه وتعالى - آمرا بها ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير)).
وقال لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيم)).
وقال أيضا: ((وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)).
وقال: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ)).
وقال - سبحانه - مادحا من اتصف بها: ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)).
وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب ((فو الله لإن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم)) رواه البخاري.
وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه مسلم: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعهم لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا)).
وقال - صلى الله عليه وسلم - محذرا من ترك الدعوة عموما قال: ((من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار)). الحديث رواه ابن حبان والحاكم وقال صحيح لا غبار عليه وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
أيضا بين أهمية الدعوة ما تتعرض له الأمة من هجمات شرسة من أعدائها بقصد تضليلها وتجهيلها وحرفها عن دينها فالدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - مواجهة لتلك الهجمات وأبطالها أو على الأقل التقليل من تأثيرها.
ثانياً: جوانب الدعوة:
للدعوة جوانب مختلفة فمنها دعوة الكفار ومنها دعوة المسلمين ثم هذه الدعوة قد تكون بالكتابة وقد تكون بالمحاضرة وقد تكون بالندوة قد تكون بالكلمة القصيرة وقد تكون بالحديث مع شخص لمدة قصيرة كأن تخرج معه من المسجد ثم تتحدثان قليلا وقد تكون بالقدوة وقد تكون بتوزيع الكتيبات و الأشرطة جوانب كثيرة من هذه الجوانب الدعوة الفردية وذكرت هذه الجوانب لئلا يضن أن الدعوة حكر على جانب دون الآخر ولئلا يحملون الكلام عن الدعوة الفردية إلى إهمال الجوانب الأخرى.
ثالثاً: معنى الدعوة الفردية:
ما الذي نريده وما الذي نقصده من الدعوة الفردية؟ الذي أقصده بالدعوة الفردية هو ممارسة الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - مع فرد أو فردين لتنتشله أو تنتشلهما مما هو فيه إلى ما هو أفضل من حاله ومن قولي هذا يتبين أن الدعوة الفردية يمكن أن تكون وتمارس مع الملتزمين لأن المقصد هو أن تنتشل أو أن ترفع هذا الفرد إلى أفضل من حاله.
رابعاً: ميزات الدعوة الفردية:
ما هي ميزات الدعوة الفردية؟
الحقيقة أن للدعوة الفردية ميزات كثيرة يجدر بنا أن نعرفها في هذا المقام مادمنا نتكلم عن الدعوة الفردية ومن هذه الميزات:
1- أن الدعوة الفردية تنعم بالحرية المطلقة في كل الأحوال والظروف فلا تتعرض للتضييق.
2- أنها تحدث صلة بين المدعو والداعية مما يهيأ المدعو للاستجابة ولاشك أنه أكثر من الدعوة الجماعية عندما يلقي الشيخ أو الملقي محاضرة يمكن أن يتأثر الفرد ولكن لا يمكن أن تحدث الصلة بين المتكلم وبين السامع صلة قوية يمكن أن تهيأ المدعو للاستجابة بشكل أكثر.
3- أنها تتيح للمدعو الاستفسار عما يريد وطلب التوجيه المباشر في أمر من أموره أما في الدعوة الجماعية أن تكتب سؤالك في ورقة ربما يذكر وربما يترك لضيق الوقت أما في الدعوة الفردية فيمكن للمدعو أن يستفسر عما يريد لأن الداعية مواجه له مباشرة.
4- أن الدعوة الفردية أبلغ وأعمق في التربية لأنها في الحقيقة توجه مركز بل إن التربية هي ثمرة الدعوة الفردية لأنها تحيط بحياة المدعو.
5- الدعوة الجماعية تأثيرها وقتي ومن ثم نحتاج إلى الدعوة الفردية لمتابعة جهود الدعوة الجماعية نعم قد يكون الخطيب خطيبا جيدا مؤثرا فيتأثر السامع لكن تأثره هذا وقتي يتأثر لمدة يوم(13/236)
لمدة يومين ثم ما يلبث أن يرجع إلى ما كان عليه سابقا ولذا نحتاج إلى من يتابعه ولاشك أن من يتابعه سيكون ممن يمارس الدعوة الفردية.
6- عن طريق الدعوة الفردية، يمكن للداعية أن يتدرج في توصية المدعو، فيعطيه في كل وقت ما يناسبه في الدعوة.
7- يمكن عن طريق الدعوة الفردية الوصول إلى من لم تصله الدعوة الجماعية إما لعدم رغبته في ذلك وإما لأن ظروفه لا تسمح له بذلك، الملقي أو المحاضر أو حتى كاتب الكتاب أو المتكلم في الشريط لا يمكن أن يطرق الباب على كل أحد وأن يمسك بكل شخص في الشارع أو في العمل أو في أي مكان آخر لا يمكنه ذلك المتكلم يجتمع له ناس حضروا بإرادتهم فيلقي ما يريد ولكن هناك أناس لا يحضرون إلى هذه المجتمعات لايحضرون إلى هذه المحاضرات أما لأن الشيطان استحوذ عليه وكره هذه الاجتماعات وأما لأن هذه الاجتماعات لا تلائم ظروفه أو أوقاته وغير ذلك فيكون أنحرم منها، مثل هؤلاء الأشخاص كيف نؤثر عليهم.
إن الدعوة الفردية هي التي عن طريقها نستطيع أن نؤثر على مثل هؤلاء.
8- أن الدعوة الفردية يمكن القيام بها في كل مكان وأي وقت فيمكن أن يقوم بها الطالب والمدرس والموظف والعامل وغيرهم بل أحيانا يمكن القيام بها حتى في مكان العمل لأنها في الطالب لا تحتاج إلا إلى وقت قصير ففي العمل لا تحتاج إلى تجميع الموظفين للإلقاء عليهم محاضرة بل يمكن أن تمارس الدعوة الفردية وأنت تدير أعمالك وتقوم بأعمالك تمارس الدعوة الفردية لهذا بنصيحة أو بعقد صلة بأي شيء آخر مما سنذكره إن شاء الله.
9- الدعوة الفردية تكسب الداعية خبرة ومعرفة بأحوال الناس وأيضاً تكسر الحاجز الوهمي الذي يضعه الداعين بينه وبين الآخرين.
10- الدعوة الفردية تدفع من يعمل بها إلى العلم والعمل وإلى أن يكون قدوة صالحة لغيره لأنه ما دام يريد أن يدعو هذا الشخص فيجب أن يظهر أمامه بأنه على قدر من العلم والعمل وهذا لابد منه في الحقيقة حتى يكون قدوة صالحة لمثل هذا الشخص.
11- الدعوة الفردية تتيح للداعية أن يطبق ما تعلمه من مفاهيم الصبر والتحمل والإيثار لأنه سيتعامل مع هذا المدعو فيحتاج إلى صبر ويحتاج إلى تحمل وكظم للغيض لأنه ربما يواجه من هذا المدعو أشياء يحتاج إلى الإيثار إلى التضحية. هذه الأمور يمكن أن يطبقها في أرض الواقع بعد ما كانت مفاهيم ذهنية فقط.
22/7/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
=============
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. من أدلة صدق التجارة مع الله
د.حمدي شلبي
من أهم دعائم منهج الإصلاح في الإسلام دعامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولسنا في حاجة إلى أن نبين معنى المعروف أو المنكر إذ إن من المعلوم أن المعروف هو: ما أمر به الشرع وحث عليه واستحب فعله وعرف ذلك من الكتاب والسنة، والمنكر: هو ما أنكر الشرع قوله أو فعله فحرمه ونهى عنه.
ولقد أولى الإسلام الاهتمام الأكبر بتلك الدعامة الإصلاحية ويتجلى لنا ذلك في:
أولاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإيمان بالله مقومات خيرية هذه الأمة.
فقد بين الحق- تبارك وتعالى -أن أمتنا المسلمة هي خير أمة أخرجت للناس وبين سبحانه أن هذه الخيرية عائدة إلى أسباب ثلاثة يقول تعالي: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون (110) (آل عمران).
وقد صدرت الآية الكريمة بقوله تعالي: كنتم ولا يخفى أن الفعل كان هنا يدل على الاستمرارية والثبات والتوكيد ثم بين سبحانه مقتضيات هذه الخيرية ومقوماتها فى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله وهنا نحب أن نلفت النظر إلى أمرين مهمين:
أولهما: أن الآية الكريمة ذكرت هذه المقومات الثلاثة بصيغة الفعل المضارع دون الماضي أو الأمر فكأنها تريد أن تقول إن هذه المقومات كائنة فعلاً في هذه الأمة ثابتة معها متجددة بتجدد الزمان.
ثانيهما: تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله تعالى وهذا يبرز أهميتهما وأنهما من الإيمان بمنزلة الدليل وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما السبيل لتحقيق الإيمان بالله ونشره، ومن ثم ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين وجود الإيمان ووجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكل منها يستلزم الآخر وذلك فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
ففي هذا الحديث يأمر النبي صلى الله عليه وسلم كل مسلم ومسلمة إذا رأى منكراً أن يغيره ومن المهم هنا أن ننبه إلى سر التعبير بالفعل "يغيره" دون يدمره مثلاً إذ التغيير يتطلب هدماً وبناءً وربما استغرق وقتاً فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا التغيير باليد إذا كان ذلك المنكر في المكان الذي للإنسان عليه ولاية كأن يكون في بيته أو من بعض أبنائه فإن لم يكن كذلك طالب بتغييره بلسانه فإن عجز عن الكلام وقت المنكر أنكر بقلبه وزال عنه.
ثانياً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما سبب الفلاح في الدنيا والآخرة
قال تعالى: ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون *104) (آل عمران) فقد لخصت هذه الآية الكريمة كل أسباب الفلاح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثالثا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات كل مؤمن ومؤمنة(13/237)
يدل على هذا قوله تعالي: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سي رحمهم الله إن الله عزيز حكيم 71 (التوبة)، فقد جعل الله تعالى من صفات المؤمنين والمؤمنات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك في مواجهة المنافقين والمنافقات الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ولا عجب فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين كله هو النصيحة، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة: قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم" (أخرجه مسلم)
كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه قال صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية" وهذا البلاغ لا يتعدى كونه أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر، وبناءً على هذا قسم علماء الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى قسمين:
القسم الأول: واجب على كل مسلم ومسلمة على حسب ما يعلم وفي حدود إمكاناته وتكون فيما علم من الدين بالضرورة.
القسم الثاني: ويكون فيما دق من فروع الشريعة. وذلك النوع يقوم به الفقهاء المتخصصون والدعاة المؤهلون ويدخل تحته دعوة غير المسلمين إلى الإسلام ورد شبههم. وفي هذا النوع يقول تعالي: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون 122 (التوبة).
رابعاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أدلة صدق التجارة مع الله
فقد أخبر تعالى عن المؤمنين الذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله عز وجل بقوله: التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين 112(التوبة).
أثر المنكر على المجتمع
بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أثر المنكر على المجتمع أثر وبيل وأنه إذا لم يوجد من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هلك المجتمع كله.
فقد سألت زينب بنت جحش رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "أنهلك وفينا الصالحون" قال: "نعم، إذا كثر الخبث" (أخرجه مسلم).
آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ويجب على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أن يلتزموا آداب الإسلام:
1 - ضرورة الإخلاص في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن يكون الآمر الناهي مبتغياً بعمله وجه الله لا زعامة ولا رئاسة ولا شهرة.
2 - أن يكون قدوة لغيره فلا ينهى عن المنكر ويفعله، وقد حذر الإسلام من ذلك كل التحذير.
3 - أن يختار الوقت والمكان والكلام المناسب ولذلك قدم الله الحكمة في مجال الدعوة فقال تعالى: ادع إلى" سبيل ربك بالحكمة (النحل: 125).
4 - أن يلتزم بالقول اللين وبشاشة الوجه عندما يأمر أو ينهى، وقد قال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام عندما أمرهما بالذهاب إلى فرعون: فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى" 44(طه).
وقد عاتب الله إمام الدعاة صلى الله عليه وسلم لعبوسه في وجه أعمى لم ير عبوسه. وأدلة ذلك مبسوطة في الكتاب والسنة.
ألا ما أحوج الأمة إلى أن تصلح نفسها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تنهض برسالتها التي خلقت لها فهي المبصر الوحيد في عالم من العميان، وهي المصباح الوحيد في عالم مظلم.
http://www.almujtamaamag.com المصدر:
=============
أقلوا عليهم من اللوم
أحمد بن عبد الرحمن الصويان
نقائص العمل الإسلامي كثيرة، ومعايب الدعاة وقصورهم كثير كذلك، وليس من الشرع ولا من العقل أن نتعامى عن تلك النقائص والمعايب، بل يجب أن نملك الجرأة في تصحيح الواقع الدعوي، وتسديد رجاله وحَمَلَته، مع الورع والتجرد الذي يبني ولا يهدم، ويجمع ولا يفرق، والذي يضع الأخطاء في حجمها الصحيح دون تهويل أو تهوين.
لكن التسديد والتصحيح مسؤولية من..؟!
الذي أحسبه أنه مسؤولية الجميع سواء كانوا في الساقة أو في الحراسة؛ فالعمل الدعوي ليس من أجل أحد من البشر، بل هو قُربة يتقرب بها الدعاة إلى الله ـ - تعالى -ـ وحده لا شريك له، لا يرجون فيه حمداً أو شكراً من أحد كائناً من كان؛ ولهذا تراهم حريصين على رعايته وتسديده قدر طاقتهم.
نعم! أعلم أنَّ كثيراً من الدعاة ـ بسبب الخلل التربوي ـ قد يضيق بالنقد صدراً، ويُصنِّف الناقدَ تصنيفاً منفِّراً، وكثيراً ما يجد الناقد المخلص صعوبة في التصحيح والترشيد، خاصة للممارسات التي ورثها الدعاة من بعضهم، وتجذرت في صفوفهم؛ لكن إذا لم نصبر على إخواننا ونقدِّر اجتهاداتهم فعلى من نصبر.. ؟!
ولست في هذه المقالة بصدد الحديث عن وسائل التصحيح والنقد، ولكن أشير إلى أن بعض الناقدين أو بعض (المتساقطين!) على جنبات الطريق، قد يتكلف النقد ليسوِّغ عجزه وقصوره، أو إعراضه وإدباره عن إخوانه، وهذه آفة من مداخل الشيطان خفية، تجره للتشكي والتذمّر المستمرين، والمبالغة في النقد الجارح وجلد الذات، حتى يصبح ذلك ملازماً له لا يقوى على فراقه، متناسياً قول الله - تعالى -: {وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237]، ثم يبدأ بالتفلت من المسؤوليات والتهرب من الواجبات تدريجياً، ثم ينغمس بعد ذلك بأعماله الدنيوية الخاصة وارتباطاته الأسرية والاجتماعية التي قد تنسيه تطلعاته الدعوية السابقة.
ولو أنه حين رأى قصور إخوانه حرص على الإصلاح والتصحيح بإشفاق ورحمة ونَفَس طويل، وأخذ يدفع بالتي هي أحسن؛ لنفع الله به كثيراً، لكنه أغار عليهم بالتقريع، وصال عليهم صولة المحاربين.(13/238)
ولو أنه حين هجر إخوانه أو تشاغل عنهم قدَّم لنفسه ولأمته بديلاً نافعاًَ يتزود به في عاجل أمره وآجله لكان الأمر هيناً؛ فأبواب الدعوة مشرَعة لكل محتسب جاد، والعبد الصالح مبارك أينما كان، وقد يُفتَحُ له في أبواب من البِر ما لا يُفتح له في أبواب أخرى. لكن ألا ترون معي أن سواداً كبيراً من أولئك الإخوة يحكي واقعُه غيرَ ذلك؟!
يؤلمني ـ والله ـ أشد الألم عندما أرى أحد الصالحين ممن كان ذات يوم من روّاد الدعوة، المتحمسين للبناء والتربية، الذين يسابقون إخوانهم على مقدمة الصفوف عطاء وبذلاً وعملاً، ثم أراه بعد ذلك وقد طارت به الدنيا بهمومها واشتغل بأمور أخرى. نعم! ربما بقي على صلاحه ـ والحمد لله ـ لكن أين هي همومه الدعوية؟! وأين همته وحيوته التي عهدناها منه؟! وأين مسؤولياته التي هجرها وأعرض عنها؟!
وربما يأتيك الجواب من بعضهم بالهجوم على إخوانه وتوبيخهم، وقد يكون بعض نقده صحيحاً، لكن هل الحل هو الإعراض والهجران؟! وإذا لم ُتجْدِ النصيحة؛ فهل الحل هو الانكفاء على الذات وترك العمل الدعوي بالكلية؟!
جميل أن يعمل الدعاة في مناخات تربوية خالية تماماً من القصور، لكن هل هذا ممكن في الواقع؟ ولِمَ لا نسدد ونقارب قدر الإمكان، وننظر إلى الخير الغالب؟ وبالتأكيد لا أطالب هنا بترك النقد والتواصي بالحق، لكن لا أرتضي تضخيم المشكلات، ولا أرتضي لغة التقريع والتوبيخ باعتبارها اللغة الوحيدة في التعامل مع مشكلاتنا.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===============
الداعية والتحرك الذاتي
إسماعيل رفندي
المعنى الاصطلاحي:
ما يدفعك إلى فعل الشيء دون دعم خارجي، وذلك قياس لكل الموازين وفق متطلبات خاصة، المتعلقة بكل (ذات) في معايشته وبقائه مع الواقع الملموس.
المعنى الحركي:
لا ينبغي أن يكون تحركهم ونشاطهم أي الدعاة ناتجا عن تأثرهم بالمربي وشخصيته فقط، وإنما يجب أن يكون نابعاً من ذاتيتهم وإيمانهم بضرورة العمل فهذا من شأنه أن يحفظ عليهم عطائهم وبذلهم مهما تغير الظرف وتبدل.
لذا يجب على المربي أن ينتبه لذلك، ويغرس في نفوس الذين يعملون معه دافع الذات والإيمان.
أهداف الموضوع:
1) تكوين الشخصية الفعالة المتحركة رغم وجود العوائق والظروف الصعبة ورغم عدم وجود التسهيلات.
2) وبهذه العملية أي (التحرك الذاتي) تحصل على شهادة الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى امتيازات ربانية مثل..الغربة الإيجابية والإخلاص..والجرأة وأخوة الرسول عليه الصلاة والإسلام.
3) تكوين من يفجر الطاقات ويشحن القلوب بالإيمان
4) تكوين الأخ القدوة، في ميدان المبادرة والدعوة والعمل الصالح.
5) تكوين الشخصيات الجماهيرية ورموز الدعوة العامة.
6) تكوين معالم ومشاعل الهداية.
7) تكوين القيادات الميدانية في كافة المجلات.
8) تكوين قيادات الضرورة إذا أستدعى الظروف والواقع.
9) لاشك أنهم هم الذين يقومون بأدوار صعبة.
10) ولا شك أنهم هم صناع الحياة والإبداع.
دوافع التحرك الذاتي
أولاً: الهمة العالية أو علو الهمة، و الاعتماد على منطلق (بالهمة نصل إلى القمة) ولا شك أن الهمة هي الباعث للفعل والدافع للعمل والحركة.
((أقوال في الهمة التي نعنيها))
أ - الشيخ عبد القادر الكيلاني يقول: " همك ما أهمك فليكن همك ربك عز وجل وما عنده "، ويقول: " سبحان الذي ألقى في قلبي نصح الخلق وجعله أكبر همي ".
ب - ويقول ابن قيم: " ولله الهمم ما عجب شأنها واشد تفاوتها، فهمة متعلقة بالعرش وهمة حائمة حول الانتان والحش ".
ج- ويقول المودودي: " إنه من الواجب أن تكون في قلوبكم نار متقدة تكون في ضرامها على الأقل مثل النار التي تتقد في قلب أحدكم عندما يجد ابنا له مريضاً ولا تدعه حتى تجره إلى الطبيب أو عندما لا يجد في بيته شيئاً يسد به رمق أولاده فتقلقه وتضطره إلى بذل الجهد ".
د- ويقول المثل " ((همُّك ما أَهمَّك وخواطرك من جنس همِّك))
(دور الهمة في أداء الرسالة)
1) تحقيق كثير من الأمور العظيمة مثل:
* الرسول عليه الصلاة والسلام وبناء خير أمه في أقل من ربع قرن.
* أبو بكر الصديق ومواجهة المرتدين وما نعي الزكاة واستطاع أن يكسر حلقه الحصار في أقل من سنتين.
* عمر بن عبد العزيز والقيام بعملية التجديد الفعلي إلى ما كان عليه الجيل الأول.
* الإمام محمد بن عبد الوهاب وإخراج الجزيرة العربية من الشرك.
* الإمام البنا.. أصبح بمنهجه الدعوي الإصلاحي التربوي مثالاً حياً منتجاً متحركاً لا يعرف الكسل والفتور والتراخي وكان يدعوا ليل نهار إلى الصراط المستقيم ويقول بالهمة الربانية: " أحلام اليوم حقائق الغد ".
2) الارتقاء في مدارج السالكين والوصول إلى مراتب عليا من التربية الروحية.
3) القدرة على التحكم في النفس وتربية الذات وذلك لأداء الرسالة كاملة وشاملة
4) صاحب الهمة العالية يستطيع أن يستثمر وقته أكثر من أي شخص كان، استثماراً بناءً ومثمراً.
(وسائل تربية الهمم)
1) المجاهدة المستمرة المتوازنة لتحقيق الواجبات.
2) التوكل والاعتماد المطلق على الله مع استعمال الأسباب المشروعة.
3) البرمجة المستمرة لتطوير الهمة
4) التقرب من أصحاب الهمم العالية.. صداقة وملازمة وتلمذة.
5) المحاسبة الدائمة وفق برامج التطوير.
6) تجنب الأمور المحبطة والمؤثرة سلباً على الهمم.
ثانيا: الشعور بالمسؤولية والتلذذ بالتعب الدعوي(13/239)
1- ومنطلقنا في هذا الدافع تدور حول الحديث النبوي الشريف (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، ومسؤولية الدعوة من أكبر المسؤوليات خاصة لمن احس بروحه واعتقد به اعتقاداً راسخاً ربانياً، لا يمكن أن يهمل أو يتهاون في هذه المسؤولية سواءً كان بمفرده أو في جماعة ربانية، لذا يجب " أن يكون في مستوى المعركة التي تواجه الإسلام وأن يكون في إيمانه أثبت من الرواسي وفي فهمه أعمق من الحجج وفي صبره أقوى من الشدائد ".
" وأن يتولد لديه شعور ذاتي بأنه مسؤول عن الإسلام ويجري في عروقه إحساس رباني بالتكليف "
2- " وأن يوصل الداعية إلى غايته بدعوته و إيمانه وإقناعه بها وكفايته فيها وانقطاعه إليها بجميع مواهبه وطاقاته ووسائله وذلك هو الشرط الأساسي والسمة الرئيسية للدعاء " أو كما قال أبو الحسن الندوي.
ثالثاً: تعظيم ثواب هداية الأفراد في نفس الداعية ولا شك هذه المسألة تؤدي إلى الحرص على هداية الناس وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام كثيرة في هذه الشأن:
(لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) وفي رواية: (من الدنيا وما فيها) وفي رواية: (مما طلعت عليه الشمس).
(من دل على خير فله مثل أجر فاعله).
(من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً).
وفي حديث الرسول عليه الصلاة والسلام حول ضمان الأجر واستمراريته بعد الموت: (إذا مات ابن انقطع عمله إلا ّعن ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
الحصول على صفه الأحسنية: {ومن أحسن قولاً مما دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} حين قرأ حسن البصري رضى الله عنه هذه الآية قال: " هذا حبيب الله.. هذا ولي الله.. هذا صفوة الله.. هذا خير الله.. هذا أحب أهل الأرض إلى الله.. أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحاً في إجابته.. هذا خليفة الله "
هكذا يجب أن يعرف الداعية دوره في ذاته وفي ميدانه وأن يتحرك وفق الأوامر الربانية دون فتور و انقطاع.
رابعاً: التحرق لواقع الإسلام والمسلمين، و متابعه ما يجري وما يحدث
1- الغزو الفكري والأهداف الرئيسية من وراء كل المحاولات مثل:
منع روح الإسلام من الانتشار.
ضرب الإسلام من الداخل.
تمكين الاستعمار الغربي.
خلق مواطن الخلل والتوتر في البلاد الإسلامية.
2- الواقع الحالي والعالم الإسلامي (مثل أفغانستان العراق البوسنة والهرسك فلسطين الشيشان... ) والمضايقات المستمرة على الصحوة الإسلامية في كافة أنحاء العالم الإسلامي.
3- الاهتمام بالدعوة والدعاة
1) والاقتداء بالنبي الأكرم (حيث لم يخرج إلى الهجرة إلا بعدما خرج المسلمون)
2) والتفكر في قصه الرجل المؤمن {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}.
خامساً: الفهم الصحيح والمتحرك والعملي لكتب فقه الدعوة خاصة وكتب المكتب الإسلامية عامة
1- يجب التميز بين المطالعة السطحية والعميقة.
2 - استحضار المعاني الروحية والعملية في الدراسة.
3- المعايشة مع تجربة المؤلف.
4 - التدرج في الدراسة والخصوصية والأفضلية لبعض الكتب.
سادساً: تكثير خلوات التأمل مع كتاب الله والسيرة النبوية والسنة المطهرة 0
* القران الكريم
التأمل في قول الله تعالى: {إن هذا القران يهدي للتي أقوم} {أفلا يتدبرون القران أم على قلوب أقفالها}
إذا فعلينا: القراءة والترتيل.. التدبر والتأمل.. الفهم والتفسير.. الحفظ والتطبيق.. المتابعة النظرية والعملية.
ـ دراسة تفاصيل القرآن (من عقيدة وعبادة وقصص وتاريخ وعلوم ومعارف).
* السيرة السنة المطهرة:
وفي ذلك نقول كما قال الصحابي الجليل معن بن عدي رضي الله عنه حينما قال الصحابة بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام: ليتنا ميتنا ولم نشهد موته! فقال معن: أما أنا فما أحببت أن أموت قبله، قالوا: لِمَ؟ قال: لكي أصدّقه ميتاً كما صدقته حياً {وما محمدا إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل}.
هكذا يجب أن نفهم ونؤمن به عليه الصلاة والسلام بسيرته وسنته
وأن ندرس مراحل حياته ودعوته في كل صغيره وكبيره وأن نجعله ميزاناً لا فعالنا وحركاتنا.
العوامل المساعدة للتحرك الذاتي
1) عمق الإيمان وحسن الصلة بالله وعدم إهمال جوانب التزكية والتربية الروحية.
2) الدقة في فهم الدعوة ومراحلها ومفرداتها.
3) حب الخير للناس ومساعدة الآخرين.
4) الاستعداد للتضحية بكافة أنواعها.
5) الاعتراف بالتقصير.
6) اتخاذ الإحسان مبدأ في الحياة وفي العمل.
7) الاجتهاد في أن يعمل بكل عمل يؤدي إلى جلب مصلحة المسلمين ودفع الضرر عنهم.
8) الصبر على مشقة الطريق والتأني في تطبيق الخطوات.
9) عدم اليأس من المدعوين.
10) عدم اليأس أمام ضربات الأعداء ومكايدهم.
--------------------
مصادر ومراجع للموضوع وللتقوية في هذا المجال
1) تفسير ابن كثير
2) المصفى من حياة الدعاة – جزء 2، 1 عبدالحميد البلالي.
3) مفاتيح التعامل مع القرآن صلاح الخالدي.
4) صفات الداعية النفسية عبدلله علوان.
5) الحرص على هداية الناس فضل الهي.
6) الهمة الطريق إلى القمة محمد موسى الشريف.
7) جولة في ذات المسلم خليفة التونسي.
8) بناء الذات المسلمة حسين محمود.
9) الوقت عمار أو دمار جاسم محمد.
10) الرقائق محمد أحمد الراشد.
11) الغزو والفكر عبد الصبور شاهين.
12) مشكلات الدعوة والداعية فتحي يكن.
13) طريق الدعوة الإسلامية جاسم المهلهل.
14) نحو جيل مسلم محمد عبدالله الخطيب.
18/ 09/ 2005(13/240)
http://islameiat.com المصدر:
=============
من نور النبوة
من صفات المؤمن:
1- عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: » المؤمن غِرٌّ كريم، والفاجر خَبٌّ لئيم « [1].
[صحيح سنن الترمذي، 2/187].
2- عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: » يحرم على النار كل هين لين قريب سهل «.
[صحيح ابن حبان، 1096-الترمذي، 4288] 3- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: » المؤمن لا يُلسع من جُحر واحد مرتين « وفي رواية: » لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين « [2] [أخرجه البخاري ومسلم].
------------------
(1) قال صاحب جامع الأصول: الغِرّ: الذي لم يجرب الأمور لسلامة صدره، وحسن الباطن والظن في الناس، فكأنه لم يجرب بواطن الأمور، ولم يطلع على دخائل الصدور، فترى الناس منه في راحة، لا يتعدى إليهم منه شر، والخب: الخداع المكَّار الخبيث.
(2) قال الخطابي:يلدغ: بالضم على وجه الخبر ومعناه أن المؤمن هو الكيّس الحازم الذي لا يُؤتَى من جهة الغفلة، والمراد به الخداع في أمر الدين ولا في أمر الدنيا.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============
مسيرة الصحوة تتكامل بنصح العلماء وشباب الصحوة بعضهم بعضا
رضا أحمد صمدي
ليس يخفى على أحد أن الصحوة تعاني خللا في الكثير من جوانب مسيرتها، وليس ثمة من شك أن الإنسان مهما بلغت رتبته في العلم عرضة للخطأ والزلل، والسعيد من اعتبر بخطأ غيره، وانتصح بنصيحة سواه.
والنصيحة التي نطمع أن تكون سمة ظاهرة في الصحوة هي النصيحة المتكاملة التي تبطن الإخلاص وحسن القصد، وسلامة النية وطهارة الطوية، كما يجب أن تظهر بمظهر الشفقة والحرص على الإصلاح، ولذلك أحب دائما أن أسمي الناصح الشفيق بأن له حسا إصلاحيا، والناصح الصفيق بأنه ليس لديه حس إصلاحي.
قد يدلي الناصح الصفيق بكثير من الحق من فمه، ولكن كلماته تخرج محتوية الاتهامات واللمز والهمز والنبز بالألقاب لعلماء الأمة وقادتها (وأعني هنا دعاتها وقادة الصحوة الذين هم عندي أهل الحل والعقد على التحقيق).
مثل هذا النصح يولد ميتا، ولا ينتفع به لا الناصح ولا المنصوح، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، كيف كان يتلطف مع المنصوح لدرجة أنه أنكر على الصحابة عندما نالوا من الأعرابي الذي بال في المسجد وقال: لا تزرموه، أي لا تعكروه عليه بوله، وكل ذلك من كمال عقله - صلى الله عليه وسلم -.
يحكي أحد الدعاة أنه صادق أخا ملتزما، وزاره في بيته، فوجد أخا له أصغر منه لكنه غير ملتزم، فتوثق في المجلس بين الداعية وبين ذلك الأخ الأصغر نوع صداقة، فسأل الداعية الشاب الصغير: لماذا لا تلتحي فإن اللحية سنة، فسكت الشاب، ولما خرج الداعية خرج معه الشاب ليودعه، وأثناء سيره معه منفردين قال الشاب للداعية إنني فكرت مرارا أن ألتزم بدين الله وعزمت على ذلك، ولكن كان أخي الأكبر كلما رآني قال لي شكلك بدون لحية مثل القرد المسلوخ، فعنادا معه أغير رأيي وأصرف نظري عن موضوع الالتزام.
وهذا في حق فرد صغير في المجتمع، فكيف بمجتمع الصحوة كله لو جابهناه بالقبيح من الكلام والصفيق من النصح الثقيل.
كما أنه يجب أن يستقر في أذهان شباب الصحوة إن كل طرق الإصلاح مؤصدة بدون علم وعلماء، فقد قضى الله - تعالى -أن العلماء هم المفزوع إليهم عند الملمات، ونحن بدونهم ليست لنا شرعية، وشرعية كل جماعة تعمل لدين الله بوجود علماء بينهم يعملون على تصحيح مسيرتها، وتقويم اعوجاجها.
ومسيرة صحوتنا المباركة أيها الأخوة لا بد أن تنبع من هذه القناعة، وإلا فإنني أتصور هذه الصحوة بشباب يحتقرون علماءهم، ويظنون ظن السوء بقادتهم (دعاة الصحوة وقادتها أعني) أتصورها صحوة بدون مستقبل، تكتنفها المخاطر من كل حدب وصوب، والعامة تقول: الذي ليس له كبير ليبحث له عن كبير، وأنا أسائل كل الأخوة الذين تعرضوا لعلمائنا وأئمتنا: ماذا تكون الصحوة لو أخليناها من الألباني وابن باز وسلمان العودة وربيع المدخلي وسفر الحوالي وبكر أبو زيد ومحمد إسماعيل ومحمد حسين يعقوب وأبي إسحاق الحويني وغيرهم من أئمة الدين، هل سيكون قادتها مثل المقدسي وأضرابه، وأنا ليس بيني وبين المقدسي وأضرابه أي مشكل، وأنا أعتز أن يكون هو أو غيره ذخيرة لهذا الدين وحصنا لهذه الصحوة ضد مكائد أعدائها، لكن أن يكون هو وأضرابه الوقود الذي تحرق به الصحوة نفسها بنفسها، وتنحل بكيمياء أفكاره رموزها وعلاماتها المضيئة فهذا الذي لا يمكن أن يرضاه ويقبله أي شفيق وحريص على استمرار هذه الصحوة.
الصحوة الإسلامية أيها الأخوة قدر مقدور، وقد كانت الأمة على موعد مع هذه الصحوة في هذا الوقت من الزمان، أطلت الصحوة برأسها على حين غفلة من مكائد الأعداء، وبدون إنذار ولا إرهاص فرضت نفسها، وأجبرت الدنيا أن تستكين لواقع وجودها، فما من قوة الآن تملك أن تمحوها، بل يجب على العالم إما أن يرضى بقيادتنا له وإمساكنا بزمام مسيرة البشرية، وإما أن يحاول أن يكيف وضعه معنا بالحال التي لا تتعارض مع ثوابتنا وأصولنا، وإلا فإن المواجهة هي القدر المحتوم الذي تواثقنا عليه وتعاهدنا على المضي فيه، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.(13/241)
فليعلم الناس أجمعون أن دين الله - تعالى -لم يبل، بل هو باق خالد، وبقائه وخلوده ببقاء علمائه وحملته، من أئمة الدين ودعاته وقادته، ومجموع هؤلاء يعرف أن الحق معهم بتواطؤ مقاصدهم، وتطابق أهدافهم، وإن اختلفت تفاصيل المناهج، أو تباينت فروع التكاليف الحركية، لكن الهدف الأسمى لهؤلاء جميعا هو إعزاز الدين وجمع كلمة المسلمين، فمن دخل بينهم بفتنة ليزيد من الصدع بدلا من أن يرأبه، ويوسع الشقاق بدلا من أن يمنعه فإنه داعي فتنة يجب أن يحارب ويقاوم، وبمثل هؤلاء تتباطأ مسيرة الصحوة، فنسأل الله - تعالى -أن يقلل عددهم في أمتنا وأن يؤمننا شرهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://www.saaid.net المصدر:
=============
البرامج الدعوية
لقد أرسل الله - تعالى - رسله للأقوام وليس للأفراد، قال - تعالى -: (إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن انذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم..)..
1 -3 القبائل والأقوام
المفترض أن تندرج جميع النشاطات والمشاريع والبرامج ضمن خطة عامة تستهدف قوماً أو قبيلة بعينها، تكون لها أهداف محددة..
وبرامج الدعوة متعددة الأشكال والوسائل.. منها منا هو قصير ومنها الطويل، ولكل منها غايات ومقاصد.
فأما القصيرة فيه البرامج المحدودة في الزمان والمكان (برنامج دعوي بمناسبة وضع حجر أساس مشروع أو افتتاحية، المشاريع الموسمية والدعوة العامة في المساجد.. الخ).
أما البرامج طويلة المدى على التربية والممارسة الدعوية.
2 3: تربية الدعاة والشباب
التربية عمل طويل النفس، وهي ـ في عالم الأسباب ـ المعول عليها لبناء الأساس الذي يتحمل ثقل البناء.
ولابد من التخطيط لبرامج تربوية للدعاة النشطين، وليس فقط تنظيم الدورات الفقهية والروحية لهم، لأن أثر الدورات مكمل، وليس أساسي، وهو يهم الجانب الفقهي والثقافي الإسلامي.
ولما كانت المجتمعات الإفريقية متعددة الأقوام والقبائل والأعراق واللغات، كان لزاماً الاهتمام بتعدد برامج التربية آخذين في الاعتبار تخصيص الجهد وتوزيع الطاقات حسب درجات الأولوية التي قد يحكمها حجم قبائل، وقد تحكمها درجة تمكن الإسلام واستعدادات البذل والعمل لصالح الدين لدى هذه المجموعة أو تلك فتكون هذه المجموعات دفاعاً وعوناً على الدعوة وليست عبئاً عليها…
كل هذا يقدر بمعرفة البيئة معرفة صحيحة والتغلغل في ثناياها بالزيارات المسحية والإطلاع على الموروث التاريخي والثقافي والإطلاع على المراجع والبحوث المساعدة على إدراك أفضل للبيئة التي تعمل فيها المكاتب والعاملون..
وأفضل الطرق لذلك هو انتقاء الأفراد من الدعاة والشباب والمثقفين الذي لهم استعدادات الريادة والقيادة في مجالات الدعوة، والعمل معهم بمقتضى التربية والتوجيه السلوكي والروحي وبفقه الدعوة العملي المستمر، بحيث تتوازى التربية والممارسة معاً، ويكون الانتقاء من القبائل والأقوام للعمل بين بني جلدتهم.. والأصل في ذلك قول الله - جل وعلا -: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم).
3- 3: من كل قرية يتيم:
ومن الوسائل الفعالة لتكوين قيادات دعوية في المستقبل، استغلال مراكز الأيتام باختيار يتيم من كل رقية في المنطقة أو القبيلة المستهدفة ورعايتها بالتعليم والتربية في مرحلة أولى تدريبها على الخروج الدعوي المنتظم (وطريقة التبليغ مناسبة تماماً) في جميع الاتجاهات الممكنة انطلاقاً من المركز.
يمكن لاحقاً اختيار النابهين من هذه القيادات المختارة، وتنظيم برامج التأهيل الفقهي والدعوي لهم والتدريب بمستويات أفضل، ويمكن إدماج المتميزين منهم ضمن دورات الدعاة والأئمة والشباب.
http://www.labaik-africa.org المصدر:
=============
101 فكرة لبداية رائعة في التدريس
عبد الله عبد المحسن الحربي
سواءً بدأنا في التدريس مع طلاب مقررات السنة الأولى، أو مع طلاب مقررات السنوات النهائية فإنه يتوجب علينا أن نبدأ بتدريس المقرر بداية قوية ما أمكننا ذلك. الحماس للعمل في تعليم الطلاب يمكنه أن يعمل تغييرًا كبيرًا في الكيفية التي يستجيبون بها إلى ما يتعلمون وبالتالي في تقييمهم لمقرراتهم ومعلميهم.
القائمة التالية والمكونة من 101 فكرة تقدم عرضًا جيدًا لبداية ممتازة في التدريس. نحن نجزم أن المعلم لا يستطيع تطبيق كامل هذه الأفكار في عملية التدريس، لكنه سيأخذ بالبعض منها وهي بمنزلة وجبة طازجة من شأنها أن تخلق بيئة تعلم إيجابية داخل الفصل.
تكوين جوّ ترحيبي:
* ادخل الفصل مبكرًا بدقائق قليلة عن المعتاد وتحاور مع طلابك.
* حيّ طلابك في أثناء دخولك باب الفصل.
* ابدأ حصصك في وقتها.
* قدّم نفسك وطريقة تدريسك عن طريق الشرائح أو العروض التقديمية بالحاسب الآلي.
* ناقش تفاصيل توزيع المنهج مع طلابك.
* وفر الوسائل التعليمية التي تحتاج إليها.
* وضّح الساعات المكتبية وأعلنها لطلابك (خاص بمعلمي الجامعات).
* أعلن أسماء الطلاب المشاركين في جماعة النشاط التي ترأسها.
* ابحث عن الطالب الذي تلاحظ منه سلوكًا مختلفًا عن زملائه وحاول أن تحصل على معلومات أكثر عنه.
* وضح فلسفتك في التدريس لطلابك.
* اجعل طلابك يرون حماسك للمادة وحبك للتعلم.
* ابذل جهدًا لتحفظ أسماء عدد من طلابك كل يوم.
* كن على علم بوظائف طلابك إذا كانوا يعملون، وكم ساعة يعملون في الأسبوع، وما نوع الوظائف التي يعملون بها.
* أوجد معلومات أكثر عن طلابك بجعلهم يملؤون بطاقات تعريفية شاملة للمعلومات الشخصية.
* أجر استطلاعًا ديموغرافيًا بجعل الطلاب يتحركون إلى الأجزاء المختلفة من الفصل، المدرسة، الريف، المدينة.(13/242)
* شجع طلابك للتواصل مع زملائهم عبر البريد الإلكتروني ليناقشوا الواجبات وأعمال المقرر.
* كون مجموعات صغيرة للاطلاع وأعد تشكيل هذه المجموعات مرات عديدة.
* نظم مجموعات تعاونية من الطلاب ليساعد بعضهم بعضًا في التعلم.
* شجع الطلاب لتكوين مجموعات دراسية تعمل خارج غرفة الصف.
* زر مواقع الإنترنت الخاصة بالمعلمين لتقابل طلابك على أرضية صلبة من الخلفية الجيدة عن أساليب التعامل معهم.
تكوين جوّ إيجابي:
* اجعل ضمن المحتوى ليس توزيع المنهج فقط بل كثيرًا من التفاصيل من أول يوم تعطي فيه.
* تابع حضور الطلاب للفصل من خلال الكشف أو التوقيع على ورقة الأسماء، أو بحصر الكراسي الخالية في غرفة الصف.
* اشرح لماذا هذا المقرر ضروري ومهم ومشوق، وأخبر طلابك عن اهتماماتك البحثية في موضوع المقرر.
* اجعل الطلاب يكتبون توقعاتهم عن المقرر وما يهدفون إليه من تعلمهم.
* ضع عددًا محددًا من الأنظمة الأساسية تأخذ في اعتبارها الغياب، والعمل المتأخر، وإجراءات الاختبارات، والتدرج، والسلوك المتوقع (مثلاً: الشرب، الأكل، استخدام الجوال، الإزعاجات المختلفة) وأكد على تطبيق هذه الأنظمة.
* أعط الواجبات من أول يوم واجمعها في اللقاء الذي يليه مباشرة.
* ابدأ تجاربك المعملية أو أي تمارين أخرى في أول لقاءات المعمل.
* أرسل التنبيهات (المكتوبة والمنطوقة) حول: الذي يجعل التطبيقات المعملية جيدة مثل: إكمال العمل المطلوب إنهاؤه، الإجراءات، التجهيزات، النظافة، الصيانة، الأمان، طلاب الدعم أو المساعدة، الاستخدام الأمثل لوقت المعمل.
* أخبر الطلاب كم من الوقت يحتاجون ليدرسوا هذا المقرر.
* اشرح كيفية عمل الواجبات التي تعطيها الطلاب، واشرح كيفية تقديرك للأعمال المتوقع الحصول عليها من الطلاب.
* ضع عينة من أسئلة الاختبارات ووفر إجاباتها النموذجية لطلابك.
تشجيع التعلم التفاعلي:
* تحرّك حول الفصل لتشغل الطلاب وتمنع السلوك غير المرغوب فيه مثل الأحاديث الجانبية بين الطلاب.
* استخدم الاتصال العيني مع الطلاب واختر الطلاب بالأسماء للإجابة عن سؤالك، ونبه الآخرين ليكونوا جاهزين للإجابة عن السؤال التالي.
* ابدأ المحاضرة بالكلمات المتقاطعة، الأسئلة، العكوس، الصور، اللقطات الكرتونية على شرائح العروض التقديمية لجذب انتباه الطلاب إلى موضوع الدرس. استخدم وسائل متنوعة خلال الحصة: جهاز العرض فوق الرأسي، شريط فيديو، كاسيت، نماذج وعينات لمواد مختلفة.
* خذ وقتًا مستقطعًا من الحصة (لا يزيد عن عشرين دقيقة) تحكي فيه قصة مرتبطة بموضوع الدرس، أو تربط الموضوع بحدث جار يحدث في المجتمع أو العالم.
* استخدم طرقًا متنوعة في تقديم الحصة أو الدرس: المحاضرة، التعلم التعاوني في مجموعات صغيرة، المناقشة،...، إلخ.
* شجع الطلاب على تقديم آراء مختلفة حول الموضوع الواحد.
* إذا كنت تقدم فيلم فيديو، فكر في عمله بطريقة الرواية، مثلًا قم بإعداد أسئلة ووزعها على الطلاب ليفكروا في إجابتها أثناء مشاهدة الفيلم، أوقف الفيلم للمناقشة، استبق نهاية الفيلم بسؤالهم عن توقعاتهم نحوها، وزع أوراقًا على طلابك لانتقاد الفيلم، أعد تشغيل الأجزاء الضرورية من الفيلم.
* استخدم لعب الأدوار (التمثيل) لتوضيح نقطة أو مناقشة قضية.
* أعط الطلاب الفرصة لطرح الآراء حول موضوع الدرس.
* أعط طلابك وقتًا لإجابة الأسئلة، عدّ من واحد إلى عشرة بطريقة صامتة بعد إلقاء السؤال لتمنح طلابك فرصة للتفكير في الإجابة.
* اطلب من الطلاب أن يسألوا أسئلة واجعل زملاءهم يجيبون عنها.
* اطرح أسئلة لمتابعة الطلاب في الدروس السابقة.
* أعط الطلاب بطاقات ملونة يحمل كل لون موضوعًا معينًا، واطلب من الطلاب التصويت لاختيار لون معين لمناقشة ما يحويه من موضوع.
* استخدم أسلوب توليد الأفكار أو جلسات العصف الذهني لتوسيع مدارك طلابك.
* اعتمد الاختبارات والتمارين المتدرجة في درسك لترفع من مستوى تعلم طلابك.
* أعط طلابك أعمالًا جماعية يشترك فيها عدد من الطلاب بعضهم مع بعض.
* أعط طلابك مشكلة متعلقة بموضوع الدرس لحلها كواجب منزلي.
* اجعل الطلاب يطبقون الموضوع المقرر لحل مشكلة حقيقية.
* شجع طلابك على إحضار خبر عن أحداث جارية مرتبطة بموضوع الدرس.
* اسأل طلابك عن الذي يحدث في الدولة أو المدينة مما له علاقة بما يدرسون ويمكن أن يكون له تأثير في المستقبل.
* اطلب من طلابك كتابة أسئلة على بطاقات لتجمع وتحل في الحصص القادمة.
* اطلب من طلابك الاطلاع على الدوريات الأسبوعية المرتبطة بالمادة، أسأل أسئلة ودعهم يجيبون عنها من خلال هذه المنشورات الأسبوعية.
* اجعل طلابك ينتقدون أعمال زملائهم، ويوضحون نقاط القوة والضعف لبعضهم البعض.
* ضع صندوقًا للمقترحات في آخر غرفة الصف وشجع الطلاب على أن يضعوا فيه ملاحظاتهم المكتوبة.
تشجيع الأعمال المبدعة:
* أعد التوقعات الجيدة واسأل الطلاب عن رأيهم فيها.
* اشرح للطلاب الفرق بين التعاون المشروع أو المسموح به وبين الغش، وضح متى يكون التعاون مناسبًا ومتى يكون ممنوعًا.
* ابدأ الدرس بمراجعة سريعة لما سبق، أنهِ كل درس بعرض سريع لما ستقدمه في اللقاءات القادمة.
* أثر تساؤلات واهتمامات طلابك في بداية الدرس، واكتبها في قائمة على السبورة لتجيب عنها خلال الدرس.
* اجعل الطلاب يدونون ما يرونه مهمًا أو النقاط الرئيسة للدرس الذي ستقدمه.
* اجعل طلابك يدونون في نهاية الدرس أهم ثلاث أفكار استفادوها منه.
* أعط طلابك اختبارًا قبليًا لتعرف خلفياتهم عن الموضوع الذي ستحدثهم عنه.(13/243)
* حاول إشراك طلابك بالقراءة، والكتابة، والاستماع، والتحدث في كل حصة.
* شجع طلابك لينتحلوا دور الخبير في الأنظمة، الفيلسوف، الناقد الأدبي، عالم الأحياء، أو المهندس.
* وزّع قائمة من المشكلات التي تحتاج إلى حل واجعل الطلاب يختارون إحدى هذه المشكلات للعمل على حلها.
* وضح أهداف التعلم لكل واجب تكلف به طلابك، واشرح شرحًا واضحًا ماذا يتوجب عليهم أن يفعلوا خلال المقرر ككل.
* أعط الطلاب قطعتين تتناولان موضوعًا معينًا من وجهتين مختلفتين واطلب منهم المقارنة بين وجهات النظر المختلفة.
* ضع الطلاب في مجموعات زوجية (خلايا التعلم) ليختبر بعضهم بعضًا فيما تعلموه من درس اليوم.
* أعط دقائق قليلة للطلاب ليشرح بعضهم لبعض موضوع درس اليوم.
* أعط دقائق قليلة للطلاب ليشرح بعضهم لبعض موضوع درس اليوم.
* أكد على تنقيط وتلخيص موضوعات القراءة الصعبة.
* قدم فرصة لعمل «بطاقات استطلاع» عن طريق كتابة ملاحظات على بطاقات مقاس 3X5، واجمعها ثم أعدها لتستخدم في الاختبار.
* اعمل مصفوفة ذاكرة (جدول غير مكتمل)، واطلب من الطلاب أن يكملوه بشكل جماعي (اثنين، اثنين)في الفصل.
* أعط الطلاب العديد من الفرص للتدريب على الاختبار قبل الاختبار النهائي.
* خذ في الاعتبار إعطاء الطلاب مجموعة من الاختبارات لتكون إعدادًا للاختبار.
* أعط اختبارًا مبكرًا في بداية الفصل الدراسي، ثم أعد تصحيحه لطلابك وعلق على الأخطاء التي وقعوا فيها بشكل عام.
توفير الدعم:
* اجمع أرقام هواتف طلابك (خصوصًا الهواتف النقالة) وأخبرهم أنك ربما تحتاج للتواصل معهم (هذه الفكرة خاصة بمعلمي ما بعد المرحلة الثانوية).
* ما أمكن، كن ملمًا بأسماء الطلاب ذوي الغياب المتكرر، اتصل بهم أو بلغ المرشد الطلابي أو الأكاديمي عنهم.
* بيّن لطلابك أنك مستعد لمناقشة أي صعوبات تواجههم، خصوصًا الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.
* وجه طلابك للمراكز العلمية المتخصصة التي تساعدهم على اكتساب المهارات الدراسية.
* في حالة توفير تعليمات للدعم في مقررك، شجع طلابك على الأخذ بها.
* شخص مستوى طلابك وما يحتاجون إليه من فرص تعلم عن طريق توزيع استبيان أو إجراء اختبار قبلي وإعادة التغذية الراجعة لهم في أسرع وقت ممكن.
* سلّم أسئلة الدراسة أو دليل الدراسة لكل ممثل مجموعة في المقرر (خاص بمعلمي ما بعد الثانوية).
* كرر قراءة العناوين الرئيسة للمادة ثلاث مرات على الأقل.
* اسمح لطلابك بالتقدم في عملية التعلم: اختبار سريع على درس اليوم، انطباعات مكتوبة عما قدم في هذا الدرس.
* كافئ الطلاب الذين يصدر عنهم السلوك المرغوب بالشكر والتقدير أو بالكتابات الشخصية.
* استخدم اللمسات الخفيفة: ابتسم، قل نكتة جيدة، اكسر روتين الاختبارات من خلال إعطاء الطلاب واجبات بديلة.
* وفر جدولًا لاستخدام الوسائل التعليمية.
* استخدم أمثلة متنوعة لتوضيح النقاط والمفاهيم المهمة.
* شجع طلابك على طباعة مواعيد المقررات المهمة على بطاقات.
* كن حاضرًا قبل أو بعد الحصة لتلقي ملاحظات طلابك حول موضوع الدر س.
كن فعالًا ومؤثرًا طول الوقت:
* استخدم مجموعة من المصادر في تدريسك: المسرحيات، الحفلات، وكالات الدولة أو المنطقة، المؤسسات الأهلية، الجهات المهنية، والرحلات الخارجية.
* افحص جدول المدرسة أو الجامعة الخاص بالعروض التقديمية ومدى ملاءمته لمحتوى المقرر.
* اتصل بالإنترنت لأخذ قوائم أسماء الطلاب ومعرفة الحذف والإضافة.
* استخدم صور الطلاب للتعرف على أسمائهم في الأعمال المكتوبة.
* إذا رغب الطلاب التحدث عن الفرص الوظيفية، أرسلهم لمكاتب الإرشاد المهني أو برامج التأهيل المهني.
* خذ مقترحات الطلاب حول المصادر الخارجية والضيوف المتحدثين عن موضع المقرر.
* أخبر طلابك عن موعد قراءتك للبريد الإلكتروني المتضمن رسائلهم كل يوم.
* استخدم الردود التلقائية لكل الطلاب عندما لا تكون موجودًا على التليفون أو على الإنترنت.
* احتفظ بملاحظات مختصرة عن توزيع المنهج وما تخطط لعمله كل يوم.
* اجمع ملاحظات التغذية الراجعة لواجبات الطلاب في الأسابيع الأولى من الفصل الدراسي لتحسين عملية التدريس والتعلم.
* تحدث مع الآخرين في القسم الذي تدرّس فيه حول المقرر الذي تنوي تقديمه للاستفادة من ملاحظاتهم.
http://www.almarefah.com المصدر:
============
لماذا الهموم أخيتي ؟؟؟
همتي لأمتي
كثرت في الآونة الأخيرة شكوى كثير من الفتيات من قلة الرزق في الزواج، فهناك من الفتيات من تقتلها نظرات الشفقة والرحمة من مجتمع لا يرحم، قد سلمت نفسها للهموم والأحزان وربما وصل الحال ببعض الفتيات أصلح الله حالهن إلى إهمال الواجبات الدينية!!!
لماذا كل ذلك من أجل دنيا فانية، لماذا تسلمين نفسكِ للهموم والأحزان، كوني شجاعة، انتظري الفرج من رب منان ومن ثم تأملي قول الشاعر:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج
ذللي الصعاب فما استسلامك ِ لليأس إلا ذل ومهانة وهذا ليس من أخلاق المؤمن الحق وتذكري أخيتي أن الله عز وجل لم يخلقنا عبثاً ولم يخلقنا لأجل دنيا فانية وقصور زائلة ولم نخلق لأي شيء آخر سوى عبادة الله عز وجل
فإن حرمتِ من لذة فانية وراحة زائلة فلا تحرمي نفسك ِ من لذة أبدية خالدة في جنة الفردوس (إن الحياة لمن تقدم صامداً) شامخاً لا تزعزعه مصائب الدنيا يراها صغيراً أمام مهمته التي قدم لهذه الدنيا من أجلها ألا وهو التزود للمعاد (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)
فبادري لإنقاذ نفسك ِ وتذكري دوماً قول الله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله)(13/244)
وما أروع ما قاله الداعية عائض القرني:
(لا تحزن وأنت تملك الدعاء وتجيد الانطراح على عتبات الربوبية وتحسن المسكنة على أبواب ملك الملوك ومعك الثلث الأخير من الليل، ولديك ساعة تمريغ الجبين في السجود)
نحن لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً وكل ذلك بيد الله يرزق من يشاء ويمنع من يشاء
كلمة أخيرة أوجهها إليكِ أخيتي في الله:
1) تقوى الله في السر والعلن قال الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب)
والتوكل على الله وحده قال الله تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)
2) الإكثار من الاستغفار قال الله تعالى: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ٍ ويجعل لكم أنهاراً)
وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب)
3) اللجوء إلى الله عز وجل والدعاء بأن ييسر الله لك ِ أمر الزواج وتحري أوقات إجابة الدعاء
قال الله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم:
(ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الأخير من الليل فيقول: هل من سائلاً فأعطيه، هل من داعي فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له)
4) إذا ضاقت عليك ِ نفسك ِ وضاقت عليك ِ الأرض بما رحبت اجعلي نصب عينيك ِ
قول الله تعالى: (وفي السماء رزقكم وماتوعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون)
كتبت هذه الكلمات لكي أخفف قليلأ من الحزن والألم الذي ينتاب كثير من الفتيات
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان
http://www.saaid.net المصدر:
============
فكرة دعوية للمساجد ( 12 ) وجبة الطعام لمن لا....
عبد الله القحطاني
في بعض الأحيان يوجد بيوت لا تعرف المسجد ولا تعرف الصلاة، فمنهم من يسكن بجانب مساجدنا أشهر وسنوات ولم نبالي بهم، ولم ندعوهم بالتي هي أحسن، ولذلك حق علينا أن نعينهم على أنفسهم بطرق دعوية غير مباشره، ومن ذلك إكرامه بوجبة طعام تخصه من أجل أن يحس بوجوده في حيه ويشعر بأن لديه مكانه بين أفراد مجتمعه..
والفكرة / أن يسهم الداعية أو إمام المسجد في إقامة وجبة طعام باسم جماعة الحي لأي رجل لا يشهد جماعة المسجد من أجل أن يكون ذلك سببا في صلاته مع الجماعة..
ملحوظات:
• أن يتفق الداعية أو الإمام مع جيران الحي على هذه الطريقة مع أي فرد لا يحضر الصلاة في المسجد.
• يجب أن يُشْعِرَ أفراد الحي هذا الرجل الذي لا يشهد صلاة الجماعة بوجوده المؤثر في الحي.
• لا ينبغي أن يستعجل أفراد الحي في مواجهته بوجوب مبادرته للصلاة وإنما يكون ذلك وفق خطة مدروسة.
• لا نستعجل النتائج.
• لو تبرع 20 رجل في الحي على الإهتمام بهذا الموضوع فلن تبلغ التكلفة على كل شخص أكثر من 30 ريال في حال أن الوجبة قيمتها 600 ريال.. وهذا يعتبر شيء بسيط عندما نتأمل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خيراً لك من حمر النعم).
• ينبغي أن لا يشعر هذا الرجل بأن هذه الكرامة من أجل أنه لا يشهد الصلاة في المسجد، بل يُعَلَلُ ذلك إما بسكنه الجديد أو بوجود مولود له جديد أو أنه يحتاج إلى واجب منذ زمن... أو غير ذلك.
• يذكر الإمام أو الداعية جيران المسجد بأهمية الصلاة، ووجوب صلاة الجماعة، ووجوب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و الأجور المترتبة على مثل هذه الطريقة في الدعوة.
• يقوم الداعية أو الإمام بحصر أسماء الذين لا يصلون في الحي من أجل أن يقوم بالترتيب لدعوتهم، ولا يكون ذلك بطريقة معلنة.
• لابد أن يدخل في ذلك سكان الشقق من العزاب، أو العمال الذين لا يشهدون صلاة الجماعة في المسجد..
وأخيراً /
لنتقي الله عز وجل في إخواننا الذين لا يشهدون الصلاة معنا، ولنكن عونا لهم على أنفسهم بدعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة...
http://www.saaid.net المصدر:
============
فاعل خير دوت كوم !
محمد جمال عرفة
الأيتام الفقراء والمرضى محل اهتمام المجموعات البريدية
"صحبة خير"، "مجموعة ثواب" "مساعدة. كوم"، "مجموعة قافلة الخير"، "مجموعة كفالة اليتيم"، "مجموعة دواء"، "مجموعة سنابل البر"، "مجموعة قافلة الخير"، "موقع Need4Blood للتبرع بالدم"، "دليل المصريين لعمل الخير"، هذه المجموعات جزء من قرابة 250 مجموعة بريدية تسعى لعمل الخير تقربا إلى الله وأغلبها على موقع "ياهو جروب"، وبدأت تنتشر بشكل كبير بين المصريين كنوع من التكافل الاجتماعي.
المجموعات التي تشارك فيها فتيات وسيدات وشباب من أعمار مختلفة قسم كبير منهم من الطبقة الغنية أو المتوسطة، تسعى لفعل الخير دون انتظار أجر أو ثواب، وتشارك في أنشطة عديدة تتراوح بين تجهيز شنط مدرسية وأخرى معبأة بالأغذية لموسم بدء الدراسة ولشهر رمضان المبارك توزع على الفقراء، والتبرع بالدم، وتجهيز العرائس غير القادرات وغيرها وشعارهم هو الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".
هذه المجموعات التي بدأت تظهر بتوسع منذ عام 2003، تتبادل أنشطتها عبر البريد الإلكتروني والمجموعات البريدية. ويتم من خلال الإنترنت ترتيب وجمع المساعدات لتوزيعها أو ترتيب أنشطتها. ويتميز أفرادها بأنهم نشطاء للغاية ويحرصون على المشاركة في كل الأنشطة في وقت واحد.(13/245)
وتقول "مها" المشرفة على مجموعة "صحبة خير" والتي تعمل في مجال العلاقات العامة بـ"إسلام أون لاين. نت": إن هناك إقبالا طيبا من المشاركين على فعل الخير أينما كان، وإن مجموعتها التي بدأت نشاطها في يناير 2004 بها قرابة 2000 عضو يساهمون في كل أنشطة الخير المختلفة ويشاركون مع أندية اجتماعية وصحف في ترتيب احتفالات جماعية لعرائس يتم تجهيزهم على قدر ما يستطيع الأعضاء، بينما يقول مشرفون على مجموعات أخرى إن عدد المشاركين في مشاريع الخير لديهم يقترب من 3 آلاف.
وتضيف مها أن آخر نشاط لهم كان حفلا أقيم يوم 24 أغسطس 2005 لتجهيز 20 عروسا من غير القادرات تم تسليمهن أدوات منزلية. وتم تسليم أجهزة طبية إلى "مستشفى أبو الريش" بالقاهرة بما يعادل 24 ألف دولار.
مشروع الروبابيكيا!
مجموعة أخرى قالت: "نحاول أن نساعد كل فتاة يتيمة أو فقيرة مقبلة على الزواج ولا تستطيع توفير الاحتياجات الأساسية بداية من الأثاث حتى فستان الزفاف أو بدلة الفرح". وتدعو الجماعة الزوار قائلة: "ساهم في مشروع الروبابيكيا..بإمكانك الحصول على الثواب بإذن الله من خلال تجميع الأشياء البسيطة التي أنت في غنى عنها في بيتك أو مقر عملك يوميا وبسهولة جدا وبدون أي مجهود... من خلال تجميع البلاستيك والورق والكارتون والزجاج الذي تستخدمه في منزلك يوميا ويزيد عن حاجتك، سيتم إعادة تصنيع هذه الأشياء واستخدام أموالها في مشاريع خيرية، وبذلك نعاونك على التخلص منها وتعاوننا على الخير وتكسب الثواب بأقل مجهود".
"شنطة" رمضان
مجموعة ثالثة قالت: "بمناسبة حلول شهر رجب وقرب حلول شهر رمضان المبارك... نود أن نتسابق إلى الخير فيه، وأن نقدم لكل أسرة محتاجة شنطة تحتوي على مواد تموينية تكفيها لهذا الشهر الكريم". وتقدم المجموعة شرحا لكيفية تنفيذ هذا وتؤكد أن المطلوب إعداد مليون شنطة على الأقل على مستوى مصر.
ونشطت مجموعة أخرى لإعداد "شنطة" للمدارس قائلة: "بدأنا مشروع المدارس السنة اللي فاتت ومن فضل الله قدرنا نساعد في سداد مصاريف أولاد غير قادرين في مناطق مختلفة وكمان وفرنا كشاكيل وكراسات وأقلام، والمرة دي حنحاول نوفر شنطة مدرسية متكاملة وحنركز على مرحلة ابتدائي ثم إعدادي وثانوي، والشنطة في حدود 20 جنيها غير اشتراكات المدارس، وهنركز على حالات الموظفين غير القادرين من خلال الإخصائيين الاجتماعيين بالمدارس".
لو عندك وظيفة..
ولا يقتصر عمل المجموعات على تقديم المساعدات بل إنها تسعى للقضاء على البطالة من خلال البحث عن وظائف للمحتاجين من الشباب وتوجيهه إليها من خلال مشروع "لو عندك وظيفة.. قلها" الذي يتلخص في جلب كل عضو ما عنده من وظائف يعرفها أو يسمع عنها وتوجيه آخرين للبحث عن الشباب الذي يرغب في شغل هذه الوظائف أو توفير وسيلة للاتصال بصاحب العمل.
زيارة الأيتام
إحدى المجموعات ركزت اهتمامها على الأيتام وقالت للأعضاء: "ده يا جماعة أول إعلان عن زيارة الجمعة 2 سبتمبر 2005.. حنروح دار نور الرحمن للأيتام إن شاء الله وفيها 35 ولدا وبنتا من سن 4 أشهر لحد 8 سنين، الدار في (شارع) فيصل، والدار محتاجة ثلاجة وأدوية أطفال وبامبرز".
وغالبا ما يذهب أعضاء المجموعات المختلفة لزيارة أطفال في دور الأيتام أو المستشفيات وقضاء يوم كامل معهم وهم يحملون معهم الهدايا والملابس والأطعمة، ويتطوع بعضهم لعمل أراجوز أو سيرك لإسعاد الأطفال، بهدف إشعارهم بمشاركة الآخرين لهم، كما يتبرع آخرون بالاتصال برجال أعمال وراغبي العمل الخيري للتنسيق معهم لشراء الاحتياجات أو غيرها سواء بالنيابة عن المتبرع أم بواسطته هو شخصيا.
وتعتبر هذه المجموعات الخيرية غير الساعية للربح والتي تستهدف عمل الخير تطورا لفكرة "نشطاء الإنترنت" التي انتشرت في صورة مجموعات بريدية تقترب من أكثر من 2000 مجموعة بعضها ذات اتجاهات خيرية وأخرى ذات طابع سياسي، والبعض الآخر ذو طابع اجتماعي أو نسوي أو شبابي أو حتى متعلق بالأطعمة والمشروبات والأزياء والذين وجدوا في الإنترنت فرصة كبيرة للحرية والتواصل عبر العالم.
http://alshaab.org المصدر:
================
مهارات الاتصال وبناء العلاقات ( 1 )
قال ابن منظور في لسان العرب: وصل وصلت الشيء وصلاً وصله، والوصل ضد الهجران ووصل الشيء إلى الشيء وصولاً وتوصل إليه انتهى إليه وبلغه.
وقال أبو بكر الرازي في مختار الصحاح: وصل إليه يصل وصولاً أي بلغ، والوصل ضد الهجران والوصل أيضًا وصل الثوب والخف وصلة أي اتصال وذريعة، وكل شيء اتصل بشيء فبينهما وصلة.
وقال الأصفهاني في مفردات الألفاظ الاتصال: اتحاد الأشياء بعضها ببعض كاتحاد طرفي الطائرة ويضاد الانفصال.
عزيزي القارئ:
أنت الآن على موعد مع مهارة من أهم المهارات التي تتعلمها في حياتك ويتوقف عليها جزء كبير من فاعليتك وتأثيرك ونجاحك في الحياة إنها مهارة الاتصال مع الآخرين.
لقد نجحت البشرية في الحقبة الأخيرة من الزمان في تطوير آلات الاتصال من هاتف فاكس وجوال وانترنت وغيرهم حتى سمي عصرنا هذا الذي نعيش فيه بعصر الاتصالات وتطورت الحياة البشرية كثيرًا بتطوير وسائل الاتصال، وهكذا أيها القارئ ستتطور حياتك كثيرًا إذا طورت أدوات اتصالك أنت مع الآخرين.
يقول د/ إبراهيم الفقي: 'الاتصال كالوميض مهما كان الليل مظلمًا فهو يضيء أمامك الطريق دائمًا'.
وقد بدأنا الحديث في هذا الباب بالتعريف اللغوي للاتصال ومن خلاله نستنتج ثلاث نتائج أولية:
1ـ أن الاتصال يحتوي على صلة أي علاقة بينك وبين من تتصل به.(13/246)
2ـ أن الاتصال يقتضي البلاغ وهو توصيل ما تريده إلى الآخرين بصورة صحيحة.
3ـ أن الاتصال يعني الاتحاد وهو الاتفاق والانسجام مع الآخرين.
وحول هذه المعاني تقول أخصائية العلاج الشهيرة فرجينيا ساتر: ' الاتصال هو عملية أخذ وعطاء للمعاني بين شخصين ' وتقول أيضًا: 'إن الاتصال باختصار هو إقامة علاقة مع الشخص الآخر'.
إن هذه التعريفات جيدة للغاية إلا أن أفضل تعريف وصلت إليه هو ما ذكره الدكتور عوض القرني في كتابه 'حتى لا تكون كلاً' فقال عن الاتصال: 'سلوك أفضل السبل والوسائل لنقل المعلومات والمعاني والأحاسيس والآراء إلى أشخاص آخرين والتأثير في أفكارهم وإقناعهم بما تريد سواء كان ذلك بطريقة لغوية أو غير لغوية'.
ثم يتابع قائلاً: والاتصال له ثلاثة عناصر رئيسية:
1ـ المرسل 2 المستقبل 3ـ الرسالة
وحتى تكون عملية الاتصال ناجحة ومؤثرة لا بد من توافر شروط النجاح في كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة ومن الجدير بالذكر أن عملية الاتصال تمر وفق خطوات محددة لا تتم أي عملية اتصال بدونها نذكر هذه الخطوات بإيجاز:
1ـ وجود رغبة وحافز لدى المرسل وهذا يستدعي أن يكون له هدف واضح.
2ـ تحديد صيغة الرسالة ولا بد أثناء ذلك من توقع رد فعل المستقبل: والرسالة الناجحة هي التي تجيب على خمس أسئلة:
أـ ماذا أريد من هذه الرسالة؟
ب ـ متى أريد ذلك؟.
ج ـ أين أريده؟
د ـ كيف أريد أن يتحقق؟
ه ـ لماذا أنا أريده؟.
3ـ إنجاز الرسالة فعلاً وتنفيذها على أرض الواقع.
4ـ استقبال المرسل إليه لرسالتك.
5ـ رد فعل 'المستقبل أو المرسل إليه تجاه رسالتك وهو الهدف الذي تسعى لبلوغه والوصول إليه.
إذن تستخلص مما مضى أن الاتصال حتى يكون ناجحًا لا بد من ركنين أساسين:
1ـ إقامة علاقات قوية مع الآخرين والتوافق معهم.
2ـ نقل المعلومات والأفكار إلى الآخرين والتأثير فيهم بما تريد.
18جمادى الأول 1426هـ
26 يونيو 2005م
http://www.islammemo.cc المصدر:
============
رسالة مقترحة لمن بين إخوانه وأخواته مشكلات
علي بن صالح الجبر البطيح
إلى الأخ العزيز أو الأخت العزيزة/ - حفظه الله - تعالى -...السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أكتب إليك هذه الرسالة والتي خرجت من صميم القلب للأسباب التالية:
1 محبتك لأنك أخي الغالي والعزيز والحبيب.
2 لأن الله - تعالى -أوجب النصيحة فيما بيننا.
3 لعلمي أنك تفهم جيداً، ولا يقفز إلى ذهنك أيّ تفسير آخر.
4 لم أكتب إليك بأيّ ضغط من أيّ جهة أخرى وإنما ما أملاه عليّ ضميري فقط.
5 ما لاحظته من تباعد العلاقة بين الإخوة والأخوات في الآونة الأخيرة وبشكل ملحوظ.
6- مما أثّر على والديّ وأرى ذلك في عينيهما وصحّتهما.
7 التناقضات في علاقات إخواني وأخواتي والتي لا يجد الجيل الجديد من أطفالنا تفسيراً لها.
8 اطّلاع بنات الناس (زوجاتنا) وبعض أبناء الناس (أزواج أخواتي) على ما يظهر لهم مما خفي من أحوالنا.
9 تطاول بعض إخواني وأخواتي على بعض بعبارات لاذعة بقصد أو بغير قصد أمام الجميع.
10 إخبار الوالدين بكل ما يحدث وإيغار صدريهما نحو الطرف الآخر، مما لا يجد له الوالدان متنّفساً غير الدموع.
11 حيرتي في ما يرد من أولادي الكبار الناضجين مما لا أجد له تفسيراً أحياناً كثيرة.
الرسالة: لعلك فهمت جزءاً منها (هل يعجبك ما عليه إخوانك وأخواتك؟؟ ) قد تقول: لا، لكن ما الحل؟
الحل بيدك.كيف؟ المطلوب منك ما يلي:
1 لا تتحدث مع الوالدين عن أيّ شيء يجري بينك وبين أحد من إخوانك أو أخواتك، ولعلك تعرف من بينك وبينه خصومة، حتى وإن طال العهد بها.
2 إذا حدثت مشكلة بينك وبين أحد من إخوانك فلتعالجها سرّاً في منزله بعيداً عن الأطفال، لأنه سُمع - إذا حدث ذلك فعلاً - عن أحد الأطفال يناجي طفلاً آخر يقول: خالي لا يحبّ أمي.. إلى آخر تلك العبارات البريئة.
3 إذا أحد مسّ أيّ أحد من إخوانك أو أخواتك بسوء فردّ عليه مباشرة وصحح خطأه ولا تدع له فرصة للتطاول.
4 إذا حدّثك أحد الأطفال عن أحد أعمامه أو أخواله فافرح بحديثه، وأظهر حبّك أمامه للطرف الآخر، حتى وإن كان بينك وبينه ما يكون بين الإخوان والأخوات من خصومات، والبيوت لا تخلو من المشاكل.
5 اتصل دائماً عبر الثابت والجوال ولو بالشهر مرّة، إن لم تتم الزيارة لمنزله أو لمنزلها.
6 ودّع المواقف القديمة من غير رجعة احتساباً لله - تعالى - لأنك مأجور بذلك حتى وإن كنت صاحب حق.
7 صحيح أن الإنسان أحياناً يتملكه الغضب فينسى نفسه، لكن عليه أن يتذكّر أنه جنى على جيل من الأطفال الذين يلحظون ما تزلّ به الألسن وتبقى في ذاكرتهم، فاتق الله - تعالى - فينا وفي أطفالنا لأننا أسرة واحدة ولا فرق في المشكلة أكانت معي أم مع غيري، فالمشكلة مع أحد إخواني أو أخواتي أعتبرها معي، لأننا لحمة واحدة لا تنفصل.
8 أعرف أسراً ليسوا على قلب واحد من المشكلات التي تدور بينهم، ولكنهم مع ذلك لا ينقطعون بل في كل ليلة خميس يجتمعون، وكأن شيئاً لم يحدث، وأطفالهم ينعمون بالأمان في رحابهم، فعلى أقل تقدير لنكن مثلهم.
9 أنا لا أحاسبك وليس لي ذلك، ولكن أقول من عندك يبدأ التغيير، ولا تظن أنك المخاطب وحدك، بل خاطبت غيرك ممن بينهم وبين غيرهم سوء تفاهم عفا عليها الزمن، وهو مشروع إصلاح بدأت به اليوم معك، وكلي أمل أن تجد كلماتي وقعاً في قلبك.
10 فكّر جيّداً بكلامي واقرأه مرة ومرتين وثلاثاً حيث لا يراك أحد وإذا انتهيت مزّق الرسالة إلا من قلبك.
11 سارع بعد قراءة الرسالة إرغاماً للشيطان بالاتصال والاعتذار على من بدر بينك وبينه شيء.. فهو أخوك / أو هي أختك.(13/247)
12 لو افترضنا صدود الطرف الآخر عنك حتى بعد اعتذارك، هل يعني هذا أننا نبادله بالمثل ونجعل الناس يستشرفون قضايانا، كلا بل يتوجب علينا الصبر حتى يملّ الصبر من صبرنا، وهذا من الابتلاء فأشد بلاءً الأنبياء فالأمثل فالأمثل بيتلى المرء على قدر دينه قال - تعالى - (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله يحب الصابرين) وما يدريك ربما: إذا لمس منك الطرف الآخر صدق المصالحة سارع إليها قبلك، واصبر على ما يبدر منه من جفاء وسوء ظن فأنت الكسبان بدءاً ونهاية، تحياتي لك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
http://www.saaid.net المصدر:
============
رسالة إلى المعلم
إبراهيم بن مبارك بوبشيت
الحمد له الذي رفع شأن العلم والعلماء فقال: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). الحمد لله الذي جعل في الناس بقية تدل على الخير وترشد إليه.
وأشهدُ ألا إله إلا الله شهادة تنجي صاحبها من المهلكات، وتوصله إلى أعلى الدرجات وتبوئه الجنات
يا رب حمداً ليس غيرك يحمدُ *** يا من له كلُّ الخلائقِ تصمدُ
أبوابُ كلِّ ملك ٍقد أُ وصِدَت *** ورأيتُ بابك واسعاً لا يُوصدُ
وأشهدُ أن محمدا ًعبده ورسوله صلى الله عليه وسلم خير الأنام ومعلم الإنس والجان والمرسل إليهم بأكمل بيان
صلّى عَليك اللهُ يا علم الهدى *** واستبشرت بقدومك الأيام
هتفت لك الأرواحُ من أشواقها *** وازَّيَّنت بحديثك الأقلامُ
ورضي الله عن آله الكرام وأصحابه مصابيح الدجى في الظلام ومن تبعهم بإحسانٍ بلا توانٍ وإمهال.
أما بعد:
أيها المسلم:
فهذه رسالة من طالب أُرسلها.
فعلى ماذا تدور؟ وعن ماذا تتحدث؟ ولمن وجهت إليه يا ترى؟؟؟ ؛؛؛
فهل هي من رسائل الحب والغرام التي بدأت تعج بها الساحة؟ أم رسالة تطلب مصلحة من مصالح الدنيا؟، فإذا بالجواب يقول: لا.
أم هي رسالة من ولدٍ لوالده؟، أم موجهة لمسؤول؟ فإذا بالجواب: لا.
إذن ما هو خبرها؟ وما سبب إرسالها؟.
وإذ بالرسالة قد خرجت من قلب هذا الطالب إلى من كان سبباً في سعادته الحقيقية بعد الله تعالى بنماء عقله وتفتح ذهنه وزيادة علمه. رسالة إلى من عايش معه شطراً َمن حياته، فاقتبس فيها هدياً من هديه وسمتاً من سمته واقتفى أثراً من أثره، رسالة لمن كان سبباً بعد اللهً في علمه وتعلمه، من كان يمضي معه ما يقرب من ست(6) ساعات فلا تفارق عينه عينه ولاهيئته خياله.......
أو تراك قد عرفت المرسل إليه؟ إنها رسالة من طالبٍ قد تخرََّج وأنهى مرحلة التعليم وانتقل إلى مرحلة أخرى، أرسلها وفاءً وشكراً إلى ذلك المعلم الكريم المبارك. الذي طالما سكب دم روحه من أجل تعليمه حيث قال كاتبها...
(بسم الله الرحمن الرحيم)
أستاذي الكريم ومعلمي الفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد: فهذه رسالة من قلبٍ طالما غرست فيه بعض غراسك وزرعت فيه بعض زرعك، فرويته بمعالم فضلك ووهبته جميل هباتك
أستا ذي ومعلمي: كم كنتُ أغبطك على هذه المهنة العظيمة ذات الشرف في الدنيا والآخرة، كيف لا وهي مهنة الأنبياء وطريق المرسلين، ولقد كنتُ أتأمل قوله تعالى (هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون). فقلتُ في نفسي هنيئاً لك هذا الفضل.
فإذا جاء الناس يوم القيامة بالشاة والبعير والعمارات والعقارات والأموال والمراكب الفارهة التي جمعوها في الدنيا جئت أنت تحمل معك البقرة وآل عمران وأُناساً اهتدوا بهديك وتعلموا من علمك ونهلوا من فضلك قد نورت بصائرهم ونفيت عنهم الجهالات وأبعدتهم عن الفضلات. فكم حاربت إبليس وأبعدت طلابك عن التلبيس وخشيت عليهم من أن يكونوا مفاليس وبشراك
بشراك بحديث رسولك ومصطفاك، حيث قال: (إن الله وملائكته، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر، ليصلون على معلم الناس الخير). رواه الطبراني في الكبير والضياء عن أبي أُمامة وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وأحسبك أنك منهم إن شاء الله تعالى بصدق نيتك وإخلاصك لله تعالى.
معلمي الفاضل: إنك من المجاهدين بكل حقٍ وحقيقة فأنت على ثغرة من ثغور المسلمين فلئن كان المجاهد في ثغور البلاد يحميها من تسلط العابثين، ودخول المعتدين الذين يُزعِزعون أمنها ويولدون الرعب لها فأنت من أعظم المجاهدين فمن يحمي العقول من عبث العابثين ولوث العلمانيين وتحريف الغالين وينفي شُبه الزائغين..... إنه أنت يا أستاذي الكريم فالقرآن أمامك والتوحيد سلاحك والتفسير بيانك والفقه إمامك والتاريخ سندك والجغرافيا دليلك و الإنجليزي رموزك وألغازك وأساس كشف أسرار أعدائك و الجلوجيا وعلم الأرض فهما مجال تطبيق علمك والرياضة قوتك ونشاطك والمؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. والفيزياء والكيمياء هما مصدر الابتكار والاختراع من أجل القوة والغلبة ولا أنسى الرياضيات منمية العقول و الفهوم والإدراك إذ لا حراك إلا بوقود وهي وقودٌ للعقول العاملة والأفهام الثاقبة وقبل الختام فالحاسوب هو جهاز التكنولوجيا والذي أصبحت ترى العالم كله من خلاله وتخاطب من شئت بواسطته......
أيها المجاهد: استمع لكتاب الله تعالى وهو يخبر عنك(ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبير).
أستاذي الكريم معلمي الفاضل:
لإن افتخر المهندس برونق إنشائه وجمال إبداعه. وبرز الطبيب بفرط ذكائه وخفة أدائه لأعماله وارتفاع صيته وشهرته وازدحم الناس على عيادته، وظهر المخترع والمبتكر بجمال ابتكاره وذاع صيته في كل أرجاء بلاده،(13/248)
فلا أنسى ذخيرتك العظمى التي تدر عليك الحسنات مدراراً وتسجلها في ميزانك بلا عدٍ ولاحسبان، ذلك العالم الرباني وطالب العلم الهمام الذي قصد المصادر الربانية و المنح الإلهيه فحفظها وقام للناس موجهاً وللجهال معلماً وللمتعلمين معضداً فقام بالحق وبه يعدل. وذاك الشاعر الفصيح، واللغوي الرصين الذي نافح برصانة كلماته عن الإسلام وأثار حماس أهل الجهاد فكان بحقٍ حسانَ عصره وعليَ زمانه ومهما أطلعنا الفلكي على بعض اكتشافاته وعظيم استنتاجاته ومهما اعتلى الطيار في السماء، أو أجاد السباحة في الهواء والفضاء وتما يل بطيارته كتمايل طير الحمام بفرح الخروج مع ضوء النهار وبالغدو والإبكار. وذالكم القائد العسكري الذي أخذ العهد على نفسه بحما ية دينه ومليكه ووطنه سواء ً كان في البر أو البحر أو الجو.....
فيا استاذي: حُقًّ لك أن تفخر فهؤلاء ِكلهم وغيرهم كثير ٌو كثير بعض نتاجك (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون). فلئن تقاعد أي موظف عن عمله وانقطعت عنه تبعاته ونسي متطلباته واندثرت في الغالب بعض صلاته... فلا تنقطع صلاتك ولا تنتهي سنوات خدمتك فالكل لاينسى فضلك وإبداعك، فأنت مربي الأجيال لتعمر الديار وينتشر الأمان بسبب انتشار العلم وسعة الفهم وقوة البيان.....
أستاذي الكريم:
طالما طاردتُ الذكريات كلما تجاوزت مرحلة من المراحل لا تنسى فقد عشت معك سنوات الابتدائية الجميلة وغمرتني فيها بعطفك وحنانك وحظك لي على التعلم وأنت تكرر أول ما أرسل الله به رسوله صلى الله عليه وسلم قال له: (اقرأ بسم ربك الذي خلق () خلق الإنسان من علق *اقرأ وربك الأكرم*الذي علم بالقلم *). فنميت في قلبي حب التعليم وغرست فيه البر والمثابرة، ولما انتقلتُ إلى المتوسطة كانت وسطاً لحياتي فحظيتُ بالتوجيه، خصوصاً أني في مستقبل فتوتي وشبابي ولما انتقلت إلى الثانوية عرفتُ أن الحياة بلا علم ثانوية، فتعلمتُ منك أنها بداية الانطلاق والاختراع وأنها بلا إبداع تصبح عذاباً ولما انتقلتُ إلى الجامعة حظيتُ منك بكل معلومة جامعة بل ومانعة فبارك الله في علمك يا أستاذي وكساك الله حلل الكرامة........
فأنت يا معلمي:
زاد الطريق في ظمأ العلم وفشو مرض الجهل وسياج الأمان في كثرة السباع وسوء الأفهام و الحصن الحصين بإذن رب العالمين عند انتشار الشياطين، فالعلماء كواكبُ في السماء، فهم ورثة الأنبياء وسادة الشهداء تستغفر لهم حيتان الماء، وطيورالسماء، وتدعو لهم النملة وتستغفر لهم النحلة......
هذا هو العلم لاطينٌ ولاحجرٌ *** ولاخيلٌ ولاعيسٌ ولابقرٌ
هو النجاةُ هو الرضوانُ فاحض به *** وما سوى العلم ِلاعينٌ ولاأثرُ
فيا أستاذي الكريم:
يا من حملت راية العلم سنين وسنين حُقَّ لك هذا الوسامُ من الملك العلام (ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً).
أستاذي ومعلمي:
يا من أكن له خالص شوقي واحترامي ولذلك خط له بناني، لقد راجعتُ سجل الذكريات على مر المراحل والأعوام في تلك الليالي المظلمات فحظيت ببعض الأمور التي هي والله لسعي طالب الكمال لا لتلمس العيوب في الحديث والمقال وتصيد الأخطاء التي قد مضى بها غابر الزمان. فيا ستاذي الكريم: لم أنسَ ذلك الأسلوب الجميل الذي تعوّدناه منك ألا وهو: رحم الله امراً أهدى إليّ عيوبي وطالما كُنتَ تُشنّف آذاننا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم عن أبي رُقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قال لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم).
فإذا كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنصح لعامة المسلمين فكيف بمعلميها وناصحيها فلا تنسَ يا أستاذي أن أسرتي أسلمت لك مضغتها ودما ًمن دمها فاتقِ الله فيها صنها بالخوف من الله وعلمها مراقبته فبأخلاقك تتخلق وبسمتك تتسم
أُستاذي ومعلمي: لقد رأيتُ أن القدوة فيك في بعض الأحيان تنخرم والله يقول (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا). فأنت من أعظم الأئمة فأتعجب من أن قولك في بعض الأحيان لا يوافق الصواب فالكذب تنطقُ به والسب والشتم والاحتقار والاستهزاء صفة تتراوح عندك كتراوح الحر والبرد لقد تعجبتُ من أفعالك التي تنمي لتناقضك فتحثنا على استغلال الوقت وتنظيمه والعناية به وعدم إهداره ولقد تناقلت. الأخبار عنك من مصادرنا الموثوقة أنك صاحبُ سهر ووقت يقضى في الملاهي حتى أصبحنا نرى قلبك لاهياً. فلا تظن أُستاذي أني نسيت جميل نسائم نصحك ولكني خشيت عليك من قول ربنا سبحانه (يا أيها الذين ءامنوا لما تقولون ما لا تفعلون).
أنسيت ونحن و في سنين الابتدائية وأنت تعلمونا أركان الإسلام ومن ذلك الصلوات الخمس وكنت تحظنا عليها فتعجبتُ منك أنك تنقصها فلقد أخبرني والدي وبعض زملائك أن لا تشهد صلاة الفجر جما عة في المسجد على جهة الاستمرار والعصر في بعض الأحيان.
بل لقد لمستُ ذلك وأنت تشرحُ لنا حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم: أثقل الصلاة على المنافقين: (ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعصر) الذي رواه البخاري عن أبي هريرة فمررت عليه مرور اللئام فلم تعطِه حقه ولم تبين فضله.(13/249)
أستاذي: لقد تذكرتُ حديث سنن الفطرة، ذلك الحديث العظيم الذي ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عشرٌ من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية و السواك واستنشاق الماء وقص الأظافر وغسل البرامج ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء) يعني الاستنجاء قال الراوي نسيتُ العاشرة إلا أن تكون المضمضة، فتعجبتُ منك يا أستاذي أنك أعطيتها حقها ووفيتها شرحها فبارك الله في فيك وعلمك، ولكن لفت نظري وأبعد وسني أنك لم تعطِ أحد ألفاظ الحديث حقه ألا وهو ـ إعفاء اللحيةـ فلا تظن أني كلما رأيتها وقد أخذتها الشياطين أو احتوشتها الوحوش فأخذت من أطرافها فما بقي إلا الأصول فنسأل الله بقاء الأصول
وأنقلُ لك يا أستاذي كلاماً نفيساً لعالمٍ نفيس ألا وهو العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ قال في كلامه الثمين [وأما إعفاء اللحية وهو عدم التعرض لها بقصٍ أو حلقٍ أونتفٍ فلأن الله خلقها تميزاً بين الذكور والإناث وإظهاراً للرجولة والقوة ثم قال رحمه الله تعالى: فحلق اللحية حرام لأنه خروج عن الفطرة ومخالفة للرسل وأتباعهم وموافقة للمشركين وتغير لخلق الله تعالى بلا إذنٍ منه وليس إبقاء اللحية من الأمور العادية كما يظنه بعض الناس وإنما هو من الأمور التعبدية..... ثم قال ومن أعفاها من المشركين فإنه هو المتشبه بنا وليس نحن المتشبهين به.
أستاذي الكريم:
كم كان تعجبني هيئتك وجمال ملبسك الذي طغى على جمال درسك وتوصيل علمك فلقد آثارني حرصك العظيم على ملابسك وتجددها كل حين ولم أرَ تجدد وسائلك التعليمية أثناء الشرح.
بل يؤلمني أني أرى مادة جافة إنما هي نقل للمعلومات من الكتاب وما دام الحال هذا فلماذا لا تسجل المادة ونسمعها نحن وجميع الطلاب فكم كنت أتمنى أن أسمع سبب نزول هذه الآية والقصة التي فيها دون أن تكون مقررة في المنهج مستفيدين من المنهج العلمي الرائع الذي ابتكر لنا لأن الأجهزة الحديثة لها الأثر البالغ كما تعلم ولا يخفى عليّ أنها ليست في المنهج المقرر........
أستاذي وينبوع فؤادي: ـ
كم كنتُ أتمنى أن أرى مادة الجغرافيا مليئة بالإيمان إذا تحدثت عن الجبال وعظمتها والسماء وعظيم اتساعها والأرض وجميل إبداعها. فالسماء انشقت والجبال تفجرت وأخرجت الماء، والأرض انشقت ومُدت وألقت ما فيها وتخلت فربطت بين السحاب بالإيمان فهطل المطر، وحدث التبخر وكم هي تلك الظواهر الجغرافية التي تحتاج لربط بالقرآن و السنة ولكن عدم حرصك هو الذي جعل هذه المادة قائمة على الجمود.
ولا أنسى التاريخ يا أستاذي.....
فتعجبتُ من شرحك في مادة التاريخ حيث إنه لا يعدو المنهج المقرر و ذلك لأنك لا تعلم إلا ما يختص بمنهجك فقط دون أن يكون لديك علمٌ بأمور كثيرة عن التاريخ أَوَ نسيت ذلك اليوم الذي كنت تشرح فيه عن فتح مكة؟ ولما سألتك من خلف الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينه؟ قلت: لا يسأل أحدٌ خارج الدرس.......
أستاذي العزيز: ـ
اللغة العربية هي لغة القرآن الذي هو كلام الرحمن الذي أنزله الله: (بلسانٍ عربيٍ مبين). فما سببُ ضعفي وضعف غيري؟ إن من أسباب ذلك عدم كلامك الكلام العربي وسلاسة لسانك.
وأنا أعلم: أن من اللحن لا يصلحه سيبويه ولا يقيمه نفطويه، واسمع معي هذه الحكاية: كان جعفر البرمكي عند الرشيد كالمأمور فلما رفع المجرور ترك رأسه في البلاط يدور. وهذا أبو جعفر المنصور: لما رأى أبا مسلم يضم المكسور جعل سيفه في صدره كالضمير المستور...
فيا أستاذي: ـ لحن القول أهون من لحن الفعل فعظم النحو لأحبابي كفى بالنقص الذي وقع لي ولزملائي....
أستاذي وطريق وصولي......
لا أنسى الجلوجيا مادة العلم الجميل والخلق الفسيح فكم فيها من إعجاز الله تعالى فبين علم الأرض وما فيها من جبال راسيات وسهول وأنهار جاريات وكذلك أختها الأحياء وبها تعرف كيف كانت الحياة من معرفة علم الأجنة والنطف ومراحل التكوين لهذا الإنسان ساعة والأنسجة ساعة ولكن ذهبت بسبب عدم الإتيان بآيات التدبر والتفكر (فلينظر الإنسان مم خلق () خلق من ماءٍ دافق() يخرج من بين الصلب والترائب). الفيزياء والكيمياء مادة التصنيع والابتكار ذهبتا بعدم الحظ على الاختراع والابتكار، بل إن من المؤسف أن تردد دائماً أنه لا يوجد إمكانيات إن هذا لا يقوله صاحب همة وعزم ـوإذا لم يوجد الماء أجزأ التيمم وإذا لم يوجد صلى على أي حالٍ كان وما أجمل الرياضة لولا أن بعدها الرياضيات وبينهما تناقض في العبارات فصارت الرياضيات لا تعتمد على الفهم والاستيعاب.
فيا أستاذي الكريم:
كرر الدرس فالحظوُ بمسألة واحدة أفضل من ذهاب المسائل في خب كان فيصبح الخبر بلا مبتدأ.
وأما الرياضة فإنها حصة النشاط والحيوية فقد انتكس فيها الهدف فأصبحت تركز فيها على الأبدان وتركت العقول فأصبحت لا تتكلف شيئاً إنما هو رمي هذه الكرة جلدة السوء فقط دون بث روح النشاط في القلب والروح.
فيا أستاذي لماذا لا تذكرُ لنا سيرة سلمة بن الأكوع في غزوة ذي قرد وكيف كان يسابق الخيل ويده مثل خف البعيربدل سيرة الرياضيين الكفرة وتذكر لنا سيرة خالد وكيف كان في الجهاد دون ذكر المصارعين العرايا وما أجمل الإتيان لنا في بعض الأحيان بسيرة الرسول وكيف كان يسابق الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بدل الجريدة الرياضية في كل حين إذ في سيرته كل أخبار الرياضة وكم كنت أتمنى أستاذي أن تكون حصة الرياضة المليئة بالأنس والراحة فيها الحظ على اللباس الشرعي والبعد عن اللفظ القبيح والمنطق الذميم....
و لا أنساك أنت نعم أنت...(13/250)
يا من نقلت معارفي و ربطت إحساسي و مشاعري بجهاز يعتبر حبلاً موصولاً بالعلم
فيا أستاذي معلم الحاسب الآلي أنت المعني بالخطاب فلا تحد عن اتباع الصواب فإنه من أخلاق أولي الألباب فكم أتأمل تلك الأساليب و نحن في معمل الحاسب و أنت توجهنا بالهدوء في التعامل مع هذا الجهاز و الحذر من الخطأ و لو كان صغيراً فإن تأثيره عظيمٌ و أخذت أقلب صفحات قلبي و مكنون فؤادي.
فقلت: يا أستاذي تعجبت من الخبر الذي قال لي: إنك ليس عندك جهاز في البيت؟!!
و ذكرتني كلمتك بالتعامل بدقة مع الجهاز وتأثير الخطأ و إن كان صغيراً فقلت: أين نحن عن تأثير الذنوب التي تطمس على القلوب فلا تعقل الخير و لا تبصر الصواب و الله يقول ((و ذروا ظاهر الإثم و باطنه)).
و ما أجمل أن أرى منك يا أستاذي حثاً لزملائي و توجيههم بتسخير هذا الجهاز للخير خصوصاً وأني أراهم يسألونك عن بعض المواقع الإباحية و كيفية فك الحماية عن هذه المواقع و لم أرَ منك تمعّراً في الوجه لهذه الأسئلة المحزنة و لم أرَ منك نصحاً و إرشاداً لهم و حثاً على تصفح المواقع الإسلامية التي تحتوي على خطب و محاضرات و دروس مفيدة.
و لعلي أطلت عليك و لكن لا ألام فالكمبيوتر صاحب العقل المدبر عند الكثير من الناس و صار هو الصاحب و الصديق عند آخرين فسلب عقولهم و قصم وقتهم و استنزف أموالهم.
أستاذي الكريم:
و عندما كنت أتأمل تلك الرسومات و الأشكال جملة المحيا التي تسحر الناظر و توقف الماشي، و تمتلك تلابيب الفؤاد. لماذا لا يكون ذلك و هي نابعة من روحك قبل قلمك و من جمال خيالك قبل رونق ألوانك.
أستاذي و معلمي:
لقد أعجبني ما رأيته في غرفة التربية الفنية من شهادات حققتها و جوائز نلتها. و لكم كنت أنا و زملائي نسمع عن بعض الإبداعات التي كانت في حياتك سواء تلك المناظر الخلابة و الخطوط التي خطها بنانك.
و لكن آلمني أني لم أرَ ذلك ثلاث سنوات قضيتها معك في المرحلة المتوسطة خصوصاً و قد ذهبت أيام الابتدائية في رسم الشجر و السيارات فقط فلقد كانت حصة الفنية حصة الأعمال الشاقة من حمل أمتعة المدرسة و تنظيف الغرفة.
أستاذي و معلمي:
ما أجمل اختياراتك للألوان و حسن التنسيق بينهما متعجباً من عدم تناسق أخلاقك مع ذوقك فقلت: سبحان الله ((و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة)).
فتعجبت من طيشك في بعض المواقف و سرعة إيذاء لسانك قبل يدك.
و كم كان بعض الأساتذة يعيبون علينا عدم جمال خطوطنا و كلما أخبرناك بذلك لم تبدِ لنا حراكاً.
حتى تخرجنا من المتوسطة و لم ننل شيئاً ف ((إنا الله و إنا إليه راجعون)).
أستاذي
هذا بعض من نصحي، وحبي لك جعلني أكتبها لك، وطلبي لكمالك حرضني على توجيهك.
أستاذي
أنت علم الخير ورمز الهدى للسائرين، النظر إليك ليس كالنظر لغيرك، وصلاحك صلاح للجيل.
فما أصبت من خير فهو من الله وما أخطأت فمن نفسي، والله ورسوله منه بريئان وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
تلميذك البار
26/6/1422 هـ
http://www.saaid.net المصدر:
===========
بغية الوعاة في مواجهة اصطلام الدعاة
رضا أحمد صمدي
الحمد لله الذي أقام الدين على الأركان المتينة، وكلف حمايته والذود عنه سواعد رصينة، وسخر في سبيل إعلائه جنودا قوية رزينة، وأصلي وأسلم على قائد جند الإسلام محمد الهادي إلى السبيل القويمة الأمينة...وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم إلى يوم الدين.وبعد..
فمن أشد ما ابتلي به المسلمون في هذه الأعصار تنكر الخلق لهم، ومحاربتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والإسلام في كل صور المحاربة، بدا اشتدت النكاية حتى صارت هذه الحرب تدور رحاها في ديار الإسلام وفي محط رحال السائلين عن هذا الدين والباحثين عن الحق فيه...
ولما كانت محنة الدعاة قد اشتد سعارها، وزاد التنكيل بالعاملين لدين الله بدون جريرة اقترفتها أيديهم سوى أنهم يريدون إعزاز دين الله ونشر الحق الصراح بين الناس، كان لزاما علينا أن نكون مشاركين لهؤلاء الدعاة في محنتهم بكل أنواع المشاركة التي نستطيعها، امتثالا لقول الله تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)... وقد صح في الأثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل)...
وقد بلغت حالة الأذى بالدعاة حدا أصبحنا نخشى بها أن يصطلم الإسلام من أساسه، ويمنع الدعاة من استئناف زرعه وغراسه.. فأحببت أن أشارك الدعاة في هذه المحنة مذكرا الأمة بما يجب عليها فيما لو طالت المحنة دعاتنا وعلماءنا، وما ينبغي تجاه شباب الصحوة ورجالاتها في كل ميدان، ناصحا إخواني ألا يكونوا عالة على غيرهم في استلهام الحلول المنجية من الأزمات، بل يجب أن يكونوا عقولا مفكرة، وأذهانا متقدة، تسابق العدو وتطارحه المواجهة تلو المواجهة، ولا تلين لهم قناة في إرهاق العدو بكل سبل المواجهة التي تقل فيها التكلفة وتعلو فيها المكاسب والأرباح، متمسكين في نفس الوقت بمبادئ الإسلام العظمى، معتصمين بكل فروعه وأهدابه مفاخرين بمسلكنا في الدعوة والجهاد خلق الله أجمعين...
وإن هي إلا مراحل قصيرة، نطوي فيها العمل والكد والتعب، حتى يظهر دين الله ويعلو وتكون العزة للإسلام والمسلمين، ويفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء... وقد قسمت مبحثنا هذا إلى مقدمة وبابين وخاتمة، ولكل باب فصلان... وهذا أوان الشروع في المقصود... وقد سميت هذا المبحث اللطيف بـ: بغية الوعاة في مواجهة اصطلام الدعاة
مقدمة(13/251)
إن الدعوة التي نتحدث عنها هي الدعوة بكل معانيها، إذ يدخل فيها كل جزئية في دين الله تعالى نسعى لإحيائها في واقع مجتمعاتنا المسلمة.. فالمجاهد داعية، والشاعر داعية، والأديب داعية، والصحفي داعية، والمهندس داعية، والطبيب داعية، والصانع داعية، وكل من يقدم للمجتمع خدمة وإن دقت ونيته إعزاز الدين فهو داعية من الدعاة...
إن هذه النظرية أكدتها قديما في (ثلاثون طريقة لخدمة الدين) وكان المقصد من التأكيد عليها تجييش الأمة عن بكرة أبيها لتقوم بواجبها في خدمة الدين..
ليس من الحكمة أن نحصر مفهوم الدعوة والدعاة في المعنى التقليدي، وهو الرجل الذي تعلم العلوم الشرعية ويعمل في الشئون الدينية كالخطابة والدروس الدينية والفتوى ونحو ذلك، وإن كان هؤلاء لهم المقام الأسمى في سلم الدعاة، ولهم الرتبة العليا في منازل العاملين لدين الله...
بناء على ذلك فإن الغاية التي يجب أن ندركها جميعا أن تكون راية الإسلام هي السائدة والمهيمنة على المجتمع، وهذا يقتضي منا أن نستحضر جملة من الثوابت التي عليها نؤسس أولوياتنا أثناء التخطيط والتنفيذ...
هذه الثوابت أجملها في خمسة أمور مهمة:
الأول: لا تكليف إلا بمستطاع، والتضحية بالنفس والمال والوقت من أعلى مراتب الدعوة إلى الله..
الثاني: إذا تعارضت مصلحتان قدمت الأوفر مصلحة، وإذا تعارضت مفسدتان قدمت الأقل مفسدة.. والنظر في تقدير المصالح والمفاسد إلى من اجتمعت فيه خصلتان: العلم الشرعي، والتجربة الواقعية.
الثالث: العقيدة لب لباب المقاصد الدعوية وعليها مدار الغايات الآنية والنهائية، لأنها الأساس الذي بعثت من أجله الرسل وشرعت الشرائع، وأهم مقصد في المعتقد الصحيح توحيد الخالق سبحانه وتعالى وعدم الإشراك معه في العبادة بأي صورة من صور الشرك.
الرابع: الأصل في المسلمين الاجتماع، والخلاف طارئ، فواجب المسلم أن يسعى في درء الخلاف ما استطاع إلى ذلك سبيلا، والسبيل القويمة في درء الخلاف اتباع الدليل الصحيح ونبذ آراء الرجال، مع اعتبار الخلاف السائغ وغير السائغ، والذي ضابطه الأكبر احتمالية الأدلة...
الخامس: مساعينا يجب أن يحوطها النظام والتنسيق والتخطيط، وإذا كان هذا في وقت الرخاء واجبا ففي وقت الشدة أشد وجوبا، ويجب على من أراد العمل لدين الله تعالى أن يسعى سعيا صحيحا في السر والعلن، متخذا الأسباب معمرا ما بينه وبين الله تعالى..
هذه المقاصد الخمسة أرجو أن يستحضرها الأخوان أثناء قراءة هذه الأوراق، وأن يردوا مجمل ما فيها إلى المعيار في تلك المقاصد والثوابت، وأن يحاولوا الاجتهاد وتحريك الفكر في الخروج من كل مأزق، وألا يظلوا رهناء الظرف، حبيسي الفعل ورد الفعل، وأن تكون المبادرة في أيديهم وليست في أيدي عدوهم...
الباب الأول: نظرية التكامل.... بين التأصيل والتطبيق
الفصل الأول: الصحوة الإسلامية... ما محلها من الإعراب؟
لكثير من شباب الصحوة يتصرف كأنه قطب الكون، ويظن أن أفكاره وبنود منهجه هي الأساس الذي يجب أن تدور حول رحاها كل النظريات وكل الأنشطة والحركات.. ومثل هذا الغارق في الغرور، لا يمكن له أن يخطو خطوة في الاتجاه الصحيح إلا أن يتجرد التجرد الكامل تجاه الأمانة التي حملها، وأن يجعل الهدف الأسمى الذي يسعى إليه هو إعزاز هذا الدين وإعلاء رايته.. وأما لو خالط هذا الهدف حظوظ نفس، أو رواسب جاهلية أو استقطابات مصلحية فلن يقدم مثل هذا العامل أي شيء ذا بال لدين الله تعالى.
نحن نعتقد أن الكثير من الخلافات التي تدور رحاها في ميادين الدعوة وبين شباب الصحوة يمكن أن يحسم بلحظة تجرد عن الهوى، بيد أننا كثيرا ما نظن أن حميتنا لأفكارنا هي حمية للحق نفسه، ومشروعاتنا وتخطيطاتنا هي في سبيل إعلاء راية الحق والحق خلاف ذلك كله...
إن أكبر خطأ يقع فيه العاملون لدين الله تعالى في هذه الصحوة المباركة هي عدم لفت انتباه شباب الصحوة إلى القضايا الكبرى، وعدم صرف أنظارهم إلى المشروع الأكبر وهو هذا الدين نفسه، وأنه يجب أن يسود ويعلو ولا يعلى عليه...
مع أن هذا المعنى يظن البعض أنه واضح وضوح الشمس عنده، ولكننا نوقن بأن تصرفات الكثير من جيل الصحوة بعيد كل البعد عن هذا الوعي العميق.
إننا أحيانا نختزل الدين في رجل، وأحيانا نختزل العلم الشرعي في كتاب واحد، أو في قضية واحدة، وأحيانا نختزل الحق الصريح في مسألة واحدة عليها تدور رحى الإسلام، وأحيانا نختزل العداوة الدينية التي قررها الإسلام في أعداء وهميين، بل ونعادي من لم يعاديهم.. وكل هذا شطط، وخروج عن مسار العمل الدعوي القويم...
لا نكون مغالين إن قلنا: إن البعض لسان حاله يقول: الصحوة أنا وأنا الصحوة، والبعض يجعل نفسه قبلة الساعين ومقصد الباذلين، فإن كان السعي والبذل في فلكه أمن الساعون والباذلون من لسانه، وإن قصروا معه حصل العراك الذميم تشكيكا وتسفيها وتضليلا... بل وربما تكفيرا.
إن الله- تبارك وتعالى -أعلى شأن الدين، وجعله معيار المعايير، بل وجعله الأساس الذي نبني عليه حياتنا وحياة الناس من حولنا.. وعلى هذا المنظور يجب أن نحرك بوصلة العمل الدعوي.. فحيثما كانت مصلحة الدين وعلو رايته فثم وجه الله... أولم يقل الله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله).. وقال: (لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذي كفروا السفلى).. أولم يرد في الأثر: (الإسلام يعلو لا ويعلى عليه)..
أولم يقل عمر بن الخطاب: إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله...(13/252)
البعض يظن أن معركته الكبرى، وصراعه الأوحد في حياته أن يجعل الناس مقتنعين بمسألة واحدة أومسألتين أو حتى عشرة.. وينسى أن معاركنا مع أعداء الله تعالى أوسع مضمارا وأكبر إعدادا..
لنحاول أن نبصر مواطئ أقدامنا، ونتعرف على بُنَيَّات الطريق قبل أن نسير، وأن نتلمس أهدافنا الغائية والمرحلية، وأن نعاهد الله على خدمة الدين وإعلاء رايته، لا خدمة فلان أو منهج فلان أو فكرة فلان أو رأي فلان...
إن ذلك لن يحدث إلا إذا اكتسبنا مرونة قوية في التعامل مع كل الناس، حتى مع الكفار، ولا يمكن أن نوجه مسار صحوتنا التوجيه الصحيح ما دامت في قلوبنا قناعات مسبقة بأن الدعوة يجب أن تكون هكذا، وإلا فلا دعوة ولا عمل لدين الله...
إن دوائر الانتماء لهذا الدين واسعة وكثيرة... فهناك المسلم الذي له حظ من الإسلام الانتماء الأكبر الأوسع، وهناك المسلم المؤمن، الذي علا بعمله وتقواه واجتهاده، وهناك من وقع في البدعة والمعصية، وهناك من تمادى وطغا، وهناك من يعصي ويبتدع ويتوب ويرعوي، وليس كل أولئك سواء...
إننا لو تفهمنا هذه الدوائر فلن تختلط الأوراق معنا، فلا يمكن أن نخاطب عاميا نريده أن يصلي ويدع الخنا والفجور، لا يمكن أن نخاطبه خطاب طلبة العلم الشرعي من ضرورة التلقي عن العلماء والاجتهاد في تحصيل المعارف والعلوم... لأن المتلقي ليست لديه قابلية للتلقي أصلا...
هكذا الحال في أناس علما يقينا أن حالتهم في المعصية والابتداع ميئوس منها، فإن الأوفق لنا أن نكيف وجودنا الدعوي مع مثل هذه الحالات حتى لا تُستنزف طاقاتنا وتُمص دماؤنا من حيث لا ندري...
الذي يجعل الكمال هدفا في دعوته مخطئ، لأنه لم يكن هدفا للأنبياء والمرسلين، بل غاية هدفهم أن يؤمن من شاء الله له الإيمان، وحتى من آمن لم يكن الهدف أن يكونوا في الإيمان مثل إيمان الأنبياء والمرسلين... ومرد ذلك إلى تفاوت أحوال البشر، فكان التفاوت في الإيمان والعمل شأن لا مفر منه، فهناك الملتزم بشرع الله المحافظ على حدوده، وهناك المخل ببضعها، وهناك الطاغي العاتي لكنه معدود في الآيبين التائبين، وعلى هؤلاء تنصب جهودنا، ولا يعقل أن يكون همنا جعلهم في مستوى واحد من الإيمان والعمل.
وبين هذا المنحى وذاك، يجب أن ندرس الوضع العالمي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ونعرف الدور الملقى على عاتق الأمة في سبيل تبليغ دعوة الله تعالى..
كل هذا كفيل أن يبصرنا بموقع صحوتنا من الإعراب، والإعراب الإفصاح، هل نحن مفصحون عن أنفسنا بطريقة سوية حقة، أم أننا لا نعرف ما نريد، ولا نعرف ما يريده منا الإسلام، ولا نعرف كيف نتعرف على ما يريده الإسلام؟
إن النظرية المكينة، التي تجعل شباب الصحوة في حالة استقرار نفسي ومنهجي تجاهد دينهم، هي نظرية التكامل، فالاختلاف بين المناهج والأفكار والجماعات أقض مضاجع الدعاة والعلماء بل والشباب الغض الإهاب الذي ما فتئ يلتمس أي وسيلة ليبذل أي شيء في سبيل هذا الدين الذي أحبه وعاهد الله على نصرته.
التكامل معناها أن يشعر كل منتم للصحوة بأهمية الآخر وضروريته، وأن تتعانق الهموم ليتولد الهم الأكبر منصهرا في بوتقة هذا الدين العظيم، وأن نجعل للخلافات محلها المناسب وحجمها اللائق.
عكس نظرية التكامل: نظرية الإسقاط، وهي أن الجميع لا يصلح أن يعمل لدين الله، وأن كل من يقدم شيئا فهو محل تهمة، هذا لسان حال بعض المنتمين لهذه الصحوة، وبالتالي فهم غير مستعدين أن يقتنعوا أن غيرهم يعمل لدين الله أصلا، وإن عمل فعمله هباء منثور لا قيمة له لأنه لم يصطبع بمعيارهم... هل يمكن لهذه النظرة القاتمة أن تقيم للإسلام قائمة...
إن الرسول صلى الله عليه وسلم اكتفى من الناس بالتوحيد الظاهر، وقبل من المنافقين أن يقاتلوا معه، حتى كان منهم من يحسن البلاء في الجهاد فيغتر به المؤمنون، فينبه الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر... وقد استدان الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفار ليصلح شئون الدولة، بل وصالحهم وهادنهم، هذا في الآخر الكافر، فكيف بالآخر الذي أعتبره جزءا لا يتجزأ من هذا الواقع الدعوي الذي أنتمي إليه؟
لنتكامل... في الفكرة، والتخطيط، والنظرة، والعمل... لننسق الهموم، وننسق الاتجاهات، وننسق المراحل، وننسق البذل والعطاء... ومع هذا كله لا ننسى أن نتناصح، فيما نعتقد أن غيرنا أخطأ فيه، بالحسنى، بالموعظة الحسنة، بالكلمة الطيبة، بالتنبيه الرشيد، بالتنويه السديد... بالأخوة الإيمانية الراقية والصبغة العلمية الرصينة، بهذا كله، سنشعر أننا أمة كبيرة قوية... وبدون ذلك سنظل نشعر بالتشرذم، ولن تكون لنا بداية، فضلا عن أن تقوم لنا قائمة.
الولاء الكامل لا يكون إلا لمن تحقق فيه الاتباع الكامل للشرع، وهذا التحقق نسبي، لذلك يجب أن نعطي لهذا النسبي مساحة في التقدير عند الحكم على الآخرين.
ودائرة الحق واسعة، يدخل فيها من عنده بعض الحق، حتى تضيق على الحق الكامل، وهؤلاء هم الذين لهم الولاء الكامل، أما من له بعض الحق فله من الولاء بقدر الحق الذي معه، ونحن في حاجة أن نتواصى بالحق الذي عندنا، ففيه سبيل لدرء الباطل المتلبس بالحق، ولو أننا جعلنا الغلبة في التقدير لأي باطل تلبس به المخالف لم نجد للخير أعوانا في أي ميدان.(13/253)
إن الكثير من المعاني المتعلقة بهذا الموضوع لا يمكن أن تصاغ، وإن صيغت يصعب أن تمثل الغور المراد إيصاله.. لأنها مشاعر تشبه تلك المشاعر التي كان يشعر بها النبي صلى الله عليه وسلم إزاء الضالين الذين أرقوا النبي فلم ينم وأوشك أن يقتل نفسه أسفا على ضلالهم... ومثل هذا لا يوصف بل يجب أن يشعر به صاحبه بنفسه، والله الموفق والمعين.
إن المعاني التي قررناها آنفا هي من الأهمية بمكان، حتى يفهم شبيبة الصحوة حقيقة الدور الذي يجب أن يقوموا به في هذا الواقع المرير، واقع اصطلام الدعاة، الذي هو توطئة لاصطلام الدين من أساسه...
قد مضت دهور كان الشباب ينظرون إلى المشايخ والعلماء والدعاة أنهم هم المنقذ لما يعانيه الشباب من ضيق وتضييق.. وهل العلماء والمشايخ والدعاة إلا شباب أفنوا أعمارهم في العمل لدين الله؟؟؟ ومتى سيأتي دور الشباب ليقوموا بالواجب الملقى على عاتقهم؟؟؟ إن حمل المسئولية أمر لا مفر منه، وفهم هذه المسئولية شرط لا مرد له، والقيام بهذه المسئولية مع الفهم تحد يجب أن نعد شبابنا لمواجهته...
الفصل الثاني: الإمكانيات الدعوية.. بين الهَدْرِ والإهمال!
ليس هَذَرَاً أن نقول إن الصحوة الإسلامية استكملت عدة الصراع الحضاري، وهي مهيأة فعلا للقيام بالدور الأساس في هذا الصراع، ولا يمكن أن نتغاضى عن دور حقيقي تقوم به جموع الصحوة في كل مكان، بالمعنى العام للصحوة والذي بيناه في الفصل السابق، وليس بالمعنى الضيق الذي لسان حاله يقول: أنا الصحوة والصحوة أنا.
لقد ظلت الصحوة في الماضي رهينة الأزمة الداخلية، لقد كانت في صراع حقيقي مع نفسها.. ولم ينجها من هذا الصراع النفسي الذاتي إلا التحديات الكثيرة التي فرضت نفسها على واقع الصحوة...
كان كل تحد كفيل بأن يستأصل الصحوة، ولكن إذا به باعث حياة، ومثير همة، وحافز عزيمة.. وكم من مصيبة وأزمة حلت بالصحوة كانت سببا في إيقاظ الهمم والعزائم وتحريك نطاق السلطة والسيطرة للصحوة...
يفهم من هذا.. أن في نسيج الصحوة إمكانيات جاهزة، وفي المادة التي تتكون منها صحوتنا آلة البقاء.. فأين هي تلك المادة؟؟
أين هي الصحوة؟ إنها أنا وأنت، وهذا وذاك، وفلان وعلان، ممن أرقهم حال الإسلام فطفقوا يعملون بكل همة في سبيل إعادة الهيمنة لهذا الدين... إن الصحوة هي كل من يعمل لدين الله تعالى... هل كل من انتبه فوجد أن العدو يريد لنا الذلة والصغار، فنفض غبار الغفلة، وأخذ يجاهد في سبيل نصرة دين الله تعالى...
مع اتساع هذا المفهوم، إلا أننا لا ندخل فيه جزما من تلبس بكفريات واضحة صريحة، أو تعصب لبدعيات ظاهرة جلية، في المعتقد أو العبادات، لا ندخل فيها من يعادي إخوانه ويعتبرهم خونة للدين والأمة ويقطع كل سبيل لأجل توحيد الأمة، فلكأن النصر لن يتحقق إلا بالفرقة، ولكأن الهزيمة مرتهنة بالوحدة!... ونحمد الله تعالى أن غالب أولئك الذين وجدت فيهم تلك الانحرافات أعلنوا أنفسهم أعداء للصحوة، بل ووالوا العدو لاستئصال هذا الكيان الإسلامي الجديد الذي أشبه ما يكون بالمارد الذي خرج من قمقمه..
الصحوة فيها الأطباء والمهندسون والعمال، فيها الكبار والصغار، الطلبة والعلماء، فيها الأستاذ والتلميذ، فيها الأم والأب، فيها المرأة والرجل، فيها المجاهد والداعية، فيها المحدث والفقيه، فيها خبير الأسلحة وخبير الاستراتيجيات... فيها كل التخصصات حتى علماء الذرة، فالصحوة فيها من قام بهذا الشأن...
لكن أين هم؟؟؟ إنهم منثورون في كل أرجاء المعمورة... لا يربطهم رابط، ولا يجمعهم جامع، انتشروا في كل موقع وصقع، بعضهم يعمل، بعضهم طاقة معطلة وذخيرة غير مستعملة.. إنها إمكانيات كافية لإقامة الخلافة، بين عشية وضحاها، ومخطئ من يظن أن الصحوة تحتاج إلى إعداد وترتيب البيت من الداخل، لقد كان هذا في أول نشأتها، أما وقد مر عليها عشرات السنين، فإن علامات النضج بادية ظاهرة عليها، يحميها الوحي المطهر، ويسوسها العلم الشرعي متمثلا في العلماء الربانيين، ويحركها كل فرد من أفرادها.. ولكن النقص في التكامل والتنسيق والتخطيط...
هل هذه الأعداد الغفيرة من الصحوة ومن كل التخصصات كافرة بغايات الصحوة متنكرة للدور الذي تريد أن تقوم به لإعزاز هذا الدين.. كلا. ولكن العائق الوحيد هو أنه لا يوجد المنسق والمخطط والقائد والمدبر، الجميع ينتظر هذا المنقذ، ينتظر هذا الأعجوبة الذي سيجمع أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر سواء...
ونسينا أو تناسينا أن التكليف الشرعي لا يمكن أن يظل مرتبطا بالقائد والمدبر، فهاهي صلاة الجماعة، من حيل بينه وبين إيجاد الأمام صلى منفردا ولا إثم عليه، وحالة واقعنا أشبه ما تكون بتلك الحالة... فنحن نفتقد القيادة الكاملة، والرؤية الشاملة، فنظرا لعدم وجود القيادة كثر القائدون وكثر المحركون لهذه الأمة، فتناقشت الاتجاهات وربما اصطدمت.
ونظرا لعدم وجود الرؤية الشاملة تعددت الرؤى بل ربما تباينت وتناقضت فما بالك بواقع كثر القادة المدبرون فيه، وكثرت الرؤى والنظريات التي تحركه، هل يمكن أن يصل إلى بداية انطلاق؟؟؟
إن القناعة بوجود إمكانيات جبارة للصحوة لا قيمة له ما لم يكن لدينا قناعة أننا لا يمكن أن نعمل إلا بفريق، ولا يمكن أن ننجز إلا بتخطيط..
إنه العمل المؤسسي الذي يستمر العمل فيه مع استمرار المؤسسة، غير مرتهن بفرد، ولا مربوط بفكرة معينة أو اتجاه معين أو رؤية معينة، فالمؤسسة لها استراتيجيات واضحة وخطوط عريضة بينة، وما واجب العاملين إلا تنفيذ سياسات المؤسسة نحو تحقيق الهدف المنشود.(13/254)
إننا نريد للصحوة أن تنتقل من حالة الاستقطاب الفردي للمشايخ والدعاة إلى حالة العمل المؤسسي الذي يجعل لكل الإمكانيات قيمة ذاتية عالية، ويرفع من مستوى الطاقات فيجعل لها وجودا حقيقيا خارجيا، بعد أن كانت مجرد كهرباء تسري في جسم الصحوة تضر أكثر مما تنفع...
والعجب لا ينقضي من أناس يتخذون من حديث (الغثاء) تكأة لتقرير الواقع والتسليم به، مع أن الحديث سياقه قدري، وما نحن فيه أمر شرعي، والأمة مأمورة بالاتحاد جزما، ونبذ الغثائية حتما، فما علينا لو أننا سعينا في هذه السبيل، وعالجنا كل سلبيات هذه الغثائية، وحاولنا التقليل من آفاتها، والتضييق على روافدها؟
إن تعداد الأمة أكثر من مليار مسلم... يريد البعض من منطلق أفكاره أن يجعل هذا العدد الضخم مجرد أصفار عددية، متجاهلا أن أي مسلم بأي مستوى فيجب أن يكون له دور، وينبغي أن يبحث له الدعاة عن دور..
نذكر هذا في سياق موضوعنا الأساس وهو (اصطلام الدعاة)، لأننا يجب أن ننظر إلى الواقع من منظار أوسع وأرحب، فأمتنا يجب أن يكون قدرها المحتوم العمل للدين، ويجب أن نربي الناشئة على هذا المسلك، النتائج لسنا مسئولين عنها، ولكننا مسئولين عن المسئولية التي يجب أن نتبناها تجاه أفراد الأمة كلها.
وحتى تخرج الصحوة من هذه النفسية التي تهدر الإمكانيات فإننا يجب أن نحاصر تلك القناعات الزائفة الكاذبة عن إمكانياتنا، يجب أن نكون قاعدة معلومات جديدة عن صحوتنا، مبنية على نظرية التكامل التي تحدثنا عنها، فنحن صحوة تمتد في كل أرجاء المعمورة، لأننا نعتبر تلك الجماعة التي تعمل في أدغال أفريقيا جزء من صحوتنا، ننتسب إليها وتنتسب إلينا، ونحن صحوة تصل يدها إلى كل قطاع من قطاعات الحياة، لأننا نعتبر ذلك التاجر الأمين الصادق جزءا لا يتجزأ من صحوتنا، ولئن كانت له معاص ظاهرة أو خفية إلا أن عاطفته تجاه قضايانا وتفاعله معنا في كثير من الأحايين يعتبر شافعا مشفعا أن نجعله منتميا بصدق لهذه الصحوة الواسعة الأرجاء.
يمكننا أن نتخيل القوة التي سنشعر بها لو أننا حاولنا أن نتجاوز تلك النفسية الإسقاطية التي تعتبر الصحوة أنا والصحوة أنا، إن أمثال هؤلاء كثيرا ما يتعلقون بالمهدي ومجيئه، لأن اليأس من الواقع نتيجة لجأوا إليها حينما تنكروا للصحوة ولقطاعاتها المختلفة احتكارا للحق وإنكارا للآخر.
الباب الثاني: نظرية المبادرة.. بين الواقع المعقد والتخطيط المنظم
الفصل الأول: نحن والواقع.. رؤى مختلفة كيف تأتلف
لا يخفى على أحد أن واقع الإسلام أليم بكل المقاييس، ولسنا في حاجة أن نقيم الأدلة على أن الحرب على الإسلام مستعرة في كل الأصعدة، وأن الإسلام يواجه معارك ضارية مع أعداء من كل نوع ومن كل حدب وصوب.
ونحتاج في هذا المبحث القصير أن نختصر الواقع في معطيات واضحة حتى نستطيع أن نحدد نوعية المواجهة وكيفيتها، فإن أي حديث عن أي حل أو علاج لواقعنا ما لم يكن مبنيا على تصور واضح للواقع فهو بمثابة الذي يحارب عدوا لا وجود له...
إن أخطر قضية تواجهها الصحوة الإسلامية بكل المعايير هي قضية الاجتماع والوحدة، فالصحوة عاجزة عجزا حقيقيا عن إيجاد مجرد تصور لما ينبغي أن تكون عليه عملية الاجتماع أو التنسيق بين الفصائل المختلفة، مع أن الجميع متفق على جملة من التصورات الواضحة، مثل كون الإسلام محارب، وكون الجميع لا بد أن يعمل لدين الله، وكون الأعداء متألبون ضد كل ما هو إسلامي.
فما الذي يجعل من عملية التنسيق والائتلاف قضية مستعصية لدرجة أن البعض من قادة الفصائل قد نفض يده تماما من هذا الأمل المنشود..
ونحن لا نريد أن نقيم أي اعتبار لمن يقولون إن قضية الوحدة لا تمثل مصيرا يجب أن نسعى إليه، فمثل هؤلاء الذين يجهلون أصول الدين وضرورياته غير جديرين أن يكون لهم موطئ قدم في تصور الحل المناسب للخروج من الأزمة، بل إن أي تصور أو اقتراح من مثل هؤلاء سيكون منشؤه ذلك الجهل بالحقائق الشرعية الواضحة، فهل يختلف أحد أن هذه الأمة أمة واحدة، وأن الله أمر بالائتلاف ونهى عن الاختلاف والفرقة؟ سيتحدث البعض عن ضوابط الوحدة، فنقول: أجل، ليس هناك أي مبرر أن يكون التجميع لمجرد التجميع، لأنه ليس حلا مقنعا بالضرورة، ولكن يجب أن يكون الاتحاد خطورة كبرى في طريق الحل الجامع المانع.
هناك الكثير من المحاولات التي سعى أصحابها لتكوين صورة علمية نظرية للوحدة المنشودة بين فصائل الصحوة، وأنوه بمباحث الدكتور صلاح الصاوي، والأستاذ جمال سلطان، الذين يشهد الجميع بغزارة إنتاجهما الفكري، وخاصة الذي يصب في مصلحة الصحوة ككتلة حركية جامعة تعمل في سبيل الدين.
لا يمكن أن نتصور هناك باحثا ليس لديه قناعات شخصية، واتجاهات ذاتية لما يراه ناجعا ومخرجا للمأزق، ولكن ما نريد أن نثبته هنا أن هناك إضافة إلى تلك القناعات الشخصية رؤية جماعية تحاول إيجاد صيغة لإذابة الحدود الوهمية بين تلك القناعات الشخصية والاتجاهات الذاتية.(13/255)
هناك اتجاهات ترى المواجهة بين الإسلام والكفر وأعوانه وبين المنافقين وأنصارهم ضرورة شرعية لا تحتمل التأجيل، وهناك تيار يرى تأجيل أن نوع من أنواع المواجهة المسلحة حتى تستكمل الصحوة عدتها في هذا الصراع الضاري الذي ستكون حسابات الخسائر فيه بالدماء والأرواح وليس المال فحسب، وهناك اتجاه يرى أن المواجهة على المدى القريب والبعيد مسألة لا تستحق التفكير لأن هناك أمورا كثيرة تحتاج إلى حسم في محيط الصحوة الإسلامية، وهناك من يرى أن المواجهة في حد ذاتها غير ذات موضوع، لأننا نفترض وجود عدو هو غير موجود إصلا إلا في عقول البعض! والبعض يرى أن الجميع يستطيع أن يعمل بما يظن أنه قناعته الشخصية دون أن يلتفت كل واحد منا إلى الخلافات الداخلية، وأن نحاول التركيز على الخلافات الخارجية، أي أن نحاول إذابة الخلافات الداخلية بين فصائل الصحوة، وأن نلتفت أكثر للخلافات بين الصحوة الإسلامية كصاحب مشروع حضاري عالمي وبين الأعداء الحقيقيين للإسلام الذي ندعو إليه.
لا ريب أن هذه الرؤى المختلفة لها أنصارها من كل قطر، ولها منظروها من كل مستوى، ولها آليات عملية تتحرك من خلالها، بل ولها استراتيجيات تبني عليها أي تحرك آني أو مستقبلي.
وقبل أن ألج في عملية تحليل لهذه الرؤى المختلفة أؤكد ما كنت أقوله قديما بأنه لا أمل لهذه الأمة أن تبدأ في عملية اتحاد حقيقية ما لم يستطيع أهل السنة والجماعة توحيد كلمتهم وإيجاد آلية تجمع الاتجاهات المختلفة التي بلغت العداوة بين بعضها أكثر مما بلغت بينها وبين أعداء الله الصرحاء، ونحن إذ نُكْبِر بذل الكثير من فصائل الصحوة لدين الله والذب عن هذا الدين ودفع صيال العدو عنه فإن العجب لا ينقضي من أن بعض هؤلاء المضحين يبذلون أكثر من هذا في سبيل الرد على إخوان لهم من أهل السنة، وتراهم يصمونهم بصفات وأمور لا يمكن أن تكون إلا في خَئُوْنٍ خَصيم.
وترى أن التهمة الجاهزة بين فصائل أهل السنة هي تهمة التبديع والتشهير بصغائر الأمور ومستحقرات الأفكار، حتى إن زلة العالم بدلا من أن تكون دليلا على فضله وبدلا من أن تنادي على مروءة العامة الخاصة أن يعفوا ويصفحوا إذا بها تُضحي الجريمة النكراء التي لاتجد في عفو الناس مُتسعا، بل إنها تُستغل في الإيقاع والإسقاط، وهي طريقة صرنا نشاهدها تتكرر في كثير من الوقائع والأحوال.
هل الخلاف بين فصائل الصحوة حقيقي أو نظري لفظي؟ أنا أعتبر نفس هذه القضية نظرية لا تستحق الكثير من الوقت للكلام حولها، ولكن لأجل حسم بعض الأسس التي سيقوم عليها تحليل الواقع نود أن نبين: أن الخلاف لا يكون معتبرا إلا إذا كان مبنيا على وجه معتبر من الأدلة الشرعية الصحيحة المقبولة نقلا، وما عدا ذلك فيمكننا أن نعتبره خارج إطار الخلاف أصلا.
وسواء كان الخلاف معتبرا أو غير معتبر فإن التصرف العلمي يختلف عن التصرف العملي تجاه أي خلاف، فعندما يختلف عالم مع عالم آخر حول قضية حتى ولو كانت لا تحتمل الخلاف فإن الإنكار بين الطرفين لن يتجه إلى ساحة الوغى ليحسم النزاع في مسألة علمية عبر أسنة الرماح! بل إن المجادلة بالتي هي أحسن؛ هي المآل الصحيح الرجيح لأي خلاف ثم يأتي الإنكار على خطأ المخالف على قدر مستوى الخلاف.
أما التصرف العملي تجاه أي خلاف فهذا لا يتقرر إلا وفقا لأسس ومعايير عملية أخرى نأخذها في الاعتبار مع الأسس العلمية النظرية، وهو ما يمكن أن نسميه بالفقه الحركي، وهو ما نجده في تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في إدارة دولة ينضوي تحت لوائها الكفار والمنافقين، في حين نرى أن الأحكام العلمية والنظرية لهؤلاء المنافقين والكافرين تكاد تكون شديدة الحسم، في حين نرى أن التصرفات الإدارية يترجح فيها جانب تهدئة الأوضاع لا تصعيدها، فهل هو تناقض أم أنه تفهيم أن المعطيات الواقعية لها أثر في تخصيص العمومات النظرية، ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم حينما طُلب منه أن يأذن بقتل بعض المنافقين: لا، حتى لا يقال إن محمد يقتل أصحابه.
لقد فطن الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن مكائد المنافقين والكفار لا تقتصر على المكيدة الحربية، بل إن الجانب الإعلامي كان حاضرا في ذلك الصراع القديم، فقتل منافق واحد معدود في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أو من قاطني المدينة سيعتبر فرصة كبيرة للمنافقين حتى يروجوا دعاية عارمة أن محمد يقتل أصحابه، فتنصرف الجهود بعدئذ في دفع التهمة بينما نحن أحوج ما نكون أن ننفقها في الدعوة لهذا الدين.
إننا يمكن أن نجمل اختلاف الرؤى بين فصائل الصحوة في اتجاهين، الأول يدعو إلى المواجهة الحاسمة، والثاني لا يعتبر تلك المواجهة ضرورية أو أنه يؤجلها.
ولا أريد أن أدخل في تفاصيل عميقة وغائرة قد تفحت علينا جراحا نحتاج إلى تضميدها، فنحن أحوج ما نكون إلا تذكير أنفسنا بأننا ركاب سفينة واحدة، ونحن ملاحوها، ولا حيلة لنا في النجاة من الأمواج الهائجة إلا أن تتحد كلمتنا في مواجهة الصعاب.
وأصل الخلاف منشؤه ادعاء كل طرف أن الواقع والخبرة والتجربة تثبت صحة اتجاهه، ويدلل كل فريق على صحة اتجاهه بقرائن وأدلة من المحيط القريب تشهد على ما يقول.
ونحن لا يمكن أن نستوفي الكلام عن تلك الأدلة والقرائن ونرجح رأي أي الاتجاهين، فالخلاف نقر به، ونعترف بوجوده وحضوره، ولكننا بصدد تحريك نظرية ضرورية تحتاجها الصحوة في هذه الآونة، ألا وهي نظرية (تنظيم الخلاف)، وهي نظرية أكثرُ عَمَلِيَّةً (أي فائدة وأثرا) مما كنا نسميه مع كثير من الباحثين بفقه الخلاف أو حتى فقه الحركة أو حتى فقه الواقع.(13/256)
فقد فوجئ الباحثون أن فقه الخلاف وفقه الحركة وفقه الواقع أشبه ما يكون بالزخم المعلوماتي الذي لم يصادف عقلية تحسن التصرف معه، فبدلا من فقه واحد تعدد الفقه وصار في كل فقه مدرسة تدعو إلى اتجاه معين فيه، ومثل هذا نعتبره يعمق الخلاف أكثر مما يحسمه، ولذلك نقول: إننا بحاجة أن نعترف بوجود خلاف، بل خلافات، وأن هذه الخلافات يصعب حلها على المدى القريب، ونحتاج إلى ننظم هذه الخلافات بين فصائل الصحوة بحيث لا تُستنفد الطاقة التي تحتاجها الصحوة في مواجهة العدو، فإن الملاحظ أن كثير من المصنفات التي يصنفها العلماء والدعاة والباحثون تصب في الخلاف الداخلي، أي بين فصائل الصحوة نفسها، وتبتعد عن الخلاف الخارجي أي بين الصحوة ككتلة حركية دعوية تتبنى مشروعا حضاريا واسعا، وبين أعدائها الذين لا تختلف كلمة أهل الإسلام على عَدِّهم من أعداء الأمة.
ومثال هذا الاحتقان والاستنزاف أننا نرىالآن خلافا ضاريا بين من يتبنون المشروع الجهادي وبين من يتبنون المشروع التربوي المبني على تأجيل حل المواجهة، حتى غالب الفصائل التي تنتمي للفريقين غفلت تماما عن المواجهة الحقيقية التي يجب أن تتبناها ضد العدو، كالعلمانيين والشيوعيين والماديين والإباحيين، فهناك عشرات الردود على المخالفين من أهل العلم في مسائل نظرية، بينما تجد المؤلفات التي ترد على العلمانيين والإباحيين أندر من الكبريت الأحمر.
أجل... ولا يزالون مختلفين.. إلا من رحم ربك، فنحن نسعى إلى الرحمة عبر إزالة الخلاف، كما أننا نعتبر أن جزءا من الخلاف قدري محض لا حيلة لبني البشر في دفعه والهروب منه، بل إن وجود الخلاف ووقوعه يمثل نسيجا أصيلا لأي مجتمع حيوي، فالمجتمع الذي لا خلاف فيه لا حركة فيه ولا حياة. فتأمل.
إننا لا بد أن ننظر إلى أنفسنا نظرة ثقة، فكل من يعمل في الساحة إخوان لنا ما داموا على معتقد صحيح ومنهج قويم، وبهذه النظرة الواثقة الواعية نستطيع أن نكون الفريق الذي سيقوم بإذابة الخلاف بين فصائل الصحوة كخطوة راسخة تجاه توحيد الأمة جمعاء.
الفصل الثاني: نظرية المبادرة.. أحدث استراتجيات الحروب الحديثة
إن كل حروب أمريكا في أواخر القرن الماضي والقرن الحالي حروب استباقية، يقصد منها قطع طريق العدو حتى تكون أمريكا في مأمن من مكائده وشروره.
وفي المقابل فإن كل تصرفات الصحوة، حتى ما يعتبر معدودا من النجاحات التي حققتها الصحوة تعتبر ردود أفعال، وكثير منها في غاية البطء والتثاقل.
والعيب في رد الفعل أنه ينشأ رهين لحظته، وليس على أساس تصور واضح للمستقبل، فيكون صاحبه (صاحب رد الفعل)غير مستعد لأية تطورات، لذلك نجد ردود أفعال الصحوة آنية، وليست ذات صلة بالمستقبل القريب أو البعيد.
إننا نحتاج إلى تطوير ردود أفعالنا، كما نحتاج إلى تطوير نظرية المبادرة حتى تكون قابلة للتطبيق في الإطار المعروف والواقع المشهود.
والمبادرة التي نتحدث عنها تتجاوز مجرد مرحلة التخطيط ليكون هناك الاستعداد الواقعي الكامل حتى في إطاره العسكري، إذ لم يعد خافيا على أحد أن المواجهة بين المشروع الحضاري الإسلامي دخل مرحلة التصادم العسكري من أوسع أبوابه، فمن للمسلمين من مفر أن تكون لهم الأهبة اللازمة لمواجهة هذا الصدام باستعدادية تامة.
وأريد أن أقفز في كلامي وأتجاوز المبادرة في إطارها العسكري، لأتحدث عن المبادرة في إطارها الدعوي الحركي.
لماذا نريد أن نركز الحديث عن المبادرة الدعوية الحركية... ؟ لأن كثيرا من أهل العلم يرى أن أغلبية الأمة لاتستطيع تبني أي مبادرة عسكرية حقيقة في هذه الآونة إلا بخسائر متحققة تفوق في حجمها خسائر الالتزام بعدم المواجهة على المدى القريب على الأقل.
لقد طال الاصطلام الدعاة والخطباء والأئمة وقادة شباب الصحوة ومربيها، فاحتلك الظلام على شباب الصحوة، فاحتاجو إلى آلية ليبادروا هذه الهجمة الشرسة بخطوات راسخة نحو غد أكثر وضوحا.
يجب أن ننوه إلى أن البدائل غالبا ما يتسامح في صفاتها أكثر من الأصول، ولذلك ما سنورده هنا قد ترد عليه مؤاخذات شرعية أو حركية، ففي النهاية نعلم أن مآل تلك البدائل هو الإهمال لأن البدل لا يمكن أن يدوم، بل إن اسمه البدل مؤذن بسرعة تحوله.
وسأفترض المبادرة السريعة التي يجب أن يقوم بها شباب الصحوة لتجمع الطاقات تحت لواء واحد على النحو الآتي:
1- رفع كفاءة الصفوف القيادية الحالية لتكون قادرة على تحمل العبء في حالة اصطلام الدعاة كلهم.
2 - التركيز على المناهج العلمية والتربوية والجهادية ونشرها عبر وسائل الإعلام المتاحة وخاصة عبر المؤلفات والكتب والمقالات في الصحف وفي الإنترنت.
3 - تنمية روح التضحية عند شباب الصحوة عبر تعويدهم على بذل المال والوقت في سبيل الدعوة.
4 - إيجاد صيغة إدارية دقيقة تكفل تنمية الروابط الدعوية بين الملتزمين والمنتمين للصحوة، بحيث تتحقق روح الأخوة والتعاون والتكاتف في الأزمات.
5 - إيجاد ميادين دعوية بديلة عن المساجد والمحاضرات فيها، مثل الإنترنت والبيوت والميادين العامة، مع ضمانة وجود أساليب حركية تضمن الأمن والسلامة لممارسي الدعوة بهذه الطرق غير التقليدية.
6 - تقوية الروابط الأخوية، باعتبارها البديل عن المساجد المغلقة والمحاضرات الممنوعة، وذلك عبر إفطارات في البيوت وقيام ليل مع الحرص على تقليل العدد درءا لأعين الطغاة.
7 - تحريك العمليات الدعوية في أصعدة مهجورة مثل الجامعات والمدارس والكليات والمعاهد والمصالح الحكومية والمراكز التجارية، وكل إنسان يستطيع أن يساعد في الدعوة ونشرها بالقدر المتاح له ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.(13/257)
8 - الاستعانة بالملصقات وجعلها طريقة حرب دعائية واسعة بحيث تعجز قوى الكفر والعناد عن ملاحقة وصد تلك الحرب الدعائية.
9 - الاستعانة بأجهزة الاتصال الحديثة في الدعوة إلى الله ومتابعة الأعمال الدعوية، مثل الهاتف (العادي والجوال) والإنترنت، وذلك عبر توزيع الأدوار في متابعة الحالات الدعوية وجعل الهاتف بالذات وسيلة أصيلة في الدعوة إلى الله تعالى.
10 - تنمية المهارات الفردية الدعوية حتى تكون جاهزة في حالة اشتداد الخطوب وارتفاع وتيرة تجفيف المنابع التي تمارسها قوى الطغيان.
تلك بعض الاقتراحات الكلية التي أقترحها على شباب الصحوة لمواجهة موجة اصطلام الدعاة، وكحل عملي مقترح أعرض على الأخوة هذا النموذج الدعوي لمنطقة كانت تحوي مسجدا نشيطا في الدعوة فتم إغلاقه أو تأميمه أو اعتقال الدعاة الكبار الذي يعملون فيه.
البداية تكون باليقظة من الصدمة وعدم الاستغراق في آثار المصيبة والالتهاء بها عن التصرف والمبادرة السريعة وتكوين جبهة سريعة تعمل على تدارك العمل الدعوي في أقرب فرصة، وذلك بأن يتولى التنسيق بين بقية الأخوة في المنطقة من يعرف بالعقل والروية والبذل، ومهمة هذه الجبهة استعادة التوازن، وتحقيق الأمان النفسي للبقية الباقية من الملتزمين في المنطقة.
تبدأ تلك الجبهة في تكوين المناهج العلمية والتربوية والجهادية، واقتراح الصورا لبديلة للعمل الدعوي في المنطقة...
الأفضل تقسيم مستويات الدعوة إلى مستويات مختلفة، مثل دعوة الشباب والعامة والصغار ونحو ذلك.
المهم هو إيصال رسالة لجميع الملتزمين بشرع الله أن دين الله تعالى باق وإن كره الكافرون، ثم إيصال رسالة إلى قوى الكفر أن اصطلام الدعاة ليس حلا لتجفيف المنابع، فلو وصلت هذه الرسالة إليهم بوضوح فإنهم سيعيدون التفكير في طريقة حل مشكلاتهم عن طريق الاعتقال.
يجب أن تكون هناك أنشطة واضحة جلية في المنطقة، والزيارات خير وسيلة لتحريك السواكن، وإشاعة جو من الدفء الدعوي في كل أنحاء المنطقة.
تقسيم المنطقة إلى أقسام وتولية المسئولية الدعوية لأحد الشباب في كل منطقة وقسم.
في النهاية يجب أن نشير إلى أن المواجهة الأمنية واردة في أي جهد دعوي لذلك لا بد أن يوطن الشباب أنفسهم على مواجهة مثل هذه المصاعب، والتضحية بالمال والنفس تتضمن ضرورة التعود علىمثل هذه المواجهات، ولا توجد دعوة خالية من مثل هذه المصائب والمحن...
وأذكر إخواني بضرورة السمع والطاعة لأولي الأمر ممن تصدر لقيادة الجموع حال اصطلام الدعاة، وضرورة تقديم رأيهم والأخذ بمشورتهم وعدم الصدور إلا عن توجيههم ففي ذلك خير وبركة ونفع عام متعد إن شاء الله تعالى.
وختاما... ففي هذه المبحث بجانبيه النظري والعملي يستطيع المنتمي لهذه الصحوة أن يكون صورة كاملة عن هذا النسيج المعقد الذي تعيشه صحوتنا، كما يستطيع أن يكون تصورا واضحا لما يجب أن يعمله في حالة ما لو حيل بين الشباب وبين علمائهم ودعاتهم، فالتصدر في مثل هذه الحالة لازم متعين، والواجب أن نختزل كل المشكلات ونعالجها بأكبر سرعة في سبيل تدارك المواجهة المستعرة مع الطغيان وملاحقة الاستباق الحركي مع أعداء الصحوة....
هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا المبحث خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به كل من بحث عن طريق الأمان والشرف والكرامة... في الدين والدنيا والآخرة... والحمد لله رب العالمين... وصلى الله على نبينا محمد وعلىآله وصحبه وسلم.
http://www.saaid.net المصدر:
=============
الصحبة القديمة
محمد العبدة
جاء في كتاب ( فضائل الصحابة ) أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه شكا خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: » يا خالد لمَ تؤذي رجلاً من أهل بدر، لو أنفقت مثل أحد ذهباً لم تدرك عمله « [1].
وجاء في صحيح مسلم: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه «[2].
ومع بقاء هذه الأحاديث على عمومها، ولكن من الواضح أن رسول الله وجه خالداً رضي الله عنه إلى احترام صحبة معينة وهي الصحبة القديمة، فهؤلاء لهم منزلة خاصة، منزلة أوائل من أسلم وسار مع الدعوة في دربها الطويل من التعذيب والحصار والهجرة، سار مع الدعوة في السراء والضراء، وكان مع الوحي الإلهي وهو يتنزل آية آية وسورة سورة، هؤلاء الصحب هم أجدر الناس بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقديره لهم.
والذين جاءوا بعد ذلك قد يكون فيهم من يملك طاقات ومواهب ويقدم خدمات شتى للدعوة الإسلامية، ولكن يبقى للرعيل الأول منزلتهم، والإسلام ليس فيه طبقية ولا كهنوت، وكل يؤخذ من كلامه ويرد عليه، وليس عندنا شيخ ومريد، ولكن من له باع طويل في الدعوة، والتقى ظاهر عليه فيجب أن يحترم ولا يتطاول عليه من هو ناشئ غِرٌ، والحقيقة أنه ليس أضر على العمل الإسلامي، بل على الأمم من نشوء صراع بين الجيل القديم والجيل الجديد، فلا يستفاد من خبرة أولئك ولا من حماسة هؤلاء.
وقد عاتب الله سبحانه وتعالى أهل بدر عتاباً شديداً بسبب اختلافهم حول الغنائم، وكان هذا الخلاف بين الشباب والشيوخ، فقال الشباب: نحن جمعنا الغنائم وطاردنا العدو، وقال الشيوخ: ونحن كنا ردءاً لكم ونحمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال: 1].(13/258)
فليحذر الدعاة من هذا المزلق، الذي يتلبس باسم الأمر بالمعروف أو بشبهة استعجال الطريق، أو قد يكون جهلاً بعواقب الأمور، والعجيب أن يسبقنا الغربيون إلى هذه الفضيلة، فلا يدعون فرصة تفوتهم إلا ويستفيدون من كبارهم وعقلائهم، ولا يهملونهم بل إن هذا الأمر واضح عند العوام في بلادنا فيقولون: الذي ليس عنده كبير، يشتري له كبير أو الذي ليس عنده كبير ما عند ه تدبير.
والمسلمون في هذه الأيام بأشد الحاجة إلى كل طاقة وكل خبرة، ونرجو أن لا تتبدد بالخصومات المفتعلة.
--------------------------------------------------------------------
(1) الإمام أحمد بن حنبل / فضائل الصحابة، تحقيق وصي الله بن محمد بن عباسي.
(2) صحيح مسلم 7/188.
http://www.albayanmagazine.com المصدر:
-===========
ملايين الحسنات في لحظات
إخوتي في الله...
بداية اسمحوا لي أن أوضح لكم ما دعاني لكتابة هذا السطور!
كم من مرة مر بكم هذا الحديث " من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة "
وهو حديث رواه الطبراني وحسنه الألباني.
مثلكم أنا.. قد مر بي هذا الحديث، لكن الذي استوقفني هذه المرة، و ما لفت انتباهي هو زهدنا في تطبيقه، وزهدنا في نشره وتعميمه!!
فلو طبقت هذا الحديث بإذن الله ستكسب ملايين الحسنات وفي لحظات!!!
حسناً.... لو نشرت هذا الحديث في مجالسك ومجتمعك ومسجدك وعملك... وصفحات الإنترنت.... كم ستكسب؟!
لو أنك كلما دعوت لنفسك دعوت للمؤمنين والمؤمنات.... فكيف سيكون
رصيد ك من الحسنات؟!
ألا تلاحظ.... تهافت الناس على شراء الأسهم (مثالاً لما يحصل اليوم في واقعنا) وهي لا تعدل لا في الكم و لا في الكيفية ولا في الوقت ولا في المؤنة... أثر تطبيق الحديث السابق.
علمتم الآن حجم تفريطنا ؟!
لكن اليوم...... وأنا أتصفح صفحات الإنترنت وجدت هذا الحديث، فقرأته.. لكن لا كالمرات السابقة! قرأته واندهشت إخوتي لما فكرت في الخير الذي حرمنا أنفسنا منه!
فقلت سأنشر هذه السطور؛ علي أفوز وإخوتي بملايين الحسنات في ثوان معدودات.
إنها الحسنات الجارية أيها الكرام... إنها الغنائم الباردة،، فالحمد لله حمداً حمداً.
قال - صلى الله عليه وسلم - " من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة ".
وأفضل صيغ الدعاء؛ أن تدعو بما جاء في نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة.
من ذلك ما جاء في كتاب الله العزيز: ((رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين
والمؤمنات)) ويصح بأي صيغة صحيحة مثل: اللهم اغفر لي وللمسلمين أجمعين. ونحو ذلك...
وأخيراً..... كم لأصحاب المواقع من ملايين الملايين من الحسنات إزاء نشر هذا الموضوع
و تمكين زوار مواقعهم من تطبيق ما جاء فيه ؟!
وكم من ملايين الحسنات تنتظرك أيها القارئ إن نشرت هذا الموضوع في مجتمعاتك الخاصة، والمواقع
والمنتديات والمجموعات على الشبكة العنكبوتية؟!
لا تنس: (( رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات)).
http://www.tttt4.com المصدر:
=============
من مهارات الاتصال ( 1 )
تعلم فن الحوار !!
د. مصطفى أبو سعد
الحوار فن وعمل، وضرورة إنسانية لايمكن الاستغناء عنها في حياة الإنسان الاجتماعي بطبعه، وفن الحوار يمكن عده فن حياةٍ وفن بناء العلاقات الإنسانية المتميزة، إذ الحوار أول وأسرع وسيلة للتواصل والتقارب بين البشر.
حاجتنا إلى الحوار حاجة ماسة لا يمكن الاستغناء عنها، وتأتي هذه الحاجة لتلبية العديد من الحاجيات الضرورية لتكامل الشخصية الإنسانية عموماً وشخصية الفتى على وجه الخصوص، ومنها:
1) الحاجة إلى الانتماء:
وهي حاجة تتبلور وتتكامل بالحوار الفعال بين أفراد الفئة والوحدة التي تشكل خلية متكاملة يستشعر الفتى أنه جزء منها..ولا تستقيم عملية الانتماء إلا بالحوار البناء وتوفير المجالات لممارسة عملية الحوار والتواصل بين الأفراد.
2) الحاجة إلى الاعتبار:
وهي حاجة تلبيها أجواء الحوار الفعال الذي يعترف بقدرات الفرد ويثني عليها وينميها ويتيح فرصة للفتيان أن يتعلموا مهارة التفاعل مع الناس من خلال الحوار والتعبير عن الذات..
3) الحاجة إلى التفاعل:
وهي حاجة تقتضيها اجتماعية الإنسان أن يجد من يتفاعل معهم في الحوار والمشاعر والنشاط.
* من أصول الحوار:
الحوار يهدف صاحبه إلى التواصل مع الآخرين، سواء بإقناعهم أم بإخبارهم أم بتبنيهم أم بالتماس شيء منهم.. ولايتحقق الهدف منه إلا إذا روعيت بعض أصول الحوار الجاد والمثمر.. ومن هذه الأصول:
1) ابتغاء الحق:
حيث يكون حرص الإنسان أن يجد الحق ويبتغيه، سواء ظهر على يده أم على يدي غيره.. وقد بيّن الغزالي هذه الحقيقة في قوله: أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يديه أو على يد من يعاونه، ويرى رفيقه معيناً لا خصماً، ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق.
2) احترام الطرف الآخر:
لا يثمر الحوار لو انتفى الاحترام بين المتحاورين.. وهو واجب مهما كان الشخص الآخر صغيراً كان أم كبيراً، فقيراً أم غنياً.
3) الإنصاف:
الإنصاف زينة الحوار، وهو يقرب بين النفوس ويبعد الظنون والوساوس.. قال حاتم الأصم: معي ثلاث خصال أظهر بها على خصمي، قالوا: وما هي؟ قال: أفرح إذا أصاب، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ نفسي حتى لا تتجاهل عليه.
4) الإصغاء:
الحوار تواصل متبادل بين طرفين ولا ينبغي الاستئثار بالحديث.. قال ابن عباس رضي الله عنه: لجليسي علي ثلاث: أن أرميه بطرفي إذا أقبل، وأن أوسع له في المجلس إذا جلس، وأن أصغى إليه إذا تحدث.
5) الصدق.
6) الرفق.
7) الهدوء.(13/259)
http://www.alforqan.net المصدر:
============
قليل وكثير
فيصل العنزي
قليل هم الذين يصلون وكثير هم الذين يتكاسلون.
قليل هم الذين لصلاة الفجر يستيقظون وكثير هم الذين ينامون.
قليل هم الذين في المسجد يصلون وكثير هم الذين لنداء المؤذن لا يستجيبون.
قليل هم الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم وكثير هم الذين يبخلون.
قليل هم الذين يصومون في رمضان وكثير هم الذين يفطرون.
قليل هم الذين يستطيعون فيحجّون وكثير هم الذين يتقاعسون.
قليل هم الذين لدينهم يحترمون وكثير هم الذين يسبون.
قليل هم الذين لآبائهم بارون وكثير هم الذين يعقّون.
قليل هم الذين لأعراض آبائهم يحفظون وكثير هم الذين يلعنون.
قليل هم الذين لفروجهم حافظون وكثير هم الذين لا يستعففون.
قليل هم الذين للخمر كارهون وكثير هم الذين يسكرون.
قليل هم الذين في أعراض الناس لا يخوضون وكثير هم الذين يغتابون وينمّون.
قليل هم الذين عن عرض إخوانهم يردون وكثير هم الذين يستحيون.
قليل هم الذين يتبولون فيتطهرون وكثير هم الذين لا يستنزهون.
قليل هم الذين لأبصارهم يغضون وكثير هم الذين للنظرة تلو النظرة يتبعون.
قليل هم الذين من فتنة النساء يفرّون وكثير هم الذين للنساء يصادقون.
قليل هم الذين لكتاب ربهم يتلون وكثير هم الذين يرقصون ويغنون.
قليل هم الذين على أوقاتهم يحافظون وكثير هم الذين لأوقاتهم يقتلون.
قليل هم الذين على البر والتقوى يتعاونون وكثير هم الذين بالإثم والعدوان يستمسكون.
قليل هم الذين لربهم بالنوافل يتقربون وكثير هم الذين لا يعبئون.
قليل هم الذين لربهم ذاكرون وكثير هم الذين في غفلة معرضون.
قليل هم الذين بالليل لربهم يقومون وكثير هم الذين ينامون.
قليل هم الذين بسنة نبيه وأزواجه مستمسكون وكثير هم الذين يفرّطون.
قليل هم الذين للجنة يدخلون وكثير هم الذين على وجوههم في النار يكبّون.
قال الله - تعالى -: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )...
http://www.denana.com المصدر:
=============
مقترحات للتسجيلات
هذه مقترحات أقدمها لكل التسجيلات الإسلامية داخل المملكة وخارجها عسى أن ينفع بها:
الحمد لله وصلى الله على محمد وبعد،،
هذه مقترحات أقدمها لكل التسجيلات الإسلامية داخل المملكة وخارجها عسى أن ينفع بها:
1ـ التعريف بالقراء: توضع تلاوة القارئ مع اسمه والمدينة التي هو فيها والمسجد الذي يصلي فيه لربط الناس بالمساجد والقران.
2ـ إخراج تفسير مختصر لكل آية يتلوها القارئ ثم بعدها المعنى المختصر أو الكلمة الغامضة.
3ـ تفسير آيات الأحكام تفسيرا مختصرا.
4ـ تفسير جزء عم وقصار الصور وآيات الأذكار كآية الكرسي وخواتيم البقرة.
5ـ التعريف بالعلماء تعريفا مبسطا ثم يوضع شيء من دروسه أو محاضراته فمثلا عن الألباني تعريف مبسط ثم مقطع مناسب من بعض أشرطته وهكذا لتعريف الجيل وطلاب العلم على علماء ودعاة ماتوا نحن أحوج لمعرفتهم.
6ـ بكاء العلماء: فتجمع مادة فيها كل المواقف التي بكى فيها العلماء عبر الأشرطة لما فيه من الأثر التربوي على السامع.
7ـ جمع أسئلة كل ملقي في شريط فمثلا الشيخ ابن عثيمين تجمع جميع فتاواه من خلال المحاضرات في شريط واحد. أو محمد المختار الشنقيطي تجمع جميع إجاباته من خلال الدروس والمحاضرات في شريط أو أشرطة عدة، ولا يخفى على الجميع ما للفتاوى من اثر بالغ على الناس ونشر العلم من أهله المعتبرين.
8ـ توزيع هذه الأسئلة أبواب فمثلا كل فتاوى باب الصلاة تجمع من خلال أشرطة 10 من المشايخ.
9ـ إجراء لقاءات في العقيدة مع عدد من العلماء والمختصين والفائدة من هذا تعريف العالم بعقيدة أهل السنة والجماعة وان أهم ما يجمع الكلمة العقيدة وفيها تعريف بالعلماء:
أما الطريقة: فبأن يحدد الشيخ مثلا الشيخ عبد الرحمن البراك تلقى عليه أسئلة في باب القدر وما يتعلق به وجميع الإشكالات ويخرج في شريط أو أقل ثم الشيخ الآخر له باب آخر أو أكثر في إصدارات مستقلة فليست كالدروس يلزم المستمع أخذها جميعا.
10ـ جمع جميع الدروس العلمية من الحرمين وجميع التسجيلات والدروس الخاصة ووضع هذه الأصول كلها في مكان مستقل تابع لإحدى التسجيلات وحبذا لو كان في كل منطقة تسجيلات تعنى بهذا مع وضع فهارس بأسماء الملقين والدروس والكتب وبهذا نحفظ كمية كبيرة من الثروة العلمية المهدرة.
11ـ إلقاء شروح لبعض المتون المختصرة داخل استديو التسجيلات والفائدة من هذا حتى لا يطيل الشيخ ولا يتشعب بالمعلومات ولا يستطرد لان الذي يلقي على حضور يخرج عن الموضوع لأجلهم فلو كانت عدة شروح عبر الاستديو لقلت التكلفة على الشيخ وفي عدد الأشرطة وفي وجودة المادة.
12ـ إبراز طلاب العلم والخطباء والأئمة المتقنين المشهود لهم بالجودة بين العلماء فلا يكن هم التسجيلات المشاهير بل عليهم أن يخرجوا الدرر من طلاب العلم لان الخطيب الجيد لن يذهب للتسجيلات ويطلب منهم أن يسجلوا له.
وطريقة التعرف على الملقين:
يوضع صندوق في كل تسجيلات ويكتب عليه شخص تحب أن تسمع له شريطا فيكتب اسمه ومكانه وعمله ليتم التعرف على كم هائل من طلاب العلم.
13ـ تحريك الشريط من خلال التخفيضات المستمرة ولو على بعض الأشرطة ووضع مسابقات وجوائز على بعضها مع مراعاة التخفيض للتوزيع الخيري وإتقان المادة لئلا يوزع شريط غير صالح للسماع من ناحية الجودة.(13/260)
14ـ إجراء لقاءات علمية مع بعض العلماء الموجودين وإبرازهم للمجتمع مثل أسئلة حول القراءة وجمع الكتب وطلب العلم وأدب الخلاف ونشكر تسجيلات التقوى السلامية حيث بدأت قبل 10 سنوات بإخراج لقاءات مع ابن باز وابن عثيمين وغيرهما رحمهما الله تعالى.
15ـ وضع سلاسل منتقاة للمرأة وللطفل وللمريض وللتاجر وللطالب وللوالدين وهكذا سلاسل كثيرة علمية ومنهجية وتربوية تسهل طريقة التوزيع الخيري.
16ـ استكتاب العلماء وطلاب العلم والدعاة حول الاقتراحات وكثرة طرحها ونقاشها.
17ـ لا نغفل عن الأدب الإسلامي لا اعني النشيد المبتذل وإنما الدب الذي نسمعه من فضيلة الشيخ علي القرني وأمثاله قوة في الطرح وتمكن من المادة تجد فيه الحكمة تعانق المثل على فراش الشعر مع وضوح في العبارة وصحة في الإلقاء هذا وأمثاله ممن يثري الساحة الإسلامية بالجودة والإتقان... فنأسف أن التسجيلات تكثر من الشرطة بعض الملقين الذين ليس لهم من أشرطتهم إلا الإلقاء فلا لغة مستقيمة ولا كلمات قوية ولا عبارات رصينة.
18ـ وضع لجنة من طلاب العلم في شتى العلوم وخاصة اللغة العربية لعرض كل شريط عليهم خاصة عند ابتداء التسجيل لأي شخص فيسمع له أول مرة ثم إذا أجيز يتم التسجيل له باستمرار.
ووفق الله الجميع لكل خير وجعل ذلك في موازين حسناتكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://www.abdslam.com المصدر:
=============
كيف نتخلص من الوهن؟
فضل الله ممتاز
إن المسلم الذي يدرك حقيقة الإيمان ومقتضياته يشعر بألم ومعاناة شديدة من جراء الوضع المؤسف الذي تعيش فيه الأمة الإسلامية اليوم عموماً ودعاتها خصوصاً، ولا يستطيع أن يقف موقف المتفرج من آلام الأمة وما تعاني من "ضعف" و "هوان" و "هزائم" متلاحقة من قبل أعداء الإسلام، ومع انتشار مرض الهوان كما ذكر في الحلقة الأولى، وبالتالي من واجبه الإيماني أن يبحث عن سبل الخلاص ويبذل كل ما أوتي من قوة وجهد في سبيل إخراج دعاة الأمة من هذه الحالة المتردية التي لا تتفق بحال من الأحوال مع ما أمرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأخذ بأسباب النصر والابتعاد عن مواطن الضعف والوهن واليأس.
وبما أن تشخيص الداء هو أول خطوة لمعالجة المرض ولن يكون الدواء نافعاً إلا بعد معرفة الطبيب لنوع المرض وأسبابه، فإن الدراسات التي تكشف عن مواطن الداء في بنية دعاة الأمة وتبين العلاج، لها فائق الأهمية وكبير الأثر في النهوض بالدعاة للخروج من القمقم لاحتلال مكانتها في الحياة وأداء دورها الرسالي الخالد في قيادة الأمة وأستاذية البشرية خاصة في العصر الذي انكشف زيف المناهج والمذاهب الوضعية التي أعلنت عن فشلها وإفلاسها في إسعاد البشرية أو وضع حد لمعاناتها المتزايدة بسبب بعدها عن منهج الله تعالى.
إن المسلم الذي يدرك حقيقة الإيمان ومقتضياته، يشعر بألم ومعاناة شديدة من جراء الوضع المؤسف الذي تعيش فيه الأمة الإسلامية اليوم عموماً ودعاتها خصوصا
ولكي يتمكن الدعاة في هذه الأمة من تنظيم صفها الداخلي، ويتحرز من مواضع الضعف والهوان يضع نصب أعينها الخطوات التالية:
1. سلامة العقيدة:
فسلامة العقيدة أهم المهمات وأوجب الواجبات، العقيدة السليمة سبب للنصر والظهور والتمكين والاجتماع، العقيدة السليمة تحمي معتنقيها من التخبط والفوضى والضياع، وتمنحهم الراحة النفسية والفكرية، وتدفعهم إلى الحزم والجد في الأمور، تكفل لهم حياة العزة والكرامة.
والعقيدة في الإسلام هو الأساس الذي يقوم عليه بناء الإيمان في نفس الإنسان المسلم، ولا بد أن تظهر أثار العقيدة في سلوك الإنسان وأعماله.
فإذا كانت العقيدة راسخة في قلب الإنسان ونفسه نرى أثر هذه العقيدة في استقامة خلقه وسلامة تصرفاته وحسن معاملاته.
إذن العقيدة هي التي تصيغ الحياة إماً سلباً أو إيجاباً، وإذا أدركنا ذلك ندرك سر الاهتمام البالغ الذي أولاه الإسلام للعقيدة، فقد عالجت السور المكية قضية العقيدة في نفوس المسلمين معالجة عميقة بكافة جوانبها، ولذلك من الطبيعي جداً أن ينعكس أي ضعف أو خلل أو غبش يطرأ على عقيدة المسلمين وتصوراتهم ونظراتهم للأمور والأشياء أن ينعكس على سير الدعوة ويسفر عن ضعف ووهن وهزيمة أمام العدو في ميادين الدعوة.
وإن في غياب العقيدة السليمة تدخل الوساوس والهواجس القلوب ومن ثم يسيطر الخوف والوهن والرعب على النفوس، إذن فلا بد من الاهتمام الشديد بالجانب العقدي للدعاة وتربيتهم على العقيدة الصحيحة.
2. قوة الإيمان:
إن الإيمان بالله – سبحانه وتعالى وما يتبعه من أمور عقدية أخرى وما ينبثق عن كل ذلك من تصور للوجود والحياة والكون هو أساس البناء الذي تقوم عليه شخصية المسلم، كما أنه الموجه الذي يوجه أفكار الإنسان المسلم وسلوكياته وتصرفاته.
والإيمان يجعل المسلم يخرج من دائرة المادة الضيقة، وهو الباعث للهمة والمقوي للإدراك، وكلما ضعفت إرادة العبد، ووهنت قوته أمده هذا الإيمان بقوة قلبية تتبعها الأعمال البدنية وكلما أحاطت به المخاوف كان هذا الإيمان حصناً حصيناً يلجأ إليه المؤمن، فيطمئن قلبه وتسكن نفسه، ومن هنا جاء اهتمام الإسلام بقوة الإيمان في نفوس أبنائه، فلا يرضى الإسلام أن يكون الإيمان في قلب المسلم ضوءاً خافتاً أو صوتاً مهموساً ولكنه يريده جذوة متقدة وضياء يغمر الآفاق، حتى يرشد الفكر ويوجه السلوك، ويسيطر على المشاعر ومن ثم يجعل الحياة كريمة سعيدة كما يريدها الإسلام.(13/261)
وبما أن الإيمان أكبر مصدر للقوة في نفس المؤمن، فإن القلب الذي يملأ الإيمان أعماقه لجدير أن يثبت في العواصف والزلازل ويدفع صاحبه إلى مزيد من الصبر والاستقامة في مواجهة الشدائد.
3. الاستعانة بالله تعالى والشعور بمعيته:
ومن يستعين بالله تعالى ويتوكل عليه في دعوته، ويشعر بمعيته وتأييده ليثبت مثل ثبوت الجبال الشامخات ولا يتزلزل أمام بهرجة الباطل والشوكة الزائفة لأهله، وهو من ثمار الإيمان الصادق بالله تعالى يقول تعالى: "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة: 257)، وقال تعالى: "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا"(الطور: من الآية48).
ومن كان بمعية الله مصحوباً، وكان بعين الله محفوظاً، فهو أهل لأن يتحمل المتاعب ويصبر على المكاره.
4. اليقين بحسن الجزاء:
فإن ما يحث المسلم على الدعوة إلى الله تعالى ويثبته عليها، ويزيده رغبة فيها وحرصاً عليها أن يطمئن أنه مجزي عليها جزاءً مرضياً ومن هنا يشير القرآن الكريم أن المؤمنين ينتظرهم أحسن الجزاء من الله تعالى، وذلك حين يرجعون إليه ويقفون بين يديه فيعوضهم عن عملهم أكرم العوض ويمنحهم أعظم الأجر وأجزل المثوبة.
ولا نجد في القرآن شيئاً ضخم جزاؤه وعظيم أجره مثل الدعوة إلى الله والصبر عليها، فهو يتحدث عن هذا الأجر بأسلوب المدح والتضخيم، فيقول: " نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"(العنكبوت: 59).
وهو يبين أن الصابرين إنما يجزون بأحسن ما عملوا، فضلاً من الله ونعمة: "مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل: 96).
ولا شك أن يقين الإنسان المؤمن بحسن الجزاء وعظم الأجر عند الله تعالى على البلية يخفف مرارتها على النفس، ويهون من شدة وقعها على القلب، وكلما قوي اليقين ضعف الإحساس بألم المصيبة(1).
الجرأة في الحق قوة نفسية رائعة يستمدها المؤمن الداعية من الإيمان بالله الواحد الأحد الذي يعتقده، ومن الحق الذي يعتنقه، ومن الخلود السرمدي الذي يوقن به، ومن القدر الذي يستسلم إليه، ومن المسؤولية التي يستشعر بها، ومن التربية الإسلامية التي نُشأ عليها
5. اليقين بالفرج:
ومما يعين المسلم على العمل اليقين بأن نصر الله قريب وأن فرجه آت لا ريب فيه، وأن بعد الضيق سعة، وأن بعد العسر يسراً، وأن ما وعد الله به المؤمنين وما وعد به المبتلين من العوض والإخلاف لا بد أن يتحقق، فهذا اليقين جدير بأن يبدد ظلمة الوهن والقلق من النفس، ويطرد شبح اليأس من القلب، وأن يضيء الصدر بالأمل في الظفر، والثقة بالغد(2).
يقول الله تعالى: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا ًإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً" (الشرح: 6. 5).
6. التحرر من عبودية غير الله:
الإنسان الذي يؤمن بأن الله هو المحيي والمميت، والنافع والضار، والمعطي والمانع، ويؤمن كذلك بأنه ليس للبشر مهما علا قدره وعظم شأنه أن يسوق إلى الإنسان ما أراد الله منعه أو يمنع عنه ما أراد الله أن يعطيه إياه مثل هذا الإنسان يتحرر من سيطرة الغير، قال تعالى: "وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً"(الفرقان: من الآية3).
