أخي المسلم: ذلك خير عظيم تناله إذا يسّرت على أخيك المسلم في الدَّيْن، وهو عمل قليل تدرك من خلفه ذلك الثواب كله! فلا تكوننّ في ذلك من المغبونين!
فحاسب نفسك أيها العاقل: أين أنت من ثواب الصدقة! ذلك الذُخر العظيم.. والثواب الكبير!
ثم أخي المسلم لا بد أن تعلم أن فضائل الصدقة كثيرة وعظيمة.. وهي ثمار يجنيها المتصدقون!
فإليك فضائل الصدقة؛ حتى تقف على شرفها..
الصدقة تطفئ الخطيئة:
ففي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال رسول الله : {.. والصدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار!.. } [رواه الترمذي وغيره/ صحيح الترمذي للألباني:2616].
الصدقة تدفع المكروه:
قال رسول الله : { صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السِّر تُطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر } [رواه الطبراني/ صحيح الجامع:3797].
قال ابن أبي الجعد: ( إن الصدقة لتدفع سبعين باباً من السوء! ).
الصدقة سبب في نماء المال وبركته:
قال الله تعالى: يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:276].
وقال رسول الله : { ما نقصت صدقة من مال.. } [رواه مسلم].
الصدقة تقرِّبك من الله تعالى:
قال عبدالعزيز بن عمير: ( الصلاة تبلغك نصف الطريق، والصوم يبلغك باب الملك، والصدقة تدخلك عليه! ).
الصدقة تظلل صاحبها يوم القيامة:
قال رسول الله : { كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضي بين الناس! } [رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم/ صحيح الترغيب:872].
المتصدق في ظل العرش يوم القيامة:
ففي حديث السبعة الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: { ورجلٌ تصدّق بصدقة فأخفاها؛ حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه! } [رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري].
وقال رسول الله : { من نفّس عن غريمه، أو محا عنه، كان في ظل العرش يوم القيامة } [رواه البغوي في شرح السنة صحيح الترغيب:911].
الصدقة وقاية من النار:
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: قال النبي : { اتقوا النار! } ثم أعرض وأشاح، ثم قال: { اتقوا النار! } ثم أعرض وأشاح ثلاثاً، حتى ظننا أنه ينظر إليها، ثم قال: { اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة } [رواه البخاري ومسلم].
الصدقة سبب في تيسير موقف الحساب يوم القيامة:
قال عبيد بن عمير: ( يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قَطْ، وأعطش ما كانوا قَطْ، وأعرى ما كانوا قَطْ، فمن أطعم لله عز وجل، أشبعه الله؛ ومن سقى لله عز وجل، سقاه الله؛ ومن كسا لله عز وجل، كساه الله ).
الصدقة تُطفئ حر القبور:
قال رسول الله : { إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حرّ القبورّ! وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظلّ صدقته } [رواه الطبراني والبيهقي/ صحيح الترغيب].
أخي المسلم: تلك هي الصدقة.. وذلك هو شرفها وفضلها.. فحاسب النفس: أين هي من ذلك كله؟!
واغتنم العمر في فعل الصالحات.. فإن قليلاً تُقدمه بين يديك اليوم؛ خيرٌ لك من كنز الأموال، والبخل بإنفاقها..
فإنك إذا أتيت غداً؛ وجدت ثواب صدقتك؛ فتسر بذلك وتحمد الله تعالى.. فأنفق قبل أن لا تنفق.. وتصدّق قبل حلول هادم اللذات.. ومفرّق الجماعات!
وجعلني الله وإياك من أهل الصدق.. وأعانني وإياك على الطاعات..
والحمد لله تعالى.. وصلى الله وسلم على النبي محمد وآله والأصحاب.
================
وبشر الصابرين
دار الوطن
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلما كان الصبر نصف الإيمان، وخلقاً فاضلاً من أخلاق النفس، وقائداً للنفس إلى طاعة الله، صارفاً لها عن معصيته، كان ضرورياً أن نبين حقيقته وفضله وأنواعه ومراتبه وحال الناس معه، والأمور التي تقدح فيه وتنافيه، في وقت كثرت فيه المصائب، وعمت الفتن، وزادت الشبهات، وأصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر، وصارت حاجة الناس إلى الصبر لا تقل عن حاجتهم إلى الطعام والشراب. فنسأل الله تعالى أن يرزقنا الصبر على طاعته، الصبر عن معصيته، والصبر على قضائه وقدره، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
حقيقة الصبر وحال الناس معه
الصبر هو حبس النفس عن الجزع، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب ونحوهما. وهو خُلق فاضل من أخلاق النفس، يُمتنع به من فعل ما لا يُحسن ولا يَجْمُل. وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها. وقيل: ( هو المقام على البلاء بحسن الصحة كالمقام مع العافية ). ومعنى هذا أن لله على العبد عبودية في عافيته وفي بلائه، فعليه أن يحسن صحبة العافية بالشكر، وصحبة بلاء بالصبر.
وسئل عنه الجنيد فقال: ( هو تجرع المرارة من غير تعبس ). وقال ذو النون: ( هو التباعد عن المخلفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة ).
والصبر للنفس بمنزلة الخطام والزمام، فهو الذي يقودها في سيرها إلى الجنة أو النار، فإن لم يكن للمطية خطام ولا زمام شردت في كل مذهب. وحُفظ عن بعض السلف قوله: ( اقدعوا هذه النفوس فإنها طلعة إلى كل سوء ) أي: كُفُوها عما تتطلع إليه من الشهوات. فرحم الله امرأً جعل لنفسه خطاماً وزماماً فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وصرفها بزمامها عن معاصي الله، فإن الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه.
فحقيقة الصبر إذن أن يجعل العبد قوة إقدامه مصروفة إلى ما ينفعه، وقوة إحجامة إمساكاً عما يضره.(11/20)
أما عن حال الناس مع الصبر: فمنهم من تكون قوة صبره على فعل ما ينتفع به أقوى من صبره عما يضره؛ فيصبر على مشقة الطاعة ولا صبر له عن دواعي هواه إلى ارتكاب ما نُهي عنه. ومنهم من تكون قوة صبره عن المخلفات والمعاصي أقوى من صبره على مشقة الطاعات. ومنهم من لا صبر له على هذا ولا على ذاك. فكثير من الناس يصبر على مشقة الصيام في الحر وفي مشقة قيام الليل في البرد، ولا يصبر عن نظرة محرمة. وكثير منهم يصبر عن النظر إلى المحرمات وعن الالتفات إلى الصور العارية، ولا صبر له على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار والمنافقين، بل هو أضعف شيء عن هذا. وأكثرهم لا صبر له على واحد من الأمرين، وأقلهم أصبرهم في الموضعين، ولهذا قيل: ( الصبر ثبات باعث العقل والدين في مقابلة باعث الهوى والشهوة ).
فضل الصبر
للصبر فضائل كثيرة منها: أن الله يضاعف أجر الصابرين على غيرهم، ويوفيهم أجرهم بغير حساب، فكل عمل يُعرف ثوابه إلا الصبر، قال تعالى: إنَمَا يُوَفَى الصَابِرُونَ أجّرَهُم بِغَيرٍ حِسابٍ [الزمر:10]. وأن الصابرين في معية الله، فهو معهم بهدايته ونصره وفتحه، قال تعالى: إنّ الله مَعَ الصّابِرينَ [البقرة:153]. قال أبو على الدقاق: ( فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله معية ).
وأخبر سبحانه عن محبته لأهله فقال: وَاللّهُ يُحِبُ الصّابِرِينَ [آل عمران:146] وفي هذا أعظم ترغيب للراغبين. وأخبر أن الصبر خير لأهله مؤكداً ذلك باليمين فقال سبحانه: وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَابِريِنَ [النحل:126]. وجمع الله للصابرين أموراً ثلاثة لم يجمعها لغيرهم وهي: الصلاة منه عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، قال تعالى: وَبَشّرِ الصّابِرينَ (155) الّذِينَ إذَآ أصَا بَتتهُم مُصِيَبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وَإنّآ إلَيهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌُ مِن رّبِهِم وَرَحمَةٌ وَأولئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ [البقرة:155-157].
وقال بعض السلف وقد عُزِي على مصيبة وقعت به: ( مالي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثلاث خصال، كل خصلة منها خير من الدنيا وما عليها ).
ومنها أيضاً أن الله علق الفلاح في الدنيا والآخرة بالصبر، فقال: يآأيُهَا الّذِينَ ءَامَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلَكُم تُفلِحُونَ [آل عمران:200] فعلق الفلاح بمجموع هذه الأمور.
واستقصاء جميع فضائل الصبر يطول، وسيأتي مزيد عند الحديث عن الصبر في القرآن والسنة.
أنواع الصبر
أنواع الصبر ثلاثة كما قال أهل العلم وهي: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله. ومرجع هذا أن العبد في هذه الدنيا بين ثلاثة أحوال: بين أمر يجب عليه امتثاله، وبين نهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وبين قضاء وقدر يجب عليه الصبر فيهما، وهو لا ينفك عن هذه الثلاث ما دام مكلفاً، وهو محتاج إلى الصبر في كل واحد منها. وهذه الثلاثة هي التي أوصى بها لقمان ابنه في قوله: يَابُنَي أقِمِ الصَلآةَ وَأمُر بِالمَعرُوفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِر عَلَى مَآأصَابَكَ [لقمان:17]. بالإضافة إلى أن الصبر في اللغة هو الحبس والمنع، فيكون معناه حبس النفس على طاعة الله، وحبس النفس ومنعها عن معصية الله، وحبس النفس إذا أصيبت بمصيبة عن التسخط وعن الجزع ومظاهره من شق الجيوب ولطم الخدود والدعاء بدعوى الجاهلية.
أما الصبر على الطاعات فهو صبر على الشدائد؛ لأن النفس بطبعها تنفر عن كثير من العبادات، فهي تكره الصلاة بسبب الكسل وإيثار الراحة، وتكره الزكاة بسبب الشح والبخل، وتكره الحج والجهاد للأمرين معاً، وتكره الصوم بسبب محبة الفطر وعدم الجوع، وعلى هذا فقس. فالصبر على الطاعات صبر على الشدائد.
والعبد يحتاج إلى الصبر على طاعته في ثلاث أحوال:
الأولى: قبل الشروع في الطاعة بتصحيح النية والإخلاص وعقد العزم على الوفاء بالمأمور به نحوها، وتجنب دواعي الرياء والسمعة، ولهذا قدم الله تعالى الصبر على العمل فقال: إلا الّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصا لِحاتِ [هود:11].
الثانيه: الصبر حال العمل كي لا يغفل عن الله في أثناء عمله، ولا يتكاسل عن تحقيق آدابه وسننه وأركانه، فيلازم الصبر عند دواعي التقصير فيه والتفريط، وعلى استصحاب ذكر النية وحضور القلب بين يدي المعبود.
الثالثة: الصبر بعد الفراغ من العمل، إذ يحتاج إلى الصبر عن إفشائه والتظاهر به للرياء والسمعة، والصبر عن النظر إلى العمل يعين العجب، والصبر عن الإتيان بما يبطل عمله ويحيط أثره كما قال تعالى: لاَ تُبطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالمَنِ وَالأذَى [البقرة:264] فمن لا يصبر بعد الصدقة عن المن والأذى فقد أبطل عمله.
فالطاعة إذن تحتاج إلى مجاهدة وصبر، ولهذا قال النبي : { حفت الجنة بالمكاره.. } [رواه مسلم] أي بالأمور التي تشق على النفوس.
وأما الصبر عن المعاصي فأمره ظاهر، ويكون بحبس النفس عن متابعة الشهوات، وعن الوقوع فيما حرم الله. وأعظم ما يعين عليه ترك المألوف، ومفارقة كل ما يساعد على المعاصي، وقطع العادات، فإن العادة طبيعة خاصة، فإذا إنضمت العادة إلى الشهوة تظاهر جندان من جند الشيطان على جند الله، فلا يقوى باعث الدين على قهرهما. ولهذا قال النبي صلى الله عليه، وسلم: {.. وحفت النار بالشهوات } وذلك لأن النفوس تشتهيها وتريد أن تقتحم فيها، فإذا حبس الإنسان نفسه عنها وصبر على ذلك كان ذلك خيراً له.(11/21)
وأما الصبر على البلاء فقد قال الله تعالى: وَلَنَبلُوَنّكُم بِشَىءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثّمَراتِ وَبَشِرِ الصّابِرينَ [البقرة:155]. ويكون هذا الصبر بحبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله تعالى، والقلب عن التسخط والجزع، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوها.
فالصبر من العبد عند وقوع البلاء به هو اعتراف منه لله بما أصاب منه واحتسابه عنده ورجاء ثوابه، فعن أم سلمة قالت: قال رسول الله : { إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها، وأبدل لي بها خيراً منها } [رواه أبو داود].
فلما احتضر أبو سلمة قال: ( اللهم اخلفني في أهلي خيراً مني ). فلما قبض قالت أم سلمة: ( إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله أحتسب مصيبتي ). فانظر عاقبة الصبر والاسترجاع ومتابعة الرسول والرضا عن الله إلى ما آلت إليه. ونالت أم سلمه نكاح أكرم الخلق على الله محمد .
مراتب الصبر
وهي ثلاثة كما ذكر ابن القيم رحمه الله:
الأولى: الصبر بالله، ومعناها الاستعانة به، ورؤيته أنه هو المُصيّر، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه، كما قال تعالى: وَاصبِر وَمَا صَبرُكَ إلا بِاللّهِ [النحل:127] يعني: إن لم يُصبرك الله لم تصبر.
الثانية: الصبر لله، وهو أن يكون الباعث له على الصبر محبة الله تعالى، وإرادة وجهه والتقرب إليه، لا لإظهار قوة نفسه أو طلب الحمد من الخلق، أو غير ذلك من الأغراض.
الثالثة: الصبر مع الله، وهو دوران العبد مع مراد الله منه ومع أحكامه، صابراً نفسه معها، سائراً بسيرها، مقيماً بإقامتها، يتوجه معها أينما توجهت، وينزل معها أينما نزلت، جعل نفسه وقفاً على أوامر الله ومحابه، وهذا أشد أنواع الصبر وأصعبها، وهو صبر الصديقين.
قال الجنيد: ( المسير من الدنيا إلى الآخرة سهل هين على المؤمن، وهجران الخلق في جنب الله شديد، والمسير من النفس إلى الله صعب شديد، والصبر مع الله أشد ).
الصبر في القرآن
ذكر ابن القيم رحمه الله كثيراً من المواضع التي ورد بها الصبر في القرآن الكريم، ونقل عن الإمام أحمد رحمه الله قوله: ( ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن الكريم في نحو تسعين موضعاً ) ونحن نذكر بعض الأنواع التي سيق فيها الصبر في القرآن الكريم ومنها:
1 - الأمر به كقوله تعالى: وَاصبِر وَمَا صَبُركَ إلا بِاللّهِ [النحل:127]، وقوله: وَاصبِر لِحُكِمِ رَبِكَ [الطور:48].
2 - النهي عن ضده وهو الاستعجال كقوله تعالى: فَاصبِر كَمَا صَبَرَ أُولُوا العَزمِ مِنَ الرُسُلِ وَلاَتَستَعجِل لَهُم [الأحقاف:35]. وقوله: وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحُوُتِ [القلم:48].
3 - الثناء على أهله، كقوله تعالى: وَالصّابِرِينَ فِي البأسآء وَالضّرآء وَحِينَ البأسِ أُولَئِكَ الّّذَينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَقُونَ [البقرة:177].
4 - تعليق النصر والمدد عليه وعلى التقوى، كقوله تعالى: بَلَى إن تَصبِرُوا وَتَتَقُوا وَيَأتُوكُم مِن فَورِهِم هَذَا يُمدِدكُم بِخَمسَةٍ ءَالَفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِمِينَ [آل عمران:125]، ولهذا قال النبي : { واعلم أن النصر مع الصبر }.
5 - الإخبار بأن الفوز بالمطلوب المحبوب، والنجاة من المكروه المرهوب، ودخول الجنة وسلام الملائكة عليهم، إنما نالوه بالصبر، كما قال: وَالملائكةُ يَدخُلُونَ عَلَيِهِم مِن كُلِ بَابٍ (23) سَلاَمٌ عَلَيكُم بِمَا صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى الدّارِ [الرعد:24،23].
6 - الإخبار أنه إنما ينتفع بآيات الله ويتعظ بها أهل الصبر، كقوله تعالى: وَلَقَد أرسَلنَا مُوسَى بِئآياتِنآ أن أخرِج قَومَكَ مِنَ الظُلُماتِ إلى النورِ وَذَكِرهُم بِأيامِ اللّهِ إنَ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِ صَبّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم:5].
7 - الإخبار أن خصال الخير والحظوظ العظيمة لا يلقاها إلا أهل الصبر كقوله تعالى: وَيلَكُم ثوآبُ اللّهِ خَيرٌ لِمَن ءَامَنَ وَعَمِلَ صَلِحاً وَلاَ يُلَقاهآ إلا الصَابِرُونَ [القصص:80]، وقوله: وَمَا يُلَقاهآ إلا الذّينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَهآ إلا ذُو حّظٍ عَظِيمٍ [فصلت:35].
8 - تعليق الإمامة في الدين بالصبر واليقين، كقوله تعالى: وَجَعَلنا مِنهُم أئِمّةً يَهدُون بِأمرِنا لَمَا صَبَرُوا وَكَانُوا بِئَاياتِنا يُوقِنُون [السجدة:24]. فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
9 - أن الله أثنى على عبده أيوب بأحسن الثناء على صبره فقال: إنّا وَجَدنَاهُ صَابِراً نِعمَ العَبدُ إنَهُ أوابٌ [ص:44] فأطلق عليه نعم العبد بكونه وجده صابراً وهذا يدل على أن من لم يصبر إذا ابتلي فإنه بئس العبد.
10 - أنه سبحانه قرن الصبر بأركان الإسلام ومقامات الإيمان، فقرنه بالصلاة في قوله: وَاستَعِينُوا بِالصّبرِ وَالصّلاةِ [البقرة:45]، وبالتقوى في قوله: إنّهُ مَن يَتَقِ وَيَصبِر [يوسف:90]، وبالشكر في قوله: إن فِي ذَلِكَ لأياتٍ لِكُلِ صَبَارٍ شَكُور [لقمان:31]، وبالرحمة في قوله: وَتَوَاصَوا بِالصّبرِ وَتَوَاصَوا بِالمرحَمَةِ [البلد:17]، وبالصدق في قوله: وَالصّادِقينَ وَالصَادِقَات وَالصَابِرين وَالصّابِراتِ [الأحزاب:35].
وجعل الله الصبر في آيات أخرى سبب محبته ومعيته ونصره وعونه وحسن جزائه، ويكفي بعض ذلك شرفاً وفضلاً.
الصبر في السنه
لقد ورد في السنة النبوية أحاديث كثيرة عن رسول الله في بيان فضل الصبر والحث عليه، وما أعد الله للصابرين من الثواب والأجر في الدنيا والآخرة، ولقد بوّب العلماء للصبر أبواباً عدة في كتبهم، وذكروا تحتها من الأحاديث ما لا يحصى، ونحن نذكر هنا بعضها:(11/22)
1 - في الصحيحين عن أنس قال: مر النبي بامرأة تبكي عند قبر فقال: { اتقي الله واصبري } فقالت: إليك عني فإنك لم تُصب بمصيبتي ـ ولم تعرفه ـ فقيل لها: إنه النبي ، فأخذها مثل الموت، فأتت باب النبي فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك. فقال : { إنما الصبر عند الصدمة الأولى } فإن مفاجأة المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمها، فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر.
2 - وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: {.. ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر } [رواه البخاري ومسلم].
3 - وعن أنس قال: سمعت رسول الله يقول: { إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ـ أي عينيه ـ فصبر عوضته عنهما الجنة } [رواه البخاري].
4 - وفي الصحيحين أن رسول الله قسم مالاً فقال بعض الناس: هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله، فأُخبر بذلك رسول الله فقال: { رحم الله موسى قد أوذى بأكثر من هذا فصبر }.
والأحاديث في فضل الصبر والحث عليه أكثر من أن تحصى، وما ذُكر يكفي.
من كلا م السلف في الصبر
1 - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( وجدنا خير عيشنا بالصبر ) وقال أيضاً: ( أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريماً ).
2 - وقال علي رضي الله عنه: ( ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسد ). ثم رفع صوته فقال: ( ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له ) وقال أيضاً: ( والصبر مطية لا تكبو ).
3 - وقال الحسن: ( الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده ).
4 - وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ( ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعوضه مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيراً مما انتزعه ).
5 - وقال سليمان بن القاسم رحمه الله: ( كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر ).
6 - وقال ميمون بن مهران رحمه الله: ( الصبر صبران: فالصبر على المصيبة حسن، وأفضل منه الصبر عن المعصية ) وقال أيضاً: ( ما نال أحد شيئاً من جسم الخير فما دونه إلا بالصبر ).
أمور تقدح في الصبر وتنافيه
لما كان الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله، والقلب عن التسخط والجزع، والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب وخمش الوجوه، ونحو ذلك، كان ما يقع من العبد عكس ما ذكرته قادحاً في الصبر، منافياً له، ومن هذه الأمور:
1 - الشكوى إلى المخلوق، فإذا شكا العبد ربه إلى مخلوق مثله فقد شكا من يرحمه ويلطف به ويعافيه وبيده ضره ونفعه إلى من لا يرحمه وليس بيده نفعه ولا ضره. وهذا من عدم المعرفة وضعف الإيمان. وقد رأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى آخر فاقة وضرورة فقال: ( يا هذا، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك؟ ).
ثم أنشد:
وإذا عرتك بلية فاصبر لها *** صبر الكريم فإنه بك أعلمُ
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما *** تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحمُ
ولا ينافي الصبر الشكوى إلى الله، فقد شكا يعقوب عليه السلام إلى ربه مع أنه وعد بالصبر فقال: إِنَّما أشكُوا بَثِي وَحُزنِي إلى اللّهِ [يوسف:86].
ولا ينافي الصبر أيضاً إخبار المخلوق بحاله؛ كإخبار المريض الطبيب بحاله، وإخبار المظلوم لمن ينتصر به، إذا كان ذلك للإستعانة بإرشاده أو معاونته على زوال الضر.
2 - ومما ينافي الصبر ما يفعله أكثر الناس في زماننا عند نزول المصيبة من شق الثياب، ولطم الخدود، وخمش الوجوه، ونتف الشعر، والضرب بإحدى اليدين على الأخرى، والدعاء بالويل، ورفع الصوت عند المصيبة، ولهذا برىء النبي صلى الله علية وسلم ممن فعل ذلك.
ولا ينافي الصبر البكاء والحزن من غير صوت ولا كلام محرم، قال تعالى عن يعقوب: وَابيَّضَت عَينَاهُ مِنَ الحُزنِ فَهُوَ كَظِيم [يوسف:84]. قال قتادة: ( كظيم على الحزن، فلم يقل إلا خيراً ).
3 - ومما يقدح في الصبر إظهار المصيبة والتحدث بها. وقد قيل: ( من البر كتمان المصائب والأمراض والصدقة ). وقيل أيضاً: ( كتمان المصائب رأس الصبر ).
4 - ومما ينافي الصبر الهلع، وهو الجزع عند ورود المصيبة والمنع عند ورود النعمة، قال تعالى: إِنْ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إذا مَسَهُ الشَرُ جَزُوْعاً (20) وَإذا مَسَهُ الخَيَرُ مَنُوْعاً [المعارج:19-21].
قال عبيد بن عمير: ( ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب، ولكن الجزع القول السيىء والظن السيىء ). وقال بعضهم: مات ابن لي نفيس، فقلت لأمه: اتقي الله واحتسبيه عند الله، واصبري. فقالت: مصيبتي به أعظم من أن أفسدها بالجزع.
وأخيراً أسأل الله تعالى أن يرزقنا الصبر، وأن يجعلنا من الصابرين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
=============
الغنائم الخمس
سعيد بن أحمد القحطاني
دار الوطن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد:
ما أشبه الإنسان بالهلال يبدو في أول الشهر وليداً، ثم يكبر حتى يبلغ أشده في منتصف الشهر فيكون بدراً واضح الرؤية عظيم الفائدة، وما يلبث كذلك إلا ويعود إلى الضعف والتراجع حتى يبلغ أرذل عمره قبل انصرام الشهر، ثم ينطوي ويختفي، ليظهر هلال شهر جديد وزمن جديد.(11/23)
وكذلك الإنسان يولد صغيراً فقيراً حسيراً ثم يترعرع ويكبر حتى يبلغ أشده مروراً بمرحلة شبابه حتى اكتمال نضجه إذا بلغ أربعين سنة، قال تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً [الأحقاف:15]، ثم يعود إلى الانحدار من جديد ليصل إلى آخر محطة وهي أرذل العمر إن كتب الله له بقاء حتى يصلها، وهو في هذه المحطة ينتظر قافلة هادم اللذات ليصحبهم إلى تلك الدار التي يقصدها ( شاء أم أبى ) فما هي إلا عشية أو ضحاها حتى يختفي هلال عمره ليهلّ عليه هلال عمر جديد وحياة جديدة لا يعلم تقديرها إلا مقدّرها عز وجل، تلكم هي حياة البرزخ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ [الحج:5].
والمتأمل في عمر الإنسان وعمر الهلال يدرك أن الأيام والليالي هي القاسم المشترك بين كل منهما، وكل يوم يمضي عليهما لا يعود إلى يوم القيامة، ولذا حثّ النبي على اغتنام العمر فقال: { اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك } [رواه الحاكم وصححه الألباني].
فسماها النبي غنائم، وكأن العبد في حرب مع الزمن؛ لأن العلاقة بين هذه الأمور المذكورة في الحديث هي عامل الزمن، فما بين الشباب إلى الهرم زمن، وما بين الصحة إلى السقم زمن، وما بين الغنى والفقر زمن، وما بين الفراغ إلى الشغل زمن، وما بين الحياة إلى الموت زمن، ومجموع ذلك هو العمر، فإما أن يغنمه، وإما أن يحرمه، فالشباب غنيمة ويفسده الهرم، والصحة غنيمة ويفسدها السقم، والغنى غنيمة ويفسده الفقر، والفراغ غنيمة ويفسده الشغل بما لا ينفع، والحياة غنيمة ويفسدها الموت، فما أكثر الغنائم، ولكن أين المغتنمون؟!
شبابك قبل هرمك
كم من شاب انفتل في ريعان شبابه وأصابته مقاتل إعجابه، لم يتذكر أن الموت يقطع كل لذة ويفسد كل متعة، وأن المنايا تخبط في الناس خبط عشواء، ومع ذلك فهو في اللهو واللعب ممتطياً كل ذلول وصعب، فلم يشعر بنفسه إلا والروح في الحلقوم تغرغر، وإلى من حوله ينظر هل من راق فيرقيه أو شاف فيشفيه وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ [سبأ:54]، وإن كان ممن أمهل حتى طال عمره وهو كذلك في لهوه ولعبه فإذا الأيام تنصرم والأعوام تندرس، فما يدرك نفسه إلا وهو في غياهب الكهولة تهب عليه عواصف الهرم فحينئذ لا ينفع الندم. عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: { أعذر الله إلى امرئ أخّر أجله حتى بلّغه ستين سنة } [رواه البخاري].
قال العلماء: ( معناه لم يترك له عذراً إذا أمهله هذه المدة ).
وصحتك قبل سقمك
وكم من صحيح معافى داهمه السقم قبل أن يتحصن منه، فهو إما أن يكون ممن أصابته أمراض البدن فلم يعد قادراً على أداء المأمور به من العبادات وقد كان معافى فلم يبادر إليها؛ فتمنى ألا يكون قد فرّط أيام عافيته، وإما أن يكون ممن أصابه داء الغفلة فمرض قلبه حتى تراكمت الذنوب عليه فصارت راناً لا يمكنه التخلص منه كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطفيين:14] فأنى لمثل هذا أن يتدارك نفسه ( إلا أن يشاء الله ) وقد أضاع عمره بين سيئات الأماني ورديء المعاني، فما أدرك نفسه إلا وهو صريع الفراش، قد باع نفسه من الشيطان ببلاش أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر:56-58].
وغناك قبل فقرك
وكم من غني موسر غزته جيوش الفقر والفاقة قبل أن يملأ خزائن آخرته. لم يبال من أي مصدر جمع أمواله، وما ترك مصرفاً من مصارف لذائذه وشهواته إلا وأنفق فيه إلا مصارف البر والإحسان لم يكن لها نصيب من نفقاته، وقد قال المعصوم : { لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع } وذكر منها: { وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه } [رواه الترمذي وصححه الألباني].
فلم يشعر ذلك الغني إلا وهو بين براثن الفقر يقلب كفيه وهي خاوية، وحاله كحال أصحاب الجنة إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ إلى أن قال سبحانه: كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [القلم:17-33].
وفراغك قبل شغلك
وكم من متفرغ من الأعباء والمسئوليات أوقاته واسعة، والنعم بين يديه راتعة، فلم يقدر لذلك قدراً، ولم يعرف للنعمة عليه حقاً، بل أضاع أوقاته ما بين اللعب والطرب والسهر والسفر، قد انشغل بما لا يصلح شغلاً في الحقيقة، قتلته سهام الأماني ورماح التسويف، وليت هذا وأمثاله يستشعر قول المصطفى : { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ } [رواه البخاري]. وصدق القائل:
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة
مرّ أحد السلف عل قوم يتسامرون في مقهى قد علا ضحكهم وكثر لغطهم فتأوّه وقال: ( ليت أن الأوقات تباع وتشترى لاشتريت من هؤلاء أوقاتهم ). فمن حاله كذلك ولم يبادر إلى التوبة النصوح لن يستفيق إلا حين ينادى عليه: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ [المؤمنون:112].
وحياتك قبل موتك(11/24)
وكم من حي غزاه الموت قبل أن يغزو إليه، اشتغل بدنياه وغرّته الأماني فلم يستفد من حياته إلا ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى، ولم يفق إلا وهو في عسكر الموتى مرهون بعمله، ولسان حاله يقول: رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100،99] وما أكثر هؤلاء في هذا الزمان، أقوام هم في عداد الأحياء وهم في الحقيقة أموات.
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم *** وعاش قوم وهم في الناس أموات
فيا شاباً غرّه شبابه وأهلكه إعجابه، أما تعلم أن عاقبة الشباب هرم، أما علمت أن الموت بالمرصاد، والمنايا تتخطف الأكابر والأصاغر، والأباعد والأقارب، فما يدريك لعل الساعة الآتية ساعتك والمنية منيتك، فليت شعري ما الذي تتمناه وأنت في السكرات قد غشيتك العبرات. أأغنية تريد سماعها أم خمرة تدير كأسها، أم بغية تفجر بها، أم تريد ما قال ربك على لسان أولئك: رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100،99].
ويا شيخاً أضاء الشيب طلعة محياه، قد استحيا الله منك فهل استحييت منه، قد جاءتك نذر ربك، فما عذرك من أولئك النذر إذا قيل لك: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ [غافر:37]، أم أنت كما قال القائل:
شاب الصبا والتصابي بعد لم يشب *** وضاع وقتك بين اللهو والعب
وشمس عمرك قد حان الغروب لها *** والفيء في الأفق الغربي لم يغب
كم ذا التخلف والدنيا قد ارتحلت *** ورسل ربك قد وافتك في الطلب
وكيف سيكون لقاؤك لرسل ربك، وما ردك عند طلبهم لك، فوصيتي إليك أيها الشيخ أن تستعد للقاء ما دمت في البقاء، واربط حزام الإيمان لعلك تصل إلى الله بأمان.
ويا فتاة فتنت بحسن طلعتها وبهجتها وجمالها، فتنت بالثياب وموضتها، والشعور وقصتها، والقنوات وفضيحتها، والمجلات وخلاعتها، أيسرك أن تلقى ربك بهذا، أما تذكرت حديث الكاسيات العاريات، المائلات المميلات، اللاتي لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها؟! أما تذكرت أن أكثر أهل النار من النساء فتتقي ذلك بالتوبة النصوح؟!
فشمري يا أختاه عن ساعد الجد، واعلمي أن الدنيا لا تدوم على حال، وأن الموت قد يحول بينك وبين الآمال، وفقني الله وإياك لصالح الأعمال.
وأخيراً.. أخي رعاك الله قبل رحيل هذا القلم أذكرك بالرحيل الأعظم، واسأل نفسك بأي شيء تلقى ربك؟! ما جوابك حين تقف أمامه فيسألك: ( يا عبدي، ألم أصح جسدك، ألم أطعمك وأروك من الماء البارد ) ما حيلتك حين يقررك بذنوبك فتراها في صحيفتك لم تغادر منها شيئاً؟! فوالله إن ذل ذلك الموقف وخجله لهو عذاب في حد ذاته، فكيف بجهنم أعاذني الله وإياك؟ لكني أزفها إليك بشرى من لسان من لا ينطق عن الهوى حتى لا تقنط من رحمة ربك سبحانه، فإنه مع ذلك كله يضع كنفه على عبده فإذا قرره بذنوبه قال له: ( يا عبدي سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ).
فهل لك أخي أن تراجع النفس قبل أن يضيق النفس، وتعود إلى ربك قبل أن يختم على قلبك: كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [ القيامة:26-30].
وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
=============
أخي في الله أوصيك
فواز الرحيمي
دار الوطن
الحمد لله الذي خلق الخلق لعبادته، فمنهم من أطاعه ومنهم من تكبر على طاعته، وقد أعدّ للعصاة ناراً وأعدّ للمتقين جنته، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وجميع صحابته.. أما بعد..
أخي في الله لقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس أن نبينا قال: { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه }.
فمن هذا المنطلق كان لزاماً أن أحب لك ما أحب لنفسي، وذلك بأن أقدم إليك هذه الوصايا التي أوصي بها نفسي أولاً، ثم أوصيك لأنك أخي في الله ثانياً، ثم أوصي بها كل من قرأها من المسلمين ثالثاً، وأسأل الله أن ينفع بها كاتبها وقارئها وسامعها إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أخي في الله أوصيك أولاً بتقوى الله، ومن تقواه أن تخلص كل أعمالك له سبحانه وتعالى، فبالإخلاص يكون الخلاص من الشرك وشوائبه التي قد تحبط العمل، قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، وقال سبحانه وتعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110]، فالإخلاص شرط أساس لقبول العمل الصالح، ويتبعه شرط آخر وهو تجريد المتابعة لرسول الله قال تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران:31]، فاحرص رعاك الله أن تجرد الإخلاص لله وحده، وأن تجرد المتابعة لنبيه محمد .(11/25)
أخي في الله أوصيك ثانياً ببر الوالدين والإحسان إليهما إن كانا على قيد الحياة، أو الدعاء لهم والترحم عليها إن كانا ميتين، فقد أمرنا الله بأعظم أمر وهو ألا نعبد إلا إياه، وقرن مع هذا الأمر الإحسان إلى الوالدين.. قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23]، ونهانا أيضاً سبحانه وتعالى أن نقول لهما: أُفٍّ وذلك لما قاما من خدمة ورعاية لنا في وقت كنا في أمس الحاجة إلى الرعاية. فهذا النهي على هذا القول المكون من حرفين قد نزل في القرآن، قال سبحانه وتعالى: فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَ [الإسراء:23] فكيف بغيرها من الأقوال والأفعال.. ألا يدل ذلك على عظم شأنهما. فاحرص حفظني الله وإياك على ألا تسمعهم إلا قولاً معروفاً، ولا تريهم إلا عملاً مرضياً حتى تنال أجر برّهما، ففي برّهما الثواب العظيم في الدنيا والآخرة.
أخي في الله أوصيك ثالثاً بالمحافظة على الصلوات وعدم تأخيرها عن وقتها. فيا ويل من قلل من شأنها ولم يعطها أي اهتمام، ألم تقرأ قول الحق سبحانه: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:5،4]، فهذا وعيد من فاطر السموات والأرض لمن سها فكيف بمن تركها والعياذ بالله؟! يقول الرسول : { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر } فيا سوء حال من كفر لأنه مخلد في سقر.
فاحرص أخي ولا تركن إلى الكسل ففي أداء الصلاة نشاط للأبدان وراحة للوجدان، وردّ لكيد الشيطان، وذلك لمن أداها حق الأداء. فهي صلة بين العبد وربه، ففيها يناجيه ويتذلل بين يديه، وبذلك من العذاب ينجيه، وبالجنان يجزيه أليس هذا مناك؟!.. نعم هذا مناي ومناك، فهلا حرصنا على عدم تأخيرها وفقني الله وإياك.
أخي في الله أوصيك رابعاً بفعل الأوامر واجتناب النواهي وذلك فيما يحبه ويرضاه، فهذه هي العبودية الخاصة، فبقدر تحقيقك للعبودية يكون قربك من الله. وأكمل الخلق تحقيقاً للعبودية هو نبيّنا وقدوتنا وخير هاد لنا محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. فكن أخي من أتباعه الصادقين الذي بيّن الله لنا بعض أوصافهم في كتابه الكريم، يقول المولى عز وجل: كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:17- 19].
ويقول سبحانه وتعالى: الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف:28]، ويقول عز من قائل: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [السجدة:16]، ويقول جل وعلا: رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:37]، نسأل الله أن يجعلنا منهم، وأن يحشرنا في زمرتهم.. وانتبه أخي إن كنت راجياً خائفاً ألا تكون ممن اتخذ إلهه هواه، ولكن كن ممن قال عنه النبي : { لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به } [قال الترمذي: حديث حسن صحيح].
أخي في الله أوصيك خامساً بحفظ الفروج واللسان؛ فهما مفتاحان لكل الشرور، فمن ضمنهما ضمن له الرسول الجنة كما في الحديث: { من يضمن لي ما بين فكيه وفخذيه أضمن له الجنة } فاحرص رعاك الله على أن تكون من الوارثين الذين من أوصافهم وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:6،5]، وإياك والاستهانة باللسان، يقول قدوتنا محمد : { إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً } فاحرص ألا تسخط الله وأنت لا تدري.. وتجنب الكذب وإياك إن كنت مازحاً، والغيبة والنميمة والسخرية وغيرها مما يسخط الله، وعوّد لسانك على الكلام الحسن من ذكر الله أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، وإن لم يكن ذلك { قل خيراً أو اصمت } فهذا العلاج الأمثل أعانني الله وإياك عليه.
أخي في الله أوصيك سادساً بالإكثار من الأعمال الصالحات فبها يثقل الميزان، فسوف يأتي عليك يوم تكون في حاجة إلى أن يثقل ميزانك، فاحرص أرشدك الله على ألا تضيع أوقاتك في المباحات فضلاً عن المحرمات، ولا تنظر إلى الدنيا بعين عجب فإن ما فيها سوف يزول، واجعل تفكيرك فيما أعدّ للمتقين من جنات وعيون، فالوقت يمضي وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت.
أخي في الله أوصيك سابعاً بالتفقه في الدين وذلك بطلب العلم الشرعي فالعلم كثير والجهل كثير والوقت يسير؛ فبالعلم تعبد الله على بصيرة، وتسلم من البدع الصغيرة والكبيرة، وأول ما يجب عليك تعلمه وتفقهه هو كلام الله، فلم ينزل من السماء عبثاً وإنما كي نعلمه ونعمل به، ففيه دليل العبد إلى ما يحبه المعبود ويرضاه، وعليك بأهل العلم الراسخين الموثوق من علمهم وأمانتهم الموقعين عن رب العالمين، فاحرص لنيله تجد سبيلاً. أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً، ونسأله أن يجعله حجة لنا لا حجة علينا.(11/26)
أخي في الله أوصيك ثامناً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة فكن راحماً بالمذنبين مشفقاً على الغافلين؛ لأنهم اتبعوا خطوات الشيطان ولم يذوقوا حلاوة الإيمان، فأنت بهذا تدعوهم إلى سبيل المتقين، فهي وظيفة المرسلين وأفضلهم الذي أرسل رحمً للعالمين فكن مثله رحيماً، واعلم أن من الحكمة إنكار المنكر كبيراً كان أم صغيراً.
وليس من الحكمة التساهل في المحرمات ولكن بالموعظة الحسنة وبالدعوة الصادقة، واعلم أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء لذلك فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22،21] وعليك في كل أمور الدعوة بالصبر كما أوصى لقمان ابنه يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [لقمان:17]، نسأل الله أن يجعلنا من الداعين إلى سبيله إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
أخي في الله أوصيك تاسعاً بمصاحبة الأخيار الذين بمجالستهم يكثر زادك، ويقوى إيمانك، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر: الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، هؤلاء لا تعد عينك عنهم تريد الحياة الدنيا، وإياك إياك من مجالسة أهل الشر وإن كان منهم أخوك فلن تكسب منهم إلا الخسارة، وامتثل قول الحق سبحانه: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28].
ولا تصحب أخا الفسق وإياك وإياه *** فكم من فاسق أردى مطيعاً حين آخاه
فاحرص على مصاحبة الأخيار ولا يزين لك الشيطان الأعذار، فهم كرائحة المسك ومن الذي يأنف من رائحة المسك، وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه.
أخي في الله أوصيك عاشراً بالاستعداد للموت وسكرته، والقبر وضمّته. والموقف وشدته، والصراط وزلته. فكن أخي على استعداد تام في أي وقت كان فأمامك تلك الأهوال.. موت وسكرة كنت منها تحيد، وقبر وضمة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ، وموقف وشدة فيه يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس:34-36]، في ذلك الموقف الذي تجاهلنا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2]، في ذلك الموقف لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37]، في ذلك الموقف يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى [النازعات:35].
أخي في الله تذكر أنك ستقف بين يدي الله، وستسأل عن كل عمل عملته صغيراً كان أم كبيراً، قال الله تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49]، سترى تلك الأعمال التي عملتها ولم تبال بنظر الله إليك إما إلى الجنة وما فيها من النعيم، وإما إلى النار وما فيها من العذاب المقيم، فعندها يندم المفرطون ويفرح المحسنون.. يا له من يوم عظيم يجب علينا أن نستعد له أيما استعداد وذلك بالتوبة النصوح والإكثار من الأعمال الصالحات.
نسأل الله أن يرزقنا حسن الخاتمة، وأن يظلنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأن يجعل الجنة هي دارنا، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين،، فالخذلان كما قال ابن القيّم أن يكلك الله إلى نفسك، نعوذ بالله من الخذلان.
وفي الختام لا تنس الدعاء لمن قام بجمع هذه الوصايا أو من سعى في إخراجها ونشرها.
وأسأل الله أن يثقل بهذا العمل ميزاني، وأن يغفر لي ولوالدي ولمن له حق علي من قرابة أو محبة في الله، وأسأله أن يغفر لمشايخي ولوالديهم ولجميع المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
=========
كلمات في السخاء
محمد بن ابراهيم الحمد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وبعد:
فالسخاء ليس مقتصراً على بذل المال فحسب، بل مفهومه أوسع، وصوره أعم وأشمل، ومن صور السخاء العديدة ما يلي:
1 - أن يكون للإنسان دَينٌ على آخر فيطرحه عنه، ويخلي ذمته منه وهو يستطيع الوصول إليه دون عناء ولا تعب.
2 - أن يستحق الإنسان أجراً على عمل، فيترك الأجر من تلقاء نفسه.
3 - سعي الإنسان في قضاء حوائج الناس، وتنفيس كرباتهم.
4 - السخاوة بالجاه، بحيث يبذل في سبيل الخير والشفاعات الحسنة، من إحقاق الحق، ونصرة مظلوم، وإعانة ضعيف، ومشي مع الرجل إلى ذي سلطان، ونحو ذلك.
5 - السخاوة بالرياسة بحيث يحمل الإنسان سخاؤه على امتهان رياسته، والإيثار في سبيل قضاء حاجات الملتمس.
6 - سخاء الإنسان براحته وإجمام نفسه؛ فيجود بها تعباً وكدّاً في مصلحة غيره.
7 - سخاوة الإنسان بوقته في سبيل نفع الناس أيّاً كان ذلك النفع.
8 - السخاء بالنصح والإرشاد.
9 - السخاء بالعلم وهو أفضل من السخاء بالمال؛ لأن العلم أشرف من المال.
10 - السخاء بالعرض بحيث يسخو الإنسان بعرضه لمن نال منه، فيعفو ويصفح.
وفي هذا السخاء من سلامة الصدر، وراحة القلب، والتخلص من معاداة الخلق ما فيه.
11 - السخاء بالصبر، والاحتمال، والإغضاء، وهي مرتبة شريفة لا يقدر عليها إلا أصحاب النفوس الكبار.(11/27)
12 - السخاء بالخلق، والبشر، والتبسم، والبشاشة، والبسطة، ومقابلة الناس بالطلاقة؛ فذلك فوق السخاء بالصبر والاحتمال والعفو، وهذا هو الذي بلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، وهو أثقل ما يوضع في الميزان، وفيه من أنواع المنافع والمسار وأنواع المصالح ما فيه.
13 - ويدخل في السخاء حضّ الناس على الخير، وحثهم على الجود والإنفاق.
14 - دلالة الناس على وجوه الخير، وتذكيرهم بطرقه؛ فالدال على الخير كفاعله.
15 - شكر الأسخياء، والدعاء لهم، وتشجيعهم على مزيد من البذل.
16 - سخاوة النفس بترفعها عن الحسد، وحبّ الاستئثار بخصال الحمد، وهذه الصورة من صور السخاء الخفية الجميلة.
وذلك بأن يُحبّ المرء لإخوانه ما يحبه لنفسه، فيفتح لهم المجالات، ويعطيهم فرصة للإبداع، والحديث، والمشاركة، ونحو ذلك.
ومن ذلك: أن يفرح لنجاحهم، ويحزن لإخفاقهم، فهذه من الصور الخفية للسخاء، وقلّ من يتفطّن بها ويأخذ نفسه بها.
17 - سخاء المرء عما في أيدي الناس؛ فلا يلتفت إليه، ولا يستشرف له يقلبه، ولا يتعرض له بحاله، ولا لسانه.
18 - سخاء المرء بنفسه، فذلك أروع ما في السخاء، وأروع ما في ذلك أن يكون في سبيل الله عز وجل.
من فضائل السخاء
1 - رضا الرب، ودخول الجنان، والنجاة من النيران.
2 - للسخاء أثر في سيادة الأمة، وحفظ الدين، وتنمية العلوم.
3 - للسخاء أثر في صيانة الأعراض، ونباهة الذكر.
4 - للسخاء أثر في إئتلاف القلوب، وتأكيد رابطة الإخاء.
5 - للسخاء أثر في القضاء على كثير من الأخلاق المرذولة كالحسد من الفقراء للأغنياء، وكالكبر من الأغنياء على الفقراء.
تفاضل الناس بالسخاء
يتفاضل الناس بالسخاء على قدر هممهم وشرف نفوسهم، وإليك نماذج من ذلك:
1 - يتفاضلون من جهة الإنفاق؛ فالذي ينفق في السر أكمل من الذي لا ينفق إلا في العلانية.
2 - ويتفاضلون من جهة استصغار ما ينفق واستعظامه، فالذي ينفق في الخير، وينسى أو يتناسى أنه أنفق هو أسخى ممن ينفق ثم لا يزال يذكر ما أنفق، ولا سيما ذكره في معرض الإمتنان.
3 - ويتفاضلون من جهة السرعة إلى البذل، والتباطؤ عنه؛ فمن يبذل المال لذوي الحاجة لمجرد ما يشعر بحاجتهم - يَفْضُل من لا يبذل إلا بعد أن يسألوه.
4 - ومن يقصد بالبذل موضع الحاجة - عرفه أو لم يعرفه - يكون أسخى ممن يخصّ بالنوال من يعرفهم ويعرفونه.
5 - ومن يعطي عن ارتياح وتلذذ بالعطاء يعد أسخى ممن يحسن وفي نفسه حرج.
6 - ومن علامات رسوخ الرجل في السخاء ألا يجعل بينه وبين طالبي العطاء حجاباً غليظاً.
7 - ومن علامات رسوخ الرجل في السخاء أن يلاقي الرجل سائليه بأدب جميل، أو أن يستقبلهم بحفاوة وبشر وترحاب، حتى يحفظ عليهم عزتهم.
8 - وأبلغ ما يدل على أصالة الرجل، ورسوخ قدمه في فضيلة السخاء أن يرق عطفه حتى يبسط إحسانه إلى ذي الحاجة وإن كان من أعدائه؛ فذلك من كبر النفس ومن ضروب العزة، والترفع عن العداوات.
9 - ومن علامات الرسوخ في السخاء أن يتألم المرء ويتأسف أشد الأسف إذا سئل شيئاً وهو غير واجد له.
10 - ومن الأسخياء من تسمو به الحال، فيرى أن الفضل والمنة إنما هو لمن جاءه يستجديه، حيث أحسن الظن به، وتكرّم عليه، فهذا من غرائب السخاء.
11 - وأرفع درجات السخاء أن يكون الإنسان في حاجة ملحّة إلى ما عنده، فيدع حاجته ويصرف ما عنده في وجوه الخير، وذلك ما يسمى بالإيثار.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
==============
كيف تكسب دون أن تتعب
دار ابن خزيمة ...
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فمن رحمة الله تعالى بعباده وفضله عليهم أن نوع لهم العبادات والقربات التي تقربهم إليه، ولم يجعل هذه العبادات والقربات مشروطة بعمل بدني أو قولي أو مالي قد يصعب أدائها على البعض أو تشق عليهم، بل تفضّل عليهم - سبحانه - بما هو أيسر من ذلك، ويستطيعه كل إنسان بدون جهد أو تعب ألا وهو النية الصادقة والعزيمة الجادة على حب الخير وفعله.
المقصود بالنية
النية في الاصطلاح الشرعي هي: عزم القلب على فعل الشيء.
وهي أساس العمل وقاعدته، ورأس الأمر وعموده، وأصله الذي عليه بني، لأنها روح العمل وقائده وسائقه، والعمل تابع لها، يصح بصحتها ويفسد بفسادها، بها يحصل التوفيق، وبعدمها يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة.
ولهذا جعل الإسلام جزاء الفعل ثواباً وعقاباً مرتبطاً بالنية ارتباطاً وثيقاً وجعلها شرطاً لقبول العمل، فمن الناس من يصنع المعروف ويسدي الجميل استمالة للقلوب، ومنهم من يصنعه مكافأة للإحسان، ومنهم من يصنعه لطلب سمعة وشهرة، لكن الإسلام لا يعتد بكل ذلك ولا يقبله من العبد إلا إذا صلحت نيته وكان عمله خالصاً لوجه الله تعالى، ولهذا قال : { إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه } [متفق عليه].
يبين في هذا الحديث حكم الشرع في الأعمال وهو أن حظ العامل من عمله نيته فإن كانت صالحة فعمله صالح وله أجره وإن كانت فاسدة فعمله فاسد وعليه وزره، وإن كانت نيته مباحة فعمله مباحاً.(11/28)
وهذا يدل على أهمية ومكانة النية، وأن المسلم بحاجة إلى إصلاح النية، فإذا صلحت أعطي العبد الأجر الكبير والثواب العظيم ولو لم يعمل إنما نوى نية صالحة، ولهذا قال رسول الله : { إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً } [رواه البخاري]، وقال : { من همّ بحسنة ولم يعملها كُتبت له حسنة فإن همّ بها فعملها، كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة } [رواه البخاري ومسلم]، وقال عليه الصلاة والسلام بعد غزوة تبوك: { إن أقواماً خلفناهم بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا حبسهم العذر } [رواه البخاري]، علم الله من صدق نياتهم ما أعطاهم به الأجر وهم قاعدون بيوتهم.
فبمجرد القصد الصالح يكون العمل صالحاً يثبت به الأجر، وتحصيل به المثوبة، وبمجرد الهم الفاسد السيء يكون العمل سيئاً يثبت به الإثم والوزر وتحصل به العقوبة.
والنية ليست مجرد لفظ باللسان: ( اللهم إني نويت كذا وكذا ) ولا هي حديث نفس فحسب، بل هي انبعاث القلب نحو العمل الموافق لغرض صحيح من جلب نفع أو دفع ضر حالاً أو مآلاً.
فضل النية وأثرها على العمل
إذا أصلح العبد نيته لله فإن حركاته وسكناته ونوماته ويقظاته إذا ابتغى بها وجه الله ونوى النية الحسنة فيها تحتسب خطوات إلى مرضاة الله. ويقد يعجز الإنسان عن عمل الخير الذي يصبو إليه لقلة ماله أو ضعف صحته أو لأي سبب من الأسباب الخارجة عن إرادته وهو في نيته عمل ذلك لو استطاع إليه سبيلاً، فيجازيه الله بحسب نيته. وقد يرفع الله الحريص على الإصلاح إلى مراتب المصلحين، والراغب في الجهاد إلى مراتب المجاهدين، والمتطلع إلى الإنفاق إلى مراتب المحسنين الباذلين لأن بعد هممهم وصدق نياتهم أرجح لديه من عجز وسائلهم.
فليحرص الإنسان على فعل الخير والسعي إليه وتمني فعله أو المشاركة في فعله بنية صادقة وليس تمنياً كاذباً بدون سعي إليه ورغبة فيه.
وقد قال قائل: ( دلوني على عمل لا أزال به عاملاً لله تعالى ). فقيل له: ( انو الخير، فإنك لا تزال عاملاً وإن لم تعمل، فالنية تعمل ولو عُدم العمل ).
وكذلك النية السيئة إذا همّ بها الإنسان وعزم على فعلها أو تمني فعلها ولكن لم يقدر على ذلك لمانع خارج عن قدرته وإرادته فإنه في هذه الحالة تكتب عليه سيئات المعاصي التي يتمنى فعلها إذا قدر عليها.
يقول : { الناس أربعة: رجل آتاه الله عز وجل علماً ومالاً فهو يعمل بعلمه في ماله فيقول رجل لو آتاني الله تعالى مثل ما آتاه الله لعملت كما عمل، فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه مالاً ولم يؤته علماً فهو يخبط في ماله، فيقول رجل لو آتاني الله مثل ما آتاه عملت كما يعمل، فهما في الوزر سواء } [رواه ابن ماجه والترمذي. وقال حديث حسن صحيح]، فأثيب ذو النية الصالحة بثواب العمل الصالح وهو لم يعمله، ووزر صاحب النية الفاسدة بوزر صاحب العمل الفاسد وهو لم يعمله، وكان مرد ذلك إلى النية وحدها.
استحباب استحضار النية الصالحة في المباحث
الأفعال والأقوال المباحة كثيرة جداً، وإذا لم يقصد بها العبد النية الصالحة فإنها لن تعود عليه بالنفع الأخروي، فإذا أحسن المكلف القصد والتوجه حين القيام بها فإن هذه الأعمال من المطعم والمشرب والنوم والمتاجرة والصناعة تصبح ثروات تنفعه عندما يقدم على ربه يوم القيامة لأن النية الصالحة تحيل العادات إلى عبادات، ولذلك حث العلماء ورغبوا في استحضارالنية عند المباحت والعادات ليثاب العبد عليها ثواب العبادات مع أنه لا مشقة علينا في القيام بها، بل هي مألوفة للناس، مستلذة، وهذا من عظيم سعة رحمة الله وكبير منته أن أباح لعباده الطيبات التي يشتهونها ثم بعد ذلك يثيبهم عليها بحسن نياتهم.
فإذا كان الأمر كذلك فينبغي للمسلم أن يبني سائر أعماله على صالح النيات، كما يبذل جهده في أن لا يعمل عملاً بدون نية صالحة، إذ النية روح العمل وقوامه فيمكن له أن يستحضر النية الصالحة في الأمور المباحة لتصبح بذلك قربات يثاب عليها، فالأكل والشرب مثلاً إذا قصد به الري والشبع واللذة فإن ذلك مباح، وإن قصد به التقوي على طاعة الله والتقرب إليه بذلك أثيب عليه، وكذلك التطيب إن قصد به التلذذ والتنعم فهو مباح، وإذا نوى به اتباع سنة رسول الله فهو قربة وطاعة، وإن نوى به التودد به إلى قلوب النساء والتكاثر والمفاخرة، فهذا يجعل التطيب معصية، وأيضاً السواك إن قصد به التظيف فهو مباح، وإن قصد به اتباع سنة رسول الله فهو قربة وطاعة، وكذلك أيضاً إذا عاشر الرجل زوجته فإن قصد به اللذة وقضاء شهوته فإن ذلك مباح له، وإن قصد به إعفاف نفسه وإحصان زوجته وطلب الولد فإن ذلك قربة وطاعة يثاب عليها، وكذلك إكرامه لإخوانه وقرابته وإطعامه لهم في المناسبات إن قصد به رد الجميل لهم والاستئناس بهم فهو مباح، وإن قصد به الإحسان إليهم والتقرب إلى الله بذلك كان عمله هذا صالحاً يثاب عليه، وكذلك إعالته لأهله وأولاده من مطعم ومشرب وملبس ونحو ذلك، إن قصد به إشباعهم والتوسيع عليهم وإغنائهم عن الناس فهو مباح وإن قصد به القيام بالواجب الذي عليه نحوهم والتقرب إلى الله فهو قربة وطاعة، له أجر عليها يقول : { إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أثبت عليها حتى اللقمة تضعها في فِيّ - فم - امرأتك } [متفق عليه]، وهكذا في جميع المباحات فليحرص المسلم دائماً على استحضار النية الصالحة والتقرب إلى الله بكل عمل مباح خاصاً به أو لغيره كفعل معروف له أو تقديم خدمة له ليصبح عمله هذا عملاً صالحاً يثاب عليه ويؤجر عليه.(11/29)
ولقد ربَّى الأئمة رحمهم الله تلاميذهم على ذلك، فقد روي أن الإمام الشافعي رحمه الله كان جالساً مع تلاميذه فطُرق عليهم الباب فنهض أحدهم فقال الشافعي: ( لماذا قمت؟ ) قال: لأفتح الباب، فقال له مفسحاً دائرة نيته ليزداد أجره وتعظم مثوبته: ( انو إن كان سائلاً أعطيته وإن كان مستفتياً أفتيته وإن كان مستغيثاً أغثته ).
وهكذا تمتد أبعاد العبادة بقدر امتداد النية المقرونة بالعمل ويستطيع المسلم أن يكون عابداً لله مدى الحياة في يقظته ومنامه في صمته وكلامه، في سعيه لمعاشه ومعاده ما دام عمله موافقاً لشرع الله ونيته وابتغاء وجه الله تعالى، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: ( العارفون بالله عاداتهم عبادات، والعامة عباداتهم عادات ).