فإيمان المسلم قوة عظمى يستعلي بها المؤمنين على كل قوى الأرض، وكل شهوات الدنيا، ويصبح حراً لا سلطان لأحدٍ عليه إلا لله، فلا يخاف إلا الله، ولا يذل إلا لله، ولا يطلب إلا من الله، ولا يأمل إلا في الله، ولا يتوكل إلا على الله، وإذا تعرضت حريته للخطر يدافع عنها ويستعد لأصعب المعارك لأجل الاحتفاظ بها.
7. الترفع عن الشهوات:
ولا شك أن الترفع عن الملذات والشهوات، والجهاد لأجل الخير والصلاح يعطي الداعية المسلم دافعاً قوياً في استمرارية دعوته لمكافحة الشر، والتطلع إلى المزيد من الخير والأجر ومن كان هذا دافعه ومحركه في الوقوف أمام الأعداء لمؤهل للنصر بإذن الله، حيث إن حب الخير والعمل له يجعل الإنسان لا يشبع منه يطلب المزيد ولا يتطرق الوهن إليه أبداً، ذلك أن التقلب في الترف والإغراق في النعيم يعد من أعظم الشواغل والقواطع التي تشغل صاحبها عن طلب الكمال وتقطع عليه طريق المجد والسؤدد، ثم إن الإغراق في النعيم ينبت في نفس صاحبه أخلاقاً مرذولة من نحو الجبن والخور، وقلة الأمانة، والإمساك في وجوه الخير، وذلك مما يورث الوهن وضعف الهمة، يقول الله عز وجل: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (لأعراف: 31).
8. الاقتداء بأهل الصبر والعزائم:(13/262)
ومما يعين الداعية في السير إلى الأمام: التأمل في سير العظماء الرجال من علماء ومجاهدين ومن كرماء وأبطال الصابرين، وما لاقوه من صنوف البلاء وألوان الشدائد، وبخاصة أصحاب الدعوات وحملة الرسالات من أنبياء الله ورسله المصطفين الأخيار، الذين جعل الله من حياتهم وجهادهم دروساً بليغة لمن بعدهم ليتخذوا منها أسوة، ويتعزوا بها عما يصيبهم من متاعب الحياة وأذى الناس، يقول الله تعالى: "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ"(الاحقاف: من الآية35)، وأمتنا الإسلامية على مر عصورها لم تخل من نماذج عظيمة وقمم سامقة، سواء في ميادين العلم والعبادة أو ميادين الجهاد والدعوة أو ميادين العطاء والتضحية وسجل لهم التاريخ مواقفهم الثابتة كي يقتدى بهم.
9. مصاحبة الأخيار وأهل الهمم العالية:
فهذا الأمر من أعظم ما يبعث الهمم ويربي الأخلاق الرفيعة في النفس، فالإنسان مولع بمحاكاة من حوله شديد التأثر بمن يصاحبه.
والصداقة الشريفة تشبه سائر الفضائل من رسوخها في النفس وإيتائها ثمراً طيباً في كل حين، فهي توجد من الجبان شجاعاً، والبخيل سخاء، فالجبان قد تدفعه قوة الصداقة إلى أن يخوض في خطر ليحمي صديقه من نكبة عندما تشتد المحن وتتفاقم الفتن، وتقبل الشدائد كأمواج البحر وتأخذ بخناق المؤمنين وتزيغ الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر ويظن الناس بالله الظنون، ويبتلى المؤمنون ويزلزلوا زلزالاً شديداً، فإذا كان الأمر كذلك فما أجدر الداعية أن يبحث عن إخوان ثقات وأبطال حتى يعينوه في هذه اللحظات الحاسمة في حياته(3).
قال ابن حزم – رحمه الله: من طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها، ولم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم صديق من أهل المواساة والبر والصدق وكرم العشيرة والصبر والوفاء والأمانة والحلم وصفاء الضمائر وصحة المودة(4).
10. الجرأة في قول الحق:
الجرأة في الحق قوة نفسية رائعة يستمدها المؤمن الداعية من الإيمان بالله الواحد الأحد الذي يعتقده، ومن الحق الذي يعتنقه، ومن الخلود السرمدي الذي يوقن به، ومن القدر الذي يستسلم إليه، ومن المسؤولية التي يستشعر بها، ومن التربية الإسلامية التي نشأ عليها.
وعلى قدر النصيب المؤمن من الإيمان بالله الذي لا يغلب، وبالحق الذي لا يُخذل، وبالقدر الذي لا يتحول، وبالمسؤولية التي لا تكل، وبالتربية التكوينية التي لا تمل بقدر هذا كله يكون نصيبه من الجرأة والشجاعة وإعلان كلمة الحق التي لا تخشى في الله لومة لائم(5).
وهذا هو وصف الصفوة المختارة لحمل الرسالة والدعوة في كل عصر يفلت فيه الناس من المسؤولية ويتخلون عن التبعية، يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (المائدة: 54)
--------------
(1) الصبر في القرآن الكريم للدكتور يوسف القرضاوي ص 9596.
(2) الصبر في القرآن الكريم ص 9798.
(3) الهمة العالية ص 27.
(4) الأخلاق والسير لابن حزم ص 2425.
(5) صفات الداعية النفسية لعبد الله علوان ص 23.
http://www.almoslim.net المصدر:
==============
الكلمة
د. عبد الحكيم أبو زيان
الكلمة هي ثقيلةٌ في ميزان العقلاء، بل هي أفضل الجهاد، وأعلى شعب الإيمان، الكلمة يهوي بها المرء في النَّار سبعين خريفاً، ويخرج بها من دائرة الإيمان، الكلمة تبلغ ما لا يبلغه الجيش، الكلمة توقد جذوة الحرب، كما تطفئ لهيب الجمر
فإنَّ النَّار بالعودين تُذكى وإنَّ الحرب أولها الكلامُ
ولذا كان من وصايا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأحد أصحابه لما سأله عن النجاة: (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك)( رواه الترمذي برقم 2406، وقال الألباني صحيح)، والكلمة تفضح خبايا القلب، وتكشف أسرار النفس (( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ))(محمد :30)، وقد قال عثمان - رضي الله عنه -: "ما أسر رجل سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه، وفى فلتات لسانه"، وكان السلف يتركون الفضول من الكلام حرصاً منهم على استقامة أمرهم، واستدامة عقولهم وعافيتهم؛ قال عطاء: "بترك الفضول تكمل العقول"، وقال بعض الحكماء: "إذا تم العقل نقص الكلام "، ومن عظمت هذربته، واستفحلت ثرثرته ولو بالعلم؛ فدحت أخطاؤه، وكثرت سقطاته، وفى الحديث: ( من صمت نجا )(رواه الترمذي برقم 2501، وقال الألباني صحيح)، وكما قال الشاعر:
من لزم الصمت نجا من قال بالخير غنم
وكم من كلمة كانت أسيرة رجل، فما لبث حتى صار أسيرها، قال أعرابيٌّ: "الكلمة أسيرة في وَثاق الرَّجل، فإذا تكلَّم بها كان أسيراً في وثاقها"، وقد عد الحكماء كثرة الكلام من السخافة قال المأمون: "السخافة كثرة الكلام، وصحبة الأنذال".
الكلمة طعنها دامٍ، وجرحها غائر، تبلغ ما لا يبلغه الجيش، فاحذر من كلمة لا تبق لك مع خصمك موضعاً للصلح، ولا موطناً للتلاق، فإن وخز الكلمة لا يبريه الاعتذار، ولا ينسيه تعاقب الليل والنهار.
صمتّ على أشياء لو شئتُ قلتُها ولو قلتُها لم اُبقِ للصلح موضعاً
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "إن كان الشؤم ففي اللسان، ووالله ما على وجه الأرض شيء أحق بطول سجن من اللسان"، ووالله لقد فكرت:
وما شيء إذا فكرت فيه أحق بطول سجن من لسانِ(13/263)
والعاقل اللبيب هو الذي لا يندفع بكلمة حتى يعرضها على قلبه، ويمررها على فكره، وإلا أخطأت الكلمة طريقها؛ فكانت وبالاً عليه، "وإنَّ زلل الكلام لأفدح وأنكى من زلل الأقدام" كما قال عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: "زلة الرِّجْل عظمٌ يجبر، وزلة اللسان لا تُبقى ولا تذر"، وكما قال الشاعر:
يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرِّجل
فعثرته من فيه ترمى برأسه وعثرته بالرجل تبرأ على مهل
الكلمة أوبقت على رجل من بنى إسرائيل دنياه وآخرته كما جاء في الحديث الحسن: أن رجلين من بنى إسرائيل كان أحدهما مجتهداً في الطاعة، والآخر مقترفاً للذنوب، ولا يزال المجتهد يقول للمذنب: أقصر، وذات يوم وجد المجتهد في الطاعة المذنب عاكفاً على ذنبه، فقال له:أقصر، فقال له المذنب:خلني وربى، أبعثت على رقيباً؟ فقال المجتهد: والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة؛ فاجتمعا عند رب العالمين بعد قبض روحيهما، فقال الله للمجتهد: أكنت بي عالماً أو كنت على ما فى يدي قادراً؟، وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة، وقال للآخر:اذهبوا به إلى النار، قال أبو هريرة - وهنا محل الشاهد -:"والذي نفسي بيده،لقد تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته"، فإذا كانت الكلمة بهذه المنزلة، وبتلك الحظورة، فليس من اللائق بالعاقل أن يتجاهل قدرها، أو يتجاوز موضعها، أو يهمل تبعاتها، والعجب من رجل يخلص في كل أعماله لله - تعالى-، ويتجه بطاعته لمولاه، لكنه أمام الكلمة مهزوم الجانب، خائر القوى، فاقد السيطرة، لا يستطيع التحكم فيها لتهدم له كل ما بناه، وتوبق عليه آخرته ودنياه!!، يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام، والظلم والزنا، وشرب الخمر ومن النظر المحرم وغير ذلك.. ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقى لها بالاً، ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفرى في أعراض الأحياء والأموات لا يبالى ما يقول"، إن الكلمة ولو في الخير إذا أخطأت موطنها كانت ضرباً من الهذربة، ونوعاً من الهذيان الذي لا ينبغي.
المصدر : http://www.islamselect.com
============
من آفات الدعاة : الوهن أسبابه ومظاهره
فضل الله ممتاز
يتعرض الفرد والأمة دائماً وباستمرار إلى عوارض متعددة وظروف طارئة، ويتفاوت أثر ذلك بحسب طبيعة المؤثر
الجديد وبنيان الفرد والأمة والعوامل المساعدة، وقد ينتاب الفرد أو المجتمع مرض عارض ويزول بسرعة دون أن يترك أثراً ما وقد يصاب الفرد بمرض معين فيقتصر عليه ولا يمتد إلى المجتمع ولا تحس الأمة به، وقد يتحول من الفرد إلى المجتمع فيصبح مرضاً قاتلاً ووباءً فتاكاً، ومن هذه الأمراض الفتاكة التي يشترك فيها الفرد والمجتمع وتنذر الأمة بالويل والدمار مرض الوهن.
الوهن: هو الضعف في العمل والأمر والعظم، ورجل واهن: أي ضعيف في الأمر والعمل(1)
جاء ذكر الوهن ومشتقاته في القرآن الكريم عشر مرات وجاء المعنى المقصود به الوهن هو الضعف ودعم التمسك وقد ضرب الله مثلاً يوضح به الضعف في صورة مادية ملموسة ومرئية لبيت العنكبوت فقال: "مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت: 41) فمجرد الالتجاء إلى غير الله تعالى ضعف كالالتجاء العنكبوت إلى بيتها، والعنكبوت حشرة ضعيفة لا قوة لها ولا حماية وبيتها من عملها فالضعف لا يولد قوة فبيتها أضعف البيوت لأنه لا يدفع عنها حراً ولا برداً ولا أذى.
يتعرض الفرد والأمة دائماً وباستمرار إلى عوارض متعددة وظروف طائرة ويتفاوت أثر ذلك بحسب طبيعة المؤثر
الجديد وبنيان الفرد والأمة والعوامل المساعدة وقد ينتاب الفرد أو المجتمع مرض عارض ويزول بسرعة دون أن يترك أثراً ما وقد يصاب الفرد بمرض معين فيقتصر عليه ولا يمتد إلى المجتمع ولا تحس الأمة به
واستعمل القرآن الكريم أيضاً الوهن بمعنى الضعف المعنوي فبعد هزيمة المسلمين في موقعة أحد وجه الله لهم الخطاب بعدم الضعف النفسي من أثر الهزيمة وعدم التمادي في الحزن على الشهداء، قال تعالى: "وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (آل عمران: 139) فمداولة الأيام وتعاقب الشدة والرخاء محك لا يخطئ وميزان لا يظلم والرخاء في هذا كالشدة وكم من نفوس تصبر للشدة وتتماسك، ولكنها تتراخى بالرخاء وتنحل والنفس المؤمنة هي التي تصبر للضراء ولا تستخفها السراء وتتجه إلى الله تعالى في الحالين وتوقن أن ما أصابها من الخير والشر فبإذن الله.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوهن وأسبابه: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ فقال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت"(2).(13/264)
وتعريف الوهن في هذا الحديث (حب الدنيا وكراهية الموت) فالعقوبة عقوبتان العقوبة الأولى انتزاع المهابة والعقوبة الثانية عقوبة الوهن هاتان العقوبتان من الله تعالى الذي جعل المتخاذلين من المسلمين في كل المجالات في موضع الغثائية لا قيمة لهم تتقاذفهم أمواج المجتماعات المتحلقة من حولهم، وكل ذلك نتيجة الخواء والاستفراغ والتآكل الهيكلي للجسم المسلم فبعد أن كان ذو وزن وقيمة يخافه الناس مهابة وإجلالاً وتقديراً أصبح جسداً هيكلياً هشاً نحيفاً شاحباً تتدافعه الصيحات والأيدي، فالذي أوصل لمرض الغثائية ما هو إلا الاستجابة للدنيا بكل صيحاتها الاستجابة للنفس والهوى وللنساء وللمال وللمنصب والجاه... وعدد ما شئت من المغريات والملهيات وهذا واضح في قول الله تعالى: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ" (آل عمران: 14) وهذه الآية الكريمة تجمع كل ما يحتويه تعبير (حب الدنيا).
ونشأ عن مرض الوهن الحرص على تحصيل الدنيا بكل وسيلة وعلى جمعها بكل سبب وأصبح كل إنسان لا يهمه إلا نفسه وما يتعلق ببلاده وإن ذهب دينه ولهذا المرض العضال أسباب ومظاهر يمكن التحرز والابتعاد منه بعد معرفة تلك الأسباب والمظاهر الخطيرة المؤدية إلى إصابة الإنسان بداء الوهن وأهمها(3):
1- ضعف الإيمان:
فالإيمان جذوة تتقد في قلب الداعية فتقوده إلى كل خير وتنأى به عن كل شر فإذا ما ضعف الإيمان أو فقد فإن صاحبه لن يبالي بالمكرمات ولن يسعى للمعالي.
ثم إن ضعف الإيمان أو فقده أعظم ما يقرب الداعية ليرمي به في مستنقعات الوهن ويقلل بركة عمره وعلمه وعمله، فالإيمان بالله عز وجل وبقدره خيره وشره وما أعدّه للمؤمن من الأجر والمثوبة أساس كل أمر يقوم به الداعية.
2- ضعف الغيرة على الحق:
فالغيرة الصادقة تبعث صاحبها إلى الفضائل وتنهض إلى محاربة الفساد بكل صوره وتأخذ بيده إلى مكافحة المبطل أو المفسد وتقويم عوجه في تثبيت وحزم.
أما ضعف الغيرة على الحق أو فقدها فنقيصة خطيرة تنزل بالداعية إلى الوقوع في الآفات كالوهن والكسل في الدعوة والخوف وغيرها.
3 - الكسل في الدعوة.
وهذا من أعظم مظاهر الوهن فكم من المسلمين من يتوانى في الدعوة إلى الله مع أنه على درجة كبيرة من العلم والبيان تؤهله لنفع الناس والتأثير فيهم ودفع الضرر عنهم.
وكم ممن يدعو إلى الله من تضعفه نفسه ويصيبه الوهن وينكص على عقبيه عند أدنى عقبة تعترضه، إما من كلام الناس ولومهم وإما عن إعراضهم وقلة استجابتهم أو غير ذلك مما لا بد لمن يدعوا إلى الله من مواجهته والاستعداد التام لدفعه.
أين هؤلاء الدعاة من حياة الأنبياء والمرسلين ومن حياة العلماء العاملين والدعاة المخلصين؟
بل أين هم من العلمانيين ودعاة الانحلال والرذيلة والغرام والغزل ممن يضحّي واحدهم بكل ما عنده في سبيل الوصول إلى هدفه غير مبال بلوم اللائمين مع أنكم يا معشر الدعاة ترجون من الله مالا يرجون؟
4- التفريط في عمل اليوم والليلة:
التفريط هو التقصير في الأمر وتضييعه حتى يفوت وفي التنزيل: "أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّه" (الزمر: من الآية56) أي أنيبوا إلى ربكم وأسلموا له مخافة أن تصير إلى حال الندامة للتفريط في أمر الله.
وعندما يتلطخ ويتدنس الداعية والعياذ بالله فيصيبه الوهن ويكون غير محترس أو متحرز من المعصية لا سيما الصغائر تلك التي يستهين بها كثير من الناس ولا يولونها رعاية أو أهمية، وحينئذ فلا بد من العقاب ويكون العقاب بأمور كثيرة من بينها الإصابة بآفة الوهن والتفريط في عمل اليوم والليلة والتكاسل في أداء العبادات فيتكاسل في أدائه للوظائف العبادية التي ينبغي للمسلم الحفاظ والمواظبة عليها في اليوم والليلة حتى يخرج وقتها وتفوت مثل النوم عن الصلاة المكتوبة، ومثل إهمال النوافل الراتبة أو صلاة الوتر أو تضييع الورد القرآني والأذكار والدعاء أو المحاسبة لنفس والتوبة والاستغفار أو التخلف عن الذهاب إلى المسجد وعدم حضور الجماعة بغير عذر ولا مبرر أو إهمال عبادات أخرى أو إهمال الآداب الاجتماعية من عيادة المرضى وتشييع الجنائز والسؤال عما في الناس ومشاركتهم أحوالهم في السراء والضراء.. إلى غير ذلك من الطاعات والعبادات(4). فما يصيب الإنسان من وهن وما تصيبه من مصيبة فبما كسبت يداه يقول الله تعالى: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" (الشورى: 30)
5 - الاستعجال:(13/265)
ولا بد للمسلمين عامة ولحملة الدعوة خاصة أن يعتصموا بالصبر ويحذروا من الاستعجال فالنفس مولعة بحب العاجل والإنسان عجول بطبعه كأنه المادة التي خلق الإنسان منها قال تعالى: "خُلِقَ الْإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ" (الأنبياء: من الآية37) فإذا أبطأ على الإنسان ما يريده نفد صبره وضاق صدره ناسياً أن لله في خلقه سنناً لا تتبدل وأن لكل شيء أجلاً مسمى، وأن الله لا يعجل بعجلة أحد من الناس ولكل ثمرة أوان تنضج فيه فيحسن عندئذ قطافها والاستعجال لا ينضجها قبل وقتها فهو لا يملك ذلك، وهي لا تملكه ولا الشجرة التي تحملها إنها خاضعة للقوانين الكونية التي تحكمها وتجري عليها بحساب ومقدار، ولهذا خاطب الله رسوله بقوله: "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ" (الأحقاف: من الآية35)
6- اليأس:
وهذا عامل آخر يجر الداعية إلى الوهن ويقع فيه كثير من الدعاة فهو من أعظم الآفات التي تعوق الدعوة فإن اليأس لا صبره له لأنه يدفع الزارع إلى معاناة مشقة الزرع وسقيه وتعهده هو أمله في الحصاد فإذا على قلب وأطفأ شعاع أمله لم يبق له صبراً على استمرار العمل في أرضه وزرعه وهكذا كل عامل في ميدان عمله وصاحب الدعوة والرسالة كذلك ولهذا حرص القرآن الكريم على أن يدفع الوهن عن أنفس المؤمنين فبذر الأمل في صدورهم: "وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (آل عمران: 139) وقال تعالى: "فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ" (محمد: 35).
ولما أمر موسى عليه السلام قومه بالصبر إزاء طغيان فرعون وتهديده أضاء أمامهم شعلة الأمل فقال: "قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (لأعراف: 128).
ولما شكا خباب بن الأرت رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يلقى من أذى المشركين شكوى تحمل الضيق والتبرم ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً بما لقيه المؤمنون في الأزمنة الماضية ثم طرد عن قلبه اليأس وزرع فيه الأمل الخصب حين أخبره أن الله سيُتم هذا الأمر حتى يسير الراكب من أقصى الجزيرة إلى أقصاها لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه!!
وما ذلك إلا لأن الأمل أكبر معين على الصبر على طول الطريق ومشقاته وأن اليأس من أقرب الطرق إلى الوهن(5).
7 - قلة الصبر:
لا شك أن أهل الإيمان وأهل الدعوة أشد تعرضاً للأذى والابتلاء في أموالهم وأنفسهم وكل عزيز لديهم فقد اقتضى نظام الكون أن يكون لهم أعداء يمكرون بهم ويكيدون لهم ويتربصون بهم الدوائر كذلك جعل الله لآدم إبليس ولإبراهيم نمرود ولموسى فرعون ولمحمد أبا جهل وأمثاله "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ" (الفرقان: من الآية31).
فمن ظن أن طريق الدعوة مفروشة بالأزهار والرياحين فقد جهل طبيعة الإيمان بالرسالات وطبيعة أعداء الرسالات.
ولعل هذا الحسبان أو الوهم داخل نفوس بعض المؤمنين في العهد المكي بعد أن أصابهم من العذاب ما أصابهم فنزل قوله تعالى: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ" (العنكبوت: 2)
بل في العهد المدني نجد أن القرآن ينفي مثل هذا الحسبان الواهم في مثل قوله تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة: 214).
الجنة إذاً لا بد لها من ثمن وهي سلعة غالية فلا مضر من الثمن وقد رفعه أصحاب الدعوات من قبل فلا بد أن يدفعه إخوانهم من بعد دون أن يتطرق الوهن في قلوبهم.
8 - المبالغة في تعظيم شأن الخوف:
فهذا السبب من أكبر الأسباب الداعية لإصابة الإنسان بالوهن فكم من الدعاة من أقصره الخوف عن الدخول في ميادين الدعوة وللقرآن الكريم أبلغ الكلم في تصوير حال الجبناء فلننظر إليه إذ يصفهم ويرينا كيف يذوقون موجات الفزع المرة بعد الأخرى فيقول "يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ" (المنافقون: من الآية4).
ويرينا كيف يظهر أثر الجبن في أبصارهم إذ يقلبونها وهم في ذهول من أدركه الموت، فيقول: "أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ"(الأحزاب: من الآية19).
كما أن القرآن الكريم نعى على الجبناء ونبّه على أنهم قد فقدوا جانباً في رجولتهم قال تعالى في توبيخ قوم تأخروا عن الجهاد في سبيل الله وقعدوا مع من لم يُخلقن للطعن والضرب: "رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ" (التوبة: من الآية87).
فهذا الخوف الذي ذكر خوف سلبي مانع من الدعوة ولهذا صح أن يكون سبيلاً إلى الوهن والفتور(6).
9 - المبالغة في احتقار النفس:(13/266)
فكثير من الدعاة مصابون بهذا الداء فالواحد من هؤلاء يبخس حظه ويبالغ في احتقار إمكانياته ولا يثق في نفسه البتة بل يرى أنه دون مستوى القيام بالدعوة وأنه لا قيمة لدعوته ولا أمل في نجاحه ولا يمكن أن يصدر منه عمل عظيم يسد ثغرة في ميدان الدعوة فهذا شعور بالوهن والضعف وصغر الشأن ومن شأنه أن يقتل الطموح ويفقد ثقة الداعية بنفسه فإذا هو أقدم على عمل شك في مقدرته وارتاب في إمكان نجاحه(7).
ومن طبيعة الناس أنهم يحتقرون من احتقر شأنه ويدوسون بأقدامهم من استذل وفي الوقت نفسه يحترمون المقدام الواثق من نفسه العالم بقدرها فالثقة بالنفس فضيلة وشتان بينها وبين الغرور الذي يعد رذيلة فثقتك بنفسك أيها الداعية تعني معرفتك الصحيحة بها وبمقدار ما تتحمله من أعباء الدعوة الإسلامية وما تلتزمه من واجبات، وكذلك عملك بما لديها من استعداد وملكات ومواهب حتى تتمكن من القضاء على الأوهام التي تعوق طريق دعوتك(8).
10 - التقصير في الأخذ بمقومات النجاح:
إن التقصير في الأخذ بمقومات النجاح وأسباب الفلاح قد يؤدي إلى تسليط الوهن وسيطرته على القلوب ومن ثم إلى الفشل والإخفاق ويتولد من أثر ذلك بعض المفاهيم والأعمال الخاطئة فيسرع الرجل إلى الإعراض والنفور من الناس وبدلاً من أن يصبر أو ينقذ نفسه ويغير أسلوبه ويعالج خطأه نراه يلقي باللائمة على الناس ويحكم عليهم بالفساد والاستعلاء عن الحق وأنهم أعداء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح الذي قال فيه: "إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم"(9).
فلا بد من إعداد العدة البدنية والمادية والمعنوية وسائر أنواع العدة من جميع الوجوه حتى نستغني بما أعطانا الله سبحانه وتعالى من الأسباب لنجاح دعوتنا.
11 - صحبة الأشرار ومرافقة المخذلين والسفهاء:
ومن الأسباب المهمة التي تؤدي إلى تحكم الوهن في تصرفات الداعية هي صحبة أشرار الناس ومرافقة المخذلين والسفهاء فالصحبة السيئة تحسن القبيح وتقبح الحسن وتجر المرء إلى الرذيلة وتبعده عن كل خير وفضيلة ذلك أن المرء يتأثر بعادات جليسه فالصاحب ساحب.
ثم إن مجالسة الخذلين ومرافقتهم تنساق بصاحبها إلى الحضيض فكلما هم بالصعود عوقوه عن همته وثنوه عن عزمه تارة بالتخذيل وتارة بالتخويف وتارة بوضع العراقيل.
وقد صدق من قال:
وأشد ما يلقى الفتى من دهره *** فقد الكرام وصحبة اللؤماء(10)
ومن الناس من إذا ابتلى بسيفه ساقط لا خلاق له. أخذ يجاريه في قيله وقاله مما يجعله عرضة لسماع مالا يرضيه من قبيح القول ورديئة فيصبح مساوياً للسفيه في سفهه إذ نزل إليه وانحط في مرتبته(11)
إذا جاريت في خلق دنيئاً *** فأنت ومن تجاريه سواء(12)
وهناك أسباب أخرى كثيرة لتسلط الوهن على الداعية لا يسعنا ذكرها هنا بالتفصيل ومنها:
التهرب من المسؤولية، والتكلف والتصنع، والاشتغال بما لا يعني والانصراف عما يعني، والتحسر على ما مضى وكثرة التلاوم وقلة العمل، وكثرة الشكوى إلى الناس، والاسترسال مع الأماني الكاذبة، والتردد في أمور الدعوة وغيرها.
فالمقصود من ذكر ما تقدم هو تحقيق غاية الدعوة، والبعد عن الأسباب التي تقف أمام الداعية، فيجب الإقلاع عن تلك المظاهر والوسائل المؤدية إلى غرق سفينة الدعاة.
----------------
(1) المعجم الوسيط 2/1060
(2) رواه أبو داود في كتاب الملاحم، باب تداعي الأمم على الإسلام، والإمام أحمد في المسند برقم 21363
(3) راجع على سبيل المثال: عدة الصابرين لابن القيم الجوزية، وأدب الدنيا والدين للماوردي، ورسائل الإصلاح لمحمد الخضر حسين، والهمة العالية لمحمد بن إبراهيم الحمد.
(4) الجواب الكافي لابن القيم الجوزية ص 74
(5) راجع كتاب المحن للتميمي، والصبر في القرآن للدكتور يوسف القرضاوي ص 113
(6) الهمة العالية ص 7879
(7) الهمة العالية ص 7778
(8) الهمة العالية ص 7778
(9) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن قول هلك الناس صحيح مسلم بشرح النووي 13/175
(10) ديوان البارودي ص 31
(11) الهمة العالية ص 6274
(12) ديوان أبي تمام4/296
13/7/1426هـ
http://www.almoslim.net المصدر:
=============
مقومات النجاح في تكوين الداعية
د. علي بن عمر بادحدح
التميز الإيماني من أهم ركائز ومستلزمات الدعوة:
إن الدعوة إلى الله هي مهمة الرسل والأنبياء، ورسالة الوارثين من الدعاة والعلماء (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن)، والدعوة لها مستلزمات ومتطلبات، ومن أهم ركائزها وأولى دعائمها الإيمان والعلم وهما أعظم الأسس وأولى الأولويات، ولذا فإن التوضيح لهما والتركيز عليهما له أهميته في تثقيف وتكوين الدعاة.
ونبدأ اليوم بالتميز الإيماني والتفوق الروحي باعتبارهما الركيزتين الرئيستين اللتين تعتمد عليهما الدعوة.
فالتميز في مجال الإيمان عقيدة صحيحة، ومعرفة جازمة وتأثيراً قوياً يعد بلا نزاع أهم المقومات وأولى الأولويات بالنسبة للداعية، لكي يكون عظيم الإيمان بالله، شديد الخوف منه، صادق التوكل عليه، دائم المراقبة له، كثير الإنابة إليه، لسانه رطب بذكر الله، وعقله مفكر في ملكوت الله، وقلبه مستحضر للقاء الله، مجتهد في الطاعات، مسابق إلى الخيرات، صوام بالنهار قوام بالليل، مع تحري الإخلاص التام، وحسن الظن بالله وهذا هو عنوان الفلاح، وسمت الصلاح ومفتاح النجاح، إذ هو تحقيق لمعنى العبودية الخالصة لله وهي التي تجلب التوفيق من الله فإذا بالداعية مسدد، إن عمل أجاد، وإن حكم أصاب، وإن تكلم أفاد.(13/267)
وهذا الباب واسع الجوانب متعدد المستلزمات، وحسبي أن أبرز أهم هذه الجوانب:
1- عظمة الإيمان بالله:
فأساس كل أمر هو تجريد التوحيد والبعد عن الشرك. ولا بد أن يكون الداعية صحيح الإيمان، خالص التوحيد، وعنده من العلم ما يعرفه بالله وربوبيته وأولوهيته وأسمائه وصفاته، وان تستقر هذه المعرفة في سويداء قلبه، وتملك عليه أقطار نفسه، وتجري مع الدماء في عروقه.
وهذه الغاية العظمى تتصل أكثر شيء بأعمال القلوب التي تخفي على الناس ولا يعلمها إلا علام الغيوب، إلا أن آثار ذلك تظهر بوضوح في الأقوال والأفعال، وكل ذلك ينعكس على الداعية فتظهر على شخصيته آثار الإيمان الصحيح المتحرك ومن أبرزها:
أولا: التحرير من عبودية غير الله
الإيمان قوة عظمى يستعلى بها المؤمن على كل قوى الأرض، وكل شهوات الدنيا، ويصبح حرا لا سلطان لأحد عليه إلا لله، فلا يخاف إلا من الله، ولا يذل إلا لله، ولا يطلب إلا من الله، ولا يأمل إلا في الله، ولا يتوكل إلا على الله، وللإيمان تأثير كبير في أعظم أمرين يسيطران على حياة البشر وهما: الخوف على الرزق، والخوف على الحياة
أما الأول: فلا يخفى كم أذل الحرص أعناق الرجال، وكم شغل الناس حب المال، لما ذهب الذهب بأبصارهم وسبى قلوبهم، أما المؤمن فحقائق الإيمان تملأ قلبه فلا يتأثر بشيء من هذا لأن في قلبه قول الحق جل وعلا {وفي السماء رزقكم وما توعدون} [الذاريات: 22].
ولأنه يعلم من بيده الرزق {فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له} [العنكبوت: 17].
الثاني: اليقين
فيقين المؤمن أن الموت والحياة بيد الله، وأنه لا ينجي حذر من قدر، وأن الأمة لو اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وأن الموت ليس بالأقدام وأن السلامة ليست بالإحجام بل كما قال تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} [النساء: 78].
2- الخشية من الله:
وهي من أعظم آثار الإيمان وأبرز أوصاف المؤمنين {الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون} [الأنبياء: 49]
{الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله} [الأحزاب: 39]
وقدوتهم في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (إني لأخشاكم لله وأتقاكم له) [أخرجه البخاري في كتاب النكاح "الفتح: 9104"].
" والخشية أخص من الخوف، فهي خوف مقرون بمعرفة" [تهذيب مدارج السالكين: ص: 269]
وعندما تعمر الخشية والخوف قلب الداعية المؤمن يتميز عن الغافلين والعابثين لأن الخوف يحول بين صاحبه وبين محارم الله.
والخشية أساس مراقبة الله ترقى بالمؤمن إلى درجة الإحسان وأن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه.
3-الإخلاص لله
" الإخلاص لله روح الدين ولباب العبادة وأساس أي داع إلى الله" [مع الله: ص 201].
وهو " في حقيقته قوة إيمانية، وصراع نفسي، يدفع صاحبه بعد جذب وشد إلى أن يتجرد من المصالح الشخصية، وأن يترفع عن الغايات الذاتية، وأن يقصد من عمله وجه الله لا يبغي من ورائه جزاءً ولا شكورا " [صفات الداعية النفسية: ص 12].
فالمخلصون " أعمالهم كلها لله، وأقوالهم لله، وعطاؤهم لله، ومنعهم لله، وحبهم لله، وبغضهم لله، فمعاملتهم ظاهرا أو باطنا لوجه الله وحده " [تهذيب مدارج السالكين: ص68]
والإخلاص للداعية ألزم له من كل أحد وأهميته تفوق كل أمر، وهو استجابة لأمر الله {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة: 5].
4- حسن الصلة بالله
المقصود بها إقامة الفرائض، والاستكثار من النوافل، والاشتغال بالأذكار، والمداومة على الاستغفار وكثرة التلاوة القرآنية، والحرص على المناجاة الربانية، وغير ذلك من القربات والطاعات.
والخلاصة أن التميز الإيماني من أعظم أسباب نجاح الداعية، إذ ليس النجاح بفصاحة اللسان ولا قوة البرهان ولا كثرة الأعوان، بل هو مع ذلك وقبل ذلك بتوفيق الله الذي يخص به أولياءه ولا شك " أن الدعاة الذين يكرسون أوقاتهم لله لدفع الناس إلى سبيله، لا بد أن يكون شعورهم بالله أعمق، وارتباطهم به أوثق، وشغلهم به أدوم، ورقابتهم له أوضح"، ونحن نريد روحانية إيجابية لا انعزالية ترتكز على العبادات والأوراد بعيدة عن التفاعل مع الحياة وما فيها من هموم ومعاناة، نريد "روحانية إيجابية تحفزه للتضحية وتستهدف الشهادة وتعمق الحاجة إلى رضا الله لتغدو هاجسا يوميا يلاحق كل مواطن رضاه في عملية تدقيق ومعاناة تجعله يعيش مع عقيدته في أفكاره ومشاعره وفي علاقاته ومطامحه، فتتحول في داخل ذاته إلى هم يومي متحرك يراقب الأشياء من خلاله، ويحدد موفقه منها على أساسه".
http://www.olamaalshareah.net المصدر:
===========
كنوز البيوت
الشيخ عبد السلام العييري
حديثي في هذا الموضوع ليس من نسج الخيال ولا من روايات..
فكرة طرقت باب ذهني منذ زمن..كانت تطالب ببلورتها..
كثيرة تلك ولكن بعضها يعاود الطرق لسبب أو لعده تؤججها أحداث الواقع..
ليست قصص لأن الساحة مليئة بذلك.. ولا قيل وقال.. إنما شواهد وقفت عليها بنفسي..
أيها الأخوة..
لا تخلو مجالسنا من تلك النقولات المؤلمة التي تجرح القلب وتنزفه دما يقف بفضل من الله ثم النسيان..(13/268)
كثيرا ما نسمع.. فتاة خرجت مع شاب انتهك عرضها!.. فتاة أحبت شخص واولع بها حتى جاءها في بيت أهلها!.. شاب قد قبض عليه ومعه بنت لم تتجاوز العشرين.. عامل له علاقات مع النساء في السوق!.. صاحب محل أوقع بعدة نساء في مستودع محله بواسطة إغرائهن بسلع مخفضه!.. خادمه حملت ووضعت وعندما سوئلت تقول لا اعلم أهو من كفيلي أم ابنه!!.. طالبات المدارس يتبادلن الصور والأفلام وأرقام الشباب.. سائق له علاقات وطيده مع بنات كفيله وقريباتهن!.. توصيل طلبات المنازل لهم صولات وجولات في تلك الحوادث!..
بغض النظر عن صحة هذه النقولات.. ولكنها متداولة بشكل كبير بيننا..
حتى يظن البعض أن الدنيا قد انتهى ما فيها من الخير وأن الشر قد عم..
هذه القصص المؤسفة لا تخلو من مساوئ:
1- بعث الاحباط للسامع والمجتمع..
2- الشك بالناس حتى يشك الواحد في أهل بيته..
3- تقويه السامع مدخر الفساد على إخراجه وإفشائه..
4- الاشغال عن ما هو أصلح من دعوة وطلب علم..
5- الابتعاد عن الفأل الشرعي وهو مخالفة لمنهج النبي - صلى الله عليه وسلم -..
صحيح ذلك.. أنه في آخر الزمان تكثر الفتن وذلك من علامات قيام الساعة.. وهذا ما نص عليه الحديث لقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - (ليكونن من أمتي أقوام، يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف)
ولكن لا نجعل كل ما يحدث حولنا انه من علامات قيام الساعة.. لأن ذلك سيكون مدعاة لبعضنا بوقف الإصلاح في المجتمعات الإسلامية..
بعض العلماء يرى أن ذكر تلك القصص المحزنة ونشرها في المجتمع هو من نشر الفاحشة!
{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (19) سورة النور
وهذا خطير
كل تلك الأحداث التي نسمعها لم تذكر في مجالسنا إلا لأنها شاذة ومثيرة..
لأننا مجتمع محافظ فلا بد من كل شاذ أن ينتشر..
أما في المجتمعات الغربية فلا عجب أنه يوجد تلك الانتهاكات للإنسانية والهدم للأخلاق..
يعني لو قيل أن بنتا غربية في بلاد الكفر في الرابعة عشر من عمرها تعمل راقصه أو ما شابه.. فلا عجب في ذلك.. لأنه لا دين يحكمهم..
أما لو قيل مثل ذلك - أعاذنا الله وإياكم - في مجتمعنا السعودي لتناقلتها ألسن الناس وتداولتها المجالس..
أما الأخلاق التي فطرنا عليها فإن من النادر ذكرها..
بنات في سن الزهور يحفظن القرآن والسنة ومعهن العلم الوفير.. ولكن لا تجد من ينقل أخبارهن بين الناس لأنها (قصه) ليست مثيره كالأخريات..
في أفضل قرن عهد الصحابة رضوان الله عليهم.. وجد السارق والزاني والزانية والحاسد والكذاب والمنافق..
فلا يخلو زمن من الفساد..
أفضل القرون كما نص على ذلك النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم حيث قال (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن)
وجد به تلك الأحداث وذكرت وأُرخت..
فما بالكم بالله عليكم في قرننا هذا؟!..
لابد من الشواذ..
سأذكر لكم بعضا من الشواهد في مجتمعنا وسأقتصر هنا على الفتيات في سن ما يسمى المراهقة.. أي السن من 14 سنه وحتى 25..
وأركز هنا على الفتيات لأنه إذا قيل فتاة فسدت فإنها أقسى على القلب من الشاب إذا فسد..
لأن الشاب معرض للمهالك لا من الفضائيات (بيته) ولا من الشارع..
وإذا قيل إن شاب حافظا للقرآن فلا عجب في ذلك لأن حلق القرآن منتشرة في كل مكان وتهيئه لذلك سريع وممكن..
لذا.. سأقتصر هنا على الفتيات الصالحات المصلحات..
شابه في التاسعة عشر من عمرها تحفظ من المتون أحد عشر..
شابه لم تتجاوز الـ17 تتكفل بالمال والإعداد لحقائب دعوية ترسلها لقرى نائية..
بنت لم تتجاوز الـ 15 من عمرها تدير حلقه لتحفيظ القرآن في مدرستها..
بنت قرأت فتح الباري ثلاث مرات واظنها قامت بتلخيصه..
طفلة في الصف الخامس ابتدائي تحضر اختبار لدورة أقيمت في إحدى المراكز ونجحت في ذلك الاختبار..
أخرى في الصف الثاني تحضر نفس الاختبار ولكن أمها تعتذر أن البنت لا تعرف أن تكتب جيدا فطالبت بالاختبار شفويا..
دورة علميه أعلن عنها في إحدى المدن سجل من تلك المدينة فقط 600 متقدمه..
دورة علميه عند أحد المشايخ عنده قرابة 7 طالبات مستمرات معه منذ 9 سنوات وحتى الآن..
أيضا عند نفس الشيخ عنده 14 طالبه لهن ما يقارب 5 سنوات وحتى الآن..
و أحد المشايخ لديه 30 طالبه في دروسه لهن سنه ونصف من مدينته التي هو فيها فقط من غير المناطق الأخرى اللاتي يتلقين العلم عنه عبر وسائل الاتصال..
مجموعة من البنات خصصن أنفسهن للدعوة في وقت العطل للملاهي والأماكن السياحية النسائية كل أسبوع على بنت أو اثنتين يخصص لهن مكان يذهبن إليه..
إحدى المدن المتوسطه فيها 28 دار نسائيه وازدحام شديد على كل دار حتى أنه يقفل التسجيل في بعضها بعد فترة قصيرة من افتتاحه.
مدينة أخرى فاق عدد المسجلات في إحدى الدور فاضطرت المديرة أن تضع لهن مكان في السطح فازداد العدد حتى اضطرت أن تأخذ الحديقة الخارجية لتضع فيها الطالبات..
بنت أعطت إحدى المشرفات في إحدى المراكز النسائية ظرف فيه تبرعات منها فقدر الله أن يسقط الظرف ويخرج ما فيه تقول المشرفة أن الظرف كان يحوي 17 ألف ريال وكانت الطالبة تردد على المشرفة كلمة (استري علي الله يستر عليك)..(13/269)
بنت تقول أنه حاضر أحد طلبة العلم المتخصص في أمور النساء في إحدى المدن القريبة منا فتقول والله أنها صارت هجرة جماعية لنساء مدينتنا إلى تلك المدينة الأخرى المتواجد فيها الشيخ كل ذلك حبا للعلم..
كفيفتان تحضران إحدى الدورات العلمية يتلقين العلم بالسماع ويختبرن بعد ذلك شفويا ونجحن بامتياز ودرجة التميز..
أميتان تحضران إحدى الدورات العلمية (إحداهن تقرأ ابنتها عليها حتى تحفظ) نجحن بإمتياز.
بنت حافظة للقرآن تقول راجعته مع قريباتي بظرف خمسة أسابيع فقط تقول حتى إني حفظته صفحة صفحه..
إخوتي وأخواتي.. يا رعاكم الله..
بعد هذا العرض والسرد السريع لتلك الوقائع والشواهد.. لا أجد نفسي أقول شيئا سوى أن الخير باق..
رأيتم كيف فعل حب العلم بتلك النسوة.. (ربما كلمة نسوة كبيرة عليهن) إنما هن بنات في ريعان شبابهن..
لا يغركم كثرة الفساد.. ولا يعني ذلك أنه تناسبٌ عكسي.. يكثر الفساد فيقل الخير.. هذا من رأيي مبدأ خاطئ.. فالخير بازدياد..
أحدهم من كثرة شكه بالناس طالب أمه أن تبحث له عن بنت يتزوجها لا يكون عند أهلها هاتف!..
هذا من تأثير تناقل الناس للفساد وإفشاءه..
لا أقول مختتما سوى اللهم احفظ من حفظ الدين وارفع درجاته واجعل منزلته في عليين انه سميع مجيب..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
http://www.abdslam.com المصدر:
============
إياكم ولجام الذل!!
يسري صابر فنجر
في ظل توالي النكبات والهزائم، واستمرار الشجب والعويل، والتنديد والقنابل الكلامية بحثاً عن حل لهذا الواقع الظاهر الفاسد الذي تبكي منه العين دماً، ويتصدع القلب أسفاً، وتشتكي الجوارح ألماً، أصبح عزاؤنا قول الشاعر:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
إن الخطباء على المنابر وأصحاب الأقلام أسكبوا الدم وصفاً لهذا الواقع المؤلم، ورددوا قول الشاعر:
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
إننا نجد الكثير ممن تفوح منه رائحة التحدث عن الواقع، وإلقاء التبعات؛ ثم لا يحرك ساكناً، ولا يتفاعل تفاعلاً إيجابياً مع واقع أمته بل واقعه هو، فهو يحس بالذل والمرارة لكنه لا يؤدي واجبه، ولا ما يلزمه تحقيقه تجاه دينه ونفسه وأسرته وجيرانه ومجتمعه.
إني أبحث في كلماتي هذه عن حل لأخرج به من إعلام يسقينا الذل، والأمة مستهدفة، والحروب النفسية دائرة، فلم هذا الذل يا مسلمون، وإلى متى؟!
لقد أكل الصحابة - رضي الله عنهم - ورق الشجر في مقاطعة قريش لنبيكم - صلى الله عليه وسلم - في بداية ظهور الإسلام وانتشاره، وقتل عمه حمزة - رضي الله عنه - ومُثّلَ به، وقد روى البخاري ( 3231) ومسلم ( 1795) من حديث عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ:" لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ؛ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال: يا محمد فقال: ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا".
وهكذا في تاريخ الأمة الطويل والممتد من الهزائم الظاهرة إلا أنها بطولات فائقة، ليس فيها الخور ولا الذل، ولا التدني وصور الهزائم واحدة، والنكبات في السابق أفظع، ولكن كان لديهم في قلوبهم من اليقين ما جعلهم يحولونها إلى بطولات فائقة لأنهم طبقوا شرع الله في نفوسهم وذويهم، ومجتمعهم وأمتهم ما نبحث عنه الآن، لديهم من العزة والكرامة والرفعة ما نحتاجه الآن (( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ))[ آل عمران:139].
لقد حبس من حبس من الأئمة والعلماء والمجاهدين، ومات تحت التعذيب من مات، ولم يزدهم ذلك إلا عزة وكرامة، وبقيت كلماتهم وأفعالهم نبراساً ونوراً يهتدي به الأحياء، وذكرى طيبة خيرة على مر العصور، فكانت المقالة الشهيرة عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "ما يصنع أعدائي بي؛ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة) فأي عزة تلك، وأي علو هذا، فلنقرأ التاريخ والسير فنشعر من أعماقنا وسويداء قلوبنا بالفخر والاعتزاز لأننا خلف لأولئك الأبطال؛ لكن أين نحن منهم:
لا تعرضن بذكرنا مع ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
لئن فخرت بأقوام مضوا سلفاً لقد صدقت ولكن بئس ما خلفوا(13/270)
فقط من قراءة ما سطروه أو سطر عنهم نشعر بقلوبنا تهتز، وعقولنا تنبهر، فنتفاعل مع واقعنا وحاضرنا كما تفاعلوا هم مع حاضرهم وواقعهم، روى الإمام أحمد في مسنده (16957) بسند صحيح عن تميم الداري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله الدِّينَ؛ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزّاً يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ )، وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يَقُولُ: قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ"، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ؛ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ) رواه أبو داود (3462) بسند صحيح، فهذه نصوص نبوية وغيرها صريحة في أسباب الذل ووهن العزائم، ولا بد أن تكون هناك سنن كونية للاختبار، وعسى أن تكون هذه المحن والمصائب والشر العريض وراءه خير كثير قال - تعالى-: (( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ))[البقرة:216]، وقال - تعالى-: (( فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ))[النساء: من الآية19]، ومن المحن تأتي المنح، وسئل الإمام الشافعي - رحمه الله - أيهما أفضل للمرء أن يمكَّن أم يبتلى؟ فقال: لا يُمَكن حتى يبتلى.
وإن أردتم التمكين والنصر فأقيموا دولة الإسلام في قلوبكم وأفعالكم؛ تقم لكم على أرضكم، أقم الإسلام في قلبك وولدك، وأسرتك وجيرانك ومجتمعك، واجعل الصلة قوية بينك وبين الله؛ وقتها لن تحس بالذل حتى لو فصلت رقبتك عن جسدك، وعدوك نفسُهُ طويل، ودراساته حصيلتها بعد أجيال، وإن شئت فاقرأ بروتوكولات حكماء صهيون (( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ))[الأنفال: من الآية30].
فأحرى بك أن تتسابق في بناء جيل قلبه معلق بالمساجد، جيل نشأ في عبادة الله - عز وجل -، جيل مَثلُه الأعلى أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم - رضي الله عنهم - أبعد ذلك نجد من يقول: لا أملك شيئاً، وآخر يقول: إلى متى نظل ندعو أَوَلَا نملك إلا الدعاء؟ في أسلوب يائس، ثم يركن إلى شهوة زائلة يقضي فيها عمره دون تحمل أدنى مسئولية، وهذا الأسلوب يؤدي إلى الذلة والخور، أو إلى البطش والجَوْر، وكلاهما مُر، وعواقبه وخيمة؛ أما الأسلوب الأمْثَل فهو التربية والجد والاجتهاد، واحرص على أن لا يؤتى الإسلام من قِبَلِك، ولا يستهان بالدعاء فبه أقيمت دولة، وبه فتحت أرض، وهو العبادة، فنحن نملك الكثير، ولدينا من نعيم الدنيا الكثير والكثير ما لم يكن عند الصحابة - رضي الله عنهم -، ولدينا دين أقام به الصحابة - رضي الله عنهم - هذه الدنيا الفانية على تقوى وبرهان، وفتحوا حصون كسرى وقيصر، ومن معاركهم الفاصلة معركة القادسية حيث ذكر التاريخ قبلها مشاورات ومفاوضات وسفراء لديهم من القوة الإيمانية والائتلاف على قلب رجل واحد، ولديهم نفسية رفيعة، وعقلية محكومة بأسس ومبادئ وقيم تربوا عليها، وعاشوا فيها، نابعة من دينهم وعقيدتهم الإسلامية، فالعزة التي كانوا عليها ليست عزة ملك أو مال، أو سلطان أو جاه، كلا بل هي قوة إيمانية تملكت القلب والعقل، واللسان والفعل، نسأل الله من فضله.
المصدر : http://www.islamselect.com
============
كيف تبلورت إستراتيجيات الدعوة ؟
لم يكن بالإمكان التخطيط لأي شيء دون معرفة الواقع الإفريقي في تفاصيله وتلاوينه المختلفة وذلك بالزيارات الميدانية والإطلاع المباشر على أوضاع وأحوال المجتمعات الإفريقية عامة والإسلامية منها خاصة سواء في العوالم الحضرية، أو العوالم القروية مهما كانت نائية وصعبة للوصول إليها.
وبعد سنوات من الإطلاع والاستكشاف، اتضحت إلى حد كبير الصورة العامة لأوضاع تلك المجتمعات، وكانت هذه المرحلة هي الخطوة الأولى الضرورية لبلورة استراتيجيات على أساس الاعتبارات الجوهرية التالية:
1 - النسبة العددية للسكان المسلمين:
• هناك بلدان كانت غالبية مسلمة (90% من إجمالي السكان فما فوق) ولها تاريخ إسلامي عريق في الدعوة والجهاد ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وهذه لها أوضاعها الخاصة التي أخذت في الاعتبارات وبالتالي كانت الأهداف التي تم التركيز عليها دعم وتقوية عناصر القوة في الحياة الدينية للمسلمين في هذه البلدان ببرامج مناسبة ومتنوعة.
• وهناك بلدان ذات أقليات مسلمة (تتراوح بشكل عام بين 40% مثلاً و 1% أو أقل)، وهذه الأقليات المسلمة لها أوضاعها الخاصة، وبالتالي فإن الأهداف الخاصة بها تشترك مع سابقتها وتزيد عليها بنوع من التركيز على برامج خاصة لا سيما الاهتمام بتوفير فرص التعليم الجامعي والعالي في بلدانها أو خارجها.(13/271)
• ثم هناك المجتمعات الإفريقية التي لا تزال على دياناتها التقليدية (الأرواحية والوثنية) أو لمن انتشرت فيها المسيحية، واستراتيجية الدعوة في هذا الحالة تركز على الدعوة لاعتناق الإسلام ببرامج وأساليب أخرى، تدخل فيها المشاريع ودور الكتب والدعوة الميدانية والإغاثة...الخ.
2 - اكتشاف " المناطق الهشة ":
والمقصود وجود مناطق وبلدان معينة تخضع لتنفيذ استراتيجيات خارجية بالأساس تهدف إلى تفتيت المناطق القوية للمسلمين وإضعافها لصالح المشروع التنصيري أو لصالح النفوذ الأجنبي لهذه القوة الاستعمارية السابقة أو تلك أو لصالحهما معاً.
وعادة ما تستغل التمايزات القبلية والدينية لإيجاد مسوغات لتنفيذ تلك الاستراتيجيات، ونستطيع أن نضرب مثلاً رئيسياً بما يعرف بـ " خط النار " وهو خط من الفتن الداخلية ذات الخلفيات الخارجية الممتدة من السنغال إلى السودان مروراً بمالي والنيجر وتشاد.
ومن " المناطق الهشة " كذلك، الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي بكل تداعياته على البلدان الواقعة في المنطقة، ولكن بالأساس على حساب المسلمين في هذه المناطق…
هذه الأوضاع التي تعمل على إضعاف شوكة المسلمين فيها، وإن كانت القناعة الحاصلة الآن لدى " العون المباشر " أن التنمية الشاملة والتعاون الإقليمي هما المخرج الوحيد من مخاطر الصراعات الإقليمية وشراك الفتن التي يؤججها خصوم إفريقيا والإسلام، وفي تقديرنا فإن المنظمات الإسلامية غير الحكومية تستطيع أن تقوم بدور جيد في هذا المجال، إن هي اتجهت للتنسيق والتعاون فيما بينها وهذا أمر نعتقد أنه واجب شرعي.
http://www.labaikafrica.org المصدر:
============
بصائر للداعيات إلى الله
د. عبد المعطي الدالاتي
عبر تاريخنا المديد، قام الدعاة والداعيات إلى الله بتسليم أمانة الإسلام من جيل إلى جيل، حتى غدا سند العقيدة متصلاً بالتواتر المستفيض.
والدعوة إلى الله تشريف وتكليف معاً، فعلى كل مسلمة أن تحمل في كيانها نسيج الداعية.
وفيما يلي بصائر ومعالم في طريق الداعيات إلى الله تعالى.
أولاً: الاستعانة بالله تعالى وإخلاص النية له، والتجرد من حظوظ النفس، فعلى المسلمة الداعية أن تعزل الدعوة عن مصالحها الشخصية.
هذا الإخلاص هو سر النجاح في الدنيا والآخرة. والله تعالى قد يقبل منا الجهد القليل، ولكنه لا يقبل إلا النية الخالصة له وحده.
ثانياً: تعتبر القدوة أسرع ناقل للقيم، فبالقدوة الحسنة تكون المرأة المسلمة كتاباً مفتوحاً يقرأ من حولها فيه جمال الإسلام، وجلال القيم والأخلاق التي ينطوي عليها دين التوحيد.
وما جدوى قول لا يصدّقه عمل؟! إنه لن يثمر شيئاً، إذ كيف يستقيم الظل والعود أعوج؟!.
إن المريض لا يستطيع أن يمثّل دور السليم طويلاً أمام الآخرين!.
ثالثاً: على المسلمة الداعية أن تؤمن حقيقة بما تطرح من أفكار كي يؤمن معها الناس، وعليها أن تسقي أفكارها من دمعها، وأن تطعمها حرقة من قلبها حتى تنبت في القلوب. فالمحافظة على يقظة الفكر وعلى حضور القلب في كل كلمة شرط للمحافظة على حياة هذه الكلمة، وما جدوى كلام يخرج ميتاً؟! إنه لن يتبناه أحد، فالناس لا يتبنون الأموات!.
رابعاً: إنّ القيم المعصومة في القرآن والسنة والسيرة المطهرة تمنح العقل المسلم رؤية واضحة للكون وللحياة. " فالقرآن الكريم هو سجل الوجود " كما يقول" شيخ الإسلام ابن تيمية" رحمه الله. فالمنطلق من هاهنا، ولا أسلَم للداعيات ولا أحكم من اتباع المنهاج القرآني في الدعوة؛ هذا المنهج الذي ركّز على:
أ - الخوف من الله تعالى.
ب - الرجاء في الله واليوم الآخر.
ج - محبة الله تعالى ومحبة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
د - التدبّر العميق لآيات الله في القرآن، والتفكّر في آيات الله المبثوثة في الآفاق والأنفس.
هـ - العيش في ظلال السنة المشرفة، والسيرة النبوية المطهرة، باعتبارها الفترة المعصومة من تاريخنا التي طبقت فيها قيم القرآن والسنة.. وإن الحياة في ظلال الرسول حياة.
إن اعتماد الداعيات هذا المنهج يوصلهن بحول الله إلى بناء إنسان مسلم يكون " هادياً مهديّاً "، صالحاً في نفسه، مصلحاً لأمته، محباً للخير والحق والجمال، متوازناً عقَدياً وفكرياً وروحياً وحضارياً..
خامساً: العدل و الموضوعية واحترام عقول الناس، والاهتمام بهمومهم واهتماماتهم.. يقول الله تعالى: " ((اُدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلْهم بالتي هي أحسن)) [سورة النحل 125].
فالداعية الموفَّقة تُقنع العقل بالحكمة، و تُمتع القلب بالموعظة الحسنة " لا الخشنة ". و تخاطب القلوب بالمحبة، قبل أن تخاطب العقول بالمعرفة.
يقول د. محمد إقبال: "هناك من أهل الحرم من جفا الحرم، ذلك لأن حادي الركب لم يجد الكلام الذي يسحر به القلوب.. يا حادي الركب: لا تيأس منهم إنْ كنت حكيماً، تنقص المسافرين العزيمة، ولا تنقصهم الرغبة في الوصول ".
وإنّ كل إنسان ينطوي على منطقة خصبة في أعماقه تنتظر من يزرع فيها فسائل الخير. فقليل من الرفق بالناس، وقليل من العطف على ضعفهم حتى يتفجر الخير المذخور فيهم.
بعضٌ من حِلمٍ، من صبرِ *** بعضٌ من يُسرٍ، من بِشر ِ
بعض من حبٍّ وحبورٍ *** يسكن في أعماق الصدرِ
لتُفجّرَ في صدر الغيرِ *** يُنبوعاً ثَرًّا للخيرِ
و((المجادلة بالتي هي أحسن)) تشمل معاني كثيرة: من لطف ولين في الوعظ.. إلى دقة وحسن ترتيب للأفكار.. إلى فقه في الأولويات، وجمال في العرض، ومعاصرة في البيان. فالأسلوب الواعي الجميل جزء من الفكرة.. إلى دقة وصواب في المعلومات والأحاديث والقصص الوعظية.(13/272)
فالإسلام حق، والحق قوي بذاته، ولا يحتاج الإسلام ألسنة ولا أقلام المخرفين والوضاعين!! ولكنّا للأسف استبدلنا الجدل بالعمل، واخترنا أسهل السبل! فاكتفينا بالانتصار العاطفي للإسلام، وانفعلنا ولكن لم تعلُ إلا أصواتنا!. لقد تفتحت عندنا أزهار العاطفة فمتى سنُعمّق جذور الوعي كي تُثمر هذه الأزهار؟!.
سادساً: القراءة الواعية المثمرة المتنوعة شرط لنجاح المسلمة الداعية. فالقراءة الأحادية قد يكون ضررها أكبر من نفعها. فليس ثمة جدوى من الطيران بجناح واحد. ومن زهرة واحدة لا يُصنع الربيع. وإنّ من تقرأ أكثر هي التي تتشرف بتوسيع نسيج الوعي في أمتها. و الداعية الحكيمة تقرأ للنوابغ من المبدعين والمبدعات في كل فن وعلم. ولرُبّ كلمة من مبدعة مخلصة نقرأ فيها فحوى كتاب.
سابعاً: المراجعة والنقد الذاتي والاستنصاح وطلب النقد من الأخوات. فالنقد غُنم للداعية لا غُرم عليها، وهو حق لها فينبغي عليها ألا تتخلى عنه.
وليس ثمة أحد منا فوق أن يُنتَقَد، أو أقلّ من أن يَنتقِد.. والصغيرة والغلام يردّان بالحق على شيخ الإسلام!
إنّ الإمكان الحضاري الذي تمنحنا إياه القيمُ المعصومة في الكتاب والسنة والسيرة ليس ببعيد إذا أردناه وسعينا إليه. وإن الارتقاء بالأمة لن يحقّقه إلا "أولو الألباب"من المؤمنين والمؤمنات الذين مزجوا الإخلاص بالصواب، والذين باعوا أعمارهم وطاقاتهم لله تعالى فربحوا مرتين، إذ البضاعة منه والثمن. ((إن اللهَ اشترى من المؤمنين أنفسَهم وأموالهم بأَنّ لهم الجنة)) [سورة التوبة (111)].
يقول الجيلاني: " دين محمد تنهار جدرانُه؟! هذا أمر لن يَتمّ.. تعالوْا يا أهل الأرض نشيد ما تهدّم.. يا شمس ويا قمر ويا نجوم تعالَوا.. ".
اللهم هبْ عوامنا العلم.. وهبْ علماءنا العمل.. وهب عاملينا الإخلاص.. وهب مخلصينا السداد والتميز في النجاح..
وفي كل آخر يحسُن الحمد لله رب العالمين، والصلاة على خاتم المرسلين..
http://www.saaid.net المصدر:
============
هل تريد أن تكون داعية ؟
إبراهيم بن مبارك بوبشيت
الهدهد من أهدى الطيور وأبصرها بمواضع الماء تحت الأرض بل لا يراه غيره... ويلقب بملك الطيور. وكان لهذا الهدهد موقف عجيب مع نبي الله سليمان - عليه السلام - أظهر فيه عبوديته لله - تعالى -، فقد جاء إلى سليمان - عليه السلام - بخبر ملكة سبأ وبما جرى فيها من عبادة هؤلاء القوم للشمس، وقد أنكر بشدة عبادتهم لغير الله - تعالى -مع استحقاقه - سبحانه - للعبادة دون ما سواه. وبين الهدهد ذلك بكلام يدل على توحيده لله - تعالى -وعبوديته له فقال - تعالى -: {وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين * لأعذبنّه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين * فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإٍ بنبإٍ يقين * إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون * ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبأ في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون * الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم}
قال القرطبي: إن الله - تعالى - خصّه أي الهدهد من المعرفة بتوحيده ووجوب السجود له وإنكار سجودهم للشمس وإضافته للشيطان وتزينه لهم، ما خص به غيره من الطيور وسائر الحيوانات من المعارف اللطيفة التي لا تكاد العقول الراجحة تهتدي إليها.
ومن عجيب أمر الهدهد:
أنه إذا مرض يأكل العقارب الجبلية وعند ذلك يزول مرضه. ذكره القزويني382
والهدهد يعلمنا المبادرة الذاتية في الدعوة إلى الله - تعالى -: إذ قال الله - تعالى -عنه: {فمكث غير بعيد}.. أي إن الهدد فقد ولكنه أتى لسليمان بخبر أعجزه فيه عندما قال: {وجئتك من سبأ بنبأ يقين} فيا سبحان الله من الذي ألهمه وللصواب وفقه.
قال صاحب الإيجابية في حياة الداعية:
إذ يبرز مفهوم الإيجابية واضحاً... إذ صار الهدد بمفرده دون تكيفٍ مسبق أو تنفيذ لأمر صادر وجلب خبراً للقيادة المؤمنة أدى إلى دخول أمة كاملة في الإسلام. ثم قال: فالداعية أولى من الهدهد بالعمل الإيجابي والسعي وراء المصالح والبحث عن الخير نعم...
فالداعية لا ينتظر الأوامر بالدعوة أيدعو فلاناً أم فلاناً.... بل إن الذي أدى لفشل الكثير منا هو انتظاره للأوامر، حتى أنك قل أن من الشباب خصوصاً من يحمل هم الدعوة إلى الله - تعالى - ببذل الوقت والجهد والمال من أجل ين الله - تعالى -، إن المتأمل لحياة الهدهد يرى كيف تكون الهمة العالية!
فكم ممن يتوسل بغير الله ويدعو غير الله ويذبح لغير الله للقبور والأضرحة والجن وممن يذهب إذا نزل به البلاء لقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوه، ويزور البقيع. ولم يجد هؤلاء كلهم في كثير من الأحيان من ينصحهم ويدعوهم... فيا من ضعفت عنده الهمة فلم يدعُ وينصح سواء بلسانه أو قلمه أو أي أسلوب أو طريقة هاهو هدهد نعم هدهد قام بهذا كله فتأمله.
بل أين منا من زار محلات الأغاني فقام بالنصح والتوجيه؟، بل لما سئل بعض الشباب عن المنكرات التي يفعلونها هل وجدتم من نصحكم؟، قالوا وبكل صراحة: لا حتى من آبائنا وأمهاتنا.
حتى قال لي بعض من منّ الله - تعالى -عليه بالهداية لم يدعوني أحد يوماً من الأيام للاستقامة.
فهذا هدهد قدم لدين الله ونصح أمة من الأمم فظهرت آثار هذه الدعوة المباركة فكن ممن يحل هم الإسلام لا لا لا ممن يحل الإسلام همه
إذاً فهل تريد أن تكون داعية إلى الله - تعالى -؟(13/273)
ولا تنس لأن يهدي الله بك رجلاً واحداًَ خير لك من حمر النعم جعلنا الله وإياك من الهداة المهتدين آمين...آمين.
http://www.saaid.net المصدر:
==============
من المقصود بالدعوة إلى اللَّه - عز وجل -
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه وبعد.
فقد يكون في عنوانِ هذه المقالة شيءٌ من الغرابةِ عند البعض، ذلك لأنَّ الجواب معروف، ولا يجهل أحد أن المقصودين بالدعوة إلى الله - عز وجل -: هم طوائف الناس على اختلاف مشاربهم، وذلك بتعبيد هم لربهم - سبحانه -، حتى يسعدوا في الدنيا بالحياة الطيبة، وفي الآخرة برضوان الله - عز وجل - وجنّته.
فإذا كان الجواب معروفًا، فما المقصود بعنوان المقالة إذن؟
إنَّ المقصود بهذا السؤال تنبيهٌ لنفسي وإخواني الدعاة، إلى أن الدعوة إلى الله - عز وجل - تعني أول من تعني، دعوة النفس إلى الله - عز وجل -، وتعبيدها له - سبحانه -، ويدخلُ في ذلك الأهلُ والقرابة، لأنَّ المُشاهد في حياة الكثير منَّا، الاهتمامُ بدعوة الآخرين، ونسيان النفس أو الغفلة عنها في زحمة دعوة الآخرين، وهذا إنما نشأ من أنَّ مفهوم الدعوة قد ينحصرُ عند الكثير منَّا في دعوة الناس، ولم نتنبّه إلى أن الدعوة إلى الله - عز وجل - على قسمين: دعوة النفس، ودعوة الغير.
والذي دفعني إلى إثارةِ هذا الموضوع، ما رأيتهُ من نفسي ومن بعض إخواني الدعاة، من غفلة عمَّا ينقص النفس من واجباتٍ وأخلاقيات، أو ما يتلبسُ بها من مثالب وأمراض باطنة وظاهرة، يجب أن يُبذل الجهد في إزالتها، وأن تُدعى النفس إلى الدخول في السِّلم كافة.
ويلحق بذلك الأولاد والزوجة والوالدين، ثم الأقرب فالأقرب.
قال الله - تعالى -: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)) (التحريم: 6).
ولا يعني هذا تركُ دعوة الآخرين حتى تصلح النفس، ويصلح الأهلون والأقارب، كلا. فالكمالُ عزيز، والنقصُ من طبيعةِ الإنسان.
ولكنَّ المراد: الاعتناءُ بالنفس والأهل، ودعوتهم إلى الله - عز وجل - في الوقت الذي يدعى فيه الآخرون، ويجبُ أن تسيرَ دعوةُ النفس ودعوةُ الغير في خطين متوازيين غير متقاطعين.
وكم يكون لدعوة الآخرين من ثمرةٍ وفائدةٍ كبيرة إذا كان الداعية مهتمًا بنفسه، محاسبًا لها، داعيًا لها إلى الله - عز وجل -، وذلك لما يضعُ الله - تعالى -على يديهِ من البركة والقبول في أقواله وأفعاله، ولما يجدُ الناسُ فيه من القدوةِ والمثال الذي يُحتذ ى، فالناسُ ينظرون إلى الأفعال أكثر من نظرهم إلى الأقوال المجردة.
20/1/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
===========
المعوقات
يجب أن نتذكر دائماً، ونحن نتحدث أو نعمل إفريقياً، أن الأمر يتعلق بـ " قارة " وليس ببلد ولا بمجموعة بلدان … هذا واحدة، أما الحقيقة الثانية، فهي أن الصعوبات والمشكلات هي على درجة كبيرة من التعقيد والتنوع، ثقافية واجتماعية وأمنية واقتصادية ودينية وسياسية… وكل ما يتصور من أنواع الصعوبات والمشكلات! وبالتالي لا يحسبن المرء أنه كيفي للعمل الدعوي في إفريقيا أن تنفذ بعض الأنشطة بحماس وفاعلية، بل لابد من التعامل مع الواقع بكل معطياته على بصيرة.
ونستطيع أن نحدد أهم المعوقات التي تعترض سبيل الدعوة الإسلامية في إفريقيا كما يلي:
1- 4: أولوية الولاء القبلي على الولاء الديني:
حيث لا تزال العصبية القبلية متجذرة وتتجاوز حدود الشعور الطبيعي بالانتماء القومي كشعور فطري..وقد سبقت الإشارة إلى استغلال بعض القوى لعامل التنوع القبلي لتأجيج الصراعات بين المسلمين (وبين غير المسلمين كذلك)..ولهذا تعلمنا أن نختار الدعاة من نفس القبائل والمناطق التي ينتمون إليها.. وهذه قاعدة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبدع فيها والأصل في ذلك قول الله - تعالى - (ولكل قوم هاد).
2 4: سطوة التخلف الاقتصادي والاجتماعي:
لقد سبقت الإشارة إلى مؤشرات التخلف المخيفة التي تعاني منها البلدان الإفريقية بشكل عام والمسلمين منهم بشكل خاص، وهذا العامل بالضبط هو الذي فرض على " العون المباشر " أن تتوسع في مجال تداخلاتها كوضع استثنائي، لأن الأصل في عمل المنظمات غير الحكومية هو التخصص.. فحيثما توجه الدعاة للعمل، واجهتهم حالات الفقر والحاجة لأبسط الضروريات.. ودائماً نضطر لتعديل البرمجة الزمنية لبرامج تأهيل المهتدين الجدد مثلاً حتى لا تتعارض مع مواسم الزراعة والحصاد حيث لا يمكنهم البتة التفرغ في أي وقت لتعلم دينهم.. وهذا على سبيل المثال لا غير.
3-4: أثر التدين الورثي:
لا تزال الغالبية العظمى من المسلمين الأفارقة يعيشون حياتهم الدينية حسب نفس أنماط التدين القديمة: شيوع الطرقية، والتمسك بالممارسات المخالفة للتدين الصحيح المسنون … وعلى الرغم من أن هذه الطرق الصوفية كان لها دور هام جداً في نشر الإسلام والذود عن حياضة منذ قرون، إلا أن ثبات غالبية المسلمين على هذا النمط من التدين جعل مهمة تجديد الدين في النفوس أمراً صعباً إلى حد ما.. وعموماً توجد حركة تجديد للدين في المجتمعات الإفريقية المسلمة، لكن بعضها دخل في صدامات أدت وتؤدي إلى أنواع من الفتن بين المسلمين قد تصل إلى حد الاقتتال (مثل ما حدث في شمال غانا من بضع سنوات) بسبب التشدد والبعد عن الحكمة، بينما نجح البعض الآخر في المضي قدماً في عملية تجديد التدين في النفوس والسلوك والمجتمع بقدر طيب من النجاح.(13/274)
لهذا تحرص " العون المباشر " على استمالة كل فئات المسلمين والمساهمة فيتوجه الجميع نحو إعادة بناء المجتمعات الإسلامية بطريقة إيجابية بعيداً عن الصدام والتناحر.
5- 4: ضرواة المشروع التنصيري:
لعل البعض يذكر مؤتمر كولورادو المنعقد سنة 1978 الذي جمع، ولأول مرة كل الكنائس بمللها المختلفة، لهدف أساسي واحد هو تنصير أفريقيا في نهاية القرن العشرين ورُصد لذلك حوالي 40 مليار دولار.
لقد سبق ل " العون المباشر ـ لجنة مسلمي إفريقيا " أن أصدرت عدة نشرت تسلط الضوء على المشروع التنصيري الهائل، من حيث أهدافه ومناهجه ووسائله وإمكانياته ومنظماته.. وبشكل عام، وعلى الرغم من فشل المؤتمر المذكور في تحقيق هدفه الرئيسي، بل هو أبعد من تحقيقه في أي وقت مضى، إلا أنه نجح في كسب مواقع في قلب المجتمعات الإسلامية للأسف، ومعظم المسلمين الآن هم عن غافلون.
6-4: المشروع الفرنكفوني:
نادراً ما يهتم الباحثون بتسليط الضوء على المشروع الفرنكفوني ومخاطرة الجمة التي قد لا تقل تأثيراً عن المشروع التنصيري.. وهذا المشروع ترعاه فرنسا وكندا وسويسرا بصفتها البلدان التي أنتجت الثقافة والفكر الفرنكوفوني.. وترى أدبيات المشروع أن اللغة والثقافة الفرنسيتين يجب أن تسودا البلدان المستعمرة سابقاً. واللغة هي وعاء الفكر والثقافة، والحقيقة أنه لا خير في تعلم اللغات الأجنبية، وإن أصبح واجباً وشروطاً ضرورياً من شروط النهضة. إلا أن المشروع الفرنكوفوني محل الثقافة العربية والإسلامية التي تسود ثلاثة أرباع القارة الإفريقية، بمحتوى فكري وثقافي وحضاري مناقض، في كثير من أسسه ومبادئه واتجاهاته للدين الإسلامي ولروح الحضارة الإسلامية.
وتكمن الخطورة الفائقة لهذا المشروع في كونه يعمل من خلال النظم التعليمية (كل البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى أسست نظمها حسب الإستراتيجية الخاصة للمشروع الفرنكوفوني) ويمتد كذلك بتأثيراته إلى كافة المجالات المؤثرة والحساسية بالنسبة لأي بلد أو أيه أمه، مثل الإعلام والفنون والآداب والقضاء والجيش.. الخ.
تبقى الإشارة إلى أن المشروع الفرنكوفوني يعتبر معنياً مباشرة بوضعية الدين الإسلامي في البلدان الإفريقية وكثيراً ما تتبنى رموزه المحلية مواجهات وانتقادات حادة للدين الإسلامي نفسه، بطرق مباشرة وغير مباشرة، وتوضع برامج استراتيجية في المجالات المشار إليها أعلاه وهي ذات مضامين مناهضة ومناقضة لقيم الدين الإسلامي في كثير من الأحيان.
7 4: نشاطات الملل المنحرفة:
وهي ملل ونحل معروفة ولها تاريخ من العمل في إفريقيا وغيرها، وتتحرك بإمكانات ضخمة، وللأسف نجحت في إحداث بعض التأثيرات في بعض المناطق بسبب عدم معرفة عامة المسلمين بخلفيات هذه الملل والنحل. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هناك وعياً متزايداً بمخاطرها على إيمان ووحدة المسلمين حيث بدأنا نرى حالات (كان للعون المباشر دور مقدر فيها) تطرد مثل هذه الملل من بعض البلدان مثل ما حدث في غامبيا وبيساو وخلال السنتين الماضيتين.
http://www.labaik-africa.org المصدر:
===========
معالم في البناء
أحمد بن صامل السلمي
"...فالرسل أطباء القلوب، فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم وعلى أيديهم، وبمحض الانقياد والتسليم لهم... "
1 - أول النهضة:
في خضم شؤون الحياة المعاصرة، وكثرة مشاغلها، وتعدد متطلباتها، قد ننسى أن نتعاهد أنفسنا بالتربية والتزكية، ومن ثم تقسو القلوب، ونتثاقل عن الباقيات الصالحات، ونركن إلى متاع الدنيا وزخرفها.
أهمية الموضوع:
مما يوضّح أهمية هذا الموضوع أن الله - تعالى -أقسم أقساماً كثيرة ومتوالية على أن صلاح العبد وفلاحه منوط بتزكية نفسه {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها}، وقال - تعالى -: {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصل}. وكان الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يدعون إلى تزكية النفوس فموسى يقول لفرعون: {هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى}، وقال - سبحانه - عن محمد - صلى الله عليه وسلم -: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}.
وتزكية النفوس سبب للفوز بالدرجات العلى والنعيم المقيم: {ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكّى}. أي طهّر نفسه من الدنس والخبث والشرك، وعبد الله وحده لا شريك له، واتبع المرسلين فيما جاءوا به من خبر وطلب.
وكان من دعائه - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها) أخرجه مسلم.
معنى التزكية:
لغة: الطهارة والنماء والزيادة.
والمراد بها: إصلاح النفوس وتطهيرها عن طريق العلم النافع والعمل الصالح وفعل المأمورات وترك المحظورات، وقد بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - معنى تزكية النفوس بقوله: (أن يعلم أن الله عزوجل معه حيث كان) لما سأله رجل وما تزكية النفس؟ الصحيحة (146).
والتزكية بهذا التفسير من النبي - صلى الله عليه وسلم - هي مرتبة الإحسان.(13/275)
يقول ابن تيمية - رحمه الله -: "والزكاة في اللغة النماء والزيادة في الصلاح يقال: زكا الشيء إذا نما في الصلاح، فالقلب يحتاج إلى أن يتربى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح، كما يحتاج البدن أن يربى بالأغذية المصلحة ولا بدّ مع ذلك من منع ما يضره فلا ينمو البدن إلا بإعطاء ما ينفعه ودفع ما يضرّه، كذلك القلب لا يزكو فينمو ويتم صلاحه إلاّ بحصول ما ينفعه ودفع ما يضره" (مجموع الفتاوى: 1/96-1/628).
وسائل التزكية:
تزكية النفوس تكون عن طريق الشرع فلا سبيل إلى ذلك إلاّ من طريق الرسل - عليهم الصلاة والسلام -.
يقول ابن القيم - رحمه الله -: "وتزكية النفوس أصعب من علاج الأبدان وأشدّ، فمن زكّى نفسه بالرياضة والمجاهدة والخلوة التي لم يجيء بها الرسل فهو كالمريض الذي يعالج نفسه برأيه وأين يقع رأيه من معرفة الطبيب؟ فالرسل أطباء القلوب، فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم وعلى أيديهم، وبمحض الانقياد والتسليم لهم" (مدارج السالكين).
1) تحقيق التوحيد: أعظم وسيلة وآكدها {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون}. قال أكثر المفسرين: الزكاة هنا: التوحيد بشهادة أن لا إله إلا الله، والإيمان الذي به يزكو القلب، فإنه يتضمن نفي إلهية ما سوى الحق من القلب، وذلك طهارته وإثبات إلهيته - سبحانه - وهو أصل كل زكاة ونماء، وضده الشرك وقد وصفه الله ? بالنجاسة {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس …}.
2) الصلاة: (أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً، ما تقول ذلك يبقي من درنه؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيئًا، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به من الخطايا) أخرجه البخاري ومسلم.
3) الصدقة: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم}. ولما سأل العباس - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يستعمله على الصدقة قال: (ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس).
4) ترك المحرمات عمومًا: يقول ابن تيمية: "لا يكون الرجل متزكيًا إلا مع ترك الشرّ، فإنه يدنس النفس ويدسّيها". وقال ابن قتيبة: "دساها أي أخفاها بالفجور والمعصية". فاجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن طهرٌ ونقاء وعفاف - كما سَمَّى الشارع الفواحش - من الزنا واللواط - نجاسات وخبائث وقاذورات. {لوطًا آتيناه حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث}. {أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}. فأقرّوا مع شركهم وكفرهم أنهم هم الأخابث الأنجاس وأن لوطًا وآله مطهرون من ذلك باجتنابهم له. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "(من أصاب من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الخ" أخرجه مالك.
5) محاسبة النفس: قال الحسن: ((إن المؤمن - والله - لا تراه إلاّ قائماً على نفسه، ما أردت بكلمة كذا؟ ما أردت بأكلة؟ ما أردت بمدخل كذا ومخرج كذا؟ ما أردت بهذا؟ ما لي ولهذا؟ والله لا أعود إلى هذا ونحو هذا من كلام)). فبمحاسبة النفس يطّلع على عيوبها ونقائصها، فيمكنه السعي في إصلاحها. ((وأضرّ ما على المكلّف: الإهمال وترك المحاسبة والاسترسال وتسهيل الأمور وتمشيتها)) اهـ (ابن القيم / إغاثة اللهفان).
إن أول خطوة في طريق نهضة الأمة تزكية النفوس.
2 - قوة الاتحاد (التآخي)
لقد تطورت أساليب الصراع وقواه في العصر الحديث، فالقوة العسكرية وحدها لا تكفي لتحقيق الغلبة بل هناك القوة الاقتصادية، والقوة الإعلامية، والقوة الإدارية: (التنسيق، والتنظيم، وحبك المؤامرات، وبناء التحالفات …إلخ)، وقوة الاتحاد (الجبهة الداخلية)، والسلامة من حظوظ النفس وأهوائها، وإذا حدث الضعف أو التصدّع في هذه القوة الأخيرة تأخر النصر أو سرق كما حدث في الجهاد الأفغاني. ويأتي هذا التذكير بحقوق الأخوة في عصر تكاد تنضب فيه الروح والأخلاق في صحراء التفرق وسراب المادّة وهجير البراجماتية.
{واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً …}. فلا أخوة بلا إيمان {إنما المؤمنون إخوة}، ولا صداقة بلا تقوى {الأخلاء بعضهم يومئذٍ لبعض عدوّ إلا المتقين}.
وفي الحديث (وجبت محبتي للمتحابين في، المتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ) المسند. وحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله … ومنهم: (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه) البخاري.
(المتحابون في الله على منابر من نور يوم القيامة يغبطهم الأنبياء والشهداء) المسند.
(من عاد مريضًا أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً) الترمذي.
(مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى) البخاري.
هناك الحقوق العامّة التي هي بين عموم المسلمين، وبين المتآخين من باب أولى، ومنها:
أن تسلّم عليه إذا لقيته، وتجيبه إذا دعاك، وتشمته إذا عطس، وتعوده إذا مرض، وتشهد جنازته إذا مات، وتبرّ قسمه، وتنصح له إذا استنصحك، وتنصره إذا ظلم، وتحفظه بظهر الغيب إذا غاب، وقبول النصيحة إذا نصحك.
والجامع في الحقوق العامّة والخاصّة: أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك من الخير، وتكره له ما تكره لنفسك من الشرّ، وجميع هذا منقول في الآثار، وكما في الحديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه)) رواه البخاري.
الحقوق الخاصّة:(13/276)
(الحق الأول): قضاء الحاجات والقيام بها، وذلك درجات: أدناها: القيام بالحاجة عند السؤال والقدرة، لكن مع البشاشة والاستبشار، وأوسطها: القيام بالحوائج من غير سؤال، وأعلاها: تقديم حوائجه على حوائج النفس (الإيثار). وقد كان بعض السلف يتفقّد عيال أخيه بعد موته أربعين سنة، فيقضي حوائجهم.
(الحق الثاني): على اللسان بالسكوت تارة وبالنطق أخرى، أما السكوت: فهو أن يسكت عن ذكر عيوبه في حضوره وغيبته ومماراته، وعن السؤال عما يكره ظهوره من أحواله، وأن يكتم سرّه ولو بعد القطيعة، ولا يقدح في أحبابه وأهله، ولا يبلغه قدح غيره فيه.
(الحق الثالث): وينبغي أن يسكت عن كل ما يكرهه إلا ما وجب عليه النطق في أمر بمعروف أو نهي عن منكر ولم يجد رخصة في السكوت، فإن مواجهته بذلك إحسان إليه. واعلم أنك إذا طلبت منزهًا عن كل عيب لم تجد ومن غلبت محاسنه على مساويه فهو الغاية. قال ابن المبارك: (المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب الزلات). وقال الفضيل: (الفتوّة: الصفح عن زلات الإخوان). وينبغي أن تترك إساءة الظن بأخيك، وأن تحمل فعله على الحسن مهما أمكن، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث). واعلم أن سوء الظن يدعو إلى التجسس المنهي عنه، وأن ستر العيوب والتغافل عنها شيمة أهل الدين، واعلم أنه لا يكمل إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأقل درجات الأخوة أن يعامل أخاه بما يحب أن يعامله به. ومتى التمست من الإنصاف ما لا تسمح به دخلت في قوله - تعالى -: {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}. ومنشأ التقصير في ستر العورة والمغري بكشفها: الحقد والحسد. ومن أشدّ الأسباب لإثارة الحقد والحسد بين الإخوان المماراة، ولا يبعث عليها إلا إظهار التميّز بزيادة العقل والفضل واحتقار المردود عليه، وهذا ضدّ الأخوة.
(الحق الرابع): على اللسان بالنطق، فإن الأخوة كما تقتضي سكوت عن المكروه تقتضي النطق بالمحبوب، بل هو أخصّ لأن من قنع بالسكوت صحب أهل القبور، وإنما يراد الإخوان ليستفاد منهم، لا ليتخلص منهم، لأن السكوت معناه كفّ الأذى، فعليه التودّد إليهم بلسانه، وتفقّد أحوالهم، والسؤال عما عرض لهم، ويظهر شغل قلبه بسببه ويبدي السرور بما يسرّون به. وفي الحديث: (إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه) رواه الترمذي.
ومن ذلك: أن يدعوه بأحب أسمائه إليه، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (ثلاث يصفين لك ودّ أخيك: تسلم عليه إذا لقيته، وتوسّع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه).
ومن ذلك: أن يثني عليه بما يعرفه، من محاسن أحواله، وكذا الثناء على أولاده وأهله وأفعاله، حتى في عقله وهيئته وخطّه وتصنيفه وجميع ما يفرح به من غير إفراط ولا كذب. وكذلك ينبغي أن تبلغه ثناء من أثنى عليه مع إظهار الفرح به، فإن إخفاء ذلك محض الحسد.
ومن ذلك: أن تشكره على صنيعه في حقّك وأن تذبّ عنه في غيبته إذا قصد بسوء، فحقّ الأخوة: التشمير في الحماية والنصرة. وفي الحديث: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) رواه البخاري. ومتى أهمل الذبّ عن عرضه فقد أسلمه.
ومن ذلك: التعليم والنصيحة، فليس حاجة أخيك إلى العلم بأقل من حاجته إلى المال، وإذا كنت غنياً بالعلم فواسه وأرشده، وينبغي أن يكون نصحك إياه سرًّا.
ومن ذلك: العفو عن الزلات، فإن كانت زلته في دينه؛ فتلطّف في نصحه ما أمكن، ولا تترك زجره ووعظه. (الحق الخامس): الدعاء للأخ في حياته وبعد موته، بكل ما تدعو به لنفسك، وفي الحديث: ((دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكّل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل)) رواه مسلم. وكان أبو الدرداء - رضي الله عنه - يدعو لخلق كثير من إخوانه يسميهم بأسمائهم، وكان أحمد بن حنبل يدعو لستة نفر في السحر.
(الحق السادس): الوفاء والإخلاص، ومعنى الوفاء: الثبات على الحب إلى الموت، وبعد موت الأخ مع أولاده وأصدقائه، وقد أكرم النبي ? عجوزًا وقال: (إنها كانت تغشانا في أيام خديجة، وأن حسن العهد من الإيمان). ومن الوفاء: أن لا يتغير على أخيه في التواضع، وإن ارتفع شأنه واتسعت ولايته وعظم جاهه، ومن الوفاء أن لا يسمع بلاغات الناس على صديقه.
(الحق السابع): التخفيف وترك التكلّف، وذلك أن لا يكلّف أخاه ما يشقّ عليه، بل يكون قصده بمحبته الله وحده، والتبرك بدعائه، والاستئناس بلقائه، والاستعانة على دينه. ومن تمام هذا الأمر أن ترى الفضل لإخوانك عليك لا لنفسك عليهم، فتنزل نفسك معهم منزلة الخادم. لقد طبّق الصحابة - رضي الله عنه - هذه الحقوق بينهم في تآخٍ تاريخيٍ عزيز، فكان ذلك سببًا من أسباب النصر والتمكين، بل كان سببًا في دخول الأمم الأخرى في الإسلام.
وقد يقول قائل: ما الجديد في هذا الموضوع؟ نحن نريد مشروعًا نهضوياً حضارياً للأمة!
فأقول: إن أي مشروع مهما كان لن يكتب له النجاح ما لم يحسب حساب بناء الإنسان وصياغته على القيم والأخلاق الإسلامية، ولا حضارة بغير ذلك.
الإنسان الصالح - ولا صلاح بغير الإسلام والسنة - وليس الآلة أو الإنسان المتبع لهواه - هو محور الحضارة.(13/277)
قد تملك كثيرٌ من الأمم القوى الماديّة والتنظيمية لكنها لا تملك المنهج (الإيمان والأخلاق بمفهومها الواسع) الذي يوجّه هذه القوى لتحقيق العدل والخير والسلام والرحمة، ولا يتحقق ذلك إلا باتباع توجيهات الإسلام في صغير الأمور وكبيرها ومن ذلك الجانب الماديّ والتنظيمي وعدم التقصير فيه ليتحقق التكامل الفريد الذي لا يوجد إلا في ظلال الإسلام، وأن يكون الاتحاد والترابط (المصلحة العامة) فوق الحظوظ الخاصة - شخصية أو حزبية (المصلحة الخاصة). ورحم الله (إقبال) حيث قال:
وفي التوحيد للهمم اتحاد... ولن تبنوا العلا متفرقينا
فهل وعى المسلمون ذلك؟ وهل سدّوا هذه الثغرة حتى لا يدخل منها الأعداء فيزيدوا في فرقة المسلمين وشتاتهم؟ وهل بنوا هذه القوة؟
3 - الواقعية في التربية
من المعالم المهمّة في باب السلوك تحقيق الجانب الواقعي الإيجابي، والابتعاد عن المثالية والسلبية، والاعتناء بالجوانب العملية بعيدًا عن الاشتغال فيما لا تحته عمل.
إن من سمات السلوك الشرعي: مراعاة أحوال المكلفين وقدراتهم وطبائعهم، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (سدّدوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا) أخرجه البخاري. يقول ابن حجر: "قوله (سددوا) معناه: اقصدوا السداد في الصواب، وقوله (قاربوا) أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل فتفرطوا)".
إن من مزايا هذا الدين وخصائصه: التلاؤم بينه وبين طبيعة الإنسان، بقوّته وضعفه، ونوازعه ومشاعره.
وقد أشار ابن القيم إلى هذه الواقعية بقوله: "لما كان العبد لا ينفك عن الهوى ما دام حيًّا، فإن هواه لازم له، كان الأمر بخروجه عن الهوى بالكلية كالممتنع، ولكن المقدور له والمأمور به أن يصرف هواه عن مراتع الهلكة إلى مواطن الأمن والسلامة، مثاله أن الله - عز وجل - لم يأمره بصرف قلبه عن هوى النساء جملة، بل أمره بصرف ذلك إلى نكاح ما طاب له منهن من واحدة إلى أربع، ومن الإماء ما شاء، فانصرف مجرى الهوى من محل إلى محل، وكانت الريح دبورًا فاستحالت صبًا. وكذلك هوى الظفر والغلبة والقهر، لم يأمر بالخروج عنه، بل أمر بصرفه إلى الظفر والقهر والغلبة للباطل وحزبه، وشرع له من أنواع المغالبات بالسباق وغيره مما يمرّنه ويعدّه للظفر …".
ولقد كان الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - مدركًا لهذا الأمر فلما قال له ابنه عبد الملك: يا أبه ما يمنعك أن تمضي لما تريد من العدل، فوالله ما كنت أبالي ولو غلت بي وبك القدور في ذلك، فقال عمر: "يا بني إنما أنا أروّض الناس رياضة الصعب، إني لأريد أن أحيي الأمر من العدل فأوخره حتى أُخرج معه طمعًا من الدنيا فينفروا من هذه ويسكنوا لهذه".
وللحسن البصري مقالة نفيسة في هذا المقام يقول: "إن هذا الدين واصب، وإنه من لا يصبر عليه يدعه، وإن الحق ثقيل، وإن الإنسان ضعيف، وكان يقال: ليأخذ أحدكم من العمل ما يطيق فإنه لا يدري ما قدر أجله وإن العبد إذا ركب بنفسه العنف وكلف نفسه ما لا يطيق أوشك أن يسيّب ذلك كله، حتى لعلّه لا يقيم الفريضة، وإذا ركب نفسه التيسير والتخفيف وكلّف نفسه ما تطيق كان أكيس وأمنعها من هذا العدو، وكان يقال: شرّ السير الحقحقة".
وهذا أبو حازم سلمة بن دينار - رحمه الله - يقرر هذه الواقعية فيجمع بين موافقة الفطرة وملاءمة نوازع الإنسان مع الاعتناء بترويض النفس وتهذيبها على طاعة الله. "فلما جاء رجل لأبي حازم وقال له: إني لأجد شيئًا يحزنني، قال أبو حازم: وما هو يا ابن أخي؟ قال: حبي الدنيا، فقال لي: اعلم يا ابن أخي إن هذا الشيء ما أعاتب نفسي على حبِّي شيءٍ حبّبه الله - تعالى -إليَّ لأن الله - عز وجل - قد حبّب هذه الدنيا إلينا، ولكن لتكن معاتبتنا أنفسنا في غير هذا، أن لا يدعونا حبّها أن نأخذ شيئًا يكرهه الله، ولا أن نمنع شيئًا من شيء أحبّه الله، فإذا نحن فعلنا ذلك لا يضرّنا حبنا إياها".
وقد أعرض طائفة من الصوفية عن تلك الواقعية في الإنسان، فلم يلتفتوا إلى نوازع الإنسان وغرائزه، وخالفوا الفطرة السوية، ولذا تعذّر عليهم قمع تلك الغرائز ثم انتكسوا إلى الإغراق في الشهوات والإباحة.
ولقد تحدّث ابن الجوزي عن هذا الصنف مبينًا سبب انحرافهم فقال: "إن قوماً منهم وقع لهم أن المراد من رياضة النفوس التخلص من أكدارها المردية، فلما راضوها مدّة ورأوا تعذّر الصفاء قالوا: ما لنا نتعب أنفسنا في أمر لا يحصل لبشر، فتركوا العمل، وكشْف هذا التلبيس أنهم ظنّوا أن المراد قمع ما في البواطن من الصفات البشرية مثل: قمع الشهوة والغضب وغير ذلك، وليس هذا مراد الشرع، ولا يتصوّر إزالة ما في الطبع بالرياضة، وإنما خلقت الشهوات لفائدة إذ لولا شهوة الطعام لهلك الإنسان، ولولا شهوة النكاح انقطع النسل، ولولا شهوة الغضب لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يؤذيه، وإنما المراد من الرياضة كفّ النفس عما يؤذي من جميع ذلك، وردّها إلى الاعتدال فيه، وقد مدح الله - عز وجل - من نهى النفس عن الهوى، وإنما تنتهي عما تطلبه ولو كان طلبه قد زال عن طبعها ما احتاج الإنسان إلى نهيها، وقد قال الله - عز وجل -: {والكاظمين الغيظ}، وما قال: والفاقدين الغيظ، والكظم رد الغيظ".
ومن معالم السلوك الشرعي: مراعاة تفاوت قدرات الناس في فعل الطاعات وذلك بسبب اختلاف استعداداتهم وتنوّع مواهبهم وميولهم.(13/278)
وقد قرّر الإمام مالك - رحمه الله - ذلك لما كتب عبد الله العمري العابد إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل، فكتب إليه مالك: "إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البرّ وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظنّ ما أنا فيه بدون أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر". (سير النبلاء 8/114).
وسئل ابن تيمية - رحمه الله - عن الأسباب التي يقوى بها الإيمان إلى أن يكمل على ترتيبها، هل يبدأ بالزهد؟ أو بالعلم؟ أو يجمع بين ذلك على حسب طاقته؟
أجاب بقوله: "الناس يتفاضلون في هذا الباب، فمنهم من يكون العلم أيسر عليه من الزهد، ومنهم من يكون الزهد أيسر عليه، ومنهم من يكون العبادة أيسر عليه منهما، فالمشروع لكل إنسان ما يقدر عليه من الخير، كما قال - تعالى -: (فاتقوا الله ما استطعتم)، فإذا ازدحمت شعب الإيمان قدّم ما كان أرضى لله وهو عليه أقدر، فقد يكون على المفضول أقدر منه على الفاضل، ويحصل له أفضل مما يحصل من الفاضل، فالأفضل لهذا أن يطلب ما هو أنفع له وهو في حقّه أفضل، ولا يطلب ما هو أفضل مطلقًا؛ إذا كان ذلك متعذرًا في حقه أو متعسرًا يفوته ما هو أفضل له وأنفع، كمن يقرأ القرآن فيتدبره وينتفع بتلاوته والصلاة تثقل عليه، أو ينتفع بالذكر أعظم مما ينتفع بالقراءة، فأي عمل كان له أنفع ولله أطوع أفضل في حقّه من تكلّف عملٍ لا يأتي به على وجهه بل على وجهٍ ناقص، ويفوته به ما هو أنفع له" (مجموع الفتاوى 7/651).
-------------
* انظر للإستزادة: كتاب "منهج أهل السنة والجماعة في تزكية النفوس" للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف.
15-9-2005
http://www.alqlm.com المصدر:
-===========
يا ويلي يوم شهادة ما سنجري
خالد العبد الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلنا ذو خطأ وخير الخطائين التوابون
ارتكبت بما سنجري معاصي وآثام فقط أنا وهن وثالثنا الله كم قضيت به الساعات تلو الساعات وأنا في غفلة عن ذكر ربي...
آلاف الأيمان وآلاف الوعود والعهود....
مئات الأبيات الشعرية ومئات الأغاني والصور....
أضعت وقتي في السراب أو الاصطياد في أعراض المسلمين.....
أعلم إن ما فعلته خطأ فكيف لي أن أصحح ما فعلت......
هذه بعض من معاصينا كشباب وبنات وهذا لسان حالنا عندما تذهب السكرة وتأتي الفكرة ماذا فعلت وماذا عملت وكيف أتخلص من هذا.....
أقول وبالله التوفيق:
أولاً أخي في الله / أختي في الله
أحمد الله على أنه مازال في قلبك ذرة من إيمان لله فما يدفعك للمحاسبة إلا خوفك من الله وما يدفعك في التمادى إلا نفسك والشيطان.....
فإلى متي ستظل يا ابن الإسلام أسير آلة وحبيس أفكار إلى متى وأنت خائف وجل عسى ألا يلمحك أحد....
لا يختلف اثنان على حرمة الخلوة بالمرأة أو الحديث مع البنات بغير سبب شرعي وملح لهذا. إلا شخص مات إيمانه أو مات حياءه من الله أو أن يكون مكابر عنيد فأمره إلى الله.....
فلا حاجة شرعية تجبر شاب أو فتاة أن يستمر في الأحاديث وتبادل الضحكات والنكت بداعي الصداقة البريئة أو بداعي وهم الحب فمن أباح لك أعراض بنات المسلمين.....
فالمشاكل لا تحل بمشاكل وويلات...... قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: [لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له]
هذه حجج من تناصح أنا قلبي أبيض أنا مؤدب أنا لا أتكلم إلا لتخفيف عنها وخطوة خطوة يبدأ الإدمان والإعجاب والكلام الجميل ثم الجوال ثم.............. نسأل الله السلامة
رأيت يا من تكابر في الحق كيف يستدرجك الشيطان إلى المهالك.....
أعلم ربما مقالي هذا لا يؤثر فيمن مات قلبه وغفل عن ذكره قلبه ولكن حسبي إني نصحت وأبلغت فالكرة في ملعبك الآن.... والخيار لك.....
وبين هذا وذاك تذكر أخي / أختي في الله: إن الأعمار محسوبة والأنفاس محسوبة فبأي حال ستلقى ربك هل ستلقاه وأنت صريع الكيبورد أم ستلقاه وأنت تردد اسماً من أسماء من أحببت عبر ما سنجرك أم تردد أخر بيت شعر أو آخر أغنية...
أين اشتياقك لملاقاة ربك ورؤية نبيك - صلى الله عليه وسلم - ألم تشتاق للحور العين كل هذا تتركه وراءك من أجل وهم وسراب أنت بنفسك تعلم أن لا فائدة منه مرجوة غير تعذيب الضمير وخيانة المسلمين ولعل المصيبة تكن مصيبتين لمن يحادث وهو رجل محصن أو أمرأة محصنة......
أخي البدار البدار واستغنم هذه الليالي المبارك بعمل صالح يرضيه...... قال - تعالى -: يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب
الخطوات لمن يلامس مقالي هذا إيمانه وحياءه من الله:
1) التوبة والاستغفار وعدم العودة.......
قال الله - تعالى -: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}
2) إرسال المقال أو أي مقال آخر يحذر من هذه العلاقة إلى كل من معك في الماسنجر ولتكن رسالتك الأخيرة لهن.... وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم " ( ( متفق عليه ) ) .
3) حظر كل فتاة / شاب من الماسنجر..... ولكن اعلموا أن حديثه - صلى الله عليه وسلم -: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) رواه الترمذي 1171
4) اختيار الصحبة الصالحة....(13/279)
5) الابتعاد عن الأماكن التي كنت تعتاد زياراتها كالشتات وغيرها.....
6) أبحث عن ما يتوافق مع ميوله وهوايات التي لا تخالف الكتاب والسنة وهي كثيرة جداً....
7) أملاْ وقت فراغك بقراءة كتاب أو تصفح موقع يعود لك بالنفع أو مد يد العون والمساعدة لمن يحتاج وهذا تجده في بعض المواقع والمنتديات......
8) لا تقبل إضافة أي أيميل أن لم تعرف صاحبة مسبقاً..... قال - تعالى -(يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين)
9) استبدل الحديث وقضاء الوقت مع أهل بيتك ومع زوجتك وأطفالك فهم أولى.....
10) حاول أصحاب الأسرة للتنزهة.....
11) غير مواعيد دخولك للنت.......
12) لا تلتفت إلى أي رسالة تأتيك.....
13) كن واثقاً من الله فمن ترك شيء لله عوضه الله بأمر خير منه.....
14) كلما وسوس لك الشيطان تذكر قدرة الله وحياءك منه فهل يسرك أن تراه على هذا الحال....
15) أن الله أشد مني وممن يقرأ ومنك شخصياً بتوبة عبده المنيب فهل أفرحت ربك بتوبتك.....
16) الأمر في البداية قد يكن صعب وسوف يوسوس لك الشيطان وشياطين الأنس فأثبت للجميع ولنفسك إنك قد كلمتك ولن تخلف وعداً وعهداً قطعته على نفسك بالعودة إلى ما يخالف الشرع القويم...
17) تذكر إن مهما بلغت ذنوبك فلك رب كريم حليم أقبل عليه وتضرع بين يديه فلن يخذلك أبداً لكن لا تستعجل النتائج....
18) أكثر من قراءة القرآن والأذكار الشرعية.......
19) المجاهدة للنفس........
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرنا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه
هذه همسات من محب لكم في الله إلى كل من وقع في مثل هذا الأمر وتأمل رحمة ربك عبر هذه الآيات:
قال الله - تعالى -: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 160].
قال ابن جرير: "{فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ} يعني: هؤلاء الذين فعلوا هذا الذي وصفت منهم هم الذين أتوب عليهم فأجعلهم من أهل الإياب إلى طاعتي والإنابة إلى مرضاتي {وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} يقول: وأنا الذي أرجع بقلوب عبيدي المنصرفة عني إليّ، والرادها بعد إدبارها عن طاعتي إلى طلب محبتي"[1].
قال الله - تعالى -: {وَءاخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَءاخَرَ سَيّئاً عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ?للَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 102].
قال السعدي: "{إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي: وصفه المغفرة والرحمة اللتان لا يخلو مخلوق منهما، بل لا بقاء للعالم العلوي والسفلي إلا بهما، فلو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة"[2].
وقال - تعالى -: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 104].
قال السعدي: "أي: كثير التوبة على التائبين، فمن تاب إليه تاب عليه، ولو تكررت منه المعصية مراراً، ولا يمل الله من التوبة على عباده حتى يملوا هم"[3].
وقال - تعالى -: {حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر: 1-3].
قال وهبة الزحيلي: "ثم وصف الله نفسه بستة أنواع من الصفات الجامعة بين الوعد والوعيد والترغيب والترهيب فقال: {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر: 3] أي: أن الله هو غافر الذنب الذي سلف لأوليائه، سواء أكان صغيرة أم كبيرة بعد التوبة، أو قبل التوبة بمشيئته، وقابل توبتهم المخلصة"[4].
http://www.saaid.net المصدر:
-==========
حتى يكون المسار سليماً والعمل مثمراً
محمد بن عامر الثوباني
أعظم منة من الله - تبارك وتعالى - على العبد هي: أن يهيئ له الأسباب، ليكون من حملة هذا الدين، وممن يبذلون الغالي والنفيس، لإقامة حكم الله في الأرض، وتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، تلك المنزلة التي هي أشرف المنازل، وأعلى المقامات، منزل المرسلين وسبيلهم، عليهم أفضل الصلاة والسلام.
ولاشك أن الداعية إلى الله - تعالى - هو صفوة الله وخيرته من خلقه، أحب لله فهو أحب أهل الأرض إلى الله، وأجاب دعوة الله ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه، فعمله أفضل الأعمال وأزكاها، وكلامه أعذب الكلام وأطيبه، لأن كلمة الدعوة هي أحسن كلمة تقال في الأرض وتصعد في مقدمة الكلم الطيب إلى السماء، وقد ذكر ربنا ذلك في أوجز عبارة وأصدق بيان: (ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وعَمِلَ صَالِحاً وقَالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].
قال الحسن البصر - يرحمه الله - بعد تلاوة هذه الآية: (هذا حبيب الله، هذا وليّ الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحاً في إجابته، وقال: (إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ) [1] ).(13/280)
ولأن الأمر بهذه المنزلة وبهذا السمو؛ فإنه لابد لأي داعية يريد وجه الله والدار الآخرة أن تتضح عنده أمور، حتى يكون المسار سليماً، والعمل مثمراً، ومن هذه الأمور ما يلي: أولاً - سلامة القصد والغاية: فمقصود الداعية وغايته: إعلاء كلمة الله، وتحكيم شريعة الله في الأرض، وليس لشخصه ولا لقومه، أو جنسه، أو عشيرته، أو قبيلته، حظٌّ في ذلك ولا نصيب، وإنما الأمر لله، والعمل من أجل الله، ولهذا نلحظ في كتاب الله التركيز على هذا الأمر.
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ) [يوسف: 108]، (ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ) [فصلت: 33]، (ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ) [النحل: 125].
إنها دعوة إلى الله وإلى سبيل الله فحسب، دعوة تبيِّن للبشرية غاية خلقهم، وتعرفهم بربهم وخالقهم ورازقهم، وتبين لهم كيف يكون الإنسان شريفاً بعبوديته لله، وكيف يكون ذليلاً عندما يكون عبداً لغير الله، تبين لهم كيف تكون الحرية والسؤدد والرفعة والمجد عندما يتحاكمون إلى شرع الله، وكيف يكون الكبت والذل والصغار عندما يرضون بحكم الجاهلية، وقوانين البشر، وتخرصات أهل الزيغ والضلال، من الفلاسفة والعقلانيين والوضعيين وغيرهم.
ثانياً - سلامة الوصول والطريق الموصل إلى الغاية: وطريق الداعية إلى الله ووسيلته هي طريق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ووسيلته، فإنه أمر الخلق بكل ما أمر الله به، ونهاهم عن كل ما نهى الله عنه، أمرهم بكل خير ونهاهم عن كل شر، ولم يأمر بشيء من عنده ولا نهى عن شيء من تلقاء نفسه، بل كل دعوته بإذن الله، ولم يشرع ديناً لم يأذن به الله، كما قال - عز وجل -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً) [الأحزاب: 45، 46]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله -: (فالله أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة إلى الله تارة، وتارة بالدعوة إلى سبيله، كما قال - تعالى -: (ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ)، وذلك أنه قد علم أن الداعي الذي يدعو غيره إلى أمر، لابد فيما يدعو إليه من أمرين: أحدهما: المقصود المراد.
والثاني: الوسيلة والطريق الموصل إلى المقصود، فلهذا يذكر الدعوة تارة إلى الله، وتارة إلى سبيله، فإنه - سبحانه - هو المعبود المراد المقصود بالدعوة) [2].
ثالثاً - البصيرة في الدعوة: لكي يحقق الداعية الغاية والمقصود، ويسلم سبيله في الدعوة من الالتواءات والانحرافات، ولكي يسلك سبيل الله ويدع السبل المتفرقة، فلابد من العلم والبصيرة في الدعوة إلى الله - تعالى -: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي وسُبْحَانَ اللَّهِ ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ).
والبصيرة هي العلم، علم بالله وبسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، علم يجعل صاحبه وقافاً عند حدود الله، طالباً للحق مذعناً له متى ظهر وإن خالف هواه، علم يجلو القلوب من أصدائها ويزرع فيها تقوى الله وخشيته وحب الله وحب رسوله، وحب عباده المؤمنين وحب العمل الذي يقرب إلى حب الله ورسوله.
رابعاً - الفقه في الدعوة إلى الله:
1- معرفة أحوال المخاطبين والمدعوين، فإن معرفة أحوالهم مما يعين على اختيار الطريق المناسب، ووضع الأمور في مواضعها، قال - تعالى -: (ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)؛ قال ابن القيم- رحمه الله تعالى - حول هذه الآية: (ذكر - سبحانه - مراتب الدعوة، وجعلها ثلاثة أقسام، بحسب حال المدعو، فإنه إما أن يكون طالباً للحق، محباً له، مؤثراً له على غيره إذا عرفه، فهذا يدعى بالحكمة، ولا يحتاج إلى موعظة وجدال، وإما أن يكون مشتغلاً بضد الحق، لكن لو عرفه آثره واتبعه، فهذا يحتاج إلى الموعظة بالترغيب والترهيب، وإما أن يكون معانداً معارضاً فهذا يجادل بالتي هي أحسن، فإن رجع وإلا انتقل معه إلى الجِلاد إن أمكن) [3].
فإذن في الناس من تكون الحكمة أبلغ في دعوته من سواها، والحكمة شأنها عظيم، وقد جاءت في الآية السابقة مستقلة واضحة كالشمس لا تحتاج إلى مزيد بيان وتوضيح، بخلال الموعظة والجدال، فقد جاءا موصوفين، الموعظة بأنها الموعظة الحسنة، والجدال بأنه بالتي هي أحسن، ومن المهم أن نعرف أن الشدة في بعض الأمور ولبعض الناس هي من الحكمة، وفى الحكمة سر عظيم، وخير عميم، (ومَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً).
وبعض الدعاة يبالغ في اصطياد الحكمة، فيذهب الوقت عليه بين مد وجزر، حتى يفلت الأمر من يده قبل أن يبلغ الحكمة أو يقرب منها، وبعضهم يأخذه الحماس والغيرة والاندفاع، فيتجاوز الحكمة بمسافات بعيدة.
وفى الناس من تدخل قلوبهم الموعظة الحسنة، وتأسر مشاعرهم وتتعمق فيها بلطف، ولكن يجب أن تكون حسنة في ألفاظها وفى معانيها، تجعل القلوب تتوق وتتشوق إلى ما عند الله، فتنقاد إلى سبيل المؤمنين لتفوز بالجنة، كما يجب وهى تحذر من عواقب العصيان، وسوء منقلبه، أن تكون حسنة، لا فجاجة فيها ولا غلظة، ولا تقبيح فيها ولا تأنيب في غير موجب، فتعود القلوب الشاردة وتحيا القلوب المريضة بالموعظة الحسنة.(13/281)
وفيهم من يأسرهم الجدال، عندما يكون الجدال بالتي هي أحسن - بصيغة التفضيل أحسن - لأن الأمر خطير وحساس، يقول سيد قطب - رحمه الله -: (فالنفس البشرية لها كبرياؤها وعنادها، وهي لا تنزل عن الرأي الذي تدافع عنه إلا بالرفق، حتى لا تشعر بالهزيمة، وسرعان ما تختلط على النفس قيمة الرأي وقيمتها عند الناس، فتعتبر التنازل عن الرأي تنازلاً عن هيبتها واحترامها وكيانها، والجدل بالحسنى هو الذي يطامن من هذه الكبرياء الحساسة، ويشعر المجادل أن ذاته مصونة، وقيمته كريمة، وأن الداعي لا يقصد إلا كشف الحقيقة في ذاتها، والاهتداء إليها في سبيل الله، لا في سبيل ذاته، ونصرة رأيه، وهزيمة الرأي الآخر) [4].
2 - أن يكون عنوان الداعية هو: طلب الحق، فإن وفق إليه لزمه وانتصر له، وإن تبين له مجانبة الصواب في أي مسألة من مسائل الشرع، أو أي أسلوب أو منهج، قبِل النصح وعاد إلى الصواب، مرتاح البال مطمئن الضمير، فإن الأمر لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، (ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب: 136]، ولاشك أن الأمر عزيز المنال، وأن الإذعان للحق مرتقى لا يرتقيه كل الناس، ولكن أهل التقوى والإخلاص - وهم قلة - يرتقون هذا المرتقى، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
3-أن يعترف الداعية لأهل الفضل بفضلهم، وأن لا يبخس الناس حقوقهم، وأن لا يتعدى بأي هفوة أو زلة حجمها وقدرها الذي يجب أن لا تتعداه، وأن يحذر تتبع العثرات والزلات، عند العلماء والدعاة، ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها كفى المرء نُبلاً أن تعد معايبه.
4 -أن يكون الداعية على علم بواقعه المعاصر، وعلى دراية بحجم الجاهلية وقوتها وتبجحها واستهتارها، وأن يدرك المكر الذي يمكره أعداء الله ليلاً ونهاراً، لإخماد أي جذوة أو بصيص من نور تظهر في أي بقعة من العالم لإعلاء كلمة الله.
5-أن يكون صريحاً في كلامه، واضحاً في منهجه وسلوكه، متميزاً عن الجاهلية، معتزاً بدينه، مترفعاً عن أن يساوم بشىء من دينه، مستقلاً تماماً عن أنظمة الجاهلية، معرضاً عن الأنظمة المشبوهة، منتمياً لأولياء الله، موالياً للمسلمين، متبرئاً من المشركين، يقول بملء فيه: (إنني من المسلمين)، ويقول: (سُبْحَانَ اللَّهِ ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ)، وما أحسن كلام سيد - رحمه الله - حول قول الله - تعالى -: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي)، يقول: (وأصحاب الدعوة إلى الله لابد لهم من هذا التميز، لابد لهم أن يعلنوا أنهم أمة وحدهم، يفترقون عمّن لا يعتقد عقيدتهم، ولا يسلك مسلكهم، ولا يدين لقيادتهم، ويتميزون ولا يختلطون! ولا يكفي أن يدعو أصحاب هذا الدين إلى دينهم وهم متميعون في المجتمع الجاهلي، فهذه الدعوة لا تؤدي شيئا ذا قيمة.
ثم يقول: والذين يظنون أنهم يصلون إلى شيء عن طريق التميع في المجتمع الجاهلي، والأوضاع الجاهلية، والتدسس الناعم من خلال تلك المجتمعات، ومن خلال هذه الأوضاع، بالدعوة إلى الإسلام، هؤلاء لا يدركون طبيعة هذه العقيدة، ولا كيف ينبغي أن تطرق القلوب! إن أصحاب المذاهب الإلحادية أنفسهم يكشفون عن عنوانهم وواجهتهم ووجهتهم! أفلا يعلن أصحاب الدعوة إلى الإسلام عن عنوانهم الخاص؟ وطريقهم الخاص؟ وسبيلهم التي تفترق تماماً عن سبيل الجاهلية؟)[5].
وبعد: أخي الداعية، لعل هذه الأمور لا تخفى عليك، ولكنها الذكرى عسى أن تقابل لحظة قبول، فتنتفع بها القلوب المؤمنة، هذا الذي نرجوه من الله، والحمد لله أولاً وآخراً.
-----------------
(1) ابن كثير، المجلد الرابع، ص152.
(2) الفتاوى15/162.
(3) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد.
(4) في ظلال القرآن4/2202.
(5) في ظلال القرآن4/2034.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
أفكار دعوية مع الزوج
هناء الصنيع
حركة لطيفة أن تتركي بعض الأشرطة النافعة في سيارة زوجك وتقومي باستبدالها من وقت لآخر وبدون تعليق.
هل تعرفين فكرة البرواز؟
إنه برواز صور متوسط الحجم تضعينه على المنضدة التي بجوار سرير زوجك بعد أن تكوني قد وضعت بداخله بدل الصورة فائدة كتبتها بخطك الجميل أو قصصتها من إحدى المطبوعات، أو كلمة تعبرين بها عن حبك واحترامك لزوجك، ولا تنسي أن تقومي بتغيير العبارات بين وقت وآخر كما يمكنك أيضاً عمل فكرة البرواز في غرفة الضيوف أوصالة المنزل مع وضع الفوائد المناسبة التي يستمتع بها جميع من في المنزل.
طبق شهي تهديينه لأهل زوجك عند اجتماعهم الأسبوعي لن يكلفك الكثير، بل سيعطيك الكثير.. تحتسبين فيه إدخال السرور على المسلمين- زوجك وأهله- وإرضاء زوجك الذي سيسعد كثيراً بذلك وسيفتخر بك عند أهله كما تحتسبين إطعام الطعام، فهو سبب لدخول الجنة بسلام... وتهادوا تحابوا كما أمرنا - صلى الله عليه وسلم -..
نادى المؤذن: الله أكبر.. الله أكبر...
زوجك يتحدث معك، يلعب مع أطفاله.....
بطريقة لبقة ولطيفة.. أنهي الجلسة والحديث واجعلي الجميع يشعرون هناك شيئاً مهماً قد حصل...
هو دخول وقت الصلاة وارتفاع النداء...
فكوني أنت أول من يستعد لأداء الصلاة وينقطع عن أمور الدنيا لنداء...
ستعينين زوجك بلا شك على إدراك تكبيرة الإحرام.
اجعلي زوجك يشعر بأنك تتعلمين منه
اسأليه عن بعض أمور الدين وناقشيها معه بتواضع كتلميذة مع أستاذها
لا شك أن ذلك سيحفزه على الاطلاع أكثر حتى يستطيع أن يجيب على أسئلتك خصوصاً إذا شعر بأنك تتعلمين منه(13/282)
ذلك سيسعده كثيراً وسيعلي همته في البحث والقراءة والسؤال فتكونين قد أعنت زوجك على طلب العلم والاستفادة من وقته
أعينيه على بر والديه وصلة إخوانه وأخواته...
ذكريه إذا نسي، وعظيه إذا قصر أو تهاون
فمن لا خير فيه لأهله، فلن يكون فيه خير لأحد وأولهم أنت
ثم أي حياة تلك التي تعيشينها مع زوج عاق مسخوط عليه قاطع لرحمه، قد قطعه الله والعياذ بالله....
فأول واجبات الداعية أن تجعل زوجها موصولاً بالله عن طريق بر والديه وصلة رحمه حتى تهنئي معه ويهنأ معك
داعية مثلك بالتأكيد لن تنسى أثر الدعاء في التوفيق بين الزوجين...
اللهم استر عنه عيوبي واستر عني عيوبه...
وأظهر له محاسني وأظهر لي محاسنه...
ورضني بما رزقتني وبارك لي فيه... آمين
تعرفي على مواطن الإبداع في زوجك...
فجريها.. نميها، و با ركيها..
اصنعي من زوجك رجلاً ينفع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
ثم اعرفي مواطن الضعف فيه، عالجيها وانهضي بزوجك...
ولا تعينيه على الكسل وحب الدنيا فينفتح عليكما باب شر عظيم يصعب إغلاقه.
إرفعي همته إلى الأعلى دائماً...
إجعليه سباقاً إلى الخيرات بإذن الله...
ولم لا.. ما دام له زوجة مثلك سيكون ذلك سهلاً بإذن الله...... أيتها الزوجة انتبهي...
لا تكوني أنت مفتاح أبواب الدنيا وملذاتها لزوجك..
فإنها إذا دخلت قلبه فسيكون خروجك منه هيناً،
لأن حب الدنيا قد يكون على حساب حبك أنت في كثير من الأحيان.
http://www.saaid.net المصدر:
===========
أعمال لا تنتهي
علي بن صالح الجبر البطيّح
كم من الأعمال التي لا ولن تنتهي وطموحات الإنسان فيها لا تنقضي يسعى ويكدح ويغدو ويروح و يتصل وينسّق ويخطط وينفذ، ويتابع ويحرص، ويهتمّ ويشقى ويوصي ويؤكّد، ومع ذلك لا ولن تنتهي أعماله بالصورة التي يرضاها، ولربما دعاه قريبه أو جاره إلى زيارته لكنه يكثر الاعتذار، ويتعلل بهذه الأعمال التي تحتاج إلى متابعة واستكمال، فطال به الزمن عن رؤية إخوانه وذويه والجلوس معهم، ولربما تأخر كثيراً عن إدراك صلاة الجماعة لهذه الأسباب، ونرى وترون فئاماً من الناس قد خف ميزان الصلاة لديهم، يقضون ما فاتهم إن أدركوا منها شيئاً، ثم ينصرفون إلى هذه الدنيا التي تغري وتفتن أبناءها ممن اصطادتهم ووقعوا في حبائلها، ثم يعقب ذلك خبر كالصاعقة على الورثة (مات فلان) نعم تصوّر أنها قيلت عنك (مات فلان) وهو أنت ياترى ماموقفك من هذا الخبر وبين يدك حقوق وواجبات لم تؤدى بسبب هذه السكرة؟
ديون لم توثّق وقروض في نظرك يسيرة – وهي دين عليك للخلق – لم يعلم بها أحد وأمور أخرى لم تتحلل أصحابها – كسلاً منك – قد دوّنت عليك، وورثة لم تخلص النصيحة لهم في حياتك، أو أموال واعدت نفسك بالتصدق منها لكنك لم تفعل طمعاً وخوفاً من نقصها والشيطان يعدكم الفقر، ووصية وعدت نفسك بكتابتها وتدوينها وحفظها لكنك – أيضاً – لم تنفذّ ولم تكتب
أخي: هل فكّرت بجدٍ فيما مرّ؟ هل دار في ذهنك؟ لمَ لا تبادر من الآن وتقوم بتصفية كل ذلك، وتستعدّ لما أمامك؟ لمَ لا تذكّر نفسك وأهلك وإخوانك بين الفينة والأخرى – بذلك؟ تلك غشاوة آن أن نزيلها ونبددها ونستيقظ من سباتنا العميق أخي: عش لحظة وصول نبأ موتك لأهلك، وتصور ذلك ما الذي تستطيع أن تعمله لو مدّ لك في عمرك؟ إذاً افعله الآن من تجديد التوبة والفرار إلى الله (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين) والله يا أخي لا ينفع الندم، وورثتك لايغنون عنك من الله شيئاً ولن يؤنسك في قبرك سوى عملك الصالح فهل أكثرت من الصالح؟ لا تدع للطالح من العمل فرصة في حياتك واعمرها بما يقرّبك من مولاك، عِ النصيحة وافتح لها أبواب قلبك تفلح وتنجح وفقك الله وسددك..آمين
http://www.saaid.net المصدر:
===========
أعطيته شريط فأعطاني أشرطة غناء
سلطان العمري
حدثني صاحبي قائلا ً: كنت في محطة لتعبئة وقود السيارة، وكان عن يميني شاب قد رفع صوت الغناء، فنظرت إليه مبتسماً وأعطيته شريطاً مؤثراً، وودعته بابتسامه أخرى.
ثم ذهب الشاب، وبعد دقائق، رجع إلي ووقف بجانبي ونزل من السيارة ومعه كيس ملئ بأشرطة غناء وقال لي: تخلص منها.
فأخذتها وأنا متعجب، يا ترى ما الذي جعله يتخلص من أشرطة الغناء؟؟
قلت: في هذه القصة فوائد:
• اعلم أخي المسلم أن عامة الناس في قلوبهم خير كثير ولكن هذا الخير يحتاج إلى من يوقظه ويدفعه ويحركه.
• الابتسامة مفتاح القلوب.
• أن إنكار المنكر بالرفق واللين طريق إلى نجاح الدعوة.
http://www.denana.com المصدر:
-=============
أسلوب الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دعوته أهل الكتاب
د. بشرى محمد أحمد
مقدمة:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأشهد أن لا إله إلا الله خصنا بخير كتاب أنزل، وأكرمنا بخير نبي أرسل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين.
كان الرسول يختار في تعليمه من الأساليب أحسنها وأفضلها، وأوقعها في نفس المخاطب وأقربها إلى فهمه وعقله، وأشدها تثبيتاً للعلم في ذهن المخاطب، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلوِّن الحديث لأصحابه ألواناً كثيرة، فتارة يكون سائلاً وتارة يكون مجيباً، وتارة يجيب السائل بقدر سؤاله، ويزيد على ما سأل، وتارة يضرب المثل لمن يريد تعليمه، وتارة يصحب كلامه القسم بالله - تعالى -ليؤكد ما يقوله، وتارة يلفت السائل عن سؤاله لحكمة بالغة منه، وتارة يعلِّم بطريق الكتابة، وتارة بطريق الرسم، وتارة بطريق التشبيه أو التصريح.(13/283)
و كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يورد الشبهة ليذكر جوابها، وتارة يسلك سبيل المداعبة والمحاجاة فيما يعلمه، وتارة يمهد لما يشاء تعليمه وبيانه تمهيداً لطيفاً لما يريد بيانه، وتارة يسلك سبيل المقايسة بين الأشياء، وتارة يشير إلى عللها لذكر جوابها، وتارة يسأل أصحابه وهو يعلم ليمتحنهم بذلك، وتارة يسألهم ليرشدهم إلى موضع الجواب، وتارة يلقي إليهم العلم قبل السؤال.
إن دعوة غير المسلمين وخاصة أهل الكتاب يجب أن تكون مؤثرة وبأساليب متعددة، لأن بعض الناس قد لا يستجيب للدعوة إلا أن يرى شيئاً عظيماً يجعله يقف مبهوراً معجبا، شيئاً يشده إلى الإسلام شداً ويجعله يعيد حساباته.
إن ملكة سبأ كانت تعبد الشمس هي وقومها عندما دعاها سليمان - عليه السلام - إلى الإسلام، ولكنها أبت إلا أن تنقاد مع اعترافها بضعفها أمام قوة سليمان وجنوده، ولكن عندما دخلت الصرح وحسبته لجة: (قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) (سورة النمل الآية 144).
لقد عرضت عليها مظاهر القوة الخارقة لتؤثر على قلبها وتقودها إلى الإيمان.
و لكن في الإسلام ليس الأصل هو المعجزات المادية، وإن جاءت عفواً وإكراماً فلا بأس. وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يعتمد في دعوته إلى الله على المعجزات المادية، بل على معجزة القرآن فقط.
إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اتخذ أساليباً متعددة مع أهل الكتاب في دعوتهم للدخول في الإسلام، وقد شملت دعوته، الدعوة باللسان حيث أقام الأدلة القاطعة على إرساله لهم، وأقام عليهم الحجة حين حاولوا غير مرة تعجيزه بأسئلة يوجهونها إليه ويجيبهم فيها وفق أسئلتهم.
و كان - صلى الله عليه وسلم - تارة يرغبهم في الإسلام ويبين لهم محاسنه، وتارة يرهبهم ويحذرهم،.و كان من جملة أساليبه - صلى الله عليه وسلم - في دعوته أهل الكتاب أنه - صلى الله عليه وسلم - دعاهم دعوة خاصة، وكان يظهر لهم حلمه وصفحه ويظهر لهم المعجزة، ويعرِّفهم موافقة القرآن لما في التوراة، وموافقة أهل الكتاب فيما ليس فيه نص، وإباحته ذبائح أهل الكتاب ونسائهم، وقبول الهدية من أهل الكتاب، ووصيته - صلى الله عليه وسلم - على أهل الذمة، وإخبار اليهود بما ينتظرهم من عذاب.
أهمية البحث:
أولاً: إظهار سماحة الإسلام وتعايشه مع الأديان الأخرى.
ثانياً: تعريف إخواننا المسلمين كيفية معاملة أهل الكتاب وبخاصة في السودان ونحن نستشرف السلام.
ثالثاً: إظهار أن الإسلام لم يفرض بالقوة على أهل الكتاب.
مشكلة البحث:
تتلخص مشكلة البحث في مفهوم كثير من المسلمين في محدودية التعامل مع أهل الكتاب والكف عن دعوتهم إلى الدخول في الإسلام رغم اختلاطهم في العمل في السكن. وأردت بهذا البحث توضيح المنهج الشرعي في كيفية التعامل مع أهل الكتاب ودعوتهم إلى الإسلام أسوة بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك الرد على أعداء الإسلام في أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أدخل الناس في الإسلام عن طريق القوة.
خطة البحث:
يتكون البحث من مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة وفهرس للمصادر والمراجع.
تمهيد:
(أهل الكتاب) كلمة تطلق على كل من يدين باليهودية أو النصرانية ولو لم يكن من أصل بني إسرائيل الذين أنزلت على رسلهم التوراة والإنجيل. قال - تعالى -: (قل يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون)(سورة آل عمران- 107).
قال سعيد بن جبير - رحمه الله -: عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (كان محمد - صلى الله عليه وسلم - رحمة لجميع الناس، فمن آمن به وصدق به سعد، ومن لم يؤمن به سلم مما لحق الأمم من الخسف والغرق)[1]
و قال - تعالى -: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) (سورة الأعراف- جزء من الآية158).
و عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا، وأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصلي، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة، وأعطيت الشفاعة). [2]
من هذه النصوص يظهر أن أهل الكتاب من ضمن المدعوين. لذلك دعاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعوة عامة ضمن الناس، وكذلك دعاهم دعوة خاصة كما سيأتي في المباحث القادمة إن شاء الله.
شبهة:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه) [3]
عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسياً ذلك بأن الله يقول: فحيوا بأحسن منها أو ردوها). وقال قتادة فحيوا بأحسن منها يعني للمسلمين أو ردوها يعني لأهل الذمة)[4]
قال إبراهيم النخعي: (إذا كانت لك حاجة فابدأه بالسلام) فبان لهذا أن الحديث (لا تبدءوهم بالسلام) إذا كان لغير سبب مثل جوار أو سفر. وقد روي عن السلف أنهم كانوا يسلمون على أهل الكتاب، وفعله ابن مسعود بدهقان صحبه في الطريق، قال علقمة: يا أبا عبد الرحمن أليس يكره أن يبدءوا بالسلام؟ قال نعم ولكن حق الصحبة [5].
(فاضطروهم إلى أضيقه) (معناه لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيق إكراماً لهم واحتراما، وليس المعنى إذا لقيتموهم في طريق واسع فألجئوهم إلى حرفه حتى يضيق عليهم لأن ذلك أذى لهم وقد نهينا عن أذاهم بغير سبب)[6].(13/284)
وروي عن ابن مسعود وأبي الدرداء وفضالة ابن مسعود - رضي الله عنهم - أنهم كانوا يبدؤون أهل الذمة بالسلام. وعن ابن مسعود أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب السلام عليك، وعنه أيضاً أنه قال: لو قال لي فرعون خيراً لرددت عليه مثله. وروى الوليد بن مسلم عن عروة بن رويم قال: رأيت أبا أمامة الباهلي يسلم على كل من لقي من مسلم وذمي[7].
و مما ذكر يتضح أن الحديث قيل في ظروف استثنائية في المدينة المنورة، والأصل هي المعاملة الطيبة في قوله - سبحانه وتعالى-: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم)(سورة العنكبوت جزء من الآية46).
و لا خلاف في أن القتال كان محظوراً قبل الهجرة لقوله - تعالى -في السور المكية: (اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين)(سورة الأنعام- آية 106).
(ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم)(سورة فصلت- آية 34) (و اصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلا)(سورة المزمل- آية10).
كانت الآيات المكية تحث على العفو والصفح. فلما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة أمر بالقتال فنزلت أول آية في القتال، قاله الربيع بن أنس وغيره[8] (و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)(سورة البقرة- آية190).
لما نزلت هذه الآية كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقاتل من قاتله ويكف عمن كفَّ عنه حتى نزلت الآية[9] (و قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة)(سورة التوبة-جزء من الآية36).
إن الآية الأولى أوجبت قتال المعتدين فقط وليس غيرهم. أما الثانية فأوجبت قتال المشركين وليس أهل الكتاب.
مما سبق يتضح بأن أهل الكتاب لهم وضع خاص في ظل الإسلام، لذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو أهل الكتاب بوجه عام ليشملهم بتلك الدعوة وتارة يخص بدعوته اليهود، وتارة يخص بها النصارى، ولنشرع الآن في بيان أسلوبه - صلى الله عليه وسلم - في دعوته أهل الكتاب على ضوء الكتاب والسنة. علماً أن الكتاب والسنة يخرجان من مشكاة واحدة، ألا وهو - سبحانه وتعالى-. قال - تعالى -: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)(سورة النجم- آيات 3، 4)، فالسنة إما أن تكون مثبتة ومؤكدة ما جاء في القرآن أو مفسرة ومبينة له أو تأتي بحكم سكت عنه القرآن.
المبحث الأول: دعوته - صلى الله عليه وسلم - أهل الكتاب:
كان - صلى الله عليه وسلم - يدعو الناس بمختلف اتجاهاتهم ويبلغهم رسالة ربه، ومن ضمنهم أهل الكتاب. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يدعو أهل الكتاب دعوة خاصة، وكان تارة يدعوهم بوجه عام اليهود والنصارى، وتارة يخص بدعوته اليهود، وتارة يخص بدعوته النصارى.
المطلب الأول: دعوة أهل الكتاب بوجه عام:
قد امتثل - صلى الله عليه وسلم - أمر ربه حيث أمره بذلك في قوله - تعالى -: (قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباب من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)(سورة آل عمران آية 64).
هذا خطاب موجه إلى أهل الكتاب يأمر فيه الله - سبحانه وتعالى-نبيه الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: (يا معشر اليهود والنصارى هلموا إلى كلمة عادلة مستقيمة فيها إنصاف بعضنا من بعض وأن نفرد الله وحده بالعبادة ولا نجعل له شريكاً، أي لا يعبد بعضنا بعضاً كما عبد آباؤكم من اليهود والنصارى عزيراً وعيسى، وأطاعوا الأحبار والرهبان فيما أحلوا لهم وحرموا)[10] هذا خطاب فيه خصوصية لأهل الكتاب لأنهم أهل علم ودراية بدين سابق.
و كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو أهل الكتاب كافة، وكان التأكيد أقوى في مخاطبته الملوك والزعماء، لأن من كان ذا مسئولية ورعاية عظيمتين كان التبعة عليه أعظم، من هذا المنطلق كتب - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل عظيم الروم خطاباً لطيفاً فيه تبشير وتنذير قال فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن أبيت فإن عليك إثم الإريسيين[11]
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: (الأريسيين هم الأكارون أي الفلاحون والزراعون ومعناها أن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك، وبهؤلاء على جميع الرعايا لأنهم الأغلب ولأنهم الأسرع انقياداً فإذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا)[12].
و المعنى أنه إذا آمن له أجران أجر لأيمانه بالرسول السابق، وأجر لإيمانه بمحمد، وإذا لم يؤمن أن عليه إثم الضعفاء والأتباع في مملكته إذا لم يسلموا تقليداً له، لأن الأصاغر أتباع الأكابر.
و في دعوته لليهود والنصارى قال: (و الذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)[13] وفي هذا الحديث خص النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود والنصارى رغم أن لهم كتباً سماوية أمروا باتباع ما فيها، وفيه كذلك دليل على نسخ الملل كلها برسالة نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم -.(13/285)
و في حديث آخر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران)[14]. وفي هذا الحديث جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسلوب الترغيب لأهل الكتاب منهجاً في دعوته حيث أخبرهم أن الذي آمن بنبيه وآمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - له أجران، وكذلك يرى الكتابي أنه له مزية على المشرك حيث كان للمشرك أجر واحد، فيعلم بذلك أن الإسلام يقدر الأديان السابقة ويرفع من شأنها.
المطلب الثاني: دعوة اليهود بوجه خاص:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما نحن في المسجد إذ خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (انطلقوا إلى يهود، فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس[15]، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فناداهم يا معشر يهود إسلموا تسلموا فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال ذلك أريد، ثم قالها الثانية، فقالوا قد بلغت يا أبا القاسم، ثم قال الثالثة، فقال: إعلموا أن الأرض لله ورسوله وإني إريد أن أجليكم فمن وجد منكم بماله شيئاً فليبعه وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله)[16]. والظاهر أن هؤلاء بقايا من اليهود تأخروا بعد إخراج قبائل اليهود الثلاثة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، لأن القبائل الثلاثة أجليت من المدينة قبل إسلام أبي هريرة - رضي الله عنه -[17].
في هذا الحديث تصريح منه - صلى الله عليه وسلم - لليهود بالدعوة وإخباره لهم أن سلامتهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة في إسلامهم واتباعهم لما جاء به من عند الله، أي تسلموا في الدنيا من القتل وفي الآخرة من العذاب [18]. وقد أخذ - صلى الله عليه وسلم - الاعتراف من اليهود بأنه بلغهم رسالته، وهذه دلالة على دعوته الخاصة لهم.
المطلب الثالث: دعوة النصارى بوجه خاص:
قال - تعالى -: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)(آل عمران- آية 61).
إن أسلوبه - صلى الله عليه وسلم - إما ترغيب أو ترهيب، في هذه الآية يتحدى - صلى الله عليه وسلم - نصارى نجران بأن يتركوا كلامهم عن ألوهية عيسى وذلك بالتضرع إلى الله - تعالى -أن ينزل لعنته على الكاذبين، وهذا من حرصه - صلى الله عليه وسلم - أن يدخلوا الإسلام، ولكن النصارى لم يأمنوا عاقبة الملاعنة فتركوها ورضوا بالجزية[19]. رغم أنهم اعتقدوا بصدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، لذلك لم يباهلوا بل فروا منه ولم يؤمنوا ويدخلوا في الإسلام.
المبحث الثاني: أسلوبه - صلى الله عليه وسلم - في دعوة أهل الكتاب:
المطلب الأول: حلمه وصفحه - صلى الله عليه وسلم -:
إن الحلم عن أهل الكتاب والصفح عن زلاتهم ولين الجانب معهم أسلوب حكيم من أساليبه - صلى الله عليه وسلم - لهم وسبب في دخولهم الإسلام، وقد امتثل - صلى الله عليه وسلم - أمر ربه حيث أمره بذلك في قوله: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيرا، وأن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور)(سورة آل عمران- آية 186).
و في الآية خطاب للمؤمنين عند مقدمهم قبل واقعة بدر تسلية لهم عما ينالهم من الأذى من أهل الكتاب والمشركين وأمراً لهم بالصفح والصبر والعفو حتى يأتي فرج الله. قال ابن حاتم إن أسامة بن زيد قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتأول العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم)[20]
و في آية قرآنية أخرى يحذر الله - تعالى -عباده المؤمنين من سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب ويعلمهم بعداوتهم في الباطن والظاهر وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم، ويأمر عباده المؤمنين بالصفح والعفو والاحتمال حتى يأتي أمر الله من النصر أو الفتح[21]. قال - تعالى -في المعنى السابق: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره)(سورة البقرة-آية109).
و من حلمه - صلى الله عليه وسلم - على أهل الكتاب أنه استلف تمراً من يهودي إلى أجل معلوم، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة، فلما وضع الميت في قبره قام اليهودي فقال: يا محمد ألا تقضيني تمري؟ فو الله ما أعلمكم يا بني عبد المطلب إلا تمطلون الناس بحقوقهم. فهمَّ عمر - رضي الله عنه - بضرب اليهودي، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: ياعمر أنت إلى غير هذا أحوج، أن تأمره فيحسن طلبه، وتأمرني فأحسن قضاءه. ثم أمره أن يذهب إلى حائط أحد الإشخاص وأن يكيل له بعد رضائه ثم يزيد كذا صاعاً لتعنيف سيدنا عمر إياه. فقال اليهودي لعمر: إنه لم يكن بقي شيئ مما وجدنا في كتابنا مما وصف لنا موسى - عليه السلام -، إلا قد رأيناه في محمد - صلى الله عليه وسلم -، إلا الحلم فقد رأيناه الآن، فشهد شهادة الحق وآمن، ثم مات اليهودي فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فحمل سريره على عاتقه الأيسر[22] رغم تجاوز هذا اليهودي في سبه - صلى الله عليه وسلم - ثم سب بني عبد المطلب جميعاً، وطلب دينه في وقت غير مناسب، إلا أنه - صلى الله عليه وسلم - كان حليماً بهذا اليهودي، لذلك كان رد الفعل إسلامه الفوري. وهذا أسلوب حكيم للرسول - صلى الله عليه وسلم - مع أهل الكتاب لدعوتهم لدخول الإسلام.(13/286)
المطلب الثاني: إظهار المعجزة لأهل الكتاب طمعاً في إيمانهم:
إن الله - سبحانه وتعالى-قد أعطى بعض أنبيائه من البينات (المعجزات) وذلك لتصديقهم فيما جاءوا به. وقد أيد الله - سبحانه وتعالى-نبيه موسى - عليه السلام - بتسع آيات: العصا واليد والسنين ونقص من الثمرا ت والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم التي فيها حجج وبراهين على فرعون وقومه وخوارق ودلائل على صدق موسى - عليه السلام -، وكذلك أعطى عيسى بن مريم - عليه السلام - إحياء الموتى، وخلقه من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وإبراء الأسقام، وإخباره بالغيوب، وتأييده بروح القدس وهو جبريل - عليه السلام - ما يدل على صدقه فيما جاءهم بهي.
أما النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كانت معجزته الكبرى القرآن، إلا أنه كان يظهر لأهل الكتاب بعض المعجزات التي كانت تتحقق على يديه علهم يؤمنون به كما آمنوا بأنبيائهم السابقين موسى وعيسى - عليهم السلام -.
روى ابن عباس - رضي الله عنهما -، أنه حضرت عصابة من اليهود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه عن أربعة أشياء لا يعلمهن إلا نبي كما ذكروا له ذلك وهي: الطعام الذي حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، وماء المرأة وماء الرجل كيف يكون منه الذكر والأنثى، وإخبار هذا النبي الأمي في النوم ووليه من الملائكة، وقد أخذ عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - المواثيق والعهود إذا أجابهم وفق ما يعلمون أن يدخلوا الإسلام، وكانت الإجابة أن يعقوب - عليه السلام - مرض مرضاً شديداً وطال سقمه فنذر نذراً لئن شفاه الله - تعالى -من سقمه ليحرمن أحب الشراب وأحب الطعام إليه، وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها. والإجابة الثانية أن ماء الرجل أبيض غليظ وأن ماء المرأة أصفر رقيق فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله. والإجابة الثالثة أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه، فالإجابة الأخيرة أن جبريل هو ولي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجميع الأنبياء.
و في هذا الحديث يبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأهل الكتاب بعض المغيبات التي لم يحضرها ولم يقرأ عنها وإنما هي وحي يوحى إليه، وأخبرهم بما سألوه عنه طبق ما يعلمون في كتبهم السماوية المنزلة على أنبيائهم ليؤمنن به وليتبعنه. ولكن اليهود حاولوا التخلص من العهد الذي التزموا به مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بحجة بغضهم لجبريل - عليه السلام -[23]، قال - تعالى -فيهم: (قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين)(سورة البقرة- آية97).
المطلب الثالث: إثبات موافقة الشريعة الإسلامية لما في التوراة:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبين لأهل الكتاب أن كتابه الذي أنزل عليه توافق أحكامه أحكام الكتاب الذي أنزل على موسى - عليه السلام -، فإذا تحقق التوافق حينئذ فإنه رسول من عند الله صدقوا برسالته ودخلوا في دين الإسلام.
قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: (إن اليهود جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكروا أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما تجدون في التوراة في الرجم؟) فقالوا: نفضحهم ويجلدون. قال عبد الله بن سلام كذبت إن فيها الرجم)، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، قال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم. قالوا صدقت يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما، فرأيت الرجل ينحني على المرأة يقيها الحجارة)[24]
و في هذا الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقنعهم أن كتاب الله الذي أنزله على نبيهم موسى - عليه السلام - يوافق كتابه الذي أنزله في شأن الرجم على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا أسلوب لدعوته - صلى الله عليه وسلم - أهل الكتاب لدخول الإسلام.
قال الإمام ابن حجر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟) قال الباجي: (يحتمل أن يكون علم بالوحي أن الحكم بالرجم فيها ثابت على ما شرع لم يلحقه تبديل، ويحتمل أن يكون علم ذلك بإخبار عبدالله بن سلام وغيره ممن أسلم منهم على وجه حصل له به العلم بصحة نقلهم، ويحتمل أن يكون إنما سألهم عن ذلك ليعلم ما عندهم فيه ثم يتعلم صحة ذلك من قبل الله تعالى)[25]
المطلب الرابع: موافقة أهل الكتاب فيما ليس فيه نص:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقتهم في الأمور التي لم يؤمر فيها بشيء، وذلك تألفاً واستعطافاً لهم على هذا الدين الحنيف، ذلك لأنهم إذا رأوه يتعبد بالأحكام التي يعلمون أنها تشريع سماوي أنزله الله على نبي من أنبيائه كتعبده بما يتفق مع ما في التوراة المنزلة والإنجيل، عملوا أن مصدر التشريع الذي عندهم والذي عنده واحد هو الله - سبحانه وتعالى-، وعلى ذلك يجب أن يراجعوا أنفسهم فيما هم عليه من التكذيب والعناد والجحود، فيؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسئلوا عن ذلك فقالوا: (هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، ونحن نصومه تعظيماً له)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فأنا أحق بموسى منكم) فصامه وأمر بصيامه)[26](13/287)
و عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ثم فرق النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه[27]
و في هذا الحديث اتضح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وافق أهل الكتاب في أفعالهم حتى يخالف أهل الأوثان، فلما أسلم أهل الأوثان الذين معه والذين حوله واستمر أهل الكتاب على كفرهم تمحضت المخالفة لأهل الكتاب ثم فرق - صلى الله عليه وسلم - رأسه.
المطلب الخامس: إباحته ذبائح أهل الكتاب ونكاح نسائهم:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امتثالاً لقول الله - سبحانه وتعالى -: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم، وطعامهم حلٌّ لكم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين)(المائدة: الآية 5) قد أباح لأمته ذبائح أهل الكتاب دون باقي ملل الكفر، وهذا يعني إذا كان بين المسلمين وأهل الكتاب مبادلة في التجارة، يحصل الاختلاط بينهم، ولا شك أن هذا مدعاة لدخولهم الإسلام. وعن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: أصبت جراباً من شحم يوم خيبر، قال: فالتزمت فقلت: لا أعطي أحداً اليوم من هذا شيئاً، فقال: فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبتسم[28].
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث، وفي هذا إباحة أكل طعام الغنيمة في دار الحرب، وقال القاضي: (و أجمع علماء الإسلام على جواز أكل طعام الحربيين ما دام المسلمون في دار الحرب فيأكلون منه قدر حاجتهم، ويجوز بإذن الإمام وبغير إذنه. ولم يشترط أحد من العلماء استئذانه إلا الزهري، وجمهورهم على أنه لا يجوز أن يخرج معه شيئاً إلى عمارة دار الإسلام فإن أخرجه لزمه رده إلى المغنم)[29]
و كذلك أباح الإسلام مصاهرة أهل الكتاب والتزوج من نسائهم مع ما في الزواج من سكن ومودة ورحمة. وهذا يجوز مع الذين لم يقاتلوا المسلمين ولم يخرجوهم من ديارهم ولم يظاهروا على إخراجهم كالنساء والضعفة، أما المعتدين فيجب معاداتهم وعدم موالاتهم[30]
قال - تعالى -: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ولم يظاهروا على إخراجكم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون)(سورة الممتحنة: الآيات 8-9).
الطلب السادس: قبول الهدية من أهل الكتاب:
لا شك أن قبول الهدية فيه نوع من التقارب، وكلما زاد التقارب بين قوم سهلت دعوتهم. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية من أهل الكتاب ولا يقبلها من غيرهم من المشركين، وهذه خصوصية لهم ربما تدفعهم إلى الدخول في الإسلام.
و عن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة فقال: أسلمت؟ فقلت: لا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إني نهيت عن زبد المشركين)[31].
و عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن أكيدر دومة وهو من أهل الكتاب أهدى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثوب حرير فأعطاه علياً فقال: (شققه خمراً بين الفواطم)[32].
المطلب السابع: وصيته - صلى الله عليه وسلم - على أهل الذمة:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أوصى على أهل الذمة والكتاب، وهدد بالوعيد الشديد على من نقض عهدهم، حتى أنه توعد أصحابه بأن من قتل معاهدا في غير وقته الذي يجوز قتله فيه حرّم الله عليه الجنة، وهذا من حرصه - صلى الله عليه وسلم - على دعوة أهل الكتاب.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وأن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً)[33].
و كان - صلى الله عليه وسلم - لا يرضى أن يمس أهل الكتاب ظلم ولو كان من أصحابه، سواء كان هذا الظلم اعتداءاً على أنفسهم أو أموالهم.
عن العرباض بن سارية السلمي - رضي الله عنه - قال: (نزلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلعة خيبر ومعه من معه من المسلمين، وكان صاحب خيبر رجلاً مارداً متكبراً، فأقبل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا محمد ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتضربوا نساءنا؟ فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: (يا ابن عوف اركب فرسك ثم ناد إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن، وأن اجتمعوا إلى الصلاة) فاجتمعوا، ثم صلى بهم ثم قام فقال: (أيحب أحدكم متكئاً على اريكته قد يظن أن الله - تعالى -لم يحرم شيئاً إلا ما في القرآن، ألا أني والله وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء وإنها لمثل القرآن أو أكثر، وأن الله - تعالى - لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب نسائهم، ولا أكل ثمارهم إذا أعطوا الذي عليهم)[34].
المطلب الثامن: إخبار الصحابة بما ينتظر اليهود من عذاب:
لا شك أن الدعوة إلى الله - عز وجل - تشتمل على الإنذار والتبشير، والوعد والوعيد، لذلك أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن اليهود تعذب في قبورها، فأنذرها من عذاب القبر، لأن عذاب دلالة على عذاب الآخرة وهي يدل على حرصه لدخولهم الإسلام.
عن أبي أيوب الإنصاري - رضي الله عنه - قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد وجبت الشمس فسمع صوتاً فقال: (يهود تعذب في قبورها)[35].
الخاتمة:(13/288)
أختتم بحثي هذا بعرض أهم النتائج وهي كالآتي:
1. إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى الناس جميعاً بما فيهم أهل الكتاب (اليهود والنصارى).
2. إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعا أهل الكتاب دعوة عامة مع جميع الناس ثم دعاهم بعد ذلك دعوة خاصة بجميع أساليب الدعوة لدخولهم الإسلام.
3. تنوع أساليبه - صلى الله عليه وسلم - مع أهل الكتاب لدخولهم الإسلام يدل على حرصه وصدق النية وصدق العزم معهم.
4. إظهار أن الإسلام لم يأت لمحاربة الأديان الأخرى بل مكملاً لها.
5. إظهار أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يدخل الناس في الإسلام عن طريق القوة.
و أخيراً نسأل الله - تعالى -أن يجعل أن يجعل عملى خالصاً لوجهه الكريم، وأن يتقبله مني، وأسأله أن يتجاوز عن الخطأ فيه، وأن يرشدني إلى الصواب، واستغفره أتوب إليه إنه غفور رحيم.
------------------------
المصادر والمراجع:
1. القرآن الكريم.
2. البداية والنهاية.
3. تفسير ابن كثير (الموسوعة الذهبية).
4. تفسير القرطبي (الموسوعة الذهبية).
5. التمهيد لابن عبد البر (المكتبة الألفية).
6. سنن أبو داوود (الموسوعة الذهبية).
7. سنن الترمذي (الموسوعة الذهبية).
8. سيرة ابن اسحق (تحقيق وتعليق محمد حميد الله- تقديم الأستاذ محمد القاسمي).
9. شرح الكرماني لصحيح البخاري مؤسسة المطبوعات الإسلامية - مكتبة ومطبعة عبد الرحمن محمد لنشر القرآن الكريم والكتب الإسلامية القاهرة.
10. شرح النووي على صحيح مسلم (المكتبة الإلفية).
11. صحيح البخاري (الموسوعة الذهبية).
12. صفوة التفاسير- محمد علي الصابوني.
13. فتح الباري الحافظ بن حجر (المكتبة الإلفية).
---------------
الحواشي:
[1] - تفسير القرطبي جزء 11- ص 350.
[2] - أخرجه البخاري- جزء (1) ص 167 باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا- الموسوعة الذهبية للحديث النبوي الشريف، الإصدار الأول سنة 1977- حديث رقم 1427
[3]- أخرجه مسلم جزء (4) صفحة 1707 باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم- الموسوعة الذهبية- حديث رقم 2167.
[4] -تفسير ابن كثير الجزء (1) ص 533.
[5] - تفسير القرطبي- الجزء 11 ص112.
[6] - فتح البارئ- الجزء 11 ص 40 (المكتبة الألفية للسنة النبوية- الإصدار 5/1/ 1999- الأردن- عمان.
[7] - التمهيد ابن عبد البر- الجزء 17 المكتبة الألفية- نفس العدد.
[8] - تفسير القرطبي- الجزء 2 ص347
[9] - تفسير ابن كثير- الجزء 1 ص 227
[10] - صفوة التفاسير المجلد الأول دار القرآن الكريم- بيروت ط 4- ص208- محمد علي الصابوني.
[11] - أخرجه البخاري- جزء 1 ص 9- كتاب بدأ الوحي- باب كيف بدأ الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم (7)
[12] - شرح النووي على صحيح مسلم- الجزء 12- ص109 (المكتبة الألفية).
[13] - أخرجه مسلم الجزء الأول ص 134- باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الناس (الموسوعة الذهبية) حديث رقم 1535
[14] - أخرجه البخاري الجزء الأول ص48 باب تعليم الرجل أمته وأهله حديث رقم 97
[15] - بيت المدراس بكسر الميم هو البيت الذي يدرس فيه كتابهم، فتح الباري.
[16] - صحيح البخاري الجزء 6- ص 2547- باب بيع المكره (الموسوعة الذهبية)حديث رقم 6545
[17] - فتح البارئ الجزء 6 ص 271
[18] - شرح الكرماني لصحيح البخاري 13/54 مؤسسة المطبوعات الإسلامية مكتبة ومطبعة عبد الرحمن محمد لنشر القرآن الكريم والكتب الإسلامية- القاهرة.
[19] - انظر تفسير القرطبي- الجزء 4- ص104.
[20] - تفسير ابن كثير- الجزء (1) صفحة 436.
[21] - تفسير ابن كثير- الجزء (1)- صفحة 154.
[22] - انظر القسم المطبوع من سيرة ابن اسحق فقرة 459 ص 272- 273 تحقيق وتعليق محمد حميد الله- تقديم الأستاذ محمد القاسمي.
[23] - انظر البداية والنهاية ابن كثير- الجزء 6 ص 173.
[24] - أخرجه البخاري باب قوله - تعالى -: (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)- الجزء الثالث ص 1530 (الموسوعة الذهبية) حديث رقم 3436.
[25] - فتح البارئ الجزء 12 ص 168 (المكتبة الألفية).
[26] - أخرجه البخاري- الجزء الثالث ص 1434 باب إتيان النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة- حديث رقم 3727.
[27] - أخرجه البخاري الجزء الثالث ص 1305- باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم3365.
[28] - انظر فتح البارئ الجزء 10- ص 361- الحافظ بن حجر مكتبة الألفية للسنة النبوية- 1999- الأصدار 5/1.
[29] - شرح النووي على صحيح مسلم الجزء 12 ص 102 (المكتبة الألفية).
[30] - ابن كثير -الجزء الرابع- ص 350.
[31] - أخرجه الترمذي الجزء الرابع ص 140- باب كراهية هدايا المشركين(الموسوعة الذهبية) حديث رقم 1577.
[32] - أخرجه مسلم- الجزء الثالث- ص 1645- باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء- حديث رقم 25711577.
[33] - أخرجه البخاري الجزء الثالث ص 1155- باب أثم من قتل معاهداً من غير جرم- حديث رقم 2595.
[34] - أخرجه أبو داود الجزء الثالث ص 170- باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات- حديث رقم 3050
[35] - أخرجه البخاري - الجزء الأول ص 463- باب التعوذ من عذاب القبر- حديث رقم 1309.
http://www.meshkat.net المصدر:
==============
الكتاب الإسلامي(13/289)
ويعتبر من أعظم وسائل الدعوة وأوسعها تأثيراً، ومعه النشرات ورغم العدد الكبير من الكتب والنشرات التي ترجمت إلى لغات مختلفة وطبعتها اللجنة إلا أن الحاجة تبقى ماسة لتوصيل الثقافة الإسلامية المكتوبة إلى كل مكان في إفريقيا.
الترجمة ضالة اللجنة:
على مكاتب اللجنة وضع خطط لترجمة الكتب المتعلقة بأساسيات العقدية والفقه والحديث والسيرة ومعاني القرآن الكريم ومجالات الثقافة الإسلامية المعاصرة، وتحري اللغات المحلية الأوسع انتشاراً وكذلك إلى اللغات الرسمية (إنجليزية، فرنسية، برتغالية).
ويتعين كذلك الاهتمام بالترجمة إلى لغات القبائل والشعوب التي تعد لها البرامج التنموية والدعوية.
البحث عن المترجم الجيد:
يجتهد بعض المترجمين إلى إحدى اللغات أو اللهجات الإفريقية بإضافة اجتهاداته وإضافات أخرى إلى النص المترجم.. ولذلك يجب البحث عن المترجمين ذوي الثقافة الإسلامية العربية الجيدة، ومن أهل اللغة أو اللهجة الإفريقية التي يترجم إليها الكتاب، ولابد بعد ذلك من المراجعة من طرف ثان له أهلية علمية وثقافية حرصاً على تقديم ترجمة جيدة بأمانة حتى تصل الدعوة إلى الجمهور صافية من الإشكالات..
كيف نستفيد من الكتب؟
إن توزيع الكتاب والنشرات ليست عملية عشوائية، بل لابد من العمل على توصليها إلى أكبر قدر ممكن من الأوساط المؤثرة للحصول على أعلى مردودية ممكنة.
منها مثلاً، توزيع الكتب والنشرات على الشخصيات المسؤولة المتعاطفة، وإذا كانوا من غير المسلمين يقدم لهم ما يناسبهم درجة استعدادهم لمعرفة الإسلام بلباقة…
ومنها مثلاً الإشراف غير المباشر على إنشاء مكتبات صغيرة في المؤسسات الحكومية أو الاقتصادية أو المرافق العامة لتدول الكتب ويتولى تنظيمها موظفون من ذوي العلاقات الجيدة مع اللجنة في نفس تلك المؤسسات…
ومنها أيضاً تخصيص كتب ونشرات لوضعها في خدمة الطلبة في المؤسسات الثانوية الجامعات بإشراف المسؤولين عن مكتبات هذه المؤسسات..
والشائع هو استغلال مناسبات الزيارات الميدانية لوضع حجز أساسات المشاريع أو متابعتها أو افتتاحها، فضلاً عن الرحلات الدعوية..
http://www.labaikafrica.org المصدر:
(((((((((((((
الفهرس العام
الباب الحادي عشر – كشكول الدعوة إلى الله (3)
نموذج من قافلة الداعيات
حقيقة دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب
قصص من الدور النسائية
وصايا وخواطر في إلقاء الكلمات الدعوية
لا تكن من الموعظات
دور الدعاة والخطباء في أزمة أنفلونزا الطيور
مقترحات وأفكار للدعوة لله عبر الإنترنت
عندما . . ألقي القبض عليهم
أيها الداعية ليس المهم الشهرة
الدعوة بالمراسلة
الطب النفسي والدعوة إلى الله
التوسط في مسالك الدعوة والإصلاح
إخواناً وإن لم نتفق
المقومات الشخصية للداعية ( 1- 2 )
المقومات الشخصية للداعية ( 2-2 )
همم الدعاة .. لا وقت للاسترخاء
الدعوة ... وإبل المئة
دعوة مؤسسات لا دعوة أفراد
معاناة داعية
في طريق الدعوة فوائد المحن
إلى من يهمه تبليغ رسالة الإسلام
المرأة المسلمة والدعوة إلى الله
ماذا أفعل في المنهج ؟ (2)
أبناء الدعاة .. من يدعوهم إلى الله ؟
سلفية الصحوة ، وصحوة السلفية
الدعوة الإسلامية أمام نسوة يوسف وإخوان لوط
الشيخ الداعية: يوسف بن عبد الله الصيني في حوار مع البيان : الصين أكبر سوق مفتوح للدعوة الإسلامية ولكن !
مؤتمر الجماعة الإسلامية في الهند "كونوا قوامين بالقسط"
أفكار دعوية للمساجد ( 20 )
عند إشارة المرور
من لهذه المنابر ؟ ( 2 )
ولا تهنوا ولا تحزنوا
هموم الدعوة في الغرب
المركز الإصلاحي لمسلمي كيرلا بالكويت يعمل على إنقاذ الجالية الهندية من براثن الشرك والبدع والخرافات
زوجة الداعية .. جندي مجهول في طريق الدعوة
ردا على مقال حرس الحدود
ذهب لينتحر فأصبح داعية
تحديث الخطاب الدعوي الإسلامي
التدرج في الإصلاح والتغيير
من لهذه المنابر ؟ ( 1 )
فكرة دعوية للمساجد ( 3 ) تهيئة دليل ميسر لأرقام وأسماء من يجيد إلقاء الكلمات
د. محمد العبدة : الدعوة لم تتراجع ، لكنها بحاجة لمراجعة .. والسنة بحاجة لمرجعية ( 2- 2 )
أسباب النصر وأصول التمكين
وصايا و توجيهات للدعاة
أيها التاجر أبناءك سينسونك
وقوف العلماء مع الدعاة عند الابتلاء
( المتدينون الجدد ) وآثار تفاعلهم مع الحركة الإسلامية
من سن في الإسلام سنة حسنة
وسائل الدعوة إلى الله تعالى في المسجد النبوي عبر التاريخ
وقفات للدعاة والداعيات
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أنت لا ترى العسل عسلا
نساء أميات .. صالحات مصلحات!
الدعوة بالمراسلة
إليكم يا شباب الصحوة ... هذا دوركم
دور الشعر في مسيرة الدعوة الإسلامية
لا تيأس
كيف تنجح المرأة الداعية ؟؟
أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة البرتغالية
أثارت ردود أفعال مختلفة ما بين مؤيدة ومنتقدة
د . محمد العبدة : الدعوة لم تتراجع، لكنها بحاجة لمراجعة .. والسنة بحاجة لمرجعية ( 1 – 2 )
هنيئاً أيها المعلم
فكرة دعوية للمساجد ( 6 )
إلى كل داعية اجلس مع داعية
كيف تكسب الآخرين
أفكار لإحياء دور المسجد في المجتمع
الموعظة بالإكراه !
البلاغ المبين
صبرا يا دعاة الإسلام
الدعاة وأعراف المجتمعات
غرور التدين .. آفة تصيب الدعاة
أين تضع زكاتك وصدقتك
زوجة الداعية
رسالة إلى كل مسلم ملتزم
رسالة إلى الدعاة
الحرص على الدعوة
كيف تقوم برحلة دعوية ( أفكار ومقترحات )
همة نحيي بها الأمة
وسائل وأفكار للدعوة في المسجد
الموعظة أسلوب من أساليب التأثير والدعوة
اختبر مدى التزامك
عتاب للمشايخ فقط (أين العناية بطلاب العلم ) ؟؟
حواء و الصلاة
المتربصون
الدعوة إلى الله(13/290)
تكرار المشروعات الإسلامية : رؤية نقدية
الحق لا يعرف بالكثرة ولا بالرجال ، ولكن بالأدلة والآثار
الخطاب الإسلامي وعصر المجتمعات
رمضان شهر الدعوة
أفكار دعوية للأبناء بالحاسب الآلي
أبواب الخير والثواب في الإنترنت
إنَّه أمر الله
هموم مدعو
كن ولا تكن
الثمر الطيب المقطوف في النهي عن المنكر والأمر بالمعروف
121 وسيلة دعوية
46 طريقة لنشر الخير في المدارس
لماذا لم ينتحر ؟؟؟
برنامج عملي لدعوة الأقارب
ماذا حصل عند الإشارة ؟؟
وسائل دعوية وتربوية موجهة..للعائلة خلال الإجازة الصيفية
من سنن الاجتماع والجماعات
الشريط الداعية
كيف ننصر الرسول صلى الله عليه وسلم
السابق الخاسر
كيف تصنع رسالة دعوية
المرحلة الإعلامية والشريط الإسلامي
برنامج رائع للمرأة المسلمة فقط
ضوء في طريق الغرباء
أئمة المساجد .. ومسؤولية التوجيه
استقامة الداعية
مطلبان للدعاة
ثغرات خفية
آية فيها عشرون خطبة
آخر يوم في حياة الداعية
من يبلغ عني أهل الجهاد في العراق؟!
رويدك يا أنجشة !!
أنشطة مقترحة للعطلة الصيفية
رسالة فقط لمن يفعل فعل قوم لواط
المشروع الدعوي الصيفي لهذا العام
جانب الدعوة في شخصية الشيخ محمد بن عبد الوهاب
رسالة إلى طالب الصف الأول الثانوي
مشروع الداعية الصغير
فكرة دعوية للمساجد ( 7 )
توجيهات إلى مستخدمي كاميرا الجوال
كيف تقيم مشروع الجوال الإسلامي والبلوتوث الدعوي
رسالة عاجلة إلى أخي المسلم المدخن
رسالة إلى الخطيب المسلم
من هموم الدعوة
من رقية إلى خديجة!
رئيس الجماعة الإسلامية في أوتاربراديش ولي الله السعيدي " لم نكن على قدر التحديات الموجهة للأمة الإسلامية "
من أنا
الرحلات ... وسيلة دعوية .. فكيف نستفيد منها !
أكثر من أربعين سبب للانتكاسة
شروط الدعوة إلى الله
محاولة لرسم سمات ومعالم ثقافة الإمام الداعية
ماذا أعددنا له
خادمات .. تحولن إلى داعيات
الهمة العالية بعد رمضان
الدعوة إلى الإيمان
لماذا انتكس
المنهج الدعوي
الدعوة فقه و أساليب
من ينقذ المرأة الألبانية ؟
فريضة الله على كل مؤمنة
الدعوة إلى الله بالمراسلة
أخي أختي في الله
رسائل الصيف
الكلمة القصيرة بعد الصلاة في سطور
روضة الإصلاح
أحسن القول
كيف تدعو إلى الله تعالى في مناسبات الزواج ؟
أحسن القول
كيف تدعو إلى الله تعالى في مناسبات الزواج ؟
فقه الظواهر الدعوية في ضوء السنن الإلهية
صالح العلي الناصر والسنة الحسنة
الأسرة السعيدة والدعوة إلى الله
ماذا بعد رمضان ؟!
طلاب المنح .. وجامعاتنا !
إضاءة سريعة
وصايا للداعية الجديد
رسالة إلى كل طالب وطالبة
الدعوة إلى الله
التنطع
الهيئة فعلت وفعلت ...
صحوة بغداد
فكرة دعوية للمساجد ( 15 )
لماذا تكتبون ؟
الاستبصار عند الفتن
اصنع البديل لكي تصلح الجيل
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
علو الهمة في الدعوة إلى الله تعالى
أولويات في حياة المغترب
اربح - اربحي المليارات خلال الإجازة الصيفية
من يوقف نزيف الغفلة ؟؟ ( 2 )
رسالة الطبيب في الحياة
هندسة العلاقات الاجتماعية
وسائل ومميزات في الدعوة الفردية 1 - 4
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. من أدلة صدق التجارة مع الله
أقلوا عليهم من اللوم
الداعية والتحرك الذاتي
من نور النبوة
مسيرة الصحوة تتكامل بنصح العلماء وشباب الصحوة بعضهم بعضا
البرامج الدعوية
101 فكرة لبداية رائعة في التدريس
لماذا الهموم أخيتي ؟؟؟
فكرة دعوية للمساجد ( 12 ) وجبة الطعام لمن لا....
فاعل خير دوت كوم !
مهارات الاتصال وبناء العلاقات ( 1 )
رسالة مقترحة لمن بين إخوانه وأخواته مشكلات
رسالة إلى المعلم
بغية الوعاة في مواجهة اصطلام الدعاة
الصحبة القديمة
ملايين الحسنات في لحظات
من مهارات الاتصال ( 1 )
قليل وكثير
مقترحات للتسجيلات
كيف نتخلص من الوهن؟
الكلمة
من آفات الدعاة : الوهن أسبابه ومظاهره
مقومات النجاح في تكوين الداعية
كنوز البيوت
إياكم ولجام الذل!!
كيف تبلورت إستراتيجيات الدعوة ؟
بصائر للداعيات إلى الله
هل تريد أن تكون داعية ؟
من المقصود بالدعوة إلى اللَّه - عز وجل -
المعوقات
معالم في البناء
يا ويلي يوم شهادة ما سنجري
حتى يكون المسار سليماً والعمل مثمراً
أفكار دعوية مع الزوج
أعمال لا تنتهي
أعطيته شريط فأعطاني أشرطة غناء
أسلوب الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دعوته أهل الكتاب
الكتاب الإسلامي(13/291)
المفصل في فقه الدعوة إلى الله تعالى (14)
الباب الحادي عشر - كشكول الدعوة إلى الله (4)
جمعها وأعدها وفهرسها
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الحادي عشر - كشكول الدعوة إلى الله (4)
ابحث عن قناة !!
علي بن صالح الجبر البطيّح
أرجو أن لا يذهب فكرك إلى أيٍّ من القنوات الفضائية التي تبثّ سمومها لجيل غفل عنه من سيُسأل يوم القيامة عمّا استرعاه الله عليه، حيث يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...) الحديث وقبل ذلك قول الحق - سبحانه - (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً... ) وهذه ولاشك مسؤولية كبرى، وأمانة عظمى... وما قصدته هنا أن تكون أنت قناة توجيه وإصلاح لأهلك ومجتمعك، فكَر بقناة تسهم فيها بإصلاح مجتمعك ككتابة مقال أو خطبة أو نصيحة أو خاطرة أو ردّ على من يحاول إفساد مجتمعك، أو أيّ مشاركة ترى فيها أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر، فأبواب الخير مشرعة، وأنت مفتاح من مفاتيح الخير أرجو ذلك وأتمناه وأنت له أهل - إن شاء الله - تأمل الفرق بين العلماء والدعاة والغيورين وبين المفسدين في الأرض، شتان مابين الفريقين، وكلٌ سيلاقي ربه لكن على ماذا؟ وسل نفسك هل أسهمت بما تملكه من قدرات ومهارات في نفع أمتك التي هي بأمس الحاجة إلى ذلك في وقت ضعفت فيه الدافعية، وطغى فيه الفتور، لا تظن - أخي - أن غيرك سيكفيك المهمة نافس على الخير كما نافسوا، قدّم كما قدّموا، ضحّ كما ضحّوا، ابذل كما بذلوا، شارك كما شاركوا، واصبر كما صبروا، وإلا نم نومة الكثيرين الذين غفلوا عن قضايا أمتهم، ويندبون حظهم العاثر، وما تعثرت الأمة إلا بهم وبتشاؤمهم وتقاعسهم وتخاذلهم، فاختر لنفسك يا أخا العرفان،
ولعل الله اصطفاك لخدمة دينه، ولعل الله شرّفك بهذا، فانهض وجدّ واجتهد وكن في مقدّمة القوم
وخطط وفكّر لكن لأمتك لا لحظ نفسك فقط.
http://www.saaid.net المصدر:
============
اسمحوا لهم بالمشاركة
هناء الحمراني
أعرفها جيداً..تهتم بالدروس الخصوصية، تعطيها أغلب وقتها..طالبات يأتينها في العصر.. وأُخريات في المغرب.. وفي حالات الطوارئ تمتد الحصص إلى ما بعد صلاة العشاء..
تأمّلت طفلها يوماً فقد لفتت انتباهي حركاته.. لم يكمل الثالثة من عمره بعد.. إنه يمسك بكتاب بين يديه.. يقلّب صفحاته بطريقة منظمة.. يشير بخطوط صغيرة على المربعات البارزة.. وبلغة غير مفهومة يتحدّث ناظراً إلى الكتاب، ويحرك القلم على كل سطر في الصفحة..
إنه وببساطة - يحاكي أمه فيما تصنعه كل يوم..
ذلك المدرس الخصوصي الصغير.. !!
وهذه أيضاً أعرفها.. مدربة للحاسب الآلي في إحدى المراكز المتخصصة.. ابنتها ذات الأربع سنوات ترافقها بشكل مستمر وقت الدوام.. ثماني ساعات يومياً.. جلست الطفلة على الكرسي.. وبخطوات واثقة فتحت الحاسب الآلي، وبدأت الرسم في برنامج (الفوتوشوب).. ثم أغلقته وانتقلت إلى (الرسام)، ورسمت مجموعة من الدوائر الملونة.. ملّت من الرسام، وانتقلت إلى معالج النصوص(الوورد)، وشرعت في الكتابة والمسح.. جمل غير مفهومة.. ولكنها تفهم ما معنى الحاسب الآلي نوعاً ما..
كان يدخّن عند محطة الوقود.. في انتظار أن تمتلئ سيارته ويذهب..
طفل صغير.. عمره أربع سنوات أيضاً.. أخرج رأسه من نافذة سيارة أخرى.. (يا أخي، جزاك الله خيراً.. ارم السيجارة.. الدخان حرام)..
إن والده من أهل الحسبة.. وهو يأخذه معه في كثير من الأحيان أثناء عمله..
أُهدي إليها مسّاكة شعر سماويّة اللون.. أخذتها الطفلة ذات الأعوام الأربعة فرحة جذلى.. سألتها: أعجبتك؟ قالت: نعم.. فلديّ ثوب سماوي اللّون.. لن أحتاج لشراء ثوب سماويّ آخر حتى ألبسها..
هذه الطفلة تعيش في أسرة ديدنها شراء الملابس والزينات بشكل مبالغ فيه..
وهذه المرأة أعرفها منذ ثلاثة أعوام.. لم تتخلف يوماً عن دار التحفيظ.. كانت تأتي وبنياتها الصغار معها يحفظن القرآن.. وتحمل بين يديها رضيعتها الصغيرة..
كبرت الطفلة.. وتلك المرأة لم تزل كما عهدتها.. مردّدة بشفتيها القرآن في كل وقت.. لا تفتر ولا تملّ.. قد تكون هناك كثير من النساء يفعلن ذلك.. ولكن انظروا إلى تلك الطفلة ذات السنتين حينما كانت تنظر إلى وجه أمها وهي تردّد القرآن.. ثم ابتعدت عنها قليلاً، وبدأت تحاكي نفس الحركات في الترديد..
إنها ليست هذه القصص وحسب.. بل مئات القصص التي مرت في التاريخ، ومررت بها في حياتي اليومية.. تسرد نفس الموضوع.. ونفس النتيجة.. بتفاصيل مختلفة..
فتّشوا في ذاكرتكم وستجدونها ملأى زاخرة بمثل هذه المواقف.. وإن لم يخطر ذلك ببالكم فيما مضى.. فلتتأموا من حولكم.. وستجدون مواقف أجمل بكثير من التي قد ذكرتها لكم.. أتوقع منكم إخبارنا بمثل هذه المواقف.. التي قد تكون مشرفة.. وقد تكون مؤلمة محزنة..
إننا نعلم أن التربية صعبة.. نعلم أنها تحتاج إلى خطوات كثيرة كي نقطف الثمرة.. الإخلاص.. الدعاء.. القدوة.. الرحمة.. إشباع الحاجات الأساسية..
كلنا يعلم أن الطفل من عادته محاكاة من هم أكبر منه، ومن هم في سنه.. بل ومن هم دونه أيضاً.
نعم.. قد تكون أيها القارئ أو القارئة قدوة في الأخلاق.. أو قراءة القرآن.. أو في أساليب إنكار المنكر.. أو حتى في علومك الحياتية.. رسم.. حاسب آلي.. أو أي شيء جميل مفيد في هذه الدنيا..
ولكن المأساة حينما يستمتع الناس بصوتك.. إبداعك.. علومك ومهاراتك.. وأخلاقياتك.. ويُحرم منها أقرب الناس إليك..(14/1)
إن حديثي هذا ليس خاصاً بأحد الجنسين دون الآخر.. أو للوالدين دون المعلمين والأئمة في المساجد.. والإخوة والأخوات.. إنه عام لكل من يملك موهبة أو منفعة.. وخيراً لأمته الإسلامية..
كم هم الذين يقرؤون القرآن، ويغلقون دون أبنائهم الأبواب لكي لا ينزعجوا من ضوضائهم.. !!
كم هم الذين يذهبون لإلقاء الدروس والمحاضرات دون اصطحاب أبنائهم وتركهم مع الخادمة.. أو في الأماكن الترفيهية.. بحجة أنهم مزعجون لا يفهمون شيئاً.. !!
يجلس الكثيرون إلى جهاز الحاسب الآلي دون التفكير في إدخال هؤلاء الأطفال إلى هذا العالم الجميل.. السهل الممتع.. أهم مزعجون إلى هذا الحد؟
أليس لك أيها المربي هيبة تمنعهم من إصدار الضجيج.. وممارسة ما لا يليق فعله وقت عملك؟
أليس ذلك أصلاً من واجبك أن تعلمهم آداب الجلوس في المجالس والمحاضرات أيها المربي؟
علّمهم الآداب.. واسمح لهم بتعلم الفوائد منك بالمحاكاة..
قلوب أبنائنا فارغة، ولا بد لها أن تمتلئ، فلا تجعلوا لأحد سبيلاً كي يملأها بالفساد أو الشر.. أو التفاهات..
ألكم هدف.. موهبة.. همٌّ سامٍ تحملونه بين جوانحكم؟
لتدعوا أبناءكم إذاً أن يشاركوكم تلك الإيجابيات لكي يمتلكوها.. ويكونوا مثلكم.. بل وأفضل منكم أيضاً.
16/8/1426
20/09/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
============
كيف تدعو الفتاة المسلمة إلى الله ؟
ليس هناك فرق في الدعوة إلى الله بين رجل وامرأة أو شاب وكهل فالكل مؤهل للقيام بالمهمة طالما خلصت النوايا...وهذه بعض الأفكار التي يمكن للفتاة المسلمة أن تدعو إلى الله من خلالها.
• إذا كنت طالبة في المدرسة مثلاً أو معهد علمي... يمكنك صنع لافتات دعوية مزخرفة وملونة.... وتكتبين عليها بعض الآيات القرآنية التذكيرية... ثم توزيعها على صديقاتك أو زميلاتك... وإذا كنت في جماعة الصحافة أو مسئولة تحريرية في مدرستك فيمكنك توزيعها مع نشرات و مطويات جماعتك كملحق مجاني.
• في الاجتماعات الأسرية بينك وبين قريباتك... يمكنك أن تعدي سلة.... وتملئينها بالأشرطة الإسلامية أو المطويات الدعوية. وتنسقينها بشكل مؤنق وجميل. وتمررينها على جميع الحاضرات حتى تأخذ كل واحدة منهن هدية ويمكنك لإضفاء مزيد من التشويق لهذه المطويات. أن تغلفيها بأغلفة الهدايا وترفقي معها بحلوى صغيرة مغلفة كذلك.
• أنت الآن من مستخدمات شبكة الإنترنت. فحرصي دوماً على استغلال حد الخير فيها لتضمني بذلك رضا الله وثوابه... وإليك ثلاثة أفكار يمكنك من خلالها استغلال حد الخير ذلك.
* يمكنك مراسلة صديقاتك على بريدهن الإلكتروني وإرسال بطاقات إلكترونية دعوية إليهن، أو موضوعات دينية تمس عقيدتهن.
* يمكنك التحدث مع صديقاتك من مستخدمات الإنترنت عن موضوعات دينية تمس عقيدتهن عبر برامج المحادثة الإلكترونية كما يمكنك كذلك إعطائهن مجموعة من المواقع الدينية النسوية.
* يمكنك كتابة المواضيع الدينية الهادفة عبر المشاركة في المنتديات العربية وتذكري دوماً أن مبتغاك من ذلك هو وجه الله تعالى فقط وليس كثرة الردود.....
• بإمكانك صناعة صندوق للتبرعات من الكرتون أو الخشب. وتغلفته وكتابة بعض العبارات عليه، ومرريه على صديقاتك في المدرسة أو على أقاربك عند الاجتماعات الأسرية بينكن. وعندما تجمعين المبلغ المطلوب (100 ريال مثلاً) قومي بإعطائها إلى الجمعيات الخيرية.
• إذا كنت تجيدين الأشغال الفنية واليدوية يمكنك صنع لوحات كبيرة مزخرفة وملونة وتوزيعها على صديقاتك أو قريباتك. ولزيادة جمال تلك اللوحات يمكنك بروزتها ضمن إطار مزخرف وجميل.
• يمكنك صنع مطويات أو نشرات ووضعها ضمن لوحة وتعليقها على حائط غرفتك مثلاً وهكذا كلما تأتي صديقاتك لزيارتك يقرأنها وينتفعن بما فيها من موضوعات دينية هادفة.
• يمكنك أن تتفقي أنت ومجموعة من زميلاتك في الدراسة أو في العمل أو حتى جاراتك على عمل مجلة دينية بسيطة. وتوزيع العمل فيما بينكن.
• لا تنسى أن سلوكك وخلقك النابع من تعاليم الإسلام السمحاء هو خير دعوة لقريناتك المسلمات وتذكير لهن بتلك السلوكيات الإسلامية السامية.
http://www.saaid.net المصدر:
=============
عبر ودروس من زيارة بلاد الروس 3 - 6
فضيلة الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود
القسم الثالث: ملاحظات وشواهد:
أولاً: مما يلفتُ الانتباهَ في الاتحاد السوفيتي السابق، جمالُ تلك البلاد الطبيعي والخضرةُ التي شملت جميعَ الأراضي، وإذا قُلنا إنَّ هذه البلادَ تمتدُ ألاف الكيلومترات، إنَّ الإنسانَ يطيرُ عدد من الساعات، فيرى تحته الأراضي الخصبة، والأنهار الطويلة، والغابات والمزارع إلى آخره. ويتعجبُ الإنسانُ عجباً شديداً كيف أنَّ هذه البلادُ بهذه الخضرةِ، وهذه الأنهارُ التي لا توجدُ في أي بلدٍ في العالم، حيثُ يصلُ عرضها أحياناً إلى عددٍ من الكيلومترات، أنهارٌ عذبة ومزارع وبساتين، ومع ذلك كانت ولا تزالُ الآن تعيشُ عالةً على الغرب، وتأخذُ منهم كثيراً من أنواع الغذاء، وعلى رأسها القمح فيا عجبا!! كيف هذا؟(14/2)
ثانياً: في مدينةِ موسكو وفي غيرها من الجمهورياتِ الروسية، توجدُ العماراتُ العالية، ذاتَ الشُققِ الصغيرةِ المكدسة، التي يعيشُ فيها الشعبُ بلا تملك، كلُ أسرةٍ تعيشُ في شُقةٍ صغيرة، فالإنسانُ يتجولُ ويدورُ في موسكو أو في غيرها من عواصم الجمهوريات، فأولَ ما يُلفتُ الانتباه هذه العماراتُ الشاهقة، التي تجدُها في كلَّ مكان، وهي التي يعيشُ فيها الشعبُ، أمَّا المنازلُ الصغيرةِ الخاصة، فقد كانت نادرةً جداً، ولكنها بدأت الآن تظهر. وبالمقابلِ زُرنا بستاناً ضخماً في أحد ضواحي موسكو، هذا البستانُ موجود على أحدِ الأنهارِ المهمةِ، وفيه عددٌ من القصور، قصرٌ للغذاءِ وما يتعلقُ به، وقصرٌ للمحاضرات والمؤتمرات، وقصرٌ للسكن، وقصرٌ لكذا، لمَّا سألنا عن صاحبِ هذا القصر؟ قيل لنا: إنَّهُ يملكهُ أحد أولادِ زعماءَ الاتحاد السوفيتي السابق!! فقلنا: سبحان الله، شعبٌ يعيشُ في شققٍ كعلبِ الكبريت، ويحرِّمُ على أفرادِ الشعبِ تملك شيءٍ، وهذا يعيشُ في بستانٍ كاملٍ ضخم، فهذه هي الشيوعية، وهذه هي دعاوى الاشتراكية، وهذه دعاوى حقوقِ العُمال.
ثالثاً: يلاحظُ في الوضعِ الاجتماعي في تلك البلادِ ما يلي:
1- التفكك الأسري: وهذه الخاصيةُ لا تختص بها الشيوعية، بل يشاركهم الغربُ فيها، فإنَّ الإنسانَ يعيش هناك مع زوجته، ولا يبقى معهُ أحياناً إلا طفلةً صغيرة. أمَّا أولادهُ إذا كبر، فكلٌ يمشي في سبيله.
2- الفسادُ والانحلال الأخلاقي: وقد برزت ظاهرتان عجيبتان في جميع روسيا أحدهما: انتشارُ الخمر، وهذا أمرٌ عجيبٌ جداً، فإنَّ روسيا هي أكبرُ دولةٍ تستهلكُ الخمرُ في العالم. ومن زارَ أوروبا وزار روسيا يجدُ الفارق بينهم، هو كثرةُ شربِ الروسِ للخمر عن الأوربيين، وإن كان الأوربيون يشربون أيضاً، لكن ليسوا في الإكثار كالروس!: تقابلُ الإنسان في روسيا في الظهرِ والعصر، وفي الصباحِ والمساء، فتجدُ رائحةَ الخمرِ تفوحُ منه، والناسُ في الشارع يدورون سُكارى، إنَّهم شعبٌ يريدُ أن يغيبَ عن الحياةِ، والخمرُ أرخصُ من المياه العذبة، وتباعُ في أكشاكٍ صغيرةٍ، ولا تغلق هذه الأكشاك طوال الأربع وعشرين ساعة يبيعون فيها المرطبات وعلى رأسها الخمور، بل أنك تجدُ عددُ الذين يشربون الخمور كثيراً جداً، بينما تجد المدخنين قلةً، نظراً لأنَّ أسعار الدخان غالية، فهو شعبٌ غائب.
3- تفسخ النساء: فهو تفسخٌ لا يوجدُ حتى في أوروبا. العُري وكثرةُ الزنا، موجودةً هُناك بشكلٍ غريب.
رابعاً: الفسادُ الإداري والاقتصادي:
1- فالرشوةُ منتشرةً، ولا يكادُ يصلُ إنسان إلى معاملته إلا برشوة، ثم بعد ذلك ضعفُ الأجهزةِ والاتصالات وغيرها، تجدُ الإنسانَ لا يستطيعُ أن يتصلَ بأي بلدٍ من العالم إلا بصعوبة، ثمَّ إنَّهم لا يستخدمون الوسائل الحديثةِ مثل الكمبيوتر وغيره، وتجدُ الأماكنَ الاقتصاديةِ والمحلات التجارية والأماكن الحكومية وغيرها لا تستخدمُ الوسائلَ الحديثة في التكنولوجيا وغيرها، فأين الشيوعيةِ التي كانت تُرعبُ العالم؟
2- انتشارُ سرقةِ السيارات: فإنَّ السيارةَ تُسرقُ في كلِّ لحظة، والسيارةُ إذا سُرقت لم يستطيع أحدٌ أن يصل إليها أبداً.
3- ارتفاعُ الأسعارِ وانخفاضُ قيمةُ العملة: فالدولارُ الواحدُ كان يساوي ثلاثة إلى عشرةَ روبلات، ولكن الروبل انخفض كثيراً حتى أصبح الدولارُ يُباع بألفٍ ومائتي روبل روسي، ولا يزالُ بانحدار، وهذا من آثارِ تطبيقِ الشيوعيةِ الطيب.
خامساً: من المشاهد والظواهر هناك: ظاهرةُ نشاط المنصرين:
فمما يُلاحظُ أنَّ هذه الدولة في الأصل كانت نصرانية، وبعد انهيارِ الاتحاد السوفيتي جعل أولئك النصارى يعودون وبكلِّ قوى إلى الديانةِ النصرانية والدعوة إليها، ومن الأمورِ الملاحظةِ وجود الكنائس وكثرتها في كل مكان، بل في القرى الإسلاميةِ لا تكاد تخلو قريةً من وجودِ كنيسة، وساحة الكرملين التي عاشت سبعين عاماً عاصمةَ الإلحاد، يُوجدُ فيها مجمع كنسي يعتبرُ من أكبر المجمعات الكنسية في العالم بعد روما، يوجدُ في خمس أو ست كنائس ضخمة جداً، منارتها تبلغُ أكثر من مائةِ متر عالية، وفيها نشاطٌ تنصيري، وإن كانوا قد جعلوا منطقةََ الكرملين كلها للسياحةِ، لكن الذي يمرُّ على هذه الكنائس يجدُ أن المنصرين هُناك يجمعون التبرعات، ويدعون إلى النصرانية في نفس الكرملين، وقامت الشيوعيةُ وامتدت سبعين عاماً، وهدمت مساجد المسلمين، لكنها أبقت هذه الكنائسُ على حالها، وهي مجمع ضخم!!
سادساً: ومن الأمورِ والظواهر العجيبة: محاولةُ النصارى الدخول والسكن بين المسلمين:(14/3)
ولقد أدى هذا انتشارُ هؤلاءِ النصارى في بلاد المسلمين، بل إنَّهم أحياناً يُعادلُ عددهم عدد المسلمين في بعض المدن، فإذا ذهبت إلى جمهوريةٍ إسلاميةٍ تجدُ الكنائسَ تُعمرُ فيها إلى الآن، بل إننا مررنا بجمعٍ قروي، رأينا فيه كنيسةً ضخمة جداً، هذه الكنيسةُ يُقيم فيها راهبٌ طُول العام، يدعو إلى النصرانيةِ وقد أبقاه الشيوعيون. أمَّا الكنائسُ التي تبنى من جديد، ويُجددُ بناؤها فهي كثيرةٌ جداً، وكان لانتقالِ الروسِ إلى بلاد الجمهوريات الإسلامية أثرٌ كبيرٌ في تذويب الشخصيةِ الإسلاميةِ هناك، حتى أنك لا تفرقُ في الخلق ولا السلوك، ولا في قضيةِ ترك الصلاة، ولا في شُربِ الخمور، ولا تفسخِ النساءِ بين المسلمِ وغير المسلم، تقابلُ هذا الإنسان وتجدهُ على حالةٍ، وتسألُ عنهُ هل هو مسلم أم نصراني؟ فيقولُ لك هذا تتري أو طاجيكي إذا هو مسلم، أمَّا في حقيقةِ حالهِ ومظهرهِ وسلوكهِ فلا تستطيعُ أن تفرق بين مسلمٍ وغيره، وهذا كله من آثارِ المسخِ والإلحاد، والغزو الفكري الذي مارسه أولئك الشيوعيون والمنصرون من ورائهم، ومع هذا فإنَّهم يخافون جداً من الإسلام، كما يخافون أنَّ المسلم يرجعُ إلى إسلامه في يوم ما. وبهذه المناسبةِ أذكرُ أن أحد زُعماءُ الغربِ قال: إننا يجبُ أن نؤيدَ رئيسَ البرلمان مع أنَّه شيوعي، لأنَّ أصوله إسلامية، فهم يخافون أن يرجعَ إلى أُصولهِ الإسلامية، وقد نشطَ المنصرون داخل الإتحاد السوفيتي وخارجه نشاطاً كبيراً، وذلك بعد سقوطه، ومن أمثلةِ ذلك:
أ. بناءُ الكنائس الجديدةِ الضخمة: وهذا أمرٌ لهُ خطورتهُ، لا سميا وأنَّ هذه الكنائس كثيراً ما تُبنى قربَ المساجد حتى تزاحمها.
ب. إقامةُ المؤتمرات التنصيرية هناك: وعند قدومنا هناك كان يوجدُ مؤتمرٌ عالميٌّ تنصيري، ولقد كان الإنسانُ يرى المنصرين أعداداً كبيرة قد جاءوا من بلادِ شرق آسيا ومن أفريقيا وأوروبا وأمريكا ومن كل مكان، جاءوا لهذا المؤتمر التنصيري في بلاد روسيا مع العلم أن هذا التنصير في بلاد المسلمين وغيرها.
ج. مزاحمة أي مشروع إسلامي: وقد حدثنا أحدُ الدعاةِ من تلك البلاد، أنَّه أفتتح مكتبةً صغيرةً لبيعِ الكتاب الإسلامي بسعرٍ مخفض، فقام النصارى بفتحِ مركزٍ بجوارهِ لتوزيعِ الكتبِ التنصيرية والهدايا بالمجان.
د. المنصرون من أوروبا: توضعُ لهم تسهيلاتٍ كبيرةٍ، ويأتون باسم الشركاتِ وغيرها، والإدارات الرسمية تعينهم، ومن ثمَّ تجدُ هؤلاءِ المنصرين منتشرين في كلِّ مكانِ، وهذا أمرٌ غريبٌ جداً. بل حدثنا أناسٌ من هُناك ممن قد لا يقيمون الصلاةَ لكن أصولهم إسلامية، قالوا لنا إنَّ خطرَ التنصير قام علينا، هؤلاء المسلمون وإن كانوا لا يصلون إلا أنَّهم يرفضون التنصيرَ ويحسون الخطر، ويقولون: لا نريدُ أن نتنصرَ، ولا نُزيدُ لأولادنا أن يتنصروا، نُريدُ أن نكون من المسلمين، وهذا من العجائب.
سابعاً: ومن المظاهرِ هناك: نشاطُ الرافضةِ والمذاهبِ الهدامة: وهذه حقيقةً مؤسفةً حقاً، فإنَّ أهلَّ البدعِ من الرافضة وغيرهم يقومون بنشاطٍ قوي هناك، ويركزون تركيزاً قوياً على المسلمين وعلى الجمهوريات الإسلامية.
ثامناً: نشاط الطرقِ الصوفية هناك: وما فيها من شركٍ وبدعٍ حيثُ توجدُ أحياناً بعض القبورِ التي تُزارُ ويُذبحُ لها، وتُدعى من دون الله تبارك وتعالى- وهذه الطرقُ الصوفية موجودةً في تلك البلادِ الإسلاميةِ، وخطرُها عظيم، لأنَّها قد تُستبدلُ بالحكم الشيوعي، أو غيره شركاً آخر بالله - سبحانه وتعالى -، ولم يقتصر الأمرُ على هؤلاءِ فقط، بل هناك أيضاً من الملا حدة البهائيين والقاديانيين وغيرهم ممن دخلَ إلى تلك البلاد، وحدثنا المسلمون هناك، أنَّ دعاةَ البهائية وغيرهم لهم أتباع.
فأين المسلمون؟ أين أهل السنة والجماعة؟
20/12/1425 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
=============
عبر ودروس من زيارة بلاد الروس 2 - 6
الدكتور عبدالرحمن بن صالح المحمود
وقفة مع انهيار الاتحاد السوفيتي:
لقد كان الاتحاد السوفيتي يرعب الغرب رعباً شديداً، حتى أن المخططين العسكريين وغيرهم في أمريكا مثلاً، لم يكونوا يأبهوا بقوة فرنسا، ولا بقوة بريطانيا، ولا بقوة الصين، وإنما كانوا يحسبون حسابات كثيرة لقوى الاتحاد السوفيتي، لكن هذا الكيان المرعب الكبير ما كان ليدوم وهو على هذا الوضع الفكري العلمي، إذ بدأت تظهر أمارات التصدع الشديد على ذلك الكيان المبهرج الضخم، وذلك من خلال ما يلي:
أولاً: تصدع الكيان من الداخل، وكان هذا التصدع من داخل أفرد ومن داخل مؤسسات الدولة، فإنها أخذت في السنوات الأخيرة يعتريها كثيراً من الضعف والتصدع.
ثانياً: نظراً للحكم الشيوعي، فقد تصدعت وضعفت الصناعات والتكنولوجيا الروسية، وتفوق الغرب عليها في هذا المجال. ومن أبرز أمثلة ذلك التسرب النووي من مفاعل تشر نوبل الذي سمعنا به منذ سنوات حيث تسرب من هذا المفاعل النووي الإشعاعات النووية، ولم يستطع الاتحاد السوفيتي أن يتحكم فيها إلا بعد زمن، ولقد انتقلت آثار ذلك إلى بلاد أوروبا، والقصة مشهورة.
ثالثاً: فشل الأجهزة الدقيقة عند الاتحاد السوفيتي، مما أثر على قدرتها العسكرية والاستخبارية أمام الغرب.(14/4)
رابعاً: حادث الزلزال الذي وقع في روسيا منذ سنوات وفشل معدات الإنقاذ الروسية في معالجة آثاره، حتى أنها اضطرت إلى الاستعانة بالغرب في هذا المجال، ثم بعد ذلك الفشل الذريع الذي منيت به روسيا، حينما تدخلت في أفغانستان لكي تناصر الحكم الشيوعي الذي قام آنذاك، وكان فشل روسيا في أفغانستان – سياسياً واقتصادياً وعسكريا، ولقد عجبت ونحن هناك عندما سمعت أنه تفشى بين الجنود والضباط مرض خاص يسمونه مرض تلك الحرب الأفغانية يعاني منه الجنود الذين شاركوا في تلك الحرب. وقلت: سبحان الله! غزوا بلاد المسلمين وحاربوا المسلمين تلك الحرب الشعواء، ولكن – سبحانه وتعالى – قصمهم وفرقهم بالرغم من أنها كانت دولة كبيرة مهيبة الجانب.
خامساً: انهيار الاتحاد السوفيتي اقتصادياً، فأصبح وضعه بالنسبة للغرب شبيها بوضع دول العالم الثالث.
سادساً: ومن عوامل انهيار الاتحاد السوفيتي، بروز الصحوة الإسلامية، بل بروز الصحوة الدينية حتى بالنسبة للنصارى. فهذه الصحوة الدينية جعلت الحكم الشيوعي والفكر الشيوعي فكرا غير مقبول!!!.
سابعاً: إن إرادة الله – سبحانه وتعالى – غالبة، والله تعالى يقول: ((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (آل عمران: 26)
فإرادة الله – سبحانه وتعالى – غالبة، والله – سبحانه وتعالى أراد وقدر أن تكون هذه الدولة الكيان الكبير تتحول إلى ما نشاهده الآن ونسمع به. ومع انهيار هذا الكيان الكبير وتفككه واستقلال كثير من جمهورياته، وكونه يعيش الآن معيشة التخبط في جميع أموره وشؤونه، ومع أنه يعيش عالة على الغرب في كثير من أموره الاقتصادية وغيرها، إلا أن الشيوعية هناك لا تزال باقية، والشيوعيون لا يزالون موجودين بقوة ولديهم حزب كبير، ومن أبرز أمثلة ذلك: أن الشيوعيون لا يزالون يساعدون الحكومات الشيوعية التي قامت في البلاد الإسلامية المستقلة.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك: ما يجري عند الطاجيك في طاجيكستان حيث أن الحكم الشيوعي قام هناك وصار الشيوعيون يحاربون المسلمين، فقامت القوات الروسية الشيوعية بمساعدة أولئك ومطاردة المسلمين، وقد قابلنا في جمهورية تتارستان طلاباً فروا من جحيم الحكم الشيوعي هناك ومن جحيم نار الروس، وقابلنا أناساً منهم فروا بدينهم، وكان أهلهم لا يعلمون عنهم شيئاً، وقابلنا شاعراً مشهوراً معروفاً في بلاد الطاجيك ليس معه من أهله إلا ولده. قال: إنني فررت من هناك؛ وهم يبحثون عن أهلي وبناتي وهم لا يدرون عني شيئاً وقد أذيع في الإذاعة الرسمية هناك أنني قتلت ومع ذلك كان معنا يشارك في هذه الدورة أسأل الله جل وعلا أن ينصره وأن ينصر المسلمين في كل مكان، وأن يعيده إلى بلده، وقد عادت إلى الإسلام.
ثامناً: مساعدة الشيوعية للأرمن النصارى ضد المسلمين في أذربيجان وغيرها
تاسعاً: رفضهم رفضاً قاطعاً لاستقلال جمهورية تتارستان الإسلامية، فإن الجمهورية متاخمة لروسيا، وأرادت أن تستقل، فرفض الشيوعيون ذلك رفضاً كاملاً، ولا تزال هذه الجمهورية الإسلامية داخلة تحت حكم الشيوعية وتحت حكم روسيا، وإن كان لها نوع من الاستقلال البسيط، وإنما رفضوا استقلال هذه الجمهورية، لأن مناطقها متاخمة لروسيا تماماً، وتكاد تكون أراضيها متداخلة مع روسيا التي تقع فيها العاصمة موسكو.
*ولهذه الشواهد وغيرها نقول: إن الشيوعية والشيوعيون لا يزالون باقين، ولا يزالون حرباً على الإسلام، والمسلمين.
6/12/1425 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
==============
عبر ودروس من زيارة بلاد الروس 4 - 6
فضيلة الدكتور عبدالرحمن بن صالح المحمود
المظاهر الإيجابية هناك
وبعد هذه الملامح أحب أن أتحفكم ببعض المظاهر الايجابية الموجودة عند المسلمين هناك، وهذه المظاهر سأتحدث عنها في جمهورية واحدة هي التي زرناها، وهي جمهورية تتارستان، والتي عاصمتها قازان، وقبل أن اذكر هذه المظاهر الايجابية أحب أن أقدم بمقدمة، فأقول: إن هذه الجمهورية لا تكاد تختلف عن الجمهوريات الإسلامية الأخرى؛ وذلك بالنسبة لما ذكرناه سابقاً من محاولات المسخ والتغيير وأوضاع المسلمين هناك، وعندما نتكلم عنها إنما نعطي نموذجاً فقط لجمهورية إسلامية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وسف أتحدث عن هذه الجمهورية من خلال النقاط الآتية:
أولاً: عدد سكان هذه الجمهورية هو ثلاث ملايين ونصف تقريباً، ونسبة المسلمين فيها تصل إلى ستين بالمائة تقريباً. والبقية من النصارى الروس، ويوجد قلة من غيرهم، وسكانها من التتار وهم معروفون بأنهم جزء من الأمة التركية المعروفة، ويرجعون إلى أصولها.
ثانياً: هذه الجمهورية غنية بثرواتها الزراعية والنفطية وكثرة الأنهار فيها، ويوجد بها نهر يخترقها وهو من أعظم الأنهار في العالم يسمى نهر الفولجا، وهو نهر ضخم وعذب يعتبر من أجمل ما في تلك البلاد. وفيها أنهار كثيرة جداً تعد بالمئات.(14/5)
ثالثاً: هي منطقة دخلها الإسلام قديماً، بل إن لها نشاطاً إسلامياً متميزاً في العصور الحديثة، قبل الحكم الشيوعي لما كانت روسيا القيصرية هي التي تحكم البلاد، حيث صدر قانون يسمى في ذلك الوقت قانون حرية التدين، وكان صدروه سنة 1323 هجرية الموافق 1905 ميلادية أي: قبل الحكم الشيوعي باثني عشر عاماً تقريباً. ولما صدر هذا القانون، دخل في الإسلام الألوف من الناس في هذه المنطقة – أي منطقة تتارستان، بل إن هناك أسراً دخلت في الإسلام بكاملها، وتحولت مدينة قازان العاصمة إلى عاصمة إسلامية كبرى. فأنشئت فيها جامعة إسلامية كان يدرس فيها في وقت من الأوقات أكثر من سبعة آلاف طالب، وكانت فيها مطبعة عربية مشهورة طبعت عدداً كبيراً من أمهات الكتب الإسلامية، ولا تزال طبعات مدينة قازان من أندر الطبعات في العالم. ورأينا في المكتبات هناك كتباً كثيرة جداً في العقدية والفقه...وغيرها.مطبوعة في المطبعة القازانية. وأنشئ في قازان مركز ضخم للدعوة الإسلامية، وكان لعلماء قازان جهود كبيرة في نشر الإسلام، ولكن كل هذه المظاهر الإيجابية التي مرت علينا، والتي جعلت من مدينة قازان عاصمة عريقة من عواصم المسلمين في بلاد المشرق، كل هذه الأمور قضى عليها قضاءً مبرماً حينما قام الحكم الشيوعي في سنة 1917ميلادية، وعاشت هذه البلد سبعين عاماً عملت فيه الشيوعية مسخاً وإفساداً، وإلغاء لهويته الإسلامية. وأصبح من أبرز ما يشاهده الإنسان من آثار الحكم الشيوعي: الجهل بالإسلام، جهلاً مطبقاً، حتى إن بعض المسلمين هناك يجهلون أن هذا النصراني كافر أم لا، ولقد سُئلنا أكثر من مرة: هل النصراني لا يدخل الجنة؟ انظروا كيف يبلغ الجهل بالإسلام هذا المبلغ.
رابعاً: أوضاع المساجد الباقية هناك، حيث الاستهانة بترك الصلاة:
فإذا نظرت داخل المساجد وقت الصلاة، لا تجد مصلين وقت الصلاة. مع أن المسلمين بالهوية بالآلاف، ومع ذلك لا تجد من المصلين إلا عدداً قليلاً، فيصلي في صلاة الظهر عدد محدود، خمسة أو ستة أفراد أو عشرة أفراد، وفي صلاة الجمعة في المدينة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مائة ألف، لا يكاد يصلى في المسجد أكثر من ألفين وربما أقل من ذلك، ثم إذا جاء يوم العيد صلى أضعاف هذا العدد فقط، أما ما عد ذلك من الصلوات مثل الصلوات الخمس، فلا يكادون يعرفون الصلوات، مثل الصلوات الخمس، أضف إلى هذا: انتشار شرب الخمور بين المسلمين والتفسخ عند النساء المسلمات.. كل هذا من آثار الشيوعية فكراً وتطبيقاً.
أما العلماء، فهم معدمون هناك حتى أنك إذا قابلت من يشار إليه منهم، وجدته يقول لك: ليس عندي من العلم شيء، ولا يعلم إلا مبادئ بسيطة، ويحفظ قليلاً من القرآن.
ومع هذه السلبيات التي ذكرتها قبل قليل، ومع هذا المسخ الكامل الذي تعرض له المسلمون في هذه الجمهورية إلا أن هناك ظواهر إيجابية اذكرها كما يلي:
أولاً: هناك إقبال شديد على الإسلام وحب للتعرف على عقيدته وأحكامه خاصة ممن يحملون الهوية الإسلامية.
ثانيا: حرص المسلمين هناك – وخاصة أئمة المساجد والموجهين منهم – على طلب العلم الشرعي بدءاً بقراءة القرآن، ثم تعلم العقيدة الصحيحة والأحكام الشرعية، ومن مظاهر هذا الحرص: أننا قابلنا عددا من الطلاب لا يحفظون إلا الفاتحة ومع ذلك حرصوا حرصاً شديداً أثناء الدورة على حفظ القرآن، فبعضهم حفظ ثلاث سور أو أربع سور خلال الدورة فقط، وذلك من أواخر القرآن.
ثالثاً: من خلال التجول في القرى وفي غيرها كثيراً ما يشتكي أهلها من ظلم الشيوعية ويحدثوننا عن قصص دامية مؤلمة ومؤثرة. وقعت لهم ولآباهم في السابق، وكانوا يتقبلوننا بمحبة وفرح شديدين وكانوا يقولون لنا أحياناً: كيف تريدون أن نمحو سبعين عاماً من الجهل المطبق والحكم الشيوعي الغاشم بنصف ساعة أو بساعة تجلسونها معاً.
رابعا: من المشاهد المؤثرة أنه في مدينة اسمها أكتوبرسكي، وهذه المدينة تقع في تتارستان رأى الإخوة في إحدى المدارس الإسلامية هناك سكناً للطلاب، وسكناً للمدرسين، ورأوا بجوار سكن المدرسين غرفاً نظيفة مجهزة لم تسكن، ولما سألوا مدير المدرسة والمسؤولين عنها لماذا هذه المساكن لم تسكن؟ قال: إننا أخلينا هذه للمدرسين الذين سيأتون من بلاد العرب ليعلمونا اللغة العربية والدين الإسلامي، فقيل لهم: وما أدراكم بذلك. قالوا: إن إخواننا المسلمين هناك إذا علموا بحالنا واستطاعوا أن يصلوا إلينا فإنهم لن يقصروا وسيأتوننا، وسيكونون معنا ويعلموننا،
وهذا الشعور الذي يشعر به المسلمون هناك نوجهه لكل مسلم ونوجهه للدعاة ولطلبة العلم المكدسين في بلاد المسلمين. بينما المسلمون هناك يحتاجون إلى الواحد، وأعداؤنا من أهل البدع ينشطون هناك نشاطاً عجيباً!!!.
خامساً: من المظاهر الايجابية: الاهتمام بالعلم الشرعي، حيث نجد إقبال الطلاب على هذه الدورات، فهذه الدورة التي أقيمت في قازان اشترك فيها ما يقرب من مائة وخمسين طالباً، هؤلاء الطلاب جاءوا من هذه المدينة ومن غيرها، وبعضهم جاء من مسافة تبعد أكثر من ألف كيلوا متر ليدرس في هذه الدورة التي استمرت قرابة أسبوعين فقط.
وهذا يدل على حرصه على طلب العلم، ولقد كانوا حريصين على الكتاب الإسلامي، وحريصين على تعلم العقيدة، وحريصين على تلقى وكتابة كل ما يسمعونه. وهذا والحمد لله يبشر بالخير، ويدل على أن هؤلاء المسلمين مقبلون على دينهم. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتهم، وأن يبصرهم بدينهم، وأن يثبتنا وإياهم على الخير والهدى.(14/6)
سادساً: ومن المظاهر الايجابية: بناء المساجد، فهناك جهود كبيرة جداً لبناء المساجد، وهذه المساجد غالباً ما يبنيها أصحاب تلك البلاد، فهي مشاريع نابعة من ذوات أنفسهم، والحمد لله أنك لا تكاد تجد قرية إلا وفيها مسجد قد بني الآن أو مسجد تحت البناء، ولا تكاد تجد قرية إسلامية إلا وأهلها حريصون على بناء المساجد، ويلاحظ أن أشد ما يواجهونه الآن بالنسبة لهذه المساجد هو نقص الدعم المادي اللازم لإكمالها، وذلك نظرا لانخفاض قيمة العملة وغلاء الأسعار.
سابعا: مررنا بعدد من المساجد بدأ المسلمون بناءها وما استطاعوا إكمالها، مررنا بمسجد في إحدى القرى وقالوا لنا انظروا إلى هذا المسجد نحن نحتاج إلى مليون من الروبلات – أي إلى ألف دولار – إن ساعدتمونا أكملنا بناء هذا المسجد، ومررنا على مدينة تسمى بوقرسلان، وهذه المدينة للمعلومية ليست داخلة تتارستان إنما هي مدينة تابعة لروسيا نفسها، لأننا كلنا على أطراف تتارستان من جهة روسيا، فسافرنا إلى هذا المدينة التي تبعد عن تتارستان أكثر من مائة كيلو، وهي تابعة لمدينة موسكو، مررنا بهذه المدينة فوجدنا رجلاً من التجار المسلمين بذل جميع ماله لبناء مسجد، وكان المسجد ضخماً، وقد ألحق به مدرسة لتعليم الإسلام لأولاد المسلمين هناك، ولكن هذا الرجل لم يستطع إتمام المسجد ولا المدرسة ولم يستطع أيضاً مسلمو هذه الناحية إكمالهما. أنفق هذا التاجر فيه أمواله وقال لنا المسلمون هنا " إنه مر بهم عدد من المسلمين الزائرين ووعدوهم بالمساعدة. فهذه مسجد يشكو إلى الله سبحانه وتعالى ويجأر إليه غفلة المسلمين عنه في مقابل الكنائس التي تبنى هناك ويدفع لها النصارى الملايين. ويوقفون لها الأوقاف ويجرون عليها الدخول.
ثامناً: من المظاهر الإيجابية أيضا: بناء المدارس: وهذه ظاهرة ممتازة جداً، إلا أنها قليلة، وفي الغالب تكون هذه المدارس تابعة للمساجد، تجدها بجانبه ملاصقة له، أو عل بعد أمتار منه، ويكون في المدرسة سكن وصالات للطعام يقوم عليها إمام المسجد وأهل الخير، مع العلم أنهم لا يتلقون أي مساعدة من الجهات الرسمية هناك، وإنما يلتقون المساعدة من بعض المحسنين، وأحياناً يقوم الداعية منهم بنفسه بعمل التجارة حتى يعف نفسه وأولاده عن السؤال. وأحياناً تكون المدارس مستقلة وبعيدة عن المساجد، وهذه المدارس أيضاً قليلة جداً وتحتاج إلى تموين ضخم، وقد زار بعض أخواننا في الدورة مدرسة في إحدى المدن هناك، وكانت هذه المدرسة فيها من التهيئة للطلاب مما يلزمهم الشيء الكثير، بل إننا ونحن في الدورة ندرس الطلاب كنا إذا رأينا الطالب الممتاز نسأل من أين قدم، من أي الجمهوريات، ومن أي البلاد، فنجد أن أغلب الطلاب الممتازين جاءوا من تلك المدارس، وهذا يبين أهمية بناء المدارس في هذه البلاد وفي غيرها. فبناء المسجد أمر طيب ومهم جداً، ومثله بناء المدارس، والحاجة إلى كل منها ماسة جداً.
تاسعاً: ومن المظاهر الإيجابية: دور المسلمات الداعيات حيث إننا سمعنا عن امرأة مسلمة داعية صنعت ما لم يصنعه الرجال، ففي مدينة قازان سمعنا عن هذه المرأة الداعية، ولما سمعنا تفاصيل أخبارها وأحوالها احتقرنا أنفسنا. ظلت هذه المرأة خمسة عشر عامً تدعو إلى الله سراً، ولقد كانت تتنقل كل يوم إلى البيوت بصفة خاصة وسرية وتلتقي هناك بالنساء المسلمات تعلمهن القرآن الكريم، خمسة عشر عام من زمن الحكم تخرج للدعوة وتخرج أحياناً على قدميها، وضعت لنفسها جدولاً منظماً؛ اليوم في بيت فلانة، واليوم الآخر في بيت فلانة، واليوم الثالث والرابع.. وهكذا طوال هذه المدة!!!. ثم إنها ربت أسرتها وأولادها فرأينا من أسرتها عجباً، رأينا لها أبناء كلهم من كبار الدعاة في تتارستان أحدهم من كبار الدعاة في تتارستان، ثم إننا رأينا أزواجاً لبناتها الأربع من كبار الدعاة إلى الله مع ابنها، فأحد أزواج بناتها مقيم في إحدى الجمهوريات خارج تتارستان، وهو من الدعاة إلى الله. ومفتي تتارستان سابقاً هو زوج لأحد بناتها، وزوج ابنتها الثالثة يقيم في إحدى المدن وهو إمام لمسجد وهو من كبار الدعاة، وزوج ابنتها الرابعة مقيم في إحدى المدن، وهو من الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، وهي لا تزال إلى الآن تلقي دروسها لكنها تلقيها علناً، بعد أن كانت تلقيها سراً فتعجبنا وقلنا: سبحان الله! كيف تصنع هذه المراة؟ وكيف يمكن أن تصنع المرأة المسلمة في كل مكان وفي كل زمان؟!!!
عاشراً: ومن المظاهر الإيجابية: أن بعض المسلمين هناك أبقوا على الإسلام في المدارس والغرف السرية تحت الأرض، فإن المسلمين لما حكموا بالحكم الشيوعي، صار الواحد منهم يعلم أولاده سرا، ووضعوا مدارس خفية تحت الأرض ينزلون إليها في الأقبية يعلمون أولادهم فيها الإسلام، وهذه المدارس كانت موجودة في أيام الحكم الشيوعي وكان لها أثراً طيب والحمد لله.
حادي عشر: ومن المظاهر الإيجابية: في السنوات الأخيرة عدد من الطلاب من هناك وهم الآن يدرسون اللغة العربية والعلوم الشرعية في الجامعة الإسلامية، وفي جامعة الإمام، وقد أتى عدد لا بأس به منهم، ولا يزالون يأتون على قلة، وهذه بادرة طيبة نطلب من المسلمين ومن القائمين على هذه الجامعات أن يفتحوا المجال أكثر وأكثر لهؤلاء الطلاب المسلمين، فإنهم أحوج ما يكونون إلى الحضور إلى هنا؛ ليتعلموا العقيدة الإسلامية السليمة، وليتعلموا العلوم الشرعية الإسلامية الأصلية، وحتى لا يتخطفهم أهل البدع من كل مكان.(14/7)
ثاني عشر: زرنا الأكاديمية العلمية في مدينة قازان، أي ما فوق الجامعة، والتقينا بهؤلاء المسئولين عنها، وهنا دار حديث متشعب عن أحوال المسلمين في تتارستان وعن أملهم في المستقبل. وطرحنا عليهم فكرة أن ينشئوا أقساماً للدراسات الشرعية ولدراسة العقيدة الإسلامية، وحبوا بذلك، ولكن قالوا: إن أمامنا عقبة، وهذه العقبة تتمثل في أرمين، هما:
الأول: قالوا: ليس عندنا علماء وأساتذة في التخصصات الشرعية الإسلامية.
الثاني: في لغتنا التتارية، لا توجد الكتب التي يمكن من خلالها أن نتعلم وأن نعلم. وهذا الإشكال نطرحه على جامعات المسلمين، نقول: هم يردون خيراً ويردون فتح مجالات للبحث العلمي المتعمق بالإسلام، ولكن يحول دون ذلك أنه ليس هناك علماء متخصصون. فهل يقوم المسلمون بهذه المهمة؟
14/3/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
-============
عبر ودروس من زيارة بلاد الروس 5 - 6
الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود
بعد أن ذكرنا المظاهر الإيجابية أقف في ختام تلك الرسالة مع بعض العبر والدروس الخاصة، فأقول:
أولاً: إن من أعظم هذه الدروس وأكبرها لمن علم أحوال الاتحاد السوفيتي سابقاً أو زاره، أن يعلم ويوقن أن دين الله غالب ولا يُغلب أبداً، وأن الله – سبحانه وتعالى – ناصر دينه.
لقد قامت الشيوعية بما يشبه الأساطير في حرب الإسلام هناك، ومع ذلك عاد الإسلام، وسيعود قوياً – إن شاء الله – فهل يعي ذلك أعداء الإسلام؟ وهل يعي ذلك أولئك الذين يحاربون الإسلام؟ إن هناك درساً مهماً جداً يجب أن نقف عنده وهو: أن الإسلام مهما حورب في أي مكان، أو حاول أعداؤه أن يقضوا عليه، فإن الله سبحانه وتعالى لابد أن ينصر دينه وأن يعيد للإسلام قوته ومجده، هذه سنة الله سبحانه وتعالى. فهل يعي ذلك أعداء الإسلام في الغرب والشرق؟ وهل يعي ذلك أذنابهم من المسلمين الذين يحارب أكثرهم الإسلام ويحارب أكثرهم الصحوة الإسلامية؟ هل يعوا هذه الحقيقة؟ ليعلموا أنهم مهما عملوا وسعوا في إسكات صوت الإسلام والدعوة والوقوف في طريقه، فلن يبلغوا، ولن يصلوا إلى الحد الذي بلغه الشيوعيون في ذلك.
ومع هذا فقد انهارت الشيوعية وولت وبقى الإسلام. إنه درس يجب على الجميع أن يعيه.
ثانياً: الأحزاب الشيوعية العربية: فإن لبعض المسلمين انتماءاتهم الحزبية لتلك الدول الشيوعية، فهل يراجع أولئك حساباتهم؟؟ وأقول: إن هذا الكلام لا يوجه إلى الذين يتعلقون بالشيوعية فقط، فإنني أعلم أن تعلقهم الآن إنما هو تعلق بخيط العنكبوت، ولكنني أقول بالمقابل: هل يعي هذا الدرس أولئك الذين يتعلقون بالغرب الآن، وألئك الذين يظنون أن هذا الغرب هو المهيمن وهو القوة العظمى، وسيظل هكذا على الدوام؟ ونسأل: أليس ممن الممكن – والله على كل شيء قدير – أن يجري على هؤلاء المتغطرسين في الغرب ما جرى على أولئك الشيوعيين في الشرق وقد كانوا قبل ذلك متغطرسين!!! إن هذا غير مستبعد، بل هو ممكن، والمؤشرات التي يراها المتأمل والفاحص لأحوال الغرب تدل على قرب وقوع هذا.
ثالثاً: إن من يتأمل أحوال المسلمين هناك يرى أن فجر الإسلام الصادق قادم، وأن إرهاصات نصر الإسلام والمسلمين بدأت تتوالى في الظهور، ولا شك أن المتأمل لواقع المسلمين اليوم يجد الإسلام يحارب في غالب بقاع الأرض كل مكان وتكون النتيجة أن الغلبة له في كل مكان، فبمقدار ما يحارب هو ينتصر، ومن هنا يجب على كل مسلم أن يعي دوره في هذه الحياة، وعليه أن يعيد دوره في هذه المرحلة من الصراع بين الحق والباطل، إن المؤمن لا ييأس أبدأ، ومها حورب المسلمون ومهما تكالب عليهم أعداؤهم من كل جانب، فإن المؤمن الصادق لا ييأس بل يثبت عند الشدائد، كما فعل أصحاب النبي r وقد أحاط بهم الأحزاب من كل جانب، قال الله تعالى: ((وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)) (سورة الأحزاب: 22).
إننا نجد حرباً على الإسلام في كثير من بلاد المسلمين، بل وفي غيرها. والواجب عليها أن نعلم أن حربهم لنا وحرصهم الشديد على إغوائنا وإضلالنا هو دليل على أننا نسير على الحق وهو دليل على أن ما نحمله من عقيدة وما نتبناه من منهج هو حق، فعلنيا أن نصبر وأن نثبت على دين الله تعالى، وأن نحذر من النكوص والتراجع.
24/3/1426 هـ
20050503
http://www.islamlight.net المصدر:
=============
واعتصموا بحبل الله جميعا
محمود المصري
إن المحن التي تمر بها أمتنا المسلمة في هذه الأيام تجعل القلب يبكى الدماء بدل الدموع...
فلو أنك أتيت بخريطة العالم ووضعت إصبعك على أي بقعة لوجدت جرحاً ينزف من جراحات المسلمين في كل مكان في فلسطين في أفغانستان في الشيشان.. في كل مكان..
وما هذه الجراحات إلا بمثابة صدمات كهربائية لإعادة الوعي مرة أخرى إلى جسد الأمة الخائر..
والتاريخ يعيد نفسه لكأني برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أربعة عشر قرناً وهو يطوف في أسواق الحجيج ويقول من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟؟
إنه نداء الإسلام من كل مكان في فلسطين الكل يصرخ من يؤويني من ينصرني وله الجنة.
وفى ظل هذه الآلام والجراحات التي حلت بجسد الأمة المسلمة نجد أن المسلمين ما زالوا مختلفين ومتناصرين!!!
أيها الأخوة الكرام.. إننا جميعاً كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
إن الاجتماع والألفة بين المؤمنين قوة وإن التفرق و التشتت ضعف فإن الإنسان قليل بنفسه كثير بإخوانه.(14/8)
وإن من أعظم أسباب الانتصارات التي أكرم الله بها سلفنا الصالح بعد إيمانهم بالله واتباعهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجتماع قلوبهم على الحق ونبذ الفرقة والخلافات التي كانت تحدث بينهم ولذلك نجد أن الأخوة والمحبة التي كانت بينهم مازالت مثلاً عالياً يتأسى به كل من أراد أن يعيش معنى الأخوة الحقيقية التي لا تقوم على أي مصلحة دنيوية زائلة ولذلك قال - تعالى -: {إنما المؤمنون إخوة}.
فلو أنك وجدت إيماناً بغير أخوه فاعلم أنه إيمان ناقص ولو أنك وجدت أخوه بغير إيمان فاعلم أنها تبادل مصالح.
فتعالوا بنا نتعايش بقلوبنا مع معنى الأخوة الحقيقية التي عاشها سلفنا الصالح وهيا بنا لنبأ صفحة جديدة من الترابط والاجتماع على الحق الذي نحيا عليه ومن أجله لتصبح الأمة كلها كالجسد الواحد الذي يقف في وجه أي عدوان على الإسلام والمسلمين في أي مكان.. وهنا يعود للإسلام مجده وتعود عزته وتعلو راية (لا إله إلا الله) خفاقة عالية لتعانق كواكب الجوزاء..
فلقد قال - تعالى -: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}..
فيا خير أمة عودوا إلى الله واعتصموا بحبل الله لترجعوا مرة أخرى {خير أمة أخرجت للناس.. }
http://www.abu-ammar.com المصدر:
=============
صور من عداء المشركين للدعوة
معن عبد القادر
مقدمة:
وقف المشركون من دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موقفاً لا يتغير في جوهره وهدفه، فهو العداء المستحكم، والسعي الحثيث إلى قتل الدعوة في مراحلها المختلفة، إلا أن هذا الهدف قد ظهر في صور متعددة تتخذ مرحليّة جلية في العداء.
وهذا المقال يلقي الضوء على أهم تلك الصور، ويشير إلى المرحلية التي سلكها المشركون في العداء، معرجاً على موقف أهل الحق - متمثلين في رسول الله وصحبه - من هذه الصور المختلفة.
1- مرحلة عدم الاكتراث بالدعوة: بدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة منذ أن نزل عليه (يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ) وكانت دعوته في بادىء الأمر سرية، ولا يُفهم من ذلك أن المشركين في تلك الفترة لا يعلمون عن محمد ودعوته شيئاً، لكن حيث جاء الرسول بما يخالف ما عليه القوم مخالفة كلية، وحيث علم أنه ليس من السهولة أن يلتف الناس حوله إذا جهر بالدعوة بينهم مجتمعين، فقد كان يتخير من يتوسم فيه القبول فيسرُّ له بآمر الدعوة، وهكذا خفي على المشركين أو الكثير من أتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكنهم لم يخف عليهم أن للرسول دعوة.
فهذا أبو ذر وعمرو بن عنبسة وغيرهم يأتون النبي لأنهم قد سمعوا به، وانتشر بينهم أنه يدعو إلى أمر جديد، إلا أن الرسول وهو في بداية أمره لم يواجه قومه بتسفيه ما هم عليه، فلم ينشأ عندهم الشعور القوي بالخطر من دعوته، فكان من أثر ذلك أنهم لم يكترثوا بأمره.
جاء في سيرة ابن هشام: (فلما نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومه بالإسلام وصدع به كما أمره الله لم يبعد عنه قومه ولم يردوا عليه، حتى ذكر آلهتهم وعابها، فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته) [تهذيب سيرة ابن هشام / 55].
وهكذا الأمر دائماً، عندما لا يشعر أهل الباطل بأن في دعوة الحق خطراً عليهم، فإنهم لا يبدون اكتراثاً بأمرهم، وإن كانوا لا يخفون بغضهم وكراهيتهم واستهزاءهم بالحق وأهله، ولكن أنى لدعوة أن تنتشر ويظهر أمرها، وتقوم بالأمانة المنوطة بها، وهي تستر ركناً عظيماً من أركانها وهو الكفر بالطاغوت.
قد يكون هذا ممكنا في حق فرد، ولكنه لا يكون في حق دعوة بأكملها.
2 - المحاولات غير المباشرة لإسكات الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ولما أعلن الرسول كفره بآلهتهم، وتسفيه معتقداتهم، حاول المشركون أن ينهوا الأمر بمحاولة إسكاته عن القيام بدعوته، وذلك عن طريق عمه أبى طالب، فمن ذلك طلبهم منه في المرة الأولى أن يكف ابن أخيه عنهم أو يتركهم ليروا أمرهم فيه فردهم أبو طالب رداً جميلاً. (التهذيب / 55).
ولما لم تثن تلك المحاولة الرسول عن عزمه حاولوا مرة أخرى بلهجة أشد.
(التهذيب / 56) وكان جواب الرسول واضحاً صريحاً وقاطعاً في أنه لا أمل في ثنيه عن دعوته: (والله ما أنا بأقدر أن أدع ما بعثت به من أن يشعل أحدكم من هذه الشمس شعلة من نار) (التعليق على فقه السيرة / 110).
3 - صياغة الاتهامات لتضليل العامة: ولما أيقنت قريش أنها لا تستطيع ثني الرسول عن الصدع بدعوته، حولت جُلَّ جهودها إلى إنشاء مناعة عند عامة العرب ضد الإيمان به، أو حتى الاستماع إليه، فاجتمعت قريش قبل موسم الحج بزعامة الوليد بن المغيرة لصياغة الاتهامات المناسبة لصد الوفود عن الاستماع إلى الرسول (فقال لهم: يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأياً واحداً ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً، ويرد قولكم بعضه بعضاً) (التهذيب / 57)، فتقلبت أقوالهم بين ساحر وكاهن وشاعر، ثم استقر رأيهم على اتهامه بالسحر، كما تظهر القصة، وإن كانوا في الحقيقة لم يستقروا على اتهام واحد (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ).
ومن ذلك ما لقي به المشركون الطُفَيل بن عمرو الدوسي، وأعشى قيس، وغيرهم ممن كان يقدم مكة للسماع من الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وكان من مشيئة الله أن جعل من تلك الاتهامات والتحذيرات دعاية للدعوة وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها) (التهذيب / 58).(14/9)
4 - مرحلة التعذيب لفتنة المؤمنين: ولما لم تفلح تلك المحاولات في صد الناس عن الإيمان بالدين الجديد، تواصى المشركون فيما بينهم بالتفنن في التعذيب لرد من آمن بمحمد عن دينه، وقد لخص كبيرهم أبو جهل مخططهم في ذلك: (وكان أبو جهل الفاسق..
إذا سمع بالرجل قد أسلم له شرف ومنعة أنبه وأخزاه وقال: تركت دين أبيك وهو خير منك لنسفهن حلمك، ولنفيِّلَنَّ رأيك، ولنضعن شرفك، وإن كان تاجراً قال: والله لنكسدن تجارتك ولنهلكن مالك، وإن كان ضعيفاً أغرى به ((التهذيب / 71، 72).
وبدأت مرحلة التعذيب الرهيب كفعل أبى جهل بآل ياسر، وأمية بن خلف ببلال، ويكفي في تصوير شدة هذا التعذيب ما يرويه سعيد بن جبير قال: (قلت لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟ قال: نعم والله، إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالساً من شدة الضر الذي نزل به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة، حتى يقولوا له: اللات والعزى إلهك من دون الله؟ فيقول نعم، افتداء منهم مما يبلغون من جهده) (التهذيب / 72).
ولقد أصاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تلك المرحلة شيء من الأذى، كالذي فعله به عقبة بن أبى معيط حين وضع سلا جزور على رأسه وهو ساجد، وعندما اجتمع عليه المشركون حول الكعبة ففرقهم أبو بكر عنه.
والحقيقة أن التعذيب لم ينته عند مرحلة معينة، بل استمر طويلاً، إلا أن الهدف منه في المرحلة الأولى والدعوة في طفولتها كان المحاولة في رد الأتباع القلائل عن دينهم، وتخويف غيرهم من الدخول في الدين، لكن بعد أن قويت شوكة الدعوة كان التعذيب لمجرد الانتقام، ولتنفيس الغيظ والحنق الذي في نفوس المشركين، أو للأخذ بشيء من ثاراتهم من المسلمين، ومن ذلك ما فعله المشركون بخبيب حين صلبوه.
ولابد لنا هنا من وقفة عند أثر هذه المرحلة على أتباع الدعوة، وعلى سير الدعوة نفسها: - أخرجت تلك الابتلاءات نماذج عظيمة في الثبات على دين الله، والتضحية في سبيل العقيدة.
- وكان فيها تربية صلبة للأصحاب أعدتهم رجالاً لتلك الدعوة، فوق ما ارتفعت به درجاتهم عند الله.
- وزادت من الترابط بين أتباع الدين الجديد.
- وأدت إلى شيء من تعاطف العامة من المشركين مع هؤلاء المستضعفين.
وهذه وغيرها مكاسب عظيمة للدعوة، كان الابتلاء سبباً مباشراً لها.
ووقفة أخرى مع موقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يرى أتباعه يعذبون: لقد أصاب رسول الله أذى من المشركين، لكنهم لم يكونوا ليبلغوا منه شيئاً كثيراً لمكانة عشيرته بينهم، ولكن عديداً من أصحابه واجه فتنة لا طاقة لكثير من البشر بها، فماذا كان موقف الرسول من ذلك؟.
لقد أبدى الرسول تعاطفاً شديداً وشفقة حانية على أتباعه من المعذبين، فكان يمر بآل ياسر، ويثبتهم على مصابهم، ويعدهم الجنة، وكذلك كان حال المسلمين ممن لم يصبهم الأذى، فهذا أبو بكر ينفق ماله على إعتاق المعذبين من الرقيق.
ولم ينته دور الرسول عند التعاطف والإشفاق، بل كان يبحث عن كل ما من شأنه أن يخفف المصاب عن أتباعه من حلول عملية.
فكان يأمر من أسلم من الضعفاء أو ممن يخشى عليه الفتنة أن يكتم إسلامه عن أهله، ويأمر بعض من يأتيه من قبائل العرب مسلماً أن يعود إلى قبيلته لأنه لا سند له بمكة.
ولما علم أن في الحبشة ملكاً لا يظلم أمرهم بالهجرة إليه فراراً بدينهم.
إذن: كان الرسول يرفع من معنوياتهم، ويذكرهم بالأجر والثواب، ويؤكد نصر الله إياهم بعد حين، وفي نفس الوقت كان يبحث لهم عن حلول عملية تخفف من وقع الفتنة عليهم.
إن التعاطف والسعي لتخفيف وطأة التعذيب على المسلمين أمر مطلوب، وواجب على القيادة المسلمة تجاه أتباعها، أما التخلي عن شيء من المنهج، ولا أقول الأسلوب والسياسة، تفادياً للمواجهة، واتقاءً لبطش الجاهليين، فأمر لا يرضاه الله، وقد عصم منه رسوله، وللأسف فقد سقط في هذا المزلق بعض المخلصين بدافع إخلاصهم وشفقتهم على إخوانهم.
إن الإسلام وهو دين الرحمة قد جعل للأفراد رُخَصاً يجيز لهم الأخذ بها وقت الشدائد تصل إلى التلفظ بكلمة الكفر، ولكن لا يجوز لأحد مهما بلغت به الفتنة أن يهادن في دين الله أو يحرف في منهجه.
إن بعض المخلصين، وقد أحزنهم وشق عليهم ما نزل ببعض إخوانهم، وقد بدءوا يبدون التميع، ويبدون التفاوض مع الجاهلية، بمبادئهم لتخفيف الوطأة على إخوانهم.
وبدأوا ينطلقون من منطلق (كفانا أشلاء ودماء) وبدأ منهجهم يتكيف مع هذا المنطلق في جوهره وليس في أسلوبه فقط.
إن أشلاء إخواننا ودماءهم غالية على كل مسلم غيور، ولكننا أيقنا أنها الثمن الذي أراده الله للنصر...
وللجنة.
إن الدعوة التي اشتدت عليها الفتنة، فبدأت تغير من منهجها، ومرة أخرى لا أقول: من أسلوبها؛ قد سقطت في الابتلاء الذي جعله الله سنة في الدعوات: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ).
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم، مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ).
إن التربية التي ترسخ في النفوس أن الابتلاء سنة الله في الدعوات، مهمة جداً، مهمة للقادة حتى لا يسقطوا في الابتلاء، ويحرفوا المنهج تفادياً لهم، فيضلوا ويضلوا.(14/10)
مهم للأتباع حتى يثبتوا بتثبيت الله لهم عند الابتلاء، وحتى لا يتسبب ابتلاؤهم في صب جام غضبهم ولعنتهم على إخوانهم وعلى منهجهم لأنه بزعمهم السبب فيما وقعوا فيه.
إن أي مسلم غيور، لتذهب نفسه حزناً وهماً على ما يصيب إخوانه في العقيدة، وهو مطالب بأن يبذل وسعه في سبيل التخفيف عنهم، وإن كان ما نقدمه حقيقة قليل جداً، وذلك لتراكم الظلم من كل جهة، ولبخل بعضنا وقعودهم عن بذل كل إمكاناتهم وقدراتهم في سبيل نصرة إخوانهم، ولكن لا يجوز لنا أن يجرفنا الهم والحزن إلى التخلي عن شيء من منهجنا تفادياً للمواجهة، وفي موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خباب - رضي الله عنه - وهو يأتيه شاكياً عند الكعبة تثبيت لتلك السنة في نفوس أصحابه بضرب المثل بما لاقاه أسلافهم من المؤمنين، ثم ثبته بتأكيد نصر الله لهم ولو بعد حين..
يقول خباب: » أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو مُحْمَرٌ وجهه فقال: لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد مادون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله « (البخاري 7/164).
وكذلك خرج بأصحابه مثخناً بالجراحات يوم أُحد، وذهب منهم سبعون شهيداً من خيرة الصحابة، وهو عدد ليس بقليل في ذلك الوقت من عمر الدعوة، لقد كانوا عشر جيش المسلمين، فماذا كان من الرسول بعد هذا البلاء المبين؟ يقول ابن إسحاق: (قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلاماً فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القرآن، ويعلموننا شرائع الإسلام، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم نفرا من أصحابه) (التهذيب/194) ثم كان ما كان من هذيل في يوم الرجيع إذ قتل وفد رسول الله جميعهم، وكانوا ستة كما عدهم ابن إسحاق.
ثم ماذا؟ ثم بعث رسول الله أصحاب بئر معونة على رأس أربعة أشهر من أُحد (التهذيب/200) وقتل فيه أربعون صحابياً من خيار المسلمين غدراً وخيانة.
بلاء على إثر بلاء، ولكن الدعوة مستمرة، والمنهج محفوظ، يختار الله من يشاء من المخلصين إلى جواره، وتبقى بقية القافلة في سيرها إلى الله كما أمرها الله.
5 - مطاردة الفارين بدينهم خارج الحدود: (فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية، بمكانه من الله ومن عمه أبى طالب، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم: لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه، فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة، وفراراً إلى الله بدينهم) (التهذيب /72).
ولكن طغاة قريش لم يطب لهم العيش، وهم يرون أتباع الدعوة وقد أصابوا داراً وقراراً عند ملك الحبشة، فكان ما كان من مؤامرات حتى يخرجوهم من دارهم التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها.
وكان من رحمة الله بعباده المؤمنين، ومن حمايته لدعوته وحفظه لها أن رد وفد قريش خائباً، وجعل للمسلمين من عدل النجاشي ملجأ، وإن لم يكن على دين الإسلام في بادىء الأمر.
وهذه الصورة بكل جوانبها لا تزال تكرر نفسها.
يضطهد المسلمون في أرضهم، فيفرون بدينهم منها، ويحاول الطغاة أن يتبعوهم بأذاهم حيث ما كانوا، فتدرك المؤمنين رحمة الله فييسر لهم من الأسباب ما يحفظهم من الأذى، ونحن نرى تلك الأسباب في الغالب يهيئها الله على أيدي كفار آخرين يملكون شيئاً من حرية الفكر واحترام الإنسان، فسبحان من ينصر دينه بالرجل الفاسق.
6- المفاوضات (الإغراءات) المادية:
ولما لم تفلح كل تلك المحاولات مرة أخرى في قتل الدعوة، أو حتى في إيقاف انتشارها الواسع، وعندما قوي أتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - واشتد أمرهم بإسلام حمزة وعمر وغيرهما، لجأ الطغاة إلى محاولات لإغراء الرسول بأمور الدنيا، كي يتنازل عن دعوته.
ومثال تلك المحاولات مفاوضة عتبة بن ربيعة أرسلته قريش مندوباً عنها ليعرض على الرسول الملك والجاه والمال كي يكف عن دعوته.
ولا تزال تلك الوسيلة تستخدم لشلِّ الدعوة وشراء الدعاة، فيتم بذلك احتواءهم وتسييرهم إلى الوجهة التي يراد لهم السير فيها، وكم من داعية لم يسقط بالترهيب والتهذيب سقط بالإغراء والترغيب.
7 - المفاوضات الدينية والسعي وراء التنازلات: وتمثل تلك المرحلة أخبث وأخطر ما تفتق عنه تخطيط الطغاة ومكرهم.
إن أهل الباطل ليس لهم منهج ثابت محدد يلتزمون به، وإنما يدورون مع مصالحهم حيث دارت، ومصلحتهم العظمى كما يرونها في عداء الحق والسعي لإطفاء نور الله، ومن هنا فإن أهل الباطل لا يجدون غضاضة ولا صعوبة في أن يعترفوا بشيء من الحق ويتفاوضوا مع أهله إذا كان في ذلك قضاء على الحق وأهله ولو بعد حين.
أما أهل الحق فموقفهم مختلف تماماً، إنهم لا ينطلقون من مصالح معينة، إن لهم منهجاً ثابتاً محدداً أنزله الله إليهم، وأمرهم باتباعه وحذرهم من مخالفته، وقضيتهم في جوهرها إنما هي استمساك بهذا المنهج الثابت ومحافظة عليه، والذب عنه حتى الموت.(14/11)
ومن هنا فإنهم ليس لهم من الأمر شيء، ولا يملكون أن يتنازلوا عن شيء من هذا المنهج لأي هدف كان، إذ أن منهجهم هو قضيتهم، ومصلحتهم في العض عليه بالنواجذ، وتحقيق أي هدف في الحياة الدنيا، ولو بدا سامياً عند البعض لا يجوز أن يتم بالتنازل عن شيء من المنهج.
وتدبروا في موقف أهل الباطل من التنازلات (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) إن لديهم الاستعداد للمداهنة، ولا مانع لديهم من التنازلات عن شيء من باطلهم في مقابل تنازل أهل الحق عن شيء من حقهم.
يقول ابن كثير في تفسير سورة الكافرون: (قيل إنهم (أي كفار قريش) من جهلهم دعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله هذه السورة فأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية فقال: لا أعبد ما تعبدون).
إنه لا فرق البتة بين أن يعبد المشركون آلهتهم أبد الدهر، أو يعبدوها سنة ويعبدوا الله سنة بعدها، كله باطل، وما يضير المشركين أن يقدموا مثل هذا التنازل، وهم بذلك يكسبون الاعتراف الصريح من أهل الحق بشرعية ما عليه أهل الباطل.
ولكنه فرق أبعد مما بين السماء والأرض، بين أن يعبد المسلمون الله كل عام، أو يعبدوه عاماً ويعبدون آلهة المشركين عاماً بعده، إن الصورة الأولى هي الحق، والثانية باطل من جملة الباطل وشتان بين الحق والباطل.
وماذا يكسب المسلمون من مثل هذا التنازل؟ اعتراف أهل الباطل بحق أهل الحق في الوجود؟ ! وماذا يعني لو تم ذلك؟ هل حققنا قضيتنا؟ وكيف نحقق الكفر بالطاغوت وهو قرين الإيمان بالله ونحن نقدم مثل هذه التنازلات؟.
وثبت الله رسوله أمام هذا الكيد الجديد (وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) وعلمنا الموقف الذي نقفه من هذا الكيد، وحذرنا من المداهنة في دين الله، بل جعل من أصول ديننا معاداة الكافرين وبغضهم والبراءة منهم، حتى يقطع كل سبيل إلى الجلوس معهم لتقريب وجهات النظر! ! 8- المواجهة المسلحة:
ولما رد الله الذين كفروا بغيظهم في كل مناسبة، ورعى دعوته حتى شبَّت وقوي عودها، وأحس المشركون بخطر الدعوة على وجودهم، كانت المواجهات المسلحة ولابد أن تكون، فكانت بدر ثم أحد والخندق وغيرها من السرايا والغزوات، ثم كان يوم الفتح الأكبر، فتح مكة.
وصدق الله وعده للمؤمنين وهم بمكة يعذبون، أو وهم في الحبشة يطاردون، أنه ناصرهم على الكافرين.
هذه أبرز صور العداء التي واجهتها الدعوة الأولى، ولا يملك المسلم الذي يعيش في هذا العصر وهو يراجع تلك الصور إلا أن يتساءل (أَتَوَاصَوْا بِهِ).
إن المحاولات هي ذاتها، وإن أصبحت في كثير من الأحيان أعنف وأشد خطراً على الدعوة، لازدياد كيد العدو من جهة، ولضعف إيمان المسلمين من جهة أخرى.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============
أدوار ونشاطات إمام المسجد وجماعته في الإجازة
حسين بن سعيد الحسنية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فهذه بعض الأدوار والنشاطات التي يقترح إقامتها في مسجد أو جامع الحي خلال إجازة الصيف، وحري بكل من قرأها أو سمعها أن يعمل بها لما لها من الخير والنفع الدائمين بإذن الله تعالى وهي: ــ
أولاً: المسابقات المنوعة.
وتكون على النحو التالي:
1/ مسابقة كبرى للصيف.
2/ مسابقة فترية أسبوعية أو نصف شهرية.
ويشترط في جميع المسابقات أن تستهدف جميع شرائح المجتمع، وأن تركز على قضايا الأسرة خصوص.
ثانياً: حلقات تحفيظ القرآن الكريم.
وذلك بإقامة حلقات صيفية لتلاوة القرآن الكريم وتصحيح تلاوته وحفظه للفئات العمرية المختلفة بحسب ما يناسب أوقات جماعة المسجد.
ثالثاً: الزيارات والرحلات.
ويكون ذلك بإعداد برنامج للزيارات المتنوعة، وإقامة رحلات لجماعة المسجد يراعى فيها المصاريف المالية والوقت الزمني.
رابعاً: الدروس العلمية والكلمات التوعوية.
وتكون كما يلي:
1/ أن يكون للإمام درس يومي وتكون على شكل قراءة من كتاب في الفقه والآداب وتطرح عليه أسئلة مباشرة.
2/ إعداد جدول كلمات أسبوعية مدة كل كلمة خمس دقائق يستضيف فيها الإمام أحد الدعاة أو طلبة العلم.
3/ يستفاد من طلبة العلم والدعاة من جماعة المسجد في تقديم الدروس والكلمات.
خامساً: المجلات والدوريات.
وتكون كما يلي: ــ
1/إعداد مجلة فترية شهرية أو نصف شهرية توزع على أهل الحي.
2/ الاستفادة من لوحة المسجد بإعداد مجلة تعلق عليها بشكل دوري.
3/ توزيع مطويات وفتاوى هيئة كبار العلماء تتعلق بمجلات مختلفة حكمية وتربوية ويكون توزيعا بشكل دوري، وحبذا لو استفيد منها في المسابقات الأسبوعية.
سادساً: المكتبة الموسمية.
ويكون ذلك بإنشاء مكتبة خاصة بالصيف تجمع فيه كتب وأشرطة مختلفة العلوم، وتشكل لها لجنة لإعارتها للاستفادة منها، وتكون المكتبة مقروءة ومسموعة.
سابعاً: الصيام والإفطار الجماعي.
وذلك بأن يعلن لجماعة المسجد عن صيام وإفطار أيام في المسجد كالاثنين والخميس والأيام البيض.
ثامناً: الطاقات البشرية.
بأن يتم توظيفها التوظيف المناسب كل على حسب قدراته وطاقاته.
تاسعاً: شئون المرأة.
وذلك بإعداد برامج يراعى في مواضيعها ما يُعنى بشؤون المرأة.
عاشراً: التجمعات الشبابية.
ويكون ذلك باستثمارها في الحي في الأنشطة الخيرية مثل جمع المتبقي من الأطعمة في المناسبات وتوزيعها على فقراء الحي أو إيصالها إلى المستودع الخيري.
وختاماً نسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم(14/12)
http://www.saaid.net المصدر:
============
ظاهرة مرضية في نشأة الجماعات
محمد حسن
جماعات الدعوة كثيرة، ونشأة جماعات جديدة سمة بارزة من سمات الدعوة المعاصرة، وتكوّن جماعات للدعوة ليس خطأ ولا مرضًا، فالدعوة تحتاج إلى جهود كثيرة متنوعة، ولا يمكن لمؤسسة رسمية أو مؤسستين، أو جماعة أو جماعتين أو ثلاثة فقط القيام بمسؤولية الدعوة وتغطية جميع متطلباتها، بل لا يمكن للمؤسسات والجماعات وحدها أن تغطي حاجات الدعوة دون وجود دعاة مستقلين غير منتمين لجماعات، وذلك لتنوع ساحات الدعوة واختلاف البيئات والظروف.
لكن هناك ظاهرة مرضية وغير صحية في تكوّن الجماعات الدعوية ونشأتها، هي أحد أسباب التنازع والشقاق بين الجماعات العاملة في ساحة الدعوة، وأحد معوقات الصحوة والنهضة الإسلامية عموماً، هذه الظاهرة هي تكوّن أكثر جماعات الدعوة المعاصرة، على مدى العقود الخمسة الماضية، لأسباب غير مقبولة ونشأتها بصورة غير صحية، وعلى الرغم من ذلك كبر عدد منها حتى صار تياراً، ومنها ما صار تنظيماً، ومنها ما كان محدود الانتشار، وهكذا تعددت الجماعات والتيارات والاتجاهات الدعوية المتضادة.
ومع إحسان الظن بحقيقة النيات، والتقدير الكبير لكل من بذلوا ويبذلون جهودهم في الدعوة الإسلامية؛ فإن الخلافات والمنازعات، وكثرة توالد الجماعات المتضادة في الساحة الدعوية أمر لا يستطيع أحد إنكاره أو التهوين من شأنه، بل أعداؤنا يعرفون مدى ما وصلت إليه الساحة الدعوية من تمزق، ومن أشهر من سجل ذلك ريتشارد هرير دكمجيان في كتابه (الأصولية في العالم العربي)، ولا سيما في طبعته الثانية عام 1995م، والتي قام فيها بدراسة 108 جماعات إسلامية.
ولن يحار فكرك في كشف أسباب ظهور أغلب الجماعات؛ لأنها غالباً لا تتعدى الصور الآتية:
- نشأة جماعة بسبب شخصية بارزة:
حيث يبرز شخص له صفات قيادية قوية، ويتمتع بمهارات عالية في الإقناع، فيلتف حوله أشخاص معجبون به وبقدراته الخطابية على رغم قلة باعه في العلوم الشرعية، ثم تنشأ الجماعة!
- نشأة جماعة بسبب كتاب:
تنشأ الجماعة هنا بعد قراءة شخص أو أشخاص لكتاب، فيعجب به لما يرى فيه من براعة في تحليل الواقع، وطرح الحلول لأزمات المسلمين، فيصبح الكتاب هو قبلة الجماعة لا يرون فكراً غير فكره، ولا حلولاً غير حلوله لمشكلات الأمة، ولا منهجاً غير منهجه!
- نشأة جماعة رد فعل لما تراه أخطاء لجماعة أخرى:
فهناك العديد من الجماعات التي نشأت بسبب أن شخصاً رأى جماعته الأم قاصرة عن تحقيق الأهداف، أو وقعت في ما يراه أخطاء لا تُحتمل، أو بسبب نزاعات داخلية شخصية أو دعوية، وهكذا..أخطاء لدى جماعة من الجماعات يحدث رد فعل لدى بعض أتباعها، فينشقون ويكونون جماعة، ولو اقتصرت الجماعة الجديدة على اتخاذ منهج آخر في الدعوة لعلاج قصور أو خطأ لهان الأمر، ولكنها تنشق لتكون جماعة مضادة، لا همّ لها سوى أن تكون مخالفة للجماعة الأولى.
هذه أغلب صور نشأة كثير من جماعات الدعوة، وهي نشأة غير صحية لأنها قائمة على أسباب لا تتصل بواقع الدعوة وأهدافها الحقيقية، كما أنها في الغالب أسباب لا تقوم على أساس علمي مدروس، ولذلك يكثر وقوع كثير منها في الانحرافات والأخطاء بسبب القصور الشديد في العلوم الشرعية، ولذلك لم تقم تلك الجماعات ولا تقوم غالباً إلا بدورين:
المواجهة مع الجماعات الأخر والدخول معها في حروب كلامية وفكرية، والمواجهة مع السلطات، أو التعاون مع بعضها ضد الجماعات الأخر، والنتيجة منح أعداء الدعوة فرصة يستغلونها لتشويه الدعوة والدعاة ومحاربتهم، وتضييع الجهود والأوقات بعيداً عن تعليم الناس الدين والعمل على هدايتهم، وحمايتهم من الانحراف والفساد.
كما أن تلك الأسباب في نشأة الجماعات يترتب عليها أمراض كثيرة وآفات عظيمة تأكل الأخضر واليابس في ساحة الدعوة، وتمزق روابط الأخوة، وتقطع التناصح والتراحم بين المسلمين، ولو ألقينا نظرة فاحصة لكثير من الجماعات العاملة في الدعوة، ولواقع الدعوة عبر العقود الخمسة الماضية في العالم الإسلامي؛ فسنرى تلك الآثار الخطيرة للنشأة غير الصحية لتكوّن الجماعات:
- أن تلك الجماعات التي نشأت نشأة غير صحيحة تسعى لتحقيق مكاسب خاصة، تتمثل في تكثير الأتباع، والدعوة لمنهج الجماعة لا نشر الإسلام بدرجة أولى.
- أنها تتنافس على المنتمين القدامى غالباً، فالجماعة الجديدة سواء كانت منشقة أو غير ذلك، تسعى أولاً لضم أعضاء جدد من أعضاء الجماعات الأخر.
- أن كل جماعة تدّعي أن الحق معها وحدها، وأن الآخرين على ضلال مبين.
- أن كل جماعة تربي أتباعها على عداء الجماعات الأخر، وشحن نفوسهم ببغض الآخرين وتنقيص قدرهم وتسفيه عقولهم وتخطئة مناهجهم.
- أن جهود الجماعات الدعوية يضيع أغلبه في تحقيق ما سبق، وفي التنافس مع الجماعات الأخر والنزاعات الداخلية والخارجية، ولا يتبقى لدعوة العامة ونشر الإسلام وتعاليمه ومقاومة تيارات التغريب والإلحاد والفساد غير القليل من الوقت والجهد.
- أضف إلى ذلك تصدير النزاعات التاريخية بين الجماعات الدعوية إلى خارج بلد المنشأ، فترى الصراع التاريخي موجوداً لدى أتباع الجماعات في بلاد مثل إنجلترا وأمريكا وغيرهما من الدول، وذلك في أماكن الدراسة والمساجد، بل انتقل الصراع إلى الإعلام في الصحف ومنتديات الشبكة العالمية الإنترنت.
- أضف إلى ذلك أن الصراع يظل متوارثاً حتى في أجيال ولدت بعد ظهور أسبابه بسنوات.
ولا حاجة بنا إلى ضرب أمثلة فالواقع طافح ومليء بها.(14/13)
إن نشأة الجماعات بهذه الأسباب لا يؤدي فقط إلى تأخر الدعوة بل يؤدي إلى ارتكاب المنكرات، والوقوع في المحرمات، فمع وجود التنازع جراء الأسباب السابقة تُستباح الغيبة، ويكثر البهتان، ويظهر قول الزور، ولو شئت فنظرة واحدة في بعض المنتديات على مواقع الجماعات تكفيك لتدرك مدى ما وصلت إليه نفوس كثيرين من تعصب وتباغض وتجرؤ على تسفيه الدعاة واتهامهم والتحذير منهم لأنهم من جماعة أخرى، وقد لا تصدق مدى ما يصل إليه العداء، وإهدار حقوق الأخوة الإسلامية لو قرر بعض المنتمين لجماعة من الجماعات انتهاج منهج آخر في الدعوة، أو رأى توجيه نفسه لما يراه نافعاً لنفسه وللمسلمين بطريقة مستقلة. كل هذا وغيره يجري تحت ما تزينه كل جماعة لنفسها باسم مصلحة الدعوة وحماية الجماعة ومواجهة أعداء الدعوة.
إن الدعوة لها قداستها وخطورتها، فهي عمل الأنبياء - عليهم السلام -، ولا ينبغي لأحد أن يقتحم ساحتها إلا بهدف الدعوة إلى الله، ولا ينبغي لأحد أن يُقدم عليها إلا على بصيرة
إن كثيراً من الجماعات ولا سيما الجماعات الصغيرة قائمة على هذه الأسباب المرضية، بل يستمد كثير منها وجوده من تفعيل هذا السبب دوماً لأنه أصل وجود الجماعة، فالجماعة التي قامت بسبب نزاع في الرأي تجدها دوماً تحافظ على وجود سبب النزاع وتعظّم فيه، فلذلك يكون نقد الجماعة الأخرى منهجاً ثابتاً يتم تلقينه للمنتمين الجدد، والجماعة التي نشأت بسبب الإعجاب بكتاب تراها تقدس ذلك الكتاب، وتقدمه على كل قول وفكر ورأي، وتربي عليه أتباعها، والجماعة التي قامت على أساس الإعجاب بشخص تراها تمجد هذا الشخص وتربي أتباعها على الولاء له حياً وميتاً، لا تقبل له نقداً أو معارضة ففكره فوق كل فكر ورأيه فوق كل رأي.. إنها مأساة وأزمة دعوية خطيرة!
كفى الدعوة زمناً ضاعت فيه الجهود وأهدرت الأوقات في صراعات غير مسوّغة ولا مقبولة شرعاً، وكفى الدعاة زمناً سيطرت فيه على كثير من أعمالهم الدعوية ألوان من الهوى والتعصب وحب الزعامة والغرور.
ولا يقع اللوم على الذين ينشؤون جماعات لسبب من الأسباب المرَضية السابقة وحدهم، بل يقع أيضاً على عاتق الجماعات الأولى أو الأم، لأن جمود تلك الجماعات على فكر إداري واحد للدعوة والدعاة، وضيقها بالمخالف، والتعصب لمنهج لا يرون الحق إلا من خلاله؛ هو سبب من أسباب تنازع الدعاة وتفرقهم، لأن الجمود في إدارة الدعوة والمناهج الدعوية يؤدي إلى تصادم لا محالة مع الواقع المتجدد للساحة الدعوية، وما لم يحدث تطوير مستمر وإدراك لمتطلبات الواقع المتغير، وتحقيق لصفة المرونة في إدارة الدعوة والمناهج الدعوية؛ فسوف تنشطر الجماعة إلى جماعات متناحرة يهلك بعضها بعضاً.
وما حاجة المسلمين إلى جماعة يكون كل همها إثبات أن الجماعات الأخر على ضلال وبذل الجهد الكبير لإثبات ذلك، واتخاذ التحذير من عدد من الكتب أو المؤلفين هدفاً رئيساً للدعوة تُفرد له الخطب والمحاضرات والكتب والرسائل! ولا أدري ما الفائدة التي سوف تعود على المسلمين والإسلام من جماعة تنشأ رد فعل لنزاعات شخصية بين الدعاة! غير زيادة عدد الجماعات المتهارشة، وإحداث الفرقة بين المسلمين، وإشغالهم بما لا طائل تحته من الناحية العملية.
إن الدعوة لها قداستها وخطورتها، فهي عمل الأنبياء - عليهم السلام -، ولا ينبغي لأحد أن يقتحم ساحتها إلا بهدف الدعوة إلى الله، ولا ينبغي لأحد أن يُقدم عليها إلا على بصيرة، قال - تعالى -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]. أما أن تكون تلك الأسباب المرَضية هي الأساس لتكوين الجماعات، بهدف التجميع وتكثير الأتباع، وجر الشباب إلى نزاعات وخصومات، وشغلهم بأفكار خاصة وتصورات شخصية أعجبت صاحبها؛ فهذا يعني التمزق والتفرق، والإخفاق الذريع والسقوط المريع، في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها الأمة الإسلامية وهي في أشد الحاجة إلى نشر الإسلام، وتحبيب الناس فيه، وجمع الصفوف، وتأليف القلوب، قال - تعالى -: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].
29/07/1426
http://www.almoslim.net المصدر:
==============
حيل أهل الباطل لفتنة الدعاة
صراع الحق مع الباطل قديم، قدم هذا الإنسان على هذا الكوكب، بل أقدم من ذلك، فمنذ أن خلق الله الإنسان وأمر الملائكة، ومن ضمنهم إبليس، بالسجود لآدم (فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)[البقرة: 34]، ومنذ تلك اللحظة حقد إبليس على بني آدم، بسبب تكريم الله لهذا المخلوق على باقي خلقه لما ميزه عنهم بالعقل والعلم، وأقسم الشيطان بالانتقام من هذا المخلوق وتسخير جميع ما أعطاه الله من قدرة لإغواء بني آدم ثم إلقائهم جميعًا في جهنم إلا فئة قليلة منهم وهم "المخلصون" المتبعون لمنهج الحق، فقال بحقد: (لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً)[الإسراء: 62] أي لأستولين على ذريته إلا أولئك القليل.(14/14)
ومنذ ذلك الوقت أصبح هناك صراع بين هذه القلة التي تتواجد في كل عصر وبين أولئك الكثير الذين أضلهم إبليس وقادهم إلى جهنم، والصراع سببه إصرار إبليس على فتنة معظم بني آدم بكل ما يملك من الوسائل، وإصرار العصبة القليلة من أتباع الحق السائرين على منهج الهداية، على الثبات على هذا المنهج خوفًا من جهنم، وبين هذين الإصرارين ينتج الاحتكاك، ويكون الصراع بين الفريقين متخذا أشكالاً عدة، ومن أبرز أساليب اتباع الباطل والفساد هو إلقاء الشبهات واختلاق الأكاذيب واستعمال الحيل لتشويه نصاعة مسيرة أصحاب الحق حتى ينفر الناس منهم ولا يصدقوهم بما يقولون، لأن الناس جبلوا على كراهية من يخالف قوله فعله، هذا جانب من جوانب الحرب التي لاقاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بداية الدعوة.
حرب المصطلحات:
جاء في السيرة النبوية: "كان عمه أبو لهب يتبعه فيقول للناس لا تقبلوا قوله"، وكان يقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا لا ترفعوا برأسه قولاً، فإنه مجنون يهذي من أم رأسه. " [انظر البداية والنهاية: 3/141].
فوصف الكفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسحر والجنون والشعر والكهانة ليفضوا الناس من حوله ويصدوا المدعوين عن دعوته وينفروهم من الجلوس معه أو الاستماع منه.
تكرر الصورة:
هذه الصورة تتكرر في كل عصر يشتد فيه ويعلو صوت الباطل، تتكرر في جميع زواياها، مع اختلاف فقط في الأوصاف والحيل لتلائم العصر المعاش..فإذا كان أهل الباطل في الماضي يقولون عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه مجانين وسحرة وكهنة، فاليوم لا تتناسب هذه الشبهات مع عصر العلم الحديث، وإنما يقولون: "متعصبون"، والناس يكرهون التعصب، ويقولون: "طائفيون" والناس يكرهون التفرقة.ويقولون: "رجعيون" والناس يحبون التقدم.ويقولون: "إرهابيون، ومتطرفون، وانتحاريون"، ويقولون: "يريدون قلب نظام الحكم" لتخويف الأنظمة فتتسلط عليهم بالتضييق والتذبيح والسجن، ويخوفون الشعوب لأن الناس لا يحبون القلاقل والفوضى، ويحبون الاستقرار والنظام.
أنواع من الحيل:
كانت "حرب المصطلحات" إحدى الحيل المستخدمة في ميدان المعركة الدائمة بين أصحاب الحق وزمرة الباطل، وللباطل حيل أخرى كثيرة فهم يدرسون كل فرد، أو كل مجموعة على حدة، دراسة مستفيضة يعرفون نقاط الضعف، ونقاط القوة في كل فرد وفي كل جماعة، ومن خلال هذه الدراسة يبدؤون بحياكة هذه الألاعيب، ونصب هذه الشباك، ليقع فيها من يقع من الدعاة، ومن أهم هذه الألاعيب:
الترغيب في المناصب والأموال
ويكون هذا باتجاهين إما بإعطائه أو منعه:
فالأول: يكون بعرض هذه المناصب العالية والدرجات على الداعية والتلميح له بها من أجل التنازل عن مبادئه، وقد حاول المشركون ذلك مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حين عرضوا عليه الملك والجاه والمنصب، والمال والثراء، والزواج ممن يحب ويرغب.. فعرضوا عليه كل ما يتمناه المرء في دنياه كل ذلك ليغروه عن دينه ويبعدوه عن دعوته فما اغتر ولا انخدع، ولكنها تبقى حيلة يتصيد بها أهل الباطل أصحاب الدعوات.
فإذا لم تنجح تلك الحيلة في استمالة الداعية أو على الأقل تحييده استبدلوا التلويح بالعطاء بالتلويح بالمنع فتتوقف الدرجات والعلاوات، ويحرم من المناصب التي هو أهل لها، وتعطى لمن هو دونه لإغاظته، وربما عملوا على حرمانه من عمله بالكلية، وضيقوا عليه فيه كما هو الواقع في منع قبول الملتزمين والملتحين في الوظائف، وهو ما يسمونه باستراتيجية تجفيف المنابع.
هذا الوضع يجعل البعض يفكر جديًّا بتغيير هويته الإسلامية، والتنازل عن مبادئه في سبيل الحصول على ما فقده بسبب التزامه، وكم رأينا من أثرت فيه هذه الحيلة وابتعد عن الطريق، ولعمر الحق إن هذه لفتنة عظيمة في صورتيها.. ونسأل الله الثبات.
التخويف والتهديد:
وهي من الحيل التي يتبعها أهل الباطل في مواجهة أهل الحق خصوصا في بداية الدعوات وقد هُدد أصحاب الدعوات من الأنبياء والمرسلين.. فهؤلاء قوم نوح يقولون لنبيهم: "لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين"، وقال قوم لوط له: "لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين"، وقال قوم شعيب: "لنخرجنك يا شعيب والذين معك من قريبتنا أو لتعودن في ملتنا"، وكذلك قال كل أهل الباطل: "وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أول لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين"، وقال فرعون لموسى: " لئن اتخذت إلها غيري لتكونن من المسجونين" وهكذا تسير هذه القافلة المباركة لتتلقى نفس هذه الحيل الإرهابية من أهل الباطل لتخويفهم وردهم عن طريق دعوتهم والله من ورائهم محيط "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".
البعثات الخارجية:
ومن حيل أهل الباطل أنهم إذا رأوا نشاطا من بعض الدعاة وأن من وراء عمله ثمرة ظاهرة وأثرا كبيرا أرسلوه للخارج لبعثة دراسية، أو لتمثيل بلده بمؤتمر، أو دورة، أو تمثيلاً دبلوماسيًا، أو لأي غرضٍ من الأغراض، ويتفقون هناك مع بعض من يقوم بإغرائه بشتى المغريات، أو أن الجو هناك يكون بذاته فتنة له، ويبعده عن الجادة التي تربَّى عليها، أو أنهم يرسلون له من يخلصهم منه هناك بحادث ضد مجهول، بعيدًا عن غضبة جمهوره في بلده.
تشويه السمعة وإلصاق التهم:(14/15)
وهذه الوسيلة هي أكثر الوسائل والحيل انتشارًا، خصوصا مع المشهورين من الدعاة والذين التف حولهم الناس، ويراد تفريق الناس عنهم.. فعندئذ تبدأ حملات الاستهزاء والتهكم والاتهام بالباطل من خلال الحملات الصحفية بمناسبة وبغير مناسبة، وافتعال قصص وهمية أشهرها القصص الغرامية والتهم الجنسية لأنها الأسرع في الانتشار بين الناس.. وهذا لا شك يشكل ضغطًا نفسيًا على بعض الدعاة، وربما يؤثر على سيرهم في الدعوة، وثباتهم على طريق الحق.
وقد ضرب لنا المنافقون قديما مثلا في اتهام أشرف الخلق في عرضه الذي هو أطهر عرض وأشرفه وأكرمه.. ومع علمهم بهذا لكنه الحقد على الدعوة وأصحابها وكمد صدورهم وغيظ قلوبهم من انتشارها.
وسار إخوانهم على الدرب وسلكوا نفس السبيل، فكم من داعية في زماننا حورب بهذه الحيلة الدنيئة فاتهموه في نفسه أو في أهل بيته زورا وبهتانا حتى أسقطوه من أعين الناس؛ فانزوى عنهم، أو حملوه على ترك البلاد فرارًا من قذارتهم ودناءتهم.
القتل أو الحبس:
فإذا فشل جند إبليس في صد الداعية عن دينه ورده عن دعوته وعمله لنصرتها، أوعز إليهم إمامهم إبليس بآخر الحيل وهي الأذى في البدن أو النفس بالحبس أو التصفية الجسدية لإيقاف دعوته وإنهاء أثره كما خطط المجرمون لقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار الندوة ليلة الهجرة بمباركة من الشيطان الرجيم الذي حضر الندوة في صورة شيخ نجدي.
وكانت الخيارات الحبس أو النفي أو القتل وهي الخيارات الموجودة في زماننا وفي كل زمان فيه حق وباطل.. ولكن يذهب دعاة وينبت آخرون ويختفي مجاهدون ويظهر آخرون، ويفوز شهداء وينتظر الدور آخرون..
هذه بعض الحيل التي يستخدمها أهل الباطل لفتنة الدعاة، ولكنها جميعها تتكسر أمام الرجال الذين ربوا أنفسهم على التضحية في سبيل الله، بعد أن قبلوا ببيع النفس والمال ابتغاءً لوجه الكريم وجنته، والابتعاد عن ناره، وعرفوا حقيقة الدنيا وزينتها، فلم تغرهم بعد أن زهدوا فيها، ورغبوا فيما عند الله، ولابد في النهاية أن ينتصر الدين فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
23/08/2005
http://www.islamweb.net المصدر:
==========
أنت بدون الإسلام صفر
من مبادئنا الأصيلة، ومن تعاليمنا الجليلة، أن نفتخر بهذا الدين، وأن نتشرّف بأن جعلنا الله مسلمين، فمَن لم يتشرّف بالدين ومن لم يفتخر بكونه من المسلمين، ففي قلبه شك وقلّة يقين، يقول الله في محكم التنزيل، مُخاطباً رسوله - صلى الله عليه وسلم -: (وإنه لذكرٌ لك ولقومك وسوف تُسئلون)، أيْ: شرف لك، وشرف لقومك، وشرف لأتباعك إلى يوم القيامة، فالواجب أن تتشرّف بالقرآن، لكونك من أُمّة القرآن، ومن أُمة الإسلام.
بُشرى لنا معشر الإسلام *** إن لنا من العناية ركناً غير مُنْهَدِمِ
لمّا دعا الله داعِينا لطاعته *** بأكرم الرُّسْلِ كنّا أكرمَ الأُمَمِ
يقول جلّ ذِكره: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، الأعلون سنداً، والأعلون مبادئاً، والأعلون منهجاً، فمبدؤنا المبدأ الأصيل، وقرآننا القرآن الجليل، وسندنا الربُّ الفضيل، فكيف يهِن مَن كان الله سنده، وكيف يِهن مَن كان الله ربّه ومولاه، وكيف يهِن مَن كان رسوله وقُدوته محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وكيف يِهن مَن كان دينه الإسلام؟!.
ولذلك كان لزاماً علينا أن نفخر، وأن نشعر بالشرف والجلالة والنّبل، يوم أن جعلنا الله مسلمين.
لقد ردّ الله - عز وجل - على الذين ظنّوا أن مبادئ الشرف ومبادئ الرّفعة، في تحصيل الأموال وامتلاك الدنيا فقال - سبحانه -: (وقالوا لولا نُزّل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم، أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمت ربك خيرٌ مما يجمعون).
فالشّرف كل الشّرف ليس في الدور، ولا القصور، ولا في الأموال، ولا في الهيئات ولا في الذّوات، الشّرف أن تكون عبداً لربّ الأرض والسموات، الشرف أن تكون من أولياء الله، الذين يعملون الصالحات، ويجتنبون المُحَرَّمات، ويحبون الصالحين.
ترى المتّقي، فيُحبّه قلبك إن كنت مسلماً؛ لِما يظهر عليه من علامات النصح والقبول والرِّضا، وترى الكافر فيبغضه قلبك، ولو كان وسيماً جميلاً، لأن عليه آيات السّخط، وتعلوه سِمات الإعراض عن الله: (وإذا رأيتهم تُعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشبٌ مسندة)، فالأجسام طويلة، والبشرة جميلة، ولكن القلوب قلوب ضلالة، وقلوب جهالة، وقلوب عمالة، ولذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم، لا يملكون في الدنيا قليلاً ولا كثيراً، ولا يجد أحدهم إلا كسرَة الخبز، وينام في الطرقات، ولكن الله نظر إلى قلوبهم فهَداهم إلى الإسلام.
أخي: افخر بأنك مسلم، ولا يساورك شك في عظمة هذا الدين الذي تعتنقه، وفي أثره الحميد عليك، عضَّ عليه بالنواجذ، وتشبث به، وانضوِ تحت رايته، لتتقدم وترتقي، وسيكون المجد رفيقك، والرفعة مكانك، والنصر حليفك، إن أبقيت حبلك موصولاً بربك، وافتخرت بأنك مسلم، فأنت بدون الإسلام صفر.
http://www.alhodaway.net المصدر:
===========
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
علي بن صالح الجبر البطيح
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته(14/16)
ما أجملها وأحلها من كلمات، بصياغتها الكاملة تقرأها على من عرفت ومن لم تعرف حتى وإن كان من غير بلدك من إخوانك المسلمين الذين يحسون بدفْ الأخوّة عندما يسمعونها تنطلق من فيك بارك الله فيك ولعل المتأمل في حالنا يجد تقصيراً ظاهرا في ذلك وخصوصاً مع العمالة الوافدة..وقفت متأملا في إحدى محطات الوقود لرصد ما يمكن رصده من التقصير ففوجئت بأن الذين يقرأون السلام على عمّال المحطة قليلون جدا، أمّا الكثير فتتراوح أقوالهم وأفعالهم بين (الاكتفاء بالمنبّه مرّة أو مرات مزعجات لمناداة العامل المسكين - أو الإشارة خلف النوافذ المغلقة بأن قم باللازم أيها العامل وعلى عجالة من أمرك بكذا ريال أو يا صديق أو يا محمد وهنا يحسن أن تقول: يا عبد الله كما أفتى بذلك فضيلة الشيخ / محمد بن عثيمين - رحمه الله تعالى - لأنه عبدٌ لله حتى وإن كان كافراً - يجري كل ذلك مع انعدام الابتسامة أو ندرتها
أخي: أرجوك أن تعذرني قليلاً لأقول لك: لو كنت مكانه ويمرّ عليك عدد كبير من الناس لا يسلمون عليك بالله عليك ما هو شعورك؟
في التموينات الغذائية مثلا نسمع (فيه لبن؟ بدلا من السلام عليكم) وهكذا ولا أريد أن أزيدك أمثلة للطرافة فالموقف لا يستدعي ذلك وإنما هي ذكرى وتذكير بتحية الإسلام أن تشيع بيننا في مساجدنا وأسواقنا وعبر اتصالاتنا بالجوال والهاتف الثابت وهكذا، ولك أن تسأل نفسك: هل أنا مقصر فعلا -؟ ولا تنتظر من الناس إلا ما ينتظرونه منك وأخيرا السلام بصياغته الكاملة ثلاثون حسنة في موازينك كما ورد في الحديث الشريف عن الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://www.saaid.net المصدر:
============
تقليديون دائما
يحيى بن إبراهيم اليحيى
هل تبلد الإحساس أو جمدت الأفكار؟ أو أخذ بالمقولة الضارة والقاتلة لجميع أوجه التجديد والإبداع: «ما ترك الأول للآخر»!؟ أم هو التقليد والخوف من التجديد؟ أم حب الراحة وعدم إعمال الذهن في الوسائل التوجيهية والدعوية هو الذي أورث الجمود على وسائل توجيهية وتعليمية؟ فوسائلنا منذ عقدين من الزمان أو أكثر لم تتغير، لقد أصبحت ضعيفة الجدوى قليلة التأثير مكررة مملة حتى سئمها الناس، وأصبحت لا تؤدي دورها كما كان في السابق، وآخر ما يفكر فيه بعض القائمين على تلك الوسائل هو دراسة الجدوى ومدى التأثير لهذه الوسائل، وهل تحقق هدفها أم لا؟.
لا يعرف الكثير من المشاركين في الدعوة غير (الكتيب والمطوية والشريط)، ويزيد مكتب الدعوة على ذلك (المحاضرة والندوة والكلمات)، أما يوجد غير ذلك يا مُحبُّون؟ لماذا لا نفترض المنع الوهمي كما يقال فنُعمِل أذهاننا في وسائل إبداعية جديدة؟ لنسألْ أنفسنا: كم يسمع لنا وكم يسمع لغيرنا؟ لماذا نحور وندور ونغضب لوسائل فاسدة استقطبت كثيراً من أبنائنا، وينصبُّ تفكيرنا على سبل وطرق منعها؟ وآخر ما نفكر فيه هو المنافسة لهم مع ما معنا من الحق والخير والنور والسعادة، وما معهم من الظلمة والشر والشقاء.
التاريخ:6 / رجب / 1426
http://www.taiba.org المصدر:
==============
السامرائي : اليابانيون أسرع الناس قبولاً للإسلام
حوار : عز الدين فرحات
الأستاذ الدكتور صالح مهدي السامرائي مدير المركز الإسلامي في اليابان أرسله الملك فيصل رحمه الله إلى اليابان ضمن ستة من زملائه في سبعينيات القرن الماضي للعمل على نشر الإسلام بين اليابانيين وتعريفهم بمبادئه؛ فأنشأ هو وزملاؤه المركز الإسلامي باليابان الذي أصبح منارة ومقصداً لكل من يريد التعرف على الإسلام في اليابان .
كيف دخل الإسلام إلى اليابان؟ ولماذا تأخر وصوله إليها؟ وما موقف اليابانيين من الإسلام؟ وما يُثار حوله من اتهامات وشائعات هذا ما سنتعرف عليه من خلال هذا الحوار مع الدكتور السامرائي.
كيف دخل الإسلام إلى اليابان؟ و متى تم ذلك؟
في أواخر القرن التاسع عشر حرصت الإمبراطوريتان اليابانية والعثمانية على إقامة علاقات ودية بينهما لمواجهة الدول الأوروبية، ومن ثم تبادل الزيارات. التي كان أهمها تلك البعثة التي أرسلها السلطان عبد الحميد الثاني إلى اليابان على الباخرة ''آل طغرل'' وعلى ظهرها أكثر من ستمائة ضابط وجندي عثماني (من أتراك وعرب وألبان وبوسنيون .. الخ) يقودهم الأميرال عثمان باشا وذلك عام 1890م، وبعد أن أدت البعثة مهمتها تهيأت للعودة، إلا أنها وهي ما تزال على الشواطئ اليابانية، ليست بعيداً عن ''أوساكا'' هب عليها إعصار شديد، أدى إلى تحطمها، واستشهد أكثر من خمسمائة وخمسين شخصاً، بمن فيهم أخ السلطان عبد الحميد وعثمان باشا أمير البعثة.(14/17)
هز ذلك الحادث الطرفين، ونُقل الناجون على باخرتين يابانيتين إلى إسطنبول، وبعد سنة من الحادث، تصدى صحفي ياباني شاب ''أوشاتارو نودا'' لجمع تبرعات من اليابان لعوائل الشهداء، وذهب إلى إسطنبول عام 1891م، وسلم التبرعات للسلطات العثمانية، وقابل السلطان عبد الحميد . وأثناء إقامته في إسطنبول التقاه رئيس المسلمين في ''ليفربول'' الذي كان موجوداً بإسطنبول قدراً في تلك الآونة، وبعد مناقشات وحوارات أسلم ''أوشاتارو'' وتسمى باسم ''عبد الحميد نودا'' وهو أول مسلم ياباني، ثم تبعه بعد ذلك ''يامادا'' الذي وصل إلى إسطنبول عام 1893م يحمل التبرعات لعوائل الشهداء وتسمى باسم ''خليل'' وطلب إليه السلطان تدريس اللغة اليابانية للضباط العثمانيين.. ثم كان ''أحمد أريجا'' ثالث ياباني مسلم، وحسن إسلامه، وشارك في إحدى ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة اليابانية.. ثم تكونت من بعض تجار الهند المسلمين في طوكيو ويوكوهوما وكوبي أول جالية إسلامية تقيم في اليابان.
معنى ذلك أن الإسلام تأخر دخوله إلى اليابان رغم انتشاره في الدول المجاورة لها منذ وقت بعيد. في رأيكم ما السبب وراء ذلك التأخير؟
لقد انتشر الإسلام زماناً ومكاناً في شرق آسيا منذ فجر الإسلام حتى وصل إلى الصين والفلبين ولكنه لم يصل إلى اليابان لعدة أسباب لعل من أهمها أن اليابان جزيرة، وكان من الصعب الوصول إليها في الأزمنة المتقدمة، هذا هو السبب الأول والسبب الثاني أن التتار كانوا قد جهزوا جيشاً قوامه 250000 جندي لغزو اليابان، ولكن هبت عليهم عاصفة، وهم في سفنهم فأفنتهم عن آخرهم، وهذه الريح يسميها اليابانيون (ريح الإله) ويعلق أحد الأساتذة اليابانيين على هذا الحدث بقوله: لو أن التتار استطاعوا غزو اليابان في ذلك الوقت لكانت اليابان كلها اليوم مسلمة. والسبب الثالث في رأيي أن الإسبان حينما احتلوا الفلبين منعوا المسلمين من الوصول إلى اليابان أو غيرها مما أخّر وصول المسلمين إليها طوال هذه المدة.
كم عدد المسلمين تقريباً في اليابان من اليابانيين، ومن غير اليابانيين؟
يتراوح عدد المسلمين الآن في اليابان بين (300 ألف 400ألف) مسلم ومسلمة بينهم (100) ألف من اليابانيين ذكوراً وإناثاً، والبقية من الجاليات المسلمة المقيمة في اليابان، وهم يتواجدون من أقصى جزيرة في شمال اليابان (هوكايدو) إلى أقصى جزيرة صغيرة في جزر أوكيناوا جنوباً قرب تايوان، ومن أقصى الشرق (طوكيو) إلى أقصى الغرب (كانازاوا وشمياني توتوري).
كيف ترى إقبال اليابانيين على الإسلام؟
الديانات من جهة، ومن جهة أخرى ووفقاً للدستور فإن حرية الأديان مكفولة للجميع، حيث تنص المادة العشرون منه أنه (لا ينبغي أن تحصل أية هيئة دينية على أية امتيازات من الدولة، أو تمارس أي سلطة سياسية، ولن يرغم أي شخص على المشاركة في أي عمل ديني أو احتفال أو طقوس أو ممارسات عقائدية، ويحظر على الدولة وأجهزتها ممارسة التربية العقائدية أو أي نشاط ديني آخر).
من جانب آخر فإن الشعب الياباني تتمثل به الأخلاق العالية والصفات الكريمة، بل أقول: إن الياباني إذا تعرف على الإسلام يجده مطابقاً للمثل التي يعتنقها مجتمعه، فينال استحسانه، وإذا أراد الله له الهداية فإنه يعتنق الإسلام مباشرة، ودون تردد وهذا ما دفعني في بداية الأمر إلى التوجه إلى اليابان حيث ذكر لي أحد الزملاء عبارة هزتني حين قال لي: "إن اليابان مثل البستان الكبير تمر فيه وتعبئ الفواكه، فالناس هناك يدخلون في دين الله أفواجا". وهذا ما رأيته بالفعل، فاليابانيون يحتاجون إلى من يقدم لهم الإسلام ويحسن عرضه عليهم. وعلى أي حال فأنا أرى أن اليابانيين من أسهل الناس وأسرعهم قبولاً للإسلام.
ما موقف اليابانيين من الاتهامات التي تُثار حول الإسلام مثل الإرهاب وغيرها؟
اليابانيون إذا وضحت لهم الأمور واقتنعوا بها فإنهم يصدقونك طالما وثقوا بك، ونحن حين أثيرت هذه الشبهات حول الإسلام والإرهاب نشرنا موضوعاً عن موقف الإسلام من الإرهاب في موقع المركز على شبكة الإنترنت وجاءتنا تعليقات وردود إيجابية كثيرة فاستجابة الياباني جيدة.
كيف بدأت فكرة إنشاء المركز الإسلامي في اليابان؟
بدأت نواة المركز الإسلامي في اليابان في عام 1965م حيث افتُتح مقر مؤجر، ولكنه أغلق بعد ستة أشهر، ثم أعيد تشكيله باسم المركز الإسلامي الدولي في مارس عام 1966م ولم يكن له مقر، وظل يعمل بين مد وجزر إلى أن أُعيد تشكيله عام 1974م على أساس أمتن، وأصبح اسمه "المركز الإسلامي في اليابان" وحصل على اعتراف من الحكومة اليابانية كمنظمة دينية قانونية، وتم تسجيله لدى الدوائر الحكومية في عام 1980م.
ما الوسائل التي تقومون بها لتحقيق هذه الأهداف؟
لقد رفع المركز الإسلامي في اليابان حين تأسيسه عام 1974م شعاراً مكوناً من ثلاث نقاط هي: (الدعوة – النشر - التنسيق)
والآن ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين، وبعد أن ترسّخ الوجود الإسلامي في اليابان وبرزت للوجود العشرات من الجمعيات الإسلامية والمراكز والمساجد فإن المركز الإسلامي رفع شعاراً محدداً من ثلاث نقاط يتفرع عنها نشاطات متعددة، ويتلخّص هذا الشعار في: (الدعوة المطبوعات التعليم).
ومن أجل التركيز في القيام بالنشاطات المختلفة في المركز فقد استحدثت عدة لجان منها ما هو فعال وقائم بذاته، ومنها من هو منطوٍ تحت اللجان الفاعلة.
هل من الممكن أن تعطونا فكرة عن أهم منجزات المركز خلال الفترات السابقة؟(14/18)
لقد اهتدى الآلاف من اليابانيين إلى الإسلام بواسطة المركز، ونشر أكثر من أربعين كتاباً وكتيباً عن الإسلام باللغة اليابانية، بالإضافة إلى مجلة (السلام)، وهي تصدر باللغة اليابانية بصورة دورية ربع سنوية، وكان المركز وراء تشكيل أول مجلس للتنسيق بين الجمعيات الإسلامية عام 1976م، واشترى المركز قطعة أرض لبناء أول مدرسة إسلامية عليها، ولكنها في انتظار العون المادي حتى نشرع في البناء.
ما هي مشروعاتكم المستقبليّة؟
كما ذكرنا لقد اشترينا قطعة أرض لبناء أول مدرسة إسلامية في اليابان عليها، ولكن لأن المركز يمر بظروف مادية صعبة، ويعاني من بعض الديون، ولا يستطيع تسديد التزاماته المادية تأخرنا في البناء، وهذا ما يحمل المركز أعباء إضافية نظراً لأن الحصول على قطعة أرض في اليابان أمر صعب والحكومة تجبر مالك الأرض أن يستغلها خلال مدة محددة، وإلا تفرض عليه غرامات مالية، وهذا سبب تراكم الديون على المركز وتعثره الآن؛ إذ بلغت الديون ما يقارب (300) ألف دولار أمريكي، وإذا لم نتمكن من دفع المبلغ فإن الحكومة سوف تبيع الأرض في المزاد العلني لتسديد هذه المستحقات، ولهذا نحن في حاجة ماسة إلى الدعم المادي والمعنوي لنتمكن من استكمال مسيرة العمل في المركز الإسلامي في اليابان.
15/7/1426
20/08/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
==============
احفظوا أنفسكم من الزنا
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على اشرف خلق الله و سيد المرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم -.
قال - تعالى – " وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) " سورة الفرقان،، و قال أيضاً {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} (32) سورة الإسراء فالزنا إخوتي في الله من أكبر الكبائر بل هو من أعظم الكبائر التي تستدرج صاحبها إلى نار جهنم و بئس المصير، و وعد الله الزاني بأن يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهاناً،، فإذا كان أقل العذاب يوم القيامة هو أن يوضع حجارة من نار تحت قدميك فتُغلى بها رأسك، فكيف بأشد العذاب؟ و كيف بضعف العذاب؟ ثم أنت ما تدري يا أخي كيف تموت و متى تموت،، فلا قدر الله توفاك الله على هذا الأمر فسوف تصعد إلى الله - عز وجل - و أنت زاني،
ذهب رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - و قال له ((إئذن لي بالزنا يا رسول الله)) فقال - صلى الله عليه وسلم - ((أترضاه لأمك؟ قال الرجل: لا،، قال النبي: أترضاه لأختك؟ قال لا،، قال النبي: أترضاه لخالتك؟ قال لا،، و اخذ النبي يُعدد عليه حتى قال لا،، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: و كذلك القوم لا يرضونه لأمهاتهم ولا لأخواتهم)) أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -.
و شرع الله حدوداً للزنا،، قال - تعالى -{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} (2) سورة النور،، و إن كان هذا الشرع لا يُطبق في زماننا هذا،، ولا حول ولا قوه إلا بالله.
أما عواقب الزنا في الدنيا فهي كالأتي:-
1- اشمئزاز القلب و توتر النفس لأنها عصت الله - عز وجل - خالقها.
2- عدم تيسير الزواج، قال - تعالى -{الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (3) سورة النور.
3- البعد عن الله - عز وجل - و اتباع الشهوات.
كيف نحمى أنفسنا من الزنا؟
1- الزواج المبكر أو الصوم كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ((يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج و من لم يستطع فعلية بالصوم)).
2- الحرص على عدم الوجود في خلوة.
3- الحرص على عدم الاختلاط بين الشاب و الفتاة و هو ما انتشر في وقتنا الحاضر.
4- الازدياد في الطاعات و ترك المنكرات.
5- الابتعاد عن أصدقاء السوء.
6- التعلق بالله و الحرص على مرضاه الله و تقوى الله في الخلاء.
7- البعد عن سماع الأغاني لأنها تجلب الشهوة في القلب.
8- عدم النظر إلى ما حرم الله.
و أذكركم بقول الله - عز وجل - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم
وقعت في الزنا فماذا افعل؟؟
بادروا بالتوبة من الزنا؟؟(14/19)
من - رحمه الله - عز وجل - أنه جعل لكل معصية توبة،، قال - تعالى -{أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (104) سورة التوبة و قال - تعالى -{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (25) سورة الشورى،، فيجب عليك أخي المسلم أن تتوب إلى الله سريعاً و أن تتوسل إليه و أن تكثر من النوافل و تزيد في الطاعات و تعمل العمل الصالح و الله - عز وجل - بشرك أخي الكريم أن قال {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (70) سورة الفرقان فبادر بالتوبة و اسلك طريق التائبين و لا تفعل هذا الأمر أبداً،، و اسأل الله أن يعين كل من يقرأ رسالتي على الخير و التقوى و الصلاح، و الله المستعان.
http://www.alhodaway.net المصدر:
============
وسائل وطرق الارتقاء بأبنائنا الطلاب في المرحلة المتوسطة والثانوية
يشكل الشباب في هذه الفئة العمرية نسبة كبيرة من مجتمعاتنا الإسلامية ومن مجتمع المملكة العربية السعودية اليوم. وهذه الفئة هي أكثر الفئات تناميا ولله الحمد.
وهم أمل المستقبل والجيل القادم الذي يجب أن نعده إعدادا إسلاميا قويما، والمتأمل لأحوال هذه الفئة يجد أن هناك الكثير من مصادر التوجيه السيئة بسبب الانفتاح الإعلامي الضخم. وبسبب تغير نمط حياة الآباء والأمهات الذين في كثير من الأحيان لا يملكون الوقت لتربية أبنائهم وإذا ملكوه فالكثير منهم ليست له قدرات تربوية يمكن أن يواجه بها المتغيرات السريعة اليوم.
ولذلك كثرة الشكوى اليوم في معظم المدن والأحياء من مشاكل هؤلاء الشباب وكثرة تجمعاتهم و انتشار العديد من المظاهر السيئة بينهم ويشهد بذلك الكثير من المربين في مجال التعليم وكذلك الأئمة والكثير من الآباء والأمهات.
وعليه فالواجب على الجميع السعي للارتقاء بهؤلاء الشباب. وجعلهم شبابا نافعين لمجتمعهم ودينهم. وفيما يلي: بعض النتائج التي نسعى لتحقيقها في شبابنا.
النتائج المطلوبة:
1. المحافظة على الصلاة.
2. تحقيق تعظيم الله في قلوبهم.
3. حب الخير و أهله.
4. الحياء وعدم المجاهرة بالمعاصي.
5. تحقيق الاستقامة فيهم.
6. أن يكون صاحب خلق حسن.
7. تحقيق بيئة محافظة للشباب.
8. تحقق معاني الرجولة.
9. تحقيق ركائز العبودية الثلاث.
10. تحقيق الولاء والبراء.
ثانيا: مظاهر تبين مدى تحقق النتائج أعلاه من خلال برامج علينا جميعا التعاون في تنفيذها:
1- المحافظة على الصلاة.
ومن أهم مظاهرها ما يلي:
• كثرة الشباب في المساجد أثناء الصلاة.
• اختفاء ظاهرة التجمع في الشوارع أثناء الصلاة.
• الحرص على تكبيرة الإحرام.
• السؤال عن أحكام الصلاة.
• البعد عن الفواحش وحسن الخلق.
• دخول الكثير من الآباء للمسجد بصحبة أبنائهم.
وحتى نرى الكثير من هذه المظاهر هذه بعض البرامج يمكن أن تنفذ فرديا أو من خلال المكاتب الدعوية أو التعاونية أو من خلال المساجد ومجالس الأحياء ومن خلال المدارس. بل من خلال كافة أفراد المجتمع حتى من هؤلاء الشباب أنفسهم. إليكم بعض الأفكار لبرامج متنوعة كل يقوم بجزء منها على حسب قدرته واستطاعته.
1- نادي الحي (والذي يجب أن يستفيد من المرافق الموجودة في الحي لتقديم برامج مختلفة لهؤلاء الشباب)
2- التوعية العامة بشأن الصلاة (محاضرات وندوات و توزيع أشرطة وكتيبان ومطويات. بل وملصقات للحث على أداء الصلاة توضع في أماكن وجود هؤلاء الشباب).
3- استغلال وسائل الإعلام المختلفة و الجماهيرية للتوعية بأهمية الصلاة.
4- تفعيل اهتمام المدارس من خلال برنامج الصلاة في نشاط التوعية. وبرنامج السلوك.
5- جولات دعوية في الأحياء يقوم بها الصالحون بشكل فردي (واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) أو تقوم بها جهات دعوية مثل مندوبيات الأحياء وجماعة المسجد و كذلك مجالس الأحياء. (ويركز فيها على بناء العلاقات والترغيب في الصلاة والحث عليها)
6- تكثير المصليات المتنقلة المجهزة بالماء والفرش وما يحتاج إليه المصلي. وخصوصا في الأماكن التي يتجمع فيها الشباب للعب الكرة.
7- تفعيل دور الأسرة وتوجيه الآباء والأمهات لحث أبنائهم على الصلاة وتشجيعهم عليها.
8- تكثير البرامج الإيمانية في المدارس.
9- تفعيل دور المدارس وخصوصا في مواسم العبادة التي يتأثر بها الكثير من هؤلاء.
10- الاستفادة من الرحلات العامة والموسمية والبرامج العامة للتذكير بالصلاة و أهميتها.
11- وضع ملصقات سهلة النزع للحث على الصلاة على السيارات.
12- تحفيز المحافظين على الصلاة منهم وحثهم على التقدم.
13- إيجاد برامج خاصة بهم في المساجد.
2- تحقيق تعظيم الله في القلوب
ومن أبرز المظاهر في هذه النتيجة
• البعد عن المعاصي.
• المحافظة على الفرائض.
• الاستجابة للتذكير.
• التوقف عن أي نشاط عند سماع الأذان.
• كثرة قراءة القران.
• تعظيم شعائر الله والخشوع.
البرامج العملية لتحقيق هذه النتيجة:
1- تكوين لجان منبثقة من مندوبية الحي أو جماعة المسجد أو مجلس الحي على النحو التالي:
1- لجنة المواعظ 2- لجنة الأمر بالمعروف.
2- تكثيف طرح المواعظ الإيمانية في المجالس والمساجد والمدارس و أماكن تجمع هؤلاء الشباب.
3- نشر الشريط الإسلام مي الذي يتكلم على هذه القضية.
4- إقامة المعارض الإيمانية.
5- إنتاج إعلامي لتعريف الناس بالله وبعظمته.(14/20)
6- إقامة دورات إيمانية لعموم الناس لتعريفهم بالله (في المدارس والمساجد وغيرها) .
7- إيجاد عروض قصصية مؤثرة تتحدث عن (الخلق والتكوين الظواهر الطبيعية إهلاك الأمم السابقة الكون والفلك)
8- عرض الآثار المدمرة لبعض الأمراض.
9- إ قامة المسابقات القرآنية و إيجاد الحوافز المميزة لها.
3- حب الخير و أهله
ومن أبرز المظاهر في هذه النتيجة:
• الإقبال على البرامج الخيرية والدعوية.
• حسن استقبال الصالحين و الدفاع عنهم.
• استشارة واستفتاء الصالحين.
• الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• فعل صنائع المعروف.
• كثرة أصحابهم من أهل الخير.
البرامج العملية لتحقيق هذه النتيجة:
1- عمل دورية شهرية للشباب في كل حي.
2- تقديم دروس التقوية عن طريق المساجد والمندوبيات.
3- إقامة نوادي ترفيهية خاصة بهم أو أنشطة ترفيهية.
4- تقديم المعونات المادية للمحتاجين منهم.
5- احتواء الأنشطة الرياضية في الحواري.
6- تفعيل الأنشطة المدرسية.
7- تفعيل دور المدرسين في التوجيه وإيجاد القدوة الحسنة للطلاب.
8- إقامة دوريات للآباء لتوجيههم في تربية الأبناء.
9- توجيه نشاط دعوي للامهات.
10- تفعيل دور الخطباء في التذكير بحاجات الشباب وخصائصهم.
11- التعامل الحسن من قبل أهل الخير مع هؤلاء الشباب والرفق بهم عند التوجيه والنصح.
12- نشر مسألة أن يمكنك أن تفعل الخير و لو كنت واقعا في المعاصي.
13- إيجاد البدائل الشرعية (مجلة شريط كتاب برامج ترفيه ) .
14- إيجاد برامج للاستماع لمشاكل الشباب وحلها.
15- إظهار يسر الدين وسماحته و بعده عن التعقيد والحرمان بالقدوة العملية.
16- استشارتهم في مشاكل الحي والمدرسة و الاستفادة من أرائهم.
17- الجولات الدعوية على شباب الأرصفة والجلوس معهم.
18- تنظيم دورات عملية تساعدهم على في حياتهم.
19- إنشاء برامج تحقق التكافل الاجتماعي كمساعدة المحتاجين من الطلاب.
3- الحياء وعدم المجاهرة بالمعاصي
ومن أبرز المظاهر في هذه النتيجة:
• قلة المنكرات الظاهرة.
• فعل الطاعات الظاهرة.
• البعد عن خوارم المروءة الظاهرة.
• التخفي بالمعاصي والتردد في فعلها.
• قبول النصيحة وعدم تبرير فعل المعصية.
• قلة ورود الشكوى من المشاكل الأخلاقية.
• قلة وجودهم في أماكن الفساد والأسواق.
البرامج العملية لتحقيق هذه النتيجة:
1- تفعيل دور المسجد في الحد من المعاصي.
2- إيجاد نوادي اجتماعية ورياضية وثقافية.
3- تقوية جانب الحسبة بين الصالحين وبين أهل الحي وبين هؤلاء الشباب أنفسهم.
4- غرس مفهوم الحياء ورفع قيمته من خلال الآباء والمدارس والحلق والمساجد.
5- تفعيل الأنظمة (في المدارس وغيرها) للأخذ على يد المجاهرين.
6- التحفيز والثناء على النماذج الجيدة.
7- التركيز على القصص والنماذج المشرفة من حياة السابقين ممن هم في مثل هذا السن
8- التأكيد على خطر المعاصي والذنوب.
9- مشاركة هؤلاء الشباب ومخالطتهم في بعض برامجهم.
10- تفعيل العلاقات الاجتماعية في الأحياء والتعرف على أبناء الحي و تفعيل العلاقات بين أبناء العائلة الواحدة.
11- التذكير باليوم الأخر.
12- إيجاد بدائل نافعة لأماكن الفساد التي يرتادها هؤلاء (مقاهي الانترنت والأندية الرياضية).
13- إقامة معارض (آثار المعاصي والذنوب....وغيرها).
14- إقامة برامج موسمية (مخيمات مراكز رحلات برامج منوعة) .
15- بناء علاقات ولو بسيطة معهم.
http://saaid.net المصدر:
=============
هل تعرف هذا الإيثار المذموم ؟
هاشم محسن باصرة
قال لي شيخ فاضل وهو دكتور نشيط في الدعوة أدركوا الأخ فلان فقد ترك المنبر والخطابة وكثيراً من مناشط الدعوة ولم يعد يرى إلا في مخططات الأراضي ومكاتب العقار.
قال - تعالى -: (بل تؤثرون الحياة الدنيا، والآخرة خير وأبقى).
إن إيثار الحياة الدنيا هو أساس كل بلوى، فعن هذا الإيثار تنشأ كل خطيئة ومنها الإعراض عن الدعوة إلى الله والقيام بالواجبات الشرعية كالإنفاق في سبيل الله (والذين في أموالهم حق معلوم) آية: 24 سورة المعارج، لأن الدعوة إلى الله تدعوهم أن يبذلوا أموالهم وأنفسهم وأن يحسبوا حساب الآخرة ويؤثروها. وهم يريدون الدنيا، ويؤثرونها، ولذلك يعرضون عنها.
وتسميتها (الدنيا) لا تجيء مصادفة. فهي الواطية الهابطة إلى جانب أنها الدانية العاجلة ولكن هذه الدنيا حينما تبرز مفاتنها للذين لا يغضون قلوبهم عنها تقدم لهم مبررات مقبولة لذلك تعلق، شاب من أبناء الدعوة الإسلامية متزوج وله ذرية، سافر في رحلة عمل إلى المغرب وفي يوم عودته نزل إلى السوق لشراء بعض الهدايا، لمحت عيناه فتاة كما وصفها رائعة الجمال سلبت لبه في لمحه خاطفة، ملك نفسه في تلك اللحظة، ولما دعا للفندق لم يطق صبرا في الإعراض عن تلك الفتنة فأخر سفره ثلاثة أيام كان ينزل فيها كل يوم للسوق لرؤية تلك الفتاة، ولما شعر بالإحراج ودب إليه اليأس من رؤيتها مرة أخرى انصرف.
ماذا تقول في تصرفه ذلك؟
سأصوب إلى شباك قلبك مبرره لذلك التصرف حيث زعم بأنه يريد أن يقابلها ليسألها عن أهلها ويتقدم لخطبتها.
فإن كنت حارساً ماهراً فصد هذه المبررات عن قلبك وإلا فالكرة في مرماك.
(والآخرة خير وأبقى)..خير في نوعها، وأبقى في أمدها.
في ظل إبصار الحقائق القرآنية ومعرفة كيف كانت الحياة الدنيوية لخير البرية يبدو إيثار الدنيا على الآخرة حماقة وسوء تقدير، لا يقدم عليها عاقل بصير.
دخلوا فقراء إلى الدنيا وكما دخلوا منها خرجوا
يا مدعيا لطريقهم أبصر خلقا بك منعوج
وأخيرا هل تعرف الكتب والصحف الإلهية القديمة التي حذرت من هذا الإيثار المذموم؟(14/21)
اكتب الإجابة الصحيحة على صفحة قلبك وخزنها في قرص ذاكرتك لعلك تكون أحد الفائزين يوم لا ينفع مال ولا بنون.
http://www.muslema.com المصدر:
=============
كونوا أنصار الله
محمود المصرى
قال الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ}...فأين كانت هذه النٌصرة مع أن عيسى - عليه السلام - لم يدخل أي حرب ضد الكفار؟... لقد كانت النٌصرة هنا نصرة إيمانية... ?{فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}[الصف: 14].
وهذا درس جليل لشباب الصحوة ليتعلم كل واحد منهم أنه إذا أراد أن ينصر دين الله - عز وجل - فعليه أن يحقق العبودية لله، وأن ينشغل قلبه بطاعة الله - جل وعلا -... وها نحن من خلال تلك الكلمات اليسيرة نتعايش بقلوبنا مع الأنصار - رضي الله عنهم وعن المهاجرين - الذين بذلوا الغالي والنفيس لنٌصرة هذا الدين.
أخي الحبيب: إن الهداية منحة ربانية يقذفها الله في قلب من يشاء من عباده.
فقريش الذين تعايشوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعرفوا صدقه وأمانته، لم يؤمنوا برسالته بل دبروا المؤامرات لقتله... والأنصار الذين رأوا النبي- صلى الله عليه وسلم - وسمعوا منه القرآن لأول مرة ومع ذلك أسلموا بقلوبهم وجوارحهم، وضربوا المثل الأعلى في البذل والعطاء والتضحية والفداء.
ومعالم النٌصرة عند الأنصار كثيرة ولكني سأكتفي بذكر بعضها ألا وهى: الحب واليقين والبذل والتضحية...
* فأما عن الحب فحسبُك أن الواحد منهم كان يتمنى أن يفدى النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه وماله وأولاده، ولذلك فأنا أٌهدى إليكم هذين الموقفين: الموقف الأول يرويه الحاكم بسندٍ صحيح (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة أحد - أرسل زيد بن ثابت يلتمس له سعد بن الربيع رضي الله عنهما - فوجده في الرمق الأخير فقال له: يا سعد إن رسول الله يقول لك: كيف تجدك- أي كيف حالك-؟ فقال: وعلى رسول الله السلام قل له: إني أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم مكروه وفيكم عينٌ تطرف). فهل هناك حب أعظم من هذا؟... بل ارجع أيها الأخ الحبيب واقرأ في غزوة أحد لترى كيف دافعوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى الموت.
* وأما عن اليقين فلقد كان ملازماً لهم منذ أول لحظة دخلوا فيها في هذا الدين العظيم.. كانوا على يقين من نُصرة الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، ولعلك تجد هذا واضحاً في بيعة العقبة الثانية فلقد طلب منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقدموا كل شي لنُصرة دين الله - والثمن الجنة - فبايعوا مع أنهم لم يروا الجنة لكنهم كانوا على يقين من صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا على يقين من أن الله سيجزل لهم العطاء في الدارين لإيمانهم وإخلاصهم ونُصرتهم لدينه - جل وعلا -.
* وأما عن البذل فحدِّث ولا حرج فماذا نقول بعد قول الله - تعالى -: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]... ولعلكم تعلمون هذا الموقف الجليل الذي دار بين عبد الرحمن بن عوف المهاجري وبين سعد بن الربيع الأنصاري عندما أخي النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما فعرض عليه سعد نصف ماله وإحدى زوجتيه وإذا بعبد الرحمن يقول له: بارك الله لك في أهلك ومالك... ولم يكن هذا الموقف فردى فحسب بل كان موقفاً جماعياً من الأنصار لإخوانهم المهاجرين فلقد قاسموهم الثمرة ووضعوهم في عيونهم طلباً لمرضاة الله - عز وجل -.
* وأما عن التضحية فنحن نعلم كيف ضحى الأنصار بكل شي لنُصرة هذا الدين وحسبنا أن نذكر موقف سعد بن معاذ في غزوة بدر لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أشيروا علىَّ أيها الناس ففطن لذلك سعد فقال: فكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل قال سعد: فقد آمنا بك فصدقناك... إلى أخر مقالته التاريخية -.
فكانت النتيجة العادلة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل حُب الأنصار آية من آيات الإيمان فقال: (آية الإيمان حُب الأنصار وآية النفاق بُغض الأنصار) [متفق عليه]، وقال: (من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله) [صحيح الجامع: 5953].
فهل نجد فيكم يا شباب الصحوة أنصاراً لله - عز وجل -... إذن فأجعلوا تلك الآية أمام أعينكم دائماً: {كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ}.
http://www.abu-ammar.com المصدر:
============
قبسات من كتاب الله 1 - 3
الدكتور محمد بن عبدالعزيز المسند
القبس الأوّل: ((إنّهم أناس يتطهّرون)) (الأعراف: 82).
هذا القبس من كتاب الله جاء على لسان قوم لوط. فإنّ لوطاً ـ عليه السلام ـ لمّا نهاهم عن فعل الفاحشة المنكرة، ما كان جوابهم إلا أن قالوا: ((أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)) (لأعراف: من الآية82).(14/22)
وهكذا تصبح العفّة والطهارة في شريعة الطغاة والمنافقين جريمة، يستحقّ صاحبها الطرد والإبعاد والإخراج، !! وهذا هو السرّ في هجوم كثير من المجرمين والمنافقين، على العلماء والدعاة الداعين إلى العفّة والطهارة، واستعداء السلطان عليهم، وهو السرّ أيضاً في هجومهم على الفنانات التائبات المتحجّبات، الهاربات من مستنقعات الفنّ الآسنة النتنة.
وفي دولةٍ غربية، تدّعي التقدّم والرقي والحرية بل العلمانية ساءها أن تضع الطالبات المسلمات الصغيرات، منديلاً على رؤوسهن لستر شعورهن، ولم يهدأ لهم بال حتى أصدروا قراراً بالمنع، خشية انتشار العفةٍ والطهارةٍ والفضيلة.
ولمّا ظهرت قناة المجد الفضائية، والتي تتميز دون سائر القنوات بعدم ظهور النساء، ثارت ثائرة بعض الناس، وسوّدوا بعض الصحف في الطعن في هذه القناة، والتشكيك فيها، وتطرّف بعضهم في صحيفة محليّة، فجعلها أشدّ خطراً من القنوات الماجنة الداعية إلى الرذيلة، وصدق فهي أشدّ خطراً على هؤلاءِ المنافقين والإباحية، حيث إنّها كشفت حقيقتهم، وسحبت البساط من تحت أرجلهم، ولله الحمد والمنّة.
ولعلنا نشهد قريباً ـ بإذن الله ـ ولادة قنوات أخرى، تحذو حذوها، لتضييق الخناق على تلك القنوات الماجنة الفاضحة.
8/2/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
==============
قبسات من كتاب الله 2 - 3
فضيلة الدكتور محمد بن عبد العزيز المسند
القبس الثاني: ((وَ لكن لا تحبّون النَاصِحِين)) [الأعراف: 79].
هذا القبس من القرآن جاء على لسان نبيّ الله صالح - عليه السلام - فإنّه بُعث إلى قومٍ مستكبرين، فلمّا دعاهم إلى الله، وحذّرهم من عقابه احتقروه، واستخفّوا به وبأتباعه الضعفاء، فأرسل الله عليهم صيحةً قطّعت قلوبهم في أجوافهم، عندها قال صالح - عليه السلام - متحسّراً على هلاك قومه: - ((يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)) (لأعراف: من الآية79).
إنّ الناصح المخلص لا يريد من نصحه إلا مصلحة المنصوح، وإيصال الخير إليه، حتّى وإن أخطأ في النصيحة، فكان الأحرى بالمنصوح أن يشكر الناصح، ويعترف له بالجميل، فيبرأ بذلك من الكبر الذي هو سببُ ردّ النصيحة.
أمّا أن يكره الناصح، ويتخذه عدوّاً، فإنّه يكون قد اقتفى أثر القوم المذكورين الذين قال لهم صالح - عليه السلام -: ((وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)).
والمتأمل في واقع المسلمين اليوم، يرى ما وصل إليه الحال من بغض الناصحين المخلصين، وإيذائهم واستباحة أعراضهم، والتشكيك في مقاصدهم ونياتهم، وربما عقائدهم، بل ربما وصل الأمر إلى قتلهم والتخلّص منهم. وفي التاريخ أمثالٌ وشواهد.
والمقصود أنّ الناصح مطلوب منه الصدق في النصيحة، وتحرّي أحسن الأساليب في ذلك، وأرفقها وأرقّها وألطفها.
وعلى المنصوح أن يقبل النصيحة من أي جهة جاءت، ويشكر الناصح، ويحبه ويكرمه إن عرف منه الصدق، وبهذا يكثر الناصحون، وتسود في المجتمع الألفة والمحبّة والنصيحة، وينقطع الطريق على الحاقدين المتربصين.
9/2/1426 هـ
2005-03-20
http://www.islamlight.net المصدر:
============
قبسات من كتاب الله 3 - 3
((وَازْدَادُوا تِسْعاً))
الدكتور محمد بن عبدالعزيز المسند
قال تعالى: ((وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً)) (الكهف: 25).
ذكر المفسّرون في معنى هذه الآية أقوالاً عدّة، أصحّها أنّ السنين التسع الزائدة هي الفارق بين السنين القمرية والسنين الشمسية.
وبيان ذلك أنّ العرب كانوا يحسبون بالسنة القمرية، وهي التي نسميها (الهجرية)، وهي تكون بسير القمر.
وأهل الكتاب كانوا يحسبون بالسنة الشمسية، والتي نسميها اليوم (الميلادية) وهي التي تكون بسير الشمس، ولمّا كان السائل عن أهل الكهف، هم المشركون بإيعازٍ من اليهود، ذكر الله مقدار لبثهم بالسنين الشمسية والقمرية. وإنّ من المعلوم أنّ السنة الشمسية (الميلادية) تزيد على السنة القمرية (الهجرية) بأحد عشر يوماً على وجه التقريب، (وعلى وجه الضبط: عشرة أيام وإحدى وعشرون ساعة وخمس دقائق).
فإذا ضربنا هذا العدد في ثلاث مائةٍ هي مقدار السنين التي لبثوها، كان الناتج: 3300 تقريباً، فإذا قسمنا هذا العدد على عدد أيام السنة الواحدة كان الناتج: تسعة، هي الفارق ما بين ثلاث مائة سنة شمسية وقمرية، وهذا التعبير من بلاغة القرآن الكريم اللفظية والمعنوية.
والله تعالى أعلم
10/2/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
=============
وصايا محب ( 1 ) دليل الذاكرين
بدر بن نادر المشاري
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..أما بعد:ـ
أيها المؤمن الذاكر هنيئاً لك قول الله {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (سورة الأحزاب الآية 35)
فدليلك الوحيان الشريفان الكتاب والسنة
• فهل تريد أن يذكرك الله..؟
(أذكره)
لقوله تعالى{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} (سورة البقرة الآية 152)
• وقال خير الذاكرين - صلى الله عليه وسلم - يروي عن ربه (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم) رواة البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
• هل تريد أن تُجار من الجن والشياطين... ؟
فأقرأ
آية الكرسي {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ... الآية} (سورة البقرة الآية 255)
صحيح الألباني في الترغيب والترهيب (1/273) من قالها حين يصبح أُجير من الجن حتى يمسي ومن قالها حين يمسي أُجير منهم حتى يصبح.(14/23)
• هل تريد أن تكفى من كل شيء... ؟
فاقرأ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ... السورة} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ... السورة} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ... السورة} أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن صحيح (صحيح الجامع 4282) من حديث عبدالله بن خبيب - رضي الله عنه - أنه قال خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي لنا فأدركناه فقال قل فلم أقل شيئاً ثم قال (قل) فلم أقل شيئاً ثم قال (قل فقلت: يا رسول الله ما أقول ـ قال قل هو الله أحد، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء.
• هل تريد أن تدخل الجنة بإذن الله... ؟
فقل (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) رواه البخاري من حديث شداد بن أوس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال سيد الاستغفار ثم ذكر الحديث فقال من قالها موقنا بها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة ـ ومن قالها موقناً بها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة.
• هل تريد أن تعمل بوصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الصباح والمساء... ؟
فقل يا حي يا قيوم برحمتك استغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ـ رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1/545).
صحيح الترغيب والترهيب 10/273 / عن أنس بن مالك قال ـ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا فاطمة قولي إذا أصبحت وإذا أمسيت الحديث وقل أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده وأعوذ بك من شر ما في هذا اليوم وشر ما بعده، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر وفي المساء أمسينا وأمسى الملك لله، وقل (اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور) وفي المساء (اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير) رواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - 0 وقل (اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت، رب أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم ـ رواه الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
أن أبا بكر قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت قال قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك، حديث حسن صحيح (صحيح الجامع 4278).
• هل تريد أن يرضيك الله يوم القيامة بإذنه... ؟
فقل: ((رضيت بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبينا ورسولاً)) ثلاثاً رواه الإمام أحمد 4/337 والترمذي 5/465 وغيرهما وحسنه شيخنا ابن باز - رحمه الله - في تحفة الأخيار ص39 من قالها ثلاث مرات حين يصبح وحين يمسي كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة.
• هل تريد أن يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك... ؟
فقل: ((حسبي الله لا إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)) (سبعاً) ـ أخرجه ابن السني مرفوعاً برقم 71 وأبو داود موثوقاً 4/321 وصحح إسناده شعيب وعبد القادر الأرنؤوط ـ انظر زاد المعاد 2/376 0
(من قالها سبع مرات حين يصبح وحين يمسي كفاه الله - عز وجل - ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة .
• هل تريد أن لا يضرك شيء بأمر الله... ؟
فقل: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) (ثلاث) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح 0
(صحيح الجامع 5621) من حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة الحديث، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات إلا لم يضره شيء .
• هل تريد أن تتعلم أربع كلمات تزن أقوالاً من الذكر كثيرة... ؟
فقل (سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته) (ثلاثاً) ـ أخرجه مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من عند جويرية حين صبح الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال مازلت على الحالة التي فارقتك عليها قالت نعم فقال لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت في اليوم لوزنتهن (ثم ذكر هذا التسبيح)
• هل تريد أن تعتق أربع أنفس أو عشر ويكتب لك مائة حسنة ويمحى عنك مائة سيئة... ؟
فقل (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، عشر مرات أو مائة مره متفق على صحته من حديث أبي أيوب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من قال حين يصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كمن أعتق أربع أنفس من ولد إسماعيل.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من قال لا إله إلا الله وحدة لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه.
• هل تريد أن تغفر ذنوبك... ؟(14/24)
فقل (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ـ مائة مرة ـ صحيح الترمذي 33/182 من حديث زيد مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال سمعت أبي يحدثه عن جدي أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه وان كان فر من الزحف.
• هل تريد أن تكون ممن تدركه شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة... ؟
فقل (اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد (عشراً) ـ حسَّن إسناده الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/273، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (من صلى علي حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفا عتي يوم القيامة)
أخي الذاكر: هذا دليلك فحافظ عليه فإن فيه الخير لك في الدارين الأولى والآخرة.
أذكار دبر كل صلاة
1. استغفر الله 3 مرات.
2. اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
3. لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
4. لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
5. سبحان الله (33 مرة) والحمد الله (33 مرة) والله أكبر (33 مرة) وتمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
6. قراءة المعوذتين {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ... السورة} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ... السورة}. {وقل هو الله أحد..... }
مرة واحدة وبعد صلاة الفجر والمغرب ثلاث مرات.
7. قراءة آية الكرسي.
برامج إيمانية:
يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
1. ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل (مسلم)
2. وقال - صلى الله عليه وسلم - أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (مسلم)
3. وقال - صلى الله عليه وسلم - (من طاف بالبيت سبعاً وصلى ركعتين كان كعتق رقبة (ابن ماجه)
4. من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه دخول الجنة إلا أن يموت (النسائي)
5. قال - صلى الله عليه وسلم - من صام يوم عرفة غفر الله له سنتين، سنه أمامه وسنه خلفه (ابن ماجه)
6. قال - صلى الله عليه وسلم - ما من عبد يصلي لله - تعالى -كل يوم اثنتي عشر ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة (مسلم).
7. من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر (متفق عليه 0
8. من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة (رواه الترمذي)
9. من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار (الترمذي)
10. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال أوصاني - صلى الله عليه وسلم - بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد ـ متفق عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
20/12/1424هـ
http://www.saaid.net المصدر:
=============
إذا تيقن أن أمره ونهيه لا يفيد .. فهل يأمر وينهى ؟!
سليمان بن صالح الخراشي
هذا ملخص مفيد ذكره الشيخ مشهور - حفظه الله - في تحقيقه لكتاب " الإنجاد في أبواب الجهاد " لابن المناصف (1 /15-17)؛ لمسألة مهمة تتردد بين الحين والآخر؛ فقال:
(اختلف العلماء فيما إذا كان القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متأكداً من عدم التأثير؛ أو إن أمره ونهيه لا يفيد، ولا يعود بطائل، على قولين:
الأول: لا يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الحالة، وهو قول أبي حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (2/280)، إذ قال - رحمه الله - تعالى-: "... أن يعلم أنه لا يفيد إنكاره، ولكنه لا يخاف، فلا تجب عليه الحسبة، لعدم فائدتها، ولكن تستحب لإظهار شعائر الإسلام، وتذكير الناس بأمر الدين"، وهو اختيار عز الدين عبد اللطيف بن عبد العزيز المعروف بابن ملك (ت797هـ) في "مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار" (1/50) حيث قال: "وأما النهي عن المنكر فلوجوبه شرائط منها: أن يغلب على ظنه أن نهيه مؤثر لا عبث"، وإليه مال التفتازاني في "شرح المقاصد" (2/281)، بقوله وهو يتحدث عن شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "منها تجويز التأثير، بأن لا يعلم عدم التأثير قطعاً، لئلا يكون عبثاً واشتغالاً بما لا يعني، فإن قيل: يجب، وإن لم يؤثر، إعزازاً للدين، قلنا: ربما يكون إذلالاً".
الثاني: ويرى بعض العلماء أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجب في هذه الحالة، وهذا رواية عن الإمام أحمد، وصححه أبو يعلى، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وعزاه ابن رجب إلى أكثر العلماء، كما في "لوامع الأنوار البهية" (2/435)، وهو اختيار المصنف.
يقول الإمام النووي - رحمه الله - تعالى- في "شرح صحيح مسلم" (2/23): "قال العلماء: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول، وكما قال الله - عز وجل -: ?ما على الرسول إلا البلاغ? [المائدة: 99]".
والذي أراه راجحاً في هذه المسألة القول الثاني؛ لما يلي:(14/25)
أولاً: إذا جرى الحديث عن تأثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو عدم تأثيره، أريد به ظهور المعروف حينما أمر به، وانتفاء المنكر حينما نهى عنه، وبالعكس، ولكن لننظر في الأمر من وجهة نظر أخرى، وهي أن المسلم ولو لم يؤثر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تأثيراً عاجلاً- لابد أن يتأثر في شعوره إلى حد ما، ومن الممكن أن يصير هذا التأثير، سبباً لفعله المعروف، وتركه المنكر فيما بعد، ومن هذه الناحية درس الإمام محمد بن الحسن الشيباني في "شرح السير الكبير" (3/239-240)، نفسيَّة الأمة المسلمة، مراعاة كاملة، فقال: "وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسعه الإقدام، وإن كان يعلم أن القوم يقتلونه، وأنه لا يتفرق جمعهم بسببه؛ لأن القوم هناك مسلمون، معتقدون لما يأمرهم به، فلابد من أن فعله ينكئ في قلوبهم، وإن كانوا لا يظهرون ذلك".
ثانياً: إذا أهمل السعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة عدم جدواه، تقطعت أسباب الرجاء عن الإصلاح، وهلك المجتمع كله.
ثالثاً: لا يصح بناء الحكم الفقهي على (التأثير) و(عدمه) فنقول: يجب الأمر بالمعروف عند حصول التأثير والإفادة، والعكس بالعكس؛ لأن التأثير وعدمه أمر غير ظاهر وغير منضبط، فكم من مأمور بالمعروف يُرجى فيه الخير ومنهي عن المنكر لا يرجى فيه ذلك، ولا يستجيب الأول ويستجيب الثاني.
رابعاً: إن صح القول الأول فيحمل على أن العامة عليهم أن يحافظوا على دينهم وإيمانهم، ولا يصح أن يلقى عليهم أعباء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن الخاصة منهم أيضاً- إن لم يتقدموا إلى ذلك ظلموا أنفسهم وقدراتهم وإمكاناتهم.
وانظر بسطاً للمسألة في: "أحكام القرآن" (2/797)، و"مختصر الفتاوى المصرية" (58)، و"اقتضاء الصراط المستقيم" (1/148، 149)، و"طبقات الحنابلة" (2/280)، و"الآداب الشرعية" (1/178)، و"نصاب الاحتساب" (313)، و"أضواء البيان" (1/175)، و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (ص: 157 وما بعدها) لجلال العمري، و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وواقع المسلمين اليوم" (ص: 103 وما بعدها) لصالح الدرويش، و"الأمر بالمعروف" لعبد الرحمن المقيط (ص50)، و"الأمر بالمعروف" (ص386) لخالد السبت، و"الجواب الأبهر لمن سأل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (ص57-61)، و"أصول الدعوة" (190، 312) لعبد الكريم زيدان. ).
----
تنبيه متعلق بالكتاب السابق: ذكر ابن المناصف حالات الجهاد؛ وأنها لا تخرج عن ثلاث حالات - كما هو التقسيم المشهور -: 1 - أن يكون فرض عين.. 2- فرض كفاية.. 3- نافلة..
فعلق الشيخ مشهور في الهامش: (بقيت حالة رابعة؛ وهي مهمة جدا، وهي تخص نوازل الجهاد في هذا الزمان، فقد تقع وستجدّ (هكذا ولعلها تستجد) ملابسات، ما كانت في حسبان فقهائنا الأقدمين؛ تؤثر على الحكم العيني أو الكفائي.... الخ ما ذكر). (1/42-50).
ولم يتبين لي ما يقصد بهذه الحال الرابعة؟
وفي ظني أن في تكثير الحالات فتحًا لباب مخالفة النصوص أو الإجماع؛ دون أن نشعر.
وكان الأولى في نظري أن يبقي الشيخ على تقسيم الفقهاء ولا يزيد عليه أحوالا متخيلة؛ ثم ينبه إلى أن الحكم على كل واقعة منوط بالعلماء؛ حتى يبينوا أهي من الجهاد العيني أو الكفائي؟ أفي الجهر والمواجهة مصالح أو تغلب المفاسد؟... الخ
هذا - في نظري - أسلم وأحكم.
وفق الله الشيخ مشهورًا؛ فتحقيقاته وكتاباته - وإن خولف في بعضها - تنبئ عن رجل جادّ محقق، ولا تخلو من تفرد وتميز.
والله الهادي..
http://www.saaid.net المصدر:
==============
دعوة إلى تأصيل المصطلحات السياسية ( 1 ـ 2 )
محمد بن شاكر الشريف
المعارضة السياسية بما تحمله من مضمون تنافسي ـ بين جماعات سياسية منظمة لها تصورها الخاص في كيفية سياسة المجتمع وإدارته ـ للوصول إلى السلطة عبر برامج معدة سلفاً، أو التأثير فيها عند عدم القدرة على الوصول إليها، مصطلح حديث نسبياً؛ إذ لا يتجاوز ظهوره في العالم قرنين من الزمان، ويجمل بنا أن نتعرف على المعنى اللغوي لكلمة المعارضة؛ فمادة عَرَضَ التي ترجع إليها تلك الكلمة لها عدة معانٍ، والذي يتعلق بموضوعنا من ذلك مما جاء في لغة العرب أمور ثلاثة:
أحدها: المقابلة بين شيئين أو عدة أشياء لتبين مدى الاتفاق أو الاختلاف بينها؛ فمن ذلك قولهم: عَارَضَ الشيءَ بالشيءِ مُعَارضةً: قابَلَه، وعارَضْتُ كتابي بكتابه أَي قابلته، وفي الحديث: إِن جبريل - عليه السلام - كان يُعارِضُ النبي - صلى الله عليه وسلم - القُرآنَ في كل سنة مرة وإنه عارضَه العامَ الذي توفي فيه مرتين(1)، قال ابن الأَثير: أَي كان يُدارِسُه جمِيعَ ما نزل من القرآن من المُعارَضَةِ المُقابلة.
الثاني: المسابقة والتنافس والمباراة، ومن ذلك قولهم: فلان يُعارضُني أَي يُباريني، وعارَضَه في السير: سار حِياله وحاذاه، وعارضه بمثل ما صنع: أي أتى إليه بمثل ما أتى، وفلان يُباري الريحَ سَخاءً، وفلان يُباري فلاناً أَي يعارضه ويفعل مثل فعله، وهما يَتَبارَيانِ إِذا صنع كل واحد مثل ما صنع صاحبه، وفي الحديث: نهى عن طعام المُتَبارِيَيْنِ أَن يؤكل(2)، هما المتعارضان بفعلهما ليُعَجِّزَ أَحدُهما الآخَر بصنيعه، وإِنما كرهه لما فيه من المباهاة والرياء، ومنه شعر حسان بن ثابت - رضي الله عنه - :
يُبارِينَ الأَعِنَّةَ مُصْعِداتٍ على أَكْتافِها الأَسَلُ الظِّماءُ
المُباراة: المُجاراة والمسابقة أَي يُعارِضْنَها في الجَذْب لقوة نفوسها وقوة رؤوسها وعَلْكِ حَدائدها، ويجوز أَن يريد مُشابَهَتَها لها في اللِّين وسُرعة الانقياد.(14/26)
الثالث: المنع والاعتراض، ومن ذلك قولهم: كل مانِعٍ مَنَعَك من شغل وغيره من الأَمراضِ، فهو عارِضٌ، وقد عَرَضَ عارِضٌ أَي حال حائلٌ ومَنَعَ مانِعٌ ويقال: اعتَرَضَ الشيءُ دون الشيء أَي حال دونه واعْتَرَضَ فلان فلاناً أي وقع فيه وعَارَضهُ أي جانبه وعدل عنه(3)؛ فالمعارضة تعني الاعتراض والممانعة الناتجة عن اتضاح الرؤية من المقابلة والموازنة بين الأمور، أو الناتجة عن التنافس والتسابق، وهذه المعارضة منها ما هو ممدوح ومنها ما هو مذموم.وقد كثر استخدام لفظ معارضة في كلام أهل العلم بمعنى المخالفة والاعتراض والممانعة، فيقولون مثلاً: هذه الرواية ليست مُعارَضة بتلك، ورواية فلان مُعارَضة برواية فلان، وقد اعتُرِض على هذا الاستدلال وهذه مُعارَضة صحيحة، ولا تجوز مُعارَضة الخبر الصحيح بالأخبار الضعيفة، وهذا نص صحيح صريح سالم من المُعارَضة، ومثل هذا كثير في كلامهم؛ فليس لها استخدام عندهم يزيد عن المعنى اللغوي من غير أن يكون لذلك اللفظ دلالة اصطلاحية، حتى إن الماوردي - رحمه الله تعالى - عندما استخدم ذلك اللفظ في الأحكام السلطانية لم يخرج في استخدامه له عن حد معناه اللغوي، فقال الماوردي بعدما تحدث عن شروط الإمام: (فعلى كافة الأمة تفويض الأمور العامة إليه من غير افتيات عليه ولا مُعارَضة له ليقوم بما وكل إليه من وجوه المصالح وتدبير الأعمال)(4)، وقال عندما تكلم عن اختصاص بعض الوزراء وما يكلفهم به الخليفة: (يكون تقليد كل واحد منهما مقصوراً على ما خص به، وليس له مُعارَضة الآخر في نظره وعمله)(5)، فالمُعارَضة هنا تعني الاعتراض عليه فيما يقول، ومخالفته فيما يذهب إليه، والامتناع من الإقرار له أو الخضوع والطاعة، وسبب المعارضة بمعنى الاعتراض والمخالفة والامتناع راجع إلى التباين في الآراء والتصورات، وذلك يرجع من المنظور الشرعي لعدة أمور؛ فمن ذلك: عدم الإقرار لأحد من البشر غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعصمة؛ فكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك، ومنه: ليس أحد من الناس قوله ملزم بمجرده إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومنه: عدم انحصار القدرة على معرفة الصواب في أناس معينين أو محددين، ومنه: الاشتراك في مسؤولية إدراك الحق والعمل به والدعوة إليه، ومنه: اختلاف ملكات الناس وقدراتهم في الفهم والاستنباط، ومنه: أداء الأمانة في تبليغ الحق وعدم كتمان العلم، ومنه: عدم إمكانية الإجماع في كل رأي.
كما قد يكون من أسباب المعارضة التنافس بين الناس؛ فكل ذلك وما جرى مجراه يكون داعية للاختلاف والتباين والممانعة والاعتراض والمعارضة، لكن هذا كله لم يجعل من تلك اللفظة مصطلحاً فقهياً أو سياسياً في لغة أهل العلم يخرج عن حد معناها اللغوي، والمضمون الذي يريده بعض الناس من استخدام هذه اللفظة كاصطلاح، موجود على وضع أفضل وأدق منها في ألفاظ الشريعة؛ وذلك في ألفاظ مثل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصيحة، والشورى، ولا شك أن ذلك الاستخدام هو الأوْلى والأفضل بل الصحيح؛ إذ إن لفظ المعارضة لفظ محايد، لا يدل على ما إذا كانت المعارضة أو الاعتراض على أمر باطل أو على أمر حق؛ فكله يطلق عليه معارضة؛ فهو لا يحمل بمقتضى لفظه قيمة تحمد أو تذم، وهذا بعكس الأمر بالمعروف فإنه لا يكون إلا بأمر تعرفه الشريعة وتقره وتدعو إليه. والنهي عن المنكر لا يكون إلا عن أمر تنكره الشريعة وتحض على تركه. والنصيحة تعم الأمرين: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالمعروف ينصح بالدعوة إليه والحض على فعله، والمنكر ينصح ببيان نكارته والحض على تركه، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة المتعلقة بكليهما والشورى كل ذلك يحمل في طياته المعنى الحسن من المعارضة أو الاعتراض أو الممانعة؛ فهو يخلو من المعنى الفاسد كمعارضة الحق والخير، وليست هذه مجرد مفارقة شكلية أو مماحكة لفظية يمكن التغاضي عنها؛ إذ إن الأسماء والألفاظ لها تأثير في التعامل مع ما تدل عليه من المعاني، ولذلك جاء توجيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه عندما كان الأعراب يسمون العشاء العتمة لكونهم يعتِّمون بحلاب الإبل أي يؤخرونه إلى شدة الظلام، فقال لهم: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء؛ فإنها في كتاب الله العشاء، وإنها تعتم بحلاب الإبل»(1)، فنهاهم عن استعمال ما تستعمله الأعراب في الدلالة على وقت العشاء، مع أن الوقت الذي يشير إليه الأعراب بهذه التسمية هو وقت صحيح للعشاء؛ وذلك لئلا تغلب السنة الجاهلية على السنة الإسلامية. وهذا يدلنا على أن علينا أن نعض بالنواجذ على ألفاظنا ومصطلحاتنا الإسلامية لا نبتغي بها بدلاً، ولا نستبدل بها شيئاً مما يُتداول اليوم في سوق الألفاظ والمصطلحات؛ الجري وراء المصطلحات الوافدة والاغترار باستخدامها سوف يوقعنا في أسرها وأسر مدلولاتها؛ بحيث لا نملك الانعتاق منها ومما يتعلق أو يرتبط بها؛ لأن اللفظ إذا كان مستورَداً فإنه يأتي ومعه معناه وشروحه وحواشيه، ولا يأتي مصطلحاً فارغاً من المضمون؛ فإذا حدث اختلاف في شيء يتعلق بذاك المصطلح فإن الاحتكام يكون لتلك المعاني والشروح والحواشي؛ لأنه لا تفسير له إلا هناك، وهذا واضح بيِّن في مسلك الآخذين بتلك المصطلحات؛ فإنهم ينزعون في الاستدلال على مخالفهم في صحة طرحهم وآرائهم بما قاله أرباب هذه المصطلحات، مما تتحول معه تلك المصطلحات في نهاية الأمر أن تكون عربية الحروف والمظهر، أعجمية المعاني والمخبر.(14/27)
وعلى ذلك فإن التحذير من ضرر استخدام المصطلحات الغريبة على شريعتنا وثقافتنا لا يمثل موقفاً انعزالياً أو تقوقعاً وانكفاء على الذات، وبُعداً عن التفاعل مع العالم من حولنا، وإنما يمثل موقفاً محافظاً على مقومات الأمة وخصائصها ألا تذوب في غيرها؛ فإن تلك المصطلحات محمَّلة بدلالاتها الخاصة بها التي تكونت عبر أجيال عدة، وخبرات متطاولة في بيئة غير إسلامية، وهي بالطبع بيئة مناقضة لبيئتنا؛ على أن هناك من يظن إمكانية استعمال هذه المصطلحات واستخدامها بعد تفريغها من المضمون المخالف لشريعتنا وتعبئتها بمضمون صالح يوافق شرعنا ولا يخالفه، وهذا في الحقيقة يعد غفلة عظيمة، كما يمثل في الوقت نفسه اعترافاً بسمو تلك المصطلحات وعمومها وصلاحيتها، وقبولاً بسيادة تلك المصطلحات على مصطلحاتنا، وفي المقابل يمثل اعترافاً بعجز ثقافتنا أن يكون لديها المصطلحات الخاصة بها التي تدل على المضمون الذي نريده، ثم إن هذا التصرف سينتهي ـ ولا بد ـ إلى قبول المصطلح بكل شروحه وحواشيه؛ لأن عملية التفريغ ثم التعبئة هي في الحقيقة عملية غير ممكنة بل هي وهم كبير، وحتى إذا أمكن القيام بذلك فما جدوى الإتيان بمصطلح ذي مضمون نابع من بيئة مناقضة لبيئتنا فنفرغه من مضمونه، ونملؤه بمضمون مناسب لنا؟ ألا يمثل هذا تبعية شديدة لهذا المصطلح؟ وكيف يمكن لنا أن نتحرر من الفكر الغربي ونحن نسلك هذا السلوك ونقدم مصطلحاته على مصطلحاتنا؟
لقد مثَّل استخدام تلك المصطلحات الوافدة كالديمقراطية والاشتراكية والمعارضة والليبرالية وغيرها في العقود الماضية، جناية عظيمة على الأمة في عقيدتها وشريعتها وثقافتها، ولم تفلح أية محاولة من محاولات التفريغ والتعبئة أو الطلاء بقشرة إسلامية أن تنتزع تلك المصطلحات من مضمونها، وقد كان هذا المسلك أحد العوامل المهمة التي ساهمت في إحداث قطيعة مع تراثنا الحقيقي، كما حالت دون أي عملية تجديد أو إصلاح حقيقية؛ مما ترتب عليه نشوء أجيال من المثقفين أو ممن يشار إليهم على أنهم نخبة أو صفوة المجتمع لا تعرف من دينها في الجانب السياسي أو الاقتصادي إلا ما كان مستجلباً من الفكر الغربي، وقد أحدث ذلك التصرف شقة عميقة بين تلك الأجيال وبين معرفة دينها معرفة صحيحة خاصة في تلك الجوانب، حتى أصبح من الصعوبة بمكان التغلب عليها إلا ببذل جهد مضاعف في سبيل ذلك.
إن من الأمور الغريبة أن تجد من يريد إدخال مصطلح المعارضة بمعناه الغربي في جسم أو ضمن نسيج النظام السياسي الإسلامي يحتج بأن هذه اللفظة عربية، وكأنه نسي أو جهل أن هذه اللفظة العربية لا تستخدم الآن حسب استخدامها العربي المعروف، وهم يحتجون على صواب إدخال تلك المفردة في المصطلحات السياسية الإسلامية بالنصوص الشرعية التي تتحدث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحض على النصيحة والدعوة إلى الشورى، ولكن عندما يأخذون في الحديث عن المعارضة وتفصيلاتها، تجدهم يتحدثون عنها على نحو ما هو موجود في الفكر الغربي، فكأن هذه النصوص لم يلجأ إليها في الواقع إلا لتكون مجرد وسيلة للعبور عليها إلى قبول فكرة المعارضة، وإذا أعوزتهم الحجة التاريخية على أن يجدوا في التاريخ الإسلامي ما يدعم نظرتهم إلى مصطلح المعارضة، يمموا وجوههم شطر الفرق المذمومة التي جاء ذمها في النصوص الشرعية كالخوارج والشيعة وأضرابهم، وجعلوها سنداً تاريخياً على معرفة المسلمين بالمعارضة واستعمالهم لها، وهذا من أعجب الاستدلال؛ حيث يستدل على صواب المعارضة بسلوك من ذمتهم النصوص من أجل سلوكهم هذا، وكان حقه أن يستدل بذلك على فساد المعارضة لا على أنها ظاهرة صحية.
* ظاهرة المعارضة في السلوك الإنساني:
الاعتراض أو المعارضة، والاختلاف أو المخالفة؛ ظاهرة إنسانية من لوازم المجتمع الإنساني؛ فحيثما وجد الإنسان في جماعة فلا يخلو ذلك الاجتماع من تباين وجهات النظر تجاه كثير من الأمور التي ينظر إليها على أنها من المضار أو من المصالح، وما يترتب على ذلك من تعارض الإرادات في السعي لجلب ما يُظن مصلحته، أو العمل لكف ما يُنظر إليه على أنه من المضار؛ لذلك فلا يمكن أن تتحقق مصالح بني آدم عند اجتماعهم إلا من خلال نظام صالح يحقق المصالح ويدفع المضار، ولا يتأتى ذلك إلا في ظل وجود القواعد المنظمة لذلك، والتي لا تؤدي وظيفتها ودورها إلا إذا كانت ملزِمة باتباعها وعدم الخروج عليها، ومن لازم ذلك القدرة على مجازاة المخالف وإجباره على التقيد بتلك القواعد الصالحة، وهذا كله لا يتم إلا في وجود سلطة آمرة ناهية ملزِمة، قادرة على إنفاذ إرادتها على المجتمع الإنساني.
ويمكننا أن نستخلص من هذا العرض المطول لتلك الظاهرة عدة حقائق إنسانية؛ فمن ذلك: أن الإنسان له إرادة خاصة به وهو لا يحب أن يُكرَه أو يُجبَر على أن يرى ما لا يرى، أو أن يختار ما لا يختار، وأن الإنسان له رغبة في تحصيل المنافع والمصالح والسعي في سبيل المحافظة عليها، كما أن له رغبة في دفع المفاسد والمضار والعمل على تقليلها إلى أقصى حد ممكن، وأنه لا يوجد اتفاق كامل في التصورات المتعلقة بالنظر إلى المصالح والمفاسد، ومن ثم عدم اتفاق الإرادات في العمل لجلب المصالح ودفع المفاسد، وهذه ولا شك إشكالية تحتاج إلى حل، وقد حاولت التجمعات الإنسانية المتعددة والمتباينة على مدى الزمن حلَّ ذلك انطلاقاً من ثقافتها وحضارتها وظروف بيئتها، وقد تنوعت تلك الحلول واختلفت باختلاف الزمان والمكان.