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
=============
135 وسيلة لكسب الحسنات
دار الوطن
الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فمن نعم الله على خلقه أن شرع لهم أعمالاً وأقوالاً من أتى بها حصل له الفضل والأجر والثواب، وفي هذه الرسالة جملة من هذه الأبواب التي ينبغي للمسلم أن يكثر منها ليزداد رصيده من الحسنات ويثقل موازينه، والله الموفق والهادي إلى السبيل.
(1) الإخلاص:
قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5].
(2) تجريد التوبة لله تعالى:
{ من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه } [رواه مسلم] { إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر } [رواه الترمذي].
(3) العمرة:
{ العمرة في رمضان تعدل حجة، أو حجة معي } [رواه البخاري ومسلم].
(4) قراءة القرآن وتلاوته:
{ اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه } [رواه مسلم].
(5) تعلم القرآن وتعليمه:
{ خيركم من تعلم القرآن وعلمه } [رواه البخاري].
(6) ذكر الله تعالى:
{ ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ } قالوا: بلى. قال: { ذكر الله تعالى } [رواه مسلم].
(7) الاستغفار:
{ من لزم الاستغفار جعل الله من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب } [رواه أبو داود والنسائي].
(8) إسباغ الوضوء:
{ من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره } [رواه مسلم].
(9) الشهادة بعد الوضوء:
{ من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء } [رواه مسلم].
(10) المحافظة على الوضوء:
{ استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن } [رواه ابن ماجة].
(11) السواك:
{ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة } [رواه البخاري ومسلم].
(12) صلاة ركعتين بعد الوضوء:
{ ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليه، إلا وجبت له الجنة } [رواه مسلم].
(13) الدعاء بعد الأذان:
{ من قال حين يسمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلّت له شفاعتي يوم القيامة } [رواه البخاري].
(14) الدعاء بين الأذان والإقامة:
{ الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُرد } [رواه أبو داود والترمذي] وزاد: قالوا: فما نقول يا رسول الله؟ قال: { سلوا الله العفو والعافية }.
(15) المحافظة على الصلوات الخمس:
{ ما من امرىء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله } [رواه مسلم].
(16) المحافظة على الصلاة في وقتها:
سئل الرسول : أي العمل أفضل؟ قال: { الصلاة لوقتها } [رواه البخاري ومسلم].
(17) المحافظة على صلاة الفجر والعصر:
{ من صلى البُردين دخل الجنة } [رواه البخاري].
(18) المحافظة على صلاة الجمعة:
{ الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهم إذا اجتنبت الكبائر } [رواه مسلم].
(19) تحري ساعة الإجابة يوم الجمعة:
{ فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه } [رواه البخاري ومسلم].
(20) قراءة سورة الكهف يوم الجمعة:
{ من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين } [رواه النسائي والحاكم].
(21) الذهاب إلى المساجد:
{ من غدا إلى مسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح } [رواه البخاري ومسلم].
(22) الصلاة في المسجد الحرام:
{ صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام. وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في هذا } [رواه أحمد وابن خزيمة].
(23) الصلاة في المسجد النبوي:
{ صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام } [رواه مسلم].
(24) الصلاة في بيت المقدس:
{ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول ، ومسجد الأقصى } [رواه البخاري].
(25) الصلاة في قباء:
{ من صلّى فيه كان كعدل عمرة } [رواه ابن حبان].
(26) المحافظة على صلاة الجماعة:(11/30)
{ صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة } [رواه البخاري ومسلم].
(27) الحرص على الصف الأول:
{ لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا } [رواه البخاري ومسلم].
(28) المداومة على صلاة الضحى:
{ يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل أمر بالمعروف صدقة، ونهى عن المنكر صدقة، و يجزىء من ذلك كله ركعتان يركعهما في الضحى } [رواه مسلم].
(29) المحافظة على السنن الراتبة:
{ ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة، إلا بنى الله له بيتاً في الجنة } [رواه مسلم].
(30) التطوع في البيت:
{ اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً } [رواه البخاري].
(31) كثرة السجود:
{ أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء } [رواه مسلم].
(32) الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح للذكر:
{ من صلّى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلّى ركعتين، كانت له كأجر حجة و عمرة }، قال رسول الله : { تامَّة، تامَّة، تامَّة } [رواه الترمذي وحسنه].
(33) الصلاة على الميت واتباع الجنائز:
{ من شهد الجنائز حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان }، قيل وما القيراطان؟ قال: { مثل الجبلين العظيمين } [رواه البخاري ومسلم].
(34) صلاة المرأة في بيتها:
{ لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن } [رواه أبو داود].
(35) الحرص على صلاة العيد في المصلى:
{ كان رسول الله يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى } [رواه البخاري].
(36) تعويد الأولاد على الصلاة:
{ مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع } [رواه أبو داود].
(37) تعويد الأولاد على الصيام:
عن الربيع بنت معوذ قالت: ( فكنا نصومه بعد، ونُصوّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن ) [رواه البخاري].
(38) ذكر الله عقب الفرائض:
{ من سبح دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبّر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون. ثم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر } [رواه مسلم].
(39) الدعاء مطلقاً:
{ إن الله يقول أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني } [رواه البخاري ومسلم].
(40) حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب:
{ إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها } [رواه مسلم].
(41) الزكاة:
قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5].
(42) زكاة الفطر:
{ فرض رسول الله زكاة الفطر للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين. من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات } [رواه أبو داود].
(43) الإنفاق في سبيل الله:
وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ [البقرة:110].
(44) الصدقة:
{ الصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار } [رواه الترمذي].
(45) صدقة المُقِل:
يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: { جهد المُقِل، وابدأ بمن تعول } [رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم].
(46) صدقة السر:
{ صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفىء غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر } [رواه الطبراني].
(47) فضل العامل على الصدقة:
{ إن الخازن المسلم الأمين الذي ينفذُ ما أمر الله به فيعطيه كاملاً موفراً، طيبة به نفسه، فيدفعه إلى الذي أُمر به، أحد المتصدقين } [رواه البخاري ومسلم].
(48) بناء المساجد:
{ من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى له مثله في الجنة } [رواه البخاري].
(49) إفشاء السلام وإطعام الطعام:
{ أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام } [رواه الترمذي].
(50) إماطة الأذى عن الطريق:
{ لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس } [رواه مسلم].
(51) بر الوالدين وطاعتهما:
{ رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه }، قيل: من يا رسول الله؟ قال: { من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة } [رواه مسلم].
(52) طاعة المرأة لزوجها:
{ إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، و أطاعت بعلها - أي زوجها - دخلت من أي أبواب الجنة شاءت } [رواه أبن حبان].
(53) كسب الحلال والعمل باليد:
سئل رسول الله : ( أي الكسب أطيب؟ ) قال: { عمل الرجل بيده، وكل كسب مبرور } [رواه الحاكم].
(54) النفقة على الزوجة والعيال:
{ إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة } [رواه البخاري].
(55) النفقة على الأرملة والمسكين:
{ الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله } وأحسبه قال: { وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر } [رواه البخاري].
(56) كفالة اليتيم والنفقة عليه:
{ أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وقال بإصبعيه: السبابة والوسطى } [رواه البخاري].
(57) مسح رأس اليتيم والشفقة عليه:
شكا رجل إلى رسول الله قسوة قلبه فقال: { امسح رأس اليتيم و أطعم المسكين } [رواه أحمد].
(58) قضاء حوائج الإخوان:(11/31)
{ لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجة - وأشار بإصبعه - أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين } [رواه الحاكم].
(59) زيارة الإخوان في الله:
{ النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة } [رواه الطبراني].
(60) زيارة المريض:
{ من عاد مريضاً لم يزل في خرفة الجنة، قيل يا رسول وما خرفة الجنة قال: قال جناها } [رواه مسلم].
(61) صلة الأرحام وإن قطعوه:
{ الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله } [رواه البخاري ومسلم].
(62) إدخال السرور على المسلم:
{ من لقي أخاه المسلم بما يحب يسره بذلك سره الله عز وجل يوم القيامة } [رواه الطبراني].
(63) التيسير على المعسر:
{ من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة } [رواه مسلم].
(64) التخفيف على الخدم والعمال في رمضان:
{ من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له، وأعتقه من النار } [رواه ابن خزيمة مطولاً].
(65) الشفقة على الضعفاء ورحمتهم والرفق بهم:
{ الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء } [رواه أبو داود والترمذي].
(66) الإصلاح بين الناس:
{ ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة }، قالوا بلى يا رسول الله، قال: { إصلاح ذات البين } [رواه أبو داود والترمذي].
(67) حُسن الخلق:
سئل رسول الله عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: { تقوى الله وحسن الخلق } [رواه الترمذي].
(68) الحياء:
{ الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار } [رواه أحمد وابن حبان والترمذي، وقال: حسن صحيح].
(69) الصدق:
{ عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة } [رواه البخاري ومسلم].
(70) الحلم والصفح وكظم الغيظ:
قال تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134]. وقال رسول الله للأشج: { إن فيك خصلة يحبها الله تعالى الحلم والأناة } [رواه مسلم].
(71) المصافحة:
{ ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما قبل أن يفترقا } [رواه أبو داود والترمذي وقال:حسن].
(72) طلاقة الوجه:
{ لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق } [رواه مسلم].
(73) السماحة في البيع والشراء:
{ رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى } [رواه البخاري].
(74) غض البصر عن محارم الله تعالى:
{ النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته قي قلبه } [رواه الطبراني].
(75) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
{ من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان } [رواه مسلم].
(76) الجلوس مع الصالحين الأخيار:
{ لا يقعد قوماً يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده } [رواه مسلم].
(77) حفظ اللسان والفرج:
{ من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة } [رواه البخاري ومسلم].
(78) الصلاة على النبي :
{ من صلّى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً } [رواه مسلم].
(79) اصطناع المعروف والدلالة على الخير:
{ كل معروف صدقة والدال على الخير كفاعله } [رواه البخاري ومسلم]. و { من دل على خير فله مثل أجر فاعله } [رواه مسلم].
(80) الدعوة إلى الله:
{ من دعا إلى هدي كان من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً } [رواه مسلم].
(81) الستر على الناس:
{ لا يستر عبدٌ عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة } [رواه مسلم].
(82) الصبر:
{ ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه } [رواه البخاري].
(83) كفارة المجلس:
{ من جلس جلسة فكثر لغطه فقال قبل من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك } [رواه أبو داود والترمذي].
(84) صلاة ركعتين إذا أذنب ذنباً:
{ ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غُفر له } [رواه أبو داود].
(85) تربية البنات وإعالتهن:
{ من كن له ثلاث بنات يؤوهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة البتة } [رواه أحمد].
(86) الإحسان إلى الحيوان:
{ أن رجلاً رأى كلباً يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفَّه فجعل يغرف له به حتى أرواه فشكر الله له فأدخله الجنة } [رواه البخاري].
(87) عدم سؤال الناس شيئاً:
{ من تكفل لي ألا يسأل الناس شيئاً أتكفل له بالجنة } [رواه أصحاب السنن].
(88) التهليل والتسبيح:
{ من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه }. ومن قال: { سبحان الله وبحمد في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر } [رواه البخاري ومسلم].
(89) الصدقة الجارية:
{ إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له } [رواه مسلم].
(90) حث النساء على الصدقة:
{ تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن } [رواه البخاري ومسلم].
(91) تصدق المرأة من بيت زوجها:(11/32)
{ إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً } [رواه البخاري ومسلم].
(92) اليد العليا خير من اليد السفلى:
{ اليد العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة } [رواه البخاري ومسلم].
(93) الصدق في البيع والشراء:
{ البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما } [رواه البخاري].
(94) إغاثة المسلمين:
{ من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة } [رواه مسلم].
(95) عدم إيذاء المسلمين:
سئل رسول الله : أي الإسلام أفضل؟ فقال: { من سلم المسلمون من لسانه ويده } [رواه البخاري ومسلم].
(96) مساعدة الغير وإعانتهم:
{ كل سُلامى عليه صدقة كل يوم، يعين الرجل في دابته يحامله عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة }[رواه البخاري].
(97) الشفاعة للمسلمين لقضاء حوائجهم:
{ اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء } [رواه البخاري ومسلم].
(98) صلة أصدقاء الوالدين والبر بهم:
{ إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه } [رواه مسلم].
(99) طيب الكلام:
{ اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة } [رواه البخاري ومسلم].
(100) الرفق بالرعية والعمال ونحوهم:
{ اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشقَّ عليهم فاشقق عليهم، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به } [رواه مسلم].
(101) المداومة على العمل الصالح وإن قل:
{ أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل } [رواه مسلم].
(102) الإحسان إلى الجار:
{ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره } [رواه مسلم].
(103) إكرام الضيف:
{ ليلة الضيف حق على كل مسلم، فإن أصبح بفنائه فهو عليه دين، فإن شاء اقتضى، وإن شاء ترك } [رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة].
(104) الدعاء للوالدين:
{ إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب، أنى لي هذا؟ فيقول:باستغفار ولدك لك } [رواه أحمد].
(105) الدعاء للأخ بظهر الغيب:
{ ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بالمثل } [رواه مسلم].
(106) الدعاء والاستغفار للمسلمين:
قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر:10].
(107) تنظيف المساجد:
قال تعالى: وطَهِر بَيْتَي لِلطَّائِفِينَ والَقائَمينَ وَالرُكَّعِ السُجُود [الحج:26].
(108) الإحسان إلى الزوجة:
{ خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي } [رواه ابن حبان وغيره].
(109) تيسير الصداق للمتزوجين:
{ خير النكاح أيسره } [رواه ابن حبان].
(110) الغيرة على النساء:
قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح. فبلغ ذلك النبي فقال: { أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه، والله أغير مني } [رواه البخاري].
(111) تعليم الرجل أهله:
{ ثلاثة لهم أجران... ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران } [رواه البخاري].
(112) رد المظالم والتحلل من أصحاب الحقوق:
{ من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس دينار ول درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه } [رواه البخاري].
(113) إتباع السيئة الحسنة:
{ اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن } [رواه أحمد والحاكم].
(114) البر بالخالة والخال:
{ الخالة بمنزلة الأم } [رواه البخاري].
(115)أداء الأمانة والوفاء بالعهد:
{ لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له } [رواه أحمد].
(116) رحمة الصغير وإكرام الكبير:
{ ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا } [رواه أحمد والترمذي].
(117) التعاطف والتراحم مع المسلمين والاهتمام بأمورهم:
{ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى،له سائر الجسد بالسهر والحمى } [رواه البخاري ومسلم].
(118) الصمت وحفظ اللسان إلا من خير:
{ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت } [رواه البخاري].
(119) الذب عن أعراض المسلمين:
{ من ردَّ عن عرض أخيه ردَّ عن وجهه النار يوم القيامة } [رواه الترمذي].
(120) سلامة الصدر وترك الشحناء:
{ تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس، فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا } [رواه مسلم].
(121) العدل بين الناس:
{ كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، يعدل بين الناس صدقة } [رواه البخاري].
(122) التعاون مع المسلمين فيما فيه خير:
قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]. وفي الحديث: { المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا.ثم شبك بين أصابعه } [رواه البخاري].
(123) إغاثة الملهوف:
{على كل مسلم صدقة.. } الحديث. وفيه: { فيعين ذا الحاجة الملهوف } [رواه البخاري].
(124) إجابة الداعي إلى الخير وإعطاء السائل:(11/33)
{ من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه } [رواه أحمد وأبو داود والنسائي].
(125) شكر المعروف ومكافأة فاعله:
{ من صنع إليه معروف فليجزه فإن لم يجد ما يجزيه فليثن عليه فإنه إذا أثنى عليه فقد شكر وإن كتمه فقد كفره } [رواه البخاري في الأدب المفرد].
(126) توزيع الكتاب والشريط الإسلامي النافع:
على الأسرة أو الأصدقاء في العمل أو المدرسة أو النادي ونحوه.
(127) الاستفادة من هواة المراسلة:
الذين ترد أسماءهم عبر المجلات أو الإذاعات العربية والأجنبية وذلك بمراسلتهم بأسلوب تربوي رقيق مؤثر.
(128) تقصي أخبار الجيران:
الملاصقين والمجاورين وتبني ملف دعوي يهتم بأمورهم الدينية والدنيوية.
(129) التنسيق مع التجار:
وأصحاب المحلات لشراء ملابس وما يلزم من أمور العيد وتوزيعها في آخر رمضان على الفقراء والمحتاجين لتعم الجميع فرحة العيد.
(130) حث كل بيت على المساهمة في إفطار الصائم:
كلٌ بما يستطيع وإرسال ما تيسر لهم من طعام إلى مسجد الحي أو التنسيق مع المطاعم من أجل ذلك.
(131) تبني المسجد حلقة لتعليم أبناء الحي القرآن العظيم:
وتخصيص مدرس لذلك مع تنمية روح التسابق إلى الخير بين الأطفال بإقامة مسابقات دورية ثم تشجيعهم بالجوائز.
(132) إقامة درس أسري أسبوعي أو نصف شهري:
يشارك فيه جميع أفراد الأسرة كل حسب قدرته.
(133) الاستفادة من حملات العمرة التي تقام في شهر رمضان المبارك:
بتنظيم جملة من البرامج الدعوية والعلمية والثقافية للمشاركين مع الحرص على أن يكون مع كل رحلة شيخ يستفاد من علمه أو طالب علم إن تعذر الأول.
(134) ترتيب كلمات:
تلقى خلال شهر رمضان أثناء صلاة التراويح وتعلن في لوحة المسجد على شكل جدول بين وواضح.
(135) القيام بزيارة المرضى:
في المستشفيات وتشجيعهم وحثهم على الصبر والاحتساب مع إهدائهم مجموعة من الهدايا الدعوية المفيدة.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
==============
الدعاء سلاح المؤمن
دار الوطن ...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه الطاهرين، وبعد:
فالدعاء طريق النجاة، وسلم الوصول، ومطلب العارفين، ومطية الصالحين، ومفزع المظلومين، وملجأ المستضعفين، به تُستجلب النعم، وبمثله تُستدفع النقم. ما أشد حاجة العباد إليه، وما أعظم ضرورتهم إليه، لا يستغني عنه المسلم بحال من الأحوال.
والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه.
وأمرٌ هذا شأنه حريٌ بالمسلم أن يقف على فضائله وآدابه، نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم الدعاء وصالح الأعمال.
فضائل الدعاء
للدعاء فضائل لا تحصى، وثمرات لا تعد، ويكفي أنه نوع من أنواع العبادة، بل هو العبادة كلها كما أخبر النبي بقوله: { الدعاء هو العبادة } [رواه الترمذي وصححه الألباني]. وترك الدعاء استكبار عن عبادة الله كما قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، وهو دليل على التوكل على الله، وذلك لأن الداعي حال دعائه مستعين بالله، مفوض أمره إليه وحده دون سواه. كما أنه طاعة لله عز وجل واستجابة لأمره، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].
وهو سلاح قوي يستخدمه المسلم في جلب الخير ودفع الضر، قال : { من فُتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سُئل الله شيئاً يُعطى أحب إليه من أن يُسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل وما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء } [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
وهو سلاح استخدمه الأنبياء في أصعب المواقف، فها هو النبي في غزوة بدر عندما نظر إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر استقبل القبلة ثم رفع يديه قائلاً: { اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض } فما زال يهتف بالدعاء ماداً يديه، مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه، فأتاه أبوبكر فأخذ رداءه وألقاه على منكبه ثم التزمه من ورائه وقال: ( يا نبي الله، كفاك منشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك ) [رواه مسلم].
وها هو نبي الله أيوب عليه السلام يستخدم سلاح الدعاء بعدما نزل به أنواع البلاء، وانقطع عنه الناس، ولن يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، وهو في ذلك كله صابر محتسب، فلما طال به البلاء دعا ربه قائلاً: وَأيُوبَ إذ نَادى رَبَهُ أنّي مَسَنِىَ الضُرُ وَأنتَ أرحَمُ الرّاحِمِينَ (83) فَاستَجَبنَا لَهُ فَكَشَفنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ [الأنبياء:84،83].
والدعاء سبب لتفريج الهموم وزوال الغموم، وإنشراح الصدور، وتيسير الأمور، وفيه يناجي العبدُ ربّه، ويعترف بعجزه وضعفه، وحاجته إلى خالقه ومولاه، وهو سبب لدفع غضب الله تعالى لقول النبي : { من لم يسأل الله يغضب عليه } [رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني]. وما أحسن قول الشاعر:
لا تسألن بني آدم حاجة *** وسلِ الذي أبوابُه لا تحجبُ
الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبني آدم حين يسأل يغضبُ
وهو سلاح المظلومين ومفزع الضعفاء المكسورين إذا انقطعت بهم الأسباب، وأغلقت في وجوههم الأبواب، يقول الإمام الشافعي:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وما تدري بما صنع الدعاءُ
سهام الليل لا تخطي ولكن *** له أمدٌ وللأمد انقضاء
آداب الدعاء
للدعاء آداب كثيرة يحسن توافرها لتكون عوناً بعد الله على إجابة الداعي، ومن هذه الآداب:(11/34)
1 - افتتاح الدعاء بحمد الله تعالى والثناء عليه، والصلاة على النبي :
لحديث فضالة بن عبيد قال: بينما رسول الله قاعداً إذ دخل رجلٌ فصلّى فقال: اللهم اغفر لي وارحمني. فقال رسول الله : { عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصلِّ عليّ ثم ادعه }. ثم صلّى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله، وصلى على النبي ، فقال له النبي : { أيها المصلي ادع تُجب } [رواه الترمذي وصححه الألباني].
2 - الإعتراف بالذنب والإقرار به:
وفي هذا كمال العبودية لله تعالى، مثلما دعا يونس عليه السلام: فَنَادى فِي الظُلُمَاتِ أن لآ إلَهَ إلآ أنتَ سُبحَانَكَ إنِّي كُنتُ مِنَ الظَالٍِمِينَ [الأنبياء:87].
3 - الإلحاح في الدعاء والعزم في المسألة:
لقول النبي : { إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن: اللهم إن شئت فأعطني، فإنه لا مستكره له } [رواه البخاري ومسلم].
4 - الوضوء واستقبال القبلة ورفع الأيدي حال الدعاء:
فهذا أدعى إلى خشوعه وصدق توجهه، فعن عبدالله بن زيد قال: ( خرج النبي إلى هذا المصلي يستسقي فدعا واستسقى، ثم استقبل القبلة وقلب رداءه ). ولحديث أبي موسى الأشعري لما فرغ النبي من حنين، وفيه قال: فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال: { اللهم اغفر لعبيد بن عامر } ورأيت بياض أبطيه. [رواه البخاري ومسلم].
5 - خفض الصوت والإسرار بالدعاء:
لقول الله تعالى: ادعُوا رَبَكُم تَضَرُعاً وَخُفيَةٌ إنَهُ لاَ يُحِبُ المُعتَدِينَ [الأعراف:55]. ولقول النبي : { أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم } [رواه البخاري].
6 - عدم تكلف السجع:
وذلك لأن الداعي ينبغي أن يكون في حال تضرع وذلة ومسكنة، والتكلف لا يناسب ذلك، وقد أوصى ابن عباس أحد أصحابه قائلاً: ( فانظر السجع في الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله صلى الله عليi وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب ) [رواه البخاري].
7 - تحري الأوقات المستحبة واغتنام الأحوال الشريفة:
كأدبار الصلوات الخمس، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، والثلث الأخير من الليل، ويوم الجمعة، ويوم عرفة، وحال نزول المطر، وحال السجود، وحال زحف الجيوش في سبيل الله، وغير ذلك.
8 - تجنب الدعاء على النفس والأهل والمال:
لقول النبي : { لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم } [رواه مسلم].
نماذج لأدعية من الكتاب والسنة
أولاً: أدعية من القرآن الكريم:
1 ـ رَبَنَا اصرٍف عَنَا عَذّابَ جَهَنَمَ إنَ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إنَهَا سَآءَت مُستَقَراً وَمُقَاماً [الفرقان:66،65].
2 ـ رَبَنَا هَب لَنَا مِن أزوَجِنَا وَذُرِياتِنَا قُرَةَ أعيُنٍ واَجعَلنَا لِلمُتَقِينَ إمَاماً [الفرقان:74].
3 ـ رَبَنَا اغفِر لَنَا وَلإخوَنِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِاللإيمَانِ وَلاَ تَجعَل فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَذِينَ ءَامَنُوا رَبَنَآ إنَكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].
4 ـ رَبِ اغفِر وَارحَم وَأنتَ خَيرُ الرَاحِمينَ [المؤمنون:118].
5 ـ رَبَنَآ ءَاتِنَا فِي الدُنّيَا حَسَنَةً وَفيِ الأَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَارِ [البقرة:201].
6 ـ رَبَنَا لاَ تُؤَاخِذنَآ إن نَسِينَآ أَو أخطَأنَا رَبَنَا وَلاَ تَحمِل عَلَيَنآ إصراً كَمَا حَمَلتَهُ عَلَى الّذِينَ مِن قَبلِنَا رَبَنآ وَلاَ تَحمِلنَآ مَلاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعفُ عَنّا واغفِر لَنَا وَارحَمنَآ أنتَ مَولَنَا فانصُرنَا عَلَى القَومِ الكَفِرِينَ [البقرة:268].
7 ـ رَبَنَا لاَ تُزِغ قُلُبَنَا بَعدَ إذ هَدَيَتَنا وَهَب لَنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إنَكَ أنتَ الوَهَابُ [آل عمرآن:8].
8 ـ رَبِّ اشرَح لي صَدرِي (25) وَيَسِّر ليِ أمرِي (26) وَحلُل عٌقدَةً مِن لِسَاني (27) يَفقَهُوا قَوليِ [طه:25-28].
9 ـ رَبِ إنّيِ ظَلَمتُ نَفسِي فَاغفِر ليِ [القصص:16].
10 ـ رَبَنآ لاَ تَجعَلَنَآ فِتنَةً لِلقَومِ الظّالِمينَ (85) وَنَجِنآ بِرَحمَتِكَ مِنَ القَومِ الكَافِرِينَ [يونس:86،85].
11 ـ رَبَنآ اغفِر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإسرَافَنَا فيِ أمرِنَا وَثَبِت أقدَامَنَا وَانصُرنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ [آل عمران:147].
12 ـ رَبَنَآ ءَاتِنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً وَهَيىء لَنَا مِن أمرِنَا رَشَداً [الكهف:10].
13 - رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114].
14 - رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ [المؤمنون:97].
15 - رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الممتحنة:5].
16 - رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء [آل عمران:38].
17 - رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:127].
18 - رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء [إبراهيم:40].
19 - رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم:41].
20 - رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:16].
21 - رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ [العنكبوت:30].
22 - رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ [المؤمنون:109].(11/35)
23 - رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ [التحريم:8].
24 - رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [المائدة:83].
ثانياً: أدعية من السنة النبوية:
1 - { اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر }.
2 - { اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى }.
3 - { اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والبخل، والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم إني أعوذ بك من علم لاينفع، ومن قلب لايخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لايستجاب لها }.
4 - { اللهم اهدني وسددني، اللهم إني أسألك الهدى والسداد }.
5 - { اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك }.
6 - { اللهم إني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك. أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي }.
7 - { اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك }.
8 - { يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك }.
9 - { اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة }.
10 - { اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، وعذاب النار، وفتنة القبر، وعذاب القبر، وشر فتنة الغنى، وشر فتنة الفقر، اللهم إني أعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل قلبي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم إني أعوذ بك من الكسل والمأثم والمغرم }.
11 - { اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات }.
12 - { اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء }.
13 - { اللهم إني أعوذ بك من شر ماعملت، ومن شر ما لم أعمل }.
14 - { اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت }.
15 - { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين }.
16 - { اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي }.
17 - { اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال، والأهواء }.
18 - { اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني }.
19 - { اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي، وترحمني، وإذا أردت فتنة قوم فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك }.
20 - { اللهم إني أسألك من الخير كله: عاجله وآجله، ماعلمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله: عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم. اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك، وأعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبدك ونبيك. اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسالك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيراً }.
21 - { اللهم احفظني بالإسلام قائماً، واحفظني بالإسلام قاعداً، واحفظني بالإسلام راقداً، ولا تشمت بي عدواً ولا حاسداً. اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك }.
22 - { اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقواتنا ما أحببتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لايرحمنا }.
23 - { اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي }.
24 - { اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة }.
25 - { رب أعني ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسر الهدى إليّ، وانصرني على من بغى عليّ، رب اجعلني لك شاكراً، لك ذكاراً، لك رهّاباً، لك مطواعاً، إليك مخبتاً أواهاً منيباً، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي }.
26 - { اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي }.
27 - { اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وأعوذ بك من علم لاينفع }.
28 - { اللهم رب السماوات السبع ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شي، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شئ أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شئ، وأنت الآخر فليس بعدك شئ، وأنت الظاهر فليس فوقك شئ، وأنت الباطن فليس دونك شئ، اقض عنا الدين وأعننا من الفقر }.
29 - { اللهم حاسبني حساباً يسيراً }.
30 - { اللهم أعنا على ذكرك،وشكرك، وحسن عبادتك }.
31 - { اللهم إني أسألك إيماناً لايرتد، ونعيماً لاينفد، ومرافقة محمد صلى الله وعليه وسلم في أعلى جنة الخلد }.
32 - { اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين، وغلبة العدو، وشماتة الأعداء }.
33 - { اللهم إني أسألك الجنة وأستجير بك من النار } ( ثلاث مرات).
34 - { اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم }.(11/36)
35 - { اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً }.
36 - { اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً طيباً، وعملاً متقبلاً }.
37 - { اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت وبك خاصمت. اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني. أنت الحي الذي لايموت، والجن والإنس يموتون }.
38 - { اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار }.
39 - { اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ماعلمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضاء والغضب، وأسألك القصد في الغنى والفقر، وأسألك نعيماً لاينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضاء بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة. اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين }.
40 - { اللهم طهرني من الذنوب والخطايا، اللهم نقني منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد }.
41 - { اللهم متعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني، وانصرني على من يظلمني، وخُذ منه بثأري }.
42 - { اللهم إني أسألك عيشة نقية، وميتة سوية، ومرداً غير مخز ولا فاضح }.
43 - { اللهم زدنا ولاتنقصنا، وأكرمنا ولاتهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا }.
44 - { اللهم أحسنت خلقي فأحسن خلقي }.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
==============
مسؤولية الكلمة كم هي ثقيلة !
مها الجريس
ليس من الغريب أن نذكر أنفسنا بين الحين والآخر بأمانة الكلمة ومسؤولية الفرد عما يقوله في شان من أمور الدنيا أو ما يتعلق بالآخرة، والنصوص المتواترة في هذا من الكتاب والسنة أشهر من أن تذكر.
كم هي ثقيلة أمانة الكلمة! وكم هو عبؤها أثقل حينما تخرج من عالمٍ أو طالب علمٍ أو داعية يصدر الناس عن رأيه وينثنون إلى قوله!
ماذا أتعب العلماءَ الربانيين غيرُ هذا؟
ألم يكن للإمام أحمد رخصة في محنة القول بخلق القرآن، وكان لغيره ألف مسلك للتأويل وفقه الإكراه؟
إنها الأمانة الثقيلة التي عبَّر عنها موقف الإمام في المحنة، حينما رأى الناسَ وطلابَه ـ وهم بالآلاف ـ قد أمسكوا الأقلام ينتظرون ما يقول ليكتبوا عنه.
واليوم كيف هو الحال؟
ماذا يمكن أن نقول لمن يصدر الناس عن رأيه في زمانٍ كهذا وفتن مدلهمات؟
وكم هم تلاميذ الإمام أحمد وناقلو رأيه أمام ملايين البشر الذين يستمعون لهؤلاء اليوم في مواقعهم الإلكترونية أو عبر شاشات الفضائيات!
إن المسؤولية اليوم عظيمة وثِقَل الأمانة يتضاعف؛ فالكلمة يطير بها الإعلام بثوانٍ معدودات من غير مركوب ولا ركبان.
والزمان في غربة من الدين وأهله، والأعداء قد رموه عن قوسٍ واحدة، وما يمكن قوله ـ اليوم ـ قد لا يمكن غداً، وما ذاك إلا لتقلّب الأحوال وتصاريف الأيام بأمور وأحوال تجعل الحليم حيران.
كل هذا وذاك يجعلنا نقف وقفة طويلة أمام ثقل الأمانة الشرعية وعظيم المسؤولية الدنيوية؛ لما يصدر اليوم من أقوال وآراء تنتشر هنا وهناك، ليس منها ـ في بعض الأحيان ـ ما يوصف باجتهادات خاطئة يُؤجر صاحبها مرة واحدة، بل لا تعدو أن تكون قناعات شخصية أو آراء سياسية أو حضارية لم توزن بميزان الفتاوى الشرعية، يتناقلها الناس عن بعض الدعاة وطلاب العلم في برامجهم التي لم تكن أصلاً للإفتاء.
وأخيراً:
هل يدرك هؤلاء العلماء والدعاة أنهم ملء السمع والبصر، وأن الناس قد انتظروا ما يقولون ليحملوا عنهم، ولو لم يجمعهم مجلس علم أو ساحة مناظرة، ومن غير أقلام ولا قراطيس، وإنما عبر الأثير وفي برامج حوارية أو ثقافية أو اجتماعية؟
لِمَا مضى ولغيره أرجع فأقول:حقاً! كم هي ثقيلة أمانة الكلمة ومسؤولية الفرد!
والله المستعان.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة
دار القاسم ...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فلقد اصطفى الله جل وعلا ولد إسماعيل من ذرية آدم، واختار كنانة من ولد إسماعيل، واختار قريشاً من كنانة، واختار بني هاشم من قريش، واصطفى محمداً من بني هاشم ليكون خير البرية وأزكى البشرية..
وخاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والآخرين..
واصطفى الله جل وعلا جبريل عليه السلام ليكون الروح الأمين، والمبلغ عن رب العالمين، قال تعالى: اللهُ يَصطَفِى مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيع بَصِيرٌ [الحج:75].
واصطفى الله تعالى دين الإسلام ليكون الدين عنده، ولن يقبل من أحد ديناً سواه.. إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسلامُ [آل عمران:19].. وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإسلامِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
واصطفى الله تعالى القرآن ليكون أفضل كتبه وأكملها، والمهيمن عليها: وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيمِناً عَلَيهِ [المائدة:48].
وهكذا.. يصطفي الله تعالى ما يشاء مما يشاء لحِكَمٍ يعلمها سبحانه..
وأما في دين الإسلام فقد فضلت الصلاة على سائر العبادات خلا التوحيد..(11/37)
واصطفاها الله تعالى لتكون الفيصل بين الإيمان والكفر.. { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر } [رواه الترمذي وغيره].. و { بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة } [رواه مسلم].
ولذا فلم تكن الكيفية التي فرضت بها الصلاة كسائر العبادات؛ بل عرج بالنبي إلى السماء وفرضت عليه بلا واسطة؛ لتعلم الأمة منزلتها ولتقدر هذه العبادة قدرها.
وخُصت صلاة الفجر بمزيد من الفضل، وحُفّت بجزيل الثواب والأجر..
فهي محك الإيمان، وعلامة التسليم والإذعان..
يتمايز فيها المؤمن من المنافق، قال ابن عمر رضي الله عنهما: ( كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا الظن به ) [رواه الطبراني وابن خزيمة].
رتب الشارع الحكيم على المحافظة عليها أجوراً لم ينلها غيرها..
فصاحب صلاة الفجر محاط بالفضائل، ومبشر بعظيم البشائر..
فمنذ خروجه من بيته لأداء الصلاة والبشائر تنهال عليه من كل جانب.. قال عليه الصلاة والسلام: { بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة } [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني].
وإذا أدى سنة الفجر فهي خير من الدنيا وما فيها. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : { ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها } [رواه مسلم].. يعني سنة الفجر.
وحين يجلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة مادامت الصلاة تحبسه، { ومن جلس ينتظر الصلاة صلّت عليه الملائكة، وصلاتهم اللهم اغفر له اللهم ارحمه } [رواه أحمد].
حتى إذا ما أقيمت الصلاة وشرع في أدائها فيا للفوز والأجر، ويا لعظيم الفضل وجليل البُشر..
هاهو يقف بين يدي الله وتشهد له ملائكة الله، قال تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إِلَى غَسَقِ الَّيلِ وَقُرءَانَ الفَجرِ إِنَّ قُرءَانَ الفَجرِ كَانَ مَشهُوداً [الإسراء:78].
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر } قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم إن قرآن الفجر كان مشهوداً [متفق عليه].
وقال : { لن يلج النار أحد صلّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } [رواه مسلم].. يعني الفجر والعصر.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله قال: { من صلّى البردين دخل الجنة } [متفق عليه].. والبردان هما الفجر والعصر.
ويرجى لمن حافظ عليها وعلى صلاة العصر الفوز برؤية الجبّار جلّ وعلا، فعن جرير بن عبدالله قال: كنا جلوساً عند رسول الله ، إذا نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: { أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } [متفق عليه].. يعني العصر والفجر.
قال الحافظ ابن حجر: ( قال العلماء: ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند الرؤية، أن الصلاة أفضل الطاعات، وقد ثبت لهاتين الصلاتين من الفضل على غيرهما ما ذكر من اجتماع الملائكة فيهما، ورفع الأعمال، وغير ذلك، فهما أفضل الصلوات، فناسب أن يجازي المحافظ عليهما بأفضل العطايا، وهو النظر إلى الله تعالى.. ).
وعن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله يقول: { من صلّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلّى الصبح في جماعة فكأنما صلّى الليل كله } [رواه مسلم].
ولا ينقطع الفضل بانقضاء الصلاة، ولا ينتهي بانتهائها.. لكنه ما يزال في أجر عظيم وفضل كبير، تحيطه عناية الله، وتستغفر له ملائكة الله.. فعن علي قال: سمعت رسول الله يقول: { من صلّى الفجر ثم جلس في مصلاه صلّت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه } [رواه أحمد].
فإذا ما قويت عزيمته، وغلب نفسه، وجلس حتى تشرق الشمس فقد فاز بأجر حجة وعمرة.. فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : { من صلّى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلّى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة } [رواه الترمذي وصححه الألباني]..
ولا تزال البشائر تتوالى عليه، ولا يزال حفظ الله مبذولاً إليه..
فعن جندب بن عبدالله قال: قال رسول الله : { من صلّى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم } [رواه مسلم].
الله أكبر.. أرأيتم كم للمحافظ على هذه الصلاة من خير وفضل..
وكم يضيع المتخلف عن صلاة الفجر من عظيم الأجر..
نعم.. إنه لا يحرم من هذا الفضل إلا محروم..
ويا ليت الأمر ينتهي عند التفريط في الفضل، والحرمان من الأجر؛ ولكن يترتب على التهاون في الصلاة مزالق عظيمة، وعواقب وخيمة..
فعن سمرة بن جندب أن رسول الله ذكر رؤياه التي رآها فقال: { إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتهدهد الحجر هاهنا فيتبع الحجر ويأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه يفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذا؟ قال: قالا لي انطلق، قال: فانطلقنا.. } وفي آخر الحديث قال: { قالا لي: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة } [رواه البخاري].
وفي رواية قال: { يفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة } [رواه أحمد].
نعوذ بالله من شديد غضبه، وأليم عقابه..
ثم إن التهاون في أداء الصلاة مع الجماعة من علامات النفاق..(11/38)
صلّى النبي الفجر يوماً ثم قال: { أشهد فلان الصلاة؟ }، قالوا: لا، قال: { وفلان؟ }، قالوا: لا، قال: { إن هاتين الصلاتين من أثقل الصلاة على المنافقين ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً } [رواه النسائي].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ثم آمر رجلاً يؤم الناس ثم آخذ شعل من نار فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد } وفي حديث آخر: { والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء } [متفق عليه].
وذُكر عند النبي رجل نام حتى الصبح ولم يصل فقال: { ذاك رجل بال الشيطان في أذنه } [متفق عليه].
والأخطر من ذلك أن من أهل العلم من يرى أن من تخلف عن صلاة الفجر حتى يخرج وقتها متعمداً فقد كفر - استناداً على ما ورد من الأحاديث..
وبغض النظر عن رجحان هذا القول من عدمه، ولكن يكفينا شدة أن نعلم أن العلماء قد اختلفوا في ذات إسلام من فرط في صلاة الفجر عامداً حتى يخرج وقتها.
نسأل الله تعالى العفو والعافية..
أخي الكريم:
أين أنت من هؤلاء؟.
عن برد مولى سعيد بن المسيب قال: ( ما نودي بالصلاة منذ أربعين سنة إلا وسعيد في المسجد ).
وقال وكيع بن الجراح عن الأعمش سليمان بن مهران: ( كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى ).
وقال محمد بن المبارك الصوري: ( كان سعيد بن عبدالعزيز التنوخي إذا فاتته صلاة الجماعة بكى ).
وروي عن محمد بن خفيف أنه كان به وجع الخاصرة فكان إذا أصابه أقعده عن الحركة فكان إذا نودي بالصلاة يُحمل على ظهر رجل، فقيل له: لو خففت على نفسك؟ قال: ( إذا سمعتم حي على الصلاة ولم تروني في الصف فأطلبوني في المقبرة ).
وسمع عامر بن عبدالله بن الزبير المؤذن وهو يجود بنفسه فقال: ( خذوا بيدي )، فقيل إنك عليل، قال: ( أسمع داعي الله فلا أجيبه؟! ) فأخذوا بيده فدخل مع الإمام في المغرب فركع ركعة ثم مات.
أخي الكريم..
إن من تأمل حال الناس اليوم ليحزن من تهافتهم وراء الدنيا، وزهدهم في مرضاة الله وجنته.. فتجد المنادي ينادي ( الصلاة خير من النوم ) فلا تسمع إلا الهدوء والسكون، ولا تكاد ترى أحداً.. ولكن بعد ساعات قلائل، حين تأتي مشاغل الدنيا ويحين وقت العمل ينقلب الهدوء إلى ضجة لا تنقطع، والسكون إلى حركة لا تنتهي، فسبحان الله! وصدق سبحانه حين قال: بَل تُؤثِرونَ الحَيَاةَ الدُّنيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبقَى [الأعلى:17،16].
أخي الكريم..
ها قد بانت لك الأمور، وقامت عليك الحجة.. وعلمت أن المحافظة على هذه الشعيرة العظيمة سبيل لرفعة الدرجات وتكفير السيئات، والتفريط فيها من أسباب التردي والانزلاق في الدركات..
وهي ولا شك تحتاج إلى جهد ومجاهدة.. فاحذر أن تغلبك نفسك، ويقوى عليك شيطانك.. فقد حُفت الجنة بالمكاره وحُفت النار بالشهوات..
وحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وتنبه قبل أن تأتي ساعة تندم فيها ولآت ساعة مندم..
وتفقد أهل بيتك وأرحامك، وجيرانك وأحبابك؛ فقد كان قدوتك يمر بباب ابنته فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول: { الصلاة يا أهل البيت إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب:33] } [رواه مسلم].
وتذكر أن الراحة الحقة حين تضع قدميك في دار الكرامة وتنجو من دار العقاب والمهانة، وليست في إيثار نومة زائلة أو لذة عابرة..
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لمرضاته، وأن يكتب لنا الحسنى وزيادة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه.
==============
جولة في صيدلية !
أحمد بن عبد المحسن العساف
ahmassaf@yahoo.com
افتتحت أولُ صيدليةٍ في التاريخ في بغداد- فكَّ الله أسرها- عام 621 أواخر عهد العباسيين. ولبعض الصيدليات تاريخٌ عريق قديم يمتدُ إلى أزيدَ من ستمائة عامٍ كما في إحدى صيدليات مدينة نيورن بورق في جنوب ألمانيا؛ وهي مدينةٌ لم تدخلها الحرب العالمية الثانية لشدة تحصنها.وقد تخيلتُ نفسي متجولاً داخلَ صيدليةٍ كبرى فخطرتْ لي خواطرٌ رأيتُ نشرها عسى أنْ تفيدَ قارئيها.
ففي الصيدليةِ أدويةٌ باهظةُ الثمن لمعالجة الأمراض الخطيرة التي قد تقضي على حياة البشر إذا أُهملَ علاجُها، وهكذا مشاريع الإصلاح المفصلية التي يراد منها حجز الناس عن الشرور ودلالتهم على الهدى ليست سهلة بل صعبة مكلفة لا يمضي فيها قُدماً مَنْ لم يعرف شأنها منذُ البداية. وكما تعالج أدويةُ الصيدلية الأمراضَ الخطيرة فإنها لا تغُضُ الطرفَ عن الأمراض اليسيرة لأن تركها قد يسبب استفحالها؛ غيرَ أن أدويتها رخيصة ما لم تستفحل، ومن هنا نلمح أهمية الالتفات للمشكلات الصغيرة حتى لا تتعاظم فتصعب السيطرة عليها إلا بجهدٍ مُضنٍ ومبالغَ مالية كبيرة.
ومع سرعة إنهاء المشكلة اليسيرة وبذل الوقت في علاج الأمور العظام لا تغفل الصيدلية عن العلل المستعصية؛ فثمَّت أدوية لها تخففُ من وطأتها وتمنعُ من تفشيها أو تعالج آثارها، ومن سياسة الصيدلية نستفيد ضرورة مراقبة ما لا طاقةَ لنا به من سبل الفساد لمنع انتشارها أو تخفيف آثارها لأن إغفالها بلا مقاومةٍ دائمة سببٌ أكيدٌ للبوار.(11/39)
ومن الأدوية ما يعالج جلَّ الداء؛ وجميع الأدوية ذاتُ أعراضٍ جانبية مُعلنَةٍ منشورة، وتوجد مستحضرات تعالج أكثر من علَّةٍ في آنٍ واحد؛ وهذه التفصيلات مهمة لعمل المصلحين؛ فقد لا تصمد البرامج الإصلاحية أمام جميع جوانبِ المشكلة أو تعجز عن الإحاطة بدقائقها؛ كما يمكن استغلال أي منشطٍ للخير ليكون متعدد المنافع، ومن الواقعية أن نعترف بوجود بعض المتعلقات التي لا نرغبها في بعض النشاطات المفيدة غير أن الضرر اليسير يُعفى عنه مقابل النفع الكبير.
والصيدلية أكثرُ منطقيةً من بعض سفهاء الليبرالية فلا يوجد في الصيدلية دواءٌ للموت كما تمنى أحدهم في لقاء مسجل- ولا عقار للجنون أو السفاهة، ومن هذا المنهج نستفيد أن الإصلاح سيواجه قلوباً ميتة أو عقولاً خالطها الجنون أو مروءاتٍ شانتها السفاهة والأسلم تجاوز كل هذه الاستثناءات وصولاً للأكثرية الحية العاقلة الحيية تماماً كما تمنع بعض الحالات من أدويةٍ ما أو يتعذر استفادة أناس من علاجاتٍ يشهد الغالبية على نجاحها.
ومنافذ تناول الأدوية متعددةٌ في جسم الإنسان؛ ولبعض المنافذ أكثر من طريقة استخدام، وفي الصيدلية أدوية للكبار والأطفال وللرجال والنساء؛ والواجب على المصلحين تنويع البرامج وتكثير طرقها؛ كما ينبغي العناية بجميع شرائح المجتمع وإشراكها في الرسائل الموجهة حتى لا ينصرف الجهد إلى فئة واحدة فقط. وفي الصيدلية أركانٌ خاصة لأمراض معينة؛ وكل مشروع إصلاحي لا بد له من متفرغين لملفاته المهمة.
ولا تجامل الصيدلية غنياً ولا كبيراً ولا شريفاً ولا عالماً فتعطيهم من الأدوية مثل ما يأخذه منها الفقير والصغير والوضيع والجاهل مع اختلاف في النوعية أو السعر الذي لا يغيرُ شيئاً من الأثر المشترك في الحالتين. والمصلحون رسالتهم واحدة غير أنَّ طريقة عرضها وتفاصيلها تختلف طبقاً لاختلاف المتلقي ومكانته العلمية أو الاجتماعية أو الرسمية أو العمرية؛ وفي هذا التنوع إنزال للناس قدر منازلهم وهو مطلب شرعي. كما أن الرسالة الإصلاحية يجب أن تكون " عامة " و " نخبوية ".
وحاجة الناس للصيدلية لا تنقضي ولا تنقطع؛ وكذلك حاجة الناس للمصلحين من العلماء والأمراء والقضاة والدعاة والمحتسبين وأرباب المهن. وكما يوجد في الصيدلية مستحضرات كمالية للتجميل والتحسين وزيادة الرفاهية والتأنق؛ فحقيق بدعاة الحق والفضيلة ألا ينسوا في خضم جهادهم حاجات الناس الحياتية وهمومهم المشتركة ورغباتهم الطبيعية التي لا تصادم شرع الله العظيم. وكم في الشريعة المحمدية من توسعة ويسر ومباهج ومسرات.
وتختلفُ الأدوية في أثرها ومفعولها؛ فمنها ما هو سريع الأثر وفيها البطيء؛ وبعضها لا بد من تناوله زمناً طويلاً قد يستغرق العمر كله ومنها ما يكفيه بضعة أيام؛ وبعض الأدوية تشتد الحاجة لها في موسم دون غيره؛ وبعضها يؤخذ يومياً مرة أو مرتين ومنها ما يتناوله المريض كل شهر أو أكثر، ومنها ما يحقن في الوريد لتعجيل الأثر. ومن الحكمة أن تكون المفردات الإصلاحية كذلك، فبعض البلايا لا تحتمل فلا بد من التعامل الصارم السريع معها، ومن الظواهر ما هو متأصلٌ يصعب اجتثاثه في مدة قصيرة؛ والمواسم المباركة فرصةٌ للتعريف بالخير والدعوة إليه. وكما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخول أصحابه بالموعظة خشية السأم والملالة من المستمعين فكذلك يجب على مصلحينا حتى لا ترد عليهم نصائحهم، فبعض الأزمنة أو الأمكنة لا يصلح فيها ما يكون مناسباً مع غيرها.
وتحتل غالب الصيدليات مكاناً بارزاً في كثير من الأمكنة والزوايا وتضع في مقدمتها لوحة كبيرة جذابة؛ وأدويتها مغلفة بطرق فنية بارعة وتصاميم رائعة إضافة إلى الألوان الزاهية والروائح العطرية والأسماء المختصرة لبعضها؛ ولذا فبروز الإصلاح في أكثر من جهة حتى يؤمه الناس أمر متحتم خاصةً مع كيد الأعداء وضراوتهم؛ والإبداع في الوسائل الإصلاحية لا مناص منه مع كثرة المنافسين، وربط الناس بالرسالة الإصلاحية المختصرة مهم ليحملوها أينما كانوا.
وبعض الأدوية داخلي لا فائدة منه إلا إذا تغلغل في جسم الإنسان وقليل منها أدوية خارجية، والمتعين على رعاة الإصلاح البدء بالداخل فهو الأهم؛ فإصلاح النفس وتصوراتها أولى من تغيير المظاهر، وتربية جيل الإصلاح لا بد منه قبل الانطلاق للخارج؛ والعناية بمشكلات المجتمعات الإسلامية ألزم من الخوض في شؤون العالم الخارجي؛ وإصلاح الجبهة الداخلية سيكون سداً منيعاً في وجه هجمات الخارج:" وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً " الآية (120) من سورة آل عمران.
وكل تجديد وتزويق في الصيدلية لا يخرجها عن كونها مكاناً للعلاج والدواء؛ والعجب لا ينقضي من قوم لبسوا عباءة الإصلاح وبالغوا في التلطف والتميع حتى خرجوا عما زعموا إلى نقيضه. وجميع أدوية الصيدلية ركبت بناء على دساتير عالمية مجربة ومعتمدة، وعار على بعض أبناء المسلمين تبني مشاريع "إصلاحية" تخالف دستور أمتهم ومنهاجها المتمثل بالكتاب العزيز والسنة المشرفة. وكمالم يجعل الله شفاء الأمة فيما حرم عليها فلا مكان للمسكرات ومشتقات الخنزير في أدوية المسلمين فكذلك لامكان لما حرم الله في الإصلاح والتغيير.
ولا تعتذر الصيدلية ولا تتراجع عن مشروعها العلاجي إذا أخطأ فرد منها أو مجموعة بنكسة صحية أو تسمم أو حتى وفاة؛ وعجيب ما نفعله نحن المسلمون من الاعتذار المبالغ فيه مع كل خطأ يرتكبه مسلم أو يقترفه غلاة هنا أو هناك، وأعجب منه أننا لا نسمع مثل هذه الاعتذارات الحارة من كبار الطوائف والملل والأديان المحرفة تجاه جرائم معتدليها وغلاتها.(11/40)
وفي الصيدلية مقاييس وموازين لا تجامل وتعلن الحقيقة بلا جمجمة، وواجب على كل حركة إصلاحية أن تجعل لها مؤشرات ومقاييس لتزن عملها وتعرف مستوى التقدم في نتائجها وتبصر مواطن الخلل حتى لا تقع في زلة إثر أخرى، كما يجب عليها الوضوح وتحري الدقة في الخطاب العام.
ويتنوع منشأ بعض الأدوية ما بين نباتي وحيواني وكيماوي؛ وتختلف أسعارها حسب القدرة الشرائية في البلدان. وبعضها لا بد من حفظه بعيداً عن الضوء، وبين بعض الأدوية تضاد واختلاف كما يوجد تعارض بين بعض الأدوية والأغذية. وفي هذا رسالة واضحة للمصلحين بضرورة تنويع الأبعاد في المشاريع الإصلاحية إضافة إلى الدقة في حساب ثمن الإصلاح المختلف بين بلد وآخر مع التأكيد على ضرورة التريث في إبراز المشروع للأضواء حتى ينضج ويقوى. وفي قضية التضاد تحذير من تنازع المصلحين المنطلقين من مبدأ واحد وإبراز لحقيقة مرة ملخصها أن الخير قد يعارضه أخيار- أو هكذا يبدون- قبل غيرهم.
وفي الصيدلية أدوية خاصة لاستثارة الرغبة الجنسية ولا يوجد فيها أدوية مخصصة لعكس الأثر، وأدوية منع الحمل والإجهاض رخيصة الثمن في مقابل جنون أسعار أدوية ارتفاع الضغط والسكر؛ وما أشبه هذه الحالة بمشاريع المفسدين التي تتكئُ على معاهدات الأمم المتحدة وتتخذ من إشاعة الجنس والفاحشة وإفساد المراة وتخريبها وإبرازها لسراق الأعراض سبيلاً لخطلها المسمى بهتاناً بالإصلاح والتقدم والحرية. وفي الصيدلية أدوية مخدرة ومنومة تشبه المشاريع الهزيلة التي لا تصلح أمر الدنيا وتفسد دين الناس. وفي مقابل الصيدلية تطرح مصانع الخمور نفسها كمنافس إصلاحي يزيل الألم ويضفي البهجة ويقوي بعض الأعضاء! غير أنها تخفي إفساد العقل وتخريب أكثر أجزاء الجسم الداخلية إضافة لإغضاب الرب جل جلاله، وتذكرني هذه المصانع بحال الأدعياء من منافقي الأمة الذين يحاولون مجاراة البَررَة في احتسابهم الإصلاحي.
وللأدوية تاريخ صلاحية؛ وكل برنامج له زمن تنتهي صلاحيته أو يقل أثره بعده، ولبعض الأدوية عدة أجيال؛ وهكذا المشروع الإصلاحي الناضج المواكب لتطور المجتمع وتعقد مشكلاته. وفي الصيدلية لقاحات وأمصال للعلاج والوقاية؛ والإصلاح يضع يده على الحاضر لكنه يرمق بعينه البصيرة المستقبل حتى لا يفاجأ بما لم يكن في الحسبان.
ويُذكر في التاريخ أن المأمون دعا إلى عقد امتحان أمانة الصيادلة؛ بينما منحهم المعتصم شهادات وإجازات بعد اختبارهم وعرفت الحسبة على الصيادلة في تلك العهود. وهذا لعمر الله مهم في حق الصيادلة غير أنه أكثر أهمية في حق دعاة الإصلاح، فمتى كان البعثي والعصراني وكل مرجف بغيضٍ مصلحاً؟ وإن الاحتساب قائم على كل من دعا إلى الإصلاح تأييداً وتقويماً. وتسمى ورقة الأدوية في الشام: الدستور، وفي المغرب: النسخة، وفي العراق: الوصفة، وللصيدلي عدة أسماء مثل: صيدلي-صيدلاني-صندلي-صندلاني-صيدني؛ ومن هنا فلا يهم كثيراً تسمية المشروع الإصلاحي مادام مضمونه الحق والخير، ويجب أن تتعدد أسماء القائمين عليه المتفقين على خطوطه العريضة من علماء وأمراء ودعاة ومهنيين ومثقفين ولا يكون مقصوراً على وصف دون غيره حتى تقبله الأمة بجميع فئاتها.
09 من شهر ربيع الأول عام 1428
http://www.islamselect.com المصدر:
============
كيف تكون بطلاً
محمد بن سرار اليامي
دار الوطن
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
لو قدّر لأحدنا أن يسلك طريقاً فيه شوك، لعدل عن الشوك أو جاوزه أو قصر عنه.
ولو أن أحدنا خيّر بين طريقين: عسير ويسير، سهل وصعب، وكان اليسير على أحب وأرضى ما يكون، وكان العسير على أسوأ ما يكون، لسلك العاقل اللبيب سبل اليسر والسلامة، ولحاول الأحمق سلوك غير هذا السبيل..
بل لو حمل أحدنا إناءً حاراً لاتخذ له وقاية تقيه من حرارة هذا الإناء، ولعمل كل ما في وسعه لجلب السلامة له، ودفع المضرة عنه.
ولو قال قائل: لا حاجة للوقاية من حر الإناء.. لقلنا: هذا جنون وسفه، فلو طلب من أحدنا المشي على أرض ذات شوك لشمّر واجتهد في السير.
فلو تهاون في ذلك خسر آلة المشي، ولو وقف قصر دون حاجته، ولو لبس واقياً من حذاء ونحوه، بلغ غايته وما قصّر، ولجاوز الشوك، وما تأثر..