* الحل الغربي المعاصر:(14/28)
يقوم الحل الغربي على قبول الواقع كما هو، والخضوع له عن طريق التقنين له، بدلاً من محاولة إصلاحه وتقويم اعوجاجه؛ فقدم في سبيل ذلك فكرة الحرية المطلقة من كل قيد: في التصورات، والاعتقادات، والإرادات، ولم يستثن من ذلك كله إلا ما كان فيه ضرر يعود على الآخرين. وانطلاقاً من فكرة الحرية المطلقة فإنه يحق لكل أحد أن يبني عالمه الخاص به، النابع من داخله هو؛ أي من تصوراته الشخصية دون أية قيود خارجية سواء كانت من الدين أو من عادات المجتمع ومواضعاته أو أي شيء آخر. ولا يلزم للاعتراف بهذه الرؤية سوى أن تكون بإرادته من غير إجبار، كما لا يلزم لإقرارها بصورة نظامية في المجتمع سوى كثرة أعداد القائلين بها حتى يكونوا أكثر من المخالفين لها، ومن لازم ذلك فإنه يحق لكل أحد أن يعترض على أي شيء في المجتمع إذا سلك الطريق النظامي المقرر في الاعتراض، ويحق له أن يظل على اعتراضه ويصر عليه بل ويدعو إليه، حتى لو كان ما يذهب إليه خطأ وضلالاً تماماً، ويخالف أعراف المجتمع ومواضعاته، ما دام أنه لا يستعمل في الدعوة إليه سوى الوسائل السلمية، ولا يتجاوز ذلك إلى الوسائل العنيفة لإكراه الآخرين عليها. ومن الممكن أن يتحول هذا الخطأ والضلال إلى حق وصواب، إذا تمكن الداعي إليه من استقطاب الأغلبية المطلوبة التي توافقه وتقبل دعوته، ومن ثم يصير رأياً وجيهاً يُعمل به ويُحتكم إليه؛ فالصواب والخطأ في التصورات والأفكار والاعتقادات لا يأتي في ذلك الحل من أمر خارج عنها، وإنما يأتي من داخلها نفسها حسب قناعات الأفراد، وترتب على ذلك أن نشأ في الفكر السياسي الغربي ما يُعرف اليوم على أنه (المعارضة) التي تعني تمايز المجتمع وانقسامه حول بعض الاختيارات أو المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتباينة، ثم تنضوي كل فئة من الناس تحت الخيار الذي يناسبها، ويسعى كل فريق بعد ذلك من أجل الوصول إلى سدة الحكم ليفرض رؤيته الخاصة في جلب المصالح ودفع المفاسد، دونما تقيد أو ارتباط برؤية الآخرين المخالفة أو تصوراتهم، على أساس أن وصولهم للحكم عن طريق اختيار الناس لهم يعني قبول منهجهم، وإلا لما اختارهم الناس(1).
فبدلاً من السعي نحو إيجاد جمهرة عظيمة من الأفكار والتصورات يلتقي حولها الناس، حل محله تقسيم الناس وتوزيعهم حول عدة محاور متناقضة؛ مع تكريس ذلك التناقض عن طريق تنظيمه ووضع القواعد التي تضبطه. وبدلاً من تقديم فكرة التعاون على البر والتقوى، وجمع الكلمة على فعل الخير، ودفع الشر في ظل توافق عام أو أغلبي على تحديد المصالح والمفاسد، قُدِّمَ بدلاً منها فكرة التنافس والتصارع للوصول إلى سدة الحكم ليفرض الفريق الفائز رؤيته لتلك الأمور. فالقضية بدأت في أولها بالحرية المطلقة من أية قيود، ثم انقلبت في نهاية الأمر بفرض رؤية الأغلبية وإرادتها على الأقلية، وبهذا ينقسم المجتمع إلى: حكومة، ومعارضة: الحكومة تقول وتفعل ما تشاء استناداً إلى ما تدعيه من التفويض الممنوح لها، والمعارضة تعارض الحكومة وتقدم رؤيتها من أجل إقناع الناس للوصول إلى الحكم، وإزاحة الحكومة وتحويلها إلى معارضة وتقوم هي بالدور نفسه الذي كانت تقوم به الحكومة.
فالعلاقة القائمة بين الحكومة وبين ما يُدْعَى بالمعارضة في هذا الفكر السياسي علاقة الترصد والتنافس لا علاقة التعاون والتعاضد من أجل خير المجتمع(2)، والهدف من ذلك الوصول إلى كرسي الحكم وليس ابتغاء وجه الله طلباً للأجر والمثوبة منه، أو السعي للإصلاح. ولا شك أن الفكرة القائلة بأن كسب الأغلبية(3) الموصلة للحكم تعطي الحق في فرض الآراء والتصورات وصوغها قوانين ملزمة تُفرَض بالقوة على الجميع، تدفع المتنافسين في سبيل الوصول إلى الحكم للوقوع في تجاوزات كثيرة لا يمكن قبولها تحت أي مسوِّغ؛ فهناك التزوير، وهناك الرشوة المباشرة وغير المباشرة، وهناك التلاعب بالبيانات وشراء الذمم؛ بحيث لم يقتصر ذلك على مجتمع يقال عنه مجتمع متخلف، بل أصبح ذلك سمة في المجتمعات جميعها المتقدمة والمتخلفة منها على السواء، وإن كانت النسب بلا شك تتفاوت من دولة إلى أخرى؛ وهذا الحل غير مقبول إسلامياً؛ لأنه حل في حقيقته يقوم على الانفلات الكامل في الأفكار والعقائد والتصورات بزعم الحرية، ويترتب عليه أمور أيضاً غير مقبولة إسلامياً: كتفرقة الأمة وتجزئتها وتحويلها إلى فئات متناحرة، والسعي في طلب الحكم الذي يقوم على تزكية النفس وترصُّد الآخرين والبحث عن زلاتهم.
* الحل الإسلامي:
وقد قام الحل الإسلامي على عدة أسس: ففي جانب عدم اتفاق التصورات وتعارض الإرادات؛ فذلك حله في الرجوع إلى الأحكام الشرعية والتقيد بها من جميع المسلمين بلا فرق بين أحد منهم، وما كان من الأمور التي لا يوجد فيها النص الملزم؛ فإن ذلك يتم عن طريق الاجتهاد القائم على ضوابط معلومة في بذل الجهد للتعرف على الحكم الذي يوافق الأحكام الشرعية، في جو من التناصح والتشاور، وأما السعي في تحصيل المنافع والمصالح؛ فذلك حله في الأحكام المتعلقة بالأمر بالمعروف، وكذلك السعي في دفع المفاسد والمضار؛ فذلك حله موجود في الأحكام المتعلقة بالنهي عن المنكر. ومن هنا فإن الحل الإسلامي راعى الواقع من غير أن يستسلم له، أو يخضع لظروفه المتقلبة، بل عمل على قيادته وإصلاحه.
* آليات الحل الإسلامي:(14/29)
النظرة الإسلامية في سياسة الدنيا قائمة على أن الجميع عباد الله، وهم على حد سواء في هذه العبودية بلا امتيازات بينهم، وأن العباد مستخلَفون في هذه الأرض، وأن الجميع يشتركون في تحمل مسؤولية قبول الحق وأمانة تبليغه، وأمانة السعي في سبيل إقراره وتحمل الشدائد في مواجهة من يعارضه أو يقف في سبيله، والقيام بعمارة الأرض وإصلاحها وكف الفساد عنها؛ فليس هذا الهَمُّ هَمَّ مجموعة معينة من الناس، بينما يبقى المجموع الباقي وكأنهم أُجَرَاء، ليس لهم إلا الأجر في مقابل الطاعة فيما يُكلَّفون به من عمل، أو كأنهم عابرو سبيل ليس لهم من الحقوق إلا ما يتمتع به عابر السبيل، بل الكل شركاء ومتضامنون في جلب المصالح (الدينية والدنيوية) وكذلك دفع المفاسد (الدينية والدنيوية)، ولذلك لا يجوز تهميش الرعية أو أغلبيتها بدعوى أن ذلك ليس من شأنها، بل ينبغي أن تمكَّن الرعية من كل حق أعطته الشريعة لهم؛ إذ هذا شرط الفلاح في الدنيا والنجاة في الآخرة، إذ بمثل هذه المشاركة يشعر المسلم بانتمائه الحقيقي لدار الإسلام مما يستنهض همته للسعي في خيرها، والدفاع عنها عندما يَدْهم الأعداء بلاد المسلمين، أو تدلَهِمُّ الخطوب، وإذا كنا لا نستطيع أن نغطي في هذا المقال الموجز الحديث عن الآليات المتبعة في الحل الإسلامي لتحقيق ذلك فإنه يكفينا في ذلك أن نقدم حديثاً موجزاً عن ذلك، فمن تلك الآليات: المتابعة والمراقبة: إذ الكل شريك والكل مسؤول، وهذا يستوجب أن يحرص كل أحد على المتابعة والمراقبة حتى لا يحدث خرق في اتجاه لا يشعر به أحد، فيكون فيه الهلاك، ولهذه المتابعة والمراقبة دواعي منها: أن الإيمان يزيد وينقص، والشيطان يتربص بالإنسان يلتمس منه غرة، وأن الأمة مسئولة عن المحافظة على الدين والدنيا، وأن الرؤية الصحيحة قد تغيب عن بعضهم بسبب عوامل كثيرة، وهذه المتابعة والمراقبة ليست على سبيل التخوين أو الشك، وإنما ضماناً لحسن سير الأمة وانتظامها في طريقها المستقيم من غير اعوجاج، وحتى إذا حدث اعوجاج أو بُعد عن المنهاج أمكن الرد إلى الطريق المستقيم من قريب. والفرق بين مراقبة الشك والتخوين، ومراقبة ضمان الانتظام وحسن السير: أن الأولى تعتمد على الشك والارتياب، وتغليب الظنون على اليقين والظاهر، والتماس المعايب والأخطاء، بينما الثانية تعتمد الحقائق وتغلِّب اليقين على الظنون، والسعي إلى الإصلاح، وكذلك تستند إلى الظاهر وتقبل المسوِّغات من غير تعنت أو غفلة، تحدوها في ذلك الرغبة في الحفاظ على مصلحة الأمة، والمتابعة والمراقبة قد يتلوها الإشادة والتأييد عند استقامة الأمور وسيرها في مجراها الطبيعي، كما قد يتلوها الإنكار عند خروج الأمر عن طريقه المستقيم حتى يصل التصرف إلى حد العصيان أو مقاومة الطغيان، والإنكار هنا له درجاته المتعددة بحسب درجة الخروج عن الطريق المستقيم وكيفيته، حسب ما هو مفصل في فقه إنكار المنكر.
ومنها: حق التعبير عن الرأي ما لم يخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً، وأن يكون انطلاقاً من المسؤولية والمشاركة وعدم انحصار الصواب في اجتهاد طائفة من المسلمين، وانطلاقاً من التكليف وعدم الوصاية على العقلاء العالمين البالغين؛ فإنه يحق للمسلم أن يعتقد ما يراه صواباً بالشروط السابقة، وأن يدعو إليه بغض النظر عن موافقة ذلك أو مخالفته للسلطة، ولا تكون مخالفته للسلطة في الرأي مدعاة لمنعه من الدعوة إلى الصواب إذا كان يستدل عليه بالأدلة الصحيحة وليس فيه مخالفة للدين، بل على السلطة أن تمكنه من ذلك، وترده للطريق المستقيم إذا خرج عن الجادة، وحق التعبير عن الرأي لا يعارض واجب الطاعة؛ فالمسلم يجب عليه طاعة ولاة أموره المسلمين في المعروف، كما أن عليه أن يعمل بالحق ويدعو إليه.
ومنها: عدم الإلزام بالرأي الاجتهادي؛ إذ العقول متفاوتة والاجتهادات تابعة لعقول أصحابها، والإلزام بالرأي الاجتهادي يعد نوعاً من الإكراه، بل يجعل الرأي الاجتهادي في منزلة تضاهي منزلة النصوص الشرعية، وهو ما تأباه القواعد الشرعية.
ومنها: اللجوء إلى المحكمة: وانطلاقاً أيضاً من الشراكة وأنه ليس أحد أحق من أحد في الحفاظ على مصالح الأمة بجلب الخير لها ودفع الشر عنها؛ فإنه إذا تعارضت التصورات في النظر إلى المصالح أو الحقوق أو الواجبات العامة التي لا يختص بها أحد دون الآخر، وتباينت لأجل ذلك الإرادات، لم يكن لأحد أن يقضي على الآخر أو أن يلزمه بما يراه، انطلاقاً من استناده إلى وسائل القوة التي يحوزها، بل يحتكم الطرفان إلى المحكمة التي تفصل في ذلك بناء على البينات المقدمة، واستناداً إلى الشريعة في نصوصها ومقاصدها.
الحسبة أو الاحتساب: هذه الآليات المذكورة لم يكن هناك اسم يخصها من بين تشريعات الإسلام المتعددة في مختلف حياة المسلمين الدينية والدنيوية، وكانت كلها داخلة تحت المعنى العام لنظام الإسلام في الدين والحياة، لكن هل هناك ما يمنع من جمع مجموعة من الأحكام الشرعية المتعلقة بموضوع معين تحت اسم يكون معبراً عن ذلك؟ الذي تدل عليه تصرفات العلماء السابقين أنه لا يوجد ما يمنع من ذلك أو يحول بينه، وقد صنف أهل العلم كتباً كثيرة في موضوعات محددة؛ فهذا يصنف في أحكام العبادات، وذاك يصنف في أحكام الجهاد، وثالث يصنف في الغزوات والسير، وآخر يصنف في الأحكام السلطانية، وغيره يصنف في السياسة الشرعية؛ وهكذا، والقيد الوحيد الذي يمكن وضعه على ذلك أن يكون هناك توافق حقيقي بين الاسم المختار وبين الموضوعات التي يعالجها حتى لا يحدث اختلاط أو اضطراب.(14/30)
ونحن في ظل الأوضاع المعاصرة نحتاج إلى مصطلح نضع تحته هذه الآليات وأضرابها، حتى تكون واضحة في أذهان الناس الموافقين والمخالفين على السواء، وحتى لا تجرف المصطلحات الوافدة عقول الناس وتغلب عليهم؛ لخلو الساحة من مصطلح بديل يعبر عن الحقائق الشرعية بدون مخالطة للباطل، على النحو الذي نراه في المصطلحات الوافدة كما بينا من قبل. وينبغي علينا أن نركِّز في حديثنا أو استخدامنا على ذلك المصطلح حتى يكتسب الشيوع والقوة، وأقرب ما يكون من المصطلحات التي يمكن أن تعبر عن تلك الآليات هو لفظ (الحسبة السياسية) بمعناها العام التي تشمل الحسبة على المسلمين جميعهم الحكام والمحكومين. والداعي إلى اختيار هذا المصطلح أمور منها: أن الحسبة مصطلح شرعي مستخدم في تراثنا الشرعي، وأنه مدلول عليه بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وعمل الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، وأنه خال من اشتماله على أنواع من الباطل كما في المصطلحات الوافدة، وأنه يعبر عن طبيعة القيام بهذا العمل وهو احتساب الأجر وابتغاؤه من الله العلي الكبير من غير بحث عن مغنم أو منصب دنيوي.
نظام الحسبة: الحسبة نشأتها ترجع إلى النصوص الشرعية التي تدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال - تعالى -: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]؛ فالحسبة على هذا شاملة ليست قاصرة على باب دون باب من أبواب الشريعة، كأن تُحصَر في الاحتساب على منكرات الأسواق أو الأفراح، أو الاحتساب على الآداب الاجتماعية، أو الاحتساب على أداء الصلوات، ونحو ذلك؛ فهذا كله من الحسبة بلا شك، لكنه ليس الحسبة كلها، وإنما الحسبة تدخل في أمور الدين كلها: ما تعلق بالأفراد، وما تعلق بالمجتمع، وما تعلق بالسلطة، وما تعلق بالاعتقادات أو العبادات أو المعاملات أو السياسة أو الاقتصاد. يقول الماوردي - رحمه الله تعالى -: (الحسبة هي أمر بمعروف إذا أظهر تركه، ونهي عن منكر إذا أظهر فعله)(1)، والكلام هنا مطلق غير مقيد، والمعروف اسم جامع لكل ما أمر به الشرع أو دعا إليه أو حض عليه أو أقره ولم يغيره، والمنكر اسم جامع لكل ما نهى عنه الشرع أو خالف الشرع وعارضه، وهذا يبين أن مجال الحسبة رحب فسيح يعمل في الاتساع الذي يشمله اسم المعروف واسم المنكر، انطلاقاً من عموم رسالة الإسلام وشموله للزمان والمكان، وليست هي محصورة في صور نمطية معينة، أو نماذج محددة. قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: (المعروف هو الحق الذي بعث الله به رسوله، والمنكر هو ما خالف ذلك من أنواع البدع والفجور)(2)، ونظراً لأن (عموم الولايات وخصوصها وما يستفيده المتولي بالولاية يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف، وليس لذلك حد في الشرع؛ فقد يدخل في ولاية القضاء في بعض الأمكنة والأزمنة ما يدخل في ولاية الحرب في مكان وزمان آخر وبالعكس، وكذلك الحسبة وولاية المال، وجميع هذه الولايات هي في الأصل ولاية شرعية ومناصب دينية)(3)، وإذا كانت أكثر الكتب المصنفة في الحسبة ونظامها قد اقتصرت على الحسبة في المعاملات من بيع وشراء، ومكاييل وموازين، وعقود ونحو ذلك، ولم تتوسع فيما يتعلق بالاحتساب في الجانب السياسي؛ فإن ذلك لا يعني عدم وجود الحسبة السياسية من ناحية الواقع؛ فإن النصوص الدالة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشمل بعمومها الاحتساب في جانب المعاملات، كما تشمل الاحتساب في جانب السياسة.(14/31)
ثم إن الحسبة السياسية قد وجدت ممارستها في الصدر الأول، وإذا لم يكن قد تم تنظيمها؛ فهذا شأن كثير من الأمور لم يحدث تنظيمها عن طريق النصوص الشرعية، وإنما تُرِك ذلك للاجتهاد الشرعي الصحيح القائم على النصوص، والذي يراعي في ضوء التقيد بذلك خصوصية البيئة من حيث: الإمكانات والاحتياجات؛ فإن المجتمعات متغيرة من حيث الصغر والكبر، ومن حيث الضيق والاتساع، كما أن معارفها ووسائلها الدنيوية قد تزيد وقد تنقص، وكذلك حالاتها الإيمانية قد تقوى وقد تضعف، وحاجة المجتمع الصغير غير حاجة المجتمع الكبير، وحاجة المجتمع الذي تزيد فيه المعدلات الإيمانية غير حاجة المجتمع الذي ضعف إيمانه، ويكون النص على وسيلة واحدة أو عدة وسائل في ذلك الزمان المبكر بمثابة النص على الاقتصار عليها وعدم تجاوزها، مع أن أصل تطبيقها إنما كان لمناسبة موافقتها لظروف بيئتها واحتياجاتها، وليس لخصوصيتها، ومن هنا فلا ينبغي الاقتصار على تلك الوسائل ثم تحرم الأمة من الانتفاع بعد ذلك بما يتوصل إليه المسلمون على مدى الزمن، مما يحقق مصالحهم الموافقة لظروفهم وبيئتهم مما يوافق الشريعة ولا يخالفها، فلأجل ذلك دلت النصوص على الأحكام التي ينبغي الالتزام بها من غير إلزام بطريقة تنفيذ هي في أصل إقرارها متأثرة بالواقع نفسه، فالموقف الشرعي من الوسائل والأساليب أن كل طريق أو وسيلة أو أسلوب يؤدي إلى تحقيق الحكم الشرعي في الواقع من غير ترتب فساد عليه، فهو طريق أو وسيلة أو أسلوب مشروع يجوز إتيانه والعمل به، ومن البدهي أن الوسيلة أو الأسلوب أو الطريق إذا كان مما يخالف في تفاصيله الشريعة فلا يعوَّل عليه ولا يعتد به شرعاً، وإن كان يحقق في الظاهر مصلحة وذلك (أن الطرق التنفيذية هي وسائل لتحقيق الغايات، والوسائل لا تراد لذاتها وإنما تراد لما يترتب عليها؛ فربما لو ألزم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها على مدى الزمن بطريق عملي واحد أو بوسيلة واحدة لتعسر عليهم ذلك، ووجدوا فيه من الحرج والمشقة الشيء الكثير، لا سيما أن الوسائل تتعدد وتتباين وقد يكون بعضها ميسراً وبعضها عسيراً، وقد يختلف العسر واليسر للوسيلة نفسها باختلاف الزمان والمكان والله - تبارك وتعالى - يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر)(1)، وإذا لم يكن قد حدث تنظيم للحسبة السياسية في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا يعني ذلك أن تنظيمها بعده بدعة في الدين، أولاً: لأن هذا التنظيم هو من قبيل وضع الأنظمة التي تكفل تحقيق المراد شرعاً على وجه منظم حتى لا يحدث قصور فيه، وليس من قبيل التشريع، وثانياً: فإن الحسبة في جانب المعاملات أيضاً لم تكن منظمة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم نظمت بعده عند الحاجة إلى التنظيم، ولم يقل أحد من أئمة الفقه في دين الله أن ذلك بدعة، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - قاعدة مهمة في ذلك حيث يقول: (والترك الراتب: سنة كما أن الفعل الراتب: سنة، بخلاف ما كان تركه لعدم مقتض أو فوات شرط أو وجود مانع، وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلت الشريعة على فعله حينئذ كجمع القرآن في المصحف، وجمع الناس في التراويح على إمام واحد، وتعلم العربية، وأسماء النقلة للعلم، وغير ذلك مما يُحتاج إليه في الدين؛ بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به، وإنما تركه - صلى الله عليه وسلم - لفوات شرطه أو وجود مانع)(2)، فإذا تُرك شيء لعدم المقتضي لفعله، فإن فعله بعد قيام المقتضي له لا يعد بدعة، وكذلك الحكم إذا كان الترك لوجود مانع ثم زال المانع أو كان الترك لفوات شرط ثم تحقق الشرط، ومع ذلك فإنا نقول: قد حدث نوع من التنظيم في جانب الحسبة السياسية وإن لم يكن شاملاً، وهو ما عُرف في الأحكام السلطانية بـ (ولاية المظالم) فقد كان من مهامها: النظر في تعدي الولاة على الرعية، فيتصفح والي المظالم عن أحوال الرعاة فيقوي المنصف منهم ويعينه، ويكف من يظلم منهم عن ظلمه، ويعزل من لا يصلح معه إلا العزل ويستبدل به غيره(3).
فالأحكام السياسية المتعلقة بشروط الولاة وطرق توليتهم وحقوقهم وواجباتهم وموجبات عزلهم وغير ذلك. كل هذه الأحكام موجودة مسطورة في كتب أهل العلم، لكنه لم تقم مؤسسات لها نظام محدد في كيفية وجودها، وعملها للقيام بمثل تلك الأمور وكيفية الاحتساب عليها، وقد كان لهذا ما يسوغه في الصدر الأول من حيث قوة الإيمان من جانب، ومن حيث صعوبة الاتصالات من جانب آخر. لكننا في عصرنا مع توسع الأمور وتطورها وتعقدها في حاجة لمثل هذا النظام الذي يحدد الطرق والوسائل؛ بحيث يصير معلوماً: ماذا يجب؟ وكيف يمكن أن نفعله، والطريقة العملية المناسبة؟ وكيف يمكن أن نحتسب؟ وذلك لتحقيق أمرين:
أولاً: حتى لا يشعر بعض المسلمين بنوع من العجز أمام النظم الأخرى التي يخطف بريقها الزائف أنظار كثير من بني جلدتنا، رغم أنها أنظمة باطلة أُسست على غير شرع منزَّل، بل أُسست على مخالفة الشرع المنزَّل.
وثانياً: حتى لا يتمكن أحد من الالتفاف حول هذه الأحكام المسطورة في كتب أهل العلم ويتجاوزها، ومن الأمور التي تحتاج إلى تنظيم في واقعنا الذي نعيشه: ما يسمى ـ في وقتنا المعاصر ـ بالسلطة التنفيذية، وتنظيم حق إبداء الآراء والأفكار والدعوة إليها، وتنظيم واجب التصدي للانحراف والخروج عن المنهج الشرعي، وتنظيم الشورى والنصيحة، وتنظيم واجب طاعة الولاة ونصرتهم، وغير ذلك من الأمور التي نحتاج إلى إخراجها من كونها مجرد مدونات فقهية إلى أنظمة عملية تتم وفق الأحكام الشرعية المتعلقة بها.
------------------(14/32)
(1) انظر البخاري كتاب المناقب، رقم 3353، ومسلم كتاب الفضائل، رقم 4487.
(2) رواه أبو داود كتاب الأطعمة، رقم 3262.
(3) انظر في المعنى اللغوي: لسان العرب مادة عرض ومادة برى.
(4) الأحكام السلطانية، ص17.
(5) الأحكام السلطانية، ص 31.
(1) أخرجه مسلم كتاب المساجد، رقم 1019 واللفظ له، والبخاري كتاب المواقيت، رقم 530.
(1) وهذا فيه قدر عظيم من عدم الدقة أو الصواب؛ إذ إن المعلن من المنهج ما هو إلا خطوط عامة، أما التفصيلات الكثيرة فيكاد لا يعلم بها أحد، وحتى لو كانت التفصيلات معلومة عند الاختيار فإنه تَجِدُّ أمور كثيرة أثناء الحكم؛ فتتخذ الحكومة أو المجلس التشريعي إزاءها مواقف لم تكن من قبل؛ فكيف يكون ذلك مُوافَقاً عليه من الناس وهو لم يكن موجودا أثناء الاختيار؟
(2) قد يستثنى من ذلك بعض الحالات كالمخاطر العظيمة التي تشمل المجتمع جميعه، فتتعاون الحكومة والمعارضة لدفع تلك النازلة أو تكوين حكومة ائتلافية، وذلك ريثما يزول ذلك العارض، ثم يرجع كل واحد إلى حاله الأول؛ فهي حالة استثنائية وعارضة للتعاون وليست الأصل، وقد تنتهز المعارضة الفرصة في هذه الحالة وتضغط على الحكومة من أجل إسقاطها والحلول محلها، فيكون الحرص على الوصول إلى الحكم مقدماً على مساعدة المجتمع للخروج من النازلة التي ألمت به.
(3) في كثير من الأحيان تكون تلك الأغلبية ظاهرية وليست حقيقية؛ فهي ليست أغلبية من يحق لهم الاختيار، وإنما هي أغلبية من شاركوا في الاختيار، وفي كثير من الأحيان لا يتجاوز من يشاركون في الاختيار نصف عدد من يحق لهم المشاركة فيه.
(1) الأحكام السلطانية، ص 247.
(2) مجموع الفتاوى، 11/ 510.
(3) مجموع الفتاوى، 28/ 69.
(1) تحطيم الصنم العلماني، محمد بن شاكر الشريف، ص 58 وانظر في ضوابط تلك الطرق والوسائل حتى تكون مشروعة، ص 59 من المرجع المذكور.
(2) مجموع الفتاوى، 26/ 172.
(3) انظر الأحكام السلطانية للماوردي، ص 84، ولأبي يعلى، ص 76.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
دعوة إلى تأصيل المصطلحات السياسية ( 2 ـ 2 )
محمد بن شاكر الشريف
نُشِرَت الحلقة الأولى من هذا المقال في العدد (213) حيث تحدث الكاتب عن الحل الغربي لقضية التباين في المجتمع الذي انبثقت عنه فكرة المعارضة، ثم تحدث عن الحل الإسلامي وآلياته التي انطلق منها الحديث عن الحسبة، وذكر أن الحسبة مصطلح شرعي مستخدم في تراثنا الشرعي تعضده الأدلة من الوحيين وعمل الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، وأنه خالٍ من خطل المصطلحات الوافدة مثل المعارضة التي همها البحث عن المغانم والمناصب، ويواصل الكاتب في هذه الحلقة عرض ما تبقى من المقال.
*نماذج من الحسبة:
أول من باشر الحسبة السياسية رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد احتسب على عامله ابن اللتبية جامع الصدقة؛ فعن أبي حميد الساعدي قال: «استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية؛ فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم، وهذا هدية؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلاَّ جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً! ثم خطبنا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعدُ: فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاَّني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم، وهذا هدية أهديت لي؛ أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته! والله! لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة؛ فلأعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يده حتى رُئي بياضُ إبطه يقول: اللهم هل بلغتُ بصر عيني وسمع أذني؟ »(1)؛ فقد حاسبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.لكن الأمر لم يكن في حاجة إلى وضع نظام في المحاسبة، واكتفى الرسول صلى الله عليه وسلم بأن قال له ما قال، ثم خرج إلى الناس فوعظهم؛ لأن ذلك كان يكفي في تحقيق المطلوب في ذلك الزمان.
فلما كان عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ حوَّل ذلك إلى نظام، للحاجة إليه، فكان ـ رضي الله تعالى عنه ـ عندما يريد أن يستعمل عاملاً، ويوليه ولاية كان يحصي عليه ماليته، ثم إذا انتهى من ولايته يحصي عليه ماليته، ويوازن بين الماليتين، فإذا وجد أن هناك زيادة غير معقولة شاطره هذه الزيادة، فترك له النصف، وجعل النصف الباقي في بيت المال.
وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم محاسبة خالد بن الوليد سيف الله المسلول ـ رضي الله عنه ـ من قِبَل جنوده الذين هم تحت إمرته، عندما امتنعوا عن تنفيذ أمره، عندما أخطأ في اجتهاده وقتل الذين قالوا: (صبأنا) ولم يحسنوا أن يقولوا: (أسلمنا)، وقال: «اللهم! إني أبرأ إليك مما صنع خالد» مرتين(2).(14/33)
وهذا أبو بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ يقر مبدأ الحسبة السياسة عقب توليه الخلافة مباشرة؛ إذ خطب الناس وقال لهم: «راعوني! فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوِّموني»(3)، مما يبين أن الحسبة ليست قاصرة على الرعية دون الولاة؛ لأن الكل في ميزان الشرع عبدٌ لله، والحاكم والمحكوم كلاهما مطالَب بعبادة الله وحده وطاعته واتباع ما شرعه، وما طلبه أبو بكر ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ من الصحابة لا يتأتى منهم إلا بعد المتابعة والمراقبة التي بها يتمكنون من معرفة الإحسان والاستقامة أو الإساءة والزيغ، وهذا عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ يقول: «إني والله! ما أُرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم ولكن أرسلهم إليكم ليعلِّموكم دينكم وسنتكم؛ فمن فُعِلَ به شيء سوى ذلك فليرفعه إليَّ؛ فوالذي نفسي بيدي إذًا لأقصنِّه منه، فوثب عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين! أوَ رأيت أن كان رجل من المسلمين على رعية فأدَّب بعض رعيته أئنك لمقتصه منه؟ قال: إي والذي نفس عمر بيده إذاً لأقصنه منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه: ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمِّروهم(4) فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفِّروهم، ولا تنزلوهم الغياض(5) فتضيعوهم»(6)، فعمر ـ رضي الله عنه ـ يحض رعيته على عدم السكوت على ظلم الولاة، ويوجه الولاة بعدم منع المسلمين حقوقهم والعمل على راحتهم والحفاظ عليهم، بل إن الحسبة لا تمتنع حتى في اللحظات الصعبة كلحظات الحرب ونحو ذلك؛ فقد حفظت لنا الوقائع ما كان من أمر عمر عندما أراد أبو بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ قتال مانعي الزكاة فاعترض عمر، وقال: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ فمن فعل ذلك فقد عصم مني ماله ودمه إلا بحقه وحسابه على الله»؟ فبين له أبو بكر وجه الصواب في موقفه حتى ظهر الأمر لعمر، وتبين له صواب موقف الصدِّيق وسداد رأيه، ولم يرفع أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ في وجه عمر ـ رضي الله عنه ـ تلك المقولة الزائفة: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
والقصد أن حالة الحرب لم تمنع من الحِسْبة؛ فالمحكوم بَذَلَها، والحاكم قَبِلها؛ لأن الحسبة ليست كالمعارضة لتحقيق مكاسب ذاتية، وإنما هي ضمانة الحفاظ على الأمة وعلى الشريعة، وقد كان الحفاظ على الشريعة وتقديم كتاب الله هو أوْلى ما يحرص عليه المؤمنون؛ وقال: «إني مخاصم»(7)، وقد كانوا يتواصون فيما بينهم بذلك. فعن الحسن: «أن زياداً استعمل الحكم بن عمرو الغفاري على جيش فلقيه عمران بن حصين في دار الإمارة فيما بين الناس، فقال له: أتدري في ما جئتك؟ أما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه الذي قال له أميره: قم فقع في النار، فقام الرجل ليقع فيها فأدركه فأمسكه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو وقع فيها لدخل النار، لا طاعة في معصية الله، قال الحكم: بلى! قال عمران: إنما أردت أن أذكِّرك هذا الحديث»(8).
ولم يكن الولاة يمنعون الرعية من الاحتساب، ولا يستخدمون سلطانهم أو قوتهم في تعطيلهم أو عرقلتهم عن القيام بذلك؛ فهذا عمر ـ رضي الله عنه ـ وقد رأى رأياً في الأرض المغنومة وخالفه في ذلك الفاتحون واحتجوا عليه بما يرونه حجة لهم، فلم يلزمهم ولم يقهرهم، وإنما أخذ يحاججهم بما يرى صوابه ومصلحته؛ فعن نافع مولى ابن عمر يقول: أصاب الناسُ فتحاً بالشام فيهم بلال وأظنه ذكر معاذ بن جبل ـ رضي الله عنهما، فكتبوا إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: إن هذا الفيء الذي أصبنا، لك خمسه ولنا ما بقي، ليس لأحد منه شيء كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر. فكتب عمر ـ رضي الله عنه ـ: إنه ليس على ما قلتم، ولكني أقفها للمسلمين، فراجعوه الكتاب وراجعهم: يأبون ويأبى، فلما أبَوْا قام عمر ـ رضي الله عنه ـ فدعا عليهم فقال: اللهم اكفني بلالاً وأصحاب بلال،...، قال الشيخ ـ رحمه الله ـ: قوله ـ رضي الله عنه ـ: أنه ليس على ما قلتم؛ ليس يريد به إنكار ما احتجوا به من قسمة خيبر؛ فقد رويناه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويشبه أن يريد به ليست المصلحة فيما قلتم، وإنما المصلحة في أن أقفها للمسلمين، وجعل يأبى قسمتها لما كان يرجو من تطييبهم ذلك، وجعلوا يأبون لما كان لهم من الحق؛ فلما أبَوْا لم يُبرم عليهم الحكم بإخراجها من أيديهم ووقفها، ولكن دعا عليهم؛ حيث خالفوه فيما رأى من المصلحة، وهم لو وافقوه وافقه أفناء الناس وأتباعهم، والحديث مرسل والله أعلم»(9)، والشاهد أن عمر ـ وهو الإمام ـ لم يقهرهم على رأيه الاجتهادي، بل ظل يراجعهم ويراجعونه، ويأبى عليهم ويأبون عليه، وكان أقصى ما عمله معهم أن لجأ إلى الله بقوله: «اللهم اكفني بلالاً وأصحاب بلال».(14/34)
لقد كانت الحسبة في حس وشعور المسلمين حتى في عوامهم الذين قد يتصور عدم تنبههم لمثل ذلك، ولكن الإسلام قد ربَّاهم على ذلك، فصاروا يتصرفون في هذا الأمر وكأنه أمر جِبِلِّي؛ فقد ورد في أخبار عمر ـ رضي الله عنه ـ عن أسلم مولى عمر قال: «خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى (حَرَّة واقم) حتى إذا كنا بصرار إذا نار، فقال: يا أسلم! إني لأرى ها هنا ركباً قصَّر بهم الليل والبرد، انطلق بنا! فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا بامرأة معها صبيان صغار وقِدْر منصوبة على نار وصبيانها يتضاغون، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء! وكره أن يقول: يا أصحاب النار، فقالت: وعليك السلام، فقال: أدنو؟ فقالت: ادْنُ بخير أو دَعْ! فدنا فقال: ما بالكم؟ قالت: قصَّر بنا الليل والبرد، قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع، قال: فأي شيء في هذه القدر؟ قالت: ما أُسكِتُهم به حتى يناموا؛ واللهُ بيننا وبين عمر. فقال: أَيْ رحمك الله، وما يُدري عمرَ بكم؟ قالت: يتولى عمر أمرنا، ثم يغفل عنا، قال: فأقبل عليَّ؛ فقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عِدْلاً من دقيق، وكُبَّة من شحم، فقال: احمله عليَّ! فقلت: أنا أحمله عنك، قال: أنت تحمل عني وزري يوم القيامة؟ لا أُمَّ لك. فحملته عليه، فانطلق وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئاً، فجعل يقول لها: ذُرِّي عليَّ وأنا أحرِّك لك، وجعل ينفخ تحت القدر، ثم أنزلها، فقال: أَبغيني شيئاً! فأتته بصحفة فأفرغها فيها، ثم جعل يقول لها: أطعميهم وأنا أسطح لهم، فلم يزل حتى شبعوا وترك عندها فضل ذلك وقام وقمت معه، فجعلَتْ تقول: جزاكَ الله خيراً؛ كنتَ أوْلى بهذا الأمر من أمير المؤمنين، فيقول: قولي خيراً إذا جئت أمير المؤمنين، وحدثيني هناك إن شاء الله، ثم تنحى ناحية عنها، ثم استقبلها فربض مربضاً، فقلنا له: إن لنا شأناً غير هذا؟ ولا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون ثم ناموا وهدؤوا، فقال يا أسلم! إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت أن لا أنصرف حتى أرى ما رأيت»(10)، فالمرأة تقول: واللهُ بيننا وبين عمر، وتقول أيضاً: يتولى عمر أمرنا ثم يغفل عنا؟ ثم تقول له وهي لا تعرفه ـ بعدما أتاها بالمعونة: ـ جزاك الله خيراً، كنتَ أوْلى بهذا الأمر من أمير المؤمنين، والمقصود أن هذه المرأة الفقيرة كانت تفهم ما يجب على ولي الأمر فعله، وهي تقرر أن الأوْلى بذلك المنصب مَنْ يقوم على شؤون رعيته ويعتني بهم ولا يغفل عنهم. إنه لم يخلُ عصر من عصور المسلمين من القيام بالحسبة في ذلك الجانب؛ ومرادنا التمثيل لا الحصر، والقيام بتنظيم هذا الأمر يساعد على تثبيته في أذهان الناس، ويكون أدعى لاستمرار العمل به.
بين الحِسْبة السياسية والمعارضة السياسية مفارقات وموافقات: عندما نقارن بين ما لدينا من الحسبة السياسية وبين المعارضة السياسية الوافدة إلينا والتي يراد لها الذيوع والانتشار والغلبة على مصطلحاتنا السياسية الشرعية، يتبين الفرق الكبير بين الأمرين؛ بحيث لا يمكن لمن عقل وابتعدت نفسه عن الأهواء المردية إلا أن يحرص على الحِسْبة السياسية ويتمسك بها ويدعو إليها، وإن كان هناك بعض الموافقات بين الحِسْبة والمعارضة وخاصة في الألفاظ العامة، لكن الاختلافات تظهر بقوة عند التفاصيل؛ فقد يقال في المعارضة كما يقال في الحسبة بضرورة اتباع العدل؛ لكن مفهوم العدل في شرعنا غير مفهوم العدل في الفكر السياسي الغربي وهكذا، ومن هنا يمكننا أن نقرر أن الخلاف بين الحسبة السياسية وبين المعارضة السياسية خلاف كبير وعميق، وهو أعمق بأكثر مما يتخيله كثير من الناس؛ إذ إن ما بينهما من الخلاف في الأصول والدوافع والغايات يربو بكثير جداً على ما بينهما من الموافقات في الفرعيات؛ فالموافقات في أغلب أمرها ما هي إلا موافقات ظاهرية.
الحرية الحقيقية: الحرية تعني الخروج من أسر القيود، والانعتاق من ذل العبودية، والحر يقابله العبد، لكن متى يكون الإنسان حراً حقيقياً وليس عبداً؟ إذا كان الإنسان لا تكبله نفسه، ولا تكبله أعراف المجتمع، ولا تكبله السلطة القائمة، أي خرج من أسر عبودية النفس والمجتمع والحكومة؛ فهو قد استوفى مظاهر الحرية، لكن متى يحدث ذلك؟ إن ذلك لا يحدث في الحقيقة إلا إذا كان الإنسان ملتزماً بالشريعة متقيداً بها مقاوماً كل ما يشوش على ذلك الالتزام، وإلا فإن الإنسان واقع لا محالة في نوع أو أكثر من أنواع العبودية؛ بحيث تنتفي حريته الحقيقية؛ إذ الإنسان منذ أن يولد تشده القيود المادية بوصفه مخلوقاً لا يملك الخروج عن نظام الكون، فهو مجبر على ذلك؛ فإن الجاذبية مثلاً تشده ولا يملك الانفكاك منها، وهكذا. ثم تبدأ القيود المعنوية في الورود عليه، فإذا لم يكن عليه قيد غير قيد الشريعة، كان الإنسان بذلك حراً حقاً؛ لأنه لا يقيده إلا خالقه. أما إذا ابتعد عن الشريعة فإنه يدخل في نطاق قيود أخرى متشاكسة في أكثر الأحيان، ويفقد الإنسان بذلك حريته الحقيقية وإن بدا له في الظاهر أنه حر في أن يعتقد ما يشاء، وأن يقول ما يشاء، وأن يفعل ما يريد.
فالحسبة التي تعيد الإنسان إلى مجال قيد الشريعة فقط، وتخرجه من مجال القيود الباطلة، فتقيمه على الجادة وتبعده عن بُنَيَّات الطريق، هي مظهر أصيل من مظاهر تحرر المسلم وتحلله من القيود الباطلة التي تعيق حركته.(14/35)
إن الانفلات من كل ضابط والخروج من كل قيد والذي يعد أقصى مدى للحرية عند كثير من الناس هو في حقيقته أقصى مدى للعبودية؛ حيث يصير الإنسان عبداً لنفسه وشهواته وللشيطان، وهذه هي الحرية التي يوفرها الفكر السياسي الغربي الذي تنطلق منه المعارضة السياسية، وفي هذا الفكر فإن الإنسان له أن يضر نفسه وأن ينتحر ليتخلص من حياته؛ إذ لا ضرر من ذلك على أحد، وهو القيد الوحيد على الحرية في ذلك الفكر. بينما المسلم لا يجوز له إيقاع الضرر على نفسه حتى ولو لم يكن في ذلك ضرر على الآخرين؛ فللإنسان في هذا الفكر التعامل بالربا، وشرب الخمور، وتكوين العلاقات الجنسية مع غير الزوجات، ونحو ذلك، مما لا ضرر فيه على غير من يزاوله.
والمعارضة يمكنها انطلاقاً من دعوى الحرية الشخصية أن تتبنى الدعوة إلى الزواج المثلي، أو حق إباحة الإجهاض، وغير ذلك من الأمور؛ وقد حدث إقرار ذلك في المؤتمرات الدولية التابعة للأمم المتحدة على أن هذا من الحرية التي هي حق لكل إنسان ولا يمكن تقييدها.
والحسبة تمنع الضرر سواء كان يوقعه الإنسان على نفسه أو على غيره لعموم الأدلة المانعة من ذلك، وللقاعدة الشرعية الثابتة بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»(11). ومنع الإنسان من أن يضر نفسه لا يعد في فقه الحسبة تدخلاً في الحرية الشخصية؛ لأن الإنسان لم يخلق نفسه، ومن ثَمَّ فإن الذي خلقها هو الذي يملكها، وهو الذي يشرِّع لها.
بين الإعلان والتغيير: الحسبة السياسية تقوم على إحداث التغيير المطلوب وفق المقررات الشرعية انطلاقاً من النصوص المتكاثرة الداعية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كقوله ـ تعالى ـ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]، وكقوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فلغيره.. » الحديث(12) وكقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه»(13). فالمطلوب منع الباطل من الوقوع، وكفه عن التمادي في باطله أثناء فعله، وتغييره بعد وجوده؛ فالدعوة للتغيير وليس للإعلان فقط، وهذا يعني أن النظام السياسي الإسلامي لا يقف من المنكرات موقفاً سلبياً، بل موقفه إيجابي؛ فهو داعٍ إلى التغيير وآمر به، وهو أكثر من مجرد السماح بذلك، ولا بد أن تكون فيه من الآليات ما تمكن من ذلك، وعند امتناع الحكومة عن الاستجابة على أساس أنها لا ترى ما تراه الحسبة؛ فإنه بالإمكان اللجوء إلى المحكمة للفصل في ذلك، والذي يكون حكمها ملزماً للأطراف جميعاً.
والحسبة ينبغي أن تكون قوية، وهي تأخذ قوتها من كونها مؤسسة على أمر الشرع كما قال ـ تعالى ـ: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ} [آل عمران: 104]، لكن لا تدفعها قوتها في مقابل السلطة إلى أن تكون بديلاً عنها، أو أن تحاول الاستيلاء على السلطة؛ لأن طلب الحكم والسعي في الوصول إليه ممنوع بمقتضى النصوص الشرعية التي تحظر على المسلمين طلب الولاية، وإذا وصلت الأمور بالحكومة إلى أن تخرج عن الحد الذي ينبغي فيه عدم منازعتها؛ فإن الحسبة السياسية ليست هي البديل، وكذلك الأمر إذا دعت الحسبة إلى حجب الثقة أو إلى السعي في تغيير السلطة؛ لأنه عندما تخرج السلطة الحاكمة عن حدود الشرعية وتصبح بمقتضى الأحكام الشرعية لا حق لها في تولي الأمر، ويصير تغييرها مطلباً شرعياً؛ فإن البديل ليس هو أهل الاحتساب، وإنما البديل من تنطبق عليه الصفات ويحقق الشروط فيمن يتولى الأمر، ولا تتم توليته إلا بالطرق الشرعية المعلومة في كيفية اختيار الولاة، وليس من ذلك بالطبع استخدام القوة وشهر السلاح، كما أسلفت، ولعل هذا يكون أحد أسباب التعاون والتفاهم بين الحكومة والحسبة؛ إذ ليس واحد منهما ينافس الآخر، بل كل منهما يعمل من أجل مصلحة الأمة.
وأما المعارضة السياسية فليس فيها سوى الإعلان أن ذلك الأمر الفلاني باطل، وتنظيم مظاهرة من أجل ذلك، أو الإضراب كنوع من الاعتراض على ما يرونه من الأمور باطلاً، لكنهم لا يملكون التغيير؛ لأن التغيير بيد الأغلبية، وكل ما تملكه المعارضة تنبيه الأغلبية على ذلك، أو إشعار العامة على أمل أن يكون ذلك رصيداً لهم في الانتخابات القادمة. وفي الجانب المقابل فإن المعارضة قد يدفعها شعورها بالقوة المتزايدة في مقابل السلطة فتقوم بتنظيم المظاهرات والإضرابات التي تعجل أو تعمل على إسقاط الحكومة القائمة لتحل محلها، وهذا يجعل العلاقة بينهما علاقة تضاد وشكوك وارتياب، مما يترتب عليه سعي كل منهما في تعطيل الآخر وتعويقه لإخراجه من حلبة المنافسة حتى ينفرد هو بالتحكم في القرارات والاستقلال بها.(14/36)
السعي للسلطة: الحسبة في عملها تسعى لإقامة المجتمع على الجادة، والجادة لا يراد بها هنا الحالة الدينية فقط؛ إذ إن من المعلوم أن الإنسان ليس روحاً فقط، وإنما هو روح وجسد، والجسد له متطلباته سواء في حالة انفراده أو اجتماعه؛ ولذلك فإن المجتمع في حاجة إلى أن يقام على الجادة في أمور كثيرة كالتعليم والصحة والسياسة والاقتصاد، وفي كل ذلك جاءت تشريعات أو أحكام: إما منصوص عليها، وإما يُجتهد فيها من خلال النصوص الموجودة، وإما أحكام تُستنبط من القواعد الأصولية أو القواعد الفقهية، والحسبة تعمل على التزام المجتمع بذلك: فتبصره بذلك عن طريق العلم، وتعينه عن طريق تيسير سبيل الالتزام، وتكف عنه العوائق والعوارض التي تعمل في الاتجاه المعاكس؛ كل ذلك ابتغاء وجه الله ـ تعالى ـ ورضوانه؛ فالهمة أصلاً متوجهة إلى الإصلاح: سواء إصلاح المجتمع، أو إصلاح الحكومة، والإعانة على ذلك. وأما المعارضة فإن جهدها كله منصبٌّ على الوصول إلى الحكم، وما تظهره من آراء أو أقوال أو تصورات أو اعتراضات، وما تقدمه من رؤى في الإصلاح؛ فإن الهدف من ذلك أن يكون معيناً ومساعداً في الوصول إلى الحكم؛ فالهمة متوجهة إليه أصلاً، وليس تغيير الحكومة إذا فسدت أو خرجت عن حد الصلاح، أو لم تعد قادرة على ضبط الأمور، أو تأخرت أحوال الأمة في زمنها تأخراً بيناً يعد عيباً أو شيئاً يمنعه الإسلام. لكن الذي يأباه الإسلام ويمنعه أن يتخذ الخلاف في الرأي في مسائل كلها من قبيل الاجتهاد ذريعة لتغيير حكومة مستقرة قائمة بما وجب عليها، محققة للغرض الذي نُصبت من أجله، غير مقصرة فيما هو مطلوب منها، وليست ظالمة لرعيتها بمنعها من حقوقهم الشرعية.
القدرة على التأثير: الحسبة لا تعتمد في عملها على قوتها العددية، وإنما ينبثق عملها من الاحتكام إلى محددات وأمور متفق عليها بين الجميع، وتملك الإلزام بالحق عن طريق اللجوء إلى المحكمة؛ بينما المعارضة تعتمد في عملها وقدرتها على التأثير في القرارات لا على صواب منطقها ولا جودة رأيها وفائدته للأمة، وإنما تعتمد على الكثرة العددية؛ فإذا استطاعت أن يكون لها الغلبة العددية فحينئذ تملك القدرة على التأثير وتحقيق ما تريد، حتى ولو لم يكن رأيها صواباً؛ إذ الصواب هو موافقة الأكثر عليه، فالصواب ليس شيئاً زائداً عن ذلك. أما إذا لم تستطع أن تستقطب حول مشروعها الأغلبية الكافية فإنها لا تستطيع التأثير، ولو كان ما تذهب إليه هو الصواب نفسه؛ لأنها فقدت شرط الصواب الذي يُعَوَّل عليه وهو الحصول على الأغلبية، ويصبح تأثيرها في ذلك لا يتعدى كونه ظاهرة صوتية إلا أن تتعدى حدود المشروعية في النظام الذي يحدد عملها، فتخرج إلى الشارع وتخاطب العامة وتستثيرهم لاتخاذ مواقف ضاغطة على الحكومة عن طريق التظاهر والإضرابات وتعطيل الأعمال وغير ذلك. لكن هذا يعد خروجاً على النظام الذي ينظم المعارضة، فالمعارضة يمكنها إلقاء خطبة عصماء، أو كتابة مقالة أو كتاب مدعوم بالحجج والبراهين والأدلة والوثائق وكل ما يحتاج إليه في إثبات صواب الرأي، ثم بعد ذلك كله فإن الذي يحسم القضية هو الكثرة العددية؛ حيث يتم عد الأصوات الموافقة والمخالفة ثم تكون الغلبة في النهاية أو الفيصل بين الحق والباطل لأصحاب العدد الأكبر، بل قد تملك الأغلبية سن تشريع أو نظام أو قانون تمنع به المعارضة أو تعرقل بعض أنشطتها، وتحبط مشروعات القرارات التي تتقدم بها المعارضة.
وفي حالات الاستقامة النفسية والإخلاص والتجرد من الأغراض الذاتية قد تكون الكثرة العددية دالة على رجحان الرأي الذي هي في صفه، لكن في أوقات أخرى مثل حالات فساد الذمم، واعوجاج النفوس، وحالات الضعف الفكري، وسيطرة الدعاية والإعلام والإعلان على العقول والأفكار، لا يأتي من وراء ذلك إلا الأقدر على الدعاية والإعلان والأكثر كذباً وخداعاً بغض النظر عن الصواب والخطأ.
وإذا علمنا أن النظام الذي يعتمد المعارضة لا يشترط فيمن يزاولون السياسة (مرشحين وناخبين ـ معارضة وحكومة) شروط تحول ببن الكذب والخداع مثل التقوى والعمل الصالح وأداء الفرائض واجتناب الكبائر؛ فإن هذه الأساليب الممقوتة تروج بينهم بكثرة شديدة، ولو قال قائل: بل ينبغي اشتراط قدر من التقوى والعمل الصالح يمنع الكذب والخداع، وقدر من الغنى يمنع من الخيانة ويدعو إلى الأمانة، وقدر من العلم يمنع من الانجراف وراء الآلة الإعلامية، قيل: ليست هذه هي المعارضة، وينبغي أن يبحث لها عن اسم آخر؛ إذ المعارضة عندهم إحدى نتائج فكرة كلية تقول: إن الشعب هو صاحب الكلمة العليا في شأن سياسة المجتمع وتنظيمه، والشعب هو كل مواطن بالغ عاقل بغضِّ النظر عن دينه أو علمه ومنزلته وجاهه، فيستوي الجميع في هذه السيادة التي تكفل لهم الحرية المطلقة، ولو طلبنا اشتراط قدر من التقوى لهاجمنا أصحاب ذلك الفكر وعدُّوا ذلك انتقاصاً من تلك الحرية.(14/37)
والقدرة على التأثير من المعارضة شكلية إلى حد كبير جداً؛ إذ إن الرأسماليين أصحاب رؤوس الأموال هم الفئة المسيطرة في الحقيقة على المجتمع، وهم مُلاَّك وسائل الإعلام التي يقومون بتوجيهها لصناعة الرأي العام من أجل مصالحهم ومصالح طبقتهم، وقد أصبح وجود وسيلة إعلامية ليس لها من هَمٍّ سوى تقديم المعلومة الصائبة، بغض النظر عمن تخدمه تلك المعلومة، أمراً عسيراً، بل نادراً؛ لأن هذه الوسائل إنما تعمل في خدمة ملاكها الذين يهمهم توجيه المجتمع إلى حيث مصلحتهم، ثم إن التكلفة المالية الضخمة لممارسة العمل السياسي من حيث الدعاية والإعلان لا يقدر عليها إلا كبار الأثرياء، وهذا ما يحول بين فئة كبيرة من الناس من المشاركة في العمل السياسي، أو تجعلهم رهينة في أيدي أحزابهم التي تنفق على حملاتهم السياسية؛ فقد تصل تكلفة بعض الحملات الانتخابية للرئاسة عشرات الملايين، وفي بعض البلدان تصل تكاليف الحملات الانتخابية إلى عدة مئات من ملايين الدولارات؛ فمن الذي يقدر على ذلك؟ وهذا كله يمنع في النهاية من أن تكون هناك معارضة حقيقية نابعة من رؤية الفرد الخاصة إذا كانت تخالف رؤية الحزب، فعندما توجد مثل هذه الرؤية الخاصة فإن الأفراد لا يملكون البوح بها وإظهارها، إلا إذا كانوا قد قرروا ترك الحزب، وهذه هي الحرية التي يتشدقون بها، وإذا ما خرج من الحزب فإنه يفقد مكانته السياسية لعدم قدرته على الإنفاق في غالب الأحيان، وهو في هذه الحالة بين أمرين: إما أن يتقاعد سياسياً، وإما أن يتحول إلى حزب آخر سوف يمارس معه الدور نفسه بعد قليل.
وإذا كان الوصول إلى المقاعد النيابية لا يستطاع إلا بالإنفاق؛ فهذا يعني أن المعارضة لا تتاح حقيقةً إلا للأغنياء الذين لديهم الأموال الكافية التي تمكنهم من المحافظة على آرائهم. لقد أثبت ذلك النظام إخفاقه الشديد في بلدين يُنظَر إليهما على أنهما من البلاد التي تتمتع بالحرية الكاملة والمعارضة القوية؛ فقد شنت أمريكا وحليفتها بريطانيا الحرب على العراق بدعوى امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل التي تهدد السلام العالمي، ولا بد من القضاء على ذلك كشرط أساس حتى ينعم العالم بالسلام والأمان، وظل النظامان يرددان تلك الأكذوبة فترات طويلة، ثم ظهر بعدما شنوا الحرب وقتلوا أكثر من مائة ألف عراقي أن ذلك كله كان كذباً في كذب، وقد اضطر نظاما الحكم في البلدين إلى الاعتراف بكذب المعلومات التي استندوا إليها في شن الحرب، وأنه قد جرى تزويدهم عمداً بمعلومات غير صحيحة من قِبَل أجهزة مخابراتهم؛ فماذا فعلت المعارضة بعد ذلك؟ لم تتمكن المعارضة من فعل شيء؛ لأن الأمور يحكمها في النهاية عدد الأصوات، وقد نجح رئيسا البلدين في الفوز في الانتخابات التي أجريت بعد ذلك مع تلك المصائب.
التعددية وأثرها على الواقع: التفاوت والفروق الفردية بين الناس أمر مدرَك لا يمكن جحده وله ما يسوِّغه؛ إذ لا يمكن صب الناس في قالب واحد وخاصة في الأمور الاجتهادية سواء كانت مما يتعلق بالدين أو بالدنيا، وعلى ذلك فإن الشريعة تعترف باختلاف المشارب والقدرات وما ينتج عن ذلك من تعدد في الرؤى، ومن ثم فهي لا تنظر إلى هذا التعدد أو تقف منه موقف المستريب أو تعمل على القضاء عليه بكل سبيل، ما دام أنه داخل الحدود المعتبرة، كما أن هذا التعدد لا يكون مصدر ضعف بل يكون مصدر رحمة وتوسعة كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى. ثم إن هذا التعدد محكوم في النهاية بإطار يقلل من التعدد الواهي الذي يضعف الأمة، ويمنع من التعدد الانفلاتي القائم على الحرية المطلقة(15) وفق الفكر السياسي الغربي؛ حيث تتعدد قوى المعارضة وتأخذ اتجاهات شتى في ظل عدم وجود إطار يحصر هذه القوى، مما يضعف هذه القوى جميعاً؛ فلا يصير لها من أثر على واقع الحياة السياسية؛ فإذا أرادت التأثير فإنها تعمد إلى أن تكون كتلة واحدة (أو ما يسمى بالتكتل) حتى تستعين بعدد هذه الكتلة للوقوف أمام الحكومة فتعرقل قراراتها أو مشروعاتها أو تحبطها، وهنا يتحول الواقع السياسي إلى مشهد البحث عن تضخيم المكاسب والمغانم، وتقليل الخسائر والمغارم، فلم يعد المشهد مشهد الحفاظ على مصلحة الأمة، ويكون المشهد في ذلك أقرب إلى مشهد المعارك والحروب لا مشهد التعاون والتعاضد، وتظهر اتهامات بالفساد المتبادل بين الطرفين سواء بالحق أو بالباطل في إطار حملة كسب تأييد الرأي العام أو الشعبي إلى صفه.
ثم إن المعارضة في تكتلها تضطر إلى التنازل عن شيء من خطتها في سبيل جمع الكلمة والالتقاء حول قاسم مشترك يُتفق عليه لمواجهة الحكومة؛ فقد تحولت فكرة مواجهة الحكومة إلى أصل يلتقي عليه الجميع، وهذا مما يبين كيف أن الأسماء تؤثر على الأفعال والتصرفات؛ فكون أن اسمها معارضة يجعلها تعمل وتتصرف على خلاف الحكومة حتى لا تفقد مسوِّغ وجودها أو تميزها عن الحكومة، حتى وإن كان ذلك في أمور ليست جوهرية.
ثم إن المعارضة إذا قبلت بمبدأ التنازل عن بعض تصوراتها أو خططها من أجل التوحد في مواجهة الحكومة؛ أفلا يكون من الأجدى لها التنازل عن بعض تلك التصورات أمام الحكومة للوصول إلى قاسم مشترك فيه مصلحة الأمة؟ لكن إذا كان الهدف هو الوصول إلى السلطة فإن هذا الحل يصبح غير مناسب، وإذا قيل: لا، بل لأن الخلاف كبير ولا يمكن الوصول بشأنه إلى حل وسط، وأن ذلك التصرف يمثل خيانة لطموحات الشعوب وآمالها؛ فهذا يعني أن هذا النظام لا يصلح إلا عند وجود التباين الشديد والتنافر العظيم بين مكوناته وأجزائه.(14/38)
الحجة والمرجعية: الحسبة تنطلق من نظام سياسي يعتمد الشريعة حجة ومرجعاً يُرجَع إليه، ومن ثَم فما وافق الشريعة فهو حق وصواب، وما خالفها فهو خطأ وباطل، بغض النظر عن أعداد القائلين في كل حالة. ويمكن الاعتراض على القرارات والتشريعات ولو كانت متعلقة بالأمور الدنيوية إذا كان فيها ما يخالف الشريعة، أو كان يترتب عليها عَنَتٌ ومشقة على الرعية بغير مسوِّغ، حتى لو أقرت ذلك السلطة الحاكمة، ويمكن الاعتراض على ذلك في حالة عدم استجابة الحكومة أمام المحكمة، ويصير حكم المحكمة ملزماً للأطراف كلها؛ فالإلزام إنما يكون بالشريعة؛ وفي هذا محافظة كبيرة على مكانة أفراد الأمة والاعتراف بكرامتهم.
وأما المعارضة فإن الحجة فيها راجعة للأغلبية فلا يمكن وصف رأي أو تَصوُّر بالبطلان ـ حتى لو كان خطأ تماماً ـ إذا حاز على الأغلبية ووافقت عليه الأكثرية؛ إذ لا معنى للصواب عندهم إلا أن يكون ذلك مُوافَقاً عليه من الأغلبية، وحينئذ يمتنع الاعتراض عليه أمام المحاكم، ويصبح نافذ العمل بمجرد إقراره، وتكون في النهاية الأغلبية هي المتحكمة في مصائر الأمة، حتى لو كانت أغلبية صورية أو كانت أغلبية جاهلة أو فاسدة.
الاستمرارية في العمل: الحسبة وجودها ونشاطها غير مرتبط أو متوقف على الاعتراض على تصرفات الحكومة، بل هي تعمل مع الحكومة في الاتجاه نفسه، وتشارك عن طريق العمل الإيجابي مع الحكومة في تحقيق أهداف المجتمع؛ ولذلك فإن الحسبة تظل مزدهرة في حالة استقامة الراعي وفي حالة اعوجاجه، ولذلك قال أبو بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ فيما نقلناه عنه سابقاً: «راعوني؛ فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني! »(16)؛ فالحسبة تعمل وتنشط في كِلا الحالين مما يعني استمرارية عملها في المجتمع في كل أحيانه؛ فعن أبي قلابة: «أن رجلاً من حمص يقال له كريب بن سيف ـ أو سيف بن كريب ـ جاء إلى عثمان، فقال: ما جاء بك؟ أبإذن جئتَ أم عاصٍ؟ قال: بل نصيحة أمير المؤمنين، قال: وما نصيحتك؟ قال: لا تكل المؤمن إلى إيمانه حتى تعطيه من المال ما يصلحه ـ أو قال ما يعيِّشه ـ ولا تكل ذا الأمانة إلى أمانته حتى تطالعه في عملك، ولا ترسل السقيم إلى البريء ليبريه؛ فإن الله يبرئ السقيم، وقد يُسقِم السقيمُ البريء، قال: ما أردت إلا الخير. قال: فردهم، وهم زيد بن صوحان وأصحابه»؛ فقد جاء المسلم من حمص في سوريا إلى المدينة النبوية يحتسب عند أمير المؤمنين في إسداء النصيحة.
أما المعارضة فإنها قائمة على أساس التربُّص بتصرفات الحكومة ومخالفتها، وهي بمقتضى قيامها تعد نفسها البديل للحكومة؛ فهي لم تقم إلا لمعارضة الحكومة لا لمعاونتها، وأقصى ما يمكن أن تشارك به هو تقديم وجهة نظر فيما يراد عمله أو إقراره من قِبَل الحكومة بهدف إظهار تفردها وتميزها على الحكومة وأحقيتها في أن تحل محلها؛ وهذا يعني أنه عند استقامة الحكومة أو عند وجود خلافات غير جوهرية فإن استمرارية المعارضة وفعاليتها تصل إلى أدنى درجاتها، وحتى تحافظ المعارضة على استمراريتها وفعاليتها وعدم غيابها عن حس المواطن العادي، فإنها إما أن تفتعل الاختلاف مع الحكومة افتعالاً، وإما أن تضخم الخلاف الموجود.
الحسبة ضمان وأمان: قد ترفض السلطة في كثير من بلاد المسلين أي نوع من أنواع المتابعة والمراقبة لسياستها تصوراً منها أن ذلك يقدح في هيبتها أو أحقيتها بالولاية، ومن ثم ترفض الاقتراحات المقدمة والمشاركة في حل المعضلات أو المشكلات، وهذا فضلاً عن مخالفته للأحكام الشرعية فإن فيه محاذير أخرى نذكر منها: حرمان الأمة والمجتمع من كفاءات العديد من خيرة أبنائه الذين ينأَوْن بأنفسهم عن الدخول في هذه المواقف الحرجة، كما يحرم الأمة من مشاركتهم لها وقت الأزمات، وفي المواقف الحرجة التي تحتاج إلى جهدهم وفكرهم، فتقف وحيدة من غير معاونة في وقت هي أحوج ما تكون فيه إليهم. وبينما هناك فريق ينأى بنفسه فإن هناك الفريق المقابل الذي قد يلجأ إلى خيارات يترتب عليها نشوء أفكار مشوهة أو غير صحيحة، ومواقف غير رشيدة لا تجني الأمة من ورائها إلا الشوك، وقد ينقلب الأمر عند فئة ثالثة إلى المداهنة والنفاق وإظهار الرضا والموافقة على كل تصرفات الحكومة. وخطورة هذا المسلك على مجموع الأمة معروف لا ينكر، فلا يُظهر الحق ولا يُخمد الباطل إلا ما وافقت عليه السلطة، وهو ما يعني في النهاية اختزال الأمة كلها في الحكومة، بينما الأصل أن الحكومة إنما وجدت لمصلحة الأمة، كما يترتب على منع الحسبة إضعاف التفاعل بين الدولة والأمة، حتى يتصرف كثير من الناس بنفسية الأجير لا بنفسية صاحب الدار، ويترتب على ذلك تعرض الأمة للغزو الفكري والقبول بأشكال الفكر السياسي الغربي الوافد بأشكاله ومشكلاته. وفي ظل التقدم التقني الهائل في وسائل الاتصالات صارت المعلومات والأخبار بمنزلة الكلأ المباح يَرِدُه كل من احتاج إليه، وأصبح التحكم في ذلك صعباً للغاية، ولم يعد بوسع الدول أن ترد عادية هذا الأمر إلا بحكم الشعوب بشريعة الله التي تضمن التَّواؤُم بين الجميع والعمل الجاد العام لصالح الجميع.
-----------------------
(1) أخرجه البخاري كتاب الحيل، رقم 6464.
(2) انظر البخاري كتاب المغازي، رقم 3994.
(3) مصنف عبد الرزاق، 11/336.
(4) قال في لسان العرب: تَجْمِيرُ الجيش: جَمْعُهم في الثُّغور وحَبْسُهم عن العود إِلى أَهليهم.
(5) الغِياضُ: جمع غَيْضة وهي الشجر المُلْتَفّ؛ لأَنهم إِذا نزلُوها تفرّقوا فيها فتمكَّن منهم العدوّ.(14/39)
(6) أخرجه أحمد رقم 273، والحاكم في المستدرك، 4/ 485، وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، لكن أبا فراس الراوي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ ليس من رجال مسلم ولم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين (ذكر ذلك الشيخ الأرناؤوط).
(7) أخرجه الحاكم في المستدرك، 3/501، وسكت عنه الذهبي في التلخيص.
(8) أخرجه الحاكم في المستدرك، 3/ 502، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(9) أخرجه البيهقي، 9/138.
(10) فضائل الصحابة، 1/290.
(11) أخرجه الحاكم في المستدرك، 2/66، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وابن ماجه، كتاب الأحكام، رقم2332 وأحمد، رقم 2719، وقال الشيخ الأرناؤوط: حسن.
(12) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، رقم 70.
(13) أخرجه الترمذي، كتاب الفتن، رقم 2094، وقال: هذا حديث صحيح. وأبو داود، كتاب الملاحم، رقم 3775. وابن ماجه، كتاب الفتن، رقم 3995. ومسند أحمد، رقم 1.
(14) من حيث الواقع ليست هناك حرية مطلقة إلا في جانب التصرفات الفردية في مخالفة الدين أو الأعراف.
(15) مصنف عبد الرزاق، 11/336.
(16) مصنف عبد الرزاق، 11/334.
http://www.albayanmagazine.com المصدر:
==============
الإصلاحيون والخطاب الدعوي المنقوص
محمد جلال القصاص
في ثلث الليل الثَّاني هبّوا من مضاجعهم يتسللون على أطراف أصابعهم كالقِطى ـ كما يصف أحدهم ـ وهناك في آخر (مِنى) عند العقبة وفي إحدى الشعب تجمع وفد يثرب ليبايع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيعة العقبة الثانية، وينطق الأخيار: خذ لربك ودينك ما شئت يا رسول الله!
فيجيب الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافوا لومة لائم، وأن تنصروني إذا قدمت عليكم فتمنعوني مما تمنعون منه نسائكم وأنفسكم وأولادكم.
قالوا: وما لنا يا رسول الله إن فعلنا؟
قال: ولكم الجنة.
قد كان صلى الله عليه وسلم موقنا أن الله سيتم هذا الأمر حتى لا يخاف الراكب إلا الله والذئب على غنمه، وأن الفُرس لن تأخذ إلا نطحة أو نطحتان وبعدها يرث المسلمون ديارهم وأموالهم، وأن عقر دار الإسلام بلاد الشام، ومع ذلك لم يشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنعقد البيعة على أمر دنيوي، بل أراد للنفوس أن تنصرف إلى ما عند الله.
في ثلث الليل الثَّاني هبّوا من مضاجعهم يتسللون على أطراف أصابعهم كالقِطى، وهناك في آخر (مِنى) عند العقبة وفي إحدى الشعب تجمع وفد يثرب ليبايع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
وفي مكة حيث الضعف والانكسار وقلة العدد وانعدام العتاد، وقد تجمعت العرب على كلمة الكفر، وصموا عن الحق آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا على الضلال وإضلال الناس إصراراً، وأنفقوا الأموال كي لا تكون كلمة الله هي العليا كانت الدعوة لا تتكلم عن شيء أكثر مما تتكلم عن اليوم الأخر ابتداء من القبر وما فيه ويوم الحساب وما فيه والجنة والنار، حتى أصبحت سمة بارزة للقرآن المكي.
بلغة العقلاء المفكرين...الإصلاحيين: كان الحال يستدعي مرونة في الطرح بإظهار شيء مما تخفيه تلال الأيام ويستيقن منه الرسول عليه الصلاة والسلام من نصر وفتح وغنيمة، حتى يكثر العدد وتكون قوة تواجه هذه القوى، ولكن شيئاً من هذا لم يحدث، وأصرت الدعوة على أن تبدأ من اليوم الآخر ترغيباً وترهيباً.
تحاول أن تجعل القلوب معلقة بما عند ربها ترجوا رحمته وتخشى عقابه. ويكون كل سعيها دفعا للعقاب وطلبا للثواب فتكون الدنيا بجملتها مطية للآخرة.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو أيضاً تربى على هذا المعني، فقد كان يتنزل عليه " وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ [يونس: 46] " وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ " [يونس: 40]
وهكذا استقامت النفوس تبذل قصارى جهدها في أمر الدنيا ترجوا به ما عند الله فكان حالهم كما وصف ربهم " تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا " فهذا وصف للظاهر" ركعاً سجداً" ووصف للباطن "يبتغون فضلاً من الله ورضوانا"، والسياق يوحي بأن هذه هي هيئتهم الملازمة لهم التي يراهم الرائي عليها حيثما يراهم، كما يقول صاحب الظلال ـ رحمه الله ــ.
هذا حال من ابتدؤوا، وإنا نجد في كتاب ربنا أننا ملزمون بالسير على دربهم واقتفاء آثارهم، " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " " فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ". وما لنا أن لا نقتفي آثارهم ونسير على دربهم وهم أنجح جيل في التاريخ ولم يأت مثله في حياة الناس؟
وهكذا استقامت النفوس تبذل قصارى جهدها في أمر الدنيا ترجوا به ما عند الله فكان حالهم كما وصف ربهم " تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا "
أقول: ومن يتدبر آيات الأحكام في كتاب الله يجد أن هناك إصرار من النص القرآني على وضع صورة الآخرة عند كل أمر ونهي ضمن السياق بواحدة من دلالات اللفظ، المباشرة منها أو غير المباشر (دلالة الإشارة أو التضمن أو الاقتضاء أو مفهوم المخالفة.. الخ)، فمثلا يقول الله –تعالى: " ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين... "(14/40)
فتدبر كيف يأتي الأمر بعدم تطفيف الكيل حين الشراء وبخسه حين البيع؟
ولا أريد أن أعكر صفو النص بكلماتي.
ومثله " فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور "
فهنا أمر بالسعي على الرزق، وتذكير بأن هناك نشور ووقوف بين يدي الله عز وجل فيسأل المرء عن كسبه من أين وإلى أين؟
بل واقرأ عن الآيات التي تتحدث عن الطلاق في سورة البقرة تجد أنها تختم باسم أو اسمين من أسماء الله عز وجل "... فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " "... وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " "... وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " "... وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " ".... إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "
وهذا لا شك استحضار للثواب والعقاب.
وإذا كان هذا أسلوب القرآن العظيم في عرض قضايا الشريعة، وهو ما تربى عليه الصحابة رضوان الله عليهم فلم يغب الطرح الأخروي عن المشاريع الفكرية التي تنتجها أقلام (الإصلاحيين) وخاصة حين يتكلمون إلى الكافرين أو العلمانيين؟... لم هذا الخطاب الدعوي المنقوص؟
لم لا نخاطبهم: آمنوا بربكم الذي خلقكم ورزقكم وأحياكم ويميتكم ثم يحاسبكم؟
لم لا نناديهم: أسلموا قبل أن تكونوا من جثي جهنم التي وصفها كذا وكذا؟
أسلموا كي لا تحرموا جنة فيها وفيها... ؟
ويدور الحوار حول دلائل صدق الخبر ومطلب المخبر.
أسذاجة؟
لا وربي. فهكذا نشأت خير أمّة أخرجت للناس ودونكم السيرة.
5/7/1426
http://www.almoslim.net المصدر:
=============
معالم دعوية
بدر بن نادر المشاري
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
إلى كل من دعا إلى الله:
اعلم أن الناس بلا دعوة أيتاماً، لا يعرفون حلالاً ولا حراماً، ولا صلاة ولا صياماً، ولا سنناً ولا أحكاماً، فحاجتهم للدعوة أشد من حاجة البدن للهواء والماء والغذاء؛ ولذلك أرسل الله الأنبياء، وخط في اللوح ما شاء .
إن الداعية الناجح والواعظ الصالح، هو من جعل محمداً - صلى الله عليه وسلم - إمامه، وعرف هديه وكلامه، فراش بهداه سهامه، وجّمل بسنته مقامه ومن المعلوم أن خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن أحسن القول الدعوة إلى الله {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. ؛ [فصلت 33]
ولن يفلح الخلف من العلماء و أهل الدعوة والإصلاح إلا إذا ساروا على ما كان عليه أسلافهم وعلى رأسهم محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - و أصحابه والتابعون ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
والدعوة إلى الله - تعالى -فن له أصوله؛ وفيما يلي إشارات موجزة و إضاءات وثوابت ومعالم في طريق الدعوة إلى الله أضعها بين يدي كل من دعا إلى الله فأعلم يا رعاك الله
• أن عليك أن تدعو المسلمين إلى الرجوع في كل شأنهم إلى الكتاب والسنة على نهج السلف الصالح.
• اعلم أن أهم ما يدعى إليه التوحيد فإنه حق الله على العبيد ومن أجله بُعثت الرسل، وكل كتاب من أجله نزل وهو رأس العمل.
• الشرك بجميع صوره والبدع والمعاصي أضر على القلوب والشعوب من ضرر السموم على الأبدان، ولذلك سارع في دعوة الناس إلى الفضيلة وتحذيرهم من الرذيلة.
• من طعن في الصحابة فقد طعن في الدين؛ لأنهم نقلته وشهوده، وإذا سقط الشاهد سقط المشهود عليه، فعلينا أن نحب الصحابة جميعاً، وننزلهم منازلهم دون إفراط أو تفريط.
• أهل الحديث العاملون به هم الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، وهم السلف الصالح، فنسأل الله أن يجعلنا من أتباعهم ظاهراً وباطناً 0.
• الحق وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، ونور بين ظلمتين، وأهل السنة وسط بين الخوارج والمرجئة، وبين الروافض والنواصب، وبين القدرية والجبرية، وبين أهل التحريف والتكييف، وبين أهل التعطيل والتمثيل. {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً}
• للعلماء العاملين، والدعاة المصلحين ـ منزلة عظيمة، وهم كالقلب للجسد، والشمس للأرض، وعلى الناس أن يستفيدوا منهم جميعاً؛ بدون جمود على قول أحد بعينه، آخذين بالدليل، ولا يقدم في الدعوة جاهل أو ضال أو مثير فتنة أو لاهث وراء دنيا.
• يسعى الداعية للتصفية الشاملة، والتربية على هذا الصفاء، وعليه أن يدرك أن الطريق طويل وشاق، لكن الله لا يخلف الميعاد: {والذين جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا....} [العنكبوت69]
• الدعوة الحقة دعوة قائمة على العلم بالحق والرحمة بالخلق، حاكمهم ومحكومهم، وعلى الداعية أن يسعى بالنصيحة الصادقة، ويأمر بالصبر والقناعة دون طمع في الدنيا أو طلبها ممن لا يملكها، أو تزلف لأحد، غير الأحد الصمد.
• الدعوة الصادقة لا تقر الحزبية المذمومة، ولا المذهبية الجامدة الحاقدة على الغير، ولا تقر العصبية الجاهلية.
• الدعوة الحقة تسعى لجمع الكلمة والتعاون على البر والتقوى، ولا تقبل الغثائية وتحذر منها.
• الدعوة المحمدية دعوة سنة بلا شماتة ولا تشنيع، ودعوة اجتماع بلا تمييع.
• الداعية الصادق ينظر للحال والمآل، وتعارض المصالح والمفاسد من خلال فهم الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح، ويطلع على فتاوى الراسخين في العلم، ولا يقدم آراء الرجال على الوحيين الشريفين، أو يعتمد على فاسد الأقوال.(14/41)
• اعلم أن صلاح الأمة إنما هو في العودة إلى الدين الحق الذي ارتضاه الله لخلقه، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" [رواه أبو داود].
• لا تستوحش من قلة السالكين، ولا تغتر بكثرة الزائفين والزالقين، واعلم أن الحق يستمد قوته من صحة برهانه، لا من علو مكانه أو كثرة القائلين به، واقبل النصيحة ولو من المخالف.
• بشارة لمن نصر دين الله في نفسه وأهله وجيرانه وأمته بعز الدنيا ونجاة الآخرة قال - تعالى -: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} [الحج: من الآية 40]
• يجب أن تكون الدعوة أعز عليك من كل شيء؛ فلا نفرط فيها طمعاً في مال، أو إرضاء لرجال، وأسأل الله البصيرة والثبات.
• على الداعية أن يعمل بما يقول ليضع الله له القبول، فكل من ترك الهدى فهو مخذول، وكلامه ساقط مرذول.
• ليتمسك الداعية بالواجبات، ويهجر المحرمات، ولتكن له نوافل وأوراد، وحسن خلق مع العباد، وإصلاح نفس وجهاد، ومحاسبة لها قبل يوم التناد.
• وليكن له حظ من الأذكار بالعشي والإبكار، وليراقب الواحد القهار، ويقرأ سيرة النبي المختار وصحبه الأبرار، ويزهد في هذه الدار.
• ليستفيد الداعية بما شُرٍع، وليحذر البدع، فإن النفس أمّارة، والدنيا غرارة.
• ليجوِّد الداعية العبارة، ويحسن الإشارة، وليأت المنابر، بعزم وثاب، وقلب غير هياب، وأسلوب جذاب، وليعد العدة قبل أن يلقي الخطاب.
• ليتذكر الداعية قول رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - " لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم " [متفق عليه]؛ فإن هذه من أجل النعم وليحمد ربه، وليشكره حيث جعله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وليعلم أن معلم الخير، وناصح الغير يستغفر له حتى الطير، فطوبى لمن كان للرسول خليفة، وما أجملها من وظيفة، فهي المنزلة الشريفة، والدرجة المنيفة، وهي مهمة الأنبياء ـعليهم الصلاة والسلام ـ وشغل العلماء وقربة الأولياء، فهنيئاً ـ أخي الداعية ـ لك الأجر، ورفعة الذكر، وجلال القدر، وصلاح الأمر، إن أحسنت النية والقصد.
وسبحان من اصطفى من عباده دعاةً إلى الجنة، وأعلاماً للسنة، له عليهم أجل نعمة وأعظم
منة؛ فله الحمد كله، والخير كله، والثناء كله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http://www.saaid.net المصدر:
==========
الهزيمة النفسية بدور تحفيظ القرآن الكريم
تشكل الهزيمة النفسية لدى مشرفي وإداريي دور تحفيظ القرآن الكريم أكبر العقبات التي تواجه تقدم هذه الدور وتطورها نحو الأفضل
ولعل الأسباب التي تكمن وراءها في نظري ما يلي:
•ضعف الثقة بالنفس
•الركون إلى الروتين وعدم الرغبة في التجديد.
•انعدام الطموح والرغبة في تحسين الذات لدى الفرد.
•قلة الخبرة وعدم البحث أو الاطلاع على كل ما هو جديد بالساحة.
•الخوف من المجهول وعدم وجود روح المغامرة.
•توقع النتائج السلبية والخوف من ردود الأفعال.
•الانقياد خلف آراء المثبطين دون محاولة التثبت من صحتها.
•التعليل بقلة الإمكانات المادية.
ولا شك أن الاستسلام لمثل هذه الأمور سيعيق تقدم الدور هذا إن لم يشل حركتها، لاسيما ونحن الآن في عصر كثرت فيه الفتن
والمغريات أمام الأبناء والبنات وأصبحنا في حاجه ماسة لطرق وبرامج تشبع احتياجات هؤلاء الأبناء وتشجعهم على الالتحاق بدور وحلقات التحفيظ بكامل رغبتهم وليس مجاراة لإلحاح الأهل (والذي ينشأ عنه تسرب الطلاب فيما بعد)
وقبل الحديث عن بعض التساؤلات والمثبطات المنتشرة بين الدور ينبغي علينا أن ندرك أمرا في غاية الأهمية وهو أن نجاح أي عمل يقوم به الإنسان يرجع بالدرجة الأولى إلى توفيق الله لهذا الإنسان وأما العمل في حد ذاته مهما بذل الإنسان فيه من جهد أو تنظيم أو إبداع فهو مجرد بذل سبب...لذا كان من الضروري قبل البدء بأي عمل الاستعانة بالله والتوكل عليه
وطلب التوفيق والنجاح منه... مع إخلاص النية لله واحتساب الأجر منه... ومن كان هذا نهجه فلن يخيب الله سعيه.
بعض المثبطات التي تواجه الدور عند الإقدام على خطوات جديدة
•هذا العمل صعب؟!
ونقول هنا أنه لا يوجد شيء صعب أمام العزيمة و الإرادة القوية لدى الفرد إنما بتعاون الجميع والبحث عن أفضل الطرق المعينة
على حسن الأداء ودراسة العقبات ووضع الحلول لها فان أصعب الأمور ستتحقق بإذن الله - تعالى -.
هذا العمل يحتاج لمجهود؟!
ونقول هنا أن كل شيء في الدنيا يحتاج لمجهود حتى شرب الماء يحتاج لمجهود ولا يوجد هناك شيء يأتي بيسر وسهوله... ولذلك كان التخطيط المسبق و الأعداد المبكر لأي برنامج من عوامل نجاح هذا البرنامج... كما ينبغي أن لا نغفل أن الإنسان مأجور على أي طاعة يؤديها وأن الأجر بقدر المشقة فليحتسب جهده وتعبه عند الله.
لا استطيع آداء العمل؟!
وهذا من أكبر العوائق فلا تقل لا أستطيع إنما قل سأحاول وأحاول حتى أنجز العمل فإن أصبت فهذا فضل من الله ومنه وإن فشلت فهذه تجربة قد خرجت منها بخبرة تعينني على تلافي الأخطاء مستقبلاً.
لم يظهر العمل على النحو المطلوب !!
لا تتوقع الكمال التام لأي عمل فالكمال لله وحده إنما الإنسان يحاول ويسعى لتحقيق أكبر قدر ممكن من النجاح مع مراعاة التقييم الدائم للعمل ودراسة أسباب النقص لتلافيها لاحقا.
الخوف من النقد وردود الأفعال السلبية من الآخرين!!(14/42)
وهنا نقول أن على الإنسان أن يسعى ويبذل ما في وسعه لتطوير ذاته وعمله للأفضل دون النظر إلى ردود الآخرين فرضا الناس غاية لا تدرك وما دام أن البرامج التي يسعى لتحقيقها لا تتعارض مع أحكام الشريعة ولا أنظمة الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن فعليه المبادرة بتنفيذها دون أن يلتفت لآراء مجموعة أو أفراد قد تكون نظرتهم للأمور قاصرة أو أنهم من النوع الذي لا يحب التغيير.
التوقع المسبق لفشل البرنامج؟!
وكثير ما نواجه بالدور مثل هذا الأمر (من قبيل أن هذا البرنامج لن ينجح أو لن يعجب الدارسات أو.... ) ليس لشيء إنما لأن هذا الأمر جديد عليهم ولم يطبق من قبل وهنا نقول مثلما قلنا في النقطة السابقة أن البرنامج مادام لا يخالف الشريعة ولا الأنظمة
فلا بأس بهم أن الغيب عند الله فلماذا طرح الأحكام المسبقة. ومن خلال ممارستي للعمل فإن أغلب الأمور التي تتم معارضتها تنجح بشكل كبير بتوفيق من الله وفضل.
الاهتمام بالشكليات دون المضمون !!
حيث يقتصر اهتمام البعض على أمور شكليه في البرنامج (من قبيل هل البرنامج من إعدادك أم أنه مقتبس ـ هل البرنامج يدر دخل على الدار أم لا...... وهكذا) ويغفلون المضمون والنتائج الإيجابية للبرنامج ومدى الفائدة التي ستعود على الطلاب أو الطالبات من وراء تحقيق البرنامج وهذا غالبا ما يلاحظ في البرامج الدعوية .
إمكانيات الدار المادية قليله!!
ونقول هنا انه ليس بالضرورة لأي برنامج الكلفة المادية العالية بل يجب تخفيض الكلفة قدر المستطاع من خلال الشراء بالجملة ومن التخفيضات أو استخدام الأدوات والخامات الرخيصة والتي تؤدي نفس الغرض مع الابتكار واستخدام خامات البيئة الموجودة والاستعانة بالمتطوعين وحث المقتدرين على المشاركة الماديه في هذه البرامج وهكذا...
وأخيراً فالإنسان مكلف بالعمل دون انتظار النتائج فعلينا السعي نحو تطوير دور وحلقات التحفيظ نحو الأفضل باستغلال كافة الوسائل الممكنة دون كلل أو ملل أو توقف عند أي من هذه المثبطات وأن نجعل من برامج وأنشطة الدور والحلقات واقع ملموس وليست مجرد أفكار نظرية نتبادلها دون محاولة تطبيقها والاستفادة منها.
http://www.qaaaf.org المصدر:
============
دفاعاً عن المخيمات الدعويّة !
خالد بن سعود الحليبي
لا تزال بلادنا -المحروسة بعين الله- تسجل انتصارها على الإرهاب بكل صنوفه، الإرهاب المتطرف باسم الدين، والدين الحق منه براء، والإرهاب المتطرف باسم الفكر المتطور، والفكر السليم منه براء، وصعوبة المعادلة تجعل القدرة على حلها مؤشراً على الحكمة والبصيرة، وهما كفتا العدالة، والثبات على المبدأ مهما ازداد جنون العواصف..وهو ما نراه جلياً في تعامل دولتنا مع كلا الطرفين.
وأنت ـ في هذا العصر ـ إما أن تكون مفتاح خير أو مفتاح شر، أو مفتاحاً بالياً تجب تنحيته حتى لا يثقل الجيب، ويزيد من شتات الذهن حين يُبحث عن المفتاح الصالح.
والعجيب أن بعض كتاب صحفنا المحلية ارتضوا أن يكونوا مفاتيح للشر مغاليق للخير في الوقت نفسه؛ ففي حين يرعى أصحاب السمو أمراء المناطق ومحافظوا المحافظات في شرق البلاد وغربها مخيمات الإصلاح الصيفية، وفي حين ترتفع معدلات إنجازات هذه المخيمات وأعداد المقبلين عليها، ترتفع عقيرة بعض المخذّلين للمطالبة بعدم السماح بها سنتين أو ثلاث؛ بحجج شتى، منها ما يركب الموجة، فيتهمها أنها "تفرخ الإرهاب"، ومنها ما يدل على دخائل النفوس المريضة؛ التي تكره الدعوة إلى الله والدعاة إليها، فتقول: إنها لا تحتوي إلا على (الأنشطة الدعوية)، كبرت كلمة تخرج من أفواههم!! والله - تعالى -يقول: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [سورة فصلت: 41/33].
وراحوا يسمون بعض المخيمات في المنطقة الغربية، ويعممون الأمنية الإبليسية على جميع المخيمات الصيفية؛ والتي شهد بفضلها وحسن أدائها وسمو أهدافها وروعة نتائجها: أصحاب السمو الأمراء والفضيلة العلماء، وكل من استفاد منها من الآلاف المؤلفة الذين يقهرون الرطوبة والحر، ويجلسون في الخيام لطلب فائدة، أو للتعرض لموعظة، أو للترفيه البريء من فضلات الفضائيات الموبوءة، والمواقع الإباحية.
نسبة من الحضور هم من أصحاب الكبائر؛ كما يعترفون بذلك، بل كما شاهدتهم بنفسي، وقابلت بعضهم في قافلة الخير في الدمام و بوارق الخير في الأحساء، فإذا لم تتلقفهم هذه الأيادي المتوضئة.. فمن سيتلقاهم؟
هذه المخيمات تخرج كل عام آلاف التائبين وترعاهم طوال العام؛ ليتحولوا إلى مواطنين صالحين مصلحين عاملين من أجل مستقبلهم ومستقبل أسرهم، وليكونوا رجالاً للوطن الذي يرعاهم.
ولا أدري ماذا يريد هؤلاء الكتبة من وراء ما يكتبون؟ هل هو الصدّ عن سبيل الله جهاراً؟ ألا يكفيهم سلبيّتهم ونفعيّتهم؟
وماذا قدموا للوطن غير محاولة إثارة الفتنة والبلبلة بهذه الكتابات اليائسة أمام قبول ولاة الأمر، وأهل الحل والعقد، وفضلاء الوطن وشرفائه، وتدفق المستفيدين بالآلاف؟(14/43)
إنهم يلمزون هذه المناشط الربانية مستفيدين من (وجع الوطن)؛ ليفرغوا ما حملت أدمغتهم من فكر ملوّث، وإذا أحسنا الظن ببعضهم، فيا ليت هذا (البعض) أن يكلفوا أنفسهم فينزلوا من برجهم الوهمي إلى واقع هذه الروضات الرضيّة، ليروا غير ما وهموا، فقد كنت بين الحاضرين في حفل افتتاح مخيم (بوارق الخير) في الأحساء، فشاهدت ـ كغيري ـ كيف برز العنصر الأكبر في هذا الحفل، وهو (الوطن)؛ حيث رفعت إدارة المخيم شعاراً يهتف من القلوب الهائمة بأرض الحب والنور (أحبك يا وطني)، وكان العلم السعودي الذي يحمل شهادة الحق وسيف العدالة يخفق على جانبي المسرح، والأفلام الوثائقية عن نهضة هذه البلاد ورعاية قادتها لمشروعاتها العملاقة، والأناشيد الوطنية، والكلمات الصادقة المخلصة.. كلها تحمل معاني هذا الحب الخالد في النفوس لبلاد الله في هذا الوطن الغالي..
الآلاف من المتطوعين يسكبون راحتهم وراحة أسرهم في كف العطاء السخي لأبناء هذا الوطن كل عام، في الوقت الذي يزجي غيرهم إجازته واقتصاد وطنه، وربما مروءته على شواطئ التيه هنا وهناك!! ثم تسكت عنهم هذه الأقلام؟!!
أيها المخذّلون.. كفاكم نكوصاً عن ميادين الخدمة والعمل الخيري الذي ملأه الأخيار ونفعوا به البلاد والعباد.. بينما لا نشاهد فيه أمثالكم.. لأنكم تعوّدتم ألاّ تفعلوا شيئاً دون مقابل.. ودعوا الذين يستمتعون ببذل أوقاتهم وراحتهم وأموالهم من أجل أن يهدي الله بهم رجلاً واحداً..
سلوا رجال مكافحة المخدرات.. والسجون.. والمرور.. وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل رجالات الأمن في كل القطاعات عن الآثار الرائعة لهذه المخيمات الهادفة.. ستجدون أنها تستحق أن تُدعم من ميزانيات معظم الوزارات؛ لأنها ـ بالفعل ـ تقدم خدمة حضارية لا تُقدّر بثمن، وأنها توفر مبالغ طائلة باستصلاح هؤلاء الشباب، بدلاً من تركهم كما يطالب (المخذلون) يقتاتون من أفلام الرعب والإرهاب التي تضج بها الشاشات اليوم، أو تركهم فريسة في أيدي عصابات المخدرات والإجرام، أو تركهم خاماً ينقض عليه أهل الفكر المنحرف؛ فيفصلون منه خناجر تطعن خاصرة الوطن.. حماه الله من المجرمين والضالين والمخذّلين.. !
لمحة.. والحر تكفيه الإشارة:
الدراسات تؤكد أن 60% من الأحداث دخلوا السجن خلال الإجازة الصيفية!!
17/7/1426
22/08/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
=============
أهمية الواقعية والمعاصرة في موضوعات الخطيب
عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل
من الميسور أن يختزل الخطيب الموضوعات الخطابية بما يمثل الجوانب الإيمانية والوعظية ونحوهما؛ حيث إنها موضوعات مطروحة مبحوثة، بل معدة للخطيب إعداداً تاماً من خلال بعض الكتب ومواقع الشبكة العنكبوتية، لكنه بهذا النمط لا يعد مبدعاً في الحقيقة، وليس مستحقاً لحيازة لقب النجومية في عالم الخطابة، إنما النجم الذي يصدق عليه هذا اللقب، هو ذلك الخطيب الثَقِف الذي يَفْتِلُ عضلات لسانه، في حلبة الصراع مؤلفاً بين الأصالة وروح المعاصرة والواقعية التي نفقدها في بعض خطباء اليوم. وهذه الروح، وإن كانت مهمة للخطيب في كل حين، إلا أنها في هذا الحين أهم، حيث تفاقمت فيه المستجدات، وكثرت فيه المغريات والمتغيرات التي تحتاج من الخطيب إلى وعي دائم، ومتابعة دائبة، وفهم شمولي صائب لكل مستجدة لها ارتباط بحياة المسلمين وواقعهم ومشاكلهم ـ وما أكثرها اليوم ـ وبهذه الصورة الواعية الواعدة، يمكن أن يعايش الخطيب هموم الناس، ويصنع من منبره سلماً يرتقي من خلاله الناس لمعالجة أوضاعهم، وتخفيف معاناتهم الممتدة في أودية العناء الشاسعة، وبحور الهموم الواسعة، وبهذا الاقتراب والملامسة لواقع الناس، يكون نتاج الخطيب مثمراً، وعطاءاته موقظة، وكلماته مؤثرة، وإذا كان الخطيب أقرب لملامسة حاجات الناس، كان أَذْكَر في ألسنتهم، وأنفع لجمهورهم «وكلما كان صادقاً في قصده، مهتماً بجمهوره وسامعيه، جاداً في طرحه، محترماً لنفسه، فسوف يحسن الاختيار، ويقدح زناد فكره بجدية نحو الابتكار وحسن الاختيار، يضاف إلى ذلك الظروف المحيطة، والأحوال المستجدة، والأغراض الباعثة التي تستدعي الحديث عن بعض الوقائع، والتعليق على بعض الأحداث، والتفسير لبعض المواقف، وتصحيح بعض المفاهيم»(1).
وقد كان هذا هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - كما بينه ابن القيم - رحمه الله - حيث قال: «كان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم»(2).
ولهذا أمثلة كثيرة من السنة النبوية، من ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «جاء رجل يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب بهيئة بذة(1)، فقال له رسول - صلى الله عليه وسلم -: أصليتَ؟ قال: لا، قال: صل ركعتين، وحث الناس على الصدقة، فألقوا ثياباً، فأعطاه منها ثوبين، قال: فلما كانت الجمعة الثانية جاء ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فحث الناس على الصدقة، قال: فألقى أحد ثوبيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: جاء هذا يوم الجمعة بهيئة بذة، فأمرت الناس بالصدقة فألقوا ثياباً فأمرت له منها بثوبين، ثم جاء الآن فأمرت الناس بالصدقة، فألقى أحدهما، فانتهره، وقال: خذ ثوبك»(2) وفي هذا الحديث، يتبدى لنا بجلاء، كيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لامس مشاعر هذا الصحابي، وتفاعل مع حاله وهو يخطب، واستنهض همم الصحابة للقيام بواجب المواساة، وتخفيف المعاناة.(14/44)
ومن خلال هذا الحديث يمكن أن نستوقف خطباءنا الميامين ونستفهمهم: ما الذي ستقدمونه اليوم، ليس لفرد واحد يحضر الجمعة، وإنما لملايين المسلمين الذين يحضرون الجُمع، بصدور مليئة بالهموم، وقلوب قد نفث في روعها طول العناء، ماذا أعددتم لجيل اليوم والغد، الذين لم تكن معاناتهم من الفقر والقلة، ولا من الضعف والعيلة، فحسب، بل من شيء اكبر من ذلك، هو مسخ الهوية، وغزو العقول، وحرب الأفكار، ونقض الثوابت، وتبديل الأصول والمفاهيم؟ لكننا ـ وبحمد الله رغم هذا ـ عندما نجول بالنظر إلى واقعنا المعاصر، نفرح بطلائع الأمة من شيوخها ودعاتها وخطبائها، الذين يرتسمون الهدي النبوي، في معالجة النوازل، ومجاوزة الخطوب، والذين لهم فيه وفي صحابته ـ الذين تحملوا الحمالات من أجل هموم المسلمين، وجمع كلمتهم، واستصلاح واقعهم ـ أسوة حسنة.
فهذا فاروق الأمة - رضي الله عنه - لما أحس بالرحيل وقرب الأجل، وتخوف أن يختلف الناس من بعده، في أمر الخلافة، وفي شأن الكلالة، آثر أن يجعلهما حديث خطبة من أواخر خطبه، لمناسبتهما للحال، ولكثرة الاختلاف فيهما، فقال - رضي الله عنه - في مستهل خطبته: «إني رأيت كأن ديكاً نقرني ثلاث نقرات، وإني لا أراه إلا حضور أجلي، وإن أقواماً يأمرونني أن أستخلف، وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، ولا الذي بعث به نبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن عجل بي أمرٌ فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راضٍ، وإني قد علمت أن أقواماً يطعنون في هذا الأمر، أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام؛ فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال. ثم إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة، ما راجعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بأصبعه في صدري، فقال: يا عمر! ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء، وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن...، ثم ثلَّث - رضي الله عنه - بعد ذلك بالتنبيه على مخالفة ذاعت في أيامه تلك، وتوارد بعض الناس عليها، فبين أن واقع هذه القضية مخالف لهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول: «إنكم أيها الناس! تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين، هذا البصل والثوم» لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهم فليمتهما طبخاً»(3) وهذه الموضوعات الثلاث التي اختارها - رضي الله عنه - لخطبته دليل جلي على اهمية مراعاة مقتضى الحال في خطب الجمعة، وأنها ليست على رتابة دائمة.
وما أجمل تلك الكلمات التي سطرها يراع الشيخ (محمد أبو زهرة) - رحمه الله -، في بيان هذا الجانب المهم لدى الخطيب ـ وهو مراعاة مقتضى الحال ـ حيث قال: «مراعاة مقتضى الحال لب الخطابة وروحها؛ فلكل مقام مقال، ولكل جماعة من الناس لسان تخاطب به؛ فالجماعة الثائرة الهائجة تخاطب بعبارات هادئة، لتكون برداً وسلاماً على القلوب، والجماعة الخَنِسة الفاترة، تخاطب بعبارات مثيرة للحمية، موقظة للهمم، حافزة للعزائم، والجماعة التي شطت وركبت رأسها، تخاطب بعبارات فيها قوة العزم ونور الحق، فيها إرعادة المنذر، ويقظة المنقذ.. وفيها روح الرحمة، وحسن الإيثار، ليجتمع مع الترهيب الترغيب، ومع سيف النقمة ريحان الرحمة؛ لذلك وجب أن يكون الخطيب قادراً على إدراك الجماعة وما تقتضيه، والإتيان بالأسلوب الذي يلائمه »(4).
وقال الشيخ محمد رشيد رضا واصفاً مراعاة الخطيب لمقتضى الحال، وواقع الزمان:
«بينّا لك أن خير الخطب ما كان مصدره نَفَس الخطيب وشعوره وإحساسه، لا نفَسَ غيره ممن مضت بهم القرون، وكانوا في عالمٍ غير عالمنا، ولهم أحوال تخالف حالنا؛ فمن أراد العظة البالغة، والقولة النافذة، فليَرْمِ ببصره إلى المنكرات الشائعة، والحوادث الحاضرة، خصوصاً ما كان منها قريب العهد، لا تزال ذكراه قائمة في صدور الناس، وحديثه دائراً على ألسنتهم، أو ذائعاً في صحفهم، أو تراه مشاهداً بينهم، ثم يتخير من هذه الحوادث ما يجعله محور خطابته ومدار عظته، ثم ينظر ما ورد من الآيات والأحاديث الصحيحة في الموضوع الذي تخيره، ويجيد فهمها، ويفكر في الأضرار المالية والصحية والخلقية والاجتماعية التي قد تنشأ عن هذه الجريمة التي جعلها موضع عظته، ويحصي هذه الأضرار في نفسه أو بقلمه، هذا إذا أراد التنفير من رذيلة، أو الإقلاع عن جريمة ذاع بين الناس أمرها، أو طفح عليهم شرها، فإن أراد الترغيب في فضيلة، أو الحث على عمل خيري، أو مشروع حيوي، فليفكر في مزاياه تفكيراً واسعاً مراعياً الصالح العام دون المآرب الخاصة»(1).
وفي سؤال موجه للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية برئاسة سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز - رحمه الله - جاء فيه: «هل يصح أن يتدخل الخطيب أثناء الخطبة في مواضيع تواجه الحياة؟ وتَدَخُّلُ بعض الشيوخ في السياسة؟
أجابت اللجنة بما نصه: «للخطيب أن يبين في خطبة الجمعة وفي دروسه ومحاضراته ما تحتاجه الأمة من المعارف النافعة، وأن يعالج أمر الشعب، ويحل مشاكلهم قدر استطاعته، بالحكمة والموعظة الحسنة، سواء سمي ذلك سياسة أو خطبة جمعة، أو تعليماً أو إرشاداً، وما كان يترتب عليه من كلامه فتنة أو مفسدة راجحه على ما يقصد من المصلحة أو مساوية لها، ترك الحديث فيه إيثاراً للمصلحة الراجحة، أو حذراً من وقوع ما لا تحمد عقباه. وبالله التوفيق»(2).(14/45)
ولعلي ألفت النظر، هنا، إلى أن دعوة الخطيب إلى المعاصرة والواقعية في موضوعاته، ليس معناه أن يُشِيح بوجهه عن الموضوعات الأخرى، كموضوعات الرقائق والمواعظ ونحوها، إنما هي دعوة إلى المزايلة بين هذه وتلك، ودعوة أيضاً إلى الممازجة بينها وتوظيف بعضها لخدمة بعض، وربما اللوم هنا، هو لمن ليس له إلا لون واحد من الموضوعات، ولمن أعرض صفحاً عن واقع الناس، ولم ينزل بساحتهم، ولم يمتطِ صهوات رواحلهم، ولم ينبض قلبه بهمومهم، وكان بعيد التصور لأحوالهم وحياتهم.
ولعل من الأمثلة القريبة التي هي في صميم موضوعنا، الخلل العقدي الذي تكشَّف في الأمة عندما مات بابا الفاتيكان، وما لحق ذلك من التشكيك في كفره، أو الثناء أو الترحم عليه، رغم أن حكم هذا الرجل ومن شابهه من رؤوس الكفر، ودعاة التثليث والتنصير، بيّن بيان الشمس في وضح النهار، ومثال ثانٍ قريب: وهو الفساد الأخلاقي المدمر الذي نتج من البرنامج الفضائحي (ستار أكاديمي) الذي يعرض الخنا والفحش، ويدعو إليه، وطبّل له الملايين من شبابنا، وغيرهما من الأمثلة الكثيرة في عالم اليوم؛ فهل يسوغ للخطيب المؤتمن على رسالة المنبر، أن يتجاهل هذه الحوادث، التي تمزق كيان العقيدةِ والأخلاقِ والعفاف؟ لا أظن ذلك يسع الخطيب الذي ائتمنه الله، والمسلمون على أغلى رسالة، وأنبل وظيفة في الحياة.
ولعلي في خاتمة المطاف، اقترح على الخطيب، ليتحقق في موضوعاته، المعاصرة والواقعية، وليبلِّغ رسالته، ويصل إلى هدفه المنشود ما يلي:
1 - الاحتساب في معايشة الناس، ومعرفة واقعهم، إذ إن من عوامل نجاح الداعية والخطيب الذي ينشد إصلاح الناس، أن يكون عالماً بأحوالهم، مدركاً لمشكلاتهم. ومن الأمور المتقررة عند أهل المعرفة أنه لا يستطيع العمل على تغيير واقع الناس وانتشالهم من الضلال إلى الهدى، ومن البدعة إلى السنَّة، بصورة صحيحة مؤثرة، إلا من عاشرهم، وداخلهم، وعرف أحوالهم؛ ولذا على الداعية وطالب العلم أن يستشعر الخيرية، التي جاءت في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»(3)، ومذهب جماهير السلف تفضيل الاختلاط بالناس، في الأحوال الطبيعية التي لا يلحق المسلم فيها ضرر في دينه، على اعتزالهم والبعاد عنهم، ولهذا قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: «خالطوا الناس وزايلوهم، وصافحوهم، ودينكم لا تَكْلِمُونه»(4) (5).
وقال عمر - رضي الله عنه -: «خالطوا الناس بما يحبون، وزايلوهم بأعمالكم، وجِدُّوا مع العامة»(1).
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم، وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم؛ فإن لامرئ ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحب»(2)، وفي هذه الآثار المذكورات عن عمر وعلي وابن مسعود - رضي الله عنهم - بيان للمنهج الشرعي في هذه القضية، وهو مخالطة الناس ومخالفتهم، مع مزايلتهم ومخالفتهم، وليس بين الأمرين تعارض؛ إذ الأمر كما توضحه هذه الآثار والآثار الأخرى، يراد به مخالطتهم بالأجسام، ومزايلتهم بالأعمال، مع المحافظة التامة على الدين، أن يصاب بضرر بسبب هذه المخالطة. ولأهل العلم تفصيلات مطولة في هذا الباب، ولعل من أجمعها ما نقله ابن حجر - رحمه الله - عن بعض أهل العلم وهو أن ذلك «يختلف باختلاف الأشخاص؛ فمنهم من يتحتم عليه أحد الأمرين، ومنهم من يترجح وليس الكلام فيه، بل إذا تساويا اختلف باختلاف الأحوال، فإن تعارضا اختلف باختلاف الأوقات؛ فمن يتحتم عليه المخالطة من كانت له قدرة على إزالة المنكر، فيجب عليه إما عيناً، وإما كفاية، بحسب الحال والإمكان، وممن يترجح من يغلب على ظنه أنه يسلم في نفسه إذا قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وممن يستوي من يأمن على نفسه، ولكنه يتحقق أنه لا يطاع»(3).
ويحسن التنبيه هنا إلى أن أهل العلم لا يقصدون بذلك أن يختلط العالم والداعية بالناس اختلاطاً طاغياً على شؤونه وأموره الأخرى، بل هم مجتمعون على أن القدر الذي يطالب به من الخلطة، لا بد أن يكون معتدلاً في الجملة، ثم هو يتفاوت بعد ذلك بحسب المصلحة.
2 - الاستنارة بما لدى الغير ـ ولا سيما أهل الاختصاص منهم، كلٌ في اختصاصه ـ في معرفة الموضوعات الحية التي تمس الحاجة لبيانها.
وبالتجربةِ تبيّنَ أن الخطيب قد يستفيد في إثراء بعض الموضوعات، من المختصين، أكثر مما يستفيده من البحث والاطلاع، ويظهر هذا بجلاء فيما يخص الموضوعات الأسرية، والمشاكل الزوجية والاجتماعية، التي قد لا يخدم الخطيب في علاجها، ومعرفة أدوائها، وتلمس دوائها أكثر ممن له سبح طويل في أعماقها.
3 - الاستفادة من الخطباء المبدعين في هذا الباب، ومن النَصَف الذي ينبغي أن يذكر فيشكر لثلة من خطباء اليوم، أنهم نزلوا بساحات الناس وعايشوهم في أفراحهم وأتراحهم، وعرفوا كثيراً من مشكلاتهم وشكاواهم، فاستطاعوا بهذا السبق أن يحوزوا على لقب النجومية في الخطابة، لما حملوه على عواتقهم من همِّ استصلاح أوضاع الأمة، ومعالجة قضاياها، وأسباب اليقظة من كبوتها، ومعرفة مشاكل المجتمع وأسبابها وأبعادها ووسائل الخروج من مضايقها.
وهؤلاء كما يطالَبون بنشر إبداعهم، وبث نتاجهم المتميز، فغيرهم أيضاً يطالَب بسلوك هذا المسلك الرائد، والاستفادة ممن سبقهم، والاستنارة بآرائهم، والأخذ من تجاربهم.
اقرن برأيك رأي غيرك واستشر *** فالحق لا يخفى على الاثنين
المرء مرآة تريه وجهه ويرى قفاه بجمع مرآتين(14/46)
4 - الرجوع إلى الكتب المتخصصة في بعض قضايا الناس المعاصرة، وقد اصبحت المكتبات ـ بحمد الله ـ زاخرة بالعديد من الكتب التي عُنيت بمشاكل المجتمعات المسلمة، والمستجدات والمتغيرات التي تهدد كيانها، وقد بادرت بعض المكتبات ـ مشكورة ـ بإيجاد خدمة تزويد روادها بأسماء الكتب الجديدة، من خلال البريد الإلكتروني أو الفاكس، وهناك من مواقع الشبكة العنكبوتية، ما له عناية خاصة بالجديد، وبهذا يمكن للخطيب، الذي يحمل هموم الناس، ويسعى لصقل مواهبه، وتطوير عطائه، أن يهتبل هذه الفرص المباركة.
5 - هناك جملة وافرة من المواقع الإسلامية، في الشبكة العنكبوتية، لها عناية خاصة بكثير من الموضوعات المعاصرة الحية، بل إنها في بعض الأحايين تقوم بدور رائد جميل، في توفير ملفات خاصة موسعة، عن كثير من هذه الموضوعات، وهي بذلك تقدم خدمة جليلة للخطباء وأهل العلم، وتفتح لهم آفاقاً للإبداع، وتحقيق النجاح.
--------------------
الهوامش:
(*) قسم السنة، كلية الشريعة، جامعة القصيم.
(1) انظر «منهج في إعداد خطبة الجمعة»، الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد، ص 19 ـ 20.
(2) زاد المعاد، 1/189.
--------------------
(1) البذاذة: رثاثة الهيئة وهي في الغالب علامة على الفقر والحاجة.
(2) أخرجه النسائي، في سننه، في كتاب الجمعة، باب حث الإمام على الصدقة يوم الجمعة في خطبته، ح 1407، بسند حسن.
(3) أخرجه مسلم، في صحيحه، في كتاب «الفرائض»، رقم 1617.
(4) الخطابة، لمحمد أبو زهرة، ص 56.
--------------------------
(1) مجلة المنار، 29/340.
(2) فتاوى اللجنة الدائمة، 8/230، وينظر كتاب «الشامل في فقه الخطيب والخطبة» للشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم.
(3) أخرجه البخاري في الأدب المفرد، باب الذي يصبر على أذى الناس، رقم 388، والترمذي في جامعه، في كتاب «صفة القيامة»، رقم 2507، والطيالسي في مسنده، رقم 1876، من حديث ابن عمر، وإسناده صحيح.
(4) الكلم: هو الجرح.
(5) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، باب مخالطة الناس ومخالفتهم، رقم 6272، ووكيع في الزهد، باب كتاب أهل الخير بعضهم لبعض، رقم 531، بسند رجاله ثقات.
----------------------------
(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف 11/144، بإسناد مرسل.
(2) أخرجه الدارمي في مسنده، 1/78، والبيهقي في الزهد الكبير، ص 141.
(3) فتح الباري، 13/43، وينظر في هذه المسألة، كتاب العزلة والخلطة للشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
العوائق أولا
د. يحي بن إبراهيم اليحي
أكثر ما يُقْعِد محبي الخير والدعوة والمشاركين في الإصلاح عن مواصلة عملهم الخيري حيث يصابون بالإحباط واليأس أنهم يبدأون بالعوائق في مشاريعهم قبل التفكير في الفرص المتاحة، فتجد أحدهم يصمم مشروعاً خيرياًّ يحتاج إلى ميزانية كبيرة ليست في مقدوره، فيتعب في جمع المال له ويمضي الأيام بل أحياناً الأشهر وقد تمتد إلى سنوات ولم يتوفر المال اللازم، وإذا توفر يكون مشروعه قد عفا عليه الزمن وفقد تأثيره السابق أثناء التخطيط له، وخرجت فرص أخرى أولى منه وأقوى تأثيراً، ولو أنه أعمل ذهنه في مشاريع خيرية عن طريق الفرص المتاحة لديه لكان تأثيره أقوى وإنتاجه أكثر، ولربح الوقت الذي صرفه في توفير ما يحتاجه ذلك المشروع، ولربما فتح مشاريع كثيرة بالتفكير في الفرص والوسائل المتاحة.
زارني بعض محبي الخير والإصلاح وقد عزموا على فتح دار للحافظين ولكن كانت أمامهم معوقات كبيرة في جمع المال اللازم لشراء دار أو استئجارها، فقلت لهم: أما في حَيِّكم مدرسة حكومية؟ قالوا: بلى. قلت: لم لا تُفَعِّلون دور المدرسة وتستفيدون منها في المساء مع توفر جميع الإمكانات فيها وسعتها ولا تتحملون أي أعباء مالية لبرامجكم، فتقيمون أنشطة كثيرة تستوعب جميع شباب الحي، كل فيما يحبه وتميل إليه نفسه، فهذه فرصة متاحة لكم وبالمجان، بل وتحسب لكل مشارك من التعليم نقاط توضع في ملفه. فكأنما أيقظتهم من نوم، علماً أنهم جميعاً مدرسون في وزارة التربية والتعليم.
تألف فريق من خمسة أشخاص للقيام بعمل خيري، فاعترض صاحبي عليه مقدِّماً العوائق أولاً، فقال: عدد كبير كيف يجتمعون ومتى؟ فقلت: يا أخي حفظك الله، لِمَ تبدأُ بالعوائق والتشاؤم؟ دع الناس يعملون أولاً، فإذا وجدوا صعوبة في اجتماعهم يقدرون حين ذاك قدر الموقف والموضوع ويضعون بأنفسهم حلاً له. يا أخي، افترض أنهم ثلاثة كما تراه أنت، فغاب واحد، ألا يختل الأمر أكثر من غياب اثنين من خمسة؟!
وهكذا في كثير من الأعمال الخيرية يقدم البعض كلمات مثل: «أخشى»، «أخاف»، «يلفت النظر»، «ما يوافق عليه»، «صعب جداً»، «لا تجد من يعينك»، «ليس هناك طاقات»، «يثير حساسية»...
أنا لا أعني هنا إغماض العينين عن المخاطر على العمل الإصلاحي الخيري، وإنما أعني أنه ينبغي أن تقدر الأمور بقدرها ولا تضخم، ولا تسيطر العوائق على التفكير وتقعدنا عن العمل.
27 / جمادى الثانية / 1426
http://www.taiba.org المصدر:
============
أختاه..حتى تكوني من أسباب النصر(14/47)
لا تندهشي إذا قيل لك أنك أحد أسباب هزيمة الأمة أو نصرتها برغم أنك لا تملكين سلطة ولا قوة، ولا تلقي اللوم على حاكم أو أمير أو وزير فيما وصل إليه حال الأمة رغم اشتراكهم في المسؤولية، لكن اجلسي مع نفسك وتفكري في ذنوبك ومعاصيك، واسألي نفسك وقد أحببت الله ورسوله والإسلام وأهله: هل تحافظين على الصلوات المكتوبة لا سيما صلاة الفجر؟ هل تحافظين على السنن؟ هل تداومين على ورد القرآن وأذكار الصباح والمساء؟ هل تبرين والديك؟ هل تصلين رحمك؟ هل تغضين بصرك؟ هل تصدقين في قولك؟ هل تحسنين إلى جاراتك؟ هل تساعدين المحتاج والفقير؟ هل تعودين المريض؟ هل تأمرين بالمعروف وتنهين عن المنكر؟..هل.. هل.. ؟
إذا كانت الإجابة (أحياناً) فلا تدعي قدرتك على الجهاد ضد عدوّك، وقد فشلت في جهاد نفسك أولاً، في أمر لا يكلفك دماً ولا مالاً، لا يعدو كونه دقائق قليلة تبذلينها في الصلاة!! كيف تطلبين الجهاد، وأنت تتخبّطين في أداء الصلوات المفروضة، وتضيّعين السنن الراتبة، ولا تحافظين على الورد القرآني، وتنسين أذكار الصباح والمساء، ولم تتحصّني بغض البصر، ولا تبرّين والديك، ولا تصلين رحمك !!
كيف تطلبين العزة للمسلمين وأنت تحتقرين الفقير والمسكين ولا تمدين لهم يد العون !! كيف تطلبين القوة للإسلام وأنت لا تعرفين جاراتك ولا تشاركينهن أفراحهن وأحزانهن، ولا تبذلين النصح لصديقاتك؟ كيف تطلبين تحكيم شريعة الله في بلادك، وأنت لم تحكِّميها في نفسك وبين أهل بيتك، فلم تتق الله فيهم، ولم تدعيهم إلى الهدى، ولم تأمري بمعروف أو تنهي عن منكر، وكذبت وغششت و أخلفت الوعد فاستحققت الوعيد!!
لا تقولي أنك واحد في المليار من أبناء هذه الأمة، فهناك الملايين من أمثالك - إلا من رحم الله - ينتهجون نهجك فلا يعبأون بطاعة ولا يخافون معصية، وتعلّل الجميع أنهم يطلبون النصر لأنه في الأمة من هو أفضل منهم، لكن الحقيقة المؤلمة أن الجميع سواء إلا من رحم رب السماء .. فما بالك بأمة واقعة في الذنوب من كبيرها إلى صغيرها ومن حقيرها إلى عظيمها.. ألا ترين ما يحيق بها في مشارق الأرض ومغاربها !!
اعلمي أن أسلافنا كانوا إذا هُزِموا من قبل الأعداء أو حل بهم البلاء.. يتفكرون ويفتشون في أنفسهم أولاً، فإذا وجدوا مخالفة للقرآن أو السنة في أي شأن من شؤونهم سارعوا بالاستغفار والعودة إلى كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
ومع أنهم كانوا أقل من أعدائهم عدداً وعدة إلا أنهم بعد تنفيذ هذه الخطوة كانوا ينتصرون بفضل الله - تعالى -، وتحقيقا لقوله - سبحانه - {إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
تدبري قول الله - تعالى -{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} وهذه خطوات عملية تساعدك في أن تكوني سبباً في نصر الأمة إن شاء الله:
- أقلعي فوراً عن المعاصي التي ترتكبينها، واسألي الله - عز وجل - أن يعينك في ذلك، وأكثري من الدعاء أن يثبتك الله على الطريق المستقيم، وتضرعي إليه - عز وجل -.
- حافظي على أداء الصلوات في أوقاتها، و خاصة صلاة الفجر.. {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً}، وتقربي إلى الله بالسنن.
- احرصي على الاحتشام والحجاب الكامل من الآن.. ولا تقولي سوف أفعل ذلك غداً.
- احرصي على طاعة والديك وصلة رحمك، وكوني قدوة صالحة قولاً وعملاً وساعدي في نشر الخير بأي وسيلة مباحة.
- تصدَّقي على الفقراء والمساكين ولو بشيء بسيط فإن « صدقة السر تطفئ غضب الرب ».
- أخلصي في عملك سواء كان دراسة أو صناعة وتفقهي في دينك فمن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.
- ثقي في نصر الله - عز وجل - لعباده المؤمنين الصادقين، ولا تيأسي ولا تقنطي من طول الطريق ومشقته، فإن الفساد قد عم الأمة منذ سنين طويلة ويحتاج تغييره لوقت.
- احرصي على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين أهلك وصديقاتك بطريقة حسنة جميلة، وذكريهم بحاجة الأمة إليهم ولا تنسي أن تبدئي بنفسك.
- لا تتركي فرصة تقربك إلى الله -ولو كانت صغيرة- إلا وفعلتها، وتذكري « تبسّمك في وجه أخيك صدقة ».
- لا تدعي إلى شيء وتأتين بخلافه، فلا تطالبين بتطبيق الشريعة إلا إذا كنت مثالاً حياً على تطبيقها في نفسك وبيتك وعملك، ولا تطالبي برفع راية الجهاد وقد فشلتِ في جهاد نفسك، ولا تلقِ اللوم على الآخرين تهرّباً من المسؤولية، وإذا كنتِ تمضين وقتكِ ناقدة عيوب الناس، فتوقّفي واعلمي أن كلك عيوب وللناس ألسن، وابدئي بإصلاح نفسك، وسيصلح حال غيرك بإذن الله - تعالى -.
- اعلمي أن كل معصية تعصين الله بها، وكل طاعة تفرطين فيها، هي دليل إدانة ضدكِ فيما وصل إليه حال الأمة.
09 - 02 - 2004
http://www.islamway.com المصدر:
=============
وسائل وأفكار للدعوة في الجهات الخيرية
1- إذا تحملنا إطعام الأجساد، فالأولى بنا أن نتحملهم ونترفق بهم لإطعام أرواحهم من زاد الإيمان الذي ينجون به يوم القيامة.
2- إعطاء العاملين في مجال الإغاثة دورة مصغرة متخصصة في فقه جباية الزكاة وآداب معاملة الفقير ومصارف الزكاة، وفقه حفظ وحرمة الأموال العامة.. إلخ، وذلك بالاستفادة من طلاب العلم والعلماء والدعاة.
3- دعوة أبناء الفقراء عن طريق عمل دروس تقوية لهم، أو رياض أطفال مجانية بها سكن داخلي للطلاب.
4- استشعار القائمين على الأعمال الإغاثية أن ما تقوم به في سبيل الفقراء، ما هو إلا حق مكتسب وواجب، يجب ألا يشعروا فيه بمنة من أحد؛ لئلا تحبط أعمالنا ونحن لا نشعر.(14/48)
5- حث المتصدقين على توجيه النصح أثناء بذلهم للصدقة، فيأمر الفقير بتقوى الله والمحافظة على الصلاة، ويحذّره من استخدام المال في الحرام، كشرب الدخان... ونحو ذلك.
فتتكامل أعمالنا الإغاثية والدعوية، وتنسجم في هدف واحد، وهو تعبيد الخلق لله - عز وجل -.
6- استئجار مواصلات لأهالي الأحياء التي بها فقراء لا يستطيعون التنقل للبرامج الدعوية، كالدروس والمحاضرات، مع التكفل بتقديم وجبة لهم بعد المحاضرة.
7- حتى يمكن الاستفادة من مساعدة الفقراء والمحتاجين في الدعوة إلى الله، أن يكون القائمون على البحث الاجتماعي وتوزيع المساعدات مدربين على المعاملة الحسنة والصبر على إلحاح بعض الفقراء، وعلى امتثال آداب الصدقة من السماحة والتبسم في وجه المحتاج وعدم نهر السائل، واستعمال طيب الكلام عند انعدام النفقة بعيداً عن التصرفات التي تصد عن دعوتهم، كالتعامل معهم على أنهم استغلاليون، وأذيتهم في الكلام. ولا يخفى ما في ذلك من الصد عن دعوة هؤلاء.
8- ربط توزيع الصدقات والمساعدات بالمسجد ورسالته، وبالدعاة إلى الله - عز وجل -.
9- عدم وجود مسوغ أو مبرر شرعاً إلى ادخار أموال الزكاة والصدقة بزعم قلة المتصدقين والممولين للمشروعات في المستقبل (أنفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً) [صحيح الترغيب والترهيب]، ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدخر شيئاً لغد)) [صحيح الترغيب والترهيب].
10- تقديم الأولويات في حاجة الفقير، مثل: تعلم أبنائه في المدارس، وتجهيزهم بما يحتاجون، والمصروفات العلاجية على الطعام والملبس.
11- توزيع مرافق وأجزاء المبنى على المحسنين، وكتابة أسمائهم عليها.
12- ضرورة دمج البرامج الدعوية ضمن البرامج الإغاثية.
13- في بناء المشاريع الخيرية من الهام جداً توثيق جميع المعلومات والوثائق من جهاتها الرسمية، مع التأكيد على عدم زج مشاريعنا الخيرية في مشاكل قانونية محتملة، وضرورة عدم تمكين الأهالي من تولي الإشراف على المشروع، وإسناد كل ذلك إلى شركة أجنبية عن الموقع.
14- إقامة مشاريع إغاثية تقوم أساساً على تعليم وتدريب الفقراء على الصناعات التي تمكنهم من الاعتماد بعد الله - سبحانه وتعالى - على أنفسهم وإعالة أسرهم وذويهم، وتعدي نفعهم ودورهم للمجتمع بدلاً من أسلوب الإنفاق الوقتي المقطوع، ويكون المشروع تحت شعار (أعطه فأساً ليحتطب)، أو شعار (معاً حتى لا يعود السائل إلى السؤال)، أو مشروع (وفاء ً لوالديك)، أو شعار (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً) يدفع الابن مبلغاً يكون سهماً في مشروع صدقة جارية عن والديه، يهدف المشروع إلى تحقيق البر للوالدين.
15- إقامة دورات تدريبية للعاملين في الهيئة الخيرية حول العمل الإغاثي في جميع المجالات في المراكز الصيفية وأماكن تجمع الأخيار الملتزمين.
16- نخل وغربلة الدراسات والكتب الأجنبية في مجال تسويق الأفكار؛ للإفادة منها في تسويق مشاريعنا الدعوية والإغاثية.
17- التكامل في بناء المشاريع في الموقع الواحد، بحيث يشتمل على مسجد ومدرسة ومستوصف، وملاعب أو صالة ترفيهية، وعائد وقفي (تجاري)، وإدارة للمشروع.
18- إيجاد مرافق ربحية للأعمال الإغاثية متميزة في مبناها، مثل عمائر سكنية راقية في منطقة راقية مكلفة تستمر عائداتها لصالح المشاريع الخيرية لا أعيانها.
19- العمل بنظام الحوافز الوظيفية للدعاة والعاملين في الهيئات الإغاثية والمدارس والمراكز الإسلامية؛ لضمان استمرار الإبداع والتجديد في العطاء والتميز في الأداء.
20- فكر أخي في العمل الإغاثي كيف تكسب قلب المتبرع قبل أن تفكر كيف تكسب ماله.
21- تشجيع الأطفال على حب الصدقة والإنفاق من خلال حصالة الخير لكل طفل، ثم تقديم شهادة لكل طفل قدم حصالة من الجهة الخيرية.
22- تبادل الزيارات مع الجمعيات والمؤسسات الإغاثية والدعوية، ونقل الخبرات والتجارب.
23- الاتفاق مع بعض المصارف التي يودع بها المتبرعون؛ للمساعدة في التبرع عن طريق استقطاع المصرف من الراتب شهرياً؛ لضمان استمرار القسط ووصوله إلى المؤسسة الخيرية.
24- إيجاد كوبونات يستلم فيها المحتاج حاجته من محلات المواد الغذائية بحدود مبلغ الكوبون بدل من إعطائه المبلغ.
25- وضع تبرعات عينية من ذهب وفضة وأثاث وملبوسات لإعارتها للمحتاجات والمحتاجين في المناسبات، ثم إعادتها بعد المناسبة.
26- توثيق أعمال الهيئة أو اللجنة الإغاثية بإبراز عملها ومشروعاتها بالوسائل الإعلامية، فيديو، كاسيت، صحف، منشورات، حاسب، إنترنت... إلخ.
27- تسهيل مهمة التصدق عند الناس، والتبرع بالإعانات العينية، كالملابس والمقررات القديمة، والفائض من أطعمة المناسبات، بتخصيص سيارة وهاتف يعمل على مدار الساعة؛ لاتصال المتبرعين به، واستلام هذه التبرعات من منازلهم.
28- تخصيص أوقاف مستقلة لكل نشاط ومشروع دعوي، مثل: وقف إخراج الأضحية كل سنة تحت شعار (أعطنا مرة ونحن نضحي عنك كل مرة).
http://www.saaid.net المصدر:
==============
فن المقالة
منصور الأحمد
المقالة فن من فنون الأدب، له أصوله، ومميزاته، وأهميته، وهذا الفن - كما أنه يكون سبباً في شهرة بعض الكُتاب - إلا أن كثيراً منهم يسئ استخدامه، ويفشل أن يبني بينه وبين القراء جسراً بواسطته.
أما أهمية المقالة فهي سبيل مطواع يستطيع الكاتب أن يسخره لما يريد من الأفكار الخاصة أو العامة، العلمية أو الأدبية، ويمكن أن توصل هذه الأفكار بسرعة ودون التواء في أكثر الأحيان.
وقد حظيت المقالة في أدبنا العربي - قديماً وحديثاً - بمكانة لا يستهان بها، ونستطيع أن نرصد خطواتها وتطورها.(14/49)
وهى كغيرها من الفنون الأدبية، أدركها ويدركها التطور حسب ما يقتضيه تطور الأفكار والأساليب، وحسب الظروف الثقافية والفكرية السائدة، وقد ساعدت الصحافة وحركة النشر على ازدهار المقالة.
على أننا لا نريد في هذه العجالة أن نكتب بحثاً أدبياً وافياً عن ذلك، بل نحب أن نلفت النظر إلى أن المجلات، إنما تعتمد في جل ما تنشر على هذا الجانب من أساليب الكتابة، ونجاحها مرهون بإدراك كُتابها لما يجب أن تتميز به المقالة عن غيرها من فنون الكتابة.
والهدف من المقالة هو تقديم فكرة معينة إلى القارئ بأسلوب يختاره الكاتب، وحتى تحقق المقالة الغرض منها لابد أن يتوفر فيها: وضوح الفكرة، وضوح الأسلوب وجماله، وهذان الشرطان يلتقيان على قاعدة سابقة في ذهن الكاتب، وهي: معرفته بمَن يخاطب.
1 - الموضوع أو الفكرة:
يعتبر موضوع المقالة المحور الأساسي لها، وهو الهدف منها، وبقدر احتفال الكاتب به تحديداً وتوضيحاً يصل إلى هدفه في الإقناع.
وأكبر الأخطاء التي تُرتكب في المقالات الفاشلة أن لا يكون موضوعها واضحاً في ذهن كاتبها، وأن تكون الفكرة التي تدور عليها غامضة مبهمة، أو ليست ناضجة، أو ضائعة في خضم كلام لا يعرف كاتبه العلاقة الصحيحة بينه وبين الفكرة.
2- الأسلوب:
الأسلوب هو القالب اللفظي الذي تصب فيه الفكرة، مضافاً إليه الروح، أو قل: النكهة التي تُحس أو تدرك من هذا الأسلوب، والتي تميز كاتباً عن آخر، وهي التي عناها من قال: الأسلوب هو الأديب نفسه، هي بصمته وتوقيعه الذي لا يمكن تزويره.
فالأسلوب ليس كلمات مرصوفة رصفاً، أو منتزعة من هنا وهناك لأدنى علاقة، أو بدون علاقة في بعض الأحيان، بل هي حصيلة دراسات الكاتب ومطالعاته، ومجمل ثقافته، إضافة إلى سمات مزاجه وطبعه.
والأسلوب الناجح يتميز: بالوضوح والجمال.
أما الوضوح فيكون باختيار الألفاظ المطابقة للمعنى، والبعد عن تتبع الغرائب، والحرص على طرائق التعبير العربية، والبعد قدر الاستطاعة عن العجمة التي أصبح التخلص في هذه الأيام منها هماً ناصباً.
وأما جمال الأسلوب فهو شيء يصعب تحديده؛ لأن مبناه على الذوق، وهذا الذوق يربَّى ويصقل بالقراءة وتتبع الآثار الأدبية الراقية.
إذا عرفنا هذا اتضح لنا أن المقالة ليست خطبة ملتهبة هدفها إثارة العواطف وشحن الخواطر بالكلمات والجمل المهيجة بعيداً عن الإقناع.
وليست بحثاً هدفه إظهار قدرة الكاتب على البحث والتنقيب والتوثيق، وإثقال الهوامش بالمراجع والإحالات.
وليست فرضاً لمنهج علم معين في التأليف، وإرباك القارئ بمصطلحات لا يدري عنها شيئاً، أو يدري عنها القليل! إنها باختصار فن أدبي جميل، يشتمل على موضوع رئيسي يراد إيصاله إلى القارئ بطريق رشيق مقنع، بعيد عن الإملال والإرهاق، ويتلطف إليه بمدخل أو استهلال يكون بمثابة الاستئذان للدخول إلى عقله وقلبه، وأن لا يُغادَر إلا وقد اطمأن الكاتب أن ما يريده قد وصل، فيلملم أطراف موضوعه بخاتمة تكون بمثابة التوديع الذي لا يكون إلا عن تعارف وتصاف ووثاقة صلة.
في مكان آخر من هذا العدد وضعنا مثالاً تطبيقياً لمقالة أدت الغرض منها [1]، فهي ليست بالطويلة، و ليست بالقصيرة، واستوفت شروط سهولة الألفاظ والتراكيب مع جمالها وقوة تأثيرها، ووضوح الفكرة الرئيسية التي صاغ الكاتب من أجلها مقالته، وحسن استدلاله على ذلك من الواقع العملي والتاريخي للإسلام، ثم إدراكه للأصول دون الغرق في التفاصيل التي لا تغني شيئاً وقد ذهبت الأصول، فقد درج الكاتبون في شأن الهجرة أن يشغلوا أنفسهم ويشغلوا الناس في سرد وقائع الهجرة، دون الخوض في دلالتها العملية العميقة التي يحتاجها المسلمون اليوم، فأراد أن يتخذ من حادثة الهجرة دافعاً مستمراً متجدداً للإصلاح وعلاج المشاكل المصيرية التي تكاد تعصف بالكيان الإسلامي.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) مقال:من إلهامات الهجرة.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============
وقفات مع إمام المسجد في رمضان !!
محمد بن إبراهيم السبر
فهذه كلمات يسيرات أوجهها إلى إخوتي أئمة المساجد والجوامع بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك.. وهي كلمات النصيحة دافعها، والمحبة في الله رائدها، والإخلاص وقودها.. فآمل أن تجد لديك أخي الإمام قبولاً وأن تفتح لك في مهمتك آفاقاً..
أخي إمام المسجد: أهنئك بدخول شهر رمضان المبارك جعلني الله وإياك ممن يصوموه ويقوموه إيمانا واحتساباً، وأن يوفقنا وإياك فيه لصالح العمل.
كما إن شهر رمضان هو شهر الصيام والقيام والصدقة، وشهر القرآن والطاعة والعبادة، فهو أيضاً شهر الدعوة والاحتساب خاصة لأئمة المساجد والجوامع، هو فرصة للتربية وتزكية النفوس.. لأن الناس يقبلون على المساجد ويؤمون الجوامع للصلاة والتراويح والاعتكاف ونفوسهم مهيأة لتقبل الخيرات وعمل الصالحات، وهذه من نعمة الله على عباده.. ولاشك أن الداعية الناجح يهتبل الفرص ويغتنمها وهذا منهج نبوي أمثلته كثيرة ليس هذا مجال طرقها..
نعم أخي في الله: رمضان فرصة للإمام الجاد في وظيفته المهتم بخطبته الحريص على جماعته وصلاته وقيامه ولا شك أن شهراً بعظمة رمضان يتطلب من الإمام جهداً لاغتنامه لنفسه والحرص على النفع المتعدي..
ولذا أوجه هذه الوصايا والوقفات عل الله أن ينفعني وإياك بها..(14/50)
الوصية الأولى: تقوى الله - جل وعلا - في السر والعلن وما تأتي وما تذر، والإخلاص في القول والعمل فهما سبب التوفيق والنجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، قال ابن الجوزي: " إنما يتعثر من لم يخلص". فاخلص نيتك في إمامتك ودعوتك وصلاتك ودعائك، والرجل كما قيل: إنما يُعطى على قدر نيته.
الوصية الثانية: وأنت تستعد للعمل والدعوة في رمضان ولاشك أن ذلك عبء كبير لمن يحملون هم الإسلام استعن بالله - جل وعلا - وتوكل عليه وسل ربك أن ييسر أمرك ويبارك في إمامتك ودعوتك، فلا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله - تعالى -عن موسى - عليه السلام - وقد جاءه التكليف بالدعوة وتبليغ الرسالة: ((رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي*يَفْقَهُوا قَوْلِي)) (طه: 25، 28).
الوصية الثالثة: الإمامة أمانة.. فالله الله في أداء الأمانة بالحرص على أداء الصلاة في وقتها، وعدم التخلف عنها إلا لعذر شرعي وإنابة من تبرؤ به الذمة حال الغياب الضروري فأنت قدوة في قولك وعملك فكيف تريد من الناس المحافظة على الصلاة وأنت لا تحافظ عليها أو تتخلف عن أدائها..
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
الوصية الرابعة: احرص بارك الله فيك على تعاهد المسجد وتهيئته للمصلين والمتهجدين والمعتكفين وذلك بتطيبه والعناية بنظافته وتنظيم أثاثه والاهتمام بدورات المياه وصيانتها والحفاظ على محتوياته، والعناية بالصوتيات والاعتدال في ذلك.
الوصية الرابعة: احرص على الاستعداد العلمي لرمضان بمعرفة أحكام الصيام والقيام والاعتكاف وزكاة الفطر وأحكام العيد والست من شوال حيث إنك تحتاج لذلك لتقوم بعبادتك على الوجه المطلوب، والناس سيسألونك ولاشك - عن ذلك، ويستطيع الإمام أن يتفقه في ذلك بقراءة الكتب الفقهية عن الصيام أو قراءة فتاوى العلماء الكبار في ذلك أو الملخصات الفقهية المعتمدة أو سماع الدروس العلمية التي تتحدث عن الصيام وأحكامه ومخالفاته [1]
الوصية الخامسة: احرص على القراءة على المصلين في الوقت الذي تراه مناسباً لحال جماعتك، واحرص على الاختصار مع التحضير للدرس والتعليق المفيد إن اقتضى الأمر"[2]"
الوصية السادسة: احرص على إتباع السنة في صلاة التراويح والاقتصاد في الدعاء وعدم الاعتداء واحذر من السرعة في الصلاة قال أهل العلم: إنه يكره للإمام أن يسرع بالجماعة سرعة تمنعهم من فعل ما يُسن فكيف بفعل ما يجب..
الوصية السابعة: يكثر سفر بعض الأئمة للعمرة في رمضان فيتركون المسجد أياماً أو يختمون مبكرين في أول العشر الأواخر ويذهبون إلى مكة ويقولون نحن وكلنا من يقوم بالمهمة على أكمل وجه، وهذا خطأ لأن أداء العمرة سنة والقيام بالإمامة واجب فكيف يقدم النفل على الفرض، ثم إن العمرة نفع قاصر والإمامة والصلاة نفع متعد وهو مقدم.
الوصية الثامنة: الدعوة في الحي أثناء رمضان وهناك بعض الأعمال الدعوية التي لها ثمارها المجربة في رمضان ومنها:
* هداية رمضان: فالهدية تفتح القلوب وطريق للدعوة ووسيلة سهلة ميسرة للتواصل مع الناس مع مراعاة أحوال الجماعة فمنهم الصالحون ومنهم دون ذلك وهم يختلفون بحسب حرصهم على الصلاة ومحافظتهم على أسرهم ومَنْ تحت ولايتهم فيراعى في الهدية ذلك..
* طرح المسابقات الهادفة لأهل الحي ومراعاة المراحل العمرية ووضع عليها جوائز رمزية وقيمة.
زيارة المقصرين في بيوتهم لمناصحتهم عما هم واقعون فيه من ترك للصلاة أو تفريط في تربية البنين والبنات أو تركيب للدشوش والقنوات الماجنة وغير ذلك من المخالفات.
* استضافة العلماء والدعاة لإلقاء الدروس والكلمات بعد التراويح أو غيرها.
* استغلال حضور المصليات وتوزيع المفيد عليهنَّ من الأشرطة والكتب والمطويات، وإعطائهن نصيباً من التوجيه والاهتمام باستضافة الداعيات وطالبات العلم.
* تعاهد لوحة إعلانات المسجد والإشراف التام عليها مع الحرص على تنوع مادتها وتجديدها بين الحين والآخر.
* إعداد برنامج للعيد وتنسيق اجتماع للجيران بعد صلاة العيد في المسجد لبذل السلام وإشاعة روح التعاون والمودة والتواصل بين الجيران والإصلاح بين المتخاصمين.
الوصية التاسعة: وعلى الإمام أن يكلل هذه الأمور كلها بدعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة والرفق وعدم التعنيف والحرص على هداية الناس كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال - تعالى -: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)) (آل عمران: 159).
وقال - سبحانه -: ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) (النحل: 125).
الوصية العاشرة: تفطير الصائمين في هذا الشهر الكريم وتهيئة المكان لذلك وحث الجماعة على المساهمة في ذلك، وإن كان هناك وافدون وهم الأغلب فاجعل مع غذاء البدن غذاء الروح وهذا - بحمد لله - متوفر عند مكاتب دعوة الجاليات فهم يمدونك بالكتيبات والدعاة وبجميع اللغات.
الوصية الحادية عشرة: العناية بفقراء الحي وتفقدهم فهم أولى بالمعروف وذلك إعداد برنامج لجمع الزكاة وتوزيعها على فقراء الحي وإعانة محتاجهم وسد فاقتهم وستر خلتهم أو السعي لدى من يعينهم.
وفي الختام(14/51)
أخي إمام المسجد: إن أهل الباطل يتسابقون لخطف رمضان وهدم روحانيته وإفساد حلاوته بالمسلسلات الطائشة والأفلام الماجنة والفوازير الهازلة، فلابد أن نسعى للحفاظ على هيبة رمضان وجلاله وذلك بالحرص على أن نقدم برامج تكون بدائل مزاحمة لهذا الإعلام الملوث وإحياء دور المسجد وتفعيله..
وفقني الله وإياك لما يحب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
-----------------
[1]- يمكنك الرجوع والاستعانة مثلاً بالملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان، الصيام آداب وأحكام للدكتور عبد الله الطيار، مخالفات الصيام للشيخ / عبد العزيز السدحان وغيرهما.
[2]- ومن الكتب المفيدة في هذا الباب " على سبيل المثال لا الحصر ": مجالس شهر رمضان للعلامة ابن عثيمن - رحمه الله -، أحاديث الصيام آداب وأحكام للشيخ عبد الله الفوزان، فتاوى رمضان لمجموعة من العلماء جمع أشرف عبدا لمقصود، دروس رمضان لعبد الملك القاسم، رمضان دروس وعبر للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد وغيرها.
25/8/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
===========
المرأة الداعية
عابدة المؤيد العظم
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم ومسلمة. والدين النصيحة، لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث صحيح: "بلغوا عني ولو آية"، فهل يستطيع كل إنسان أن يكون داعية؟ بالطبع لا يستطيع! لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يختلف عن الدعوة إلى الله (وكذلك النصيحة وتبليغ آية)، فالنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تذكرة سريعة وتنبيه صغير يقدمه أخ مسلم إلى أخيه حين يراه وقع في حرام لا لبس في حرمته أو تقاعس عن معروف لاشك في فرضيته، فهو لا يحتاج إلى علم واسع وكل مسلم عرف الإسلام حقاً يستطيع أن يأمر وينهى، والأمر والنهي يكونان في أمر جلي محدد. أما الدعوة إلى الله فإنها أدق من ذلك وأعمق، وهي مسؤولية أكبر وأعظم، وتحتاج إلى تمكن في الدين وإلى علم واسع، وإلى جرأة في الحق وإلى قوة في الشخصية وفي طريقة الطرح، فهل يملك كل إنسان أو كل داعية من دعاة اليوم هذه المقومات؟
بالطبع لا يملكها، ولكن أكثر الناس لا يعطون هذه المقومات حقها.
والمرأة كالرجل تستطيع أن تبلغ حديثاً بعينه سمعته ووعته وفهمته، أما الدعوة إلى الله فينبغي أن يتوافر للقيام بها بعض الشروط، منها ما هو ضروري ومنها ما هو تحسيني. أما الضروري: أن تكون متعمقة في العلوم الشرعية، ومتابعة للأحداث العالمية، تفقه الواقع وتدرك خبايا النفس البشرية، وأن تكون جريئة في الحق ولا تخشى بأس العادات والتقاليد الخاطئة، وألا تتجاوز حدودها فالناس يظنون الداعية فقيهةً، ويحسبونها عالماً في كل أمر فينهالون عليها بالأسئلة، فينبغي عليها ألا تقول إلا ما تعلمه حقاً. أما الشروط التحسينية والتي يفضل وجودها في الداعية: أن تكون قدوة في سلوكها ولباسها وفي إدارتها لبيتها، وأهم من هذا كله في تعاملها مع زوجها وتربيتها لأبنائها لتعطي كلامها قوة ودعوتها حياة. ومن كان في موضع المسؤولية يكون قدوة للناس، وموقعه هذا يفرض عليه الالتزام، وعدم الإسراف في التمتع بطيبات الحياة كما يفعل الآخرون.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
============
من فقه الدعوة
قائد .. وأمة
د. محمد محمد بدري
يتطلع كثير من الإسلاميين إلى السماء مبتهلين إلى الله - تعالى -أن يرزقهم قائداً كصلاح الدين..
ويرى الكثيرون أنه لا ينقصنا إلا القيادة الحكيمة، وأن هذه الصحوة الإسلامية التي تملأ الآفاق لا ينقصها إلا القائد المتميز فقط! ! ولا شك أن هذه هي إحدى طرقنا الخاطئة في التفكير والنظر وهي (النظرة الأحادية)..
فنحن نتعلق دائماً بما يمكن أن نسميه (الرجل الوحيد)..
رجل أسطورة يغير واقعنا في لحظة ويتحول بنا من مؤخرة القافلة البشرية إلى قيادتها بضربة واحدة من عصاه السحرية؟!!.
ولا ندري كم من السنين سوف نقضيها لندرك عجز الرجل الوحيد عن حل مشاكلنا وتغيير واقعنا؟!.
إن هذا الفهم الخاطئ لدور القائد والأمة في تحمل المسئوليات يضر بالقادة ويضر بالأفراد، فعلى مستوى القادة ينمي فيهم هذا الفهم الفردي في التخطيط ويجعلهم يتصارعون مع كل من يحاول المشاركة في الرأي أو العمل، وفي نفس الوقت فإن هؤلاء القادة لا يستطيعون عمل كل شيء بمفردهم فينتهي الأمر إلى الفشل والإحباط.
، ثم لنفرض أن لديهم إمكانية القيادة بمفردهم إلا أن هذا النوع من التفكير والعمل يسبب وأد القيادات الوسيطة.
وأما على مستوى الأفراد فإن هذا الفهم يطمس في عقولهم مفهوم المسئولية الجماعية، ويشيع فيهم روح التواكل على القيادات وحدها..
فإذا دعاها الداعي إلى التضحية أجاب لسان حالها (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) ومهما كانت قسوة الهزيمة أمام عيونها فإنها تظل تنتظر حدوث المعجزة وظهور القائد المخلِّص! ! بل وينفق الأفراد أوقاتهم في الحديث عن هويته وشخصيته؟!.
وغاب عن هؤلاء أن صلاح الدين يوسف بن أيوب لم يقم بما قام به بمفرده، ولم ينتصر وحده والناس يتواكلون لا يريدون بذل جهد ولا تقديم تضحية، وإنما كان مع صلاح الدين رجال يعملون ويضحون..
وإذن، فالاعتقاد بأن حاجتنا هي فقط لقائد مسلم ملهم أمر وفهم خطر وضار لأسباب كثيرة أولها وأهمها: أنه يصطدم بالقوانين القرآنية التي تقرر أن التغيير إلى الأفضل أو الأسوأ لا يحدث إلا إذا سبقه تغيير جماعي يقوم به (القوم) (الأفراد) لما بالأنفس من مفاهيم واتجاهات..
قال - عز وجل -: (إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).(14/52)
فالآية كما نرى تربط التغيير بتغيير ما (بقوم) (جماعة) (أمة)، وليست فرد واحد..
(أمة بالمصطلح الإسلامي) لكلمة (أمة)..
وهي الجماعة التي تدين بعقيدة واحدة، وتتجمع على أصولها وتدين لقيادة قائمة على تلك العقيدة.
وإذن فوجود القائد ليس هو كل القضية وإنما هو شطر القضية، وشطرها الآخر هو وجود (الأمة)، ولابد من شروط في القيادة وشروط في الأفراد أو (الأمة) والتفاعل بين الجانبين والانسجام بينهما..
فأمر القيادة منوط بتلك (الصفوة) المؤمنة من العلماء المخلصين والقادة القادرين، - وهي العناصر ذات الخبرة والوعي الشمولي والتي تتوفر فيها ملامح العمل القيادي- والتي تستطيع العمل في مستوى قيادي أدنى من القيادة الرئيسية حتى لا يكون هناك ثغرات أثناء العمل..
بالإضافة إلى أن إعدادهم يهيئهم ويؤهلهم لاستلام القيادة مستقبلاً، وهؤلاء هم الذين يشكلون الحلقات القيادية الوسيطة التي تسد الفجوة بين القاعدة العريضة من الجماهير المسلمة، وبين القيادة وهى التي عبرها تتم عملية (بعث الأمة) بدعوة التوحيد بمفهومه السلفي الواضح على ما كان عليه القرون الثلاثة الأولى قبل تشعب الأهواء واختلاط العقائد.
وكأني برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضى ثلاثة عشر عاماً يربي هذه الفئة، ويصنع الرجال، ويدرب القادة لتحمل مسئولية نشر دعوة الحق بعده - صلى الله عليه وسلم -، لقد كان - صلى الله عليه وسلم - يصنع رجالاً يحملون هذه العقيدة فكراً وشعوراً وممارسة، ويربي (أمة) تتلقى أمر الله فيغدو لديها فعلاً وتطبيقاً ويتحول إلى وقائع وأحداث، فلابد أن يلتزم الدعاة إلى الله الآن هذه الخطوة...
ولنذكر دائماً أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو المؤيد من ربه - عز وجل - مكث بمكة - كما يروي ابن كثير- يتبع الناس في منازلهم.. عكاظ والمجنة..
وفى المواسم يقول: » من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة «.
ولنذكره - صلى الله عليه وسلم - وهو يهتف بربه - عز وجل - يوم بدر » اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض «..
فهذه حقيقة يجب على الدعاة اليوم أن يقفوا أمامها كثيراً، إن الدعوة لابد لها من (صفوة) تحملها و (أمة) تحميها..
(أمة) تحمل هذا الدين، وتهدي به وتحاول أن تقول: (ومِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ).
(أمة) قال الله عنها: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، (أمة) رعيلها الأول أبو بكر العربي، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وإخوانهم الكرام، (أمة) تتوالى أجيالها على هذا النسق الرائع..
الجنسية فيها للعقيدة، والوطن فيها دار الإسلام، والحاكم فيها هو الله، والدستور فيها هو القرآن.
وهذه (الأمة) تتواصل حضارياً مع كل جماعة تعمل من أجل الحق: » لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق « ووجود هذه الجماعة وتلك (الأمة) ضرورة كوجود (القائد) ونصر الله الذي تحرزه هذه (الأمة) لا يتم بثبات فرد بل لابد من ثبات عدد معين، قال - تعالى -: (إن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ)، بل إن الله - عز وجل - يخبر أن الفقه بسنن الله في التغيير يؤثر في نتيجة المعركة مع الكافرين..
قال الله - تعالى -: (وإن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِّنَ الَذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ).
، وهذا يلفت النظر إلى خطورة أن يبقى في الأمة من لا يتمتعون بالوعي والفقه لسنن الله في التغيير..
تلك السنن التي تربط التغيير بتغيير (القوم) و (الأمة) وليس فرد واحد، وإدراك ضرر وجود غير الواعين في الأمة لابد أن يولد لدينا شعوراً بالخطر أن يكون المركب الذي يحمل الحركة الإسلامية يحتوي نماذج من الأفراد لا يعرفون سنن طفو الأجسام على الماء فيسعون بحسن نية لخرق السفينة كما ورد في الحديث.
وإذن فلابد من بعث (الأمة) لكي يؤدي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرة أخرى..
وإنه لتفكير سديد ذلك الذي يرى أن عودة (الأمة المسلمة) إنما يكون في نفس الظروف والشروط التي ولدت فيها أول مرة، فحين ولدت هذه (الأمة) كان ذلك الميلاد صادراً عن عقيدة واضحة قوية ولسان يستمد من القرآن وسحره وتأثيره وهذا هو الطريق اليوم..
تصحيح مفهوم العقيدة وتخليصها مما شابها من علوم الكلام والإرجاء وتجليتها ناصعة واضحة، ودعوة الناس إلى أن يقيموا حياتهم على قاعدة الإسلام الأولى وهى (تصديق خبر الرسول جملة وعلى الغيب والتزام شرائعه جملة وعلى الغيب) وبناء عليه وضع قضية الشريعة موضعها الصحيح في أصول الاعتقاد وتجريد مفاهيم الإسلام من التلبس بغيرها من المفاهيم الغريبة عليه.
ثم الانطلاق بهذا المفهوم انطلاقاً جاداً يتربى خلاله الأفراد على الأخلاق الإسلامية ويدرسون الحركة الإسلامية وخط سير الإسلام في التعامل مع كل المعسكرات والمجتمعات البشرية، والعقبات التي كانت في طريقه ولا تزال تتزايد بشدة، وبخاصة من المعسكرات الصهيونية والصليبية.
فإذا وصل الأفراد إلى ذلك المستوى من الخلق والفهم فقد تكون لدينا جيل (الصفوة) الذين على أكتافهم تقع مسئولية تكوين وتربية الدعاة الصادقين الذين عبرهم يتم بعث الأمة وإحيائها من جديد...(14/53)
وختاماً نؤكد أننا لن نستطيع أن ننقذ ذريتنا من الأجيال القادمة من براثن الجاهلية إلا بالعمل الشاق وتربية جيل مسلم و (أمة) مسلمة وعندما نحقق ذلك نكون قد انتصرنا على الجاهلية من حولنا وشرعنا في بناء حياة جديدة إذ بدأنا عملنا بجهود جماعة و (أمة) وليس جهد فرد واحد (قائد).
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============
مقترحات للعاملين في المكاتب الدعوية في المستشفيات
يوسف بن عبد الله الأحمد
سعادة الدكتور / - حفظه الله -
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.
أرجو أن يصلكم هذا الخطاب وأنتم في أتم صحة وعافية، و أسأل الله الكريم أن يجزيكم خيراً وكلَّ مَن سعى في وجود هذه المكاتب الدعوية في المستشفيات، وأنا متفائل بنفعها العظيم في نصرة دين الله. فإن المستشفيات يدخلها مئات الآلاف سنوياً؛ من أطباء، وممرضين، ومرضى، وزوار، ومراجعين باختلاف أديانهم ولغاتهم ومستوياتهم وغير ذلك.
لقد استغل أعداء الله العمل الطبي في التنصير وإخراج المسلمين من دينهم إلى النصرانية، أما نحن فإنا لم نألف ولم نتعود أن تأتي الدعوة من الطبيب، أو أن تكون الدعوة أثناء العلاج، وفي غرف التنويم إلا ما قل.
وحتى يحقق المكتب أعلى درجات الخير؛ فيسرني أن أقترح الآتي:
1. تحديد أهداف المكتب.
2. تحديد وسائل تحقيق هذه الأهداف.
3. توزيع التكاليف وبدقة على العاملين في المكتب.
4. المتابعة من خلال لقاء عمل أسبوعي (اجتماع).
5. تقويم مستوى التنفيذ كل فترة زمنية محددة.
1. تحديد أهداف المكتب.
وأقترح هنا الأهداف الآتية:
1. دعوة غير المسلمين إلى الإسلام.
2. نشر الوعي الشرعي بين المسلمين؛ من الأطباء والمرضى والعاملين والزائرين.
3. الدعوة إلى أسلمة الطب.
4. العمل على منع الاختلاط.
5. بيان الأحكام الفقهية التي يحتاجها الطبيب و المريض.
6. نشر الحجاب الشرعي.
7. كسب إدارة المستشفى وسائر الأطباء والعاملين وحسن العلاقة معهم.
8. السمعة الطيبة عن المكتب.
9. تكوين علاقة أخوية و دعوية مع:
أ . أهل العلم والدعاة.
ب . المكاتب الدعوية في المستشفيات الأخرى وتبادل الخبرات معهم.
ت . المكتب الدعوي التعاوني وتوعية الجاليات القريب من المستشفى.
ث . مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القريب من المستشفى.
ج . المؤسسات الخيرية؛ كمؤسسة الحرمين، و إدارة المساجد، والإغاثة و..
2.تحديد وسائل تحقيق هذه الأهداف.
وأقترح هنا الآتي:
من المهم تصنيف المدعوين؛ من حيث اللغة، و الدين، والعمل. وأنبه هنا إلى أن عمال النظافة، والزائرين داخلون كذلك.
أولاً: محاضرة شهرية. تكون مرة للمسلمين، ومرة لغير المسلمين، ومرة للناطقين باللغة العربية، ومرة لغيرهم، ومرة للنساء، ومرة مشتركة.
وأقترح في المحاضرات العناوين الآتية:
1. الطبيب الداعية.
2. الضوابط الشرعية لمهنة الطب.
3. طهارة المريض.
4. صلاة المريض.
5. صلاة الجماعة في حق المرضى والأطباء وغيرهم.
6. الضوابط الشرعية لكشف عورة المريض.
7. الحقوق الشرعية للمريض.
8. أسلمة الطب.
9. دراسة نقدية: المخالفات الشرعية عند الأطباء (ندوة من أطباء).
10. دراسة نقدية: المخالفات الشرعية عند الممرضين (ندوة من ممرضين وأطباء).
11. دراسة نقدية: المخالفات الشرعية عند الفنيين (ندوة من أطباء وفنيين).
12. العلاج بالرقية.
13. حقوق المرأة العاملة في المستشفيات.
14. الاختلاط في الميدان الطبي:
* حكمه مع الأدلة. * مظاهره. * آثاره السلبية. * العلاج.
أما غير المسلمين فتكون محاضراتهم بالترتيب مع مكتب توعية الجاليات.
و من المهم تسجيل هذه المحاضرات بالشريط والفيديو. والجيد منها يعاد إخراجه عند المؤسسات المعنية؛ ليكون إصداراً للمستشفى يعرض كلما احتيج إليه، ويكون الانتفاع به متاحاً للجميع.
ثانياً: مسابقة شهرية. تكون مرة للمسلمين، ومرة لغير المسلمين، ومرة للناطقين باللغة العربية، ومرة لغيرهم، ومرة للنساء، ومرة مشتركة.
والهدف الأول من المسابقة هو نفع المتسابق وليس اختبار معلوماته؛ ولذلك فإنه لابد من انتقاء الأسئلة النافعة، والسهلة. ومثال ذلك: (س: اذكر ثلاث وسائل تعين على الاستيقاظ لصلاة الفجر. )
أو أسئلة (صح وخطأ) وذكرت هذا المثال لأن كثيراً من المسابقات التي أشاهدها تكون ثقيلة و ضحلة الفائدة. فلابد من العناية في انتقاء الأسئلة.
والهدف الثاني من المسابقة هو الجوائز، فلابد أن يكون لها أثر دعوي ومن أجمل هذه الجوائز: الاشتراك في المجلات الإسلامية كالأسرة، والشقائق، وشباب، والدعوة، والبيان، والحياة، و البنات.
ثالثاً: جولات ميدانية.
وهذه الجولات تخدم هدفين:
الأول: الجانب الدعوي. بتوزيع الأشرطة والمطويات، وزيارة المرضى والدعاء لهم، و الإجابة على أسئلتهم.
الثاني: إنكار المنكرات بالرفق واللين والكلمة الطيبة،، ومثال ذلك: (يا أخت غط الرأس، أو غط الوجه، أو إلبسي الحجاب الشرعي.. ) مع الدعاء للمخالف، و عدم انتظار الجواب من المخالف، أو الاستجابة السريعة. وخصوصاً خلال السنة الأولى من البدء بهذا العمل. بالإضافة إلى البشاشة في هذا كله و عدم الانفعال عند ردود الأفعال غير الجيدة.
رابعاً: إيجاد مكتبة صوتية إسلامية تجارية على هيئة كشك أو محل في صالة الاستقبال ونحو ذلك، تُأجر على إحدى التسجيلات الإسلامية، ويباع فيها الشريط الإسلامي، و الكتيب الإسلامي، والمجلات الإسلامية فقط. وفي هذه الفكرة خير عظيم إن شاء الله - تعالى -.
خامساً: إيجاد بث تلفزيوني داخلي لجميع الغرف والممرات بعرض بعض أشرطة الفيديو الإسلامية النافعة؛ كما هو موجود في بعض المستشفيات.(14/54)
سادساً: فتح موقع في الإنترنت. يعرض من خلاله عمل المكتب من فتاوى، وتجارب، وبرامج..، ويمكن كذلك بث المحاضرات والدروس حية من خلاله.
سابعاً: (الفتاوى) من خلال زائر أسبوعي من أهل العلم لدية المقدرة العلمية للإجابة على أسئلة المرضى.
وأخيراً أقترح أن تكون الاستبانة وسيلة مهمة لتقويم العمل.
http://www.saaid.net المصدر:
=============
أفسحوا الطريق للنساء
بعثت فتيات من دمشق بضفائرهن إلى سبط بن الجوزي خطيب المسجد الأموي بدمشق لتكون قيوداً ولجماً لخيول المجاهدين الذين يخرجون لتحرير فلسطين من براثن الصليبيين فخطب الشيخ خطبة حروفها من نار، تلدغ الأكباد وهو يمسك بشعور الفتيات وقال:
يا من أمرهم دينهم بالجهاد حتى يفتحوا العالم، ويهدوا البشر إلى دينهم، فقعدوا حتى فتح العدو بلادهم، وفتنهم عن دينهم، يا من حكم أجدادهم بالحق أقطار الأرض، وحُكموا هم بالباطل في ديارهم وأوطانهم، يا من باع أجدادهم نفوسهم من الله بأن لهم الجنة، وباعوا هم الجنة بأطماع نفوس صغيرة، و لذائذ حياة ذليلة..
يا أيها الناس .. مالكم نسيتم دينكم، وتركتم عزتكم، وقعدتم عن نصر الله فلم ينصركم، وحسبتم أن العزة للمشركين، وقد جعل الله العزة لله ولرسوله وللمؤمنين؟؟؟
يا ويحكم.. أما يؤلمكم ويشجى نفوسكم مرأى عدو الله وعدوكم يخطو على أرضكم التي سقاها بالدماء آباؤكم ويذلكم ويتعبكم وأنتم كنتم سادة الدنيا؟؟؟
أما يهز قلوبكم وينمى حماستكم، أن إخواناً لكم قد أحاط بهم العدو وسامهم ألوان الخسف؟؟؟
أما في البلد عربي؟ أما في البلد مسلم؟ أما في البلد إنسان ؟
العربي ينصر العربي، والمسلم يعين المسلم، والإنسان يرحم الإنسان.. فمن لا يهب لنصرة فلسطين لا يكون عربياً ولا مسلماً ولا إنسانا ً...
أفتأكلون وتشربون وتنعمون وإخوانكم هناك يتسربلون باللهب، ويخوضون النار، وينامون على الجمر؟؟؟
يا أيها الناس.. إنها قد دارت رحى الحرب، و نادى منادي الجهاد، وتفتحت أبواب السماء، فإن لم تكونوا من فرسان الحرب، فافسحوا الطريق للنساء يدرن رحاها، واذهبوا فخذوا المجامر والمكاحل، يا نساء بعمائم ولحى .. أو فإلى الخيول وهاكم لجمها وقيودها...
يا ناس أتدرون مم صنعت هذه اللجم و القيود ؟؟؟
لقد صنعتها النساء من شعورهن، لأنهن لا يملكن شيئاً غيرها، يساعدن به فلسطين..
هذه والله ضفائر المخدرات، التي لم تكن تبصرها عين الشمس، صيانة وحفظاً، قطعنها لأن تاريخ الحب قد انتهى، وابتدأ تاريخ الحرب المقدسة، الحرب في سبيل الله، وفى سبيل الأرض والعرض، فإذا لم تقدروا على الخيل تقيدونها بها، فخذوها فاجعلوها ذوانب لكم وضفائر ...
إنها من شعور النساء، ألم يبق في نفوسكم شعور... !!
وألقاها من فوق المنبر على رؤوس الناس، وصرخ: تصدعي أيتها القبة، ميدي يا عمد المسجد، انقضي يا رجوم، لقد أضاع الرجال رجولتهم...
فصاح الناس صيحة ما سمع مثلها، ووثبوا يطلبون الموت !!
03 - 11 - 2004
http://www.islamway.com المصدر:
=============
ألا هل بلغت؟
لأول مرة أشعر بأني أريد أن اكتب بلا مقدمة... ولا ديباجة ولا قصة..... ولا يحزنون
لأول مرة أريد أن يشاركني أحد ما أفكاري... والتي من أبرز صفاتها.. أنها بعيدة المدى... كنت أكلم نفسي هذا اليوم
لا تتعجبي يا مشاعل لو ظهر في التلفزيون الآن.. برنامج رياضي تديره أجساد سعودية مدربة .. لإنعاش الفتاة السعودية والفتى السعودي.. وممارسة التمرينات الرياضية بواسطة فتاة سعودية .. تسعى جاهدة .. لاهثة... لحرق السعرات الحرارية والمحافظة على الرشاقة.. سيكون اسم البرنامج (ما إ لك إلا هياء) وقد يتطور إلى حصة وموضي ... فنحن شعوب تموت في التقليد... وسيحدث للبرنامج ما حدث لمطاعم... ماما نورة... والتي خلفت من بعدها..... مطاعم.. ماما سارة.. وماما منيرة.. وهلم جرا
ضحكت وحزنت في الوقت ذاته.. وسألت نفسي
ولماذا أنت سوداوية.... متشائمة؟؟؟
لا... أبداً... أنا فقط عاتبة
أنا عاتبة على مجلس الشورى الموقر....
مجلس الشورى.. بكبره.. وبعظم مكانته... بل وبعظم مكانة و مقدار علم أعضاءه..... ترك أهم مشاكل التربية والتعليم.. وركز على موضوع يرى البعض أنه مهم وحساس وحاسم في العملية التربوية والتعليمية... وهو إدخال (مادة التربية الرياضية للبنات)
ترك مشاكل (نقل المعلمات، ترقيتهم، تحسين مستوياتهم، تعيينهم في ديرتهم، مشاكل النقل والطرق التي تواجه المغتربات منهن وحوادث الطريق والتي تفجعنا كل يوم ونفقد معها أعز صديقاتنا،، ووووومشاكل كثيرة تواجه قطاع التعليم والتربية...
كنت أتمنى مناقشة أمر إدخال مادة التوعية الغذائية و الصحة النفسية. حتى تتعرف البنت على نفسها على الأقل.. وتعرف كيف تواجه المشاكل النفسية والتي أهمها الخجل وضعف الثقة في النفس
التربية البدنية للبنات
هل هي نافعة؟؟؟
وما الهدف منها
الأولاد وهم أولاد....... ما استفادوا.. (. كروش وصدور).. والبركة في السيد همبرجر... والآنسة بطاطا
المشكلة أن البنت.. تركيبة جسدها وتكوينها النفسي والبدني يختلف عن الولد... وهي لا تتحمل ما يتحمله الولد..
دعوني أؤكد لكم شيئاً
البنت تمارس الرياضة أصلا.. في كل وقت.. منذ دخولها المدرسة وحتى وقت خروجها..... ومن غير حصص رياضية وبدنية خاصة
.. فهل نرهق جسدها الغض برياضة أخرى.
ايروبكس. (في صعودها السلالم) يوغا (في وقوفها في الطابور الصباحي... )... وحمل الأثقال (وهي تلبس الشنطة المليئة بالكتب الثقيلة)... الجري والمشي.. (وهي تلعب الحبشة والغميمة (الغميضة عربيا) فلماذا نزيد التعب عليها
كل يوم أقول هذا الكلام... لكن النجدي،، نجدي(14/55)
(ما يقول عن وجبة الغداء غداء إلا إذا كان فيها رز... ولو نأكل رز في الليل.. سميناه غداء.. ولو شاف ناس يأكلون نواشف في الليل... قال: يتعشون فطور )
التغذية واحدة... ما تعرف نوع لا رز ولا خبز... والرياضة التي تمارسها البنت مفهومها واحد... جهد وطاقة مبذولة.. تعب وإرهاق.. والنتيجة واحدة.. حرق سعرات حرارية وتجديد النشاط
سأخبركم ببعض ما سيحدث فيما لو أدخلت حصص الرياضة البدنية
سأكبر لكم الصورة
البنات سيتنافسن في عرض الأزياء... نايك.. ريبوك... فيلا.... بوما.... الخ.
وشنط الرياضة ... وملابس الرياضة وبأغلى الأثمان
الأحذية كرمكم الله.. لن أتحدث عن سعرها يكفي أن أخبركم بسعر. (الشراب) 45 ريال. إن كان من هذه الماركات المشهورة.... وسوف تكون هذه المادة وبال على الأهل وزيادة عبء مالي
وسوف تكون حصص الرياضة.. في البداية... الحصص الأولى.. ثم سرعان ما تنتقل إلى الحصص الأخيرة... والبنت الضحية.. سيأتي وقت وتخرج من المدرسة بلبس الرياضة.. من العجز والعجلة..... البنطلون الرياضي. الضيق... الملتصق بجسدها... مع عباءة ضيقة مفتوحة ووجه متورد بفعل إندفاع الدماء إلى الوجنتين.. بعد ممارسة الرياضة.. ومن قلب..
دعوني أسأل
لماذا نأتي للمدرسة ؟؟؟؟؟؟
نخرج من المدرسة ونحن لم نلم بربع ما درسناه وتعلمناه.... فهل من وقت لتلقي العلم يكفي حتى نبحث عن أوقات للرياضة والحركة المرهقة ؟؟؟؟
ثم لماذا كل شيء على المدرسة... !!!! وهل المنزل غير قادر على تحريك عضلات الفتاة ؟؟؟؟
بل... هل الهدف تقوية وإكساب البنات عضلات قوية كالرجال..... هذا ما لا تريده أي أنثى كاملة الأنوثة.. ولا رجل فيه رجولة
متى تتعلم البنت العلوم النافعة!!!!
ما مساحة العلوم النافعة التي تنفع البنت في الدين والدنيا؟؟؟؟
لدي سؤال:
هل وضعتم في حسبانكم توفير عدد كاف لغرف تغيير الملابس.. أو دورات المياه؟؟؟
المشكلة أن الوقت لا يسعف الطالبات للانتظار وسيضطر الكثيرات منهن إلى أن تتساهل وتنزع مريولها أمام زميلاتها وبكل سهولة وبساطة ولو سألتها لقالت (عادي بنات مع بعض)
ولا يخفاكم الوعيد الذي توعده النبي الكريم للمرأة التي تخلع ملابسها في غير بيتها
حيث قال « أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت ستر ما بينها وبين الله - عز وجل - »
في البداية ستلبس البنت ملابس رياضية طويلة... وشوي شوي.. وفي الصيف ستتعلل بالحر.. حتى تلبس الشورت ويتم إدخال السباحة.... ولا تتعجبون لو تدين البعض فجأة وقال.. إن في ذلك تنفيذا لوصية عمر - رضي الله عنه - وأرضاه إذ أنه حث على أن نعلم أولادنا السباحة والرماية
تقول إحدى زميلاتي في أثناء نقاشي معها عن الرياضة...