فتلك هي تقوى الله. نعم؛ تلك هي تقوى الله.
أيها المبارك: إنه نجيّك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، ومن أنت بعينه، ومن لا تخرج عن سلطانه، ومن لا ملك إلا ملكه ولا رادّ لفضله، ولا مانع لما أعطى، ومن لا معطي لما منع.. إنه لحقيق بأن تجعل بينك وبين عذابه وقاية وحرزاً، ولا وقاية ولا حرز خير من ترك ما حرّم وامتثال ما أمره، فتقوى الله بترك المحرمات، وفعل الطاعات، والتقوى الهرب من النار وأسباب دخولها، والعمل بأسباب دخول الجنة..
بل هي: الصراط المستقيم..
وهي: الإيمان والعمل الصالح..
وهي: العلم النافع والعمل الصالح..
وهي: العمل بالمأمور وترك المحظور..
وهي: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية..
وهي: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل..
وهي: ترك الذنوب أجمع..
بل وهي: أن يكون الله نصب عينيك..
خلّ الذنوب كبيرها *** وصغيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أرض *** والشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنّ صغيرة *** إن الجبال من الحصى
أوصى المعصوم معاذ بن جبل فقال له: { اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن } [رواه الترمذي وأحمد].(11/41)
ووصيته لرجل واحد وصية للأمة أجمع.. يقول الله عز وجل وهو أغنى الأغنياء عن الخلق.. موصياً وموجهاً للناس أجمع: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1].
وقد ورد الأمر بالتقوى في القرآن ( 79) مرة يأمر الله عباده باتباع أوامره واجتناب نواهيه.. ويأمرهم بالتقوى.. بل والله وإن الشجاعة كل الشجاعة في تقوى الله والطاعة..
اتق الله فتقوى الله ما *** جاورت قلب امرئ إلا وصل
ليس من يقطع طرقاً بطلاً *** إنما من يتق الله البطل
إنها أهم من اللباس الحسي.. بل وهي خير لباس وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]، وهي أكثر ما يدخل الناس الجنة.. وعندما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، قال : { تقوى الله وحسن الخلق } [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
فيا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل..
امتنّ على العبد الضعيف بتوبة صادقة، وخشية لك يا رب، وتقوى.
فالمتقون في جنات وعيون.
وإن أهل التقوى هم وربي أهل الكرامة.
هم أهل السعادة الحقيقية في الدارين.
هم أهل العلم والخشية.
هم أهل المعية.. إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ [النحل:128]، معية توفيق وتسديد، ونصرة وتأييد وإعانة وحماية.
أهل التقوى هم أهل المكانة العالية عند الله عز وجل.. يقول عز وجل: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212].
وهم أهل الانتفاع بالذكرى والموعظة والقرآن الكريم.. قال جل وعز: الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ [البقرة:2،1].
وهم أهل العلم النافع والعمل الصالح.. يقول تعالى: وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ [البقرة:282]، فمن اتقى الله فتح على قلبه ولبّه فعلمه واستعمله في طاعته.
بل أهل التقوى هم أهل الجنة.. هم أهل النعيم المقيم والسعادة الأبدية.. يقول عز وجل: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [آل عمران:15].
فهم أهل الدرجات، يحشرون إلى الرحمن وفداً، وتقرب لهم الجنة، ولهم الغرف المبنية يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، ولهم المقام الأمين ولهم مقعد صدق عند الله يحبهم الرحمن.. قال جل وعز: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة:7].
فهل حرصت أيها المبارك على ذلك..؟؟
إن الناظر بعين البصيرة إلى حاله.. ليرى ما يسؤوه إلا من رحم الله.
إنه ليرى التقصير.. كل التقصير.. ولكن السعيد كل السعادة من اغتنم أوقات حياته، وأعدّ واستعدّ، وعلم علماً يقيناً أنه مقبل على ربه.. ماثل بين يديه.. مطلع على كل ما قدم..
ألا وإن من اغتنام أوقات الحياة معرفة ماهية التقوى، وما ثمراتها وفوائدها التي يجنيها صاحبها منها.. ألا وإن من أعظم ثمراتها قبول الأعمال الصالحات إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27].
وكذلك توفيق صاحبها للتفريق بين الحق والباطل قال جل وعز: يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [الأنفال:29].
وكذلك الفوز بولاية الله جل وعز: وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [الجاثية:19].
وكذلك السلامة والأمن من الخوف والحزن فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [الأعراف:35].
والتقوى تفتح على صاحبها البركات من الأرض والسماوات، وتنزّل الرحمات وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155].
والتقوى حماية للإنسان من نزع الشيطان، وصون له، وبشرى في الحياة الدنيا والآخرة لا تبديل لكلمات الله وذلك هو الفوز العظيم.. والعاقبة لهم: إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49].
وهي المخرج من الفتن، بها لفرج، وبها الرزق، وبها السعادة يقول الله عز وجل: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3،2].
وهي وربي الكرامة كل الكرامة: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، وهذه الكرامة يقررها الرب جل وعز.. لا منظمة بشرية.. ولا هيئة عالمية.. ولا كيان أرضي، لكن يقررها من خلق هذه النفس البشرية فسواها.. وألهمها فجورها وتقواها.
فويل لمن دساها، ويا سعادة من زكاها بتقوى مولاها.
أيها المبارك: أسألك بمن شق سمعك وبصرك:
ألا تحب أن تكون بطلاً؟؟
ألا تحب أن تحشر مع أهل التقوى..؟؟
ألا تحب أن تكون من أهل الكرامة عند الله..؟؟
ألا تحب أن تكون لك عند الله الحسنى..؟؟
ألا تحب أن تكون سعيداً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى..؟؟
ألا تحب أن تنادى يوم القيامة مع أهل التقوى، فتقوم في كنف الرحمن..؟؟
ألا تحب أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله..؟؟
ألا تحب أن يجعل لك ربك من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية..؟؟
ألا تحب أن يقبل عملك عند ربك..؟؟
ألا تحب ذلك كله..؟؟
كأني بك تقول: بلى، بلى، ومن لا يحب ذلك؟!
إذن أيها المبارك: عجل بالانتظام في سلك أهل التقوى، والاعتصام من الله بالعروة الوثقى، جعلنا الله وإياك من المتقين، وصرف عنا وعنك شرور الشياطين.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.(11/42)
فإن أهل التقوى هم الأبطال حقاً، وأخيرا، وليس آخراً.. فلا يزال أحدنا عبداً عند سيده، ومولاه، والسيد هو الله، والله يقول للأولين والآخرين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ [النساء:131].
والرسول يوصينا فيقول: { اتقوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءكم، تدخلوا جنة ربكم } [رواه الترمذي وأحمد].
أيها المبارك: بعد هذا كله.. أسألك سؤالاً واحداً فقط.
هل عرفت كيف تكون بطلاً؟
أترك لك الجواب.. نعم أتركه لك أنت.. وفي هذه اللحظات أرفع لك، ولك قارئ الأعلام البيضاء.. معلنا الاستسلام أمام هذا الموضوع.
فهو وربي موضوع هام للغاية جداً، وليس لمثلي أن يخوض فيه، ولكنها وصية مشفق، ونصيحة محب لك يحب لك الخير كما يحبه لنفسه.
إي والذي برأ النسمة، وفلق الحبة، ولكن الموضوع طويل جدّ طويل.. أكتفي منه بعلالة كعلالة الظمآن، وإلماحة كإلماحة المنذر المحذر..
تم المقصود فيما مضى وتقدم، وأختم الكلام بقول الأول:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى *** طبيب يداوي الناس وهو سقيم
تمّ ما تمّ، وكتب ما تقدم على عجل بين، وخلل واضح، راجياً من الله الستر والعافية في الدارين، وأن ينفعنا بما علمنا ويعلمنا ما لم نكن نعلم، وأن يبارك في أعمارنا وأوقاتنا وأعمالنا، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، والمتابعة لسيد ولد آدم محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، وأن يحشرنا وإياكم في زمرة المتقين، والله أعلى وأعلم، ونسبة العلم إليه أسلم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
=============
من فقه الدعوة في الحج
أ. د. ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله وكفى، ثم أما بعد:
فإن الحج ركن من أركان الدين، وأحد المباني الأربعة التي اختلف قول بعض السلف في تكفير تاركها، ومما أثر ما روى عن عمر - رضي الله عنه - لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من له جدة ولم يحج فيضربوا عليه الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين.
ولهذا وغيره- عظمت مكانة الحج في النفوس، وتوافد الناس من أقطارها لأداء النسك، وربما كان فيهم المقصر المبالغ في التفريط، إلاّ أنه يرى الحج حتم عليه لازم، وسبيل لابد أن يكون له سالك، ومن طريف ما يذكر عن بعض من عرف بفسق أنه عندما أكثر عليه بعضهم في اللوم والتأنيب قال:
إذا صليت خمساً كل يوم * * * فإن الله يغفر لي فسوقي
ولم أشرك برب الناس شيئاً * * * فقد أمسكت بالدين الوثيق
وجاهدت العدو ونلت مالاً * * * يبلغني إلى البيت العتيق
فهذا الدين ليس به خفاء * * * دعوني من بنيات الطريق
وهذا على ما فيه من خطل يدلك على مكانة الحج في نفوس الناس ولاسيما من بعدت ديارهم أو نأت آثارهم في الغابرين المعظمين لشعائر الدين وشرائعه.
وإذا كانت الحال كذلك فمن البديهي أن ترى - أيها الداعية الموفق- في موقف الحج، وقد وفدت مئات الألوف المؤلفة من بلاد المسلمين وأصقاع الأرض الأخرى ما لا ترضاه من معاص وآثام وسوء تصرفات.
ومن الخطأ أن تظن نفسك في رحلة إلى الرحاب الطاهرة مع بعض الطيبين الموفقين، الذين قد يصبرون على الأذى، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. وإذا لم تتنبه لهذا فربما صدمت، وربما أسأت من حيث أردت أن تصلح.
وإذا تفطنت لهذا فإن مما ينبغي أن يعيه الداعية المصلح، أو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، إذا جابه بعض منكرات الحجيج هو أن الله ما كلف نفساً فوق طاقتها، أو ما آتاها، ولذا فإن عليه أن يحسن قراءة الواقع -الذي ربما ارتبك عن واقع تلك البقاع في غير المواسم- وأن يعرف حدود قدرته، وما في إمكانه أن يغيره في ذلك الموقف ثم يتصرف في إطار تلك الحدود، بالأسلوب الحكيم الأمثل الذي ربما يكفل تغيراً للمنكر، أو يحقق أعلى المكاسب، ويدرأ أغلب المفاسد، وعندها يكون قد أدى الذي عليه (لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها)، وإن لم يزل المنكر. أما إذا اندفع الداعية أو المصلح أو المنكر وراء عاطفته التي تعدت حدود قدرته فربما أساء وظلم وربما استطال الشر ولم يغير من الواقع شيئاً، وتلك بلية قد تعرض لبعض الغيورين في غير الموسم، فينسى أحدهم أن الله لا يكلف نفساً إلاّ وسعها، فيركب الصعب ويترك الذلول لتغير واقعة فيبسل نفسه دون أن يصنع شيئاً وهذا القيد الأخير ينبغي أن يلحظ- وقد كان الأجدر به أن يتدرج شيئاً فشيئاً أو يعد للأمر حتى يطيقه ولكنه الاستعجال.
وعوداً على موضوع الحج فإن هذا الخطأ قد يكثر في المواسم دون غيره لذهول بعضهم عن التغير الذي طرأ على واقعه، أو على ما في وسعه، والداعية الحكيم هو من راعى هذا الواقع المؤقت وعرف الفرق بينه وبين غيره، ثم انتهج السبيل الأحكم لأجل الإصلاح.
يذكرون عن أبي حازم وأظنه الإمام سلمة بن دينار الأعرج الأفزر التمار المدني القاص الزاهد أنه دخل الطواف ذات يوم فإذا هو بامرأة سافرة عن وجهها تطوف، وقد فتنت بعض الناس بحسن وجهها، فقال: يا هذه ألا تخمرين وجهك? فقالت: يا أبا حازم، إنا من اللواتي يقول فيهن الشاعر:
أماطت قناع الخز عن حر وجهها * * * وأبدت من الخدين برداً مهلهلا
من اللائي لم يحججن تبغين ريبة * * * ولكن ليقتلن البريء المغفلا
وترمي بعينيها القلوب إذا بدت * * * لها نظر لم يخط للحي مقتلا
فقال أبو حازم: فأنا أسأل الله ألا يعذب هذا الوجه بالنار.
فبلغ ذلك سعيد بن المسيب، وهو من شيوخ أبي حازم، فقال: رحم الله أبا حازم! لو كان من عباد كذا وسمى بلداً (العراق)، لقال لها: اغربي يا عدوة الله! ولكنه ظرف نساك الحجاز.(11/43)
وظني أن تلك المرأة قد ارعوت، وإن لم ترعوي فقد سطر لنا هذا الإمام درساً في فقه الواقع، وتقدير ما في الوسع دون اندفاع.
ونحو هذا ما يذكر عن صلة ابن أَشْيَمْ من أمر الذي مر عليه وقد أسبل إزاره، فأراد الطلبة أو الناس من حوله أن يأخذوه بألسنتهم، فقال لهم دعوني أكفكموه.
ثم قال مخاطباً الشاب: يا ابن أخي لي إليك حاجة!
قال: وما هي يا عم؟
قال: ترفع إزارك؟
قال: نعم، ونعمة عين.
ثم قال: أهذا كان أمثل أم أخذكم إياه بألسنتكم؟
والشاهد من هذه الأخبار أن الحكمة في الدعوة ولاسيما أيام الحج مطلوبة، ومن جملة الحكمة في تلك المشاعر أن يراعي الداعية أحوال الوافدين من أقطار الأرض، وتباين معارفهم وفهومهم وعاداتهم وما ألفوه، وأن يراعي واقعه الجديد على أرض المناسك، ويعرف الفرق بين ما يسعه فيها تلك الأيام المزدحمة، وما يسعه في غيرها، وما بوسعه هناك في تلك الأيام وما ليس بوسعه، فيدعو إلى ما ينبغي أن يدعو إليه، كما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي.
وتلك هي الحكمة، وقد قال - سبحانه -: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" [البقرة: 269]، جعلني الله وإياك من أهلها، ووفقني وإياك لدعوة من ضل إلى الهدى، والتبصير بنور الله أهل العمى، مع الصبر منهم على الأذى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خير من حج وثج وعج ودعا، وعلى صحبه ومن لآثارهم اقتفى.
15/12/1426
http://www.almoslim.net :المصدر
============
اللهم أعط منفقاً خلفاً
محمد بن عبدالله الحمود
دار ابن خزيمة
الحمد لله الكريم ذو الفضل والإحسان والصلاة والسلام على أجود الناس وأبرهم. أما بعد:
فلقد رغب الله تعالى عباده المؤمنين في البذل والإنفاق ووعدهم على ذلك أجراً عظيماً وبيّن لهم فضل عملهم هذا فقال تعالى: مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].
وقال تعالى: مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245]. والإنفاق في سبيل الله من أفضل الأعمال وأزكاها، فهو يزكي النفس ويطهّرها من رذائل الأنانية المقيتة والأثرة القبيحة، والشح الذميم، وبهذه التزكية يرتقي الإنسان في معارج الكمال والعطاء ولذلك كان العطاء من صفات الله عز وجل.
وهو أيضاً تطهير للنفس من العبودية لغير الله تعالى، وإرتقاء لها واستعلاء ونجاة من البخل الذي يهبط بالعبد إلى مدارك العبودية للدينار والدرهم وصدق الله العظيم إذ يقول: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة:103]. والإنفاق في سبيل الله هو في الحقيقة حفظ للمال وزيادة له وليس نقصاناً له واتلافاً كما قد يظن البعض لقوله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39] ولقوله : { ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً } [متفق عليه].
والإنفاق في سبيل الله جهاد عظيم قدمه الله على الجهاد النفسي في القرآن ما يقارب 9 مرات وذلك لأهميته العظمى.
والمال لا تظهر فائدته إلا بالإنفاق في المصالح النافعة، أما كنزه وجمعه وعدّه فهو قتل له، وحرمان لثمراته من أن تظهر ولخيراته من أن تزهر، ولطاقاته من أن تتحرك وتنتج، والممسكون معطلون ومتلفون، ومحرومون وجمّاعون لغيرهم. روى البخاري ومسلم عن أبي ذر قال: انتهيت إلى النبي وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال: { هم الأخسرون ورب الكعبة }، فقلت: فداك أبي وأمي من هم؟ قال: { هم الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، وقليل ما هم }.
ورأى الأحنف بن قيس في يد رجل درهماً، فقال: ( لمن هذا؟ ) قال: لي، قال: ( ليس هو لك حتى تخرجه في أجر أو اكتساب شكر )، وتمثل بقول الشاعر:
أنت للمال إذا أمسكته *** وإذا أنفقته فالمال لك
يقول ابن القيّم رحمه الله في شأن الصدقة: ( إن للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع البلاء حتى ولو كانت من فاجر أو ظالم بل من كافر، فإن الله يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء ) أهـ.
فينبغي للمسلم أن ينفق ويتصدق ولا يمسك عن الإنفاق والبذل، وليحرص على أن يكون عمله هذا خالصاً لوجه الله تعالى لا رياءً ولا سمعةً أو طمعاً بمنافع دنيوية من سمعة وثناء، وأن لا يُتبع نفقته بالمن والأذى لمن أعطاه وتصدق عليه. لأن الإنسان لا ينفق لأحد إنما ينفق لنفسه هو، فمن يبخل فإنما يبخل على نفسه وإن أنفق فعلى نفسه وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء [محمد:38] ولا يمسسك الإنسان ويبخل خشية الفقر فإن الله تعالى قد تكفل لمن أنفق في سبيله بالخلف. يقول تعالى: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39] ويقول : { ما نقصت صدقة من مال. بل تزده. بل تزده } [رواه مسلم].
أنفق ولا تخش إقلالاً فقد قسمت *** على العباد من الرحمن أرزاق
لا ينفع البخل مع دنياً مولية *** ولا يضر مع الإقبال إنفاق(11/44)
إن الكثيرين من الناس اليوم عندهم المال الضائع والتالف أحب إليهم من المال الباقي، ومال وارثهم أحب إليهم من أموال أنفسهم وذلك لأن ما يبذلونه على شهواتهم إسرافاً وتبذيراً مال تالف وهم يحبون ذلك، وما ينفقونه في سبيل الله مال باق ونام، إذ ينميه الله حتى تكون الحبة كالجبل، وهم يكرهون ذلك ولا تندفع نفوسهم إلى إدخاره عند الله وتخليده في خزائن رحمته وفضله، والذين يبخلون عن الإنفاق في وجوه الخير إنما يكنزون أموالهم لوارثهم وهم يحبون ذلك، فمال وارثهم أحب إليهم من مالهم لأن ما يجمعونه بالكد والجهد سيأخذه الوارث بالراحة التامة من غير تعب ولا جهد، وهذا ما بينه النبي لأصحابه فقال لهم: { أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ } قالوا: يا رسول الله ما منّا من أحد إلا ماله أحب إليه، قال: { فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر }.
نماذج وقدوات في البذل والعطاء
لقد ضرب سلفنا الصالح أروع الأمثلة في البذل والانفاق، ولا غرابة في ذلك، فقد كان قدوتهم أجود الناس وأبرهم عليه الصلاة والسلام، فهو القدوة الحسنة والمثل الأعلى في الجود وحب العطاء فقد كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان إذ كان فيه كالريح المرسلة وقد بلغ صلوات الله وسلامه عليه مرتبة الكمال الإنساني في حبه للعطاء، إذ كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ثقة بعظيم فضل الله وإيماناً بأنه هو الرازق ذو الفضل العظيم.
روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { لو كان لي مثل أحد ذهباً لسرّني أن لا يمر عليّ ثلاث ليال وعندي شيء منه إلا شي أرصده لدين }.
وروى البخاري ومسلم أيضاً عن جابر قال: ( ما سئل رسول الله شيئاً قط فقال لا ).
وعلى هذا الدرب سار أصحابه من بعده وكذلك السلف الصالح من التابعين ومن بعدهم فقد أنفق أبو بكر الصديق ماله كله في إحدى المناسبات، وأنفق عمر نصف ماله وجهّز عثمان جيش العسرة بأكمله.
وباع طلحة بن عبيد الله أرضاً له إلى عثمان بن عفان بسبعمائة ألف درهم فحملها إليه، فلما جاء بها قال: ( إن رجلاً تبيت هذه عنده في بيته فلا يدري ما يطرقه من أمر الله لضرير بالله )، فبات ورسله تختلف بها في سكك المدينة توزعها حتى أسحر وما عنده منها درهم.
وكان دخل الليث بن سعد في كل سنة ثمانين ألف دينار، وما أوجب الله عليه زكاة درهم قط، وذلك لأنه كان ينفقها قبل أن يحول عليها الحول.
وأتت ابن عمر إثنان وعشرون ألف دينار في مجلس فلم يقم حتى فرقها. وكان مورق العجلي يتجر فيصيب المال فيفرقه على الفقراء والمساكين، وكان يقول: ( لولاهم ما أتجرت ).
وقضى ابن شبرمة حاجة كبيرة لبعض إخوانه فجاء يكافئه بهدية، فقال: ( ما هذا؟ ). قال: لما أسديته لي من معروف.
فقال: ( خذ مالك عافاك الله، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها فتوضأ للصلاة وكبر عليه أربع تكبيرات وعده من الأموات ).
أما حكيم بن حزام فقد كان يحزن على اليوم الذي لا يجد فيه محتاجاً ليقضي حاجته حيث يقول: ( ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها ).
دعوة للإنفاق
أخي الحبيب:
بعد كل ما جاء في فضل الصدقة وما كان عليه السلف الصالح من حبهم للبذل والإنفاق في سبيل الله هل سيعطينا ذلك دافعاً للاقتداء بهم واقتفاء أثرهم في حب الإنفاق والبذل في أوجه الخير المتعددة.
إننا الآن في رغد عيش ونعم عظيمة لا تعد ولا تحصى، فإذا لم ننفق الآن ونتوسع في ذلك ونحن على هذا الحال الطيبة - ولله الحمد - فمتى ننفق؟! أإذا حل الفقر بساحتنا؟! أم إذا نزل الموت بأرواحنا؟! فأنفق أخي الكريم في سبيل الله ولا تتردد واحذر من وساوس الشيطان الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268] أنفق ولن تندم على الإنفاق أبداً بإذن الله فلربما درهم ينادي يوم القيامة: أنا صدقة فلان، والمؤمن تحت ظل صدقته في ذلك اليوم العظيم، يوم لا ظل إلا ظل العرش وظل الصدقة.
ولو راودتك نفسك في الإنفاق فانظر لنفسك عند شراء الطعام والشراب واللباس ولعب الأطفال، بل عند شراء الصحف والمجلات؟ كم تنفق على نفسك وشهواتك؟ بل كم تنفق على شراء الكماليات!! وكم تنفق في سبيل الله لنصرة دينك ومواسات إخوانك المسلمين المحتاجين؟!!
طريق ميسرة جداً للإنفاق(11/45)
قد يرغب كثير من الناس التبرع للأعمال الخيرية بمبلغ " ما " ويكون هذا المبلغ يسير فيتحرج من إيداعه في البنك أو إيصاله للجهة الخيرية فيترك التبرع لهذا السبب، ومنعاً لهذا الحرج ولتشجيع الجميع على المشاركة والمساهمة بأي مبلغ كان، فقد قامت المؤسسات والجهات الخيرية المصرح لها في هذه البلاد - حفظها الله - وكذلك مكاتب الدعوة والإرشاد بوضع صناديق لجمع التبرعات في أماكن كثيرة كالبنوك والمحلات التجارية والمرافق العامة وغيرها. وذلك تسهيلاً للراغبين في المساهمة بمبالغ يسيرة دون أي حرج أو مشقة، فلا تتردد أخي الحبيب بارك الله فيك في وضع ما تجود به نفسك في أحد هذه الصناديق كلما سنحت لك الفرصة ولو كان ريالاً واحداً. المهم أن تشارك وتساهم في خدمة الإسلام والمسلمين ولا تكون سلبياً، وعوّد نفسك على ذلك بين كل فترة وأخرى ولا تحتقرن أي مبلغ حتى ولو كان يسيراً جداً فإن فيه خير وبركة، وما قامت كثير من المشاريع الخيرية بعد توفيق الله إلا من الريال والخمسة والعشرة ريالات التي تدفعها أنت وأنا والآخرين، لأن السيول الجارفة أصلها قطرات متناثرة لكن قطرة مع قطرة تشكل سيلاً عارماً، وهكذا الأموال أيضاً، واعلم أنك غير معذور أمام الله إن كنت قادراً على الإنفاق لنصرة دينك وإخوانك المسلمين ومساعدتهم ثم تبخل ولا تنفق.
وأخيراً:
هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
============
الدعوة إلى الله في البيوت
عبد الله بن مبارك البوصي [*]
الدعوة إلى الله في البيوت تشغل حيزاً كبيراً من اهتمام الداعية، وتقض مضجعه، وفي الوقت الذي تشغله أعمال الدعوة خارج البيت عن القيام بجهد يُذكر داخل البيت، ولهم العذر في هذا؛ فإن كثرة مآسي الأمة وضخامة العبء الملقى على عاتق الدعاة أكبر من أوقاتهم وجهودهم المبذولة.
ولذا رأيت الكتابة في هذا المجال عوناً لهؤلاء الدعاة، وتوفيراً لهم من عناء التخطيط ووضع الأهداف والوسائل للعمل في البيت، فإليهم نقدم هذا البرنامج المتواضع، علماً بأن الحديث سيكون مركزاً على الجانب النسائي.
وهذا المقال محاولة متواضعة للمشاركة في تطوير الكتابة في حقل الدعوة إلى نقلة نوعية تُعنى بالتخطيط وتحديد الأهداف وتأصيلها، مع بيان الوسائل والطرق على وجه يبتعد عن الخطابية والأساليب الوعظية التي تعودنا عليها من بعض الدعاة.
كما أنني أذكر بأن العمل في هذا المجال ـ أو غيره من مجالات ـ لا تجدي فيه العشوائية والارتجالية.
ولا يؤتي العمل ثماره إلا إذا كان عملاً مدروساً ذا أهداف واضحة، ووسائل وطرق ناجحة، يتلوها تنفيذ جاد ومتابعة جيدة، وللأسف فإن جهود بعض شباب الصحوة في بيته هي عبارة عن جهود عشوائية متناثرة متباعدة لا تؤتي ثمارها المرجوة.
من أهداف الدعوة في البيوت:
أولاً/ التربية الإيمانية:
ولتحقيق هذا الهدف طرق، منها:
1ـ العناية بجانب الوعظ والرقائق والترغيب والترهيب.
2ـ دراسة أسماء الله وصفاته الحسنى، ومحاولة تعميق أثرها في النفوس.
3ـ دراسة ومشاهدة آيات الله في الكون، والدعوة للتفكر فيها سواءً من خلال: أشرطة الكاسيت التي تُعنى بالإعجاز العلمي، أو أشرطة الفيديو، أو الكتب التي أُلفت في هذا الباب.
4ـ دراسة آيات القرآن التي عنيت بتعميق الإيمان وترسيخه.
5ـ دراسة الأحاديث النبوية التي تعنى بتعميق الإيمان وبناء القاعدة الإيمانية الصلبة.
6ـ الاستفادة من منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في التربية الإيمانية لأصحابه.
7ـ ربط المدعوات بقدوات صالحة من الصديقات ذوات الإيمان الراسخ.
8ـ بيان محاسن الإسلام وعظمته، وجوانب الإعجاز في تشريعاته وأحكامه، من خلال دراسة وتوضيح مقاصد الشرع وأسرار التشريع وحكمه.
9ـ إعطاء صورة مبسطة عن الأديان الأخرى، وبيان أوجه التحريف والنقص والبطلان فيها.
10ـ استغلال الأحداث الكونية وربطها بقدرة الله وعظمته، مثل الكسوف والخسوف والرعد والبرق والزلازل، كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يفعل)..وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً([الإسراء: 59].
ثانياً/ التأهيل الدعوي:
ويتحقق هذا الهدف من خلال جوانب عدة:
(أ) تحميل المدعوين لهمّ الإسلام وهمّ الدعوة إلى الله، ويتحقق ذلك بما يلي:
1ـ التبصر بمدى ما تعانيه الأمة من نكبات ومصائب وابتلاءات، مع المقارنة بما كانت فيه الأمة من عز ومجد ورفعة وعظمة، وشرح أسباب ذلك.
2ـ توضيح خطط الأعداء وجهودهم ومكرهم وعدائهم للإسلام بما يوقظ الغيرة في نفس المسلم ويدفعه للدعوة إلى الله.
3ـ الاهتمام بتحميل المدعوين همّ مشاركة المسلمين مصائبهم ومآسيهم، عن طريق وسائل الإعلام المتنوعة التي تبث أخبارهم من أشرطة وصحف وكتب أو عن طريق زيارة البلاد المنكوبة إذا تيسرت الزيارة، علماً بأن الزيارة لها تأثير خاص.
4ـ استغلال المواقف في تحميل الهمّ الدعوي متى سنحت الفرصة.
5ـ التعرف على المسلمين من البلاد الأخرى الذين يعيشون في البلد، أو تتاح الفرصة للقاء بهم في المواسم، للإطلاع على همومهم ومشاركتهم مآسيهم.
6ـ التعرف على قدوات صالحة في مجال الدعوة، والتأثر بمستوى فاعليتهم في الدعوة.(11/46)
7ـ ترسيخ مصطلح "الدعوة إلى الله" في أذهان المدعوين في كل مناسبة بأسلوب مباشر أو غير مباشر، مما يشعر بأهمية الدعوة ووجوب إعطائها أولوية خاصة، ووضعها في قائمة الاهتمامات، بل في مقدمة الاهتمامات.
(ب) تكوين الثقافة الدعوية:
1ـ تأصيل مفهوم الدعوة وحكمها وأهميتها.
2ـ دراسة وسائل الدعوة وأساليبها.
3ـ دراسة سير الأنبياء ومناهجهم في الدعوة.
4ـ دراسة سير المصلحين والمجددين، ونماذج من جهودهم.
5ـ تأمل الآيات والأحاديث الواردة في الدعوة. وأخذ العظات والعبر منها.
6ـ دراسة الهدي النبوي في الدعوة بين النساء.
7ـ بناء ثقافة معرفية ذات تأثير عملي في المدعوين؛ مثل: قراءة قصص التائبين والتائبات، وقراءة الكتب التي تعنى بمشاكل المجتمع وحلولها، وتذكر آثار المعاصي وأضرارها، ونحو ذلك.
(جـ) بناء المبادرات الذاتية، والمشاركة الفعالة في الدعوة:
1ـ الارتباط بقدوات صالحة تدفع للدعوة وتعين على ذلك وتفتح آفاقاً في هذا المجال لمن يرغب في العمل.
2ـ زرع روح المبادرة الفعالة والتنافس في الخير واستغلال الفرص الدعوية.
3ـ اختيار المجال المناسب من مجالات الدعوة لكل فرد من أفراد الأسرة.
ومن هذه المجالات:
ـ إلقاء دروس أو كلمات أو محاضرات في البيت وخارجه.
ـ جمع التبرعات للجمعيات الخيرية ومجالات الدعوة.
ـ التدريس في حلقات التحفيظ.
ـ العمل الإداري الدعوي؛ مثل: إدارة مدارس التحفيظ الخيرية، أو الجمعيات النسائية الخيرية.
ـ القيام بواجب التربية للأبناء والإخوة الصغار، التربية الصحيحة.
ـ الدعوة إلى الله بين الخادمات ـ إن وجدن ـ، مع الحرص على عدم وجودهن.
ـ كتابة المقالات أو البحوث المفيدة في المجالات النسائية.
ـ تأليف الكتب المناسبة للمجتمع النسائي أو المشاركة في إعداد هذه الكتب.
ـ توزيع فتاوى العلماء التي تهم المجتمع النسائي، وكذا المقاطع المنتقاة من كتب أهل العلم.
ـ طباعة الأعمال الدعوية المكتوبة التي تحتاجها الدعوة بالكمبيوتر.
ـ حضور الدروس النسائية المفيدة وتشجيعها ودعمها بكل أنواع الدعم المادي والمعنوي.
(د) تنمية الملكات التي يُحتاج إليها في الدعوة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
1ـ التدريب على الثقة بالنفس والجرأة على اتخاذ المواقف التي تحتاجها الدعوة.
2ـ التدريب على تطوير القدرات في مجال الخطابة وإلقاء الكلمات من خلال مراحل متدرجة ومدروسة.
3ـ التدريب على فن الكتابة.
ثالثاً/ التأصيل العلمي الشرعي:
1ـ تنمية حب طلب العلم والاهتمام به، وبيان ما ورد في فضله.
2ـ دراسة هدي السلف في طلب العلم وبيان حرصهم عليه ومقدار ما بذلوا في سبيله.
3ـ حفظ القرآن، أو ما تيسر منه.
4ـ تحسين مستوى الأداء في قراءة القرآن.
5ـ حفظ الأربعين النووية.
6ـ حفظ أذكار الصباح والمساء والأذكار ذوات الأسباب.
7ـ العناية بمسائل فروض الأعيان التي يحتاجها كل مسلم.
8ـ الاهتمام بالأحكام الشرعية الخاصة بالنساء.
ويستعان في تحقيق هذا بوسائل منها:
(أ) الكتب الفقهية ذات الأسلوب العصري المناسب.
(ب) انتقاء الأشرطة العلمية للعلماء المعاصرين التي تحتوي على فتاوى متنوعة أو برامج مطولة في التفسير أو الفقه أو شروح الأحاديث أو العقيدة.
(جـ) حضور الدروس العلمية التي تقيهما بعض طالبات العلم للنساء.
(د) إقامة دروس علمية في البيت من الداعية لأهل بيته.
رابعاً/ التأهيل الفكري:
1ـ بناء حصانة فكرية ضد الشبهات الموجهة للإسلام في حق المرأة.
2ـ التأصيل لقضية الحجاب شرعاً، والتنظير لها فكرياً.
3ـ التوعية بالتيارات المنحرفة الموجودة في بعض المجتمعات الإسلامية، مثل: الشيوعية، والعلمانية، والقومية.. إلخ.
4ـ التوعية بخطط الأعداء في حرب الإسلام، مع ذكر نماذج لذلك في جميع المجالات.
5ـ بناء حصانة فكرية في عقل المرأة المسلمة لحمايتها من الاستغفال.
6ـ تصحيح المفاهيم في القضايا الإسلامية التي شوهها الأعداء.
7ـ طرح مفاهيم غائبة يحتاج إليها المسلم.
خامساً/ التأصيل العقدي:
1ـ تأصيل عقيدة أهل السنة والجماعة في عموم المسائل على وجه الإجمال.
2ـ بناء الحصانة ضد الفرق الضالة المبتدعة، مثل: الصوفية، والرافضة.
3ـ تأصيل القضايا العقدية ذات البعد العملي مثل قضايا الولاء وقضايا الشرك.
4ـ تعميق الحصانة العقدية ضد الشبهات.
5ـ ذكر ملامح أهل السنة والجماعة التي يُعرفون بها.
سادساً/ تنمية القدرات التربوية:
1ـ دراسة مفهوم التربية وأنواعها وأساليبها، والاستفادة من المعطيات الحديثة في هذا المجال.
2ـ دراسة فن تربية الأطفال، وكيفية التعرف على نفسيات الأطفال والمراهقين، وطرق التعامل معها.
3ـ دراسة سير المربين من الأنبياء والصالحين، ومناهجهم في التربية.
4ـ الاستفادة من خبرات المعاصرين من الآباء والأمهات والدعاة الذين يحسنون هذا الفن.
5ـ استغلال المواقف في تصحيح أخطاء الأهل في التربية.
6ـ دراسة فن معالجة الأخطاء.
سابعاً/ تنمية القدرة الاجتماعية في التعامل مع الآخرين:
1ـ التعريف بحقوق الآخرين من: آباء وأمهات، وأقارب، وجيران... وحق كل مسلم عموماً: كفيل بإعطائهم حقوقهم وعدم غمطهم، وداعٍ قوي لإحسان التعامل معهم.
2ـ توضيح آداب الإسلام في التعامل مع الآخرين وحسن الخلق معهم.
3ـ ذكر نماذج صادقة في حسن الخلق من التاريخ الماضي والواقع المعاصر.
4ـ الاستفادة من النظريات الحديثة في تشخيص نظريات النفوس وطرق التعامل معها.
5ـ استغلال المواقف في تصحيح الأخطاء عند التعامل مع الآخرين.(11/47)
6ـ تربية الداعية أهله في هذا المجال بالقدوة من خلال تعامله الحسن وخلقه الجميل، وربطهم بقدوات صالحة في هذا المجال من النساء الداعيات ذوات الخلق الحسن.
7ـ بيان كيفية كسب قلوب الآخرين وكسب مودتهم.
ثامناً/ بناء الحصانة ضد المنكرات:
1ـ بيان أضرار المعاصي وأخطارها وآثارها من خلال النصوص والنماذج الحية.
2ـ الحرص على بيان المعاصي التي تكثر في صفوف النساء، مع بيان أحكامها وطرق مكافحتها وعلاجها.
3ـ الحفاظ على البيت من وسائل الشر التي قد تستخدم في الفساد بسهولة، مثل: التلفزيون، وِأشرطة الفيديو المحرمة، وأجهزة البث المباشر.
4ـ ذكر أحوال السلف في البعد عن المعاصي، والحذر منها، والخوف منها.
5ـ عدم إتاحة الفرصة لشبح الفراغ يعبث في قلوب النساء، من خلال:
ـ عدم إحضار خادمة، فوجود الخادمة لا خير فيه، إذ قد يترك عند المرأة فراغاً قاتلاً لا تستطيع أن تملأه.
ـ عدم ترك المرأة وحدها في البيت دون عمل معين تقضي وقتها فيه.
6ـ الحفاظ على حياء المرأة وتعميقه، وعدم التفريط فيه لأي مبرر سواء أكانت لعادات اجتماعية أو لغيرها، والحذر من أن تكون المرأة بَرزَة في تعاملها واختلاطها بالرجال بالبيع أو الشراء أو غير ذلك.
7ـ الحذر من دخول الرجال على النساء سواء أكانوا من الأقارب أو من غيرهم، وعدم إتاحة الفرصة للخلوة المحرمة مع السائق أو غيره، والحذر من سفر المرأة بغير محرم في الطائرة أو غيرها.
8ـ عدم الذهاب إلى الأسواق، أو على أقل تقدير الإقلال من ذلك قدر الإمكان، وليس هذا تحريماً لدخوله، ولكن ليقيني بقول عائشة - رضي الله عنها -: "إن خيراً للمرأة ألا ترى الرجال ولا يروها"، وقال علي - رضي الله عنه -: "بلغني أن نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق، أما تغارون؟! إنه لا خير فيمن لا يغار" [مسند الإمام أحمد: (1/ 133)]، قال - تعالى -: ).. ومن يتق الله يجعل له مخرجاً([الطلاق: 2]، علماً بأن بعض النساء قد اقتنعن بعدم الدخول للأسواق البتة من خلال تأثير أهاليهن عليهن وقناعتهن بعدم الضرورة له، وإمكان الاستغناء عنه.
9ـ الابتعاد عن الأماكن التي تكثر فيها المحرمات من تبرج وسفور، أو يكثر فيها الرجال، مثل: بعض الأسواق المعروفة بكثرة الفسقة فيها، ومثل بعض أماكن التنزه التي تقل فيها المحافظة على الأخلاق، كشواطئ البحار أو الحدائق المختلطة أو الأماكن التي يسمع فيها طرب ومجون.
10ـ اختيار الصديقات الصالحات للأهل، والنصح بالبعد عن صديقات السوء.
11ـ الحذر من السفر بالأهل للبلاد التي يكثر فيها الفساد.
تاسعا/ ملء وقت الفراغ بالمباح، واستغلاله قدر الإمكان بالمفيد:
1ـ بيان أهمية الوقت، والحث على استغلاله بالمفيد، وبيان هدي السلف في ذلك.
2ـ تنمية حب القراءة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
(أ) إحضار الكتب المناسبة التي تتفق مع ميول القارئ، وإعطائه فرصة للاختيار في حدود الكتب المباحة، والحذر من الكتب الفاسدة الخبيثة.
(ب) إجراء مسابقات في قراءة الكتب، وإعطاء الجوائز على ذلك.
(جـ) إحضار الكتب ذات المادة المفيدة والجذابة، مثل: كتب الألغاز والمسابقات، والحِكَم والأمثال، والقصص والأخبار.
(د) التأثير من خلال القدوة الصالحة من المربي في الحرص على الوقت واستغلاله بالقراءة المفيدة.
3ـ التعليم على الكمبيوتر، وتوظيف الأهل في خدمة الدعوة من خلاله.
4ـ إحضار الألعاب المباحة، والقيام بالرحلات الترفيهية في أجواء محافظة.
5ـ التعلم على الأعمال المفيدة التي تعني النساء، مثل: الخياطة، والطبخ، وتنسيق الزهور، وترتيب المنازل وتنظيمها على وجه جميل وجذاب.
6ـ الانشغال بأعمال البيت والحرص على عدم إحضار خادمة.
وسائل وطرق عامة مناسبة لتحقيق كثير من الأهداف السابقة:
1ـ إنشاء مكتبة صغيرة لكل فرد من أفراد الأسرة تخصه، يحوطها بعنايته، ويحرص على قراءتها، وتشعره بأهمية العلم والقراءة والتحصيل.
2ـ بناء مكتبة صوتية للبيت كله مرتبة ومنظمة، يكلف أحد أفراد البيت بترتيبها وتنظيمها والحفاظ عليها.
3ـ وضع مكتبة صوتية مصغرة مع جهاز إلقاء في الأماكن التي يكثر فيها الجلوس، مثل: صالة الجلوس، والمطبخ.
4ـ وضع صندوق تبرعات، يتعود الأهل من خلاله على البذل في سبيل الله من خلال ما يحصلون عليه من النقود.
5ـ تعويد الأهل على تلخيص المحاضرات التي يسمعونها في دفتر خاص، أو على الأقل كتابة رءوس العناوين المهمة في المحاضرة، وبخاصة المحاضرات القيّمة.
6ـ وضع برنامج شهري مطبوع يقوم به أحد أفراد الأسرة، يتكون من أربعة أشرطة وكتاب، مع كتابة أسماء المستفيدين منه بحيث يتابع تنفيذ هذا البرنامج بدقة، وبه قد يشعر الداعية أنه يسير بخطى ثابتة ودقيقة نحو تنفيذ برامجه وتحقيق أهدافه.
7ـ النفقة على الأهل أمر لا بد منه، فلماذا لا توضع هذه النفقة العينية في صورة جوائز عينية؟ وبه تكون قد حققت أكثر من هدف بخطوة واحدة.
8ـ الحرص على أشرطة الدعاة الذين يحب الأهل الاستماع إليهم ويتأثرون بهم أكثر من غيرهم.
9ـ توزيع أعمال الدعوة في البيت على أفراد الأسرة، وتطوير كفاءة الأهل في إدارة الأعمال بدون الحاجة إليك، بحيث يمكن إدارتها في أثناء غيابك.
وصايا أخيرة:
1ـ احرصي على تلبية احتياجات الأهل المهمة والضرورية.
2ـ احرصي على التعامل معهم بخلق حسن.
3ـ اعملي جاهدةً لإدخال البسمة لكل فرد من أفراد الأسرة، واجعلي البيت يشع حيوية وسروراً وسعادة ومحبة.
4ـ شاركي كل فرد من أفراد الأسرة مشاكله، وحاولي مشاركته في حلها.
5ـ عليكِ بالدعاء الصادق في أن يهدي الله كل أقاربكِ وأن يفتح على قلوبهم.(11/48)
وعموماً: فالموضوع أكبر من أن تحيط به كلمات مقال ينحو نحو الاختصار، وهذه خلاصة مختصرة لمقترحات متواضعة في هذا المجال، نسأل الله أن ينفع بها.
-----------------
[*] المحاضر في كلية الشريعة بالرياض.
http://www.lahaonline.com المصدر:
===============
الاستبداد الدعوي
الاستبداد صفة من صفات التسلط وفرض الرأي بالقوة، وهو يقتضي تكميم الأفواه، وقطع الألسن، فلا تتحدث إلا في مجال محدود لا تتجاوزه وبطريقة معينة لا تتغير.. بل ينطلق الاستبداد أحيانًا ليحجر على أفكار الإنسان وخواطره، بل أنفاسه وزفراته..!
إذا كان هذا هو معنى الاستبداد، فهل يمكن أن يتجرأ أحد على وصف الدعاة بذلك..؟!
معاذ الله! فليس هذا حكمًا عامًا يتساوى فيه جميع الدعاة، ولكن البعض قد يأخذ بنصيب وافر أحيانًا من هذه الصفة، وهذه الشريحة الدعوية لا ينبغي إغفالها أو تجاهلها.
ممارسة خطيرة:
والاستبداد الدعوي - إن صحَّ التعبير - ممارسة تربوية ذات أبعاد خطيرة، تقتل ملكات الإبداع والإنتاج، وتعطل الطاقات؛ لذا كان لزامًا علينا أن نسلط الضوء عليها بجرأة، لعلاجها والتخلص منها.
وذكر الحقيقة كاملة قد يتبعها مرارة وحزن، ولكنها تنتهي بالسعادة، وقد قال شيخ الإسلام بن تيمية: "المؤمن للمؤمن كاليدين، تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقطع الوسخ إلا بنوع من الخشونة، لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة، ما نحمد معه ذلك التخشين".
أرأيت إلى ذلك المربي الذي لا يُحب أن يسمع رأيًّا غير رأيه، ولا يرضى باقتراح أو نصح من أحد، فإذا تكلم؛ فمَن حوله سكوت، وإذا أشار فالناس له تبع، أتباعه ومريدوه حقهم السمع والطاعة، في المنشط والمكره، في العسر واليسر، في الخير والشر..!!
مفهوم الشورى عنده: إخبار الآخرين بما يرى، فإن وافقوه فبها ونعمت، وإن خالفوه فالشورى مُعلمة لا ملزمة.
إذا نظر إلى وجه مريده طأطأ المريد رأسه حياءً وخجلاً، واحمرَّ وجهه وفرقع أصابعه؛ حتى إذا اشتد عوده، واستوى ساقه، أصبح بارعًا في اجترار الأفكار، وترديد الكلمات، لا يباريه أحد في فن التقليد، ليس له عقل يفكر، فقد ضمر وتآكل مع طول العجز، واستفحال المرض، أقرب الأمثال إلى عقله: (من قلَّد عالمًا لقي الله سالمًا)، ولماذا يفكر ويجهد ذهنه، ويضيع وقته وبين يديه شيخه الجهبذ الذي أبصر الحقائق، وأدرك الأمور، وانكشفت له المعضلات...؟!
أرأيتم كيف نمارس الاستبداد الدعوي..؟!
أرأيت إلى طالب العلم الذي يظن أن رأيه هو عين الحق الذي لا حق غيره، ولا حق لأحد أن يخالفه أو يعترض عليه، اجتهاده قاطع لكل اختلاف، ورأيه جامع لكل خير، فهو البحر الذي تجتمع عنده الأنهر، والوادي الذي تصبُّ فيه الشُّعَب..!
إذا خالفه أحد ضاق صدره، واضطربت نفسه، وتزلزت قدماه، وإذا أفاق من هول الصدمة، سلَّ سيوفه مستعدًا للمبارزة والطعان، دون أن ينظر أحقٌّ هو أم باطل.
كل مخالف له مبطل.. مهما كان دليله..!
وكل معارض له مفسد.. مهما كان حجته..!
همُّه أن يتلقى عنه الأتباع، ومراده أن يستمع له الناس، كل تقليد مذموم إلا تقليده..! أحكامه صارمة قاطعة، لا تقبل المناقشة أو المحاورة، ومن لم يقبل هذه الأفكار فلينطح برأسه الجدار..!
جلوا صارمًا، وتلوا باطلاً....... وقالوا صدقنا؟ فقلنا: نعم!
أرأيتم كيف نمارس الاستبداد العلمي..؟!
أرأيتم كيف تُوأد الأفكار، وتُخنق الأصوات، وتُحطَّم ملكات الإبداع والإنتاج، ويُربَّى الخانعون..؟!
أخزى الله الاستبداد، فكم قتل من الطاقات، وكم قطع من طرقٍ للتصحيح والتغيير..!
أدب الخلاف عند السلف:
كان السلف الصالح والأئمة الأخيار يختلفون فيقول قائلهم: "جائز ما قلتَ أنت، وجائز ما قلتُ أنا، وكلانا نجم يهتدى به، فلا علينا شيء من اختلافنا". ويقول الآخر: "ألا يستقيم أن نكون إخوانًا، وإن لم نتفق في مسألة؟".
أما نحن إذا اختلفنا فلسان حالنا: {ما أريكم إلا ما أرى }[غافر:29].
إن مصادرة آراء الآخرين، وغلق الأبواب في وجوههم؛ يجعل جذور الخطأ تمتد إلى الأعماق، ثم يصعب تصحيحها أو على الأقل تخفيفها؛ ولهذا فنحن نحتاج إلى ترويض ومتابعة لكي نتعلم كيف نقدّر الرأي الآخر، وننجو من مصادرة عقول الآخرين، والمنهج الشرعي يقتضي أن نقطع في الأمور القطعية التي قطع بها السلف الصالح، وأما المسائل الاجتهادية في فروع العلم سواء في الفقهيات، أو في فروع العمل الدعوي المتجددة، فالأمر فيها واسع ولله الحمد والمنة، والاختلاف فيها أمر وارد لم يسلم منه جيل الصحابة رضي الله عنهم، وما وسعهم يسعنا، وما قد يكون واضحًا عندك قد لا يكون كذلك عند غيرك، وما يتبين لك صوابه الآن قد يتبين لك خطؤه غدًا، لأمر ينقدح في ذهنك، ولهذا تواتر عن علمائنا وأئمتنا أنهم يقولون في المسألة الفرعية الواحدة قولاً، ثم يقولون بخلافه بعد ذلك.
وهاهو ذا الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور يريد أن يحمل الناس على كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس، ويوحدهم على رأي، فيقول له الإمام مالك: "لا تفعل! فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم ما سبق إليهم، وعملوا به، ودانوا به، من قِبَل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، وإنَّ ردهم عمَّا اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه وما اختار كل بلد لأنفسهم". قال الحافظ ابن عبد البر القرطبي: "وهذا غاية في الإنصاف لمن فهم".(11/49)
ورحم الله الإمام الشاطبي، حيث يقول: "فإن الله حكم بحكمته أن تكون فروع الملة قابلة للأنظار، ومجالاً للظنون، وقد ثبت عند النُظَّار أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف فيها، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات؛ فلذلك لا يضر هذا الاختلاف".
إن الاستبداد خصلة لا يعجز عنها أحد في الغالب، وهو دليل على العجز والضعف. ولكن فتح أبواب المشورة، والتراجع عن الخطأ، واتساع الصدر للرأي المخالف، منزلة لا يرقى إليها إلا عباد الله المخلصون.
http://www. islameiat. com المصدر:
=============
عشر همسات للدعاة
عبد الرحمن بن محمد السيد
nbsp; denana@denana.com
الهمسة الأولى:
أخلص نيتك لله - سبحانه وتعالى -..واجعل قصدك و مبتغاك تبليغ دين الله - جل وعلا - من أجل أن يرضى عنك ربك..واستشعر أنك تقوم بمهمة عظيمة.. وأمانة كبيرة.. فاعرف قدرها..
الهمسة الثانية:
اعلم أن للدعوة فقه.. لا بد وأن تتعلمه.. فهو من أنفع وسائل الدعوة وأنجحها.. وسبب من أسباب قبولها واستمرارها.. فاطلبه لدى من شابت لحيته في الدعوة من علمائنا ودعاتنا..
الهمسة الثالثة:
اعلم - رعاك الله - أن للدعوة لذة وحلاوة.. لا يعرفها إلا من ذاقها.. ولا يطلبها إلا من جربها.. وهي ليست من الصادقين من ببعيد..
الهمسة الرابعة:
تذكر - وفقك الله - أن طريق الدعوة مليء بالعقبات والأشواك.. وملغَّمٌ بالمصاعب والمتاعب.. ولو طاب لأحد لسلِم منه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.. فتزود بسلاح الصبر.. وليكن قدوتك في ذلك الأنبياء والصالحون ومن سار على دربهم من النجباء والعظماء.. والتاريخ مليء بأخبارهم..
الهمسة الخامسة:
أيها الداعية المبارك.. أربأ بك أن تكون ممن يأمر الناس بالخير ولا يأتمر.. وينهاهم عن الشر ولا ينتهي.. فهذه صفة ذميمة وخصلة مقيتة.. بل كن أول العاملين بما تأمر.. وأول المنتهين عما تنهى وتزجر..
الهمسة السادسة:
أخي الداعية.. لتكن علاقتك بالله قوية.. وصِلَتك به متينة.. وليكن لك بينك وبين الله سريرة.. لا يطلع عليها أحد من الناس.. فهذا من أسباب نجاح الدعوة وقبولها.. وإذا أردت أن يكون الله لك في طريق دعوتك كما تحب.. فكن له كما يحب وأكثر مما يحب..
الهمسة السابعة:
أيها الداعية الموفق.. ليكن لك في وقتك نصيب من البحث والاطلاع.. ومزيد من التفقه وطلب العلم.. واحرص على ثني الركب عند العلماء وطلبة العلم.. فإن العلم سلاح الداعية.. يدفع به الجهل.. ويُزيل بنوره الشُّبَه والفتن..
الهمسة الثامنة:
أيها المبارك.. لا بد وأن تعلم أن الداعية إلى الله مبلغٌ عن ربه.. وموقِّعٌ عن خالقه.. فإياك والكلام على الله بغير علم.. وأكثِر من قول: (لا أدري).. ولا تستحي من ذلك.. فجميعنا يشترك في قول الله - سبحانه -: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً).
الهمسة التاسعة:
احرص على حسن مظهرك.. وجودة ملبسك.. فالله جميلُ يحب الجمال.. ولا تسرف في ذلك.. وما أجمل أن يجمع الإنسان بين نظافة القلب ونظافة المظهر..
الهمسة العاشرة:
أوصيك بالرفق والحلم.. والكلمة الطيبة الرقيقة.. والمجادلة الحسنة اللينة.. وتذكر قول الله - جل وعلا -: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).. ويكفي الداعية أن يتدبر هذه الآية.. وأن يفهم مرادها ومقصودها.. ففيها خير عظيم..
03-02-2007
http://islamselect.com المصدر:
=============
الأخلاء
عبدالملك القاسم
دار القاسم
الحمد لله ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الله عز وجل جعل هذه الأمة أمة صفاء ونقاء في العقيدة والعبادة والسلوك والمعاملة. وجعل أخوة الدين أعلى من رابطة النسب والقرابة، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] وهي أخوة إيمانية ثابتة لا تزيدها الأيام إلا قوةً ورسوخاً وقرباً، قال عليه الصلاة والسلام: { المسلم أخو المسلم } [رواه مسلم]. وقد حث الله عز وجل على الترابط والتواد والتراحم، ونبذ الفرقة والقطعية فقال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران:103] فأمة الإسلام أمة واحدة لا يعتريها التفريق والانقسام، فهي كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. وهذ المحبة في الله طريق إلى العبادة والتقرب إلى الله عز وجل، فهي من الأعمال الصالحة، ومن أوثق عرى هذا الدين.
عن عمر بن الخطاب أن رسول الله قال: { إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم في الله } قالوا: يا رسول الله، تخبرنا من هم؟ قال: { هم قوم تحابوا بروح الله، على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس } وقرأ هذه الآية: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] [رواه أبو داود].
وقال عليه الصلاة والسلام: { إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي } [رواه مسلم].
وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ذكر منهم: { ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه }.
والأخوة في الله لا تنقطع بنهاية هذه الدنيا بل هي مستمرة في الآخرة، يقول تعالى: الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67].(11/50)
أخي المسلم: إن التحاب في الله والأخوة في دينه من أفضل القربات، ولها شروط بها يلتحق المتصاحبون بالمتحابين في الله، وفيها حقوق بمراعاتها تصفو الأخوة عن شوائب الكدر ونزغات الشيطان، فبالقيام بحقوقها يُتقرب إلى الله زلفى، وبالمحافظة عليها تنال الدرجات العلا.
ومن هذه الحقوق:
أولاً: الحب والمناصرة والتأييد والمؤازرة ومحبة الخير لهم، كما قال عليه الصلاة والسلام: { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } [متفق عليه].
ثانياً: التواصي بالحق والصبر وأداء النصيحة إليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبيين الطريق له وإعانته على الخير ودفعه إليه، يقول تعالى: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر]، ويقول تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71].
ثالثاً: القيام بالأمور التي تدعو إلى التواد وزيادة الصلة، وأداء الحقوق، قال عليه الصلاة والسلام: { حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فشمّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتبعه } [رواه مسلم].
رابعاً: من حقوق المسلم على المسلم: لين الجانب، وصفاء السريرة، وطلاقة الوجه، والتبسط في الحديث، قال عليه الصلاة والسلام: { لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق } [رواه مسلم]. واحرص على نبذ الفرقة والاختلاف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( ولو كان كل ما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا، لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة ).
خامساً: من حقوق المسلم على المسلم: دلالته على الخير، وإعانته على الطاعة، وتحذيره من المعاصي والمنكرات، وردعه عن الظلم والعدوان، قال : { انصر اخاك ظالماً أو مظلوماً، إن يك ظالماً فاردده عن ظلمه، وإن يك مظلوماً فانصره } [رواه مسلم].
حُكي عن أخوين من السلف انقلب أحدهما عن الاستقامة فقيل لأخيه: ألا تقطعه وتهجره؟ فقال: أحوج ما كان إليّ في هذا الوقت لما وقع في عثرته أن آخذ بيده وأتلطف له في المعاتبة، وأدعو له بالعودة إلى ما كان عليه.
والنصيحة باب واسع من أبواب المحبة.. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقطع الوسخ إلا بنوع من الخشونة، لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما يحمد منه ذلك التخشين ).
سادساً: وتكتمل المحبة بين المؤمنين في صورة عجيبة ومحبة صادقة عندما يكونان متباعدين، وكل منهما يدعو للآخر بظهر الغيب في الحياة وبعد الممات، قال : { دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل } [رواه مسلم].
سابعاً: تلمس المعاذير لأخيك المسلم، والذب عن عرضه في المجالس، وعدم غيبته أو الاستهزاء به، وحفظ سره، النصيحة له إذا استنصح لك، وعدم ترويعه وإيذائه بأي نوع من أنواع الأذى، قال : { لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً } [رواه أحمد وأبو داود].
ثامناً: من واجبات الأخوة الإسلامية إعانة الأخ المسلم ومساعدته وقضاء حاجته، وتفريج كربته، وإدخال السرور على نفسه، قال عليه الصلاة والسلام: { أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إليّ أن أعتكف في هذا المسجد ـ يعني مسجد المدينة ـ شهراً } [رواه الطبراني في المعجم الكبير].
تاسعاً: احرص على تفقد الأحباب والإخوان والسؤال عنهم وزيارتهم، عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: { أن رجلاً زار أخاً له في قرية فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربّها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه } [رواه مسلم].
وقال عليه الصلاة والسلام: { من عاد مريضاً، أو زار أخاً له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوّأت من الجنة منزلاً } [رواه الترمذي].
عاشراً: تقديم الهدية والحرص على أن تكون مفيدة ونافعة، مثل إهداء الكتاب الإسلامي، أو الشريط النافع، أو مسواك أوغيره، وقد { كان رسول الله يقبل الهدية ويثيب عليها } [رواه أبو داود].
أخي المسلم: أوصى عمر بن الخطاب بوصية جامعة فقال: ( عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم، فإنهم زينة في الرخاء وغدة في البلاء، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يُقليك منه، واعتزل عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره، لا تطلعه على سرّك ).
جعلنا الله من المتحابين فيه، ورزقنا محبة المؤمنين والقيام بحقوقهم. اللهم وفقنا لما تحب وترضى، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
==============
في دائرة الدعوة
إسماعيل رفندي
مفهوم الدائرة دائرة الدعوة من أقدس دوائر العبودية في المنهج الرباني، ولا بد من التوغل في أعماق هذه الدائرة المباركة لمعرفة المهمة الملقاة على عاتقنا، ولمعرفة هذه الدائرة على حقيقتها، لذا بداية سنتحدث حول أساسيات هذه الدائرة:
- الأساس الأول: الدعوة في هذا الأساس لا بد من معرفة التوضيحات التالية(11/51)
1) الدعوة هي مهمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
2) وللحصول على الأحسنية لا بد من القيام بأمر الدعوة وفق مفهوم الآية الكريمة: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين).
3) في لائحة الدعوة شروطها وواجباتها وأصولها والتزاماتها
4) وللدعوة أنواعها، الفردية والجماعية والعامة والخاصة، لذا يجب الاطلاع الكافي عليها.
الأساس الثاني: الداعي أخي الحبيب اعلم إن لم تقم بأمر الدعوة وإن لم تكن داعياً بالمفهوم الصحيح فلا بد ستكون مدعواً لإحدى المؤثرات السلبية التالية:
1) إما ستقع أسيرا في شباك غرائز والنزعات النفسية
2) أو تتبع خطوات الشيطان لتكون من أصحاب السعير—نعوذ بالله
3) أو تصبح تابعاً ومطيعاً للضغوطات الاجتماعية وتتجه نحو الدنيوية المطلقة
4) إلاّ أن يرحمك الله أن تصبح مدعواً لأحد المخلصين فيعلمك أمور دينك وذلك طريقك لتتجه نحو النور الأساس الثالث: المدعو المدعو هو الشخص الذي يستقبل النور الرباني بقلبه وعقله وروحه وحواسه لذا لا بد من معرفة هذا الأساس وهذا الصنف من الناس.
واعلم أخي الحبيب الداعية أن ميدان المدعويين من أكبر ميادين الدعوة، لأنك مكلف للقيام بهذه المهمة مع كافة طبقات الناس أيضا لا بد من بعض التوضيحات حول هذا الأساس:
1ـ تصنيف المدعويين.
2ـ معرفة ميولهم واتجاهاتهم.
3ـ المتابعة المتواصلة لهم ولمشاكلهم.
4ـ مع التربية المنهجية المتدرجة والارتقاء بهم نحو مراتب العبودية الصادقة بركات في دائرة الدعوة أخي الداعي: إن من سجل نفسه في هذه الدائرة وانسجم بروحه وعقله وشعوره بمفاهيمها ومقاصدها وأعطاها لب وقته وراحته، وتحرك وفق برامجها وخططها، سوف تحصل بركات لا تحصى وثمرات كثيرة: المحاور الأساسية للبركات: ــ 1ـ الأجر الدائم: بالكلمة الطيبة ومساعدة الآخرين والتعامل الرباني والاستقامة الدائمة والعبودية الصادقة.
2ـ الرمزية والقدوة الحسنة: إن الداعية الحق بأساليبه العملية وتفاعله الجيد في ميادين الخير سيكون قدوة حسنة ورمزاً في أوساط الجماهير، يقتدي به كل من يعرفه ويسمعه ويخالطه.
3ـ الحصول على معلومات نظرية وعملية مستمرة: سواءً كان بكثرة المطالعات وحاجيات التربية أو بالتجارب العملية في ميادين بالعمل.
4ـ الكرامة والتكريم: وذلك وفق القرار الرباني(إن أكرمكم عند الله اتقاكم) يجب أن يكون الداعية من أتقى الناس، وحينئذ سيحصل على الكرامات الحسية والمعنوية والمادية في مواقفه الدعوية والشخصية.
shangavan@yahoo.com
http://www.islamselect.com المصدر:
==============
الشبكة العالمية " الانترنت "
محمد درويش
alqasem777@yahoo.com(11/52)
الدعوة الإسلامية عبر شبكة الانترنت في ظل عصر ما يسمى بالعولمة حيث تطورت وسائل الاتصالات والأنظمة الالكترونية لتصبح الأداة الأكثر أهمية في العصر الحديث، تبرز ملامح ومتغيرات لهذا التطور العالمي المتسارع تنعكس على جميع مجالات الحياة المختلفة.ومن أهم الوسائل التي ظهرت في عالم الاتصالات والأنظمة الالكترونية، هي ما يسمى بالشبكة العالمية " الانترنت "، الاداة التي أبهرت العالم بإمكانياتها واتساعها وانتشارها ويعتبر ظهور هذه الشبكة تطورا كبيرا وعميقا شمل جميع المجالات ووسّع الأفق لكل المسارات، وذلك لأن الانترنت وفّر ما لم يكن يحلم به أحد، من سرعة اتصال وعرض معلومات وتبادل بيانات ونشر أفكار بل وحضارات ومعتقدات. من هنا تأتي أهمية استخدام هذه الشبكة العالمية في مجال نشر الدعوة الإسلامية، خاصة وأن الخطاب الإسلامي يعتبر خطابا عالميا شاملا لكل الناس وهذه الخصيصة تجعل من شبكة الانترنت أرضية مناسبة وخصبة لنشر الدعوة الإسلامية إلى العالمين. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو كيف السبيل إلى ذلك؟ وللإجابة على هذا السؤال في هذا الوقت، وأعني في هذا الوقت أي بعد أن بدأت بالفعل مجموعة من المواقع تجربتها في هذا المجال رغم تباينها في النجاح وتعدد غاياتها وأهدافها ووسائل عملها، يجب الانطلاق من عدة محاور:أولا: التجارب الحالية: بدأت فعلا عدة جهات في السنوات السابقة بإنشاء مواقع لنشر الدعوة الإسلامية عبر الانترنت، والحمد لله تجاوز عدد لا بأس به منها مرحلة البداية والتأسيس والشهرة لتصبح مواقع منافسة على مستوى جيد في الأداء والتنوع. كما أنها قامت بدور كبير جدا وعلى المستوى العالمي بنشر الدعوة الإسلامية وبالطريقة المرجوة المناسبة وأمثلة تلك المواقع كثيرة يعلمها كثير من الناس. ومع هذا الدور الكبير التي تقوم به وما تزال تلك المواقع في نشر الدعوة الإسلامية، إلا أننا بحاجة إلى المزيد من المواقع لا من حيث العدد فقط بل من حيث التنوع والتخصص والإثراء وبالتالي التكامل والشمول. ثانيا: متطلبات الدعوة الإسلامية: إن الدعوة الإسلامية في هذا العصر المليء بالمغريات والمعتقدات، والذي يتعرض فيه الإسلام والمسلمون إلى غزو ثقافي مكثف على جميع المستويات، تحتاج إلى عمل مؤسسي وجماعي منظم وموجه على المستويين الشعبي والرسمي، لكي يصل إلى درجة التأثير المحلي والعالمي، ومن هذا المنطلق يجب استخدام جميع الوسائل المتاحة عبر الانترنت، والتي ستعطي الفرصة المناسبة مع الوسائل الأخرى لهداية البشر إن شاء الله، ولإثبات أن هذا الدين هو المنقذ الوحيد لها وهو الدين الوحيد الذي يصلح للتطبيق في كل زمان ومكان. ثالثا: تكثيف الجهود لتتناسب مع حجم المتطلبات: رغم ما ذكرت سابقا عن التجارب المنافسة والقوية التي بدأت فعلا في مجال الدعوة الإسلامية عبر شبكة الانترنت، إلا أن المتطلبات لهذه الدعوة المباركة تحتاج إلى تكثيف الجهود أكثر فأكثر للاستفادة من هذه الوسيلة المهمة على أكمل وجه. ومن الأمور التي تحتاج منا إلى وقفة وتدعونا بإلحاح إلى تكثيف الجهود في هذا المجال:
1. الإبداع والتميز في عرض الدعوة: فهناك حاجة إلى الإبداع في العرض وجذب الناس إلى الدعوة الإسلامية وهذا الأمر يحتاج بالغالب إلى متخصصين لديهم درجة عالية من الإخلاص والإرادة لتحقيق نقلات نوعية فيها إبداع وتميز في العرض.
2. الأخذ بعين الاعتبار أن الخطاب الدعوي عبر الشبكة يجب أن يكون على مستوى العصر فهناك تطورات مستمرة في الحياة وهذه التطورات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حيث يتحقق الجمع بين الأصالة والمعاصرة.
3. رفع مستوى الأداء والتقييم ومن خلال هذا التقييم العملي والعلمي البنَّاء يكون التطوير المستمر وهذا ينعكس مباشرة على الأداء.
4. المرونة المناسبة التي تزيد من رقعة الانتشار العالمي.
5. تعدد الوسائل واختلافها لتتناسب مع اكبر شريحة ممكنة من البشر.
6. وفي هذا السياق ممكن إنشاء رابطة للمواقع الإسلامية يكون الهدف منها التقييم المستمر والعناية بتكامل الجهود وشمولها وتشجيع التنافس ضمن معايير عالية الجودة.
01-06-2006
Alqasem777@yahoo.com المصدر:
=================
لمن نوجه اللوم؟
أزهار السعادة الحقيقية قد ذبلت في رياضنا، أكلها الخريف العاصف، وداستها الشياطين في غفلة منا..
ومضوا في طريقهم يهلكون الحرث والنسل ويفّسدون العباد والبلاد...
وليس من العقل في شيء أن نوجه اللوم والعتاب لأولئك الشياطين، إذ إن هذه هي طبيعتهم في كل زمان ومكان، طبيعة متأصلة تسري في عروقهم.
ولكن اللوم كل اللوم نوجهه إلى أنفسنا، نعم إلى أنفسنا ابتداءً..
كيف غفلنا عنهم؟ وكيف انشغلنا بكل تافه من القول والفعل، ثم أغمضنا العيون عما يراد لنا وبنا...!!
من يصدّق أن هذه الأمة الممسوخة اليوم، كانت ذات يوم تسوس الدنيا، وتؤدب العالم، وتعلم الحياة معاني الحياة.....!!!
من يصدق أنها كانت إذا تكلمت خرست كل الألسنة، لتستمع وتنصت وتتابع في أدب وخشوع، ثم تنفذ في صمت وخضوع، وبكامل الأدب......!!؟
من يصدّق أنها كانت كذلك، بل فوق ذلك؟؟
كنا ننادي الريحَ نأمرُها ** فتهبّ عاتيةً لها صرّ
والنصرُ ينمو حيثُ نزرعُهُ ** وعلى ربانا ينبتُ النصرُ
ولكن.. جرت علينا سنة الله التي لا تتبدل..
فالأيام قُلّبْ، والليالي تلد كل عجيبة..
(.. وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ..)
ولكن كيف جرى الأمر..؟
جرى على مقتضى سنة الله.. ولن تجد لسنة الله تبديلا..(11/53)
يقول – سبحانه-: (.. إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ..).
وهذه الأمة قد غيرت كثيرا، فكان لابد أن تتغير أمور كثيرة فيها ولها وعندها!!
وكان لابد من أن يصيبها ما أصابها جزاء وفاقا..
(.. وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)..
وسنة الله مع هذه الأمة ماضية في طريقها..
فإذا رجعت هذه الأمة إلى الله بصدق، أعاد الله إليها مجدها الأول في يسر: "وإن عدتم عدنا" ترى هل سيطول بأمتنا الزمن وهي تعيش في وحل هذا الذل، وهذا الهوان؟! تقتات مما يتساقط إليها من أفواه اللئام..!؟
أم أن اليوم الذي ستنتفض فيه انتفاضة الحياة والحيوية، قد صار قريبا جداً وعلينا أن ننتظر؟...
**
كثيرون جداً من أبنائنا وبناتنا لعلهم قد نفضوا أيديهم من أي بارقة أمل، لأنهم أصيبوا بحالات إحباط متتابعة، وهم يرون ما يرون..
لكن الحقيقة أنه لا قيمة لهؤلاء.. فمرجعنا ومعتصمنا وميزاننا: هي نصوص الوحي..
الوحي الذي لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه....
و سنن الله – تعالى- المبثوثة في النصوص– وهي كثيرة، بل كثيرة جداً – وفي الكون – وما أكثرها - تقول بملء الفم: إن هذه الأمة – رغم ما هي عليه وما هي فيه من أحوال مأساوية – إلا أنها موعودة بالنصر - طال زمن أو قصر – والمفتاح بيدها وحدها، إذا أرادت أن تستعجل ذلك اليوم، ولا يطول بها الانتظار على أرصفة الذل، وداخل أروقة المهانة....!!
**
القاعدة السماوية الواضحة تقول في جلاء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)..
انصروا الله في ذات أنفسكم ابتداء..
ما أكثر المتفيهقين والمتشدقين.. ولكنهم أجبن الناس أمام أهواء أنفسهم..!
لا يستطيع الواحد منهم أن يتغلب على هواه، وهو يعلم أن هذا الهوى يبعده عن ربه!!
هؤلاء عليهم أن يحلموا بالنصر تحت ظلال الأماني وأشجار الأحلام!!
إن كانوا صادقين في دعوى حب دينهم، والرغبة في انتصاره.
فعليهم ابتداء أن ينتصروا على أهواء نفوسهم..!
ماذا يعني لك أن يجادل أناس في قضية الغناء والموسيقى..
وفي هذا الزمن بالذات!؟.
إن الشمس لا تحتاج إلى برهان عليها..!!
وليس يصح في الأذهان شيءٌ *** إذا احتاج النهار إلى دليل
ومثل هؤلاء: ماذا يعني أن تجادل امرأة في قضية الحجاب مثلا..!
على هؤلاء أن يدخلوا ابتداء في حرب ضروس مع أهواء نفوسهم..
وإلا فإن سنة الله الأخرى ستتحقق فيهم ولابد.. يقول – تعالى-: (... وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)..
ثم لا يكونوا أمثالكم.. ثم لا يكونوا أمثالكم..
ثم لا يكونوا أمثالكم..!!!!!
وشواهد السيرة، والتاريخ تؤكد وتقرر هذه القاعدة...
أن تتولوا يا شباب هذه المرحلة، فقد آثرتم لأنفسكم الهوان..
فعيشوا مع وحله!!
وسيأتي الله بجيل جديد "يحبهم ويحبونه"..
ولاحظ قوله – تعالى-: (يحبهم).
أذلة على المؤمنين فحسب، ولكنهم في ذات الوقت أعزة على الكافرين – كل الكافرين – لا يكون ولاؤهم إلا لله ولرسوله وللمؤمنين...
يأخذون الكتاب بقوه وفي عزة وبفخر، ويعضون عليه بالنواجذ – ولو رمتهم الدنيا كلها عن قوس واحدة ما فرطوا في شئ منه_.
على يد هذا الجيل يتنزل النصر، ويمكّن الله لهذه الأمة في الأرض، ويبدلها بالذل عزا، وبالخور شجاعة وإقداما، وبالتخلف ريادة وقياده، وما ذلك على الله بعزيز...
سنة الله – تعالى- تقول ذلك والتاريخ الإسلامي من ألفه إلى يائه يشهد على ذلك: (... وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ؟؟ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً)..
والمنافقون يسخرون، ويهمزون ويلمزون ويستطيلون بألسنتهم ويضحكون!!
دع هؤلاء الحثالة.. دعهم يضحكون ويسخرون كما شاءوا..
فثقتنا بالله لن تهتز..
وسخريتهم منا لن تزيدنا إلا إصرارا على المضي في الطريق!!
(إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً)..
وكل آت فهو قريب قريب، رغم الأنوف المتورمة..!!.....
بحق لابد أن نثق، أن في أعماق هذه الأمة لا تزال جذى أمل متقدة، غير أن الرماد الكثيف يغطيها ويحجبها، ورب حادثه من حوادث الدهر تكون سببا في نفض ذلك الرماد كله أو بعضه...
رب أحداث عاصفة، وفتن متلاحقة، تكون سببا لينقشع الضباب عن عيون كثيرة، وتتضح الرؤية في جلاء،
ويبدو الطريق سالكا في يسر إلى...إلى... إلى الجنة....
(... مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً)..
وإذا بالأمة تعود إلى موقع الريادة، لتعطي للعالم رؤاه، وتعيد ترتيب أوراقه، يعينها في ذلك ويسددها: الله - سبحانه وتعالى - ويتكفل هو سبحانه بالمعركة مع أعدائها المتربصين بها...
ألم يقل – سبحانه- في الحديث القدسي: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب...!!
وويل ثم ويلٌ ثم ألف ويل.. من يعلن الله عليه الحرب!
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)..
فإذا تنزلت الملائكة.. ماذا يكون؟
(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ: أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا..سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ..
فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)...
والآيات كثيرة.. ترادفت وتوالت لتقرر هذه الحقيقة الضخمة..
ولكن هذا لا يكون بمجرد الأماني والأحلام.....(11/54)
(لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ.. مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً)..
فعلى كل مسلم أن يجاهد نفسه في ذات نفسه، وأن يجتهد في دائرته القريبة منه ما استطاع ليلتزم بتعاليم الله، مهما خالف ذلك هواه..بل مهما شق ذلك على نفسه..
وليتذكر أنها الجنة..
وأنه بهذه المجاهدة ينصر دين الله في ذات مملكته!...
اضرب بمعولك وساوس الشيطان وأقبل على ربك بصدق، ولا تنتظر الآخرين، فإنك محاسب عن نفسك..
واجهد على أن تقتلع أشواك الهوى التي أدمت قلبك فأبعدته عن الله - سبحانه وتعالى- وانفض من روحك الرماد الذي غطاها زماناً طويلاً، وتعرّف جيدا على ربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك، واستحي منه إن كان في قلبك شيء من الحياء..!!
وأصلح نفسك لتتهيأ لجنة عرضها السماوات والأرض، واعمل قدر طاقتك أن تصلح أهلك وأقرباءك معك،
وعليك خلال ذلك كله بجرعة الصبر والمصابرة على: مجاهدة النفس والأهواء وفتن الدنيا، واصبر وصابر..
كي يتسنى لك الخروج من الظلمات إلى النور، وثق بأن تعويض الله لك سيكون عظيما، عظيماً من حيث لا تحتسب..
فقد وعد ولن يخلف وعده..
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)..
فالهداية إلى السبل: أول الرحلة إليها (المجاهدة) فافهم..
وإذا فهمت: فاعمل ولا تسوف.. ولا تنتظر الآخرين....
وثق بأنك سائر في الطريق السالك نحو مرضاة الله - عز وجل- ثم جنة عرضها السماوات والأرض: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ولله در الشاعر حيث يقول:
عظماء الدنيا ما سادوا *** إلا بالصبرِ على المُرّ
نعم.. إن أهل الباطل يصبرون ويصابرون ويبذلون من أجل باطلهم!!
وعلى أهل الحق أن يكونوا أكثر صبرا منهم، وأكثر بذلا منهم..!
اصبر قليلاً فبعد العسر تيسيرُ *** وكلُ وقتٍ لهُ أمرٌ وتدبيرُ
وللمهيمنِ في حالاتنا نظرٌ *** وفوقَ تدبيرنا للهِ تدبيرُ.
وبالله التوفيق.. ومنه السداد والعون..
فإن أصبنا فلا عجبٌ ولا غررُ ** وإن نقصنا فإن الناس ما كملوا
والكاملُ الله في ذاتٍ وفي صفةٍ ** وناقص الذات لم يكمل له عملُ
http://www.alwahah.net المصدر:
================
يا دعاتنا الأحبة.. لا تخدروا الأمة بالنصر والتفاؤل
لست ضد بعث روح الأمل بالنصر والتفاؤل في الأمة بل أقول شكراً وجزى الله خيراً كل من يساهم في بث ذلك في الأمة، ويبذل جهداً في تحقيقه، ولكن لاحظت بل وآلمني ملاحظة لاحظتها في خطاب بعض الدعاة الذين يبشرون الأمة بالنصر؛ ويدعونها إلى التفاؤل؛ وهي تذكيرهم الأمة بالنصر والتفاؤل بدون أن يذكروها بأن تحقق الأسباب التي ستؤدي إلى حدوث النصر أو حدوث ما يحقق الواقع الذي نتفائل بقدومه.
وأهم هذه الأسباب هي عودة الأمة إلى حقيقة دينها، وتطبيقه التطبيق الكامل، والالتزام بأوامره في كل الأمور. وحقيقة أن مثل هذه الخطابات التي لا تكون شمولية، وتنسى التذكير بواجب الصلاح والإصلاح في تذكيرها، قد يكون فيها تخدير للأمة، وكأننا نقول لها وهي لا تزال لم تتجه بصدق للإصلاح: أن لا تخافي ولا بأس ولا مشكلة في أن تستمري على ما أنت عليه، وتفائلي وسيأتيك النصر والغلبة. وهذا يشابه طمأنتنا للطالب الكسول المحبط بأن عليه ألا ييأس، وأنه سينجح بدون أن يذكره بأن عليه أن يثابر ويجتهد. نعم مهم أن نزيل إحباطه بأن نرفع معنويته، ولكن مع تذكيرنا له ببذل الجهد والمثابرة.
ولا شك أننا لا نريد أن تعيش الأمة في هزيمة نفسية، وأن تنسى ماضيها المجيد واعتزازها به، ولكن علينا ألا يساورنا أي لبس في أن أساس نصرنا هو تمسكنا بديننا، فلا وجود العزة بأنفسنا ونهجنا، وذهاب الهزيمة النفسية (على الرغم من أهمية كل ذلك)؛ يحقق النصر لنا إذا كنا لم نحقق صدق الالتزام بديننا والتمسك به.
ولم يكن أحد أكثر اعتزازاً بدينه من كبار الصحابة - رضوان الله عليهم - الذين شاركوا في غزوة أحد، ومع ذلك أتت الهزيمة عندما تركت فئة منهم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم).
عموماً ليس القصد ألا نبشر الأمة ونبعث فيها التفاؤل، ولكن ليكن طرحنا شمولياً ومتكاملاً، بذكر واجب التوبة والعودة وإصلاح المسار عند الحديث عن التفاؤل والتبشير بالنصر، حتى يكون توجيهنا حافزاً للإصلاح لا مخدراً للرضا بالواقع البعيد عن حقيقة الدين، والتمسك به الذي تعيشه الأمة، والذي أدى إلى كل هذه الأعراض، والإشكالات، والذل، والهوان، والضعف الذي تعيشه الأمة، بل هو من أهم عوامل حدوث الهزيمة النفسية التي نعيشها.
وأدعو كل الأحبة إلى تأمل هذه الكلمة الهامة للشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
(... قال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - كلمة مسجلة له تعتبر بالغة الأهمية، فقد قالها وسط غمرة أحداث الانتفاضة الفلسطينية المباركة الأخيرة، وبالضبط يوم الاثنين 19رجب 1421هـ, فقال رحمه الله معلقاً على الأحداث: (كيف نؤمل النصر ونحن هذه أفعالنا ونياتنا. إذن لنرجع لأنفسنا لا تأخذنا العاطفة !..... المسجد الأقصى لا يمكن أن يرجع إلا إلى أصحابه ومن هم أصحابه؟ اسمع قول الله - عز وجل -:(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)..(إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين).(11/55)
.لن يرجع المسجد الأقصى إلا إذا قاتل المسلمون لله - عز وجل -، لكي تكون كلمة الله هي العليا مهما عمل الناس.
أرجو ألا تأخذنا العاطفة، وأن نغفل عن الأشياء الأساسية!.
نحن لا نرضى أن يقوم طاغية من طغاة اليهود كشارون يطوف ببيت المقدس لإهانة المسلمين، ولكي يرتفع عند قومه من وجه آخر، لا نرضى بهذا أبداً ولن يرضى بذلك أي مسلم، ولكن علينا أولاً أن نصلح أنفسنا، أنفسنا ما صلحت إلا ما شاء الله، فكروا بهذه الأمور لا تأخذكم العاطفة.)*
_______________
* هذه الكلمة ملحقة في نهاية شريط قيم للشيخ عبد المحسن القاضي عن الأقصى وقد قامت تسجيلات الاستقامة في القصيم بإضافتها نظرا لأهميتها ,جزاهم الله خيرا...).
http://www.abhanet.net المصدر:
===============
قَطَع الله يدك !
الشيخ : عبدالرحمن السحيم
يتصوّر بعض الناس أن الرفق واللين هو الذي يجب أن يسود التعامل بين الناس عموما بين الداعي والمدعو بين المُنكِر وصاحب المُنكَر وتسمع العتب على من اشتدّ في النَّكير ! أو اللوم على من أغلظ في القول – ولو كان لمرة واحدة – فيقولون : " إن منكم مُنفِّرين " ... لا تنفِّروا الناس ! ويستدلّون بـ ( أدْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) ويكتفون بهذا القدر من الآية ! ومنهم من يستدل بقول الله عز وجل لموسى مع فرعون ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) و الحقيقة أن هذا خطأ في الاستدلال ، وقصور في التّصوّر . فلكل مقام مقال ولكل حالة لباس
فالبس لكل حالة لبوسها *** إما نعيمها وإما بؤسها
فلا تصلح الشدّة في موضع الرفق واللين و لا يصلح اللين في موضع الشدة والقوة
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ** مُضِرٌّ كوضع السيف في موضع الندى
أما استدلالهم بالآية ( أدْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) فإن الله سبحانه وتعالى ختمها بقوله : ( وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) ثم قال سبحانه :( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) قال ابن القيم – رحمه الله – : جعل سبحانه مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق ؛ فالمستجيب القابل الذكي الذي لا يعاند الحق و لا يأباه يُدعى بطريق الحكمة ، و القابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر يُدعى بالموعظة الحسنة ، و هي الأمر والنهي المقرون بالرغبة والرهبة ، و المعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن . هذا هو الصحيح في معنى هذه الآية . و قال أيضا : و أما المعارضون المَدْعُوّون للحق فنوعان : نوع يُدعون بالمجادلة بالتي هي أحسن ، فإن استجابوا ، وإلا فالمجالدة ، فهؤلاء لا بُدّ لهم من جدال أو جلاد . انتهى .(11/56)
وأما الاستدلال بقول الله عز وجل لموسى وهارون : ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) فنقول : كيف فهم موسى عليه الصلاة والسلام هذا الأمر ؟ هل فهمه على القول الليِّن مُطلقاً ، وعلى الرخاوة عموماً ؟ هذا ما لم يفهمه موسى عليه الصلاة والسلام بدليل أنه أغلظ لفرعون في موطن الشدة والقوة فلما قال له فرعون : (إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا)ردّ عليه موسى بقوّة فقال) : لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا) مَثْبُورًا ؟ نعم ! هالكاً مدحورا مغلوبا ! وهذا مثله مثل الاستدلال بقول الله تبارك وتعالى لِنبيِّه صلى الله عليه على آله وسلم : ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) وسوف أستعرض معكم بعض المواقف التي فيها شِدّة وقوّة في الإنكار ، و لا تعارض بينها وبين هذه الآية ، كما لا تعارض بين أمر موسى – عليه الصلاة والسلام – بالقول الليّن ، وبين شدّته على فرعون وقوّة لفظه وجزالة خطابه معه . وهذه بعض المواقف من حياته صلى الله عليه على آله وسلم والشدّة تكون مع الكافر وتكون مع المسلم . اجتمع أشراف قريش يوما في الحجر ، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط ! سفّه أحلامنا ، وشتم آباءنا ، وعاب ديننا ، وفرق جماعتنا ، وسب آلهتنا . لقد صبرنا منه على أمر عظيم . فبينما هم كذلك إذا طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن ، ثم مرّ بهم طائفا بالبيت ، فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول قال عبدالله بن عمرو : فعرفت ذلك في وجهه ، ثم مضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها ، فعرفت ذلك في وجهه ، ثم مضى ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ، فقال : تسمعون يا معشر قريش ، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح . فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع ! حتى إن أشدهم فيه وَصَاة قبل ذلك ليرفأه بأحسن ما يجد من القول ، حتى إنه ليقول : انصرف يا أبا القاسم ، انصرف راشداً ، فو الله ما كنت جهولا ! قال : فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه الإمام أحمد بإسناد حسن . أليست هذه شِدّة وغِلظة ؟ ولو قيلت اليوم لكافر لعُدّ ذلك من الغِلظة والتنفير ! ومن أشد ما رأيت مواقف الصحابة يوم الحديبيبة مع أنهم ليسوا في موقف قوة ، ولكن ردودهم وأقوالهم كانت هي القويّة . في يوم الحديبية أرسلت قريش رُسلها لمفاوضة النبي صلى الله عليه على آله وسلم ، فلم تُفلح تلك الجهود قام عروة بن مسعود الثقفي – وكان مشركا - فقال : أي قوم ! ألستم بالوالد ؟ قالوا : بلى . قال : أوَ لست بالولد ؟ قالوا : بلى . قال : فهل تتهمونني ؟ قالوا : لا . قال : ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلّحوا عليّ جئتكم بأهلي و ولدي و من أطاعني ؟ قالوا : بلى . قال : فإن هذا قد عرض لكم خطة رشد اقبلوها ودعوني آتيه . قالوا : ائته ، فأتاه فجعل يُكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لِبُدَيْل ، فقال عروة عند ذلك : أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك ، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك ؟ وإن تكن الأخرى فإني والله لأرى وجوها وإني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يَفِرُّوا ويدعوك ! فقال له أبو بكر : امصص ببظر اللات ! أنحن نفرّ عنه و ندعه ؟ فقال عروة : من ذا ؟ قالوا : أبو بكر . قال عروة : أما والذي نفسي بيده لولا يَدٌ كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك . وجعل عروة يُكلم النبي صلى الله عليه وسلم فكلما تكلم أخذ بلحيته و المغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف و عليه المغفر ، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بِنَعْلِ السيف ، وقال له : أخِّرْ يَدَكَ عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفع عروة رأسه فقال : من هذا ؟ قالوا : المغيرة بن شعبة . فقال : أي غدر ! ألست أسعى في غدرتك ؟ وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما الإسلام فأقبل ، وأما المال فلست منه في شيء . ثم إن عروة جعل يرمق أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه . فرجع عروة إلى أصحابه فقال : أي قوم والله لقد وَفَدْتُ على الملوك و وفدت على قيصر و كسرى و النجاشي ، و الله إن ما رأيت ملِكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا ، و الله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فَدَلَكَ بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، و إذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيماً له ، و إنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ... الحديث . رواه البخاري . أليست هذه أيضا شِدّة و غِلظة و قوّة ؟ و لو قيلت اليوم لكافر لعُدّ ذلك من الغِلظة و التنفير ! و مع هذه الشِّدة رجع إلى قومه بهذه الصورة المشرقة التي نقلها بكل صدق و أمانة لقومه ، وعرض عليهم ما عَرَضَه عليه رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم . كان هذا مع أئمة الكفر فماذا كان مع أئمة النفاق ؟! لما كان في غزوة تبوك قال النبي صلى الله عليه على آله وسلم : إنكم ستأتون غداً إن شاء الله عين تبوك ، وإنكم لن تأتوها حتى يُضحي النهار ، فمن جاءها منكم فلا يمسّ من مائها شيئا حتى آتي . فجئناها وقد سبقنا(11/57)
إليها رجلان والعين مثل الشراك تَبِضّ بشيء من ماء . قال فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل مسستما من مائها شيئا ؟ قالا : نعم . فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهما ما شاء الله أن يقول . رواه مسلم . يحتاج المُعاند إلى أن يُعامل بشيء من الشدة والغلظة . وروى مسلم عن سلمة بن الأكوع – رضي الله عنه – أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله ، فقال : كُلْ بيمينك . قال : لا أستطيع ! قال : لا استطعت . ما منعه إلا الكبر . قال : فما رفعها إلى فيه . فقوله : لا استطعت . من باب الدعاء عليه . فما رفعها إلى فيه : أي ما رفع يده إلى فمِه . أليست هذه شِدّة في الإنكار ؟ وثمة مواقف أُخر ظهرت فيها الشِّدّة في التعامل مما يدلّ على أن الرفق واللين ليس هو التعامل السائد أو الحل الدائم . حَدّث أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى حفصة ابنة عمر رجلاً فقال : احتفظي به . قال : فَغَفَلَتْ حفصة ، ومضى الرجل ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا حفصة ما فعل الرجل ؟ قالت : غفلت عنه يا رسول الله فخرج . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قطع الله يدك . فَرَفَعَتْ يديها هكذا ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما شأنك يا حفصة ؟ فقالت : يا رسول الله قلت قبل لي كذا وكذا ! فقال لها : ضعي يديك ، فإني سألت الله عز وجل أيما إنسان من أمتي دعوت الله عليه أن يجعلها له مغفرة . رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح . وروى البيهقي مثل هذه القصة وأنها وقعت لعائشة – رضي الله عنها – والرجل المدفوع إلى حفصة – رضي الله عنها – إما كان أسيراً أو محبوساً ولم يكن له قيد . وفي صحيح مسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتما من ذهب في يد رجل ، فنزعه فطرحه ، وقال :يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده . فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خُذ خاتمك انتفع به . قال : لا والله لا آخذه أبدا ، وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم . والنّزع يدل على الشِّدّة . وعلى هذا سار أصحاب النبي صلى الله عليه على آله وسلم في التعامل بقوّة وشِدّة فيما يحتاج إلى الشدّة . روى مسلم عن عمارة بن رؤيبة – رضي الله عنه – أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال : قبّح الله هاتين اليدين ! لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ، وأشار بإصبعه المسبحة . وكان حذيفة بالمدائن فاستسقى ، فأتاه دهقان بقدح فضة ، فرماه به ، ثم قال : إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته ، و إن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الحرير والديباج والشرب في آنية الذهب والفضة وقال : هن لهم في الدنيا ، وهي لكم في الآخرة . متفق عليه . وهذا عبد الله بن عمر يُحدّث فيقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنوكم إليها . فقال بلال بن عبد الله بن عمر : والله لنمنعهن ! قال سالم بن عبد الله بن عمر : فأقبل عليه عبد الله فسبّه سبّاً سيئا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : والله لنمنعهن ؟! متفق عليه . ما رأيكم : لو جاء مُدخِّن تفوح منه روائح التدخين أو جاء عامل ملابسه كلها زيوت أو دهانات فأمسك بهم إمام المسجد أو المُحتَسِب ( رجل الهيئة ) ثم طردوا عن المسجد أو من المسجد ! ماذا يكون موقف المُشاهِد لذلك الموقف ؟؟؟ سيقول : ما بالكم تُنفِّرون الناس ! إن منكم مُنفّرين تعاملوا بلطف ! لا تُضيّقوا على عباد الله ! ما كان الرفق في شيء إلا زانه . وربما تلا الآية ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) لكن هذا الفعل أو التصرف هو ما كان يحدث في زمن النبي صلى الله عليه على آله وسلم . قال عمر – رضي الله عنه – : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحة ما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع ، فمن أكلهما فليمتهما طبخا . رواه مسلم . يعني البصل والثوم . قال بعض أهل العلم : وإنما يُخرجون إلى البقيع لأنه جهة المقبرة ، والموتى لا يتأذّون بتلك الروائح ! وينبغي التفريق في التعامل بين الجاهل الذي يحتاج إلى تعليم ، وبين المُعاند . ويدلّ على ذلك حديث معاوية بن الحكم السلمي – رضي الله عنه – ، وهو في صحيح مسلم ..
http://www.tu صلى الله عليه وسلم ky.netالمصدر
=============
گلنا داع .. وگلنا مدعو
سليمان الصالح
د.عبد العزيز آل عبد المنعم
أمين عام هيئة كبار العلماء.
لندرس منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة
هؤلاء رفضوا منهج النبي في الدعوة وحملوا السلاح
مواقف بعض الدعاة تسببت في صرف الناس عن الدعوة وعدم الثقة بالدعاة
في مسألة الدعوة إلى الله وهل عمل هو متخصص يقوم به البعض أم هو أمر واجب على كل مسلم، يصاب الكثيرون بالحيرة (إذا قعد الواحد منهم عن الدعوة والنصح لله قيل له أخطأت وتركت واجبا، وإذا قام بهذا الواجب جاءه من يقول له أنت لست متخصصا والدعوة لها رجالها وخص بها قوم دون قوم)؟!(11/58)
هذه الجدلية وهذه الحيرة التي قد تصيب الكثيرين ممن يريدون أن ينخرطوا في ميدان الدعوة، تناولها معالي الدكتور عبد العزيز بين محمد آل عبد المنعم - أمين عام هيئة كبار العلماء بالمملكة في محاضرة قيمة له ألقاها بجامع الملك عبد العزيز بحي أم الحمام بالرياض، وجاءت بعنوان: (مقاصد الشريعة في الدعوة إلى الله) وقد بين معاليه حاجة الناس الشديدة إلى الدعوة إلى الله خصوصا في هذا العصر الذي انتشرت فيه الدعوات الباطلة والمذاهب الهدامة والأفكار المنحرفة، وكذلك لحاجة الناس إلى هذا الدين الخاتم الذي لن يصل إلى الناس إلا بالدعوة والإبلاغ.
وأكد الدكتور آل عبد المنعم أن الدعوة إلى الله واجبة على كل من يقدر عليها وكل من علم بما يدعو إليه فليدع، فالدعوة إذن أمر واجب فكلنا داع وكلنا مدعو..
حاجة الناس إلى الدعوة
تحدث فضيلة الدكتور عبد العزيز آل عبد المنعم في البداية عن أهمية الدعوة إلى الله في كل زمان ومكان، وبين فضيلته أن الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى دينه وإلى توحيده - سبحانه وتعالى - والإيمان به وعبادته وحده لا شريك له، الدعوة إلى الله هي دعوة إلى جميع شرائع الإسلام فهذه هي رسالة أنبياء الله ورسله وخاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقد كانت حياته كلها دعوة، مكث في مكة 13 سنة يدعو إلى الله ثم هاجر إلى المدينة فاستمر في الدعوة إلى الله.
الدعوة إذن هي دعوة الخلق جميعا وحكمها الوجوب، فالدعوة إلى الله واجبة على كل من يقدر عليها، فكل واحد منا هو داع ومدعو فمن كان قادرا ومستطيعا وتوافرت فيه صفات الداعية وعلم بما يدعو إليه فليدع إلى الله، لأن الناس كلهم بحاجة إلى الدعوة رجالا ونساء، كبار وصغار، في الحاضرة وفي البادية، مسلمين وغير مسلمين، كل الناس يحتاجون إلى الدعوة في كل زمان ومكان ونشر الإسلام بينهم وإفشاء تعاليمه وتعليم مبادئه وقيمه وأخلاقه، الناس في حاجة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
إذن الدعوة أمر واجب، وكلنا داع وكلنا مدعو، فمن علم بما يدعو إليه فليدع على علم وبصيرة امتثالا لقول الله {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} [يوسف: 108] فأتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاة وهم مقتدون بإمام الدعاة - عليه الصلاة والسلام -، ولكن بشرط العلم بما يدعو إليه، فالدعوة لا بد أن تكون على بصيرة وعلى علم وعلى فقه، لأن الجهل يضر بصاحبه ويضر بالآخرين، فالناس كلهم بحاجة إلى الفقه في دين الله وبحاجة إلى من ينبههم إلى أوامر الله، وأن يدعوهم إليها، وأهم ذلك هو توحيد الله وعبادة الله وإخلاص هذه العبادة لله وحده لا شريك له..
قبل أن تكون داعيا
ومن الحديث عن أهمية الدعوة ووجوبها على من علم وفقه انتقل فضيلة الدكتور آل عبدالمنعم للحديث عن صفات الداعية وبيانها، فمن عرف هذه الصفات حاول أن يتصف بها، ومن لم يستطع فالأفضل له وللمدعوين أن يبتعد عن ميدان الدعوة، ومما ذكره فضيلته من صفات الداعية:
- العلم بما يدعو إليه الداعية: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة} [يوسف: 108]، والعلم هو علم بكتاب الله وبسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وبأحكام الله ومعرفة الأدلة وبقراءة القرآن، فالداعي لا بد أن يكون عالما بالأحكام الشرعية التي يحتاجها دائما المدعوون وليعلم الداعية أن الدعوة على بصيرة هي التي تؤتي ثمارها ويكون الداعية فيها مأجورا، أما الدعوة عن جهل أو عن عدم علم فإن إفسادها أكثر من إصلاحه.
- ومن صفات الداعية إلى الله الحكمة {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} [النحل: 125]، فالدعوة بالحكمة تعني أن ينزل الداعية كلامه ودعوته بحسب حال المدعو وواقعه، فكل إنسان له واقعه وحاله، فهناك من يحتاج إلى الشيء اليسير من الدعوة وهناك من يحتاج إلى الموعظة الحسنة وهناك من يحتاج إلى المجادلة وهناك من يحتاج إلى إيضاح الحق بدليله، كما أن أفهام الناس ومشاربهم مختلفة.. فالحكمة هي وضع الشيء في موضعه، كذلك المدعو تختلف دعوته بحسب سنه فالطفل الذي يدرك له وضعه في النصح والتعليم ومخاطبته على قدر عقله واستيعابه، والشاب له طريقته في المخاطبة بأوامر الله والشيخ والعجوز يحتاجون إلى الرفق وإعطائهم جرعات يسيرة من الدعوة والنصيحة التي تفيدهم في واقعهم.
فعلى الداعية أن يعرف متى ومن يدعو ومتى ومن يجادل ومتى ومن يعظ، وعلى قدر اختياره الصحيح يكون نجاح الداعية في مهمته.
- ومن الصفات المطلوبة في الداعية أن يكون قدوة لغيره وعاملا بما يدعو إليه، فالداعية لا يتحدث ولا يتكلم في الناس فقط، بل لا بد أن يعمل الصالحات ويسارع في الخيرات ويسبق إلى ذلك حتى يقتدي به الناس فيكون داعيا بالقدوة إلى جانب أنه داعيا بالكلمة {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} [فصلت: 33] فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم أئمة الدعاة، وهم قدوة الدعاة وخاتمهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كان أخشى الناس لله وأتقى الناس لله وأعرفهم بالله وأعبدهم لله فهو القدوة وهو الأسوة، فالداعية عليه أن يتحلى بجميع صفات الخير التي تجعل الناس يقتدون به ويقبلون إليه ويأخذون عنه ولا ينبغي للداعية أن يقول ما لا يفعل لأن ذلك يأتي بنتائج عكسية على الدعوة ويؤثر في مسارها، وقد حذر ربنا - جل وعلا - من القول الذي لا يتوافق مع الفعل: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف: 2 - 3] فلا تأمر بشيء وأنت لا تأتيه، ولا تنهى عن شيء وأنت تأتيه.(11/59)
الرفق واللين أيها الدعاة
تشهد ساحة الدعوة إلى الله مواقف من بعض الدعاة تتسبب بكل أسف في صرف الناس عن الدعوة وعدم الثقة بالدعاة، ومن هذه المواقف العنف في الدعوة والشدة مع الناس وأحيانا الزجر والتوبيخ، ولهذا ركز فضيلة الدكتور عبد العزيز آل عبد المنعم أمين عام هيئة كبار العلماء في محاضرته على هذا الجانب، وشدد على أهمية الرفق واللين في الدعوة إلى الله خصوصا وفي الأمور كلها عامة، مذكرا بقوله - تعالى - مخاطبا نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159]، النبي - صلى الله عليه وسلم - كما وصفه ربه كان رحيما محبا للخير لأمته ولم يكن فظا ولا غليظا؛ ولهذا اجتمعت القلوب حوله وأحبته واتبعت دعوته وقبلها السعداء ورفضها الأشقياء، ويقول - جل وعلا -: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128]، وبهذه الرحمة والحرص على الخير على الأمة وحب الخير للناس وسعيه المستمر على هداية الناس؛ بهذا وغيره رسم لنا منهج الدعوة إلى الله)، رسم النبي - صلى الله عليه وسلم - المنهج قولا وعملا، فعندما أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا - رضي الله عنه - إلى يهود خيبر، أرسله بالرحمة وحب الخير لهداية الناس فلم يأمره بقتالهم وإنما قال له: (انفذ على رسلك - أي اذهب برفق وسكينة- حتى تنزل بساحتهم ثم أدعهم إلى الإسلام فلئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم).
هذا هو منهج الدعوة الذي يستفاد منه الرفق واللين في الدعوة، فليس الجهاد في الإسلام هو القتال لذاته فالقتال ليس مقصودا وليس غنيمة المال مقصودة وليس السبي مقصودا، هذه الأمور تأتي متأخرة إنما المقصود هو هداية البشر ودعوة الناس إلى الله، وحينما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل ولأبي موسى الأشعري حينما بعثهم إلى اليمن قال (إنكم تأتون أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.. - صلى الله عليه وسلم - الحديث.
دروس للذين خرجوا على الأمة
ينبغي للدعاة ولطلبة العلم ولمن أراد أن ينخرط في ميدان الدعوة أن يدرس منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة إلى الله، الرسول بعث رسله إلى غير المسلمين ولم يأمرهم بقتالهم ولا جهادهم، وإنما أمرهم أن يدعوهم إلى الله بالرفق واللين، وكان حريا بأولئك الذين لم يفهموا دعوة النبي ومنهجه وحملوا السلاح في وجه الناس وخرجوا على الأمة وقاتلوا حتى إخوانا لهم وسفكوا دماءهم، كان حريا بهؤلاء أن يعودوا إلى سنة نبيهم وسيرته ليتعرفوا على منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في التعامل مع الناس ودعوتهم إلى الخير.
لقد أبى مثل هؤلاء منهج النبي وحملوا السلاح على المسلمين والمعاهدين وسفكوا دماءهم بغير هدى وبغير بينة، إن مخالفة سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ضلال يؤدي إلى ضلال، وانحراف يؤدي إلى فساد وفتن.
لقد مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة عشرة سنة مع الكفار يدعوهم إلى الله وعبادته وحده وترك عبادة الأصنام ولم يسلم معه إلا القليل وآذاه الكفار وآذوا أتباعه، ولم يعرف عنه أنه أمر أتباعه بقتل الكفار ولا بقتالهم ولا بإتلاف مال أحد، بل كان يدعوهم وصبر واحتمل أذاهم، وكان يرجو أن يهدي الله منهم من يشاء وأن ينقذهم من النار، ولما أتاه جبريل بعد أن اشتد الأذى وضاقت عليه الأرض بما رحبت وبعد أن عرض دعوته على أهل مكة وأهل الطائف فرفضوها جاءه جبريل وقال: إن الله قد أمر الملائكة أن يكونوا في خدمتك فيما تريد، فهل تطلب أن يطبق الله أخشبي مكة على أهلها؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا: أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيء..
هذا هو الإسلام وهذا هو منهج الدعوة الإسلامية الذي رسمه لنا إمام الدعوة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
الدعوة ميادينها واسعة
ويبين فضيلة الدكتور عبد العزيز آل عبد المنعم أن الدعوة ميادينها واسعة ولا يحدها زمان ولا مكان، فهي رحبة واسعة ووسائلها كثيرة، فلا ينبغي لمن أراد أن يدعو إلى الله أن يعدم مدعوين ولا أن يعدم مكانا، ولا أن يعدم وسيلة، تستطيع أن تدعو في المسجد وفي البيت بين أهلك وأولادك وفي العمل بين زملائك وفي الشارع وفي السيارة وفي الأسواق وفي المقبرة عند دفن الميت، وفي كل مكان وحينما حللت عليك أن تدعو إلى الله بكلمة أو بنصيحة أو بسلوك طيب ومظهر طيب تستطيع أن تدعو إلى الله بالنصيحة وبالأمر بمعروف والنهي عن منكر وبالدلالة على الخير والتحذير من الشر ومن البدع.. تستطيع أن تدعو إلى الله عن طريق الخطبة والموعظة وعن طريق المحاضرات، بل تعلمك ومعرفتك لدينك هو جزء من الدعوة إلى الله فإذا حصلت على هذا الخير أفدت نفسك وعليك أن تفيد أهلك في البيت وتفيد إخوانك المسلمين.
الداعية إلى الله عليه أن يتسلح بالعلم عن طريق الدراسة في الجامعات وعن طريق المحاضرات والندوات ومجالسة العلماء وعن طريق الدروس العلمية وحلقات العلم وعن طريق قراءة كتاب الله تلاوة وتفهما لمعانيه ومراجعة كتب التفسير فيه، ودراسة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة معانيها وعن طريق قراءة كتب أهل العلم.. فينبغي للمسلم أن يكون حريصا على نفع نفسه بالتعلم والعلم والالتزام بأوامره وحريصا على نفع أهل بيته بدعوتهم ونصحهم وتعليمهم، وحريصا على نفع إخوانه المسلمين بنصحهم ودعوتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
لا يأس مع الدعوة(11/60)
ما أكثر ما يصيب الدعاة والناصحين من الإحباط واليأس خلال مشوارهم الدعوي الأمر الذي يقعد بالبعض ويجعلهم يعودون من أول الطريق أو بمجرد أن تظهر له أشواك أو عقبات ولمثل هؤلاء يوجه فضيلة الدكتور آل عبد المنعم النصيحة بضرورة الثبات في ميدان الدعوة وعدم اليأس والقنوط لوجود صعوبات في الطريق أو لعدم استجابة المعدوين أو لحدوث أذى.. لقد مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو الناس إلى دين الله ثلاثا وعشرين سنة من عمره وواجهته العديد من الصعوبات والمشاق وتحمل الكثير من الأذى وحاربه أعداء الدعوة بكل الوسائل ومع ذلك استمر في دعوته وإبلاغه دين الله إلى الناس، وكان يستغل كل الفرص والأوقات والمواسم والمواقف لدعوة الناس وهدايتهم، هذا النبي المصطفى على قدرته ومكانته وعظمته لم يستنكف أن يعرض نفسه على القبائل وعلى القادمين إلى مكة في مواسم الحج لكي يدعوهم إلى الله ويعرض عليهم دعوته، ولم يستنكف أن يزور هذا الشاب اليهودي في بيته عندما علم بمرضه على رغم أنه كان يؤذيه بوضع القاذورات أمام بيته - صلى الله عليه وسلم -، لكنه عاده في مرضه وعرض عليه دعوته وقال له: قل لا إله إلا الله تدخل الجنة، ونظر الشاب اليهودي إلى والدته كمن يستأنس برأيه، والده ألهمه الله - سبحانه وتعالى - أن يقول لابنه: اطع أبا القاسم فأسلم ذلك الشاب وأنقذه الله من النار، فأنت أخي المسلم اقتدي بنبيك - صلى الله عليه وسلم - ولا تفوت فرصة في دعوة الناس إلى الحق وإلى الخير ولا تحقرن من المعروف شيئا، فادعو جارك إلى الإسلام إذا كان نصرانيا أو يهوديا أو غير مسلم، ولتكن نيتك هدايته وحب الخير له، فعامله بأخلاق الإسلام وأكرمه وصله وعامله معاملة طيبة وأره منك كل خير، ولا تنس أولا أن لجارك عليك حقا حتى لو كان غير مسلم، وأول هذه الحقوق هدايته وإنقاذه من النار وحتى لو ظلم على كفره فلا تؤذيه وعامله بأخلاق الإسلام ولا تعتدي عليه، أخلاق المسلمين رصيد يغفل عنه الكثيرون ولا يستخدمونه في مصلحة الدين والدعوة، وكلما أظهر المسلمون أخلاقا حسنة في القول والعمل جذبوا الناس إلى الإسلام والدعوة إلى الله تحصل بوسائل كثيرة بالكلمة الطيبة بالهدايا وبالمساعدة بالمال وغير ذلك، وذلك مطلوب في كل وقت ومع كل الناس خصوصا في هذا الزمان الذي يواجه فيه الإسلام تحديات كبيرة ومطلوب من أهله إظهار الصورة الحقيقية لدينهم والدعوة إليه بأخلاقهم وسلوكهم أولا ثم بالوسائل الأخرى معنوية ومادية، يحتاج الأمر والواقع إلى أن يقوم كل مسلم بواجبه نحو دينه ونحو دعوته الإسلامية.
http://www.aldaawah.com المصدر:
=============
أفكار دعوية للملاعب والأندية الرياضية
أبو محمد الأشقر
أخوتي في الله حفظكم الله ورعاكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نداء أخوي إلى الدعاة حفظهم الله ورعاهم
هناك في المجتمع الإسلامي شرائح كبيرة من الناس وهي النوادي الرياضية والملاعب الرياضية و اللاعبين والمدربين والمعلقين والجمهور الرياضي ويشمل جميع أنواع الرياضة (كرة القدم كرة الطائرة كرة السلة كرة اليد طاولة التنس......... الخ) هذه الشريحة الواسعة من المجتمع لا تجد اهتماما كبيرا (ملحوظا) من الدعاة وأهل الدعوة
ولأهمية وحجم هذه الشريحة الواسعة من المجتمع أحببت أن أوجه رسالة دعوية الى كل الدعاة وإلى كل من يحب الله ورسوله ويسعى إلى نشر كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والى كل مسلم يقرأ رسالتي هذه
لنجتمع معا إلى ولتتكثف الجهود كله وذلك بعد الإستعانة بالله - سبحانه وتعالى - إلى نشر الكتاب والسنة في هذه الشريحة الواسعة من مجتمعنا
أخوتي في الله حفظكم الله ورعاكم
أخوتي في الله الدعاة حفظهم الله ورعاهم لا أريد أن أقدم نصائح علمية ودعوية فأنتم أهل النصح والعلم والدعوة ولكنه من باب قوله - تعالى -: " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ".
أقدم إليكم هذه الرسالة مع بعض الأفكار الدعوية:
تخصيص حلقات من العلماء والمشايخ والدعاة حول أهمية الدعوة وخصوصا في هذه الشرائح الكبيرة من مجتمعنا والحث على الاهتمام بهذا الباب من الدعوة (حلقات في الفضائيات في الإعلام والصحافة وغيرها)
نشر الدعوة ونشر الكتاب والسنة (كتب إسلامية كتيبات دعوية مطويات دعوية أشرطة إسلامية - اسطوانات ليزر دعوية يافطات إسلامية وغيرها.......... الخ) داخل الأندية الرياضية وأيضا داخل الملاعب والصالات الرياضية وغيرها
الزيارات الدعوية عن طريق الزيارات الميدانية للنوادي الرياضية وغيرها أو من خلال زيارة مواقع الأندية على الانترنت أو الوسائل الأخرى.
دعوة اللاعبين جميعا بلا استثناء وخصوصا المشهورين لدى الجماهير والحث على اللاعبين وتوضيح دورهم الطيب في نشر الكتاب والسنة.
وكيف أنهم قدوة في مجال الرياضة فلا بد أن يكونوا قدوة في نشر الكتاب والسنة وبيان أجر ذلك عند الله - سبحانه وتعالى -
إرسال رسائل الكترونية بريد الكتروني إلى كل المواقع الإسلامية والى كل المسلمين تشير إلي أهمية هذا الباب من أبواب الدعوة وأهمية هذه الشريحة من المجتمع.
هناك الكثير من الفضائيات التي تنشر في شريط التمرير رسائل sms ويمكن الإستفادة من هذا الشريط لتعريف المسلمين إلي أهمية هذا الباب من أبواب الدعوة وأهمية هذه الشريحة من المجتمع.
نسال الله - سبحانه وتعالى - أن يفتح علينا وعلى جميع المسلمين وعلى الدعاة والعلماء أبواب الخير في جميع المجالات التي تعود على الأمة الإسلامية بالخير..... اللهم أمين(11/61)
وفي الختام جزا الله كل من نشر هذه الأفكار الدعوية وكل من دعى إلى نشر الكتاب والسنة وكل من قام بنشر هذه الرسالة.
http://saaid.net المصدر:
=============
فاتبعوني يحببكم الله
خالد بن عبدالعزيز المسلم
دار القاسم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على قدوتنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
الاتباع في الأصل: اقتفاء أثر الماشي. وفي الاصطلاح: أن يتبع المسلم ما جاء عن النبي وعن أصحابه ثم هو من بعد في التابعين مخير كما قال الإمام أحمد، وفي الحقيقة أن كل ما أمر به الرسول الكريم فقد ألزمنا الله باتباعه، ورتب على ذلك الأجر العظيم وفي مخالفته الوزر والخسارة في الدنيا والآخرة.
أخي المسلم.. لتعلم أن صدق محبتك لله ولرسوله يكون باتباع الأمر واجتناب النهي.. وإلا فادعاء المحبة سهل جداً ولا يحتاج أكثر من حروف يطلقها اللسان وكفى.. لكن المحبة الحقيقية هي: الاتباع والطاعة، قال الله تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران:31].
قال أبو سليمان الدارني: ( لما ادعت القلوب محبة الله عز وجل أنزل الله هذه الآية محنة ). نعم أخي الحبيب.. دليل محبتك لله ورسوله أن تتبع ماجاء في الشرع المطهر حتى في الأمر الذي تكرهه نفسك.
لذلك أطلق على هذه الآية: آية المحبة.