أنا أرى أنها مفيدة للبنات.. أجل وين تبينهم يمارسون الرياضة؟؟؟؟
في النوادي.. التي نسمع عنها و انتشار الشذوذ الله يكفينا الشر
سبحان الله
الآن صار فيها شذوذ... وينكم أول وأنتم تطالبون بنوادي رياضية نسائية في البلد لتمارس فيها النساء الرياضة للحفاظ على رشاقتها وأناقتها أمام زوجها... الآن تغيرت آراؤكم.. ؟؟؟ وبعد أن كان هذا الأمر تنادون به الآن تذمونه؟؟؟ {مالكم كيف تحكمون}..
ثم تعالي حبيبتي.. لنكن واقعيين وشفافين... فيه أشياء لازم نتكلم فيها.. لأنكم أنتم تحتجون فيها دائما..
تعتقدين أن الشذوذ لن يحدث في المدارس.. بعد إدخال الرياضة؟؟؟!!!!.. لئن كان عدد الشاذات.. قلة الآن.. تأكدي أن عددهن سيتضاعف فيما لو أدخلت مادة الرياضة.. وبدأت البنت تلبس ملابس... شديدة الضيق.. تصف كل شيء في جسدها
أو ليست البنت الشاذة لها نظرة مثل نظرة الرجل.. إذن هي ستجد مبتغاها وغايتها.. بعد إدخال الرياضة.. وأنا أؤكد لك أن أكثر شيء يغري أمثال هؤلاء اللبس الضيق.. والملتصق بالجسد.. والذي تصممه بعناية دور صناعة ملابس الرياضة العالمية.. والتي معظمها يهودية.. وأصحابها يهود
أرجوكم... لنجلس مع أنفسنا قليلا ولنجلس جلسة مصارحة صادقة
دعونا نتكلم مع ضمائرنا لحظة واحدة.. وليسأل كل واحد منا نفسه
.. ما هو هدفنا الحقيقي من وراء إدخال مادة التربية الرياضية؟؟؟
وهل إذا عرفنا أنها طريقة من طرق نزع الحياء الذي هو أهم ما يميز البنت المسلمة ستصوتون على ضرورة إدخالها؟؟
لست معقدة.. ولا منغلقة بل إنني مع التطور العقلي والإبداعي في المدارس وأشجع على الابتكار وتطوير الذات ومحاولة نفع الأمة والرقي بالوطن.. بل وأنادي بأن يتعلم الإنسان كل العلوم.
وأنا أعرف أن الرياضة مهمة.. ولكني أعرف أنها.. قبل كل شيء.... ثقافة ذاتية وقناعة شخصية.. تنبع من ذات الإنسان نفسه
أعرف هذا كله..... و لكني.. أيضاً أعرف مخاطر إدخالها للمدارس...
لست بالخب... ولا الخب من العلمانيين الليبراليين يخدعني
كلما شاهدت ملابس الرياضة.. والبنات يرتدينها... أتذكر مباشرة.. قوله - صلى الله عليه وسلم - « صنفان من أهل النار لم أرهما......... و نساء كاسيات عاريات »
لم يرهما رسول الله في عصره.... لكننا..... والله... رأيناهم..
كل شيء في جسدهم واضح فاضح... لا شحمة ولا لحمة ولا عظمة لا تظهر لك بكل تفاصيلها الدقيقة... هي كاسية على اعتبار أنها لابسة.. لكنها في الحقيقية.... عارية
القضية.. أكبر... القضية.. ليست قضية ترفيه وتسلية وتجديد نشاط وطاقة.... لا.. القضية الأساس... قضية.... نزع الحياء من البنت عن طريق الرياضة المدرسية(14/56)
إنها أول السلم.... لو وافقتم... ستكونون كمن فتح الباب للشذوذ والفساد والإرهاق البدني والألم النفسي الذي قد يسببه التنافس بينهن في اللبس والشياكة...... وإذا انفتح الباب.. فمن الصعب إغلاقه وخصوصا أن السماء تنذر بهبوب ريح عاتية.. تنتظر موافقتكم
ولعلكم كلكم تعرفون.. أن أصعب شيء في أي أمر... بدايته
وبعد البداية......... كل شيء ممكن.
... وهاقد نقلت لكم الصورة.. و إني لأتمنى أن تطبعوا هذا المقال... وتقرأوه جميعا. أرجو أن يتشجع المجلس ويأخذ مقالي هذا كورقة عمل يتم طرحها ودراستها.... ليس ثقة في أسلوبي العامي الفج... ولكن ثقة بصحة ما جاء فيه. و حرصا مني على سد الأبواب في وجه من يريد ببناتنا الفساد وتحميلهن مالا تحتمله أجسادهن الغضة
ومادام الأمر يخصني فسأتكلم.. وسأتكلم.. وسأوضح...
.. قبل أن ترفعوا أيديكم للتصويت
تذكروا كلامي هذا.. !!!!
وتذكروا أنكم تحملتم أمانة رعاية أمور هذا الجيل ومناقشة شؤونهم...... وأن الله محاسبكم وساءلكم عن هذه الأمانة يوم القيامة
...ألا هل بلغت... اللهم فاشهد
09 - 02 – 2005
http://www.islamway.com المصدر:
==============
للجادين فقط ... هكذا ينشر الوعي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد
أحبتي في الله قبل دخول الانترنت إلى هذه البلاد كنا نحلم ونتمنى دخولها حتى نتخطى الحدود للتعرف على هموم إخواننا المسلمين عن قرب ونحاورهم ونشاركهم آمالهم وآلامهم ونعطيهم مما أعطانا الله من بصيرة في الدين ووعي بالواقع مما تعلمناه من مشايخنا الذين أثروا الساحة العلمية والتربوية بكل مفيد وجديد.
ولكن بعد توفر الوسيلة وتحول الحلم إلى حقيقة حدث ما لم يكن بالحسبان..
امتلأت منتدياتنا السعودية بالدعاة وحملة العلم في جدال ومراء ربما يكون أحد أطرافه طفل في المتوسطة أو من لا وعي لديه ولا فهم حتى اكتظت بهم المنتديات وتسببوا بنقل صورة سيئة عن الصحوة الإسلامية في هذا البلد (الجزيرة والخليج عموماً)
لا أكتفي بالنقد والهجوم وبث الحزن
ولكني أقدم لأخواني مشروعا دعويا جربته بنفسي مع بعض الأخوة العرب من دول متفرقة فكان له عظيم الأثر وهو:
نشر فتاوى علمائنا وبياناتهم وبعض المقالات المهمة من مواقعهم أومن بعض المجلات المفيدة كالسنة والبيان والمحايد وغيرها، ونشر روابط المواقع المفيدة كصيد الفوائد وطريق الإسلام والإسلام اليوم والمربي للدويش والمنجد وغيرها.. في المنتديات العربية السورية والأردنية والعراقية والمصرية ومنتديات الشمال الأفريقي والتواصل معهم عن طريق الماسنجر والبريد الأكتروني.
طريقة التنفيذ:ـ
اجعل لك مندوبا في كل بلد فأهل مكة أدرى بشعابها هم أعرف بمنتدياتهم والمواقع المفيدة والمشهورة عندهم وواصله عن طريق البريد بكل مفيد تراه وهو بدوره يتولى النشر في بقية المنتديات الخاصة ببلده وهلم جر في بقية البلدان.
ولا مانع أن تتخصص كل مجموعة ببلد معين فطلاب الحلقة الفلانية يتخصصون بالسودان والمكتبة الفلانية بليبيا والاستراحة الفلانية بسوريا
أو تتخصص كل مجموعة بنشر بمادة معينة (العقيدة، الوعي، الأحكام، ملفات المناسبات) وغيرها
هذا ما أردت المشاركة فيه.
ومثلكم من يبدع ويبتكر فأنتم أهل الإبداع والابتكار وليكن قرينك إخلاص النية ونشر الوعي والعلم في الأمة فهذا من تبليغ الأمانة ونشر العلم.
والله يحفظكم ويرعاكم ويسدد على طريق الخير خطاكم.
ملاحظة:ـ
إياكم ونشر الغرائب كتأويل الرؤى والردود بين أهل العلم فأنت تخاطب بلدا ليست له أرضية علمية أو عقدية أو تربية قوية فتكون فتنة لهم بل عليك بنشر المحكمات من الكتاب والسنة وما يفيد الأمة ففيها الخير كله.
http://saaid.net المصدر:
============
الدعوة إلى الله أعظم الأعمال وأحسنها
يسر الشبكة الإسلامية أن تجري هذا الحوار مع السيد/ عائض بن دبسان القحطاني مدير إدارة الدعوة بالوكالة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة قطر،
حوار حول الدعوة والدعاة وجهود إدارة الدعوة في هذا الشأن:
[1] كيف ترى أهمية الدعوة إلى الله ومدى حاجة الناس إليها؟
الدعوة إلى الله هي مهمة الرسل وأتباعهم، وهي بالنسبة لحياة الناس كالماء للحياة، والشمس لإضاءة الكون؛ لا غنى للناس عن ذلك لنجاتهم، من أجل هذا أرسل الله الرسل وأنزل الكتب. فالدعوة إلى الله - تعالى -أعظم الأعمال على الأرض، وهي أحد أسباب خيرية هذه الأمة: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)[آل عمران: 110]، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأساسيات في الدعوة.
[2] هل ترى أن المؤسسات الدعوية في العالم الإسلامي أدت دورها في هذا الجانب؟
الحكم على أي عمل أو تقييمه لابد فيه من الاطلاع على خطط هذا العمل وأسلوب تنفيذه، والأثر المترتب عليه. ولا شك أن هناك من الإيجابيات الكثير - وإن وجدت سلبيات غير أنه إن وجد الإخلاص لله - تعالى -في العمل مع إحاطة العمل بأسباب نجاحه، من التوكل على الله والتماس الأسباب المتاحة لإنجازه مع البذل والعطاء. يكون هذا هو المطالب به العامل سواء كان في هذا الحقل أو غيره.. ونسأل الله - تعالى -أن يوفق الجميع لمرضاته.
[3] كيف تقيم جهود المؤسسات الدعوية في دولة قطر؟(14/57)
ذكرنا أن تقييم أي عمل يعتمد على الوقوف على خططه وأسلوب تنفيذه والأثر المترتب عليه. وذلك في حدود الإمكانات التي تتوفر لنجاحه.. وفيما أرى بحمد الله - تعالى - هناك جهود طيبة تبذل، ونسأل الله - تعالى -أن يوفق القائمين على أمر الدعوة للقيام بأعبائها، فالحمل ثقيل، ولا يمكن أن تكون ثمرة إلا بتوفيق الله - تعالى -ومشيئته.
[4] ما هي أبرز جهود إدارة الدعوة؟ وما هي الأقسام التابعة لها؟
مما لا شك فيه أن إدارة الدعوة هي المنوط بها أمور الدعوة في البلاد، وأحسب أن كل جهد مبذول في هذا الشأن هو من هذه المهمة العظيمة، ونسأل الله - تعالى -أن يتقبل من الجميع. فهناك جهود في دعوة غير المسلمين؛ كما أن هناك جهود في دعوة المسلمين، وهناك جهود أخرى في تربية أبناء المسلمين على حفظ كتاب الله - تعالى -والعمل به، وأخرى في الإجابة على استفسارات وأسئلة الناس في أمور دينهم. وأيضًا هناك جهد ملموس لإخواننا في دعوة النساء وبنات المسلمين، وجهود أخرى تبذل لنشر العلم الصحيح عن طريق الإصدارات التي توزع داخل البلاد وتصل إلى بعض البلاد الأخرى بالتنسيق مع المسؤولين. وهناك جهود تبذل في الدعوة في المدارس ووزارة الدفاع والشرطة وغيرها. كما أن هناك تنسيق في إقامة بعض الندوات التي يشترك فيها أكثر من جهة ويُناقش فيها قضايا مهمة للمجتمع، كما وأننا نأمل في الفترة القادمة بإذن الله - تعالى -أن تبذل الجهود للعمل على جميع الأصعدة وبالوسائل المشروعة لصد الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين.. والله ولي التوفيق.
أما عن الأقسام فهي:
(1) قسم التعريف بالإسلام.
(2) قسم الدعوة والإرشاد.
(3) قسم تحفيظ القرآن الكريم.
(4) قسم التنسيق المالي والإداري.
(5) معهد الدعوة والعلوم الإسلامية.
[5] كيف ترون مستوى الدعاة وخاصة مع التغيرات الكثيرة والسريعة؟
الحق أن أي فريق يعمل في أي مجال من المجالات يتفاوت أفراده علمًا وعملاً وفهمًا وأسلوبًا. ولا شك أن الدعاة إلى الله - تعالى -ينبغي أن يكونوا دائمًا على قدر المسؤولية التي حملوها.. وعلى قدر الأمانة التي في أعناقهم، وفقهم الله - تعالى -.
ولذا فيجب على الدعاة أن يكونوا على بصيرة من هذه التغيرات، ومما يراد بها وبالإسلام والمسلمين، ويضعوا لذلك خطة العمل التي يواجهوا بها هذه المتغيرات.
[6] هل هناك جهود لزيادة عدد الدعاة؟ ورفع الكفاءة لديهم؟ وزيادة المهارات الدعوية؟
مما لا شك فيه أن نجاح أي عمل يحتاج إلى رفع كفاءة العاملين به، وإذا قلنا أن عمل الدعوة هو أهم الأعمال فبالأحرى أن يكون أول الأعمال التي يهتم بها، ولا شك إذا احتاج الأمر إلى زيادة دعاة؛ فإننا لن نألوا جهدًا في تحقيق ذلك، كما أننا نسعى إلى رفع كفاءة بعضهم من خلال تنظيم وإقامة العديد من الدورات والبرامج التي من شأنها رفع كفاءة الدعاة وتطوير مهاراتهم الدعوية، والله المستعان.
[7] هل هناك وسائل دعوية جديدة قمتم بها أو تخططون لها في هذا الجانب؟
الجواب عن هذا السؤال سابق لأوانه، إذ أنه لابد من تطوير الخطاب الديني وابتكار الأساليب الدعوية الجديدة للوصول إلى كل شرائح المجتمع، ولابد أن يعلم الجميع أن القائمين على الإدارة سابقًا بنو أركان هذه الدعوة وأثمرت جهودهم المباركة طيلة السنوات الماضية.
[8] لا شك أن الإعلام له تأثير كبير في جانب الدعوة إلى الله، فما هي الجهود الإعلامية التي تقومون بها في مجال الدعوة الإسلامية؟ وما مدى تعاون وسائل الإعلام معكم؟
نعم مما لا شك فيه أن أثر وسائل الإعلام الكبير لأي دعوة من الدعوات، مهم جدًا، وهناك جهود مبذولة في هذا الجانب لتقوية وسائل الاتصال بين الإدارة ووسائل الإعلان المختلفة مقروءة ومسموعة ومرئية. ولا نحسب إخواننا القائمين على وسائل الإعلام إلا ويد العون منهم تصافحنا في سبيل هذه الدعوة الكريمة، الدعوة إلى الله - تعالى -.
[9] ما هو دعمكم للجهود الفردية والتطوعية في مجال الدعوة؟
قد لمست أثر الدعوة التطوعية ورأيتها في المؤسسات الخيرية، كما في مؤسسة عيد الخيرية، والمؤسسات الخيرية الأخرى، وأقولها صادقًا مرحبًا بكل متطوع صادق خاصة من الشباب، وأسأل الله - تعالى -أن يوفقنا وإياهم لخير العمل ولعمل الخير.
[10] كيف اهتمامكم بفئة الشباب واعتناؤكم بهم وخاصة وهم يتعرضون لفتن متعددة؟
الشباب هم عماد الأمم، والأمم الحية هي التي تهتم بإعداد شبابها ليحمل راية عزها ومجدها. والإسلام أولى المناهج للقيام بهذه المهمة. وقد ربى النبي - صلى الله عليه وسلم - شباب الأمة على العقيدة والعمل، فكان على عاتقهم حمل هذا الدين لمشارق الأرض ومغاربها، ولا شك أن هذا الحمل الآن على عاتق كل المعنيين بالنظر فيه. وإدارة الدعوة بلا شك تحمل جزءًا من هذه الأمانة العظيمة. ونحن بدورنا نحاول جاهدين من خلال مراكز تحفيظ القرآن ودورات التفقه في الدين والدورات التي يعقدها معهد الدعوة، وكذلك من خلال المحاضرات التي لها مواسم ثقافية خلال العام، مع بعض المراكز الدعوية، والمراكز الصيفية، نحاول أن نقوم ببعض الواجب والله - سبحانه - الموفق والمستعان.
[11] هل نستطيع أن نعرف جهود الإدارة في مجال الاهتمام بالمرأة المسلمة وجهودها الدعوية؟(14/58)
هذه الجهود ولله الحمد ظاهرة وملموسة في أكثر من مكان في الدولة. فتنتشر دور تحفيظ القرآن الخاصة بالنساء، كما أن هناك دورات خاصة بهن تُعقد بين الحين والآخر. إضافة إلى قيام الداعيات بالدعوة من خلال مدارس البنات بعقد المحاضرات، ومناقشة الموضوعات الهامة للمرأة المسلمة، بالإضافة على المجهودات الكبيرة في عقد الدورات المختلفة والمتنوعة وإقامة البرامج الهادفة التي تعرف المرأة بدينها وتحثها على حسن التمسك به، اهتمامًا بها وتقديرًا لدورها في المجتمع.
[12] كي نشاطكم في مجال دعوة غير المسلمين؟
هو في الحقيقة نشاط طيب وفي زيادة مستمرة، وهناك متابعات قيمة وجهود مثمرة في هذا المجال من الأخوة القائمين عليه مع دوام التجديد في ذلك من حيث إقامة الدورات ودعم الأنشطة، خصوصًا دعوة غير المسلمين منها على سبيل المثال ستقام دورة بعنوان (الإبداع في دعوة غير المسلمين) لأحد الخبراء في دعوة الجاليات بالمملكة العربية السعودية، كما أن مركز الجاليات الجديد سوف يشهد عمل جبارًا وخططًا استراتيجية تدرس الآن، ونحن عاكفون عليها هذه الأيام.
[13] نحن مقبلون على الإجازة الصيفية.. فما هي برامجكم لهذه الفترة؟
تعد شعبة البرامج والأنشطة بقسم الدعوة والإرشاد إقامة مراكز صيفية لاستيعاب أبناء المسلمين وهي مراكز ثقافية رياضية ترويحية. كذلك هناك المجلة الحائطية والتي ستهتم بنشر بعض النصائح المتعلقة بإجازة الصيف. وهناك نشاط ملحوظ لمراكز تحفيظ القرآن، بالإضافة إلى تنظيم الدورة العلمية السادسة في الفقه والعقيدة وحفظ المتون، وستقام الدورة المكثفة الثانية لحفظ القرآن الكريم في شهرين، وكذلك دورة الماهر بالقرآن مع الدورات المكثفة الأخرى، والله الموفق.
[14] ما هي إسهاماتكم في مجال البرامج الدعوية الوطنية؟
ليس هناك فرق بين الدعوة إلى الإسلام والتوعية الوطنية، إذ أن الإسلام يأمرنا بحفظ المال والدم والعرض والنفس والنسل. ومن يتربى على العقيدة الصحيحة هو
أولا: من يكون مواطنًا صالحًا نافعًا لنفسه ودينه ووطنه، فإسهاماتنا الدعوية تصب في بناء الفرد الصالح الذي ينتفع به الوطن.
ثانيًا: هذه الإسهامات مستمرة ومتنوعة في شتى المجالات ومع كل المؤسسات الوطنية التوعية إظهارًا أن الكل جزء لا يتجزأ وأن ما فيه صلاح للوطن يتعاون معه.
[15] هل هناك جهود أخرى ترون إضافتها؟
ما من شك أن التحديات المتجددة تحتاج إلى جهود متجددة ومتزايدة، ولكل مقام مقال، والله المستعان.
[16] هل من كلمة توجهها للدعاة؟
الحمد لله.. اعلموا رحمكم الله أن هذه المهمة العظيمة قد حملتموها، وأسأل الله - تعالى -أن يوفقكم في أدائها، وعليكم بذل كل ما فيه الوسع لأداء هذه الأمانة على خير ما يكون، ولا يخفى عليكم أنه بالصبر واليقين تكون الإمامة في الدين، فاستعينوا بهما بعد الاستعانة بالله مع كمال الإخلاص؛ لأنه إذا وجد الإخلاص مع المحبة في الدعوة كانت الثمرة المرجوة لهذا الدين مع حسن الاقتداء بأعظم الدعاة إلى الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكيف كان يضرب الأمثلة تلو الأمثلة تعليمًا لأمته وتفهيمًا، لذا خرج الرجال الذين حملوا هم الدعوة وجاهدوا في سبيل نشرها وبذلوا الغالي والنفيس من أجلها .. وفقكم الله للدعوة إليه وتقبل الله منا ومنكم.
26/05/2005
http://www.islamweb.net المصدر:
============
لا مناصب في الدعوة
عبد الحميد البلالي
يقول ابن إسحاق: حدثني الزهري أنه أي الرسول - صلى الله عليه وسلم - أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه فقال له رجل منهم يقال له بحيرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب. ثم قال له: أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من يخالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: الأمر لله يضعه حيث يشاء. قال: فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بك". [البداية والنهاية 3/139، 140].
وهكذا يجب أن يدرك كل من يريد أن يلتزم بالجماعة التي تدعو إلى الله، ألا يشترط عليها منصبًا أو عرضًا من أعراض الدنيا، لأن هذه الدعوة لله، والأمر لله يضعه حيث يشاء.
والداخل في الدعوة، إنما يريد ابتداءً وجه الله، والعمل من أجل رفع رايته، أما إذا كان المنصب هو همه الشاغل فهذه علامة خطيرة تنبئ عن دخن في نية صاحبه. لذا قال يحيى بن معاذ الرازي: "لا يفلح من شممت منه رائحة الرياسة".
يوسف يطلب الرئاسة:
وربما عللت النفس وشيطانها صاحبها بما فعل يوسف - عليه السلام - وإنما هذا من تسويل الشيطان، فالرئاسة لا تطلب إلا إذا تعذر وجود البديل أو الأكفأ، عندها يكون لزامًا عليه طلبها، لا لذاتها إنما كي لا يستلمها من هو دونه بالكفاءة فيضيع الأمانة، وهذا يوسف - عليه السلام - مثالاً لذلك، عندما رأى أنه لا يوجد من هو أكفأ منه، قال للملك: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)[يوسف: 55]. يقول سيد قطب - رحمه الله -: "إنه لم يسجد شكرًا كما يسجد رجال الحاشية المتملقون للطواغيت. ولم يقل له: عشت يا مولاي وأنا عبدك الخاضع أو خادمك الأمين كما يقول المتملقون! كلا إنما طالب بما يعتقد أنه قادر على أن ينهض به من الأعباء في الأزمة القادمة التي أوَّل بها رؤيا الملك، خيرًا مما ينهض بها أحد في البلاد، وبما يعتقد أنه سيصون به أرواحًا من الموت وبلادًا من الخراب، ومجتمعًا من الفتنة فتنة الجوع". [في ظلال القرآن 4/2005].(14/59)
فالذي يلتحق بركب الدعوة، عليه ألا يتوقع رئاسة، أو منصبًا ما، فضلا عن أن يسعى إليه ويفرح به، إنما يجب أن يوطن نفسه من أول يوم يضع فيه قدمه على باب الدعوة، بأن يكون جنديًا لها، فإن كان في الساقة كان في الساقة، وإن كان في المقدمة كان في المقدمة، ليس له هدف سوى مرضاة الله، إنما يحدث التعثر إذا التفت لغير الله، وحدثته نفسه بأمر من حظوظها. ولهذا السبب جعلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - واضحة وضوح الشمس للذين بايعوا بيعة العقبة الأولى والعقبة الثانية بقوله: "فإن وفيتم فلكم الجنة". [البخاري 1/54].
فلم يعدهم بمنصب ولا بجاه ولا بمال، أو بأي لون من ألوان الدنيا، إنما علقهم بالآخرة، لترتفع نفوسهم وآمالهم، وهممهم من وحل طين الدنيا، إلى السموات العلا.
طوبى لعبد:
ويمدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الصنف من الدعاة، الذين ليس لهم سوى رضى الله - سبحانه وتعالى -، وبالتالي فليس مهمًا لديهم مواقع عملهم سواء كانت في المقدمة أو المؤخرة، وذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "طوبى لعبدٍ آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع". [رواه البخاري في الفتح 2887].
يقول ابن الجوزي: "المعنى أنه خامل الذكر لا يقصد السمو، فإن اتفق له السير سار، فكأنه قال: إن كان في الحراسة استمر فيها، وإن كان في الساقة استمر فيها". [فتح الباري 6/83].
ويقول ابن حجر: "فيه ترك حب الرئاسة والشهرة، وفضل الخمول والتواضع". [فتح الباري 6/83].
هذا الصنف من الدعاة هو الذي تنجح الدعوة به، أما المتطلعون للرئاسة والمناصب والشهرة فإنهم من دون شك يكونون أحجار عثرة في طريق نجاح الحركة الإسلامية.
26/06/2005
http://www.islamweb.net المصدر:
=============
كيف تدعوا المرأة إلى الله ؟
ليس هناك فرق في الدعوة إلى الله بين رجل وامرأة أو شاب وكهل فالكل مؤهل للقيام بالمهمة طالما خلصت النوايا...وهذه بعض الأفكار التي يمكن للفتاة المسلمة أن تدعو إلى الله من خلالها.
• إذا كنت طالبة في المدرسة مثلاً أو معهد علمي... يمكنك صنع لافتات دعوية مزخرفة وملونة.... وتكتبين عليها بعض الآيات القرآنية التذكيرية... ثم توزيعها على صديقاتك أو زميلاتك... وإذا كنت في جماعة الصحافة أو مسئولة تحريرية في مدرستك فيمكنك توزيعها مع نشرات و مطويات جماعتك كملحق مجاني.
• في الاجتماعات الأسرية بينك وبين قريباتك... يمكنك أن تعدي سلة.... وتملئينها بالأشرطة الإسلامية أو المطويات الدعوية. وتنسقينها بشكل مؤنق وجميل. وتمررينها على جميع الحاضرات حتى تأخذ كل واحدة منهن هدية ويمكنك لإضفاء مزيد من التشويق لهذه المطويات. أن تغلفيها بأغلفة الهدايا وترفقي معها بحلوى صغيرة مغلفة كذلك.
• أنت الآن من مستخدمات شبكة الإنترنت. فحرصي دوماً على استغلال حد الخير فيها لتضمني بذلك رضا الله وثوابه... وإليك ثلاثة أفكار يمكنك من خلالها استغلال حد الخير ذلك.
* يمكنك مراسلة صديقاتك على بريدهن الإلكتروني وإرسال بطاقات إلكترونية دعوية إليهن، أو موضوعات دينية تمس عقيدتهن.
* يمكنك التحدث مع صديقاتك من مستخدمات الإنترنت عن موضوعات دينية تمس عقيدتهن عبر برامج المحادثة الإلكترونية كما يمكنك كذلك إعطائهن مجموعة من المواقع الدينية النسوية.
* يمكنك كتابة المواضيع الدينية الهادفة عبر المشاركة في المنتديات العربية وتذكري دوماً أن مبتغاك من ذلك هو وجه الله - تعالى -فقط وليس كثرة الردود.....
• بإمكانك صناعة صندوق للتبرعات من الكرتون أو الخشب. وتغلفته وكتابة بعض العبارات عليه، ومرريه على صديقاتك في المدرسة أو على أقاربك عند الاجتماعات الأسرية بينكن. وعندما تجمعين المبلغ المطلوب (100 ريال مثلاً) قومي بإعطائها إلى الجمعيات الخيرية.
• إذا كنت تجيدين الأشغال الفنية واليدوية يمكنك صنع لوحات كبيرة مزخرفة وملونة وتوزيعها على صديقاتك أو قريباتك. ولزيادة جمال تلك اللوحات يمكنك بروزتها ضمن إطار مزخرف وجميل.
• يمكنك صنع مطويات أو نشرات ووضعها ضمن لوحة وتعليقها على حائط غرفتك مثلاً وهكذا كلما تأتي صديقاتك لزيارتك يقرأنها وينتفعن بما فيها من موضوعات دينية هادفة.
• يمكنك أن تتفقي أنت ومجموعة من زميلاتك في الدراسة أو في العمل أو حتى جاراتك على عمل مجلة دينية بسيطة. وتوزيع العمل فيما بينكن.
• لا تنسى أن سلوكك وخلقك النابع من تعاليم الإسلام السمحاء هو خير دعوة لقريناتك المسلمات وتذكير لهن بتلك السلوكيات.
http://www.moslimway.com المصدر:
===========
يا ما كنت داعيا
أبو جهاد سلطان العمري
لعلك تعرف (فلان) الذي كان (داعية)
ولكنه الآن في (عالم الدنيا والأموال)
يا ترى
لماذا ترك الدعوة، وأقبل على الدنيا؟
لماذا أعرض عن (نصرة الدين) وأصبح من عباد المال؟
يا ترى
ما حاله وقد ترك ما يحبه الله من الأعمال الدعوية
وأقبل على ما تحبه النفس من التنافس على الدنيا؟
لقد كان من الذين اختارهم الله لتبليغ دينه
ولكنه الآن ممن اختارهم الشيطان لعبادة الدنيا والأموال .
أين أنت؟
لقد كنا نسمع منك الكلمات التربوية
والفتاوى العلمية والمواعظ الإيمانية، فأين أنت الآن؟
يا من كنت داعية إلى الله
لقد انحرفت عن أبواب الخير، وأنت الآن في عالم الشهوات قائم على قدميك.
هل ذقت حلاوة الدنيا؟
عجباً لك
ألم تكن تخبرنا عن حلاوة الإيمان؟
لقد كنت نوراً لنا يضيء لنا الطريق، ولكن نورك غاب وأظلم، فمن لنا؟(14/60)
نحن نناديك لكي تتوب، وقد كنت أنت تنادينا لكي نتوب .
يا من كنت داعية
يا ترى ما حالك عند الله الآن؟
ما مكانتك عنده في هذه الساعة؟
ذكريات
أتعرف (فلان) لقد تاب إلى الله - تعالى -، بعد تلك الموعظة التي قلتها،
وهو الآن غير مصدق أنك أنت
(الداعية) الذي اهتدى على يديه .
لقد سألني كثيراً عنك فلم أكن استطع الإجابة .
أخي الداعية لقد كنت تحذرنا من فتنة الدنيا
وأنت الآن من عشاق الدنيا فعجبا لك
لقد كنت من الذين ينادون بالبذل للدين والإنفاق في سبيل الدعوة.
وأنت الآن ممن يبخل عن بذل ريالات في سبيل الدعوة.
عجبا لك
(أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير).
يا حسرتا على تلك الدروس التي ألقيتها.
يا حسرتا على تلك المواعظ التي سمعناها منك.
يا حسرتا على تلك المطويات التي نشرتها.
يا حسرتا على تلك الأشرطة التي وزعتها على الناس.
............
أين أنت من الثبات على المنهج؟
أين أنت من الثبات على الطريق الذي رسمه لنا النبي - صلى الله عليه وسلم -
.....
ومع ذلك فلا نقول إلا (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)
..........
باب الرحمة لازال مفتوح
وباب التوبة لازال للطالبين مسموح
أنا أودعك الآن
ولكننا ننتظرك
وداعا يا من كنت داعية
http://www.moslimway.com المصدر:
============
رسالة إلى أصحاب موقع الأغاني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فلقد تساهل كثير من الناس هدانا الله وإياهم في هذا الزمان بسماع الغناء والتلذذ به والمجاهرة بسماعه رغم تحريمه في الكتاب والسنة، ورغم ما يشتمل عليه من كلام ساقط ماجن بذيء لا يليق بمسلم عاقل أبداً أن يستمع لمثله فضلاً عن أن يتلذذ به أو يجاهر بسماعه ولم يكتفوا بذلك بل امتد مرض الأغاني إلى مواقع الانترنت فتجد هناك عددا لا يحصى من مواقع الأغاني وللأسف فإن مواقع الأغاني تعتبر الأكثر زيارة وشهرة ...وتلك الطامات من الذنوب تنصب على رأس صاحب الموقع وربما ينتقل صاحب الموقع إلى حياه البرزخ في القبر وموقعه لا زال قائما فيكسب ذنوبه وهو في قبره,
إليكم جانبا من أضرار الغناء:
إن للغناء أضرار ومفاسد كثيرة: فهو يفسد العقل وينقص الحياء ويهدم المروءة، وهو سبب ذهاب الغيرة ونور الإيمان من القلوب ويقرب من يستمعه من الشيطان ويبعده عن الرحمن، والغناء هو الذي أفسد الأمة وأثار الشهوات في نفوس الناس وهو الطريق الموصل إلى الزنا واللواط، وهو الذي ألهى الأمة عن القرآن وعن الذكر وعن الطاعة وأنبت النفاق في قلوب مستمعيه وحرك البنات الغافلات والبنين الغافلين إلى التفكير الخاطىء وإلى التفكير في الفاحشة والرذيلة وأصبح الواحد منهم في ليله ونهاره غارقاً في بحر الأوهام والأماني الكاذبة والأفكار السيئة.
واليكم رأي الدين في الغناء:
قال ابن القيم - رحمه الله - : الغناء هو جاسوس القلوب وسارق المروءة، وسُوس العقل، يتغلغل في مكامن القلوب، ويدب إلى محل التخييل فيثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة، فبينما ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار الإسلام وحلاوة القران، فإذا سمع الغناء ومال إليه نقص عقله، وقل حياؤه، وذهب مروءته، وفارقه بهاؤه، وتخلى عنه وقاره وفرح به شيطانه وشكا إلى الله إيمانه، وثقل عليه قرآنه...
وقال - رحمه الله - في أهل الغناء:
تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة *** لكنه إطراق ساه لاهي
وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا *** والله ما رقصوا لأجل الله
أدلة تحريم الغناء:
إن الغناء محرم بالكتاب والسنة، فمن القرآن قوله - تعالى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6].
قال ابن مسعود في تفسير هذه الآية: والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء وأقسم على ذلك ثلاثة مرات.
ومن السنة ما روته عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "والذي نفسي بيده ما رفع رجل عقيرته بالغناء إلا ارتدفه شيطانان يضربان بأرجلهما صدره وظهره حتى يسكت".
وعن أنس أيضاً - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من جلس إلى قينة صب في أذنيه الآنك يوم القيامة" الآنك هو الرصاص المذاب، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام من جنب علم (جبل)، تروح عليهم بسارحة
يأتيهم الفقير لحاجة فيقولون إرجع إلينا غداً فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة". رواه البخاري.
فلو كان الغناء والمعازف حلالاً لما ذمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - باستحلالها ولما جعل عقوبتهم كعقوبة من يستحل الخمر والزنا، ولو كانت حلالاً لما توعدوا بهذا الوعيد الشديد.
فمن استمع الغناء فهو مهدد بهذه العقوبة الفظيعة في الدنيا قبل عذاب الآخرة.
قال ابن القيم: ومن لم يمسخ منهم في حياته مسخ في قبره.
آراء أئمة الإسلام في الغناء:
اتفق أئمة المذاهب الأربعة وسلف الأمة على تحريم الغناء وأنه لا يتعاطاه ويستمعه إلا فاسق وسفيه من السفهاء.
1. مذهب الحنفية: يقرر الحنفية في كتبهم أن سماع الغناء فسق وأن التلذذ به كفر، وقد نص الحنفية أن التغني حرام في جميع الأديان، وكيف يبيح الله ما يقوي النفاق ويدعو إلى الرذيلة والفاحشة.(14/61)
2. مذهب المالكية: سئل الإمام مالك عن الغناء فقال: إنما يفعله عندنا الفساق، وسأل رجل الإمام مالك عن الغناء فقال مالك: إذا جيء بالحق والباطل يوم القيامة ففي أيهما يكون الغناء، قال السائل: في الباطل، قال مالك: والباطل في الجنة أو في النار، قال في النار، قال: اذهب فقد أفتيت نفسك.
3. المذهب الشافعي: قال الإمام الشافعي: من استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته.
4. المذهب الحنبلي: يقول الإمام أحمد إن الغناء لا يعجبني، إنه ينبت النفاق بالقلب، والغناء باطل والباطل في النار.
فيا من تستمعون الغناء أما تكفيكم هذه الأدلة في تحريم الغناء؟ لماذا هذا العناد والإصرار على سماعه ووضعه في مواقعكم وهو محرم، إن الله خلق لكم السمع لتسمعوا فيه ما ينفعكم وتسمعوا فيه ما يرضي ربكم، فلماذا تسمعون فيه ما يضركم ويغضب ربكم من ساقط الكلام ورديء الأشعار، أهذا هو شكر النعمة، لماذا تحاربون الله بنعمه وتبارزونه بالمعاصي، لماذا هذا الاستهتار بأوامر الله؟ أين تعظيم الله؟ أما تخافون عقوبة الله؟ هل لكم صبر وجلد على النار؟ هل تذكرتم الموت وسكرته والقبر وظلمته والصراط ودقته والحساب وشدته؟ ألستم مسلمين؟ إن المسلم لم يخلق لتوافه الأمور كاللهو واللعب وسماع الغناء!! إن المسلم خلق ليعبد الله وينشر دين الله، ويجاهد في سبيل الله فلا تجعلوا غاية همكم هو سماع الغناء واللهو واللعب فإن هذا والله لا يليق بكم أبداً.
أيها اللاهي على أعلى وجل *** اتق الله الذي - عز وجل -
واستمع قولاً به ضرب المثل *** اعتزل ذكر الأغاني والغزل
وقل الفصل وجانب من هزل *** ذهبت لذاتها والإثم حل
كم أطعت النفس إذا أغويتها *** وعلى فعل الخنا ربيتها
كم ليالي لاهياً أنهيتها *** إن أهنأ عيشة قضيتها
أسال الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
http://alhodaway.net المصدر:
===========
لأصحاب المواقع والمجموعات
استراحة لالتقاط الأنفاس
إلى كل صاحب منتدى أو موقع أو مجوعة بريدية أو شات ...
إلى صاحب أي موقع مهما كان نشاطه.... أقول:
كم هو جميل أن نسعى لتحقيق هدف رسمناه لأنفسنا.
وكم هو جميل أن نجني ثمرة جهدنا، ونتفيأ ظلال غرسنا بعد أن أصبح الحلم واقعاً
فيا صاحب الموقع - أيا كان نشاطه ومجاله هل من استراحة بعد هذا الجهد
استراحة لالتقاط الأنفاس، وقد يعقبها انطلاق بحماس!
أتتلطف وتخبرني علام حرصت في موقعك؟
وما ذا يحوي من مضمون؟
هنيئاً لك.... وشكر الله لك سعيك إن كنت تحرص على تقديم الخير خلال موقعك
أما لو اشتمل موقعك على شيء - مما سأذكر - فكلي رجاء أن ترعني سمعك لأبث لك حديثي الأخوي النابع من حرصي عليك، وتأكد أني لن أتركك في نهاية الأمر حائراً بل سأمد لك يدي مرشداً.
ولعلك الآن تتساءل ما الأشياء التي تخشى أن يحويها موقعي؟
حسناً، فهذه بعض المخالفات التي قد توجد في بعض المواقع من منتديات أو مجموعات بريدية أو مواقع الدردشة أو مواقع شخصية (سنذكرها ثم نرجع لحديثنا الأخوي كما اتفقت معك):
1- ترويج عقيدة باطلة ومنهجاً يخالف ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام، أو تحقير شيء جاء به الشرع أو الاستهزاء به أو بفاعليه من الصالحين والصالحات سواء كان مباشراً من الموقع نفسه أو إعطاء الغير المجال لذلك.
2- عرض صور النساء، وقد حرم الله نظر الرجل للمرأة إذ هو مأمور بغض النظر وكذلك المرأة لا يجوز لها النظر للرجل إذا صحبت نظرتها إعجاب أو شهوة. وقد تكون الصور في توقيع ثابت أو خلفية؛ يراه من أراد ذلك والآثام جارية على كل من تسبب في هذا المنكر.
3- كلمات الشعر والغرام الذي يدعو إلى التلاقي المحرم أو يصوره أو يأجج الفتنة بين الجنسين. وهذا طبعاً يؤدي إلى شر وفحش... وهذا محرم فالوسيلة لها حكم المقصد وبعض الكلمات تحرك إلى سلك المقصد المحرم فتكون بذلك محرمة.
4- نشر وترويج الأغاني بالدعوة إليها أو الحديث عنها أو وضع وصلة غنائية، والغناء محرم بالكتاب والسنة. قال - تعالى -" ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله " وقد أقسم عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - بأن لهو الحديث هو الغناء. والأدلة في ذلك كثيرة.
5- الكتابة عن أهل الطرب والفن الهابط عموماً والتعرض لشيء من أخبارهم والاحتفاء بالفسقة مروجي الضلال، ولو رضينا بصنيع هولاء المغنين أو الممثلين لكان ذلك حرام علينا؛ لأن الرضا بالمنكر وإقراره لا يجوز، فكيف بالإشادة بفاعليه!!.
6- الدلالة على موقع فيه منكرات أو صور خليعة أو أشياء محرمة عموماً، ويظن أنه قدم خدمات نافعة للأعضاء والزائرين (والله أعلم بهدف صاحب الموقع) وهو على كل حال قد قدم سيئات لهم، تجري عليه بقدر ما دل على هذا الضلال.
7- إيراد النكت وهذا مما يشاع وينتشر وتعمر به مجالس ويسميه البعض مزاحاً وحقيقته كذب؛ يقال لقصد إضحاك الناس، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - ((ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له)) ومن أراد المزاح فليكن ذلك بلا كذب وبدون محاذير شرعية وأن يقلل منه ولا يستكثر. وقد قال - صلى الله عليه وسلم - ((إني لأمزح، و لا أقول إلا حقا)) صحيح الجامع 2494. وقد أفردت مساحات للنكت في بعض المواقع؛ فسبحان الله.
8- بسط الحديث بين الجنسين على شكل يأجج الغرائز ويسهل الفاحشة كما يحدث في مواقع الدردشة وبعض المنتديات تتطور إلى حديث عبر الماسنجر أو تبادل أرقام الجوال وإنشاء علاقة محرمة قد تسبب في إحداثها صاحب الموقع، شعر بذلك أم لم يشعر.(14/62)
والآن...... دعني أحدث عن عكس ذلك... فلطالما شاهدت مواقع أسست للخير وطمعاً فيما عند الله " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة " بل إن في الإنترنت كتابا يبحثون عن الأجر عن طريق الدلالة عليه فتجدهم يكتبون؛ هل تريد أن تصوم رمضان أكثر من مرة فيذكرونك بإفطار الصائمين وأن لك أجر صيام من تفطره.
ويذكرونك بصيام بعض الأيام كيوم عرفة وعاشوراء و.... وغير ذلك من المناسبات حرصاً منهم في نهاية الأمر على حصول الأجر من الله - تعالى -.
فلماذا يحرص بعض أصحاب المواقع على المعاصي ومن أجل ماذا؟!
أم من أجل تحصيل شهرة أم تجارة أم مجرد نشوة تحقيق حلم أم إعجاب الناس وثنائهم ...
سبحان الله لماذا نحن في أحيان كثيرة نبعد بتفكيرنا عن أن هذه الدنيا ما هي إلا امتحان، هي فترة امتحان فإذا قضيت هذه الفترة حُوسبنا على ضوء حياتنا في تلك الفترة.
سبحان الله... كيف يصر البعض على الخطأ ويلازمه، وهو يعلم علم يقين أن وراءه يوم يسأل فيه عما اقترفته يداه؟!
فيا صاحب الموقع كن عاقلاً وتأمل... ما قيمة المال أو الشهرة أو إعجاب الناس أو، أو.... ما قيمة كل ذلك على حساب دينك؟!
ما قيمة ثناء الناس مقابل غضب الله رب الأرباب؟!
تعلم أنه لو رضي عنك أهل الأرض جميعاً ما نفعك ذلك مقابل سخط الله عليك
إذن ما قيمة عمار علاقتك مع الناس وأنت تهدم علاقتك مع رب الناس؟!
إلى متى هذا الإصرار وأنت تعلم أن أنفسنا في صدورنا إنما هي ودائع لله، ولا بد لرب الوديعة أن يأخذ وديعته!!!
عن أبي هريرة أن رسول الله قال " من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا “ وفي الصحيحين عن ابن مسعود أن النبي قال ” ليس من نفس تقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل”
فكم من عضو وزائر ستضل؟ وقد يفتتن البعض بصورة أو كلمة أو معنى... أو تكون أنت من خلال موقعك هذا جسراً سهلاً لوصول الشاب بالفتاة!.
وها أنا أخوك في الله... أذكرك وأقول لك ما قاله - صلى الله عليه وسلم - " التائب من الذنب كمن لا ذنب له "
نعم كأنه لم يذنب بتاتاً، فارجع إلى الله واستغفر من ذنوبك وأقلع يغفر الله لك ما مضى.
ولا تكابر. فإن فرعون استكبر عن الحق فما نفعه استكباره. ولا تحاول أن تغمض عينيك عن هذا الكلام أو تضع أصابعك في أذنيك، فإن هذا ليس حلاً فقوم نوح - عليه السلام - استغشوا ثيابهم ووضعوا أصابعهم في آذانهم فلم يسلموا من العذاب.
فإن الحق قد جاءك فهل تريد أن تعرض عنه؟! وتتحمل عواقب ذلك أم أنك ستعلنها توبة إلى الله، وتغلق هذا الموقع الذي جعلته بوابة للمعاصي تأتيك من كل صوب؟!
قال الله - تعالى -" إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً "
فكن ذا عزيمة وأرحم نفسك بقطع دابر هذا الموقع، وتذكر أن من ترك شيئاً لله؛ عوضه الله خيراً منه.
وإن كنت ذا إمكانيات فسخر إمكانياتك في طاعة الله وافتح لنفسك باب خير ونعيم عند الله لا ينفد فتستطيع بإمكانيتك هذه أن تنشئ موقعاً يخدم الإسلام والمسلمين ويغدق عليك من الحسنات ما تنشرح به صدرك في الدنيا وتسعد به في الآخرة إن شاء الله.
فهذه نصيحتي لك تمت وأسأل الله لي ولك التوفيق.
http://saaid.net المصدر:
=============
كيف أنشر الخير بين الطلاب ؟
السؤال:
كيف أستطيع نشر الخير بين الطلاب؟ علما بأني من أحب المدرسين وأقربهم للطلاب. ولكم جزيل الشكر.
الإجابة:
أخي الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الحبيب هذه نعمة من نعم الله عليك، وتحتاج إلى شكر بالفعل والقول في أن حباك حب الطلاب لك.
والموضوع يطول، ولكن إليك بعض التوجيهات المختصرة:
1- اربطهم بالله - سبحانه - في مراقبته والإخلاص له، وعبادته بجميع أنواعها من صوم وصلاة وصدقة وعمل خير وبر وغيرها من أنواع العبادة، وقراءة القرآن، واستغل مناسبات العبادة كرمضان، أو الاستسقاء، أو الخسوف أو الأعياد، وليكن لك دور في استغلالها.
2- حببهم للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وذلك من خلال ذكر سيرته ومواقفه ودعوته وجهاده وأخباره.
3- اربط المنهج بالواقع، وتكلم معهم عن الواقع وكيفية تغييره على حسب أعمارهم.
4- أكثر من القصص الحقيقية الواقعية التي تناسبهم أو قصص السيرة والسلف، وابتعد عن المكذوب والمبالغ فيه.
5- شارك الطلاب همومهم وأحزانهم وأفراحهم، واستغل المواسم والمناسبات وتفقدهم.
6- سيكون من طلابك نوابغ فأيقظ فراستك، واهتم بهم وضع لهم برامج تناسبهم وتكون متدرجة واقعية.
7- انقل الصورة الحقيقية لأهل الخير والاستقامة، وذلك بالأخلاق الحسنة كما كان الرسول يعمل مع أصحابه من ابتسامة، وكرم وحسن معاملة، وطيب تعامل، وطلاقة وجه، والإقبال على المتكلم وعدم إسكاته بل الإنصات والاستماع، واختيار أفضل العبارات، ومناداتهم بأحب الأسماء ويفضل أن تكنيهم وتناديهم بها.
8- ضع هدايا ولتكن لها مناسبة كحفظ سورة أو حديث أو ذكر، ولا تميز أحداً دون أحد من غير سبب.
9- وزع الأشرطة والكتب والمطويات والقصص، وليكن لها مناسبة أو تعطي نبذة عنها فهي أدعى للاحتفاظ بها وقراءتها والاستماع لها.
10- شجع الطلاب على الالتحاق بحلق القرآن في المساجد، وجميل أن تربط العلاقة بينك وبين مشرفي الحلقة، وكذلك دعوتهم للتسجيل في المراكز في الإجازات ففي ذلك نفع لهم وخير كبير.
11- أقم في المدرسة نشاطاً، وخاصة قبل الدرس الأول وفي الفسح، ويكون في ذلك تسميع للقرآن أو الأحاديث أو الأذكار أو مسابقات أو قصص ونحوها.(14/63)
12- أشعل بينهم روح التنافس واحذر من التباغض أو العداء، واجعلهم يعملون كفريق ولا تعودهم على أن يكون النجاح فردياً بل جماعياً.
13- داوم على العمل واحذر من الانقطاع أو اليأس، وجميل أن تشرك معك غيرك في العمل من المعلمين والطلاب.
14- قدم برامج مفيدة يستفيد منها المعلمون والطلاب كاستضافة طلاب العلم والتائبين والمربين والأطباء ونحوهم.
15- احرص على "المبادرة" في تقديم أي مشروع ولا تنتظر التوجيه.
16- ابتعد عما يشكل واحذر من المصادمة خاصة مع الإدارة أو المعلمين وعليك بالحكمة.
17- لا يكن همك كيف يحبونك، بل كيف توجه هذا الحب لله وفي الله وتنقلهم إلى الحب الحقيقي.
18- بعد مدة سيتخرج الطلاب من مدرستك، فإلى أي مدرسة سيذهبون ومن يتابعهم هناك؟ فلا بد من ربط علاقة بينك وبين مدرسي المدارس المجاورة لمدرستكم حتى تستمر المتابعة ويستمر العطاء.
19- اسع دائماً إلى الإبداع والتجديد، وللأسف فقد أصبح الجمود والخمول سمة في المدارس والمدرسين.
20- ضع مسابقات أسرية، وبرنامج "استبدال أشرطة الأغاني" وكن متابعاً له بدقة حتى لا يتم إدخال الأغاني للمدرسة، بل ضع شروطاً وضوابط، وضع صندوقاً للمشاكل والحلول، واستغل الإذاعة في تقديم المفيد والجيد، وأتمنى أن تجهز "حقيبة الانتظار" ليستفيد منها جميع المعلمين لشغل حصص الانتظار، ويفضل أن تكون عدة حقائب، وتكون متنوعة ومختلفة المضمون من كتيبات ومجلات وقصص ومسابقات.
نسأل الله أن يجعل عملك خالصاً لوجهه الكريم
ونسأله أن يجعلك مباركاً أينما كنت، وللمتقين إماماً.
http://www.saaid.net المصدر:
==============
الأهلية الشرعية للقيادة الإسلامية (1 - 2 )
د. فتحي يكن
المهمات الملقاة على عاتق القيادة الإسلامية ثقيلة وثقيلة جداً، مما يجعل مسؤوليتها أمام الله أولاً، ثم أمام المسلمين كبيرة.
وقد تناول علماء السلف هذا الجانب بوضوح ودقة وتفنيد وإسهاب، وأفردوا له البحوث المؤصلة والدراسات المطولة، لما له من شأن عظيم وأثر بالغ على واقع حياة المسلمين ومستقبلهم..على تقدمهم وتأخرهم..على قوتهم وضعفهم.. على نجاحهم وفشلهم.. على صلاح حالهم أو فساده.. مصداقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء".
فمما يختصره في هذا الشأن الإمام أبو يعلى الحنبلي في كتابه "الأحكام السلطانية" أمور عشرة يستوجب توافرها في الأمراء والقادة، لتتحقق فيهم الأهلية الشرعية، وهي:
1 حفظ الدين، على الأصول التي أجمع عليها سلف الأمة.. فإذا زاغ ذو شبهة عن ذلك، بين له "الأمير أو القائد" الحجة، وأوضح له الصواب، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود، ليكون الدين محروساً من الخلل والأمة ممنوعة من الزلل.
ومن هذا يتبين لنا أن المهمة الأولى والأساسية للقيادة الإسلامية حفظ الدين، لأنه إن ضاع الدين ضاع كل شيْء، ولا قيمة بعد ذلك لأي شيْء..
وفي ضوء ذلك يتعين على القادة والأمراء المسلمين والإسلاميين، أن يقدموا هذا الهم على أي هم آخر من الشؤون التنظيمية والإدارية والسياسية وغيرها.. وماذا تجدي هذه المفردات والفروع إن ضاع الأساس وفقد الجوهر؟
2 تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين، وقطع الخصام بينهم، حتى تظهر النصفة، فلا يتعدى ظالم، ولا يضعف مظلوم.
وجوهر هذا البند أنه يحفظ وحدة الجماعة المسلمة، ويزيل من الصف العداوة والبغضاء، ويجعل الأفراد إخوة متحابين لا أعداء متنازعين متخاصمين.
والإسلام يجعل القيادة المسؤولة عن تحقيق ذلك عبر التربية والتزكية، والنصح والتذكير، كما عبر الموقف العادل بين الجميع، ومن خلال إنفاذ سنة الثواب والعقاب.. فلا انحياز ولا ممالأة، إذ الصغير والكبير، والقريب والبعيد، أمام شرع الله سواء، فالله - تعالى -، ليس بينه وبين أحد نسب إلا طاعته.
3 حماية بيضة الإسلام، والذب عن الحمى، لينصرف الناس إلى أعمالهم ومعايشهم، وينتشروا في الأرض آمنين..
ويستفاد من هذا البند أن أمن المسلمين أفراداً وجماعات ومؤسسات مسؤولية القيادة أولاً، مع العلم أن كل راع مسؤول عن رعيته، وأن كل فرد يجب أن يكون خفيراً وحارساً على ثغر من ثغور الإسلام.
فإذا أهملت القيادة هذا الجانب، ولم تأخذ بالأسباب الموجبة والمؤدية إلى تحصين صف الجماعة تكون آثمة، بحسب نسبة الضرر الذي سيلحق بالجماعة نتيجة إضاعتها للثغور، وتفريطها بأمن وسلامة المسلمين.
4 إقامة الحدود؛ لتصان محارم الله - تعالى -عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك.
إن هذا يعني ألا تساهل في الانتهاكات الشرعية مع أحد كائناً من كان، وأن القصاص يجب أن يطال من تثبت إدانته وتقام عليه الحجة ولو كان الأقوى وصاحب الجاه والمال والسلطان، أو الأقرب إلى الأمير والقائد وصاحب الشأن والقرار.. حيث القدوة في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: "والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها".
5 تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الرادعة، حتى لا يظفر الأعداء بثغرة ينتهكون بها محرماً، ويسفكون فيها دماً لمسلم.
وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على وجوب الإعداد والاستعداد، وتحاشي كل الأسباب التي تؤدي إلى الضعف والتخاذل والفشل والهزيمة.
والإعداد يبدأ بقوة العقيدة، ووحدة الصف، وحسن القدوة، والثبات على الحق، والطاعة بالمعروف، والتضحية في سبيل الله بكل غال ونفيس.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
-==============
الأهلية الشرعية للقيادة الإسلامية ( 2 - 2 )
فتحي يكن(14/64)
تناولنا في العدد الماضي خمسة من أمور عشرة يجب توافرها في الأمراء والقادة لتتحقق فيهم الأهلية الشرعية.
وفي هذا العدد نكمل ذكر بقية تلك الأمور..
6 - جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة، حتى يحكم الله وهو أحكم الحاكمين.
إن في هذا البند إحياءً لفريضة الجهاد، وتربية المسلمين عليها، لتكون الشعارات التي يرددونها بأفواههم والأهداف التي يعملون لها في حياتهم، ومنها "الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".
فإن ماتت هذه المعاني في جماعة أو أمة، سلط الله عليها بذنوبها وركونها إلى الأرض من لا يخاف الله ولا يرحمها، على مثل ما هو جارٍ في هذا الزمن وهذه الأيام.
وقد يحلو للبعض أن يجلبب هذه المواقف الخانعة والسياسات المتراجعة بجلباب الوسطية، ومفهوم الوسطية الحق من كل ذلك براء، حيث لم تكن الوسطية في شرع الله يوماً، قبولاً بالذل والاستخذاء والدنية في الدين ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين(المنافقون: 8).
7 - جباية ألأموال على ما أوجب الشرع نصاً واجتهاداً، من غير عسف.
فمن معالم العافية في الجماعة المسلمة إقبالها على البذل والعطاء، واستعداد أفرادها لبذل أموالهم وثرواتهم في سبيل الله.. فإن تراجعت هذه المعالم، وغابت هذه الصفات، يتعين استكشاف العلة المانعة من الجهاد بالمال، والمسارعة إلى معالجتها قبل أن تستفحل ويصعب البرء منها والشفاء.
8- تقدير العطاء، وما يستحق في بيت المال، من غير سرف ولا تقصير، ودفعه في وقت لا تقديم فيها ولا تأخير.
وهذا يؤكد ضمانة حقوق الإنسان وحمايتها، ويحول دون الهدر، ويوجب التقيد بأولويات الصرف، وشفافية التعامل المالي، الذي هو صمام أمان الجماعات والمجموعات فضلاً عن الدول والمجتمعات.
9- استكفاء الأمناء، وتقليد النصحاء، فيما يفوض إليهم من الأعمال، ويعهد إليهم من الأموال، لتكون الأعمال مضبوطة والأموال محفوظة.
ويا لروعة هذا التوجه، الذي يؤكد على وضع الأمور في مواضعها الصحيحة، واختيار الإنسان الصالح للموقع الصالح. فلا محسوبية ولا ترخص من شأنه أن يفتح باب الشيطان على ضياع الحق، أو يؤدي إلى استلاب الأموال وانتهاب الثروات، وعقد الصفقات الخاصة على حساب الأموال العامة.. ولا أكون مبالغاً إذا قلت إن معظم ما يتعرض له المسلمون، أفراداً وجماعات وحكومات، فبسبب غياب العفة المالية وغياب الشفافية الاقتصادية.
10- أن يباشر "القائد والأمير" بنفسه مشارفة الأمور، وتصفح الأحوال، ليهتم بسياسة الأمة والجماعة، وحراسة الملة، ولا يعول على التفويض تشاغلاً أو عبادة.. فقد يخون الأمين، ويغش الناصح، وقد قال الله - تعالى -: يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى"(ص: 26).
فالمطلوب من القائد أن يباشر القيادة ومسؤولياتها المختلفة بنفسه، وأن يكون ساهراً على الجماعة والرعية، وأن يتقي الله في كل ذلك، فلا يلجأ إلى التفويض إلا مضطراً، ويختار له من يثق بدينه وخلقه ورأيه. ثم هو لا يضعف أمام الأقوياء الظالمين من بطانته فيمكنهم من ظلم الآخرين بسلطانه وسلطته، فتتعدد بذلك مراكز القوى والنفوذ، وتتكاثر قيادات الظل، فتستحكم الصراعات والخلافات، فيكون هو الأعظم وزراً عند الله منهم جميعاً، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول: "إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حفظه أم ضيعه".
فأسأل الله - تعالى -الهدى والسداد، وللزعماء والأمراء والقادة التقى والرشاد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
=============
إحدى عشر وسيلة لصيد القلوب
هذه سهام لصيد القلوب، أعني تلك الفضائل التي تستعطف بها القلوب، وتستر بها العيوب وتستقال بها العثرات، وهي صفات لها أثر سريع وفعّال على القلوب، فإليك أيها المحب سهاماً سريعة ما أن تطلقها حتى تملك بها القلوب فاحرص عليها، وجاهد نفسك على حسن التسديد للوصول للهدف واستعن بالله.
الوسيلة الأول: الابتسامة:
قالوا هي كالملح في الطعام، وهي أسرع سهم تملك به القلوب وهي مع ذلك عبادة وصدقة، (فتبسمك في وجه أخيك صدقة) كما في الترمذي، وقال عبد الله ابن الحارث (ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
الوسيلة الثانية: البدء بالسلام:
سهم يصيب سويداء القلب ليقع فريسة بين يديك لكن أحسن التسديد ببسط الوجه والبشاشة، وحرارة اللقاء وشد الكف على الكف، وهو أجر وغنيمة فخيرهم الذي يبدأ بالسلام، قال عمر الندي (خرجت مع ابن عمر فما لقي صغيراً ولا كبيراً إلا سلم عليه)، وقال الحسن البصري (المصافحة تزيد في المودة) والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق). وفي الموطأ أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء) قال ابن عبد البر هذا يتصل من وجوه حسان كلها.
الوسيلة الثالثة: الهدية:
ولها تأثير عجيب فهي تذهب بالسمع والبصر والقلب، وما يفعله الناس من تبادل الهدايا في المناسبات وغيرها أمر محمود بل ومندوب إليه على أن لا يكلف نفسه إلا وسعها، قال إبراهيم الزهري (خرّجت لأبي جائزته فأمرني أن أكتب خاصته وأهل بيته ففعلت، فقال لي تذكّر هل بقي أحد أغفلناه؟ قلت لا قال بلى رجل لقيني فسلم علي سلاماً جميلاً صفته كذا وكذا، اكتب له عشرة دنانير) انتهى كلامه.
انظروا أثّر فيه السلام الجميل فأراد أن يرد عليه بهدية ويكافئه على ذلك.
الوسيلة الرابعة: الصمت وقلة الكلام إلا فيما ينفع:(14/65)
وإياك وارتفاع الصوت وكثرة الكلام في المجالس، وإياك وتسيد المجالس وعليك بطيب الكلام ورقة العبارة (فالكلمة الطيبة صدقة) كما في الصحيحين، ولها تأثير عجيب في كسب القلوب والتأثير عليها حتى مع الأعداء فضلاً عن إخوانك وبني دينك، فهذه عائشة - رضي الله عنها - قالت لليهود (وعليكم السام واللعنة) فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مهلاً يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله) متفق عليه، وعن أنس - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عليك بحسن الخلق وطول الصمت فو الذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلهما) أخرجه أبو يعلى والبزار وغيرهما.
قد يخزنُ الورعُ التقي لسانه *** حذر الكلام وإنه لمفوه
الوسيلة الخامس: حسن الاستماع وأدب الإنصات:
وعدم مقاطعة المتحدث فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقطع الحديث حتى يكون المتكلم هو الذي يقطعه، ومن جاهد نفسه على هذا أحبه الناس وأعجبوا به بعكس الآخر كثير الثرثرة والمقاطعة، واسمع لهذا الخلق العجيب عن عطاء قال: (إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه وقد سمعته قبل أن يولد).
الوسيلة السادسة: حسن السمت والمظهر:
وجمال الشكل واللباس وطيب الرائحة، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن الله جميل يحب الجمال) كما في مسلم. وعمر ابن الخطاب يقول (إنه ليعجبني الشاب الناسك نظيف الثوب طيب الريح)، وقال عبد الله ابن أحمد ابن حنبل (إني ما رأيت أحداً أنظف ثوبا و لا أشد تعهدا لنفسه وشاربه وشعر رأسه وشعر بدنه، ولا أنقى ثوبا وأشده بياضا من أحمد ابن حنبل).
الوسيلة السابعة: بذل المعروف وقضاء الحوائج:
سهم تملك به القلوب وله تأثير عجيب صوره الشاعر بقوله:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
بل تملك به محبة الله - عز وجل - كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (أحبُ الناس إلى الله أنفعهم للناس)، والله - عز وجل - يقول {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}.
إذا أنت صاحبت الرجال فكن فتى *** مملوك لكل رفيق
وكن مثل طعم الماء عذبا وباردا *** على الكبد الحرى لكل صديق
عجباً لمن يشتري المماليك بماله كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه، ومن انتشر إحسانه كثر أعوانه.
الوسيلة الثامن: بذل المال:
فإن لكل قلب مفتاح، والمال مفتاح لكثير من القلوب خاصة في مثل هذا الزمان، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلى منه خشية أن يكبه الله في النار) كما في البخاري.
صفوان ابن أمية فر يوم فتح مكة خوفا من المسلمين بعد أن استنفذ كل جهوده في الصد عن الإسلام والكيد والتآمر لقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيعطيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأمان ويرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويطلب منه أن يمهله شهرين للدخول في الإسلام، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل لك تسير أربعة أشهر، وخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين والطائف كافراً، وبعد حصار الطائف وبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر في الغنائم يرى صفوان يطيل النظر إلى وادٍ قد امتلأ نعماً وشاء ورعاء.
فجعل - عليه الصلاة والسلام - يرمقه ثم قال له يعجبك هذا يا أبا وهب؟
قال نعم، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - هو لك وما فيه.
فقال صفوان عندها: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
لقد استطاع الحبيب - صلى الله عليه وسلم - بهذه اللمسات وبهذا التعامل العجيب أن يصل لهذا القلب بعد أن عرف مفتاحه.
فلماذا هذا الشح والبخل؟ ولماذا هذا الإمساك العجيب عند البعض من الناس؟ حتى كأنه يرى الفقر بين عينيه كلما هم بالجود والكرم والإنفاق.
الوسيلة التاسعة: إحسان الظن بالآخرين والاعتذار لهم:
فما وجدت طريقا أيسر وأفضل للوصول إلى القلوب منه، فأحسن الظن بمن حولك وإياك وسوء الظن بهم وأن تجعل عينيك مرصداً لحركاتهم وسكناتهم، فتحلل بعقلك التصرفات ويذهب بك كل مذهب، واسمع لقول المتنبي:
إذا ساء فعل المرءِ ساءت ظنونه …… وصدق ما يعتاده من توهم
عود نفسك على الاعتذار لإخوانك جهدك فقد قال ابن المبارك (المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم).
الوسيلة العاشرة: أعلن المحبة والمودة للآخرين:
فإذا أحببت أحداً أو كانت له منزلة خاصة في نفسك فأخبره بذلك فإنه سهم يصيب القلب ويأسر النفس ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - (إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه) كما في صحيح الجامع، وزاد في رواية مرسلة (فإنه أبقى في الألفة وأثبت في المودة)، لكن بشرط أن تكون المحبة لله، وليس لغرض من أغراض الدنيا كالمنصب والمال، والشهرة والوسامة والجمال، فكل أخوة لغير الله هباء، وهي يوم القيامة عداء (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين).(14/66)
والمرء مع من أحب كما قال - صلى الله عليه وسلم - يعني يوم القيامة -، إذا فإعلان المحبة والمودة من أعظم الطرقِ للتأثير على القلوب. فإما مجتمع مليء بالحب والإخاء والائتلاف، أو مجتمع مليء بالفرقة والتناحر والاختلاف، لذلك حرص - صلى الله عليه وسلم - على تكوين مجتمع متحاب فآخى بين المهاجرين والأنصار، حتى عرف أن فلانا صاحب فلان، وبلغ ذلك الحب أن يوضع المتآخيين في قبر واحد بعد استشهادهما في إحدى الغزوات.، بل أكد - صلى الله عليه وسلم - على وسائل نشر هذه المحبة ومن ذلك قوله صلوات الله وسلامه عليه (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) كما في مسلم.
وللأسف، فالمشاعر والعواطف والأحاسيس الناس منها على طرفي نقيض، فهناك من يتعامل مع إخوانه بأسلوب جامد جاف مجرد من المشاعر والعواطف، وهناك من يتعامل معهم بأسلوب عاطفي حساس رقيق ربما وصل لدرجة العشق والإعجاب والتعلق بالأشخاص. والموازنة بين العقل والعاطفة يختلف بحسب الأحوال والأشخاص، وهو مطلب لا يستطيعه كل أحد لكنه فضل الله يؤتيه من يشاء.
الوسيلة الحادي عشر: المداراة:
فهل تحسن فن المداراة؟ وهل تعرف الفرق بين المداراة والمداهنة؟ روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله - تعالى -عنها (أن رجلا استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما راءه قال بئس أخو العشيرة، فلما جلس تطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل، قالت له عائشة يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يا عائشة متى عهدتني فاحشاً؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس لقاء فحشه) قال ابن حجر في الفتح (وهذا الحديث أصل في المداراة) ونقل قول القرطبي (والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا، وهي مباحة وربما استحبت، والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا).
إذا فالمداراة لين الكلام والبشاشة للفساق وأهل الفحش والبذاءة، أولاً اتقاء لفحشهم، وثانيا لعل في مداراتهم كسباً لهدايتهم بشرط عدم المجاملة في الدين، وإنما في أمور الدنيا فقط، وإلا انتقلت من المداراة إلى المداهنة فهل تحسن فن المداراة بعد ذلك؟ كالتلطف والاعتذار والبشاشة والثناء على الرجل بما هو فيه لمصلحة شرعية، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (مداراة الناس صدقة) أخرجه الطبراني وابن السني، وقال ابن بطال (المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة
http://www.moslimway.com المصدر:
============
ثبتي الخطوة على طريق الصحوة
أخواتي...
إن مما يبهج القلب ويسعد النفس ويسر الخاطر ما نراه اليوم من تلك الصحوة المباركة التي شملت نساء المسلمين وفتياتهن من إقبال على الخير ورجوع إلى الله والاستقامة على الطريق الموصل إليه - سبحانه وتعالى -.. ولكن رغم هذه العودة والتمسك بالمنهجية السليمة إلى أن هناك عدة أمور نحتاج لمعالجتها في أهل الصحوة لتجنب العثرات المستقبلية..
ولعلي أوجه حديثي هذا نحو الأخوات الصالحات المتمسكات بالالتزام وهو الاستقامة التي أمر الله بها (فاستقيموا إليه واستغفروه).
أخواتي....
كم من صورة سيئة ترسمها امرأة ملتزمة حين تتجاوز غير بالية بحد من حدود الله تتعدى فيه على حق مسلمة أو تتسلط به على أخرى أو تتسبب في فتنة المسلمين فيؤدي ذلك إلى تكوين نظرة خاطئة عن الملتزمين بأنهم أصحاب أهواء..
حبيبتي الملتزمة....
إنك هنا على ثغر من ثغور الدين فأنت ترسمين قدوة لمثيلاتك وبناتك في المستقبل؛ فحافظي على قيمك أينما كنت وارفعي مبادئك الإسلامية فوق جميع الظروف. فلا ترضخي لتهاون هؤلاء لأنهن صديقات، ولا تترددي في نصح هؤلاء لأنهن قريبات، ولا تجالسي هؤلاء في مجلس غيبة وسوء لأنهن مقربات حتى يخضن في حديث غيره..
أخيتي...
ولعل أكبر عنوان على قوة التزامك هو حجابك فهو مقياس عصمتك من الفتن وهو الظاهر من صفات الملتزمات، فلا يمكن تخيل تلك الملتزمة المحافظة على إيمانها وتقواها وإذا هي تحرص على مواكبة الموضة في شكل العباءة الناعمة الملفتة والخمار الفتان الذي يبرز العينين ومفاتن الوجه بصورة جذابة!! وكيف يمكن تخيلها وهي تخشى أن تسمع أو تتكلم أو ترى حراماً وهي تسمح للرجال الأجانب بالنظر لمفاتنها التي تظهرها عباءة الكتف قصيرة الأكمام ودون ستر اليد والقدمان كما يحلو لهم!! وكل ما يقال عن الحجاب الخارجي ينطبق على اللباس الظاهر أمام النساء والمحارم، وهو قضية مؤثرة على شخصية الملتزمة حيث لا يقبل ممن تدّعي الالتزام التهاون في إظهار أو إبراز عورتها ومفاتن جسدها وبشرتها بحكم التطور وتقليد العامة وأنه أصبح دارجاً، ولا يقبل ممن لا ينفك لسانها عن ذكر الله وسرد أحاديث نبينا - عليه الصلاة والسلام - وهي تُعلق على ثيابها صورة لشخصية كافرة فاجرة بشرية كانت أو (كرتونية) أو حتى رموزاً أو كلمات لا تليق بنا كمسلمين، وهي ترضخ هنا لتبعية الغرب في أفكارهم الهدامة..
حبيبتي المتلزمة الغيورة على دينك...
نعم..
إن المطلوب منك هو المجاهدة؛ فليس الالتزام عبثاً ولا شعاراً أو حزباً يمكنك الانضمام إليه وقتما شئت أو التنصل عنه في أحايين أخرى فتظل شخصيتك متذبذبة أمام من يتعامل معك.(14/67)
فليكن شعارك واضحاً، ولتكن لك في كل مجال بصمة واضحة جلية لا غبار عليها لا تسمح بأن يتجرأ بها أحد عليك، وليكن ولاؤك دائماً لكلمة الحق وراية التوحيد فترفف عالية حيثما كنت..
أرجو حبيبتي أن يتسع صدرك لتلك الملاحظات التي نوّهت عنها؛ وإنما هي من حرصي على أن تمضي بخطوات واثقة في طريق سهل صافٍ لا انشقاق فيه..
و جزاك الله وأثابك على صبرك وعزمك كل خير..
14-11-1423 هـ
http://akhawat.islamway.com المصدر:
=============
المعاصي البارزة من بعض طلاب حلقات التحفيظ
أبو إبراهيم التميمي
• تعريف المشكلة:
وجود بعض المعاصي البارزة من بعض طلاب حلقات التحفيظ.
• الهدف من هذه الدراسة:
1. الإسهام في فتح آفاق تربوية وعملية للتعامل مع هذه الشريحة بما يناسب، وليس وضع حل لكل معصية على حده.
2. معالجة أصحاب المعاصي الظاهرة كحلق اللحية والإسبال...الخ، والحد منها في مثل هذه الأوساط.
• مقدمات مهمة:
- يجب أن لا ننسى الجهود المشرقة لحلقات التحفيظ بعد الله في حفظ ناشئة وشباب الجيل من الانحراف عن الطريق المستقيم وهي أكثر من أن تحصر، ولا ينكرها إلا من في قلبه دخن.
- الاهتمام ببناء المربي وتأهيله بشكل كافي ليستطيع القيام بأدواره بشكل جيد، فما كان يحتاجه المربي بالأمس من مهارات وخبرات لم يعد كافياً لعصر اليوم فهو يحتاج لقدرة جيدة على الإقناع والحوار، ومعرفة بالدليل والخلاف ونحو ذلك.
- مهم أن لا ينزرع في إحساس الطلاب أو المعالِج من خلال تعاملنا مع المشكلة مفاهيم وسلوكيات خاطئة منها:
1- التركيز على بعض المعاصي وتضخيمها كالإسبال وحلق اللحية ونحوها. مع أننا قد نتساهل فيما هو أعظم منها كالصلاة والغيبة وغيرها (تتأخر البرامج أحياناً لوقت قد يقطع فيه بأن نسبة كبيرة من الطلاب لن تستيقظ لصلاة الفجر!!).
2- البراء الزائد عن قدر المعصية، فالعاصي يوالى على قدر ما فيه من خير ويعادى على قدر ما فيه من شر، فلا بد من جعل المعصية في حجمها الطبيعي، وأن نفرق بين أنواع المعاصي من حيث المؤاخذة والمناصحة والهجر.
3- إحساس طلاب الحلقة غير المجاهرين ببعض المعاصي ــ بالاصطفاء أو الكمال الزائد عن الحد.
4- العجز في حياتنا المستقبلية عن التعامل مع كل من ظهر عليه معصية والنفور منه ولو كان من أتقى الناس.
5- فقد ثقة الطالب بنفسه وشعورنا وشعوره بحاجته الدائمة إلى مزيد من الحماية.
- عدم إغفال عمر الطالب وأثر المراهقة عليه خصوصاً في عصر يعج بالمعاصي والمنكرات.
- هل المعصية قديمة أم طارئة؟
- معرفة محيط المتربي يعين المربي على تحديد السبب بشكل جيد.
- حرص هؤلاء أصحاب المعاصي على الانضمام لهذه الحلقات يدل على خيرٍ فيهم وفي المجتمع.
- الاعتماد على الله - تعالى -وحده، ثم بذل الأسباب ومن ثم: " ليس عليك هداهم... ".
• هل المشكلة جديرة بالمناقشة؟ ولماذا؟
- نعم، لعدة أمور منها:
1. أنها معصية لله - تعالى -.
2. أنها ظاهرة وفيها مجاهرة، ويخشى انطباق حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " كل أمتي معافى إلا المجاهرون.. ".
3. أنها تؤدي إلى آثار سيئة على الفرد والمحيط ولو على المدى البعيد كالاستهانة بحرمات الله.
4. خشية محق أو قلة البركة أو الخير والرحمة في هذه الأوساط بسبب التكاسل عن القيام بأمر الله تجاه هؤلاء.
5. أنه يخشى انتقال العدوى للآخرين في تلك الأوساط.
6. التنبؤ بتطور هذه المعاصي وتنوعها في المستقبل إذا لم تعالج بما يناسب.
7. أن الأصل في مثل هذه البيئات أن تكون أحرص الناس على تمثل الخير ظاهراً وباطناً.
8. أن أمثال هذه البيئات تحت المجهر اقتداءً ونقداً.
• أسباب المشكلة:
هناك أطراف قد تكون سبباً في حدوث مثل هذه المعاصي منها:
- الطالب نفسه.
- البيئة (البيت، المدرسة، الحي، الأقارب.. ).
- المنهج المتبع في الحلقات إن وجد.
ومن خلال النظر إلى هذه الأطراف يمكن ذكر بعض الأسباب التي قد تشترك فيها جميعاً، وقد تنفرد بعضها ببعض الأسباب ومن ذلك:
1. ضعف الإيمان وقلة الخوف من الله.
2. التساهل في الصغائر فهي تقود للكبائر.
3. أن يكون التزام الشخص عن عاطفة وليس عن اقتناع.
4. ضعف شخصية الطالب والشعور بالنقص.
5. ورود الشبه على قلبه من خلال المحيط والواقع.
6. استمراء هذه المعاصي من قبل بيئة الطالب.
7. الضغط من قبل الواقع الذي يعيشه الطالب على فعل هذه المنكرات.
8. الاستهزاء والسخرية بالطالب من قبل مجتمعه في البيت والمدرسة والحي.
9. مصاحبة السيئين خارج هذه الحلقات مما يؤثر على سلوكه وأخلاقه.
10. غياب أو ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المحيط القريب.
11. قلة المعين من الأخيار مع قوة الداعي.
12. ضعف صلة الطالب بالله - تعالى -، من خلال ضعف الاهتمام بالبرامج الإيمانية، غياب القدوة الحية... الخ.
13. عدم الاهتمام بالتربية الوقائية، وإيجاد حصانة داخلية عن مثل هذه التغيرات، ومن ذلك العزوف عن طرح بعض المعاصي البارزة في المجتمع على سبيل الوقاية كحكم سماع الأغاني، وشرب الدخان، وحلق الحية، وإسبال الثياب، والزنا واللواط، ورفقاء السوء... الخ.
• العلاج:
إذا حدد المربي الأسباب الجوهرية فسيسهل عليه الحل بإذن الله وقبل ذكر بعض طرق العلاج هناك أربع وقفات:(14/68)
- أن يبني المربي الحل على قاعدة المصلحة والمفسدة، فيفرق بين صاحب الضرر المتعدي والضرر القاصر. فالأول قد يصرح له ويحذر وينصح ثم يبعد عن المحيط، لكن من المهم بعد عدة محاولات لنصح الطالب وتوجيهه، أن نعقد اتفاقاً معه أننا متى ما شعرنا أن ضرره تعدى لغيره أننا قد نضطر إلى إبعاده عن المجموعة ولا يعني ذلك إهماله. أما الآخر فيتخذ معه أكثر من وسيلة وإن لم ننجح فالأولى بقاؤه مع تحصين المحيط، ما لم يستفحل الأمر وتستشري العدوى مع توقع أن الظاهرة حينئذ لن تكون بسبب الشخص فقط!. -على المربي مباشرة المشكلة في أولها، وعدم تركها حتى تستفحل، ولا يعني هذا الاستعجال في الحل واتخاذ إجراءات قد تكون غير مناسبة للشخص، وإنما اختيار الوقت والمكان والأسلوب المناسب. -تحديد السبب بشكل جيد، يؤدي إلى تحديد العلاج المناسب للشخص. - على المربي أن يتخذ أفضل وأنسب الطرق وليس أيسرها، إذا ما أراد الثمرة أن تؤتي أكلها.
ومن الطرق المناسبة في حل هذه المشكلة ما يلي:
1. إعطاء الجانب الإيماني حقه من العناية، فما ظهرت مثل هذه المشاكل إلا بسبب قلة العناية سواء من الطالب أو الحلقة أو البيئة على وجه العموم بهذا الجانب من الرقائق والموعظة بالتي هي أحسن خصوصاً في مثل هذا الزمن.
2. تقوية تعظيم أمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - في نفس الطالب.
3. الاهتمام بنشر الدليل الصحيح وتأصيل الممارسات المعتادة شرعاً.
4. تعويد الطلاب جميعاً على الدعوة إلى الله ونصح الناس وحثهم على الخير فهذه تعين الطالب على الالتزام بما يأمر به وتبعده عن الوقوع في مثل هذه المعاصي.
5. بيان خطر الذنوب والمعاصي على الفرد والمجتمع.
6. القرب الحسي والمعنوي من صاحب المعصية وقطع الحواجز وعدم تنفيره لأجل التغلب عليها.
7. غرس الشعور بشرف الانتماء لطريق الخير والصلاح في نفس الطالب.
8. التربية الوقائية باستشراف المستقبل والتنبؤ به من قبل المربي.
9. بث المفاهيم المهمة بين الطلاب: كالعزة، والجدية في الاستقامة، والصدق مع الله، والخوف منه... الخ.
10. إشباع الحاجات النفسية لدى المتربي أو تهذيبها: كحب التقدير، والاحترام... الخ حتى لا يبحث عنها عن طريق هذه المعاصي.
11. استخدام أساليب الإقناع المؤثرة في الطالب سواء العاطفية أو العقلية.
12. عدم الاقتصار والتركيز على معالجة المقصر في المعصية الظاهرة فقط، بل يستمر في تحفيزه لفعل الخيرات وعمل الصالحات والمشاركة في البرامج النافعة مع نصحه وتوجيهه فتتكامل العملية علاجاً وبناءً في آن واحد.
13. تفعيل دور الطلاب في الحلقات تجاه هذه المعاصي البارزة بالنصيحة ونحوها، وعدم قصرها على المشرفين.
14. إشعار المتربي عند نصحه بحب الخير له والانطلاق منه، وأنه ليس المقصود انتقاصه أو إحراجه.
15. تفعيل دور البيئة إذا كانت جيدة أو المقربين من الطالب في حل المشكلة.
16. الاستفادة من قاعدة التغيير وهي: أن التغيير في التفكير أو الشعور أو السلوك سيؤدي إلى التغيير فيها جميعاً.
17. تفعيل دور الطالب نحو علاج مشكلته من حيث لا يشعر، كطرح مشكلة مقاربة لها وطلب حلها منه.
18. التأكيد على بعض المفاهيم والسنن كقوله - تعالى -: {إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم}... الخ.
19. الدعاء وصدق الالتجاء إلى الله - تعالى -.
20. إبعاد الطالب عن المحيط إن كان من المصلحة إبعاده كأن يكون له تأثير سلبي وليس هناك استجابة؛ لكن من المهم أن يكون التسريح بإحسان وحكمة ويكون إلى خيار آخر جيد بقدر المستطاع.
• وختاماً:
جيد أن تحفزنا هذه المشكلة وأجناسها إلى إيجاد بيئات ومحاضن تربوية مختلفة ومتعددة تهتم بالمستقيم وتحرص على محب الخير المقصر وتسعى إلى إصلاح وجذب المبتعد.
أسأل الله العلي العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يهدي ضال المسلمين ويثبت مطيعهم، وأن يبارك في أعمالنا وأعمارنا وأن يجعلنا مباركين أينما كنا.
كما لا يفوتني أن أشكر كل من أفادني برأي أو اقتراح أو مشورة وعلى رأسهم فضيلة الشيخ الدكتور / عبد الرحمن بن صالح المحمود. وفضيلة الشيخ / محمد بن عبد الله الدويش.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://www.saaid.net المصدر:
===========
الخاصة والعامة
د. محمد العبدة
يروى عن الإمام مالك - رحمه الله -: "إن العلم إذا منع عن العامة لم ينتفع به الخاصة" قال ابن الحاج مفسراً وشارحاً لهذه العبارة: "أن يحرم الخاصة فوائد العلم لأن استئثارهم بالعلم يورثهم الكبر والخيلاء فيحرمون منه، أو يحرمون ثواب العلم لأن الثواب يكثر بانتشاره".
هذا الفقه من الإمام مالك هو ما كان عليه علماء السلف، فقد كان من اهتماماتهم الصلة بالعامة ونشر العلم بينهم وتهذيب عاداتهم وأخلاقهم، فالإسلام ليس ديناً لصفوة من البشر، بل هو للناس كافة، فلا يوجد في الإسلام نظام هرمي كهنوتي يحتكر العلم ويضن به على الجماهير، وعلى الدعاة وبغاة الخير أن يتنبهوا إلى هذه القضية الأساسية ويستشعروا أهميتها وخطرها.(14/69)
فجمهور الأمة (الذي يطلق عليه العامة) يتميز بإدراك للأمور، وهو يميز بالفطرة بين دعاة الحق ودعاة الباطل، بين من يشفق عليه ويحبه ويحرص على مصالحه وبين من لا يملك هذا الحرص وهذه المحبة. ورحم الله الشيخ محمود محمد شاكر، فقد وصف بأن للعامة عنده إعزاز كبير؛ لأنهم وإن كانوا قد حرموا من التعليم فإنهم قد نجوا في أحيان كثيرة من أن يصبحوا أدوات في تدمير أمتهم، والشيخ هنا يغمز من قناة بعض الذين يسمون أنفسهم مثقفين وهم دعاة للثقافة الغربية وهذا لا يعني أن نفتقد في المجتمع وجود عالم ومتعلم، وجود طبقة مثقفة، هي النخبة وهي خميرة النهوض، وهي القيادة العلمية والفكرية التي تقدر الأمور تقديراً حسناً وتزنها بقسطاس مستقيم، ولكن هذه النخبة لا تستطيع أن تقوم بعمل ذي بال إذا لم تلتحم مع جمهور الأمة، مع العامة لا ليذوبوا فيهم ولكن لرفع مستوى هذا الجمهور إيماناً وعلماً وعملاً، وإن الذين لا يهتمون بالقيادة العلمية أو بالصفوة من الأمة هم على خطأ كما الذين لا يهتمون بعامة الأمة.
إن التباعد بين هذه الثنائية (الخاصة والعامة) ما هو إلا من تراث وحقب الضعف والتشرذم، وتسلط السفهاء على العلماء مما يجعلهم أقرب إلى الانزواء، وهو أيضاً من تراث أهل الترف العقلي الذين يعيشون في أبراجهم العاجية ويحتقرون (العامة).
18/6/1426
http://www.almoslim.net المصدر:
===========
كيف تكسب قلباً
عيسى بن مانع
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهادي الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن الحاجة إلى كسب قلوب الناس أصبحت ضرورة ملحة في زمن قل فيه المعين. وقل فيه التابع والرفيق. فالمعلمون و الآباء والأمهات والدعاة والمصلحون بحاجة لامتلاك القلوب وأسرها ومن ثم التأثير والتغيير و الإصلاح.
• فكيف تكسب قلباً؟
اقرأ هذه القواعد المهمة و راجعها من وقت لآخر وتجد لها الأثر بإذن الله:
1. أصلح ما بينك وبين الله يصلح ما بينك وبين الناس.
2. ضع نفسك في مكان الآخرين ثم أسمعهم من الكلام ما تحب أن تسمع وتصرف معهم كما تحب أن يعاملك به الآخرون.
3. اظهر اهتمامك بالناس الآخرين، في الهيئة والجلسة والاستماع و توجيه جميع الجوارح للشخص الأخر.
4. ابتسم.......... ابتسم.............. ابتسم.
5. لا تنتقد أحداً. النقد الجارح أو العقيم في أمور الدنيا، أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون بالأسلوب الحسن الرفيق.
6. تذكر أن اسم الإنسان وكنيته أغلى و أهم الأسماء بالنسبة له.
7. كن مستمعاً لبقاً، وشجع الآخرين للتحدث عن أنفسهم.
8. تحدث عن الأمور التي هي موضع اهتمامهم ومدخلاً إلى قلوبهم.
9. كن مخلصاً في تقديرك وكريماً في مدحك.
10. اسألهم عن آرائهم ومقترحاتهم في المواضيع المشتركة واستشرهم في المواضيع الخاصة.
11. كن لماحاً، كأن تثني على لباس الشخص أو جواله أو ساعته أو غترته، وكأن تقول مثلاً: "ما شاء الله اليوم عريس! " أو تبدي إعجابا بشيء يملكه وتسأل عن هذا الشيء باهتمام.
12. احتفظ بهدوئك ورباطة جأشك عند الاستفزاز.
13. اختر كلماتك بعناية خصوصاً في أول لقاء وكن متهللاً عند الكلام واحذر من جمود القسمات وغلظة الوجه و إن كانت كلماتك كالنسيم.
14. رصع حديثك بالنكت والطرائف والأمثال ولا تجعلها تطغى على حديثك ولا تقل إلا حقاً.
15. إفشاء السلام و رد التحية مفتاح لكل قلب.
16. البساطة وعدم التكلف في التعامل.
17. مظهرك النظيف الجذاب، وأسنانك وفمك وبدنك الطاهر تريح التعامل معك ولا تنفر منك.
18. اهتم بالتواصل الجسدي بأن تشد بحرارة على يده أثناء السلام ولا تسحبها قبله. إذا مشى بجانبك وترى من المناسب أن تمسك بيده حال المشي فافعل. احتضن وعانق من وصل من السفر. ربت على الكتف فالتواصل الجسدي له أثر عجيب على النفوس.
هذا الموضوع جمعته من عدة كتب و مصادر ومن تجارب شخصية ودورات تطويرية فلا تنسونا من دعائكم، فلكم مثل ما تدعون لأخيكم..........وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً.
http://saaid.net المصدر:
==============
الدعوة بالقدوة
عمر الرماش
الدعوة إلى الله - تعالى - تستوجب اقتداء الدعاة بالأنبياء والرسل، وفي مقدمتهم الرسول القدوة - عليه الصلاة والسلام - قال - تعالى -: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} [الأحزاب 21].
وتتجلى الدعوة إلى الله - تعالى -بالقدوة في إعطاء المثل علماً وعملاً، إيماناً ودعوة، قولاً وسلوكاً، مصداقاً لقول الله - عز وجل -: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} [فصلت 33].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة: " أي هو في نفسه مهتد بما يقوله، فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، وينهون عن المنكر ويأتونه، بل إنه يدعو إلى الخير، ويترك الشر، ويدعو الخلق إلى الخالق - تعالى -، وهذه عامة في كل من دعا إلى ذلك وهو في نفسه مهتد ".
ويقول سيد قطب في تفسيره لهذه الآية: " إن كلمة الدعوة حينئذ هي أحسن كلمة تُقال في الأرض، وتصعد في مقدمة الكلم الطيب إلى السماء، ولكن مع العمل الصالح الذي يصدق الكلمة، ومع الاستسلام لله الذي تتوارى معه الذات فتصبح الدعوة خالصة لله ليس للداعية فيها شأن إلا التبليغ ".(14/70)
والدعوة إلى الله بالقدوة الحسنة تصلح النيات، وتوفر الأوقات، وتختزل الطاقات، وتمكّن الداعية من أداء أدوار عدة متكاملة من أهمها: " تطبيق الإسلام خُلقاً ومعاملة وعفة لجذب الناس إليه بالأمثلة الحية، من هنا يأتي النصر المبين والفتح والتمكين إن شاء الله ".
وتتمثل الدعوة إلى الله - تعالى -بالقدوة الحسنة في الكلام، والسلوك، والقول، والعمل والحال والمقال، والتطابق والتكامل في كل ذلك.
وفي حال التناقض السلوكي يحل غضب الله ومقته، قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند اللَّه أن تقولوا ما لا تفعلون}[الصف 2-3].
وقد وصف القرآن الكريم سلوك علماء بني إسرائيل الشاذ بقوله: {أتأمرون النَّاس بالبر وتنسون أّنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} [البقرة 44].
إن من واجب الدعاة إلى الله في العصر الحاضر القيام بالدعوة الإسلامية عن طريق القدوة الحسنة؛ لأنها السبيل الوحيد لهداية الناس، وإصلاح أحوالهم الدينية والدنيوية، ولن يتحقق ذلك إلا بالعلم النافع، والعمل الصالح، والصبر على الدعوة، وعلى أذى الناس.
24-07-2005
http://islameiat.com المصدر:
============
كل في موقعه
د يحي بن إبراهيم اليحيى
تزال الأمة ولوداً تحتوي على طاقات وقدرات فائقة لو صرفت في مجالها السليم لأصلحت وأنتجت وأصبح لها تأثير عام، ولحالت دون لعب أرباب الشهوات والشبهات بالمجتمع، وإن مما يعين على تشغيل طاقات الصالحين في مجالات الخيرات وتجنيبهم التأنيب النفسي وجلد الذات قيام كل شخص بالعمل والإفادة والإصلاح والتصحيح من خلال موقع عمله وفي ساعاته الرسمية فقط حيث إنه يقضي في ميدان العمل أكثر من نصف وقته الحي.
إن المراقب لأعمال كثير من أهل الخير في ميدان عملهم الرسمي قد لا يجد لهم تأثيراً واضحاً وملموساً، وإن وجد لهم أثر فهو ضعيف لا يوازي تلك الساعات التي يقضيها أحدهم من أفضل ساعات يومه في ذلك العمل. فتجد المدرس الصالح في مدرسة تحتوي على مئات من الطلاب إلا أن ذهنه مشغول بالتفكير في حلقة تحفيظ القرآن التي يشرف عليها في حيه، أو مندوبية الدعوة التي يقوم على قسم من أقسامها حيث تأخذ عليه جل تفكيره وتسيطر على اهتماماته، وقد يواجه كثيراً من اللوم والتأنيب من أصحابه المتعاونين معه بسبب إخلاله وتقصيره، لكن لا يجد أي لوم أو حتى سؤال عن مدى تأثيره على عامةِ طلابِ المدرسةِ الذين يقضي معهم جل وقته.
وتجد الطبيب يدخل عليه في عيادته عشرات المرضى من جميع شرائح المجتمع إضافة إلى المشاركين له في العمل، ولو فتشت عن قلبه لتأوَّه من تقصيره في العطاء في مركز الدعوة أو برنامج الحي أو حتى مع أولاده، أما رسالته في وقته الكبير الذي يقضيه في عيادته فقد غابت عنه ونسيها في زحمة هذا اللوم والتأنيب، ولو أن أخانا أفاد من خلال عيادته ولو بالدعاء للمريض وسؤاله له: من الشافي؟ فسيجيبه: إنه الله، فيسأله هل تشهد الصلاة مع الجماعة...كيف تطلب الشفاء من الله وأنت لا تطيعه.لو فعل ذلك لكان تأثيره وبناؤه مما يفوق به كثيراً من الدعاة والمصلحين.
وهكذا الموظف والعسكري والمهني والتاجر وغيرهم.
فهل من تجديد من خلال مواقعنا؟ وهل نتجه للعمل من مراكز تأثيرنا؟ وهل من إبداع وتجديد في وسائل الدعوة والتوجيه والإصلاح؟ إنني أجزم أننا لو عدنا جميعاً للتوجيه والإصلاح من خلال عملنا الرسمي لتغير كثير من أحوال الأمة، ولشمل التأثير جميع طبقات المجتمع، ولتوفرت لنا أوقات كثيرة لأولادنا ولأنفسنا.
إننا لن نطالبَ أي موظف استنفد وقته الرسمي في البرامج التوجيهية والإصلاحية بساعات عمل يشارك فيها في البرامج الخيرية.
إننا نشاهد عمليات القنص الكبرى لشبابنا وبناتنا من قبل دعاة الرذيلة والفساد، فهل عمَلُنا مكافئ لها أم لا؟ إننا نملك من خلال مواقعنا - لو فعَّلناها - إمكانات ضخمة وساعات كثيرة للتوجيه والإصلاح نستطيع من خلالها مزاحمة القناصين لمجتمعنا من أهل الشبهات والشهوات، بل نستطيع أن نتغلب عليهم ونفوقهم بدرجات كبيرة. لكننا مع الأسف دائماً نندب حظَّنا ونفرغ جام غضبنا على أهل الفساد والرذيلة، فنصبح نحن وإياهم كما قال القائل: أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل. فهل من عودة إلى العمل وعدم الاكتفاء بخطابات وبرقيات الاستنكار.
وانظر إلى أثر تجار المسلمين كيف أدخلوا الإسلام إلى كثير من البلدان في جنوب شرق آسيا وأفريقيا بتعاملهم عملهم من خلال تجارتهم.
http://www.taiba.org المصدر:
============
دورة علمية للقارات في بيوتهن
أخيتي الغالية:
عند سماعنا عن إقامة إحدى الدورات العلمية تهفو نفوسنا لحضورها ويزداد شوقنا لسماعها وكم نمتلئ أسىً وحزناً إذا لم نستطع الوصول إليها كل ذلك في سبيل تحصيل العلم الشرعي والتفقه في الدين وذلك لعلمنا بالأحاديث التالية:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من يرد الله به خيرا يفقه في الدين) (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة)، وقال الله - تعالى -(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (إنما يخشى الله من عباده العلماء)(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)(14/71)
وهاأنا ذا أخيتي الغالية أضع بين يديك دورة علمية سهلة ميسرة في مكان قريب منك بل ومجانية أيضاً ويقوم عليها عدد من كبار العلماء منهم المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ والشيخ صالح الفوزان وغيرهم و بإمكانك اختيار الوقت المناسب لك والمكان المناسب أيضا. ولكن مع الأسف فمع كل هذه السبل الميسرة لهذه الدورة العلمية إلا أن المقبلات عليها قليل والمعرضات عنها كثير لأنها لا تعطي شهادة معترف بها ويا أسفاه ليس على هذه الدورة بل يا أسفاه على من كان همها الشهادة، يا أسفاه على من نسيت قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
(من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله - عز وجل - لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)
فأين نحن عن الإخلاص لله في القول والعمل
أختاه هات يدك وتعالي معاً إلى هذه الدورة العلمية الرائعة وحسبك أن تختاري منها درسين أو ثلاثة و تذكري أن مالا يدرك جله لا يترك كله، وأظفري منها ولو بالقليل والله يبارك بالقليل الدائم، وهذه الدورة العلمية أضعها بين يديك وهي التي تبثها إذاعة القرآن الكريم، لك أن تختاري منها الوقت المناسب فان لم تدركي الدرس تدركي إعادته في يوم آخر صباحا أو مساء، أسأل الله أن يوفقكن لكل خير.
أسماء الكتب وشراحها في إذاعة القرآن الكريم
شرح مختصر صحيح الإمام مسلم للحافظ المنذري شرح الشيخ /د. عبد الله المطلق
يوم الأحد الساعة: (1) ظهراً
الإعادة للبرنامج
يوم الجمعة الساعة: (7)مساءً
شرح كتاب زاد المستقنع شرح الشيخ / صالح الفوزان
يوم الاثنين الساعة: (1) ظهراً
الإعادة للبرنامج
يوم الجمعة الساعة: (9، 55) مساءً
شرح كتاب المنتقى من أخبار المصطفى - صلى الله عليه وسلم - شرح الشيخ /عبد العزيز آل الشيخ
يوم الثلاثاء الساعة: (1) ظهراً
الإعادة للبرنامج
يوم الخميس الساعة: (9، 55) مساءً
شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح للبخاري شرح الشيخ / عبد الكريم الخضير
يوم الأربعاء الساعة: (1) ظهراً
الإعادة للبرنامج
يوم السبت الساعة: (9، 55) مساءً
شرح كتاب الإيمان الكبير شرح الشيخ /عبد العزيز الراجحي
يوم الأربعاء الساعة: (10. 20) صباحا
الإعادة للبرنامج
يوم الأحد الساعة: (9، 55) مساءً
شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب شرح الشيخ / فالح الصغير
يوم السبت الساعة: (10، 20) صباحا
الإعادة للبرنامج
يوم الثلاثاء الساعة: (9، 55) مساءً
دراسة أحاديث بلوغ المرام شرح الشيخ / سعد الشتري
يوم الثلاثاء الساعة: (2، 05) ظهرا
الإعادة للبرنامج
يوم الخميس الساعة: (1، 10) مساءً
ملاحظة: جميع هذه البرامج تبث على إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية ويمكن استقبالها بالستالايت
http://www.saaid.net المصدر:
============
ليس الأهم أن تبدأ ..
الشيخ: عبد الحميد الكبتي
الحديث عن الاهتمام بالتطوير الذاتي والمؤسسي حديث فيه دغدغة فكرية ونفسية جميلة؛ ذلك بأنه يعتمد على الأمل والطموح بالدرجة الأولى، فيرى المرء فيه آمالا في المستقبل بكل مراحله، كأنه يرى نفسه هناك بين رياض الأمل المنشود.
هذه الدغدغة تحمس المرء على الدخول بكل إقدام، يقودها الشوق للتغير للأحسن وللأجمل وللأفضل، ربما بإرادة قوية وتفكير، غير أن الغالب تكون في حنايا النفس لا في أروقة العقل، فما أن يسير المرء في ممرات الحق التطويرية والتغييرية حتى يجد السأم والملل قد عاد لنفسه، وباتت تلك الدغدغة مجرد وحشة في تلك الممرات لم تعتد النفس أن تسير فيها، فضلا عن جري وسبق واقتحام.
وليس معنى التطوير هنا ودغدغته الجميلة أن يكون في أمور كبيرة ذات شأن على المستوى الفردي والمؤسسي؛ كالتخطيط الاستراتجي، بل قد يكون فيها وفي غيرها من الأمور الصغيرة في الحياة؛ كالمحافظة على الأذكار ونحوها، وهذه وتلك تتلبس أحيانا كثيرة وتتغير؛ من لذة وطموح، إلى تردد وجموح!
* نجد الأخ يقبل على أخيه بعبارات الأخوة السمحة، والحب في الله، وحسن الصلة والود، وما أن تتحرك عقارب الأيام والأشهر، حتى تتغير اللهجة، وتبدأ المصالح تطفح، ويظهر المفهوم الجديد للأخوة (الأخ المصلحي) إن أراد منك شيئا وجدت البِشر والسرور، وإن طلب تحية وود كان الأخ المشغول، وإن احتجته يوما في أمر ألم بك، كأنه لا يعرفك إلا على قارعة سوق السمك، ونسي هذا المصلحي جلسة تحت عرش الرحمن لا تعطى إلا لمن صدق في أخوته، ولا تعطى لمتكلف، فيكون مكافئته من الشافعي:
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا *** فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة *** وفي القلب صبر للحبيب وإن جفا
* ونتحمس أحيانا في مشروع دعوي داخل المؤسسة ونتهلل له، وما أن تمضي بضع اجتماعات حتى نمل، لأن العمل الجماعي فيه صعوبة، ومخالفات للرأي، ورد قوي على رأيك، وربما تهميش له، وما يلبث ذلك العمل أن يفتر وينتهي، من بعد جهد وتعب قليل، كأننا ما تحمسنا يوما له.
* ويحرص أخ على ثني ركبه وطلب العلم، وما أن يجلس لأيام وتبدأ فقرات عموده الفقري بالتعب، حتى يبدأ الشكوى لأمه، كأنه ما تحمس يوماً لما كان عليه السرخسي الإمام وقد نطق بكل كتابه [المبسوط] وهو في البئر لتلامذته وقد بلغ كتابه المجلدات الطوال، وبمجرد تنمل قليل في رجليه من القراءة، يبدأ في البحث عن مُلينات البَشرة، ويترك إحناء الظهر، كأنه ما حلف يوماً بالله أن يكون نعم الطالب الأواب.
بَصُرتُ بالراحة الكبرى فلم أرها *** تُنال إلا على جسر من التعب(14/72)
* وتذبل وردة المعاني الراقية من زوج وزوجة بمجرد هفوات الحياة، ولا يجد أحدهما من الآخر إلا المنكب الخشن، كأن الله ما جعل البيوت للمودة والرحمة، كأن الحياة لابد أن تكون من غير هفوات ولا مشاكل، وقد يصل الأمر إلى جفوة وجرح في القلب والمشاعر، لا يجد من يلملم شعثه العاطفي.
* ويتعهد المرء منا بأن يقوم بعمل ما لله - تعالى -، يجده في ميزان آخرته، وتحركه أشواقه للجنان، وما هي إلا خطوات حتى يصرعه الشيطان، وينسى أن الشيطان هذا دوره {لأقعدن لهم صراطك المستقيم}، وينسى رائحة الجنة، ويخلد إلى الأرض، ويتبع هواه في الترك والتوقف.
إن المسلم تنازعه عدة أمور ولا شك، لأنه بشر، هكذا خلقه الله، فهو بين روح ونفس وشهوات وجسد يجره إلى الأرض جراً، غير أن المسلم الحق الذي لا يلتزم بدينه تقليداً ولا تصنعاً ولا روتيناً، هذا المسلم يشعل في قلبه شعلة الإيمان، ولا يزال يهيجها بحطب العمل ووقود الإخلاص، حتى ينير الله قلبه، مصداقا لقول الله - تعالى -: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. عليم بنيته وعليم بعمله وصوابه، وعلى قدر صواب العمل ونقاء النية يكون الإمداد.
إن عنصري العمل المستمر والنية الصحيحة هما جناحي الإرادة القوية، التي تمضي وتسير وتنطلق وتحلق في نسائم الرضوان، لأن الإرادة في كيان الإنسان لا تتوقف ولا تنم ولا تكسل، يحركها العقل الباطن، وبهذين الجناحين ـ العمل والنية ـ يكون المسلم مسلما حقا، ومن غيرهما لا يكون إلا الغثاء.
قال النبي الحبيب الأمين - عليه الصلاة والسلام -: (يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) رواه أحمد وأبو داود.
لا مهابة في قلوب الغير؛ لأنه لا مهابة في داخل النفوس المتقلبة التي لا تستقر على طريق ولا تكمل سيراً، ولا مهابة في قلوب الغير؛ لأن النفس تضجر من التعب! فكيف تلاقي ويهاب منها العدو المتعب لكل أمة الإسلام، ولا مهابة في قلوب الغير؛ لأن السأم هو الإزار والملل هو الرداء والعدو لباسه الحديد والبأس الشديد، ونسي المسلم أنْ: {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} ولن يكون تقيا من يهاب المسير!
وهن في الهمة وميل إلى الدنيا وملذاتها، ووهن في الهم وتشعبه في أودية الحياة السحيقة، ووهن في الفكر وضحالة ماء العقول، ووهن في الإرادة ونتف كل ريش جناحيها حيناً بحين، ووهن في المعالجات وطريقة حل الأمور، ووهن في العاطفة وصدق معانيها، ووهن في الانتساب لهذه الدعوة المباركة.
لا مهابة، و وهن... ثم تريد أن تصل؟ ويحك أفق، واعرف لرجلك قبل الخطو موضعها، وفتش في نيتك، وكن الصادق في عهودك مع الله، وتذكر خطر نكث العهود التي تقطعها، وتأمل معي قول الله - تعالى -: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} (الوعد والعهد والطموح الأمل ) {فلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} (النكث والتخلف وعدم تكملة الطريق) {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} (العقاب) {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (التحذير)
هذه الآيات من سورة التوبة تحتم علينا التأمل فيها، والخوف من عواقبها، وتجعل قلبك خائفا وجلاً من سوء الخاتمة، فخذ الأمر بزمام، وكن صاحب عزمات الخير الماضية؛ خير خلف لخير سلف، ولا تتردد وردد معي بصوت مرتفع {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}؟!، وارفع يدك وقل: اللهم إني أعوذ بك من الهم والكسل، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين..
24-07-2005
http://islameiat.com المصدر:
=============
سوق الدعوة
الشيخ عبد الحميد الكبتي
المسلم الذي يحمل هم الإسلام والدعوة إليه، لا يفتأ متحركا به باذلاً كل ما يقدر في سبيل إعلاء كلمة الله - تعالى -، يكون عاليا في دعوته وعزته به، حتى يظفر بكلمة الله هي العليا في واقع ينافس في عرصاته.
تلك العرصات الصاخبة بكثير من الصيحات لأهلها؛ منهم من هو على المحجة البيضاء، ومنهم من يتبع خطوات شيطان رجيم، وبين صياح هذا و وسوسة ذاك، درجات من الهمس والبوح والكلام، والتزويق.(14/73)
وما الحياة وساحاتها وتعدد الصيحات والهتافات فيها، إلا كسوق كبير مترامي الأطراف، يقصده الناس بحسب مقاصدهم؛ فيه التاجر الأمين الذي يريد الكسب والخير للناس، وفيه الباحث عن سلعة له ولآل بيته، وفيه من يريد الشراء لأيتام يعولهم، أو محتاجين يعينهم، وفيه النصّاب الذي يقتات من الحلف الكاذب، وفيه الغشاش المزور، وكذا تجد في سوق الدنيا مَن يحبه كل أهل السوق، ومن هو البعيد الجافي..
كذا تعامل الناس في الحياة مع سلعهم وأهدافهم؛ كلٌ له مأرب يسعى له، ويبرز العفيف الطاهر، الذي يترفع عن وسخ الدنيا كأنما يرفع ثوبه؛ كي لا يتلوث بما سقط في سوق الناس وعفن البضائع، الجميل الطلعة المبتسم الثغر، الذي يقصده كل محتاج ويحبه كل شريف.
فهو يعلم يقينا أين تعقد الصفقات الناجحة وما هي مواصفاتها، ولن يدخل إلا في تجارة رابحة؛ إذ هو المؤمن العفيف، ويناديه ربه - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 10 ـ 12].
هذه هي تجارة المسلم الواعي في دنيا السوق؛ همه أن يكون هاديا مهديا، ولن يقبل بأقل من ذلك، ويلح على الله بذلك، وينشده ويطلب مظانه، يحرص على النجاة من عذاب أليم، ويسعى لمغفرة ودخول جنان سامقة، ينشد الفوز العظيم ويخشى من التجارة الخاسرة؛ {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} [البقرة: 17].
يخاف من هذا الحال التعيس في الشراء، ويخشى أن يستبدل الذي هو أضل، بالذي هو أهدى سبيلا، فكراً وسلوكاً وعاطفةً وحباً وعملا، فيهرع إلى شراء يعرضه الرب الكريم، مرتلاً قول الله - تعالى -: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].
باع أمره ونفسه ووقته وماله لله - عز وجل -، ونِعم البيع، ولنِعم المشتري - سبحانه - في علاه، فهو الفائز العظيم في سوق الناس في الدنيا وفي صراطهم يوم التغابن؛ لأنه موعود بالجنة.
يدخل السوق ويبدأ في البيع والاتجار الرابح، لا يخاف البوار في سلعته، ولا الكساد في بيعته، داخلا ميدان الجد والعمل والسعي لإتمام في بيع مع الله؛ {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [فاطر: 29]. وليس هو الترتيل فقط، وإنما هو الرجل العملي الذي لا يلهيه أهل سوق الدنيا، ضاربا المثل العالي في الالتزام ببيعته مع الله؛ {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37]. هذا في تجارة عابرة في السوق الدنيوي.
أما لو عرض عليه المبادلات الكبيرة، والعقود الضخمة، فله في سيدنا صهيب القدوة الحسنة؛ فحين ساومه أهل مكة على أن يمسكوا ماله لو هاجر بدينه، فإن بقي أعطوه ماله، اختار البيع الرفيع العالي، وقدم على النبي - عليه الصلاة والسلام -، فحين كان الرسول جالسًا وحوله بعض أصحابه؛ حين أهلَّ عليهم "صهيب"، ولم يكد يراه الرسول حتى ناداه متهللاً: (ربح البيع أبا يحيى.. !! ربح البيع أبا يحيى!! ) وآنئذ نزلت الآية الكريمة: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207].
وكانت الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس متميزة بالحكمة ورجاحة العقل حتى إن الخليفة عمر بن الخطاب ولاها ولاية الحسبة، فكانت تراقب وتحاسب وتفصل بين التجار وأهل السوق من الرجال والنساء، فليس أمر التجارة حكرا على الرجال، بل الكل مكلف، ومن برز في عقله وحكمته وعلمه، كان قائدا في سوق الدعوة؛ فقد كانت الشفاء معلمة لأم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضوان الله عليهم.
وتبقى سلعة الله غالية، تحثه على مزيد بذل وتضحية وفداء؛ (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل. ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة). رواه الترمذي.
ثم أما بعد...(14/74)
أيها التاجر الداعي إلى الله: إن بيع النفس لله - تعالى -لتمسي وقفٌ عليه - سبحانه -، من المعاني الراقية التي تزرع في جذر قلب الداعية إذ هو في بداية الطريق، ومعرفته بأي الأسواق نشاطا وربحا تحدد له هدفه فلا يقع في تشتت وذهول، ولا يزال مرتلا متصلا بالوحي الكريم حينا بحين، فهو الحال المرتحل الذي لا يهجر الكتاب المبين، ثم يمضي في سجوده وركوعه معمرا لبيوت الله، تشهد له كلها؛ أنه وعظ وتصدق ونصح وساهم وأفاد، وهذه سجادة تشهد له بدموع سكبها عليها وتبللت بسببه، ولن تبور تجارته، لأنه يعرف دكانه ودكان دعوته، ويعي من هم أصحاب الدكاكين الفاسدة وبضاعتهم المغشوشة، فلن يبيع شيئا من نفسه ودعوته وإن ساوموه عليها.. هذه معاني أولية في سوق الدعوة.
غير أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، ولا يزال من باع نفسه واشترى الجنة أمام مزاحمات كبيرة في البيع والشراء، يقودها له الإمام العز بن عبد السلام، سلطان العلماء، وجهبذ القضاة، الذي فقه ووعى وعلّم شعبا وأمة كاملة، و فكّها من محتكري السوق الغشاشين؛ قال الإمام السبكي:
" ذكر أن جماعة من أمراء المماليك - في عهد السلطان أيوب- لم يثبت عنده أنهم أحرار، وأن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين، فبلّغهم ذلك، فعظم الخطب عندهم فيه، واحتدم الأمر، والشيخ مصمم لا يصحح لهم بيعاً ولا شراءً ولا نكاحاً، وتعطلت مصالحهم بذلك، وكان من جملتهم نائب السلطنة، فاستشاط غضباً، فاجتمعوا وأرسلوا إليه فقال: نعقد لكم مجلساً وينادى عليكم لبيت مال المسلمين، ويحصل عتقكم بطريق شرعي.
فرفعوا الأمر إلى السلطان فبعث إليه فلم يرجع - عن قراره -، فجرتْ من السلطان كلمة فيها غلطة حاصلها الإنكار على الشيخ في دخوله في هذا الأمر، وأنه لا يتعلق به، فغضب الشيخ وحمل حوائجه على حمار، وأركب عائلته على حمير أخر، ومشى خلفهم خارجاً من القاهرة قاصداً نحو الشام، فلم يصل إلى نحو نصف بريد - ستة أميال - إلا وقد لحقه غالب المسلمين، لا سيما العلماء والصلحاء والتجار وأنحاؤهم.
فبلغ السلطان الخبر، وقيل له: متى راح ذهب ملكُك! فركب السلطان بنفسه ولحقه واسترضاه وطيب قلبه، فرجع واتقفوا معه أن ينادى على الأمراء (لبيعهم).
فأرسل إليه نائب السلطنة بالملاطفة فلم يفد فيه، فانزعج النائب وقال: كيف ينادي علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الأرض؟ والله لأضربنه بسيفي هذا.
فركب بنفسه في جماعته وجاء إلى بيت الشيخ والسيف مسلول في يده، فطرق الباب، فخرج ولد الشيخ فرأى من نائب السلطنة ما رأى، فعاد إلى أبيه وشرح له الحال، فما اكترث لذلك ولا تغير.
وقال: يا ولدي! أبوك أقل من أن يُقتل في سبيل الله!
ثم خرج كأنه قضاء الله قد نزل على نائب السلطنة، فحين وقع بصره على النائب، يبست يدُ النائب وسقط السيف منها وأرعدت مفاصله فبكى، ويسأل الشيخ أن يدعو له، وقال: يا سيدي خبّر، إيش تعمل؟ قال الشيخ: أنادي عليكم وأبيعكم. قال: ففيم تصرف ثمننا؟ قال: في مصالح المسلمين. قال: من يقبضه؟ قال: أنا. فتمّ له ما أراد، ونادى على الأمراء واحداً واحداً وغالى في ثمنهم، وقبضه وصرفه في وجوه الخير ". طبقات الشافعية الكبرى 8/216.
أخي:
* إن جاه الدعوة يكون في عزتها وعزة رجالها، الذين لا يجرؤ الحاكم أن يغلط معهم، تلك العزة التي صورتها شخصية سلطان العلماء - رحمه الله -، فما أن خرجت الكلمة وجرحت عزته حتى بدت القاهرة كلها وقد تغيرت.
* إن الداعي إلى الله لا يحده وطن، فدين الله هو وطنه، ولا يتشبث بمنصب أو جاه، إلا لخدمة دين الله - تعالى -، فما يفيد المنصب والقضاء والسلطان إن جرحت عزة الدعوة وطهارتها، ولم تمض نظرتها التي رأت.
* إن رصيد الداعي إلى الله هم الناس، لا المناصب ولا الحكام، رصيد الدعوة الحقيقي هم الشعب وجمهوره العريض؛ فما أن خرج العز مغاضبا حتى خرجت القاهرة كلها تلحقه، وخاف السلطان ورجع في قراره، وأي دعوة وداعية بدون جمهور عريض من الناس يحبونه ويعزونه ويقفون معه في الموقف العصيب؟، إن الدعوة التي لا تمتلك رصيدا مع الناس هي دعوة ذات كساد في تجارتها، وذات صيت من غير رصيد حقيقي.
* إن السلطان يريد دائما أن يحصر نشاط الدعوة التجاري في ترتيل وسجود وقيام وبكاء، ويستهجن إن هي قالت قولتها في أمور تتصل به وبسلطانه ومنفذي أوامره، وقد يجد من يشيع له ويبرر قراراته وتوجيهاته، ولكن لن يكون للدعوة عزتها، ولن يكون للداعي سمة " العز " بن عبد السلام!.
* إن حمل السلطان للسلاح في وجه الدعوة والداعي أمر قديم جدا، يسقط سلاحه بهيبة الدعوة والداعي، من غير أن يكون الداعي خفيفا في ردود أفعاله، بل المطمئن الواثق القوي، ولابد أن يأتي الوقت الذي يقول فيه الطاغية: إيش أعمل!
* مهما كانت الدعوة والداعي في عزة عظيمة، فلابد من التواضع والانكسار، فقد قال العز لابنه: " يا ولدي! أبوك أقل من أن يُقتل في سبيل الله! " هذه هي الروح التي يحبها الناس، قبل أن يحبوا المواقف الجليلة، وهذه هي الروح التي تولّد مواقف العزة، ومسكين من يظن في نفسه شيء، فلن يجد شيئا، وإن هو غضب، فلن يجد حتى نفسه التي بين جوانحه تخرج معه! إلا إن رباها وتعب وجاهد أن تكون متواضعة قريبة من حاجات الناس.(14/75)
أخي الداعي الأمين: هذا سوق الدعوة في بعض ملامحه، فخذ لنفسك دكانا فيها، وارفع نداء الدعوة في هذا الخضم، ورتل واسجد واركع وتصدق وكن القريب من مشاممة الناس، ولا تقنع إلا بأمر بمعروف ونهي عن منكر، وروج لتجارتك ولا تخف فإن الله ناصرك، ولو بعد فجر قريب، و أنت الأمين الذي يضع يده في يد الأمناء؛ ليتواصوا بالمرحمة، وليكن نشيدكم؛ ربح البيع أبا يحيى..!! ربح البيع أبا يحيى!!.
http://islameiat.com المصدر:
-===========
الصحوة الجديدة ... انقلاب أم تصحيح ؟!
محمد العبد الكريم
الصحوة الجديدة هي باختصار- مرحلة ما بعد الصحوة.
فما قبل الصحوة الجديدة يمكن تصنيفه بالصحوة القديمة، أو الصحوة التقليدية التي كانت تتجه إلى العناية بالقضايا الصغيرة، وتشغل حيزاً كبيراً من همومها، ويمكن إدراك ذلك من خلال مكدّسات الكتب والنشرات والبيانات والقنوات الفضائيّة التي جاءت لتنقل المسموع أو المقروء إلى المرئي مع بعض الإضافات الشكليّة... فهي تصوغ فكر الحراسة والوصاية والتلقين... في قالب مرئي لا يختلف كثيراً عن واقع الخطب والمحاضرات.
لقد بدأت خطوات الصحوة الجديدة على إثر واقع الصحوة القديم رافضة لأسلوبها وأدائها، وليس الرفض هنا عدم الاعتراف بالمنجزات أو النجاحات الكبيرة التي تحقّقت على يد الجيل القديم؛ ولكن الرفض يتّجه إلى عدم كفاءة آليات الصحوة القديمة في الواقع المتغير.
ومن هنا بدأت نقطة الافتراق تتسع يوماً بعد يوم بين جيل يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولكنه يصر على إدانة الأحداث بالنكهة التلقينيّة الوصائيّة التوجيهيّة... وجيل آخر يتهامس في المجالس والمنتديات بواجب الانقلاب على مفاهيم الحرس القديم.
إنها صحوة جديدة ترى أن الإسلام أوسع وأشمل وأقدر على استيعاب الواقع، واستيعاب عقوده: الاقتصادية، وعلاقاته الدوليّة، والتعدديّة المذهبيّة، ومفهوم الدولة.
من تلك الاختزالات الضيقة التي عزلت مجمل النصوص ودلالاتها عن مفاهيمها الحقيقية. صحوة لم تعد تؤمن بحسمية قول العلماء أو المغالاة في توقيرهم، وترى أنهم يخطئون، ولا مانع من الاعتراض عليهم علناً في كل مجلس بكل أدب واحترام.
إن أهم ملامح الصحوة الجديدة انشغالها بالقضايا الكبرى: قضايا الحقوق، قضايا العدل، قضايا رفع المعاناة والظلم والاستبداد، ليس بالصراخ والانفعال، أو تكوين جبهات معارضة، إنما بالدفع إلى إنشاء المؤسسات والهيئات الرقابيّة والحقوقيّة والتضحية لأجل مشروع الحقوق.
لم تعد تؤمن مفاهيم الصحوة الجديدة إلا بالعمل وشعارها المنصوب: العمل الجيد خير من الكلام الجيد، أما قصر العمل الخيري على الإغاثة والتعليم فهو هدف قديم، ولا يتواءم مع النظريات الجديدة في العمل والتي ترى: أن المجتمع اليوم يحتاج لما لا يقل عن مائة ألف جمعية ومؤسسة أهلية تُصنّف أنها خيرية تعمل في كل شيء، ويعمل فيها كل أحد، وتقدم العون المادي والمعنوي لكل الفئات والطبقات، وعلى رأس هذه الجمعيات تلك التي تولي إرجاع الحقوق إلى أهلها.
وتلك التي تعتني عناية فائقة بالتنظيم الإداري والتقني، وتسعى لتأهيل شبان الصحوة ليكونوا دعاة التنظيم الحديث والتطوير الذاتي والجودة الشاملة.
كما أنها لا ترى قيمة حقيقية لأكثر الوعاظ التقليديين على الساحة اليوم؛ بل هم عبء كبير يحتاجون إلى مؤسسة خيرية ترعى تطويرهم وتأهيل أولوياتهم؛ فلا هم في هموم الناس أبانوا الحقائق، ولا في مواعظهم أتقنوا عملهم.
كما أنه ليس في وسع الصحوة الجديدة الاتجاه للمزايدات وثقافة الردود ونشر الفتاوى، إنما اتجاهها الأعظم إلى مناكفة التحديات المعاصرة من خلال بناء عقول منتجة تقابل كل التحديات بمثلها، وليس من خلال إدانتها ثم السكون إلى مجالس اللغو والغيبة والتصنيف، ومن يدخل في الفرقة الناجية، ومن يؤول إلى جهنم.
كما أن هذه الصحوة الجديدة تستهجن إشغال الناس بطاعة ولي الأمر وتحية العلم وتعليق صور القادة في المدارس والبنوك ومكاتب العقار، وترى أنها من أولويات غيرها، وهي محل اهتمام شخصيات كثيرة ليست تحب الوطن إلا بقدر ما يتدفق المال إلى جيوبها، وهم لا يملكون معايير أخرى لقياس الوطنية وحب الوطن إلا بتلك الشكليات النمطيّة التي تختفي عادة مع أول امتحان حقيقي للوطن!!
أما أعضاء السلك الصحوي الجديد فهم كل من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وليس وراء ذلك شروط أخرى، وهي ترى أن إضافة أي شرط على وصف مسلم اتجاه للتصعيد.
وتستطيع أن تقول: إن أكثرية شبان الصحوة هم ممن كانوا نتاج الصحوة القديمة لكنهم ثاروا على أساتذتهم وشيوخهم؛ فمنهم من اتجه إلى أقصى اليسار، وربما هو الآن خارج دائرة الإسلام، ومنهم من يصطف على بطنه! مع المشروع الليبرالي المتطرّف، ومنهم من يرى أن الصحوة القديمة قد بلغت سن اليأس، وآن لها أن ترتحل أو تتقاعد ليحلّ محلها قراءة أخرى للإسلام غير التي كانت في السابق؛ قراءة تَنْحى إلى فهم الواقع من خلال معطيات الإسلام الكلية، وليس من خلال المقاصد الجزئية، وهي لا تزال تحاول أن تتخذ منحًى وسطياً معتدلاً بين التقليديّة والثوريّة، مظهرة قدراً كبيراً من الاحترام للرموز القديمة، معترفة بكثير من الإنجازات الهائلة لكنها في الوقت نفسه تنأى بنفسها أن تُنسب للجيل القديم، وترى أن الشركات العملاقة حتى تبقى عملاقةً يجب أن تتجه دوماً إلى التجديد والتطوير في جهازها الفني والإداري وطواقمها القيادية، فإن احتاجت إلى الاندماج اندمجت، وإن احتاجت إلى زيادة رأس المال وجب عليها أن تغري المكتتب والمساهم.(14/76)
إن دستور الصحوة الجديد أوسع من أن يستوعبه مقال يحمل ألف كلمة موجزة، ويقصر عن إدراك أبعاد وجوه كثيرة من الأزمة التي تتعايش في ضمائر كثير من الشباب، ولكنها إشارة إلى أن اتجاهاً إلى التجديد في دماء الصحوة بات يرفع صوته في المجالس يوماً بعد يوم، وبات يدرك أن بيانات الإدانة ما هي إلا لوحات صاخبة بالألوان، و لا تحمل معنى في الجمال، وأصبح هذا الجيل يدرك -رغم صغر سنه- أن الذين ينشغلون بالإدانات والبيانات لو انشغل نصفهم بتنظيم أجهزة الرقابة في الدولة والمطالبة بتنفيذ العقوبات الصارمة المرسومة بالأنظمة دون محاباة أحد لأحسنوا للمستقبل وللمرأة!!
15/6/1426
21/07/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
=============
تعالوا إلى - نهضة دعوية كبرى -
حمد عبد الرحمن الكوس
كثيراً ما سمعنا عن فساد هذا الزمان وتبدل أحواله ولكن من العيب أن ننسب الفساد إلى الزمن فقط حتى لا يصدق فينا قول الشاعر:
ونهجو ذا الزمان بكل قبح *** ولو نطق الزمان بنا هجانا
والأمة فيها خير كثير ونفوس عطشى بانتظار ساقيها، وبراعم طرية بانتظار أكف معتنية بها، وهذه الكلمات مني دعوة لكل من له نفس زكية تواقة ترى الخيرية في هذه الأمة باقية إلى يوم القيامة كما صح عنه - عليه الصلاة والسلام - قوله: -أمتي كالغيث لا يدرى أوله من آخره-..وخيريتنا باقية بقدر تحقيقنا لشروطها في هذه الآية وهي قوله - سبحانه -: -كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله-.
وعوداً على بدء فأقول لابد من نهضة دعوية كبرى نوجز قطبيها في أمرين:
الأول: القوة العملية.الثاني: القوة العلمية.
فأما القوة العلمية فمعروفة، وتكون بتحقيق العلم الشرعي السلفي الصافي من بحور الكتاب والسنة العذبة لا من كدرات أهل البدع والضلالة كما قال ابن القيم:
والجهل داء قاتل وشفاؤه *** نصان في التحريم متفقان
نص من القرآن أو من سنة *** وطبيب ذاك العالم الرباني.
وأما القوة الثانية:
فهي القوة العملية وهي قوة الأخذ بالكتاب والسنة والعمل بهما وقوة الدعوة إليهما كما قال - تعالى -: ( والذين يمسكون بالكتاب) أي يبالغون في التمسك به، فلابد أن تكون نهضة شاملة علمية واسعة النطاق عبر مؤسسات عاملة واسعة لها خططها، وأهدافها المستقبلية، وهذا لا يقلل من جهود الدعوة الفردية، ولكن الوسائل المتطورة تصل إلى مدى لا يستطاع الوصول إليه عبر الدعوة الفردية.
فالمؤسسات الدعوية الضخمة تضمن الوصول إلى الأهداف البعيدة وتغزو البيوت والعقول بسرعة وقوة، وتقطع حجة كل باحث عن الحق، ولعلي أرتب هذه الوسائل حسب قوة نشرها كالآتي:
1 - شاشات الرائي:
عن طريق القنوات التلفازية والفضائية الإسلامية التي تبث إلى أقطار العالم الخارجي.
2-في جانب الشبكة العنكبوتية:
إيجاد المزيد من الشبكات والمواقع المتخصصة النافعة لطلبة العلم وعوام الخلق ولغير المسلمين، وفي مقال سابق ذكرت قصة أحد الداخلين في الإسلام، وحزنه الشديد على قلة المواقع التي تتحدث عن الإسلام بلغته، وأعجبني في الوقت نفسه أحد الشباب المصري المسلم الذي افتتح موقعاً لدعوة اليهود بلغتهم العبرية فكانت النتيجة دخول أكثر من مئتي يهودي إلى الإسلام!!
فبالله كم هو عمل عظيم وثقيل في الميزان بإذن الله؟
3- في جانب الصحافة:
النهضة العامة بالصحافة الدينية من خلال إصدار المجلات العلمية والثقافية والصحف الرسمية التي فيها أخبار أهل الإسلام قبل أخبار الكفار، وكانت -جريدة المسلمون- في السابق تغطي جانباً كبيراً من الصحافة الإسلامية، ولا أدري ما سبب انقطاعها عن الوجود؟!
وكثيراً ما يحتج بعضهم بصعوبة إصدار التراخيص لها، وأعجبني أحد رؤساء التحرير حيث ذهب إلى إحدى الدول الأجنبية وطلب إصدار ترخيص فطلبوا إليه مكاناً مناسباً ومبلغاً فاشترى شقة فترة معينة وأصدر الترخيص وباع الشقة وأخذ الترخيص إلى بلده ونشر المجلة بترخيص خارجي، وكم يؤسفني أن أسمع بوجود أكثر من مئة وخمسين مجلة مطبوعة مرخصة من مجلات التعري والفنون مع قلة المجلات الإسلامية؛ فلذا أطالب الإخوة أن يدعموا المجلات الإسلامية في كل مكان ومنها مجلتنا هذه -مجلة الفرقان- السلفية ابنة السبعة عشر ربيعاً عن طريق التواصل والاشتراكات وإيصالها للناس.
4- في جانب الكتب والرسائل: لابد من إيجاد دور نشر وطبع متطورة ومعدة إعداداً كاملاً وبتكاليف معقولة، ولا يستعجل أصحابها الأرزاق بقدر استعجالهم نشر الخير في أنحاء المعمورة.
5- في جانب الدروس والمحاضرات والخطب: لابد من تفريغ طلبة العلم من هموم الأعمال الكثيرة والإدارية إن وجد من يسد مسدهم، وبرزت في الآونة الأخيرة الدورات العلمية المركزة، ولا شك أنها وفرت كثيراً من الجهد والوقت، والتقى فيها العلماء بطلبة العلم وتبادل الزيارات في الداخل والخارج لا شك أنها خطوة مباركة.
6- من خلال الأشرطة: عبر الكاسيت والفيديو والأقراص المدمجة بأسعار مناسبة، ويكون هذا عبر ما يسمى بالاستديوهات ذات التقنيات العالية، والأشرطة من معجزات القرن الحالي وكان لها السبب بعد الله في عودة الناس إلى دين الله أفواجاً.
وكل هذا لا يتم إلا بنفس متفائلة وجهود متعاونة وبالإخلاص والعمل الدؤوب وإيجاد التكاليف المناسبة عن طريق الأوقاف المخصصة لها، ولا بأس من وجود الاستثمار المباح ولكن بقدر معين بحيث لا يطغى حب المال على حب نشر الخير، ولابد من إيجاد قنوات مع تجار المسلمين ولا شك أن فيهم خيراً كثيراً.
http://www.al-forqan.net المصدر:
============
إحسان الصلاة نقطة البداية لإصلاح النفس والعمل(14/77)
" انهض بصلاتك ".. تنهض بنفسك.. فتنهض أمتك
أسماء حسن سعيد
كلنا يعلم ما للصلاة من منزلة في ديننا الحنيف فهي عماده؛ وأول ما أوجبه الله - تعالى -من العبادات وأول ما يحاسب عليه العبد؛ وهي آخر ما يُفقد من الدين طبقاً لما أخبر به الرسول - عليه الصلاة والسلام - عند مفارقته الدنيا بقوله:(لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة)؛ وذكرت الصلاة في آي القرآن الكريم في مواضع عدة مقرونة بالذكر والصبر والنسك والبر؛ كما أُمرْنا بالمحافظة عليها في جميع أحوالنا، وأعدّ الحق - سبحانه وتعالى - لمن ضيعها بالتفريط أو التهاون ما أعد من العقاب.
والسؤال: هل نحن نضع الصلاة في منزلتها ومكانتها الحقيقية من أنفسنا وفي حياتنا؟ وِلم لا ننهض بصلاتنا ونسعى للتقدم لإتقان أدائها؟ لم لا نضع خطة لتحسين صلاتنا ونجعل ذلك نقطة البداية لبرنامج إصلاحي لأنفسنا وأعمالنا؟
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله).
إليكم هذه الخطوات كبداية للانطلاق في مشروعنا " انهض بصلاتك ":
في كل خطوة لديك نقطة البداية، أما المراحل التالية حتى القمة فيمكنك أن تحددها بنفسك وحسب همتك.
احرص على أداء جميع الصلوات في وقتها.
وتذكر دائماً (أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها) واعلم أنك تزداد إيماناً بحفاظك على أوقات الصلاة لأن {الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}.
تخيل لو أن ذا منصب دعاك لتلقاه فهل ستتأخر عن تلبية الدعوة لأي سبب كان؟
وتخيل لو أنك دعيت منه مرة وتأخرت فوجه إليك دعوة ثانية فهل ستتأخر عن تلبية الدعوة الثانية مهما تكن الأسباب؟ وكيف هو حالك وقد لبيت من المرة الثانية؟ (ولله المثل الأعلى) فما بالك بملك الملوك وخالق الأرض والسماوات وذي الملكوت يدعوك لملاقاته - جل وعلا - في الأذان للصلاة، فلا تتحرك فيوجه إليك دعوة أخرى، وهذا من كرمه ورحمته بنا، في الإقامة للصلاة لتلقاه في بيته - سبحانه وتعالى -. أفلا تتحرك إذن بعد الدعوة الثانية؟!
نقطة البداية: الحد الأعلى للتأخر عن القيام لأداء الصلاة هو الوقت ما بين الأذان والإقامة.
ضع في حسبانك: إن ما في يدك ليس أهم من تلبية النداء.. فـ " الله أكبر " فمن مكّنك من العمل فيما بين يديك قادر على أن يفشله، وفي نفس الوقت قادر على أن يكلله بالفلاح فحيّ على الصلاة ولا تظنن أنها ستؤخرك بل تأخيرك لها هو الذي سيحرمك الفلاح والتوفيق والنجاح.
احرص على الوضوء طوال يومك
كن دوماً على طهارة ونقطة البداية في هذا الأمر قاعدتان: "لا تخرج من دورة المياه إلا وأنت على وضوء "، " لا تخرج من بيتك إلا على وضوء ". وبعدها تقدم لنقطة أعلى وهي " لا تنم إلا على وضوء ". وهكذا تقدم من نقطة لأخرى حتى تصل إلى القمة " دائما على طهارة ".
راجع ما تحفظ من القرآن أو احفظ جديداً من خلال الصلاة
كثير منا لضيق الوقت يصلي وحتى لا تستغرق صلاته الكثير من الدقائق يقرأ بقصار السور (لا تزيد على 4 آيات) ومن كثرة تكرارنا لتلك السور صرنا نقرأها بألسنتنا فقط دون قلوبنا ففقدنا جزءاً كبيراً من الخشوع الذي يأتي مع تدبر المعنى. نقطة البداية هنا:
لن نزيد عن 4 آيات في الركعة لكننا سنقرؤها من سور جديدة وستكون قراءتنا متتابعة على مدار اليوم.
إليك مثالاً لتتضح لك كيفية البداية: اليوم سأراجع نصف سورة النبأ (20 آية) صباحاً قبل صلاة الصبح (أو بالليل بعد صلاة العشاء)، وأحرص على المراجعة من القرآن ذي الهامش المفسِّر.
سأصلي الصبح بالآيات (41) والظهر بالآيات (85) والعصر بالآيات (129) وأما المغرب فبالآيات (1613) والعشاء بالآيات (2017)، ثم أراجع النصف الثاني من النبأ (بعد العشاء أو قبل الصبح) لأصلي بها فروض الغد، وهكذا.
بعد أن تتعود على ذلك (تطبقه أسبوعين على الأقل)، انتقل إلى المرحلة الجديدة ولتكن مثلاً زيادة عدد الآيات في الركعة من اثنتين إلى خمس أو ست. أو اجعل المرحلة الجديدة التعود على صلاة إحدى السنن المؤكدة ولتكن سنة الصبح مثلاً.
بعض الأمور التي تعينك على التفوق في هذا المشروع:
إياك وتقليد الآخرين أو التأثر السلبي بأفعالهم {كل نفس بما كسبت رهينة} [المدثر: 38].
إياك واستكثار ما تفعله من خير، فأنت لا تعلم أيها كان له القبول وأيها يكون السبب في النجاة، وتذكر أن سلعة الله غالية.
إذا عزمت على أمر فبادر فوراً بالشروع في تنفيذه، ولا يخدعنك طول الأمل.
لا تظن أنك غير قادر على النجاح، ولا تستكثر ذلك على نفسك وكن صاحب همة عالية تصغر في عينك العظائم.. ولاتكن كصاحب الهمة التي تستعظم الصغائر.
احرص على تعويد نفسك على الخير.
تذكر أنه يمكنك اكتساب كل شيء فإنما الحلم بالتحلم والصبر بالتصبر.
قسّم كل أمر تود أداءه بنجاح إلى أجزاء صغيرة، ثم عوّد نفسك على جزء حتى تتقنه، ثم ابدأ في التعود على الجزء الذي يليه، ومع مرور الوقت ستصبح معتاداً على أداء كل الأمر بإتقان..
فقليلٌ دائمٌ خَيْرٌ مِن كثير مُنْقطِع.
لا تقبل بما دون النجوم، أي لا تقف عند مرحلة وحاول أن تسعى دائماً للرقي بنفسك.
تعوّد على هذه المراحل وستكون الرابح: ابدأ... تعود... تقدم إلى القمة (درجة الإتقان)... حافظ على مكانك في القمة ولا تجعل تقصيرك بعض المرات (وهو وارد ولذا شرعت التوبة) يُفتر من عزيمتك، بل اجعله دافعاً لك لتتقدم أسرع وأقوى. وسارع بالبدء بهذا المشروع ولا تجعل مشاغل الحياة تؤخرك، واعلم أنك اليوم أقل مشاغل من الغد.(14/78)
بداية كل أمر جديد دوما صعبة، لكن العبرة في هدفك (نيتك) من وراء خوض غمار هذا الأمر الجديد..فاجعل نيتك خالصة لوجه الله وسيعينك - سبحانه وتعالى - بلا شك.
http://www.islameiat.com المصدر:
=============
رسالة إلى من تعين بعيدا عن أهله
أخي الكريم:
الذي توظف بعيدا عن أهله سواء كنت أعزبا أم متزوج إليك هذه النصائح من مجرب (غربلته الدنيا):
- احمد الله على أن أعطاك هذه الوظيفة فقد حرم غيرك. مع أن الرزق ليس في الوظيفة فقط.
- لا بد أن تكون راضياً بالقضاء والقدر وأن هذا مكتوب في الكتاب قبل أن تخلق السموات والأرض ب50000 سنة.
- البعد عن الأهل سيعلمك أموراً لم تكن تعرفها كالإعتماد على النفس ومواجهة الحياة بوجهك وليس بوجه أمك أو أبيك.
- كن متوقعاً أي أمر يحصل لك من خير أو شر لأن بعضنا قد تكون معرفته بأمور الحياة قليلة.
- احذر من أهل الشر فقد يستغلونك في أمور سيئة كالمخدرات أو......
- لا تتهاون بالناس وضعف حالتهم المادية وتحسب أنك أفضل منهم في كل شئ فكم من واحد لا تعرفه ستكشف لك الدنيا أنه أكثر منك ديناً أو خلقاً أو مالاً أو شراً أو.....
- احذر من الشيطان ونزغاته فقد يسول لك الشيطان الوقوع في الحرام لأن الديرة صغيرة ونفوسهم سيئة و... فتقع وعندها تتندم بعد الفضيحة.
- احذر من التحزبات التي هي من الشيطان وأنك أفضل من غيرك لأنك قبلي أو حضري أو بدوي، فاحذر ثم احذر ثم احذر.
- قبل أن تذهب إلى (ديرتك الجديدة) إسأل عنها وعن موقعها وطريقها هل هو معبد أو ترابي وهل يوجد بها خدمات عامة (مستوصف، اتصالات، كهرباء، بقالات، محطة بنزين، ورشة ... )
- اسأل عن أهلها من حيث القبيلة والأخلاق والعادات كالكرم والشهامة ومحبة الدين وأهله، خلو المنطقة من المخدرات والعادات السيئة، لأنك قد تستفيد منها مستقبلاً.
- إذا كنت قريباً من المنطقة لا يمنع أن تقوم بجولة (كشتة) استطلاعية والسؤال عن البيوت الجيدة ومدى صلاحيتها للسكن ويستحسن أن يكون البيت قريب من المسجد والسوق التجاري كالبقالة ومغسلة الملابس وأن يكون واسعاً ونظيفاً وجيد من ناحية الكهرباء والماء والمجاري وأهم شيء أنه " ما يخر من المطر " هذا إذا كانوا مجموعة شباب "
أما إذا كنت لوحدك فاذهب إلى أحد (العزب) الذين تحس بأنك سترتاح معهم نفسياً وقد يكونون معك في المدرسة أو تقابلهم في المسجد، مع أن هذا لا يمنع من النوم في المسجد أو المدرسة " بعد إذن المدير طبعاً " إلى أن تجد عزبة تناسبك.
- قد يكون أحد قد سبقك إلى تلك المنطقة فسأله عنها وعن أفضل العزب و.... وقد يكون عن طريق أناس آخرين فاسع ولا تكسل.
- لا تحسب أخي أن الأمور ستكون جيدة دائماً فقد يكون مدير المدرسة متلاعباً ولكن اعرف النظام جيدا بسؤال من يعرف، ثم اعرف ما لك وما عليك واهتم بدروسك وطلابك وراقب الله فيهم.
- لا يغرنك كثير من كلام من سبقك في مواجهة النظام بالقوة والعنف بل كن هيناً ليناً واحذر من أن يؤكل حقك.
- الطلاب بين يديك كالعجين إن أردت إصلاحهم أو إفسادهم فهم بين يديك ولكن الله حسيبك.
- سترتاح في المدرسة إذا عاملت المدير والمدرسين بروح أخوية ويستحسن وضع اجتماع خارج المدرسة " كشته أو دورية "
- أهم شيء في العزبة الجلساء الصالحين وأما الجليس السيء سيضرك، فسترتاح في العزبة إذا كان زملائك من المحافظين على الصلاة ومن أهل الخير ومتمسكين بالأخلاق الفاضلة ولو لم يحبوا ما تهواه نفسك من الهوايات كالصيد والرحلات لأنك ستجد من يشاركك هواياتك في عزبة أخرى.
- غالباً البيئة التي تكون بعيدة عن المدن فقيرة بالدعوة إلي الله فلا تحرم نفسك الأجر بافتتاح حلقة للقرآن أو إكمال مشوار غيرك أو المشاركة في الدعوة العامة كتوزيع الأشرطة والمطويات و....، أو الخطب أو المشاركة في مشاريع الأيتام والأرامل و.... ودروب الخير كثيرة لمن يبحث عنها.
- لا تخل بلدة من أهل خير وأهل أخلاق يتعاملون معك فأحسن العلاقة مع الناس عامة وهؤلاء خاصة ولو بالتنازل عن بعض حقك " وليس دينك " فدارهم مادمت في دارهم.
- كن ملماً بمعرفة المناطق التي تعيش فيها حتى تفيد غيرك عنها كالكشتات والمعالم المميزة و.....
- لكي تبدأ بأي عمل خيري لا بد من كسب الناس أولاً وهذا في الأعمال الدعوية العامة وخاصة ماله ارتباط بأولادهم كالحلقة.
- اجعل بداية معرفتك بالدعوة عن طريق إمام المسجد أو الذهاب الى مكتب الدعوة أو الجاليات أو قاضي تلك البلدة أو غيرها...
- قد تكون أنت في بداية مشوار الدعوة فكن راضياً بما يصدر منهم من أخطاء حتى لوكانت في الدين وبعد فترة تبدأ بتصحيحها.
- (أهل مكة أدرى بشعابها) فلو كنت من كنت في العلم والأدب والخلق والقيادة والإدارة والفكر و....... فلا بد أنك ستستعين بأهل البلدة.
- احذر من الدخول في المشاكل التي تكون بين البادية فهي لا تنتهي وأنت قد لا تملك سلطة كالقاضي لكي تحلها فابتعد عنها واتركها.
- ملاحظات مهمة لأمير العزبة:
- لا تقبل كل من جاءك ولكن اقبله مؤقتا بأن تقول له (حياك الله إلى أن تجد سكناً آخر) فإن أعجبك فقل له أن يستقر معكم في العزبة بعد مشاورة الباقين، وإن لم يعجبكم فليرحل.
- قاعدة مهمة في السكن هي (دقق الحساب تزين العِشْرِة) يعني أن يدفع كل واحد ما عليه من المال دون أن ينقص أي شيء (الميزانية).
- نموذج مقترح للخدمة في العزبة: يوضع إشراف يومي وأسبوعي حيث يدور الإشراف اليومي على جميع أفراد العزبة في كل يوم ويشمل الطبخ والتنظيف وغيره.(14/79)
والإشراف الأسبوعي يكون على كل واحد الإشراف أسبوعاً كاملاً ويشمل شراء الأغراض التي تحتاجها العزبة من الخارج.
وبعدها ضع ما تشاء من القوانين حسب ما تراه كالتأخر عن الصلاة وترك السكن مفتوح.
- توضع ميزانية للعزبة بحيث يدفع كل فرد مبلغ معين ولا بد من وجود العقاب كمن يترك الطبخ فيشتري الأكل من حسابه الخاص.
- وما هذه الأشياء إلا خطرات ومن كان له معرفة فليزدنا جزاه الله خيراً.
http://www.saaid.net المصدر:
============
كيف أنشر الخير بين الطلاب ؟
السؤال:
كيف أستطيع نشر الخير بين الطلاب؟ علما بأني من أحب المدرسين وأقربهم للطلاب. ولكم جزيل الشكر.
الإجابة:
أخي الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الحبيب هذه نعمة من نعم الله عليك، وتحتاج إلى شكر بالفعل والقول في أن حباك حب الطلاب لك.
والموضوع يطول، ولكن إليك بعض التوجيهات المختصرة:
1- اربطهم بالله - سبحانه - في مراقبته والإخلاص له، وعبادته بجميع أنواعها من صوم وصلاة وصدقة وعمل خير وبر وغيرها من أنواع العبادة، وقراءة القرآن، واستغل مناسبات العبادة كرمضان، أو الاستسقاء، أو الخسوف أو الأعياد، وليكن لك دور في استغلالها.
2- حببهم للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وذلك من خلال ذكر سيرته ومواقفه ودعوته وجهاده وأخباره.
3- اربط المنهج بالواقع، وتكلم معهم عن الواقع وكيفية تغييره على حسب أعمارهم.
4- أكثر من القصص الحقيقية الواقعية التي تناسبهم أو قصص السيرة والسلف، وابتعد عن المكذوب والمبالغ فيه.
5- شارك الطلاب همومهم وأحزانهم وأفراحهم، واستغل المواسم والمناسبات وتفقدهم.
6- سيكون من طلابك نوابغ فأيقظ فراستك، واهتم بهم وضع لهم برامج تناسبهم وتكون متدرجة واقعية.
7- انقل الصورة الحقيقية لأهل الخير والاستقامة، وذلك بالأخلاق الحسنة كما كان الرسول يعمل مع أصحابه من ابتسامة، وكرم وحسن معاملة، وطيب تعامل، وطلاقة وجه، والإقبال على المتكلم وعدم إسكاته بل الإنصات والاستماع، واختيار أفضل العبارات، ومناداتهم بأحب الأسماء ويفضل أن تكنيهم وتناديهم بها.
8- ضع هدايا ولتكن لها مناسبة كحفظ سورة أو حديث أو ذكر، ولا تميز أحداً دون أحد من غير سبب.
9- وزع الأشرطة والكتب والمطويات والقصص، وليكن لها مناسبة أو تعطي نبذة عنها فهي أدعى للاحتفاظ بها وقراءتها والاستماع لها.
10- شجع الطلاب على الالتحاق بحلق القرآن في المساجد، وجميل أن تربط العلاقة بينك وبين مشرفي الحلقة، وكذلك دعوتهم للتسجيل في المراكز في الإجازات ففي ذلك نفع لهم وخير كبير.
11- أقم في المدرسة نشاطاً، وخاصة قبل الدرس الأول وفي الفسح، ويكون في ذلك تسميع للقرآن أو الأحاديث أو الأذكار أو مسابقات أو قصص ونحوها.
12- أشعل بينهم روح التنافس واحذر من التباغض أو العداء، واجعلهم يعملون كفريق ولا تعودهم على أن يكون النجاح فردياً بل جماعياً.
13- داوم على العمل واحذر من الانقطاع أو اليأس، وجميل أن تشرك معك غيرك في العمل من المعلمين والطلاب.
14- قدم برامج مفيدة يستفيد منها المعلمون والطلاب كاستضافة طلاب العلم والتائبين والمربين والأطباء ونحوهم.
15- احرص على "المبادرة" في تقديم أي مشروع ولا تنتظر التوجيه.
16- ابتعد عما يشكل واحذر من المصادمة خاصة مع الإدارة أو المعلمين وعليك بالحكمة.
17- لا يكن همك كيف يحبونك، بل كيف توجه هذا الحب لله وفي الله وتنقلهم إلى الحب الحقيقي.
18- بعد مدة سيتخرج الطلاب من مدرستك، فإلى أي مدرسة سيذهبون ومن يتابعهم هناك؟ فلا بد من ربط علاقة بينك وبين مدرسي المدارس المجاورة لمدرستكم حتى تستمر المتابعة ويستمر العطاء.
19- اسع دائماً إلى الإبداع والتجديد، وللأسف فقد أصبح الجمود والخمول سمة في المدارس والمدرسين.
20- ضع مسابقات أسرية، وبرنامج "استبدال أشرطة الأغاني" وكن متابعاً له بدقة حتى لا يتم إدخال الأغاني للمدرسة، بل ضع شروطاً وضوابط، وضع صندوقاً للمشاكل والحلول، واستغل الإذاعة في تقديم المفيد والجيد، وأتمنى أن تجهز "حقيبة الانتظار" ليستفيد منها جميع المعلمين لشغل حصص الانتظار، ويفضل أن تكون عدة حقائب، وتكون متنوعة ومختلفة المضمون من كتيبات ومجلات وقصص ومسابقات.
نسأل الله أن يجعل عملك خالصاً لوجهه الكريم
ونسأله أن يجعلك مباركاً أينما كنت، وللمتقين إماماً.
http://www.saaid.net المصدر:
=============
كيف نهنأ باستخدام الجوال ؟؟
أحمد بن محمد جعفري
الهاتف الجوال من النعم التي أنعم الله بها علينا ’والأصل فيه أن يكون وسيلة من وسائل إسعادنا وراحتنا ’ ومع ذلك فمن يتأمل في أحوال الناس يجد أن الجوال أصبح وللأسف عند كثير منهم من أسباب الشقاء والعنت، فقد أصبحت فواتيره عبئا ثقيلا على الراتب، وطلقت بسببه كثير من النساء، وسبب القطيعة بين كثير من الأصحاب، وصار ضمن أسباب حوادث السيارات ’ بل وأصبح عند بعض الناس من أبواب جلب السيئات واكتساب الآثام ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، فأين الخلل؟ وممن العيب؟ هل هو من الجوال أم من الناس؟ لاشك أن العيب والمشكلة هي في تلك الفئة التي لم تتق الله تعالى في طريقة استخدام الجوال فانتقل من كونه نعمة إلى كونه نقمة، ومن كونه سببا للسعادة إلى سبب لشقاء والعنت ’ وهكذا عندما تغيب تقوى الله عن أي أمر من أمور ديننا أو دنيانا فإن البركة والخير يغيبان ويحل محلهما الشر والتعب ’ ولذلك فهذه بعض من الآداب التي لو طبقناها حال تعاملنا مع الجوال فإنه سيكون وسيلة للسعادة والخير بإذن الله تعالى:(14/80)
أولا: تذكر أخي الكريم أن الجوال وسيلة لاغاية ’ فمادام الجهاز الذي بين يديك يؤدي مهمته الأساسية وهي الإرسال والاستقبال في أفضل صورة فليس هناك من داع لتغيره والانشغال بمتابعة أحدث الموديلات لأن هذا أمر لاينتهي بسهولة، والمال الذي بين يديك مال الله تعالى وسيسألك عنه يوم القيامة من أي اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟ وتغيير الجوال دون حاجة معتبرة أمر غير مقبول شرعا وعقلا.
ثانيا: تكلم على قدر الحاجة و احذر الإسراف في المكالمات ’ ففي ذلك ضرر عليك من ناحتيتن: الأولى ضخامة الفواتير ’ والثانية صحتك، حيث تذكر كثير من الدراسات أن للجوال ضررا على الأذن والمخ والقلب، ثم إن الإسراف مذموم في كل وقت وحين وربنا سبحانه يقول: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)(لأعراف: من الآية31)
ثالثا: لاتروع أحدا: فلا يجوز ن ترسل لأحد رسالة فيها ترويع أو تخويف بأي طريقة كانت سواء بخبر كاذب أو غيره ’ لأنك بذلك ترتكب معصية سيسألك الله عنها يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم: (لايحل لمسلم أن يروع مسلما)
رابعا: كن مغلاقا للشر بمعنى إذا وصلتك رسالة أو رسائل فيها إشاعات أو كلام كاذب أو فاحش أو منكر أو صور عارية ونحو ذلك مما لايرضي الله تعالى فعليك مسحه من جهازك مباشرة وعدم إرساله لغيرك وإلا اشتركت في الإثم لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(المائدة: من الآية2)
خامسا: لاتنشر البدع والخرافات فإذا وصلتك رسالة أو رسائل فيها أحاديث أو أدعية أو أي أمر ديني لتنشره فلا تفعل ذلك إلا بعد التأكد من موافقة مضمون الرسالة للشرع المطهر، فقد يكون حديثا غير صحيح، أو أمرا بدعيا كالدعاء الجماعي أو قراءة سورة معين لرد الأعداء ونحو ذلك، مما يخالف الشرع.
سادسا: احذر التصوير: ففيه وعيد شديد جاءت به أحاديث كثير صحيحة كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون) ويشتد الأمر عندما تكون الصور لنساء، ولا أدري حقيقة ما المصلحة من تصوير الزوجة والبنات في الجوال؟ ألا يخشى صاحب الجوال من ضياعه أو وقوعه بيد رجال أجانب يتمتعون بالنظر إلى محارمه؟ أين الغيرة على الأعراض؟
سابعا: احذر أن تمزح مع زوجتك بإرسال رسالة فيها عبارة " أنت طالق " لأن الطلاق يقع عند كثير من العلماء في هذه الحالة فلا تهدم بيتك بتصرفات صبيانية.
ثامنا: إذا وجدت رسالة فيها حب أو غرام في جوال زوجتك فلا تبادر إلى اتهامها أو طلاقها بل عليك أن تتثبت فربما أرسلت الرسالة من امرأة فاسدة أو من شخص يعرفكم ليفسد علاقتكم. (ذكر ملحق الرسالة التابع لجريدة " المدينة " المنشور يوم الجمعة 27/6/1425 أن محكمة الرياض ذكرت أن نسبة الطلاق زادت بنسبة 10% بسبب رسائل الحب والغرام التي يجدها بعض الرجال في جوال زوجاتهم)
تاسعا: إياك والنغمات الموسيقية: فاختيارك للنغمات الموسيقية معناه أنه يسجل عليك يوميا عدد من السيئات بقدر عدد الاتصالات إلى جهازك، لأن الموسيقى محرمة بقوله صلى الله عليه وسم: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ... ) رواه البخاري، وأجمع أئمة المذاهب الأربعة على تحريمها. انظر: منهاج السنة: 3/439
تاسعا: لا تتحدث في الجوال وأنت تقود السيارة، لأن الدراسات المرورية ذكرت أن 40% من الحوادث سببها التحدث بالجوال أثناء القيادة لأنه يصعب على السائق أن يجمع بين تركيزه في مكالمته وتركيزه في القيادة.
عاشرا: راقب جوالات أولادك حتى لا يستخدموها استخداما يضرهم أو يضر غيرهم في أمور الدين أو الدنيا.
حمانا الله وإياكم من كل سوء
http://saaid.net المصدر:
==============
البلوتوث الدعوي
** أيها الأحبة......... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
** إبتلانا الله بعقول تنفرد باستخدام الجوانب السيئة للأجهزة والتقنيات الحديثة من اتصالات وإلكترونيات وفضائيات وغيرها، فأصبحنا منها نعاني من الهدر المستمر لأموالنا وأخلاقنا وضياع لمبادئ ديننا وواجباتنا تجاه أنفسنا وأبنائنا وبناتنا وللأسف الشديد..
** ونظام (البلوتوث) في أجهزة الجوال الحديثة (بالكاميرا) نظام يخدم أهدافا تقنية وعلمية ومعرفية لمستخدميه بإرساله المباشر للرسائل الصوتية والمقاطع المرئية وبمدة زمنية تختلف باختلاف مدة المحتوى وخصائص الجهاز، لكننا وبعقولنا (المنفردة) فقد أصبحت هذه التقنية وسيلة لكثير من أبنائنا وبناتنا بل و(ذكورنا) لنقل الصور الخليعة والمقاطع غير الأخلاقية، ووسيلة للضحك على الآخرين واستغفالهم واستدراجهم لكل منقصة أو عيب أو منقصة أو سخرية وخاصة في التصوير المرئي والتسجيل الصوتي، وباتت الأجهزة لا تخلو من كل فضيحة أو صورة أو قلة أدب وحياء لكثير ممّن حولنا وفي مجتمعنا وخاصة (الشباب) المرهق هداهم الله..
** وقد قام الكثير من الأخوة الصالحين والمجتهدين من الشباب الصالح بعمل تسجيلات صوتية ومرئية خاصة بالبلوتوث عبر شرائح تحوي كل شيء نافع وطيّب وأطلقوا عليها (البولوتوث الدعويّ) وقاموا بنشرها مجاناً كبديل للصور والتسجيلات ومقاطع الفيديو وذلك بين الشباب والفتيات من أجل حفظهم من الإستخدام السلبي والسيئ لهذه التقنية.(14/81)
** ويحتوي هذا البلوتوث الدعويّ على كثير من الملفات النافعة مثل تلاوة القرآن والأناشيد والرقائق والصور المباحة ومقاطع الفيديو التي تحض الهمّم وتسمو بالنفس نحو المعالي والقيم الإسلامية الرائعة والبريئة والهادفة، وهي ملفات أو تسجيلات تنقل عبر البلوتوث كبديل جميل نحثكم عليه ونحث أنفسنا بالاحتساب في ذكره ونشره والنصيحة إليه، وخاصة بين الشباب والفتيات في المدارس والأندية والمراكز الصيفية والتجمعات الاجتماعية والأخوية وغيرها، وليس لنا ولكم إلا الأجر والثواب.
** نسأل الله أن يثيب ويوفق كل الشباب الصالحين الذين يحملون هموم إخوانهم من الشباب والفتيات الذين يستخدمون هذه التقنيات في معصية الله والذين يجتهدون في إيجاد البدائل لكل منكر والاحتساب عند الله في كل هذه الجهود الدعوية الرائعة، ونسأل الله أن يهدي شبابنا وبناتنا لطريق الخير والصلاح ليكونوا أدوات بناء وحماية لديننا وبلادنا وأخلاقنا. آمين.
21/4/1426هـ
http://www.saaid.net المصدر:
============
الهاتف الإسلامي .. كبسولات دينية للمحرجين
حوار: صباح هاشم
شريف عبد المجيد
شريف عبد المجيد هو الجندي المجهول في مشروع الهاتف الإسلامي؛ فهو صاحب الفكرة، وأول من حلم بتنفيذها، قبل أن يتعاون مع الشيخ خالد الجندي لإخراجها إلى أرض الواقع وحيز التنفيذ، ليستفيد منها الملايين من المسلمين.
التقت "إسلام أون لاين.نت" مع الأستاذ شريف عبد المجيد، وكان لنا معه هذا الحوار:
* الأستاذ شريف، نود التعرف عليكم عن قرب، فهل تعرفوننا بشخصكم؟
اسمي شريف عصمت عبد المجيد، نجل الدكتور عصمت عبد المجيد الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمري الآن أربعون عاما، خريج إدارة أعمال من الجامعة الأمريكية.
* ما الهدف الذي كان في ذهنك عندما نشأت داخلك فكرة الهاتف الإسلامي؟
كان هدفي هو أن نقدم الإسلام للناس سهلا ميسرا، ونحاول ما استطعنا أن نمحو الأمية الدينية لدى المسلمين بهذا المشروع.
* متى وكيف بدأت الفكرة؟
بدأت الفكرة منذ 5 سنوات، عندما وجدت الناس تتلهف على الاتصال بالهاتف لسماع آخر نكتة وأحدث أكلة، فقلت في نفسي: ولماذا لا يكون للإسلام وجود على الهاتف، فهناك كثير من المسلمين يتحرجون من الوقوف أمام علماء لجنة الفتوى بالأزهر أو أمام شيوخ دار الإفتاء لعرض أسئلتهم، وخاصة إذا كانت تتعلق بشيء شخصي، أو بمعصية ارتكبوها ويودون التوبة منها، عندها جاءتني فكرة مشروع "الهاتف الإسلامي".
* وهل تم عرض الفكرة على الأزهر قبل تنفيذها؟
نعم، أول ما جاءتني الفكرة اتصلت بصديقي وشريكي الشيخ خالد الجندي، وعرضت عليه فكرة المشروع فأعجب بها، فتوجهنا سويا إلى فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، فعرضنا عليه الفكرة، فأقرها وباركها، ووافق على البدء بتنفيذها فورا. ثم اتجهنا أيضا إلى فضيلة الأستاذ الدكتور عبد المعطي بيومي عميد كلية أصول الدين السابق وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية، فزكى الفكرة ووافق عليها وانضم معنا لفريق العلماء.
* ولكن لماذا إذن اعترض عليها في البداية فضيلة الدكتور نصر فريد واصل، حين كان مفتيا للجمهورية وقتها؟
للأسف، فإن الدكتور واصل أخذ الموضوع بعشوائية ولم يتروَّ ولم يسمع منا، واكتفى بما سمعه من بعض الناس، وهو ليس صحيحا، وأطلق رأيه معتقدا أنها خدمة لتفصيل وتوصيل الفتاوى الجاهزة حسب الطلب، وهذا غير صحيح، فالعالم في مشروعنا لا يقابل السائل أو المستفتي، بل يتم تسجيل سؤاله، وبعدها بساعات يصله الرد.
* علمنا أن اعتراض المفتي وقتها كان يقوم على أمرين: أولهما خوفه من أنها ستحول الفتوى إلى "بيزنس" وتجارة، وثانيهما لأنها ستشكل هيئة موازية لدار الإفتاء.
أولا: هي ليست "بيزنس" لأن قيمة المكالمة هي مقابل استعمال التكنولوجيا ووقت العلماء الذين يتولون الرد على الأسئلة (من الجدير بالذكر أن سعر المكالمة يتراوح بين 2، 5 3 جنيهات مصرية، بما يعادل نصف دولار أمريكي).
ثانيا: هي ليست بديلا لدار الإفتاء ولا للجنة الفتوى، بل إنها طريقة عصرية للرد على أسئلة الناس الذين لا يجدون وقتا للذهاب للمؤسسات الدينية الرسمية، أو أولئك الذين يمنعهم الحرج من الذهاب لدار الإفتاء والمثول أمام أحد العلماء، وخاصة أن معظم الأسئلة المطروحة شخصية جدا وحرجة للغاية.
* هل يمكن أن تذكر لنا بعضا من هذه الأسئلة التي ترد إليكم؟
معظم الأسئلة تدور حول مشكلات الحياة الزوجية والمشكلات الجنسية، وأمور الطهارة والصلاة. وسأذكر هنا نماذج من هذه الأسئلة المحرجة التي يصعب على أصحابها النطق بها أمام آخرين مهما كانوا، وعلى سبيل المثال:
رجل عمره 55 سنة، أرسل يقول: "أصلي منذ 32 سنة، ولكنني لا أحفظ التشهد، وأتحرج من أن أقول ذلك أو أن أطلب من أحد أن يعلمني التشهد، أرجوكم كرروها عليَّ مرات ومرات حتى أحفظها"!.
بنت عمرها 18 سنة، تقول في رسالتها: "تعرفت على شاب منذ أن كان عمري 13 سنة، ونشأت بيننا علاقة عاطفية، تطورت إلى علاقة جنسية، وظل يعاشرني معاشرة الأزواج لمدة طويلة حتى حملت منه، وخوفا من العار أجريت عملية إجهاض. والسؤال: ماذا أفعل الآن، وقد تقدم لي شاب محترم وابن ناس يطلبني للزواج، هل أحكي له عن هذا الماضي المخيف، أم أخفي أمري، وأبدأ معه حياة جديدة، وخاصة أنني تبت إلى الله توبة صادقة؟ "!.
* وكيف تطور المشروع خلال هذه السنوات؟(14/82)
في البداية اقتصر المشروع على قيام الشيخ خالد الجندي وعدد من العلماء بالرد على أسئلة المتصلين، ثم فكرنا في تطوير المشروع، فسجلنا للشيخ خالد الجندي مجموعة من "الكبسولات الإسلامية" السريعة والمركزة، كل كبسولة تستغرق من(46) دقائق، تتناول شرحا مركزا جدا، وإجابات مختصرة لعدد من الأسئلة والمفاهيم والمصطلحات الشرعية، مثل: لماذا أنا مسلم؟ ولماذا ترتدي المسلمة الحجاب؟ وكيف أتوضأ؟ وكيف أتوب؟.
وفي مرحلة تالية بدأنا نتخصص، فمثلا في شهر رمضان نركز المحاضرات على فضائل الشهر والحكمة من الصوم، ومعنى الصيام، ومتى فُرِض، وشروط الصوم المقبول، وفي شهر ربيع الأول نركز المحاضرات على مولد النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته ومعجزاته وأخلاقه، وفي شهرَي ذي القعدة وذي الحجة نركز على فريضة الحج وهكذا.
ثم طورنا المشروع أكثر وأكثر، فسجلنا للشيخ خالد الجندي "الفقه الميسر باللهجة العامية"، وتعاقدنا مع العالم المصري الدكتور زغلول النجار لتسجيل عدد من الكبسولات المركزة حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، في حدود 36 كبسولة، تتراوح مدة الكبسولة الواحدة من 35 دقائق، ثم اتفقنا مع كبار أساتذة التفسير بجامعة الأزهر على تسجيل تفسير القرآن الكريم بطريقة مركزة ومختصرة، فأدخلنا 6236 ملفا صوتيا مقسما على 114 سورة، بصوت كبار أساتذة التفسير بالأزهر، أمثال أ. د عبد الحي الفرماوي، ود. عبد البديع أبو هاشم.
* نريد منكم أن تلخصوا لنا مشروع الهاتف الإسلامي في أرقام؟
خلال السنوات الخمس التي مضت من عمر المشروع، قمنا بالرد على أكثر من 750 ألف سؤال واستفسار واستشارة، بواقع 150 ألف سؤال في السنة، كما أدخلنا الخدمة إلى عدد من الدول، منها فلسطين والأردن وإنجلترا، وجاري إدخالها إلى واشنطن خلال هذه الأيام، وسنواصل المسيرة بعون الله حتى تدخل الخدمة كل بلاد العالم وتقدم بكل اللغات.
* ولكن كيف تعمل الخدمة من خارج مصر، مثلا من فلسطين؟
عندما يتصل مواطن ما من فلسطين أو الأردن بالرقم المحدد للاتصال الخارجي، يستفسر مثلا عن تفسير آية ما من آيات القرآن الكريم، فتقول له الرسالة المسجلة: "إذا كنت تريد التفسير اضرب الرقم 1"، فيضرب فتأتيه رسالة تقول له: "أدخل رقم السورة"، فيدخله فتقول له الرسالة المسجلة: "أدخل رقم الآية المراد معرفة تفسيرها"، فيدخلها فيستمع على الفور إلى تفسير مختصر ومركز وسهل للآية التي حددها.
* ولكن ماذا لو أنه يسأل عن سؤال شخصي لا يتعلق بمواد مسجلة؟
في هذه الحالة يتم تسجيل سؤاله صوتيا، ويعطَى المتصل رقما سريا للسؤال، ثم ينتقل هذا الملف المسجل عليه السؤال صوتيا عبر الإنترنت إلى مركز الخدمة في مصر، فيتلقاه أحد الأساتذة العلماء المتعاقدين معهم، فيسجِّل الرد على السؤال صوتيا، وعندما يتصل السائل تأتيه رسالة تقول له: "أدخل الرقم السري لسؤالك"، وبمجرد أن يدخل الرقم السري للسؤال يستمع الجواب الذي سبق أن سجله الشيخ بصوته، وهكذا.
شروط يجب توافرها في المفتين
الشيخ خالد الجندي
وفي اتصال هاتفي مع الشيخ خالد الجندي، سألناه عن فريق العلماء الذي يقوم بالرد على أسئلة واستفسارات الجمهور، فقال الجندي:
"من البداية اشترطنا أن يقتصر الفريق على كبار علماء الأزهر الشريف من المتخصصين في فروع العلوم الشرعية المختلفة، وقد وضعنا عددا من الشروط التي يجب توافرها في العلماء والمفتين الذين سينضمون لفريق العمل، منها:
1-أن يكون من علماء الأزهر.
2-أن يكون من أهل الاختصاص.
3-أن يكون قادرا على التعامل مع الوسائل العصرية، مثل الإنترنت.
4-أن يكون عالما بالأحكام الشرعية والقضايا والمسائل العصرية.
5-أن يكون مشهودا له بالكفاءة وحسن السيرة وحسن الخلق.