قال ابن القيم: ( فإذا لم تحصل المتابعة فليست المحبة بحاصلة )، وقال أيضاً: ( وعلى ذلك فإنه لا تنال محبة الله عز وجل إلا باتباع الحبيب ).
كلنا نعلم أن الفلاح والسعادة والنجاة في الدارين يكون باتباع محمد لكن من الذي يقتفي آثاره ويطبق سنته في واقع حياته؟ فالأوامر والنواهي تطرق سمعنا ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، ولكن من يستجيب؟! هل نحن فعلاً ( ندور مع السنة حيث دارت ) كما قال الأوزاعي.
أم نحن ممن يدور مع هواه حيث دار وحيث ثار!! وأحذرك أخي الكريم من اتباع الهوى فهو طريق الضلال.
أخي الحبيب.. ألا تريد أن تكون ممن قال فيهم الرسول الكريم : { كل أمتي يدخلون الجنة }؟! أعلم أنك تريد.. وبصدق أيضاً، ولكن لنقرأ الحديث من أوله..
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى!! } قالوا يا رسول الله: ومن يأبي؟ قال: { من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى } [رواه البخاري] سهل جداً.. فالجنة لمن أطاع واتبع.. ويأبى الجنة من عصا وأدبر!!
فهل من الطاعة سماع الأمر بغض البصر.. ثم تطلق سهام بصرك فيما حرم الله؟!
وهل من الطاعة سماع الأمر بترك الغيبة... ثم تسلط لسانك على إخوانك المسلمين؟!
وهل من الطاعة سماع الأمر ببر الوالدين.. وأنت تتفنن وتبتكر طرقاً للعقوق؟!
وهل من الطاعة سماع الأمر بالدعوة إلى الله... وأنت تبادر إلى التخذيل والإرجاف؟!
والكثير الكثير من الأوامر والنواهي التي تطرق أسماعنا.. فما نصيبنا من الامتثال والطاعة والاتباع؟؟ اعرض نفسك أخي الحبيب على الحديث المتقدم، وانظر هل أنت ممن أطاع الرسول أو ممن عصاه؟ عندها ستكون أنت حكماً على نفسك.. اقْرَأْ كَتَابَك كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:14] قال ابن القيم: ( كان عمر يهم بالأمر ويعزم عليه فإذا قيل له: لم يفعله رسول الله انتهى ) ونحن وللأسف نتسابق في معصية الله والرسول.. فكيف نريد أن نكون من أهل السنة ونحن لم نفعل شيئاً منها؟ كيف نريد الابتعاد عن أهل الضلال ونحن سائرون في ركبهم؟
قال ابن عباس في قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة وأُلو العلم، وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة.
كان الجيل الفريد ( جيل الصحابة الكرام ) هم المثل الرائع في التطبيق العملي لشرائع الدين وكذلك كانوا نماذج صادقة في محبة الرسول الكريم وأتباعه، قال عمر بن الخطاب عندما قبّل الحجر الأسود: ( إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي يُقبلك ما قَبّلتك ) [رواه البخاري].
كانت أوامر الله ورسوله تأتي مخالفة تماماً لما تهواه النفوس.. بل لما تعودوا عليه فتكون الاستجابة سريعة فما إن تخرج حروف الأمر والنهي ثم تلامس أسماعهم حتى تكون أدلة المحبة ( الفعلية ) قد برزت.. يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: ( كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول الله منادياً ينادي: ( ألا إن الخمر قد حُرمت )، قال أنس: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها فجرت في سكك المدينة ) [رواه البخاري]. وفي رواية: ( فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل) [رواه البخاري].
لم يكن الأمر بحاجة إلى التوعية بأضرار المخدرات، وإصدار النشرات التحذيرية، أو المرور عبر مستشفيات القضاء على الإدمان، وإنما كل ما هنالك أن الخمر ( قد حرمت ) وكفى!!
وما إن تستقر في النفوس حقيقة وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4،3] حتى ترى السرعة في الاتباع والطاعة، عندها لا تكون الأحكام الشرعية عرضة للنقاش.. وفاكهة مجالس السمر بين مؤيد ومعارض.. ومنصف!! فمن قائل: لماذا حرم الإسلام هذا؟ ولماذا ترك هذا؟! والأحق بالتحريم ذاك؟!(11/62)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( بينما الناس في الصبح بقباء جاء رجل فقال: إن رسول الله قد أُنزل الليلة عليه قرآن وقد أُمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها وكان وجه الناس إلى الشام فاستداورا بوجوههم إلى الكعبة ) [رواه البخاري] وفي رواية: ( فمالوا وهم ركوع ) [رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي].
أخي الكريم.. أختي الكريمة.. ما جاء الإسلام ليكون لصحابة الرسول فقط، ولم يكن الخِطاب لهم وحدهم فقط، بل لمن بعدهم من الأمة، وأنتم من الأمة، جاء الإسلام ليهيمن على حياتنا ويصلحها ويوصلها بر النجاة.
هب أن هناك قافلة تريد السفر من مكان إلى آخر والمسافة بعيدة وشاقة في صحراء قاحلة.. ولا يعرف الطريق السليمة إلا رجل واحد!! ومن حاد عنه وتركه فنهايته الهلاك لا محالة.. فما ظنك بمن يتعمد مخالفة هذا الدليل؟! أهو عاقل أم(...)؟!!
فنحن في هذه الدنيا نوقن أن سعادتنا وفلاحنا ونجاتنا لا تكون إلا باتباع محمد ومنهجه.. فلم المخالفة؟!
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا *** به موقنات أن ما قال واقع
لما دعا رسول الله الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه سنان الأسدي فقال: ( ابسط يدك أبايعك ) فقال النبي : { علامَ تبايعني }؟ فقال أبو سفيان: ( على ما في نفسك!! ) [تفسير ابن كثير].
إنها استجابة كاملة... ويقين أن ما يأمر به هذا النبي هو الخير بمعناه (الواسع) في كل شأن من شؤون الحياة. لذلك كانت الاستجابة واسعة.. ( على ما في نفسك ).
ولم يكن أمر الاتباع والطاعة مقتصراً على الرجال، فالنساء كان لهن دور في طاعة الأمر واجتناب النهي، وأحكام الشريعة لا تختص بالرجال فقط فهي للرجال والنساء إلا ما خُصص منها.
عن أبي أسيد الأنصاري قال: ( سمعت رسول الله يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله : { استأخرن فإنه ليس لَكُنَّ أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق } قال الراوي: فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به ) [رواه أبو داود].
ولو كان النساء كمن ذكرنا *** لفضلت النساء على الرجال!!
أختي الكريمة... لا نريدك تلتصقين بالجدار.. ولكن نريد البعد عن فتنة الرجال في مواقعهم!! وعدم إظهار الزينة.. وعدم التطيب عند الخروج للأسواق.. وعدم تقديم التنازلات في الحجاب أو بعضه!! ولكن هذا لا يتأتى إلا بصدق محبة الحبيب ومتابعته..
نماذج فريدة في الاتباع والمحبة
ورد في قصة صلح الحديبية عن المسور بن مخرمة ومروان:.... ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله بعينيه فقال: ( والله ما تنخّم رسول الله نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيماً له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك... وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إني ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً ) [رواه البخاري].
عن عبدالرحمن بن أبي ليلى أن عبدالله بن رواحة وفي رواية أخرى أنه ابن مسعود أتى النبي ذات يوم وهو يخطب فسمعه وهو يقول: { اجلسوا }، فجلس فكان خارجاً عن المسجد حتى فرغ النبي من خطبته، فبلغ ذلك رسول الله فقال له: { زادك الله حرصاً على طواعية الله وطواعية رسوله } [أخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال وهو في الإصابة].
عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله : { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة } قال: فكان زيد يروح إلى المسجد وسواكه على أذنه بموضع قلم الكاتب ما تقام الصلاة إلا استاك قبل أن يصلي [رواه الترمذي وأبو داود وأحمد].
عن نافع قال: ( لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع أثر النبي لقلت: هذا مجنون!! ) [رواه أبو نعيم في الحلية والحاكم].
عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله : { لو تركنا هذا الباب للنساء } قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات!! [ابن سعد في الطبقات، سير أعلام النبلاء].
عن أبي أمامة قال: قلت: يا رسول الله مرني بعمل، قال : { عليك بالصوم فإنه لامثل له } قال الراوي: فكان أبو أمامة، وامرأته، وخادمه لا يُلقون إلا صياماً [رواه أحمد والطبراني والنسائي].
[قال الذهبي في السير 368/4]:( أبو عبدالرحمن السلمي، مُقرئ الكوفة، الإمام العلم، قرأ القرآن وجوده ومَهَر فيه كان يُقرئ الناس القرآن الكريم في المسجد 40 سنة ). عن أبي عبدالرحمن السلمي عن عثمان بن عفان أن النبي قال: { خيركم من تعلم القرآن وعلمه } [رواه البخاري]. قال أبو عبدالرحمن السلمي: ( فذلك الذي أقعدني هذا المقعد ).
نسأل الله تعالى أن نكون من أتباع نبيه ومن محيي سنته قولاً وعملاً، وأن يرزقنا شفاعته، والله أعلم... والحمد لله رب العالمين
=============
مواقف دعوية من السيرة النبوية ( 14 )
أثر دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في تحطيم الطغيان
د. عبد العزيز بن عبد الله الحميدي
الطغيان في اللغة التعدي وتجاوز الحد ([1]).
والمقصود به هنا سلب شيء من خصائص الألوهية من الخالق - جل وعلا - ومنحه للمخلوق، فهذا من التعدي على الله - سبحانه - ومن التجاوز بالمخلوق فوق حده.
وقد ظهر الطغيان في عهد الجاهلية على ضربين:
الأول: منح الأصنام حق العبادة من دون الله - تعالى -.
والثاني: منح زعماء المشركين حق التشريع من دون الله - تعالى -.
فأما الأول فإنه قد انتشر في جزيزة العرب انتشارًا واسعًا، وكان العرب في ماضي حياتهم على دين إسماعيل - عليه السلام -، وهو التوحيد إلى أن دخلت عبادة الأصنام في حياتهم.(11/63)
وكان أول من أدخل عبادة الأصنام على العرب عمرو بن لُحَيّ الخزاعي، كما جاء في حديث أخرجه الحاكم، وفيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن ذكر النار: " ورأيت فيها عمرو بن لحي يجر قصبه في النار، وأشبه من رأيت به معبد بن أكثم الخزاعي، فقال معبد: يا رسول الله أتخشى عليَّ من شبهه فإنه والدي؟ قال: لا، أنت مؤمن وهو كافر، وهو أول من حمل العرب على عبادة الأصنام ".
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي ([2]).
وانتشرت عبادة الأصنام في بلاد العرب حتى دخلت إلى بيوتهم، وفي بيان ذلك يقول ابن إسحاق: واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونه، فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسَّح به حين يركب، فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره، وإذا قدم من سفره تمسح به، فكان ذلك أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله ([3]).
وقد أخذت عبادة الأصنام أشكالاً متعددة منها السجود لها والطواف حولها والنحر عندها، والتمسح بها.
ومن مظاهر إشراكهم الأصنام مع الله - تعالى -قول بعضهم في تلبية الحج " لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك " ([4]).
هذا وقد انتشرت عبادة الأصنام في أكثر الأمم الجاهلية كما سيتبين لنا في عرض مواقف الفتوحات الإسلامية.
أما الضرب الثاني من الطغيان فهو منح زعماء المشركين حق التشريع من دون الله - تعالى -فهذا واضح في جميع الأمم ومنها قبائل العرب حيث كان الزعماء هم الذين يشرعون للناس ما ينظمون به حياتهم من غير رجوع إلى وحي سماوي، وكان بروز دور الزعماء في حياة الأمم ذات الحكومات أكبر مما هو عليه عند العرب الذين كانت تغلب عليهم الحياة القبلية.
وحينما تكون القلوب ممتلئة بتعظيم الأصنام والخوف منها وبتعظيم البشر والرهبة منهم فإن تصورات الإنسان تكون منحرفة عن الخط المستقيم، لأن فكره سيكون مشغولاً بهذا الإطار، من تقديم مظاهر التعظيم والولاء والخوف والرجاء رغبة فيما عندهم من الخير واتقاء لما عندهم من الشر الذي يكون من نسج الخيال وهيمنة الأوهام بالنسبة للأصنام، ومن المغالاة في تقدير الأسباب التي يمكِّن الله - تعالى -منها طغاة البشر واعتبارهم مستقلين بها عن إرادة الله - تعالى -وقدرته.
وبالتالي يكون السلوك منحرفًا نحو عبادتهم من دون الله - تعالى - وذلك ظاهر في الأصنام، ومغلف بالنسبة للطغاة لعدم تقديم مظاهر العبادة الظاهرة لهم ولكن بتقديم رضاهم على رضا الله - تعالى -، وما يحبونه على مايحبه، واجتناب سخطهم وغضبهم وإن غضب الله - جل وعلا - عليهم.
وإن مهمة الداعية الحقيقية هي الجد في محاولة تفريغ قلوب هؤلاء المستعبدين وتطهيرها من رجس عبادة الأوثان من الأصنام ومن طغاة البشر، وذلك ببيان حقارة الأصنام وعدم تمتعها بخصائص الإنسان العاقل فضلاً عن خصائص الألوهية، وببيان جرائم الطغاة ومظاهر الضعف والتناقض في أحكامهم وقراراتهم لتحطيم كبريائهم وتطهير العقول من اعتقاد عظمتهم وقداستهم.
ولقد قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعوته بهذه المهمة خير قيام، حيث حطم الطغيان البشري القائم في عهده، وأحل محله العبودية الكاملة لله - عز وجل -.
وقد أخذ جهاده لتحطيم الطغيان مسلكين:
المسلك الأول: ما قام به من تحقير الأصنام وتسفيه عبادتها وإظهارها بمظهر العاجز الذي لا يبصر ولا يسمع، ولا يضر ولا ينفع، وقد نزلت في هذا المعنى آيات كثيرة منها قول الله - تعالى -: (أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (192)وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (198))[الأعراف: 191 198].
وقوله - تعالى -: (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا) [الفرقان: 3]
وقوله - تعالى -: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ - سبحانه وتعالى - عَمَّا يُشْرِكُونَ) [يونس: 18].
وقوله - تعالى -: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)) [فاطر: 13 14].(11/64)
وقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج: 73].
وقوله - تعالى -: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا) [فاطر: 40].
وقوله - تعالى -: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ) [سبأ: 22].
ففي هذه الآيات بيان عجز الأصنام وعدم أهليتها لأن تكون آلهة تعبد من دون الله - تعالى -، حيث فقدت الحواس والأعضاء اللازمة لكل حي كي يتحرك ويعمل، فضلاً عما هو فوق ذلك مما هو من خصائص الإله القادر كالإيجاد من العدم والملك المطلق لكل ما في السموات والأرض.
وليس المقصود بنقد عبادة الأصنام وتحطيم طغيان الكفار بها أن يقوم المسلمون بسبِّ تلك الأصنام، فإن السب لا ينتج تحطيمًا وقر في النفوس من تعظيمها وإنما يدفع عابديها إلى شيء من رد الفعل فيسبوا الله - جل وعلا - عن ذلك، ولذلك نهى الله - سبحانه - المسلمين عن هذا السلوك بقوله: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 108].
فالسب والشتم نُزُول في مجال الجدل ولا يقوم به إلا من فقد الحجة والبيان في الدفاع عن قضيته، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعطاه الله - تعالى - أعلى البيان البشري وأبلغ الحجة، مع ما هو مؤيد به من الوحي الإلهي العظيم.
أما الآيات السابقة التي اشتملت على نقد عبادة الأصنام فليست من باب السب والشتم، وإنما هي من النقد المشتمل على بيان الحقائق، ومن هذه الحقائق أن الأصنام عاجزة عن خلق الأشياء من العدم، وأنها لا تستطيع نصر عبادها ولا نصر أنفسها، وأنها لا تملك لنفسها ضرًا ولا نفعًا، فضلاً عن أن تمنح ذلك عابديها، وأنها لا تستطيع إماتة الناس ولا إحياءهم، وأنها لا تملك مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.
فهذه الحقائق الناصعة لا يستطيع الكفار أن يجيبوا عنها إلا بالإقرار والاعتراف بصدق ما جاء في القرآن من وصف أصنامهم، بينما لا يستطيعون أن يصفوا الله - جل وعلا - بتلك النقائص لأنهم يقرّون بتوحيد الربوبية، وإنما جحدوا توحيد الألوهية.
والمسلك الثاني: القيام بتحطيم طغاة الكفار الذين كانوا يتزعمون قومهم ويشرعون لهم القوانين التي يسيرون عليها في هذه الحياة، حيث إن الطغيان في ذلك الزمن يتمثل في شرك العبادة، وذلك بعبادة الأصنام من دون الله - تعالى -، وفي شرك الطاعة، وذلك بطاعة السادة والزعماء الذين يشرعون للناس من دون الله - تعالى -.
ولقد نزل في توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تحطيم الطغيان البشري آيات كثيرة، منها: -
قوله - تعالى -: (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (122)) [الأنعام: 121 122].
وقوله - تعالى -: (وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)) [يونس: 4243].
وقوله - تعالى -: (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ) [الأنبياء: 45].
وقوله - تعالى -: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)) [الأنبياء: 98 100].
وقوله - تعالى -: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ) [الزمر: 64].
وقوله - تعالى -: (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (9) مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10)) [الجاثية: 7 10].(11/65)
ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجهر بتلاوة هذه الآيات وأمثالها ولايداري المشركين بالإسرار بها، وكان من الأهداف الكبيرة والحكَم البالغة من نزول هذه الآيات الشديدة على المشركين أن يتحطم الطغيان الذي عشش في أفكار زعماء الكفار وسادتهم، وأن يتلاشى شيئًا فشيئًا ما وقر في نفوس الأتباع من تعظيمهم والرهبة منهم.
ولقد سبقت أخبار تبين جرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - على زعماء الكفار وستأتي أخبار أخرى في هذا المجال.
ولقد اجتمع على سيادة مكة آنذاك عدد من أشراف قريش منهم أبو جهل عمرو بن هشام وأمية وأبي ابنا خلف والوليد بن المغيرة وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب والعاص بن وائل، وكانوا جميعًا يعادون الإسلام ويحكمون أهل مكة بالقوانين التي تعارفوا عليها، وكان من الصعب على أفراد الناس أن يخالفوهم في شيء من ذلك، بل إنّ قوانينهم تلك اكتسبت القداسة الدينية لكونها مما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، فلما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمخالفتهم في ذلك والإنكار عليهم وتسفيه آرائهم وعيب ما ورثوه عن أسلافهم أنكروا ذلك منه وناصبوه العداء، وساءهم أن بعض أشرافهم قاموا بحمايته وأبرزهم عمه أبو طالب.
وكان لزعماء مكة المذكورين شأن كبير في نفوس أكثر أهل مكة، بل في نفوس قبائل العرب، وقد بلغ تعظيم أتباعهم لهم في مكة حد العبادة حيث خضعوا لهم في القوانين التي كانوا يؤمنون بها ويحمونها وينفذونها، فكان من أعظم مَهامِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوته أن يزيل من النفوس ما وقر فيها من تعظيم هؤلاء الطغاة، وأن يمحو من القلوب أي حب أو تقدير لهم، لأن تمكن محبتهم وتعظيمهم في القلوب يزاحم وجود الإيمان بالله - تعالى -وتعظيمه، وبالتالي يتكوَّن سلوك الناس في الحياة وتصوراتهم على ما يرسخ في القلب من المعتقدات.
لقد كان من أول ما يتخلى عنه المؤمنون بالإسلام آنذاك أن ينفضوا من قلوبهم أي غبار علق بها من الولاء للأصنام أو للطغاة الذين يحاولون أن يتحكموا في مصائر الناس وأن يحددوا لهم المعتقدات التي يؤمنون بها والسلوك الذي يسيرون عليه في الحياة.
ولقد كان الرجل يمسي كافرًا وقلبه عامر بحب أولئك الأوثان من الحجارة وطغاة البشر، ثم يصبح مؤمنًا وقد محا من قلبه أي وجود لتلك الأوثان.
ولقد كان من مظاهر ولاء الكفار لطغاتهم أنهم كانوا يُكثرون من الثناء عليهم وذكر محاسنهم ويغضُّون الطرف عن مساوئهم، بل كانوا يسِّوغون مساوئهم ويحوِّلونها إلى محاسن ومحامد.
لقد كان أولئك الطغاة يقودون قومهم إلى الضلال في الدنيا والنار في الآخرة رغم وضوح الحق لهم واعتراف بعضهم بذلك، ومع ذلك يتبعهم عامة الناس إلى هذه الحياة المظلمة والمصير المهلك، وقد ألغوا عقولهم وحصروا تفكيرهم في محاولة كسب رضا أولئك الطغاة والحصول على شيء مما يجري على أيديهم من متاع الدنيا الزائل، أو كسب الجاه الوهمي الذي يحاول الطغاة رفعهم إليه.
ولقد كان يحصل من أولئك الطغاة غالبًا تمجيد لأولئك الأتباع الذين يسيرون في ركابهم، وثناء عليهم بذكر فضائلهم، وما ذاك إلا لأن الطغاة لا يقوم وجودهم إلا على أتباعهم من عموم الناس، فإذا فقدوا هذه القاعدة سقطوا، فوجود كل من الطائفتين مرتبط بوجود الطائفة الأخرى.
وكما أن العامة محتاجون إلى الطغاة في بعض أمور معاشهم وتَبوُّء المكانة الاجتماعية التي يطمحون إليها فإن الطغاة محتاجون إليهم لأنهم الركيزة التي يقوم عليها مجدهم، بل إن حاجة هؤلاء إلى العامة أعظم وأهم، لأن وجود مجدهم يقوم على أولئك العامة بينما يستطيع العامة لو عقلوا وتفكروا أن يتخلوا عنهم وأن يبحثوا عن ما يحقق مصالحهم في الدنيا والآخرة.
وهكذا فعل المؤمنون في مكة حيث حرروا أنفسهم من أوهام الجاهلية ومن ربقة تبعية أولئك الطغاة، فأصبحوا ينظرون إليهم بازدراء واحتقار، ويعدُّونهم من معالم الوثنية التي جاء الإسلام للقضاء عليها وتحرير عقول الناس منها.
إن ما قام به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تحرير عقول الناس من تبعية طغاة البشر قد أتاح لهم فرصة عظيمة من التفكير والإبداع في هذه الحياة، فليس أمام المؤمنين من يطلبون رضاه ويجتنبون سخطه إلا الله - تعالى -، ثم هم بعد ذلك يتحركون غير مقيدين بالخضوع لبشر مثلهم، وإن كان الإسلام قد أوجب عليهم طاعة ولاتهم فإن ذلك من طاعة الله - جل وعلا -، مادام الجميع خاضعين لذلك المبدأ العظيم وهو طلب رضوان الله - تعالى -واجتناب سخطه.
-------------
(1)مفردات الراغب /304.
(2) المستدرك 4/605.
(3) سيرة ابن هشام 1/91.
(4)سيرة ابن هشام 1/86.
http://www.olamaasha صلى الله عليه وسلم eah.net المصدر:
===============
هموم الدعوة الإسلامية في شعر الدكتور عدنان علي رضا النحوي
أسامة محمد أمين الشيخ
لم تشغل الدعوة الإسلامية بال أو فكر شاعر مسلم مثلما شغلت فكر وشعر الدكتور عدنان علي رضا النحوي، فنصب من نفسه محامياً عنها مدافعاً عن قضاياها، وهو الذي يشعر بآلام وآمال الأمة الإسلامية.
فبنظرة سريعة حية إلى ديوانه (عبر وعبرات) المفعم بآمال وآلام الأمة المسلمة، نجد هناك درره الشعرية التي أطلقها قلب مؤمن شديد الإيمان متعمق في لغته متمكن من استخدام أدواته الأدبية، فشاعرنا أديب مسلم يمتد أدبه وشعره ونثره إلى مواقفه الحقيقية في الحياة، وهو ملتزم في أفكاره. وألفاظه طيبة عذبة محببة للنفوس، بعيدة عن الغرابة والخشونة، لا تظهر في ألفاظه المصطلحات الحديثة.(11/66)
وصوره واقعية مرتبطة بالبيئة، جميلة، ومعانيه جذابة رقيقة. وقد كانت للكاتب والشاعر ونشأته الإسلامية دور كبير في تكوين شخصيته، فجاءت قصائده درراً غنية بالمعاني، فبكى المسجد الأقصى كما بكى أبناء الإسلام والقدس!
ففي قصيدته (رسالة إلى المسجد الأقصى، نجوى وشكوى وحنين)، يرى شاعرنا تمزق المسلمين دياراً وأقطاراً ومصالح وأهواء، فدلف الأعداء وتسللوا مع ضلالهم وغوايتهم، شَعَرَ المسجدُ الأقصى بالجريمة التي تكاد تطبق عليه حتى كاد لا يجد أملاً في النجاة إلا باباً واحداً فقال شاعرنا:
إذا لم تقم في الأرض أمة أحمد ** فكل الذي يجري على الساح ضائع
وكذلك قصيدته " الفجر الدامي" عن جريمة مجزرة المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل، ويأمل شاعرنا أن يفيق المسلمون ويعودوا إلى ربهم أمة واحدة متماسكة متراصة تحمل رسالة الله وتجاهد في سبيله فقال:
أضحت دماءُ المسلمين مباحةً ** للمجرمين! لكُلِّ عادٍ مُفْسد
وفي قصيدته " دروب الجهاد بين العبر والعبرات "، اضطربت التصورات في واقعنا تحت ضغط الهزائم والهوان واستكانت نفوس كثيرة وغضبت نفوس أخرى وتمزقوا شيعا وأحزابا، فهل أخذوا العبر وعرفوا الدرب وشقوا السبيل، أم سكبوا العبرات وغفوا فقال:
فيا أمتي أمة الحقِّ! هذي ** سبيل النَّجاة ودرْبُ الأمانْ
ويا أمتي استكبر المجرمون ** وفي يدهم أصبحَ الصولجانْ
أما قصيدة " مجزرة قانا "، وقانا مدينة تقع في الجنوب اللبناني، حدثت فيها مجزرة وحشية هزت قلوب المسلمين، وقد قتل مَنْ قتل وشرد مَنْ شُرّد من أبناء لبنان فقال:
لبنان يا عَبقاً من التاريخ مَا ** جَ على رُباكِ يُعيدُ من أخبارِ
" قانا"! حَسْبتُكِ في الديار مصونةً ** بالعهد من أممٍ ومن أقطارِ
وعاش شاعرنا مع بلد المليون شهيد، ذلك البلد المحبب إلى قلوب المسلمين جميعاً، " الجزائر" فقال في قصيدته " دم الجزائر فوَّاح بساحتها ":
يا للجزائر! أهوالٌ مُرّوعة ** وفتنةٌ في رُباها اليوم تضطرم
عودوا إلى الله! لا منجا لنا أبداً ** إلا إليه! وشرع الله فالتزموا
أما عن أرض الرسالات فهي ميدان الرباط وساحة الملاحم على مدار التاريخ: " الجزيرة العربية "، فقال في قصيدته " انثري الورد ":
فإذا مكة أمامي نورٌ ** من جلال الهُدى ومن ميلادِ
وفي قصيدة بعنوان: " الطائف "، تلك المدينة الرائعة الجمال فقال:
يا جبال الشِّفاءِ هاتي شِفاءً ** وانْثُري من يديكِ طيب الوِفادِ
يا لسحر الورُودِ والفُلِّ والنَّوْ ** رِ وطيب الشَّذا وطيبِ الرِّفادِ
واتجه شاعرنا جنوباً إلى مدينة " أبها " فقال:
يا رُبا " مكة ٍ" و" طيبةَ " جودا ** أطلقا النَّوْرَ دعوةً للعِبادِ
واملآ بالحنانِ والشَوق " أبها" ** واسْكبَا النُّورَ في الرُّبا و الوِهَادِ
ونختم دراستنا في شعر شيخنا الدكتور عدنان علي رضا النحوي بأجمل بيتين من قصيدته " لآلئ الشعر أوزان وقافية " فقال:
يقولُ: تَرْتَجِلُ الأشعار تُنْشِدُها ** وَزْنَاً وقافيةً قَيْداً وإعسَارا
الشعر فنٌّ وآلاف السنين بنتْ ** لآلئَ الوزْنِ أو صَاغَتْ له الغَارا
وفي هذه القصيدة يرد شاعرنا على المهاجمين لشعر الوزن والقافية وقد أفسح شاعرنا المجال لتلك القضية في مؤلفه:
(التجديد في الشعر بين الإبداع والتقليد والانحراف)
http://www.alnahwi.com المصدر:
============
إدارة المشايخ
إبراهيم بن سليمان الحيدري
لم تنتهِ الموضوعات الإدارية حتى لم يعد إلا أن نتكلم عن هذا الموضوع الحساس، ولكن الداعي لطرقه أنه إحدى المزايا التي تختص بها المنظمات الدعوية والخيرية دون سواها؛ فالمنظمات الدعوية والخيرية ـ ولله الحمد والمنة ـ تعمر بالمشايخ الأجلاء وبطلبة العلم الفضلاء الذين يضيفون للأعمال كثيراً من سبل النجاح.
المشكلة ـ إن كان ثمة مشكلة ـ هو خلط القائمين على المنظمات الدعوية بين المكانة العلمية والاجتماعية للمشايخ وطلبة العلم، وبين الجدارة الإدارية والقدرات الذاتية؛ إذ قد تؤثر مشاعر التقدير والاحترام لأهل العلم والفضل على تطبيق بعض المعايير الإدارية كالجدارة والعدالة والتخصص.
ومظاهر هذا الخلط تتنوع بدءاً من التحرج في تقويم أداء الشيخ وتصحيح مسار عمله، إلى إيكال أعمال إدارية مهمة ومسؤوليات كبيرة لا تتناسب مع قدرات فضيلته، ونتائجه تبدأ من ضعف الأداء وتأخر النتائج، وقد تنتهي بأزمة شخصية بين الشيخ والمنظمة.
إن العمل بروح المؤسسة الذي ينشده كل غيور لعملنا الإسلامي، والذي يضمن بعد توفيق الله استمرار العمل وجني الثمار، يتطلب منا أن نطبِّق معاييره؛ وأحد معايير العمل المؤسسي المهمة هو (الجدارة) التي تتعارض مع التوظيف أو تقييم أداء الموظفين بناء على مكانتهم الاجتماعية أو العمرية أو المالية، وتجاهل القدرات والمهارات.
وعندما تتأمل ـ أخي القارئ الكريم! ـ حصول موسى ـ عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام ـ على وظيفة رعي الغنم في قصته مع الفتاتين اللتين سقى لهما تجد أنه شغلها؛ لأنه جدير بمتطلبات هذا النوع من الوظائف (القوة والأمانة) لا لأنه نبي مرسل(1).
وأياً كان موقع المشايخ في خريطة المنظمات الدعوية والخيرية مديرين أو مدارين؛ فإن بأيديهم مفاتيح مؤثرة في تهيئة الجو الإداري السليم لتطبيق معايير العمل المؤسسي في إنشاء وإدارة المنظمات الدعوية.
يطالب بعض المتطرفين إدارياً أن يتنحى بعض المشايخ عن وظيفة الإدارة حتى في المنظمات الدعوية التي أُنشئت من أجل نشر نتاجه العلمي والدعوي...متطرفون!
----------------
(*) ماجستير في الإدارة، باحث في إدارة العمل الخيري.(11/67)
(1) ذكر ابن كثير عن مجاهد أن الحكم والعلم في قوله ـ - تعالى -ـ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [القصص: 14] هي النبوة، انظر تفسير ابن كثير للآية في سورة (القصص).
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
لماذا يا أبي لا تصلي الفجر ؟
جمال صالح عبيد الغامدي
طفل يدرس في الصف الثالث الابتدائي، فكم سيكون عمر ذلك الطفل..؟ في يوم من الأيام كان هذا الطفل في مدرسته وخلال أحد الحصص كان الأستاذ يتكلم فتطرق في حديثه إلى صلاة الفجر وأخذ يتكلم عنها بأسلوب يتألم سن هؤلاء الأطفال الصغار وتكلم عن فضل هذه الصلاة وأهميتها سمعه الطفل وتأثر بحديثه.
فهو لم يسبق له أن صلى الفجر ولا أهله... وعندما عاد الطفل إلى المنزل أخذ يفكر كيف يمكن أن يستيقظ للصلاة يوم غداً.. فلم يجد حلاً سوى أنه يبقى طوال الليل مستيقظاً حتى يتمكن من أداء الصلاة وبالفعل نفذ ما فكر به وعندما سمع الأذان انطلقت هذه الزهرة لأداء الصلاة ولكن ظهرت مشكلة في طريق الطفل.. المسجد بعيد ولا يستطيع الذهاب وحده، فبكى الطفل وجلس أمام الباب.. ولكن فجأة سمع صوت طقطقة حذاء في الشارع فتح الباب وخرج مسرعاً فإذا برجل شيخ يهلل متجهاً إلى المسجد نظر إلى ذلك الرجل فعرفه نعم عرفه أنه جد زميله أحمد ابن جارهم تسلل ذلك الطفل بخفية وهدوء خلف ذلك الرجل حتى لا يشعر به فيخبر أهله فيعاقبونه، واستمر الحال على هذا المنوال، ولكن دوام الحال من المحال فلقد توفى ذلك الرجل (جد أحمد) علم الطفل فذهل.. بكى وبكى بحرقة وحرارة استغرب والداه فسأله والده وقال له: يا بني لماذا تبكي عليه هكذا وهو ليس في سنك لتلعب معه وليس قريبك فتفقده في البيت، فنظر الطفل إلى أبيه بعيون دامعة ونظرات حزن وقال له: ياليت الذي مات أنت وليس هو، صعق الأب وانبهر لماذا يقول له ابنه هذا وبهذا الأسلوب ولماذا يحب هذا الرجل؟ قال الطفل البريء أنا لم أفقده من أجل ذلك ولا من أجل ما تقول، استغرب الأب وقال إذا من أجل ماذا؟ فقال الطفل: من أجل الصلاة نعم من أجل الصلاة، ثم استطرد وهو يبتلع عبراته لماذا يا أبي لا تصلي الفجر، لماذا يا أبتي لا تكون مثل ذلك الرجل ومثل الكثير من الرجال الذين رأيتهم فقال الأب: أين رأيتهم؟ فقال الطفل في المسجد قال الأب: كيف، فحكى حكايته على أبيه فتأثر الأب من ابنه واشعر جلده وكادة دموعه أن تسقط فاحتضن ابنه ومنذ ذلك اليوم لم يترك أي صلاة في المسجد... فهنيأ لهذا الأب،،، وهنيأ لهذا الابن،، وهنيأ لذلك المعلم.
12 /05 /2005 م
http://www.almualem.net المصدر:
=============
الملأ ودورهم البارز في التصدي للدعوة
الملأ هم: أَشْرافُ القوم ووجُوهُهم ورؤَساؤهم ومُقَدَّمُوهم، الذي يُرْجَع إِلى قولهم. وفي الحديث: هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الملأُ الأَعْلى؟
والملأ من الكفار لهم دور بارز في تسير الأحداث، ولا بد من الوقوف على دورهم وإبرازه للناس. إذ هم موجودون مع الباطل في كل مكان وزمان.
ومن خلال قرائتي للسيرة النبوية وما استمعت إليه من شبهات من الضالين من أهل الكتاب، يمكنني القول أن الدعوة لا تواجه شبهات حقيقية وإنما تواجه مجموعة من الناس ـ هم الملأ ـ يعرفون الدعوة تماما، وهم يكذبون على قومهم ويرهبونهم تارة ويرغبونهم تاره من أجل صدهم عن سبيل الله.
والآن اذكر بعض المشاهد من السيرة النبوية ومن أحوال الأمم السابقة أوضح بها قولي.(11/68)
الوليد بن المغيرة يجلس بين قومه يصف القرآن بعدما سمعه: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه، فيصيح القوم: صبأ الوليد، ويقوم إليه شيطانهم أبو جهل ويهمس في أذنيه بكلمات ثم يعود ثانية إلى مجلسه. وأقبل الوليد على القوم بوجهه، وظن القوم أن الوليد سيقف موقف الداعي لهذا الدين الجديد؛ فالأمر ليس ببعيد؛ فمِن قَبْله عَدَا عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقتله، وعاد من عنده مسلماً، ولكن الوليد خيّب ظنهم فلم يكن إقباله عليهم إقبال المخلص الداعي لهذا الدين الجديد بل كان المخلص الداعي لدينهم. ويتكلم الوليد.. يصيح فيهم بأن قولوا في الرجل قولةً واحدةً.. ولا تختلفوا حتى لا يظهر كذبكم. ويعرض القوم آراءهم: نقول ساحر.. نقول شاعر.. نقول كاهن.. نقول كاذب.. والوليد لا يجد الوصف مناسباً فيردّه. ويُسند إليه الأمر: قُل أنت يا أبا عمارة نسمع. ويصمت الوليد.. يجولُ بفكره.. يحاول أن يجد نقيصة في الرجل أو في منهجه [إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ](المدثر: 18-23). يحاول الوليدُ ويحاول.. ولكن أنّى له؟! فالرجل هو الصادق الأمين، ومنهجه هو هو الذي وصفه من قبل بأن له حلاوة وعليه طلاوة. ويعجز الوليد، ويعود إلى بعض آرائهم التي قالوها هُم وردها هو من قبل، يقول: قولوا ساحر، ثم يُدَلل على قوله وما أكذبه: ألا ترون أنه يفرق بين الرجل وزوجته، والابن وأبيه [فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ البَشَرِ](المدثر: 24-25). ويصيح القوم فرحاً بهذا!! قاتلك الله يا وليد! ما حملك على ألا تفعل ما فعل عمر، وقد وصفت القرآن بما هو حق، ونفيت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ليس بحق؟! كأني بقريش وقد أقسم الملأ منهم أن ما يأتي به محمد - صلى الله عليه وسلم - هو من عند هذا الغلام الأسود الذي يعتكف بجواره في غار حراء، كأني بهم وقد كلمت وجوههم وهم يرون هذا الغلام لا يتكلم العربية [وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ](النحل: 103). كأني برسلهم تعدو في الصحراء تقصد اليهود يسألونهم عن خبر هذا النبي، ويعطيهم اليهود الأمارة: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم؟ سلوه عن رجل طوَّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه؟ سلوه عن الروح ما هي؟ ويُعطونهم صفة الإجابة، وتعود الرسل، ويحشر الملأ القوم منادين فيهم: جئنا بالقول الفصل بيننا وبين محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويعطيهم الصادق الأمين الأمارة تامة. ثم.. ماذا حدث؟ الموقف لا يتغير ولا يتبدل، يظهر الحق ويستيقن فريق من الناس، ثم يعاندون. وما كانت قريش بدعاً؛ فقد كان لهم سلف فيمن مضوا قوم نوح [قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ](هود: 32) جُودِلوا ودحضت حجتهم؛ فالطبيعي بعد هذا هو الإيمان، ولكن انظر إلى كلامهم ما أعجبه [جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ](هود: 32). وقوم عاد ينادون نبيهم هوداً - عليه السلام -: [قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ](الأعراف: 70) فهم إذن يفهمون الرجل، ولا يكون ذلك إلا بإظهار الحجج والبراهين، ثم انظر إلى موقفهم بعد هذا البيان، وكيف أنه يطابق موقف من كان قبلهم. وقوم ثمود يطلبون الآية فتأتيهم، ثم ماذا؟ هل آمنوا؟ أبداً لا بل عقروا الناقة وقالوا قولة من قبلهم [فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ المُرْسَلِينَ](الأعراف: 77). وقوم لوط [وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ](الأعراف: 82) لِمَ يا قوم؟ [إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ](الأعراف: 82) ألهذا؟!! وقوم خليل الله إبراهيم - عليه السلام -: [فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ](العنكبوت: 24). وإن تعجب فمن أهل مدين قوم شعيب - عليه السلام - نبي الله؛ إذ يبلِّغ رسالة ربه فيؤمن البعض، ويكفر البعض الآخر، ويأخذ الرجل بمبدأ المسالمة: [وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ](الأعراف: 87)، أفي هذا عيْب؟ ولكن انظر ما ردّ الملأ [قَالَ المَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا](الأعراف: 88). الموقف من الدعوة ورجالها هو هو، المنطق نفسه يتكرر، ولا يكاد يتغير، يعرفون الحق ويستيقنون منه تماماً ثم لا يتبعونه، وليت الأمر بقي على هذا فالبلية به خفيفة، بل يعلنون أنه لا هوادة، ولا مقام مع الحق وأهله. وانظر إلى هذه الآيات من سورة(11/69)
إبراهيم كيف أنها تكلمت بألسنتهم مجتمعين على تفرقهم زماناً ومكاناً - كأنهم فردٌ واحد - قال - تعالى -: [أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا](إبراهيم: 9-13). فانظر كيف أن الخيار بين أمرين لا ثالث لهما: [لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا](إبراهيم: 13)، وكيف أن هذا هو كلام الكفار جميعهم في مختلف أزمنتهم [قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ](إبراهيم: 9).
وما أريده هو أن أسلط الضوء على هذا النوع المجرم من الناس. الذي لا يريد الحق أبدا... يكره الحق وهو يعرفه، ويعرف ما فيه من الخير. يلبس الحق على عوام الناس... يحاول أن يضلهم.
هذا النوع من الناس موجود في كل زمان ومكان، وهو الذي يختلق المتشابه في القرآن. هو الذي يفتعل المتشابه. كذبا وبهتانا كي يلبس على الناس دينهم.
وإن تدبرت وجدا أن الجهاد في الشريعة يستهدف هؤلاء الناس. وبمجرد القضاء عليهم يدخل الناس في دين الله أفواجا.
بهذه الخلفية تشرح أحداث السيرة النبوية، وتكون هناك تحليلات لمواقف الملأ الذين استكبروا من الدعوة النبوية، وكيف أنهم كانوا يعرفون الحق ويعاندونه...كيف أنهم كانوا يحاربون الحق وهم يعلمون ما فيه من الخير.
http://www.almoslim.net المصدر:
=============
التعامل مع النصوص الواردة عن السلف
محمد بن إبراهيم الحمد - جامعة القصيم
alhamad@toislam.net
يرد كثيراً آثارٌ عن السلف الصالح - رضوان الله عليهم - ويروى عنهم كلمات في مناسبات؛ فهم يطلقونها - أحياناً - عفو الخاطر، وعلى السجية، ومع ذلك تأتي حاملة في طياتها عُمْقاً وعبراً مع اختصارها وقصرها.
وما ذلك إلا أثر من آثار الاتباع الصحيح، وقرب العهد، وحسن التلقي من مشكاة النبوة.
وقل أن تجد كتاباً من كتب السير إلا وقد خلَّد لأولئك السَّراة كلماتٍ خالدةً يتردد صداها إلى يومنا هذا.
ومن الناس من لا يحسن التعامل مع تلك الآثار؛ إذ منهم من يخالها بمنزلة النصوص الشرعية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
ومنهم مَنْ لا يعتدُّ بها، ولا يقدرها قدرها؛ فيفوته خير كثير، وتجارب نافعة.
ومنهم يسير بها على وَفْق طبيعته؛ فقد يكون ذا شدة وصرامة وإفراط في الحزم؛ فتراه يأخذ منه بحسب ما يوافق هواه، وما جبل عليه؛ فيجعلها مستنداً لِمَا هو بصدده.
ومنهم من هو متساهل مُفَرِّط مُغَلِّبٌ جانبَ اللين في شتى أموره؛ فتراه يجر تلك الآثار لما هو ملائم لطبيعته جراً، وهكذا...
ولعل الأنسب في التعامل مع تلك الآثار أن تؤخذ بمجموعها وإطارها العام؛ فيكون من جرَّاء ذلك منهج متكامل معتدل.
ولقد تواطأت وصايا السلف، وتتابعت كلماتهم في أمور يمكن أن يستخلص منها المنهج العام الواضح الذي يمكن الأخذُ به، والسير على منواله مما هو محل اتفاق، وإجماع، ومن ذلك ما يلي:
1- آثار تحث على تعظيم الشريعة، واتباع السنة، والتحذير من البدعة.
2- آثار تحث على الإخلاص لله، والمتابعة لرسوله - صلى الله عليه وسلم -.
3- آثار تحث على مكارم الأخلاق، وتنهى عن سفسافها، ومرذولها.
4- آثار تحث على العزة والقناعة، وتحذر من الذلة والمهانة والشَّرَه.
5- آثار تدعو إلى حسن السيرة، وصفاء السريرة، ومراقبة الخلوات.
6- آثار تحذر من الكسل وطول الأمل، والاغترار بالدنيا، وتدعو إلى التشمير والاستعداد للرحيل.
7- آثار جرت مجرى الحكمة، والأمثال السائرة كالتي تنتج عن تجربة، وحسن نظر في مجاري الحياة، وتقلبات الأحوال كالنظر في العواقب، وحسن التدبير للمال، وكيفية التعامل مع الناس على اختلاف طبقاتهم، وما جرى مجرى ذلك.
فما كان من هذا القبيل فهو محل القدوة، والاتفاق.
أما بعض الاجتهادات الواردة عن السلف مما قد يظهر فيها مخالفة لنص، أو ما قد يلائم وقتاً دون وقت، أو ما قد ينزل على أشخاص دون أشخاص، أو ما كان مجملاً محتملاً - فإن ذلك يحتاج إلى نظر في صحة نسبته، فإذا صح فإنه يحتاج إلى تأويل سائغ، وإلى أن يخرج تخريجاً ملائماً.
وإذا لم يمكن ذلك عُدَّ اجتهاداً خاصاً بصاحبه، ولا يلزم قبوله والأخذ به على كل حال.
كيف وقد تواطأت وصاياهم - رحمهم الله - على أن كُلاً يؤ خذ من قوله ويرد إلا النبي- صلى الله عليه وسلم -.(11/70)
وبذلك يحفظ للقوم أقدارهم، وتُنَزَّل آثارُهم على أحسن المنازل، وأنفعها بلا وكس ولا شطط.
http://www.saaid.net المصدر:
==============
يا أهلاه صلوا صلوا
عبدالقيوم السحيباني
دار القاسم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
في الحديث:
عن ثابت قال: كان رسول الله إذا أصابت أهله خصاصة نادى أهله: { يا أهلاه، صلوا صلوا }. والخصاصة: الفقر والحاجة إلى الشيء.
قال ابن مفلح: ( الظاهر أنه مرسل جيد الإسناد، ولهذا المعنى شاهد في الصحيحين في الكسوف ).
قال الله عز وجل: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45].
وقال جلّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153].
أمر الله تعالى عباده أن يستعينوا بالصلاة على كل أمر من أمور دنياهم وآخرتهم، ولم يخص بالاستعانة بها شيئاً دون شيء.
فقال: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وإنما بدأ بالصبر قبلها لأن الإيمان، وجميع الفرائض والنوافل لا تتم إلا بالصبر.
ثم قال: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ وهم المنكسرة قلوبهم إجلالاً لله، ورهبةً منه، فشهد لمن خفت عليه، أن يقيمها له، أنه من الخاشعين.
وقد كان النبي إذا حزبه أمر صلّى. أي إذا اشتد عليه أمر، أو نزل به هم، أو أصابه غم، أو وقع به كرب، قام إلى الصلاة لأن الصلاة مُعينة على دفع جميع الناوئب، بإعانة الخالق جل وعلا، الذي قُصد بها الإقبال عليه، والتقرب إليه، فمن أقبل على مولاه حاطه وكفاه، لأنه أعرض عن كل ما سواه، وقصد الرب جل في علاه، والله تعالى لا يخيب عبداً رجاه.
وكان النبي إذا نزل بأهله الضيق أمرهم بالصلاة، ثم قرأ: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ [طه:132]. يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب، كما قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3،2] وقال عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58].
وفي الحديث القدسي يقول الله سبحانه: { يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك }.
والصلاة سبب في طرد الهلع عن صاحبها، فلا يكون هلوعاً، شحيحاً، بخيلاً، ضجوراً، جزوعاً، ضيق القلب، شديد الحرص، قليل الصبر إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:19-23].
وما زال مفزع المؤمنين، عند كل مهم من أمر الدنيا والآخرة، إلى مناجاة ربهم في الصلاة، آدم فمن دونه من الأنبياء.
قال ثابت: ( وكانت الأنبياء صلوات الله عليهم إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة ).
وكيف لا يفزع المؤمنون إلى الصلاة، وهي عماد الدين، كذلك أخبر النبي أن الصلاة عماد الدين.
قال المروزي: ( وأمر الله عباده أن يأتموا بمحمد ، وأمرهم محمد إذا رأوا الآيات التي يخافون فيها العذاب أن يفزعوا إلى الصلاة، فقال: { إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فإذا انكسفت فافزعوا إلى الصلاة }.
وفزع هو إلى الصلاة، ولا نعلم طاعة يدفع الله بها العذاب مثل الصلاة، فصلّى عند الكسوف بزيادة في الركوع، وبكى في سجوده، وتضرع ).
وكانت أم كلثوم بنت عقبة من المهاجرات الأول، غُشي على زوجها عبدالرحمن ابن عوف غشية حتى ظنوا أنه فاضت نفسه فيها، فخرجت أم كلثوم إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة.
وذكروا أن ابن عباس نُعي إليه أخوه قثم وهو في سفر فاسترجع، ثم تنحى عن الطريق فأناخ فصلّى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45].
قال ابن القيّم: ( وأما الصلاة، فشأنها في تفريح القلب وتقويته، وشرحه وابتهاجه ولذته أكبر شأن، وفيها من اتصال القلب والروح بالله، وقربه والتنعم بذكره، والابتهاج بمناجاته، والوقوف بين يديه، واستعمال جميع البدن وقواه وآلاته في عبوديته، وإعطاء كل عضو حظه منها، واشتغاله عن التعلق بالخلق وملابستهم ومحاوراتهم، وانجذاب قوى قلبه وجوارحه إلى ربه وفاطره، وراحته من عدوه حالة الصلاة - ما صارت به من أكبر الأدوية والمفرحات والأغذية التي لا تلائم إلا القلوب الصحيحة ).
فالصلاة من أكبر العون على تحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ودفع مفاسد الدنيا والآخرة، وهي منهاة عن الإثم، ودافعة لأدواء القلوب، ومطردة للداء عن الجسد، ومنورة للقلب، ومبيضة للوجه، ومنشطة للجوارح والنفس، وجالبة للرزق، ودافعة للظلم، وناصرة للمظلوم، وقامعة لأخلاط الشهوات، ونافعة في كثير من أوجاع البطن.
وبالجملة فلها تأثير عجيب في حفظ صحة البدن والقلب، وقواهما، ودفع المواد الرديئة عنهما، وما ابتلي رجلان بعاهة أو داء أو محنة أو بلية إلا كان حظ المصلي منها أقل، وعاقبته أسلم.(11/71)
وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا، ولا سيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً، فما استدفعت شرور الدنيا والآخرة، ولا استجلبت مصالحهما، بمثل الصلاة.
وسر ذلك أن الصلاة صلة العبد بربه عز وجل، وعلى قدر صلة العبد بريه عز وجل تفتح عليه من الخيرات أبوابها، وتقطع عنه من الشرور أسبابها، وتفيض عليه مواد التوفيق من ربه عز وجل، والعافية والصحة، والغنيمة والغنى، والراحة والنعيم، والأفراح والمسرات، كلها محضرة لديه، ومسارعة إليه.
والله نسأل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
============
من أسباب شرح الصدر
عبدالعزيز السدحان
دار القاسم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره... أما بعد:
لقد خلق الله الإنسان في هذه الحياة وهيّأ له من الأسباب والمسببات ما يضمن له صلاح حياته القلبية والبدنية، إن هو أحسن استغلالها وترويض نفسه عليها، فالإنسان في هذه الدنيا في مجاهدة مع أحوالها لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4] مكابدة لنفسه، ومكابدة لنزعات الشيطان، ومكابدة لمصاعب الحياة ومشاقها وأهوالها، يَغلبُ تارةً ويُغلبُ أخرى، يفرح ويحزن، يضحك ويبكي، وهكذا دواليك. فالحياة لا تصفو لأحد من أكدارها.
يختلف الناس في خوض معتركها، يتعثر أقوام فيستبطئون ويبادر آخرون إلى جهاد أنفسهم فيعانون، وقد تعاودهم أكدار الحياة كرة بعد أخرى.
وإن من أكدار الحياة حالة تنتاب كثيراً من الناس، بل لو قيل ( لا يسلم منها أحد ) لم يكن ذلك بعيداً، والناس فيها بين مستقل ومستكثر.
إن ضيق الصدر وما ينتاب المسلم من القلق والأرق أحياناً، مسألة قد تمر على كل واحد منا، تطول مدتها مع قوم وتقصر مع آخرين.
ترى الرجل إذا أصابته تلك الحالة كئيباً كسيراً تتغير حاله، وتتنكر له نفسه، قد يعاف الطعام والشراب، بكاء وحزن، وحشة وذهول، وقد تغلب أحدهم نفسه، فيشكو أمره إلى كل من يجالسه ويهاتفه، دون أن يجاهد نفسه طرفة عين.
يراه جليسه ومن يشاهده فيرى عليه من لباس الهم والغم ما الله به عليم، يستسلم للشيطان بجميع أحاسيسه، فيُظهر لك من اليأس والقنوط والشكوى، ما يغلق أمامك الكثير من أبواب الفرج والتنفيس، حتى إن بعض أولئك يوغل في الانقياد لتلبيس الشيطان، ويكاد أن يقدم على خطوات تغير مجرى حياته، من طلاق للزوجة، وترك للوظيفة، وانتقال عن المنزل، وما يتبع ذلك، وقد يصل أمره إلى الإنتحار؛ مما يدل على عظم تلبيس إبليس عليه.
إن للهمّ أسباباً حسّية ومعنوية، وقد يكون الهم مفاجئاً لصاحبه لا يعرف له سبباً.
شاهد المقال: أن حالة ضيق الصدر، تجعل العبد أحياناً حبيس الهواجس والوساوس ؛ فيبقى المسكين أسيراً لكيد الشيطان، مرتهناً بقوة تلبيسه عليه، وبضعف مجاهدته له.
معاشر المسلمين:
ولما كان تلك الحالة تعتري كثيراً من المسلمين فتؤثر على عباداتهم وسلوكياتهم، ناسب أن يكون الكلام عن الأسباب التي تعين على انشراح الصدر، وتنقله من تلك الغشاوة التي أظلمت عليه، إلى حالة يشعر فيها بالراحة النفسية والطمأنينة القلبية.
فيقال وبالله تعالى التوفيق: إن أسباب انشراح الصدر كثيرة، يكتفي في هذا المقام بذكر ثمانية أسباب منها، علها أن تكون شاملة لغيرها مما لم يذكر.
السبب الأول: قوة التوحيد
إن من أعظم الأسباب لشرح الصدر وطرد الغم، بل هو أجل الأسباب وأكبرها: قوة التوحيد وتفويض الأمر إلى الله تعالى، بأن يعتقد العبد اعتقاداً جازماً لا شك فيه ولا ريب، أن الله عز وجل وحده الذي يجلب النفع ويدفع الضر، وأنه تعالى لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه، عدل في قضائه، يعطي من يشاء بعدله، ولا يظلم ربك أحداً. فعلى العبد أن يحرص على عمارة قلبه بهذه الاعتقادات وما يتبعها فإنه متى كان كذلك؛ أذهب الله غمه، وأبدله من بعد خوفه أمناً.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
( فمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره، والسكون إليه والطمأنينة إليه، وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة، بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته، هو جَنّةُ الدنيا، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين وحياة العارفين ). انتهى كلامه رحمه الله.
السبب الثاني: حسن الظن بالله
حسن الظن بالله تعالى، وذلك بأن تستشعر أن الله تعالى فارجٌ لهمك كاشفٌ لغمك، فإنه متى ما أحسن العبد ظنه بربه، فتح الله عليه من بركاته من حيث لا يحتسب،فعليك يا عبد الله بحسن الظن بربك ترى من الله ما يسرك، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قا رسول الله : { قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيراً فله، وإن ظنّ شراً فله } [أخرجه الإمام أحمد وابن حيان]، فأحسن ظنك بالله، وعلِّق رجاءك به، وإياك وسوء الظن بالله، فإنه من الموبقات المهلكات، قال تعالى: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً [الفتح:6].
السبب الثالث: كثرة الدعاء
كثرة الدعاء والإلحاح على الله بذلك، فيا من ضاق صدره وتكدر أمره، ارفع أكف الضراعة إلى مولاك، وبث شكواك وحزنك إليه، واذرف الدمع بين يديه، واعلم رعاك الله تعالى: أن الله تعالى أرحم بك من أمك وأبيك وصحابتك وبنيك.(11/72)
عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قدم على النبي سبيٌ، فإذا امرأه من السبي تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال النبي : { أترون هذه طارحةً ولدها في النار؟ } قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال : { الله أرحم بعباده من هذه بولدها } [أخرجه البخاري].
السبب الرابع: المبادرة إلى ترك المعاصي
تفقد النفس والمبادرة إلى ترك المعاصي، أتريد مخرجاً لك مما أنت فيه وأنت ترتع في بعض المعاصي؟ يا عجباً لك! تسأل الله لنفسك حاجتها وتنسى جناياتها، ألم تعلم هداك الله تعالى أن الذنوب باب عظيم ترد منه المصائب على العبد: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ [الشورى:30]، أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165].
استسقى العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه، فقال في دعائه: ( اللهم إنه لم تنزل عقوبة إلا بذنب ولا تنكشف إلا بتوبة ).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
( وما يُجازى به المسيء من ضيق الصدر، وقسوه القلب، وتشتته وظلمته وحزازاته وغمه وهمه وحزنه وخوفه، وهذا أمر لا يكاد من له أدنى حس وحياة يرتاب فيه، بل الغموم والهموم والأحزان والضيق: عقوبات عاجلة، ونار دنيوية، وجهنم حاضرة. والإقبال على الله تعالى والإنابه إليه والرضى به وعنه، وامتلاء القلب من محبته، واللهج بذكره، والفرح والسرور بمعرفته: ثواب عاجل، وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة... ) [الوابل الصيب:104] انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
فبادر رعاك الله إلى محاسبة نفسك محاسبة صدق وإنصاف، محاسبة من يريد مرضاة ربه والخير لنفسه، فإن كنت مقصراً في صلاة أو زكاة أو غير ذلك مما أوجب الله عليك أو كنت واقعاً فيما نهاك الله عنه من السيئات، فبادر إلى إصلاح أمرك، وجاهد نفسك على ذلك، وسترى من الله مايشرح صدرك وييسر أمرك وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3،2] وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4] وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً [الطلاق:5].
فبادر هداك الله إلى تقوى الله ولن ترى من ربك إلا ما يسرك بإذنه تعالى.
قال الإمام ابن الجوزي: ( ضاق بي أمر أوجب غماً لازماً دائماً، وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه، فما رأيت طريقاً للخلاص، فعرضت لي هذه الآية: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كل غم، فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج... ) [صيد الخاطر:153] انتهى كلامه.
السبب الخامس: أداء الفرائض والمداومة عليها
المحافظة على أداء الفرائض والمداومة عليها، والإكثار من النوافل من صلاة وصيام وصدقة وبر وغير ذلك، فالمداومة على الفرائض والإكثار من النوافل من أسباب محبة الله تعالى لعبده، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله : { إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه } الحديث [أخرجه البخاري].
السبب السادس: مجالسة الصالحين
الاجتماع بالجلساء الصالحين والاستئناس بسماع حديثهم والاستفادة من ثمرات كلامهم وتوجيهاتهم، فالجلوس مع هؤلاء مرضاة للرحمن، مسخطة للشيطان، فلازم جلوسهم ومجالسهم واطلب مناصحتهم، ترى في صدرك انشراحاً وبهجة ثم إياك والوحدة، احذر أن تكون وحيداً لا جليس لك ولا أنيس، وخاصة عند اشتداد الأمور عليك، فإن الشيطان يزيد العبد وهناً وضعفاً إذا كان وحيداً، فالشيطان من الواحد أقرب ومن الإثنين أبعد وليس مع الثلاثة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
شاهد المقال: أن تحرص أعانك الله تعالى على عدم جلوسك وحيداً، فجاهد نفسك وغالبها على الإجتماع بأهل الخير والصلاح، والذهاب إلى المحاضرات والندوات، وزيارة العلماء وطلبة العلم فذلك يدخل الأُنس عليك؛ فيزيدك إيماناً وينفعك علماً.
السبب السابع: قراءة القرآن
قراءة القرآن الكريم تدبراً وتأملاً، وهذا من أعظم الأسباب في جلاء الأحزان وذهاب الهموم والغموم، فقراءة القرآن تورث العبد طمأنينة القلوب، وانشراحاً في الصدور الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: ( أي تطيب وتركن إلى جانب الله، وتسكن عند ذكره وترضى به مولى ونصيراً، ولهذا قال تعالى أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ أي هو حقيق لذلك ) انتهى كلامه رحمه الله.(11/73)
فاحرص رعاك الله على الإكثار من تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وسل ربك أن تكون تلاوتك له سبباً في شرح صدرك، فإن العبد متى ما أقبل على ربه بصدق؛ فتح الله عليه من عظيم بركاته يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57]، وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً [الإسراء:82].
السبب الثامن: أذكار الصباح والمساء
المداومة على الأذكار الصباحية والمسائية وأذكار النوم، وما يتبع ذلك من أذكار اليوم والليلة، فتلك الأذكار تحصن العبد المسلم بفضل الله تعالى من شر شياطين الجن والإنس، وتزيد العبد قوةً حسيّة ومعنوية إذا قالها مستشعراً لمعانيها موقناً بثمارها ونتاجها، ولتحرص رعاك الله على تلك الأذكار المتأكدة فيمن اعتراهم همّ أو غم، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله يقول عند الكرب: { لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم }، وكذا ما أخرجه البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي كان يكثر من قوله: { اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل... } إلى آخر الحديث.
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي إذا نزل به هم أو غم قال: { يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث } [أخرجه الحاكم].
وعن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال: { دعوات المكروب: ( اللهم رحمتك أرجوا فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأنه كله لا إله إلا أنت ) } [أخرجه أبو داود وابن حيان].
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي : { ما أصاب عبداً هم ولا حزن، فقال: ( اللهن إني عبدك وابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري، وجلاء حزني وذهاب غمي )، إلا ذهب الله حزنه وهمّه، وأبدله مكانه فرحاً } [أخرجه أحمد في مسنده وابن حيان في صحيحه]، إلى غير ذلك مما ورد من الأذكار في هذا الباب ونحوه.
اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك بكل اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا ويسر أمورنا، وهيء لنا من أمرنا رشداً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
===============
السقف والمرحلية
محمد مختار مصطفى المقرئ
الدعوة إلى الله - عز وجل - تنتظم من ركنين اثنين: المنهج والداعية (على تفاوت فيهما من منهج إلى منهج، ومن داعية إلى داعية)، ولا ريب أنه لا يُرتقى بسقف التدين الذي يشاد من هذين الركنين إلا بحسب رقيهما وقربها من الأصل الأول.
فكلما اقترب المنهج من الكتاب والسنة، وكلما تمثل الداعية ما كان عليه سلفنا الصالح كلما ارتفع السقف ودنى من مرتبة القدوة الأولى (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح: 29).
ذلك أن الجذور كلما أوغلت في تربة الأصل، وسقيت من معين أكثر صفاءً، ورعيت كما رعيت البذرة الأولى؛ كلما امتدت فروعها باسقات، لها طلع نضيد، فإذا النضج أتم وأكمل وأنفع.. إنه النضج الوافي، الذي لا يتم إلا بحسب قوة الأنموذج والمثال.. أصالة وصحة وتميزاً وعطاء...
ويقولون: إن الداعية وإن لم يستكمل الفهم الصحيح، ولم يتمثل الأنموذج الذي يدعو إليه، بل واختزل دعوته إلى الإسلام في بعض جوانبه... إلا أنه إنما يغطي ـ أو يمثل ـ مرحلة ابتدائية أو أساسية في مسيرة الدعوة، وعلى الآخرين أن يستكملوا معه بقية المراحل والأشواط ما شاءوا (!!).
وإنما يصح هذا لو كانت دعوته تمثل مرحلة من منهج متكامل متعدد المراحل، أما وكل منهجه محصور في مرحلته تلك، فسيبقى منهجه ذاك هو السقف الذي لا سقف فوقه، فلا يرى الملتزم به إلا أنه التصور النهائي، والأنموذج الكامل، فهو يلتزم به على هذا الأساس، لأنه ما قبل به أصلاً إلا لكونه بهذا الحد (المختزل) والذي لا يصطدم مع ميوله وأهوائه.(11/74)
ولقد يتفق أن بعض من يقنع بتلك المناهج المختزلة أو الجزئية يغادرها إلى مناهج أكثر نضجاً واكتمالاً وقرباً من الفهم الصحيح، وهذا ـ على قلة فاعليه ـ لا يفعله إلا أحد اثنين: الأول: من يغادره لا على أنه مرحلة تسلمه للتي تليها، ولكن حيث يتبين له أنه منهج قاصر وتصور مختزل عن الدين والالتزام. وإذاً يكون الدور الإيجابي لهذه المناهج والتصورات ـ من الناحية العملية ـ كونها ربما تهيؤ أو تقرب البعض لالتزام المنهج الأكمل، وهو أثر رأيناه ـ في واقع الأمر ـ محدوداً نادر الحدوث. والثاني: من يغادرها انتكاساً عنها، وافتتاناً بنقيضها، إذ إن تلك المناهج القاصرة تبقي أتباعها على صلة بكثير من المظاهر والأنماط والعادات غير الشرعية، لا لاعتبارات مرحلية، بل لأنها منهجية ثابتة في أصول المنهج ذاته، تغلب استهداف الـ"كم" على الـ"كيف"، وتبتغي ـ بالتساهل ـ الاستكثار من الأتباع.
أما الكثير الغالب ممن تستهويهم تلك المناهج القاصرة؛ فإنهم ـ كما قدمت ـ إنما يرتضونها لاعتبار أنها تمثل التصور النهائي، وهذا تحديداً هو سر إقبالهم عليها واحتفائهم بها، ولو أنها عرضت عليهم كمرحلة واحدة من منهج تطوري متتابع المراحل ما قبلوا بها.
إن الداعية إلى الله حينما لا يكون على مستوى رقي المنهج الإسلامي، فهما وامتثالاً، إنما يطرح بذلك أنموذجاً بديلاً، يمنح الناس حرية الاختيار بينه وبين الأنموذج الصحيح للدين، وفي أزمنة غلبة المادية والشهوة من الطبيعي أن يؤثر الناس ما يوسع لهم دائرة الفعل، ويضيق دائرة الترك.
إنني لم أزل أسأل سؤالاً ربما أمدتنا الإجابة عنه بما يبدد الضبابية التي غرتنا بأمنيات لا نراها أنجزت في تجارب التاريخ ولا في واقع الأمر، ومن ثم استغرقتنا فيما نتوهم أنه مقدمات لها... أسأل: هل وقع في تاريخنا المديد أن أصلح الله أمر هذه الأمة مرة بغير ما أصلح به أولها؟
ودعني أصيغ السؤال صياغة أخرى أكثر ملاصقة للواقع: هل استردت الأمة مجدها (في حطين أو في عين جالوت، أو غيرهما) لأنها اتبعت منهج التساهل في الأحكام، واستمرأت الأخذ بالرخص؟
نعم.. ربما يكثر الأتباع... ولكن متى كانت الكثرة معيار نجاح أو برهان إصابة؟ وهذا كتاب ربنا ينطق فينا بذم الكثرة.. قال - تعالى -: (لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ)(البقرة: 243)، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)(الأعراف: 187)، (وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)(الأعراف: 17)، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) (الأنعام: 111)، (مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران: 110)، (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) (الأنعام: 116)، (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ) (الأعراف: 102)، (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ)(يوسف: 16). والآيات في ذلك كثيرة... فلا يغرنك كثرة السالكين؛ فإن العبرة بالوصول، ونيل المأمول..
وكذلك امتدح القرآن القلة حيث كانت خيرة في كيفها؛ قال - تعالى -: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)(سبأ: 13)، وقال: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ)(ص: 24)، وقال: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ* ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ)(الواقعة: 10ــ 14).
فالمعول على "كيف" تتحقق به مقاصد الشريعة، ولا ريب أنه لا أتم ولا أكمل ولا أرقى من "كيف" صاغه المنهج القرآني كاملاً بكماله.. (صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً) (البقرة: 138)، والعبرة بـ"كيف" تتحقق فيه معالم الرسالة وخصائصها، ولا ريب أنه لا أتم ولا أكمل ولا أرقى من هدي وسمت وشمائل النبي - صلى الله عليه وسلم -.. "وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها"(1).
وماذا تغني الكثرة إن لم تكن بالـ"كيف" المنشود؟ أخرج أبو داود عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قصعتها " . فَقَالَ قَائل: وَمِنْ قلة نَحنُ يومئذ؟ قَالَ: " بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ" . فَقَالَ قَائل: يَا رسولَ الله! وَمَا الوَهَنُ؟ قَالَ: " حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ" (2).
والحكيم لا يشري رأس ماله الأصيل بكثرة زائفة.. وكيف يستقيم أن ننتصر للمنهج بمخالفة المنهج؟!
ولذلك فإن المسلم تلقاه متميزاً في الناس بـ"كيفيته" الخاصة وسمته المتميز، مهما أبدى له وهمه، وأغراه ـ بغرور ـ فهمه.. أن ذوبانه في الآخر من شأنه أن يجذب ذلك الآخر إلى الإسلام، أو الالتزام..(11/75)
ألا ترى كيف حض الشارع الحكيم على التميز، وأوصى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه؟ قال: " إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شامة فِي النَّاسِ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلاَ التَّفَحُّشَ" . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: حَتَّى تَكُونُوا كالشامة فِي النَّاسِ(3).
وكذلك وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - أتباعه بين الناس؛ فقال: " مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلا كالشعرة السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ" (4).
وبتلك القلة كانت الأمة أمة، وكان مجدها، وقامت نهضتها.. كان الـ"كيف" هو الفيصل والمعيار والميزان، وبه كان الرجحان، فكان التميز عن الآخر ـ لا الذوبان ـ هو سر نهضتنا، وهو ما لا يحصل إلا بتمثل منهج الله - تعالى -بغير تجزيء ولا تبعيض، أو اختزال يحصر الإسلام في بعض شرائعه أو شعائره.. قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (البقرة: 208).
وأعجب ما في هؤلاء المختزلين للدين المستكثرين من الأتباع: أنهم ينكرون على مخالفين لهم تعجلهم قطف الثمار، وما تغليبهم الـ"كم" على "الكيف" إلا صورة من صور التَّعجلِ نفسه..
يا أمة القرآن..
إنه لن يحلق في آفاق غايات أمتنا من لم يبرح مشدوداً إلى الأرض بحبال وأوتاد، تصله بمظاهر الجاهليات سلوكيات وعادات.. من لم يزل منبهراً بالآخر في أنماط حياته، مفتوناً بالغير في خصوصيات ثقافته..
----------------
هوامش وإحالات:
(1) أخرجه البخاري ـ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ـ (3) باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ح/7363) بلفظ: "وأحسن الهدي"، ومسلم ـ كتاب الجمعة ـ (14) باب تخفيف الصلاة والجمعة: (ح/42)، وغيرهما.
(2) أبو داود ـ كتاب الملاحم ـ (5) باب تداعي الأمم على الإسلام: (ح/4299)، وأخرجه أحمد: (ح/21363).
(3) أخرجه أبو داود في سننه ـ كتاب اللباس ـ (27) باب ما جاء في إسبال الإزار: (ح/4091)، وأخرجه أحمد: (ح/16966).
(4) أخرجه البخاري ـ كتاب أحاديث الأنبياء (01) باب قصة يأجوج ومأجوج: (ح/3383)، ومسلم ـ كتاب الإيمان ـ (97) باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة:(ح/553) ، و(98) باب قوله: "يقول الله لآدم: أخرج بعث النار...: (ح/554).
11-4-2006
http://www.alas صلى الله عليه وسلم .ws المصدر:
===========
بر الوالدين
عبدالرحمن بن عبدالكريم العبيد
دار إيلاف الدولية للنشر والتوزيع
اهتم الإسلام ببر الوالدين والإحسان إليهما والعناية بهما، وهو بذلك يسبق النظم المستحدثة في الغرب مثل: ( رعاية الشيخوخة، ورعاية الأمومة والمسنين ) حيث جاء بأوامر صريحة تلزم المؤمن ببر والديه وطاعتهما قال تعالى موصيا عباده: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً [الأحقاف:15]، وقرن برهما بالأمر بعبادته في كثير من الآيات؛ برهان ذلك قوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23]، وقوله تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [النساء:36]، وجاء ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد توحيده عز وجل لبيان قدرهما وعظم حقهما ووجوب برهما. قال القرطبي رحمه الله في قوله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الأنعام:151]، أي: ( برهما وحفظهما وصيانتهما وامتثال أوامرهما ).
أنواع البر:
أنواع بر الوالدين كثيرة بحسب الحال وحسب الحاجة ومنها:
1 - فعل الخير وإتمام الصلة وحسن الصحبة، وهو في حق الوالدين من أوجب الواجبات. وقد جاء الإحسان في الآيات السابقة بصيغة التنكير مما يدل على أنه عام يشمل الإحسان في القول والعمل والأخذ والعطاء والأمر والنهي، وهو عام مطلق يدخل تحته ما يرضي الإبن وما لا يرضيه إلا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
2 - لا ينبغي للإبن أن يتضجر منهما ولو بكلمة أف بل يجب الخضوع لأمرهما، وخفض الجناح لهما، ومعاملتها باللطف والتوقير وعدم الترفع عليهما.
3 - عدم رفع الصوت عليهما أو مقاطعتهما في الكلام، وعدم مجادلتهما والكذب عليهما، وعدم إزعاجهما إذا كانا نائمين، وإشعارهما بالذل لهما، وتقديمهما في الكلام والمشي إحتراماً لهما وإجلالاً لقدرهما.
4 - شكرهما الذي جاء مقروناً بشكر الله والدعاء لهما لقوله تعالى: وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً [الإسراء:24]. وأن يؤثرهما على رضا نفسه وزوجته وأولاده.
5 - اختصاص الأم بمزيد من البر لحاجتها وضعفها وسهرها وتعبها في الحمل والولادة والرضاعة. والبر يكون بمعنى حسن الصحبة والعشرة وبمعنى الطاعة والصلة لقوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]، ولحديث: { إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات } [متفق عليه] الحديث.
6 - الإحسان إليهما وتقديم أمرهما وطلبهما، ومجاهدة النفس برضاهما حتى وإن كانا غير مسلمين لقوله تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15].(11/76)
7 - رعايتهما وخاصة عند الكبر وملاطفتهما وإدخال السرور عليهما وحفظهما من كل سوء. وأن يقدم لهما كل ما يرغبان فيه ويحتاجان إليه.
8 - الإنفاق عليهما عند الحاجة، قال تعالى: قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [البقرة:215]، وتعتبر الخالة بمنزلة الأم لحديث: { الخالة بمنزلة الأم } [رواه الترمذي وقال حديث صحيح].
9 - استئذانهما قبل السفر وأخذ موافقتهما إلا في حج فرض قال القرطبي رحمه الله: ( من الإحسان إليهما والبر بهما إذا لم يتعين الجهاد ألا يجاهد إلا بإذنهما).
10 - الدعاء لهما بعد موتهما وبر صديقهما وإنفاذ وصيتهما.
فضل بر الوالدين:
دلت نصوص شرعية على فضل بر الوالدين وكونه مفتاح الخير منها:
1 - أنه سبب لدخول الجنة: فعن أبي هريرة عن النبي قال: { رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه }، قيل: من يا رسول الله؟ قال: { من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة } [رواه مسلم والترمذي].
2 - كونه من أحب الأعمال إلى الله: عن أبي عبدالرحن عبدالله بن مسعود قال: سألت النبي أي العمل أحب إلى الله؟ قال: { الصلاة على وقتها }. قلت: ثم أي؟ قال: { بر الوالدين }. قلت: ثم أي؟ قال: { الجهاد في سبيل الله } [متفق عليه].
3 - إن بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله عز وجل: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ( أقبل رجل إلى النبي فقال أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى، فقال : { هل من والديك أحد حي؟ } قال: نعم بل كلاهما. قال: { فتبتغي الأجر من الله تعالى؟ } قال: نعم. قال: { فارجع فأحسن صحبتهما } ) [متفق عليه] وهذا لفظ مسلم وفي رواية لهما: { جاء رجل فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد }.
4 - رضا الرب في رضا الوالدين: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي قال: { رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين } [رواه الترمذي وصححه إبن حبان والحاكم].
5 - في البر منجاة من مصائب الدنيا بل هو سبب تفريج الكروب وذهاب الهم والحزن كما ورد في شأن نجاة أصحاب الغار، وكان أحدهم باراً بوالديه يقدمهما على زوجته وأولاده.
التحذير من العقوق:
وعكس البر العقوق، ونتيجته وخيمة لحديث أبي محمد جبير بن مطعم أن رسول الله قال: { لا يدخل الجنة قاطع }. قال سفيان في روايته: ( يعني قاطع رحم ) [رواه البخاري ومسلم] والعقوق: هو العق والقطع، وهو من الكبائر بل كما وصفه الرسول من أكبر الكبائر وفي الحديث المتفق عليه: { ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. وكان متكئاً وجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يرددها حتى قلنا ليته سكت }. والعق لغة: هو المخالفة، وضابطه عند العلماء أن يفعل مع والديه ما يتأذيان منه تأذياً ليس بالهيّن عُرفاً. وفي المحلى لابن حزم وشرح مسلم للنووي: ( اتفق أهل العلم على أن بر الوالدين فرض، وعلى أن عقوقهما من الكبائر، وذلك بالإجماع ) وعن أبي بكرة عن النبي قال: { كل الذنوب يؤخر الله تعالى ما شاء منها إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الموت } رواه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك وصححاه].
البر بعد الموت:
وبر الوالدين لا يقتصر على فترة حياتهما بل يمتد إلى ما بعد مماتهما ويتسع ليشمل ذوي الأرحام وأصدقاء الوالدين؛ { جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله. هل بقي من بر أبواي شيء أبرهما بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما } [رواه أبو داود والبيهقي].
ويمكن الحصول على البر بعد الموت بالدعاء لهما. قال الإمام أحمد: ( من دعا لهما في التحيات في الصلوات الخمس فقد برهما. ومن الأفضل: أن يتصدق الصدقة ويحتسب نصف أجرها لوالديه ).
أحكام شرعية خاصة بالوالدين:
لا حد على الوالدين في قصاص أو قطع أو قذف. وللأب أن يأخذ من مال ولده إذا احتاج بشرط أن لا يجحف به، ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجته. ولا يأخذ من مال ولده فيعطيه الولد الآخر [المغني:6/522]، وإذا تعارض حق الأب وحق الأم فحق الأم مقدم لحديث: { أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك } [رواه الشيخان]، والمرأة إذا تزوجت فحق زوجها مقدم على حق والديها.
وقال في المقنع: ( وليس للإبن مطالبة أبيه بدين، ولا قيمة متلف، ولا أرش جناية ) قلت: وعلى الوالدين أن لا ينسيا دورهما في إعانة الولد على برهما، وذلك بالرفق به، والإحسان إليه، والتسوية بين الأولاد في المعاملة والعطاء. والله أعلم.
=============
هل سنرى في زماننا هذا "الناصر للدين"؟
حين يقال لأحدنا: يا فلان..أنت ناصر الدين حيث كنت..فاعلم أن هذا الشخص له شأن كبير.. وحين يقال له من قبل أكابر الناس: فداك أبي وأمي.. فارجو الخير منه.. وحين تقول لوالدتك متى دعتك لعصيان رب العالمين: والله يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا بشيء.. فاعرف أن الخير مازال حيا نابضا في قلوب ثلّة من شباب أمتنا... والإسلام مازال بخير.
ناصر الدين.. قاهر الفرس.. من العشرة المبشرين بالجنة.. الشاب اليافع الذي اختار الله ورسوله هو: سعد بن مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة الذي يلتقي في إسمه مع النبي- صلى الله عليه وسلم -من ناحية أبيه وأمه.. سمع بدعوة الإسلام وهو في سن السابعة عشرة من عمره فاجاب وأحسن في إجابته.(11/77)
حين أسلم وجد أمه تصيح على بابها قائلة: ألا أعوان يعينوني عليه من عشيرتي أو عشيرته فأحبسه في بيت وأطبق عليه بابه حتى يموت أو يدع هذا الدين المحدث؟
فرجع من حيث جاء وقال: لا أعود إليكِ ولا أقرب منزلكِ، فهجرها حينا.. ثم أرسلتْ إليه أن يعود إلى منزله.. فرجع فمرة تلقاه بالبشر ومرة تلقاه بالشر.. وفي رواية أخرى يرى أمه ضامرة خائرة القوى من الجوع والعطش فيقول لها وكأن لسان حاله يسبقه(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق):
والله يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا بشيء.. فكلي إن شئتِ أو لا تأكلي.
فماذا فعلت أمه؟
أكلت وشربت وجعلت تدعو عليه رأت منه هذا الموقف الصلب في الحق والتمسك بإيمانه فأنزل الله على نبيه (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا... إلى قوله: وإن جاهداكَ لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعلمون)...
http://www.aw صلى الله عليه وسلم ak.com المصدر:
============
وصايا لتربية الأبناء
عبدالملك القاسم
دار القاسم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن نعم الله عز وجل لا تحصى، وعطاياه لا تعد، ومن تلك النعم العظيمة وأجلها نعمة الأبناء، قال الله تعالى: المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَوةِ الدُّنيَا [الكهف:46] ولا يَعرفُ عِظَم هذه النعمة إلا من حُرم منها، فتراه ينفق ماله ووقته في سبيل البحث عن علاج لما أصابه.
وهذه النعمة العظيمة هي أمانة ومسئولية يُسأل عنها الوالدان يوم القيامة، أحَفِظا أم ضيعا؟ وزينة الذرية لا يكتمل بهاؤها وجمالها إلا بالدين وحسن الخلق، وإلا كانت وبالاً على الوالدين في الدنيا والآخرة.
يقول الرسول : { كلكم راعٍ وكلكم مسؤل عن رعيته: فالإمام راعٍ وهو مسؤل عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤل عن رعيته } [متفق عليه].
وهذه الرعية أمانة حذر الله عز وجل من إضاعتها والتفريط في القيام بحقها، قال تعالى: إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَالجِبَالِ فَأبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإنسَنُ إِنَّه كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72]. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6].
يقول ابن القيم رحمه الله: ( فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سُدَى، فقد أساء غاية الإساءة؛ وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسُننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً ).
وإلى كل أب وأم ومرب. وقفات سريعة لعل الله أن ينفع بها:
أولاً: الأصل في تربية النشء إقامة عبودية الله عز وجل في قلوبهم وغرسها في نفوسهم وتعاهدها، ومن نعم الله علينا أن المولود يولد على دين الإسلام، دين الفطرة، فلا يحتاج إلا إلى رعاية، ومداومة العناية به، حتى لا ينحرف أو يضل.
ثانياً: الأب والأم في عبادة لله عز وجل حين التربية والإنفاق والسهر والمتابعة والتعليم، بل وحتى إدخال السرور عليهم وممازحتهم إذا احتسبوا ذلك، فالأصل تعبد الله عز وجل: وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسََ إلا لِيَعبُدُونِ [الذاريات:56].
والنفقة عليهم عبادة كما قال عليه الصلاة والسلام: { دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك } [رواه مسلم]. وقال عليه الصلاة والسلام: { إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة } [متفق عليه].
ثالثاً: لابد من الإخلاص لله عز وجل في أمر التربية، فإن أراد المربي الدنيا فقد إنثلم إخلاصه، وترى البعض يحرص على تعليم أبنائه لكي يحوزوا المناصب والشهادات، ولاشك أن الخير في تعليمهم ابتغاء ثواب الله عز وجل وما عداه فهو تابع له، ولهذا يركز من يريد الدنيا على التعليم الدنيوي المجرد من خدمة الإسلام والمسلمين، والآخر الموفق يسعى لكسب شهادة في الطب مثلاً لمداوة المسلمين ولكي نستغني عن الأطباء الكفار، فهذا له أجر وذاك ليس له أجر، والنية في هذا الأمر عظيمة وهي من أسباب صلاح الأبناء وحسن تربيتهم، فما كان لله فهو ينمو ويكبر، وما كان للدنيا فهو يقل ويضمحل. وبعض من الآباء يبر والديه لكي يراه صغاره فيعاملونه إذا كبر وشاخ بمثل ذلك. وهذا فيه حب الدنيا وحظوظ النفس، ولكن المؤمن يخلص لله في بر والديه رغبة في ما عند الله عز وجل وطاعة لأمره في بر الوالدين، لا للدنيا والمعاملة بالمثل.
رابعاً: عليك باستصحاب النية في جميع أمورك التربوية حتى تُؤجَر. الزم النية في تعليمهم وفي النفقة عليهم، وفي ممازحتهم وملاعبتهم وإدخال السرور عليهم وعوَّد نفسك على ذلك.
خامساً: الدعاء هو العبادة، وقد دعا الأنبياء والمرسلون لأبنائهم وزوجاتهم رَبَّنَا هَبّ لَنَا مِنّ أزوَاجِنَا وَذُرِيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ [الفرقان:74]، وَإذّ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِ اجْعَلّ هَذَا البَلَدَ ءَامِنًا وَاجنُبنِي وَبَنَيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصنَامَ [إبراهيم:35] وغيرها في القرآن كثير. وكم من دعوة اهتدى بسببها ضال، وكم من دعوة اختصرت مسافات التربية. وتحرَّ أوقات الإجابة وابتعد عن موانعها، وتضرع إلى الله عز وجل وانكسر بين يديه أن يهدي ذريتك وأن يجنبها الشيطان، فأنت ضعيف بجهدك قليل بعملك.(11/78)
سادساً: عليك بالمال الحلال وتجنب الشبه، ولا تقع في الحرام، فإنه صح عن النبي أنه قال: { كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به } ولا يظن الأب أو الأم أن الحرام في الربا والسرقة والرشوة فحسب، بل حتى في إضاعة وقت العمل وإدخال مال حرام دون مقابل.. فكثير من الموظفين والمدرسين يتهاونون في أعمالهم ويتأخرون عن مواعيد عملهم بضع دقائق.. لوجمعت إذا بها ساعات تضيع في الحديث مع الزملاء وقراءة المجلات والجرائد والمكالمات الهاتفية. وهذه الأموال التي يأخذها مقابل هذه الأوقات سحت، لأنها أخذ مال بدون وجه حق.
وكذلك أكل أموال الناس بالباطل وهضم حقوقهم، فاحذر أخي المسلم أن يدخل جوفك وجوف ذريتك مالٌ حرام. وتحرَّ الحلال على قلتة فإن فيه بركه عظيمة.
سابعاً: القدوة الحسنة من ضروريات التربية، فكيف يحرص ابنك على الصلاة وهو يراك تضيَّعها، وكيف يبتعد عن الأغاني والمجون وهو يرى والدته ملازمة لسماعها ! ثم في صلاحك حفظ لهم في حياتك وبعد مماتك. وتأمل في قول الله تعالى: أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ [الكهف:82] فصلاح الأب هذا عمَّ أبناءه بعد موته بسنوات. وليكن لك أجر غرس الإسلام في نفس طفلك وحرصه على أداء شعائره فإن { من سن في الإسلام سنة حسنة فلة أجرها وأجر من عمل بها من بعده.. } الحديث.
ثامناً: وجَّه بعضاً من حرصك على أمور الدنيا ومعرفتها وكشف دقائقها إلى معرفة أفضل السبل في أمر التربية، واستشر من ترى فيه الصلاح، وابحث عن الأشرطة والكتب التي تتحدث عن التربية الإسلامية للطفل المسلم. ولا يكن شراء سيارة أو جهاز كهربائي أهم من تربية ابنك. فأنت تسأل عن السيارة والجهاز كل من تراه ! ثم تُهمل ابنك ولا تتلمَّس الطريق السوي لتربيته ! !
تاسعاً: الصبر.. غفل عنه البعض وهو من أهم عوامل نجاح التربية. فعليك به واصبر على صراخ الصغير ولا تغضب، واصبر على مرضه واحتسب، واصبر على توجيهه ولا تملَّ. واصبر على مسافات بعيدة لتذهب بابنك لمدرسة ناجحة وفيها المدرسون الأكفاء. واصبر على أن تنتظر ابنك ليخرج معك للصلاة، واصبر على أن تجلس بعد العصر في المسجد ليحفظ معك ابنك. وأبشر فإنك في طريق جهاد: وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهّدِيَنّهُمّ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] وأنت مأمور بالتربية أما الهداية فهي من الله عز وجل، فابذل السبب واصبر، وسترى من الخير ما يُسرك ويؤانس طريقك.
عاشراً: الصلاة، الصلاة، فهي الفريضة العظيمة والركيزة الثانية من فرائض الإسلام بعد الشهادتين، فاحرص عليها وليشعر ابنك بأهميتها وعظم قدرها. وهي يسيرة على من يسرها الله عليه. والتزم الأدب النبوي في تربية الأطفال فقد قال عليه الصلاة والسلام كما روى ذلك الإمام أحمد: { مروا أبنائكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر }. ومن طبق هذا الحديث فإنه لا يرى مشقة ولا تعباً في أمر الصلاة، فإن الصغير في ما بين السابعة والعاشرة من عمره يفرح بالخروج للمسجد، وتأمل في هذه الفترة التي يتخللها أكثر من 5000 مرة تناديه للصلاة ويخرج فرحاً بذلك كعادة الصغار.. هل يا ترى إذا بلغ العاشرة وقد صلى 5000 صلاة يتركها؟!
ولاتكن أيها الأب المبارك مثل جهلة بعض الآباء، الذي يرحم ابنه من برد الشتاء ولا يوقظه للصلاة، بل كن من العقلاء وارحمه من نار جهنم والعياذ بالله، وأطع أمر الله ورسوله واصبر على إيقاظه وتشجيعه وتحبيب الصلاة إليه حتى تبرأ ذمتك يوم القيامة. وليهنك حفظ الله عز وجل لصغارك طوال يومهم فقد قال : { من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله } [رواه ابن ماجه]. واستشعر أن صغيرك في ذمة الله طوال ذلك اليوم.
قال ابن تيمية: ( ومن كان عنده صغير مملوك أو يتيم أو ولد فلم يأمره بالصلاة، فإنه يُعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير، ويعزّر الكبير على ذلك تعزيراً بليغاً لأنه عصى الله ورسوله ).
الحادي عشر: لابد من مراعاة المَلَكات الخاصة والفوارق الفردية بين الأطفال، والعدل معهم في المعاملة، وبعض الآباء يهمل مَلَكات عظيمة لدى صغيرة تضيع سدى. فتجد بعض الصغار يحفظ الأناشيد والدعايات وغيرها مما لا فائدة ولا يحفظ كتاب الله عز وجل ولا يُوجّه لذلك. ولو تأملت في حياة علماء الأمة لوجدت الكثير يملكون مثل إمكاناتهم وقوة حفظهم ولكنهم وجهوا هذه الثروة إلى غير فائدة، فهذا عالم الأمة ومفتي الديار وذاك يحفظ الشعر والقصص.
الثاني عشر: اغرس في نفوس صغارك تعظيم الله عز وجل ومحبته وتوحيده، ونبههم على الأخطاء العقدية التي تراها، وحذرهم من الوقوع فيها؛ فإن ذلك تحصين لهم، واحرص على أن تعودهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتشجعهم عليه فإن ذلك من دواعي ثباتهم على هذا الدين ولما في ذلك من الوجوب والأجر العظيم.
الثالث عشر: احرص على كتم الغضب والانفعال وتعوذ من الشيطان إذا داهمك، ولقد جعل الإسلام للعقوبة حداً. فجعل ضرب الطفل لا يتجاوز العشر ضربات، وأن يضرب بمسواك أو عصا صغيرة، ويتجنب الوجه والعورة، واحرص على التسميه عليه حال الضرب، ولا تضرب وأنت غضبان هائج، وإن استبدلت الضرب بالتشجيع أوالحرمان فهو خير لك ولابنك.(11/79)
الرابع عشر: نحن في زمن انتشرت فيه الفتن من كل جانب، فكن كمن هو قائم يذبُّ عن صغاره السهام ويحوطهم من الأذى واحرص على ذلك أشد الحرص، وليكن لك حسن توجيه في اختيار رفيقهم وجليسهم فإن الصاحب ساحب والرسول يقول: { الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل } [رواه أحمد]. واحذر أن تصحبهم إلى محلات ضياع الأوقات وإلى ما فيه منكرات. وكن لهم الأب والصاحب والصديق. واغرس في نفوس أبنائك الرجولة وفي بناتك الحياء والعفة وذلك عبر اللباس والتوجيه والمحاكاة ولا تتساهل في خروجهن من المنزل إلا برفقتك أو برفقة والدتهن.. ولا تظن أن من دواعي التحضر أن تلقي تعاليم الإسلام جانباً.. واحذر أن يخرج من صلبك من يحارب الله عز وجل قولاً وفعلاً !!
الخامس عشر: وقتك طويل ولديك ساعات كثيرة بعد نهاية عملك فما نصيب أبنائك منها؟ فإن كنت مفرطاً في حقهم فتدارك ما فات واجعل لهم النصيب الأكبر، وإن كنت ممن حفظ هذا الوقت وجعله لهم فهنيئاً لك، ولا تغفل أن يكون بيتك ومملكتك الصغيرة واحة إيمانية تقرأ عليهم فيها من سيرة الرسول وتجعل فيها المسابقات الثقافية والإسلامية والعلمية. واجعل لمن حفظ القران جوائز قيمة. واحرص على تلمُّس سيرة الرسول وحسن تعامله وتواضعه وممازحته للصغار.
رزقنا الله وإياكم الذرية الصالحة، وأقرَّ أعيننا بصلاحهم وفلاحهم، وجمعنا وإياهم ووالدينا في جنات عدن، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
==============
خطبة " صمام الأمان ( 3 ) "
د. علي بن عمر بادحدح
الخطبة الأولى:
أما بعد معاشر المؤمنين..
حديثنا موصول عن صمام الأمان، الذي تطمئن به وبإقامته النفوس والقلوب، وتصلح الأفعال والأحوال، ويستقيم أمر الأفراد والجماعات، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
وقد سلف لنا حديث عن أهميته وخطورته، وثنيّنا بحديث يخصنا في التأهل له والتهيؤ واتخاذ الأسباب لإقامته، واليوم دعوة للجميع لا يستثنى منها أحد، التحق بالقافلة، كن في ركب الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، قال الكيلاني - رحمه الله - في هذا المعنى:
"كان هو - يعني الرسول - صلى الله عليه وسلم - الداعي والدليل إلى رضوان الله - عز وجل -، ولما اختاره الحق - عز وجل - أقام له من أمته من يخلفهم فيهم، وهم آحاد أفراد من كل ألف ألف واحد يدلون الخلق ويصبرون على أذاهم مع دوام النصح لهم ".
فكن في هذه القافلة السائرة على خطى محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكن في هذا الركب المتتبع لآثار هدي المصطفى - عليه الصلاة والسلام -.
وأصيح بنفسي وبكم إلى العمل قبل فوات الأوان، وقبل اتساع الخرق على الراقع، وقبل انفراط العقد وعدم إمكان التسديد، فكلنا يدرك الصور كثيرة التي تنذر بمخاطر عظيمة، لا أقول كثرة المنكرات، فكلكم يعلم كثرتها ويرى انتشارها ويعرف تكررها.. بل أزيد فوق ذلك، قلة المنكرين، فلا تكاد تسمع لسانا بالحق ناطقا، ولا قلما بالإنكار كاتبا إلا ما رحم الله، ويزداد الأمر خطورة إذا رأينا إعلان المنكرات، فإنها ليست منتشرة ومستترة، بل في كثير منها ظاهرة نراها على القنوات ونسمعها في الإذاعات، ونبصرها على صفحات الصحف والمجلات، ونسمعها في الجلسات والمنتديات، ونزيد في هذه الخطورة زيادة وهي تهوين المنكرات؛ فإن قلت كيف هذه الصور للنساء حاسرات الرؤوس مزينات الوجوه، قيل وهل لا زالت ترى في هذا خطرا الأمر أعظم، ومثل هذا صار أمرا مألوفا أو صار أمرا لا ينكر عليه، أو صار أمرا فيه وما فيه، هل ترى مذيعة الأخبار وهي متزينة هل في ذلك من شيء، لم لا زالت عقولكم محدودة؟ أصبح المنكر الذي لا شك مطلقا في حرمته ولا خلاف بين أهل العلم بين مجيز ومحرم أو غير ذلك، أصبح هينا سهلا يستغرب من إنكاره ويتعجب ممن يتعجب من وجوده ووروده.
ثم ننتقل إلى خطوة أعظم وأخطر وهي: تسويغ المنكرات، وإضفاء الشرعية عليها؛ سواء كانت شرعية شرعية، أي من مدخل الاختلاف الذي يزعمونه ويوسعونه ويجعلون ما ليس مختلفاً فيه داخل في دائرة الاختلاف، حتى صار المرء يبحث عن أمر محرم لا شك في حرمته، ولربما يأتينا من يقول غداً وهل في الخمر من حرمة مقطوع بها فيها أقوال وفيها اجتهادات، وربما كما سمعنا من قبل، يأتي ذلك على الربا، ثم يأتي على الطوام الكبرى والكبائر العظمى - والعياذ بالله - بل قد بلغ الأمر إلى أمور أخطر تمس الاعتقاد وجوهر التوحيد وقيل فيه أقوال وفيه أراء وفيه غير ذلك.
وتسويغ آخر، هو التسويغ العالمي الأممي العولمي؛ فنحن جزء من العالم، ما حدث في العالم ويحدث فيه لا بد أن يحدث عندنا مثله، فإذا رقص العالم يجب أن نرقص وإذا تعرى العالم يجب أن نتعرى حتى لا نكون شذوذا في هذا العالم، وهذه من الفرية والفرى العظيمة، حتى يتجدد عندنا القول القرآني الرباني، الذي وصف لنا حالة مشابهة في مجتمع فشا فيه منكر عظيم في عهد لوط - عليه السلام - وفي قومه حتى قالوا للنفر القلة المتبعين للوط - عليه السلام -: {أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}..(11/80)
لم يعد للأطهار مكان، ينبغي أن يتدنسوا وأن يتلطخوا بأوحال المعاصي والآثام ليستجيبوا لدعوات العالمية والعولمة كما يزعمون، أو تلبيس وتسويغ آخر، برؤى الانفتاح، ورؤى استيعاب الناس وتأليف قلوبهم، ولست أدري كيف يسوغ التأليف بما هو محرم مقطوع بحرمته، وقد رأينا وسمعنا الكثير من ذلك، ولست أعيد القول لكنني أقول وقد صارت الأمور متجاوزة: كثرت المنكرات وقد مرت بقلة المنكرين، ثم صارت في إعلانها ثم مرت بتهوينها ثم انتهت إلى تسويغها، فمتى إذاً يستيقظ النائمون؟ ومتى يتنبه الغافلون؟ ومتى يتحرك الغيورون؟ ومتى ومتى ومتى مما تعلمون.. ومما نريد اليوم أن نبسط القول فيه.
لا بد أن يتحرك الناس من أهل الإيمان والإسلام والغيرة؛ وإلا فإنهم يحكمون على إيمانهم بالضعف والهزال، وعلى غيرتهم بالذبول والزوال، وعلى حميتهم بالانتقاص والانتقاض، وكأنهم لم يعودوا يمثلون إسلامهم ولا يحيون إيمانهم، ولا يجددون انتصارهم، ونصرتهم واتباعهم لرسولهم - صلى الله عليه وسلم -، ولا يحيون ولا يجددون سير أسلافهم، وتاريخهم المشرق الوضيء، ولذا فأقول الحق بالقافلة، سر مع السائرين.
وهذه ومضات أبثها وأجعلها خطوات على الطريق، وقد أسلفت القول منذ بداية حديثنا أننا سنواصل القول لننتقل من القول إلى العمل، ومن التنظير إلى التفعيل ومن مجرد السماع والانفعال إلى التأثر والفعل، عوامل القوة والنجاح، إذا سرنا في هذا الركب وإذا أخذنا هذه المهمة فكل شيء يعيننا بإذن الله.
أولا: قوة الشرع الحاكمة، أنت ناطق بكتاب الله لا تحرم من عند نفسك، أنت واعظ بكلمات الله لا تؤثر بأقوالك، أنت مجدد لغضبة وحمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تفتعل شيئا من عندك، فقد كان - عليه الصلاة والسلام - إذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه قائمة، كان يرى في وجهه التغير والاحمرار والغضب، إذا رأى المنكر وإذا رأى الفساد والانحراف.
لما كان بعض أصحابه يوما في مجلس فاختلفوا في القرآن حتى عظم خلافهم، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكأنما فقئ في وجهه حب الرمان أي من شدة احمراره وغضبه، قال: (لا تختلفوا على كتاب ربكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه) أي لا تجعلوا ما هو سبب الائتلاف سببا للاختلاف، وهذا في أمر من الأمور فكيف بما هو أعظم من ذلك.
ثم معكم كذلك قوة الأنظمة المانعة، كل أنظمة هذه البلاد المنصوص عليها في الإعلام في التعليم في التجارة كلها مع الإسلام وباسم الإسلام، كلها تقول وتنص أن ما يخالف الإسلام يعد مخالفا للنظام، فلماذا نفتقد الجرأة ومعنا شرع الله ومعنا نظام البلاد ونص نظامها، والقائمون بالمنكرات مخالفون لأنظمتها، الناشرون لهذه الصور في صحفنا ووسائل إعلامنا مخالفون للنصوص المنصوص عليها في السياسة الإعلامية وأنظمة الإعلام، كيف يكون المخالف جريئاً، وكيف يكون المطالب بالنظام خائفا أو متردداً.
وممعنا كذلك قوة القيادة المؤكدة، هذه البلاد قامت على تحالف وتآزر وتعاضد بين الدعوة والدولة، منذ الإمام محمد بن سعود ومن كان معه الإمام محمد بن عبد الوهاب، ذاك رافع لراية الدين، وهذا مسدد ومعين وموافق ومؤيد بسلاح وقوة الدولة، ومازال ذلك سارياً إن شئت أن تعارض المنكرين الواقعين في المنكر بأقوال الملك عبد العزيز وجدت له في الاختلاط وفي الإنكار على السفور ما أنت حري بأن تقوله، إلى يوم الناس هذا وقائد بلادها وهم يؤكدون أننا نلتزم العقيدة الإسلامية، وأننا نطبق الشريعة الإسلامية، وأن سر كل ما هو عندنا من الخير إنما مردّه إلى ذلك، فلِمَ لا نقول إن هذه المنكرات تخالف قولكم! ولِمَ لا نقول هذه الأقوال لمن يخالفون لنقول إنكم أنتم الذين تخالفون ولاة الأمر وتخالفون توجههم ونظام الدولة؛ فضلاً عن مخالفة شرع الله - عز وجل -.
ومعنا كذلك قوة المرجعية المؤيدة، أهل العلم وكبار العلماء والمفتي وهيئة كبار العلماء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. كل أولئك من أهل العلم مؤيدون لكل مسيرة إصلاح ولكل راية ترفع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفق الأسس والضوابط الشرعية فلم لا نكاتبهم ونخاطبهم ولم لا نطلب أن تتحرك كل قوى الأمة في هذا الاتجاه.
أنتقل بعد هذا أيضا إلى صورة الخطوات العملية، وأبدأها بالخطوات مع الفاعلين للمنكر، لم نتركهم للشيطان يستولي عليهم، لم نتركهم لضعف أنفسهم يدنو بهم ويسهل بهم، لم نتركهم لأهوائهم تلعب بهم وتأخذ بهم يمنة ويسرة، لم لا نناصحهم مناصحة شفهية مباشرة لمن نعرف بالحكمة بالموعظة الحسنة بالسر المناسب لحال كل واحد، لو فعلنا ذلك لو أن كل مرتكب لمنكر في حيه وجد خمسة أو عشرة من الناس كلهم يقول له: اتق الله إن هذا فيه حرام.. إن هذا يضرك في دنياك.. إن هذا سيكون له عقوبة ووبال في أخراك.. هل ترونه لا يرتدع؟!
{وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}
{فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى}(11/81)
قلوب مؤمنة فيها حياة وفيها روح، قد يكون ران عليها أثر المعصية، قد يكون استولت عليها الشهوات لكنها ما زالت فيها جذوة الإيمان وبذرة اليقين وحب الخير والصلاح، تتذكر وتتعظ، إن لم تكن قادرا على ذلك وحدك، فاصطحب معك واحداً من الجيران أو من الإخوان أو من المعارف، قم بهذه المهمة وحدك أو مع غيرك، قوموا بها أفرادا تتعاقبون يأتيه هذا اليوم وغدا يأتيه ذاك، وبعد غد يأتيه ثالث حتى يشعر بأن الجميع ينصحونه ويردعونه، وكذلك ممكن أن يكون ذلك في مجموعات متوالية، ثلاثة يزورونه وأربعة يمرون به وخمسة يقابلونه حتى يشعر أن كل من حوله يريدون له الخير ويحبون له أن يعزل عن هذا الطريق الذي يعرضه لسخط الله - سبحانه وتعالى -.
ومن ذلك المكاتبة المباشرة حتى لمن لا تعرف، هل رأيت كاتباً كتب يوماً مقالاً فيه انحراف، وفيه خطر، وفيه دعوة إلى فساد، عنوانه مكتوب.. اكتب له وإن كنت لا تعرفه ولا يعرفك، انطق بالحق فلو أن كل واحدٍ صنع ذلك منا لجاء لهذا الكاتب عشرات بل مئات بل ربما آلاف الرسائل تقول له إنك أخطأت، ربما يرجع، بل نأمل كذلك بنسبة كبيرة أن يغير رأيه أو أن يتوازن أو أن لا يستمر في ذلك أو أن يخشى عاقبة أخراه أو أن يستحي أن يكون شاذا بين الناس، لكنه إن كتب وجد من يؤيده وثاني يكتب مثله ولا أحد يكتب ولا أحد يعترض؛ فإن مثل هذا لا شك أنه من السلبية والتخلي عن المهمة العظيمة التي بتركها يقع الفساد والشر {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} وفي تتمة الآيات {إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير}.
إن لم يكن ولاء على الطاعة وتبادل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في داخل الأمة تفكك بنيانها وتصدعت قوتها، وأصبحت مهددة بأن يدوس الأعداء في خلال ديارها، وأن يتسربوا وينتشروا في أوصالها، وأن يشيعوا الفساد فكرا منحرفا وسلوكا منحرفا في أبناء أمتها.
وهذه صورٌ مهمة.. اكتب لرئيس التحرير، اكتب للكاتب، اكتب لمدير تلك القناة، اكتب ولو كنت تظن أنه لن تكون هناك استجابة، لو أن كل كاتب كتب دون النظر إلى الاستجابة لوصلت الكتابات - كما قلت - إلى الآلاف بل عشرات الآلاف، كم أعدادنا في كل مجتمع خير، كم الذين يملئون المساجد هل يأتون المساجد ليسمعوا ثم يخرجوا دون أن تكون لهم مهمة تجاه دينهم ولا غيرة على حرمات ربهم، ولا انتصار لسنة رسولهم - صلى الله عليه وسلم -، إذا فهذه الصورة القبيحة التي ذكرت لكم عنها من كلام ابن القيم - رحمه الله -.
الخطوات مع المؤثرين:
فلنكتب ولنصل بأنفسنا كذلك إلى المسئولين من أكبر مسئول في الدولة خادم الحرمين، يقول انصحوني، ويقول قدموا لي ما تريدون ويعلن ذلك.. فلِمَ لا نصنع لم لا نكتب لم لا نصل بقدر مستطاعنا وبقدر من يستطيع منا، لِمَ لا نكتب إلى علماءنا وإلى المفتي وإلى الهيئات وإلى كل ذوي الرأي! لِمَ لا نكتب إلى أمراء المناطق ومسئولي وأمراء المحافظات! لِمَ لا نكتب لمسئولي الدائرة التي نعرف أن فيها مخالفة أو منكراً! لو كل ذلك صنعناه فهل يعيبنا ذلك أو هل نكون مخالفين لشيء؟ كلا! قلنا كلمة حق بأسلوب مهذب و نصيحة محكمة مطعمة ومطرزة ومنوّرة بآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقوال من أقوال قادة هذه البلاد ونصوص من الأنظمة المنصوص عليها في هذه البلاد، إذاً أقمنا الحجة ودعونا إلى خير لعله أن يكون فيه كثير وكثير من الخير.
الكتابة للقضاة وللوجهاء أيضاً من التجار وأصحاب السمعة والسيرة الحسنة في الناس؛ فإن الناس ربما يسمعون لقولهم أكثر مما يسمعون لقولي وقولك، وربما لو تكلم الوجيه مع المسئول عندما نصل إلى ذلك الوجيه ونخبره عن أثر المنكرات، يكون الأمر فيه خير وتأثير ولو أن كل واحد وكل مجموعة في حي فعلت ذلك لكان من وراء ذلك خير كثير، ولجددنا سير أسلافنا؛ فقد كانوا ينتدبون لهذه المهمة ويحرك بعضهم بعضا فيها، ليس في عصور متأخرة بل من العصور المتقدمة فهذا هشام بن حكيم - رضي الله عنه - وأرضاه كان يأمر بالمعروف في رجال معه يصطحبهم يأخذهم معه، يسيرون متعاضدين حتى يروا الناس أن للخير من يأمر به، وأن للمنكر من ينهى عنه، وأن في المجتمع وفي الأمة أحرار أغيار لا يرضون أن ينتكس حال أمتنا وأن تتأخر من بعد التقدم وأن ترجع إلى المعاصي بعد أن سبقت إلى الطاعات وأن نؤكد ونستيقن أنه لن يصلح حال أمتنا إلا بما صلح به حال أولها، استقامة لا يعتريه انحراف (قل آمنت بالله ثم استقم)
وأمر بمعروف ونهي عن المنكر يتدارك كل خطأ وكل غفلة ونسيان.
وهذا المحدث الزاهد عبد الرحيم البغدادي في بغداد في زمانه كان مما ذكره الذهبي عنه أنه قال وله أتباع وأصحاب يتولون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكر ابن الجوزي عن ابن عقيل قوله رأينا في زماننا أبابكر الأقفالي في أيام القائم - أي في أيام حكم الخليفة القائم بأمر الله- قال: "كان إذا نهض لإنكار المنكر استتبع معه مشايخ لا يأكلون إلا من صنعة أيديهم" أي ليكونوا أحرارا في قول الحق.
ثم ماذا؟ ثم يقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء كان بالقول أو بالكتابة بالأسلوب المناسب وتاريخنا مليء بذلك، فهذا الحسن البصري - رحمه الله - يكتب إلى عمر بن عبد العزيز الخليفة المؤمن الزاهد العادل فيذكره في رسالة طويلة:(11/82)
"يا أمير المؤمنين إن الأمير العادل أب شفيق.. يا أمير المؤمنين إن الأمير العادل كذا وكذا "، ثم يختم له فيقول: "وأذكرك يا أمير المؤمنين إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور، فالأسرار ظاهرة والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فالآن يا أمير المؤمنين وأنت في مهل قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل، لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين ولا تسلك بهم سبيل الظالمين ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين؛ فإنهم لا يرقبون فيهم إلاً ولا ذمة فتبوء بأوزارك وأوزارا مع أوزارك وتحمل أثقالك وأثقالا مع أثقالك، ولا تنظر إلى قدرتك اليوم ولكن انظر إلى قدرتك غدا وأنت مأسور في حبائل الموت وموقوف بين يدي الله، في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين وقد عنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما".
لو أن كل حاكم من حكامنا وجد من يكتب له ذلك، أفلا يكون في هذا تأثيراً في قلبه ونفسه؟ أفلا يكون له زجر عن المنكر إن كان واقعا في حكمه أو بأمره أو بمعرفته؟ أفلا يكون على أقل تقدير مانعا له من الزيادة فيما قد يكون في هذه المنكرات.. لِمَ لا نأخذ الخطوات العملية في هذا الجانب كذلك؟!
وأنتقل إلى الخطوات الإعلامية وما أدراك ما الإعلام يوم يكون وسيلة إفساد ويوم يكون وسيلة إصلاح، إن كلمتي هذه تسمعونها أنتم، لكنها يوم تكتب في صحيفة قد يقرؤها أضعاف أضعافكم، ولو أنها كانت مبثوثة في قناة لسمعها أضعاف الأضعاف، وكذلكم تكرر وتعاد ويزاد معناها ويأتي مثلها، فكلما كانت الرسالة متكررة وبصور متنوعة أصبح تأثيرها عظيما.
وهذا الذي نراه في التأثير الإفسادي، هذا الذي رأينا أثره في شبابنا الذين اجترءوا اليوم أن يروا امرأة تركب سيارة فيفتحونها وسط الطريق العام ويخرجون منها المرأة ويأخذونها على مرأى من الناس، من يصدق أن مثل هذا قد حدث وكتب في الصحف في بلادنا هذه، إنها الخطوات التي تبدأ قليلاً ثم تعظم حتى تصبح سيلا جارفا، كما قال القائل: "ومعظم النار من مستصغر الشرر" ونعلم جميعا أن أول الغيث قطر ثم ينهمر.
هذه الخطوات الإعلامية نبدأها بالكتابة الصحفية كل من له قدرة أن يكتب ليس لمجرد الرد على من أخطأ بل أن يكتب في أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن يكتب في خطورة المنكرات، أن يكتب أن كل منكر يشيع فهو سبب في الإخلال بالأمن، سواء ما نرى من كثرة الجرائم أو انتشار المخدرات أو غير ذلك من الأمور مبعثها ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع، لأن الأمن ورجاله لا يستطيعون أن يقفوا فوق رأس كل واحد أو يكون عند كل بيت دورية من الشرطة ما لم يكن زاجر ورادع في قلب الإنسان بتربيته الإيمانية الإسلامية وما لم يكن مذكر وواعظ بإحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأحياء وأن يكون في كل حي مجموعة تقوم بذلك، فإن كثيرا من هذا يضيع أثره.
ونحن نعلم اليوم كثرة هذه الجرائم، والعالم اليوم منذ عدة سنوات وعندنا ينادي بما يسمى الشرطة المجتمعية، أن يكون المجتمع في كل ناحية منه شرطة، أي تقوم بالتنبه للأخطار ومراقبة الانحرافات والتبليغ عنها أو النهي عنها أو معالجتها، وذلك أمر مهم ومطلوب، إن لم تستطع فكاتب أو اكتب إلى بعض الكتاب الخيرين الصالحين الذين ترى كتاباتهم، بلغهم عن خطورة المنكرات، اذكر لهم بعض ما ترى فسوف يعالجون ذلك بأقلامهم، وسوف يكتبون ما لعله يكون أجرك فيه أعظم من أجرهم، ويكون الأثر له من بعد خيرا عاما بإذنه - عز وجل -.
كاتب مقدمي البرامج الذين يقدمون برامج نبههم إلى القضايا التي يثيرونها، اجعله بكتابتك يجعل حلقة عن السفور والتبرج وأخطاره، وحلقة عن انحرافات الشباب المراهقين وأسبابها، وحلقة عن التقليد والتبعية التي يسير فيها الشباب والشابات وراء أجيال ووراء مجتمعات غير مسلمة ولا ملتزمة ولا تمت لنا بصلة، لعلنا إن فعلنا ذلك وجهنا على أقل تقدير بعض الإعلاميين ليكونوا أدوات في التنبيه على الأخطار والدعوة على الإصلاح.
التواصل مع مراكز الدعوة والإرشاد في كل حي مندوبية لهذه الدعوة لم لا نصل إليها لم لا نأخذ منهم ما لديهم من المطبوعات فنوزعها، لم لا نخبرهم ببعض المنكرات ونطلب منهم أن يعقدوا فيها الندوات والمحاضرات أو أن يحرروا فيها تلك المطويات ونعمل على نشرها فإن ذلك أيضا فيه خير كثير.