6-الموهبة والاقتدار، والقدرة على عرض الإجابة المركزة والمختصرة غير المملة أو المخلة على الأسئلة".
مشيرا إلى أنه قد تمت ترجمة الأسئلة والمحاضرات إلى 11 لغة بينها الإنجليزية والفرنسية والروسية.
10/03/2005
http://www.islamonline.net المصدر:
=============
ولولا رهطك لرجمناك
محمد العبدة
من المبادئ الأساسية في الدعوة الإسلامية التعاون والتناصر بين المؤمنين، وتطبيق مبدأ الأخوة تطبيقاً عملياً، والابتعاد عن خلق التفاخر الجاهلي بالأنساب والقبائل، هذا هو الأصل ولكن قد تأتي النصرة والمساعدة الفردية من القريب أو العشيرة أو من صديق الدراسة، لا من قبيل التدين والأخوة الإسلامية، ولكن عصبية نسبية، وأريحية ونخوة، فهل يرفض المسلم هذا التأييد، خاصة إذا كان في مرحلة الضعف، مع أنه لا يتنازل عن شيء من دينه أو عقيدته، ولا هم يساومونه أو يطلبون منه المداهنة.
إن بعضاً من الشباب المسلم ولحساسية هذا الموضوع، ولقلة فقههم في أصول الدعوة يرفضون مثل هذه المساعدة والتأييد، ولكنهم لو تدبروا القرآن لوجدوا أنه ذكر قصص الأنبياء وكيف امتنعوا بأقوامهم أو قبائلهم عصبية من أذى الكفار، قال تعالى حاكياً عن شعيب - عليه السلام - وقومه: "قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وإنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ومَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ "[هود: 91].
فهذه الآية تنبئنا أن الكفار لم يستطيعوا الوصول إلى شعيب بالأذى، خوفاً من قبيلته.(14/83)
وكذلك ذكر - تعالى -في صالح وقومه: "قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإنَّا لَصَادِقُونَ "[النمل: 49] فهم يخافون من أولياء صالح - عليه السلام - (عشيرته الأقربين) ولو فعلوا به سوءاً لفعلوه سراً، ولحلفوا لهم أنهم ما فعلوا شيئاً، وقال - تعالى -مخاطباً نبينا - عليه الصلاة والسلام -: "ألم يجدك يتيما فآوى "أي آواك إلى عمك أبي طالب، قال الشيخ الشنقيطي معلقاً على هذه الآيات: (وهو دليل على أن المتمسك بدينه قد يعينه الله ويعزه بنصرة قريبه الكافر، ولهذا لما كان نبي الله لوط - عليه السلام - ليس له عصبة ظهر هذا فيهم
لقوله - تعالى -: "قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ "[هود: 80] ولما ناصر بنو المطلب بن عبد مناف بنى هاشم ولم يناصرهم بنو عبد شمس عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - لبنى المطلب تلك المناصرة التي هي عصبية النسب، لا صلة لها بالدين فأعطاهم من خمس الغنيمة مع بنى هاشم وقال: » إنا وبني المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام « ومنع بني عبد شمس وبني نوفل مع أن الجميع أولاد عبد مناف (أضواء البيان 3/41).
هناك فرق بين الموالاة والمداهنة، وبين أن يعرض قريب أو صديق خدماته ومساعدته لمسلم ويستفيد المسلم من هذا لدفع ظلم أو تخفيف ضرر، ويبقى الأصل هو عدم موالاة الكفار وزجر أهل الفسوق والبدع، وكل هذا يحتاج لفقه في الدعوة واستقامة على الطريق.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه وبعد:
نتعرفُ في هذهِ المقالةِ على مسألةٍ مهمةٍ تتعلقُ بالإخلاص في الدعوة إلى الله - عز وجل -، وهي مسألةٌ قلَّما نتنبّهُ إليها، أو ننبهُ عليها، وجُلُّ ما نفهمه من معنى الدعوةِ إلى الله - عز وجل -، هو أنَّ الداعيةَ إنَّما يدعو إلى ربهِ، وإلى سبيلهِ وتوحيدهِ وطاعته، وإلى أقامةِ دينهِ كما قال - تعالى -: ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ)) (النحل: من الآية125)
وقوله - تعالى -: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)) (يوسف: من الآية108)
ولا شكَّ أنَّ هذا معنى صحيح، وهدفٌ أساس للدعوة إلى الله - عز وجل -، لكنْ هُناكَ معنى لطيف، ومسألةً عظيمةً يتضمنها مفهومُ الدعوة إلى الله - تعالى -، يتعلقُ بإخلاص الدعوة للهِ - سبحانه -، قَلَّما ننتبهُ إليهِ،
وهو ما أشار إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله تعالى -في (مسائل باب الدعاءِ إلى شهادة أن لا إله إلا الله) وهو من أبواب كتابِ التوحيد حيثُ يقول:
(المسألةُ الثانية: التنبيهُ على الإخلاص، لأنَّ كثيرًا لو دعا إلى الحقِّ فهو يدعو إلى نفسه).
يا لها من مسألةٍ عظيمةٍ يغفل عنها الكثير منّا، وإنَّها لمن الدقة واللطف، بحيث توجدُ عند البعض منَّا دون الشعور بوجودها.
وإن لم يُفتش الداعية عنها في نفسه، ويُبادر إلى التخلص منها، فإنَّها قد تكونُ سببًا في حبوطِ العمل، وضياعَ الجهد- عياذًا بالله- تعالى -. ولإتمامِ الفائدةِ أسوقُ فيما يلي بعض العلامات والمظاهر التي يدُّلُ وجودها على تلوث القلب بهذه الآفة الخطيرة.
1- الحزبيّة المقيتة، التي تدفعُ بصاحبها إلى عقدِ المحبة والعداوة على الأسماءِ والأشخاصِ والطوائف.
2- حُبُّ الشُهرةِ والصدارة: والتفافُ الناس، وكراهية الدُعاة الآخرين، والانقباضُ والضيقُ من تجمعِ الناس حولهم، لا لشيءٍ إلاَّ لأنَّ في ذلك منافسةً وحسدًا في القلب.
3- التزهيدُ في أعمالِ بعضِ الدُعاة، وتحقيرها وتشويهها، حتى ولو كان هذا العملُ قد ظهر خيرهُ وصلاحه، فلا ترى صاحبُ القلب المريض الذي يدعو إلى نفسهِ وليس إلى الله - تعالى -، إلاَّ مُستَّاءً من ذلك.
ولو كان الأمرُ إليه لأوقفَ كل عمل خيرٍ يقومُ بهِ غيره، وهذا من علاماتِ الخذلان- عياذًا بالله- تعالى -، لأنَّ العبدَ المخلصُ في دعوته إلى الله - تعالى -، يحبُّ كل داعيةٍ إلى الخير ولو لم يعرفه، أو لم يرهُ، ويدعو له بظهر الغيب، ويفرحُ بأيِّ بابٍ من الخير يفتحهُ الله - تعالى -على يدِ من كان من عباد الله، ويفرحُ بأيِّ بابٍ من الشَّر يُغلقُ على يدِ من كان ذلك، لأنَّ في ذلك صلاحًا للعباد، وإسهامًا في هدا يتهم وتعبيدهم لرب العالمين، وكفى بذلك هدفًا وثمرةً تُثلج صدر الداعية المخلص، سواءً تحقق ذلك على يدهِ، أو على يد غيره من الداعين إلى الله - تعالى -.
4- الوقوع في غيبةِ الدعاة، أو السعي بالنميمةِ والوشايةِ، لإلحاق الأذى بهم، أو إشاعة ما هم منه برءاء في الناس، حتى ينفضوا من حولهم ويلتفوا حوله.
وأكتفي بهذه العلاماتِ كأمثلةٍ سريعةٍ لهذا المرض، وإلاَّ فالأمثلةُ كثيرة، وكلُّ إنسانٍ أدرى بنفسه، وهو على نفسه بصيرة.
والمقصودُ التنبيه على هذه الآفات الخطيرة، التي تمحقُ بركةَ الأعمالِ في الدنيا، وتذهبُ بأجرها في الآخرة.
22/1/1426 هـ 2005-03-03
http://www.islamlight.net المصدر:
=============
مواقف دعوية من السيرة النبوية ( 1 )
عبد العزيز الحميدي
إشراقة النور الإلهي:
(بدء الوحي):(14/84)
بينما كانت البشرية تعيش في دياجيير الظلمات الحالكة، وتعاني من أنماط الحياة المهلكة، حيث خيم عليها الطغيان البشري الضاغط والجهل العالمي الجاثم، والاستسلام للشهوات المنحرفة من غير رادع ولازاجر، إذا بشعاع النور الإلهي يهبط فجأة من السماء لينير جنبات الأرض، يحمله الروح الأمين - عليه السلام - فيفاجئ به سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - وهو في غار حراء، قد خلا للتأمل والتعبد بعيدًا عن جلبة الناس وضجيجهم.
وإنَّ أفضل من يحدثنا عن هذا الحادث العظيم الذي تغير له وجه التاريخ أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - حيث قالت:أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لايرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه المَلَكُ فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد (1)، ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ)(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) (العلق: 1، 2، 3) فرجع بها(2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - فقال: زَمِّلوني زِمْلوني، فَزَمَّلوه حتى ذهب عنه الرَّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله لايخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وَتكْسِبُ المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العُزَّى ابن عم خديجة وكان امرءًا تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ماشاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي فقالت له خديجة: يا ابن عمِّ اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى، ياليتني فيها جَذَعًا، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أو مخرجيَّ هم؟ قال نعم، لم يأت رجل قط بمثل ماجئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا. ثم لم ينشب ورقة أن تُوفي، وفتر الوحي (3).
لقد كانت الأرض كلها تعيش في ذلك الزمن في ظلمات الجاهلية، فكانت بداية انطلاق النور الإلهي في تلك اللحظة التي خاطب بها جبريل - عليه السلام - رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولقد حل ذلك النور في قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تحول إلى مصباح متحرك يضيء لمن حوله، وأصبح يراه من زالت عن عينيه الغشاوة فينجذب إليه ويترقى بهديه نحو الكمال.
لقد كان وقع نزول الوحي شديدًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما هو واضح من هذا النص على الرغم من أنه كان أشجع الناس وأقواهم قلبًا كما دلت على ذلك الأحداث خلال ثلاث وعشرين سنة، وذلك لأن الأمر ليس مخاطبة بشر لبشر ولكنه كان مخاطبة عظيم الملائكة وهو يحمل كلام الله - تعالى -ليستقبله من اصطفاه الله - جل وعلا - لحمل هذا الكلام وإبلاغه لعامة البشر.
ولقد كان موقفًا رهيبًا ومسؤولية عظمى لا يقوى عليها إلا من اختاره الله- تبارك وتعالى- لحمل هذه الرسالة وتبليغها.
ومما يصور رهبة هذا الموقف ماجاء في هذه الرواية من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لقد خشيت على نفسي" وقول عائشة - رضي الله عنها - في هذا الحديث "فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع".
ومما يبين شدة نزول الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أخرجه الإمامان البخاري ومسلم - رحمهما الله - من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ولقد رأيته تعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه لَيَتَفَصَّدُ عرقًا " (4).
وما أخرجه الإمام مسلم من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: "كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي كُرب لذلك وتربَّد وجهه" (5).
أثر المرأة الصالحة في خدمة الدعو:ة
(إسلام خديجة بنت خويلد وجهودها في الدعوة):
من المعروف أن المجتمع مكون من الرجال والنساء، وأنه كما أن للرجال جهودًا مشكورة في خدمة الإسلام فإن للنساء جهودًا مشكورة كذلك، وإن كانت هذه الجهود قد تختلف في بعض أنواعها حسب اختلاف تكوين الرجال والنساء.
وأمامنا في هذه المرحلة التي يدور حولها الحديث مثل من جهود المرأة الصالحة في حياة زوجها الداعية.(14/85)
فحينما أنزل الله - تعالى -الوحي بواسطة جبريل - عليه السلام - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجئ به كما تقدم في خبر بدء الوحي الذي أخرجه الإمام البخاري عن عائشة - رضي الله عنها -. فكان موقف خديجة - رضي الله عنها - عاليًا في تثبيت النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قالت: "والله لايخزيك الله أبدًا إنك لتصل الرحم وتحمل الكَلَّ وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" ثم في ذهابها إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وعرضها الموضوع عليه رجاء أن تجد عنده ما يُسَرِّي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقوي قلبه.
وهكذا كان موقف خديجة - رضي الله عنها - الذي يدل على قوة قلبها حيث لم تفزع من سماع هذا الخبر الخارق للعادة، ولعل ماكانت تسمعه من ابن عمها ورقة بن نوفل من انطباق صفات النبي المنتظر على محمد - صلى الله عليه وسلم - كان له الأثر الأكبر في ثباتها ويقينها حيث غاب عنها عامل المفاجأة واستقبلت الأمر بهدوء وسكينة، ولا أدل على ذلك من ذهابها فور سماعها الخبر إلى ورقة وعرض الأمر عليه.
ومن أجل هذا التصديق برسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ورقة بن نوفل ولما صدر منه من ذلك الموقف الذي ثَبَّتَ به النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه - صلى الله عليه وسلم - قد شهد له بالجنة كما جاء في رواية أخرجها الحاكم بإسناده عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين" قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي (6).
وذكر الصالحي أن البزار وابن عساكر روياه بإسناد جيد، وقال: وروى الإمام أحمد بسند حسن عن عائشة أن خديجة - رضي الله عنها - سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ورقة فقال: " قد رأيته فرأيت عليه ثيابًا بيضًا، فأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه ثياب بيض" قال: وروى أبو يعلى بسند حسن عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ورقة بن نوفل فقال: " أبصرته في بطنان الجنة وعليه السندس" (7).
كما أن موقف خديجة من خبر الوحي يدل على سعة إدراكها حيث قارنت بين ماسمعت وواقع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأدركت أن من جُبِلَ على مكارم الأخلاق لايخزيه الله أبدًا، فقد وصفته بأنه يصل الرحم، وكون الإنسان يصل أقاربه دليل على استعداده النفسي لبذل الخير والإحسان إلى الناس، فإن أقارب الإنسان هم المرآة الأولى لكشف أخلاقه، فإن نجح في احتواء أقاربه وكسبهم بماله عليهم من معروف كان حريًّا به أن ينجح في كسب الآخرين من البشر، وإن هو أخفق مع الأقربين كان إخفاقه مع الأبعدين من باب أولى.
ووصفته ببذل المعروف والإحسان حيث قالت: "وتحمل الكَلَّ" والكل هو العاجز الذي لايستقل بأمره بنفسه بل يحتاج لمعونة غيره.
كما وصفته بالكرم النادر المثال حيث قالت: " وَتكْسِبُ المعدوم" يعني وتعطي غيرك المال المعدوم، أي نفائس المال التي يعدم نظيرها، والذي تسخو نفسه بنفائس المال سيعطي ماهو دون ذلك من باب أولى، وهذا من أبلغ الوصف في الكرم.
وخصَّت بالذكر إكرام الضيف وهو من الكرم لسمو من يتصف بذلك عند العرب.
ثم وصفته بالنجدة عند الشدائد حيث قالت: "وتعين على نوائب الحق" وهذه صفة من يعيش لغيره أكثر مما يعيش لنفسه وهي من أبرز صفات السادة النجباء.
وجاء في روايات أخرى عند البخاري: " وَتصدُق الحديث وتؤدي الأمانة" وهذه تكملة لسلسلة عظيمة من مكارم الأخلاق قلما تجتمع في رجل واحد.
وفي آخر هذا الخبر موقف كريم لورقة بن نوفل - رحمه الله - في آخر لحظات من عمره حيث ثَبَّتَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوى قلبه بما أخبره به من أن الذي خاطبه هو صاحب السر الأعظم الذي يكون سفيرًا بين الله - تعالى -وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام.
ومما يدل على أثر كلام ورقة في تثبيت قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وطمأنته ما جاء في رواية أخرى أخرجها ابن إسحاق وفيها: "فرجعَتْ يعني خديجة - رضي الله عنها - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتْه بما قال لها ورقة فسهَّل ذلك عليه بعض ماهو فيه من الهمِّ بما جاءه" وفي موضع آخر من الرواية: "ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منزله وقد زاده الله - عز وجل - من قول ورقة ثباتًا وخفف عنه بعض ماكان فيه من الهمِّ" (8).
ولقد كان الباعث على الاطمئنان إلى كلامه علمه السابق بكتب أهل الكتاب التي فيها وصف مفصل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومبعثه.
وهكذا تبين لنا أثر المرأة الصالحة في نجاح الدعوة، وذلك في موقف خديجة - رضي الله عنها - وماقامت به من تثبيت قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يواجه الوحي لأول مرة.
وفي بيان مواقفها بعد ذلك يقول محمد بن إسحاق - رحمه الله -: وآمنت به خديجة بنت خويلد وصدقت بما جاءه من الله ووازرته على أمره وكانت أول من آمن بالله وبرسوله وصدَّق بماجاء منه فخفف الله بذلك عن نبيه - صلى الله عليه وسلم -، لا يسمع شيئًا مما يكرهه من ردٍّ عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها، تثبته وتخفف عليه، وتصدِّقه وتهون عليه أمر الناس، - رحمها الله - تعالى -(9).
لقد كانت خديجة - رضي الله عنها - تثبت قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتسكنه وتهون عليه مخالفة الناس إياه، وكان يطلعها على جلية أمره مع المجتمع الذي يدعوه ويكابد صدوده وعداءه.(14/86)
ولاشك أن الزوجة الصالحة المؤهلة لحمل مثل هذه الرسالة لها دور عظيم في نجاح زوجها في مهمته في هذه الحياة، وبخاصة الأمور التي يعامل بها الناس، وإن الدعوة إلى الله - تعالى -هي أعظم أمر يتحمله البشر، فإذا وفق الداعية بزوجة صالحة ذات كفاءة فإن ذلك من أهم عوامل نجاحه مع الآخرين.
فالإنسان يقضي مع الناس جزءًا من وقته، ولكنه يقضي في بيته الجزء الأكبر، فإذا وفق بمثل هذه الزوجة فإنه يفضي إليها بما قام به من دعوة الناس وما واجهوه من لين أو عنف، واستجابة أو امتناع ويبثها همومه ويشرح لها مشكلاته، وهي بما لديها من صلاح وكفاءة إذا وضع زوجها بها هذه الثقة ستبذل كل مافي طاقتها من تفكير ومقدرة على العمل فتبدأ أولاً بتقوية قلبه وتخليصه شيئًا فشيئًا مما يعانيه من الهم والقلق، ثم تكون عونًا له على إكمال مهمته بنجاح، إلى جانب قيامها بمهمتها في الدعوة فيما يتعلق بالنساء، وقيام زوجها بتأييدها وتثبيتها وإكمال ماتحتاج إليه لنجاحها في مهمتها، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" (10).
وخديجة - رضي الله عنها - قد قامت بدور مهم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما لها من شخصية في مجتمع قومها، ولما جبلت عليه من الكفاءة في المجالات النفسية التي تقوم على الأخلاق العالية من الرحمة والحلم والحكمة والحزم وغير ذلك من مكارم الأخلاق.
والرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى جانب ماحباه الله به من الكمالات البشرية في جميع المجالات، وإلى جانب كونه قبل ذلك محفوفًا بعناية الله - جل وعلا - وتأييده في كل خطوة يخطوها، فإن الله - تعالى -وفقه بهذه الزوجة الصالحة، لأنه قدوة للعالمين وخاصة الدعاة إلى الله - تعالى -، فقيام خديجة بذلك الدور الكبير إعلام من الله - تعالى -لجميع حَمَلة الدعوة الإسلامية بما يشرع لهم أن يسلكوه في هذا المجال من التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يتحقق لهم بلوغ المقاصد العالية التي يهدفون إليها.
ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثالاً عاليًا للوفاء ورد الجميل لأهله، فقد كان يعامل خديجة - رضي الله عنها - بغاية الإكرام والتقدير حال حياتها، وظل يذكرها ويثني عليها بعد وفاتها، كما أخرج الإمامان البخاري ومسلم من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة" (11). وبشرها - صلى الله عليه وسلم - ببيت في الجنة حال حياتها، وأبلغها سلام الله - جل وعلا - وسلام جبريل - عليه السلام - كما أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "أتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يارسول الله هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام- أو طعام أو شراب- فإذا هي أتتك فاقرأ - عليها السلام - من ربها - عز وجل - ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب(12) لاصخب فيه ولانصب (13).
وتذكر عائشة - رضي الله عنها - وفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لخديجة بعد وفاتها بقولها: "ماغِرْتُ على أحد من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ماغرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد" (14).
بل إنه أظهر البشاشة والسرور لأخت خديجة لما استأذَنتْ عليه لتَذَكُّره خديجة كما أخرج الإمام مسلم من حديث عائشة قالت: استأذَنتْ هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرف استئذان خديجة (15)فارتاح لذلك وقال: اللهم هالة بنت خويلد، فغرت فقلت: وماتذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين(16) هلكت في الدهر فأبدلك الله خيرًا منها"(17). وأخرجه الإمام أحمد بنحوه من غير ذكر هالة بنت خويلد وزاد: فتَمعَّر وجهه تمعرًا ماكنت أراه إلا عند نزول الوحي أو عند المَخِيلة(18)حتى ينظر أرحمة أم عذاب (19).
وذكره الحافظ ابن كثير وقال: تفرد به أحمد وهذا إسناده جيد (20).
وهذا يصور مقدار غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخديجة وحفظه حقها - رضي الله عنها -.
ونجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يظهر الحفاوة بامرأة كانت تأتيهم زمن خديجة ويبين أن حفظ العهد من الإيمان، وقد أخرج خبر ذلك الحاكم من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاءت عجوز إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عندي فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزنية، فقال: بل أنت حسانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يارسول الله، فلما خرجت قلت: يارسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإن حسن العهد من الإيمان.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فقد اتفقا على الاحتجاج برواته في أحاديث كثيرة وليس له علة، وأقره الذهبي (21).
إن هذه الأخبار تعدُّ أمثلة مهمة في الدفاع عن أهل الفضل والتقدم في حال غيبتهم، فالمسلم يُحفظ له حقه في حال حضوره وغيبته، وفي حال حياته وموته، لأن الحفاظ على ذلك ليس مبعثه محاسبة صاحب الحق، وإنما مبعثه رقابة الله - عز وجل - في حقوق المسلمين أولاً، ثم الوفاء لأصحاب المواقف العالية في بذل النفس والمال من أجل إعلاء كلمة الله - تعالى -ونصرة المسلمين.(14/87)
وفي وصف عائشة - رضي الله عنها - غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشدة دليل على أن الغضب يكون محمودًا إذا انتهكت حرمات الله - تعالى -أو حرمات المسلمين، مع امتلاك النفس بحيث يتصرف المسلم بالحكمة، أما عدم الغضب والحالة هذه فإنه دليل على ضعف الإيمان، وعلى قدر الإيمان يكون التاثر والغضب فيمايتعلق بأمور الدين، بخلاف أمور الدنيا فإن الأمر يكون بضد ذلك.
هذا ومن مناقب خديجة - رضي الله عنها - أنها أول من آمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإطلاق، وهي أول من صلى معه.
قال ابن إسحاق: وحدّثني بعض أهل العلم: أن الصلاة حين افترضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أتاه جبريل وهو بأعلى مكة، فهمز له بعَقبه في ناحية الوادي، فانفجرت منه عين، فتوضأ جبريل - عليه السلام -، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه ليُريه كيف الطُّهور للصلاة، ثم توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما رأى جبريل توضأ ثم قام به جبريل فصلى به وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصلاته، ثم انصرف جبريل - عليه السلام -.
فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خديجة، فتوضأ لها ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل، فتوضأت كما توضأ لها رسول الله - عليه الصلاة والسلام -، ثم صلى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما صلى به جبريل، فصلت بصلاته (22).
------------------
(1) الغط بمعنى الضغط و المقصود منه تنبيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولئن كانت وسائل التنبيه عند العرب تتحدد بدلالات الألفاظ كالحض والاستفهام مثل قولهم هلا أنبئك وألا أنبئك، كما تتحدد بتغيير هيئة الجلوس، فإن الوسائل التي استخدمها جبريل - عليه السلام - كانت بالضغط الشديد ثلاث مرات، وماذاك إلا لإشعار النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن ما هو مقدم على سماعه وتبليغه أمر في غاية العظمة، وإن تلقيه يحتاج إلى تفريغ الفكر من كل العلائق الدنيوية ليكون في غاية الاستجماع والتركيز.
(2) يعني بأول سورة العلق.
(3)صحيح البخاري كتاب بدء الوحي رقم 3، صحيح مسلم كتاب الإيمان رقم 160.
(4)صحيح البخاري كتاب بدء الوحي رقم 2، صحيح مسلم الفضائل رقم 2333.
(5)صحيح مسلم، الفضائل رقم 2334.
(6)المستدرك 2/609، وذكره الهيثمي من رواية الطبراني، قال: ورجاله رجال الصحيح مجمع الزوائد 9/416.
(7)سبل الهدى والرشاد 2/244، وذكره الهيثمي من رواية أبي يعلى وقال: فيه مجالد، وهذا مما مدح من حديث مجالد وبقية رجاله رجال الصحيح مجمع الزوائد 9/416.
(8)دلائل النبوة للبيهقي 1/146.
(9)سيرة ابن هشام 1/245.
(10)صحيح مسلم رقم 1467، ص 1090، كتاب الرضاع.
(11)صحيح البخاري، مناقب الأنصار، رقم 3815 (7/133)، صحيح مسلم 1886 رقم 2430، كتاب فضائل الصحابة.
(12)يعني من لؤلؤ أو ذهب.
(13)صحيح مسلم 1887 رقم 2432، كتاب فضائل الصحابة.
(14)صحيح البخاري رقم 3818، كتاب مناقب الأنصار (7/132).
(15)يعني لتشابه صوتيهما.
(16)يعني لا أسنان لها من الكبر.
(17)صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة رقم 2437 ص 1889.
(18)يعني السحاب.
(19)مسند أحمد 6/150.
(20)البداية والنهاية 3/126. وذكر نحوه الهيثمي عن الإمام أحمد والطبراني بعدة أسانيد وحسنها مجمع الزوائد 9/224.
(21)المستدرك 1/15 16.
(22)سيرة ابن هشام 1/248، وأخرجه الحافظ البيهقي من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق، وذكر نحوه دلائل النبوة للبيهقي 2/160.
http://www.olamaalshareah.net المصدر :
=============
مواقف دعوية من السيرة النبوية ( 2 )
إسلام أبي بكر واهتمامه بالدعوة:
أسلم أبو بكر - رضي الله عنه - بدعوة من النبي - صلى الله عليه وسلم - في أوائل المرحلة السرية
قال ابن إسحاق بعدما ذكر إسلام خديجة وعلي وزيد - رضي الله عنهم -: ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة.
قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول فيما بلغني: "ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة ونظر وتردد، إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة، ما عَكَم حين ذكرته له وماتردد فيه".
وقوله "كبوة" أي امتناع، و"عكم" أي تلبث (سيرة ابن هشام 1/255).
وبعد أن أسلم أبو بكر دعا إلى الله في هذه المرحلة الحرجة، حتى أسلم على يده شباب كان لهم دور كبير في مستقبل الجهاد والدعوة.
وقد ذكر محمد بن إسحاق - رحمه الله - شيئًا من مآثره في الدعوة حيث قال: فلما أسلم أبو بكر - رضي الله عنه - أظهر إسلامه يعني لخاصة من يثق به ودعا إلى الله - تعالى -وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكان أبو بكر رجلاً مؤلفًا لقومه محببًا سهلاً وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها وبما كان فيها من خير أو شر، وكان رجلاً تاجرًا ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر، لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الله - تعالى -وإلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه.
ثم ذكر الخمسة الذين أسلموا على يديه في أول الإسلام، وهم عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله - رضي الله عنهم -.
قال: فجاء بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استجابوا له فأسلموا وصلَّوا (سيرة ابن هشام 1/254).(14/88)
هذا النص يبين لنا شيئا من مآثر أبي بكر - رضي الله عنه - في الدعوة إلى الإسلام، فهؤلاء الخمسة المذكورون الذين أسلموا على يديه كلهم أصبحوا من المبشرين بالجنة، ومن أكابر أهل الحل والعقد في الإسلام وهم إضافة إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - كانوا أهل الشورى الذين جعل عمر - رضي الله عنه - الخلافة فيهم.
فكم هي فضائل أبي بكر - رضي الله عنه -، وكم هي سوابقه على المسلمين! إنه لم يكتف بأنه غامر بنفسه فاتبع دينًا لا يمثله خارج بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد، وفي ذلك ما فيه من المغامرة، بل صار يدعو من يثق بهم سرّا إلى اتباع هذا الدين الجديد، فاستجاب له هؤلاء الفحول الذين صار لهم في مستقبل الإسلام شأن كبير.
ولاشك أن الذين أسلموا واتبعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو وحيد ليس معه أحد أو معه النفر اليسير..لاشك أن لهم مكانة وفضلاً كبيرًا في الإسلام، فإن الإقدام على دين جديد يهدم الأديان السائدة في المجتمع أمر له خطورته، وهؤلاء الذين أقدموا على الإسلام آنذاك يدركون خطر ما توجهوا إليه، لذلك أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتمان دعوتهم، وظلوا يدعون إلى الله - تعالى -سرّا حتى أذن لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعلان الدعوة بعد ثلاث سنوات من البعثة.
وإن استمرار هؤلاء الصحابة على دعوتهم السرية ومقدرتهم على كتمانها طيلة هذه المدة أمر يستحق الإشادة والتقدير، والدراسة والتأمل، خاصة مع ملاحظة عيشهم في مجتمع صغير بالقياس إلى حياة المدن في العصر الحاضر، فكم هي الإحراجات التي مروا بها مع أهاليهم وقومهم! وكيف استطاعوا التخلص منها!
إن كتمان الدعوة يحصر انتشارها بلا شك، وكان هذا واقعًا اضطراريّا تمليه هيمنة الباطل، ولكنه مع ذلك يصنع رجالاً كاملين في مواهبهم وقدراتهم، لأنهم يحسون من أول خطوة في الطريق أنهم يواجهون معركة بعيدة المدى، فيخرجهم هذا الشعور من حياة الدعة والسكون التي قد تعطل بعض المواهب والقدرات، وهكذا تمت تربية أولئك العظماء في تلك الفترة.
وفي قوله عن أبي بكر: "وكان رجال من قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر، لعلمه وتجارته وحسن مجالسته" إشارة إلى عامل مهم من عوامل نجاح الداعية، وهو أن يكون متعدد المواهب، له مشاركة في عدد من الجوانب التي تربطه بالمجتمع، فيأتي إليه في كل جانب طائفة من الناس، فإذا توافر لديه مع ذلك الدافع القوي الذي يجعله يبذل كل طاقته في سبيل دعوته فإنه يعمل عمل عدد من الناس، وينجح في اجتذاب الكثير منهم.
هذا وقد بذل أبو بكر ماله في سبيل خدمة الدعوة الإسلامية، كما جاء في خبر ذكره الحافظ ابن حجر عن يعقوب بن سفيان بإسناده عن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - قال: أسلم أبو بكر وله أربعون ألفًا فأنفقها في سبيل الله... " ثم ذكر المماليك السبعة الذين أعتقهم (الإصابة 2/334).
دعوة بني عبد المطلب (وموقف لعلي - رضي الله عنه )
أخرج الإمام أحمد بإسناده عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، [أو قال دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] بني عبد المطلب، فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفَرَق (الجذعة الشاة الصغيرة، والفرق بفتح الراء مكيال يتسع لستة عشر رطلاً، وقوله "كلهم" أي كل واحد منهم)!
قال فصنع لهم مُدًّا من طعام، فأكلوا حتى شبعوا، قال: وبقي الطعام كما هو كأنه لم يُمسَّ، ثم دعا بغَمْر (يعني بشراب كثير)، فشربوا حتى رَوُوا، وبقي الشراب كأنه لم يمس، - أو لم يُشرب- فقال: يا بني عبد المطلب، إني بُعثت لكم خاصة وإلى الناس بعامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيُّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟ قال: فلم يقم إليه أحد، قال: فقمت إليه وكنت أصغر القوم، قال: فقال: اجلسْ قال: ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول لي اجلس، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي (مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر 2/ رقم 1371، وقال أحمد شاكر - رحمه الله -: إسناده صحيح.
وذكره الإمام الهيثمي من رواية الإمام أحمد وقال: رجاله ثقات مجمع الزوائد 8/302).
وهكذا بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعشيرته الأقربين فدعاهم إلى الإسلام وحماية دعوته فلم يستجب منهم غير علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على الرغم من مشاهدتهم تلك المعجزة الظاهرة من تكثير الطعام والشراب وبقائه بعد أكلهم وشربهم وكأنه لم يمس، مع أن فيهم كما في الرواية- من اشتهروا بكثرة الأكل والشرب.
لقد اجتمع في ذلك الموقف أكابر بني عبد المطلب ومع رهبة الموقف فإن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أبدى استعداده ثلاث مرات لبيعة النبي - صلى الله عليه وسلم - رغم صغر سنه وهذا دليل واضح على قوة إيمانه وشجاعته المبكرة التي أصبحت فيما بعد مضرب الأمثال.
مثل من تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - (إسلام عبد الله بن مسعود)
لم يقتصر منهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحكيم المشتمل على اللطف والتودد على الأكابر وزعماء القبائل، بل نجده يعامل بهذا المنهج الغلمان الضعفاء.(14/89)
ومن أمثلة ذلك ما أخرجه الإمام أحمد بإسناده عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "كنت أرعى غنمًا لعقبة بن أبي معيط، فمرَّ بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر فقال: يا غلام هل من لبن؟ قلت: نعم ولكني مؤتمن، قال: فهل من شاة لم يَنْزُ عليها الفحل؟ فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: اقلص، فقلص قال: ثم أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله علمني من هذا القول، قال: فمسح رأسي وقال: يرحمك الله فإنك غلَيِّم معلَّم" (وقد ذكر الحافظ الهيثمي هذا الخبر من رواية الإمام أحمد وأبي يعلى، وقال: ورجالهما رجال الصحيح مجمع الزوائد 6/17.
وهكذا رواه أبو داود الطيالسي - رحمه الله تعالى -بإسناده عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، وذكر مثله.
وذكره الحافظ ابن كثير والحافظ الذهبي، وصحح الذهبي إسناده البداية والنهاية 3/32، سير أعلام النبلاء 1/465).
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يحتقر هذا الغلام الذي لم يكن ينتمي لقبيلة قريش وليس له عشيرة بمكة، بل اهتم به وقدر ما يتمتع به من خلق الأمانة الذي يدل على أنه عنصر زكي، فأثنى عليه بالعلم والفهم وأقرأه القرآن حتى أصبح بعد ذلك من قراء الصحابة وفقهائهم.
http://www.olamaalshareah.net المصدر:
=============
مواقف دعوية من السيرة النبوية ( 3 )
د. عبد العزيز الحميدي
الدعوة بالتبشير والإنذار
(الجهر بالدعوة ومخاطبة عموم قريش)
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوجه في دعوته إلى أهم الدوافع التي تدفع أصحاب العقول السليمة إلى الاستجابة لدعوة التوحيد، وذلك بإثارة الاهتمام نحو مستقبل الناس بعد الموت، حيث الحياة الخالدة في الآخرة، وذلك في النعيم المقيم لمن أجاب واهتدى، والعذاب المقيم لمن عصى وغوى.
ومع تصديق الكفار له في كل أخباره الدنيوية لما تواتر عنه من الأمانة والصدق فإن أغلبهم ردَّ دعوته، وكاده بعض عشيرته الأقربين.
ومن الأمثلة التي تبين موقفه هذا وموقف قومه منه ما أخرجه الإمام البخاري من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى البطحاء فصعد إلى الجبل فنادى: ياصباحاه فاجتمعت إليه قريش فقال: أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبِّحكم أو ممسيِّكم أكنتم تصدقوني؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا تبًّا لك، فأنزل الله - عز وجل -: (تبت يدا أبي لهبٍ وتب. ما أغنى عنه ماله وما كسبَ. سيصلى ناراً ذات لهب) [المسد: 1-3] إلى آخرها.
(صحيح البخاري كتاب التفسير رقم 4971، (الفتح 8/737))
وكذلك ما أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما نزلت هذه الآية (وأنذر عشيرتك الأقربين) (سورة الشعراء، آية (214))دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشًا فاجتمعوا فَعَمَّ وخص فقال: "يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئًا، غير أن لكم رحمًا سأبلها بِبَلالها". (صحيح مسلم، كتاب الإيمان رقم 204، ص 192. )
فهاتان الروايتان مع روايات أخرى تبين لنا الموقف الصعب الذي كان يواجهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قومه، وقد أمره الله - تعالى - بدعوة عشيرته الأقربين، وإن في الأمر بالبدء بدعوة الأقربين حكَمًا عظيمة، منها أن بقاء الظلام المحيط بالنور من قرب يحول دون رؤية ذلك النور بوضوح فكان تبديده عاملاً مهمَّا في انتشار ذلك النور، فالبدء بدعوة الأقربين لأنهم محل حكم الناس على الداعية فإذا لم ينجح مع أقاربه كان لذلك أثر في الصد عن دعوته، هذا إضافة إلى أن الدعوة برٌّ وإحسان وأحق الناس ببر الإنسان أقاربه.
ولقد قَدَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - بمقدمة تلزمهم بالإذعان لو كانوا متجردين من الهوى والتقليد، وذلك أنه صور نفسه نذيرًا لقومه ينذرهم من جيش قد اقترب منهم " أرأيتم لو حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم" فهذا يعني أنهم على استعداد لقبول إنذاره فيما يتعلق بدنياهم، فلما اطمأن إلى ذلك ذكر لهم ما جمعهم من أجله، وهو إنذارهم مما هو أجل خطرًا وأعظم عاقبة فقال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" يعني فكما صدقتموني في وقايتكم من مكروه الدنيا فصدقوني في وقايتكم من مكروه الآخرة الذي هو أشد وأبقى.
وفي هذا دلالة على أن من أساليب الدعوة التي سلكها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاستشهاد بالأمر المعلوم الذي تمت القناعة به على الأمر الجديد الذي يريد الداعية أن يدعو الناس إليه.
فأهل مكة المكرمة آنذاك كانوا يصدقون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يقوله من أخبار الدنيا، ولذلك لقبوه بالأمين فاعتمد هذه القناعة الثابتة عندهم لدعوتهم إلى الإيمان بالآخرة.
كما أن في هذا دلالة على أنه مما يجب أن يتزود به الداعية الرصيد الأخلاقي الكبير الذي يجبر خصومه على الاعتراف بفضله في هذا المجال ليتوصل بذلك إلى نشر دعوته السامية.
ولكنّ أفراد عشيرته - صلى الله عليه وسلم - هؤلاء صمتوا فلم يجيبوا ولم يستجيبوا لدعوته، بل إن عمه أبا لهب لم يكتف بذلك، وإنما ردّ عليه بهذا الرد القاسي السيئ.
ومع هذه المعاملة القاسية فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ظل صامدًا في دعوته غير عابئ بتحدي قومه ولا بصدودهم.(14/90)
وإذا تأملنا دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - نجد أنه قد بدأ دعوته هذه بتذكير قومه بالنار، وحثهم على استنقاذ أنفسهم منها، وهذا دليل على أهمية هذا الجانب في الدعوة.
وقد جاءت آيات الدعوة متضمنة التحذير من النار، وأحيانًا تأتي بالجمع بين الإنذار من النار والتبشير بالجنة.
هذا وإن قيام الدعاة إلى الله - تعالى -بالتركيز على شرح محاسن الإسلام أمر حسن، ولكن يجب أن يكون المقام الأول في الدعوة الاهتمام بإيقاظ الناس، واجتذابهم عن طريق التبشير والإنذار. وقد بين الله - سبحانه - أن هذه مهمة الرسل - عليهم السلام -:
(رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيما)(سورة النساء، آية (165))
فمن اهتم بهذا الجانب من الدعوة كان من سالكي منهج الرسل - عليهم السلام - وحَرِيٌّ به أن يستجاب له إذا خلصت نيته.
إنه لاشك أن الإسلام يصل بالفرد وبالمجتمع الإنساني إلى أعلى المستويات في جميع المجالات: الأخلاقية والتربوية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها مما تقوم عليه الحياة الكاملة لأن الإسلام دين الله - تعالى -، وهو - سبحانه - أعلم بما يصلح عباده في كل أمور حياتهم، بخلاف المناهج البشرية التي مهما علت لا يمكن أن توضع في مجال موازنة مع تشريع الله - سبحانه - خالق البشر.
وإنه من المفيد جدًّا في مجال الدعوة أن يقوم الدعاة ببيان عظمة الإسلام في كل هذه المجالات، من ناحية أثرها في إصلاح الفرد والمجتمع في هذه الحياة الدنيا، ولكن يجب أن لا يكون هذا هو الأساس الذي تقوم عليه الدعوة بحيث يُغفل الدعاة مجال الدعوة بالتبشير بالجنة والتحذير من النار، أو يقصرون في ذلك، وذلك أنه بإمكان الكفار أن يدَّعوا بأن لديهم مناهج تقوم بإصلاح الفرد والمجتمع في المجالات المذكورة، وأن يضربوا على ذلك أمثلة واقعية من مجتمعهم المتقدم نسبيًّا في هذه المجالات أو بعضها وهم لا يدركون عظمة الإسلام في هذه المجالات إلا بعد التعمق في دراسته، وقليلاً ما يتم ذلك ولكن لا يستطيعون أن يدَّعوا بأن مناهجهم تلك توصل مطبقيها إلى دخول الجنة والنجاة من النار، فتبقى مناهجهم بذلك مناهج دنيوية، ويبقى في شعور كل مفكر عاقل فراغ في التفكير فيما سيؤول إليه بعد الموت، ولن يجد في كل الحضارات المادية والأفكار البشرية إجابة على سؤاله هذا، وإنما يجده في الدين الإسلامي وحده.
إن في اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - المتكرر طوال حياته الدعوية بالتبشير بالجنة والتحذير من النار دلالة على أهمية غرس الوازع الديني في النفوس حتى يصل المسلم إلى درجة عالية من التضحية بالدنيا من أجل الآخرة، فأما حينما يكون الإعجاب بالإسلام والانجذاب إليه لكونه يحقق لمعتنقيه مناهج عالية في مجالات الحياة الدنيا فقط فإنه لا ينتظر من هؤلاء أن يضحوا بحياتهم ومصالحهم الدنيوية من أجل الإسلام.
وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإني لا أملك لكم من الله شيئًا " دلالة واضحة على أنه لا ينجي الإنسان يوم القيامة إلا إيمانه وعمله الصالح، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينقذ من النار حتى أقرب أقاربه، فإن ذلك لا يكون لغيره من البشر مهما بلغوا من الولاية والصلاح.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " غير أن لكم رحمًا سأبلها ببلالها" يعني إذا كنت لا أستطيع إنقاذكم من النار إلا بدخولكم في الإسلام فإن ذلك لا يمنعني من أن أصلكم في الدنيا لقرابتكم مني.
وهذا الاستثناء له أثره الكبير في إبقاء حبل الوصل مع عشيرته، لأنهم وهم كفار لا يهتمون إلاَّ بالحياة الدنيا، وقد أعلن لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لن يتغير شيء في حياته عما كان عليه من صلة رحمه، فلعل بقاء هذا الخيط الذي يعرفونه ويقدرونه يكون سببًا في إيمانهم بما أنكروه من دعوته ولم يقدروه حق قدره.
وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أبقى على صلته مع أقاربه وهم كفار، فمن باب أولى لعموم المسلمين وخاصة للدعاة أن يبقوا على صلتهم بأقاربهم المسلمين وإن أنكروا منهم بعض السلوك أو جابهوهم بشيء من النفور والتحدي، من أجل أن تكون هذه الصلة سببًا بعد ذلك في عودتهم إلى الالتزام بالدين واحترام دعاته المخلصين.
وهذا لا يتعارض مع المنهج التربوي الذي سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في معاملة بعض المذنبين، كما حدث مع الثلاثة المتخلفين يوم تبوك حيث كان الهجر شاملاً حتى مع أقاربهم..لا يتعارض مع ذلك لأن المقصود في الأمرين واحد وهو الدعوة.
فالإبقاء على صلة الرحم مع من وقعت منهم المخالفات الشرعية يقصد به دعوتهم إلى الهداية والاستقامة، وكذلك الهجر التربوي حينما يكون هو العلاج الناجح في تزكية النفوس وعلاجها من أدوائها فإن المقصود به دعوة أولئك المقصرين إلى الاستقامة على الصراط المستقيم، وكلا المنهجين الدعويين داخلان في الدعوة إلى سبيل الله - تعالى - بالحكمة.
http://www.olamaalshareah.net المصدر:
==============
مواقف دعوية من السيرة النبوية ( 14 )
أثر دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في تحطيم الطغيان
د. عبد العزيز بن عبد الله الحميدي
الطغيان في اللغة التعدي وتجاوز الحد ([1]).
والمقصود به هنا سلب شيء من خصائص الألوهية من الخالق - جل وعلا - ومنحه للمخلوق، فهذا من التعدي على الله - سبحانه - ومن التجاوز بالمخلوق فوق حده.
وقد ظهر الطغيان في عهد الجاهلية على ضربين:
الأول: منح الأصنام حق العبادة من دون الله - تعالى -.
والثاني: منح زعماء المشركين حق التشريع من دون الله - تعالى -.(14/91)
فأما الأول فإنه قد انتشر في جزيزة العرب انتشارًا واسعًا، وكان العرب في ماضي حياتهم على دين إسماعيل - عليه السلام -، وهو التوحيد إلى أن دخلت عبادة الأصنام في حياتهم.
وكان أول من أدخل عبادة الأصنام على العرب عمرو بن لُحَيّ الخزاعي، كما جاء في حديث أخرجه الحاكم، وفيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن ذكر النار: " ورأيت فيها عمرو بن لحي يجر قصبه في النار، وأشبه من رأيت به معبد بن أكثم الخزاعي، فقال معبد: يا رسول الله أتخشى عليَّ من شبهه فإنه والدي؟ قال: لا، أنت مؤمن وهو كافر، وهو أول من حمل العرب على عبادة الأصنام ".
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي ([2]).
وانتشرت عبادة الأصنام في بلاد العرب حتى دخلت إلى بيوتهم، وفي بيان ذلك يقول ابن إسحاق: واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونه، فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسَّح به حين يركب، فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره، وإذا قدم من سفره تمسح به، فكان ذلك أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله ([3]).
وقد أخذت عبادة الأصنام أشكالاً متعددة منها السجود لها والطواف حولها والنحر عندها، والتمسح بها.
ومن مظاهر إشراكهم الأصنام مع الله - تعالى -قول بعضهم في تلبية الحج " لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك " ([4]).
هذا وقد انتشرت عبادة الأصنام في أكثر الأمم الجاهلية كما سيتبين لنا في عرض مواقف الفتوحات الإسلامية.
أما الضرب الثاني من الطغيان فهو منح زعماء المشركين حق التشريع من دون الله - تعالى -فهذا واضح في جميع الأمم ومنها قبائل العرب حيث كان الزعماء هم الذين يشرعون للناس ما ينظمون به حياتهم من غير رجوع إلى وحي سماوي، وكان بروز دور الزعماء في حياة الأمم ذات الحكومات أكبر مما هو عليه عند العرب الذين كانت تغلب عليهم الحياة القبلية.
وحينما تكون القلوب ممتلئة بتعظيم الأصنام والخوف منها وبتعظيم البشر والرهبة منهم فإن تصورات الإنسان تكون منحرفة عن الخط المستقيم، لأن فكره سيكون مشغولاً بهذا الإطار، من تقديم مظاهر التعظيم والولاء والخوف والرجاء رغبة فيما عندهم من الخير واتقاء لما عندهم من الشر الذي يكون من نسج الخيال وهيمنة الأوهام بالنسبة للأصنام، ومن المغالاة في تقدير الأسباب التي يمكِّن الله - تعالى -منها طغاة البشر واعتبارهم مستقلين بها عن إرادة الله - تعالى -وقدرته.
وبالتالي يكون السلوك منحرفًا نحو عبادتهم من دون الله - تعالى - وذلك ظاهر في الأصنام، ومغلف بالنسبة للطغاة لعدم تقديم مظاهر العبادة الظاهرة لهم ولكن بتقديم رضاهم على رضا الله - تعالى -، وما يحبونه على مايحبه، واجتناب سخطهم وغضبهم وإن غضب الله - جل وعلا - عليهم.
وإن مهمة الداعية الحقيقية هي الجد في محاولة تفريغ قلوب هؤلاء المستعبدين وتطهيرها من رجس عبادة الأوثان من الأصنام ومن طغاة البشر، وذلك ببيان حقارة الأصنام وعدم تمتعها بخصائص الإنسان العاقل فضلاً عن خصائص الألوهية، وببيان جرائم الطغاة ومظاهر الضعف والتناقض في أحكامهم وقراراتهم لتحطيم كبريائهم وتطهير العقول من اعتقاد عظمتهم وقداستهم.
ولقد قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعوته بهذه المهمة خير قيام، حيث حطم الطغيان البشري القائم في عهده، وأحل محله العبودية الكاملة لله - عز وجل -.
وقد أخذ جهاده لتحطيم الطغيان مسلكين:
المسلك الأول: ما قام به من تحقير الأصنام وتسفيه عبادتها وإظهارها بمظهر العاجز الذي لا يبصر ولا يسمع، ولا يضر ولا ينفع، وقد نزلت في هذا المعنى آيات كثيرة منها قول الله - تعالى -: (أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (192)وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (198))[الأعراف: 191 198].
وقوله - تعالى -: (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا) [الفرقان: 3]
وقوله - تعالى -: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ - سبحانه وتعالى - عَمَّا يُشْرِكُونَ) [يونس: 18].(14/92)
وقوله - تعالى -: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)) [فاطر: 13 14].
وقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج: 73].
وقوله - تعالى -: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا) [فاطر: 40].
وقوله - تعالى -: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ) [سبأ: 22].
ففي هذه الآيات بيان عجز الأصنام وعدم أهليتها لأن تكون آلهة تعبد من دون الله - تعالى -، حيث فقدت الحواس والأعضاء اللازمة لكل حي كي يتحرك ويعمل، فضلاً عما هو فوق ذلك مما هو من خصائص الإله القادر كالإيجاد من العدم والملك المطلق لكل ما في السموات والأرض.
وليس المقصود بنقد عبادة الأصنام وتحطيم طغيان الكفار بها أن يقوم المسلمون بسبِّ تلك الأصنام، فإن السب لا ينتج تحطيمًا وقر في النفوس من تعظيمها وإنما يدفع عابديها إلى شيء من رد الفعل فيسبوا الله - جل وعلا - عن ذلك، ولذلك نهى الله - سبحانه - المسلمين عن هذا السلوك بقوله: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 108].
فالسب والشتم نُزُول في مجال الجدل ولا يقوم به إلا من فقد الحجة والبيان في الدفاع عن قضيته، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعطاه الله - تعالى - أعلى البيان البشري وأبلغ الحجة، مع ما هو مؤيد به من الوحي الإلهي العظيم.
أما الآيات السابقة التي اشتملت على نقد عبادة الأصنام فليست من باب السب والشتم، وإنما هي من النقد المشتمل على بيان الحقائق، ومن هذه الحقائق أن الأصنام عاجزة عن خلق الأشياء من العدم، وأنها لا تستطيع نصر عبادها ولا نصر أنفسها، وأنها لا تملك لنفسها ضرًا ولا نفعًا، فضلاً عن أن تمنح ذلك عابديها، وأنها لا تستطيع إماتة الناس ولا إحياءهم، وأنها لا تملك مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.
فهذه الحقائق الناصعة لا يستطيع الكفار أن يجيبوا عنها إلا بالإقرار والاعتراف بصدق ما جاء في القرآن من وصف أصنامهم، بينما لا يستطيعون أن يصفوا الله - جل وعلا - بتلك النقائص لأنهم يقرّون بتوحيد الربوبية، وإنما جحدوا توحيد الألوهية.
والمسلك الثاني: القيام بتحطيم طغاة الكفار الذين كانوا يتزعمون قومهم ويشرعون لهم القوانين التي يسيرون عليها في هذه الحياة، حيث إن الطغيان في ذلك الزمن يتمثل في شرك العبادة، وذلك بعبادة الأصنام من دون الله - تعالى -، وفي شرك الطاعة، وذلك بطاعة السادة والزعماء الذين يشرعون للناس من دون الله - تعالى -.
ولقد نزل في توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تحطيم الطغيان البشري آيات كثيرة، منها: -
قوله - تعالى -: (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (122)) [الأنعام: 121 122].
وقوله - تعالى -: (وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)) [يونس: 4243].
وقوله - تعالى -: (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ) [الأنبياء: 45].
وقوله - تعالى -: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)) [الأنبياء: 98 100].
وقوله - تعالى -: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ) [الزمر: 64].(14/93)
وقوله - تعالى -: (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (9) مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10)) [الجاثية: 7 10].
ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجهر بتلاوة هذه الآيات وأمثالها ولايداري المشركين بالإسرار بها، وكان من الأهداف الكبيرة والحكَم البالغة من نزول هذه الآيات الشديدة على المشركين أن يتحطم الطغيان الذي عشش في أفكار زعماء الكفار وسادتهم، وأن يتلاشى شيئًا فشيئًا ما وقر في نفوس الأتباع من تعظيمهم والرهبة منهم.
ولقد سبقت أخبار تبين جرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - على زعماء الكفار وستأتي أخبار أخرى في هذا المجال.
ولقد اجتمع على سيادة مكة آنذاك عدد من أشراف قريش منهم أبو جهل عمرو بن هشام وأمية وأبي ابنا خلف والوليد بن المغيرة وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب والعاص بن وائل، وكانوا جميعًا يعادون الإسلام ويحكمون أهل مكة بالقوانين التي تعارفوا عليها، وكان من الصعب على أفراد الناس أن يخالفوهم في شيء من ذلك، بل إنّ قوانينهم تلك اكتسبت القداسة الدينية لكونها مما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، فلما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمخالفتهم في ذلك والإنكار عليهم وتسفيه آرائهم وعيب ما ورثوه عن أسلافهم أنكروا ذلك منه وناصبوه العداء، وساءهم أن بعض أشرافهم قاموا بحمايته وأبرزهم عمه أبو طالب.
وكان لزعماء مكة المذكورين شأن كبير في نفوس أكثر أهل مكة، بل في نفوس قبائل العرب، وقد بلغ تعظيم أتباعهم لهم في مكة حد العبادة حيث خضعوا لهم في القوانين التي كانوا يؤمنون بها ويحمونها وينفذونها، فكان من أعظم مَهامِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوته أن يزيل من النفوس ما وقر فيها من تعظيم هؤلاء الطغاة، وأن يمحو من القلوب أي حب أو تقدير لهم، لأن تمكن محبتهم وتعظيمهم في القلوب يزاحم وجود الإيمان بالله - تعالى -وتعظيمه، وبالتالي يتكوَّن سلوك الناس في الحياة وتصوراتهم على ما يرسخ في القلب من المعتقدات.
لقد كان من أول ما يتخلى عنه المؤمنون بالإسلام آنذاك أن ينفضوا من قلوبهم أي غبار علق بها من الولاء للأصنام أو للطغاة الذين يحاولون أن يتحكموا في مصائر الناس وأن يحددوا لهم المعتقدات التي يؤمنون بها والسلوك الذي يسيرون عليه في الحياة.
ولقد كان الرجل يمسي كافرًا وقلبه عامر بحب أولئك الأوثان من الحجارة وطغاة البشر، ثم يصبح مؤمنًا وقد محا من قلبه أي وجود لتلك الأوثان.
ولقد كان من مظاهر ولاء الكفار لطغاتهم أنهم كانوا يُكثرون من الثناء عليهم وذكر محاسنهم ويغضُّون الطرف عن مساوئهم، بل كانوا يسِّوغون مساوئهم ويحوِّلونها إلى محاسن ومحامد.
لقد كان أولئك الطغاة يقودون قومهم إلى الضلال في الدنيا والنار في الآخرة رغم وضوح الحق لهم واعتراف بعضهم بذلك، ومع ذلك يتبعهم عامة الناس إلى هذه الحياة المظلمة والمصير المهلك، وقد ألغوا عقولهم وحصروا تفكيرهم في محاولة كسب رضا أولئك الطغاة والحصول على شيء مما يجري على أيديهم من متاع الدنيا الزائل، أو كسب الجاه الوهمي الذي يحاول الطغاة رفعهم إليه.
ولقد كان يحصل من أولئك الطغاة غالبًا تمجيد لأولئك الأتباع الذين يسيرون في ركابهم، وثناء عليهم بذكر فضائلهم، وما ذاك إلا لأن الطغاة لا يقوم وجودهم إلا على أتباعهم من عموم الناس، فإذا فقدوا هذه القاعدة سقطوا، فوجود كل من الطائفتين مرتبط بوجود الطائفة الأخرى.
وكما أن العامة محتاجون إلى الطغاة في بعض أمور معاشهم وتَبوُّء المكانة الاجتماعية التي يطمحون إليها فإن الطغاة محتاجون إليهم لأنهم الركيزة التي يقوم عليها مجدهم، بل إن حاجة هؤلاء إلى العامة أعظم وأهم، لأن وجود مجدهم يقوم على أولئك العامة بينما يستطيع العامة لو عقلوا وتفكروا أن يتخلوا عنهم وأن يبحثوا عن ما يحقق مصالحهم في الدنيا والآخرة.
وهكذا فعل المؤمنون في مكة حيث حرروا أنفسهم من أوهام الجاهلية ومن ربقة تبعية أولئك الطغاة، فأصبحوا ينظرون إليهم بازدراء واحتقار، ويعدُّونهم من معالم الوثنية التي جاء الإسلام للقضاء عليها وتحرير عقول الناس منها.
إن ما قام به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تحرير عقول الناس من تبعية طغاة البشر قد أتاح لهم فرصة عظيمة من التفكير والإبداع في هذه الحياة، فليس أمام المؤمنين من يطلبون رضاه ويجتنبون سخطه إلا الله - تعالى -، ثم هم بعد ذلك يتحركون غير مقيدين بالخضوع لبشر مثلهم، وإن كان الإسلام قد أوجب عليهم طاعة ولاتهم فإن ذلك من طاعة الله - جل وعلا -، مادام الجميع خاضعين لذلك المبدأ العظيم وهو طلب رضوان الله - تعالى -واجتناب سخطه.
-------------
(1)مفردات الراغب /304.
(2) المستدرك 4/605.
(3) سيرة ابن هشام 1/91.
(4)سيرة ابن هشام 1/86.
http://www.olamaashareah.net المصدر:
=============
بصمات دعوية ... بصمات تربوية ... !
هذه بصمات.. تحيّرت في اختيار عنوانها وإطارها.. فوجدت أن (بصمات) أليق بها...(14/94)
(بصمات) هي مواقف دعوية، وتربوية كانت لها إشارات لطيفة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، يميز هذه البصمات روحانية شفافة، ومعنى عميق في مضمونها، يحتاجها الدعاة والمربون في طريق سيرهم إلى الله، وهي أشبه ما تكون بلطائف دعوية ونكات تربوية.. قد يمر عليها القارئ في موطنها فلو تأمل فيها لوجد فيها عمقاً في المعنى ولاستخلص منها زاداً يعينه على الطريق
البصمة الثانية: الصفح الجميل. !
قال الله - تعالى -: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (الحجر: 85)
هذه الآية من الآيات المكية التي نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يؤمر بالقتال، وبعض السلف - رحمهم الله - تعالى -حين يتعرضون في التفسير لهذه الآية يقولون: (فاصفح الصفح الجميل) كان هذا قبل أن يفرض القتال. !
فكنت أتعجب من هذا الأمر (فاصفح الصفح الجميل)!
وتحدثني نفسي أن في الأمر لطائف أوسع من أن يكون أمرا بالصفح إلى أمد.. !
فلفت نظري معنى أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -حين سئل عن الصفح الجميل فقال:.. صفح بلا عتاب.. !
فوجدت أنه قد أعطى هذا الأمر صفة مهمة في الصفح.. وفي غمرة القراءة وقعت عيني وأنا أقرأ في تفسير هذه الاية على معنى لطيف بديع ذكره العلامة المربي الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - في تفسيره.. يقول: (فاصفح الصفح الجميل) هو الصفح الذي لا أذية فيه، بل قابل إساءة المسيء بالإحسان، وذنبه بالغفران، لتنال من ربك جزيل الأجر والثواب.....
يقول: وقد ظهر لي معنى أحسن مما ذكرت هنا، وهو: أن المأمور به هو الصفح الجميل أي: الحسن الذي قد سلم من الحقد، والأذية القولية والفعلية. دون الصفح الذي ليس بجميل، وهو: الصفح في غير محله. !
فلا يصفح حيث اقتضى المقام العقوبة، كعقوبة المعتدين الظالمين، الذين لا ينفع فيهم إلا العقوبة، وهذا هو المعنى. أ. هـ
ففرحت فرحا عظيماً يهذا المعنى اللطيف البديع الذي أعطى الآية مجالاً أوسع للعمل والتطبيق من أن تكون أمراً ينقضي بأمد أو حال معين!
ومعنىً أعمق من أن يكون الصفح جانباً من اللين دون الشدّة!
ولي أن أقف وإياكم هذه الوقفات مع (الصفح الجميل)
الوقفة الأولى: صفح بلا أذى.
ان الداعية والمربي الذي يتعرض للناس بالتربية والدعوة لاشك وأنه لن يعاشر أناساً لا يخطئون أو يقصرون، بل إنه يجد الخطأ حتى من المعين الرفيق معه على الطريق..
وإساءة الآخرين إما أن تكون إساءة لك في ذاتك وشخصك وإما أن تكون إساءة في المجموعة والأفراد بعدم التزام الأمر أو التقصير في العمل. !
ونستطيع أن نتلمس الموقف النبوي والحكمة النبوية في الموقف من كلا الحالين بتطبيق هذا الأمر الرباني (فاصفح الصفح الجميل)
فأما إساءة الناس لك بالشتم أو اللمز أو الهمز أو ما شابه ذلك فقابله بالصفح الجميل الذي لا تاب فيه ولا أذى لأن الناس من حولك منهم من يجهلك ويجهل ما تحمل!
ومنهم من يكون غُرر به، ومنهم الأعرابي ومنهم الحاسد الحاقد.. فإنك حين تتعامل مع
هؤلاء بالصفح الجميل يكون أيلغ في الأثر عليهم وأدعى لقبول دعوتك.
كم قرأنا من قصص الأعراب الذين يدخلون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسيئون إليه برفع الصوت أو بجبذ رداءه أو بعدم الأدب معه في المخاطبة والطلب!
ومع ذلك لا يعدو - صلى الله عليه وسلم - أن يتبسم تبسم المشفق الحريص ويعطي السائل سؤله.
اقرأ مثلا.. قصة الأعرابي الذي قال: يا محمد أعطني من مال الله لا من مالك ولا من مال أبيك. !! وآخر يجبذ رداءه - صلى الله عليه وسلم - حتى يؤثر الرداء على كتفه - صلى الله عليه وسلم -. !!
وآخر يدخل وهو يصرخ إنكم يابني عبد المطلب قوم مطل!!
وهكذا.. يجد منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا كثيرا فما يعدوا التبسم والإشفاق على السائل والطالب.
أمّا حين يجد الداعية ممن يدعوهم خطأ أو تقصيراً أو خللاً أو سوء تنفيذ في أمر أو مهمة فهو هنا إما أن يتجاوز وإما أن يحاسب ويعاقب.
فإن تجاوز فإنه يُخشى من أن يصيب المجموعة برود الشعور والإحساس بالمسئولية والمحاسبة الذاتية، وهو إن حاسب وعاقب ودقق فقد يصاب بخيبة الهجر والترك والابتعاد والنفور!
وهنا نجد وقع هذا الأمر الرباني (فاصفح الصفح الجميل) الصفح الجميل الذي يبين للمخطئ خطأه وتقصيره لكن من غير أذى بقول أو فعل أو توبيخ.
إننا نخطئ في تربيتنا حين نركز على المخطئ لا على الخطأ.. على أن الأهم في العملية التربوية هو تصحيح الخطأ وكسب المخطئ.
فتصحيح الخطأ يكون بالبيان والتنبيه، وكسب المخطئ يكون بعدم إيذائه والتشنيع عليه.. هذا المنهج نجده واضحا جلياً في حادثة الغامدية التي زنت وجاءت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليطهرها فأقام عليها حدّ الرجم فوقع بعض دمها على بعض الصحابة فتكلم عليها.. فنهاه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك وقال (لقد تابت توبة لو وُزّعت على أهل الأرض لكفتهم)!
تأمل كيف أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان حريصا على معالجة الخطأ لا على التشنيع
على المخطئ.. وفي يوم أُتي له برجل قد شار ب الخمر فلعنه أحد الصحابة رضوان الله - تعالى -عليهم فقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تلعنه. إنه يحب الله ورسوله)!
وفي يوم يدخل عليه شاب يمتلئ قوة وفتوة وهو يقول يا رسول الله: أئذن لي بالزنا!!(14/95)
فيغتاظ بعض الصحابة رضوان الله - تعالى -عليهم.. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبسم ويدني هذا الشاب منه ثم يقول له: أترضاه لأمك لأختك.. فكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم وأخواتهم..
فيخرج الشاب مؤمنا قد ذهب ما في نفسه وكبح جماحها عن ما أراد.
ومن هذه المدرسة النبوية تخرج الصحابة رضوان الله - تعالى -عليهم وساروا على هذا النهج وقف قليلا مع هذا الموقف.
مرّ أبو الدرداء - رضي الله عنه - على رجل قد أصاب ذنباً فكانوا يسبّونه فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟
قالوا: بلى. قال: فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله الذي عافاكم.
قالوا: أفلا تبغضه؟
قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي، !!!
إن من واجب الدعاة اليوم أن يتعاملوا مع من يدعون على أساس رابطة الأخوة التي جمعهم عليها هذا الدين.. لا أن يتعاملوا معهم كغرماء خصماء، إما أن يكون ولا نكون أو نكون ولا يكون!!!
الوقفة الثانية: صفح في لين وصفح في شدّة.
كنت حين أقرأ عن خلق الصفح عن المسيء وعظيم الأجر فيه فقد كان يقفز إلى الذهن ذلك المعنى المألوف أنه هوالصفح في لين بالتجاوز والتغاضي عن المسيئ!
وحين وقعت على كلام الإمام العلامة ابن سعدي - رحمه الله تعالى -وجدت أنه أفادني معنى أعمق من التجاوز والتغاضي عن المسيئ.
إن من الصفح الجميل أن توقع العقوبة على المخطئ متى ما كان الحال يحتّم عليك عدم التجاوز والتغاضي..فالصفح الجميل أن يكون اللين في محله والشدّة في محلها .......
http://saaid.net المصدر:
==============
الهجر المعنوي
يحمل القرآن في طياته القيم والمفاهيم والبرامج التي يحتاجها الإنسان في حياته، والقرآن مشروع تحرير وتنوير « يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ » (سورة الأعراف آية157)
وعلى الرغم من أننا نقرأ هذه الآية وأمثالها ولكنها لاتحرك فينا ساكناً، ذلك لأننا نعيش حالة الهجر مع القرآن، كالولد الذي يسمع كلمات أبيه دون أن يعمل على تطبيقها استهانة واستخفافاً..
إن أمتنا الإسلامية تمتلك أفضل البرامج وأفضل القيم لإدارة حياتها؛ وأول برنامج يراه القرآن الحكيم هو العلم والتعلم (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (سورة العلق آية1) فما هي مدى استجابتنا للقراءة والمطالعة وهي أول آية ينزل بها كتابنا؟
وأين نحن من الشورى أين التعاون والوحدة أين النظام أين وصلنا بمستوانا السياسي والاجتماعي والديني المعاش..إن تخلفنا في كل ذلك مؤشر واضح على داء الهجر الذي انتابنا فصار القرآن لايتجاوز تراقينا..
ينبغي لنا أن نراجع أنفسنا (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا) على الصعيدين الظاهري والعملي، ماذا تركنا وماذا ينبغي علينا أن نصل وماذا نترك حتى يصدق علينا أننا متمسكون بالقرآن بعيدين ممن يقف الرسول الأعظم في قبالهم وهو ينادي (يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)
http://quran.al-shia.com المصدر:
============
الدعوة في أوكار البالتوك ... بين مؤيد ورافض
تحقيق : جابر الحجي
كانت ثورة الاتصالات من أغرب الثورات التي مرت بها البشرية. فهي ثورة جمعت المتضادات: فرَّقت بين أناس، وجمعت بين آخرين.. قلبت كثيراً من المفاهيم، وحطمت كثيراً من القيم، وفي نفس الوقت نشرت اللم والوعي، وكانت سبباً في إيصال نور الإسلام إلى كثير من القلوب التي طالما عاشت في ظلمات الكفر والإلحاد.
كان من أبرز ما تمخضت عنه هذه الثورة برنامج عجيب أطلق عليه اسم (البالتوك). والبالتوك بحر متلاطم يموج بمختلف الأصناف من البشر: فذاك شيخ يجلس في منزله يدعو إلى الله على بصيرة، وينشر بين الناس ما أنعم به عليه الله من علم عبر هذا البرنامج العظيم، وذلك صاحب شهوة مسرف على نفسه يقضي الساعات الطوال متنقلاً في غرفات البالتوك مطاردا الحسان من غرفة إلى غرفة لا يردعه رادع ولا ينهاه وازع.. وذلك صاحب شبهة يحال مستميتاً إضلال عباد الله بنشر شبهاته وانحرافاته وهو يحسب أنه من المحسنين صنعا... إلى غير ذلك مما حفلت به البشرية من توجهات واهتمامات.
كان من اللافت في هذا العالم العجيب قيام بعض الشباب من أصحاب الفطر السليمة بالدخول إلى الغرف المنحرفة بجميع أنواعها ومحاولة التصدي لكل ما يسيء إلى دينهم الحنيف بكل ما يملكونه من حجج وأدلة.
وهنا تأتي التساؤلات التي تفرض نفسها:
هل هؤلاء الشباب مؤهلون علمياً وشرعياً وفكرياً للتصدي لمن يبثون الشبهات حول الإسلام أو مذهب أهل السنة والجماعة؟
هل يملك هؤلاء الشباب الحصانة العلمية والفكرية التي تمنعهم من الانجراف مع أهل الأهواء؟
هل لهؤلاء الشباب القدرة على مقاومة ما يبث في الغرف الجنسية من أشياء يندى لها الجبين؟
للإجابة على هذه التساؤلات قامت (شباب) بإجراء التحقيق التالي، والتقت ببعض هؤلاء الشباب الذين أجابوا على أسئلتنا بإجابات كشفت الكثير من أسرار الغرف التي يرتادونها، كما التقت المجلة ببعض المختصين الذين كشفوا النقاب عن إجابات شافية لتساؤلاتنا السابقة.
تعريف بالبالتوك:(14/96)
البالتوك هو برنامج للمحادثة يتكون من غرفة عامة وغرف خاصة، بكل غرفة يمكن لعدد كبير من الأشخاص الكتابة بحرية، ويسمح لشخص واحد بالتحدث صوتياً في اللحظة الواحدة في غرفة واحدة، كما يسمح بعرض فيديو لـ 6 كاميرات. وإذا كان الاشتراك مجانياً فلا يمكن أن ترى الصورة متحركة، بل تكون الصور ثابتة، أما إن كان مدفوع الثمن فتكون الصورة متحركة، ومن مميزات برنامج البالتوك أن الكاميرا وعدد الأشخاص الموجودين لا يؤثر أبدا على نقاوة الصوت.
الجدير بالذكر أن البالتوك صادر عن شركة أمريكية يهودية، وهذه الشركة متعاونة تعاوناً كاملاً مع القانون. بمعنى أنها تزود أي جهة قانونية بأي معلومات تطلبها عن أي مستخدم ساهم أو شارك في قضية يعاقب عليها القانون، وتتضمن هذه المعلومات كل ما يمكنها من الحصول عليه من صور أو رسائل أو معلومات اتصال وعناوين وما إلى ذلك.
(س. ع) 20 عاما طالب بجامعة الإمام بقسم الحاسب الآلي في الرياض. صادفته في إحدى الغرف الخاصة بأحد المذاهب الضالة. كان يحاول التصدي لبعض آرائهم المنحرفة والمتعلقة بأهل السنة والجماعة.
حول غرضه من دخول هذه الغرف يقول (س. ع): دخلتها بغرض الاطلاع على عبادة هؤلاء وضلالاتهم.
وحول الآثار السيئة لأفكارهم المنحرفة يقول (س. ع): لا أخاف أن تؤثر عليَّ أفكارهم؛ لأنني واثق من نفسي.
ويعترف (س. ع) أنه لا يملك القاعدة العلمية التي تؤهله لمناقشة هؤلاء. وعندما سألته: وهل تغني الثقة بالنفس عن العلم الشرعي في مواجهة شبهات هؤلاء المنحرفين؟ كان جوابه: أظن ذلك؛ لأن الشخص الواثق من دينه لا يستطيع أحد أن يغيره له.
ورغم ما ذكر فإن (س. ع) ينصح الشباب بعدم دخول هذه الغرف؛ لأنه كما يقول ليس كل شاب واثقاً من نفسه، كما أن النفس أمارة بالسوء.
(س. ع) موقن بأنه لا يستطيع تغيير أفكار من يناقشهم، ولكن غرضه الأساسي من مناقشتهم هو التعرف على ضلالاتهم كما ذكر سابقاً.
أما عن سبب عدم اطلاعه على انحرافات هؤلاء من الكتب والمواقع الإلكترونية الموثوقة فيقول: لم أر هذه المواقع، كما أني لا أحب القراءة.
إنهم يشتمون الصحابة
وفي نفس الغرفة كان هناك فهد العتيبي 25 سنة طالب في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران متخصص في الهندسة الكهربائية.
فهد مستخدم جديد للبالتوك. لفت نظره تهجم هؤلاء القوم على صحابة رسول الله وبخاصة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - وعندما رأى أنهم يحاجون بالباطل والكذب رأى أن يشارك في هذه المناقشات بالضحك عليهم، والتسلي بإغاظتهم كما يقول.
وبالفعل كانت العبارات والقفشات المضحكة تغيظ البعض فيردون عليه، وما هي إلا لحظات إلا وتم منعه من الكتابة. قلتُ له مازحاً: تستاهل...
يقول فهد: إن هذه هي المرة الأولى التي أحاول فيها مناقشتهم، واكتشفت أنهم يحاجون بالباطل، ومصادرهم كاذبة.
يتفق فهد العتيبي مع (س. ع) بأن شبهات هؤلاء لا يمكن أن تؤثر عليه؛ لأن هذه الشبهات واهية وهو كما يقول راسخ في العقيدة ومؤمن، كما يتفق معه بنصح الشباب بعدم دخول هذه الغرف، لأن دخولها على حد رأيه لا فائدة منه، وهؤلاء القوم لا ينفع معهم النصح.
كان ثالث هؤلاء الشباب أبو محمد وهو طالب جامعي متخصص في اللغة الإنجليزية، يبلغ من العمر 24 عاماً ويعيش في مدينة خميس مشيط.
أسلوب عقلاني
كان أبو محمد يناقش هذه الطائفة بأسلوب عقلاني جاد دون تهجم أو تجريح، الغرض الأساسي الذي دعا أبا محمد لدخول هذه الغرفة هو حب الاستطلاع والثقافة وحب الدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام. وهو قليلاً ما يدخل هذه الغرف.
وعن مؤهلاته العلمية للرد على هؤلاء يقول: مؤهلاتي بسيطة، لكن الدفاع عن دين الله فرض على كل مسلم على قدر استطاعته، والحمد لله شبههم واهية والردود سهلة غالبا.
وحول الخوف من تأثره بشُبههم يقول: لا والحمد الله، لا أخشى من ذلك، بل إن شبههم كان لها أثر عكسي، علمتني كيف أرد على الشبهات، وزادت إيماني وأصبح أقوى والحمد لله.
أبو محمد لا يهتم بدخول الشباب لهذه الغرف فكل شخص لديه اهتمام مختلف، قد يحب بعض الأشخاص الدخول هنا للاستطلاع، وقد يكون لديه اهتمامات أخرى، وكل واحد حر في أن يختار الغرفة التي يريد.
إذن ألا تخاف على الشباب من شبهات هذه الفرقة؟ يقول أبو محمد: الشبهات ستصل إلى الشباب في أي مكان، داخل هذه الغرفة أو خارجها. والأفضل أن يتعلم المسلم كيف يرد على هذه الشبهات.
أما عن الاستماع إلى شتم الصحابة الكرام فيقول أبو محمد: طبعاً يحرم البقاء في أي مكان يُستهزأ فيه بدين الله؛ ولذلك أنا لا أدخل الغرف التي يشتم فيها الصحابة، هذه الغرف تمنع ذلك بشكل عام، وتعطي الفرصة للرد عادة، إذا كان هناك شتم للصحابة فأنا لا أبقى فيها أبدا، وكذلك إذا لم أُمنح الفرصة للرد أخرج.
محاسن ومساوئ
وعن محاسن ومساوئ هذه الغرف يقول: لا أعتقد أنه لهذه الغرفة أية محاسن، فهي منبر لأهل الضلالة والزيغ، أما مساوئها فهي كثيرة جداً، يكفي أنها تسعى للنيل من الصحابة وللنيل من السنة النبوية المطهرة ليل نهار.
هل ترى فائدة من مناقشة أهل هذا المذهب؟
حول هذا السؤال يقول أبو محمد: مناقشتهم تشبه النفخ في قربة مقطوعة؛ ولكن الله قد هدى الكثيرين منهم، على العموم المسلمون مطالبون بالدعوة إلى دين الله والدفاع عنه وإقامة الحجة.
يُقر أبو محمد بأنه لم يدرس مذهب هؤلاء بشكل دقيق وواسع، ولكن عادة يرد على شبههم التي يلقونها من كتاب الله ومن السنة النبوية، و (طبعا أستعينُ ببعض المصادر أحيانا).
في غرفة النصارى
في غرفة النصارى كان الحال أشد وأنكى(14/97)
شتائم تعافها النفس وتقشعر منها الأبدان تُكال لسيد الخلق عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم.. استهزاء بكل ما هو مقدس عند المسلمين بأسلوب همجي تأباه النفس الإنسانية، ويرفضه العقل السليم... نقاشات بعيدة كل البعد عن أدب الحوار والمناظرة... إرهاب فكري يتمثل في مقاطعة كل مسلم يحرجهم بقوة حجته، ومنعه من الكلام أحياناً... والسماح فقط لأصحاب العلم الضعيف بمناقشتهم.
كان أبو ياسر (وهو طالب في كلية الشريعة بجامعة الإمام في بريدة، ويبلغ من العمر 23 عاماً) أحد المنهمكين في مناقشة القائمين على هذه الغرفة، وبمجرد أن قاطعته مستأذناً إياه بالحديث أبدى تذمره من دور أحد المذاهب المنحرفة والمحسوبة على الإسلام في تشويه سمعة المسلمين عند الأديان الأخرى.
يعترف أبو ياسر كسابقيه بعدم أهليته لمناقشة النصارى، ويبرر مناقشته لهم بقوله: أقول بعض ما عندي من علم وأفضح بعض كذبهم، وأدافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونظراً لعدم أهليتي لمناقشتهم مباشرة فإني أستخدم الكتابة فقط في ذلك ولا أستخدم اللاقطة (المايك) لمحاورتهم مباشرة لأن ذلك يحتاج إلى مشايخ كبار.
وحول وجود فائدة من مناقشتهم يقول أبو ياسر: نعم هناك فائدة تتمثل في تقديم ما عندي، وأتوقع أن أؤثر في بعضهم وقد سبق أن جادلت بعضهم وجها لوجه وحصل لهم تغير؛ لأن أكثرهم ليسوا مقتنعين بدينهم، وأخبرني صديق من بريطانيا أنهم ليس لهم دين كل شيء جربوه، ولم ينفع إلا الإسلام.
ويرى أبو ياسر أنه يستفيد من مناقشتهم بتقوية قدراته على المناظرة وكيفية الرد على شبهاتهم، وهذا يضطره أيضا إلى دخول بعض غرف أهل السنة والجماعة المتخصصة في الرد على الشبهات، كما يرجع إلى بعض المشايخ الفضلاء ويسألهم فيكون الجواب الشافي بإذن الله، وبذلك تكون الفائدة من وجهين.
لا يخشى أبو ياسر من أثر شبهاتهم في نفسه، لأنه كما يقول شديد الحذر في مناقشتهم، كما يرى أن دينهم هش ذو انحراف واضح، ويقول: كيف يقتنع عاقل إذا سمع أن عيسى هو الله أو أن عيسى ابن الله؟ - تعالى -الله عن ذلك علواً كبيراً وإذا كان عيسى هو الله كيف يُقتل؟! أو كيف تلده امرأة؟ أو كيف يشرب الخمر؟ أو كيف يذهب ليخرج الفضلات؟؟ هل هذا هو الله؟! أيقنع هذا؟!
وحول الإخوة الذين يدخلون هذه الغرفة لمناقشة النصارى ومؤهلاتهم العلمية يقول أبو ياسر: لا أعتقد أن الإخوة الذين يناقشونهم مؤهلين لذلك، إلا قلة، والنصارى إذا جادلهم شخص مؤهل يقاطعونه ويشوشون عليه حتى يفقد تركيزه.
وينصح أبو ياسر الشباب غير المؤهلين علمياً بعدم دخول هذه الغرف، وإذا أرادوا ذلك فعليهم أولاً بتعلم أحكام القرآن الكريم وتفاسيره ثم تعلم الحديث وفهمه فهماً جيدا وأيضا فهم العقيدة الصحيحة.
أما أحمد وهو طالب من جمهورية مصر العربية فقد خالف سابقيه في دواعي دخوله في هذه الغرفة، فغرضه الأساسي من ذلك هو العمل على إخراج الشباب المسلمين من هذه الغرف بنصحهم وتذكيرهم بحرمة دخولها، ويستدل على ذلك بقوله - تعالى -في الآية 140 من سورة النساء: (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفَرُ بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيرهِ إنكم إذاً مثلُهُم إن الله جامعُ المنافقين والكافرين في جهنم جميعا).
إضافة إلى ذلك فهو لا يرى فائدة من مناقشتهم رغم أنه يتدخل أحياناً ببعض المداخلات التي تحرجهم وتبين كذبهم، وسرعان ما يتركهم ويخرج.
نصيحة إلى كل شاب مسلم
وينصح أحمد عبر مجلة (شباب) كل شاب مسلم بعدم دخول هذه الغرف، ويدعو في الوقت نفسه أصحاب العلم والاختصاص إلى ارتياد هذه الغرف والرد على شبهات هؤلاء الحاقدين.
لفت نظري أثناء متابعتي لهذه الغرفة أن أحد المشاركين كان يكتب الآية السابقة من سورة النساء، ويكرر ذلك عدة مرات حاورته فذكر لي أن اسمه أبو فراس يبلغ من العمر 45 عاماً، وهو رجل أعمال من مدينة جدة.
أبو فراس دفعه الفضول إلى دخول هذه الغرفة؛ حيث كانت في أعلى قائمة الغرف بسبب كثرة مرتاديها، وعندما أراد معرفة السبب سمع المنكر فرأى لزاماً على نفسه أن ينهى عنه وينصح إخوته بالخروج وعدم الخوض مع أولئك الضالين، وكتب تلك الآية الكريمة.
ونظراً لما تمتلئ به هذه الغرفة من أكاذيب وشتائم فإن أبا فراس نادراً ما يدخلها رغم أنه يرى أن مناقشتهم مفيدة لأنهم قوم جاهلون وأصحاب شهوات دنيوية فقط، ولكن إذا خاضوا في حديث يسيء لنبينا - صلى الله عليه وسلم - يجب على كل مستمع من غير المناقشين أن يخرج.
ويتفق أبو فراس مع من سبقه في عدم أهلية غالب المناقشين للمناقشة، وفي نفس الوقت ينصح المناقشين بعدم سب النصارى حتى لا يسبوا نبينا محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام -.
وعما إذا كان الاستماع لشتائم هؤلاء يؤثر نفسياً في المسلم دون أن يشعر بحيث تُخدش صورة المقدسات في نفسه، ويتعود على سماع الشتائم تُكال في كل لحظة لكل ما هو إسلامي يقول أبو فراس: لا أضن ذلك؛ لأن المسلم متيقن من أن الله حق، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - حق، ومن شعر في نفسه بشيء من الشك فليقل (آمنت بالله ورسوله) ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
آراء المختصين في مواقع الإنترنت الدعوية
الشيخ الدويش: من المصلحة تجاهل بعض أهل الضلال
بمجرد انتهائي من إجراء هذه الحوارات بدأت بعض الأسئلة تدور في ذهني: تُرى هل يجب على المسلم أن يتصدى لكل ناعق يحاول النيل من الإسلام وأهله؟
بقول فضيلة الشيخ محمد الدويش المشرف على موقع المربي الإلكتروني حول هذا السؤال:(14/98)
بجب على المسلم أن يدعو إلى الله وأن بذب عن دينه ويدافع عنه، لكن لا يجب على كل أحد وجوبا عينيا أن يتصدى لكل ناعق، وبعض الناعقين قد يكون من المصلحة تركهم وشأنهم.
ويؤكد الدكتور محمد العتيق رئيس تحرير موقع المسلم الإلكتروني على ذلك فيقول:
ليس الرد على كل ناعق يحاول النيل من الإسلام واجبا فرديا يتحتم على كل فرد بذاته، فالناس يتفاوتون فهما وعلما ومعرفة وتجربة. وربما دخل في هذا المجال من لا يحسن فضلَّ وأضلَّ. ولكنه واجب كفائي يجب على مجموع الأمة، يقوم به بعضها من أهل العلم بالشريعة وطرق المناظرة وأصول المحاورة، وهنا جانب مهم آخر وهو أن بيئة الحوار والنقاش يجب أن تكون بيئة سليمة تتفق فيها الأطراف على أصول الحوار ويعتمدون قواعد عامة تضمن سير النقاش والحوار مسارا عادلا ومنصفا بعيدا عن التشويش والإثارة واللغط. وأنا أرى أن هذه البيئة السليمة للنقاش غير متوافرة في معظم إن لم أقل كل غرف البالتوك الحالية. وأنا شخصيا لم يسبق لي أن دخلت تلك الغرف ولكن مما أسمعه وأقرأه عنها فالنقاش والحوار فيها تسوده في معظم الأحيان مظاهر الفوضى والشعب.
ويرى الدكتور أحمد الصقر رئيس تحرير موقع الإسلام اليوم أنه من الضروري فهم البيئة التي نشأت فيها هذه الظاهرة حيث إن غالبية هذه الجهود التي يبذلها الشباب الذين تحدثوا في التحقيق تأتي نتيجة لمبادرات استفزازية يقوم بها الطرف الآخر تمس أقدس ما يعتنقه المسلم من معتقداته المتعلقة بالألوهية، أو النبوة أو القرآن الكريم، وهي قضايا كلية وجوهرية لا نستغرب أن تأتي ردود الأفعال حولها قوية أو سريعة في بعض الأحيان.
كما يؤكد في الوقت ذاته أن التصدي لكل ناعق يحاول النيل من الإسلام وأهله من فروض الكفايات، لكن إذا شعر المسلم من نفسه قدرة على المجادلة والمناظرة، وكان هناك مصلحة فثم الواجب.
اقتراح الدكتور العتيق
وحتى لا يقع الشاب المبتدئ في الدعوة في حرج جراء مناقشات لا قدرة له عليها يقترح الدكتور محمد العتيق طريقة تجنيه ذلك الحرج فيقول:
هناك نوع من المشاركة يمكن أن يتاح للعامة والمبتدئين ممن صادف دخوله تلك الغرف وهو أن يضع مواد مختارة بعناية من قبل تحتوي على مقالات وروابط وأرقام لمراكز دعوية ودعاة موثوقين ثم يخرج من الغرف. وهذه المشاركة أظنها تتيح لمن يبحث عن الحق أن يتعرف على الإسلام دون أن يضطر الشاب المبتدئ إلى الدخول في مناقشات وحوارات لا يستطيع الرد فيها على الشبهات أو التصدي لها بقوة.
إجابات الشباب في الميزان
ويعلق الدكتور محمد العتيق على إجابات الشباب السابقة فيقول:
أما ما قاله بعض المشاركين في هذا الحوار فمعظمه حق، ولكن ليس صحيحا ولا مقبولا ما قاله بعضهم من أن غرضه من الدخول هو التعرف على ضلالاتهم. وهذا مزلق خطير؛ فمعرفة الضلالات ليست هدفا بحد ذاته. وربما لو كان الرجل قليل البضاعة في العلم لأثر ذلك فيه تأثيرا سلبيا، كما أنبه إلى ما قاله آخر من أنه لا يخاف أن يتأثر لثقته بنفسه. الثقة بالنفس ليست كافية لتحصين الإنسان من الوقوع في الضلال. فالشبه تبدأ بدايات شبه منطقية ويبني عليها الشيطان بالتدرج أبنية من الأفكار والتسلسلات حتى يصل الشخص إلى حد من القلق الفكري والشك في المسلمات ما يصعب معه الصمود والثبات. ولهذا أنبه إلى الحذر التام؛ فالأمر يتعلق بالعقيدة وهي رأسمال الإنسان ودينه الذي يتحدد معه مصيره نجاة أو هلاكا.
أما الشيخ محمد الدويش فيعلق على تلك الإجابات قائلاً:
أعجبني في إجابات الشباب أمور هي:
1 ـ غيرتهم على دين الله وهذا هو المرجو من كل مسلم.
2 ـ اتفاقهم على أن غير المؤهل لا ينبغي له أن يدخل هذا الجمال.
وما لا أتفق فيه معهم فهو: دخولهم في هذه الغرف مع إقرارهم بضعف قدرتهم على دعوتهم وبقلة علمهم.
ونظراً لأن الدعوة إلى الهدى ودين الحق تتطلب من الداعية أن يتحلى ببعض الصفات التي تسهم في إنجاح دعوته بعد توفيق الله - عز وجل - فقد حدثنا الشيخ محمد الدويش عن هذه الصفات قائلاً:
من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الشاب في دعوته للآخرين العلم الشرعي، وحسن التعامل مع المدعوين سواء أكانوا مخالفين أم موافقين، والصبر على مل يواجهه في طريقة الدعوة والبعد عن استعجال النتائج.
ويُفصّل الدكتور محمد العتيق في هذه الصفات، فيقول:
يمكن أن أقول على سبيل الاقتراح أن الصفات الواجب توافرها في من يريد الدخول في مناقشة الكفار في غرف البالتوك صفات عديدة منها:
علمية: وهي أن يكون على علم بالشريعة: أصولها وفروعها والأجوبة الشرعية على الشبهات وكيفية إبطالها وصحيح الأدلة من ضعيفها.
ثقافية: تتعلق بطرق المحاورة وأساليب إفحام الخصم ومعرفة مداخل الخصوم وما شابه ذلك.
عقلية: وهي أن يكون على مستوى من الذكاء والفطنة بحيث لا يستدرجه الخصم إلى أمور خارجة عن موضوع الحوار، أو يشغب عليه، أو يخفيه بعبارات وجمل وكلمات ليست لها أصول علمية أو موضوعية.
عمرية: وهي أن يكون تجاوز الثلاثين أو الخامسة والثلاثين. فالناس في هذا السن هم لا شك أكثر هدوءا وأقل تهورا وأكثر حكمة وثباتا وبعدا عن الانحراف الأخلاقي.
دينية: وهي أن يكون ديّناً، ملتزما لا يُخشى عليه الوقوع في الشهوات التي تزخر بها غرف البالتوك.
ويذكر الدكتور أحمد الصقر الشباب بأن المقام هو مقام إخلاص، وعلم، ودعوة، ورحمة، ويجب ألا يستفزنا الذين لا يعلمون فنخرج من أخلاقنا وغايتنا من دعوتهم، ليتحول الحوار إلى تراشق بالألفاظ أو شتائم أو شماتة.
يقول العامة: كثر المساس (اللمس) يقلل الإحساس(14/99)
ألا ترى أن تعود الأذن على سماع الشتائم لموجهة لرموز الإسلام تضعف الغيرة عليها في نفس سامعها؟ وربما خدشت الصورة الجميلة لهذه الرموز دون أن يشعر؟
يجيب الشيخ محمد الدويش على هذا السؤال فيقول:
نعم أرى ذلك، ولهذا أنصح الشباب بعدم الدخول إلى هذه المواقع والبعد عنها، وإنما تناسب المختصين: كالمختصين في الفرق والأديان الذين يستطيعون التأثير عليهم، ويملكون في الوقت نفسه حصانة كافية.
ويوافقه الدكتور محمد العتيق، ويوضح العلاج في حالة حصول شيء من هذا القبيل فيقول:
إن الدخول في هذه الغرف بشكل منتظم يجب أن يوازيه في ذات الوقت جلسات علمية وشرعية ودينية وعبادية يستزيد فيها الشخص المشارك من العلم والعبادة والقرب من الله - تعالى -ومجالسة أهل العلم، فتكون تلك الجلسات بمثابة دورات تمرين وتعبئة وتثبيت للمشارك مما يتعرض له من تشكيك، وغسل لما يصيب قلبه من أدران بسبب سماعه وطول بقائه مع من يسب الله ورسوله.
لكن الدكتور أحمد الصقر يرى أن الإنترنت فضاء مفتوح ومن الصعب أن تقول لكل متصفح اذهب من هنا ولا تذهب من هنا، ويضيف قائلاً:
لذلك لا بد أن يصادف المتصفح أثناء تجواله في المواقع أو استخدامه للبرامج الحوارية ما يخدش دينه أو حياءه، ولكن بالتأكيد يجب ترشيد هذا الاستخدام ومجاهدة النفس على ترك فضول الكلام والنظر، وإذا كانت المصلحة ظاهرة في دخول هذه الغرف وكان الشخص من أهل العلم والاختصاص والرسوخ فلا يظهر ما يمنع من دخوله حتى لو استمع العبارات المسيئة، لكن الحال أن غالبية من يدخل يدخلون فضولاً أو يشاركون ارتجالاً من دون علم كما يظهر تحقيقكم إن ما يدفعهم للمشاركة هي الغيرة والحماس ولا شك أن عدم دخول هذه الأماكن أحفظ لإيمان المرء.
دور المواقع الدعوية
لا شك أن المواقع الدعوية تقوم بجهد جبار في سبيل نشر رسالة الإسلام، وتبصرة المسلمين بأمور دينهم، وكل موقع من هذه المواقع يقف على ثغر، لكن السؤال هنا: ما الدور المطلوب من هذه المواقع تجاه قضيتنا المطروحة؟
يقول الدكتور أحمد الصقر مجيباً على هذا التساؤل:
لا يجب علينا الاعتقاد بأن على الجميع الاصطفاف طابوراً واحداً أمام قضية واحدة تعطل الأمة من أجلها مشاريعها أو مسيرتها. الواجب شرعاً وعقلاً أن ينفر من كل فرقة طائفة لهذا العمل وطائفة لذلك العمل، أما تحويل ميادين العمل الإسلامي ومنها المواقع الإلكترونية كلها إلى حلبات صراع ومواجهات من شأنه أن يطفئ من وهج وسمو الرسالة ويحولها إلى مجموعة من المشاريع الوقتية التي تمنع السيول ولكنها لا تتحول هي ذاتها إلى سيول تحيي الأرض بعد موتها!
دعاة في الغرف الجنسية
في أثناء جمعي بعض المعلومات حول غرف البالتوك والدعوة فيها أخبرني أحد الإخوة أنه يدخل إلى الغرف الجنسية لدعوة من فيها من الشباب، وعندما أبديت استتغرابي من هذا العمل رد عليَّ محتجاً: إذا لم تنصح هؤلاء فمن ينصحهم؟ أليس هؤلاء من أشد الناس حاجة إلى النصيحة؟
يرد الشيخ محمد الدويش على هذا الشاب الغيور وأمثاله فيقول:
هؤلاء يحتاجون للنصيحة بلا شك لكن ليس بالضرورة أن تكون النصيحة من خلال ارتياد هذه الغرف بل من خلال أدوات ووسائل أخرى كالمنتديات والقوائم البريدية ونحوها، وإذا كان هناك عدد من المتزوجين والآباء انجرفوا وراء التعامل مع المواقع الإباحية فكيف بغيرهم من الشباب الذين لما يتزوجوا بعد، أو لا زالوا حديثي عهد بالزواج.
ويرى الدكتور أحمد الصقر أن الدعاة مختلفون حول هذه القضية، ويقول: ما يحدث في العالم الافتراضي من مناهج دعوية هو يحاكي ما يحدث في العالم الواقعي كذلك، فهناك مناهج وجماعات ترى الدخول إلى أوكار الفساد ودعوة مرتاديها كما أن هناك من يرى ذات الرأي بالنسبة لأوكار الفساد الإلكترونية، وبالمقابل هناك من يرى في هذا العمل مغامرة غير مأمونة العواقب وأن هذه البيئة بيئة غير مهيأة للدعوة وأن على المرء أن يعتاد رؤية المنكر والرضا به بحجة دعوة الغير.
لكن الدكتور الصقر ينبه كل شاب رأى الدعوة في هذه الأماكن إلى أمر خطير، وهو أن يفكر المرء في نفسه قبل أن يفكر في الآخرين، فلا يصح أن يُعَرّضَ نفسه للخطر والسقوط من أجل إنقاذ الآخرين!
كيف يحقق الشاب الفائدة المرجوة من برنامج البالتوك؟
إذا كان البالتوك كما رأينا مليئاً بالأخطار العقائدية والفكرية والأخلاقية، وهو مفتوح أمام مرتاديه لا مجال للسيطرة عليه أو حجب بعض غرفه التي تسيء لمقدسات المسلمين وأخلاقياتهم، أو تبث الشبهات تجاه هذا الدين العظيم، فكيف نحصن شبابنا تجاه ما قد يتعرضون له من شبه وضلالات وانحرافات؟ كيف يحقق الشاب الفائدة المرجوة من هذا البرنامج؟ وكيف يستطيع الشاب الداعية ممارسة دعوته دون أن يتأثر بتلك الشبهات؟
يقول الدكتور محمد العتيق مجيباً على هذه التساؤلات:
لكي تتحقق الفائدة من المشاركة في غرف البالتوك فأنا أقترح ما يلي:
1 ـ أن لا تكون المشاركة فردية، وأن لا يجلس الشاب المسلم وحده في جلسة النقاش، بل يكونون ثلاثة على الأقل.
2 ـ الالتزام بالصفات التي ذكرتها سابقا فيمن يشارك في غرف النقاش.
3 ـ أن تؤسس غرف خاصة لتدريب الشباب المسلم على محاورة الكفار في غرف البالتوك.
4 ـ أن يكون العمل مؤسسياً تتصدى له مؤسسات معروفة بالدعوة، وتنشئ له مرافق خاصة وأجهزة يتم الدخول من خلالها في أوقات محددة ومنظمة وضمن ضوابط صارمة.
ويضيف الشيخ محمد الدويش ثلاثة أمور أخرى:
الأول: زيارة الغرف الجادة والمفيدة الاستفادة مما فيها.
الثاني: الدعوة في الغرف لمن بلائم ذلك العمل.(14/100)
الثالث: المشاركة في الأدوار المساندة في العمل في الغرف الدعوية.
وينصح الدكتور الصقر مستخدمي البالتوك إلى ضرورة ارتياد الغرف الدعوية التي لا تدخل في مهاترات أو مشاحنات، بل تقدم مجموعة من المحاضرات والدروس والدردشة المقبولة والمرحة، " وإن كنت أعتقد أن وجود مثل هذه الغرف لا يجب أن تكون لدعوة الناس إليها ممن لم يتعرف على هذا العالم بل هي لأولئك المرتادين الموجودين أصلاً... ".
ربيع الآخر 1426 هـ
http://www.saaid.net المصدر:
=============
الداعية بين الإعراب والبناء ( 1 )
عبد الله بن سليمان العبد الله ذو المعالي
الزمنُ متغيرُ الأطوار، متحولُ الأحوال، و المرءُُ فيه متواكبٌ معَ ظروفٍ تُلِمُ به، و أحداثٍ تعتريه، و هو في ذلك رجلُ الموقف، و صاحبُ القرار، فإما إن يُمرَّ ذلك على نفسه بِحُسن الاستخدام، و إما أن يكون المُضَيِّعُ.
(الإعرابُ) و (البناء) مُصطلحان نَحْويان معتبران، فالأولُ يتعلَّقُ بالتغيُّر، و الثاني يتعلَّقُ بالثبات، و ما أحراهما أن يكون في الداعية.
إنَّ الركودَ على حالٍ واحدة دونَ تغيُّرٍ لها ليس من المحمودات عند العقلاء، و كذلك التغيًُّر المفرط، و إنما الأمرُ عوانٌ بين ذلك.
إنَّ (الإعرابَ) في الداعية مطلوبٌ بقوة، و مهم جداً في حياته الدعوية، فلا سبيل لتحصيل مقاصد دعوته إذا لمْ يكنْ ثمَّةَ تغييرٌ و تحويل، إلا أننا لابُدَّ لنا من رعايةٍ لذلك التغيير، و ضَبْطه و ضمانه، حتى لا ينفرطَ الخيط فينتثرُ الدرُّ.
بعضٌ يظنُّ أنه في حال تغيُّرِه قد أصبحَ شيئاً آخرَ غيرَ نفسه قبلُ فيتغيَّرُ جملةً، و هذا ليس صحيحاً، لأننا نطالبُ بالتغيير في أشياءَ دون أشياءَ، و أمورٍ دون أمورٍ.
فَبِمَ يكون (الإعراب) في الداعية؟
إنَّ التغييرُ يكون في غير الثوابت و القطعيات، و التي كان عليها كلام أهل العلم عامةً، و إنما هو في سواها من أمور خلافيةٍ، و غير قطعية، و على هذا التحريرُ من أهل العلم و الفقه - رضي الله عنهم -.
فلا يأتينا داعيةٌ يتبنَّى قضيةَ التغييرَ الدعوي، فينادى بأعلى صوته بالتغييرِ في ثوابتِ ديننا، و تحويل قطعيات إلى مسائلَ نقاشٍ في الساحة، فإن هذا مرفوضٌ و مردود.
و إنما التغييرُ يكون في:
أولاً: الوسائل المستعملة في نشر الدعوة، فإنَّ لكل زمنٍ وسائله، و لكل قومٍ ما يناسبهم، و الركود على وسيلةٍ واحدة يتعاقَبُ عليها أعدادٌ هائلة من السائرين في الدعوة يجعلها صارفةً الناسَ عنها في بواطنهم، و لمَّا لمْ يكن إلا هيَ أقبلَ الناسُ عليها، و في تغييرها بعضَ الشيء، و التحوُّلُ منها إلى غيرها تركها الناسُ خلفهم ظهرياً، و لا يلوون على شيءٍ منها.
و الوسائل كثيرة، و التي في الذهن أكثر و أكثر، و ما أحرانا باستعمال (العصف الذهني) لاستخراج مئات الوسائل الدعوية، و كما قيلَ قبلُ (الحاجة أم الاختراع).
ثانياً: تغييرُ صنفِ المدعوين، فليس الداعية مطالباً بأن تكون دعوته حكراً على صنفٍ من الناس دون غيرهم، كما أنه ليس مطالباً ببذلها لكل أحد دون تمييزٍ، بل الأمرُ يفتقرُ إلى المصالح و المفاسد، و النتائج و الثمار من بذل الدعوة و توجيهها.
نرى في الشارع الدعوى اهتمامَ أشخاصٍ بصنفٍ معيَّنٍ من الناس، يخاطبونهم في دعوتهم، و هذا حسَنٌ إذا كان فيه إنتاجٌ حسن، و عكساً لذلك إذا كانت هناك نتائج ضئيلة، أو لم تكن ثمةَ نتائج.
و مقابل ذلك من نراه يخاطبُ كلَّ الفئات دون تمييزٍ، فلا تدري أدعوته لفئة الشباب، أم لفئة المشتغلين بالعلم، إلى غير ذلك.
فمراعاة الفئة المدعوَّة مهمٌ جداً، حتى تكون الأطروحات الدعوية موحدة، و توجيهها إلى أحسن و أفضل.
و هذا كان موجوداً في سيرة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و ذلك في قصة إرساله سيدنا معاذ إلى اليمن، فإنه بيَّن له صنْفَ المدعوين، و أنهم من أهل الكتاب، فما كان من - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه أرشده إلى طريقةِ دعوتهم، و أولويات الدعوة.
إلى أشياءَ أُخَرْ يكون التغييرُ فيها مطالَبَاً به المرءُ الداعيةُ إلى الله، يعرفها من اشتغلَ في الدعوة و التبليغ للرسالة.
و كما أنَّ هذا التوجيهُ للداعيةِ في تغييرِ حياته الدعوية، و جعلها (مُعْرَبَةً) فإننا إن لمْ نكنْ معه على نسقِ العون له، و الوقوف معه فلا مسيرة صحيحةَ لدعوتنا، فلا بد من التأييد، و المعاونة، و المؤازرة، و كلٌّ منَّا بأخِهِ.
و مع دعوتنا إلى التغيير في العمل الدعوي فإننا ندعو إلى (البناء) الدعوي، و هو يتعلَّقُ بالثبات.
فنريد داعيةً يكون ثابتاً على منهاجه، ملازماً لقانون دعوته التي رسمَ معالمها، غيرَ مخالفٍ لقطعياتٍ دينية، و لا مرتكباً لنقضِ ثوابتَ شرعية.
و يكون ثابتاً في مسيرته الدعوية، فلا تعتريه فَتْرَةُ خمولٍ و كسَلٍ، و لا يعتريه عجزُ و خَوَرٌ، بل يكون حاملاً نفسه بيده، سائراً بها في سبيل دعوته.
إنَّ داعيةً يأخذُ (الإعراب) الدعوي فيجعله في ثوابت الشريعة، أو يأخذُ (البناء) الدعوي فيجعله في ما جرى الخلافُ فيه بين أئمة الإسلام، إنَّ هذا داعيةٌ يعيشُ في عقلٍ منعزلٍ عن الناس، و تفكيرٍ مُقْصى من العالم.
إذا حققنا (الإعراب) و (البناءَ) في مسيرة دعوتنا عرفنا كيف نتعاملُ مع أصنافِ المدعوين من الناس، و عرفنا كيف نُدخل الدعوة في قلوبهم عن طريقٍ مقبولة.
إلا أننا لابُد من تبيانٍ لأمور ذات بال:(14/101)
الأول: أن المرجعَ في معرفة الثوابت و خلافها في شريعتنا إلى الشرع ذاته، و إلى ما هو مقرَّرٌ في مذاهب الأئمة الفقهية المتبوعة، و إلى ما عليه اعتقاد أهل السنة أجمع، فليس المرجعُ في ذلك إلى رجالٍ نالوا قدسية في نفوسِ بعضٍ، و لا إلى مناهج فردية، و إنما الأمرُ كما ذكر.
الثاني: بمعرفة السابق يكون اعتبارنا بمسائل الخلاف، و أنَّ المعوَّلَ عليه في المرجعية بابُ خلافها واسع، فالعذرُ مقبول، و العمل على ما اتُّفِقَ عليه بين كلٍّ، و ما جرى قدرُ الله - تعالى -به فكان الخلاف قائماً فيه فإنَّ لكلٍ مرجعه من أصول الأدلة و فروعها، و الحمد لله الذي جعل خلاف أمتنا رحمة.
الثالث: للناس عوائد، و للأقاليم أعراف، و المروءة مراعاة ذلك ما لم يكن مخالفاً للشرع، و أما ما خالف الشرعَ من قريبٍ أو بعيد فالمعوَّلُ على الشرع.
هذه خاطرةٌ أحسبها أفادتْ شيئاً مما يُعينُ في ساحة الدعوة، و الأمرُ يحتاج إلى تمحيص، و ما ذكرتُ غيضٌ من فيضِ الخواطر الدعوية، و قليل من كثير، و لكن الأملُ بالله - تعالى -كبير، و الأمةُ إلى خير، و بارك الله في الجهود.
16/4/1426هـ
http://www.saaid.net المصدر:
==============
برامج مقترحة للجنة الإطار العام لرعاية السلوك وتقويمه في المدارس والحد من المشكلات السلوكية
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
* مدخل قصير:
((الذي يصنع قناعات الناس ويوجه سلوكهم هو الإعلام! فإذا كانت لديك هذه الوسيلة فأنت تملك أدوات التأثير والتغيير، وقلوب الناس بين يديك، فازرع فيها ما تشاء))
* برامج مقترحة للدراسة:
1ـ مراسلة بعض الكتاب البارزين في الصحف اليومية والمجلات الدورية ممن يملكون توجه صحيح وفكر سليم للكتابة عن واقع الشباب وما يقع عليهم ومنهم من سلوكيات خاطئة وخطيرة.
2 ـ الاتفاق مع بعض الصحف اليومية والمجلات الدورية والتي يكثر اقتناء الشباب لها مثل : الرياضية والنادي والمصارعة والسيارات لكتابة بعض العبارات التوجيهية والموجزة في براويز ملفتة بعبارات مقنعة مثل:
[أخي الطالب : الصاحب ساحب]
[أخي الطالب : المخدرات طريق الدمار في الدنيا والعذاب في الآخرة]
3 ـ كتابة مقالات متميزة من أهل الاختصاص في التربية وخصوصًا في هذه اللجنة الناشئة ونشرها في الجرائد، واستكتاب الإداريين والمشرفين والمرشدين والمعلمين والطلاب في المدارس للخوض في قضايا السلوك الخاطئ وكيفية تقويمه.
4 ـ التنسيق مع المجلات الأسرية والشبابية المناسبة للطلاب ذات الطرح الإسلامي لعرض بعض العروض المنخفضة لتكثيف توزيعها ونشرها بين الطلاب، مثل مجلة : الأسرة ومجلة شباب.
5 ـ إعداد مجلة شهرية تربوية خاصة بالإرشاد الطلابي والتوجيه تصدر في كل شهر هجري عددًا من أعدادها الذي يتناول في كل عدد سلوك خاطئ عند الطلاب ووسائل تقويمه وعلاجه، مثل قضية الدخان، الفواحش، السرقة، الغش...وغيرها من القضايا، وتوزع في المدارس على الطلاب وأولياء أمورهم {لا يلزم على كل الطلاب وإنما أهل الحاجة منهم بتقدير المرشد الطلابي كنوع من العلاج}.
6 ـ التنسيق مع التلفاز السعودي أو غيره من القنوات في بث بعض السلوكيات الخاطئة عند بعض الطلاب لمدة قصيرة لا تستغرق ربع دقيقة أو نصفها مع تعليق قصير عليها مكتوب أو مقروء [ضمن ضوابط شرعية حتى لا نفسد من حيث نريد الإصلاح]
مثل صورة شاب يقفز على جدار المدرسة ليهرب.
أو طالب يسرق من حقيبة أحد زملائه.
أو طالب يناول زميله دخان أو مخدر
أو طالب يهزأ من معلمه
أو طالب يهشم أثاث المدرسة ويعبث به.
7 ـ إعداد مثل هذا الشريط (الفيلم) وتوزيعه للمدارس لعرضه على الطلاب في حصص الاحتياط أو النشاط أو غيرها.
8 ـ إقامة مسابقة في النشاط المسرحي (مسرحيات أو أناشيد) على مستوى المنطقة تناقش واقع الشباب ووضع حلول سلوكية لهم. وتعطى الجوائز والحوافز للفائزين، ويطلب من المدارس الحضور للعروض بالطلاب المشاكسين فيها والذين يمكن استفادتهم من هذه العروض.
9ـ طباعة بعض الكتب المناسبة في التربية والتي تعالج بعض الأخطاء التربوية، وتوزع على المدارس بنسب مناسبة عليها شعار إدارة التعليم واللجنة القائمة على تقويم السلوك، ويمكن الاستفادة من بعض التجار الأخيار لدعم هذا المشروع.
** كتاب مقترح // يا أبت!
10 ـ طباعة بعض النشرات (المطويات) المناسبة وتوزيعها على المدارس.
11ـ تكثيف المحاضرات التربوية في المدارس وتفريغ بعض القادرين عليها لأهميتها البالغة في تعديل سلوك الطلاب وتقويم أخلاقهم.
[وهذه الفكرة تعتبر أهم فكرة ينبغي الاهتمام بها وتلمس فوائدها]
12ـ اختيار بعض الأشرطة المناسبة والتي تعالج بعض المشاكل التربوية، وتوزيعها على المدارس لبعض الطلاب، ويمكن التنسيق مع بعض التسجيلات الإسلامية لهذا المشروع، وكذلك التنسيق مع بعض أهل الخير لدعم هذه الفكرة.
13ـ الاقتراح على المدارس توزيع بعض الكتب أو الأشرطة المختارة بأسمائها على المدارس في حالة عجز اللجنة عن توفيرها.
14ـ التنسيق مع بعض الجهات الرسمية ذات العلاقة ببعض السلوكيات الخاطئة عند بعض الطلاب لزيارة المدارس وبث الوعي فيها وتقديم الخدمات الممكنة منها.
ـ مكافحة المخدرات.
ـ مستشفى الأمل
ـ لجنة مكافحة التدخين
ـ الشرطة
ـ المرور
ـ المشروع الخيري لمساعدة الشباب على الزواج.(14/102)
15ـ إقامة مخيمات دورية توعوية تربوية تابعة للإدارة لبعض الطلاب الذين يعانون من مشاكل سلوكية، وإعداد برنامج خاص ومكثف لهم لمدة لا تقل عن يومين تشارك فيه أكثر من لجنة كالتوعية الإسلامية والنشاط الطلابي والتربية الكشفية وغيرها، ويتم اختيار الطلاب عن طريق المرشد الطلابي في المدارس.
(وإيقاد شمعة في الظلام خير من لعن الظلام ألف عام)
16ـ تكثيف الدورات التأهيلية للمرشدين في المدارس، وذلك بإقامة دورات تخصصية في مجال التربية وعلوم الاتصال وأساليب الإقناع.
ويمكن الاستفادة في ذلك من مركز التدريب بالخطوط السعودية، ومركز الدعوة والإرشاد، والمكتب التعاوني للدعوة، ومركز النخبة.
17ـ إقامة معارض متنقلة في المدارس تعرض بالصور والمجسمات والأرقام ما يمكن أن يستفيد منه الطلاب، مثل ضحايا الإدمان، الحوادث... وغيرها.
18ـ تكثيف الزيارات الميدانية من المدارس للسجون ودور الأحداث ومستشفيات الأمل وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراكز الإسعاف والطوارئ والهلال الأحمر للوقوف على ضحايا الإجرام والإدمان والعصيان، ويمكن إعداد جدول في ذلك على المدارس واختيار من لديه مشاكل سلوكية أو نزعات إجرامية لهذه الزيارة.
19ـ استغلال علب الإفطار اليومي لكتابة بعض التوجيهات المناسبة عليها وخصوصًا فيما يخص الطعام وحفظ النعمة.
20ـ تكوين لجنة دائمة مختصة في الإدارة لرعاية السلوك مهمتها دراسة الانحرافات لدى الشباب وكيفية علاجها والقضاء عليها والتخلص منها، ويمكن أن يكون من مهامها الانتقال لموقع المدرسة التي يقع فيها انحراف سلوكي لعلاجه وتلافي آثاره وثماره.
21ـ إعداد دراسة شاملة لجميع المدارس لحصر وتحديد الانحرافات السلوكية فيها، واستخلاص النتائج من هذه الدراسة، وتحديد الأولويات في المعالجة والإصلاح والتقويم.
http ://saaid.net المصدر:
===============
الدعوة ليست مهمة إضافية !!
على عكس ما نحفظ من سيرة سلفنا الصالح من أن العلم يؤتى ولا يأتي أحدًا؛ فإن الدعوة إلى الله تأتي الناس ولا يأتونها هم، وكما يقول فضيلة الدكتور محمد بن عبد العزيز الثويني الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فإن الدعاة سعاة بمعنى أنهم لا ينتظرون الناس يأتون إليهم وإنما يذهبون هم إلى الناس مقتدين في ذلك بإمام الدعاة - صلى الله عليه وسلم -، وبالصحابة الأجلاء وبمن تبعهم بإحسان من ورثة النبي - صلى الله عليه وسلم -، جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها فضيلة الدكتور محمد بن عبد العزيز الثويني الأستاذ بجامعة الإمام والتي تحدث فيها عن قواعد الدعوة إلى الله، وقد حصر فضيلته أكثر من عشرين قاعدة من قواعد الدعوة مبينًا أن الدعوة إلى الله كدراسة لم يقعَّد لها حتى الآن، فالقواعد الفقهية أو القواعد الأصولية هي عامة تصلح في كل فن شرعي.
أهمية الدعوة إلى الله
وبيَّن الدكتور الثويني أهمية الدعوة إلى الله وضرورة القيام بها بوصفها وظيفة الرسل والدعاة إلى الله فيقول:
الدعوة إلى الله أفضل الأعمال لأنها دعوة المرسلين عليهم الصلاة والسلام، والله - جل وعلا - قال لنبيه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّك} [النحل: 125] وقال - تعالى -: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
فكل من دعا إلى الله فهو داخل في هذه الآية..إذن فهذه المهمة مهمة عظيمة والقائم بها يسير على خطى نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي... } [يوسف: 108]. إذن فالدعوة والقيام بهذه المهمة العظيمة فيها اتباع للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
فالداعية يسعى إلى إبعاد الناس عن الباطل وتعديهم إلى الحق الذي يجب أن يكونوا عليه... {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] هذه العبادة لله باتباع الأوامر واجتناب النواهي وتوحيد الله - سبحانه وتعالى - لن يستطيع أن يقوم بها من يجهلها ويغفل عنها إلا عن طريق الدعاة إلى الله وعن طريق الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى -.
ليست مهمة سهلة
ويؤكد الدكتور الثويني أن مهمة الدعاة ليست مهمة سهلة أو أنها كما قد يتصور البعض أو يحاول أن يصورها لغيره من أنها أقل الوظائف في هذه الحياة.. فهناك تصور عجيب وخاطئ أن الوظائف الشرعية وقبلها الدراسات الشرعية هي من أقل الأمور أهمية؛ لأن الناس في تصور مثل هؤلاء مسلمون لا يحتاجون إلى دعوة، وبعضهم يرى أن الوظائف الشرعية هي مهمة إضافية يقطع بها وقتًا حتى تتهيأ له الوظيفة التي يرى أنها هي الأهم والأمثل وتلك مصيبة، ومن يقرأ في منهج دعاة التغريب يجد أن أحد أهدافهم هو التقليل من مكانة الدعاة وقيمة العلوم الشرعية في نظر المسلم.
إذن فأحد القضايا المهمة التي ينبغي أن نعيها ونلتفت إليها ونعمل على تحقيقها هي أن الدعوة إلى الله هي أفضل المهام وأجل الوظائف وهذا أمر يجب أن يتقرر عند كل أحد.. فلا يتحقق التوحيد إلا بالدعوة إلى الله ولا تقام العبادات إلا بالدعوة إلى الله، ولا تؤتى الأوامر إلا بالدعوة ولا تجتنب النواهي إلا بالدعوة، ولا يمكن للباطل أن ينتشر ويكثر أهله وأن يتعمق ويكون له جذور إلا قلت جهود الدعاة وضعفت مهمة الداعية إلى الله.
الدعوة لم يقعَّد لها حتى الآن!(14/103)
ويتحدث الدكتور الثويني عن قواعد الدعوة إلى الله مشيرًا إلى أن الأصح أن نقول[قواعد في الدعوة إلى الله] لأن المشكلة أن الدعوة إلى الله كدراسة لم يقعَّد لها حتى الآن، أما القواعد الفقهية أو القواعد الأصولية فهي عامة تصلح في كل فن شرعي، ولكن قواعد الدعوة بالتحديد لم أقف منها على معلقات إلا على معلقين اثنين من هذا الأمر، وهي ليست كافية لعلم يجب أن يكون هو الأصل وهو المنطلق في هذه الحياة.. وقد استطعت أن أصيغ نحو عشرين قاعدة من قواعد الدعوة وبذلت فيها جهدًا لتكون أشمل وأفهم، وهذا هو المهم في القاعدة أن تكون سريعة الفهم، فمثلاً قاعدة 'المشقة تجلب التيسير' قاعدة سريعة الفهم، أما أن تكون القاعدة الفقهية جامعة يعني أن تكون جامعة لجزئيات متفرقة حتى لا نحتاج إلى أكثر من جزئية، فهذا أمر مهم في القواعد، والقواعد كما في تعريفاتها الاصطلاحية واللغوية: هي جمع قاعدة وهو الأصل والأساس الذي يبنى عليه غيره ويعتمد... وكل قاعدة هي أصل للتي فوقها، ويستوي في الأمور الحسية والمعنوية فهي في كل شيء بحسبه، وفي الاصطلاح هي حكم كلي يتعرف به على أحكام جزئياته وهذا شامل للقواعد الاستقرائية كالفقه والنحو والأصول والدعوة.
أما قواعد الدعوة إلى الله فهي الأحكام الكلية التي يتوصل بها إلى استنباط مناهج ووسائل وأساليب الدعوة وكيفية الاستفادة منها.
ليس عليك هداهم
وأول ما أشار إليه الدكتور الثويني من قواعد الدعوة إلى الله تنطلق من قول الله - عز وجل -: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة: 272] وهو ما يعني أن الداعية ما عليه إلا البلاغ والدعوة، أما الهداية فهي من الله - عز وجل -، فهداية الطريق هذه مهمة الداعية، وهداية التوفيق هي لله وحده - سبحانه وتعالى -.
ويضيف الدكتور الثويني: أن كل واحد يتمنى أن يرى أثر عمله ونتائج دعوته وقد يحدث هذا وقد لا يحدث، وقد يحدث بعد وفاة الداعية، فحتى في محيط الأسرة والأولاد قد يلاحظ أن أولاد هذا الداعية أو ذاك قد لا يهتدون ويستقيمون إلا بعد وفاة والدهم وهو من الدعاة والعلماء وكان يتمنى أن يراهم على هذه الهداية والصلاح في حياته لكن الهداية بيد الله..
فهذه قضية مهمة ولذلك قال الله - جل وعلا -: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: 110] قال ابن كثير: إن نصر الله - جل وعلا - ينزل على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله في أحوج الأوقات إليه مثل قوله - تعالى -: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ... } [البقرة: 214].
وهذا بيان للرسل ولسائر الدعاة أن البلاغ والدعوة على الرسل والدعاة، أما النتائج وهداية التوفيق فهي بيد الله وحده - جل وعلا -، يقول الله - تعالى -: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272].
وعندما وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن كفار قريش منهم من لم يؤمن به حزن وهو حريص على هدايتهم ولهذا أنزل الله عليه قوله - تعالى -: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3]، وقال الله - تعالى -: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]، وقال جل شأنه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَة} [هود: 118].
الدعاة سعاة
أما القاعدة الثانية من قواعد الدعوة إلى الله التي ينبه إليها الدكتور محمد الثويني فهي أن الدعاة سعاة ويوضح ذلك بقوله: إن القاعدة تعني أن الدعاة يذهبون إلى الناس ولا يجلسون في أماكنهم ينتظرون الناس... فأنت أيها الداعي اذهب إلى المدعوين واسع إليهم ولا تنتظر حتى يأتوا فقد يأتون وقد لا يأتون. فهذه المحاضرات والندوات والدورات العلمية والدروس العلمية التي تقام في مناطق مختلفة من بلادنا هي دعوة من جانب لزيادة الحصيلة للنصح للإرشاد للتعليم وهذا خير لا شك، لكن الدعوة يقصد منها نقل الإنسان من المعصية إلى الطاعة، وقد يكون المدعو خارج دائرة الإسلام فيكون المقصود من الدعوة هنا نقله من دائرة الكفر إلى دائرة الإسلام والإيمان، فالدعاة إذن سعاة... وهذا حق للمدعو، فمن حقه أن يُؤتى وعلى الداعية ألا ينتظر مجيء الناس إليه حتى يقوم بواجبه نحوهم. وقد علمنا رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - هذا المنهج وهذه القاعدة عندما افتقد الغلام اليهودي الذي كان يؤذيه فانقطع فترة فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل عنه وزاره في بيته ووجد الغلام مريضًا وعلم من حاله أنه في النزع الأخير. ولأن زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - للغلام اليهودي ليست كأي زيارة وإنما هي زيارة دعوية، لذلك قال له النبي - عليه السلام -: قل لا إله إلا الله، فنظر الغلام إلى أبيه وكان واقفًا فوق رأسه فأشار إليه أبوه، وقال: أطع أبا القاسم. فقال الغلام: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ففرح النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله أخرج الغلام بسببه من الكفر إلى الإسلام وأنقذه الله من النار.(14/104)
ويكفي دليلاً على قاعدة أن الدعاة سعاة انتقال النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة لإيصال دعوة الله إلى الناس وحتى قبل الهجرة من مكة إلى المدينة لم يكتف النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعوة من حوله في مكة، بل ذهب إلى الطائف وبذل النبي - صلى الله عليه وسلم - الجهد البدني المضني وكذلك الجهد النفسي خاصة عندما واجهه الرفض والصد ممن يدعوهم، وهذه قضية مهمة ينبغي للدعاة أن يعوها ويستفيدوا من هذا المنهج النبوي والقاعدة النبوية، فالانتقال بالدعوة والذهاب إلى المدعوين قد تكبد الداعي مشاق كثيرة وجهدًا بدنيًا ونفسيًا لكن هذه رسالته والأجر على قدر المشقة وأمام الداعي بشرى النبي - صلى الله عليه وسلم -: [[لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم]] أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -.
لكن هناك سؤالاً يطرح نفسه: لماذا كان المدعو يُدعى ويؤتى ولا يأتي؟ لأن وظيفة الرسل وآخرهم محمد - صلى الله عليه وسلم - هي التبليغ، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67]، وقال الله - تعالى -: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ} [المائدة: 99].
وهذا التبليغ يستلزم انتقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكان من يراد تبليغه لاحتمال عدم وصول خبر الدعوة إليه، هذا احتمال، أو أنها وصلته بصورة غير صحيحة، أو وصلته بصورة صحيحة ولكنه لم يذهب ليأتي إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيسمع منه... فلأجل هذه الاحتمالات كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يأتي إلى الناس لتبليغهم الدعوة إلى الله. إن الواقع يؤكد أن كثيرًا من الناس يحبون الخير لكنهم لا يسعون إليه إما كسلاً أو لغفلة عندهم، فلهذا علمنا إمام الدعاة - صلى الله عليه وسلم - أن نسعى بالخير إلى الناس، ومن هذا الخير وفي مقدمة هذا الخير دعوتهم إلى الله.
الشفقة والرحمة بالمدعوين
يقول الدكتور الثويني: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يذهب إلى المدعوين ويحرص على دعوتهم شفقة بهم وحرصًا على هدايتهم وتخليصهم من الكفر؛ فالداعية لابد أن يكون وهو يدعو رحيمًا بهم مشفقًا عليهم، فأنت إذا دعوت لا يكون الأمر بالنسبة لك إبراء الذمة وانتهى الأمر، بل لابد أن تكون حريصًا على من تدعوه محبًا للخير له، آخذًا بيده إليه، ولذلك نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبه نفسه ثم قال آخذ بحجزكم عن النار ونحن الدعاة على هذا المنهج، ونسير وفق هذه القاعدة، {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} يسعى لماذا؟ {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ] [يس: 20]. وهذه دلالة على الحرص على المدعو الذي يجعلك كداعية تسعى إلى الناس.
الدعاة ومرضى القلوب
وللتأكيد على أهمية سعي الدعاة إلى المدعوين، يوضح الدكتور الثويني أن البعيدين عن الإسلام قلوبهم مريضة ومرضى القلوب من هذا النوع لا يعرفون مرضهم ولا يحسون به، ومن ثم لا يشعرون بالحاجة إلى علاجه وهذه مشكلة. فلابد من إخبارهم بمرضهم ولا ينتظر أن يأتوا هم ـ أي المرضى ـ ليخبروا الدعاة بمرضهم فمن أعراض مرض القلوب من هذا النوع إعراضهم عن الدعوة والمجيء إلى صاحبها.
الدعوة حق لكل محتاج
قاعدة أخرى من قواعد الدعوة إلى الله يبينها ويوضحها الدكتور الثويني وهي تدور حول مفهوم أن الدعوة حق لكل محتاج، يقول الدكتور الثويني: متى ما كان الداعية قادرًا على إيصال دعوته للمدعو فواجب عليه أن يدعوه... لماذا؟ لأن المدعو محتاج إلى هذه الدعوة ولهذا نجد قوله - تعالى -: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} [الكهف: 28] وقوله - تعالى -: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ} [الأنعام: 52] وقال الله - تعالى -: {عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عبس: 1، 2] فهنا يتقرر أن الدعوة إلى الله حق لمن احتاجها.. وهذه القاعدة حقيقة تدل على معنى مهم وهو اتساع أفق الداعية لعموم المدعوين بمعنى أن يتسع قلب الداعية للمدعوين الموافقين والمخالفين.. فلا يمكن أن توصل رسالتك للآخر حتى تكون قريبًا منه وتسمع منه.. ولهذا نجد الدعوة الفردية في نفعها أكثر من الدعوة الجماعية أو العامة.. والمخالف على نوعين:
ـ مخالف في أصل العقيدة فهذا له الحق أن يُدعى بقول الله - تعالى -للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6] قال ابن كثير ـ - رحمه الله - ـ في قوله - تعالى -: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ}: أي القرآن وتسمعه شيئًا من أمور الدين تقيم به عليه حجة الله.
ـ النوع الثاني: خلاف داخل دائرة العقيدة الصحيحة وهذا موجود، قال أبو الدرداء - رحمه الله -: إنا لنكشر في وجوه أقوام وأن قلوبنا لتلعنهم، والتكشير هو ظهور الأسنان وأكثر ما يطلق عند الضحك مع أن السائد الآن التكشير يعني تقطيب الجبين، وقال العلماء: يطلق على هذا وذاك.
والضحك أو الابتسامة في وجوه المخالفين للتأليف وليس للسخرية منهم، والتأليف مطلوب قبل التعريف. قال ابن حجر: ' والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم بالفاسق من النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه والإنكار عليه بلطف القول والفعل ولاسيما إذا احتيج إلى تعسفه ونحو ذلك.. ' انتهى.(14/105)
يقول الإمام أحمد ـ - رحمه الله - ـ عن إسحاق بن راهويه: 'لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضًا' وهذه قضية مهمة جدًا أنك أيها الداعي لابد أن تستوعب المخالف، واستيعاب المخالف داخل دائرة العقيدة السليمة على نوعين: تستوعبه لتدعوه، وتستوعبه لتستفيد منه.
ذي القعدة 1425 ـ ديسمبر 2004
http://www.islammemo.cc المصدر:
===============
لا تلمني ...
لا تلمني يا أخي..
لا تلمني إن قسوت.. فآلامي لم تعد تحتمل التواني و التفكير..
لا تلمني فكل جرح في جسدي كفيل بقتلي...
لا تلمني إن قسوت... فكل طعنة في ظهري موسومة ببصمة خائن...
لا تلمني... فقد مللت من الشعارات التي لم أجن من ورائها غير الصدى...
تعلقت بحبال الوهم حتى هوت بي إلى جحيم الذل و الصغار...
فلا تلمني يا أخي إن قسوت.. فقد طغت مرارة الحرمان على بقية الود أخي.. فلا تلمني.
لا تلمني إن جفوت...
فلم يعد لدي وقت أضيعه في تذكر ما بيننا من إخاء..
لم يعد في ذهني صفاء..
لم يعد ينتظرني مستقبل هادئ أو مسحة من رخاء..
فقط أشلاء و دماء..
قتلى و أحياء غير أحياء..
حتى بريق الحياة في عينيَّ خبا..
لم يعد فيهما سوى وجد الذكرى..
ذكرى الماضي الجميل..
الماضي الذي لم يعد من المتاح الرجوع إليه حتى بالذكرى...
لذلك لا تلمني إن جفوت..
لا تلمني يا أخي... فلم يعد يخطر بقلبي ذلك الشعور الرقيق الذي يسميه الناس حنان..
فقد قتلته سحقات أقدام العدا...
حتى لم يعد قلبي أشبه بالقلب.. بل هو صخر.. أو أشبه بالصخر أخي.. فلا تلمني.
لا تلمني إن بكيت.. و ذرفت عيناي..
لا تلمني إن سالت دموعي على وجنتي..
فمن القهر يبكي الحر...
مقيتٌ هو ذلك الشعور يا أخي..
أن تشعر بضغط حذاء عدوك على وجهك.. فتمد يدك لأخيك تطلب العون..
فيرمقك أخوك بنظرة إشفاق طويلة ... ثم يمضي...
يمضي تاركا إياك وحيدا قيد المجهول...
لا تعرف لك مستقبلا...
لا تعلم ما ينتظرك...
أيكمل ذلك الوغد ضغط حذائه على وجهك ليسحق رأسك...
أم يرفعه ليركلك...
شعور مقيت يا أخي...
فلا تلمني إن بكيت...
لا تلمني إن صرخت..... فآلامي فوق الاحتمال...
لم تعد تجدي المسكنات أو المهدئات...
لم يكن أمامي إلا أن أصرخ...
و أصرخ...
و أصرخ...
حتى أنسى الألم ... أو يستيقظ الضمير النائم...
أو أتلقى طعنة تريحني إلى الأبد...
فعذرا إن أزعجتك بصراخي أخي ... و لا تلمني...
أخي... كم في قلبي حنين إليك...
و كم في عيني لهفة ليدك الحانية التي تنتشلني مما أنا فيه ... و لكن...
لا أستطيع أن أعيش ذلك الحلم طويلا...
فليس ثمة دليل على صدقه أو إمكانية تحققه...
لم تعد لديَّ مصداقية لأحد...
فكثير هم من يتكلمون و يزمجرون و يتشدقون.... و لكن قليل هم من يعملون...
أخشى الغدر يا أخي...
أخاف أن أمد إليك يدي فتوثقها بالأغلال..
أخاف أن أدير لك ظهري فتطعنني...
أخشى أن أتشبث بثيابك توسلا ً فتصفعني...
لست أدري إن كنت مخطئا في مخاوفي.. و لكنني لست مستعدا للتنازل أو الخضوع بعد الآن…
و حسبي مرارة الحرمان...
لم تعد لدي فرصة للتجربة...
لم تعد لدي دماء أهدرها رخيصة في معركة خاسرة..
فلقد عزمت على ادخار ما بقي منها لمعركة الخلود في ساحة العزة...
فهي صفقة رابحة ضمنها لي خالقي... و هو عندي مُصَدَّقٌ بلا شك...
أخي..
قد تكون كلماتي قاسية بالنسبة لك ... و لكن لا بأس في أن تعاني بعض القسوة مثلي...
و كل ما أرجوه منك.. أن تتذكرني في خلوتك.. أو عندما تكون بين أهلك أو مع أطفالك..
و أن تدعو لي... إن كان في قلبك بقية من شفقة على حالي...
و إن وجدت مني شيئا لا يعجبك أو يجرح شعورك...
فالتمس لي العذر أخي...
و لا تلمني...
http://jeel.info المصدر:
============
دور المرأة في الدعوة إلى الله - عز وجل - وإصلاح المجتمع
للمرأة دور كبير في الدعوة إلى الله وإصلاح الخلل الذي سرى في أمتنا منذ زمن كبير في تجميد الإسلام وعزل المرأة عن واجباتها التي كلفها الله بها وتعمد تجهيلها والزج بها في وظائف وأعمال ليست مما يلزمها بل وتعطل عطاء عطاءها ومشاركتها الحقة في البناء والإصلاح والتنمية..
إن دور المرأة في الدعوة والبناء والإصلاح دور كبير ولن يتأتى ذلك حتى تعرف الميادين الخالية التي لا تصلح إلا بالمرأة ولا يستطيع اختراقها وبناؤها غيرها.
ولهذا يجب أن نعلم جميعاً أن ميادين الدعوة والإصلاح والبناء ميدانين:
الميدان الأول: الميدان البارز المفتوح المتجول داخل البلد وخارجه..
فميادين الدعوة والإصلاح البارزة والمفتوحة والظاهرة التي تكون داخل البلد كالدعوة في المساجد والمجاميع العامة والأعمال الظاهرة والتجول في المدن والقرى والبلدان وإدارة المصانع فهذه الأعمال التي تتطلب البروز والظهور والغياب والتنقل هذا خاص بالرجل ليس للمرأة ومثل ذلك الولايات العامة التي ترتبط بالخشونة كالجندية والبناء والتخطيط وتتطلب الانتقال والسفر كل هذه وظائف سواء تتعلق بالدعوة أو التنمية خاصة بالرجال لأنهم أهل البروز والسفر والظهور، فليس من المنطق عقلاً، ولا من المشروع شرعاً بروز المرأة وظهورها لتقف في محراب مسجد لتلقي درساً مفتوحاً ولا تقف في السوق تخالط الناس وتدعوهم وترشدهم فهي أكرم عند الله من أن تمتهن ويعتدى عليها!
أما الميدان الثاني: وهو ميدان العمل في الداخل:(14/106)
وهذا العمل الذي يكون متخصصاً فيما يخص المرأة أولا والعمل داخل المجتمع النسائي ثانيا والعمل في البيت ثالثا: وهذه هي ميادين واسعة للمرأة تحتاج لتغطيته والقيام به في مجتمعها وبين مثيلاتها إضافة إلى إدارة بيتها والعمل على رعايته والقيام بمتطلباته لأنه المدرسة الأولى الذي يخرج منه الأجيال إلى مخالطة المجتمع وقد أشار الله - سبحانه وتعالى - إلى وجوب دور المرأة في الدعوة والبناء داخل المجتمع المغلق المتعلق بالمرأة وبما تحتاجه المرأة فقال: ’’ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله،، ثم قال لهن موجهاً لهن بالقيام بدور الدعوة والإصلاح ومزاولة التعليم في المجتمع الداخلي للأمة: ’’ وأذكرن ما يتلى عليكن من آيات الله والحكمة،،
والأمر بالقرار في البيوت يستفاد منه الانقطاع والتفرغ للمجتمع في الداخل وترك الظهور والبروز لغيرهن، ولا أدل على ذلك من النهي عن ممارسة صفة التبرج الذي يفهم منه عدم الظهور والبروز؛ لأن ذلك خروج للمرأة عن دورها وليس المراد عدم القيام بالأعمال التي تخص المرأة وعدم الخروج لها فذلك مما لا يكلف اله به البشر وإنما المقصود من هذا التوجيه الرباني أن تمارس المرأة عملها وتقتصر نفسها عليه دون التطلع للبروز والظهور للقيام بأعمال ليس مما هو من عملها ولذلك أمرها الله - تعالى -بمزاولة مهنة التعليم في هذا المجتمع الداخلي الذي يعجز الرجل أن يبقى فيه كما أن المرأة يصعب عليها مزاولة الأعمال البارزة لكونها تتنافى طبيعتها الأنثوية ومهما روضت المرأة لهذه الأعمال وبذلت الجهود لصناعتها امرأة برزة فإن حنينها دوماً يكون لأول منزل وميلها دائماً إلى ما فُطرت عليه [فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله] ذلك فكما أمر الرجل بالتحرك والبروز لأداء واجباته ونشر دين الله - عز وجل - والتعليم ومزاولته الأعمال التي لا تصلح إلا له كذلك أمرت المرأة بالنصف الآخر الذي ينفر منه الرجل ولا يستطيع البقاء وراء الجدران لما فطر عليه وهيئ له [ألا يعلم من خلق] أمرت المرأة بلزوم واجبها والقيام بمسئوليتها المتروكة لها وراء الجدران وبطون البيوت وداخل المجتمع، ولهذا أمرت بعد ذلك كما أمر به الرجل من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ولهذا كانت صلاة المرأة في بيتها أفضل من الصلاة في مسجد حيها، لأن الصلاة في المسجد يتطلب الظهور والبروز وهذا نابع للأمر بالقرار في الداخل إذاً فعمل المرأة هو القيام بالدعوة والإدارة والإصلاح والبناء داخل المجتمع وهو النصف الأدل والمهم وأما العمل والدعوة والإصلاح خارج المجتمع وهو النصف الآخر فذلك من شأن الرجل وحده ومن هنا وجب علينا عدم الخلط في المفاهيم وعدم التعدي في الوظائف وإن مما يدعو للحسرة أن الدعوات الشاذة تعمل جاهدة لتهيئ الفريقين لعمل واحد وهو العمل الخارجي وتحطيم الوظائف الداخلية للأمة وتعطيل المؤسسة الفاعلة.
لقد حدد الله عمل المرأة المرتبط بالقرار الداخلي للمجتمع البعيد عن الاختلاط ثم أمر المرأة بمزاولة مهنة الدعوة والتربية والتعليم داخل هذا القطاع كمؤسسة مستقلة ثم ساوى بعد ذلك بينهم فيما ليس فيه ظاهر ولا باطن ثم قال: [إن المسلمين والمسلمات..... إلى قوله: أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً] فهذه الآيات المباركات بينت القسم الذي يختص بالنساء دعوة وعملاً وإصلاحاً ثم بينت وجه المساواة بين الجنسين وأنه متى قام كل فرد منهم بوظيفته الخاصة والعامة قياماً يقوم على الإسلامي والإيمان والتصديق والذكر نال كل واحد من الفريقين أجره العظيم.
ومما تقدم أحسب أنه لا ضير علينا أن نقول: أن إصلاح نصف المجتمع يكون منوطاً بالمرأة ويتأتى ذلك ذلك متى عقل المسلمون ووضعوا خططاً واضحة وجداول تبين حدود الأعمال البارزة التي تخص الرجال والأعمال الداخلية التي تستدعي الستر والقرار مما يخص النساء وجدولاً يبين العمل المشترك للجميع [المسلمين والمسلمات... ] وأزعم أنه متى أدركنا ذلك نكون قد سلمنا القوس للرامي واستلمت المرأة نصف العمل الإصلاحي الدعوي ويكون نمو المجتمع وانتشار الدين وارتفاع التنمية على الوجه المطلوب وذلك للأمرين التاليين:
الأمر الأول: أن النساء كالرجال عدداً بل قد يكن أكثر منهم كما دلت السنة المطهرة على ذلك وتجميد المرأة عن عملها وسلبها وظيفتها داخل قرارها يعني توفر العمل الداخلي المنوط بالمرأة وتوظيف الرجل بالقيام به وذلك يعني مضاعفة العمل عليه فيقل إنتاجه وتأثيره.
وعلى كل فيجب الامتثال لأمر الله ورسوله وتسليم المرأة قيادة عملها في مقرها وفي موقع قرارها حتى تمارس وظيفتها الداخلية داخل المجتمع المغلق والبيت المقفول فسيكون لها دور أكيد في الدعوة والإصلاح.(14/107)
الأمر الثاني: إن خروج الأجيال إلى مزاولة الحياة ومواجهة أمورها لا يكون إلا بعد أن يتربوا في المجتمع الداخلي ويتلقون عوامل البناء في داخل البيوت وبين أحضان النساء خاصة لأن الرجال يناط بهم متى بلغوا سن الرجولة الأعمال خارج البيوت، ومن هنا ندرك لماذا أمرت النساء بالقرار في البيوت وعدم المغادرة منها ذلك لأنهن يقمن بالتنشئة الأولى والتأسيس للأجيال حتى يخرجوا إلى المجتمع للتعلم والمشاركة في البناء وعليه يتبن لنا أهمية ما يجب على المرأة من وظيفة يتعلق بالدعوة والإصلاح والقيام بالوظيفة المناطة بها من الرعاية والفهم لمكونات واجباتها ووظائفها فيما ائتمنت عليه وندرك غلط من خلط بين عمل الجنسين فعمل ولا زال يعمل لسلبها وظيفتها وإلحاقها بوظيفة غيرها وأصبح يدعو أن يصبح مجتمع القرار من دون موظفة أو يأتي لها بموظفة من خارج أرض القرار لا تستطيع القيام بواجب البناء والإصلاح فيتعطل نصف المجتمع وهو الجزء الداخلي له بسبب القائمين على وظائفهم ونقلهم إلى غير تخصصاتهم فيا ليت قومي يعقلون.
http://www.olamaalshareah.net المصدر:
============
رسالة إلى صاحب عمل
إلى الأستاذ الكريم مدير:............... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد نما إلى سمعي توظيفكم لعناصر نسائية في المؤسسة التابعة لكم، وأن هذا التوظيف كان في أوساط الرجال، وبما أني أعلم عنكم حب الخير ـ ولا نزكيكم على الله ـ أحببت أن أعرض لكم ما عندي من رأي تجاه هذا الموضوع:
أخي الكريم!..
إن إتاحة الفرصة للنساء في العمل إلى جانب الرجال أمر يحرمه الشارع الحكيم، كما يقضي العقل والتجربة بخطورته على الأخلاق والدين، وإليكم الأدلة على ذلك:
أولا: قال تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون}..
فالله تعالى أمر الرجال بغض أبصارهم عن النساء، فإذا صارت المرأة تعمل إلى جانب الرجل فكيف يمكن له أن يغض بصره؟..
فالمرأة عورة كلها، كما جاء في الأثر، فلا يجوز النظر إليها، وقد قال رسول الله: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة)، رواه الترمذي..
فنظرة الفجأة معفو عنها، وهي الأولى، بخلاف الثانية فإنها محرمة، لأنها تكون عن عمد، وقد جاء في الأثر: (العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطو) [رواه مسلم]..
والنظر زنا لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة، وذلك يفضي إلى تعلق القلب بها، ومن ثم الفاحشة، ولاشك أن النظر متحقق في الاختلاط غاية التحقق.
ثانيا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء) [متفق عليه]..
فقد وصفهن بأنهن فتنة على الرجال، فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون في مكان واحد؟!.
ثالثا: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لما بنى المسجد جعل بابا للنساء وقال: (لو تركنا هذا الباب للنساء) [أبو داود]..
فكان عمر ينهى عن الدخول من باب النساء، فإذا كان منع الاختلاط في الأبواب فلأن يمنع ذلك في المكاتب من باب أولى، إن المرأة مأمورة بالقرار في البيت.. هل تعلم أخي الكريم لماذا؟..
حتى لا تتعرض لأنظار الرجال والاختلاط بهم..
وقد أمر رسول الله – رضي الله عنه - النساء بأن يمشين في حافة الطريق دون وسطه حتى لايختلطن بالرجال..
وكان - عليه السلام - إذا سلم من صلاته ثبت في مكانه مستقبل القبلة ومن معه من الرجال حتى ينصرف النساء ويدخلن بيوتهن، ثم ينصرف وينصرف الناس معه، حتى لا يمتد بصر الرجال إليهن..
كل هذه النصوص وغيرها كثير تبين حرمة الاختلاط، وحرمة أن تعمل المرأة إلى جانب الرجل، والعلماء كلهم متفقون على هذا بلا خلاف..
والسبب في تحريم الاختلاط ما فيه من الخطر على العرض والخلق والدين:
فمن المعلوم أن في الرجل ميلا قويا إلى المرأة، وفي المرأة ميلا قويا إلى الرجل مع لين وضعف، فإذا اختلطا كان ذلك مظنة أن يلعب الشيطان بينهما، فيزين الفاحشة إليهما، ومن هنا نقول:
إن النتيجة الطبيعية للاختلاط هو وقوع الزنا وفساد الأعراض والأخلاق..
وإذا كان هذا الاختلاط محرماً لأجل هذه المفسدة العظيمة، فلاشك أن الذي ييسر أسباب ذلك بأن يأذن بالاختلاط في عمله أو مؤسسته أو المستشفى الذي يملكه، عليه من الإثم بقدر ما يحدث من المعاصي بسبب الاختلاط، لأنه لولا إذنه لما حدث ما حدث..
ومن المعلوم أن هتك الأعراض وخراب البيوت وضياع مستقبل الفتاة بالذات وظهور اللقطاء، كل هذه المآسي مرتبطة بالاختلاط، فمنعه منع لجميع تلك المآسي، فرحم الله عبدا حفظ المسلمين في أخلاقهم وأعراضهم ودينهم..
ولا يقال: "إن هذه مبالغة"..!!!!!!!!!!.......
لا، ليست مبالغة، بل هي الحقيقة...
ومن أراد أن يقف على حقيقة الاختلاط وآثاره فليقرأ مشاكل الغرب وما تعانيه المرأة بالذات هناك:
حتى حدى بهم الأمر إلى الدعوة إلى منع الاختلاط في المدارس والجامعات، وبالفعل أنشئت جامعات ومدارس قائمة على الفصل بين الجنسين في أمريكا وغيرها...
ما فعلوا ذلك إلا بعد أن ذاقوا المر والألم من كثرة المفاسد الأخلاقية، أفلا يجب أن نعتبر بهذه الحقائق؟..
أليس من الخطأ أن نكرر نحن المسلمون الأخطاء التي وقع فيها الغرب، وهم اليوم يرجون التخلص منها؟!..
إن المرأة أعز ما لدينا، فهي الأم والزوجة والبنت، فيجب أن نحفظ كيانها وأخلاقها، ونحرص على توفير كل الأسباب التي تعينها على القيام بوظيفتها الأولى: ......الأمومة ورعاية النشء..(14/108)
هل تعلم أخي أن خروجها للعمل بحد ذاته يعد كارثة على الأجيال الآتية التي ستفقد حنان الأمومة والرعاية؟..
وذلك ينعكس أثره سلبا على المجتمع، فيكثر المجرمون والمشردون واللقطاء الذين ما وجدوا المحضن الذي يربيهم ويعتني بهم، فتكون النتيجة الطبيعية هي انحرافهم، وكل ذلك بسبب خروج المرأة للعمل، فكيف إذا كان معه اختلاط؟..
فالأمر أنكى وأمر، فيجب على المسلم أن يتقي الله، ويرحم المجتمع الذي ينتمي إليه من هذه الكارثة الكبرى..
فمن الخطأ أن تكون أهدافنا المادية أكبر عندنا من قيمنا ومبادئنا الدينية، هل يليق بنا كأمة مسلمة أن نضيع أخلاق فتياتنا لأجل حفنة من المال؟!..
نحن نعتبر أمة فريدة بين الأمم كلها، والميزة التي نتميز بها هي صيانتنا للمرأة بالحجاب والبعد عن الرجال، فإذا فرطنا في هذه الميزة استوينا وغيرنا، وفقدنا احترام الآخرين، وإن كان الأطم أن نفقد رضى الله.
أخي الكريم!...
أربأ بكم أن تكونوا عونا لأعدائنا، فإن أعداءنا مافتئوا يمكرون ويخططون من أجل إفساد أخلاق شبابنا وبناتنا، لأن بذلك يمكنهم أن يتسلطوا علينا، فيا فرحهم ويا سرورهم إذا علموا أن المسلمين صاروا يهدمون أمتهم بأيديهم، بمثل هذا الفعل الخطير.
أخي الكريم!..
أعلم أنكم ما قصدتم إلا خيرا، وما أردتم إلا نفع هؤلاء الفتيات، لكن النصيحة تقتضي الصراحة، فإن ما فعلتموه يحتاج إلى تأمل وإعادة نظر وتصحيح، فبالإضافة إلى خطر ذلك على الفتيات في المقام الأول، فهو كذلك حرمان للشباب من أعمال هم أحق بها:
فالفتاة ليست مكلفة بالسعي ولا بالنفقة، بخلاف الشاب فإنه مطالب بذلك، والشاب محتاج إلى الوظيفة لأجل الزواج وبناء أسرة بخلاف الفتاة، فإذا استأثرت الفتيات بالوظائف انتشرت البطالة في أوساط الشباب، وعزفوا عن الزواج لعدم الوظيفة، فتنتشر العنوسة والعزوبة، وتلك مشكلة خطيرة تؤرق المجتمع لما تحمل في طياتها من آثار خطيرة، منها:
ثوران الغريزة الجنسية التي تبحث لها عن مخرج، فلا تجد طريقا إلا في الحرام مما يعمق الفساد الأخلاقي وما يتبعه من مشاكل لا تحصى..
فالاختلاط شر، والمرأة إذا احتاجت حاجة ماسة إلى العمل فذلك حق مشروع لها بشرط أن يكون بعيدا عن الرجال.
أخي العزيز!..
ما كتبت إليكم إلا وكلي رجاء أن تكون لكلماتي الوقع الحسن عليكم، وأن يكون مقبولا لديكم، ولا أخفيكم قلقي وأنا أكتب هذه الكلمات خشية أن تعرضوا عن نصيحتي، وسبب قلقي أني أشعر أن الأمر خطير للغاية عليكم وعلى الفتيات والشباب والأمة..
وكم أتمنى من الله الكريم أن يلقي في روعكم ما ألقاه في روعي، وأن يقذف في قلبكم ما قذفه في قلبي، وأن يوقفكم على حقيقة هذه القضية ويعلمكم منها كما علمني، ولست أزعم لنفسي علما، لكن أرجو منكم أن تقرأوا كتاب: "عمل المرأة في الميزان"، للدكتور محمد علي البار، لعل الله أن يشرح صدركم للحق، ويبعد عنكم نزغات الشيطان، أسأل الله ذلك وما توفيقي إلا بالله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://saaid.net المصدر:
=============
خطة عمل مشروع " ما يطلبه المسلمون "
عبد الله زقيل
مقدمة:
الحمد لله القائل في كتابة: " وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ " [آل عمران: 104].
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله -: فكل من دعا الناس إلى خير على وجه العموم، أو على وجه الخصوص، أو قام بنصيحة عامة أو خاصة، فإنه داخل في هذه الآية الكريمة. ا. هـ.
والحمد لله القائل: " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ " [النحل: 125].
والقائل في حق نبيه - صلى الله عليه وسلم -: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا. وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب: 45، 46].
والقائل في حقه أيضا: " لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ " [الحج: 67].
والقائل في حقه أيضا: " وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " [القصص: 87].
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله -: " وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ " أي اجعل الدعوة إلى ربك، منتهى قصدك وغاية عملك.
والقائل في حقه أيضا: " فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ " [الشورى: 15].
إن الدعوةَ إلى الله هو طريقُ الأنبياء، وعلى رأسهم أولو العزم منهم كما قال - تعالى -فيهم مثبتا نبيه - صلى الله عليه وسلم - على الصبر في سبيل الدعوة إلى الله: " فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ " [الأحقاف: 35]، وعلى رأس أولو العزم نبينا - صلى الله عليه وسلم -.
وطرقُ الدعوة كثيرةٌ جدا، ومن نعم الله علينا نحن المسلمون أن سخر لنا في هذه الأزمان سُبل الدعوة إلى الله، ومنها الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، والتي فتحت مجالا أوسع في الدعوة إلى الله لو استغلت استغلالا مدروسا.
والمشروع الذي أود أن أطرحه لاستغلال هذه الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) في الدعوة إلى الله يتمثل في تلبية طلبات إخواننا من المسلمين في كثير من بلاد العالم ممن لا تتوفر لديهم الكتب والأشرطة لكي يتعرفوا على دينهم بشكل صحيح، وخاصة في أمور العقيدة.
فكرة المشروع(14/109)
تكونت فكرة المشروع عندما كنت استمع إلى برنامج في إذاعة القرآن الكريم بعنوان " رسائل المستمعين "، وفكرة البرنامج تقوم على رسائل ترسل إلى إذاعة القرآن، يطلب فيها أصحابها كتبا وأشرطة، ولسان حال مقدم البرنامج يقول لنا: هذه رسائل إخوانكم يطلبون فيها كذا وكذا فهلا قمتم بتلبية طلباتهم يا أهل الدعوة إلى الله؟
ومن ضمن ما سمعته في البرنامج رسالة معاتبة من أحدهم يعاتب فيها البرنامج على عدم تلبيته لطلبه، وكان عذر مقدم البرنامج أن سبب ذلك يعود إلى عدم تمكنهم تلبية جميع ما يرد إليهم من رسائل.
وبعد سماع البرنامج قلت في نفسي: لماذا لا نقوم نحن بهذا العمل عن طريق ما يرد إلى البرنامج من طلبات؟
فطرحت الفكرة في بعض منتديات الحوار، والحمد لله وجدت القبول. فلله الحمد والمنة.
وأنا أعلم أن هناك جهوداً فردية يقوم بها بعض الشباب في هذا المجال، ولكن في رأي أن للعمل المنظم آثارا أكبر، وتوسيع الدائرة في هذا المجال يلبي أكبر عدد مما يحتاجه إخواننا في جميع أنحاء العالم.
وينبغي أن يلاحظ أن هؤلاء الذين يطلبون جاءوا راغبين، واختيارهم لإذاعة القرآن الكريم عندنا دليل واضح أنهم وثقوا بها من خلال ما تطرحه من برامج مفيدة.
وكذلك ينبغي أن يُعلم أننا لا ندعي الكمال في هذا المشروع وسيظهر هذا بعد البدء في المشروع.
وهذه الأهداف التي طرحتها قابلة للنقاش بما يرقى بهذا المشروع إلى الأفضل بحول الله وقوته.
أهداف المشروع
إنه لا بد لأي مشروع دعوي أن يقام على أهداف. وأهدافنا من هذا المشروع تتلخص في النقاط التالية:
أولا: إيصال الإسلام الصحيح إلى إخواننا، وذلك عن طريق ما يرسل إليهم مع ما يطلبونه، وبخاصة مجال العقيدة، فكما هو معلوم أن كثيرا من ديار المسلمين مع الأسف تعيش صورا من الشرك بالله، وهي صور كثيرة لا مجال لحصرها وعدها.
فالهدف الرئيس من هذا المشروع: إنقاذ أولئك المسلمين من براثن الشرك بالله، وهذا واجب علينا لأن الله أنعم علينا بأن عشنا في بيئة تعلمت العقيدة الصحيحة، وعرفت ما يُخرج من الدين، فمن حقهم علينا أن نوصل لهم هذه العقيدة كما أخذناها نحن.
وذلك امتثالا للحديث عَنْ أَنَسٍ : عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ. رواه البخاري ومسلم.
ثانياً: إن من نعم الله علينا نعمة الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) إذا استغلت في خدمة هذا الدين، وهذا المشروع من أهدافه الأساسية أنه يعتمد على الشبكة العنكبوتية في نجاح هذا المشروع.
فعن طريقه نستطيع أن نوصل طلبات المسلمين بشكل سريع، فكل منا يستطيع أن يخدم هذا المشروع عن طريق الشبكة العنكبوتية (الإنترنت).
ثالثاً: إن هذا المشروع يقوم على الاحتساب عند الله، والتطوع للمشاركة فيه، ومن أفضل الأماكن لبثه ونشره هو منتديات الحوار التي على منهج أهل السنة والجماعة، وهذه المنتديات يرتادها عدد كبير، وفي ظني أن كل واحد منهم يهمه أمر هذا الدين، والعمل له، ومن خلال هذا المشروع نستطيع أن نستغل طاقات رواد منتديات الحوار للعمل لهذا الدين.
رابعاً: إننا لن نستطيع أن نلبي كل طلب يطلب منا، لأن هناك من يطلب مجلدات، وأشرطة كثيرة، فيكون تركيزنا على الكُتيبات الصغيرة، والمطويات، والأشرطة. وكما قيل: ما لا يدرك كله، لا يترك جله.
خطة العمل للمشروع
إن خطة العمل لهذا المشروع في النقاط التالية:
أولا: تسجيل برنامج " رسائل المستمعين " الذي يذاع في إذاعة القران الكريم ليلة الإثنين عند الساعة العاشرة والنصف.
ثانيا: كتابة الطلبات التي وردت إلى الإذاعة في ورقة، ومن ثَم اختيار الطلبات التي تخلو من طلب مجلدات كثيرة، أو أشرطة كثيرة.
ثالثا: طرح الطلبات في الصفحة المعدة لهذا الغرض، بحيث يشارك رواد المنتديات في تلبية هذه الطلبات كل بحسب استطاعته وقدرته المالية.
رابعا: لن يطرح عنوان صاحب الطلب لكي لا يستغل من بعض أهل المناهج المنحرفة، والمخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، بل يرسل لمن تبنى طلبا معينا عنوان صاحب الطلب على عنوانه البريدي.
خامسا: يشترط لمن أراد أن يرسل طلبا أن يرفق مع الطلب كتيبا، أو مطويةً، أو شريطاً في العقيدة، وموضوعها يكون بحسب ما يكون في بلد المرسل إليه من صور الشرك بالله.
سادسا: بعد إرسال الطلب يوافينا المتبني للطلب في الأسبوع الذي بعده بأنه أرسله أو لم يرسله، ويكون تبني الطلب كحد أقصى أسبوعين. فإن لم يرسله بعد أسبوعين فإنه يخبرنا لكي يتبناه غيره.
سابعا: لن يكتفى بما لدى برنامج " رسائل المستمعين " فقط، بل قد تتسع دائرة العمل فتشمل بعض الهيئات الخيرية، ومراكز دعوة الجاليات وغيرهما.
وفي البداية سيقتصر المشروع على ما يرد إلى برنامج إذاعة القرآن الكريم، ويكون بداية انطلاقة المشروع. ويقيم المشروع بناء على مدى نجاح هذه التجربة وعدمها.
ثامنا: يفضل لمن يرسل الطلب أن يضع بريد الالكتروني الخاص بالصفحة التي ستنشأ لهذا الغرض داخل الرسالة لكي يستطيع المرسل إليه أن يتواصل معنا من خلالها.
هذا ما لدي من خطة للمشروع، فمن كان لديه أفكار أو اقتراحات أخرى فإنني انتظر وبفارغ الصبر ما تضعونه من أفكار واقتراحات.
ولتعلموا أن هذا المشروع ليس لي فقط، بل هو لكل من يشارك في إقامته، والبذل له، وسنرى بحول الله وقوته ثمرة هذا المشروع إذا كتب الله له النجاح.
وختاما أسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول العمل، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا على خدمة هذا الدين بكل ما نستطيع. آمين.
http://saaid.net المصدر:
=============
توجيهات دعوية(14/110)
الدعوة مقام عظيم، قد يشعر الإنسان بمنزلتها وقد لا يشعر، أما من لم يشعر فليس له حظ من هذه التوجيهات التي سنوردها، إنما هي حظ من اهتم لأمته وأحس بعظمة الدعوة وجلالتها، هذا هو العظيم حقا..العظيم هو الذي يهتم للأمور العظام، وهو الذي يتعب نفسه في تحصيل المراتب الكبيرة، كما قال الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام
وإذا كان الإنسان يعلو عند الناس لكفاحه وجده في أسباب الحياة، فإن الذي يعلو عند الله - تعالى -هو الذي يكافح من أجل أن يقيم صرح الدين في الأرض، ويعلم الناس الخير، ويحذرهم من سبل الشر، قال - تعالى -: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}...
قال الحسن: " هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين، هذا خليفة الله". (تفسير ابن كثير7/169)
الله ما خلق الخلق إلا لعبادته، وأرسل الرسل لأجل ذلك، والداعي إلى الله - تعالى -يحقق مراد الله من الخلق، ويتبع الأنبياء ويقتدي بهم، ومن هنا شرف وكان أحب الخلق إلى الله - تعالى -..
لكن الدعاة هم أكثر الخلق عناء وتعبا، وأكثرهم ألما وحزنا، لا نقول هذا تنفيرا من طريقهم، فإن كل إنسان يناله في الدنيا من التعب والحزن القدر المكتوب، لكن الذي يتميز به الدعاة بالرغم من كونهم أكثر الناس تعبا وحزنا، أنهم كذلك أكثر الناس تلذذا بالذكر والطاعة، تمر بهم لحظات من حلاوة الإيمان تنسيهم كل تلك الآلام، وهذا ما لا يجده غيرهم إلا في النادر.
إن مصدر آلام الدعاة أنهم يرون انتفاش الباطل وكثرة المعرضين، وهم يعلمون علم اليقين حقيقة الدنيا والآخرة، وهم في محاولة جادة لاستنقاذ الغارقين من غرقهم، لكن محاولاتهم تبوء بالفشل في بعض المرات أمام إصرار الغارقين على الغرق، وأمام ترصد الظلمة وقعودهم بكل صراط يوعدون ويصدون عن سبيل الله من آمن يبغونها عوجا..
وأمام هذه المعوقات يجد الدعاة أنفسهم في عائق آخر لا يقل خطرا من المعوقات السابقة، وهو عائق نفسي، وعلمي، وعملي:
- فأما عائق النفس فمللها ويأسها..
- وأما العائق العلمي والعملي فهو الحيرة التي ترد عليهم إزاء أزمات دعوية تمر بهم فلا يهتدون إلى حلها، فتضيق بهم السبل، مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية..
لأجل كل هذه الأمور كتبت هذه التوجيهات الدعوية، لعلي أساهم في حل شيء من تلك المعوقات، فأقول:
هذه توجيهات وزاد يتزود بها الدعاة:
أولا: (الإخلاص في طلب العلم وتعليمه).
ـ لابد للداعية من أن يتعلم العلم الشرعي، ولابد له من الإخلاص في طلبه وتعليمه:
ـ فالإخلاص هو سبب القبول عند الله - تعالى -، وهو كذلك سبب الإتقان، فما أخلص إنسان في شيء إلا وأتقنه.
ـ والإخلاص يتطلب اتهام النفس بالتقصير دائما، والخشية من عدم الإحسان، وذلك يدفع إلى التطور الدائم إلى الأحسن، فإن الذي يتهم نفسه بالتقصير يعمل على الدوام على الارتقاء إلى الأفضل كي يسلم من ذلك.
ـ الإخلاص يكون قبل العمل وأثناءه وبعده، قبله باستحضار النية لله - تعالى -، وأثناءه باستصحابها، وبعده بسؤال الله القبول، وتذكر سلبيات وإيجابيات العمل، لإصلاح ما يكون من خلل.
ـ الإخلاص يبعث على الصبر والأمل الدائم، لأن المخلص عمله لله فهو يرجو ثوابه، وثوابه مكتوب سواء قبل الناس دعوته أم ردوها، لذا فإنه إذا جعل الإخلاص نصب عينيه لم يبال بقبولهم أو إعراضهم، لعلمه أن الله يكتب ثوابه في كلا الحالتين، بخلاف الذي لا يخلص فإنه يجعل همه الأول قبول الناس، فإذا لم يقبلوا مل وترك دعوتهم.
ـ وينصح في هذا المقام النظر في منزلة الإخلاص في مدارج السالكين لابن القيم.
ثانيا: (كثرة التضرع إلى المولى - جل وعلا - أن يلهم بالحق ويوفق للعمل به).
ـ كثرة الدعاء والإلحاح في السؤال سمة راسخة من سمات الدعاة لا ينفكون عنها لحظة، وهذا سر نجاحهم، ومن لم يلح في دعائه فليس على السبيل والسنة.
ـ كثرة الدعاء في كل وقت وآن، يرزق النفس الثبات وحسن التصرف والتدبير، لأن المتضرع إلى ربه متبرء من حوله وقوته، متوكل على الله مفوض أمره إليه، وإذا تولاه الله رزقه حسن التصرف، وفي ذلك نجاح دعوته.
ـ كثرة الدعاء يفتح على الداعي لذيذ مناجاة الله - تعالى -وحلاوة الإيمان، ويسليه في المحن، ويخفف عنه المشاق.
ـ للوقوف على الأدعية النبوية ينظر في كتب الدعوات من الصحاح والسنن، كالبخاري ومسلم.
ثالثا: (ملازمة قراءة القرآن الكريم الذي هو زاد الدعاة الأول).
ـ القرآن يشرح الصدور، ويبدد الغموم، ويزيد في الإيمان: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}.
ـ الدعاة من أخشع الناس في قراءة القرآن، لأنه يقص عليهم حقيقة الصراع الذي هم فيه، بين الحق والباطل، فهو يبشرهم بالنصر القريب على أعدائهم، ويثبتهم في المحن، ويعدهم الخير والمثوبة:
{حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}..
فإذا قرءوه تمثلوه في أنفسهم وعاشوا آياته لحظة بلحظة، يجدون أنفسهم فيه، ويستشعرون معانيه، ويوجهون خطابه إلى أنفسهم.
ـ ينظر في كتاب الفوائد لابن القيم في الفصول المتعلقة بالقرآن.
رابعا: (الحرص على تدارس شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلف).(14/111)
ـ يجب الرجوع في تعلم أسلوب الدعوة إلى سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن الخطأ الاعتماد على كتب المحدَثين فحسب، فسيرته مكتوبة صحيحة بين أيدينا، فيها الهدى والنور، وأي دعوة لا تكون من خلالها فهي فاشلة.
ـ من المهم تدارس سير الصحابة والسلف والأئمة الأعلام كذلك، فذلك يوقف الدعاة على الطرق الصحيحة للدعوة الناجحة، فمن كان مقتديا فليقتد بمن مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة.
ـ من المراجع المهمة في هذا الباب: شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - للترمذي وابن كثير، والسيرة النبوية الصحيحة لأكرم ضياء العمري، وفقه السيرة لمحمد الغزالي، وصفة الصفوة لابن الجوزي، وسير أعلام النبلاء للذهبي.
خامسا: (لابد من زاد إيماني).
ـ قال - تعالى -: {واستعينوا بالصبر والصلاة}، فلا بد للداعية من زاد إيماني من الصلاة والذكر.
ـ أعظم أوقات اليوم ثلاثة: بعد الفجر، وقبل الغروب، والثلث الآخر من الليل، فهذه الأوقات زاد الدعاة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) رواه البخاري في الإيمان، باب: الدين يسر..
فالغدوة أول النهار، والروحة آخرها.. والدلجة آخر الليل..
فاغتنام آخر الليل يكون بقيامه وقراءة القرآن فيه، فالليل موطن المناجاة ورفع الحوائج حين ينزل الله - تعالى -ليقول: (من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟) رواه مسلم في الصلاة، باب: الترغيب في الدعاء والذكر آخر الليل..
وقيامه شرف المؤمن، والفجر والعصر وقت الصلاة والذكر، هذه الأوقات هي أحسن أوقات السفر، وهي أحسن السفر إلى الآخرة بالذكر والمناجاة، فمن تعاهدها تزود من الإيمان والصبر.
سادسا: (ذكر الله عند الخروج من البيت، وسؤال الله التوفيق في العمل).
ـ لابد على الداعية أن يكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فإنها تحمل عنه كأمثال الجبال، وليعلم أنه لا يعمل بقوته وحيلته، فلولا إعانة الله له لما حرك حجرا من مكانه، ولا خطا خطوة، ولا دعا إنسانا.
ـ حين الخروج يجب استحضار التوكل على الله وإخلاص النية لله - تعالى -وذكر الدعاء المأثور:
- (بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله)..
- (اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي)، هما حديثان عن أم سلمة وعن أنس عند أبي داود في الأدب: باب ما جاء فيمن دخل بيته ما يقول، صحيح أبي داود 3/959
ـ يقول أنس: كنت أسمع رسول الله يكثر أن يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن ضلع الدين وقهر الرجال)، البخاري في الدعوات، باب: التعوذ من غلبة الرجال.
فهو ذكر الدعاة، لأن الداعي يحزنه إعراض الناس، ويهمه مستقبل الدعوة، ويشكو من العجز والكسل، ويخاف أن يجبن في موطن يجب أن يقول فيه، أو أن يبخل بشيء فيه نصرة الحق، ويخاف قهر الرجال، فالدعاء بهذه الكلمات تكفيه كل تلك الهموم.
سابعا: (الأمل وعدم اليأس).
ـ الداعية يدعو الناس إلى أمر قد لا يستجيبون له لأول مرة، لذا يجب عليه أن يوطن نفسه على هذا حتى لا ييأس.
ـ ينبغي على الداعية أن لا يعتقد بمقولة: "الطبع يغلب التطبع"، لأن دعوته قائمة على عكس ذلك تماما، إنها تقوم على الإيمان بالقدرة على قلب الطباع من الشر إلى الخير، كما صنع الأنبياء من قبل، فلم تكن مهمة الدعاة إلا قلب طباع الناس الشريرة، ولو أنهم أخذوا بتلك المقولة لما دعوا أحدا.