مراكز الأحياء الآن في هذه المدينة والمحافظة في كل حي يبدأ الآن إنشاء مركزاً يسمى مركز الأحياء، لتقديم الأنشطة الاجتماعية وتوعية الشباب.. لِمَ لا نكون من خلالها ندق نواقيس الخطر ونحذر من هذه المنكرات.. لِمَ لا نجعل ما يسمى بالديوانيات في كل حي عند بعض وجهاء حي، عندما يجتمع الناس على حديث وأنس وطعام وشراب أن يجعلوا هذه الموضوعات مثارة في هذه المنتديات ليتنبه الغافلون، بعضكم معاشر الآباء هنا لا تعرفون ما يصنعه أبناءكم، لا تعرفون أمورا لم تتعاملوا معها، في الانترنت والفضائيات وغيرها، هؤلاء الأبناء يعرفون ويتأثرون وأنتم لا تعلمون أنهم مخالفون، ربما تسمعون وتدركون ما تحتاجون به أن تنظروا إلى بيوتكم وأسركم، وأن تتفقدوا أحوال أبناءكم وبناتكم، وأن تحرصوا على أن تؤدوا واجبكم ودوركم في داخل بيوتكم، وهكذا.. كثيرة هي الوسائل.
الجمعيات الخيرية جمعية البر التي تؤوي اللقطاء من الأبناء الذين خرجوا أو نتجوا عن هذا الانحراف، هي تعاني ويمكن أن تعطينا معلومات ويمكن أن نتعاون معها في حملة نمنع بها مثل هذه المنكرات، والأمر يطول والحديث يعظم والوسائل تكثر والخطوات لا منتهى لها ولكن ندائي الذي أكرره الحق بالقافلة قبل أن يفوت الأوان.(11/83)
نسأل الله - عز وجل - أن يحفظ علينا إيماننا وإسلامنا وأخلاقنا، وأن يقيم في مجتمعاتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن يجعلنا في هذا السبيل من العاملين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد معاشر الأخوة المؤمنون:
وإن من أعظم التقوى الغيرة لحرمات الله والانتصار لدين الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن الخطوات كذلك الخطوات الاجتماعية التي يتواصل فيها الناس مع الوجهاء ومع ذوي الكلمة المسموعة في كل حي وفي تلك الديوانيات كما قلنا، وفي العمل على التواصي مع الأئمة والخطباء، زر إمام مسجدك وحيك قل له اخطب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حدثه عن بعض ما يجري حتى يكون اللسان الناطق بذلك كثيرا.
ولنأخذ كذلك سمة في كل حي إذا كان فيه مكان يمارس فيه شيء من المنكر ننصحه ونعظه؛ فإن لم يتعظ فلنقاطعه، فلنقاطعه شراء ولنقاطعه زيارة، ولنشعره بأننا سنكون كذلك من الذين يبلغون عنه الجهات المسئولة عن مخالفته الجهات النظامية والشرعية قبل ذلك، لو فعلنا ذلك في ضوء الضوابط التي قلناها وأذكر بها أن يكون لنا معرفة شرعية بالمنكر، وأنه منكر محرم ولا نرجم بالقول من عند أنفسنا، وأن نفرق كذلك بين دائرة المنكر الذي لا خلاف في إنكاره وحرمته وبين ما هو دائر في الاجتهاد بين اجتهاد معتبر عند العلماء ثم الانضباط في الوسائل بالحدود المشروعة، فلا عنف ولا عدوان ولا تسلط ولا شيء من ذلك، ثم أيضا بالعمل على الاستعانة بأهل العلم والدعوة بأن يكتبوا في هذه الأمور ويوضحوا لنا المعالم لنقوم بدورنا ونؤدي واجبنا.
ولعلي - وأنا أقول هذه الخطوات - أجعل لكم أمرا فيما بينكم وبين أنفسكم، قد يزعجكم قليلاً، وقد يحرجكم قليلاً، لكنني أحسب أنه سينفعنا جميعاً، ليكن لنا نوع من العزم والحزم مع أنفسنا ألا تأتي الجمعة القادمة إلا وقد قام كل واحد منا بخطوة من هذه الخطوات، ذهب فنصح، أو كتب فوعظ أو جمع الناس وطلب، أو أي أمر من هذه الأمور، لو أنك فعلت ثم بلغت غيرك ليفعل، اجعل لنفسك وعلى نفسك أن لا يمر بك هذا الأسبوع إلا وقد قمت بخطوة عملية مباشرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، انتصارا لدين الله واتباعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وغيرة على هذا الدين وعلى هذه البلاد التي تضم الحرمين الشريفين ولنكن كما قلنا متسلحين بسلاح الشرع ونظام البلاد وكلام قادتها ونصوص أنظمتها، وأقوال علماءها، فكل ذلك مبذول وميسور والحجة قائمة.
نسأل الله - عز وجل - أن يعيننا على أن نبرئ ذمتنا، وأن نؤدي واجبنا، وأن لا نكون من الشياطين الخرس الذين لا ينطقون بالحق إذا عرفوه ولا ينكرون المنكر إذا رأوه.
26-04-2006
http://islameiat.com المصدر:
===========
العمل الفردي سيبقى مُلِحاً
فيصل بن علي البعداني
العمل الخيري (المؤسسي) أحد ركائز قوة الأمة التي حفلت النصوص الكريمة آمرة به وحاثة عليه. قال ـ - تعالى -ـ: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]، وقال ـ - سبحانه - ـ: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً» ثم شبك بين أصابعه(1)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «يد الله مع الجماعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يرتكض»(2)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «عليك بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب القاصية»(3).
ولا غرو؛ فالعمل المؤسسي يستثمر الجهود ويوحدها، وهو أكثر ثباتاً ونضجاً واستقراراً وقابلية للنجاح، ولا نزاع حول أهميته وأولويته، بل الظن أن عامة شباب صحوتنا المباركة قد تجاوزوا هذا الجانب منذ مدة ليست بالقصيرة.
غير أن الذي يسترعي النظر والدراسة هو مدى كفاءة المؤسسات القائمة وقدرتها على استيعاب الطاقات الكثيرة والناضجة من الدعاة إلى الله تعالى؛ إذ مِنَ المُشاهَدِ محدوديةُ عدد المؤسسات القائمة مقارنةً باحتياج الواقع الفعلي، وبالأعداد الكثيفة من شباب الصحوة ـ ذكوراً وإناثاً ـ ممن يمكن توجيههم وتوجههم لإسقاط كثير من الواجبات الكفائية الملقاة على كاهل الأمة، فضلاً عن عامة الأمة ذوي الطاقات المجهولة والمخبوءة، والتي لا تقل أهميةً عن ما يقوم به الدعاة إلى الله - تعالى -في خدمة الأمة وتفعيل البرامج النافعة داخلها.
أضف إلى ذلك أن كثيراً من المؤسسات القائمة تعاني من أمراض مزمنة، بل إن كثيراً منها لا يكاد يخرج عن كونه جهداً فردياً يفتقد روح العمل المؤسسي، وإن كان لا يفتر دوماً عن التزين بارتداء كثير من الأثواب والحلي المؤسسية.
وأمام هذا الواقع الصعب فإن من أعظم أولويات العمل الدعوي المبادرة إلى الارتقاء بالمؤسسات القائمة وإنشاء الكثير الكثير منها.
ولا شك أن ذلك لن يتحقق بين عشية وضحاها، بل ـ على افتراض الإحساس بالمشكلة وامتلاك الرغبة والقدرات البشرية والمادية اللازمة ـ سيحتاج ذلك إلى أُطُر زمنية كافية، وهي مسؤولية ضخمة يقع واجب تحقيقها على كاهل كل قادر من أبناء الأمة على الإسهام في معالجتها.(11/84)
وإلى أن تنتقل الأمة ـ وبخاصة في جانبها الدعوي والخيري ـ إلى واقع مؤسسي حقيقي يغطي الاحتياج، فسيبقى للعمل الفردي ـ مهما أحاط به من عوامل ضعف ـ مساحته المفتوحة، ومكانته السامقة، ودوره الضروري للقيام بكثير من الأعمال المنسية أو المضيعة تحت عباءة بعض المؤسسات عديمة التخطيط والمتابعة، أو ضعيفة الجهد قليلة الإنتاجية، أو في كليهما.
ولذا فالمطلوب من القيادات العلمية ودوائر التوجيه الدعوي التوازن والتعامل باعتدال وواقعية حين الثناء الدائم والتبني شبه المطلق للعمل المؤسسي القائم، والذم شبه المستمر للعمل الفردي وبيان عواره؛ مما تسبب في تفتير الكثير من الكفاءات المتميزة عن الإقدام على الكثير من البرامج والأنشطة خوفاً من التلبُّس بأردية العمل الفردي غير المرحَّب به كثيراً، ومن تجرأ منهم وأقدم على بعض المشاريع والأنشطة تجد كثيراً منهم يعاني من صراع داخلي بين الرغبة في العمل والظفر بالأجر والمثوبة، وبين مخافة الوصم بالفردية والفوضوية التي تورث ضعف إقدام ومحاصرة في الوقت ذاته.
ومع أن كلاً من العملين (الفردي والمؤسسي) مجرد وسائل تستثمر لتحقيق الغايات؛ فأيهما كان أكثر إثماراً والأهيأ للعبد فهو المطلوب أياً كان، وهذا أمر يعرفه المرء من نفسه، ومن استشارة أهل العلم والدعوة في بيئته.
على أن الأمة في الوقت الذي تضر بها الفردية الجامحة فإنها تحتاج إلى مؤسسات حقيقية قوية تتسم بالإثمار المتميز والناضج، وباستيعاب كثير من الشخصيات الجيدة في برامج عمل مناسبة، وإلا فإن النتيجة المتحتمة هي إضاعة كثير من الواجبات، وإهدار أعداد غفيرة من الكفاءات المنتجة تحت مبررات غير موجودة في عامة الأحيان.
وعلى عاتق الدعاة إلى الله - تعالى -ـ ذكوراً وإناثاً ـ يقع الجزء الأكبر من المسؤولية؛ فامتلاك قرارهم ومبادرتهم بأيديهم، وأداء الصلاة ـ التي هي أوجب فروض الأعيان بعد التوحيد ـ واجبة على الذكور جماعة في الوقت؛ فإن لم توجد جماعة أو شق أداؤها معها لم يسقط الفرض ووجب على العبد صلاتها منفرداً، وكذا الواجبات الكفائية المضيعة اليوم، إن تيسر القيام بها من خلال عمل مؤسسي جادٍّ يتضمن تعاوناً صادقاً على البر والتقوى كان غاية المطلوب، وإن تعذر ذلك فلا يجوز تضييع أدائها، بل لا بد من القيام بها بالصورة الفردية المتاحة، ولا يكلف الله - تعالى - نفساً إلا وسعها.
وليس من السائغ ولا الجائز أبداً التقاعس أو الفتور عن ذلك تحت حجة انتظار العمل المؤسسي؛ فذاك أمر ينكره الشرع ولا يقره العقل. والأمة في عصرنا ـ وهي تمر بحالة ضعف بَيِّن، وتعاني من ويلات مكر كُبَّار يحيط بها من كل جهة ـ أحوج ما تكون إلى كل عمل صائب دؤوب منطلق من فكرة ناضجة وتخطيط سليم، يخفف عنها بعض آلامها ويساعدها على النهوض من كبوتها، أياً كان مصدره والقائم به.
ويزيد الأمر إلحاحاً أن غالب نجاحات الأمة اليوم مردها إلى جهود ومبادرات فردية مباركة ـ بما في ذلك تأسيس عامة المؤسسات القائمة وتشغيلها ـ وأن عامة ما تستثمره المؤسسات الموجودة اليوم في الساحة من جهود أفرادها المنتمين إليها لا يتجاوز نسبة قليلة مما يمتلكونه من إمكانات، مما يبقي الجزء الأكبر من المسؤولية تجاه النهوض بواقع الأمة وإصلاح شأنها على الأفراد ومبادراتهم المتعددة هنا وهناك سواء أكان ذلك في إطار مؤسسي أو بصورة فردية؛ إذ المهم ـ مع أولوية العمل المؤسسي متى كان متاحاً ـ هو الشعور العالي بالمسؤولية الدعوية، والمبادرة الجادة إلى التنفيذ في ظل رغبة عارمة بإتقان العمل وتجويده، واستعداد كبير للانخراط في العمل المؤسسي المحقق للغاية المرادة.
فكيف إذا انضاف إلى ذلك عدم تكيف كثير من القدرات الفذة ـ التي سدت نقصاً ظاهراً وأسهمت في نجاح العديد من المشروعات المتميزة ـ على العمل من خلال المؤسسات القائمة، لاعتبارات مختلفة موضوعية أو غير موضوعية، وتوجه عامة مؤسساتنا اليوم نحو الانكفاء، وقيامها بتقليص الكثير من برامجها وأنشطتها نتيجة الحملة الأمريكية الشرسة على العمل الإسلامي المؤسسي، ليبقى عند ذلك العمل الفردي بانطلاقته الواسعة، وتكاليفه المحدودة، وأثره الكبير ضرورة ملحة لا بد من تقديم مزيد من الرعاية لها والاهتمام بها.
وختاماً: فكما أن الجميع مطالب ببذل الوسع في العمل للإسلام وتشجيع كل عامل له؛ فإن العمل المؤسسي لا يمكن أن ينهض إلى المستوى المؤمَّل إلا من خلال مبادرة القدرات ذات الكفاءة المتميزة إلى تطويره، وتحملهم الواجب نحو النهوض به.
فهل بلغت؟ اللهم فاشهد!
ربي الكريم المنان! أصلح حال أمتنا، وبارك في جهود الخيرين فيها مؤسسات وأفراداً، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على الرسول الأمين، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
-------------------
(1) البخاري (6026).
(2) ابن حبان (4577)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح، والمراد بـ: (يرتكض): يضطرب ويفر.
(3) النسائي (847)، وحسنه الألباني.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
أخي الملتزم احذر الوقوع في الأخطاء
عبدالله بن سعيد الشهري
دار القاسم
الحمد لله المنعم المتفضل جل جلاله وعز ثناؤه نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين. أما بعد:
فهذه رسالة بسيطة جمعت فيها بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الملتزمين وغيرهم ممن نحسبهم كذلك إن شاء الله. وقد درجت على تسميتها بالأخطاء بدلاً من المعاصي لثلاثة أسباب:(11/85)
1 - أنها قد تقع من صالحين يخونهم طبعهم ويجرفهم معدنهم للوقوع فيها.
2 - أنها قد تقع من بعض الصالحين عن طيب نية وحسن قصد.
3 - أن كثيراً منها ليست معاصي عظيمة أو كبائر أصلاً وإنما هي زلات وهفوات قلَّما يسلم منها أحد.
هذا وقد رأيت أن أبدأ بأخطاء في العقيدة لأهميتها ثم عرجت على أخطاء في العبادات وأخرى في الدعوة ثم ختمت هذا العمل بأخطاء متفرقة في الآداب والأخلاق والأحوال الشخصية. أسأل الله أن ينفعني وينفع غيري بهذا العمل كما أسأله أن لا يجعل هذا العمل حجة على صاحبه إنه جواد كريم.
أخطاء في العقيدة
1 - الشرك الخفي: إن بعضاً من الصالحين قد يقع في الشرك من حيث لا يعلم. ومن أخطر أنواع الشرك وأدقه الشرك الخفي وليس الأصغر ذلك لأن الأصغر تستشعره النفس وتعلم به ومنه الرياء والسمعة. أما الشرك الخفي فسمي كذلك لخفائه ودقته، وقد حذر الرسول صحابته من الوقوع فيه. قال عليه الصلاة والسلام: { ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال } قلنا: بلى، فقال: { الشرك الخفي أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل } [رواه ابن ماجة وحسنه الألباني]، لذا يجب الحذر من الوقوع في شراك هذا الشرك.
2 - ضعف التوكل: تجد كثيراً من الصالحين يسابق في الخيرات ويعمل الصالحات ويتجنب المنكرات ولكنه ضعيف التوكل على الله. والتوكل عبادة عظيمة جليلة متى توثقت عراها واشتد عودها، ولا عجب في هذا الأمر فقد تمنّى الرسول عليه الصلاة والسلام لأصحابه الكرام لو يتوكلون على الله حق التوكل كما جاء في الحديث عنه : { لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تروح خماصاً وتغدو بطاناً }. لذا يجب تقوية التوكل مع بذل الأسباب المطلوبة.
3 - تغليب جانب الرجاء على الخوف والعكس: بعض الصالحين يغلب جانب الرجاء حتى لا يبقى في قلبه خوف والبعض الآخر يغلب الخوف حتى لا يبقى في قلبه رجاء، فإما أن يرجو الله رجاءً يؤمنه من مكر الله وإما أن يخاف خوفاً يقنّطه من رحمة الله. لذا يجب الحرص على التوازن السديد فلا يطغى هذا على هذا.
4 - التساهل في مسألة الولاء والبراء: فمن الصالحين من يلاطف الكفار ويمازحهم ويتجاذب معهم ما حسن وطاب من أطراف الحديث سواء في مقر عمله أو خارجه، وهذا مما يخالف قاعدة الولاء والبراء التي تعتبر من أساسات الدين العظيمة.
5 - الوقوع في بعض الألفاظ الشركية: ومنها قول: ( لولا فلان ) والحلف أو السؤال بالأمانة، وقول: ( شاءت الأقدار ) وقول: ( لسوء الحظ ) إلى غير ذلك من الألفاظ القادحة في العقيدة.
أخطاء في العبادات
1 - عدم استحضار النية في بعض العبادات: ومن ذلك عدم استحضار النية أثناء الوضوء وأثناء الصلاة أو الصوم أو الحج واتخاذ العبادات المشروعة عادة لا روح فيها ولا استشعار. فعلى سبيل المثال استحضار تكفير الخطايا أثناء الوضوء يقوي الإيمان ويضاعف الأجر، وكذلك استحضار محبة الله للصائمين أثناء الصوم يزيد من حب العبد لله والصبر في سبيله بالإضافة إلى ما يترتب على ذلك من الثواب العظيم.
2 - العُجب والاغترار بالعمل: إن العجب إذا خالط العمل أفسده، فكثير من الصالحين قد سلم من الرياء والسمعة ولكنه لم يسلم من العجب بالعمل، كما أن من الصالحين من غره كثرة عمله فوقع في المحذور، فليتنبه من علم.
3 - تحميل النفس وتكليفها بما لاتستطيع من العبادات: فتجد مثلاً بعض الصالحين يجهد نفسه في قيام الليل ويصوم الدهر - المنهي عنه - ويطيل الاعتكاف حتى يصاب بالفتور والملل مما قد يؤدي إلى الانتكاس، نسأل الله العافية. لذلك أمر الرسول بالقصد في العمل والمداومة ولو على اليسير منه بدلاً من إرهاق النفس بما ينفرها. قال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفساً إِلا وُسعَهَا [البقرة:286].
4 - التفريط في السنن والمستحبات: فتجد بعض الصالحين يأتي بالسنن تارة ويتركها تارة ويفعل المستحبات تارة ويتركها تارة فيحرم نفسه من الأجر ويفرط في أعمال ترفع درجاته وتحط من ذنوبه. يجدر بمن نحسبهم من الصالحين أن يتمسكوا بهدي النبي وسنته وأن يسابقوا إلى جنة عرضها السموات والأرض بالمحافظة على المستحبات.
5 - تقديم المهم على الأهم: فتجد بعض الصالحين يواظب على السنن الرواتب ويفوت على نفسه التكبيرة الأولى، ويهمل تربية أسرته أو القيام على خدمة أبويه المحتاجين، وهكذا ينشغل بالمندوبات عن المستحبات وبالمستحبات عن السنن وبالسنن عن الواجبات.
أخطاء في الدعوة
1 - عدم الدعوة إلى الله: من الصالحين من هو صالح في ذاته ولا يتعدى نفعه إلى غيره فلا يبذل ولو جهداً يسيراً في الدعوة إلى الله ولو بكلمة طيبة وأخذ على يد سفيه أو إهداء شريط أو كتاب إسلامي.
2 - السكوت عن المنكرات: لقد أصبح بعض الصالحين يتغاضون عن المنكرات وهي تفعل بمرأى منهم ويسكتون عنها رغم فظاعتها أحياناً. وهذا خطأ كبير وإذا سألت أحدهم قال: إن الله يقول: يَأَيُّهَا الَّذِينَ امَنُواْ عَلَيكُم أَنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهتَدَيتُم [المائدة:105] وهذا فهم خاطئ للآية إذ أن السكوت عن المنكر وفاعله لا يكون إلا بعد استنفاذ السبل المتاحة واستفراغ الطاقة واستبراء الذمة.
3 - الجهل بدرجات المنكر: فتجد بعض الصالحين ينكر على من يحلق لحيته ولا ينكر على الذي لا يشهد الصلاة مع جماعة المسلمين، وقد تجده ينكر على المعاكسين من الشباب ولا ينكر على النساء والفتيات المسببات للفتنة أصلاً بعدم تسترهن وتحجبهن.(11/86)
4 - الجهل بدرجات الإنكار: فتجد بعض الصالحين يستخدم القوة في موضع اللين واليد في موضع اللسان والقلب في موضع اليد جهلاً منه بدرجات الإنكار التي تناسب إنكار منكر أمامه. فعلى سبيل المثال تارك الصلاة يجب الإغلاظ عليه وهجره وزجره واستعمال الشدة في نهيه حتى يتوب ويرجع، أما مسبل الثوب فيكفي نصحه بالقول ووعظه.
أخطاء متفرقة
1 - عدم احتساب الأجر في بعض الأعمال: التي ليست عبادة في نفسها خصوصاً تلك الأعمال التي يكون نفعها متعدياً كالمدرس في مهنة التعليم والطبيب في مهنة الطب والشرطي والجندي.. إلخ. إن عدم الاحتساب يفوت الكثير من الأجر على كثير من الصالحين فضلاً عن كثير من باقي الناس.
2 - طلب العلم للدنيا فقط: فإن طلبه ليستعين به ويستفيد منه ويفيد فلا حرج إن شاء الله.
3 - تضييع الأوقات في ما لا فائدة فيه: ومن ذلك قضاء الوقت في الرياضة واللهو واللغو واللغط الفارغ ومجالسة أصحاب الأهواء وتضييع غالب الوقت في الرحلات والجولات وخذ وهات. ولا مانع من ذلك كله ولكن بضوابط معروفة.
4 - الإسراف والتبذير والانغماس في الملذات والشهوات: ومن ذلك الإسراف في المأكل والمشرب والملبس والمركب، واللهاث خلف حطام الدنيا وزينتها، وجعل الدنيا ومتاعها الهمّ المستحوذ على القلب والعقل. قال تعالى: وَابتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا [القصص:77].
5 - الغيرة المذمومة: ومنه الشك الزائد في تصرفات الزوجة لأدنى سبب من الأسباب وكذلك الأمر بالنسبة لسلوك أفراد الأسرة، فكل غيرة تجاوزت حدها فهي مذمومة ونتائجها عكسية.
6 - الاستهانة بالمكروهات: فمن الصالحين من يكثر من أكل الثوم والبصل فيؤذي المصلين، ومنهم من يكثر من قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، وكلها أمور يكرهها الله تعالى كما أنها وسيلة للوقوع فيما هو أعظم خطراً.
7 - عدم الاهتمام لقضايا الإسلام والمسلمين: فترى بعض الصالحين لا يهمهم سوى أنفسهم يصلون ويصومون ويسارعون في أمور الخير ولكنهم لا يشاطرون المسلمين همومهم ولا يتفاعلون مع قضايا الدين.
8 - مخالطة السفهاء والفساق والاستئناس بهم: وهذا لا يجدر بمن نتعشم فيه الصلاح لأن ذلك إضاعة للوقت وقسوة للقلب وخوضاً في ما لا فائدة فيه، ولما في ذلك من إيناس للعصاة واستحسان لما هم فيه من حال.
9 - التزمت والإفراط في الزهد والتبذل: فتجد بعض الصالحين يلبسون الثياب المرقعة ولا يهتمون بنظافة أبدانهم وحسن مظهرهم، وقد يصل بهم الأمر إلى اعتزال الناس والتبتل وحبس النفس عن بعض المباحات والطيبات لأنهم يعتقدون أن هذا من الدين مع أن هذا مما لا يمت للشريعة الغراء بصلة بل مما نهى عنه نبينا فلنا فيه أسوة حسنة.
10 - إساءة الظن ببعض المسلمين والتسرع في إطلاق الأحكام: فتجد من الصالحين من يسيء الظن بإخوانه المسلمين ويطلق أحكام التكفير والتفسيق جزافاً دونما تثبت وترو؛ فيفسق هذا لأنه يحلق لحيته ويكفر هذا لأنه لم يره في المسجد قط. وهذا أمر يجب التفطن له والإحجام عنه تماماً لشدة خطره.
11 - العجز والكسل وإيثار الراحة والدعة: فتجد بعض الصالحين ليس له هواية سوى النوم والتقلب على الفراش لا يريد أن يعمل أو يطرق أبواباً من الرزق مباحة فيظن أن الحياة عبادة ونوم فقط لا غير، وهذا اعتقاد يجب تصحيحه بل إن هذا بعيد عن أوامر الدين كل البعد.
12 - الإهمال في الوظيفة وعدم إتقان العمل: فتجد بعض الصالحين يتأخر عن دوامه وأحياناً يخرج من عمله بدون إذن وأحياناً أخرى لا يؤدي عمله على الوجه المطلوب مع أن كل ما سبق التزامات وعقود يجب الوفاء بها.
13 - القول والفتوى بغير علم: فهناك من الصالحين من لا يتورع عن القول في الدين بغير علم وهدى، فيجادل في الدين ويماري ويخوض فيما يجهل ويتقدم بين يدي من هو أعلم منه ويتسرع في الفتوى ويتصدى لها رغم حداثة علمه وقلة فقهه.
14 - الفظاظة والغلظة في التعامل: فتجد من الصالحين من هو صالح في ذاته ولكنه لا يعرف ليناً ولا رقة، يعامل أهله وأولاده بالتعسف والشدة، ويقابل الآخرين بوجه مكفهر وأسلوب جاف لا يعرف ابتسامة ولا لطفاً. ولا يخفى على السواد الأعظم ما يترتب على حسن الخلق من الأجر العظيم.
15 - الغضب المذموم والعجلة: فتجد من الصاليحن من يغضب لأدنى سبب، إن انكسر ماعون في البيت انتفخت أوداجه وعلا صياحه، وإن نصحه مسلم غضب وحنق، وإن خاصمه جاهل غلبته العجلة فأعاد عليه الكرة بالضرب والشتم.
16 - تخصيص السلام: فترى في الصالحين من يلقي السلام على من يعرف فقط، وهذا ليس من خلق المسلم وقد أمر النبي بالسلام على من نعرف ومن لم نعرف من المسلمين.
17 - عدم إجابة الدعوة: فتجد من الصالحين من لا يجيب دعوة إلى مناسبة أو وليمة بحجة أن مجالس واجتماعات كهذه ليس فيها فائدة، وهذه حجة باطلة لأن الرسول أوجب إجابة الدعوة متى حصلت من مسلم لأخيه المسلم ما لم يكن في هذه الدعوة منكر لا يمكن دفعه.
كانت هذه بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصالحين ممن نحسبهم كذلك إن شاء الله وهذا لا يعني عصمة الناصح - حاشا لله - فالكل خطاء، نسأل الله أن يعفو عن سيئاتنا وأن يضاعف حسناتنا، إنه جواد كريم والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
===============
العاطفة والدعوة(11/87)
وهذا الموضوع من الموضوعات التي رأيت أن كثيراً من شباب الصحوة، وأجيال الدعوة يتحدثون عن بعض ظواهره، ويسألون عن بعض مشكلاته وعوارضه، فأحببت أن أطرقه طرقاً يحيط بأصوله من الناحية النظرية والفكرية، ويلمّ كذلك بمشكلاته من الناحية التطبيقية العملية.
أهمية العاطفة:
وهي تتضح من خلال أمرين اثنين:
الوجه الأول منهما: أن العاطفة فطرة بشرية، والله - سبحانه وتعالى - هو الذي خلق الإنسان، وهو العليم به كما قال - جلا وعلا: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}، وكما قال - سبحانه وتعالى -: {فطرة الله التي فطر الناس عليها}؛ فإنه - جلا وعلا - قد خلق الإنسان قبضة من طين، ونفخة من روح، وجعل له عقلاً يفكر، وعاطفةً تؤثر، وبيّن عقله وعاطفته، أنزل له شرعاً يوجه العقل، لئلا يشذ، ويحكم العاطفة لئلا تند، وبالتالي فإن طبيعة الإنسان وخصيصته البشرية أن العاطفة جزء أساسي فيه، بل جزء مميز له؛ فإن الإنسان في حقيقة الأمر مجموعة من العواطف، وكتلة من المشاعر، عنده حب متدفق، وقد يعتريه أحياناً بغض لا حد لمنتهاه في الانتصار للنفس، أو تدبير الكيد لذلك المبغض، وكذلك عنده راحة وطمأنينة، ويعتريه قلق وهم، وأحياناً يكون في صورة من الأنس والانشراح، وأحياناً يكون في وقت من التبرم والضيق وكل هذا نوع من صور العاطفة في نفس الإنسان، والحق أن الإنسان بلا عاطفة، كجثة هامدة، لأن العضلات والجوارح والمفاصل المكونة للجسم البشري - ليست هي التي تعبر عن كنه الإنسان، بقدر ما يعبر عنه قلبه وعاطفته، ولذلك نعرف اليوم ما يسمى بالرجل الآلي، أو قد يطلقون على الكمبيوتر العقل الإلكتروني فهذا إن تجاوزنا على أنه عقل مفكر، لكننا بهذه التسمية - على إقرارنا لها - لا نصف هذه الأشياء بأن لها عاطفة! هي عقل صرف إن تجاوزنا عن حقيقة العقل الذي يفكر ويغيّر، وليس هو مقيداً تقيداً كاملاً، لكن ليس له عاطفة، فالإنسان بلا عاطفة كما نسمع في تعبيراتنا كأنه حجر، أو كأن قلبه من صخر لا يتأثر، يرى الفواجع فلا يهتز له جفن، ولا يخفق له قلب، يرى المباهج والمناظر الجميلة، فلا تفتّر شفتيه عن الابتسامة، ولا تجد في عينيه بريق سعادة، إن هذا في حقيقة الأمر كتلة من صخر، أو أسمنت ليس فيه أية مشاعر، ولذلك قال بعض الأدباء - مع التجاوز عن بعض ما في هذه الكلمة-: " من لم يطربه خرير المياه في الأنهار، وتغريد الأطيار، وحفيف الأشجار، فليبك على نفسه فإنه حمار أكرمكم الله منعدم المشاعر والأحاسيس.
إذاً العاطفة أصلاً هي جزء رئيسي من تكوين الإنسان، وفطرة وجبلة مما جبله الله - عز وجل - عليها.
الوجه الثاني:
أن العاطفة فريضة إسلامية؛ ذلك أن الإيمان مهيمن، لا يقبل أنصاف الحلول، لا يقبل منك أن تنطق باللسان، وليس هذا في حد ذاته كافياً في وصف الإيمان، قد بين الله - جلا وعلا - في شأن أهل النفاق الذين يقولون آمنا بألسنتهم وأفواههم، ولم تؤمن قلوبهم، ولا يكتفي منك أيضاً بمجرد الامتثال بالحركات والأعمال؛ فإن ذلك قد كان دأب المنافقين أيضاً {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً}؛ فإن الإيمان شرطه أن يستولي على القلب، وأن يضرب أوتاده في أعماق النفس، ولا يرضى إلا أن يكون حاكماً على كل إحساس، وعلى كل شعور، وعلى كل خفقة قلب، وعلى كل خطرة قلب، وعلى كل خلجة نفس، لابد أن تحكم بهذا الإيمان؛ لأن الإيمان يغيّر الإنسان من داخله، فيغيّر مشاعره، ولذلك قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: (إن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)، فليس لك أن تحب كما شئت، أو أن تبغض كما شئت، أو أن توافق هوى نفسك، أو طبيعة ظرفك أو أسلوب تربيتك، بل إذا تغلغل الإيمان في قلبك وجّه هذه العواطف، ولذلك قال - سبحانه وتعالى -: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين أمنوا أشد حبا لله}، فهذا الحب المرتبط بالله - عز وجل -، والمحبة المتصلة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومحبة الأخوة الإيمانية بين أهل الإسلام كلها أمور إسلامية إيمانية من أخص خصائص هذا الدين، ومن أعظم أركان هذا الإيمان، لا يمكن أن نتصور إيماناً أو إسلاماً بدونها، أو بدون تحققها الكامل.
ولذلك يعلم العبد المؤمن أن هذه الحقيقة ينبغي أن لا تغيب عن باله مطلقاً، ونصوص الكتاب والسنة في أمر المحبة لله - عز وجل -، والمحبة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - كثيرة في هذا الباب، ليس هذا مقام الاستطراد في ذكرها وسردها، وإذا عرفنا أن العاطفة في أصلها فطرة بشرية، وفريضة إسلامية، فلنذكر الآثار الإيجابية للعواطف ليس على سبيل التفصيل في واقعات الأعيان وإنما في الجملة.
الآثار الإيجابية للعواطف:(11/88)
1- قوة التأثير: إن الكلمة وحدها مهما كان لها من شواهد وأدلة، ومهما كان لها من وصف وتنسيق، لا تؤدي قوتها ما لم يكن وراءها قلب متحرق، ونفس متحمسة، تشعر الإنسان بنبض هذه المشاعر في كل حرف من هذه الحروف؛ فإذا كانت الكلمة حماسية؛ فإذا بها كأنها لهب يتفجر، وإذا كانت الكلمة وعظية كأنها غيث يصيب أرض جدباء فيحيها من جديد، ويورق منها ما اضمحل، أو ما كان قد غابت عنه مياه الحياة وصورها؛ فإذا تأملت من بعض المواقف والعبر من سيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - تجد هذه الصورة بيّنة واضحة، قد وصف - عليه الصلاة والسلام - أنه إذا خطب كأنه منذر جيش. يحمّر وجهه - عليه الصلاة والسلام - ويظهر أثر انفعاله بهذه الكلمات، وكما في حديث العرباض ابن سارية - رضي الله عنه - قال: (وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا...)
إذاً لم يكن تأثير تلك الكلمات بمجرد العلم؛ فإن كثيراً من العلم إذا فقد العاطفة، لا يؤدي أي تأثير، وإلا لكان اتصال الإنسان بالكتب كافياً في أن يقوّم سلوكه، وفي أن يوقظ حماسه وهمته نحو الخير والصلاح، وكذلك انظر إلى الموقف الذي كان في يوم حنين لما قسّم النبي - صلى الله عليه وسلم - الغنائم بين مسلمة الفتح والمؤلفة قلوبهم، ولم يقسم للأنصار - رضوان الله عليهم - فوجدوا في نفوسهم موجدة؛ لذلك جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم، وقال: يا معشر الأنصار: ما مقالة بلغتني عنكم، وموجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله؟... ) و في آخر الحديث قال الراوي حتى اخضلت لحاهم بالدموع)، إذاً للكلمة سر، ينبثق من العاطفة التي وراءها في القلب الذي يخفق بمعانيها قبل أن ينطق اللسان بكلماتها وحروفها.
2- البذل والتضحية: إن من أعظم آثار العاطفة البذل والتضحية لمن خفق لك قلبه بالحب؛ فإن أحببت الله - عز وجل - وأحببت رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأحببت هذا الدين؛ فإنك تبذل وتضحي في سبيل هذا الذي أحببته؛ ونحن نعلم أن العاطفة مشتركة، فإذا وجهتها وجهة صحيحة، نلت الأجر والخير، وتدفقت عاطفتك في مجالها الصحيح، وإلا فإن هذه العواطف أيضاً لها مسارب شيطانية، أو شهوانية، تسلك بها في غير ما أراد الله - عز وجل - لها، فاستمع على سبيل المثال إلى خالد بن الوليد - رضي الله عنه - وهو يقول: " ما ليلة تهدى إليّ فيها عروس أحب إلي من ليلة شديد بردها، أصبّح فيها العدو فأقاتلهم في سبيل الله - عز وجل - ". إذاً هذه المحبة دفعته إلى أن يجد لذته في ذلك البذل، وتلك التضحية، وتحقيق قول الله - عز وجل - {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}، إذاً هذا البذل هو الذي ظهر في حياة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، وذاك أنس بن النضر - رضي الله عنه - يقول: " واهاً لريح الجنة إني لأجد ريحها دون أحد ". والصور في ذلك كثيرة، والصور غير الإيمانية أيضاً كثيرة، نقرأها في حياتنا وفي حياة البشرية عموماً، ألم نسمع عن المحبين الذين بدلوا إيمانهم، وتركوا وظائفهم، واستهانوا بجاههم كله من أجل من يحبون.
3- الرضا والقبول:
من كل ما يأتي من المحبوب؛ فإنك إن أحببت الله - سبحانه وتعالى - رضيت بقضائه وقدره، وإن أحببت الله - عز وجل -رضيت بأن تطيع أمره، وتجتنب نهيه، وإن أحببت النبي - صلى الله عليه وسلم - قبلت منه كل هدي وإرشاد، وإن أحببت إخوانك المسلمين أفسحت لهم في قلبك، وأعطيتهم من خلاصة مهجتك ومشاعرك ولطفك ولينك وسماحتك ورفقك، إذا تحقق ذلك قبلت منهم، ورضيت منهم ما قد يقع من تقصير، وأغضيت الطرف عن بعض هفواتهم، وتجاوزت عن بعض ما صدر من كلماتهم وغير ذلك من الأمور. واستمع إلى قصة يوسف - عليه السلام -عندما قال: {رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه}، لِما كان السجن محبوباً.. وهو الذي يقيد الحرية، ولا تقبل به النفس البشرية؟ لأن فيه العصمة عن ما حرم الله - عز وجل -، ولأن فيه المهرب من المعاصي إلى الطاعات، ومن الخلطة الفاسدة إلى الخلوة الصالحة مع الله - سبحانه وتعالى -، لمّا كان الأمر كذلك قال: {رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه}.
4- الصبر والثبات:
فكم تجد من تغلل الحب في قلبه، عنده من الصبر والثبات على أمره على ما أحب من دينه وإيمانه، ما لا يمكن أن يتنازل عنه، أو أن ينكص على عقبيه، أو أن يرتدّ على أدباره بعد أن ذاق محبة الإيمان 0 وعرف حلاوة الإسلام، وارتبط بإخوة الإيمان، ولذلك كان بلال وكان خباب، وكان أولئك القوم يلقون ما يلقون، لا يصدهم ذلك عن دين الله، ولو لم يكن لهم ذلك التعلق القلبي لما ثبتوا، ولما كانت لهم هذه الصور من الصبر الجميل، ثبتهم الله - عز وجل - به، لأن القناعة الفكرية لا تكفي، قد تكون مقتنع بأمر ما فكرياً، لكنك إذا ضُيقت أو اضطهدت في سبيله من الممكن أن تغير فكرتك، أو أن تتنازل عنها، أو أن تساوم فيها، لكن إذا خلصت الفكرة من العقل إلى القلب، وامتزجت بالمشاعر؛ فإنه من الصعب أن يكون هناك تنازل عنها، بل صبر وثبات عليها.
5- الارتباط والتعلق:
وهذا من أظهر أثار العواطف؛ فإنك إن أحببت الله ارتبطت به، وتعلقت به وكذا في شأن النبي - عليه الصلاة والسلام -، وإخوانك المؤمنين، وشعائر هذا الدين، والارتباط والتعلق أمره بيّن لا يخفى على أحد كما قال المحبون من قبل:
أمر على الديار ديار ليلى **** أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي **** ولكن حب من سكن الديارا(11/89)
ولذلك وقفوا على الأطلال، ووصفوا الخيام والجمال، كل ذلك من أثر ذلك التعلق والارتباط، وكما قال قائلهم أيضاً: ولو قيل لمجنون ليلى: تريد ليلى أم الدنيا وما في طواياها؟ لقال غبار من تراب نعالها أحب لنفسي، وأشفى لبلواها.
أي كل شيء يذكّر بذلك المحبوب ويصل به، يكون أنس النفس، وقرة العين، وتأمل حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: (حبب إليّ من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة)؛ فإن الأول هو الفطرة البشرية التي جاء بها هذا الدين، فليس هناك ترهل ولا تبتل ولا انقطاع عن ملذات الحياة العادية البشرية، والثاني هو أن هناك محبة أسمى، وهي التي يتحقق فيها الارتباط بالله - سبحانه وتعالى - فلذلك كان يقول - عليه الصلاة والسلام - أرحنا بها يا بلال)، العاطفة المتدفقة تريد كل شي يذكرها بالمحبوب، وكل أمر يربطها به، وكل سبب يعلقها به، ويجعلها لا تنساه مطلقاً، ولذلك كان للذكر أثره في طمأنينة القلب، وحلاوته في النفس، لذلك من أحب شيء أكثر ترداده وذكره، ولم ينسه مطلقاً، حتى إذا رأى الرؤيا في منامه، فإذا به يراها متعلقة بهذا الأمر إذا أصابه مرض، وصار يهذي بما لا يعرف، إذا بهذيانه لا يذكر المحب، أو الحبيب الذي لا ينساه مطلقاً، ولذلك تجد هذه الآثار واضحة قوية، ولها كما قلت أمثلة في جانب الخير، وفي جانب الشهوة العادية أو المتجاوزة للحد، وإن كثير من العلماء من أمثال ابن القيم وغيره جعلوا بعض أبيات المحبة التي ذكرها العشاق في المعاني الإيمانية في الصلة بين العبد وربه، واستشهدوا بهذه الأبيات في معاني المحبة الإيمانية، بفروعها المختلفة، ولذلك كل هذه الآثار لها شواهدها في حياة الصحابة - رضوان الله عليهم - وفي حياة صدر الأمة عندما كان عندهم بذل وتضحية في سبيل هذا الدين:
كنا نقدم للسيوف صدورنا **** لم نخش يوماً غاشماً جباراً
وكأن ظل السيف ظل حديقة **** خضراء تنبت حولها أزهاراً
لم نخش طاغوتا يحاربنا ولو **** نصب المنايا حولنا أسوارا
ندعو جهاراً لا إله سوى الذي **** صنع الوجود وقدر الأقدارا
ورؤوسنا يا ربِ فوق أكفنا **** نرجو ثوابك مغنما وجوارا
كان هذا الحب الإيماني نصرةً وتضحية وبذلاً لهذا الدين، وكان هناك التعلق أيضاً كما جاء في الحديث عن ثوبان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه مرة، وقد تغير فقال له: ما بك يا ثوبان؟ فقال: يا رسول الله ما بي مرض، ولا وجع غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدةً، حتى ألقاك ثم ذكرت الآخرة فأخاف ألا أراك لأنك ترفع مع النبيين وإني إن دخلت الجنة فأنا في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لن أراك أبداً، فنزل قوله - جلا وعلا {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفقاً}، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - المرء مع من أحب)، هذا كله دليل وشاهد على صدق تلك المحبة الإيمانية، كما وقع من خبيب بن عدي ويذكر في بعض الروايات أنه عن زيد بن الدثنة - رضي الله عنهما - لما جئ به ليضرب عنقه ويصلب قيل له: أتحب أن يكون محمد مكانك؟ قال: والله ما أحب أن محمد الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة، وأنا جالس في أهلي. فقال أبو سفيان - وكان قبل ذلك على الكفر - ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً.
هذه هي العاطفة الصادقة إذا سارت في المسارب الإيمانية، والمناهج الإسلامية، وعندما نعرف هذه الآثار ينبغي أن ندرك أن العاطفة ينبغي أن يكون لها توجه أو تأثر بأمرين اثنين: العقل ومن قبله الشرع، فلابد أن نعرف أمر العاطفة أو العواطف بين الشرع والعقل إذاً:
أولاً: العاطفة لابد أن تكون مضبوطة بضابط الشرع فلا حب لمجرد الشكل والمظهر واللون، أو لمجرد الإلفة والميل، بل بموجب الأخوة الإيمانية وما سلف أن ذكرناه.
والعقل كذلك قد يحتاج أن يحكم العاطفة إذ العقل هو الذي يتلق الشرع، ويقبل به ويسلم له ويعمل النظر في مراميه ومصالحه ومقاصده، ويكون أرجى على تقدير المصلحة من العاطفة، ولذلك لابد أن تحكم نزوات العواطف بنظرات العقول، والعقل وحده لا يكون كافياً أيضاً في تيسير الأمور، وإذا أردنا أن نمثل فإننا نقول للعقل القيادة، وللعاطفة الحيوية؛ فإنك لو تصورت قافلة فلابد أن يكون العقل هو قائدها، ولكن لابد لها من حاد يحدو بها في الطريق، ليزيل عنها أثر عناء السفر وليهيج عاطفتها على المسير
إذا نحن أدلجنا وكنت أمامنا *** كفى بالمطايا لذكراك حاديا
ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - كما نعلم يجعل أنجشة يحدو بالإبل، فإذا بها تتأثر بذلك الصوت الشجي، وتسرع وتتحرك فيقول النبي - عليه الصلاة والسلام - عندما خاف من تأثير ذلك الصوت رفقاً بالقوارير يا أنجشة).(11/90)
هذا كله يعطينا أن الأمر متوازن فالعقل المتجرد عن العاطفة نتيجته قسوة وغلظة وعاطفة منفلتة عن ضابط العقل خفة وطيش كأنما هو طفل صغير تعطيه الأعطية فيضحك، تمنعه عنها فيغضب، وقد تكون الأعطية فيها حتفه، وقد يكون منعها فيه مصلحته ونفعه، ولكنه لا يميز بعقله ولذلك يغلب على الطفل أنه مندفع مع عاطفته ببراءة كاملة، وتغلب المرأة عاطفتها أيضاً في مواطن كثيرة فلا يكون عقلها أحكم لتلك العاطفة ولا أضبط لها ولذلك في مسألة هذه العاطفة والعقل يقول ابن القيم - رحمة الله عليه -: " إذا خرج عقلك من سلطان هواك عادت الدولة له "، إذاً فهذا الجسم دولة، وهناك حكومة للدولة، وهناك انقلاب يقع بين العاطفة والعقل، فيقول: " إذا خرج عقلك من سلطان هواك عادت الدولة له "، أي عاد مستقل عن تأثير الهوى والعاطفة أما إذا خضع العقل لسلطان الهوى والعاطفة؛ فإنه يعود أسيراً لها، وتكون هي موجهة ومحكمة في مساره، ولذلك تجد من يسمونه العاطفي، يقولون عنه: إنسان عاطفي أي أنه ليس عنده إلا هذا القلب يخفق محبةً وميلاً وليناً وإلى آخره، ليس عنده تلك القوة العقلية التي يبرز أثرها حتى تضبط مثل هذه الأمور.
علاقة العاطفة بالممارسات الدعوية
وأنتقل أيضاً إلى نقطة مهمة متعلقة بخصائص العواطف، وهي قضية نمهد فيها لما يأتي من أمر الصلة المباشرة في صورة عملية بين العاطفة والممارسات الدعوية.
أول هذه الخصائص أن العاطفة موجهة، بمعنى أنك لا تستطيع أن تقول إني أحب فلان أو أحب شيئاً ولكنني لن أتأثر، أو لن تؤثر فيّ هذه العاطفة. طبيعة العاطفة أنها توجه، أنها تدفع، أنها تمنع، فليست هي قاصرة لمجرد الصورة الانطباعية، بل هي ذات تأثير موجه ومحرك.
الأمر الثاني وهو من أخطر هذه الخصائص، أن العاطفة متأثرة تتأثر بالظروف بالزمان، بالمكان، بالأحوال، بحال الشخص، بحال الآخرين من حوله، فقد ترى إنساناً متعلقاً بآخر متصلاً به، محباً له، ثم لا تلبث بعد حادثة أو ظرف ما ينقلب رأساً على عقب، وينقلب الاتصال إلى انقطاع، والمحبة إلى بغضاء، وترى صورةً تتعجب وتقول متحققاً، وتستذكر محققاً قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)، ولذلك من الصعب ضبط هذه العواطف، وتربيتها ليست قضيةً سهلة، لأنها متقلبة متأثرة.
والأمر الثالث الناتج عن هذا التأثر التقلب أنك لا تستطيع أن تثق بعاطفةً بمجرد كونها عاطفة، ما لم تضبط بالشرع والعقل لا يمكن أن تثق بعاطفة، لأن العواطف بحكم هذه المؤثرات تتقلب، فلا يكون للعاطفة استقرار ودوام، إلا إذا بنيت على أساس عقلي، واستندت إلى أحكام ونصوص وأدلة شرعية، العاطفة التي لا تستند إلى شرع، ولا تكون منضبطة بضابط عقل مستند إلى شرع، لا يمكن أن تكون ثابتة، بل طبيعتها التقلّب الذي لا يمكن معه أن تطمئن، أو أن تتصل، أو أن يكون عندك تلك العلاقات التي يبنى عليها كثير من الأعمال.
وأخيراً العاطفة مجهولة، لا يعرف كنهها، ولا يعرف تقديرها، فلا يمكن أن تقول: إني أحب فلان بمقدار نصف كيلو، والآخر مقدار كيلو! لا يمكن أن تضبط المشاعر بموازيين محسوسة، فهي أمر كما قد يعبّر عنه هلامي، وهذه الجهالة هي سر أيضاً من خفائها وصعوبة التعامل معها، فما لم يكن لنا رجوع إلى الأحكام الشرعية؛ فإن أمر العاطفة يبقى ليس له ضابط، أو كما يقولون: ليس له خطام ولا زمام.
ومن هنا جاء أمر خطير، وهو استغلال العواطف من أثر معرفة تقلبها وتوجيهها، يغزونا أعداؤنا، أو يؤثرون على وجه الخصوص في شبابنا بهذه العواطف، يلهبونها فتتحمس، يغرونها فتتقدم، ولذلك تجد التأثير السلبي، والاستغلال الرخيص لهذه العواطف عبر الصورة المتحركة في التمثيلية، أو الفيلم، وعبر الكلمة المهيجة في المواقف العاطفية - كما يسمونها -، أو في الأغاني العاطفية وغير ذلك، وترى ذلك أيضاً في القصص الذي يسمونها أيضاً قصصاً عاطفية، كل ذلك تجد له استلاب للعواطف الشبابية عموماً، وعواطف الفتيات على وجه الخصوص، فتجد بعض أولئك لا يتحرك إلا من خلال ذلك التأثير لهذه العواطف.(11/91)
ثم تنتقل أيضاً إلى صور أخرى أكثر مباشرة في التأثير على العواطف، من خلال ما يسمى بتحرير المرأة وتبرجها، ومن خلال الأمر الأخطر وهو الاختلاط، كل ذلك ما هو إلا استغلال لهذه العواطف، ولذلك تجد كثيراً من هذه البيئات والشباب والشابات الذين تسلطت عليهم هذه العواطف، وليس عندهم تربية إيمانية، ولا توجيه إسلامي، تجد أن هذه العاطفة ليست فقط تبعدهم عن الدين، بل تدمر حتى حياتهم، وتدمر مستقبلهم، تضيع على سبيل المثال مستقبلهم الدراسي، وتهدد مستقبلهم الوظيفي، وتقوض بنيانهم الاجتماعي، كل ذلك انجراف وراء تلك العواطف، عندما أُشعِل سعار الإغراء بها، وأصبح أولئك القوم أو كثير من المجتمعات تصبح وتمسي، وهي تخاطب بنداء الغريزة، وتهييج العواطف المتعلقة بالجنس والحب والغرام والهيام، وهذا أيضاً مكمن خطر ينبغي أن نعرف أن له صلة بالدعوة، معنى أن هذه العواطف لا بد أن نعرف كيف عالجها الإسلام وضبطها وأحكم توجيهها؟ لأننا لا يمكن أن نعاتب الناس، لا يمكن أن نقول أن هناك شباب ليس لهم إلا الحب والغرام، ونعتب عليهم ونشجب منهم ذلك دون أن نعرف حقائق الأمور وطبيعة النفس البشرية الحب والمحبة والعاطفة أمر فطري وثق تماماً أن أهل العلم والإيمان قد تكلموا في ذلك بما يبين أن أصل هذا الأمر قد لا يكون للمرء فيه اختيار وقضية ما يسمى من الحب لأول نظرة أو عبر الكلمة هو أمر أيضاً فطري قد يقع في كثير من الصور والأحوال وذكر ذلك ابن القيم في بعض كتبه وفي كتاب أفرده لمثل هذه الأحوال.
أقول هذه كلها لابد أن نعرف أن لها أثاراً لابد أن نعرف أن للصورة الحسنة أثرها، وللكلمة اللينة أثرها، وأن نعرف أن لكل عمل أسلوب في التعامل له تأثيره، فكيف يمكن أن تعتب دون أن تعالج! لو نظرت إلى شأن هذه العاطفة على وجه الخصوص لرأيت أن هذا الدين العظيم قد منع الوسائل المفضية إلى إثارة الشهوة والغريزة وإلى تحريك هذه العاطفة، دون أن يكون لها مسارها الصحيح فالنظر {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}، {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن}، والسمع {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} والخلوة (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، والشم (أيما امرأة خرجت متعطرة ليجد الرجال ريحها فهي زانية) وفي بعض الروايات تلعنها الملائكة حتى ترجع. كل ذلك معرفة بطبيعة النفس البشرية وأن هذا يؤثر فيها كما قال بشار:
يا قومي أذني لبعض الحي عاشقة **** والأذن تعشق قبل العين أحيانا
وكثيرة هي الصور التي تؤثر في هذا الجانب، ونحن ربما نعتب دون أن نعرف حقيقة هذه العواطف، فكيف يمكن لنا أن نتعامل مع شباب في فورة شبابهم؟ نريد أن ندعوهم ونوجههم دون أن نعرف الفطرة البشرية والمؤثرات التي فيها، وأن نحكم التعامل معها؛ فإن مجرد الإنكار لها والغضب منها أو الهجوم عليها ليس كافياًً في علاجها، بل ربما كان مؤدياً إلى مزيد من استحكامها وقوة تأثيرها.
ولنعلم أيضاً في هذا الصدد أن العواطف هي حركة الحياة من ذلك:
أولاً أن العواطف باعث على الحركة والعمل، فالإنسان يحب الامتلاك، يحب أن يكون مؤثراً، وأن يكون له وجود في التغيير الفاعل في حركة الحياة من حوله، ولولا مثل هذه العاطفة لكان الناس ميتين خامدين لا يتحركون إلى عمل ولا إلى منقبة، بل يمكن أن تكون صورتهم كأنهم أموات في صورة أحياء، والعاطفة هي التي توجد هذا الأمر، ثم هناك أمر مهم آخر وهو أن العاطفة باعث عن العلاقة والصلة، وأنظر إذا لم تكن هناك عاطفة لما كان هناك توجه من الرجل للمرأة في تكوين أسرة، ولما وجدت تلك الشفقة والرحمة من الآباء والأمهات تجاه الأبناء، ولما وجدت عاطفة التقدير والاحترام من الأبناء تجاه الآباء والأمهات، ولما وجدت عواطف الصلات والمودة بين الناس التي تحكم الروابط بين المجتمع عموماً، بغض النظر عن الناحية الإسلامية التي تزيدها قوة ورسوخا وإحكاماً وتمكناً، وتعصمها من الخطأ والزلل الذي تقع فيه العواطف بمجردها أو بمفردها.
ثم أنتقل إلى لب الموضوع وهو الذي يتعلق بصور من العواطف وصلتها بالممارسات الدعوية وربما تنقلب العواطف إلى عواصف أو إلى قواصف في بعض الأحوال:
أولاً: عاطفة المحبة على وجه الخصوص للصلة بين الداعية والمدعو. نحن نعلم أن المحبة ابتداءً أمر إسلامي إيماني لابد أن يحب المرء أخاه ولا شك أنه إذا اتصل بآخر ليوجهه وينصحه ويدعوه إلى الخير؛ فإنه سيكون له به ارتباط واتصال أكثر، وهذا يعني أن تكون محبته له أعظم وأكبر، وهذا أيضاً أمر مسلّم به.
ثانياً: هذه المحبة عندما تفيض في السلوك والتعامل مع المدعو يكون لها أعظم الأثر في استمالة قلبه، وإقناع عقله، وتأثره بالداعية واقتدائه به في كثير من أحواله وسلوكياته.
ثالثاً: أن لهذه العاطفة وهذه المحبة ما يعين على أن تتقوم نفس المدعو تقويماً عاطفياً فتتهذب نفسه، ويكنّ الخير للآخرين، ويضمر المحبة، ويلتمس العذر، ويحسن الظن، فهذه كلها من الآثار الإيجابية للتعامل الأخوي الذي تسوده المحبة الإيمانية والأخوة في الله - عز وجل -، ولكن هناك ما قد نسميه تجاوزاً للحد، أو زيادة عن القدر المطلوب، وهذا لمسته في بعض الأسئلة التي يذكرها الشباب، فيأتي أحدهم ويقول إن لي صلة بفلان من الناس، أو بأخٍ لي، أو بجار لأدعوه إلى الخير، ولكنني أشعر أن هذه الصلة ليست هي الصلة المطلوبة في الأخوة في الله..(11/92)
أشعر أن هناك أمراً آخر ليس مندرجاً في هذا الإطار، أو تحت هذا العنوان، وقد يجد لهذا صور أذكر بعضها لكنني أحب أن أشير ابتداءً إلى أن وجود المحبة العاطفية البحتة مع الأخوة الإيمانية ليس أمراً معيباً ولا معترضاً عليه؛ فإننا عندما نقول - على سبيل المثال - إن أصدق وأعظم وأكبر محبة للنبي - عليه الصلاة والسلام - اتباعه فيما أمر، وفيما نهى عنه وزجر، فلا يعني ذلك أن نتبعه ونحن متجردين من عاطفة الحب الصادقة، ولسنا نتبعه - عليه الصلاة والسلام - لمجرد الأمر والنهي، بل هذا أصدق أنواع الاتباع ويؤيده ويجعل له استمراريته وحيويته وقوته.
إن قلوبنا تخفق بالمحبة الخالصة العاطفية له - عليه الصلاة والسلام - لما له من عظيم الخلال، وكريم السجايا، والمنزلة العالية عند الله - عز وجل -، والنعمة والفضل الذي أسداه لهذه الأمة ولكل فرد منها.
وكذلك عندما تريد من خلال هذه الأخوة أن توجه وأن تنصح؛ فإنك لا يمكن أن تنفصم عن المحبة العادية الفطرية، بل هي قرينة لهذا، ولكن الصورة التي فيها بعض الخلل أو النقص أو التجاوز هي التي يذكرها بعض الشباب، لها صور معينة أذكر بعض منها.
أسباب التعلق الزائد:
أولاً: عدم ضبط المحبة الفطرية؛ فالمحبة الفطرية أمر طبعي لا اعتراض عليه، ولكن عدم التيقظ قد يجعلها تزيد إلى أن تكون محبة عاطفية بحتة، كمحبة المحبين والعشاق.