ـ كذلك يجب عليه أن لا يعتقد قول الشاعر:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه *** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
فمهمة الداعية أن يبني ولو كان غيره يهدم، ومهمته أن يسبح ضد تيار الباطل ولو كان عظيما، وقد كان النبي يبعث وحده في بحر من الباطل، ثم لا يزال يدعو حتى ينشر الله على يديه الخير والنور، فيهدم الباطل ويبني الحق.
ثامنا: (الدعوة في كل وقت بالكلمة، بالإشارة، بالفعل).
ـ رب كلمة اهتدى بها إنسان والداعية لا يدري، فالكلمة كالبذرة، قد لا تنبت اليوم أو الغد، لكنها ستنبت يوما ما، لذا على الداعية أن يدعو إلى الحق بكل وسيلة، ولا يشترط أن يرى ثمرة عمله، فقد لا يراها أبدا، لكن ذلك لا يعني أنها لن تنمو.
ـ من أسس الدعوة البلاغ، فالمطلوب البلاغ، وأما الهداية فمن الله - تعالى -، فإذا استقر هذا في نفس الداعية استراح من الشكوى من إعراض الناس.
تاسعا: (هذه الأجيال أمانة في الأعناق).
ـ فيجب على الداعية أن يكون قدوة لهم في سلوكه وأفعاله، فإن الناس ينظرون إلى سلوك الداعية أكثر من نظرهم إلى كلامه، فمهمته كبيرة، لذا يجب عليه أن يحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة، فما كان مباحا في حق الناس قد يكون مكروها في حقه لمنزلته.
ـ الأعداء يجتهدون في هدم الأجيال، والدعاة على اختلاف مراكزهم لابد وأن يستشعروا هذا الخطر، وأن يفهموا عظم الأمانة التي بين أيديهم، وليعلموا أنهم هم الحصن الحصين لهذه الأجيال من كيد الأعداء، فالله الله فيهم.
ـ ليعلم الداعية أن الحق هو الباقي، وأن ما يقذف به من كلمات تحمل الهدى هي الباقية، أما ما يدعو به أهل الباطل فإنه سيذهب جفاء في يوما ما وإن طال.
عاشرا: (عماد الداعية في دعوته الناس: رفقه وبشاشته، وحسن كلامه، ونجدته لكل ملهوف).
ـ ليس المطلوب أن يلقي الداعية كلماته ثم يمضي لا يشارك الناس أحزانهم وأفراحهم، إنما المطلوب أن يخالطهم وينفذ إلى قلوبهم بحسن الكلام والبشاشة والنجدة لكل ملهوف، فذلك يقبل بقلوبهم إليه، فيمكن تغيير أحوالهم.
ـ الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم..(14/112)
ـ من خالط الناس ونزل منازلهم ثم ارتقى بهم إلى الإيمان والتقوى والعمل الصالح هو العظيم حقا.
ـ ينظر في أحاديث الخلطة وحسن الخلق في كتاب رياض الصالحين.
الحادي عشر: (التبصير بمكائد الأعداء).
ـ إن أكثر الناس لا يدرون ما يكاد لهم من قبل أعدائهم، ويخلطون بين الصديق والعدو، فلابد من إيقاف الناس على حقيقة الأعداء.
ـ ولابد للداعية أن يكون دائم الاطلاع على ما يدور في العالم من أحداث وما يكون في المجتمع من أخبار، هذا الاطلاع لابد منه لتقويم الأحداث وتحديد المفيد منها والتحذير من الضار.
ـ ينظر في هذا المقام كتاب الغارة على العالم الإسلامي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟، قادة الغرب يقولون، المجلات الإسلامية.
الثاني عشر: (يجب على الداعية تعليق القلوب بالله تعالى).
ـ هذه أهم نقطة على الإطلاق، وهي النقطة التي انطلق منها الأنبياء، فقد كانوا يعلقون القلوب بربها.
ـ هذه أسهل وأنجع وسيلة للإقبال بقلوب الناس إلى طريق الهداية، فإن القلوب إذا أحبت ربها سهل عليها ترك العصيان، ولم يكن شيء أحب إليها من طاعته.
ـ تعليق القلوب يكون بأمرين: بذكر أوصافه وأسمائه، وبذكر آلائه ونعمه، والقرآن يدور حولهما كثيرا.
ـ كل دعوة لا تبدأ من هذه النقطة فهي فاشلة.
ـ ينظر للاستفادة في هذا الباب: الفتاوى لابن تيمية الجزء الأول 1ـ100، مدارج السالكين منزلة الرضا 2/240ـ247، شرح حديث ابن عباس لابن رجب.
الثالث عشر: (من الداعية؟.. )
ـ الداعية هو كل مؤمن وقر في قلبه محبة الله - تعالى -ومحبة دينه ورسوله وعباده المؤمنين وعنده حظ من العلم، بغض النظر عن مركزه، فلا يشترط أن تكون الدعوة وظيفته الرسمية، بل قد يكون عاملا، وقد يكون موظفا أو تاجرا، وقد يكون معلما أو معلمة، وقد يكون أبا أو أخا أو زوجا، وقد تكون أما أو أختا أو زوجا أو بنتا، وكذلك قد يكون مديرا أو رئيسا أو مسؤولا.
--
هذه بعض التوجيهات التي نرجو أن تكون معينة لكل من أراد أن يكون من المحبوبين إلى الله - تعالى -: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}.
http://saaid.net المصدر:
==============
أيها الدعاة .. بينوا دين الله ( 2 )
محمد بن صالح المنجد
يا عباد الله.. إن أضرار عدم البيان شنيعة: منها:
خفوت دين الله.. وخفاء الحق.. واستشراء المنكر؛ لأنه لم يُبَيَّن فهو يستشري وينتشر.. وخذلان أهل الحق، لو بين لانتعش أهل الحق، وانتصر أهل الحق، وكان ذلك دعمًا لهم.. ومن أكبر المصائب لعدم التبيين: وقوع العامة في الضلال، ويَتَخذ الناس رؤوسا جهالًا، يفتون بغير علم، فيضلون ويضلون.
وكان الإمام أحمد - رحمه الله - يقدر موقعه في الأمة، و أن الناس ينظرون إليه: ولذلك لما طلب منه القول بخلق القرآن أبي، ولما هدد بالقتل، وقال له تلميذه: يا أستاذ قال الله - تعالى -: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا[29]}[سورة النساء]. قال: يا مروذي، اخرج فانظر، فخرج إلى الساحة قال: فرأيت خلقًا لا يحصيهم إلا الله والصحف في أيديهم والأقلام والمحابر، قال لهم المروذي: ماذا تعملون؟ قالوا: ننتظر ما يقول أحمد فنكتبه، فقال الإمام أحمد: يا مروذي أُضِلُّ هؤلاء كلهم.
والبويطي - رحمه الله - الشافعي لما امتحن في قضية خلق القرآن لم يجب: فقال له والي مصر المكلف من قبل الخليفة بامتحانه وتعذيبه حتى يقر، قال له بينه وبينه علاقة حسنة: قل فيما بيني وبينك، لماذا لا تريد أن تكتب وتقر بما أمر به الخليفة؟ قال: إنه يقتدي بي مائة ألف ولا يدرون المعنى، ناس من العامة تقلدني لا تستطيع أن تميز، فأمر به فحمل إلى بغداد، فقال البويطي - رحمه الله -: لئن دخلت عليه- يعني: الخليفة- لأصدقن، ولأموتن في حديدي هذا حتى يأتي قوم يعلمون أنه مات في هذا الشأن قوم في حديدهم.
ونقل ابن كثير - رحمه الله - عن وهب: أُتِيَ رجلٌ من أهل زمانه إلى ملك كان يفتن الناس على أكل لحم الخنزير، فأعظم الناس مكانه، وهالهم أمره، وهذا رجل كان عالمًا يحبه الناس، والملك يريد أن يفتن الناس على أكل لحم الخنزير، وأشفق الناس على هذا العالم، فقال له صاحب شرطة الملك سرًا بينه وبينه: أيها العالم اذبح جديا مما يحل لك أكله ثم ادفعه إلى حتى اصنعه لك على حده فإذا دعا الملك بلحم الخنزير أمرت به فوضع أي الجدي بين يديك فتأكل منه حلالًا ويرى الملك والناس أنك إنما أكلت لحم الخنزير، فذبح ذلك العالم جديًا، ثم دفعه إلى صاحب الشرطة فصنعه له، و أمر الطباخين إذا أمر الملك أن يقدم إلى هذا العالم لحم الخنزير أن يضعوا بين يديه لحم ذلك الجدي. واجتمع الناس لينظروا أمر هذا العالم هل يأكل أم لا؟ وقالوا: إن أكل أكلنا وان امتنع امتنعنا.(14/113)
فجاء الملك، فدعا لهم بلحوم الخنازير، فوضعت بين أيديهم، ووضع بين يدي ذلك العالم لحم ذلك الجدي الحلال المذكى، فألهمه الله، فقال: هب أنى أكلت لحم الجدي الذي أعلم حِلَّهُ أنا - يقول لنفسه-، فماذا أصنع بمن لا يعلم، والناس إنما ينتظرون أكلي ليقتدوا بي، وهم يعلمون أني إنما أكلت لحم الخنزير، فيأكلون اقتداء بي، فأكون ممن يحمل أوزارهم يوم القيامة، لا أفعل والله، وإن قتلت وحرقت بالنار. وأبى أن يأكل، فجعل صاحب الشرطة يغمز إليه، ويومي إليه، ويأمره بأكله أي إنما هو لحم الجدي، فأبى أن يأكل، ثم أمره الملك أن يأكل، فأبى، فألحوا عليه فأبى، فأمر الملك صاحب الشرطة بقتله فلما ذهبوا به ليقتلوه، قال له صاحب الشرطة: ما منعك أن تأكل اللحم الذي ذكيته أنت ودفعته إلي أظننت أني أتيتك بغيره وخنتك فيما ائتمنتني عليه؟، قال له العالم: قد علمت أنه هو، ولكن خفت أن يتأسى الناس بي، وهم إنما ينتظرون أكلي منه ولا يعلمون إلا أني إنما أكلت لحم الخنزير، قال: وكذلك كل من أُريد على أكله فيمن يأتي من الزمان يقول: قد أكله فلان فأكون فتنة لهم، فقتل - رحمه الله -. ونقل ابن كثير بعدها العبارة: ' اتقوا زلة العالِم فإنه إذا زل زل بزلته عالَم'.
إن بيان الحق أمر عظيم وخصوصًا في هذا الزمان الذي كثر فيه الجهل، وقل فيه العلم، وكثر فيه أهل الباطل ونعيقهم: وقد قال عمر بن عبد العزيز لما تولى الخلافة في زمن عافية الأمة وقوتها قال: 'إني أعالج أمرا لا يعين عليه إلا الله، قد فني عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وهاجر عليه الأعرابي حتى حسبوه دينًا لا يرون الحق غيره'. فهو يستشعر عظم المسئولية: كيف سيغير الآن في واقع انحرافات ظنها الناس حقًا، فماذا نقول نحن عن عصرنا!
من أعذار عدم الإخبار بالحكم:
إذا سئل الإنسان، وهو لا يعلم، فيجب أن يقول: لا أعلم، ولا يتكلم بما لا يعلم، فكيف يقول لنفسه: إن سكت كتمت العلم ولا يوجد عنده علم أصلا.
وكذلك إن كان يظن ظنًا، والسائل يجره قل فيها.. أفتى فيها.. هيا عجل، فإنه لا ينزلق ولا يتكلم إلا بما يقطع أنه يعرفه وأنه حق.
أن تكون المسألة المسئول عنها لم تقع بعد، فإذا كانت لم تقع بعد بعيدة الوقوع، فانه يسع العالم أن يسكت.
أن يتبين للمسؤول أن السائل لا يطلب الحق، يريد فتوى ليستغلها، أو يأتي على نية إذا قال لنا الشيخ ما نحب أخذنا به، وإلا تركناه، وهذا فعل اليهود: {... إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا... [41]}[سورة المائدة]. أي: اذهبوا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فاستفتوه إن أجابكم بما تريدون خذوه، وان لم تؤتوه فاحذروا، فماذا قال الله لنبيه: { فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ... [42]}[سورة المائدة]. فأنت بالخيار، غير ملزم بالبيان هنا لقصد السائل الباطل.
ألا يكون الجواب مؤديًا إلى مفسدة أعظم، ومن خوف المفسدة أن يكون عقل السائل لا يحتمل الجواب.
أما التعذيب والإكراه فانه يُجَوِّزُ في حالات أن يكتم العلم إذا خشي التعذيب الذي لا يطيقه، أو القتل إلا إذا كان جوابه سيترتب عليه إضلال الأمة فإنه يجب عليه أن يتحمل القتل ويجود بنفسه لله - تعالى -ويتكلم بالحق لا غير.
وكذلك لو كان الشيء الذي يخشى القتل من أجله لا يترتب عليه فوات علم يحتاجه الناس.
وكذلك إذا كان غيره أعلم منه في البلد فيجوز أن يحيل عليه ولا يتكلم، ويقول: اذهبوا فاسألوا فلانًا أعلم مني، وكان الصحابة تأتيهم المسألة تدور فيها بينهم حتى ترجع إلى الأول كلهم يخشى الفتيا.
و أما الأسباب غير الصحيحة لكتم العلم، فمثل:
الخوف على المنصب والجاه: فهذا قيصر عرف الحق لكن لما لاحظ أنه إذا أعلنه فإن قومه سيخلعونه من الملك، رجع عنه عدو الله، فمات على النصرانية، فهذا سبب غير مبرر لكتم الحق أبدًا، فكان يجب عليه أن يبلغ الحق ولو خُلِعَ من الملك.
وكذلك الخلع من الوظيفة: قال ابن القيم: ناظرت بعض علماء النصارى فلما تبين له الحق بهت، فقلت له وأنا وهو خاليين: ما يمنعك الآن من اتباع الحق؟ قال: إذا قدمت على هؤلاء الحمير - هكذا لفظه، قال ابن القيم يعني: أتباعه- فرشوا لنا البسط تحت حوافر دابتي، وحكموني في أموالهم ونساءهم ولم يعصوني فيما آمرهم به، و أنا لا أعرف صنعة، ولا احفظ قرآنًا، ولا نحوًا، ولا فقه، فلو أسلمت؛ لدرت في الأسواق أتكفف الناس، لا أنا بقيت على منصبي في النصرانية، ولا أنا صاحب علم فأترأس في الإسلام، فمن الذي يطيب نفسا بهذا!! فقلت له: هذا لا يكون وكيف تظن بالله أنك إذا آثرت رضاه على هواك أنه يخزيك ويذلك ويحوجك، ولو فرضنا أن هذا أصابك فما ظفرت به من الحق والنجاة من النار فيه أتم العوض عما فاتك أهم مما يفوتك، قال: دعنا الآن من هذا!!.
إذًا: هذه أشياء لا يسوغ كتم الحق من أجلها أبدًا. اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الذين يقولون بالحق وبه يعدلون، نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم انصر المجاهدين، وأعلي كلمة الدين، واكبت اليهود والصليبيين والمشركين، اللهم زلزلهم، اللهم انصرنا عليهم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
http://www.islammemo.cc المصدر:
=============
بضاعة الأنبياء
خالد بن ثامر السبيعي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وبعد..
لا أدري ما الشعور الذي ينتابني وأنا أتخيل مواقف الصحابة - رضي الله عنهم - في ساحات البذل والتضحية في سبيل الله - عز وجل -.(14/114)
هل تخيلت أيها الحبيب جعفر الطيار - رضي الله عنه - في غزوة مؤته؟
تلك الغزوة المباركة... التي لم تكن متكأفئة في العتاد والعدة، ولكن النفوس كانت كباراً، والأماني تجاوزت حدود الدنيا الفانية لتستقر في جنات النعيم... فهان كل شيء في سبيل الله.
جعفر - رضي الله عنه - يستعد للقيادة... وهاهو يرى زيد بن حارثة - رضي الله عنه - يقضي نحبه... ويسقط مضرجاً بدمائه الطاهرة.. والغبار منعقد فوق رؤوس المقاتلين بين كرّ وفر، ولا يُسمع إلا صوت صهيل الخيول و سليل السيوف فكفى بها فتنة... أشلاء ممزقة ودماء تسيل فيا لهول المعركة.
عندها تقدم البطل يترنم بإرجوزته الرائعة:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
عليّ إن لاقيتها ضرابها
يتقدم البطل ليذود عن حياض الإسلام وهو يواجه أعداداً من علوج الكفر فتقطع يداه ولا يتخلى عن الراية.. يضمها بعضديه وكأنه يضم حورية من الجنة قد فاح ريحها في ساحة المعركة، ويموت البطل شهيداً في سبيل الله فيكرمه الله بجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء.
ترى ما هو السبب في خروج هذه النماذج الفريدة التي لم تكتحل عيني الدنيا بمثلها؟
إنه الأسلوب النبوي الكريم في التربية والدعوة.. ومن هذه الأساليب التشويق في الجنة...
أيها الكرام إن التأميل في الجنة هي بضاعة الأنبياء الرابحة التي لا تكسد ولا تبور.
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما دعا الناس إلى الإسلام لم يمنيهم بالأموال والدور والقصور... إنما قال للصحابة لكم الجنة، فقالوا والله لا نقيل ولا نستقيل.
وقس على ذلك وانهل من معين السيرة العطرة ليتبين لك المنهج النبوي المبارك. لقد كان من كلام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في التشويق والتثبيت:
- صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة.
- ربح البيع أبا يحيى.
- والله لا يقاتلهم اليوم الرجل مقبلاً غير مدبر فيقتل إلا دخل الجنة.
فكان من أتباعه من يقول:
- فزت ورب الكعبة (حين طعن).
- و اهاً لريح الجنة إني لأجد رائحة الجنة من وراء أحد.
- بخ بخ يا رسول الله ليس بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء.
وقبل ذلك كله كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يقرأ على مسامعهم "مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهارٌ من ماء غير آس وأنهارٌ من لبن لم يتغير طعمه وأنهارٌ من عسلٍ مصفى وأنهارٌ من خمرٍ لذة للشاربين ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرةٌ من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماءً حميماً فقطع أمعاهم "
إن الواجب على العلماء و الدعاة أن يتأسوا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ويمنوا الناس بهذه البضاعة الرابحة (جنة الفردوس) فإنها من أعظم الحوافز للبذل والتضحية في سبيل الله.
ولنبتعد عن المكافأة بالماديات أو المناصب الدعوية والإمتيازات الخاصة.
لقد سلك البعض للأسف مسلكاً خطيراً، وذلك بإخراج جيل يتعلق بالحظوظ الشخصية والمتع الدنيوية، بل وأصبحت الرئاسة والتصدر هدفاً بعيداً عند الأجيال الصاعدة. فأين التأميل والتشويق في الجنة؟!
يا شباب الإسلام:
ما أجمل أن تتعلق القلوب بالجنان والفوز برؤية الرحمن، فإن الجنة ورب الكعبة لريحانة تهتز ونور يتلألأ ونهر مطرد وقصر مشيد وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون.
وهل يصح التعلق بغير الجنة؟
إن التعلق بالدنيا وما يتبعها من أمال وأماني ما هي إلا بضائع الحمقى ورؤوس أموال المفاليس (ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله هي الجنة)
http://saaid.net المصدر:
=============
هكذا فليكن القضاة والحكام
محمد بن بشير القاضي (المتوفى 198هـ)
القضاء من الوظائف الكبيرة، والمهن الخطيرة، والمسؤوليات الجسيمة، ولهذا اشترط فيمن يتولاه شروطاً لابد من توفرها كلها أوجلها، وحد في ذلك حدوداً يحرم تعديها، وهي:
1. الإسلام.
2. الذكورية.
3. العلم.
4. العدالة.
5. سلامة الحواس.
6. الفطنة.
لم يتول هذا المنصب في صدر الإسلام إلا العدول الأخيار، والعلماء الكبار، أمثال أبي بكر، وعمر، وعلي، وأبي موسى، وغيرهم من الصحابة، وأمثال شريح، وإياس، وأبي يوسف من التابعين وتابعيهم بإحسان، ولا يزال هذا هو ديدن السلف والخلف من الحكام، حتى غشانا هذا العصر، حيث استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فأصبحت القوانين الوضعية بديلاً عن أحكام الشريعة المرضية، وأضحى العلمانيون والنسوان بديلاً عن العلماء والذكران، والدراسات القانونية بديلاً عن الدراسات الإسلامية، والدساتير الفرنسية والهندية والإنجليزية بديلاً عن الشريعة الربانية.
لهذا كان كثير من السلف الصالح يتدافعون القضاء كتدافعهم للإمامة في الصلاة وللأمانات المالية، مع توفر شروط ذلك فيهم، حيث لم يتعين عليهم لتوفر العلماء وكثرة الفقهاء في ذلك الوقت.
ومن هؤلاء من ضرب وحبس وضيِّق عليه بسبب امتناعه عن ذلك، أمثال الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - وغيره.
لقد وجد الإمام أحمد بن حنبل على الإمام الشافعي وجداً شديداً فقط لإشارته على هارون الرشيد – وقد استشاره في ذلك، والمستشار مؤتمن – بصلاح أحمد لتولي قضاء اليمن.
من أولئك القضاة الهداة الذين لم يجد الزمن بأمثالهم إلا نادراً أبو عبد الله محمد بن سعيد بن بشير الأندلسي - رحمه الله -، الذي تولى القضاء في عهد الأمير الحكم خلفاً للقاضي العادل المصعب بن عمران - رحمه الله -.(14/115)
قال القاضي عياض: (قال ابن القوطية لما توفي المصعب بن عمران القاضي استشار الأمير الحكم فيمن يستقضيه، فأجمع له وزراؤه وأعلام الناس على محمد بن بشير كاتب المصعب، وكان قد شهر عفافه، واستقلاله بمعهد المصعب، فولاه القضاء، فأثر على المصعب وبعد في الفضل والعدل صيته، وخلدت آثاره بعد، فلم يزل قاضياً إلى أن توفي فولي ابنه سعيد مكانه.
إلى أن قال: قال ابن حارث: من مستفيض الأخبار التي لا يتواطأ على مثلها لسعة الاجتماع عليها، أنه كان – أي ابن بشير – من عيون القضاة الهداة، ومن أولي السداد والمذاهب الجميلة، وأصالة الرأي والسيرة العادلة، والذكر الجميل الخالد، وكان شديد الشكيمة، ماضي العزيمة، صلباً في الحق، مؤيداً، لا هوادة عنده لأحد، ولا مداهنة لديه لأحد من أصحاب السلطان، لا يُؤثر غير الحق في أحكامه، جيد الفطنة، حسن الانبساط، صادق الحس، قوي الإدراك).
لما استدعى الأمير الحكم ابن بشير ليوليه القضاء بعد وفاة المصعب، عدل في طريقه إلى صديق له عابد يستشيره في ذلك، وكان ابن بشير في أول الأمير يظن أنه وجه إليه في الكتابة التي قد تخلى عنها، فجرت بينهما هذه المحاورة:
فقال له صديقه: ما أرى بعث فيك إلا للقضاء، فقد مات قاضي قرطبة.
فقال له ابن بشير: فإذا قبلتها فما ترى؟ فانصح لي وأشر عليَّ.
قال له العابد: أسألك عن ثلاثة أشياء فاصدقني فيها، كيف حبكم لأكل الطيب، ولباس اللين، وركوب الفاره؟
فقال ابن بشير: والله ما أبالي ما رددت به جوعي، وسترت به عورتي، وحملت به رجلي.
فقال: هذه واحدة، فكيف حبك للوجوه الحسان، وشبه هذا من الشهوات؟
قال: هذه حالة والله ما استشرفت نفسي إليها قط، ولا خطرت ببالي.
قال: هذه ثانية، فكيف حبك للمدح والثناء، وكراهتك للعزل، وحب الولاية؟
قال: والله ما أبالي في الحق من مدحني أو ذمني، وما أسر للولاية، ولا أستوحش للعزل.
فقال له: اقبل القضاء ولا بأس عليك.
ذكر أن ابن بشير ولي القضاء بقرطبة مرتين، وكان بعض إخوانه يعتب عليه في صلابته في الحكومة، ويقول: أخشى عليك العزل؛ فكان يقول: ليته رأى الشقراء تقطع الطريق إلى ماردة؛ فما قضى إلى يسيراً حتى حدثت حادثة أظهر ابن بشير فيها صلابته، فكانت سبباً لعزله، فانصرف لبلده كما تمنى؛ فما لبث إلا يسيراً حتى كتب له ليعود إلى منصبه، فعدل كذلك وهو في طريقه إلى قرطبة إلى صديق له زاهد فاجتمع به، وقال له: قد أرسل إلي الأمير، أظنه يردني على القضاء ثانية، فما ترى؟
فقال له صديقه: إن كنت تعلم أنك تنفِّذ الحق على القريب والبعيد، ولا تأخذك في الله لومة لائم، فلست أرى لك أن تحرم الناس خيرك، وإن كنت تخاف أن لا تعدل فترك الولاية أفضل لك.
قال ابن بشير: أما الحق فلست أبالي على من أمررته إذا ظهر لي.
فقال له: لستُ أرى أن تمنع الناس خيرك.
فورد قرطبة وولي القضاء ثانية.
وكان سبب عزله كما قال القاضي عياض: أن يده قصرت عن بعض الخاصة ومنع من الحكم عليهم، فحلف بطلاق زوجته ثلاثاً، وعتق مماليكه، وبصدقة ما يملك على المساكين، إن حكم بين اثنين، فعزل، فلما أراد رده اعتذر إليه بتلك الأيمان، فعزم الأمير عليه، فأعتق، وطلق، وتصدق، وأخرج إليه الأمير جارية من جواريه، ومالاً عوضاً عن ماله، ومماليك عوضاً عن مماليكه، ومع ذلك فقد اشترط على الأمير ثلاثة شروط مضمومة، وقال له: إن التزمتها تقدمت، وإلا فلا أقبل البتة؛ والشروط هي:
1. نفاذ الحكم على كل أحد ما بينك وبين حارس السوق.
2. وإن ظهر لي من نفسي عجز استعفيتك فاعفني.
3. وأن يكون رزقي من الفيء.
فضمنها له، فقبل.
قلت: من الطوام العظام والبلايا الجسام التي ابتلي بها بعض الحكام، وجاراهم فيها بعض القضاة: المحاباة، والمحسوبية، والشفاعة في الصداقات والقربات، سيما في الحدود الواضحات، وذلك على الرغم من تحذير الرسول الكريم لأمته من هذا المسلك المشين، والخلق اللئيم، الذي يورد من سلكه الجحيم، ويوصل من استهان به إلى سواء الحميم، وذلك عندما شق على قريش في أول الأمر إقامة الحد على تلك المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحده، ورفع أمرها إلى الرسول الكريم، فطلب من حبِّه وابن حبِّه أسامة بن زيد أن يشفع فيها، فماذا قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وبم رد على هذه الشفاعة السيئة، والمحاماة على الإثم والعدوان؟
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "إن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فكلمه أسامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟"، ثم قام فاختطب، ثم قال: "إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد! وأيُمُ الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها".
لبعض الحكام أساليب غريبة، وطرق مريبة، في حجب بعض القضايا التي يهمهم أمر أصحابها، ومن الحيلولة بينهم وبين المثول أمام القضاء، فأضحت الأحكام تقام فقط وتنفذ على الضعفاء والفقراء، ويعفى من ذلك الخاصة، وأخس من ذلك وأخطر أن يطلب من بعض القضاة أن يعيدوا النظر وأن يغيروا الحكم إذا كان المحكوم عليه ممن يهمهم أمره ويعنيهم شأنه، وأخطر من ذلك وأشد استجابة بعض القضاة لهذا الطلب حرصاً على منصبه وخوفاً من عزله، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
نماذج من أعيان أقضيته وأحكامه:(14/116)
لقد شهد العلماء لابن بشير بالعدل، والنزاهة، والصدق، والصرامة، والتجرد، وعدم الخوف من الملامة في الحق، ودون المؤرخون عدداً من قضاياه الفريدة، ومواقفه النبيلة، من ذلك:
1. حكمه على الوزير ابن فطيس في حق ثبت عنده، دون أن يعرِّفه بالشهود عليه..
قال ابن وضاح: حكم ابن بشير على ابن فطيس الوزير في حق ثبت عنده، دون أن يعرَّفه بالشهود عليه، فشكا ابن فطيس ذلك إلى الأمير، وتظلم منه، وأومأ إلى ابن بشير بذلك، وذكر شكوى ابن فطيس من إمضائه الحكم عليه دون إعذار، وهو حق له بإجماع أهل العلم، فكتب إليه ابن بشير: ليس ابن فطيس ممن يُعرَّف بمن شهد عليه، لأنه إذا لم يجد سبيلاً إلى تجريحهم لم يتحرَّج عن أذاهم، فيَدَعُون الشهادة هم ومن ائتسى بهم، ويضيع أمر الناس.
2. حكمه لمدَّعٍ على الأمير الحكم:
قال أحمد بن خالد: كان أولى ما أنفذه ابن بشير من نافذ أحكامه التسجيل على الأمير الحكم في "أرُجي القنطرة" بباب قرطبة، إذ ثبت عنده حق مدعيها، ولم يكن عند الأمير مدفع، فسجل فيها وأشهد على نفسه، فما مضت مديدة حتى ابتاعها ابتياعاً صحيحاً، فسُرَّ بذلك الحاكم، وجعل يقول: رحم الله ابن بشير، فقد أحسن فيما فعل بنا على كره منا، إذ كان في أيدينا شيء مشتبه فصحَّح ملكنا له.
3. رد ابن بشير لشهادة الأمير الحكم لصالح عمه سعيد الخير:
قال ابن وضاح: كان سعيد الخير عم الأمير الحكم، وكّل وكيلاً يخاصم له عند محمد بن بشير في مطلب، وكان في يد سعيد وثيقة فيها شهادات جماعة عدول أتى الموتُ عليهم ما عدا شاهد واحد من أهل القبول، مع شهادة الأمير الحكم ابن أخيه، فاضطر عمه إليها في خصومته لما قبل القاضي شهادة الأخير، وضرب الآجال لوكيله في شاهد ثان، فدخل سعيد على الأمير وعرفه حاجته إلى شهادته، وكان الحكم معظماً لعمه، فقال له: يا عم، اعفني من هذه الكلفة، فقد تعلم أنا لسنا من أهل الشهادة عند حكامنا، إذ تلبسنا من فتن هذه الدنيا بما لا نرضى به عن أنفسنا، ولا نلومهم على مثل ذلك فينا، ونخشى إن توقفنا مع القاضي موقف خزي نفديه بملكنا، وعلينا خلف ما ينقصك وأضعافه؛ فهم سعيد في ذلك وعزم عليه إلى أن وجه شهادته مع فقيهين يؤديانها إلى القاضي، فأدياها إليه، فقال لهما: قد سمعتُ منكما فقوما راشدين؛ وجاءت دولة وكيل سعيد، فتقدم مدلاً واثقاً، فقال: أيها القاضي، لقد نُقلت إليك شهادة الأمير فما تقول؟ فأخذ كتاب الشهادة وأعاد النظر فيها، ثم قال: هذه شهادة لا تعمل عندي فجئني بغيرها، فمضى الوكيل إلى سعيد فأعلمه، فركب من فوره إلى الحكم وقال: ذهب سلطاننا، وأهينت عزتنا، يتجرى قاضيك الحروري على رد شهادتك! هذا ما لا يجب أن تتحمله عليه؛ وأكثر من هذا، وأغرى بابن بشير، والأمير مطرق، فلما فرغ من كلامه قال له: يا عم، هذا ما قد ظننته، وقد آن لك أن تقصر عنه، فالحق أولى بك، والقاضي قد أخلص يقينه لله، وفعل ما يجب عليه ويلزمه، ولو لم يفعل ما فعله لأجال الله بصيرتنا فيه، فأحسن الله جزاءه عنا، وعن نفسه، ولستُ والله للقاضي بعد فيما احتاط لنفسه.
فذكر أن بعض أقران ابن بشير أعتبه فيما آتاه في ذلك، فقال له: يا عاجز، ألم تعلم أنه لابد من الإعذار في الشهادات، فمن كان يجترئ على الدفع في شهادة الأمير لو قبلتها؟! ولو لم أعذر لبخست المشهود عليه حقه.
قلت: هذه القضايا والأحكام، والمواقف العظام، تدل على فضل ونبل الأمير الحكم، قبل دلالتها على فضل، ونبل، وشجاعة القاضي ابن بشير.
فما أمس حاجة المسلمين اليوم لحكام مثل الحكم، ولقضاة مثل ابن بشير، وهكذا ينبغي لحكامنا التأسي بأئمة الحق والعدل من حكام المسلمين الأخيار، وينبغي لقضاتنا أن يسيروا على نهج ابن بشير ومن سبقه من القضاة العدول الشجعان الذين لم يكن يأخذهم في الحكم بالعدل والثبات عليه لومة لائم، وليحرصوا على مرضاة ربهم، ونجاة أنفسهم من النار.
وليتذكروا قول الصادق المصدوق: "القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة: رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جار في الحكم فهو في النار".
قال أبو هاشم: لولا حديث بريدة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "القضاة ثلاثة"، الحديث السابق، لقلنا إن القاضي إذا اجتهد فهو في الجنة.13
هذا كله في القضاة الذين يحكمون بشرع الله، أما من يحكم بالقوانين الوضعية فحكمه حكم من لم يحكم بما أنزل الله، وهو معلوم معروف، وهو الكفر والعياذ بالله.
عليك أخي القاضي أن تتقي الله في نفسك أولاً، وفي إخوانك المسلمين، وفي هذا الدين الذي شرفك الله بالانتساب إليه، وعليك أن لا تحكم إلا بالحق، وهو شرع الله المصفى، وعليك أن لا يصرفك عن الحق صارف فتهلك وتهلك من حابيت معك، واحذر الكفر المبين بالتحاكم إلى القانون اللعين، المحادِّ لشرعة رب العالمين، ولما جاء به صادق الوعد المبين، والسلام علينا وعلى سائر عباد الله الصالحين...
http://www.islamadvice.com المصدر:
===============
أيها العقلاء ..!! ... كفوا عن هذا ...؟!!..
كلمة لا بد منها:
أيها العقلاء...
أو كلما اجتهد أحد من أهل العلم بخلاف ما ترون.. خطأتموه، فنبذتموه، وحكمتم عليه بالضلالة...؟!!..
ماذا أبقيتم للناس؟.. وماذا أبقيتم لأنفسكم؟..
إنكم إذا صنعتم ذلك فلن تجدوا حين تخطئون - ولا تسلمون من الخطأ - من يعذركم، أو يقيل عثرتكم، أو يتقبل اجتهادكم، إن كنتم مجتهدين..
فابقوا على أنفسكم، وعلى إخوانكم..
فإن العذر إذا مُحي بزغ الشر بقرنه ..
وإذا كان الله تعالى عذر عباده إذا أخطؤوا، أو اجتهدوا، فما بالنا نجحر واسعا..؟؟!!...(14/117)
- النحل يعيش جماعات جماعات..
- والنمل يعيش جماعات جماعات..
ونحن نعد هذين النوعين من خلق الله من الحشرات الراقية، لما بينها من التعاون والجد والألفة، فهي تشابه طبع بني الإنسان من هذا الوجه، واجتماعها ذلك مكنها من القيام بأدوار هامة في حياتها، كفلت لها العيش بسلام في كافة الظروف..
والحقيقة أن بني آدم أحوج من تلك المخلوقات للاجتماع والتآلف، لحاجة بعضهم إلى بعض في البقاء، فلا يتصور في إنسان أن يقدر على العيش بمفرده في مكان منعزل..
وإذا كان هذا هو الحكم في البشر عموما، فإنه في المؤمنين بالله منهم خصوصا أشد حاجة، وأعظم وجوبا، وذلك أن المسلم مأمور بأمر عظيم، لا يمكنه أن يقوم به وحده، ألا وهو القيام بهذا الدين في نفسه، وتبليغه إلى العالمين، يقول ربنا: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}..
فدين الإسلام دين عالمي، وأتباعه مأمورون بتبليغه إلى العالمين..
وإذا تذكرنا أن أعداد البشر هائلة، وفي مقابل ذلك المؤمنون منهم جزء ضئيل، بدلالة قوله تعالى: - {وقليل من عبادي الشكور}.. - {وما آمن معه إلا قليل}..
فإن المؤمنين بحاجة شديدة إلى الاتحاد ونبذ الفرقة والخلاف والهجر والتقاطع والتدابر والتباغض...
إذ كيف لهم أن يقوموا بهذا الواجب الثقيل وقلوبهم متنافرة متباغضة؟..
وكيف لهم أن يدعوا الناس إلى الهدى، وهم متقاطعون؟..
وواجب التبليغ لا يقتصر على أن يكون إلى طائفة الكفار، بل يمتد إلى بعض المسلمين الذين تنكروا لدينهم أو ولغوا في العصيان، فكل هؤلاء محتاجون إلى التبليغ..
إذاً كل من حولنا يحتاج إلى بلاغ:
- فالعصاة كثير وهم حولنا..
- والمنافقون بيننا..
- والكفار على أبوابنا..
وإذا عددنا الأخيار في كل بيت أو حي أو مجتمع أو أمة لوجدناهم قلة قليلة، فما أحوج هذه القلة إلى أن تتعاون فيما بينها، وتدع الخلاف والتباغض، فإن نصرة دين الله فوق كل خلاف شخصي، له حظ من الهوى.
والعجب أن تجد تباغضا وهجرا بين الصالحين، هذا مع أن رسول الله ينهى عن ذلك، وعلم المسلمين بمثل هذا النهي من البدهيات التي لا يجهلها العامي فضلاً عن العالم..
وتزداد عجبا كيف تمكن الشيطان فأفسد على أهل الصلاح أخوتهم، فمزق شملهم، وفرق كلمتهم، وبزرعه لهذا التباغض بينهم يضمن بقاء المعرضين في ظلماتهم...؟؟!!!
فإن تقاطع أهل الصلاح وتدابرهم يمنع من وصول الخير الذي عندهم إلى غيرهم:
- فتقاطع الصالحين في البيت الواحد، يحرم أهل ذلك البيت ما عندهم من هداية..
- وتقاطع الصالحين في الحي الواحد، يفوت على أهل الحي الاستفادة من جهودهم وإمكاناتهم مجتمعين..
- وتقاطع الصالحين في الأمة الواحدة، يضيع عليها فرصة الهداية..
فكيف لهؤلاء الصالحين أن يخرجوا غيرهم من الظلمات إلى النور، وهم لم يخرجوا بعد من ظلمات القطيعة والهجر؟؟!!..
إن دعواتهم المنفردة لن تتكلل بالنجاح، لأنها غير قائمة على التعاون على البر والتقوى، بل قائمة على حب الذات وحب الهوى.
---------
لما بعث رسول الله آخى بين مسلمي مكة،:
فآخى بين أبي بكر وعمر، وعبد الرحمن بن عوف وعثمان.. السيرة النبوية الصحيحة 1/240.
ولما هاجر إلى المدينة كان أول شيء فعله أن أصلح ذات بين الأنصار، الأوس والخزرج..
فمن المعلوم أن الأوس والخزرج، على الرغم من كونهما، أبناء عمومة، إلا أنه كانت بينهما فتن وحروب أفنت بعضهم بعضا، وما يوم بعاث إلا يوم من أيامهم الجاهلية، كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج، وذلك قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة بثلاث سنين كما رجح ابن حجر في الفتح 4/441...
فألف الله بينهم على يد رسول الله حتى صاروا بنعمته إخوانا، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، ، فهاتان الطائفتان كان لابد لها من التآلف والأخوة لمصلحة الدعوة والقيام بالدين، فبدونه لا يقوم الدين، فلذا كان هذا العمل من الأولويات لديه - عليه الصلاة والسلام -.
- فقد هدم كل دعوة جاهلية كانت بين الأوس والخزرج، حتى دانوا لله تعالى، وصاروا عباد الله إخواناً..
- وآخى بين عبد الرحمن بن عوف المهاجري وسعد بن الربيع الأنصاري..
- وآخى بين سلمان الفارسي وأبو الدرداء..
وقد أظهر الأنصار أخوة نادرة، حين نزلوا عن أزواجهم وأموالهم لإخوانهم المهاجرين، كما فعل سعد تجاه أخيه عبد الرحمن، حيث عرض عليه إحدى زوجتيه، أيتهما شاء، وعرض عليه نصف ماله، وفي المقابل أظهر المهاجرون أخوة وعفة نادرة،حين قال عبد الرحمن لأخيه سعد: "بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق".. السيرة النبوية الصحيحة 1/244..
فلا ينقضي عجبك من كرم سعد، كما لا ينقضي عجبك من عفة وتسامي ابن عوف..
وتأكيدا لمبدأ الأخوة ووجوب بقائها على أحسن حال وأتمه دون خدش أو إفساد، ما كان ما يفتأ عليه الصلاة والسلام يذكر:
- بحق المسلم على أخيه المسلم..
- وحق الجار على جاره..
- والضيف على مضيفه..
- والأجير على مستأجره..
- والرقيق على سيده..
حتى صار يخيل إليهم أنه لاحق لأحدهم في ماله الذي يملكه..
وإذا حدث خلاف عارض بين اثنين أو طائفتين سارع إلى حله بالموعظة الحسنة والنصح، وذكر فضائل المتخالفين، وتقريع المخطئين إذا بالغوا:
- سب أبو ذر بلالاً، فقال له: " يا ابن السوداء"، فقال رسول الله: (أعيرته بأمه! إنك امرؤ فيك جاهلية) البخاري في الإيمان باب المعاصي من أمور الجاهلية..
فندم أبو ذر، والتمس العذر من بلال، وقد قيل أنه وضع خده على الأرض وحلف ليطأنها..(14/118)
- وعن خالد بن الوليد قال: "كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له، فشكاني إلى رسول الله، فقال رسول الله: (من عادى عمارا عاداه الله، ومن أبغض عمارا أبغضه الله)، فخرجت فما شيء أحب إلي من رضى عمار، فلقيت عمارا فرضي". السير 1/415، رواه أحمد..
- ولما كادت الفتنة أن تقع بين الأوس والخزرج بفعل اليهود، قام فيهم رسول الله وهو يقول: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم) ..
ثم تلى عليهم قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}..
فتباكى الأنصار، وألقوا سلاحهم وهم يتعانقون.
- وقد كان عليه الصلاة والسلام يكره أن يأتيه الرجل ليذكر أن فلانا فعل كذا وكذا، ويقول لهم: (لا يبلغني أحد عن أحد شيئاً، إني أحب أخرج إليكم وأنا سليم الصدر)، البداية والنهاية شمائل الرسول6/38
وهذا فيه تعليم للمسلمين بترك كل ما يفضي إلى فساد ذات بينهم، كالغيبة والنميمة والتجسس وسوء الظن، حفاظا على أخوتهم.
- وإذا شكى الصحابة إلى رسول الله ما لاقوه من أميرهم، لاطفه وسأله عن السبب دون أن يتعجل بزبره أو كهره، فقد صلى عمرو العاص في غزوة ذات السلاسل بأصحابه وهو جنب، فشكوه إلى رسول الله فقال له: (صليت بأصحابك وأنت جنب؟)..
فقال: " يا رسول الله، خشيت على نفسي ـ وكان الليل باردا، والله يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}"، فضحك النبي - عليه الصلاة والسلام -، [صحيح أبي داود 323].
- وكان لا يفتأ يذكر فضل المخطئين، كما ذكر فضل حاطب بن أبي بلتعة لما استأذنه عمر في قتله لإفشاء سر المسلمين في حادثة فتح مكة فقال: (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم) [رواه مسلم].
فذكر الفضائل يغرس محبة أصحابها في القلوب..
كل تلك الأحداث تؤكد وجوب ليس الأخوة فحسب، بل التحاب أيضا، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على عمل إذا فعلتموا تحاببتم؟، أفشوا السلام بينكم) [رواه مسلم] ..
ولما كان نشوء الصحابة على هذه التربية الأخوية فيما بينهم، انطلقوا في الأرض ينشرون دين الإسلام، ويخرجون الناس من الظلمات إلى النور..
بعد أن أخرجوا الهوى وحظوظ النفس والتقاطع من نفوسهم، وصاروا عباد الله إخوانا..
ولولا ذلك لما دخل الناس في دين الله أفواجا، بل لما وصل إلينا، ولما نعمنا به واهتدينا..
فلهم الرضى من الله، ولهم الشكر منا.
--------
فيا أيها العقلاء!!... كفوا عن الخلاف والقطيعة.. وامتثلوا لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)، [متفق عليه من حديث أنس].
http://saaid.net المصدر:
==============
دعوة ونداء
الدكتور عدنان علي رضا النحوي
((المص. كتاب أنزل َ إليك فلا يكنْ في صَدْركَ حرَجٌ منهُ لتنذرَ به وذكرى للمؤمنين. اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونهِ أولياء قليلاً ما تذكرون)) [الأعراف: 1ـ3]..
مع هذه اللحظات المظلمة من حياة الأمة المسلمة، لا يختلف اثنان على أن الخطر محدق وأنَّ النوازل منذرة بعذاب شديد من عند الله.
ولا يختلف المؤمنون الصادقون أبداً على أن الله حق عادل لا يظلم أبداً، وأنْ ما نلاقيه هو بما كسبت أيدينا نحن المسلمين.
وإذا غفلنا عن العبر والدروس كلها من تاريخنا الطويل، فلا يعقل أبداً أن نغفل عن العبر التي يقدمها القرن الأخير، القرن العشرون، وما لاقاه المسلمون من فشل بعد فشل، وما لاقته الأمة كلها من فواجع وأهوال، وهزيمة بعد هزيمة، ذلك كله بما كسبت أيدينا.
وإنّ الكبر الذي في النفوس، الكبر الذي يزينه الشيطان للكثيرين، والعصبية الجاهلية لأوثان شتى، أوثان من عرض الدنيا، ومن أهوائنا ومصالحنا الشخصية، ومن إقليمية وقومية وعائلية، ومن حزبية انحصر فيها الولاء حتى مزقتنا، وأوثان من شهوة المال والسمعة وحب الدنيا، هذه كلها أعمت أبصارنا عن أن نرى أخطاءنا وعيوبنا، وأقعدت عزائمنا عن معالجة العيوب والأخطاء، حتى تراكمت العيوب وأقامت حاجزاً عالياً يحجب الرؤية العادلة ويخنق الكلمة الأمينة.
لذلك نوجه الدعوة والنداء إلى المؤمنين الصادقين، ليلتقوا في لقاء كريم، في لقاء المؤمنين، ليلتقوا على حق بين لا يصح الخلاف فيه في دين الله، وعلى أسس محددة يأمر بها الله - سبحانه وتعالى -، وعلى نهج مفصل يقوم على ذلك كله، وعلى قاعدة عامة رئيسة يجب أن نتعاون فيما أمر الله أن نتعاون فيه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما أذن الله لنا الخلاف فيه.
وإنْ أول الأمر أن ننبذ تلك الأوثان كلها، والعصبيات كلها، حتى يكون ولاؤنا الأول ولاءٌ خالصاً لله وحده، نقياً صافياً، تثبته الكلمة والموقف والسلوك، وعهدنا الأول هو عهدنا الثابت مع الله، عهداً بيناً فصله منهاج الله. وأن ينبع من هذا الولاء الأول الخالص لله والعهد الأول كل موالاة وكلُ عهد بين المؤمنين، وكلُ مودة وأن تعود الروابط روابط إيمانية يصوغها منهاج الله قرآناً وسنة ولغة عربية ويصوغها الإيمان والتوحيد في واقعنا، وأن توضع المناهج العملية التطبيقية لبناء ذلك وتكوينه وصياغته، ولتنميته وحمايته.(14/119)
وإن الأمر الثاني بعد الإيمان والتوحيد والمناهج التطبيقية لبنائه في النفوس، هو التزام منهاج الله قرآناً وسنة ولغة عربية، التزاماً عملياً منهجياً لا التزام شعار، التزام علم وتدبر وتصديق وممارسة إيمانية في الواقع، وأن تقوم المناهج التطبيقية لتحقيق ذلك في واقع المسلمين، كما كان في مدرسة النبوة، حتى لا تظل قضايانا الإيمانية شعارات ومزايدات في أمواج يدفعها التنافس على الدنيا، حتى نتبع في ذلك كله أمر الله وما أنزله إلينا ((اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم...))، وحتى لا نتبع من دونه أولياء أبداً.واتباع الذي أنزل من عند الله لا يتم إلا بصدق الإيمان والتوحيد، وبصدق العلم بمنهاج الله، وبفهم الواقع الذي نعمل فيه، وبسلامة الممارسة الإيمانية.
والأمر الثالث الذي ندعو إليه هو أن يصاحب دراسة منهاج الله دراسة الواقع الذي جهلناه طويلاً، وأن تكون دراسة الواقع دراسة منهجية من خلال دراسة منهاج الله، قائمة عليه ملتزمة به، نرد الواقع كله إلى كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - رداً أميناً يقوم على صدق الإيمان والتوحيد، وعلى صدق العلم بمنهاج الله، وأن تقوم المناهج التطبيقية التفصيلية لتحقيق ذلك في واقع الأمة، تحقيقاً عملياً، حتى لا تظل قضايانا الإيمانية تموج في شعارات وزخارف لا نجد رصيدها الحق في الواقع.
والأمر الرابع هو الممارسة الإيمانية التي يجب أن تخضع للأسس الثلاثة السابق عرضها، من خلال التدريب المنهجي والإعداد والبناء المنهجي، في مدرسة الدعوة الإسلامية لتأخذ الممارسة الإيمانية شمولها وامتدادها في واقع الأمة ولتأخذ سائر خصائصها الربانية.
وإننا نؤمن أنها مسؤولية كل مسلم يلتزم بذلك، ثم يدعو بيته وأسرته حتى يلتزموا، ثم يكون كل مسلم مسؤولاً وعوناً صادقاً على جمع كلمة الأمة كلها على هذا الحق الذي يأمر به الله، دون أن يعطله الضعفاء والحائرون وأعداء الله المفسدون في الأرض، ثم تنطلق الأمة المسلمة الواحدة كلها لتدعو الناس جميعاً إلى الإيمان والتوحيد.
وإننا نؤمن أن هذه الجهود كلها يجب أن تنتظم في نهج مفصل محدد، يرسم الدرب ويبين معالمه، ويحدد الأهداف التي يقود إليها الدرب، حتى لا تنفصل الأهداف عن الدرب، وحتى يجتمع الدرب والأهداف في نهج واحد يقوم على الأسس الأربعة السابق ذكرها.
وإننا نؤمن أن هذا النهج يجب أن يبين تفاصيل الميزان الذي يوزن به الرجال والناس، وأن يبين منازل المؤمنين، ليقف المؤمنون عند منازلهم العادلة، وعلى قدر وسعهم وطاقتهم، وعلى قدر مسؤولياتهم وأماناتهم، وبذلهم وعطائهم على أساس من منهاج الله، وميزانه، لا على أساس الهوى والمصالح.
وإننا نؤمن أن هذا النهج يجب أن يكون نامياً متطوراً مع الأيام، لا يتوقف نموه وتطوره، ولا يتعجل الخطوات والمراحل، حتى لا تضطرب مسيرته، وتختلط أهدافه.
وإننا إذ نقدم هذا النهج نظرية مع قاعدتها الصلبة وركنيها الأساسين وأسسها وعناصرها، فإننا نقدم كذلك تفصيلات كل جزء من هذه النظرية العامة مع مناهج تطبيقية ونماذج عملية في عدد من الميادين، لتنطلق المسيرة في أمة واحدة، تستكمل في مسيرتها النهج النامي مع البذل والسعي والعطاء بدون توقف أثناء المسيرة.
من أجل هذا كله، ومن أجل المسيرة في بناء الأمة المسلمة الواحدة نوجه هذه الدعوة وهذا النداء، إلى جميع المسلمين في أنحاء المعمورة، نرجو بذلك طاعة الله خاشعين له تائبين إليه، ناصحين لله ورسوله وللمؤمنين ولعامة المسلمين وأئمتهم ولأنفسنا.
نوجه هذه الدعوة وهذا النداء ليأخذ التعاون، الذي أمر الله به، صورته الجادة الصادقة، لنعذر أنفسنا بين يدي الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولا زخرف ولا أهواء، إلا من أتى الله بقلب سليم صادق.
نوجه هذه الدعوة وهذا النداء إلى " لقاء المؤمنين الصادقين المتقين العاملين "، إلى نهجه ودربه وأهدافه، موجزين ذلك كله في كتاب " النهج والممارسة الإيمانية " وكتاب " موجز النظرية العامة في الدعوة الإسلامية والنهج العام وأساس لقاء المؤمنين ".
إننا نؤمن بأن كل جماعة إسلامية لن تستطيع وحدها أن تبلغ ما تعلنه من أهداف في أجواء الشقاق والتدابر، والضعف والهوان، وسيصاب الجميع بالهزيمة والخسران، وأعظم أسباب الخسران هو عدم رضاء الله وغضبه وعقابه وعذابه. وإننا نؤمن أن ساحة العمل الإسلامي تتسع لكل الطاقات الصادقة، والقدرات المؤمنة، لجميع العاملين الصادقين الذين يرجون الله والدار الآخرة، الذين يكون ولاؤهم الأول الصادق لله، وعهدهم الأول الصادق مع الله، وحبهم الأكبر لله ولرسوله، هو سبب لقائهم ومصدر قوتهم ورباط جمعهم، حتى لا يبقى تنافس على عرض من الدنيا زائل من شهوة المال أو السمعة أو الجاه أو الأهواء، وحتى لا يبقى إلا تنافس في طرح المناهج التطبيقية الجامعة، وفي صدق النية، وفي صدق الزاد، وفي صدق البذل والعطاء لله ورسوله، ومعالجة الأخطاء وتنمية الجهود وتزكيتها على درب الجنة يطرق أبوابها العاملون الصادقون الباذلون المتقون.
من أجل ذلك يجب التحرر من كل الأهواء التي تتعارض مع هذا الولاء وهذا العهد وهذا التصور للتعاون والعمل، حتى لا يسقط في الطريق وأثناء المسيرة أحد تاركاً أخاه وسط الطريق، لا يعينُه إلى الوصول إلى الهدف الأكبر والأسمى الجنة. ".... والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ".
من أجل ذلك لا بد من الوضوح والجلاء، والفهم المتبادل والمعرفة الواسعة الواضحة، واتباع جميع الوسائل التي تبني الثقة واليقين والاستمرار جميعاً في المسيرة دون انقطاع.(14/120)
إلى هذا كله نوجه "الدعوة والنداء" في هذه اللحظات الحرجة من تاريخ الأمة المسلمة، ليلتقي المؤمنون الصادقون في " لقاء المؤمنين " والذي يجمع هو الكتاب والسنة والنهج الواضح المفصل القائم عليها، ووضوح الدرب والأهداف.
ذكرى وعِتاب:
أبياتٌ من الشِّعر أطلقها مُدَوِّيةً في أُذُنِ كلِّ مسلم يخشى الله واليوم الآخر، وقد امتدَّت الأحداث والفواجع في ديار المسلمين، قتلاً وتدميراً وتشريداً وتجويعاً واغتصاباً، على مكر من الأعداء مازال يمتدُّ ويتَّسع، وتتكشَّفُ خَبيئة كيده يوماً بعد يوم، حين تزول البسمة الماكرة عن وجهه، وتبرز الأنياب والأظافر والمخالب، وكلُّ أسلحة الهلاك! دروس وعبر، وفواجع ونذر، فهل نعتبر، ونصحو من غفوتنا.
ذكرى وتذكير، ودعوة ونداء، كلمات موجزة عن سعي جاد لتذكير القلوب، وجمع النفوس، معذرةً إلى الله - سبحانه وتعالى -، دون يأس أو كلل أو ملل، وإنما هي ثقة متينة بالله ورحمته، إذا تابعنا التذكير والدعوة، والنداء والنصيحة، مادام الصراط المستقيم مشرقاً بنور الحق، مستقيما فلا يضلُّ عنه صادق، وواحداً فلا يُخْتَلَفَ عَلَيه، يجمع المؤمنين في الأرض أُمة مسلمة واحدة، إلاّ إذا غَلبَ الهوى والخلاف!
عقودٌ كثيرة مضت وأنا أُؤَكِّد هذه الدعوة الإيمانية الشرعية، الدعوة إلى لقاء المؤمنين على أُسسٍ ربّانية، ونهج عام واحد، يرسم الصراط المستقيم الذي بيَّنه الله لنا وفصّله وأمرنا باتباعه، ليجمع المؤمنين صفاً واحداً كالبنيان المرصوص. فلماذا تاه المسلمون عنه فتفرقوا، واختلفوا عليه فتمزقوا، ثم ضعفوا وهانوا؟ !
عقودٌ كثيرة وأنا أُذكّر بخطر النهج المتبع في قضية فلسطين، في نصح وتذكير، ودراسات وكتب، ولقاءات ومؤتمرات، وسفر وتجوال.
دعوة ونداء
أَخي رُوَيْدَكَ! بي مما يَحلُّ بنا ** همٌّ يَطُولُ وبي مِنْ قوْمِنا عَجَبُ
همٌّ يَكادُ مَعَ الأهْوالِ يَذهَبُ بي ** وغَضْبةٌ لم تَزَلْ في الصَّدْرِ تَضطربُ
ضَجَّتْ شِعَاراتُنا في كلِّ ناحِيَةٍ ** ولم تضجَّ بِنا الساحات و الهضبُ
يَكادُ بنياننا يَنْهارُ مِنْ وَهَنٍ ** والناس في غفوة الأحلام قد ذهبوا
ما بالنا افتَرَقَتْ ساحاتنا شِيعَاً ** يكاد يَطْحَنُهمْ مِن خُلْفهِمْ حَرَبُ
كلٌّ يُقيمُ عَلى أحْلامِهِ وثَناً ** يَظلَُّ في وهْمِهِ يَْرجو ويَرْتَقِبُ
الجاهليّة مَدَّتْ مِنْ مَخالبها ** فَقُطّع الرّحِمُ الموصُولُ والسَّبَبُ
* *
أَخي ! مَددْتُ يَدِيْ بالأمس مرتَجياً ** عَوْناً على الحقَّ! نِعْمَ السعيُ والطَّلَبُ
رَجَوتُ لَوْ يَلْتَقي حَشدُ الدعاة على ** صَفًّ ويَنْهضُ بُنيانٌ لنا أَشِبُ
ولو تَلُمُّ عُرَا الإيمانِ فرْقَتنا ** وعروةُ الحقَّ و التوحيدِ مُنْتَسَبُ
أَشَاح و انْفَضَّ مَنْ أمّلتُ نصَرتَهُمْ ** وأدْبَروا في دُرُوبِ الخُلفِ و احْتَجبُوا
كلٌّ يظنُّ هَواهُ الحقَّ، يَدْفَعُه ** وهْمٌ يُزَيَّنُ فيه النّصْرُ و الغَلبُ
حتى جَنَوا غصَصاً تَدْمَى و فاجعةً ** وَفتْنَةً لم تَزَلْ تَعْلُو و تَلتَهبُ
وذلّةً لم تَزَلْ تُحْنِي أُنُوفَهُمُ ** إِلى التُّرابِ و تحنِيهمْ بها الكُرَبُ
هَمسٌ يَدُور ونجْوَى لا وَفاءَ بها ** كم فرّقَ المسلمين الظنُّ و الكذبُ
* *
و فوَّتوا فُرَصاً كانت نجاتُهُمُ ** فيها فما عادَ يُجدي اللّومُ و العَتَبُ
لله أشْكُو الذي نَلْقَاه! ما يئِسَتْ ** نفسي ولا وَهَنَ البذلُ الذي يجبُ
ولا العَزَائِمُ هَانتُ وهي صادقةٌ ** لله يدفَعُها الترْغيبُ و الرّهَبُ
خوفاً مِنَ الله، أشواقاً لجَنَّتِهِ ** تَكَشَّفَتْ عندها الأَسْتَارُ و الحُجُبُ
فانهضْ لنجمَع مِنْ أَشْتاتنا أَمَلاً ** وتَوْبَةً عَلَّنا نَدْنُو و نَقْتَرِبُ
الرياض 15ذو الحجة 1416هـ الموافق 2مايو 1996م
http://www.alnahwi.com المصدر:
============
أيها الآمرون بالمعروف!..امضوا..واصبروا.. أنتم أحباء الله
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب
يقول ربنا - سبحانه -: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}..
لا ينجو عند الله إلا من أحب الله - تعالى -..
ومن ادعى حب الله - تعالى -وهو لا يذل لإخوانه المؤمنين، ولا يخفض جناحه لهم، ولا يجاهد في سبيل الله، بقلبه ولسانه ويده وجوارحه، فهو كاذب في دعواه، مفتري في قوله..
إن المحب الصادق هو الذي يجاهر بحب مولاه علنا، ويتحمل في سبيل ذلك كل شاق ومر..
أرأيتم لو أن أحدكم أحب إنسانا حبا جما..
هل يرضى لأحد أن يذل محبوبه؟..
هل يأذن لمخلوق أن يتطاول على محبوبه؟..
أليس يغضب إن عصي أمره؟..
بلى، يكون ذلك وأعظم..
نحن ننتصر ونبذل أموالنا وأنفسنا رخيصة في سبيل فلانة أو فلان، لأن حبهم خالط شغاف قلوبنا، مع أن ذلك المحبوب لا يستحق كل ذلك منا، لكن الهوى يحملنا على الغلو فيه، وتعظيمه تعظيما زائدا، وننسى أنه بشر لا يملك من أمره شيئا..
فإذا كان حبنا للمخلوق يبلغ مبلغا تهون معه أرواحنا وأنفسنا وأموالنا لأجله، نتحمل الذل والمر طلبا لرضاه، أليس مولانا وربنا وخالقنا ورازقنا أولى بكل حب وتعظيم وبذل وصبر وتحمل وجهاد في سبيله؟..
أليس ربنا أحق من قمنا بنصرة أمره ودينه؟..
بلى، وإن المؤمن الصادق هو الذي يحب ربه فوق كل محبوب، يغضب لغضبه، يرضى لرضاه، قال - تعالى -: {والذين آمنوا أشد حبا لله}..(14/121)
إن من ادعى الإيمان وحب الله - تعالى -، ثم إذا رأى المنكر لم يتمعر وجهه ولم يغضب قلبه ولم يتحرك لإزالته قدر المستطاع، فهو دعي في كل ما قال، فالحب يوجب البذل والتحمل والصبر والجهاد..
فمن لم يكن صاحب بذل ولا صبر ولا جهاد فليس بمحب أبدا، بل المحب هو الذي يقف هواه مع هوى محبوبه، فلا يتقدم ولا يتأخر، ويستلذ كل ما يقع عليه في سبيله.
إن طائفة من الناس تخشى الناس في الله، والله أحق أن تخشاه، قال - تعالى -:
{أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين}..
ويقول: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}،..
فأمر بالخوف منه ونهى عن الخوف من غيره، وعلق ذلك بالإيمان، فالمؤمن من خاف الله ولم يخف غيره، وغير المؤمن هو الذي يخاف من المخلوق أكثر من خوفه من الله - تعالى -، وهذا غير مقبول، إذ أن أزمة الأمور بيد الله - تعالى -لا بيد المخلوق، والنافع الضار هو الله - تعالى -لا أحد من البشر، ولو أراد الله وأراد البشر، فإرادة الله - تعالى -هي المتحققة لا إرادة البشر.
يحكي ابن كثير في ترجمة المعتضد الخليفة العباسي ت289هـ(التاريخ م7/ج11/ص89):
أن رجلا خياطا كان إماما لمسجد في بغداد، رأى رجلا تعلق بامرأة وهو سكران يريدها على نفسها ليدخلها منزله، وهي تأبى عليه وتصيح بأعلى صوتها مستغيثة.
قال الخياط: فقمت إليه فأنكرت عليه، وأردت خلاص المرأة من يديه، فضربني فشج رأسي وغلب المرأة على نفسها وأدخلها منزله قهرا، فرجعت فغلست الدم عني وعصبت رأسي وصليت بالناس العشاء.
ثم قلت للجماعة: قوموا لننكر على هذا، ونخلص المرأة منه.
فقام الناس معي فهجمنا عليه داره، فثار غلمانه بأيديهم العصي يضربون الناس، وقصدوني بالضرب حتى أدموني، فرجعت إلى منزلي وأنا لا أهتدي إلى الطريق من شدة الوجع وكثرة الدماء.
فنمت على فراشي ولم يأخذني نوم، وتحيرت ماذا أصنع حتى أنقذ المرأة من يده، فألهمت أن أؤذن الصبح في أثناء الليل لكي يظن أن الصبح قد طلع فيخرجها من منزله فتذهب إلى منزل زوجها.
فصعدت المنارة فأذنت، وعزمت على إقامة الصلاة، فبينما أنا كذلك إذ امتلأت الطريق فرسانا ورجالة، فقالوا: أجب أمير المؤمنين.
فأخذوني وأدخلوني عليه، فارتعدت من الخوف وفزعت فزعا شديدا، فما زال يلاطفني حتى سكن روعي، ثم سألني عن سبب أذاني في هذا الوقت، فحكيت له القصة.
فغضب غضبا شديدا، وأمر بإحضار ذلك الرجل والمرأة من ساعته، فأحضرا سريعا، فبعث بالمرأة إلى زوجها مع نسوة وأمر زوجها بالإحسان إليها، ثم أقبل على ذلك الرجل وقال له:
كم لك من الرزق؟، وكم من عندك من المال؟، وكم عندك من الجوار والزوجات؟..
فذكر له شيئا كثيرا من ذلك..
فقال له: ويحك أما كفاك الله ما أنعم الله به عليك حتى انتهكت حرمة الله وتعديت حدوده وتجرأت على السلطان، وما كفاك ذلك أيضا حتى عمدت إلى رجل أمرك بالمعروف ونهاك عن المنكر فضربته وأهنته وأدميته؟.
فلم يكن له جواب، فأمر به فجعل في رجله قيدا وفي عنقه غلا، ثم أمر به فضرب ضربا شديدا حتى كان آخر العهد به.
ثم قال لذلك الرجل الصالح الخياط: كلما رأيت منكرا صغيرا أو كبيرا ولو على هذا ـ وأشار إلى صاحب الشرطة ـ فأعلمني، فإن اتفق اجتماعك بي، وإلا فبيني وبينك الأذان..
فصار ذلك الخياط بعد ذلك مهابا من الصغير والكبير، عظيم القدر ومن دونه، لا يقدر أحد أن يتعدى حدود الله وهو شاهد أو هو يسمع.
فقد نصره الله - تعالى -وأعلى به الدين حين نصر دينه وتحمل لأجل ذلك أذى نفسه:
{يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}..
{إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده}..
وسنة الله - تعالى -في نصرة أوليائه القائمين بدينه معلومة مشهورة لكل ذي عقل، فليبشر كل من بذل نفسه من أجل هذا الدين، بالنصر المبين، يقول - تعالى -
: {إننا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}.
كان سفيان الثوري إماما من أئمة السلف الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، يقول:
" إني لأرى المنكر فلا أتكلم فأبول أكدم دما". (سير أعلام النبلاء 7/259)..
وكان يقول: " إذا كنت بالشام فاذكر مناقب علي - رضي الله عنه -، وإذا كانت بالكوفة، فاذكر مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما" (7/260)
وذلك أن أهل الشام كانوا يذمون عليا - رضي الله عنه -، فقصد سفيان من ذلك الإنكار عليهم وتبيين الحق لهم، وأهل الكوفة كانوا يذمون أبا بكر وعمر لتشيعهم، فقصد من ذلك الإنكار عليهم، ونشر الحق والدعوة إليه ببيان فضل الصحابة الكرام.
قال مرة: " إذا أثنى على الرجل جيرانه أجمعون فهو رجل سوء لأنه ربما رآهم يعصون فلا ينكر ويلقاهم بالبشر". قال أحدهم: "ما رأيت أحدا أصفق وجها في ذات الله من سفيان" (7/278).
يعني لا يبالي بأحد في أمر بمعروف أو نهي عن منكر.
إن جهد الإصلاح والدعوة إلى الخير كبير وعظيم وشاق، لا يستطيع أن يقوم به خطيب أو شيخ أو داعية، فما لم تتحمل الأمة جميعها هذه الأمانة وتعمل في الأرض نصحا وإرشادا، وإلا فهؤلاء إنما يصارعون بحرا مائجا بسفينة صغيرة، فكل يجب عليه أن ينهى على المنكر بحسب منزلته ومسؤوليته..
لو أن كل واحد منا منع المنكر في محله وبيته وسوقه وعمله ودائرته ومدرسته وفصله واجتهد في ذلك، لرأينا كيف أن الشر ينحسر ويتراجع حتى لا يبقى له شأن ولرأينا كيف أن العاصي وصاحب المنكر يذل ويترك معصيته ويرجع إلى ربه..(14/122)
لكن إذا تركنا ذلك وأهملنا النصح مع قدرتنا عليه، ورضينا بالمنكرات في بيوتنا، وسكتنا عنها في أعمالنا، وتغاضينا عنها في أسواقنا وشوارعنا وملاهينا ومتنزهاتنا، وصرنا ننظر إلى المنكر ولا يتحرك في قلوبنا الإيمان والغيرة على محارم الله - تعالى -، فحينئذ نحن على أبواب خطر عظيم، أصاب الأمم قبلنا فأصبحوا أثرا بعد عين.
نحن جميعا نركب سفينة واحدة، كل واحد له مكان في هذه السفينة..
أرأيتم لو أن بعضنا قال: هذا المحل ملكي، وأفعل فيه ما أشاء..
وأراد أن يخرق مكانه في السفينة، هل كنا نتركه يفعل؟ أم نمنعه من ذلك السخف؟..
فهو بفعله الأرعن يعرضنا جميعا للخطر، فخرق جزء في السفينة يغرقها كلها، وكذلك هذه الأمة هي كالسفينة تمشي على وجه هذه الحياة، فالمجاهرون بالمعاصي يعرضونها للغرق والبوار إذا لم يمنعوا، ولا يعلم ذلك إلا من قرأ التاريخ، فاقرؤوا تاريخ الأمم من قبلنا حتى تدركوا أسباب الهلاك والدمار، والله يحفظ عباده الصالحين.
http://saaid.net المصدر:
============
لآليء من الكتاب المكنون (1)
عمرو الشيخ
مقدمة لا بد منها:
يقول الشهيد سيد قطب - رحمه الله -:
القرآن هو كتاب هذه الأمة الحي ; ورائدها الناصح ; وأنه هو مدرستها التي تلقت فيها دروس حياتها
كان الله - سبحانه - يربي بهذا القرآن الجماعة المسلمة الأولى التي قسم لها إقامة منهجه الرباني في الأرض وناط بها هذا الدور العظيم بعد أن أعدها له بهذا القرآن الكريم
أراد الله - تبارك وتعالى - أراد لهذا القرآن أن يكون هو الرائد الحي الباقي بعد وفاة الرسول ص لقيادة أجيال هذه الأمة وتربيتها وإعدادها لدور القيادة الراشدة الذي وعدها به كلما اهتدت بهديه واستمسكت بعهدها معه واستمدت منهج حياتها كله من هذا القرآن واستعزت به واستعلت على جميع المناهج الأرضية
إن هذا القرآن ليس مجرد كلام يتلى ولكنه دستور شامل دستور للتربية كما أنه دستور للحياة العملية ومن ثم فقد تضمن عرض تجارب البشرية بصورة موحية على الجماعة المسلمة التي جاء لينشئها ويربيها.
وتضمن بصفة خاصة تجارب الدعوة الإيمانية في الأرض من لدن آدم - عليه السلام - وقدمها زادا للأمة المسلمة في جميع أجيالها
تجاربها في الأنفس وتجاربها في واقع الحياة كي تكون الأمة المسلمة على بينة من طريقها وهي تتزود لها بذلك الزاد الضخم وذلك الرصيد المتنوع
ومن ثم جاء القصص في القرآن بهذه الوفرة وبهذا التنوع وبهذا الإيحاء
إن هذا القرآن ينبغي أن يقرأ وأن يتلقى من أجيال الأمة المسلمة بوعي وينبغي أن يتدبر على أنه توجيهات حية تتنزل اليوم لتعالج مسائل اليوم ولتنير الطريق إلى المستقبل لا على أنه مجرد كلام جميل يرتل أو على أنه سجل لحقيقة مضت ولن تعود.
قاعدة جليلة:
كيف ننتفع بالقرآن؟؟!
ولن ننتفع بهذا القرآن حتى نقرأه لنلتمس عنده توجيهات حياتنا الواقعة في يومنا وفي غدنا ; كما كانت الجماعة المسلمة الأولى تتلقاه
وحين نقرأ القرآن بهذا الوعي سنجد عنده ما نريد وسنجد فيه عجائب لا تخطر على البال الساهي سنجد كلماته وعباراته وتوجيهاته حية تنبض وتتحرك وتشير إلى معالم الطريق ;
وتقول لنا هذا فافعلوه وهذا لا تفعلوه
وتقول لنا هذا عدو لكم وهذا صديق
وتقول لنا كذا فاتخذوا من الحيطة وكذا فاتخذوا من العدة
وتقول لنا حديثا طويلا مفصلا دقيقا في كل ما يعرض لنا من الشؤون
وسنجد عندئذ في القرآن متاعا وحياة ;
وسندرك معنى قوله - تعالى -: - ((يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم))
فهي دعوة للحياة
للحياة الدائمة المتجددة
لا لحياة تاريخية محدودة في صفحة عابرة من صفحات التاريخ
يقول ابن القيم - رحمه الله -:
إذا أردت الانتفاع بالقرآن
1- فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه و 2- ألق سمعك
3- احضر حضور من يخاطبه به من تكلم به - سبحانه - منه إليه فإنه خطاب منه - سبحانه - لك على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -
قال - تعالى: - ((إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)) والذكرى هنا العبرة والمقصود بالقلب هنا القلب الحي الذي يعقل به عن الله ((إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا )) أي حي القلب
وألقى السمع: - أي وجه سمعه وأصغى لما يقال
شهيد: - أي شاهد القلب حاضر غير غائب
يقول ابن قتيبة - رحمه الله -: أي استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساهٍ
((فيا صانع الحياة)): - إذا أردت الانتفاع بالقرآن فأحضر قلبك و أصغ بسمعك و استحضر عظمة ربك
11/06/2005
http://www.alislam4all.com المصدر:
=============
لآليء من الكتاب المكنون ( 2 )
د. عمرو الشيخ
إن صناعة الحياة التي نريد والتي فيها عز الدنيا والآخرة.. لا يمكن أن تكون ولن تكون إلا من خلال انطلاقها من هذا الكتاب المكنون.
قال - تعالى -: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون}.
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين).
والذين فكروا في محاربة الإسلام وجهوا حرابهم إلى هذا الكتاب المكنون وحاولوا تغييبه عن الساحة وتحويله من منهج حياة إلى مجرد كتاب للتبرك به يتلى في المناسبات والمآتم وتفتتح به القنوات.
يقول وليم جيفورد:
"متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد وكتابه!!".
وقال الحاكم الفرنسي في الجزائر، في كلمة ألقاها بمناسبة مرور مائة عام على احتلال فرنسا للجزائر: " يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم حتى ننتصر عليهم ".(14/123)
فذلك الكتاب المكنون هو روح هذه الأمة، وهو دستورها الإلهي الذي نالت به العزّة والرفعة والسمو وسيادة العالم حينما استمسكت به.
وذلّت وهانت وصارت في ذيل الأمم حينما ابتعدت عنه وهجرته..
ومع ذلك نرى المسلمين مقصرين في حقّ هذا الكتاب المكنون أبلغ تقصير!
فلم يعد هو الموجّه الأول لعقولنا.. ولا المؤثر الفعّال في قلوبنا!
ولا المحرك الرئيس لسلوكنا.. ولا المغير الأساسي لما بأنفسنا!
إنكم يا ((صناع الحياة)) مدعوون إلى العودة إلى ذلك المنبع الصافي الأصيل والنهل من معينه والتزود منه لطريقكم الطويلة..
افتحوا لهذا الكتاب المكنون قلوبكم وعقولكم.. أصلحوا أجهزة استقبالكم.. وهيئوها لاستقبال رسائل ربكم.. وانطلقوا على بركة الله.. صانعين للحياة..ومستعيدين مجد الأمة.
http://islameiat.com المصدر:
=============
تأملات في السيارة
أحمد بن عبد المحسن العساف
السيارة من المخترعات الحديثة التي فتح الله بها على الإنسان المعاصر؛ وتختلف نظرة الناس للسيارة، فالأطفال يرونها وسيلة للمتعة، وتسيطر السيارات على أحلام المراهقين واهتمامهم فإذا ما ظفروا بها اتخذوها دمية ولعبة يلقون عليها الحتف ويؤذون بها الخلق.
أما الراشدون فيرونها نعمة قربت المسافات وحفظت الأوقات وأعانت على الوصول للمآرب؛ وفئام من مرضى القلوب يرونها فخاً مناسباً ومدخلاً لتخريب المرأة في بعض البلاد وكأنه لم يبق من هم النساء إلا قيادة السيارة.
وقد نظرت في السيارة فوجدت عبراً ودروساً وحكماً منها:
لا يسمح لأحد بقيادة السيارة قبل أن يتدرب عليها ويتعلم قوانين المرور ثم يحصل على رخصة قيادة؛ فعجبت ممن هجموا على شرع الله وكسروا باب الفتوى بلا علم ولا إذن أشياخ الفنون والعلوم؛ فنتج من هذه الهمجية التي فقدت المنهجية السائق المتهور " الغلاة " والسائق الأخرق " الجفاة ".
قبل قيادة السيارة لابد من تهيئتها حتى تقطع الطريق بسلام وتبلغ الغاية بلا توان، غير أن بعض الناس لا يعي هذه القاعدة فيروم الوصول بلا أسباب ويرفض نظرية " النفس الطويل " ويتكئ على حسن المقصد وصفاء السريرة؛ وكم شهدت الميادين الكبرى تحطم أفخم السيارات وموت من بداخلها دون أن يستفيدوا من جودة الصنعة وقوة المحرك!
من يقود السيارة يراقب خزان الوقود ويتأكد من صلاحية إطاراتها، وهكذا من يلج أمراً أو يهم بشأن لابد أن يتأكد من أهليته لذلك وامتلاكه عدة هذا الشأن ومتطلباته.
سائق السيارة لا يقف في منتصف الطريق أبداً؛ وكذا الذين يملكون رؤية منهجية مطردة فيقبلون ما وافقها ويردون ما خالفها مبتعدين عن التميع وأنصاف الحلول.
ولقائد السيارة هدف يسعى لبلوغه دون التفات لمن وراءه إلا من خلال مرآة يرى الناس بها ولا يرونه، وأصحاب الهمم العالية والرؤى العميقة والهم الكبير يمضون في طريقهم راشدين من غير اعتبار لمرجف أو مخذل أو جبان.
وإذا رغب السائق في الانعطاف لزمه تنبيه الآخرين بإشارة حتى لا يصطدم بغيره ويكون الحق للآخر؛ والواجب على من يغير رأياً له في مسألة مهمة أو عامة أن يناقش العارفين قبل أن يعلن رأيه لعله أن يكون غير مصيب في التغيير فتنفعه الإشارة!
والحاذق الماهر يراعي السيارات الأخرى ويحترم مسارها وحقها في الطريق؛ وبعض قومنا يتصرف وكأنه الوحيد في الدنيا فلا يراعي باقي السائرين معه مما يجعلهم ناقمين عليه وقد يتمالؤون فيضيقون عليه الطريق حتى لا يجد مسلكاً ولا مخرجاً.
وما من سيارة في الدنيا إلا وتحتاج لإعادة ملء الوقود وتغيير الزيوت والتنظيف المستمر وفحص المحرك وكل ما من شأنه الإبقاء على المركبة سليمة خادمة صاحبها؛ ومن المدهش أن البعض لا يسعى في تجديد معارفه ومراجعة آرائه وفحص مواقفه وتنويع ثقافته وكأنه النموذج المثالي بعد رفع النبوة.
وكما يسعد المالك بتسجيل سيارة فخمة باسمه ولا يفرح بتسجيل أخرى بالية عليه؛ فكذلك يجب على المفكرين والكتاب والأدباء والساسة أن يسعوا لنسبة الحسن إلى فكرهم وأقلامهم وقراراتهم ونبذ القبيح المشين عنهم لأن التاريخ يروي ولا يجامل.
ولا نزال في عالم الفخامة؛ فالسيارات الفارهة دليل على ثراء أصحابها وارتفاع قدرهم، وهكذا الفكر السامي يشير إلى نباهة أهله ويبقى الوضيع أسير الأفكار التافهة.
والسيارات الفخمة تأبى مسابقة السيارات البالية؛ والعلماء والمخلصون لا يجارون أهل الأهواء ولا ينساقون لخدعهم وأباطيلهم؛ فمن رأي سيارة بنصف مليون تسابق أخرى لا قيمة لها؟
وتجديد السيارة مطلب خاصة مع كثرة الاستخدام؛ لكننا نشمئز من أشيب يركب سيارة سباق أو كشف ولا نصدق أن مراهقاً يمتطي الفخمة الرزينة إلا أن يشينها بلهوه وعبثه.
وكما تحتاج السيارة للصيانة بعرضها على الفنيين؛ فكذلك النفس تحتاج إلى عرض على العلماء ليصححوا الخطأ وعلى المربين ليقوموا السلوك وعلى الزهاد ليرققوا القلوب؛ ومن يعتني بسيارته يذهب إلى وكالتها؛ ومن يعتني بنفسه يذهب بها إلى أعلم الناس بخالقها - سبحانه -؛ ولله المثل الأعلى.
وللسيارة علامات تنبي عن الخطر كنفاد الوقود أو ارتفاع الحرارة أو فراغ الشاحن، وينبغي لكل واحد منا أن يتخذ لنفسه من نفسه مؤشرات الخطر ونذر السقوط لئلا يقع ولات حين مندم.
وينبغي على قائد السيارة أن يستفيد من الأنوار والمرايا وأن يراعي ناقل السرعة ويلاءم بينه وبين الدفع والكبح؛ وذات الأمر يجب على من يقود أمراً بأن يستفيد من ذوي الخبرة والشأن وألا ينفرد بالرأي كي لا يقع في حادث تصادم مريع!(14/124)
وحين تنتهي صلاحية إطارات السيارات يبحث مالكها عن بديل من نفس المادة الأصلية لها ويستحيل أن يطلب إطارات خشبية أو حديدية أو حتى ذهبية ولو فعل لما تحركت سيارته شبراً، ولذا فليت الذين يبحثون عن نماذج النجاح في التعليم والإصلاح العام ألا ينقلوا لمجتمعنا المسلم تجارب مجتمعات تخالفنا في كل شيء عدا الأصل البشري إلا ما كان من هذه النماذج متوافقاً مع بنيتنا الثقافية وثوابتنا الشرعية لأننا حينها فقط سوف نتحرك.
وأشير في الختام إلى أن هذه الوقفات تأملات مجردة فلا أقصد بها عين إنسان أبداً منعاً لأي تأويل فاسد لها؛ خاصة مع كثرة من يفسر المقاصد ويغوص في النوايا ثم لا تراه إلا مشنعاً على غيره بهذه النقيصة وهي به ألصق.
7 / 4 / 1426هـ
http://www.toislam.net المصدر:
===========
محاولة لعلاج ظاهرة التنازع والتشرذم
كلمات في الاجتماع: ----
(1)
ما غلا قوم في شيء، إلا وظهر غلو آخرين في ضده..
الغلو في تقديس الأشخاص، يقابله الغلو في رفض الأشخاص..
أيهما سبب غلو الآخر؟..
كلاهما...
والحل في التوسط، والعدل، والإنصاف...
قال - تعالى -: {وإذا قلتم فاعدلوا.. }..
وقال: {ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}..
وفي الأثر:
(أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما، وأبغض بغيضك هونا، عسى أن يكون حبيبك يوما ما)..
----------------
(2)
لا بد من التريث وعدم الاستعجال في الحكم على الآخرين، خاصة أولئك الذين عرف عنهم اتباع منهج السلف والدعوة إليه..
فمن الذي لا يخطئ، ولو كان من أهل السنة والجماعة؟..
فلو أن كل من أخطأ هجر، وحذر منه، وشهر به، لما سلم أحد، حتى الهاجر والمحذر والمشهر، لن يسلم؛ لأنه لن يسلم من الخطأ..
والنتيجة: تمزيق الأمة ظلما وعدوانا..
إنما السبيل المناصحة بالتي هي أحسن، بالقول اللين، والصبر في تبليغ النصيحة، وإظهار المحبة والشفقة والحرص وصدق الإخوة..
هذا إن كان خطأ مجمعا عليه عند أهل السنة، أما وجهات النظر، والمسائل القابلة للاجتهاد، فهذه لا تنبغي أن تكون سببا في الخلاف أصلا..
لذا من المهم معرفة ما يسوغ وما لا يسوغ فيه الخلاف...
فبعض الناس جاء إلى مسائل يسوغ فيها الخلاف، فجعلها موطن ولاء وبراء.. وهذا جهل..
ومن المهم معرفة ما الخطأ والصواب..
فبعض الناس جاء إلى ما هو صواب، فجعله خطأ، وما هو خطأ، جعله صوابا.. وهذا جهل..
ومن الجهل أن ينجر المرء وراء الجهل..
-------
(3)
الاجتماع يكون مع كل من يتبنى، علما وعملا، الكتاب والسنة ومنهج السلف، فمثل هؤلاء يجب عليهم ألا يختلفوا، والله - تعالى -يقول مخاطبا هؤلاء: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}...
فإذا ظهر من بعضهم خطأ فالواجب النصح والبيان والصبر..
وعلى من أنكر على أحد شيئاً، أن يحمل رأيه إليه، ويبينه له، ويسمع منه الجواب، ولا يأخذ الجواب من وسائط، ولا يأخذ الخبر والحكم من وسائط، لأن الوسائط كثيرا ما تفتقد إلى الدقة في النقل، فتزيد وتنقص أشياء تكون سببا لتكبير الخلاف والفجوة...
وليس الخبر كالمعاينة.. وإنما آفة الأخبار رواتها..
-----------------
(4)
بعض الفئات لا هم لها إلا تضخيم الأخطاء، وتحميل الكلام لا يحتمل من المعنى، إما جهلا بمواقع الكلام والأدلة الشرعية، أو رغبة في سوء..
لذا فعلى الحصيف الحريص على الجماعة أن لا ينجر وراء هذه الفئات، بل يفحص كل تهمة ونقد يصدر منها تجاه غيرها، حتى لا يشاركهم في العدوان على بريء.. لينظر هل الكلام يحتمل ما حمّل أم لا؟..
وهنا من المفيد سؤال أهل العلم، خاصة أولئك الذين عرف عنهم الحياد، أي عدم المشاركة في الخلافات الناشبة بين بعض الفئات، فالخارج عن الخلاف أكثر إصابة للحق من الواقع فيه..
وليعلم أن التعصب لفئة يعمي البصيرة... فلا تدرك الحق، ولو ظهر كالشمس، لأن العقل منصرف عن الفهم والإدراك، وكم من الخلافات كان مصيرها الحل، لو أن النفوس سليمة، خالية من التعصب، لكن لما لم تكن كذلك، حصل الخلاف وتضخيم الأخطاء والنبذ والبراء..
----------------
(5)
الحق فيما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما أمر به، وليس فيما يراه فلان وفلان..
فليس مقياس الغيرة على الدين وشعائره الكتابة فيما يراه بعضهم مهما، على الوجه الذي يرضيهم..
إنما المقياس: اتباع الحق الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، والعمل به، والدعوة إليه..
------------
(6)
أخي...
ليس لك مع من ترى أنك تخالفهم إلا الكلمة الطيبة، فبوسعهم أن يمطروك تهما، وأن يستبيحوا لأنفسهم ما تستبيحه أنت منهم.. لكن هذا لن يجدي شيئا، فلن تقنعهم بشي..
إنما سبيل الذي يغار على دين الله - تعالى -، ويهمه أمر الأمة أن يدعو إلى سبيل الله ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يقول القول اللين، وأن يخاطب إخوانه بالتي هي أحسن..
أتدري لماذا؟..
إن للخطاب الحسن، القائم على التماس العذر وحسن الظن أثرا حسنا:
- فهو دال على أن صاحبه متبع لهدي القرآن، حين أمر موسى - عليه السلام - أن يخاطب فرعون بالقول اللين..
- وهو دال على أنه متبع للنبي - صلى الله عليه وسلم - حين كان يخاطب من يدعوهم بأحسن عبارة..
- وهو دال على اتباع السلف، الذين لن يخالفوا بحال طريقة القرآن، ولا منهج النبوة..
- ثم هو الكفيل بهدم الفجوات بين المتخالفين، فالخطاب الحسن يحمل على حسن الاستماع وفهم كل خصم كلامه خصمه، فينفذ كلامهما إلى القلب، فربما لم يكونا مختلفين أصلا، وربما اهتدى المخطيء منهما..
كل ذلك بالخطاب الحسن..(14/125)
أما إذا صار الخطاب عنيفا، التهم فيها مقدمة، واستباحة العرض هو الشعار، فلا ترجو إلا القطيعة والهجر وتصلب المواقف، والعناد، وكل تأخذه العزة بالإثم، حتى لو بان الحق لأحدهما، فلن ينجر إليه، ولن يقبل منه، لا لشيء إلا لأنه جاء من غير طريقه القويم.. ولأن الشيطان قد نزغ.. والله يقول: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}..
{وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا}..
فأهل الحق، ومن يرنو إلى الحق، ويخضع له، أولى بأن يتبعوا منهج القرآن في الخطاب، ولو كان الخصم ضالا مضلا، فكيف إذا كان أخاً، يبتغي الحق، ويحبه.. ؟؟
فاتقوا الله يا أولي الألباب...
-----
وفقني الله وإياكم...
http://saaid.net المصدر:
============
العلاقات الاجتماعية بناؤها وتوظيفها في الدعوة إلى الله
الربيع بن إبراهيم مليحي
تتولد بين الناس في خضم هذه الحياة علاقات مختلفة باختلاف الدوافع، والأغراض التي هي من ورائها؛ فهناك روابط يؤلف بينها النسب، وأخرى تجمع أطرافها المصاهرة، وثالثة يحكمها الجوار، وهكذا سائر العلاقات الأخرى التي تتكون نتيجة المصالح المشتركة، والمواقف المتبادلة، واللقاءات اليومية، والاجتماعات الدورية، كعلاقة زملاء العمل، وعلاقات التجار والشركاء، والأصدقاء، وغيرها؛ مما يجعل موضوع العلاقات، والإفادة منه في مجال الدعوة إلى الله محل اهتمام الباحثين، ومن هنا وُلدت هذه الدراسة الموجزة في هذا الموضوع المهم، فخرجت بتوفيق الله - تعالى - في سطور معدودة، رجاء أن يعقبها دراسات متميزة من المختصين في هذا المجال الحيوي الذي يأتي اليوم في مقدمة الأولويات. ورغم إيماني الكبير بأن الجميع يدرك خطورة هذا الموضوع..
أهمية العلاقات:
لا أظن أن أحداً من الناس يجادل في أهمية العلاقات الجيدة، ودورها الفعال في جميع مجالات الحياة على مستوى الشعوب والأفراد؛ ولذلك فالحديث عن أهمية العلاقات يعد من نافلة القول، إلا أنني أودّ أن أُذكّر القارئ الكريم ببعض الجوانب المهمة التي تبرز من خلالها أهمية العلاقات، وخاصة في مجالات الدعوة المختلفة، ومن أبرز هذه الجوانب ما يلي:
أولاً: الحماية والنصرة؛ حيث تُشكّل العلاقات الجيدة حماية للداعية تمكّنه من نشر دعوته الإصلاحية، وتبليغ رسالته، ولو بشكل محدود. ولعلك أخي القارئ تلمح شيئاً من هذا المعنى المهم من خلال تأملك في قوله - تعالى ـ: {وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود: 91].
قال العلاَّمة السعدي - رحمه الله ـ في معنى الآية: أي: ليس لك قَدْر في صدورنا ولا احترام في أنفسنا، وإنما احترمنا قبيلتك بتركنا إياك(1)، ومما يزيد هذا الجانب وضوحاً ذلك الدور الفعال الذي لعبته علاقة النسب بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين عمه أبي طالب؛ حيث أحاطته - صلى الله عليه وسلم - بنوع من الطمأنينة والأمن استطاع من خلاله أن ينشر دعوته المباركة، وأن يبذر نواة الخير في مكة وما حولها، ولست بحاجة إلى أن أدلل على جودة تلك العلاقة؛ لأن السيرة قد شهدت بذلك لأبي طالب من خلال مواقفه الجيدة في التصدي لمحاولات صناديد قريش الآثمة التي كانت تستهدف النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودعوته المباركة، بل وسُطِّرت له تلك الأبيات التي تدل على شدة محبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقوة دفاعه عنه، والتي منها قوله:
واللهِ لن يصلوا إليك بجمعهم ** حتى أُوُسَّدَ في التراب دفينا
فاصدعْ بأمرك ما عليك غضاضةٌ ** وابشر وقِرَّ بذاك منك عيونا(1)
فتأمل أخي القارئ! كيف تحوط العلاقات أصحابها ببعض الحماية التي تكون نافعة جداً، وبالذات في ظل الخلافات الشديدة التي قد تكون عائقاً كبيراً في طريق نشر الخير! وهنا أمر مهم جداً يحسن التنبيه إليه: وهو أن تلك العلاقة حظيت بنوع من التفاعل بين الطرفين. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يحرص على برّ عمه أبي طالب، ويتودد إليه بما لا يتعارض مع أمر الله، ويعرض عليه الدعوة إلى الخير، حتى في اللحظات الأخيرة من حياته، وكذا عمه أبو طالب يقابل ذلك المعروف بالحماية والعطف والحب والشفقة كما تقدم.
ثانياً: زيادة الإنتاج الدعوي؛ وذلك من خلال استثمار الأموال والطاقات والأوقات التي لا تُمنح لأحد في الغالب إلا بحسب العلاقات أو المصالح المشتركة، ومن هنا تبرز أهمية العلاقات، ويتحتم على الدعاة إلى الله السعي في بنائها، واستثمارها في مجالات الدعوة المختلفة، ولست بحاجة إلى الإسهاب في هذا الجانب؛ لأن جهد الواحد ليس كجهد الاثنين، وجهد الأفراد ليس كجهد المؤسسات؛ ولأن ما يُنجز من الأعمال الدعوية في ساعة ليس كما ينجز من الأعمال في ساعتين؛ ولأن ما يبذل من المال للدعوة من شخص واحد ليس كما يبذل من المال من شخصين، وهكذا يدرك الجميع أهمية العلاقات، وأنها بلا شك من أعظم روافد العمل الدعوي، وبالذات في هذا الزمن الذي تحتل فيه العلاقات مكانة مرموقة على مستوى الشعوب والأفراد؛ فهل يحرص الدعاة المصلحون على بناء العلاقات، واستثمارها في الدعوة إلى الله، أم يبقون نكرات في مجتمعاتهم، وأحيائهم، يتعللون بالخوف من بريق الشهرة، ويشعرون أن بروزهم ينافي كمال الإخلاص، وقد يفقدهم بعض المصالح الراجحة: كحفظ الأوقات، وطلب العلم، ونحو ذلك؟ مع أن هذا الكلام وإن كان حقاً إلا أن التوازن أمر مطلوب في أمور الحياة، وسر عظيم من أسرار النجاح.
كيف نبني العلاقات؟(14/126)
إن اللبنة الأم في بناء العلاقات هي الحب الصادق الذي هو في الحقيقة قاعدة صلبة تقوم عليها أروقة العلاقات، ومن أجل ذلك حث الإسلام على مد الجسور الموصلة إلى تلك القاعدة العظيمة، ليسود الوئام والوفاق، ويتم التعايش السليم الذي يليق بالإنسان في هذه الحياة، ومن هذه الجسور ما يلي:
1 ـ التعارف:
وهو أول مرحلة من مراحل بناء الحب؛ حيث يجدر بالحريص على بناء العلاقات أن يتعرف على من حوله، وأن يمد معهم جسوراً من العلاقة الجيدة التي تقود بإذن الله - تعالى ـ إلى احتواء أحبابه، واصطفائهم متعبداً بذلك الله - تعالى -، مستجيباً لندائه الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
يقول العلامة السعدي - رحمه الله ـ في معنى الآية: أي يخبر الله - تعالى ـ أنه خلق آدم من أصل واحد وجنس واحد، وكلهم من ذكر وأنثى، ويرجعون جميعهم إلى آدم وحواء، ولكن الله - تعالى ـ بث منهما رجالاً كثيراً ونساء، وفرّقهم، وجعلهم شعوباً وقبائل صغاراً وكباراً؛ وذلك لأجل أن يتعارفوا؛ فإنهم لو استقل كل واحد منهم بنفسه لم يحصل بذلك التعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون والتوارث، والقيام بحقوق الأقارب، ولكن الله جعلهم شعوباً وقبائل؛ لأجل أن تحصل هذه الأمور وغيرها؛ مما يتوقف على التعارف ولحوق الأنساب(2)، وبهذا تتضح أهمية التعارف البنّاء المثمر الذي يترتب عليه النفع في الدنيا والآخرة، ويجب أن يتسابق في مضماره الدعاة، جاعلين رسولهم إلى من يودون التعرف عليهم البسمة الصادقة، والاتصال الحار، ونحو ذلك من مفاتيح القلوب.
2 ـ الهدية:
وهي السحر الحلال الذي يفتح الباب المصمت، ويسل سخيمة القلب، ويذهب وَحَر الصدر، ويزرع الحُب الجمّ، وما أجمل قول الشاعر:
إن الهدية حلوة ** كالسحر تجتلب القلوبا
تدني البغيض من الهوى ** حتى تصيّره قريبا
وتعيد مضطغن العدا ** وة بعد نفرته حبيبا(3)
وأجمل من ذلك وأعظم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في رواية أبي هريرة - رضي الله عنه ـ: «تهادوا تحابوا»(1) ومما يزيد من أهمية الهدية أن أولي النُّهى يدركون الأثر العظيم الذي تحدثه الهدية، كما بيّن القرآن الكريم في قصة ملكة سبأ، كما قال - تعالى ـ على لسانها: {وَإنِّي مُرْسِلَةٌ إلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35]، قال قتادة: - رحمها الله -، ورضي عنها ما كان أعقلها في إسلامها، وفي شركها؛ علمت أن الهدية تقع موقعاً من الناس(2). إن هذا الأثر العظيم للهدية لا يزال في حيز التنظير في واقع كثير من الدعاة، ولما يخرج بعد إلى حيز الممارسة، والتطبيق بشكل مثمر؛ فليحرص الدعاة على هذا المنهل العذب، والمورد الزلال الذي يتسلل إلى القلوب، فيعمرها بالحب بإذن الله.
3 ـ الحقوق الشرعية المتبادلة:
وهي منظومة من الحقوق الواجبة للمسلم على المسلم، أو المندوبة بينهم، سردها - صلى الله عليه وسلم - في رواية أبي هريرة - رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلّمْ عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمِّته، وإذا مرض فعُدْهُ، وإذا مات فاتبعه»(3). إن هذه الحقوق العظيمة، والآداب الرائعة التي تبدأ بالسلام من أول لقاء في هذه الحياة، وتنتهي بالوداع الذي لا لقاء بعده إلا في الآخرة لهي في الحقيقة جسور عظيمة، تزرع المحبة في القلوب، وتبني أروع العلاقات الأخوية المستمرة بإذن الله.
ومن هنا فإن الدعاة هم أحوج الناس إلى إحياء هذه الآداب الرائعة، والتفاعل معها، وإخراجها من حيز المقابلة الميتة، والبسمة الباهتة، والنمطية المملة (الروتين) إلى حيز الأخوة الصادقة، والتواصل الحي الذي يدفعه الصدق، والإخلاص والحرص على نفع الآخرين وهدايتهم. يقول الدكتور النغميشي: «إن حسن التجاوب، وحرارة الاتصال بين طرفين، والتفاعل بينهما يعتمد اعتماداً كبيراً على مفهوم التبادل في العلاقات؛ فعلى قدر ما يبذل كل طرف من جهده، وماله ومشاعره نحو الطرف الآخر تقوم العلاقة، وتتصاعد إلى أعلى»(4).
4 ـ الخدمة وقضاء الحوائج:(14/127)
إذا كانت الجسور التي سبق الحديث عنها تشكّل أهمية لا بأس بها في بناء العلاقات المثمرة فإن خدمة الناس، وقضاء حوائجهم هو الجسر الأعظم الذي يلتقي مع تلك الجسور، ويشكل معها قوة هائلة في بناء العلاقات، وسر ذلك يعود إلى طبيعة النفس البشرية التي فُطرت على محبة من يحسن إليها ويقوم بشؤونها ومصالحها، ومن ثم فهي تنظر إليه نظر الإجلال والتعظيم والحب، وهذه النظرة الفطرية هي في الحقيقة ناتجة من ضعف الإنسان، وحاجته المستمرة التي لا تنتهي في هذه الحياة إلا بوفاته؛ ولذلك فليس غريباً أن يهتم الناس بمصالحهم الدنيوية، وتأمين الحياة الكريمة التي لا تصلح حياتهم إلا بها، ولا شك أن الإسلام يراعي هذه النظرة الفطرية ويهتم بها، ويوجه الإنسان إلى الاهتمام بهذا الجانب المهم من خلال المنهج القويم الذي سلكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث كان يدعو ربه بصلاح دنياه، كما في دعائه الثابت في صحيح مسلم: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي»(5). ومن تأمل سيرته - صلى الله عليه وسلم - رأى فيها سمة المبادرة إلى الاهتمام بشؤون الناس، وتلمّس حاجاتهم، كما قالت خديجة - رضي الله عنها ـ في وصفه - صلى الله عليه وسلم -: «إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق»(6).
وهكذا نجده - صلى الله عليه وسلم - من خلال سيرته العطرة يشفع لمغيث عند زوجته بريرة من أجل أن يعود إليها؛ فتقول: يا رسول الله! أتأمرني بذلك؟ فيقول: «لا، إنما أنا شافع»(7)، وها هو - صلى الله عليه وسلم - يحث أصحابه - رضي الله عنهم ـ على البذل والصدقة، عندما رأى قوماً من مضر مجتابي النمار، وقد بدت معالم البؤس والفاقة على وجوههم(8)، ومن تتبع مواقفه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الجانب المهم رأى عجباً، وأدرك سر الحب العظيم لشخصه الكريم - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه - رضي الله عنهم - أجمعين.
وعلى هذا المنهج القويم تربى السلف الصالح من الصحابة والتابعين، رضي الله عنهم؛ فقد ذكر ابن قتيبة الدينوري - رحمه الله ـ جملة من أخبارهم في هذا الجانب؛ فهذا ابن عباس - رضي الله عنه ـ يبحر في عالم المروءات والقيم عندما يقول: «ثلاثة لا أكافئهم...» ثم ذكرهم، وقال: «أما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله - عز وجل -؛ قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل به أمر، فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلاً لحاجته، فأنزلها بي»(1).وقيل لابن المنكدر: أي الأعمال أفضل؟ قال: إدخال السرور على المؤمن، فقيل: أي الدنيا أحب إليك؟ قال: الإفضال على الإخوان(2)، وقال: الحسن - رضي الله عنه ـ: لأن أقضي حاجة لأخ أحبُّ إليَّ من أن أعتكف سنة(3). وهكذا يبرز الاهتمام بهذا الجانب المهم في حياة أولئك الأفذاذ جيلاً بعد جيل، حتى ظهر أثر ذلك في أدبهم العربي الرفيع، وأصبح المدح بخدمة الناس، ومواساتهم من أغراض الشعر البارزة، ولا أدل على ذلك من قول الشاعر:
بدا حين أثرى بإخوانه ** ففكك عنهم شباة العدم
وذكره الحزم غب الأمور ** فبادر قبل انتقال النعم
أهمية نفع الناس:
إن خدمة الناس، والسعي في قضاء حوائجهم جسر من المعروف محفوف بالمتاعب والتضحيات، ولكنه يوصل بإذن الله - تعالى ـ إلى أرقى العلاقات المثمرة المؤدية إلى السيادة؛ حيث لا شك أن خادم القوم سيدهم، وما أحسن قول الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ** فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
ومن هنا فإن على الدعاة اليوم أن يتسابقوا إلى نفع الناس، ودفع المكروه عنهم، وخاصة في هذا الزمن الذي كثر فيه الكلام، وقلّ فيه العمل، وظهر فيه الشح والأثرة، وتعانق فيه الفقر والجهل؛ فما أحوج الناس إلى الكلمة الحانية والمواساة الكريمة، والخدمة الجيدة، والنفع المتعدي، وبالذات في هذا العصر الذي ملَّ فيه الناس من جعجعة بلا طحين وعلقت آمالاً كبيرة على الدعاة والمصلحين. وهذان بيتان من الشعر، هما في الحقيقة حكمة عظيمة، خرجت من أفواه الأولين لتقول لنا جميعاً:
وليس فتى الفتيان من راح واغتدى ** لشرب صبوح أو لشرب غبوقِ
ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى ** لضر عدو أو لنفع صديقِ
ثمار العلاقات الاجتماعية:
في ختام هذه المقالة يحسن التنبيه إلى بعض القضايا المهمة التي تساهم بمجموعها في إخراج ملخّص للثمرة المرجوة من هذه الدراسة:
القضية الأولى: يجب أن ندرك أهمية بناء العلاقات الاجتماعية. يقول الدكتور إبراهيم القعيد: (إن العلاقات الإنسانية في بيئة العمل هي المادة اللزجة التي تحرك آلة العمل والإنجاز، وكلما كانت هذه المادة عالية اللزوجة أدت إلى تحقيق نتائج باهرة، وأوصلت الإنسان إلى قمم من الأداء والرضى الوظيفي والراحة النفسية، والعكس صحيح تماماً)(4). وهذا الكلام النفيس ليس حكراً على الأعمال الوظيفية فقط، بل ينبغي أن يوظف في مجالات الدعوة المختلفة، ومنها الأعمال الوظيفية ولا شك.(14/128)
القضية الثانية: يجب أن نستثمر هذه العلاقات المختلفة في مجالات الدعوة المتعددة؛ حيث يمكننا أن نوظف علاقاتنا وعلاقات الآخرين أيضاً، وذلك من خلال توجيه الأموال والأوقات، والطاقات والأفكار، وغير ذلك، حتى إننا لنطمع من خلال العلاقات في حنجرة المغني أن تصدح بالأذان، وتتغنى بالقرآن، وفي قافية الشاعر أن تجسد معاناة المسلمين، وتصور مآسي المنكوبين، وتواسي جراحاتهم، كما نطمح بريشة الفنان أن ترسم لوحة من التفاؤل تبشّر بالنصر، وتفتح باب الأمل، وفي قلم الصحفي أن يسطر الحق في الزوايا والأعمدة التي طالما سُطِّر فيها الباطل، وفي سلطة رجل الأمن أن يأخذ بها على يد السفيه، ولست أبالغ إذا قلت: إننا نطمع من خلال العلاقات أن يتحول الضعف إلى قوة، والبغض إلى حب، والتشاؤم إلى تفاؤل، والهزيمة إلى نصر، والتفرق إلى وحدة، وهكذا ينبغي أن تستثمر العلاقات دون أن تقف بها عند حد معين، ما لم تصل إلى مداهنة مزرية، أو شفاعة محرمة، ونحو ذلك.
القضية الثالثة: يجب أن ندرك أننا قد ننجح في بناء العلاقات، ولكن لا ننجح في استثمارها بالشكل المطلوب، وهذا يعني هدر طاقات، وزيادة أعباء، واستهلاك أموال وأوقات دون مقابل يذكر؛ مما يجعل العلاقات تعمل بالحدّ السالب فقط، وهو الأمر الذي يؤدي إلى الفتور والضعف، ومن أجل ذلك ينبغي أن نعي جيداً أن سر النجاح في العلاقات يكمن في مدى استثمارها، والمحافظة على عطائها بالقوة نفسها؛ لأن من المسلّمات البدهية أن الوصول إلى القمة مهم، والبقاء هناك أهم، ومعرفة أسباب البقاء في القمة هو سر النجاح بإذن الله - تعالى -.
-----------
(1) تيسير الكريم المنان للسعدي ص (388).
(1) مختصر سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ص 62 ط دار الآثار.
(2) تيسير الكريم المنان ص 802 ط مؤسسة الرسالة.
(3) عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري (3/40) ط دار الكتاب العربي.
(1) صحيح الجامع الصغير للألباني (3/56) رقم 3001.
(2) تفسير ابن كثير ص 981 ط مؤسسة الرسالة.
(3) مختصر صحيح مسلم للمنذري ص 374 حديث رقم 1481 ط المكتب الإسلامي.
(4) علم النفس الدعوي، د. عبد العزيز النغيمشي ص 255، ط دار المسلم.
(5) مختصر صحيح مسلم ص 493 حديث رقم 1869، ط دار الكتب.
(6) صحيح البخاري (1/60) كتاب بدء الوحي، ط شركة دار الأرقم بن الأرقم.
(7) صحيح البخاري (7/85) باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في زوج بريرة، حديث رقم 28، ط عالم الكتب.
(8) مختصر صحيح مسلم للمنذري ص 145، ط المكتب الإسلامي.
(1) عيون الأخبار (3/177) ط دار الكتب.
(2) عيون الأخبار (3/176) ط دار الكتب.
(3) عيون الأخبار (3/176) ط دار الكتب.
(4) (النجاح في العلاقة الإنسانية) تأليف (الوود إن نشابما) ص 11 في مقدمة الناشر.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
للدعاة اثنتا عشرة وسيلة لكظم الغيظ
قذلة بنت محمد بن عبد الله القحطاني
يعيش الدعاة اليوم معركة، بل معارك، ويواجهون تحديات عظيمة وسهاماً حادة، تخترق الصميم وتنقل الدعاة من جو الهدوء والوقار والسكينة إلى جو الصخب والشائعات وهتك الأعراض دون مخالفة ولا ريب، فكيف يتحقق لهم ملك النفس وخطم جماحها، ورفع الهمة عن مسايرة هذه الهمم الوضيعة والصبر عليها.
والأعظم من ذلك الأخذ بيدها للارتقاء إلى منازل أصحاب الهمم العالية، المشمرين إلى الله - تعالى -.
وتتمثل قول القائل:
إذا أدمت قوارصكم فؤادي *** صبرت على أذاكم وانطويت
وجئت إليكم طلق المحيا *** كأني ما سمعت ولا رأيت
ولا شك أن الصبر على الأذى وكظم الغيظ والحلم والعفو عند المقدرة هي أخلاق أنبياء الله وصفوته من خلقه ومن تبعهم من أوليائه المخلصين الصادقين الذين رفع الله مكانتهم وأعلى قدرهم، فكانوا جبالاً وقمماً صلبة وراسخة، فأتاهم وابل السهام المصوبة فتحطم عن صخورها الأبية، ويعود بعضها إلى صدر من رماها منتكسة.
لذا كان لزاماً على الداعية المسلم أن يملك نفسه ويسعى للتخلق بهذه الأخلاق العظيمة في جميع مجالات الدعوة وميادينها، ومنها مجالات الحوار والكتابة والرد على المخالفين.
هو وإن كان شديداً على النفس، إلا أن الله يعين العبد إلا علم بصدقه وإخلاصه، فعن الحين قال: "مرَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوم فيهم رجل يرفع حجراً يقال حجر الأشد، قال: أفلا أخبركم بما هو أشدّ منه رجل سبّه رجل فحلم عنه فغلب نفسه وغلب شيطان صاحبه" (رواه البزار بسند حسن).
قال - تعالى -: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ".
وقال - تعالى -: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ".
وقال - تعالى -: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ".
وتحقق لهم محبة الله كما في قوله: "وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".(14/129)
قال ابن تيمية - رحمه الله - في بيان سبب محبة الله لهم: "لأن درجة الحلم والصبر على الأذى والعفو عن الظلم، أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة، يبلغ الرجل بها ما لا يبلغه بالصيام والقيام" اهـ.
ولدفع أذى الخلق ونيل الدرجات العالية، والوصول إلى هذه المرتبة من الحلم والصبر وسلامة الصدر على العبد أن ينظر إلى عدة أمور:
الأول: القدر وإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
الثاني: التحلي بالصبر وليتأمل ما أعده الله للصابرين عن حسن العاقبة وموفور الجزاء، ولن ينال ذلك إلا بالصبر.
كما قال ابن القيم - رحمه الله - "وعلم أنه إن لم يصبر اختياراً على هذا وهو محمود، صبر اصطباراً على أكبر منه وهو مذموم".
الثالثة: عاقبة العفو والصفح والحلم، وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" (رواه مسلم)، والعز هنا يشمل عزاً ومحبة في قلوب الخلق في الدنيا وعزاً في الآخرة.
الرابع: أن يرضى بما أصابه، وهذا فوق ما قبله، وهذه منزلة عظيمة لا ينالها إلا أصحاب الهمم العالية، ولا سيما إن كان ما نالها كان السبب القيام بحقّ الله - تعالى -.
الخامس: مقابلة الإساءة بالإحسان، فكلما أساء إليه الخلق أحسن إليهم، وليستشعر العبد أنه بهذا الإحسان يزيد إليهم شيئاً من إحسانهم إليه بإهدائهم إياه حسناتهم وأجورهم!
وهذا مما يجعل الأمر يهون على العبد، فيعلم أنه يكافئهم على ما أهدوه إليه من عظيم الأجر، وما تحملوا عنه من عظيم الوزر.
السادس: سلامة الصدر، فلا يشغل قلبه بما لا يعنيه، وليعلم أنه كما اشتغل العبد بشيء من هذه الأمور فاته ما هو أهم وأنفع له من الإقبال على الله ورجاء ثوابه.
قال ابن القيم - رحمه الله - "وهذا مشهد شريف جداً لمن عرفه وذاق حلاوته".
السابع: حصول الأمن، فالعفو والحلم يقتلعان العداوة ويقضيان عليها، بخلاف الانتقام الذي يزيدها ويشعلها، فتزرع العداوات وتزداد الضغائن، فلا يأمن العبد عندها من مباغته عدوه.
الثامن: دفع ثمن البيعة، فالمؤمن قد عقد الصفقة مع الله: "إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ".
فإن كان الذي ناله من الأذى في سبيل الله، فلا يحق له أن يطلب لذلك عوضاً غير السلعة التي وعده الله - تعالى -بها وهي الجنة.
قال - تعالى -في ذكر وصية لقمان - عليه السلام - لابنه: "وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ".
ولما عزم الصديق على أن يأخذ من المشتركين ديات المسلمين وأموالهم التي أتلفت في حرب الردة، قال عمر - رضي الله عنه -: "تلك دماء وأموال ذهبت في الله، وأجورها على الله، ولا دية لشهيد".
وهذا مشهد من الصحابة ولم يعرف له مخالفاً، فكان هذا إجماعاً.
التاسع: عظيم المنّة في هذه النعمة، وذلك يظهر من وجوه:
1ـ كونه جُعل مظلوماً يرجو من الله النصر، ولم يكن ظالماً ينتظر من الله البطش والعقوبة.
2ـ التكفير من خطاياه وذنوبه، فما يصيب العبد من شيء حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه".
3ـ أن يحمد الله أنها لم تكن في دينه، وينظر إلى ما هو أعظم منها.
4ـ أن يدخر جزاءها عند الله - تعالى -في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، في يوم هو في أمسّ الحاجة إلى حسنة ينجيه الله بها يوم القيامة.
العاشر: أن يتأسى بمن سبقه من الأنبياء والرسل والأولياء الذين هم من أفضل الخلق، ومع ذلك كانوا أشدّ الناس بلاء، فليتأس بهم ليهون عليه ما ناله مما لا يساوي شيئاً مع ما وقع عليه من أذى.
الحادي عشر: أن يشتغل بالله - تعالى -والتعلق به وتوحيده ومحبته والإخلاص له، والتقرب منه، والشوق إليه.
قال ابن القيم - رحمه الله -: " وهو أجلّ المشاهد وأرفعها، فإذا امتلأ قلبه بمحبة الله، والإخلاص له ومعاملته، وإيثار مرضاته، والتقرب إليه، وقرة العين به، والأنس به، واتخذه ولياً دون من سواه، بحيث فوَّض إليه أموره كلها، ورضي به، وبأقضيته، فإنه لا يبقى في قلبه متسع لشهود أذى الناس له البتة، فضلاً عن أن يشتغل قلبه وفكره وسره بطلب الانتقام والمقابلة" أهـ.
الثاني عشر: ترويض النفس ومجاهدتها في تغيير ما فيها من سوء الخلق، وكان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت" (رواه مسلم).
وبالتخلق والتكلف يصبح هذا الخلق سجية للعبد، وفي حديث أشج عبد القيس ـ - رضي الله عنه - ـ عندما قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة، فقال: أخلقين تخلقت بهما أم جبلني الله عليهما؟ فقال: بل جبلك الله عليهما، فقال الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله" (رواه مسلم).
قال ابن القيم - رحمه الله - : "يتكلف الحلم والوقار والسكينة والثبات حتى تصير له أخلاقاً بمنزلة الطبائع، قالوا وقد جعل الله - سبحانه - في الإنسان قوة القبول والتعلم، فنقل الطبائع عن مقتضياتها غير مستحيل، غير أن هذا الانتقال قد يكون ضعيفاً فيعود العبد إلى طبعه بأدنى باعث، وقد يكون قريباً ولكن لم ينقل الطبع، فقد يعود إلى طبعه إذا قوي الباعث واشتد، وقد يستحكم الانتقال بحيث يستحدث صاحبه طبعاً ثانياً، فهذا لا يكاد يعود إلى طبعه الذي انتقل عنه" أهـ.(14/130)
وفق الله الجميع لنيل أعلى مراتب الأخلاق، وجعلنا جميعاً من عباده المحسنين الصابرين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
14-ربيع ثاني-1426 هـ
22-مايو-2005
http://www.lahaonline.com المصدر:
============
توجيهات دعوية
الدعوة مقام عظيم، قد يشعر الإنسان بمنزلتها وقد لا يشعر، أما من لم يشعر فليس له حظ من هذه التوجيهات التي سنوردها، إنما هي حظ من اهتم لأمته وأحس بعظمة الدعوة وجلالتها، هذا هو العظيم حقا..العظيم هو الذي يهتم للأمور العظام، وهو الذي يتعب نفسه في تحصيل المراتب الكبيرة، كما قال الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارا ** تعبت في مرادها الأجسام
وإذا كان الإنسان يعلو عند الناس لكفاحه وجده في أسباب الحياة، فإن الذي يعلو عند الله - تعالى - هو الذي يكافح من أجل أن يقيم صرح الدين في الأرض، ويعلم الناس الخير، ويحذرهم من سبل الشر، قال - تعالى -: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}...
قال الحسن: "هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين، هذا خليفة الله". (تفسير ابن كثير7/169)
الله ما خلق الخلق إلا لعبادته، وأرسل الرسل لأجل ذلك، والداعي إلى الله - تعالى -يحقق مراد الله من الخلق، ويتبع الأنبياء ويقتدي بهم، ومن هنا شرف وكان أحب الخلق إلى الله - تعالى -..
لكن الدعاة هم أكثر الخلق عناء وتعباً، وأكثرهم ألماً وحزناً، لا نقول هذا تنفيراً من طريقهم، فإن كل إنسان يناله في الدنيا من التعب والحزن القدر المكتوب، لكن الذي يتميز به الدعاة بالرغم من كونهم أكثر الناس تعباً وحزناً، أنهم كذلك أكثر الناس تلذذا بالذكر والطاعة، تمر بهم لحظات من حلاوة الإيمان تنسيهم كل تلك الآلام، وهذا ما لا يجده غيرهم إلا في النادر.
إن مصدر آلام الدعاة أنهم يرون انتفاش الباطل وكثرة المعرضين، وهم يعلمون علم اليقين حقيقة الدنيا والآخرة، وهم في محاولة جادة لاستنقاذ الغارقين من غرقهم، لكن محاولاتهم تبوء بالفشل في بعض المرات أمام إصرار الغارقين على الغرق، وأمام ترصد الظلمة وقعودهم بكل صراط يوعدون ويصدون عن سبيل الله من آمن يبغونها عوجاً..
وأمام هذه المعوقات يجد الدعاة أنفسهم في عائق آخر لا يقل خطراً من المعوقات السابقة، وهو عائق نفسي، وعلمي، وعملي:
- فأما عائق النفس فمللها ويأسها..
- وأما العائق العلمي والعملي فهو الحيرة التي ترد عليهم إزاء أزمات دعوية تمر بهم فلا يهتدون إلى حلها، فتضيق بهم السبل، مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية..
لأجل كل هذه الأمور كتبت هذه التوجيهات الدعوية، لعلي أساهم في حل شيء من تلك المعوقات، فأقول:
هذه توجيهات وزاد يتزود بها الدعاة:
أولا: (الإخلاص في طلب العلم وتعليمه).
ـ لابد للداعية من أن يتعلم العلم الشرعي، ولا بد له من الإخلاص في طلبه وتعليمه:
ـ فالإخلاص هو سبب القبول عند الله - تعالى -، وهو كذلك سبب الإتقان، فما أخلص إنسان في شيء إلا وأتقنه.
ـ والإخلاص يتطلب اتهام النفس بالتقصير دائماً، والخشية من عدم الإحسان، وذلك يدفع إلى التطور الدائم إلى الأحسن، فإن الذي يتهم نفسه بالتقصير يعمل على الدوام على الارتقاء إلى الأفضل كي يسلم من ذلك.
ـ الإخلاص يكون قبل العمل وأثناءه وبعده، قبله باستحضار النية لله - تعالى -، وأثناءه باستصحابها، وبعده بسؤال الله القبول، وتذكر سلبيات وإيجابيات العمل، لإصلاح ما يكون من خلل.
ـ الإخلاص يبعث على الصبر والأمل الدائم؛ لأن المخلص عمله لله فهو يرجو ثوابه، وثوابه مكتوب سواء قبل الناس دعوته أم ردوها، لذا فإنه إذا جعل الإخلاص نصب عينيه لم يبال بقبولهم أو إعراضهم، لعلمه أن الله يكتب ثوابه في كلا الحالتين، بخلاف الذي لا يخلص فإنه يجعل همه الأول قبول الناس، فإذا لم يقبلوا مل وترك دعوتهم.
ـ وينصح في هذا المقام النظر في منزلة الإخلاص في مدارج السالكين لابن القيم.
ثانيا: (كثرة التضرع إلى المولى - جل وعلا - أن يلهم بالحق ويوفق للعمل به).
ـ كثرة الدعاء والإلحاح في السؤال سمة راسخة من سمات الدعاة لا ينفكون عنها لحظة، وهذا سر نجاحهم، ومن لم يلح في دعائه فليس على السبيل والسنة.
ـ كثرة الدعاء في كل وقت وآن، يرزق النفس الثبات وحسن التصرف والتدبير، لأن المتضرع إلى ربه متبرئ من حوله وقوته، متوكل على الله مفوض أمره إليه، وإذا تولاه الله رزقه حسن التصرف، وفي ذلك نجاح دعوته.
ـ كثرة الدعاء يفتح على الداعي لذيذ مناجاة الله - تعالى -وحلاوة الإيمان، ويسليه في المحن، ويخفف عنه المشاق.
ـ للوقوف على الأدعية النبوية ينظر في كتب الدعوات من الصحاح والسنن، كالبخاري ومسلم.
ثالثا: (ملازمة قراءة القرآن الكريم الذي هو زاد الدعاة الأول).
ـ القرآن يشرح الصدور، ويبدد الغموم، ويزيد في الإيمان: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}.
ـ الدعاة من أخشع الناس في قراءة القرآن؛ لأنه يقص عليهم حقيقة الصراع الذي هم فيه، بين الحق والباطل، فهو يبشرهم بالنصر القريب على أعدائهم، ويثبتهم في المحن، ويعدهم الخير والمثوبة: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}..
فإذا قرءوه تمثلوه في أنفسهم وعاشوا آياته لحظة بلحظة، يجدون أنفسهم فيه، ويستشعرون معانيه، ويوجهون خطابه إلى أنفسهم.
ـ ينظر في كتاب الفوائد لابن القيم في الفصول المتعلقة بالقرآن.(14/131)
رابعاً: (الحرص على تدارس شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلف).
ـ يجب الرجوع في تعلم أسلوب الدعوة إلى سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن الخطأ الاعتماد على كتب المحدَثين فحسب، فسيرته مكتوبة صحيحة بين أيدينا، فيها الهدى والنور، وأي دعوة لا تكون من خلالها فهي فاشلة.
ـ من المهم تدارس سير الصحابة والسلف والأئمة الأعلام كذلك، فذلك يوقف الدعاة على الطرق الصحيحة للدعوة الناجحة، فمن كان مقتديا فليقتد بمن مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة.
ـ من المراجع المهمة في هذا الباب: شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - للترمذي وابن كثير، والسيرة النبوية الصحيحة لأكرم ضياء العمري، وفقه السيرة لمحمد الغزالي، وصفة الصفوة لابن الجوزي، وسير أعلام النبلاء للذهبي.
خامسا: (لابد من زاد إيماني).
ـ قال - تعالى -: {واستعينوا بالصبر والصلاة}، فلا بد للداعية من زاد إيماني من الصلاة والذكر.
ـ أعظم أوقات اليوم ثلاثة: بعد الفجر، وقبل الغروب، والثلث الآخر من الليل، فهذه الأوقات زاد الدعاة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) رواه البخاري في الإيمان، باب: الدين يسر..
فالغدوة أول النهار، والروحة آخرها.. والدلجة آخر الليل..
فاغتنام آخر الليل يكون بقيامه وقراءة القرآن فيه، فالليل موطن المناجاة ورفع الحوائج حين ينزل الله - تعالى -ليقول: (من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟) رواه مسلم في الصلاة، باب: الترغيب في الدعاء والذكر آخر الليل..
وقيامه شرف المؤمن، والفجر والعصر وقت الصلاة والذكر، هذه الأوقات هي أحسن أوقات السفر، وهي أحسن السفر إلى الآخرة بالذكر والمناجاة، فمن تعاهدها تزود من الإيمان والصبر.
سادسا: (ذكر الله عند الخروج من البيت، وسؤال الله التوفيق في العمل).
ـ لا بد على الداعية أن يكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فإنها تحمل عنه كأمثال الجبال، وليعلم أنه لا يعمل بقوته وحيلته، فلولا إعانة الله له لما حرك حجرا من مكانه، ولا خطا خطوة، ولا دعا إنسانا.
ـ حين الخروج يجب استحضار التوكل على الله وإخلاص النية لله - تعالى -وذكر الدعاء المأثور:
- (بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله)..
- (اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي)، هما حديثان عن أم سلمة وعن أنس عند أبي داود في الأدب: باب ما جاء فيمن دخل بيته ما يقول، [صحيح أبي داود 3/959].
ـ يقول أنس: كنت أسمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن ضلع الدين وقهر الرجال)، البخاري في الدعوات، باب: التعوذ من غلبة الرجال.
فهو ذكر الدعاة؛ لأن الداعي يحزنه إعراض الناس، ويهمه مستقبل الدعوة، ويشكو من العجز والكسل، ويخاف أن يجبن في موطن يجب أن يقول فيه، أو أن يبخل بشيء فيه نصرة الحق، ويخاف قهر الرجال، فالدعاء بهذه الكلمات تكفيه كل تلك الهموم.
سابعاً: (الأمل وعدم اليأس).
ـ الداعية يدعو الناس إلى أمر قد لا يستجيبون له لأول مرة، لذا يجب عليه أن يوطن نفسه على هذا حتى لا ييأس.
ـ ينبغي على الداعية أن لا يعتقد بمقولة: "الطبع يغلب التطبع"، لأن دعوته قائمة على عكس ذلك تماماً، إنها تقوم على الإيمان بالقدرة على قلب الطباع من الشر إلى الخير، كما صنع الأنبياء من قبل، فلم تكن مهمة الدعاة إلا قلب طباع الناس الشريرة، ولو أنهم أخذوا بتلك المقولة لما دعوا أحدا.
ـ كذلك يجب عليه أن لا يعتقد قول الشاعر:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه ** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
فمهمة الداعية أن يبني ولو كان غيره يهدم، ومهمته أن يسبح ضد تيار الباطل ولو كان عظيماً، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم - يبعث وحده في بحر من الباطل، ثم لا يزال يدعو حتى ينشر الله على يديه الخير والنور، فيهدم الباطل ويبني الحق.
ثامنا: (الدعوة في كل وقت بالكلمة، بالإشارة، بالفعل).
ـ رب كلمة اهتدى بها إنسان والداعية لا يدري، فالكلمة كالبذرة، قد لا تنبت اليوم أو الغد، لكنها ستنبت يوما ما، لذا على الداعية أن يدعو إلى الحق بكل وسيلة، ولا يشترط أن يرى ثمرة عمله، فقد لا يراها أبدا، لكن ذلك لا يعني أنها لن تنمو.
ـ من أسس الدعوة البلاغ، فالمطلوب البلاغ، وأما الهداية فمن الله - تعالى -، فإذا استقر هذا في نفس الداعية استراح من الشكوى من إعراض الناس.
تاسعا: (هذه الأجيال أمانة في الأعناق).
ـ فيجب على الداعية أن يكون قدوة لهم في سلوكه وأفعاله، فإن الناس ينظرون إلى سلوك الداعية أكثر من نظرهم إلى كلامه، فمهمته كبيرة، لذا يجب عليه أن يحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة، فما كان مباحا في حق الناس قد يكون مكروها في حقه لمنزلته.
ـ الأعداء يجتهدون في هدم الأجيال، والدعاة على اختلاف مراكزهم لابد وأن يستشعروا هذا الخطر، وأن يفهموا عظم الأمانة التي بين أيديهم، وليعلموا أنهم هم الحصن الحصين لهذه الأجيال من كيد الأعداء، فالله الله فيهم.
ـ ليعلم الداعية أن الحق هو الباقي، وأن ما يقذف به من كلمات تحمل الهدى هي الباقية، أما ما يدعو به أهل الباطل فإنه سيذهب جفاء في يوما ما وإن طال.
عاشراً: (عماد الداعية في دعوته الناس: رفقه وبشاشته، وحسن كلامه، ونجدته لكل ملهوف).(14/132)
ـ ليس المطلوب أن يلقي الداعية كلماته ثم يمضي لا يشارك الناس أحزانهم وأفراحهم، إنما المطلوب أن يخالطهم وينفذ إلى قلوبهم بحسن الكلام والبشاشة والنجدة لكل ملهوف، فذلك يقبل بقلوبهم إليه، فيمكن تغيير أحوالهم.
ـ الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم..
ـ من خالط الناس ونزل منازلهم ثم ارتقى بهم إلى الإيمان والتقوى والعمل الصالح هو العظيم حقا.
ـ ينظر في أحاديث الخلطة وحسن الخلق في كتاب رياض الصالحين.
الحادي عشر: (التبصير بمكائد الأعداء).
ـ إن أكثر الناس لا يدرون ما يكاد لهم من قبل أعدائهم، ويخلطون بين الصديق والعدو، فلابد من إيقاف الناس على حقيقة الأعداء.
ـ ولابد للداعية أن يكون دائم الاطلاع على ما يدور في العالم من أحداث وما يكون في المجتمع من أخبار، هذا الاطلاع لابد منه لتقويم الأحداث وتحديد المفيد منها والتحذير من الضار.
ـ ينظر في هذا المقام كتاب الغارة على العالم الإسلامي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟، قادة الغرب يقولون، المجلات الإسلامية.
الثاني عشر: (يجب على الداعية تعليق القلوب بالله تعالى).
ـ هذه أهم نقطة على الإطلاق، وهي النقطة التي انطلق منها الأنبياء، فقد كانوا يعلقون القلوب بربها.
ـ هذه أسهل وأنجع وسيلة للإقبال بقلوب الناس إلى طريق الهداية، فإن القلوب إذا أحبت ربها سهل عليها ترك العصيان، ولم يكن شيء أحب إليها من طاعته.
ـ تعليق القلوب يكون بأمرين: بذكر أوصافه وأسمائه، وبذكر آلائه ونعمه، والقرآن يدور حولهما كثيرا.
ـ كل دعوة لا تبدأ من هذه النقطة فهي فاشلة.
ـ ينظر للاستفادة في هذا الباب: الفتاوى لابن تيمية الجزء الأول 1ـ100، مدارج السالكين منزلة الرضا 2/240ـ247، شرح حديث ابن عباس لابن رجب.
الثالث عشر: (من الداعية؟.. )
ـ الداعية هو كل مؤمن وقر في قلبه محبة الله - تعالى -ومحبة دينه ورسوله وعباده المؤمنين وعنده حظ من العلم، بغض النظر عن مركزه، فلا يشترط أن تكون الدعوة وظيفته الرسمية، بل قد يكون عاملا، وقد يكون موظفا أو تاجرا، وقد يكون معلما أو معلمة، وقد يكون أبا أو أخا أو زوجا، وقد تكون أما أو أختا أو زوجا أو بنتا، وكذلك قد يكون مديرا أو رئيسا أو مسؤولا.
--
هذه بعض التوجيهات التي نرجو أن تكون معينة لكل من أراد أن يكون من المحبوبين إلى الله - تعالى -: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}.
http://saaid.net المصدر:
============
الداعية المجدد
الشيخ : علي العمري
تعريفه:
هو ذلك الداعية الإنسان الذي أحيا قلوباً طالما ذبلت، وأشعل أرواحاً طالما هفتت وزرع الابتسامة في الوجوه، ووضع بصماته في الأرض.
صفاته:
•واضح المنهج، راضي النفس، كبير القلب، نابض بالذكر، قوي باليقين.
•لا تفارق الابتسامة محياه، ولو جابه أعاصير الرياح، وكثرة الأشواك.
•يملأ الجو بنسائم سريرته الصالحة، ويسد أبواب الشيطان بكل بسالة.
•مكلف نفسه بالارتقاء إلى الملأ الأعلى، لذا فهو يجثو بين يدي رب العالمين راكعاً وساجداً صبحاً ومساءً.
•يترجم أقواله بالعمل، يخطو بنية، ويتوغل في العمق بلا عائق، والله معه وناصره.
•يتجاوب فكره مع كل من هو حوله، يذلل نفسه خدمة لدعوته، يبدأ بأنفاسه وجوارحه.
•مثخن بالجراح، تتوجع عنده الأعضاء، لا حرج لديه أن يخرج صبحاً، ويعود ليلاً.
•كثير العبادة والتأله، جدوله مليء بالقربات والطاعات، واغتنام المواسم والساعات.
•قطع على نفسه العلائق الدنيوية المثبطة، لا يعيب الزمان إذا أخطأ، ولا يسب الدهر إن فتر، بل يشارك الشافعي في قوله: نعيب زماننا والعيب فينا.
•يشكو إلى الله هموماً لا يحسن بثها إلا إليه، ولا يذل نفسه لأحد من البشر أياً كانوا.
•له في كل أرض أثر مرسوم، وله في كل قلب ذكر معلوم.
•إذا حضر في مجلس، أو أمسك زمام أمر حرك، وهز، وفجر، وفجر ينابيع الخير، وأوقد الشعل لينهض بمن حوله.
•لا تفتقده في ميدان، ولو بنى له الشيطان عشش الخفية أثناء المشكلات الدعوية.
•يتفرغ لنفسه مستأنساً بربه، تالياً لورده، والعيش مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحبه، مختلساً لها الأوقات، ولو أيام الأزمات!.
•يختصر الزمان لنفسه، هادئ العمل، مبرمج السير، ساكن ولكنه أبين ممن ينطق.
•يحتوي بتعبيرات وجهه، وعذوبة كلماته، وأدب حواره، وحنوه، ومداعبته، المختلفين والمتنازعين، يجمع ويقرب، ويحسن سياسة الألفة والمودة.
•رجل بأمة، وأمة في رجل، مُخْلِصٌ، مُخْلَصٌ، يكره العذر في عمل الدعوة، ويهوى التضحية. بسياستها! فليس سهلاً عليها اختراقه من هفوة أو زلة أو نظرة أو فكرة أو خطوة أو قول أو فعل!.
•أطال المفاوضات مع نفسه، حتى صار خبيراً بسياستها! فليس سهلاً عليها اختراقه من هفوة أو زلة أو نظرة أو فكرة أو خطوة أو قول أو فعل!.
•لا يصادم سنن الكون أبداً، فقد وعاها وعرفها، وقرأ خبر التاريخ، فهو عاقل رشيد.
•يحاول الاجتهاد، ويقر بالخطأ.
•قوي في ميدانه، محترم بين إخوانه، لا يلعب به صبيان الشبهات، ولا يفشل ولا يستسلم لأصحاب الدعوات المثبطات!.
•بليغ الأثر، رفيع المكانة، قوي الجاذبية.
•لو سبرت أغوار نفسه، إذ هي مملؤة بالحب لله ورسوله، ومنها نتاج عمله.
دعواته:
وله دعوات في سجوده يقول فيها: {اللهم اجعلنا للمتقين إماماً}، {واجعلني مباركاً أينما كنت}، {واجعل لي لسان صدق في الآخرين}، (اللهم أنت أصلحت الصالحين فاجعلنا منهم).
ولكم مني يا دعاة الخير كل تحية، ورجاء أن يجعل الله منا سيداً كلما مات سيد.
http://www.islameiat.com المصدر:
============(14/133)
الأهداف الضائعة
عبدالرحمن العجمي
يتكون الإنسان من جسدٍ وروح، ولكلّ منهما متطلبات واحتياجات، فالطفل الرضيع عندما يكون في وضعه الطبيعي تجده يلعب بيديه ورجليه، وتملأ ضحكاته البريئة جنبات البيت، ولكن ما إن يأخذ منه الجوع مأخذاً حتى تنقلب تلك الضحكات إلى صيحاتٍ وبكاء، فلا تنفع معه تهدئة المهدِّئين، ولا قرب المُقرَّبين، وبمجرد أن تُلقمه أمه ثديها، ويشرب من حليبها؛ يتوقف فوراً عن البكاء، وما هي إلا لحظات ويعود إلى ما كان عليه، فهذا الطفل يعرف ما يحتاجه وما ينقصه، فيحدد ما أراد ويصيب الهدف.
وعندما يعطش إنسان عطشاً شديداً ترتخي منه الشفتان، فلا يستطيع الحراك ولا الكلام، حتى إذا ما وجد الماء وشرب منه دبّت فيه الحيوية والنشاط، وتحسّن حاله، وهنا نقول له: لقد أصبت الهدف.
ما من أحد إلا وقد داهمه السهر لسببٍ ما، فتجده في اليوم التالي قد شَحُب وجهه، واحمرت عيناه، وضعف جسمه، فهو على هذا الحال حتى ينام، فإذا استيقظ وجدت الراحة قد علت مُحيّاه، وتماسك جسمه بعد أن كان منهاراً، وهنا نقول له: لقد أصبت الهدف.
أحياناً يكون على القلب مثل الجبل من الهموم والغموم، والضيق والطفش كما يقولون، فلا تسمع إلا تأوهات وزفرات، يحاول بها هذا الإنسان أن يُخرج هذه الأثقال، فتبدأ رحلة البحث عن الدواء والحلول، فيُخيّل له أن الحلّ والسعادة في السفر، ومعاقرة الخمرة، والسهر حتى الفجر ومواقعة المومسات، فيحزم حقائب السفر، ويسافر ثم يعود، ويكتشف أنّ العلّة ما زالت، بل كأنها زادت، وهنا نقول له: رويدك فقد أخطأت الهدف.
يلجأ إلى الأغاني فيسمع أحدث ما نزل منها، ويتراقص مع الألحان، ويردّد مع الفنّان، يريد المسكين أن تزول عنه الأحزان، ولا يلبث قليلاً حتى يعود مثل ما كان، بل أشدّ مما كان، وهنا نقول له: قف لقد أخطأت الهدف.
يقول نعم هي في المال، الحل في كثرة المال، لا تُستجلب السعادة إلا بالمال، ويبدأ بتجميعه وتحصيله، لا يهتمّ بمصدره حلالاً كان أم حراماً، يغيب عن أهله أياماً ولا يدري عن أحوالهم وحياتهم، وبعد هذا العناء والشقاء تحقق ما أراد، القصر المشيد بأنواره المتلألئة، وخضرته الناظرة، والسيارات الفارهة، والخدم والحشم، والأموال الطائلة، وكل ما كان يتمناه ولكن!!! ومع هذه النّعم وجد نفسه وقد أجهدته الأمراض، وازدادت عليه الهموم والغموم، وتكالبت عليه، والضيق أصبح له ملازماً، واكتشف بعد ذلك أنه قد أخطأ الهدف.
وهذه المسكينة الحزينة أصبحت للهموم والضيق رهينة، جلست تبحث عن مخرج وحلول لعلّ ما فيها يزول، وسوّل لها الشيطان فقال: سعادة القلب وراحته في لفت أنظار الناس، فحواجبكِ غليظة فحِفّيها، وعبائتك على رأسك أنزليها، وعلى الأكتاف ضعيها لتسحر الأنظار، وإن كانت مُخصّرة فهي بالتأكيد روعة، وذاك الصوت الشجي زيّنيه بالخضوع، وافسحي له المجال ليأسر قلوب الرجال، وإن كنتِ في النّت فالمجال أوسع، في المنتديات والشات تحلو المغامرات، قالت: سمعاً وطاعة (( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ))، كانت ترجو السعادة ولم تر إلا التعاسة، والهمّ كاد أن يخنقها، والغمّ زاحم الهمّ، وهنا صاحت وقالت: يا رب قد أخطأت الهدف.
بعض هؤلاء المساكين يعاند ويكابر، ولا يريد الحلول السليمة، يتظاهر بالسعادة، وهو في الخلوات كالطفل يبكي بحرارة من شدّة الضيق والحزن، أما العقلاء منهم فيتساءلون: ما هو الحل وأين السعادة؟ قد عرفنا غذاء الجسد وراحته، فما بالنا لم نهتد إلى دواء الروح وراحته، ما هو السرّ في سعادة إبراهيم ابن أدهم حينما قال: " لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجالدونا إذاً بالسيوف )، نريد قلباً كقلب هذا القائل: " وإنه لتمر بالقلب ساعات يرقص فيها طربًا حتى أقول: إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه إنهم لفي نعيم عظيم، إنهم لفي عيش طيب ".
ولاشك أن هذه الأسئلة تنمّ عن قلبٍ متعطشٍ يريد النجاة والحياة السعيدة، فأبشر أيها السائل قد قاربت من الهدف وأوشكت أن تصيبه، فإليك بعض أسباب السعادة:-
1) التوحيد: وهو من أعظم أسباب السعادة يقول ابن القيم - رحمه الله -: على حسب كمال التوحيد وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه قال الله - تعالى -: (( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ))، وقال تعالى: (( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ )).
فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر، والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه.
2) الإيمان: وهو قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، والإيمان نورٌ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، فعندما يزيد هذا النور بزيادة الأعمال الصالحة تحدث السعادة، وينشرح الصدر (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ))، وتأتي الصلاة على رأس الأعمال الصالحة: ( يا بلال أرحنا بالصلاة )، والخاشع في صلاته إذا انصرف منها وجد الراحة والسعادة والنشاط، ومن الأعمال الصالحة كذلك الصيام، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان للناس بالقول والفعل ونحو ذلك.(14/134)
3) متابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتمسك بسنته، لذا تجد من حاد عن سنته من أهل البدع وغيرهم من أضيق الناس صدوراً، وأكمل الخلق متابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم - كما قال ابن القيم أكملهم انشراحاً ولذة وقرة عين، وعلى حسب متابعته ينال العبد من انشراح صدره وقرة عينه ولذة روحه ما ينال، فهو - صلى الله عليه وسلم - في ذروة الكمال من شرح الصدر، ورفع الذكر، ووضع الوزر، ولأتباعه من ذلك بحسب نصيبهم من اتباعه.
4) ملازمة ذكر الله (( أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )) يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى-: للذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر، ونعيم القلب، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه.
ويأتي القرآن على رأس الذكر، فمن تدبر معانيه، ووقف عند عجائبه، وحرك به قلبه؛ وجد ما كان يشدوه من راحة وطمأنينة، ومن الذكر أيضاً: أذكار الصباح والمساء، والنوم وعند الاستيقاظ، وأدبار الصلوات ودخول المنزل والمسجد والخلاء والخروج من ذلك، والذكر المطلق كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ونحو ذلك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الذكر أيضاً، وكذلك طلب العلم وتعليمه.
5) تقوى الله:
ولست أرى السعادة جمع مالٍ ولكن التقيّ هو السعيد
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل"، وقال الحسن - رحمه الله -: المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم، وأدوا ما افترض الله عليهم".
خلّ الذنوب كبيرها وصغيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنّ صغيرة إنّ الجبال من الحصى
ولا شك أنّ للذنوب والمعاصي أثراً على العبد في ضيق صدره، وشتات أمره؛ قال الله - تعالى-: (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً )) يقول ابن القيم: أنّ العاصي يجد ظلمةً في قلبه يُحسّ بها كما يحسّ بظلمة الليل، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره، فإن الطاعة نور، والمعصية ظلمة، ثم يقول - رحمه الله -: وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سواداً يراه كل أحد، قال ابن عباس: وإنّ للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن , ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق.
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
6) العلم النافع: وهو الموروث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ابن القيم - رحمه الله - عن هذا العلم: يشرح الصدر ويوسّعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع".
هذه بعض أسباب السعادة وكفى بها لمن أراد فعلاً عيش السعداء، راحة وأماناً في الدنيا وفي الآخرة (( جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )).
المصدر : www.islamselect.com
===========
فن تكوين العلاقات
عملية تكوين العلاقات ليست مسألة خارقة للطبيعة، إذ يستطيع كل منا أن يجند الآخرين لمساعدته في الوصول إلى أهدافه الشخصية، أو لمساندة قضية فقط إذا كان مستعداً للعيش وفق المفاهيم البسيطة التالية التي يمكن لأي إنسان أن يكتسبها.(14/135)
إن أول قاعدة لتكوين علاقة هي أن يؤمن كل إنسان منا بأنه يستحق الثقة والاحترام والصداقة من الآخرين، مهما كان رأيك تجاه ذاتك، وكيفما كان رأيك في نفسك، وبغض النظر عن شكوكك ومخاوفك، فأنت مؤهل لهذه الأشياء ويجب أن تنتظرها من الآخرين . هل قابلت شخصاً ذات يوم وكرهته فوراً ، وبغض النظر عن الجهد الجاد الذي بذلته، فقد كنت عاجزاً عن تغيير انطباعك السلبي عنه ؟ ربما يكون هناك أسباب لتلك التفاعلات الفطرية السريعة ، فقد ينتج هذا الانطباع السيئ عن مجموعة من التجارب الأليمة الحبيسة في أعماق الذاكرة، وربما يكون السبب هو أن هذا الشخص يذكرنا بلا وعي بشخص آخر عشنا معه تجربة سيئة، أو ربما يكون ببساطة بسبب الانطباع الأول الذي قام على تعليق غير لطيف منه. على العكس، فقد كان لمعظمنا أيضاً رد فعل معاكس تماماً، حيث انسجمنا مع أفراد من اللحظة الأولى التي تعرفنا فيها عليهم، فقد كانوا مرحين، وبارعين، وجذابين وأذكياء، أي أنهم يملكون كل السمات التي نحبها في الشخص الذي نتعامل معه، إن الأفراد قد يصبحون شركاء في العمل في بعض الأحيان، وقد يصبحون أعداء لدودين لبعضهم البعض. غالباً ما يكون السبب وراء تفاعلنا مع أفراد معينين بقوة شديدة هو أننا نرى فيهم سمات نحبها أو نكرهها بشدة، أو أننا نجد فيهم السلوكيات التي نرغب فيها ونود أن نقوم بها، إننا لا نتعامل مع الآخرين بسبب ما هم عليه، ولكننا ننجذب إليهم ؛ لأنهم يعكسون ما نحن عليه، أو ما نحب أن نكون عليه . عندما تحس بهذه المشاعر القوية في المرة القادمة إيجابية أو سلبية التي تقابل فيها شخصاً لأول مرة، فكن حذراً فقد تؤدي هذه المشاعر إلى مشكلات خطيرة، أو توقعات غير واقعية، اطرح على نفسك هذه الأسئلة : ماذا يوجد في هذا الشخص مما أحبه حقاً ؟ ما سلوكياته أو سمات شخصيته التي تجذبني إليه أو تبعدني عنه؟ إلى أي مدى يشبهني هذا الشخص؟ إلى أي مدى يختلف عني؟ هلا أنظر حقاً إلى صورة تعكس نفسي في هذا الشخص؟ تحكم في مشاعرك حتى تشعر بأنك جدير بصداقة ذك الفرد، بدلاً من أن ترغب في هذه الصداقة فقط لأنك معجب به، أو لأنك تشعر بالذنب لأنك تكره هذا الشخص، ولأنك غير متأكد من سبب هذا الكره. أما المبدأ الثاني لتكوين علاقات ناجحة، فهو: أننا لا بد أن نقبل أن معظم الناس خيرون بفطرتهم، ربما يكون كل منهم بين الحين والآخر وقحاً أو عنيداً أو طائشاً أو سريع الغضب، لكنه خيّر في جوهره، إنها مسألة لا يمكن إثباتها علمياً، ففي عالم التجارة مثلاً نجد أن رجل الأعمال الأناني والقاسي لأنه طموح يتقدم باستمرار على حساب الآخرين سعياً إلى تحقيق هدفه، وربما يصل إلى أعلى المناصب في الشركة، ولكن مدة ولايته لهذا المنصب قصيرة عادة، إن هؤلاء الذين لا يستطيعون أن يدفعوا الآخرين على العمل معهم لا يصبحون قادة أبداً قد ينجح التخويف في حفز الآخرين، ولكن أثره يزول سريعاً. المبدأ الثالث في تكوين العلاقات، هو: أن معظم الناس يحبون مساعدة الآخرين، إنها حقيقة أخرى لا يمكن إثباتها علمياً، ولكن إذا كنت تشك في صحتها، فحاول أن تطلب من الآخرين العون أو النصيحة، يعارض معظم الناس التطوع في تقديم العون للآخرين؛ لأنهم لا يريدون أن يفرض عليهم، ولذا فبمجرد طلب المساعدة فإنهم يحطمون هذه الحدود.
07 أبريل 2005
http://alshabab.net المصدر:
=============
استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان
عن عبد الله بن عامر قال: لما طعنوا على عثمان صلى أبي في الليل ودعا فقال: اللهم قني من الفتنة بما وقيت به الصالحين من عبادك فما أخرج ولا أصبح إلا بجنازة.
عن ابن عمر قال: إنما مثلنا في هذه الفتنة كمثل قوم يسيرون على جادة يعرفونها، فبينا هم كذلك إذا غشيتهم سحابة وظلمة فأخذ بعضهم يميناً وشمالاً فأخطأ الطريق، وأقمنا حيث أدركنا ذلك حتى جلا الله ذلك عنا فأبصرنا طريقنا الأول فعرفناه فأخذنا فيه، إنما هؤلاء فتيان قريش يقتتلون على السلطان وعلى هذه الدنيا ما أبالي أن لا يكون لي ما يقتل عليه بعضهم بعضاً بنعلي هاتين الجرداوين.
عن الشعبي قال: كان مسروق إذا قيل له أبطأت عن علي وعن مشاهدة فيقول: أرأيتم لو أنه حين صف بعضكم لبعض فنزل بينكم ملك فقال: {وَلاَ تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً} أكان ذلك حاجزاً لكم؟ قالوا: نعم. قال: فوالله لقد نزل بها ملك كريم على لسان ملك كريم على لسان نبيكم وإنها لحكمة ما نسخها شيء.
قال ميمون بن مهران: لبث شريح في الفتنة - يعني ابن الزبير - تسع سنين لا يخبر فقيل له: قد سلمت، قال: كيف بالهوى.
عن بشير بن عقبة قال: قلت ليزيد بن الشخير: ما كان مطرف بن عبد الله يصنع إذا هاج الناس؟ قال: يلزم قعر بيته ولا يقرب لهم جمعة ولا جماعة حتى تنجلي.
قال مطرف: لأن آخذ بالثقة في القعود أحب إلي من أن التمس فضل الجهاد بالتغرير.
قال أبو العتاهية: لما كان زمان علي ومعاوية وإني لشاب القتال أحب من الطعام الطيب، فتجهزت بجهاز حسن حتى أتيتهم فإذا صفان ما يُرى طرفاهما إذا كبر هؤلاء كبر هؤلاء وإذا هلل هؤلاء فراجعت نفسي فقلت: أي الفريقين أنزله كافراً؟ ومن أكرهني على هذا؟ قال: فما أمسيت حتى رجعت وتركتهم.
عن الشعبي قال: ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها.(14/136)
عن خالد بن سُمير قال: لما ظهر المختار الكذاب بالكوفة هرب منا فقدموا علينا البصرة فكان منهم موسى بن طلحة، وكان في زمانه يرون أنه المهدي فغشيناه فإذا هو رجل طويل السكوت شديد الكآبة والحزن إلى أن رفع رأسه يوماً فقال: والله لو أعلم أنها فتنة لها انقضاء أحب إلي من كذا وكذا وأعظم الخطر، فقال رجل: يا أبا محمد وما الذي ترهب أن يكون أعظم من الفتنة؟ قال: الهرج، قالوا: وما الهرج؟ قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدثونا: القتل القتل حتى تقوم الساعة وهم على ذلك.
عن هشام بن عروة قال: لما اتخذ عروة (بن الزبير) قصره بالعقيق فقال له الناس: جفوت مسجد رسول الله، قال: رأيت مساجدهم لاهية وأسواقهم لاغية والفاحشة في فجاجهم عالية، فكان فيما هنالك عما هم فيه عافية.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: عروة الزبير تابعي ثقة رجل صالح لم يدخل في شيء من الفتن.
كان ابن مُحَيْريز معتزلاً في بيته.
عن أبي قلابة قال: قال لي مسلم بن يسار: إني أحمد الله إليك إني لم أرم بسهم ولم أضرب فيها بسيف. قلت: فكيف بمن رآك بين الصفين؟ فقال: هذا مسلم بن يسار لن يقاتل إلا على حق فقاتل حتى قتل؟ فبكى حتى وددت أن الأرض انشقت فدخلت فيها.
قال أيوب السختياني: وفي القراء الذين خرجوا مع ابن الأشعث لا أعلم أحداً منهم قتل إلا رغب له عن مصرعه أو نجا إلا ندم على ما كان منه.
كان إبراهيم النخعي مفتي أهل الكوفة هو الشعبي في زمانهما وكان رجلاً صالحاً فقيهاً قليل التكلف وهو مختف من الحجاج.
قال ابن عون: لما وقعت الفتنة زمن ابن الأشعث خفّ مسلم بن يسار فيها وأبطأ الحسن فارتفع الحسن واتضع مسلم.
قال الذهبي: إنما يعتبر ذلك في الآخرة فقد يرتفعان معاً.
قال أبو حمزة الثمالي: كنت عند إبراهيم النخعي فجاء رجل فقال: يا أبا عمران إن الحسن البصري يقول: إذا تواجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار. فقال رجل: هذا من قاتل على الدنيا فأما قتال من بغي فلا بأس. فقال إبراهيم: هكذا قال أصحابنا عن ابن مسعود، فقالوا: أين كنت يوم الزاوية؟ قال: في بيتي، قالوا: فأين كنت يوم الجماجم؟ قال: بيتي، قالوا: فإن علقمة شهد صفين مع علي، فقال: بخ بخ من لنا مثل علي بن أبي طالب ورجاله. ويوم الزاوية والجماجم موقعتان بين الحجاج وابن الأشعث.
عن ابن عون قالوا لابن الأشعث: أخرج الحسن. قال ابن عون: فنظرت إليه بين الجسرين وعليه عمامة سوداء فغفلوا عنه فألقى نفسه في نهر حتى نجا منهم وكاد يهلك يومئذ.
عن طلحة بن مصرف قال: شهدت الجماجم فما رميت ولا طعنت ولا ضربت، ولوددت أن هذه سقطت ها هنا ولم أكن شهدتها.
كان منصور بن المعتمر يأتي زبيد بن الحارث فكان يذكر له أهل البيت ويعصر عينيه يريده على الخروج مع علي بن أبي طالب، فقال زبيد: ما أنا بخارج إلا مع نبي، وما أنا بواجده. عن أبي بكر بن عياش قال: دخلت على أبي حصين الأسدي وهو مختف من بني أمية فقال: إن هؤلاء- يعني بني أمية - يريدون على ديني، والله لا أعطيهم إياه أبداً.
قالوا بكر بن عياش: سألت أبا إسحاق السبيعي: أين كنت أيام المختار؟ قال: كنت غائباً بخرسان.
سمعت المعتزلة بعبد الله بن عون إلى إبراهيم بن عبد الله بن حسن الذي خرج بالبصرة فقالوا: ها هنا رجل يربث (يصرف) عنك الناس، فأرسل إليه إبراهيم: أن ما لي ولك؟ فخرج عن البصرة حتى نزل القريظية وأغلق بابه.
قال سلمة الفراء: كان عتبه الغلام من نُساك أهل البصرة يصوم الدهر ويأوي السواحل والجبانة.
لما خرج محمد بن عبد الله بن حسن لزم ابن أبي ذئب بيته إلى أن قُتل محمد.
عن سفيان الثوري قال: ما رأيت للإنسان خيراً من أن يدخل جحراً.
عن سفيان الثوري قال: لولا أن أُستذل لسكنت بين قوم لا يعرفوني كان (داود الطائي) من كبار أئمة الفقه والرأي، برع في العلم بأبي حنيفة ثم أقبل على شأنه ولزم الصمت وآثر الخمول وفر بدينه.
سأله رجل عن حديث فقال: دعني أبادر خروج نفسي.
وكان الثوري يعظمه ويقول: أبصر داود أمره.
وقيل: أنه غَرق كتبه.
وسأله زائدة عن تفسير آية فقال: يا فلان انقطع الجواب.
قال الذهبي: حَربَ نفسه ودربه حتى قوي على العزلة.
قال أبو أسامة: جئت أنا وابن عيينة إليه فقال: قد جئتماني مرة فلا تعودا، وقيل: كان إذا سلم من الفريضة أسرع إلى منزلة.
قال أبو داود الحفري قال داود الطائي: كنت تأتينا إذْ كنا ثم ما أحب أن تأتيني.
قيل لسليمان الخواص: قد شكوك أنك تمر ولا تسلم، قال: والله ما ذاك لفضل أراه عندي ولكني شبه الحش إذا ثورته ثار، وإذا جلست مع الناس جاء مني ما أريد وما لا أريد.
قال بشير بن منصور: أقِل معرفة الناس فإنك لا تدري ما يكون فإن كان يعني فضيحة- غدا كان من يعرفك قليلاً.
v قيل للفضيل: ما الزهد؟ قال: القنوع، قيل: ما الورع؟ قال: اجتناب المحارم، قيل: ما العبادة؟ قال: أداء الفرائض، قيل: ما التواضع؟ قال أن تخضع للحق، وقال: أشد الورع في اللسان.
قال الذهبي: هكذا هو، فقد ترى الرجل ورعاً في مأكله وملبسه ومعاملته وإذا تحدث يدخل عليه الداخل من حديثه فإما أن يتحري الصدق فلا يكمل الصدق، وإما أن يصدق فينمق حديثه ليمدحه على الفصاحة، وغما أن يظهر أحسن ما عنده ليعظم، وإما أن يسكت في موضع الكلام ليثنى عليه، ودواء ذلك كله الانقطاع عن الناس إلا من الجماعة.
v عن بشر بن منصور قال: ما جلست إلى أحد فتفرقنا إلا علمت أني لو لم أقعد معه لكان خيراً لي.
v قال الفضيل: تباعد من القراء فإنهم إن أحبوك مدحوك بما ليس فيك، وإن غضبوا شهدوا عليك، وقُل منهم.(14/137)
v قال زيد بن أخرم: سمعت عبد الله بن داود يقول: من أمكن الناس من كل ما يريدون أضروا بدينه ودنياه.
v أبو سهل بن زياد: سمعت الكديمي، سمعت أبا نعيم يقول: كثر تعجبي من قول عائشة: ذهب الذين يعاش في أكنافهم، لكني أقول:
ذَهبَ الناسُ فاستقلٌوا وصِرْنا *** خَلَفاً في أراذلِ النسناسِ
في أُناسٍ نعدٌهم مِنْ عديدٍ *** فإذا فتشوا فليسوا بناَسِ
كلما جئتُ أبتغي النيلَ منهم *** بَدؤوني قبل أَفْتٌ رأساً برأسِ
v سمعت أحمد بن حنبل يقول: أشتهي ما لا يكون، اشتهي مكاناً لا يكون فيه أحد من الناس.
v وقال الميموني: قال أحمد: رأيت الخلوة أروح لقلبي.
v علوان بن الحسين: سمعت عبد الله بن أحمد، قال: سُئل أبي: لَم لا تصحب الناس؟ قال: لوحشة الفراق.
v وقيل: إن أحمد بن حنبل خرج إلى حاتم الأصم، ورحب به، وقال له: كيف التخلص من الناس؟ قال: أن تعطيهم مالك ولا تأخذ من مالهم، وتقضي حقوقهم، ولا تستقضي أحداً حقك، وتحمل مكروههم، ولا تكرههم على شيء، وليتك تسلم.
v قال الجنيد: قال لي الحارث: كم تقول: عزلتي أنسي، لو أن نصف الخلق تقربوا مني ما وجدت لهم أنساً، ولو أن النصف الآخر نأوا عني، ما استوحشت.
v سمعت الجنيد يقول: كَلمتُ حسناً المسوحي في شيء من الأندلس، فقال لي: ويحك، ألأنس! لو مات من تحت السماء ما استوحشت.
v قال أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي:
ما غربةُ الإنسانِ في شُقةِ النوى *** ولكنها والله في عَدَمِ الشكلِ
وإني غريب بين بُستٍ وأهلِها *** وإن كان فيها أُسْرتي وبها أهلي
v قال الوزير ابن المغربي:
أرَى الناسَ في الدنيا كراعٍ تنكرتْ *** مَرَاعيهِ ليسَ فيهن مَرْتَعُ
فماءٌ بلا مرعى، ومرعى بغيرِ ما *** وحيث يُرى ماءٌ ومرعى فَمَسبَعُ
v قال عبد الغفار بن إسماعيل: كان ابن بندار العجلي ثقة، جوالاً، إماماً في القراءات، وأحد في طريقه، كان الشيوخ يعظمونه، وكان لا يسكن الخوانق، بل يأوي إلى مسجد خراب، فإذا عرف مكانه نزح، وكان لا يأخذ من احد شيئاً، فإذا فتح عليه بشيء آثر به.
v أنشدنا الداوودي ببوشنج لنفسه:
كان اجتماعُ الناسِ فيما مضى *** يُورِثُ البهجةَ والسلوه
فانقلبَ الأمر إلى ضدُه *** فصارتِ السلوةُ في الخَلْوَه
v أنشدنا الداوودي لنفسه:
كان في الاجتماع من قبل نورُ *** فمضى النورُ وادلهم الظلامُ
فَسَدَ الناسُ والزمانُ جميعاً *** فعلى الناسِ والزمانِ السلام
v قال المحاسبي:
وإخوان حَسِبْتُهُم دروعاً *** فكانوها ولكنْ للأعادي
وخلتهمُ سهاماً صائباتٍ *** فكانوها ولكنْ في فؤادي
وقالوا: قد صَفَتْ منا قلوبٌ *** لقد صدقوا ولكن من ودادي
v نازلت عساكر ابن تاشفين المعتصم بن صمارح مدة، فتمرد، فسمع مرة هيعة، فقال: لا إله إلا الله، نُغص علينا كل شيء حتى الموت. قالت جاريته: فدمعت عيناي، فقال بصوت ضعيف:
ترفق بدمك لا تفنه *** فبين يديك بكاءٌ طويل
v ومن نظم ابن ماكولا:
قوض خيامك عن دارٍ أُهِنْتَ بها *** وجانبِ الذل إن الذل مجتنبُ
وارحل إذا كنت تأوطتنُ مضيعةً *** فالمندلُ الرطبُ في أوطانه حطبُ
v قال أبو عمر بن الحذاء: ما لقيت أتم ورعاً ولا أحسن خلقاً ولا أكمل علماً من مقيل المرسي، كان يختم القرآن على قدميه في كل يوم وليلة، وترك اللحم من أول الفتنة إلا من طير أو قوت أو صيد، وكان سخياً على توسط ماله.
v قال ابن جنيد: سمعت أبا عثمان الحيري يقول: لا تثقن بمودة من لا يحبك إلا معصوماً.
v وقال سعيد بن الحداد: لا تعدلن بالوحدة شيئاً، فقد صار الناس ذئاباً.
v ساح أبو صالح مفلح الزالق بلبنان في طلب العُباد. وحكى: أنه رأى في جبل اللكام فقيراً عليه مرقعة، فقال: ما تصنع هنا؟ قال: أنظر وأرعى، قلت: ما أرى بين يديك شيئاً؟ قال: فتغير، وقال: أنظر خواطري، وأرعى أوامر ربي.
v ويروي عن الزالق المرتعش أنه قال: جعلت سياحتي أن أمشي كل سنة ألف فرسخ حافياً حاسراً.
v قال نصر بن منصور النميري:
يُزهدني في جميعِ الأنامِ *** قلةُ إنصافِ من يًْحَبُ
وهل عَرَفَ الناسُ ذو نُهْيَة *** فأمسى له فيهمُ مأربُ
همُ الناسُ ما لم يُجَربهم *** وطُلْسُ الذئابِ إذا جُربوا
وليتك تسلم حال لبعاد *** منهم، فكيف إذا قُربوا
v وقال السمعاني: أبو زيد الحموي شيخ صالح خير، كثير العبادة، دائم التلاوة، مشتغل بنفسه، لا يخرج إلا من جمعة إلى جمعة، كتبت عنه.
v قال عبد القادر الجيلاني: أتمنى أن أكون في الصحاري والبراري كما كنت في الأول لا أرى الخلق ولا يروني. ثم قال: أراد الله مني منفعة الخلق، فقد أسلم على يدي أكثر من خمسمائة، وتاب على يدي أكثر من مئة ألف، وهذا خير كثير، وترد علي الأثقال التي لو وضعت على الجبال تفسخت، فأضع جنبي على الأرض، وأقول: إن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً، ثم أرفع رأسي وقد انفرجت عني. وقال: إذا ولد لي ولد أخذته على يدي، وأقول: هذا ميت، فأخرجه من قلبي، فإذا مات لم يؤثر عندي موته شيئاً.
v قال الجبائي: كنت أسمع في (الحلية) على ابن ناصر، فرق قلبي، وقلت: اشتهيت لو انقطعت، واشتغل بالعبادة، ومضيت، فصليت خلف الشيخ عبد القادر، فلما جلسنا، نظر إلي، وقال: إذا أردت الانقطاع، فلا تنقطع حتى تتفقه وتجالس الشيوخ وتتأدب، وإلا فتنقطع وأنت فُريخ ما ريشت.
http://www.islameiat.com المصدر:
=============
أولويات الدعوة إلى الله
كثيرٌ هم العاملون للإسلام لكنهم أشكال وأنواع فمنهم المخلصون وهم قسمين:
1 مخلصون في دعوتهم لكنهم لا يدرون من أين يبدءون وكثير منهم لا يملكون العلم النافع القائم على الكتاب والسنة فتراهم مع إخلاصهم يتخبطون في جهلهم فهؤلاء ربما كان ضررهم أكثر من نفعهم.(14/138)
وآخرون مخلصون وعندهم من العلم ما يخولهم لتبوء الصدارة في المجتمع الإسلامي كفر ولا إيمان وحالهم كحال من رأى قوماً قد تحطمت سفينتهم وتعلق أهلها بألواحها فأخذ يجمع هذا الحطام قبل إنقاذ الناس من الغرق الذي يشهدهم فمعرفة كيف ومتى يبدأ الداعية دعوته فقه عظيم من فقه الدعوة إلى الله لا منه كمعرفة الداء قبل صرف الدواء.
(البدء بما بدأ به الأنبياء - عليهم السلام - سبب نجاح الدعوة والدعاة).
معلوم لدى المسلمين جميعاً أن الله - سبحانه وتعالى - هو الذي أنزل الكتب وأرسل الرسل إذ أن الرسل جميعاً جاءوا لأقوامهم يدعونهم إلى غاية واحدة وهدف سام جليل من أجله قامت السموات والأرض وهو عبادة الله - سبحانه وتعالى - لا شريك له.
قال - تعالى -: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فالأنبياء جميعاً قالوا لأقوامهم وشعوبهم: " يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره " فأول كلمة قرعت أسماع المشركين من النبي - صلى الله عليه وسلم - " يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا "(1) ولما كان العرب هم أهل اللسان والبيان فقالوا جميعاً ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم ونزل عليهم الغيث ولكن شق عليهم التبرؤ من آلهتهم الأرضية المتمثلة في أصنامهم بأشكالها وأسماءها لأنهم يعلمون أن من لوازم إفراد ربهم بالعبادة الانسلاخ عن هذه الآلهة الباطلة وعدم صرف شيء من العبادة لها وهذه نقطة الخلاف بينهم. وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخطأ من زعم من أدعياء العلم أن المشركين كانوا يعتقدون في أصنامهم ما يعتقدونه في ربهم من خلق ورزق وإماتة فمن زعم ذلك فما شم رائحة العلم وما وعى شيئاً من التوحيد.
قال - تعالى -: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله}.
• قبول الأعمال منوط بصلاح العقيدة:
والأعمال أنواع مختلفة منها الركن ومنها الواجب ومنها المندوب فإذا علمنا أن الأعمال الصالحة لا تُقبل عند الله - سبحانه وتعالى - إلا إذا كان صاحبها موحداً وحقق شرطين اثنين من عمله:
الأول: الإخلاص لله - سبحانه وتعالى -.
الثاني: موافقة هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتمثل هذين الشرطين في قوله - تعالى -: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}.
فمن حقق هذين الشرطين ولم يكن موحداً لله - سبحانه وتعالى - الذي هو بمثابة الروح والجسد والأساس للبناء فقد حبط عمله لقوله - تعالى -: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} والموحد لا يكون موحداً حتى يجتنب ثلاثة أنواع من الشرك: الأول شرك الربوبية وهو الإشراك مع الله من أفعاله كقول غلاة المتصوفة " وإن من جودك الدنيا وضرتها" والثاني شرك في العبادة كدعاء غير الله والاستغاثة بهم والذبح لهم والنذر لهم وغير ذلك. والثالث شرك في الأسماء والصفات وهو وصف الله - سبحانه وتعالى - بصفات المخلوقين أو تشبيه الله بخلقه وتعطيل أسماء الله وصفاته العليا التي وصف بها نفسه ووصفهُ بها رسوله، قال - تعالى -: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين}.
بعض الدعاة يقدمون ما حقه التأخير ويؤخرون ما حقه التقديم.
والداعية ينبغي أن يتلمس حاجات الأمة ويعرف أمراضها المستعصية المهلكة فيبادر لعلاجها قبل غيرها كما لو رأيت مصاباً ينزف دماً غزيراً وعلمت أنه مصاب بزكام في أنفه فالواجب عليك أولاً إيقاف نزيفه الذي لو استمر أدى هلاكه، والداعية كالتاجر الحاذق الذي خبر حاجات الناس واطلع على ما يُروج عرضه في الأسواق. فلا تكن أخي الداعية كمن يبيع الثلج في موسم الشتاء ولا كمن يحاول بناء السقف قبل حفر الأساس فأول ما يجب البدء به في دعوتك أخي الداعية هي العقيدة التي هي أساس الدين وقاعدته الصلبة.
فإن صلحت صلح ما بعدها وإن فسدت فسد ما بعدها لذا رأينا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يبدءون دعوتهم بإصلاح عقائد الناس أولاً.
قال أحد الفضلاء:
العلم إن طلبته كثير والعمر عن تحصله قصير فقدم المهم منه فالمهم. والله أعلم.
ــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان وصححه شيخنا في " إرواء الغليل " (834).
http://www.m-alnaser.com المصدر:
============
المؤسسات القديمة
محمد العبدة
عندما نتحدث عن التجديد فإنما نأمل من المسلم أن يصوغ شخصيته لتكون عندها القابلية للتجديد، فلا تخضع لمألوفات وعادات غير صحيحة، ولا تجمد عند فكر معين لا تتجاوزه وقد تبين خطؤه أو أنه قيل في ظروف غير موجودة الآن.
قد يكون المسلم معجباً بأعلام التجديد في العصور الإسلامية المتعاقبة ويدعو إلى التجديد في كل عصر، ولكنه لا ينتبه لنفسه أنه - وهو يمارس الدعوة - قد جمد على أسلوب معين وأفكار طُرحت قبل سنوات كان قد قرأها في بدايات عهده بالدعوة ولا يستطيع التحول عنها؛ فالنفس البشرية تميل للمحافظة على ما ألفت، وكثير من الناس لا يتعبون أنفسهم بالتفكير المستمر والنمط الذي عرفوه أسهل عليهم، ولا ينتشل نفسه من هذه (السهولة) إلا مَن أُوتي عزماً أكيداً للتطلع إلى الأفضل دائماً، وملاحظة التغيرات المستجدة، والظروف الطارئة، فهو في تجديد مستمر بين كل فينة وأخرى.(14/139)
إن بعض الناس قد يحيطون مؤسسة ما - وخاصة إذا عُمرت طويلاً - بهالة من التقديس، وعندئذ فإن انتقادها أو التدخل في شؤونها يعتبر ضرباً من التطاول على الحرمات والانتهاك للمقدسات!، وفي مثل هذه الأحوال فإن صبّ تيار جديد قوي لدفع التيار الأول يكون من الصعوبة بمكان، مع أن هذا يعطي الدعوة حيوية وقوة، ولو عمر المؤسسون الأوائل لغيَّروا كثيراً من اجتهاداتهم لأنهم سيعاصرون أحداثاً لم تكن في أوائل الدعوة، ولا يعارض التجديد في مثل هذه الظروف إلا غبي مشغوف بعبادة الأشخاص، أو انتهازي يريد بقاء الوضع على ما كان ليستفيد هو شخصياً من هذا البقاء، وقد تكون لهم مصلحة أكيدة في قيام بعض العادات وترسيخها؛ لأنهم يستمدون من هذه العادات قوتهم وسلطتهم ولذلك كان من حظ البشرية أن ينبغ فيهم بين الفينة والأخرى من يحملهم على التفكير حملاً.
إن تيار الحياة متدفق متجدد والذي لا يلاحظ التغيرات سيعيش بعيداً عن عصره، بعيداً عن واقعه، يتقوقع على نفسه مردداً ما سمعه من عشرات السنين، فالذين قرأوا ما كُتب عن جمال الدين الأفغاني قبل ثلاثين سنة ولم يقرأوا ما كُتب عنه بعدئذ وما تكشّفت عنه الحقائق، هؤلاء يتعجبون عندما يذكره أحد بنقد أو تقويم، فهو - بنظرهم - مصلح الشرق وملهمه، والذين تردد على أسماعهم اسم محمد علي جناح - كمؤسس لباكستان - كانوا يضعونه في مصاف العظماء الكبار، ثم تبين أن الرجل غربي النزعة مدخول العقيدة، وهذا ما يفسر قيام باكستان كأرض مستقلة للمسلمين ولكن لم تقم باكستان كدولة تحكم بالإسلام.
إن التحدي الذي يواجه المسلمين في هذا العصر ويحتاج إلى التجديد في طرائق الفكر والعمل هو: كيف ننفذ منهج أهل السنة ونستفيد من منتجات هذا العصر دون التنازل عن الفكرة والمبدأ؟.
والمطلوب هو التنفيذ العملي، وليس الكلام في الكتب والمجلات عن (الأصالة والمعاصرة) أو (كيف نجمع بين ثقافتنا وتقنية الغرب..).
فهل يشعر المسلمون بخطر التسويف والجمود في حين أن القافلة تسير؟ !
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============
معالم رئيسة في واقع العمل الإسلامي
عدنان علي رضا النحوي
إنَّ دراسة واقع العمل الإسلاميّ أمر هام في حياة الحركات الإسلامية، وفي حياة الأمّة المسلمة كلّها. إنَّ مثل هذه الدراسات هي التي تنمّي العمل وتساعد على تطوره وقوته.
يسمّى بعضهم هذه الدراسات والأبحاث بالنقد والنقد الذاتي، كما اشتهر في العالم الشيوعي، أو النقد عامة كما عرف في العالم الغربي. وقد انتشرت هذه اللفظة في حياتنا، ولم ينتشر نهجها المتبع لدى هؤلاء أو لدى هؤلاء. ولكن انتشرت مع اللفظة ظلال غير محببة.
أما الإسلام فقد وضع قاعدة أعظم من ذلك بكثير. وضع قاعدة النصيحة، حتى جعلها كأنها هي الدين تعبيراً عن شمولها واتساعها وأهميتها، كما جاء في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الدين النصيحة … …).
وعندما نتتبع قواعد النصيحة وآدابها، ونهجها وأُسلوبها، نجدها تشمل كلّ خير يمكن أن يدعو إليه النقد، وتنبذ كلّ شرّ قائم فيه(1)، ذلك كلّه من خلال آيات وأحاديث، وممارسة كريمة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي حياة صحابته.
ولكن النصيحة التي دعا إليها الإسلام غابت عن واقع المسلمين اليوم، والنقد الذي دعا إليه أولئك أخذنا منه التجريح والتشهير، والخصومة والعداء.
فلا بد إذن من عودة النصيحة إلى حياة المسلمين بكلّ قواعدها وآدابها، حتى تصبح النصيحة منهجاً ربانياً يُمارس عملياً في واقعنا في التربية والبناء والتدريب والإعداد والممارسة والتطبيق.
ومن هذه القاعدة نخرج بأمر هام ألا وهو ضرورة ما يمكن أن يُسمّى " وقفة المؤمن ومراجعة الحساب "، حتى تقف كلّ حركة إسلامية مع نفسها، فتدرس واقعها وتكشف أخطاءها وصوابها، لتعالج هذه وتستفيد من تلك.
ولقد ضرب القرآن الكريم نماذج رائعة لهذه الوقفات. فقد وقف القرآن الكريم مع غزوة بدر وأُحُد وحنين وتبوك والخندق وغيرها وقفات إيمانية رائعة، تقدّم للمسلمين نماذج يتعلمون منها أبد الدهر. ووقف كذلك مع أحداث هنا وهناك، ووقف مع سلوك أفراد، ومع حركات معادية ومناهج محاربة. وقف وقفات الدراسة والتحليل، والنصح والتوجيه، وكشف الأخطاء ومواطن الزلل، ثمّ وضع العلاج والحلول.
وحين نحاول النصح لدعوة الله وحركاتها المختلفة، فإننا نشترط أولاً على أنفسنا أن نصدق النية خالصة لوجه الله، مطهّرة من شهوات الدنيا، بعيدة عن الأحقاد والتجريح، نقول بما نعلم ونتقي الله حتى لا نجرح أو نسيء.
نؤكد هذا المعنى لمعرفتنا بما نعانيه نحن اليوم من حساسية تجاه النصيحة، حتى غلب النُفُور منها، وأحاطت الشبهة بمن يقوم بها. وكأن النصيحة لا تصدر إلا من حاقد يعصف به الحقد والغضب. كلا! إن النصيحة الصادقة الجريئة تخرج في حقيقتها وجرأتها وصدقها من قلب ملأته السكينة بالإيمان، والطمأنينة بالتقوى، والثقة بالعلم والمحبّة والموالاة.
وإذا كنتُ أتحدث في الصفحات المقبلة عن أخطاء العمل الإسلامي، عن أخطائه فقط، فلأن هذا هو موضوع المقالة. ولكنني لابدّ أن أُشير وأؤكد فضل العمل الإسلامي، مهما تكن أخطاؤه، وفضل الدعاة الصادقين كلّهم قادةً وأفراداً، داعياً الله - سبحانه وتعالى - أن يتقبّل منهم ومنا أحسن ما عملنا، وأن يغفر لنا سيّئاتنا ويتجاوز عنها إنه هو الولي الحفيظ.(14/140)
إننا نعرض هنا ما نعتقد أنها مواطن خطأ وضعف، يجب على كلّ حركة أن تعود لنفسها، وتدرس مسيرتها، لتكشف هي بنفسها أخطاءها دون خوف أو وجل أو تردُّد. فهذا مصدر قوة ونماء وحياة. وبتركه نفقد قوّة ونعطّل نماء. إنها كلمات نصح خالص لله - سبحانه وتعالى -، نقدّمه للحركات الإسلامية كلّها، مهما اختلفت أسماؤها ومواقعها لا نقصد حركة معيّنة بذاتها، ولا نستطيع هنا أن نقدِّم دراسة موسعة للعمل وواقعه، ولكننا نقدِّم موجزاً سريعاً لأهمّ القضايا التي تحتاج إلى دراسة وبحث، ووقفة ونصح، حسب ما نعتقد:
1- التصوُّر الإيماني والتوحيد: (2)
إن عدم التركيز على قضيّة التصوّر الإيماني والتوحيد في الدعوة والتربية والبناء والتدريب، ليكونا القضيّة الأولى في حياة الإنسان، والحقيقة الكبرى في الكون، وليؤديا دورهما الحقّ في صياغة الفكر والنهج والسلوك والمواقف، إن عدم التركيز على هذه القضيّة أدّى إلى اضطراب في واقع العمل الإسلامي، وربّما كان أهم الأسباب لما يعانيه العمل الإسلامي من خلافات وانشقاقات، واضطراب في المواقف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كما أن عدم التركيز على هذه القضيّة الأولى جعل القضيّة الأولى في الميدان العملي هي دعوة الناس إلى تكتلات وأحزاب، وإلى أفكار هذه التكتلات والأحزاب، فتضعف الجهود المبذولة لبناء التصوّر الذي يعرضه منهاج الله للإيمان والتوحيد، وتضعف بعد ذلك نواح عديدة في واقع العمل الإسلامي. وينتج عن ذلك ضعف الجهود في طرح المناهج وبناء التخطيط ورسم الدرب، حين تنشغل الطاقات في ميادين الخلافات الفكرية.
لذلك نعتبر هذه القضيّة هي القضيّة الأولى في العمل الإسلامي، والهدف الثابت الأول من أهدافه، لبناء التصور الحقّ للإيمان والتوحيد، ولتصحيح التصورات المضطربة لدى بعض الناس، ولترسيخ التصوّر القرآني للإيمان والتوحيد، وترسيخ مبادئهما وقواعدهما، كما وردت في كتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. ولكننا في الوقت نفسه لا نرى أنه يمكن فصلهما عن سائر قضايا الدعوة. فعلى العكس من ذلك فإننا نراها مرتبطة مع سائر قضايا الدعوة، متداخلة معها، سواء في الناحية النظرية الفكرية أو العملية التطبيقية، حتى يأخذ الولاء صورته الأمينة ، والعهد معناه الحقّ، وحتى تمضي الممارسة الإيمانية أقرب للتقوى.
لقد أصاب التصوّر الإيماني في واقعنا اليوم خلل كبير، امتدّ أثره إلى مختلف نواحي الممارسة الإيمانية في حياة الناس. لقد طغت بعض العادات والأعراف على نصوص الدين، ودخلت البدع في بعض نواحي السلوك، وتخلّى الكثيرون من المسلمين عن الشعائر كلّها أو بعضها، ومارس بعضهم أشكالاً من الفسق، ومع ذلك ظلّوا في واقع العالم الإسلامي طبقة " عائمة " تائهة، تحتلُّ مراكز ومواقع، قد يستغلها كثير من المجرمين والمفسدين في الأرض.
التصوّر الإيماني الحقّ يرسمه الله منهاج الله قرآناً وسنّة. فمن أجل هذه الحقيقة الكونيّة الكبرى بعث الله النبيين والمرسلين، وأنزل الكتب السماوية، ومن أجلها بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء والمرسلين، وأنزل عليه الكتاب ليبلغه للناس كافّةً بشيراً ونذيراً. فجاء منهاج الله ـ قرآناً وسنّة ـ باللغة العربية ليفصّل هذه القضيّة الكبرى والحقيقة الكبرى تفصيلاً خاتماً جامعاً لا يترك لأحد العذر في التفلّت إلا أن تقوم عليه الحجة.
2-هجر الكثيرين لمنهاج الله وغيابه عن أداء دوره الحقيقي: (3)
قرون طويلة غاب منهاج الله فيها عن واقع المسلمين. وكادت اللغة العربية، نفسها تغيب في موجات اللغات العامية واللغات الأجنبية. فزاد الجهل باللغة من الجهل بكتاب الله وسنّة رسوله، حتى عجمت الألسن وجفّ العلم وهبطت العزائم.
من خلال هذا الوهن الممتدّ في الأمة نشأت الحركات الإسلامية لتعالج قضايا عديدة. ورفعت أجمل الشعارات وأحبّها للنفوس. ولكن الواقع لم يكشف عن دور حقيقي لكثير من الشعارات، ولا عن مناهج تطبيقية عملية تعالج هذا الضعف أو ذاك. وغلب على بعض الناس جهود ارتجالية لا تحمل عمق العلاج. فامتدّ المرض في واقع الأمة حتى يومنا هذا لنلمس آثار الأمراض في الهزائم المتتالية والنكبات المتلاحقة.
كان لمنهاج الله الدور الأول في بناء الجيل المؤمن في مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم -. فهل قام منهاج الله اليوم في واقعنا بالدور نفسه؟ وهل أخذ مكانه الحقّ في النهج والتخطيط؟ هل عادت القلوب تنهل منه؟
إن غياب منهاج الله ـ قرآناً وسنّة ولغة عربية ـ زاد من خلل التصور في الإيمان والتوحيد، وضاعف العلل والأمراض. وأصبح الضعف هنا يزيد من الضعف هناك، والضعف هناك يزيد من الضعف هنا، في تأثير متبادل بين هذا الضعف وذاك.
كثير من الناس يُقبلون على كتاب الله في شهر رمضان أو في المواسم، يهزون رؤوسهم مع التلاوة دون أن تهتز قلوبهم أو تخشع نفوسهم. ومنهم من حسب كتاب الله وقف على العلماء، وأن الله خلقهم جهلاء ليبقوا جهلاء مع العامة من الناس لا ينهضون لواجب أو تكليف.
ومنهم من رأى أن يأخذ بالقرآن وحده دون السنّة، أو السنّة يلتزمها أكثر من كتاب الله، يُفرّقون منهاج الله أجزاء، فيأخذون ويذرون.(14/141)
ومنهم من انحصرت صلته في كتاب الله في آيات متفرّقة يأخذونها من هنا ومن هناك. حتى غلبت كلمة " الثقافة " على " العلم "، كأن الإسلام ثقافة عامة يُكتفى من أجلها بقدر محدود يسدُّ حاجة الندوات والمجالس ولا يسدُّ حاجة النفوس لبنائها والأجيال لإعدادها. فاستبدل بعضهم الكتب البشرية بمنهاج الله لتحلّ محلّه، وأنَّى لكتاب بشري أن يقوى على ذلك. وظلّت الكتب البشرية تُمثّل في معظمها جهداً فرديّاً لا يخضع لنهج محدّد ولا يحقّق مهمّة محدّدة، فتعدّدت المصادر للشباب المسلمين وتكوّنت مدارس شتّى ومذاهب متفرقة لا تخضع لمناهج مدروسة فتنافرت الثقافات والمفهومات، وتنافرت القلوب والأرواح.
3- جهل الواقع وعدم وعيه ودراسته: (4)
قرون طويلة مرّت على المسلمين وهم في غفوة ساهون لا يدرون ما يجري حولهم ولا أمامهم ولا خلفهم. لم يعد الواقع الذي يعيشونه مصدر تدبّر ودراسة ليقدّم الموعظة الجليّة والآية البيّنة، حتى تزداد القلوب إيماناً ويقيناً، وتزيد إخباتاً لربّها وخشوعاً. لقد أغمض المسلمون عيونهم عن الواقع حتى وجدوا أنفسهم في لهيب الفتنة، استزلهم إليها شياطين الإنس والجنّ. فما عادوا يعرفون العدوّ من الصديق، والغادر من الأمين.
ولقد كان جهلهم بالواقع سبباً من أسباب أخطاء متراكمة في ممارسة دينهم وإيمانهم. يخالفون الدين ويحسبون أنهم على صراط مستقيم. يُستدرجون إلى الضلالة وهم ساهون. وينسلّ الأعداء بينهم ينشرون الفتنة والفرقة والشحناء والبغضاء، فيتهافتون فيها كتهافت الفراش في النار.
إذا استعرضنا تاريخنا لقرون خلت نجد هذه الظاهرة جليّة، ونجد أخطارها بارزة واضحة. فلقد كان من أوضح نتائج جهلنا بالواقع أن طعنّا أنفسنا، وأسهمنا بأيدينا في كثير من نكباتنا. ألم يُسهم بعض المسلمين في إسقاط الخلافة؟! ألم يرفع بعض المسلمين شعارات مناهضة للإسلام؟! ألم يفتح بعض المسلمين صدروهم وقلوبهم لأعداء الإسلام؟!
وفي واقع العمل الإسلامي اختلطت الأمور كثيراً. ولعب الجهل بالواقع دوراً واسعاً فيما حلّ فيه من نكبات. واندسَّ المنافقون والأعداء واتتهم الفرصة فأحكموا الضربة وسدّدوا الطعنة وعلّقوا المشانق، ذلك كلّه من خلال غفوة وجهل واضطراب. أسباب كثيرة وليس سبباً واحداً، كانت وراء عدد من النكبات والمصائب. ولكنّ جهل الواقع كان أحد الأسباب الهامة.
ودراسة الواقع لا تعني مطالعة صحيفة أو الاستماع إلى إذاعة فحسب، ولكنّها جهد ومعاناة. ودراسات وأبحاث، تَرُدُّ أحداث الواقع إلى منهاج الله ردّاً أميناً. ومن خلال ذلك الجهد المبارك، من خلال منهاج الله، يُفهم الواقع. والواقع يراه العلماني من خلال معتقداته فتكون له رؤيته الخاصة به، والقومي كذلك، وكذلك سائر أصحاب النظريات المضطربة. أما المؤمن فله نظرته الخاصة ورؤيته المتميزة، ووعيه الإيماني العميق للواقع، يتفرد به عما سواه بالعمق والنهج المستقيم. وقد تلتقي رؤية غيره من خلال اعوجاجها مع رؤيته المستقيمة في نقاط محددة، ولكنّ النهج يظلّ مختلفاً كل الاختلاف. فنتيجة الضغط الرهيب للأفكار المنحرفة، ونتيجة لجهل الدعاة بالواقع أحياناً، ونتيجة إلى ضعف الزاد من منهاج الله، نتيجة لهذا كلّه انحرفت رؤية بعض الدعاة المسلمين للواقع، فرأوه بغير منظار الإيمان والتوحيد، وبغير ميزان منهاج الله. فمنهم من أخذ يُعلي من شأن كلّ شعار غربي جديد، فريق رفع " الاشتراكية " وانساق مع دعايتهم حتى لبس رداءها وصبغها بطلاء إسلامي. ولما انتهت هذه النغمة هبّ فريق يجعل من القومية شعاراً إسلامياً، وبعد حين هبّ آخرون يجعلون الديمقراطية سنّة من سنن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو دعوة حضارية أو لحناً إسلامياً. أحد الدعاة يقول: " نحن مع الديمقراطية بكلّ أبعادها ومعانيها "(5). وآخرون انغمسوا في ممارسة الديمقراطية بعد تمنُّع وتردّد. وآخرون سقطوا في العلمانيّة ومذاهبها، والحداثة ومذاهبها. لقد اختلطت الأوراق في الساحة الإسلامية اختلاطاً عجيباً، وحار كثيرون فيما يرون و يسمعون، وزادت البلبلة والانقسام.
لقد برز هذا الخلل في واقع المسلمين عامة، وكذلك في واقع العمل الإسلامي، وفي تباين وجهات النظر واختلاف الرؤية، حين كانت العاطفة والارتجال، وعدم توافر الدراسات المنهجيّة العميقة، وعدم ردّ الواقع إلى منهاج الله، حين كان هذا كلّه هو الذي يكوّن الرؤية للواقع، والنظرة للأحداث. وحسبنا أن نسأل أين هي الدراسات الإيمانية المنهجيّة للواقع؟!
4- اضطراب الممارسة والتطبيق:
من البداهة أن يضطرب العمل وتختلط الممارسة ويتناقض التطبيق، حين تنضمّ آفات إلى آفات، حين ينضمّ خلل التصوّر الإيماني، والجهل بمنهاج الله والجهل بالواقع، حين ينضمّ هذا كلّه بعضه إلى بعض فكيف تستقيم الممارسة ويصدق العمل؟!
لقد أدّى هذا الوهن إلى أخطاء تراكمت مع الزمن لم تجد فرصة للعلاج ولا قدرة على المواجهة ولا سبيلاً للإصلاح. تراكمت الأخطاء حتى سكت الناس عنها، ثمّ اعتادوها، ثمّ ألفوها وحسبوها حُسْناً، ثمّ أصبحت عادة يفوق حكمها حكم النصّ الشرعي، ثمَّ أصبحوا دُعاةً لها.(14/142)
كان من أبسط هذه الأخطاء، على خطورتها في ميزان الإسلام، انتشار الغيبة والنميمة والافتراء والظلم بين المسلمين، حتى لم يعد لعرض المسلم حُرمة تُرْعَى بين إخوانه. ولقد غلب الظنّ الذي نهى عنه الإسلام حتى جعله بعضهم يقيناً، ثمّ اتخذ بسببه موقفاً وسلوكاً وقراراً. وتمضي السنون تعمل فيها الفتنة حتى يكتشف المسلم أنه اتبع الظنّ والهوى، والقيل والقال، وما تبيّن ولا تحقق، وأنه والى قريباً أو صديقاً على باطل، فآذى بذلك نفسه وآذى المسلمين وأشعل نار الفتنة والفساد. قواعد إيمانية كثيرة يحفظها معظم المسلمين في الأرض، ولكن لا يطبقونها كما يأمرهم بها الله. معظم المسلمين يعلمون قول الله - سبحانه وتعالى -: (إنّما المؤمنون إخوة …)، وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (المسلم أخو المسلم …)، ولكن أين التطبيق والممارسة، وأين حقيقة الأخوة الإيمانية، وأين الموالاة بين المؤمنين؟!
لقد تمزّقت الروابط الإيمانية بصياغتها الربّانية، وأخذت صورتها الجاهلية وصياغتها الجاهلية. تحوّلت حبّ الديار والأهل إلى عصبية قومية جاهلية، تصوغها الأهواء والعواطف بعيدة عن نداوة الإيمان. فتمزّقت الحركة الإسلامية الواحدة إلى فرق شتّى، وتمزّقت الدعوة الإسلامية إلى مذاهب متناحرة، وتمزّقت الأمة كلّها إلى أقطار متصارعة، واستذلَّ الأعداء الجميع وهانت الأمة وتناهبتها شعوب الأرض.
حاجز سميك وقف بين العلم والتطبيق. لم يعد الجهل وحده مصدر وهن وهلاك . ولكنّ العلم فَقَدَ بركته وخيره، حين أصاب التصوّر الإيماني خلل، وحين غلبت الأهواء، وانتشرت المعاصي، وعلا القلوب الران .
مسلم يهاجم القومية والديمقراطية في مرحلة من مراحل دعوته، ثمّ ينغمس في ممارستها. وآخر يقول: " إذا كانت القوميّة تعني أن ينهج الأخلاف منهج الأسلاف، وأن عظمة الأب مما يعتزّ به الابن، وإذا كان يقصد بالقومية أن عشيرة الرجل وأمته أولى الناس بخيره، فهذا أمر يوافقه الإسلام ". ألفاظ محببة إلى النفوس. ولكنّها عائمة لا تهدي إلى سواء السبيل. فمن هم الأخلاف ومن هم الأسلاف ومن هي عشيرته؟ أهم أهل بلده وقطره خاصة؟! وما هو النهج الذي يُتَّبع؟! وأما الله - سبحانه وتعالى - فقد قال:
(قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) [التوبة: 24]
5- غياب الميزان وردّ الأمور إلى منهاج الله:
إن ما عرضناه في الصفحات السابقة من خلل في التصور الإيماني وجهل بمنهاج الله وجهل بالواقع أدى بصورة حتمية إلى اضطراب الممارسة في الواقع كما عرضنا قبل قليل. ومن أهم مظاهر هذا الاضطراب هو غياب " الميزان " من أيدي الناس، وغيابه عن فكرهم وعملهم، ولأهمية وجود " الميزان " في واقع الحياة أفردنا له فقرة خاصة للتأكيد، وليكون إفراده هنا سبباً في تقدير خطورة هذا الأمر، وأهمية بنائه في واقع المسلمين.
" الميزان " الذي نعنيه هو ما تحدّد به منازل الناس وأقدارهم، ووسعهم وطاقتهم. إنه مجموعة الأسس الإيمانية والقواعد الربانيّة التي تضبط حكم الناس على الناس، واختيارهم لهذا الأمر أو ذاك.
لقد كشفت ممارسة الانتخابات في واقع المسلمين خطورة غياب هذا الميزان، فصار الناس يتقدّمون بأموالهم وأنسابهم، وعائلاتهم وعلاقاتهم ومصالحهم، وأحزابهم، ومدى قوّتهم ونفوذهم من خلال ذلك كلّه. وأصبحت قواعد " اللعبة " الديمقراطية، كما يُسمّونها، هي التي تسود وتحكم، وترفع وتخفض، بدلاً من القواعد الإيمانية التي اختفت من الصدور ومن ميدان الممارسة.
لم يكن الانتخابات هي الساحة الوحيدة التي غاب عنها الميزان. فقد غاب الميزان عن معظم الساحات إن لم يكن كلّها. وصار من السهل تسرّب قواعد مضطربة وعلاقات متشابكة لتحكم في ساحة الممارسة والتطبيق، حتى ولو حملت شعاراً إسلاميّاً.
ولا يقتصر الميزان على تحديد " منازل الرجال " وتحديد المسؤوليات والواجبات، فإذا صورته العامة تتسع لتوزن به قضايا الأمة وأحداثها، وليصبح " الميزان " في حقيقة أمره هو المنهاج الربّاني الذي يجب أن ترُدَّ القضايا كلّها إليه. فمن خلال اضطراب التصوّر الإيماني وجفاف العلم بمنهاج الله والغيبوبة عن الواقع وما يدور فيه، من خلال ذلك لم يعد من المتيسّر ردّ الأمور إلى منهاج الله. وبسبب ذلك غلب الهوى، حين لم يعد أمام الكثيرين إلا أهواؤهم ومصالحهم الخاصة ليردّوا القضايا إليها، ولينظروا إلى الواقع من خلالها. فاختلطت الحدود والمنازل، واضطربت المسؤوليات والواجبات، وساء تقدير الواقع والأحداث، واختلت الأحكام، حين أخذ الكثيرون يصدرون عن تصوّراتهم البشرية وما حملوه من نزوات وأهواء.
هذه القضيّة الخطيرة في التصوّر الإيماني ـ وهي ردّ الأمور إلى منهاج الله ـ لم تأخذ حظّها العادل الأمين في مناهج التربية إذا وجدت تلك المناهج! فنشأت أجيال كثيرة لا تعرف هذه القضيّة ولا تشعر بخطورتها ولا تقوى على ممارستها. غابت هذه القاعدة عن مناهج التربية وربما غابت المناهج ذاتها، وغابت عن مناهج التدريب، وربما غاب التدريب ذاته.
وكان من أول النتائج هو زيادة النكبات وتوالي المآسي وامتداد الظلام، في ساحة واسعة لا تكاد تعرف إلا الشعار، وتكاد تغيب فيها قواعد الإيمان شيئاً فشيئاً.(14/143)
ومن نتائج ذلك أيضاً هو عدم معرفة الأخطاء حين لم يعد يحدّدها ميزان أمين، وعدم توافر القدرة على معالجتها. فأخذت الأخطاء تتراكم في ساحة العمل الإسلامي حتى أصبحت ركاماً يحجب الرؤية ويضلّل الناظر. وربما اعتاد الناس الخطأ حتى ألفوه، ثمّ رغبوا به وأجازوه.
وقد تُجْرى بعض المحاولات الارتجالية لمعالجة خطأ هنا أو هناك، فإذا المعالجة تزيد الخطأ بدلاً من أن تعالجه، وتورث الفتنة والشقاق. ذلك لأن المعالجة تأخذ حادثة أو بعض الحوادث، فيدور حولها الخلاف والشقاق، ولا تُعالج القواعد الخاطئة والأساليب المريضة والمناهج المضطربة.
6- غياب النهج والتخطيط:
من السهل أن ندرك الآن، بعد العرض السابق، أنَّ من أهم أخطاء العمل الإسلامي هو غياب النهج والتخطيط عن معظم ميادين العمل أو كلّها.
كيف ينشأ التخطيط والنهج إذا عانى المسلمون من جهل بمنهاج الله وجهل بالواقع، واضطراب في التصور الإيماني والممارسة الإيمانية. إن الارتجال وردود الفعل هي النتيجة الحتمية لهذا الاضطراب والجهل، وإنَّ الأهواء وتزاحم الشعارات هي المظهر الرئيس لهذا الخلل والوهن، وإن الاختلاف والشقاق هو ثمرة ذلك كلّه، ثمرة مرّة مؤذية.
إننا نستطيع أن ندرس أي حركة أو نقوّمها على أُسس ثلاث: العقيدة العامة التي تحكمها، الطاقة البشرية التي تحملها ومدى تمسُّكها بها وخضوعها لها، النهج الذي تضعه الطاقة البشرية على أساس من عقيدتها وواقعها.
ففي حالة الحركات الإسلامية فإن الإيمان والتوحيد مع كلّ ما يتبعهما ويرتبط بهما وعلى ضوء ما يعرضهما منهاج الله كما جاءا باللغة العربية، يمثلان العقيدة العامة التي يجب أن تحكم كلّ حركة إسلامية وعلى أساس من هذا المنهاج الرباني والإيمان الذي يعرضه، وعلى أساس الواقع الذي تعيشه الطاقة البشرية، الواقع الذي تدرسه من خلال منهاج الله، على هذين الأساسين يقوم النهج والتخطيط الذي يجب أن تضعه الطاقة المؤمنة البشرية.
إن هذا النهج يجب أن ينطلق من النية الخالصة لله - سبحانه وتعالى -، ثم يرسم الدرب الذي يسير عليه، ويُحدّد كذلك الأهداف كلّها. ثمّ يكون من واجب كل فرد في الدعوة الإسلامية أن يطمئن هو بنفسه عن ارتباط الدرب والوسائل والأساليب بالأهداف، فلا يتجه الدرب شرقاً وتكون الأهداف غرباً. وأن يطمئن كذلك إلى ارتباط هذا كلّه بمنهاج الله وقواعد الإيمان والتوحيد. إنها مسؤولية كلّ إنسان فهو الذي سيحاسَب بين يدي الله العزيز الجبّار لا يغني أحدٌ عن أحدٍ شيئاً.
والأهداف منها ما هو ثابت حدّده منهاج الله، ومنها ما هو مرحلي يضعه الإنسان على أساس من منهاج الله والواقع، لينقله من هدف ثابت إلى هدف ثابت. ويكون الهدف الأكبر والأسمى هو الجنّة والدار الآخرة وطاعة الله ورضاه. هذا الهدف الأكبر والأسمى ترتبط به جميع الأهداف الثابتة وتقود إليه، وترتبط به جميع الأهداف المرحلية.
ولقد كان من أثر غياب النهج والتخطيط، ليس تفرّق الحركات الإسلامية فحسب، وإنما تفرّق الميادين في الحركة الواحدة. لقد ساء حال المسلمين حتى تفرّقت الأمة إلى شعوب وأقطار متنابذة، وتفرّق العمل الإسلامي إلى حركات متصارعة، وتفرّقت الحركة الواحدة أحزاباً وشيعاً، ثمّ تمزّقت الميادين والساحات حتى أصبحت كأنها مفتحة لولوج أعداء الله.
7- الاضطراب الفكري وتعدد الاتجاهات، والاضطراب النفسي:
من خلال الوهن الذي عرضناه، استطاعت أفكار كثيرة أن تتسلّل؟ إلى قلب الدعوة الإسلامية تحمل كلّ الزينة والزخارف، في ظروف كانت الحالات النفسية فيها وردود الفعل المتوقّعة تساعد على تقبّل هذه الأفكار المتسلّلة. يضاف إلى ذلك ما يتولّد في داخل الحركة نفسها من أفكار منحرفة نتيجة الضعف الذي عدّدناه سابقاً. فيجتمع انحراف إلى انحراف، وتختلط الأمور حتى يصعب على الفرد أن يُميّز بين الانحراف وغيره. وقد يصعب الأمر على الفرد العادي، ويصعب كذلك على مستويات أعلى. وزاد من ذلك وقوع نكبات ومآسٍ دفعت بعض النفوس دفعاً إلى هذا الانحراف الفكري أو ذاك. وقد ساعدت الظروف الاجتماعية والسياسية وسهولة وسائل المواصلات والضغط الدولي الهائل الذي يُغذّي كلّ اتجاهات الانحراف على ذلك كلّه على قدر من الله حقٍّ وقضاء نافذة.
ولقد كان من أخطر الأفكار التي تسلّلت: الوطنية والقومية والإقليمية والديمقراطية والاشتراكية مع جميع صورها المنحرفة عن الإيمان والتوحيد، حتى أخذ بعضهم يبحث في الإسلام عن الأدلة الشرعية لها. ونحن لا ننكر أنّ أيّ فكر في الأرض مهما كان نوعه فلا بدّ من أن يحمل زخارف تُحَبّبه إلى الناس. ولكن هذه الزخارف ليست هي الميزان الذي نَقْبل به أو نَرْفض. إن الميزان هو منهاج الله. فنرفض أن تصبح القومية عصبية تُحَدّد الفكر والمذهب والحقوق والواجبات. وننكر أن تصبح الوطنية وثناً يُعْبد من دون الله، ويزيح أحكام الدين وسلطان الإسلام.
أما بالنسبة للاشتراكية والديمقراطية وأمثالهما، فإن أحسن ما يظنّه دعاتها فيها، وما يتوهمه أصحابها، هو أقل بكثير مما يقدّمه الإسلام للإنسان على الأرض، وإن الشرّ الذي تحمله من علمانية وشرك هو أسوأ ما يحاربه الإسلام!
8- ضعف التكوين الداخلي والروابط الإيمانية وغياب النظام الإداري:(14/144)
لا نقصد بذلك الروابط التنظيمية في واقع العمل الإسلامي فحسب. فهذه قد تقوى وتضعف متأثرة بعوامل متعددة ومتأثرة بجميع عوامل الضعف التي سبق ذكرها. فقد تقوى الروابط التنظيمية حتى تصبح عصبية جاهلية، تزيد انحراف الدعوة وتزيد من تمزّقها، وتصبح مظهر ضعف وانحراف ومصدر فتنة وشقاق. وتضطرب معاني الأخوة في الله والموالاة بين المؤمنين اضطراباً واسعاً.
لقد اضطربت العلاقات والروابط الإيمانية كلها اضطراباً واسعاً حين صاغ هذه العلاقات والروابط أفكار متضاربة ومذاهب متصارعة ونزعات هائجة. لم يعد الإيمان والتوحيد، ولا الولاء الخالص لله، ولا العهد الأول مع الله، ولا الحبّ الأكبر لله ولرسوله، لم يعد هذا وغيره من قواعد الإيمان وقواعد المنهاج الرباني يصوغ الروابط والعلاقات. فاضطربت تبعاً لذلك، كما ذكرنا، قواعد السمع والطاعة، والعلاقات بين القيادة والقواعد، حتى تباينت بين تعظيم مغالى فيه، وبين تهوين مفرط ومسيء. وفي كلتا الحالتين فتنة وبلاء.
لقد غاب النظام الإداري الذي يوفّر نظام المتابعة والمراقبة والإشراف، ونظام التوجيه والنصح العملي التطبيقي، ونظام المعالجة والمحاسبة والتذكير، ليتمّ ذلك كلّه بصورة منهجيّة مدروسة محددة تحقق أهدافها وغاياتها الإيمانية. لقد غاب النظام الإداري الإيماني القائم على منهاج الله والملبِّي لحاجات الواقع، والذي يبيّن قواعد الأحكام والجزاءات والوسائل والأساليب في ميدان التطبيق لينمو مع الممارسة.
لقد أدى هذا الخلل الكبير إلى تسلل أفراد إلى مواقع لا يحقّ لهم بلوغها، لعدم توافر شروطها فيهم، وكذلك أدّى إلى أن تخسر الدعوة طاقات ومواهب كثيرة قتلتها الفوضى الإدارية والتحاسد والتباغض والتناجش والصراع على الدنيا وزخارفها وعصبياتها.
9- عدم انتقال الدعوة الإسلامية إلى ميدان القادة الدوليين ولا إلى شعوبهم:
لقد امتدّت الدعوة الإسلامية إلى أقطار متعددة في أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا. وقامت مراكز إسلامية متعددة، وهيئات وحركات ومنظمات. وأُقيمت مساجد يدوِّي منها الأذان والتكبير. وذلك كلّه فضل من الله ونعمة. ولكن النتائج التي بلغتها الدعوة الإسلامية بين تلك الشعوب وبين قادتها كانت أقلّ مما ترجوه القلوب المؤمنة. و إنك لتجد أن معظم القادة الدوليين لا يدركون حقيقة الإسلام، بالرغم من اتساع أفق بعضهم في الثقافة والتجربة. فحين يتحدث غورباتشوف في كتابه " البيروسترويكا " يبيّن أن هنالك عقيدتين وخطين في العالم هما الشيوعية والرأسمالية، ثمّ ينظر نظرة عطف وإشفاق على دول العالم الثالث، متجاهلاً الإسلام عقيدةً ونهجاً وفكراً. وكذلك يفعل قادة الغرب. وإذا تحدّث أحدهم عن الإسلام حسب الإسلام ما يراه من واقع المسلمين اليوم، أو حسب الإسلام كالمسيحية دين طقوس وشعائر لا علاقة له بمنهج الحياة البشرية السياسي أو الاقتصادي أو غير ذلك، أو رأى في الإسلام قوة إرهاب وتسلّط، أو غير ذلك من الأفكار التي يُزيّنها شياطين الإنس والجنّ.
لقد شُغلت معظم الحركات في كثير من الأحيان بالدعوة إلى أفكارها الخاصة وحركاتها أكثر مما شُغلت بالدعوة إلى الله ورسوله وإلى حقائق الإيمان والتوحيد. وشُغلتْ بالخلافات بينها أكثر مما شُغلت ببناء الأمة المسلمة الواحدة في الأرض.
وشُغلت الأمة كلّها بغير الدعوة إلى الإيمان والتوحيد، إلى الله ورسوله. ولقد حدّد منهاج الله علاقة المسلم مع غير المسلم بصورة مفصَّلة في جميع الظروف والأحوال، حتى تستقيم العلاقات على جميع المستويات على نهج إيماني. وأول هذا النهج هو الدعوة إلى الله ورسوله هو البلاغ والبيان، وعرض حقائق الإسلام من منطلق القوة والإيمان واليقين.
إنَّ كثيراً من غير المسلمين يجهلون الإسلام، سواء أكانوا من العامة أم الرؤساء. ولو أنهم عرفوا الإسلام كما أنزله الله لخفت عداوتهم وأحقادهم أو عداوة بعضهم على الأقل. إن كثيراً من الأحقاد تتوارثها الأجيال عن الأجيال في الشعوب غير المسلمة، تغرسها فيهم عصابات الإجرام والظالمون المترفون فيهم.
إنَّ الله يهدي من يشاء، ولكننا مكلفون بحمل هذه الأمانة العظيمة وتبليغ الرسالة إلى الناس كافّة. فإن قصرنا في ذلك فنحن الآثمون، نجني حصاد تقصيرنا فيما نراه من نكبات وابتلاء.
إنَّ الدعوة إلى الله ورسوله يجب أن تكون الهدف الثابت الأول في حياة المسلم، وفي حياة كلّ حركة إسلامية، وفي مسيرة الأمة المسلمة كلّها بجميع مستوياتها. إن هذه الدعوة إلى الإيمان والتوحيد هي أول الجهاد، وأول خطوة فيه إلى الجنّة، وهي سبيل المؤمنين العاملين.
هذه ملاحظات عاجلة موجزة عن أهم ما نعتقد أنه يجب النصح به في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخنا. ونؤمن أن كلّ قضيّة عرضناها هنا تحتاج إلى دراسات علمية أمينة، لتكون الحركات الإسلامية هي أول من ينقد نفسه، وأول من يتقبل النصيحة، حتى تصبح تجربة العمل الإسلامي زاداً نامياً للدعوة، فلا تبدأ كلّ حركة من نقطة الصفر، حين تموت تجارب السابقين.
وحين نذكر هذه الملاحظات ونقدم هذه النصيحة، نؤكد أهمية الأثر الطيب للعمل الإسلامي، كما سبق أن أشرنا له في مستهل كلمتنا هذه، مؤمنين أن الأجر عند الله - سبحانه وتعالى -، هو أعلم بعباده، وهو أرحم بهم.
وندعو الله مخلصين أن يتقبل من الدعاة، قادةً وأفراداً، أحسن ما عملوا، ويتجاوز عن سيئاتهم، إنه هو الغفور الرحيم.
------------------
(1) يراجع كتاب: الشورى وممارستها الإيمانية، وكتاب الأدب الإسلامي إنسانيته وعالميته للدكتور.
(2) يراجع كتاب: لقاء المؤمنين الجزء الثاني. وكتاب التوحيد وواقعنا المعاصر للدكتور.(14/145)
(3) يراجع كتاب: دور المنهاج الرباني في الدعوة الإسلامية للدكتور.
(4) يراجع كتاب: دور المنهاج الرباني في الدعوة الإسلامية ـ الباب السابع ـ للدكتور.
(5) جريدة اللواء الأردنية:العدد 685 السنة في 19/10/1406هـ.
http://www.alnahwi.com المصدر:
=============
خواطر في الدعوة .. هكذا يفعل العلماء
محمد العبده
يحتاج الناس دائماً إلى النماذج الحية، النماذج التي تمثل القيم الإسلامية والأخلاق الإسلامية، واقعاً ملموساً يرونه أمامهم وينظرون إلى آثاره المباشرة، وبما أن العلماء هم ورثة الأنبياء، فهم النماذج التي تشرئب لها الأعناق ويتطلع إليها عامة الناس، يقول الشيخ البشير الإبراهيمي - رحمه الله -: "ما زلت أتمنى على الله أمنية شغلت عقلي وفكري منذ مِزْتُ الخير من الشر، وهي أن يسترجع علماء الإسلام ما أضاعوه من قيادة المسلمين، إن علماء الدين أئمة، فإذا لم يخدموا الأمم الإسلامية في جميع الميادين النافعة، ولم يقودوها في المقاصد الصالحة فلا معنى لهذه الإمامة... "(1).
تتميز الأمة الإسلامية على غيرها من الأمم بكثرة علمائها، وأنهم ممن يُتبعون العلم العمل، بينما نجد في الأمم الأخرى أن أحبارهم غالباً ما يكونون شرارهم، وقد عبّر عن هذه الأهمية لدور العلماء إمام الحرمين الجويني حين جعل أهم قسم في كتابه الشهير (الغياثي) هو: كيف يكون الشأن إذا فُقد العلماء؟ وكيف يتصرف المسلمون؟ فهو يعد أن فقد العلماء في غاية الخطورة.
إن مناهج التاريخ في البرامج التعليمية ضخمت التاريخ السياسي والصراع الداخلي، وغيبت تاريخ العلم والعلماء، تاريخ السمو الأخلاقي والرحمة والعناية بعامة المسلمين، صورت هذه المناهج التاريخ وكأنه صراع دائم على أهداف دنيوية، إما غالب أو مغلوب ولا يذكرون العلماء الأجلاء الذين كانوا منارات هدى في كل العصور لا يذكرون أمثال الإمام المازري محمد بن علي بن عمر التميمي، وقد جاء في ترجمته: "كان - رحمه الله - من الأجواد كثير البذل للفقراء والغرباء وطلبة العلم، كان ينفق عليهم ويكسوهم ويزورهم، وكان يعين أهل العلم حتى لا ينشغل بالهم بغير نشر العلم الصحيح وبث السنة، وقد بعث إلى الفقيه أبي القاسم بن شبلون في مرضة مرضها بخمسين ديناراً ذهباً، وبعث إلى القاضي عبد الوهاب البغدادي بألف دينار؛ لأن القاضي كان يعيش في بغداد في ضائقة كبيرة(2).
ولا يذكرون أمثال الملك العالم المجاهد أبي بكر محمد بن عبد الله التجيبي، ملك مدينة بطليوس في شمال الأندلس، يقول الذهبي عنه: "كان رأساً في العلم والأدب والشجاعة والرأي، وله تفسير للقرآن، وله تأليف كبير في الآداب، وكان مع استغراقه في الجهاد لا يفتر عن العلم، ولا يترك العدل، صنع مدرسة يجلس فيها كل جمعة يحضره العلماء"(3).
-------------------
(1) الآثار الكاملة 2/308.
(2) الشاذلي النيفر، المازري الفقيه، 10.
(3) سير أعلام النبلاء 18/594.
10/11/1425
http://www.almoslim.net المصدر:
=============
وقفة مع نهج الدعوة الإِسلامية
الدكتور عدنان علي رضا النحوي
إننا نقدّم هذه السلسلة من كتب الدعوة ودراستها، نصحاً خالصاً لوجه الله، نصحاً لكلّ مسلم، ولكلّ أسرة، ولكل حركة إسلامية، وللمسلمين بعامة، ولكل من يريد أن يبحث عن سبيل ينجو به عند الله من فتنة الدنيا ومن عذاب الآخرة، إذا صدقت النيّة وصحَّت العزيمة.
لقد أصبح جليّاً أنّ واقع المسلمين يتعرّض إلى خطر حقيقي لا وَهْمَ فيه ولا خيال. ولقد أصبح واضحاً أن جهود قرن كامل أو أكثر لم تستَطِع أن تدفع الكوارث والفواجع والهزائم عن المسلمين.
ولقد نصحنا قبل اليوم، قبل عشرات السنين، نصحاً خالصاً لله، ونبّهنا إلى الخطر المقبل بوضوح، وعرضنا كلّ ما نستطيع بيانه مع الأدلّة والبينة والحجة، من منهاج الله ومن الواقع الذي يُدرَس من خلال منهاج الله. ولو أنّنا نستطيع أن نسترجع ذلك، لرأينا أن النُذُرَ كانت واضحة قويّة، وأن القوارع كانت مدويّة، وأن النصيحة كانت بالغة. ولكن الله يقضي ما يشاء، وقضاؤه الحق، وقدره غالب، وحكمته بالغة، وكتاب الله بيّن حجّة عليْنا جميعاً.
ولابد أن نذكر أنفسنا بحقائق أساسيّة يُبْنى عليها الفكر والتصوّر:
أولاً: إن الله يقضي بالحق، وإنه لا يظلم أبداً.
ثانياً: إن كل ما يجري من أمر صغير أو كبير، فإنه يتمّ بأمر الله وقضائه الحقِّ، وقدرِه الغالب، وحكمتِه البالغة.
ثالثاً: على أساس من ذلك، فما أصابنا من هوان وقوارع وهزائم هو بما كسبت أيدينا. فنحن ظلمنا أنفسنا لم يظلمنا الله أبداً:
(إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون) [يونس: 44]
رابعاً: إنَّ أول واجب بعد ذلك هو الوقفة الإيمانية، لنراجع بها مسيرتنا، وندرس أخطاءنا، على أن يكون ذلك من خلال منهاج الله قرآناً وسنّة ولغة عربيّة.
خامساً: إن أول نتائج الوقفة الإيمانية على أساس من منهاج الله، هو أن التقصير عام، والخطأ شامل، والتوبة النصوح واجبة على كل من يريد النجاة، أو يطلب النصر من عند الله، أو يبغي صلاح الحال.
سادساً: أن يَتْبَع التوبةَ النصوحَ وضعُ نهج عام وخُطَّة شاملة، ينبع ذلك من منهاج الله ويُلَبِّي حاجة الواقع، ويعالج أهم مشكلاته، ليكون أساس لقاء المؤمنين المتقين العاملين، على طريق بناء الأمّة المسلمة الواحدة، ومعالجة ما نعانيه من خلل وتقصير وأَمراض.(14/146)
من خلال هذا التصور، ومن خلال هذه الوقفة، كانت هذه الدراسات التي تقدّم نهجاً ينمو ويتكامل ويتناسق مع الممارسة والمتابعة. فهي خلاصة تجربتي في الحياة، وتجربتي في الدعوة الإسلامية، خلال فترة قرابة خمسين عاماً، تحمل من المعاناة والابتلاء ما حملته، وتحمل من فضل الله ورحمته، وإنّ فضل الله عظيم ورحمته واسعة. فإن أصبتُ في شيء فالفضل كله لله وحده، وإِن أخطأت فهو مني ومن الشيْطان، أسأل الله التوبة والمغفرة.
وهذا النهج وهذه الدراسات ليست مجرّد أفكار نظرية، أو آراء متناثرة.
إنه أولاً: نهج مترابط يقوم على نظرية عامة تربط جميع أجزاء النهج.
وثانياً: إنه نهج يحمل معه المناهج التطبيقية بتفصيلاتها ونماذجها العملية، كما يحمل الدراسات لكل بند من بنوده وعنصر من عناصره، ويحمل نماذج من دراسات عن القضايا الفكرية في الواقع وعن أحداثه، ليردّ ذلك كله إلى منهاج الله، وليقدِّم فقه هذه القضيّة أو تلك، فقهاً قائماً على منهاج الله وعلى وعي القضيّة من خلال منهاج الله. ويدخل في ذلك الأدب الملتزم بالإسلام و" النصح الأدبي " الملتزم بالإسلام، النصح الذي يسمّى عادة " بالنقد الأدبي ". ويدخل في ذلك دراسة أهم مذاهب الأدب في الغرب والردّ عليها من خلال الكتاب والسنة. ويدخل في ذلك الشعر في دواوينه وملاحمه، ليكون صورة تطبيقية للدور الذي نفهمه من الكتاب والسنة للشعر في ميدان الحياة. ويدخل في ذلك أهم قضايا العالم الإِسلامي الفكريّة وأهمَّ أحداثه. إنه نهجٌ يطبَّق في واقع الحياة، وتُرْصَد نتائج تطبيقه على أسس إيمانيّة، وعلى قدر ما تسمح به الإمكانات والظروف والأحوال.
وبالرغم من ضيق الإمكانات إِلا أن النتائج كانت مطمئِنة. فقد كشف هذا النهج أثناء التطبيق أهم مشكلات واقعنا اليوم، وأهم وسائل علاجها. وكشف الضعيف ليبقى في مرحلة العلاج، والقويَّ ليَتقدَّم، والمُنَافِق ليَنْزَاح. ومن أهم ما حقَّقه هو تغيير حقيقي لما بالنفس، وتغيير لما في الفكر، وكذلك الموقف والسُّلوك، فيما دقَّ وجلّ. ولكن التغيير مستمرّ مدى الحياة حتى يلقى المسلم ربه، وذلك بفضل من الله وحده، يهدي من يشاء ويُضلُّ من يشاء.
لقد رسم النهجُ الطريقَ لمن يريد أن يسير وينطلق: أهدافٌ ربّانيّة ثابتة محدَّدة، وصراط مستقيم بيّنه الله لنا وفصّله، والهدف الأكبر والأسمى ـ الجنة، أهداف مشرقة، والدرب جليٌّ واحد لا سبيل سواه:
صراط مستقيمٌ حتى لا يضلّ عنه أحد، وسبيل واحد حتى لا يُختلفَ عليه! فلِمَ التفرّق والتمزق والصراع؟ ! أعلى لعاعة من الدنيا؟ !
• القضيّة الأُولى، القضيَّة الرئيسة، الحقيقة الكبرى في الكون والحياة، الهدف الرباني الثابت الأول في الدعوة الإسلامية، القضية الأولى في كلِّ ذلك، هي قضية الإيمان والتوحيد. فهي التي تقرِّر مصير كل إنسان في الدار الآخرة!
• إنها القضية الأُولى الرئيسة في حياة كل إِنسان، وحياة كل شعب، وحياة البشريّة كلها!
• إنها القضية التي لم تنلْ الجهد الحق العادل في واقعنا اليوم، ولا البذل الوافي! وهي القضيّة التي أصابها الخلل والانحراف عند بعض الناس دون أن يشعروا بذلك أو مع شعورهم به.
• إنها القضيّة التي انفصلت عنها القضايا المادية الاقتصاديّة والسياسية والاجتماعية والأدبيَّة وغيرها، حتى أصبحت هذه تدرس وتعالج وحدها، وتلك تدرس وتعالج وحدها، وأصبح التصوّر المادّي هو الغالب على معظم القضايا، وأصبحت قضية الإيمان والتوحيد أقرب إلى الشعار منها إلى الجوهر الذي يحكم كلَّ القضايا في الحياة.
• إنها القضيّة التي يجب البدء بها، لتُدْرَس نواحي الخلل الحقيقية في واقع الناس وتُدْرس وسائل معالجتها، ويوضع النهج العمليّ التطبيقي لمعالجتها. إن معالجة أيّ قضية مهما كان نوعها في واقع الحياة، أو معالجة أيّ خلل، لا يمكن أن ينجح إذا لم يبدأ العلاج هناك، في قضية الإيمان والتوحيد بعمل منهجي محدّد:
دراسة نواحي الخلل وتحديدها، تحديد وسائل العلاج، وضع منهج عملي تطبيقي للعلاج.
• إنها القاعدة الصلبة التي يقوم عليها: العاطفة والشعور، الفكر، النهج والتخطيط، السعي والعمل.
• قضية الإيمان والتوحيد ليست قضيّة شعار فحسب، ولا قضيّة عاطفة فحسب، ولا هي قضيّة فكريّة فحسب، ولا هي قضيّة فلسفيّة، إنها قضيّة حقّ يقوم عليه الكون كله. إنها تجمع العاطفة الواعية الصادقة، والفكر اليقظ الصادق، والنيّة الخالصة لله الواعية التي تحدّد الهدف والدرب إليه والوسائل والأساليب، ليكون ذلك كله ربّانياً.
• إنها القضيّة التي تجعل المعركة الأولى للإنسان في نفسه، في داخله، في ذاته، ليجاهد نفسه جهاداً ممتداً في حياته كلها، مع مجاهدة العاطفة والفكر والنيّة والنهج والتخطيط والعمل والسعي.
• إنها القضيّة التي تمتدُّ مع كل خطوة ومرحلة وهدف على صراط مستقيم إلى الهدف الأكبر والأسمى، تمتدّ ولا تنفصل عن أي عاطفة أو فكر أو عمل، تمتدّ امتداد الحياة، مع كلّ نبضة وخفقة.
من أجل ذلك كله، من أجل هذه القضية الكبرى، راقب نفسك أيها المسلم الداعية واسألها أسئلة كثيرة، نذكر بعضاً منها:
ـ هل تؤْثر الدار الآخرة على الدنيا؟! واعلم أن الله يعلم ما في نفسك!
ـ هل طهّرت نفسك من الحسد والحقد، ومن الكبر والغرور؟ !
ـ هل تخلّصت من العصبيات الجاهلية بكل أنواعها: العائلية والإِقليمية والقومية والحزبيّة؟!
ـ هل أصبح لديك ميزان إيماني محدّد تزن به الرجال والأمور؟! هل تطبّقه فعلاً؟!
ـ هل نيّتك ترافقك في كل عمل تقوم به، نيّة خالصة لله، نيّة واعية يقظة، تعرف هدفها ودربها ووسائلها وأساليبها، لتكون هذه كلُّها ربّانيّة؟!(14/147)
ـ هل أنت تجاهد نفسك حق الجهاد، حق المجاهدة على علم بمنهاج الله؟!
ـ هل أنت واثق أن ولاءك الأول لله وحده، وعهدك الأول مع الله وحده، وحبك الأكبر هو لله ولرسوله، وأنّ كل موالاة في الدنيا وكلّ عهد وكل حبّ ينبع من الولاء الأول والعهد الأول والحب الأكبر ويرتبط بها.
ـ هل أنت تصاحب منهاج الله ـ قرآناً وسنّة ولغة عربيّة ـ صحبة منهجيّة صحبة عمر وحياة؟!
ـ هل أنت تدرس هذا النهج دراسة جادة حتى تعيه، فإذا آمنت به التزمته التزام عهد وصدق ووفاء؟!
لا بدّ أن تسأل نفسك وتحاسبها، وتدرس الخلل فيها والأخطاء، وتبدأ بمعالجتها. ولقد قدمنا في كتب الدعوة النهج العمليّ التفصيلي لمحاسبة النفس من ناحية، ولتذكيرك بذلك أيها المسلم من ناحية ثانية.
كيف يمكن أن ينزل المسلمون الميدان يحملون ما في النفوس من خلل واضطراب، وعيوب وانحراف؟ !
كيف يمكن أن يتحقق النَّصر ونحْن نحمل في أعماق النفوس آفات الكبر والغرور والحقد، وحبّ الدنيا وزهوتها والسمعة فيها، والعصبيات الجاهلية التي تحوّل حتى الصداقات والأرحام إلى عصبيات قاتلة، تمزّق الصفوف والقلوب والجهود؟!
كيف تكون التقوى في القلوب إذا امتلأت القلوب بهذه العلل وذلك الخلل؟! كيف يمكن أن ينمو في القلب تقوى وقد حجزتها الأمراض؟ ! وكيف تنشأ الخشية من الله إذا غمر القلوب حبُّ الدنيا والجري اللاهث خلف سرابها وأوهامها؟ !
حاسب نفسك أيها المسلم، وأَعِنْ أخاك على محاسبة نفسه، ولا تدفعه إلى الغرور والهلاك! حاسب نفسك وجاهدها قبل فوات الفرصة.
حاسبوا أنفسكم أيها المسلمون على نهج بيّن مفصَّل، وتناصحوا بالحق على أساس من منهاج الله! واحذروا أن يفتنكم الشيطان بما يزيّنه لكم من زخرف كاذب ومتاع زائل وباطل مكشوف.
تناصحوا بالحق، ولا تخفوا العيوب والأخطاء حتى تتراكم، وحتى تحجب الرؤية الأمينة الصادقة، فيتسلَّل الشيطان وجنوده من الإنس والجن إلى القلوب فيفتنها! ويتسلل أعداء الله بمكر تكاد تزول منه الجبال! ويتسلّل باطلهم حتى يحسبه بعْضهم حقّاً!
ونعيد كذلك ونؤكِّد أننا نقدِّم هذه الدراسات خالصة لوجه الله، بريئهً من أيّ عصبية حزبيّة، نتوجّه بها إلى كل مسلم، إلى كلّ أسرة، إِلى كلِّ حركة إسلاميّة، إلى المسلمين بعامة، إلى العامل والتاجر والموظف، إلى كلّ مستوى. ذلك أنّ الموت حقٌّ على كل إنسان، وأنّ مصير كلِّ إنسان إِما إلى جنّة وإما إلى نار، وأن الحياة الدنيا دار ابتلاء وتمحيص، وأنها الفرصة الوحيدة لمراجعة مسيرة وتصحيح أخطاء. إنها الفرصة الوحيدة للتأمُّل والتفكّر، والتوبة والاستغفار، والإنابة والخشوع بين يدي الواحد القهّار.
إنها الفرصة الوحيدة لنغيّر ما بأنفسنا ونغيِّر مسيرتنا لتستقيم على أمر الله، عسى أن تلتقي القلوب والسواعد في صف واحد كالبنيان المرصوص، في لقاء المؤمنين، في أمّة مسلمة واحدة.
(حتى إذا جاء أحدهم الموتُ قال ربِّ ارجعون. لعلّي أعمل صالحاً فيما تركتُ كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إِلى يوم يبعثون) [المؤمنون: 100، 99]
(وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) [الأنعام: 32]
(ولو ترى إذا وقِفوا على النار فقالوا يا ليتنا نردّ ولا نكذّبَ بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين. بل بدالهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون. وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين. ولو ترى إذ وقِفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى ورّبنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) [الأنعام: 27ـ 30]
(ويوم يعضّ الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذتُ مع الرسول سبيلا. يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً. لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً) الفرقان: 27 ـ 29]
أيها المسلم! تفكّر وتدبّر قبل أن يأتيك الموت، وهو آتيك لا محالة، وأصلح من نفسك، وانهض إلى مسؤولياتك والتكاليف الربانيّة التي ستُحاسَبُ عليها بين يدي الله.
واذكر هذه الآيات الكريمة وتدبّر حقائقها قبل فوات الفرصة عليك:
(كلُّ نفس ذائقة الموت وإنما توفّون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنّة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) [آل عمران: 185]
(كلُّ نفسٍ ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) [الأنبياء: 35]
(أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيّدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا. ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً) [النساء: 78، 79]
نصحٌ خالص لوجه الله! فكِّر أيها المسلم وتأمّل! واطلب سبيل النجاة فإنه أمامك ممتدٌّ مشرق لا يضلّ عنه مؤمن عاقل!
نصيحة خالصة لوجه الله، نهدف منها أن تكون أَساساً متيناً يساهم في بناء لقاء المؤمنين وبناء الأُمَّة المسلمة الواحدة صفّاً كالبنيان المرصوص. فلعلَّك أيها المسلم المؤمن تدرك أهمية هذه القضيّة وخطورتها ومنزلتها في الدنيا والآخرة، فتصبّ جهدك الأمين ليساهم في جمع القلوب والنفوس والكلمة على صراط مستقيم!
إننا لا نملك إلا أن:
• نقدم دراسات منهجيّة نابعة من الكتاب والسنة، ملبّيةً لحاجة الواقع، تبيّن الدرب والأهداف والوسائل والأساليب.
• ندعو ونبيّن بصدق وجلاء، ونذكّر ونلحُّ.
• نتعهّد من يستجيب على نهج معلن مفصّل، ونعين، وننصح، ونذكّر، وندرّب، حتى ينهض لمسؤوليّته والتكاليف الربانية، ثم يدعو ويبلّغ ويتعهد.(14/148)
• نسعى بكل جهد وصبر إلى أن تلتقي القلوب والنفوس والعزائم في صفّ واحد كالبنيان المرصوص على نهج موحَّدٍ مفصَّل لا فتنة فيه ولا انحراف.
• كل ذلك يتمُّ على مراحل وخطوات مترابطة.
• أساس ذلك كله صدق الإيمان والتوحيد وصفاؤهما، وإخلاص النيّة الواعية اليقظة، وكذلك مصاحبة منهاج الله ـ قرآناً وسنة ولغة عربيّة ـ صحبة منهجيّة، صحبة عمر وحياة لا تتوقف، ليعرف كل فرد مسؤولياته وحدوده، ولتعرف الأمة كلها مسؤولياتها التي تحاسَب عليها يوم القيامة، ويحاسَب كلُّ فرد.
لا نملك إلا هذا! وأما الهداية فمن عند الله، يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، على حكمة بالغة، وحق تام، وقدر غالب.فله الأمر كله.
http://www.alnahwi.com المصدر:
==============
دعوة لمقاومة البدع والمبتدعة
مسلم محمد جودت اليوسف
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله [1]…
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 102).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء: 1).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70 71].
أما بعد:
قال الإمام الشاطبي عليه رحمة الله معرفاً البدعة بأنها: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية) [2].
و عرفها الإمام الصنعاني عليه رحمة الله بأنها: الذهاب إلى قول لم يدل عليه دليل) [3].
و صحيح أن الشرائع الربانية كانت وستبقى بفضل الله - تعالى - حية في قلوب المؤمنين، ظاهرة على الحق على الرغم من أن المظهر الغالب، في هذا العصر، تتمثل فيه بوضوح المخالفة ويبدو بلا شك الانفصال عن دين الله - تعالى -.
فقد أخرج البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف [4] الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن). [5]
و قد كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم على حذر وخشية من أن يطالهم أمثال هذا الزمان، وكان الواحد منهم يكره العودة إلى الشر بعدما أدرك الخير كراهته أن يلقى في النار فيحرم من رضوان الله - تعالى -و من جنات النعيم!
أخرج الشيخان [6] عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - أنه قال: كان الناس يسألون رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟.قال: نعم.قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟.قال: نعم وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟. قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟. قال: تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟! قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) [7].
إنها الفتن - إذن!! - تتوالى على الأمة ودينها لتنال من البقية الباقية من أهل القبلة، وكلما اشتدت الفتن ازدادت معالم الغربة إتضاحاً، كان على المؤمنين بدين الله ووعده الصبر والثبات حتى يأتي نصر وإن نصر الله قريب.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: 214).
روى مسلم والترمذي وغير واحد ممن صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله - عليه الصلاة والسلام -: (إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء. قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس) [8].
وهذه الغربة المذهلة متمثلة بالبدع والمبتدعة التي بدأت خيوطها بعد عصر صدر الإسلام مباشرة، ولا زالت تترابط وتتشابك حتى اختلت خطواتنا وزاغت أبصارنا وتلعثمت ألسنتنا، فنسينا لغتنا، وأهملنا قرآننا وسنة نبينا، فركضنا مع الركضين، وزحفنا خلف الزاحفين، فغلبنا مع المغلوبين.
تاهوا فتهنا، ضاعوا فضعنا شلت أطرافنا، ونشفت أقلامنا، وتعفنت جروحنا، خططوا فنفذنا، ابتدعوا فاعتقدنا، قالوا فسمعنا وحفظنا وما بقي صفة من أوصاف المهزومين إلا ونسبت إلينا.
و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم …(14/149)
روى البخاري في كتاب الصلاة عن أم الدرداء قالت: دخل عليّ أبو الدرداء مغضباً، فقلت له: مالك؟ فقال: (و الله ما أعرف فيهم شيئاً من أمر محمد - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنهم يصلون جميعاً). وسأله رجل، فقال: رحمك الله لو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا هل كان ينكر شيئاً مما نحن فيه؟ فغضب، واشتد غضبه، ثم قال: (و هل كان يعرف شيئاً مما أنتم عليه) [9].
هذا قول من صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في حال قوم أقلهم من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فماذا يقول لو أدرك زمناً خمدت فيه شعلة الاتباع، وراجت فيه سلعة الابتداع، والأهواء بعد طول كساد؟!
لقد تأمل خاتمة الحفاظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - هذا الحديث في الفتح، فكان من فتوحه قوله: وكأن ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عمره، وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان، فياليت شعري، إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء، فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات، إلى هذا الزمان؟ )[10].
و قد كان صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - يبكون حنيناً إلى السنة، وهي فيهم أعز ما تكون، وخوفاً من البدعة، وهي عنهم أبعد ما تكون …
قال الزهري كما في الصحيح: دخلت على أنس بدمشق وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟
فقال: (ما أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت). وفي لفظ: (ما كنت أعرف شيئاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أنكرته اليوم). [11]
هذا كله في عهد الصحابة، وهم أنقى القلوب سريرة، وأحفظهم لشرع الله، ولو أردنا أن نتتبع حال من بعدهم لرأينا ما يفطر الأكباد، من اندثار السنن، وغياب أهلها، وقلة المدافع عنها، وحسبنا من ذلك قول ميمون بن مهران: لو أن رجلاً أنشر فيكم من السلف ما عرف غير هذه القبلة) [12].
وكاد أن يضيع أهل السنة في زحام البدع والمبتدعة، وكادت أشعة هداهم أن تحجب بسحب الشبه والأهواء ودعاتهما، ورحم الله سفيان الثوري الذي قال: (استوصوا بأهل السنة خيراً، فإنهم غرباء) [13].
و لما كان اختفاء السنن واندراس معالمها يفتح الباب على مصراعيه أمام البدع التي تتدفق كالسيل الجرار على العقائد والعبادات، فتفسد الأصول، والفروع، وتشرع المحظور، وتبطل المشروع.
و إننا لنجد شيخ الإسلام ابن تيمية - عليه رحمة الله - تعالى - يرجع معظم الويلات التي ذاقتها الأمة الإسلامية إلى تفشي البدع والإلحاد، فيقول: (لما كثرت البدع من متأخري المسلمين استطال عليهم من استطال، ولبسوا عليهم دينهم وصارت شبه الفلاسفة أعظم عند هؤلاء من غيرهم، كما صار قتال الترك الكفار أعظم من قتال من كان قبلهم عند أهل الزمان، لأنهم إنما ابتلوا بسيوف هؤلاء، وألسنة هؤلاء) [14].
و قال أيضاً: (فلما ظهر في الشام ومصر والجزيرة الإلحاد والبدع سلط عليهم الكفار، ولما أقاموا ما أقاموا من الإسلام وقهر الملحدين والمبتدعين نصرهم الله على الكفار) [15].
و من هنا كانت الحاجة الماسة إلى كثير من المجاهدين بالسلاح والقلم فالمجاهد في السلاح يقارع أعداء الله في ساحات الوغى والمجاهد بالقلم يجاهد الملاحدة ومن يسير بركبهم في كل الساحات المتاحة ومن هنا كانت الحاجة الماسة إلى كثير من الدراسات العميقة والأبحاث والمقالات الواعية الجادة التي تظهر وتدافع عن السنة وأهلها، وتحارب البدعة ودعاتها.
روى شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله - في مجموع الفتاوى: عن يحيى بن يحيى أنه كان يقول: الذب[16] عن السنة أفضل من الجهاد)[17].
و كان شيخ الإسلام يقول: (الراد على أهل البدع مجاهد) [18].
و ليس هذا الكلام مطلقاً متروكاً على عواهنه دون ضوابط شرعية تبينه وتظهر ضوابطه ولشيخ الإسلام في الفتاوى كلام حسن في هذا الشأن إذ قال: والجهاد عمل مشكور لصاحبه في الظاهر لا محالة، وهو مع النية الحسنة مشكور ظاهراً وباطناً؛ ووجه شكره؛ نصره للسنة والدين، فهكذا المنتصر للإسلام والسنة يشكر على ذلك من هذا الوجه. )[19].
و هذا ما قرره العلامة ابن القيم الجوزية أيضاً في معرض رده على المعطلة للصفات، فقال: ما أعظم المصيبة بهذا وأمثاله على الإيمان، وما أشد الجناية به على السنة والقرآن، وما أحب جهاده بالقلب واليد واللسان إلى الرحمن، وما أثقل أجر ذلك الجهاد في الميزان. والجهاد بالحجة واللسان؛ مقدم على الجهاد بالسيف والسنان، ولهذا أمر - تعالى -به في السور المكية حيث لا جهاد باليد؛ إنذاراً وتعزيراً، فقال - تعالى -: فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) (الفرقان: 52).
و من هذا المنطلق نجد المشاهير من أئمة الهدى، وأحبار العلم في هذه الأمة يولون هذا الباب اهتمامهم، ويصيبون في بودقته جهودهم، فكثير منهم ألفوا في التصدي للبدع والضلالة والأهواء، والأكثرون الآخرون أقروهم، ولم يعرف منهم معارض.
و لذلك كثرت التصانيف والتآليف في إقامة الحجة على المبتدعة المبتعدة عن سبل الهدى ونهج التقى؛ الذي سار عليه نبي هذه الأمة، وحواريوه، وسلفها الأخيار، وتواصوا به جيلاً بعد جيل حتى صار مقرراً عن أهل السنة أن: (رد الهوى والبدعة، ونقض الشبهة، ورفض داعي الشهوة أصلاً عقدياً متصل العقد في اعتقاد أهل السنة والجماعة، وأنهم يد على من ناوأهم، حرب على من عاداهم، يسعى بذمتهم أدناهم، فيقوم بهذا الواجب الكفائي من شاء الله من علمائهم، حتى تحيى السنن، وينتصر أهلها وتموت البدعة ويخمد حملتها) [20].(14/150)
و عده السلف واجباً، لا تبرأ الذمة إلا بأدائه، قال الإمام أحمد: إذا سكت أنت، وسكت أنا، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم). [21]
و قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: (لولا أهل المحابر لخطبت الزنادقة على المنابر) [22].
فإذا أردنا للإسلام أن يحفظ فلا يضيع، ولشرائعه أن تصان فلا ينقص منها، فلنقم بواجب البلاغ المبين عن الله رب العالمين بما وهبنا ومن قوة وحكمة.
و قال - تعالى -: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (لأنفال: 60).
إذاً كيف نقاوم هذه البدع التي تريد إهلاك النسل والحرث . وخصوصاً أن دعاتها كثيراً ما ينفذون ما يريدون . وفقاً لخطة مدروسة ومرسومة ؟
قال الإمام الشاطبي عليه رحمة الله: ( لا تجد مبتدعاً ممن ينتسب إلى الملة إلا وهو يستشهد على بدعته بدليل شرعي فينزله على ما وافق عقله وشهوته)).
كما نراهم يثيرون هذه البدع في فترات محددة بتكاتف يجمع كل أهل البدع والأهواء وضعاف الدين والعقل.
فحقيق على أهل العلم والفضل أن يقابلوا هؤلاء بخطط مضادة مدروسة وفق منهج علمي سليم يجمع ما بين الاستدلال الشرعي الصحيح والعقلي السليم مستفيدين من التجارب السابقة لمقاومة ومقارعة أمثال هؤلاء وبدعهم، لأن أكبر أسباب انتشار وقبول بعض القوم لهذه البدع هو تعدد أساليبهم الإقناعية الخبيثة، وضعف طرقنا وأساليبنا وتشتتها مقارنة مع وسائل هؤلاء المبتدعة وطرقهم.
و لكي لا تتكرر الأخطاء والإخفاقات بحقنا ونجاحات أهل البدع والأهواء نضع هذا المنهج البسيط وفقاً لما يلي:
1- تحديد أهداف أهل البدع بدقة متناهية
2- معرفة جميع الوسائل التي تساعدهم على تحقيق أهدافهم.
3- معرفة حقيقة موقفهم الحالي وفق ما تحقق وما لم يتحقق.
5- وضع الحلول المناسبة لصد تلك البدع ودعاتها.
4 التحصين الداخلي وذلك بنشر العلم الشرعي وخاصة بين شبابنا، فلإنسان عدو ما يجهل.
5 - نشر الدعوة السلفية القائمة على كتاب الله - تعالى -و سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفهم سلفنا الصالح: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض)).
و قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)).
6- إحياء وترشيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
7- وضع الخطط الحكيمة لمحاربة الظلم بكل أشكاله وأصنافه، الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، لأن كل شر يقع على هذه الأمة لابد أن يكون بسبب ذنب جنته فعاقبها الله - تعالى -بذنبها.
قال الله - تعالى -: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران: 110)
وقال - تعالى -: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى: 30)
8- نشر ودعم التعليم الشرعي بكل مراحله لتخريج دعاة يحبون الله ورسوله ومتسلحين بالعلوم القرآنية والنبوية وغيرها من المعارف العصرية التي تساعد الداعية على نشر السنة ومقاومة البدعة وأهلها ومناصريها.
و أخيراً أختم هذا الدعوة بقول الله تبارك - تعالى -: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: 214).
و قوله - تعالى -(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر: 51).
------------
[1] - هذه الخطبة تسمى عند أهل العلم بخطبة الحاجة، وهي تشرع بين يدي كل خطبة، سواء كانت خطبة جمعة أو عيد أو مقدمة كتاب … إلخ.
[2] - الاعتصام للشاطبي، ج 1/37.
[3] - القاموس الفقهي، لسعدي أبو حبيب، ص 32.
[4] - شعف الجبال: رؤوسها وشعفة كل شيء أعلاه. قال الاخفش: الشعف أطراف الجبال وظهورها. انظر التمهيد لابن عبد البر ج11\ 219-220.
[5] - رواه البخاري في باب: من الدين الفرار من الفتن برقم 19 ج1\15. مسند الإمام أحمد ج3\6 برقم 11046. سنن أبي داود باب ما يرخص فيه من البداوة من الفتنة. سنن النسائي باب الفرار من الدين من الفتن برقم 5036. سنن ابن ماجه ج2\1317 باب العزلة برقم 3980. موطأ الإمام مالك ج2\970 باب في أمر الغنم برقم 1744.
[6] - الإمام البخاري والإمام مسلم.
[7] - رواه البخاري في باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة ج6\2595 برقم 6673. ورواه مسلم في باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين ج3\1475 برقم 1847.
[8] - رواه الإمام مسلم في صحيحه باب أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً ج1/130برقم 144. والترمذي باب ما جاء أن الإسلام بدأ غريباًوسيعود غريباً(14/151)
ج5/18. وابن ماجه برقم 3987ج2/1320. مسند الإمام أحمد برقم 3787ج1\398. وانظر صحيح الجامع الصغير وزياداته للشيخ ناصر الدين الألباني برقم 1581ج1/328. وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 1273 مج3/267.
[9] - صحيح البخاري باب فضل صلاة الفجر في جماعة رقم 622. ج 1/232.
[10] - فتح الباري ج2/138.
[11] - الأحاديث المختارة ج5/ 103.
[12] - الاعتصام ج1/26.
[13] - الأمر بالإتباع للسيوطي ص13.
[14] - مجموع الفتاوى ج17/292.
[15] -مجموع الفتاوى ج13/178.
[16] - المنع والدفع عن السنة.
[17] - مجموع الفتاوى ج4/13.
[18] - مجموع الفتاوى، ج4/13.
[19] - مجموع الفتاوى ج 4/13، 14.
[20] - الرد على المخالف للدكتور بكر أبو زيد ص16.
[21] -مجموع الفتاوى ج28/231.
[22] - قواعد التحديث للقاسمي ص49.
28/ شوال / 1425هـ الموافق 10/12/2005 م
http://www.saaid.net المصدر:
============
لماذا ؟ .. أنا أجيبك
الشيخ مهنا نعيم نجم
لا أحد ينكر أن مهمة الداعية عظيمة الشأن، جليلة القدر، رفيعة النسب، فهي إرث الأنبياء، وطريق الأولياء... لكن المراد منها تبليغ دعوة الله للناس أجمعين، وهنا المشكلة في دعاتنا!!
وأظن اليوم أن الدعاة والإعلام الإسلامي إن وجد تنبه لهذه النقطة، وهي:
ألا يحتاج الأفارقة لدعاة يدعونهم إلى الله؟!
وهل أسلمت كل شعوب الأرض؟!
وهل دخل الإيمان والتوحيد إلى جميع البشر؟!
وهل... وهل.. وهل؟!!!
الجواب حتماً: لا
إذن ما العمل؟!
لماذا الواحد منا يقرأ الصحيفة كل يوم ولا يمل؟!
ويسمع نشرة الأخبار في اليوم خمسة مرات إن لم يكن أكثر ولا يمل، ومع ذلك يعلم يقيناً أن النشرة الإخبارية هي هي لا شيء جديد!!
ولماذا لا نطيق مناقشة الزوجة أو أخذ رأي الابن، مع العلم أنه الصواب!!
ولماذا نضيق ذرعاً إذا ما سؤلنا عن الوضع الاقتصادي للبيت!!
أليس وضعك الاقتصادي أفضل بكثير من وضع سعد في شعب أبي طالب؟!
ولماذا دائماً الزوجة والأم في عراك مستمر؟!
ولماذا المُدرس يأتي متعباً للمدرسة ولا يجد نفساً طيبة تشجعه على التدريس؟!
ولماذا إمام المسجد اتخذ الإمامية روتيناً مملاً!!
وضع بعد لماذا ما تريد ثم اسأل نفسك لماذا قلت ذلك؟!
أحبتي في الله،،،
طالب العلم الشرعي يبدأ بالجرح والتعديل، قبل الإطلاع والتعمق في علم التوحيد والفقه والأصول...
وإمام المسجد يسمع نشرة الأخبار فيأتي ممتلئاً بالحماسة والنشوة ليقرأها غيباً على المنبر!!
ومدرس التربية الإسلامية يأتي حليقاً للحيته ليظهر في مظهر يليق بالحضارة والتقدم!!
ودكتور الشريعة الإسلامية، خرج عن المألوف وبدأ بالتشريع ليحوز على خطاب رسمي عساه يصبح مفتياً للديار الحكومية!!
والمفتي يتهرب من الإجابات الشرعية خوفاً من الإنذارات الرئاسية!!
أتظنون لماذا؟!!
وبعد العناء حول سؤالنا.. لماذا؟ نجيب:
لأن الإخلاص رُفِعَ من القلوب... والتواضع هرب في ظلمة الليل من النفوس تلك... والوهن عشعش في قلوب الناسين للآخرة...
لكن المهم ألا نكون مبتلين مثلهم، ثم نتكلم فيهم!!
ويصبح حالنا: أتداوي الناس وأنت عليلُ...
فلو أننا صدقنا الله لصدقنا الله...
وكما تكونوا يول عليكم...... لكن هل نحن - الشعب المسكين الصادق حقاً ليترأس شأننا هؤلاء الأفراد من حاكم وملك وقائد؟!!
في خطاب الله المتحدث به عن فرعون وقومه قال: " فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين".
فسق القوم فولى الله عليهم من هو من خاصتهم!
ولو أطاعوا الله لكان خيراً لهم.... "وكما تكونوا يولّ عليكم"
إذن لا نلقي أخطاءنا وآثامنا على هذا وذاك... ولكن كونوا ربانيين، تحكمون بالعدل والإنصاف...
أنا لا أنكر أن هناك أخطاء كبيرة وأحياناً قاتلة من قبل بعض الدعاة - خاصة في بعض المواضيع الحساسة مثل الجهاد في سبيل الله - لكن لا بد لنا أن نوطن أنفسنا..
قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يكن أحدكم إمعة، إن أحسن الناس أحسن وإن أساؤوا أساء، ولكن وطنوا أنفسكم... ".
هناك علماء ربانيون بحق لا أحد يجهلهم وهم كالقمر في ليلة الرابع عشر، فلماذا - وكأننا عدنا لسؤالنا لماذا - لا نسألهم ونستقي من تفسيرهم وشرحهم وعلمهم؟! واللبيب بالإشارة يفهموا...
1/5/1426
http://www.almoslim.net المصدر:
==============
لم تقولون ما لا تفعلون
عثمان جمعة ضميرية
قال الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) [سورة الصف: 2-3].
أخرج الإمام الطبري في تفسيره عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لودِدنا أنَّ الله - عز وجل - دلَّنا على أحبِّ الأعمال إليه فنعمل بها، فأخبر الله - تعالى - نبيه، - صلى الله عليه وسلم - أن أحب الأعمال: إيمانٌ به، لا شك فيه، وجهادُ أهل معصيته، الذين خالفوا الإيمان، ولم يُقِرّوا به.
فلما نزل الجهاد، كره ذلك ناس من المؤمنين، وشقَّ عليهم أمره، فأنزل الله - سبحانه وتعالى - قوله: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ..) [1].
وإذا كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو مقرر في علم الأصول، فإن الآية الكريمة، تبقى أبعد مدى من الحادثة الفردية التي نزلت لمواجهتها، وأشل لحالات كثيرة غير الحالة التي نزلت بسببها، فهي تحيط بكل حالة من الحالات التي يقع فيها الانفصام بين الإيمان والحركة به أو بين القول والعمل، أو العلم والعمل.(14/152)
والعلم لا يراد به أصلاً إلا العمل، وكل علم لا يفيد عملاً، ولا يتوقف عليه حفظ مقاصد الشريعة، فليس في الشرع ما يدل على استحسانه، والعلم المعتبر شرعاً، الذي مدح الله - تعالى - ورسوله أهله، على الإطلاق، هو العلم الباعث على العمل، الذي لا يخلِّي صاحبه جارياً مع هداه كيفما كان.
بل هو المقيد صاحبه بمقتضاه، الحامل له على قوانينه طوعاً أو كرهاً.
وعندئذ يصير العلم وصفاً من الأوصاف الثابتة لصاحبه، يأبى للعالم أن يخالفه؛ لأن ما صار كالوصف الثابت لا ينصرف صاحبه إلا على وفقه اعتياداً وإن تخلّف فإنما يكون تخلّفه لعنادٍ أو غفلة [2].
وليس عالماً ذاك الذي لم يعمل بعلمه، ولا يستحق وصف التكريم هذا، فعن علي - رضي الله عنه - قال: (يا حملة العلم: اعملوا به، فإن العالم من علم ثم عمل، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم، لا يجاوز تراقيهم تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف علمهم عملهم، يقعدون حِلقاً، يباهي بعضهم بعضاً؛ حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم إلى الله - عز وجل -).
وقال الحسن البصري - رحمه الله -: (العالم الذي وافق علمه عمله، ومن خالف علمه عمله فذلك راوية سمع شيئاً فقاله).
وقال الثوري: (العلماء إذا علوا عملوا، فإذا عملوا شُغِلوا...).
وقال: (العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل) [3].
فالذين لا يعملون بعلمهم ولا يتسق سلوكهم مع عملهم، فضلاً عن أن يكونوا من الراسخين في العلم، وإنما هم رواة أخبار وحفظة أسفار، والفقه فيما رووه أمر آخر وراء هذا.
أو هم ممن غلب عليهم الهوى فغطّى على قلوبهم.
وهنا ينبغي أن يوجّه اللوم، والعتاب كلُ العتاب، لمن يفعل ذلك، وحسبك أن الله - تعالى - سمّى ذلك الانفصام بين القول والعمل مقتاً، بل جعله أكبر المقت وأشدّ البغض، فقال: (كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ).
وما سمَّى الله - تعالى - شيئاً بهذا الاسم، ولا أطلقه عليه إلا في أمرين:
أولهما: الجدال في الله وآياته بغير سلطان وعلم، فقال - سبحانه - : (الَذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وعِندَ الَذِينَ آمَنُوا) [غافر/35].
وثانيهما: نكاح الرجل زوجة أبيه المتوفى عنها أو المطلقة، كما كان يفعله الجاهليون، فقال - سبحانه وتعالى -: (ولا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ومَقْتاً وسَاءَ سَبِيلاً) [النساء/22].
ومن هذا نعلم عظم الآفة الكبيرة والداء الخطير في الانفصام بين القول والعمل، أو بين الإيمان والسلوك.
إن الإيمان ليس مجرد كلمات يديرها الإنسان على لسانه، ويتحلى بها أمام الناس ويتشدق بها في المناسبات دون أن يكون لها أثرها في سلوكه وواقعه، ودون أن تترجم إلى واقع حي يراه الناس، فيكون هذا الواقع العملي الظاهر والالتزام مؤشراً على الإيمان الصحيح وعمقه في نفس صاحبه.
يقول صاحب الظلال - رحمه الله تعالى -: (إن الإيمان الصحيح متى استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك والإسلام عقيدة متحركة، لا تطيق السلبية، فهي بمجرد تحققها في عالم الشعور، تتحرك لتحقق مدلولها في الخارج، ولتترجم نفسها إلى حركة وإلى حركة في عالم الواقع.
ومنهج الإسلام الواضع يقوم على أساس تحويل الشعور الباطن بالعقيدة وآدابها إلى حركة سلوكية لتبقى حية متصلّة بالينبوع الأصيل) [4].
والمؤمن لا يخالف قوله فعله، وهو الذي يبدأ بنفسه أولاً فيحملها على الخير والبر، قبل أن يتوجه بهما إلى غيره ليكون بذلك الأسوة الحسنة والقدوة المثلى لمن يدعوهم، وليكون لكلامه ذلك التأثير في نفوس السامعين الذين يدعوهم، بل إنه ليس بحاجة إلى كثير عندئذ، فحسْبُ الناس أن ينظروا إلي واقعه وسلوكه، ليروا فيهما الإسلام والإيمان حياً يمشي أمامهم على الأرض وليشعّ بنوره على من حوله، فيضيء الطريق للسالكين، وتنفتح عليه العيون ويقع في القلوب، فيحمل الناس بذلك على التأسي والاتباع..
فهو يدعو بسلوكه وواقعه قبل أن يدعو بقوله وكلامه..
ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير أسوة، فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا أمر الناس بأمر كان أشد الناس تمسكاً به، وكان يحمل أهل بيته على ذلك قبل أن يدعو غيرهم.
وعن سعيد بن هشام قال: سألت عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - فقلت: أخبريني عن خلق رسول اله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: » كان خلقه القرآن « [5]، فمهما أمره القرآن بشيء امتثله، ومهما نهاه عنه تركه.
وهي إجابة دقيقة من عائشة - رضي الله عنها - وهي إجابة موجزة جامعة أيضاً، تحمل في طياتها كل ما يخطر على بال المرء من أخلاق الكمال وصفات العظمة، فحسبك أن يكون - عليه الصلاة والسلام -، ترجمة عملية حية لمبادئ القرآن الكريم، فإذا أردت أن تعرف أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فانظر إلى القرآن الكريم واقرأ ما فيه من آيات تحث على الأخلاق، وإذا أردت أن ترى القرآن الكريم واقعاً عملياً في حياة الناس فانظر إلى خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وادرس سيرته بكل وعي وعناية واهتمام وبقلب مفتوح على الخير، وبعزيمة صادقة، تحمل على التأسي والمتابعة..(14/153)
فكل واحد منهما يدل على الآخر... (لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل وكان مربياً وهادياً بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بالكلام الذي ينطق به سواء في ذلك القرآن المنزل أو حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم )[6]. وإنها لمصيبة كبيرة، وخسارة ما بعدها خسارة، أن يتحول الإيمان والإسلام في سلوك أصحابه إلى كلمات ودعاوى، لا تتجاوز الحناجر، وأن ينطلق المسلم، يدعو غيره إلى البر والهدى والخير، ولكنه يترك نفسه بمعزل عن ذلك، ويعطيها إجازة تتمتع بها، ولا يحملها حملاً على أن تكون سبّاقة إلى هذه الدعوة والعمل بمقتضاها.
ولقد نعى الله - سبحانه وتعالى -، على بني إسرائيل، وبخاصة أولئك الأحبار فيهم، ووبَّخهم علي سلوكهم، فهم يأمرون الناس بالبر، الذي هو جماع الخير، ولكنهم ينسون أنفسهم فلا يأتمرون بما يأمرون الناس به، مع علمهم بجزاء من قصّر في أوامر الله - سبحانه وتعالى - [7]، فقال: (وأَنتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [البقرة /44].
وفي ظلال هذه الآية الكريمة يتحدث الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - عن آثار الدعوة إلى البر والمخالفة عنه في السلوك، فيقول: (ومع أن هذا النص القرآني كان يواجه ابتداءً حالة واقعة من بني إسرائيل فإنه في إيحائه للنفس البشرية، ولرجال الدين [8] بصفة خاصة، دائم لا يخص قوماً دون قوم، ولا يعني جيلاً دون جيل.
إن آفة رجال الدين - حين يصبح الدين حرفة وصناعة لا عقيدة حارة دافعة - أنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، يأمرون بالخير ولا يفعلونه ويدعون إلى البر ويهملونه ويحرفون الكلام عن مواضعه، ويؤلفون النصوص القاطعة خدمة للغرض والهوى، ويجدون فتاوى وتأويلات، قد تتفق في ظاهرها مع ظاهر النصوص، ولكنها تختلف في حقيقتها عن حقيقة الدين، لتبرير أغراض وأهواء لمن يملكون المال أو السلطان! كما كان يفعل أحبار يهود.
والدعوة إلى البر والمخالفة عنه في سلوك الداعين إليه، هي الآفة التي تصيب النفوس بالشك، لا في الدعاة وحدهم، ولكن في الدعوات ذاتها، وهي تبلبل قلوب الناس وأفكارهم أنهم يسمعون قولاً جميلاً، ويشهدون فعلاً قبيحاً، فتتملكهم الحيرة بين القول والفعل، وتخبو في أرواحهم الشعلة التي توقدها العقيدة، وينطفئ في قلوبهم النور الذي يشعه الإيمان، ولا يعودون يثقون في الدين عدما فقدوا ثقتهم في رجال الدين) [9].
وما أعظم ذنب أولئك الذين يصدون عن دين الله ويقفون حجرة عثرة أمام الدخول فيه والتمسك بأحكامه؛ لأنهم بسلوكهم ذاك ينفّرون الناس من الدين، وتنطلق الألسنة المتبجحة لتقول: انظروا إلى فلان..
إنه يدعونا إلى شيء ويخالفنا إلى غيره، ولو كان ما دعونا إليه حقاً لاتبعه وتمسك به؟ فيتركون - عندئذ - الدين، بسبب سلوكه ذاك! ! وكم يتحملون من أوزار الذين تابعوهم في سلوكهم ذاك، إذ أنهم حملوهم على المخالفة والإثم بالإيحاء والقدوة العملية، ولولاهم ما وقعوا في ذلك، فهم الذين سنَّوا هذه السنة السيئة فكان عليهم إثمهم وآثام من اتبعهم فقد: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: » من سنَّ في الإسلام سنَّة سيئة يُعمل بها من بعده، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء « [10].
وقبل أن يدعو الداعية غيره إلى الخير ينبغي أن يتمسك هو به، ولن يستطيع المريض أن يعالج مرضاً مثله، وما أجمل الحكمة التي أجراها الله - تعالى - على لسان أبي الأسود الدؤلي، عندما قال:
يا أيها الرجل المعلم غيره *** هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى *** كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإن انتهت عنه فأنت حكيم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
وإذا كان لعدم الموافقة بين القول والعمل تلك الآثار، فإنه ليس غريباً أن يشدد الإسلام في عقوبة الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، فيجعلونه وراءهم ظهرياً، وينهون عن المنكر ويفعلونه، وأولئك هم علماء السوء وصفوا الحق والعدل بألسنتهم وخالفوه إلى غيره، فلم يعملوا به: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: » إن أوَّل الناس يُقضى عليه يوم القيامة... ورجلٌ تعلّم العلم وعلّمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرَّفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلَّمتُ العلم وعلَّمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت ولكنك تعلّمت العلم ليقال: إنك عالم وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النَّار... « [11].
وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: » يؤتي بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه [12] فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتية، وأنهى عن المنكر وآتيه « [13].
ودوران هذا الحمار بأقتاب بطنه يوم القيامة، يعيد إلى الأذهان تلك الصورة المزرية البائسة لأولئك الذين حُمّلوا التوراة، وكُلِّفوا العمل بها، ولكنهم لم يحملوها، ونكصوا على أعقابهم، فكانوا من الخاسرين، وأولئك هم اليهود...(14/154)
كالحمار يحمل أثقالاً من الكتب، ليس له منها نصيب إلا أن يشعر بثقلها على طهره، وينوء بحملها: (مَثَلُ الَذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ) [الجمعة /5].
ولا يغيبَّن عن ذهنك صورة ذاك الذي آتاه الله آياته، فلم يعمل بما آتاه الله من العلم، فانسلخ منها كما تنسلخ الحَية من جلدها وتتركه على الأرض [14]: (واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ * ولَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ولَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلَى الأَرْضِ واتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ* سَاءَ مَثَلاً القَوْمُ الَذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ) [الأعراف: 175 - 176].
وليس هذا شأن يهود فحسب، بل إن إخوانهم من المنافقين يلتقون معهم في هذه السمة وينهلون من نفس المنهل: (ويَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وبِالرَّسُولِ وأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ ومَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ* وإذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ) [النور 47 - 48].
(ويَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَذِي تَقُولُ) [النساء 81].
(ومِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ * وإذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا ويُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ واللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ) [البقرة: 204 - 205].
هذه صورة المنافقين، وتلك صورة يهود...
فليحذر المؤمنون أن يقعوا فيما وقع فيه هؤلاء إذ ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدّقته الأعمال، من قال حسناً وعمل غير صالح، ردّه الله على قوله، ونمن قال حسناً وعمل صالحاً، رفعه العمل [15]، وذلك بأن الله - تعالى - يقول: (إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ والْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر: 10].
وما أروع كلمة شعيب، - عليه الصلاة والسلام -، وما أكثرها إنصافاً عندما قال لقومه: (ومَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ومَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإلَيْهِ أُنِيبُ) [هود 88].
وليت الدعاة، وليت الذين نصبوا أنفسهم للعمل الإسلامي يضعون هذا المبدأ الذي أرشد إليه شعيب - عليه الصلاة والسلام - نصب أعينهم، فلا يخالفون إلى ما ينهون عنه ليكون لكلامهم ذلك التأثير في نفوس المدعوين!.
وكم نجد أناساً يدعون إلى وحدة الكلمة وجمع صفوف المسلمين على الحق، وهم أنفسهم في واقعهم دعاة فرقة وضلال؛ يدعون إلى التمسك بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهم أبعد الناس عن الكتاب والسنة، يقدمون آراءهم وآراء من يقلدونهم ويتبعونهم علي الكتاب والسنة، صراحة أو تأويلاً يدعون إلى الحفاظ على الإخوة الإيمانية وحقوق الأخوة، ولكنهم يزورّون عن إخوانهم ولا يفون بحقوقهم لمجرد خلاف في الرأي أو الفهم...
يتحدثون عن وجوب التثبت في نقل الأخبار ولكنهم يجرون وراء الشائعات ويرمون غيرهم فظائع التهم، ولا يكلّفون أنفسهم الرجوع إلى مصدر صادق ليتثبتوا فيما ينقلونه، لئلا يظلموا إخوة لهم أو يرمونهم بتهم باطلة! يتحدثون عن تحريم الغيبة وآثارها وضررها، ولكنهم لا يتفكهون إلا بأعراض الآخرين ولا يتندرون إلا بما يتخيلونه من سيئ الخلال؛ ويتحدثون عن مفاصلة المشركين والعلمانيين والمرتدين والملحدين ولا يجدون بأساً أو غضاضة في مجالستهم ومداهنتهم، بل قد يرتمون في أحضانهم ويؤمِّلون عندهم ويرجون، ما لا يؤمِّلون عند الله ويرجون...
إلى غير ذلك من المفارقات العجيبة الغريبة، فليحذر المسلمون ذلك كله وأشباهه، فإنها أمراض جد خطيرة، ولها آثارها السيئة، في حياة الدعوة والدعاة، نسأل الله - تعالى -أن يلهمنا الصواب في القول والعمل، (ونسأل الله المبتدئ لنا بنعمة قبل استحقاقها المديمها علينا مع تقصيرنا في الإتيان على ما أوجب به من الشكر بها الجاعلنا في خير أمة أخرجت للناس: أن يرزقنا فهماً في كتابه، ثم سنة نبيه وقولاً وعملاً يؤدّي به عنا حقَّه ويوجب بنا نافلة مزيدة).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الموافقات في أصول الشريعة للإمام الشاطبي: 1/61 وما بعدها، بتحقيق دراز.
(2) الموافقات 1/75 - 76، وانظر: اقتضاء العلم العمل للخطيب البغداي 46 - 63، فضل علم السلف على الخلف، لابن رجب الحنبلي، مطبعة الحلبي.
(3) في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب: 2525.
(4) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (746) والترمذي في البر، والنسائي في قيام الليل، وابن ماجه في الأحكام، والدارمي: 2/345، وأحمد في المسند: 6/54، وانظر شمائل الرسول لابن كثير: 57 - 59.
(5) منهج التربية الإسلامية للأستاذ محمد قطب: 1/183، دار الشروق.
(6) - انظر: تفسير ابن كثير: 1/86 0 87.(14/155)
(7) استعمل هنا كلمة رجال الدين؛ لأنه يتحدث عن هذا الصنف الذي اتخذ الدين حرفة وصناعة، وإلا فهو - رحمه الله - يمقت هذا التعبير، إذ ليس في الإسلام طبقة كهنوت أو رجال دين كما عرفتها أوربا مثلاً.
(8) في ظلال القرآن: 1/86، دار الشروق.
(9) قطعة من حديث جرير بن عبد الله البجلي، أخرجه مسلم في الزكاة برقم (1017)، والنسائي: 5/75 - 77، وابن ماجه برقم (203)، وأحمد في المسند: 4/357، والدارمي: 1/130 - 131، وفي المعنى أحاديث أخرى.
(10) قطعة من حديث أخرجه مسلم في الإمارة برقم (1905).
(11) أي تنصبّ أمعاؤه وتخرج من جوفه بسرعة خارجة من دبره.
(12) أخرجه البخاري في بدء الخلق: 6/331 فتح الباري، ومسلم في الزهد: 4/2990 - 2991 برقم (2989) واللفظ له، والإمام أحمد في المسند 5/ 205 - 206، والخطيب البغدادي في اقتضاء العلم العمل: 52 برقم (74)، تحقيق الألباني، والبغوي في شرح السنة 14/352، وفي تفسيره أيضاً.
(13) انظر: تفسير الطبري: 9/119 - 124، تفسير ابن كثير: 2/ 265 - 268، تفسير المنار للشيخ رشيد رضا: 9/375 - 384.
(14) كلمة للحسن البصري - رحمه الله -، انظر:اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي: 42 - 43.
(15) اقتباس من افتتاحية الإمام الشافعي - رحمه الله - في الأصول (الرسالة)، تحقيق أحمد شاكر.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
لا تقولوا الباطل
محمد العبدة
أخذ الله العهد على العلماء ومن يتصدى للدعوة أن لا يكتموا العلم، ويبينوه للناس، ولا يخشوا أحدا إلا الله، وقد كان شرار أهل الكتاب علماؤهم ورهبانهم بما يكتمون من البينات وبما يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، وفضل الله هذه الأمة فجعل علماءها خيارها، فأعطوا الكلمة حقها ورعوها حق رعايتها، والأمثلة في تاريخنا كثيرة، جاء في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - أن أبا جعفر الأنباري قال له عندما امتحن ليقول بأقوال المعتزلة الباطلة: (يا هذا أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن خلق، وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت، ولابد من الموت، فاتق الله ولا تجب فجعل أحمد يبكي ويقول: ما شاء الله) [سير أعلام النبلاء 11/2].
وجاء أيضاً: قال المروذي: يا أستاذ إن الله قال (ولا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ)، قال: يا مروذي اخرج فانظر، فخرجت إلى رحبة دار الخلافة، فرأيت خلقاً لا يحصيهم إلا الله، والصحف في أيديهم والأقلام والمحابر، فقال لهم المروذي: ماذا تعملون؟ قالوا: ننظر ما يقول أحمد ونكتبه، فدخل فأخبره، فقال: يا مروذي: أضلُّ هؤلاء كلهم.
أراد هذا الإمام المبجل أن يضحي بنفسه ولا يفسد عقائد الناس لأنه متبع ومقتدى به، وبعض من يقتدي بهم اليوم من الدعاة، وفى غمرة فقدان الوعي الشامل والاجتهاد الدعوي الصائب يقعون في ما استطاع الإمام أحمد أن يبتعد عنه، سواء بتزكية من لا يستحق التزكية، أو بتبرير لأوضاع غير سليمة، فيتبعهم الناس ويؤملون الخير ويستبشرون، ولكن آمالهم تخيب بعدئذ.
وإذا كنا نحن المسلمين مأمورين بقول الحق في تقويم الناس، وأن نعدل حتى في لحظات الغضب والشنآن؛ فهذا في معرض التقويم الشامل فنقول عن الشجاع شجاع ولو كان كافرا أو فاسقا، ونقول عن فلان أنه خدم بلاده وأفادها من ناحية دنيوية في معرض الاعتراف بالواقع، وهذا كله عندما تكون الصورة واضحة في أذهان الناس ولا نلبس عليهم أمور دينهم.
ونحن نعلم أنه لا أحد يكره أمثال هؤلاء الدعاة على أقوال تحسب على الإسلام والمسلمين وهى ليست بذاك، وقد يظنون أن هذا فيه مصلحة للدين ولكن الحقيقة أن مفسدتها أكثر من مصلحتها.
ولذلك نقول لهؤلاء مخلصين مشفقين: إذا كنتم لا تستطيعون قول الحق فلا تقولوا الباطل، وذاك أضعف الإيمان.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
كيف تدعو المسلمة أخواتها إلى الله ؟
عائشة عبد المجيد الزنداني
السؤال:
ما هي أهم النقاط التي يجب على كل مسلمة أن تضعها نصب عينيها وهي تدعوا أخواتها إلى الله؟
الجواب:
إن أهم ما يجب أن تضعه الأخت نصب عينيها وهي تدعوا إلى الله:
1/ إخلاص النية لله - سبحانه وتعالى - وهذا أمر مطلوب من الناحية الشرعية، ومدار قبول العمل عند الله - تبارك وتعالى - على هذا الشرط، لذلك جاء في الآية: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين..)
وجاء في الحديث المتفق عليه: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).
كما أن الصدق ركيزة من ركائز التأثير في الآخرين، ومن هنا فإنه يجب على الأخت الداعية أن تراقب نيتها وأن تكون حريصة كل الحرص على ألا يدخل على نيتها ما يفسدها كالعجب والريا وحب الجاه والسمعة أو حب المدح فبالتالي تفقد خاصية التأثير بل قد تقع في الهلكة.
ثم الصدق مع الله هو مفتاح القلوب لأن الله - عز وجل - إن علم في الأخت الصدق فتح لها العقول والقلوب، ووضع لها القبول في قلوب الناس.
2/ عليها أن تتسلح بسلاح العلم الشرعي، وهذا ضروري بالنسبة للداعية حتى تكون عالمه بالذي تأمر به أو تنهى عنه، ولا يشترط في الداعية أن تكون علامة حتى تؤدي دورها في الدعوة.. كلا.. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (بلغوا عني ولو آية). لكن هذا القليل الذي يبلغ يجب أن يكون بعلم، وأن لا تتجاوزه في الفتوى، لذلك ننصحها بدراسة العلم الشرعي.
قبل أن تقدم على درس يجب أن تخضر له تحضير جيداً حتى لا تقع في الخطأ في أمر شرعي.(14/156)
ننصحها بكثرة المطالعة في كتب العلوم الشرعية، ويمكن أن نقول بإيجاز: (إن الداعية كلما كانت قوية في جانب العلوم الشرعية فإن ذلك أدعى إلى تحقيق ما تصبوا إليه من نجاح) وهذا هو السر في دور العلماء والعالمات عبر تاريخنا التليد.
3/ (الصبر) خاصية وصفة ضرورية للداعية إلى الله - عز وجل - لآن هذه الداعية سوف تخالط أصناف كثيرة من الناس وهؤلاء الناس أنما هم معادن عجيبة ففيهم القوي والضعيف والكريم والبخيل والشجاع والجبان وقوي الإرادة وضعيفها.. والثقيل.. وخفيف.. الظل والذي يفهم بسرعة والأناني والإنكاري... إلى غير ذلك من هذه الثنائيات المتقابلة.
وعندما تتعامل مع شرائح المجتمع، تجد أمامها كل هذه الثنائيات فمن لم تتحلى بالصبر والاحتمال.. فالأولى لها أن تجلس في البيت منذ اللحظة الأولى والنبي - صلى الله عليه وسلم - صور لنا هذا التلازم أجمل تصوير لما قال لنا: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيراً من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.
لذلك ذكر الصبر في القرآن كثيرا ومدح الله الصابرين من النبيين ومن غيرهم من أهل الإيمان وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب لنا أروع الأمثلة في الصبر على أذى قومه له أثناء تأديته الرسالة.
وهذا الصبر الزاد المهم يدفعنا إلى فرعية منه ربما التصقت به غالباً ألا وهي..
4/ (الثبات والاستمرار) لأن قليلاً دائماً خيراً من كثيراً منقطع وإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.. فأحياناً تبدأ الداعية بحماس وبينما هي في خضم عملها الدعوي وتحتك بالناس وتفاجأ بهذه الثنائيات فتبدأ تتراجع خصوصاً إذا تعرضت إلى بعض المشاكل فهذه ردت عليها بغلطة وتلك كشرت في وجهها.. وفلانة المتعصبة لمذهب ردت عليها بملا يتناسب مع أخلاق العلماء.. فلا بد من هذه الضغوط ومن الصبر والإحتمال والترابط والاستمرار.. وطرق الباب على الناس دونما يأس.. ولا كلل ولا ملل.
وأحب أن أؤكد على قضية من أدق وأهم القضايا في مجال ما نذكره ونتكلم وللقضية خلاصتها.. هو أن بعض تلامذة الشر إذا رأى ناشطة في مجال الدعوة إلى الله - تعالى -.. وناجحة ومؤثرة يحاربونها بمجموعة من الأسلحة.. ولعل أخطر وأفتك سلاح يستخدمونه في حربها (الشائعات) (الإفك) (الافتراء) بحيث أنهم يشيعون عنها الأعاجيب حتى يقعدوها عن دورها ويحطموها.
فعليها أن تصمد وتثبت وتستمر ولا تبالي (والله يدافع عن الذين آمنوا) (وما حادثة الإفك) التي ذكرت في القرآن والسنة التي أثارها رأس النفاق عنا ببعيد.
بل فيه زاد للدعاة والداعيات في هذا الطريق.. طريق الدعوة.. نقول هذا لان كثير من الأخوات تظن أن طريق الدعوة مفروشاً بالورود.. ثم لما ينخرطن في هذا العمل يجدن الصعاب والعقبات فربما يكون مفاجأة للبعض فيقعدها عن الدعوة.. لذلك عليها مسبقاً أن تتزود بالصبر (والأمل) (والثبات) (وعدم اليأس) (والثقة بنصر الله تبارك وتعالى).
5/ (زاد الصلاة والعمل الصالح) (واستعينوا بالصبر والصلاة).
في هذا الطريق يحتاج المرء إلى محطة يقف عندها ليتزود بالزاد الذي يجعله قادراً على الاستمرار فالمرء ضعيف بطبعة، فلا بد أن يلجأ إلى الجبار القهار المنتقم.. الذي بيده ملك السموات والأرض ويلجأ إلى الصلاة معراج المؤمن فإن فيها راحته، وسعادته، واستقراره، وطمأنينته، وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمراً لجأ إلى الصلاة.. وكان يقول لبلال - رضي الله عنه - أرحنا بها يا بلال..
فعندما يقف بين يدي الله - تعالى - معلناً (الله أكبر) خالعاً عنه.. كل متعلقات الأرض والدنيا ليصفوا ويزكوا.. ما أحوج المؤمنين إلى هذا.. وكذلك لا ينسى أن يكون على صلة بذكر الله دائماً وأن يعمل على التحقق بخلق (الدعاء والمناجاة) واللجوء إلى الله خاشعاً متضرعاً بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -.. (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، و أنت ربي.. ) ليصل في نهاية المطاف إلى قناعة (اللهم إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي).. فما أحوج الداعية إلى ساعة يخلوا بها مع ربه جل جلاله يناجيه ويذكره.
6/ أن يكون (قدوة حسنة) في سلوكه وأخلاقه والتزامه وعبادته وقربه من الله فالتربية بالقدوة لها الأثر الكبير والحال قبل المقال، والكمال في تحقق الاثنين معاً ولكن الحال أهم لعدة أسباب منها:
أن المؤمن لا ينجو من بين يدي الله إلا إذا عمل بما علم
وعالماً بعلمه لم يعملن *** معذبُ من قبل عباد الوثن
ومن أول من تسعر به النار عالماً قارئ تعلم لأجل أن يقال عنه أنه قارئ.
7/ (التربية البنائية) أي أن يكون الداعية قائماً على هذه الخاصية وهذا يخرجها من قضايا الخلط والعبثية والأرتجال.. ومن مقتضيات هذه المسألة قضيتان..
الأولى: التدرج.. وذلك بالرفق بالمدعوات والانتقال معهن من حال إلى حال.. ومن لبنه إلى لبنة ولا تضع لبنة على أخرى إلا بعد قياسات وموازين.
والثانية: الأولويات.. وهذا نافذ من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ لما أرسله إلى اليمن (إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جاءتهم فادعوهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله.. ) الحديث.
فمثلاً العقيدة أولا ً فمن عندها خلل في العقيدة أو فساد في التصورات لا يمكن أن تبتدا معها بأحكام المكياج والأصباغ وإنما تبدى بتصحيح العقيدة وغرس الإيمان فإن نجحت في ذلك فإنها ستجد سهولة في تغيير هذه المدعوة.(14/157)
8/ (تنويع وسائل الدعوة): وهذا من نجاح الداعية إلى الله ومن الخطأ جعل الدعوة محصورة في باب الوسائل بالوعظ والكلام وهذه على أهميتها كما أشرنا إلى هذا قبل قليل إلا أنه لا يكفي..
من هذا التنوع في وسائل قضايا الاحتفالات والندوات واستخدام الأجهزة الحديثة كالبروجكتر، والفيديو، وغيرها من الوسائل المؤثرة التي هي سلاح ذو حدين فإنها قد استخدمت في الشر.. فأثرت أيما تأثير فنحن أهل الدعوة أولى بها ضمن ضوابط الشرع مع ما يتناسب مع وضع المرأة وطبيعتها..
8/8/1425هـ
http://www.aljannahway.com المصدر:
=============
إذا هبت رياحك فاغتنمها
أ. د. ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، لا تزال وقفات سورة يوسف متصلة ولا يزال الحديث عن قوال الله: "قال اجعلني على خزائن الأرض" مستمراً، وفي هذه الوقفة أنبه على استغلال الفرص المناسب واستثمارها، كما استثمر نبي الله يوسف هذه الفرصة، ومن تأمل سيرة نبي الله يوسف يتضح له بجلاء أنه لم يكن غراً ساذجاً حاشاه بل كان يستثمر الفرص بدقة متناهية وفي كل لحظة، استثمر الفرصة عندما جاءه السجينان وقالا له: عبر لنا الرؤيا، فوجدها فرصة مواتية لأن يدعوهما إلى الله - جل وعلا - قبل أن يعبّرها لهم.
واستثمر الفرصة عندما أراد أن يخرج الساقي فوجدها فرصة لأن يقول اذكرني عند ربك.
واستثمر الفرصة عندما جاؤوا وطلبوا منه تعبير الرؤيا فعبرها لهم ولم يمتنع لإدراكه ما قد يترتب على ذلك.
واستثمر الفرصة عندما قيل له اخرج من السجن، فوجدها فرصة سانحة لكي ما يظهر براءته ويشهرها على الملأ.
واستثمر الفرصة عندما قابل الملك وعرض عليه هذا العرض "إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ" فوجدها فرصة مناسبة لطلب الولاية على خزائن مصر.
فهل ننحن نقتنص الفرص المناسبة في الوقت المناسب؟ وهل نستثمر الفرص التي تسنح في حياتنا لأجل الدين كما فعل يوسف؟ كم أضعنا من الفرص؟
وهل هذا كان دأب سلفنا؟ عكاشة رضي الله - تعالى -عنه عندما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب، قال: يا رسول الله ادع الله أن أكون منهم قال: أنت منهم، وقال للآخر سبقك بها عكاشة!
وورد عند مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يأمر الله بإخراج أربعة من النار فيعرضون على الله فيقول واحد منهم يا رب إذ أخرجتني منها فلا تعدني إليها فيقول الله - جل وعلا - لا تعيدوه" وهذا ضرب من استثمار الفرص.
ورجل آخر مرّ في الطريق فوجد غصن شجرة فأزاله فغُفر له.
و ثالثة بغي وجدت كلباً فسقته فغُفر لها.
كل ذلك استثمار للفرص، فانظر كيف كانت عاقبته، فهل نستثمر الفرص؟ كما استثمرها هؤلاء.
أم نضيعها واحدة إثر أخرى، ثم نلبس بعدها متأسفين حادبين على أمر الأمة! مفرطين في جنب الله؟
وفقني الله وإياكم للحرص على ما ينفعنا، والاشتغال بما يصلحنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
2/4/1426
http://www.almoslim.net المصدر:
============
طرق هداية المنتكس
جماز بن عبد الرحمن الجماز
السؤال
هناك شاب مستقيم انحرف عن جادة الهداية، وسلك طريق الانحراف، وبعض من يحبه يرغب في طريقة جيدة لإرجاعه للحق؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
فهذا أمر طيب، وشعور تُشكر عليه، واهتمام تُؤجر عليه، ونسأل الله- تبارك وتعالى - لك التوفيق والسداد، وعليك بالآتي:
1- الإخلاص وصحة المقصد:
وذلك بأن يكون الباعث على الاهتمام بأمره، هو الرغبة في ردَّه إلى الطريق الحق، واحتساب الأجر في ذلك، لا أن يكون الدافع حب التميّز والظهور.
2- الدعاء:
فاجتهد أن تدعوا له بالهداية لسلوك الطريق المستقيم، والاستقامة على هذا الدين، والثبات عليه.
3- الاتصال به:
وذلك بتوسيع الدائرة، كزيارته، أو مهاتفته، أو تشجيع بعض محبيه ومَن يُكِنّ لهم كل تقدير واحترام، بأن يتواصلوا معه، ويزوروه، ويُشعروه بأهميته، وأنه لا زال معهم، وأن القضية لا تعدو إلا أن تكون مرحلة فتور وضعف، ينبغي تجاوزها.
4 - تعاهده بما يُستطاع:
فلا تَغفل عنه بالنصيحة، أو التذكير، أو مساعدته في حل مشكلة، أو إقراضه مالاً إن كنتَ قادراً، أو الشفاعة له عند أحد، لقضاء حاجته، أو دفع الصدقة له إن كان من أهلها، أو إهداؤه بعض الأشرطة أو الرسائل المفيدة.
5- زيارته وعدم هجره:
كما لو تيسّر ذلك في أوقات الفراغ أثناء الدوام، أو في مكان مناسب خارج الدوام، أو دعوته لحضور وليمة أو مناسبة خيرية، فهي مما يعينه على عدم قطع صلته بإخوانه.
6- ربطه بكتاب الله - عز وجل -:
وذلك بتوجيهه بأن يداوم مطالعة كتاب الله - عز وجل -، ويقرأ فيه، أو ينضم ضمن حلقة تحفيظ للقرآن، فيحفظ ما يستطيع، أو يُحسّن تلاوته لما يحفظ، والاستفادة مما يصاحب برامج حلقة التحفيظ.
7- مناصحته:
فتحرص على اختيار وقت مناسب للجلوس معه، وتتجاذب معه أطراف الحديث، وتشعره بأنه لم يتحسّن، وأنه حادَ عن الجادّة بأسلوب لين لطيف، لا يُحرجه، وأخبره أنك حريص على ثباته ورجوعه للحق، وأنك بذلت معه جهداً كما تقدّم واحرص على:
• تذكيره بالله تعالى، وما أعدّه الله للمؤمنين من النعيم والجنات، وما أعده الله للكافرين من العذاب والنيران.
• تخويفه من سوء الخاتمة.
• تذكيره بنعمة الله - جل وعلا - عليه، وأنه يرفل في صحة وعافية.
• وضِّح له سعة رحمة الله تبارك وتعالى، وأنه أمهله، ولم يأخذه على حاله التي هو فيها، من الولوغ في المعصية، والإقامة عليها.(14/158)
• شجّعه على المبادرة بالتوبة، قولاً وعملاً، واذكر له بعض النصوص الواردة في ذلك، واصطحب معك شريطاً مؤثراً، لتسمعه أنت وإياه، أو ليسمعه هو في وقت آخر.
8 - مراسلته:
فإن لم تستطع ذلك، فاجعل ذلك عبر رسالة خطية، أو الجوال وأشعره بالمحبة الصادقة بينك وبينه.
9- امنعه من المعصية:
فاجتهد في تحذيره من النظر الحرام، وخاصة شاشات التلفاز، أو الأطباق الفضائية المحرّمة.
وهكذا، مطالعة الصحف الهابطة والمجلات الخليعة والدوريات الساقطة، حذِّره منها، وأرشده إلى استبدالها بما هو خير منها، والساحة مليئة بهذا، ولله الحمد، مثل:
مجلة البيان، أو المجتمع، أو الدعوة، أو الرابطة، أو مجلة الأسرة، أو مجلة الشقائق، أو مجلة حياة، أو مجلة سنان، وغيرها كثير.
10 - الاستشارة:
فاستشر من يكبرك سناً وعلماً وفضلاً في خطوات أخرى أو طرق أفضل.
واللهَ أسأل لك ولصاحبك التوفيق والسداد،
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
13/4/1426هـ
http://www.almoslim.net المصدر:
==========
مشاهداتي في بريطانيا
عبد الله مبارك الخاطر
عشت في لندن حوالي ثلاث سنين، كنت خلالها أتابع دراستي في الطب النفسي وكان لي نشاط إسلامي في مسجد من مساجدها، مسجد (بيكام Peckham) وكان هذا المسجد يضم نخبة خيرة من الشباب من مختلف البلدان العربية.
وقد شاهدت في العاصمة البريطانية أموراً تستحق أن يكتب عنها.
وسوف أعرض ما شاهدته على شكل حلقات متوخياً في عرضي البساطة والعبرة..
والله الموفق.
خريج كامبردج كنت مضطراً في البداية إلى دراسة اللغة الإنجليزية - رغم أني كنت قد درست الطب باللغة الإنجليزية - من أجل اختبار (الزمالة) ذلك لأن الإنجليز يريدون من الجميع أن يكتبوا ويقرأوا كما يكتب المواطن الإنجليزي ويقرأ، ولما كنت أعمل في المستشفى في الصباح، فليس أمامي إلا أن أطلب مدرساً يعلمني فن كتابة المقالات، والعادة المتبعة عندهم أنك إذا أردت شيئاً ما فما عليك إلا أن تعلن إعلاناً صغيراً على واجهة محل تجاري أو على لوحة إعلانات لإحدى الكليات، ويأتيك الجواب سريعاً عن طريق الهاتف.
جاءني مدرس إنجليزي متخرج من جامعة كامبردج في الأدب الإنجليزي وأخذ يدرس لي مرتين في الأسبوع..
وبعد أن تردد على بيتي خمس مرات سألني على استحياء فقال: إن زميلاتي يسألنني كيف ترددت على بيت صاحبك خمس مرات ولم يقدم إليك زوجته لتتعرف عليها.
وكان سؤاله نقطة بداية في الحديث عن أمور أخرى غير الدراسة وكنت أنتظر مثل هذه الفرصة لأنني أعرف بأن الإنجليز لا يحبون أن تبادرهم بالحديث عن أمور لم يسألوا عنها وعليك أن تنتهز الفرصة فتجيبهم على تساؤلاتهم إذا سألوا.
قلت له ما موجزه: إن ديننا يأمرنا بحفظ المرأة وسترها، ولا يجوز أن تخالط أو تجالس غير محارمها...
ثم سألته عن الاختلاط والخلوة ولو كانت بين رجال ونساء متزوجين ألا يكون هناك مجال للخيانة الزوجية ولو بنسبة 5%؟ !.
فأجاب: نعم بل وأكثر من هذه النسبة فسألته مرة أخرى: أليست هذه العلاقات غير المشروعة من أهم أسباب الفساد وتفكك المجتمع؟ !.
قال: بلى.
قلت ما خلاصته: هذه حكمة واحدة من أحكام ديننا الذي يأمرنا بحرمة الاختلاط..
ومن ثم فالمرأة مكرمة عندنا ولها حقوق كثيرة سواء كانت بنتاً أو زوجة أو أماً، فولي أمرها ينفق عليها ويعمل من أجل سعادتها، وبين الأسرة في ديننا من المحبة والتعاون والتكافل مالا يتصوره مجتمعكم.
قال: هذا جميل ومنطقي...
وقد لمست الصدق فيما يقول.
وعدت أسأله: ماذا تعرف عن الإسلام؟ ! فأجاب: خميني وقذافي ! !.
فظننته يمزح ولكن تبين لى أن هذا كل ما يعرفه عن الإسلام، ولا يعرف خريجٍ جامعة كامبردج [! ! ] أن هناك كتاباً اسمه القرآن الكريم، ولا نبياً اسمه محمد - صلى الله عليه وسلم -..
كان الرجل يتحدث أمامي وكأنه طفل صغير، ومعذرة منه الأطفال في بلادنا فهم أكثر منه علماً بدين الله.
قلت: لا أدري من المسؤول عن كونك لا تعرف عن الإسلام شيئاً ؟ !.
هل هي جامعاتكم ومناهجكم، أم أنت الذي ارتضيت لنفسك هذا الحال..
كيف لا يدرسون لكم ديناً يدين به ألف مليون من البشر في مختلف بلدان العالم، ولبلدكم علاقات تاريخية ومصالح مع بلدان العالم الإسلامي.
وقبل أن يغادر الأستاذ [! ! ] منزلي قدمت له مجموعة من الكتب عن الإسلام..
ثم اتصل بي فيما بعد وأخبرني بأنه قد قرأ هذه الكتب وسوف يقرأ كتباً أخرى عن الإسلام.
القارىء الكريم: كم تمنيت أن يكون عندي متسع من الوقت لأتابع مثل هذا الرجل، ولكن ماذا أفعل وأنا مرتبط بعمل شاق يستغرق معظم وقتي، ونشاطي في الدعوة الإسلامية أقدم فيه الأهم على المهم.
ولكن هل يعرف (الببغاوات) في دول العالم الثالث حقيقة الغربيين؟ ! لو كان خريج جامعة كمبردج مهندساً أو طبيباً لالتمسنا العذر له، ولكنه تخرج من كلية تدرس علوم اللغة الإنجليزية وآدابها، ويفترض أن يدرس شيئاً يسيراً عن الإسلام..
أما الذين يكثرون في مؤلفاتهم الأدبية والتاريخية من الاستدلال بأقوال المستشرقين فلينظروا ماذا يدرس المستشرقون مثل هذا الخريج عن الإسلام.
اللهم إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
============
مواقف " الملأ " من الدعوة إلى الله
عثمان جمعة ضميرية(14/159)
عندما تأذّنت إرادة الله - تعالى- أن يجعل هذا الإنسان خليفة في هذه الأرض، وأهبط آدم إليها، زوّده الله- تعالى- بكل ما يحتاجه لعمارة هذه الأرض للقيام بأعباء الوظيفة التي خلقه الله - تعالى- من أجلها، ورسم له منهج حياته ليحقق له السعادة الكاملة، وليقوم بالقسط والعدل: (وأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ والْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد: 25].
وبذلك رسم الله- تعالى- لهذا الإنسان طريق الهداية المستقيم، فقد خلقه الله- تعالى- في أحسن تقويم: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين: 4] وفطره على التوحيد والإسلام، وأخذ عليه العهد والميثاق ليؤمننَّ بالله ربه: (فِطْرَتَ اللهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْق اللهِ) [الروم: 30].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تُحسّون فيها من جدعاء؟)، ثم يقول أبو هريرة رضى الله عنه (فِطْرَتَ اللهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ) [1]..
وألهمه - سبحانه - طريق الخير ليسلكه، وعرّفه طريق الشر ليجتنبه: (ونَفْسٍ ومَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [الشمس: 7-10].
وبذلك جعل الله- تعالى- للإنسان هاديًا في داخل نفسه يميز فيه بالإلهام الإلهي بين الأفكار الصالحة والسيئة، والأعمال الصحيحة والباطلة، ويهدي الإنسان إلى الطريق السوي في الأفكار والأعمال.
ولكن لما كانت هداية الفطرة غير كافية، وكانت - لاقترانها بكثير من القوى الفكرية والخارجية التي تعمل على ترغيب الإنسان في أعمال الشر والمعصية، وتزينها في نظره، وتجذبه إليها جذباً عنيفاً - غير كافية في جعل الإنسان يميّز بين صراط الحق المستقيم وبين الطرق المعوجّة المتعددة ويسلكه آمنا مطمئنًا، فإن الحق - سبحانه وتعالى - أراد الرحمة بالإنسان وتدارك فيه هذا النقص من الخارج، بأن أرسل إليه رسله ليساعدوا هاديه الباطني بنور العلم والمعرفة، ويوضحوا له بالآيات البينات ذلك الإلهام الفطري المبهم الذي يتضاءل نوره في ظلمات الجهل وهجمات القوى الضالة في داخل النفس البشرية وخارجها [2].
ومن رحمة الله - سبحانه - بعباده أنه لا يحاسبهم بمقتضى هذه الفطرة العامة وإنما يحاسبهم بعد إرسال الرسل: (رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ ومُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء: 165].
(ومَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء: 15] وبذلك تنقطع حجة أولئك الذين يريدون الاعتذار عن شركهم أو عدم التزامهم بدين الله- تعالى- ومنهجه: (أَن تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المُبْطِلُونَ (173) وكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ ولَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأعراف: 172-174].
أعلام الدعوة إلى الله:
وتتابعت رسل الله- تعالى- إلى البشرية تدعوها إلى دين الله ومنهجه، وتجعلها على الجادة من الطريق: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ) [المؤمنون: 44] وتضافرت جهود الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، على الدعوة إلى دين الله الذي لا يقبل من الناس سواه، وحملوا كلهم راية التوحيد، وهتفوا جميعاً بقومهم: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف: الآيات 59، 65، 73، 85].
وقد قرر الله هذه الحقيقة قاعدة عامة في دعوة كل الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، بعد أن ذكرها على لسان كل منهم [3]، فقال: (ومَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إلاَّ نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25] (ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36] طبيعة دعوة
الرسل وآثارها:
وهذه الدعوة التي جاء بها رسل الله- تعالى- هي دعوة إلى توحيد الله- تعالى- ، وإخلاص العبادة بكل أنواعها، لله الواحد الأحد، وهي تنديد بالكفر والشرك وأهلهما، ودعوة إلى اجتناب الأوثان والطواغيت، مهما تعددت أشكالها وألوانها وصورها، ودعوة إلى إسقاط الأقنعة الزائفة التي يتستر وراءها أولئك الذين يتسلطون على رقاب العباد وأموالهم، ويزعمون لأنفسهم حق السيادة عليهم، وحق التشريع لهم والطاعة والاتباع.
وإن هذه العقيدة، وهذا الإيمان بالله - سبحانه - وبأنه هو وحده الإله الحق الذي ينبغي أن يعبد وأن يطاع وأن يكون له الأمر والنهي، لأنه وحده هو الخالق: (إنِ الحُكْمُ إلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ) [يوسف: 40] (أَلا لَهُ الخَلْقُ والأَمْرُ) [الأعراف: 54].(14/160)
وأن كل ما عداه، من الآلهة التي يعلق الناس عليها آمالهم ويعكفون حولها، إنما هو زيف وباطل، وأن الله - سبحانه وتعالى -- هو مالك الملك المتصرف بكل شيء: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26].
وأنه هو وحده القادر الرازق المحيي المميت، مقدّر الآجال، وإليه المرجع والمصير، وأن ما عداه، مما يدعو الناس من آلهة وما يخافون في الأرض من دون الله إنما هو زيف وضلال وغثاء [4]: (لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِن ظَهِيرٍ) [سبأ: 22].
هذه العقيدة الواضحة الناصعة، تكشف الحقيقة، وتزيل الغشاوة عن العيون، وتهتك الأقنعة التي يختبئ وراءها الطغاة، وتقوّض عقائدهم، وتزلزل عروشهم، وتكشف زيفهم، فهي خطر عظيم يهدد سيادتهم، ويقلق أمنهم وراحتهم، ويقلب الأوضاع التي تعارفوا عليها، والقيم والتقاليد التي توارثوها عن آبائهم وأسلافهم جيلاً بعد جيل، وتنزع منهم السلطان الذي يتسلطون به على رقاب العباد فيذلونهم ويحتقرونهم، ويتسلطون به على أرزاقهم وأموالهم، فيأكلون بالباطل والإثم والعدوان.
هذه العقيدة تجعل الناس كلهم سواسية أمام الله- تعالى- ، لا يتمايزون بالأنساب ولا يتخايلون بالألقاب..
السادة والعبيد سواء..
لا يتفاضلون إلا بالإيمان والتقوى ولا يتمايزون إلا بالسبق والبلاء، فالكل خلقوا من أصل واحد ويعبدون رباً واحدًا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً ونِسَاءً) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13].
من الواقع التاريخي:
ولقد عبر عن تلك المعاني كلها ربعي بن عامر، وحذيفة بن محصن، والمغيرة بن شعبة -رضي الله عنهم، وظهر في كلامهم لرستم قائد الفرس أثر هذه الدعوة في النفوس: قال رستم لربعي بن عامر - رضي الله عنه -: ما جاء بكم؟.
قال: الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل منا ذلك قبلنا منه، ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومن أبى قاتلناه أبداً، حتى نُفْضي إلى موعود الله.
قال: وما موعود الله؟ قال ربعي: الجنة لمن مات على قتال مَنْ أبى، والظفر لمن بقي.
ولما سأله رستم، بعد نقاش: هل أنت سيد قومك؟.
قال: لا، ولكن المسلمين كالجسد بعضهم من بعض، يجير أدناهم على أعلاهم.
وفي اليوم الثاني بعثوا اليهم حذيفة بن محصن -رضي الله عنه-، فجاء حتى وقف على بساط رستم، فقال له: ما جاء بكم؟.
قال: إن الله - عز وجل - منّ علينا بدينه وأرانا آياته، حتى عرفناه، وكنا له منكرين، ثم أمرنا بدعاء الناس إلى واحدة من ثلاث، فأيها أجابوا إليها قبلناها: الإسلام وننصرف عنكم، أو الجزاء (الجزية) ونمنعكم إن احتجتم إلى ذلك، أو المنابذة..
فلما كان من الغد أرسل رستم إلى المسلمين: ابعثوا لنا رجلاً، فبعثوا إليه المغيرة بن شعبة، فأقبل المغيرة والقوم في زيهم، عليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب، وبُسُطُهم على غلوة (قدر رجعة السهم) لا يصل إلى صاحبهم، حتى يمشي غلوة.
، وأقبل المغيرة حتى جلس على سريره ووسادته فوثبوا عليه وأنزلوه وضربوه ضرباً ليس شديداً، فقال: كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوماً أَسْفَه منكم! إنّا معشر العرب سواء، لا يستعبد بعضنا بعضاً إلا أن يكون محارباً لصاحبه، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض.
وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه، ولم آتكم ولكن دعوتموني، اليوم علمت أن أمركم مضمحل، وأنكم مغلوبون، وأن مُلكاً لا يقوم على هذه السيرة، ولا على هذه العقول.
فقال السِّفْلَة [5]: صدق والله العربي، وقال الدهاقين: والله لقد رمى بكلام لا يزال عبيدنا ينزعون إليه، قاتل الله أوّلينا ما كان أحمقهم حين كانوا يصغِّرون أمر هذه الأمة.
ثم تكلم المغيرة فحمد الله وأثنى عليه، ورد على رستم كلامه..
ثم ذكر مثل الكلام الأول [6].(14/161)
تلكم هي كلمات ربعي وإخوانه، - رضي الله عنهم -، صدى على طريق الدعوة إلى الله، تنير الطريق أمام الناس وتفتح عقولهم وقلوبهم، فلا عجب أن ينزع إليها العبيد وعامة الناس في فارس من بطانة رستم، وأن يخافها دهاقين فارس، أي الرؤوساء فيها المتسلطون على أولئك العبيد! الناس أمام الدعوة أصناف: ولو رحت تستقرىء أخبار الرسل ودعواتهم، وتتقص تاريخ حركات الإصلاح، لوجدت أن مواقف الناس من الدعوة لا تخرج عن ثلاثة مواقف لثلاثة أصناف من الناس: أ- الصنف الأول: وهم أولئك الذين طهّر الله- تعالى- نفوسهم من الكبر والغرور، وفتح قلوبهم للهدى والخير فعقلوا ذلك عن الله ورسوله، وأبصروا أمام الطريق، وآمنوا بالحق المبين وعاشوا من أجله، وضحوا في سبيله بالنفس والنفيس، فإن الحق قد ملك عليهم نفوسهم، فهم لا يتحركون إلا بدافع الحق الذي آمنوا به وعاشوا به وله وهذا الإيمان هو النور الذي يضيء لهم الطريق في الحياة فيسلكونه آمنين مطمئنين، (الَذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 182].
وهؤلاء هم الذين تولاهم الله برعايته وبصرهم الطريق، فأخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان: (اللَّهُ ولِيُّ الَذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ) [البقرة: 257].
فلا عجب بعد هذه العناية والرعاية من الله- تعالى- لما رأى منهم الاستعداد للإيمان أن يكونوا من السابقين الذين يسارعون إلى الإيمان بدعوات الرسل ويناصرونها، وأولئك هم المقربون، فضلاً من الله ونعمة: (والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ المُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة: 10-12].
وقد نوه الله- تعالى- بمواقف أولئك المصدقين المسارعين إلى الإيمان السابقين إليه، فقال عن الذين آمنوا بصالح - عليه الصلاة والسلام -: (قَالَ الملأ الَذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوا إنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 75].
وقال عن لوط عندما سارع إلى تصديق أبي الأنبياء والإيمان به، - عليهما السلام -: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وقَالَ إنِّي مُهَاجِرٌ إلَى رَبِّي إنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) [العنكبوت: 26].
وقال عن الحواريين الذين آمنوا بعيسى - عليه السلام -، وأسلموا معه لله رب العالمين: (وإذْ أَوْحَيْتُ إلَى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا واشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) [المائدة: 111]، (كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إلَى اللَّهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وكَفَرَت طَّائِفَةٌ) [الصف: 14]، وقد امتدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - مواقف السابقين إلى دعوته، المسارعين إلى الإيمان به، فقال مثلاً عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: (يا أيها الناس إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي) [7].
وعن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنا سابق العرب، وسلمان سابق فارس، وصهيب سابق الروم، وبلال سابق الحبش " [8].
ب -الصنف الثاني: أولئك الذين امتلأت نفوسهم كبراً وغروراً، ومردوا على الشقاق، واستعلوا في الأرض بغير الحق..
أولئك هم الذين ماتت ضمائرهم، وقست قلوبهم، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، فأشربوا الكفر والعناد بطغيانهم، فوقفوا بكل عناد يعارضون دعوات الرسل والأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، ويحاربونها بكل وسيلة يمكن أن تتفتق عنها عقولهم الشيطانية الماكرة، ولن تستطيع نفوسهم هذه أن تصغي إلى كلمة الحق المجردة، ولن يسمحوا لها أن تطرق آذانهم، وقوم نوح مثلٌ صارخ على ذلك: (وإنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ واسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وأَصَرُّوا واسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً) [نوح: 7] بل إنهم يصرفون الآخرين عن الدعوة، وعن الحق، لئلا ينعموا به: (وقَالَ الَذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا القُرْآنِ والْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت: 26].
إنهم يتآمرون ويمكرون ويكيدون: (ومَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً * وقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ولا تَذَرُنَّ وداً ولا سُوَاعاً ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً) [نوح: 22 - 23]، (إنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وأَكِيدُ كَيْداً) [الطارق: 15-16].
أولئك هم الملأ الذين يتصدون لدعوات الرسل، عليهم الصلاة والسلام بالإعراض والتكذيب والحرب المشبوبة المتنوعة الوسائل والأهداف، هم ومن يتبعهم من الرعاع: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ) [الصف: 8].(14/162)
ج - الصنف الثالث: وهم الذين لم يكن لهم إيمان الصنف الأول وأخلاقه العالية ونفسه الطيبة التي تدفع إلى الإيمان، ولم يكن لهم جرأة الصنف الثاني المكذبين للدعوات، ولكنهم شر منه، يشتركون معهم في خبث النفس وفساد الفطرة والطوية والحنق على الرسل، ويمتازون عنهم بالجبن والخور وضعف القلب، فلا يستطيعون أن يصارحوا بأنهم العدو اللدود، ولا أن يظهروا أمام المؤمنين بذلك المظهر فيضطرهم ض عف عقيدتهم وفقدانهم للجرأة أن يداروا ويواربوا، فيكونون بين الصديق والعدو والمناصر والمحارب، إذا رأوا المؤمنين أظهروا لهم الإيمان، وإذا لقوا الكافرين قالوا لهم: إنّا معكم [9].
وأولئك هم المنافقون الذين قال الله- تعالى- عنهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ * وَإذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ * وَإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإذَا خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إنَّا مَعَكُمْ إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) [البقرة: 8 - 16] الصنف الثاني فريقان: وإذا عدنا إلى الصنف الثاني الذي يكذب بدعوة الرسل، عليهم الصلاة والسلام، ويناصبها العداء نجد أنه ينقسم إلى فريقين:
اً - السادة والأشراف أو الملأ من القوم.
ب -الأتباع أو الضعفاء الذين يتبعون الملأ المستكبرين.
كلاهما يكذب بدعوة الرسول، ويصد عنها ويعرض، ولكن الذي يأخذ زمام المبادرة ويحمل راية التكذيب والعصيان ويلوحون بها للناس لينضموا إليهم، هم الملأ والسادة.
أما الأتباع والضعفاء، فإنهم ينقادون لهم ويسيرون في القطيع، يهتفون باسم السادة ويصفقون لهم، ويؤمنون على كلماتهم، ويطيعونهم فيما يأمرون، ويصدقونهم فيما يخبرون ويفترون، ويؤمنون بما يزيفون لهم ويزورون، فإنهم اعتادوا على الذل والخنوع، فلن يجرؤوا على رفع رؤوسهم عالية أمام السادة والكبراء، ولن يرتفعوا بنفوسهم إلى آفاق عالية لأنهم اعتادوا العيش في السفح، واستمرؤوا الذل والعبودية الخانعة، وكرهوا الحرية.
ولكنهم لا يلبثون طال الوقت أم قصر أن يتحسسوا الحقيقة، ويتعرفوا السبيل، ويشعروا بأنهم غارقون في عبودية ذليلة، ينبغي أن يرتفعوا عنها، ليكونوا عبيداً لله تعالي وحده، وهذه العبودية الكريمة لله وحده تبعث في نفوسهم العزة والكرامة وعندئذ يتحررون من جديد، بل يولدون من جديد، ويشعرون بإنسانيتهم من جديد، فإن دعوة الإسلام تحررهم من كل عبودية لغير الله عندما تجعلهم عبيداً لله- تعالى- وحده.
وبذلك يستعلون على أولئك الملأ والطواغيت، ويهزؤون بكل جبروتهم ومتاعهم المادي وسلطانهم ووعيدهم وتهديدهم [10].
وإن موقفاً رائعاً كهذا الموقف، وقفه السحرة من فرعون وملئه عندما لامس الإيمان شغاف قلوبهم، وصاغهم صياغة جديدة، لما رأوا البينات من ربهم، وهم أنفسهم الذين كانوا قبل قليل يطلبون من فرعون - بكل ذلة وطمع - أن يجعل لهم شيئاً من الأجر والمال إن كانوا هم الغالبين لموسى وهارون! وفرعون يمتنُّ عليهم فيعدهم بذلك، ويزيد تفضلاً عليهم ومنة، فيعدهم أيضاً بالقرب منه، كأن يجعلهم من حاشيته وبطانته ومستشاريه الخاصين! ! ولو كان عنده إذاعة وتلفزيون وصحف ومجلات، كما يمتلك ذلك طغاة العصر، لكانوا أول من يظهر على شاشة التلفزيون بجانب فرعون وهامان، أما الإذاعة فتخصص الساعات الطوال لتبث عنهم ولهم الأحاديث من زخرف القول، ولظهرت الصحف والمجلات محلاة بصورهم الملونة، ولتسابق الصحفيون لإجراء المقابلات والأحاديث الصحفية مع أولئك الأبطال، الذين غدوا من أركان الدولة، ولهم الفضل في تثبيت كرسي الحكم لفرعون.... !ولكن ذلك كله لم يحدث، فإرادة الله- تعالى- وقدره شاءت غير ذلك، فتغيرت الصورة كلها، وتغيرت النفوس، واختلف الموقف ووقع ما لم يكن بالحسبان، وانقضت كلمات المؤمنين -لما آمنوا- كالصاعقة على رأس فرعون.(14/163)
ويحكي الله- تعالى- لنا الموقف في كتابه الكريم، فيقول: (وجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إنَّ لَنَا لأَجْراً إن كُنَّا نَحْنُ الغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وإنَّكُمْ لَمِنَ المُقَرَّبِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إمَّا أَن تُلْقِيَ وإمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ المُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ واسْتَرْهَبُوهُمْ وجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وأَوْحَيْنَا إلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الحَقُّ وبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وانقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ العَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وهَارُونَ * قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي المَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا إنَّا إلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * ومَا تَنقِمُ مِنَّا إلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) [الأعراف: 113 -126] (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ البَيِّنَاتِ والَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * إنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا ومَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ واللَّهُ خَيْرٌ وأَبْقَى * إنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا ولا يَحْيَى * ومَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلَى) [طه: 72 -75].
ذاك هو شأن العامة، والأتباع أو الضعفاء..
ولكن ما هو شأن الملأ؟ هذا ما نريد أن نقف عنده وقفة متأنية متأملة، نعود فيها إلى كتاب الله الكريم وسنة نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وسيرته العطرة، وسيرة الأنبياء السابقين، لنتبين معالم شخصية هؤلاء (الملأ) الذين أكثر القرآن الكريم من ذكرهم وبين مواقفهم وأساليبهم المتنوعة التي يحاربون بها كلمة الحق ودعوة السماء على مدار التاريخ، ثم نلتفت إلى الحاضر لنرى هل كانت مواقف الملأ تلك فلتة عابرة أو أمراً طارئاً، أم أن الأمر سنة إلهية ومنهج ثابت في الدعوات؟ وعندئذ ينبغي للعاملين في حقل الدعوة ألا يغيب ذلك عن بالهم، وأن يعرفوا: أن الملأ هم الملأ..
في كل زمان وفي كل مكان وأمام كل دعوة..
يقفون الموقف ذاته.
----------------
(1) أخرجه البخاري في الجنائز، فتح الباري3/219، 246، مسلم في القدر4/2047 برقم (2658)، والحديث أخرجه أيضاً أبو داود في السنة، والترمذي في القدر، ومالك في الجنائز وأحمد في المسند 2/315، 346، وانظر شرح السنة للبغوي: 1/154 - 162، درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية، وما كتبه المحقق حول الحديث: 8/361-366.
(2) الحضارة الإسلامية لأبي الأعلى المودودي ص167-168، وانظر شرح العقيدة الطحاوية 4 - 13، في ظلال القرآن لسيد قطب - رحمه الله - 6/806 - 812، دار الشروق.
(3) انظر بالتفصيل بحثاً لنا بعنوان " إن الدين عند الله الإسلام "، في مجلة البحوث الإسلامية، العدد 15، تصدر عن رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، بالرياض.
(4) اقرأ - إن شئت - طريق الدعوة في ظلال القرآن، لأحمد فايز 2/79 وما بعدها.
(5) السِّفلَة من الناس - بالكسر والسكون وفتح الأول وكسر الثاني: أسافلهم وغوغائهم " المعجم الوسيط 1 / 434.
(6) انظر تاريخ الطبري 3/ 520 - 525 بتحقيق محمد بن الفضل إبراهيم، البداية والنهاية لابن كثير 7/39 - 40.
(7) أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة1/240، برقم 297، تحقيق وصي الله عباس والبخاري في كتاب فضائل الصحابة6/18 برقم 3661 من فتح الباري.
(8) فضائل الصحابة2/909، برقم1737 للإمام أحمد بن حنبل، والطبراني عن أنس وأبي أمامة وإسناده حسن، مجمع الزوائد للهيثمي9/305.
(9) انظر دعوة الرسل إلى الله- تعالى- ، لمحمد أحمد العدوي، ص 25.
(10) انظر ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية حول هذا المعنى في العبودية مع مقدمة المحقق الفاضل الأستاذ عبد الرحمن الباني، واقرأ فصل:نقلة بعيدة، استعلاء الإيمان في معالم في الطريق لسيد قطب - رحمه الله -.
http://www.albayan-magazine.com المصدر :
=============
فقه الإسلام ودعوة للمراجعة البناءة ( 1 )
حاجة الدعاة المسلمين إلى المراجعة
الدكتور محمد رشاد خليل
لا تشتد حاجة الدعاة المسلمين اليوم إلى شيء كما تشتد حاجتهم إلى المراجعة البناءة لحصاد جهودهم في مجال الدعوة الإسلامية.
ذلك أن هذه المراجعة ضرورية اليوم لتصحيح أخطاء التجربة، ولتلافي أوجه القصور في العمل، وتلافي أسباب ما حدث عند البعض من فشلٍ، والعمل على توحيد الصفوف على خطة عمل تأخذ في حسابها كافة العوامل المؤثرة على سير الدعوة سلباً وإيجاباً، وتفرق بين الممكن والواجب، وتنسق بين الإمكانات والأهداف، وتعمل على رفع أسباب الاختلاف والفرقة التي يكون سببها: نقص العلم، وقلة الخبرة، وسوء التقدير، وسوء الفهم، وسوء الظن، وفرط الثقة، وعدم التخطيط، أو سوء التخطيط، وسوء التنفيذ.(14/164)
المخاطر التي تهدد الصحوة الإسلامية: وإنه مما يضاعف هذه الحاجة أن ما ذكرته أصبح يمثل تهديداً جدياً للصحوة الإسلامية المستهدفة أصلاً من أعداء أقوياء في الداخل والخارج قد أجمعوا أمرهم على إجهاضها وتصفيتها وضربها بكل الوسائل، ولقد نبهت منذ سنوات في مقالات عدة إلى هذا الخطر، وحذرت من مغبة تجاهله، وحذرت من أن أجهزة الرصد والمراقبة في الشرق والغرب وتوابعها في العالم الإسلامي تعكف على دراسة المد الإسلامي، وأن هناك سيلاً من الدراسات والتحليلات التي تتناول ظاهرة البعث الإسلامي تتدفق من مختلف الاتجاهات، وأن هذه الدراسات والتحليلات تتسم بالإثارة والتحريض والتخويف والتشويه، وأن مسئولين على أعلى مستوى في الإدارة الأمريكية لا يكُّفون عن التحذير من هذا المد حيناً، وتوعده حيناً، والدعوة إلى احتوائه حيناً.
وفي مقابلة أجرتها مجلة (يو. إس. نيوز) مع مستشار الأمن الأمريكي وقتها (ربنجيوا بريزنسكي) قال (بريزنسكى) كلاماً خطيراً جداً هذا نص ترجمته.
»أولاً ينبغي أن نعلم أن العالم الإسلامي بعد مئات من السنين التي قضاها في التبعية الأجنبية المباشرة بدأ يدخل في طور اليقظة الدينية والسياسية، وهذه اليقظة والانتفاضة يمكن أن تتخذ مظاهر إيجابية أو سلبية، ومن الواضح أن المصلحة الأمريكية تقضي أن تكون هذه المظاهر إيجابية«.
والذي يقصده (بريزنسكي) من الإيجابية هو احتواء هذه اليقظة، وتوجيهها لخدمة المصالح الأمريكية، أما كيف يمكن احتواء هذه اليقظة وتوجيهها لخدمة المصالح الأمريكية فذلك أسلوب غربي درجت عليه الدوائر الاستعمارية، وبرعت فيه، ولا يجب التقليل من قيمة هذا التوجيه، أو الاستخفاف بمراميه لأن الدوائر الاستعمارية تملك من إمكانات التوجيه والتحكم الشيء الكثير؛ فقد يكون من أساليب ذلك التوجيه دفع الحركة الإسلامية -دون وعي منها- إلى اتجاهات تشتت جهدها، وتستفرغ طاقتها، وقد يكون منها شغلها بمعارك جانبية، أو أهداف وهمية.
ولقد رأينا كيف تحول العداء الموجه إلى السياسة الأمريكية وعملائها -بعد غزو روسيا لأفغانستان- إلى روسيا، مما دفع بعض المحللين إلى القول بأن الغزو الروسي لأفغانستان تم بتنسيق مقبوض الثمن بين أمريكا والروس..
ونحن لا نريد أن نتوه في متاهة التحليلات التي كثيراً ما تكون هي نفسها موجهة، ولكن الذي نريد أن ننبه إليه هو أن جعبة الاستعمار تحوي الكثير من المفاجآت والأساليب والخطط.
وسواء كان غزو أفغانستان بتنسيق مشترك بين الأمريكان والروس أو لم يكن فمن المهم أن نعرف أن التخطيط لا يمكن مواجهته بالارتجال والاستنتاجات العفوية، وإنما يواجه بتخطيط علمي منظم يدرس كافة الاحتمالات، ويستوعب الصورة من جوانبها المختلفة، ويقدر لكل حالة ما يلائمها.
ونحن لا نشك لحظة في المصلحة المشتركة بين الشرق والغرب في ضرب الصحوة الإسلامية، وانهما معاً ومن خلفهما الدول الدائرة في فلكهما -سواء تم تنسيق أم لم يتم- يستخدمون كل ما يملكون لمنع قيام قوة إسلامية لها وجود عالمي مؤثر في توازن القوى الاستعمارية بأي حال من الأحوال، ولا يجب أن يغيب عن وعينا لحظة واحدة أن هذه القوى تملك من وسائل التوجيه والتأثير في العالم الإسلامي الشيء الكثير، وإنها عند الضرورة لن تتورع عن التدخل السافر المكشوف، ومن هنا يتحتم على الحركة الإسلامية أن يكون لها عقلها الواعي المدبر، القادر على التخطيط الواعي المنظم.
إن فرصتنا باتساع مدى الصحوة الإسلامية، والعجز الظاهر حالياً عن احتوائها وتدجينها لا يجوز أن يشغلنا لحظة واحدة عن الخطر ومداه وإمكاناته، كما لا يجب أن نغفل لحظة واحدة عن أن الصحوة الإسلامية تواجه أعداء أقوياء مدربين على العمل المخطط والمنظم، ولهم يد طويلة في كل ركن من أركان العالم الإسلامي، ولهم وسائل تأثير وعمل نشطة وقوية وراءها رصيد هائل من الخبرة والتجربة.
إجهاض الصحوة الإسلامية أخطر من نكبة الأندلس: إن إجهاض الصحوة لو حدث فسوف يكون كارثة أشد هولاً بما لا يقاس من نكبة الأندلس، لأن نكبة الأندلس وإن تمثلت في عملية استئصال بشعة، إلا أنها كانت محصورة في طرف، ولم تشمل الأمة كلها، أما خطر إجهاض الصحوة فإنه يهدد مستقبل الأمة الإسلامية كلها بل يهدد وجودها كله، ذلك لأنه سيجعل الطريق خالياً تماماً من أي عوائق لتكمل العلمانية مهمتها التي تمارسها بجد ونشاط منذ أكثر من قرن من الزمان، هذه المهمة التي تتمثل في إنهاء الوجود الإسلامي تماماً وتبديل الإسلام وليس مجرد تحريفه ديناً آخر يكون مطية للعلمانية وأداة من أدواتها، وجزءاً من الشكل العام الذي صاغت فيه نفسها، هذا إذا كتبت الغلبة للعلمانية الغربية التي حافظت على الدين بمفهومها الخاص كجزء من الشكل (الديكور) الخاص بها لأنها تزعم أنها تؤمن بحرية العقيدة -بمفهومها الخاص طبعاً للعقيدة- ضمن منظومتها الخاصة بها في الحرية والتي تحرص على أن تكون سمتها التي تميزها عن العلمانية الشرقية أي الشيوعية.
أما إذا كتبت -ونعوذ بالله من كلا الحالتين- الغلبة للعلمانية الشرقية أي الشيوعية، فإنها سوف تتعامل مع الإسلام كبقايا متخلفة من عصور تجاوزها التطور (ديالكتيك الطبيعة) كما يقولون.
وهؤلاء لا يريدون الدين كشكل (ديكور) لأن نظامهم يقوم على الإلحاد كعقيدة ولا يؤمنون بالمفهوم الغربي للحرية، ويرون الدين مظهراً من مظاهر التخلف التي يجب التخلص منها نهائياً..
إنني لا أتكلم هنا عن تصور مستقبلي لشكل الكارثة، وإنما أتكلم عن بوادر لها واقع حقيقي في العالم الإسلامي سواء فيما يتعلق بالعلمانية الغربية أو العلمانية الشرقية.(14/165)
العلمانية هي الخطر الحقيقي الذي يهدد الوجود الإسلامي: إن الحقيقة التي يجب أن نستوعبها استيعاباً عميقاً يحرك في أعماقنا إحساساً متكافئاً بالخطر، هي أن العلمانية بشقيها أو بشطريها هي الخطر الحقيقي الذي يهدد الوجود الإسلامي تهديداً مباشراً، ذلك لأن العلمانيين يعلمون أكثر مما نعلم نحن - مع شديد الأسف- أن التهديد الحقيقي للعلمانية لا يتمثل في شيء على المدى الطويل كما يتمثل في الإسلام، لأن الإسلام وحده هو الذي يملك إمكانات حقيقية (علمية وعملية وتنظيمية) لمواجهة العلمانية والتصدي لها، إن قوة الإسلام تتمثل -كما يعرف هؤلاء بأكثر مما نعرف نحن (مع شديد الأسف) - في أساسه العلمي الراسخ الذي لا توجد فيه أي ثغرة من ثغرات الضعف الذي يتمثل في جزء خرافي أو أسطوري أو تلفيقي كما هو شأن الأديان الأخرى، وهي الثغرات التي أمكن للعلمانية أن تستغلها عند الأديان الأخرى لتضربها في مقتل...
إنهم يعلمون أكثر مما نعلم نحن –ويا للحسرة- أن الإسلام لم يعتمد قط على أي عنصر خرافي أو أسطوري للترويج لنفسه.
وأن قوته الهائلة إنما استمدها من الطرح العلمي الخالص الذي استقطب عقول العقلاء، الذين دانوا له بالطاعة، والذين كان ليقينهم العلمي الراسخ بأن الإسلام حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هذه القوة الدافقة الهائلة التي لا يعرف التاريخ لها نظيراً، وأنهم إذا كانوا قد حاربوا الدين في الغرب أو الشرق باسم العلم فإن هذا الدين لو نجحت الصحوة الإسلامية في إعادة عرضه بدءاً مما ألحقه به الجهلاء بل والأعداء المخربون من خرافات وأساطير، فإنه سوف يستعيد سلطانه الساحق على العقول التي تؤمن بالعلم، وهو السلطان الذي دانت له ومن أجله العقول في الماضي، ودانت لهم الدنيا من بعد بفضل تمسكهم به؛..
ويومها لن تستطيع قوة في الأرض أن تقف في وجهه لا باسم العلم، ولا باسم العقل ولا باسم أي شيء آخر.
مسئولية الدعاة عن توجيه الصحوة: لذا فإن الدعاة مسئولون أمام الله - تعالى -مسئولية كبرى عن توجيه الصحوة وحمايتها، إن هذه الصحوة في أشد الحاجة إلى القيادة المؤمنة الواعية التي تستطيع توجيهها إلى العمل الصائب الذي يُجَنّبْهَا المخاطر، ويجعلها على وعي بالفخاخ المنصوبة على كل خطوة في الطريق..
إن أكثر ما يملأ النفس حسرة وأسى هو رؤيتها للنيران التي توقد للشباب المسلم في كل مكان، لقد حدثنا القرآن الكريم عن أخدود واحد من الأخاديد التي حفرها الطغاة ليحرق فيها المؤمنون، ودعانا إلى أن نلعن هؤلاء الطغاة، بل علمنا كيف نلعنهم فقال - تعالى -: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الوَقُودِ * إذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * ومَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [البروج: 4-9].
إن القرآن الكريم لا يعرض علينا صورة من الماضي نتسلى بها، ولا يعرضها على المؤمنين ليتعزوا بها فقط إذا ابتلوا، وإنما يعرضها علينا ليكشف لنا عن النهج الطاغوتي في مواجهة المؤمنين، وليبين لنا أن الطواغيت لا تتردد مطلقاً في أن تعمد إلى أبشع الوسائل لسحق الإيمان إذا شعرت أنه يعرض طاغوتيتها للخطر، وهو يكشف لنا في نفس الوقت عن حجم الإيمان المطلوب ليكافئ هذا الخطر الطاغوتي ويواجهه..
وهذا الإيمان المطلوب ليس هتافاً تشق به الحناجر عنان السماء، ولا هو كلمات لاهبة تصب لعناتها على الطغاة، إنه ثمرة جهد صبور معين واعٍ في التعليم والإعداد والتربية، والذين عاينوا وجربوا وواجهوا يعلمون علم اليقين أي نوع من الإيمان، وأي قدر من الإيمان هو المطلوب لمواجهة المحارق التي يَستنزل هَوْلها الحليم من علياء حلمه، ويستخرج الجلد الصبور من جلده وصبره.
خطر استهلاك الشباب: وإنها لجريمة لا تَعْدلها جريمة أن يعبث عابث باسم الإسلام بشحن الشباب الغض الذي لم يستوِ على سوقه، ولم يستحصد عوده، ولم تكتمل أهبته، ثم يدفعه بجهل وغرور وحمق إلى المحارق التي قد تفتن هذا الشباب عن دينه، وما أكثر ما فتنت..
ثم ما أشد ظلم هؤلاء إذا ألقوا من بعد المسئولية على الشباب إذا فتنوا، وتاهوا، وضاعوا، بل وانقلبوا أحياناً حرباً على الإسلام، وأدوات في أيدي أعدائهم.
ثم إنها لجريمة أخرى أن يحجم الدعاة عن توجيه هذا الشباب مكتفين باتهامهم بالتطرف أو الغلو أو الجهل، مع أن غيرهم أولى بأن يتهم بالتقصير في البلاغ والبيان والنصح، لا أعني به هذا البلاغ الذي يتمثل في كلمة تلقى إلى الشباب من مذياع أو تلفاز أو صحيفة كثيراً ما يكون أصحابها قد تقاضوا عليها أجراً يصبحون بعد ذلك راضين عن أنفسهم متصورين أنهم أدوا الأمانة، ونصحوا للأمة، فإذا لم يستجب الشباب لنصحهم فاللوم يقع على عاتق الشباب لا عليهم.
إن العمل المطلوب هو بذل أقصى الجهد من أجل تبصير الشباب بحقائق الواقع، وتسليحهم بفهم سليم للإسلام، وإنه لمما يحز في النفس أن يترك الشباب هكذا، دون خبرة كافية بأساليب العمل، ودون فقه كافٍ بالإسلام، ودون عالم كاف بحقائق الحياة، ودون معرفة صحيحة بالتاريخ، ودون وعى كاف بأحوال العصر وظروفه وقواه ومتغيراته..
يترك هكذا في مواجهة آلات جهنمية تستغل فيه حماسته لدينه، مستدرجة إياه هنا وهناك إلى معارك تفتعلها لصرف الأنظار عن فشل، أو عن تورط..(14/166)
إن مسئوليتنا أمام ربنا تحتم علينا أن نحول بكل ما نملك من خبرة وعلم وجهد دون استهلاك هذا الشباب في مواجهات غير متكافئة لم يعدوا لها، ولم يختاروا زمانها..
كما أنها تحتم الحيلولة دون استهلاك هذا الشباب نفسه في صراعات داخلية في نطاق الحركة نفسها سببها الأساسي قلة العلم، وقلة الفقه، وقلة الخبرة.
الاختلاف والفرقة أشدا خطراً: ومع التحذير الذي قدمناه من المخاطر الخارجية، نحذر كذلك من مخاطر داخلية داخل الصحوة نفسها هو خطر الاختلاف والفرقة، بل إن هذا الخطر أشد تدميراً من خطر الإجهاض الخارجي، ذلك أن الخطر الخارجي إنما يمارس دوره من خلال منافذ وثغرات في البناء، وأخطر هذه الثغرات والمنافذ هي الاختلاف والفرقة، وبقدر ما ندعو إلى الحذر من الخطر الخارجي ندعو كذلك إلى ألا نجعل من هذا الخطر " شماعة " نعلق عليها عجزنا ونبرر بها فشلنا، بل إنا لا يجب أن نلوم القوى الخارجية، أو نتوقع منها شيئاً آخر غير ما تفعله بنا، وإنما يجب أن نلوم أنفسنا.
لقد قامت هذه القوى أساساً على استغلال الغير، ولذا فلا توجد حدود أو اعتبارات تردعها عن هذا الاستغلال، وهذه القوى لا تعرف إلا شيئاً واحداً اسمه (المصالح)، وهي من أجل ضمان هذه المصالح لا تتورع عن ارتكاب أشنع الجرائم التي تؤثمها أية معايير أخلاقية، ذلك أن السياسة الغربية فصلت منذ قرون فصلاً تاماً وكاملاً ونهائياً بين الأخلاق من أي نوع وبين المصلحة سواء كانت مصلحة قومية أو فردية، وذلك منذ أن دانت بدين المذهب الطبيعي الذي يقول: بالبقاء للأصلح الذي هو الأقوى، وليس الأحسن خلقاً، والذي يؤمن أصحابه إيماناً مطلقاً بحق القوي في استغلال الضعيف وتسخيره، بل فرقوا بين نوعين من الأخلاق: أخلاق القوة التي ترى الرحمة والشفقة والإحسان والتسامح عجزاً وضعفاً؛ وأخلاق الضعف التي ترى الرحمة والشفقة والإحسان والتسامح ديناً وتقوى؛ وهم يعدون الأولى هي الأخلاق التي تليق بالسادة المؤهلين تأهيلاً طبيعياً للسيادة والسيطرة، ويعدون الثانية هي أخلاق العبيد المؤهلين أيضاً تأهيلاً طبيعياً للخضوع والذل والمسكنة، وقد ساد هذا المذهب في الغرب والشرق، فظهر في فرنسا في صورة الوضعية التي أسسها (أوجست كونت) وفي إنجلترا في صورة المذهب الحسي عند (بنتام) وفي صورة الفلسفة التطورية عند (دارون) و (هربرت سبنسرا)، بل إن هربرت سبنسر صرح بأن من حق الشعوب القوية استعمار الشعوب الضعيفة، وفي ألمانيا في فلسفة القوة عند نيتشه والذي مجد الشراسة والافتراس كخلق إنساني للأقوياء، وأفرز النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، وفي إيطاليا سبق (ميكافيللي) إلى تقرير المذهب الذي يعرف باسمه اليوم ويدين به الساسة في كل بلد، والذي يقول بأنه لا أخلاق في السياسة، وفي أمريكا ظهر في صورة المذهب النفعي (البراجماتى) الذي أسسه وليم جيمس، وفي روسيا في صورة الشيوعية..
وعليه فيجب أن نتصرف على أساس أن سلوك الاستعماريين هو سلوك ثابت مؤسس على اعتقاد راسخ، وليس مجرد نزوات طارئة أو وقتية..
ولاشك أن الذي مكن وما يزال يمكن للاستعماريين فينا هو عجزنا وضعفنا وهواننا وفرقتنا، ولكن حين يكون التفرق والاختلاف في الصحوة التي تعقد عليها الآمال في خروج الأمة الإسلامية من بئر الهوان فإن الأمر لا يحتمل التلكؤ، وإنه جد خطير..
ولنواجه الواقع الإسلامي دون لف أو دوران، ودون مواربة لأن ذلك يعني ترك الخرق يتسع، والشق يتحول إلى شقوق تؤدي في نهاية الأمر إلى انفجار الصحوة من داخلها، وساعتها لا ينفع الندم، وساعتها لن يكون الحساب حساب الذين اختلفوا وحدهم، وإنما سيكون أيضاً حساب الذين عرفوا وسكتوا، والساكت عن الحق شيطان أخرس.
اختلاف الناس: لا أقول إنه يمكن رفع الاختلاف كلية، لأن الاختلاف في الناس سنة من سنن الله - تعالى -من أجلها خلقهم، قال - تعالى -: (ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ولا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ولِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود /118].
جاء في تفسير هذه الآية: »يخبر - تعالى -أنه قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة من إيمان أو كفر كما قال - تعالى -: (ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً)، وقوله: (ولا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ) أي ولا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم.
قال عكرمة: مختلفين في الهدى، وقال الحسن البصري: مختلفين في الرزق يسخر بعضهم بعضاً، والمشهور الصحيح الأول« [تفسير ابن كثر 1 /464-465].
الاختلاف في المسلمين أكثر منه في أهل الكتاب السابقين: بل لقد حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث الفرق المشهور من أن الاختلاف في أمته سيكون أكثر من الاختلاف في اليهود والنصارى، وقد روي هذا الحديث بطرق كثيرة منها ما رواه أبو داود في سننه من حديث معاوية بن أبى سفيان -رضي الله عنهما-، أنه قام فقال: ألا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فينا فقال: »إلا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة وهي الجماعة، وإنه سيخرج من أمتي أقوام تَجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلَب بصاحبه«.(14/167)
لا عذر في الاختلاف الذي سببه الأهواء والشهوات: لكن ذلك لا يعني أن أهل الخلاف معذورون في اختلافهم عند الله - تعالى -، بل العكس هو الصحيح، وهو أنهم محجوجون عنده، لأن الاختلاف وقع منهم بسبب أهوائهم وشهواتهم، ولذلك تخلفت عنهم رحمة الله - تعالى - التي كتبها للذين يتبعون هداه ويخالفون أهواءهم وشهواتهم، ولا يخالفون هدى الله، ولذا قضى الله عليهم بالعذاب ما لم يتوبوا.
الاختلاف الذي يعذر فيه: إنما يعذر في الاختلاف الذي يكون سببه الجهل وفساد التأويل فيما يعذر المخالف فيه بجهله أو بفساد تأويله مما لا يكون معلوماً من الدين بالضرورة، أو مما يجب على كل مسلم أن يعرفه، وهذا النوع من الاختلاف، يجب فيه تعليم الجاهل، وبيان فساد التأويل للمتأول، مع التأكيد على المخالف بعد البيان إذا أصر على الخلاف بعد البيان يكون متبعاً لهواه مفارقاً للجماعة التي من شذ عنها شذ في النار.
خلاف يثاب عليه: وفي داخل الجماعة التي كون من شذ عنها شذ في النار، خلاف أعذر الله فيه المخالفين من المجتهدين في فقه الأحكام العملية فيما يجوز فيه الاجتهاد، ولأنهم استفرغوا الوسع، وبذلوا الجهد، ولم يتبعوا أهواءهم وعدهم الله بالأجر حتى مع الخطأ.
من أجل ذلك كله دعوت وأدعو إلى المراجعة البناءة للعمل الإسلامي لتوجيه الصحوة الإسلامية، وحمايتها من المخاطر التي تتهددها، ويجب أن تكون المراجعة على منهج هدفه أن يحصر الخلاف، ويتعلم الجاهل، ويتنبه المتأول ويلزم الناس الجماعة التي بدونها تصبح الصحوة فقاعة في الهواء؛ ولن يتحقق ذلك إلا على أساس من فقه صحيح للإسلام.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============
المخالطة
لقد استدار الزمان؛ وإذا بالصالحين ذهبوا الأول فالأول، فَقَلَّ للزمانِ خيره، وتكدر صفوه، وتعسَّر بِرُّه.
عَنْ مِرْدَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم –: "يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ (1) كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ، أَوْ التَّمْرِ لَا يُبَالِيهِمْ اللَّهُ بَالَةً". (2)
فكيف بمن هذا حاله! وأنت ترى العهود مَرِجت والأمانات خفت، والدين قد رق، فأصبح الحليم سفيها، والسفيه حليما، وأصبح المهزار أنيسا، والتقيُّ عييّا.
استمع لهذا الحديث.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً؛ تَبْقَى حُثَالَةٌ مِنْ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ، وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَقَالُوا: وَكَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ، وَتَذَرُونَ مَا تُنْكِرُونَ، وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ، وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ. (3)
مخالطة من حاد عن طريق الله:
إحذر مخالطةَ عُبَّادِ النفس، ومن تلبس بفسق، أو اتَّبَع هواه؛ فإن مجاورة هؤلاء جَرَب لازم، لا يبتعد ولا يسكن عن صاحبه، فقلبه حاد عن طريق مولاه، وجوارحه كَلَّت في رضى نفسه وهواه، إن تكلم تكلم بمعصية، وإن تحرك تحرك في معصية، فهذا الصنف من الناس لا حياة فيه، فهو لا يعرف ربه، ولا يعبده بأمره ونهيه، بل هو واقف مع شهواته ولذاته، ولو كان فيها سخط ربه وغضبه، فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته وحظه، أرضى ربه أم أسخطه. فهو متعبد لغير الله - حبا، وخوفا، ورجاء، ورضا، وسخطا، وتعظيما، وذلا، إن أحب أحب لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه، فهواه آثر عنده وأحب إليه من رضا مولاه، فالهوى إمامه والشهوة قائده، والجهل سائقه، والغفلة مركبه، فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور، يُنَادى إلى الله وإلى الدار الآخرة من مكان بعيد، ولا يستجيب للناصح، ويتبع كل شيطان مريد، الدنيا تسخطه وترضيه والهوى يصمه عما سوى الباطل ويعميه، فهو في الدنيا كما قيل في ليلى:
عَدُوٌ لِمَنْ عَادَتْ وَسِلْمٌ لأهْلِهَا *** وَمَنْ قَرَّبَتْ لَيْلَى أَحَبَّ وَأَقْرَبا
فمخالطة صاحب هذا القلب سِقم، ومعاشرته سُم، ومجالسته هلاك.
قال - تعالى -: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)} (4)
عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً". (5)(14/168)