ثانياً: الخلطة الزائدة، فبعض الناس أو بعض الشباب بحكم الدعوة، لا يكاد يصبح صباحاً، ولا يمسي مساءً، إلا وهو مع هذا المدعو، بحجة أن يقوّم سلوكه، وأن يدعوه، وقد ذكرت أن من الخطأ أن نكون مثل اللصقة التي لا تنفصم عن الجلد، معه ليلاً ونهاراً.. صبحاً ومساءً؛ فإذا غبنا عنه اتصلنا به، لا أعيب الاتصال، لكن اتصلنا به كأننا لا يمكن أن ننفصل عنه أو ننفصم منه هذا سبب من أسباب وجود العلاقة التي قد يكون فيها مأخذ.
ثالثاً: عدم وضوح الهدف وقوة التربية عند الداعية؛ فإن هدفك من صلتك بكل إنسان هو هدف إسلامي، ترجو فيه الأجر لنفسك، والخير لغيرك؛ فإن غاب عنك هذا الهدف تكون كحال الصياد الذي ذهب ليصيد في البحر، وأخذ معه عدته، وهو يعلم أن هذا مصدر رزقه، لكنه عندما ذهب أعجبته زرقة البحر، وانكسار الأمواج، وانعكاس الشمس في غروبها، وضلال الأشجار فجعل ينظر إلى هذه المناظر الجميلة، ويأنس بها، وربما يكتب الأشعار، ويدبج المقالات، ونسي الهدف الذي ذهب لأجله، وهنا قد ينصرف الداعية لاسيما إذا كان في مقتبل العمر وأول الشباب إلى لطافة وظرف وحسن هيئة وتأنق عند المدعو، فإذا به يعجب بهذا، وينسى ذلك الهدف الذي كان أساس تلك الصلة، ويلحق بذلك عدم قوة التربية في الداعية بمعنى أنه ليس عنده التربية التي تجعله يضبط عواطفه، ويعرف كيف يقوم ويسوس الأمور.
رابعاً: النواحي المادية الصرفة وهذا أمر لابد أن نعرفه بوضوح وجلاء؛ فإن بعض التعلق قد يكون لما عند ذلك المدعو من مال أو جاه، أو كذلك لما عنده من هيئة حسنة، ولا نعجب من ذلك؛ فإن سلف الأمة قد تكلموا في مسائل قد نعجب منها، أو يراها البعض بعيدة عن التصور، وقد يظنها البعض منطوية على بعض التشدد، وإنما هو معرفتهم الصحيحة بطبيعة النفس البشربة. عندما كان العلماء يتحدثون على سبيل المثال عن الاختلاط أو النظر للأمرد، أو كيف يكون مجلسه و مكانه في مجلس العلم أو غير ذلك مما ورد عن بعض الآثار في شأن وتصرفات سلف الأمة وبعض العلماء، يدل على أن الناحية المادية في الشكل والمعنى والمضمون لها أثرها، فينبغي للمرء أن لا يغفل عن هذا، وقد يسأل الشاب ويقول كيف أميز علاقتي بالمدعو حتى أعرف إن كانت في المسار أو خرجت عن الإطار؟ فأقول هناك بعض الملامح لعلك إن سألت نفسك عنها وصارحت نفسك بها، وجدت الحل الذي يجعلك تنتبه إن كنت قد وقعت في بعض الخطأ:
أولاً: مدى لزوم استمرار الصلة. ما مدى ما في نفسك من لزوم استمرار الصلة؟ هل أنت ترى من أنه لا بد ألا يمر يوم إلا وتراه، وألا تمر ساعة إلا وتتصل به، وألا يكون لك غرض في أن تذهب إلى مكان إلا وتصطحبه وترافقه، إذا كان هذا متأصل وبقوة، فاعلم أن هذا مظهر من المظاهر التي قد تعطي مؤشراً للتنبيه من الخطأ.
ثانياً: عدم النصح في الأخطاء، وهذا معلم بارز عندما يخطئ هذا المدعو فالأصل أنك تنصحه. لا أقول لك أغلظ له في القول، لا أقول لك كن عنيفاً معه، لكن إذا لم تنصح لا تصريحاً ولا تلميحاً ولا بالحكمة ولا بالأسلوب الحسن، بل كان همك أو ديدنك غض الطرف، فاعلم أنك قد وافقته في هواه، وأنك قد تغلغل بعض الحب في قلبك، فلم تعد تريد أن تغضبه، أو أن تكسر خاطره، أو أن تجرح مشاعره، أو تخالفه في رأي أو قول، فإذا أردت أن تذهب للنزهة في مكان واختار هو مكاناً آخر قد يكون فيه ما فيه؛ فإنك لا تعارضه في ذلك.
ثالثاً: التبرير لكل خطأ أو لكل نقد قد تسمعه من غيرك. لا تكتفي بمجرد إقرارك بأخطائه، بل يقولون لك: إن فلان فيه اعتداد بنفسه أو غرور فتقول: لا إن الله جميل يحب الجمال، يقولون لك: إنه يفعل كذا وكذا، فتقول: إن طبيعة بيئته أو ظرفه كذا وكذا إذاً فأنت هنا أيضاً تبرر أموراً كثيرة لا بأس أن تلتمس لأخيك الأعذار لكن كثرة التبرير ودوامه مؤشرٌ من هذه المؤشرات.(11/93)
رابعاً: التأثر بالغيرة من الآخرين؛ فإنك إن رأيته صحب فلان انقبضت نفسك وإن رأيته كان متأثراً أو معجباً أو مشيداً ومادحاً في فلان لعلمه أو لحسن بلاغته، أو لقوة تأثيره أو كذا رأيت أن ذلك يشعرك ببعض الضيق أو التبرم، فاعلم أن هذه المؤشرات والصور كلها دلالات على أن المسار قد خرج عن الإطار المطلوب فاضبط عاطفتك بضابط الشرع، ونضمها وقومها بالعقل الذي تخطط فيه هذه الدعوة مع هذا المدعو فتحكم الأمر وتقول سأفعل معه كذا وسأعطيه كذا وسأسأله عن كذا وسأعالج فيه أمر كذا من خلال كذا وكذا ولا تترك الأمر هكذا عبثاً ومجالس فيها حك وكلام ينتج عنها مثل هذه المواقف.
الجانب الثاني أو العاطفة الثانية وهي ذات خطب عظيم وكبير وهي عاطفة الحماسة وقد سلف لنا في حديث الجمعة الماضية أيضاً في حديث الهجرة وواقع الدعوة كلام يمس هذا الجانب في إطاره العام؛ فإن الحماس عاطفة طيبة، وهي عاطفة الغيرة الإيمانية التي امتدحها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: (أتعجبون من غيرة سعد فوالله إني لأغير منه) وكان النبي - عليه الصلاة والسلام - لا يغضب لشيء إلا أن تنتهك محارم الله - عز وجل - فلا يقوم لغضبه قائم.
هذه العاطفة؛ من النصرة للمسلمين والغيرة على هذا الدين، والحمية ضد أعداء الإسلام والمسلمين، عاطفة عظيمة جداً هي أساس من أساسيات وصور وقوة إيمان المسلم، ولكن هذه الحماسة قد تندفع فتطغى ويأتي من وراءها كثير من الأمور والمخاطر، وقد يقول قائل أيضاً في جانب آخر: لابد أن نضبط العاطفة الحماسية ولابد أن نقيدها، ولابد أن نروضها، ويبالغ في هذا حتى يئدها ويقتلها.
نحن لا نريد للجمرة أن تنطفئ، لكننا نريد أن يبقى فيها بقية الجمر حتى إذا تدحرجت في الوقت المناسب أشعلت تلك الأوراق والأخشاب أو الهشيم أو الحصير الذي تلامسه فتشعله فيؤدي ذلك الاشتعال إلى المطلوب، لكن تلك الحكمة التي يزعمها بعض الناس، ويريدون أن يطفئوا بها جذوة الحماسة، وأن يجعلوا أجيال الإسلام، وشباب الدعوة راكنين إلى الدنيا، مطمئنين إلى ملذاتها، يشربون بارد الشراب، ويأكلون طيب الطعام، ولا تتغير نفوسهم غيرةً ولا غضباً، ولا حميةً لدين الله، لا في كلمة حماسية، ولا في غيرةإيمانية، ولا في إنكار منكر، هذا ليس مطلوباً!
وفي الجانب الآخر ليس مطلوباً ذلك الاندفاع الذي يؤدي بالدعوة إلى المخاطر والمهاوي فيما يتعلق بمواجهة الأعداء، أو بظروف الضغط والاضطهاد والتعذيب والمطاردة والملاحقة للدعوة والدعاة؛ فإن للمسلم أمور كثيرة أولها: أنه منضبط بضابط الشرع فليس هو متصرف بردود الأفعال وليعلم ما قاله الصحابة في بيعة العقبة للنبي - عليه الصلاة والسلام -: لو شئت أن نميل على أهل الوادي لفعلنا. فقال: (كلا! فإنا لم نؤمر بذلك).
وليعلم كيف روض النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك العاطفة المتدفقة في عمر - رضي الله عنه - يوم الحديبية لما جاء وقال: يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟! عاطفة صادقة لم ينكرها - صلى الله عليه وسلم - ولم يعبها على عمر، ولكنه قال: إني رسول الله وإنه لن يضيعني. فذهب إلى أبي بكر ليرى رجاحة العقل، واستقرار النفس، وقال له ما قاله للنبي - عليه الصلاة والسلام - فقال أبو بكر: الزم غرزه فإنه رسول الله، ذلك هو الفرق بين رجاحة العقل وسكون النفس عند أبي بكر، فلم تجمح به العاطفة ولو في إطارها المقبول، وتلك العاطفة المتدفقة من عمر - رضي الله عنه - لم تنطلق من إسارها، بل رجعت على أعقابها بحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلا قد وقع في نفوس الصحابة يوم الحديبية، ولست في صدد ذكر الأحداث، ولكن لما جاء أبو جندل يرسف في قيوده، والمسلمون على بعد خطوات منه، وهو يستنجد بهم ويصرخ، ويريد أن يلحق بهم ويخرج من هذا الاضطهاد، وهم الذين خاضوا المعارك، وضحوا بالشهداء، ويرون هذا المنظر أمام أعينهم، ولكنهم ينضبطون ويلتزمون حكم النبي - عليه الصلاة والسلام - ويقع في نفوسهم أيضاً أنهم عندما أمرهم - عليه الصلاة والسلام - أن يحلقوا رؤوسهم، ويتحللوا من عمرتهم، فلم يستجيبوا في أول الأمر، لما كان قد خالط القلوب والنفوس من هم وغم وكرب وضيق، فلما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشورة أم سلمة فحلق، ابتدروا يحلقون حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً، وحتى سالت دماء بعضهم - رضوان الله عليهم أجمعين -.
إذاً لابد من هذه العاطفة المتأججة في الشباب أن لا تستفز، وأن نعلم أن أعداء الدعوة يريدون لها أن تستفز، وأن تخرج عن إطارها، ليشوهوا صورة الدعاة، ويروا الناس أنهم متهورون، وأن تصرفاتهم هوجاء، وليست الحماسة المندفعة في التصرفات، بل في الكلمات، فأنت تسمع من الكلمات ما قد يكون أفتك وأخطر وأكثر هولاً من الأفعال، لأن الكلمات فيها أحكام، ولنا مع الكلمة جولة - إن شاء الله - كما سأذكر في آخر الحديث ما أسباب تلك الحماسة التي قد تندفع وتخرج عن الإطار:
الأسباب الدافعة للحماسة:
أولاً: الدافع النفسي؛ إذ في النفوس حمية وطبيعة لقطف الثمرة، وتحقيق الفكرة إذا اقتنعت بفكرة؛ فإنني أحب أن تتحقق الفكرة الآن قبل أي وقت آخر، وهذا طبع بشري.(11/94)
ثانياً: الحرارة الإيمانية؛ الإيمان الذي يذكي حماسة القلب والنفس ويريد لها أن تندفع ولكن إذا تمعن فليعلم قول الله - عز وجل - {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} ليس المسلم الذي يستجيب للعاطفة دون هذا الضبط أيضاً هناك واقع أعداء الدعوة الذين يحكمون قبضتهم على كثير من مقدرات المسلمين، ليس في بلاد الكفر، بل في بلاد الإسلام والمسلمين، فأنت ترى القبضة محكمة في إطار الحكم والسياسة، وفي إطار التربية والتعليم، وفي إطار الدعاية والإعلام، فقلّ أن تجد في كثير من بلاد الإسلام نصرةً للدين والدعوة، بل على العكس تجد في كثير من ممارساتها حرباً على الدين والدعوة، وهذا يستفز المشاعر أيما استفزاز، كيف نكون في بلد إسلامي وإذا بصحف في تلك البلاد أو مشاهد في إعلامها تعلن الكفر الصريح، دون أن يسمح لمعترض أن يعترض، أو لمنكر أن ينكر، إن ذلك قد يكون أحياناً أكبر مما تحتمله بعض النفوس التي لم تروض ولم ترب التربية الكافية.
وأيضاً من الأسباب؛ الجهل بأساليب الكيف الذي يخطط لها الأعداء ويمارسونها لهم أساليب ملتوية وخبيثة يريدون من خلالها الدعاة والشباب منهم على وجه الخصوص فيما لا تحمد عقباه.
ثالثاً: كثرة المنكرات التي تواجه الشباب في كثير من الوقائع العملية سماعاً ونظراً وقراءةً وفي كل الصور.
رابعاً: ضعف النفوس عن طول الطريق؛ فإن الطاقات تختلف، فلو تصورت الدعوة عبارة عن حمل ثقيل، فهناك أصحاب أجسام قوية، وعضلات فتية، يمكن أن يحمل ويسير ما شاء الله له أن يسير ولا يتعب، ومنهم من يمشي بعض خطوات أو قليل من الطريق ثم يقول: لابد أن أتخفف، وأن أنطلق لأبلغ المراد من غير هذا الطريق.
خامساً: أمر في غاية الأهمية وهو: عدم وجود القدر الكافي من التخطيط الدعوي الذي يستوعب طاقات الشباب، فلا يولد حماسة، ولا يجعلهم يبردون ويسكنون، وتموت نفوسهم وهممهم، كما أنه يجعلهم ينفسّون هذه الطاقة في ميادين عملية، تحقق إيجابيات للدعوة ولهذا الدين، ويدركون خلالها أن جولتهم مع الباطل يمكن أن تكون طويلة المدى، وأن تحقق بعض النجاح في جانب، ثم في آخر، ثم في ثالث، وإذا بالجولة بعد ذلك تتكامل انتصاراتها، وتؤدي ثمرة من الثمار المرجوة.
سادساً: عدم الخبرة الكافية والتجربة والنظر في التجارب الواقعية في الحياة الإسلامية هناك في سيرة النبي - عليه الصلاة والسلام - دروس كثيرة، وعبر لكن في الواقع الدعوي المعاصر دروس كثيرة لمجرد الحماس غير المتزن بضابط الشرع، ولا بنظر المصلحة على الدعوة والدعاة، ومن ذلك أيضاً الغفلة عن سنن الله - عز وجل - في طبيعة التدرج، وطبيعة الصراع بين الحق والباطل، وكما يقولون: ينتصر الباطل في جولة وجولة، ولكن الجولة الأخيرة فينبغي أن يكون يقيننا أنها للحق وأن العاقبة للمتقين وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق لابد أن ندرك أن الأمر في ختامه لهذا الدين وأن النصر له والبشارات في ذلك معروفة مأثورة مذكورة، فينبغي أن لا نخرج عن إطارها.
سابعاً: - وهو الذي أختم به -؛ وهو سبب عدم الفقه في الدين، علماً بالشرع وتنزيلاً له على الواقع؛ فإن بعض الشباب يأخذ النص وينزله إنزالاً بعيداً عن ما فهمه أهل العلم بل ما فهمه الصحابة - رضوان الله عليهم - ومن جاء بعدهم من العلماء الذين عرفوا أن للأحكام تغيراً بتغير الظروف والأحوال والأشخاص، وأن هناك مراتب للأحكام وهناك واجبات، وهناك سنن ومندوبات، وهناك محرمات ودونها مكروهات، فلا ينبغي التسوية هكذا بين الأمور على عجلة دون روية، وهذه أيضاً مشكلة من المشكلات.
والثالثة التي نختم بها حديثنا: مسألة الغيرة بعد المحبة، وهذه للأسف أيضاً مشكلاتها كثيرة، وأعني بالغيرة غيرة التنافس في ميادين الدعوة؛ فإذا ببعض الدعاة يغار أو يغضب من إخوة له يحبون الخير، ويسعون له، ويسيرون في طريقه، ويضربون الناس فيه، لكن باجتهاد يخالف اجتهادهم، فإذا رأى الناس أقبلوا عليهم دونه، أو اقتنعوا بفكرتهم وأسلوبهم دونه، إذا به تستعر في نفسه غيرة هي عاطفة في الأصل قد تكون محمودة إذا أخذناها على غرار قول الله - عز وجل -: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}، وإذا أخذناها على أنها تكامل لا تصادم، وتعاون لا تراشق، وقد أخبر النبي - عليه الصلاة والسلام - عن ذلك بقوله: (إن الشيطان يئيس أن يعبد في أرضكم هذه ولكن في التحريش بينكم)، فإذا بهذه الغيرة تتحول إلى نوع من البغضاء أو الشحناء، وتؤدي إلى صور كثيرة نراها في صور من الواقع الدعوي، لا تخطئها العين.
من هذه الصور: التنافر والبعد؛ فنحن نعلم أن المسلم أخو المسلم، وينبغي أن تربط بين المسلمين أخوة الإيمان، فإذا كان أولئك المسلمون دعاة فأمر أخوتهم ومحبتهم ينبغي أن يكون آكد وأقوى، فما بالنا نرى عوام الناس من كبار السن من آبائنا وإخواننا الكبار أو أجدادنا وأمهاتنا والعجائز في قلوبهم من الصفاء والنقاء والألفة والمحبة ما نفتقده بين شباب نذروا أنفسهم للدعوة، أو نصبوا أنفسهم للدعوة، أو رفعوا راية الدعوة، أمر لا يمكن أن يكون مقبولاً في ميزان الشرع ولا في منطق العقل.
والصورة الثانية: مرحلة أخرى وهي التحذير والتشويه؛ فلا يكتفي من أن ينفر منهم، بل يحذر الآخرين منهم، ويشوه صورتهم، وهذا لا شك أنه فساد في الطوية، واختلال في النية، وسأذكر بعض الأسباب أيضاً التي تبين هذا، لكن هو يشكل صورة لنفسية مريضة لم تتغذى بغذاء الإيمان، ولم تتطهر بطهارة الإسلام.(11/95)
والثالثة - وهي أخطر منهما -: تجاوز الحدود الشرعية في أمر ذلك التحذير أو النفرة أو التعامل عموماً، فإذا به يستخدم التورية كما يزعم ليصرف الناس عن من يقولون: إنه على باطل ثم إذا بالتورية تغدو كذباً صريحاً، بل يتجاوز الأمر ذلك إلى إحكام الكيد، وتدبير المؤامرات، وتلمس العيب، وتتبع الأخطاء، وتجاوزات شرعية، ليس لها آخر - كما يقولون - وأذكر في هذا الصدد الأسباب التي تؤدي إلى هذه الظاهرة:
الأسباب المؤدية إلى جنوح عاطفة الغيرة:
أول هذه الأسباب التي تجنح بهذه العاطفة - أي عاطفة الغيرة -: ـ عدم قوة ورسوخ التربية الإيمانية إذ المؤمن الذي يتربى على خلال الإسلام، وآداب هذا الدين، يعلم أن آصرة الأخوة، وأن أمر المحبة في الله - عز وجل - يقضي بألا يكون هناك هذا التنافر، وتلك البغضاء، وقد قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا ) وبدأ في هذا الحديث بقوله (إن الظن أكذب الحديث) أي بمجرد الظن السيئ الذي تسيء إلى أخيك به؛ فإن هذا الظن يورث في النفس نوعاً من النفرة ويزرع بذرة من بذور البغض ليس هذا محلها ولا مكانها.
الأمر الثاني: ـ عدم استحضار طبيعة الواقع الدعوي انظر إلى المجتمعات الإسلامية كم ترى فيها من الملتزمين شرع الله، كم ترى فيها من الدعاة، كم ترى فيها من العلماء، ترى قلة وأنت تريد أن تجعل هذه القلة بصنيعك أقل من القليل، فتفرق صفها، وتشيع الفرقة بينها وتشوه صورتها لينفر الناس عنها ومنها، وإذا بك في حقيقة الأمر تسيء إلى الدعوة، ولا تستحضر أمر المواجهة والكيد الذي يحاك، ويوجه للدعوة والدعاة، على اختلاف اجتهاداتهم وتصوراتهم، إن واقع العصر اليوم يدلنا على أن المسلم يعادى ويكاد له ويضطهد لمجرد كونه مسلماً ولو كان مسلماً بالاسم فكيف إذا كان مسلماً يعرف إسلامه، ويلتزم شرع الله - عز وجل - ويدعو إليه ويريد أن يحي موات هذه الأمة، وأن يرفع راية الجهاد فيها؛ فإذا كان هؤلاء الدعاة على هذا القدم، فإنهم ألد الأعداء، وأعظم الخصوم، بالنسبة لمن يحاربون هذا الدين، فإذا كنت أنت بهذه الغيرة المنحرفة تساهم في ضربهم أو تشويههم؛ فإنك كأنما أخذت معول الأعداء لتريحهم من بعض العناء، كما ورد عن بعض السلف أنه سمع أحدهم يجرح أخاً له فقال: هل قاتلت الترك؟ قال: لا، قال: هل قاتلت الروم؟ قال: لا، قال: هل قاتلت الهند؟ قال: لا، قال: أفيسلم منك أهل الروم والترك والهند ولا يسلم منك أخوك المسلم؟ عجباً لأولئك القوم، لم يسلم المسلمون من ألسنتهم، ولم يسلموا أيضاً من التخطيط الذي يبدعون فيه ويبذلون فيه جهدهم لحرب إخوانهم وهم ليس لهم في مواجهة الأعداء أي جهد يذكر، وبالتالي فهم في هذا يساهمون في هذه الخطورة العظمى.
ثالثاً: ـ الأمراض النفسية من الكبر أو حب الذات والأنا أو الغرور؛ فإن بعضاً من أولئك فيه علل مستعصية، وأمراض سرطانية تحتاج إلى استئصال، وما لم تستأصل؛ فإن نفسه تدفعه وتقوده وتدعوه إلى مثل ذلك السلوك، ومن ذلك أيضاً - وهو سبب مشترك كما سبق أن أشرت - عدم الفقه أو العلم، يقول: الحق أحق أن يتبع، ويقول: لا بد أن أهجره في الله، ويقول: لا بد أن يكون هناك مفاصلة، عجباً كيف توقع الأمور في غير موقعها، وتنزل النصوص في غير ما هي مخاطبة به أو منطبقة عليه؛ فإنك تجد أن مجرد اختلافه مع أخيه في رأي واحد، أو في مسألة واحدة، تجعله يبدعه أو يفسقه، ويرى أن من الواجب الشرعي أن يهجره، بل من الواجب الشرعي أن يحاربه، هذا فقه سقيم، وجهل مركب - كما يقال - فهذه بعض تلك الأسباب لانحراف الغيرة عن واقعها الصحيح، وبالجملة؛ فإن هذا الانحراف العاطفي واقع في صفوف الدعوة وشبابها، وإحكامه يكون بالتربية الإسلامية والعلم الشرعي، والإدراك الواقعي، والقيادة الراشدة، وليعلم العلماء والدعاة والخطباء أن مسئوليتهم مضاعفة، فينبغي ألا يكونوا سبباً في توسيع شقة الخلاف أو إذكاء نار التباغض أو التحاسد أو غير ذلك، وينبغي أن يعلم كل مسموع الكلمة أن كلمته يطيرها عنه المطيرون، وينقلها عنه الناقلون، ويفهمها عنه الفاهمون وغير الفاهمين وهو في آخر الأمر يدرك مثل هذا، لكنه للأسف لا يلقي له بالا، فإذا كان هناك شباب صغار؛ فإن لهم كبار، ولو توقعنا أنهم أخطأوا، فلنا أن نغض الطرف عنهم، أو أن نعتذر لهم بجهلهم، لكنهم إن رجعوا إلى من يستشيرونه أو يقتدون به، فوافقهم على خطأهم، أو شجعهم عليه، عرفنا أن تركيبة عقولهم، وأن صيغة تربيتهم مبنية على أساس خاطئ، ويكون الأمر حينئذً أكبر وأخطر، فالصغير أو الجاهل يغتفر منه ما لا يغتفر من غيره، فهذه بعض المعالم والملامح المتعلقة بأمر العاطفة والدعوة، وأسأل الله - عز وجل - أن يعصمنا من الزلل، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
http://nlpnote.com المصدر:
===============
ياخي ما ني مطوع
ممتعض
- 1 -
في معركة القادسية، وفيما المسلمون في أعلى حالات التأهب والاستعداد، وقائدهم الأغر سعد بن أبي وقاص (أحد العشرة المبشرين بالجنة)، مضطلع بهكذا خطب، ومهموم بهكذا جلل، يشكو في الوقت ذاته مرضا ألم به، لتتكامل عليه وله الأجور من كل ناحية..!
فهمٌ في القلب، ووجع في الجسد، واضطلاع بالخطب! أقول وفيما هو والجمع كله على هذه الحالة من الغبرة والشعث، يؤتى بأبي محجن الثقفي يُقاد لسعد لشربه الخمرة..!(11/96)
وأين سعد من هكذا حالة تعتبر ثانوية قبالة بيضة الإسلام، وثغره الشرقي، والذي إن أُستبيح اليوم فليغسل المسلمون أيديهم من كل شرق للأرض بعدها.. !
لكنه حد الله، فيأمر سعد بحبسه، حتى تستقيم الحالة، ويخف الكرب.. !
ويُحبس أبو محجن الثقفي في خيمة سعد، حتى يقضي الله للمسلمين الخيّرة من أمرهم!
وجاء اليوم المرتقب، واصطفت العساكر، عساكر الرحمن، وعساكر الشيطان، وتعالى التكبير، وتقعقعت السيوف، وسُمع الصهيل، وتعالت الصيحات من كل جانب: يا خيل الله اركبي.. !
وأبومحجن الثقفي يسمع هذا كله، وهو الغضنفر العربي، والأسد الإسلامي، فتهيج روحه، ويطيش عقله، وهو في قيده يرسف كالأسد حيل بينه وبين عدوه.. !
تحمر وجناته، ويتشاعث شعره، ويهدر فمه، ويتقاطر لعاب الغضب من بين ثناياه، لُمس الزند فاشتعل، فُتح السد فانهمر، ياااااااخيل الله اركبي.. !
أينك يا سعد.. ؟!
يااااسعد... ؟!
يااااسعد.. ؟!
لكن لا سعد هنا، فخال رسول الله يدير القادسية.. وما أدراك مالقادسية.. ؟!
حسناً.. هناك حل.. !
ياسلمى "زوجة سعد ".. !
يااااااسلمى.. !
تأتيه سلمى زوج سعد: مالك يا أبا محجن.. ؟!
فيصيح كالمهبول المجنون: نشدتك الله ياابنت الأكرمين أنت والنساء عندك إلا ما حللتن قيدي لألقى أعداء ربي، ولكُنّ عهد الله وميثاقه وأغلظ أيمانه إلا ما عدت لقيدي إن لم يكتب الله لي شهادةً.. !
تتردد زوجة سعد والنسوة حولها ثم تسأله: كيف لك الوصول لأرض المعركة وهي قد بدأت.. ؟
فيجيبها وهو العالم بمرض سعد: أين البلقاء فرس سعد؟!
فتجيبه: بالجوار.. !
فيقول أبو محجن: أركبها غفر الله لك.. !
وتفتح النسوة لأبي محجن الأقفال، فينطلق كأنه انطلق لعروس أرض، وفاكهة صيف، وسلسبيل قيظ، لا كأنه يسير إلى الموت الأحمر، والوطيس الأشعل.. !
وينطلق على فرس سعد وسيفه بيده يهزه، ولسانه يصرخ: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. !
فعجت بقلبي دماء الشباب *** وضجت بصدري رياح اخر.
ويدخل المعركة يزيل الرأس عن هام هذا، ويطأ عنق هذا، ويخلص مسلماً من ذاك.. !
وسعد يرقب المعركة لمرضه، وإذا به يرى فرسه، فيقول: الضرب ضرب أبي محجن، والكرُ كر البلقاء.. !
وفيما المسلمون كلهم قلب أبي محجن، ينطلق أبطالٌ شباب إلى خيمة قائد الفرس "رستم "، لسان حالهم: لا نجونا إن نجا.. ! ولسان شجاعتهم: اقتلوني ومالكاً أو اقتلوا مالكاً معي.. !
وفيما الفُرس في كر وفر، إذا هم برأس "رستم" رامسفيلد زمانهم- على أعلى الرماح في وضح الشمس، فعن أي شيء تدافعون يا فُرس.. ؟!
فينهزم الفرس، وينتصر المسلمون، وتصير الطرق أمامهم إلى المدائن عاصمة الفرس مفتوحة لا يردها إلا مشيّهم.. !
ويأتي البطل أبو محجن مسلما نفسه لسعد بعد نهاية المعركة.. !
فيصيح سعد فرحاً بما صنع: والله لا أحدك بعد بلائك...!
ويصيح أبو محجن: والله لا شربتها بعد يومي هذا....!
-2-
الخير في اتباع من سلف والشر في ابتداع من خلف، ومدار الدين على أربعة أحاديث منها " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ".
يأمر الخليفة العباسي " المأمون " بترجمة كتب اليونان وفلسفتهم. وينسل إلى عقلية الثقافة الإسلامية بعض أوضارها، وتظهر عالي موجتها في القول المحدث بـ " خلق القران ". وينشر الخليفة هذا القول بالآفاق، ويأطر الخلق على هذا الباطل أطراً!
فيستجيب خلق لهذا خشية وتقاةً، ويأبى اثنان "أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح "!
ويحملان إلى الخليفة في السفينة، وفيما هما في الطريق يموت محمد بن نوح وهو يوصي أحمد بأنه ليس مثله! فأحمد إمام وإن هو استجاب لهذا الباطل تبعه العوام والخواص، ثم يلفظ أنفاسه مودعاً الدنيا بوصية خالدة!
ويقدم أحمد على الخليفة " المعتصم " مات المأمون وأحمد في طريقه إليه بعد دعاء أحمد ألا يراه فيأمر"المعتصم " بسجنه، وها هنا غرضنا يأتي!
في السجن يدخل أحمد بن حنبل، وهو رجل نحيل الجسد، رقيق البنية فيقول: أنا لا أخاف فتنة السجن فما هو وبيتى إلا واحد.. ولا أخاف فتنة القتل فإنما هى الشهادة.. إنما أخاف فتنة السوط... و فى يوم أخذوا الإمام ليجلدوه فظهر على وجهه الخوف و الجزع وفى أثناء خروجه الى الساحة لمح ذلك فى وجهه لص شهير اسمه أبو هيثم الطيار فقال له: يا إمام لقد ضربت 18000 سوط بالتفاريق أى على امتداد عمري وأنا على الباطل فثبتُ، وأنت على الحق يا إمام فاثبت لأنك إن عشت عشت حميدا و إن مت مت شهيدا.... !
و قد ظل الإمام بن حنبل يدعو للطيار كل ليلة بعد ذلك اللهم أغفر له... فلما سأله ابنه يا أبتي إنه سارق قال و لكنه ثبتني.
يقول الجلاد: لقد ضربت بن حنبل ضربا لو كان فيلا لهددته. و فى كل مرة أقول السوط القادم سيخرج من فمه من شدة هلهلة ظهره...
- 3 -
في الكنانة المحروسة " مصر "، يدب وهن العقيدة في القرن الماضي، وتهب عليها رياح التغيير الفكري من كل زاوية.. سياسةً.. فكراً.. اقتصاداً.. تعليماً.. أدباً.. شعراً.. !
في كل شيء، ولكل شيء شياطين وأشقياء عاهدوا الشيطان أن يحولوها إلى جاهلية في كل صادر ووارد.. !
وكان من أسلحتهم الماضية "سلاح اللغة والأدب ".. !
نعم فاللغة لغة القران، والأدب ديوان العرب، والشعر لسانهم.. !
ويأتي "الرغاليون الجدد "، وفحيح حرفهم يملأ الصحف، ويسود الكتب، ويصم الآذان.. !
وكان لهم هزبر ضاري، وكاتب ضرغام، وشاعر مصقع.. لقد كان " مصطفى صادق الرافعي ".. !
ولست هنا في طور تأصيل مقامه الأعلى، ومنقبته العظمى، في الذود عن دين الله في كنانة الله، لأن هذا موضوعي القادم إن شاء الله.. !
لكن ما أنا بصدده هو " ياخي ماني مطوع ".. !(11/97)
ولأترك المجال الآن لصديقه الوفي، وتلميذه النجيب "محمد سعيد العريان " ليُقص بدلاً عني، ويروي لساناً مني، ليقول لكم " كثير من الذين يقرأوا للرافعي ويعجبون به، لا يعرفون عنه إلا هذا الأدب الحي الذي يقرأون، بل إن أكثر هؤلاء القراء ليتخيلونه شيخاً معتجر العمامة، مُطلق العذَبة، مسترسل اللحية، مما يقرأون له من بحوث في الدين، وآراء في التصوف، وحرص على تراث السلف، وفطنة في فهم القران، مما لا يدركه الشيوخ.. وكثيراً ما تصل إليه الرسائل بعنوان: " صاحب الفضيلة الشيخ مصطفى صادق الرافعي.. " أو " صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر.. ".
ومن طريف هذا الباب رسالةٌ جاءته من حلب منذ قريب يُبدي كاتبها دهشته أن يرى صورة الرافعي منشورةً في " الرسالة " إلى جانب مقالته في عدد الهجرة، مطربشاً، حليق اللحية، أنيق الثياب، على غير ما كان يَحسَبُ، ويتساءل كاتب الرسالة: " لماذا يا سيدي أُبدَلتَ ثياباً بثياب، وهجرت العمامة والجبة، والقفطان، إلى الحلة والطربوش؟ ألك رأي في مدنية أوربة وفي المظاهر الأوربية غير الرأي الذي نقرؤه لك.. ؟ ".
وما كان هذا السائل في حاجة إلى جواب، لو أنه عرف أن الرافعي لم يلبس العمامة قط، وهذا لباسه الذي نشأ عليه منذ كان صبياً يدرج في طربوشه وسراويله القصيرة، يوم كان تلميذاً يدرس الفرنسية إلى جانب العربية بمدرسة المنصورة... " ا. هـ.
أحسبني غير محتاج لأن أشرح مشروح.. !
-4 -
قال الشيخ علي الطنطاوي متحدثا عن الشيخ معروف الأرناؤوط رئيس تحرير صحيفة "فتى العرب" في الشام قبل نحو 80 سنة من الآن..
يقول الطنطاوي: كنت أعمل مع معروف الأرناؤوط محررا في صحيفته وكان يكتب مقالات إسلامية حماسية تهز العالم الإسلامي..
لكنه كان قرندلا.. وكان يشرب الناركيلة.. وكان كما قال الطنطاوي: أول من حلق شاربه في سورية.. فجاء مرة وفد من علماء الهند.. لهم لحى كثة.. يبحثون عن الشيخ معروف الأرناءوط.. يريدون السلام عليه.. لما يعرفون من كتاباته الإسلامية القوية..
فأشاروا إليهم أنه في المقهى.. فجاءوا وسألوا أين الشيخ معروف الأرناؤوط؟! فتنبه للأمر واستحيا وخرج من المقهى وقال سأدلكم عليه.. فخرج بهم وبحث عن شيخ ذي لحية كثة واتفق معه أن يتقمص شخصيته، وقال لهم هو ذا.. فسلموا عليه ظانينه معروف الأرناؤوط!!
-5
يحكي وعهدتها على من رواها لي أحدهم بأن رجلاً رأى في منامه ولليالي متعددة اسم شخص لا يعرفه وختام رؤياه أن هذا الرجل من أهل الجنة!
فيسأل بعض من اختصه الله بتأويل الرؤى فيشير عليه بألا مناص من بشارته!
فيسأل عنه ملياً حتى قيل له أنه من أهل مكة المكرمة. ثم استطاع الوصول إليه بشق الأنفس وهو يظن بأنه سيلقى رجلاً كث اللحية، صبوح الوجه، آثار الخشعة بين عينيه!
يقول وعهدتها على راويها بأنه جاءه وهو يغسل سيارته عند بابه، فسلم عليه وسأله: أأنت فلان؟!
قال: نعم أنا هو!
فيخبره الرجل خبره، فينهمر الرجل المُبشَّر باكياً مسُتكثراً من البكاء!
وبعد أن هدأ وخف نحيبه، يسأله الرجل الرائي قائلاً: لا بد أن لك إلى السماء سبب، فدلني عليه!
فيرد عليه الرجل: والله لا اعلم لنفسي من خير وإنما هو ما ترى، إلا أن مرتبي أربعة آلاف ريال، أقسمه نصفين بيني وبين أولاد جاري الأيتام، والذين لا كافل لهم بعد الله إلا أنا!
ولا غرو يا سادة.. أفلم يقل رسولنا الكريم - عليه الصلاة والسلام -: " أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وقرن بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام ".
-6-
يروي أحد الدعاة قصةً لطيفة فيقول: بينما أنا في هجعة الليل إذا بطارق يطرق الباب عليّ بقوة وغلظة!
يقول فانتبهت قائماً وخرجت للباب مسرعاً، فإذا أنا بشاب تفوح منه رائحة الدخان، وحليق، ويخبرني بأنه قد أسلم على يديه اثنان من عمالته بعد إن اجتهد عليهما أشهراً، ويسأل كيف يعمل الآن بعد إسلامهما!
حِمى الفكرة ولباب المقصد
" يا خي ماني مطوع "!! لزمةٌ لسانية نسمعها كثيراً في مجتمعنا حين يُطالب مسلم أن يقدم لربه قرباناً من دعوة أو كلمة حق أو نصرة عدل أو إنكار منكر!
" يا خي ماني مطوع " الإسلام بريء منها براءة ربانيته من رهبانية النصارى وكهنوتهم!
" يا خي ماني مطوع " كم عطلت من مشروع، وقتلت من موهبة، وأخرت من فتح!
إن هذا الدين دين عظيم، جاء ليشمل نقص الإنسان بواسع فضله، ويلغي عطلة البشر بملائمة أعماله لفروقاتهم الفردية، ومقدراتهم الإنسانية.
هذا الدين الكامل والقادر على احتواء هذا الخلق بنقصهم وضعفهم وعجزهم، أقول هذا الدين الكامل جاء ليقول للجميع " الإيمان بضع وسبعون شعبة "!!
فإن كانت بعض مظاهر الإيمان جوارحية كـ تقصير الثوب وإعفاء اللحية، فإن هناك أعمالاً قلبية وأخرى جوارحية يستطيع الإنسان من خلالها أن يعوض قصوره في شعبة، بتمامه من أخرى!
فكم من حليق هو أخدم لهذا الدين من ملتح! وكم متلبس ببعض الذنوب هو أحرق على الشرع من طالب علم في حلقة!
إن دعوتي هاهنا تخص في المقام الأول ما أستسيغ تسميته بـ " الالتزام الفكري "!
إن الفكر إذا صفا من أدران الأفكار المشبوهة، ونجاسات الأيدولوجيات المحدثة، فهو على خير إن شاء الله - تعالى -!
وما علينا جميعا إلا تعويض قصورنا السلوكي بتمامنا الفكري علّ الله أن يصفح عن كثير، ويُجازي عن قليل!
إن دعوتي وبالأخص في هذا الزمان الخانق على أمة الإسلام أن تتكامل ولا تتضاد، وان يشترك عاليها طاعةً بنازلها قصوراً في الذود عن حمى الإسلام الأغر!(11/98)
بل علينا تفعيل حتى من تلبس ببعض البدع الغير مخرجة من ملة الإسلام، فهاهم بعض علماء الإسلام قد تلبس بعضهم ببعض البدع العقدية، مما سببه سيادتها في زمانهم، وتعتبر خدماتهم من أجل الخدمات التي قدمت للإسلام، وما ابن حجر والنووي والبيهقي منّا ببعيد، رحمة الله عليهم جميعاً!
لقد جعلنا -للأسف -من " اللحية " جوازاً لـ " واعملوا الصالحات "! بينما الجواز الأول هو " لا إله إلا الله "!
نعم لقد جعلنا اللحية بوابة العمل للإسلام وما اللحية إلا عمل من أعمال الإيمان، يجب أن توضع في مناطها الصحيح من كونها معصية لا ننكر ذلك لا تمنع من الخدمة والسُخرة لهذا الدين الخاتم!
ويحنا ثم ويحنا.. إن لم يطب الحال أفلا يطب المقال.. ؟!!
ما بالنا نذكر وباستحضار كثير قول رسول الله - عليه الصلاة والسلام - "وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم "!
وفي المقابل لا نتذكر الجملة التي سبقتها في نفس هذا الحديث القائل "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات"
فالحديث نص سياقه كما في البخاري: " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم".
إن خدمة الدين في الإسلام عامة، ولا يختص منها إلا الفتيا التي هي لأهل الذكر، يقول ابن القيم في نونيته:
هذا ونصر الدين فرض لازمٌ *** لا للكفاية بل على الأعيان
إننا باختصار نقول: الدعوة للجميع والفتوى لأهل العلم.. !
ولكي ترتاح الأنفس، وتثق العقول، فيُقوي قلبي إحالة أعينكم لحروف أسد الدهر، وبقية ما ترك الأولون، شيخنا نحن المقصرين كما هو شيخ طلبة العلم، العلامة الأشم سفر بن عبد الرحمن الحوالي ليقول لكم في معرض ما يجب على الأمة في هذه الفترة ما نصه: ".. تجييش الأمة كلها لمواجهة أعدائها المتكالبين من كل مكان مع تنوع وسائلهم وطوائفهم. وترك الاستهانة بأي قوة في هذه الأمة لفرد أو جماعة وبأي جهد من أي مسلم، ونبذ التقسيمات التي حصر بها بعض طلبة العلم الاهتمام بالدين على فئة معينة سموها "الملتزمين" فالأمة كلها مطالبة بنصرة الدين. وكل مسلم لا يخلو من خير. والإيمان شُعَب منها الظاهر ومنها الباطن، ورب ذي مظهر إيماني وقلبه خاوٍِ أو غافل، ورب ذي مظهر لا يدل على ما في قلبه من خير وما في عقله من حكمة ورشد. وهذا لا يعني إهمال تربية الأمة على استكمال شُعَب الدين ظاهراً وباطناً، بل إن استنفار الأمة كلها لنصرة الدين وتحريك الإيمان في قلوبها هو من أسباب توبة العاصي ويقظة الغافل، وتزكية الصالح.
وهذا جيش النبي - صلى الله عليه وسلم - خير الجيوش لم يكن من السابقين الأولين محضاً بل كان فيه الأعراب الذين أسلموا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، وفيه مَن خَلَط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وفيه المُرجَون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، وفيه من قاتل حمية عن أحساب قومه فضلاً عن المنافقين المعلومين وغير المعلومين، وإنما العبرة بالمنهج والراية والنفوذ التي لم تكن إلا بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم بيد أهل السابقة والثقة والاستقامة من بعده.
ولو لم نبدأ إلا باستنفار مرتادي المساجد لرأينا الثمار الكبيرة، وكذلك الأقرباء والعشيرة وزملاء المهنة وإن تلبسوا بشيء من المعاصي الظاهرة.
والمقصود أن نعلم أن حالة المواجهة الشاملة تقتضي اعتبار مصلحة الدين قبل كل شيء، فالمجاهد الفاسق بأي نوع من أنواع الجهاد والنصرة خير من الصالح القاعد في هذه الحالة " ا. هـ.
وختاماً وقبل أن يظنني بعض إخوتي أمارس إرجاءً مبطناً هاهنا، وأبتغي لنفسي ولبني طينتي السلوكية عذراً، أقول إنني أحيل الجميع للشيخ الأديب علي الطنطاوي ليجيب لي وعني كما في مقالته " صناعة المشيخة " من كتاب " مع الناس " ليقول: " أما حلق اللحية فلا والله ما أجمع على نفسي بين الفعل السيئ والقول السيئ، ولا أكتم الحق لأني مخالفه، ولا أكذب على الله ولا على الناس. وأنا أقر على نفسي أني مخطئ في هذا، ولقد حاولت مراراً أن أدع هذا الخطأ ولكن غلبتني شهوة النفس وقوة العادة، وأنا أسأل الله أن يعينني على نفسي حتى أطلقها فاسألوا الله ذلك لي فإن دعاء المؤمن للمؤمن بظهر الغيب لا يُرد إن شاء الله " ا. هـ
ثم إن الشيخ علي الطنطاوي ذكر في هامش مقالته ما نصه: " وقد أعانني، فله الحمد "، ونسأل الله أن نقول مثل قوله قريباً غير بعيد.
http://www.saaid.net المصدر:
=============
ما الممارسات الخاطئة في تغيير المنكر
ما الممارسات الخاطئة في تغيير المنكر ؟ وكيف يمكن علاجها ؟
الممارسات الخاطئة في تغيير المنكر تتلخص فيما يلي :
1ـ أن يقوم بتغيير المنكر من لا علم عنده بما يحل ويحرم وما هو منكر وما ليس بمنكر؛ فإن هذا يفسد أكثر مما يصلح، وقد يُحرِّم حلالاً ويُحِلُّ حرامًا . ولا يستطيع دفع الشبهات التي توجه إليه؛ فلا بد أن يكون القائم بذلك عالمًا بما يأمر عالمًا بما ينهى عنه، يستطيع المجادلة بالتي هي أحسن ودفع الشبهات التي توجه إليه من أصحاب الشهوات والمغالطات .
2ـ أو يقوم بتغيير المنكر من ليس عنده حكمة ووضع للأمور في مواضعها وترتيب للأولويات؛ فقد يقوم بإنكار منكر صغير وهناك ما هو أكبر منه وأولى بالبداءة بتغييره، أو يقوم بإنكار منكر يخلفه منكر أعظم منه؛ فلا بد من الحكمة في ذلك .(11/99)
3ـ أو يقوم بتغيير المنكر بطريق العنف والشدة، ثم تقابل بمثل ذلك أو أشد؛ فلا يحصل المقصود، فلا بد أن يكون الآمر الناهي رفيقًا فيما يأمر به رفيقًا فيما ينهى عنه .
4ـ أو يقوم بإنكار المنكر وتغييره من ليس عنده صبر وتحمل فينقطع في أول الطريق ويترك التغيير لأنه أُصيبَ باليأس، ولا بد في الآمر الناهي من الصبر والتحمل، قال - تعالى -: { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } [ العصر : 3 . ] ، وقال - تعالى -عن لقمان : { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } [ لقمان : 17 . ] .
5ـ أو يقوم بذلك من لا يتقيد بدرجات الإنكار التي بينها الرسول - صلى الله عليه وسلم - فربما ينزل إلى درجة وهو يستطيع التي قبلها، أو يصعد إلى درجة وهو ليس من أهلها .
6ـ قد يكون من بعض الآمرين بالمعروف تسرُّع في بعض الأمور المهمة؛ بأن تكون له مبادرات لا يرجع فيها إلى أهل العلم والرأي والمشهورة الذين يقومون بدراسة الأمور ويعلمون تجاه كل شيء ما يناسبه، إن ارتكاب هذه الأخطاء أو بعضها تعوق مسيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تُحدِث أمورًا عكسية، وقد يحصل منها نتائج غير كافية، فمثلاً الذي يقوم بإنكار المنكر الخفيف ويترك المنكر الذي هو أعظم منه لا يُنتِج عملُهُ كبير فائدة؛ فالذي يترك إنكار الشرك والبدع وينكر أكل الربا والسفور وغير ذلك من الأمور التي يوجد ما هو أعظم منها يكون قد بدأ من آخر الطريق وعالج جسمًا مقطوع الرأس وخالف منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ فقد كانوا يبدؤون بإنكار الأهم فالمهم، كانوا يبدؤون بإنكار الشرك وعبادة غير الله، فإذا صححوا العقيدة أولاً؛ التفتوا إلى إنكار المعاصي الأخرى .
خذ هذا مثلاً في منهج نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقد بقي في مكة ينكر الشرك ويدعو إلى التوحيد ثلاث عشرة سنة قبل أن ينكر الربا والزنى وشرب الخمر ويأمر بالصلاة والزكاة .
قد يقول قائل : هذا كان في مجتمع المشركين؛ أما نحن؛ ففي مجتمع مسلم عنده بعض المخالفات . فنقول : إن ما كان موجودًا عند المشركين في الجاهلية يوجد اليوم في غالب بلاد المسلمين ما هو مثله أو أعظم منه من الشرك بالله المتمثل في عبادة الأضرحة والطرق الصوفية والبدع في الدين؛ فالواجب على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في تلك البلاد أن يهتموا بذلك وأن يبدؤوا بإنكاره بجد وعزيمة حتى تطهر البلاد منه ثم يواصلوا مسيرتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بقية المخالفات .
أجاب عليه العلامة الفوزان عضو هيئة كبار العلماء
http://www.denana.com المصدر:
=============
قال لي : ( ترا ماني مطوع ) .. وأتبرع بهذا الموقع ..!
سليمان بن صالح الخراشي
اتصل بي أحد الفضلاء، وكان من حديثه قوله: (ترا ماني مطوع)، ولكني متبرع بمبلغ وقدره (؟ ) لنصرة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فمارأيك؟ فأشرتُ عليه أن ينشئ موقعًا نافعًا - بإذن الله - عن خاتم الرسل صلوات الله وسلامه عليه، بالعربي ثم بالإنجليزي، تكون مواده موثوقة، تجمع بين سيرته - صلى الله عليه وسلم -، والواجب له.
وقبل أن أضع لكم رابطه لأخذ اقتراحاتكم وآرائكم حوله بودي أن أنبه إلى مسألة مهمة تتعلق بـ:
1- المسلمين - غير الملتحين أو الرافعين لثيابهم عن الكعبين - عندما يعتقد " كثير " منهم أن الخير والتزود من القربات والطاعات مقصور على من يسميهم " المطاوعة "! وهذا ظن خاطئ يصرفه عن ما ينفعه. أصبح بسببه يقتصر على الواجبات. أما التطوعات؛ كصلاة الضحى مثلا أو ملازمة ذكر الله أو توزيع وسائل الخير... وغير ذلك، فيتحرج منه لأنه ليس مطوعًا - كما يقول -. وينسى هذا المسلم أنه قد حرم نفسه من خيرات كثيرة بسبب هذا الحاجز " الوهمي ". وأنه قد يكون متحليًا بصفات جليلة يعجز عن إدراكها ألوف ممن يسميهم بالمطاوعة المفرّطين - ولا أزكي نفسي -. فليبادر هذا بكسر الحاجز والإقبال على الخير. وتكميل النقص. فعمر - رضي الله عنه - تأخر إسلامه؛ لكنه تجاوز غيره، وعليه فقس.
وهذه أمثلة وقفتُ عليها تشهد أن غير المطوع قد يفوق غيره في الخير:
- مسلم " سوداني " عامي تفوح رائحته من الدخان! يقول عنه أحد العاملين بمكتبٍ للدعوة إنه لا يمر عليه شهر أو شهران حتى يأتي لنا بكافر قد أسلم على يديه!
- أحد أبرز كتاب الشبكة في مجال الرد على خرافات أهل البدع؛ من غير " المطاوعة "!
- صاحب موقع إسلامي شهير انتفع به مئات الزائرين؛ مثله. ولعل غيري عنده أمثلة أكثر.
2- المسلمين الملتحين أو المقصرين لثيابهم إلى الكعبين؛ عندما يعتقدون أنهم بفعل هذين الواجبين قد أتموا الدين وأكملوه! متناسين أمور الباطن - وهي أولى من الظاهر -؛ كما في الحديث ".. ولكن ينظر إلى قلوبكم ". وقد يتحول الأمر إلى حاجز آخر يُثبط عن الخير. ولا أزكي نفسي. والحل أن يعترف هذا بتقصيره ويسعى في التخلص منه، ولا يتعاظم في نفسه، فيتهاون في الآثام الباطنة، بل يجمع جمال الظاهر والباطن، ممتثلا قول الأول:
وياحسَن الوجه توق الخنا *** لا تخلطن الزين بالشين
وقبله بقوله - تعالى -: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه).(11/100)
إننا نخطئ كثيرًا عندما نفرق بين المسلم الملتحي وغير الملتحي، ونتسبب - بحسن نية - في الإساءة لهما جميعًا. للأول عندما نحصر الخير فيه، ثم نحصره في فئة. وللثاني عندما نساهم في صنع الحاجز بينه وبين الخير. والصواب - في نظري - أن الجميع مسلمون مجتهدون في الخير وإدراكه، ومن قصرّ منهم في أمر فليسعى في تكميله، ولا ينصرف بسببه عن مصالحه الأخروية. وهما جميعًا يمثلان المجتمع المسلم. أما من شذ عن الإسلام من المنافقين فهم شرذمة لا نسبة لهم - ولله الحمد -، والمجتمع برمته يقف صفًا واحدًا في مواجهتهم؛ لأن خطرهم - لو تمكنوا - والعياذ بالله - سيطال الجميع؛ دون تفريق بين " مطوع " و " غير مطوع ".
فالأولى بنا " تكتيل " المسلمين جميعًا ضد " الكفار " ومن تابعهم من " المنافقين " الذين يعادون الإسلام، ويُعارضون حكمه وهيمنته. وطرح هذه الأوصاف التي منعت خيرًا كثيرًا. ومثلها وصف " إسلامي " و " غير إسلامي "! الذي يستعمله للأسف بعض الأخيار، متغافلين عن أثره السيئ على أبناء المجتمع المسلم. فهل نحن منتهون؟
أخيرًا: هذا رابط الموقع الذي تبرع به من وصف نفسه بـ " ماني مطوع! " أتمنى أن يُدعى له، ويُساهم معه في نشر رابطه، وإبداء الملاحظات. والله الموفق.
خاتم الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم -
http://www.al صلى الله عليه وسلم sol.net/
http://www.saaid.net المصدر:
===============
الدعوة الإسلامية دعوة عملية وليست مفاهيم نظرية
من يتدبر حال النصرانية ــ مثلا ـــ يجد أنها تحولت إلى مجموعة من المفاهيم النظرية التي يكفي مجرد التصديق بها للانتساب إليها، وإذا انضم إلى هذه المفاهيم ممارسة بعض الشعائر التعبدية فإن الشخص يعتبر من المتدين. !
حتى أنك حين تستمع إلى دعوة النصرانية ـ مثلا ـ تجد أنها دعوة إلى التصديق بأمور نظرية، مثل قضية التثليث، وقضية الصلب والفداء، وقداسة الباباوات. وبعض الشعائر التعبدية، والحياة بعد ذلك تخضع لما يمليه عليهم الواقع.
وكذا أصبحت البوذية واليهودية، وكاد الإرجاء أن يفعلها بالدعوة الإسلامية لولا أن الله قيض لهذا الدين رجال. أحي بهم السنة وأمات بهم البدعة.
وأعرض بعض المشاهد من السيرة النبوية، لأبين بها أن الدين لم يكن يوما ما نظرية مجردة ولا مجادلة فكرية يكتفي بمجرد الاقتناع فيها...
تروي لنا كتب السير أن مسلمة جلست في سوق بني قينقاع في المدينة عند صائغ يهودي فراودها عن كشف وجهها فأبت عليه، فعقد طرف ثوبها إلى ظهرها على حين غفلة منها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها، فصاحت. فوثب رجل من المسلمين على الصائغ اليهودي فقتله، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه.
هذا مشهد من المشاهد ترويه لنا كتب السيرة، والمشهد التالي له مباشرة ــ في كتب السيرة ــ هو حصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني قينقاع وإصراره على ذبحهم لولا وقاحة بن سلول في شفاعته لهم. وسقط من كل الروايات ما بين المشهدين ـــ ما حدث في السوق والحصار ــــ من الأحداث، كأن الحدثين متلاصقين.
فلم تروِ لنا كتب السير أن أحدا تكلم بأن مَن فعل الفعلة قُتل فكفّوا أيديكم يكفي؛ ولم تروي لنا كتب السير أن أحدا تكلم بأن الأمر لم يتجاوز كشف جزء من العورة لفترة وجيزة، ولم تروي لنا كتب السير أن أحدا تكلم بأن لبني قينقاع إخوة في الدين والملة في ذات المدينة، هم بنو قريظة وبنو النضير وورائهم في خيبر عدد وعتاد ولهم حلفاء من غطفان، وغطفان يومها غطفان. بل لم يتكلم أحد مطلقا.. لم تروي كتب السيرة سوى فعل، وهو حصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم حتى أجلاهم.
وتروي لنا كتب السيرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذهب في عشرة من أصحابه لبني النضير يطلب منهم وفاء ما عاهدوه عليه، فغدروا وهمُّوا بقتله - صلى الله عليه وسلم - وحين علم بغدرهم وهو جالس تحت جدار بيت من بيوتهم قام ولم يتكلم، وأعد الجيش ولم يتمهل، وحاصرهم حتى خربت بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، وخرجوا منها أذلاء صاغرين.
وتروي لنا كتب السير أن الأخبار أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن خالد بن سفيان الهُذلي يُجَمِّع العرب في بطن عُرْنَة عند سفح عرفة على بعد خمسمائة كيلو متر من المدينة، فأرسل له رجلا (عبد الله بن أُنيس) من المدينة يسعى على قدميه فأخمد الفتنة. ولم نسمع كثيرا ولا قليلا من الكلام.
وغدرت قريش بعهدها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وراحت وجاءت وقالت وأكثرت، وما كان من الحبيب - صلى الله عليه وسلم -ـ إلا أن رد عليهم بفعل لا بقول... استنفر أصحابه وجمََََّع جيشه وفتح مكة.
وغدرت قريظة فذبحت، وقتلت غسان رسولَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فتحرك جيش مؤتة، وبنو المصطلق همّوا بالتَّجَهُز فوجدوا الخيل صباحا تشرب من مائهم.
هكذا... نعم هكذا.
لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ يتكلم كثيرا.
ولم يكن الباعث على هذا (التصرف الفعلي) من الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو كثرة العدد ووفرة العتاد، فقد كانت الحال حال... هو منهج الدعوة من يومها الأول " أنظر كيف بدأت، " يا أيها المدثر قم فأنذر " " إن لك في النهار سبحا طويلا ".
فلم تكن فقط عملية وجادة مع المخالف وإنما أيضا في تربية الجماعة المؤمنة، كانت الدروس كلها عملية.
يذبح سبعين من الصحابة يوم أحد منهم الحمزة بن عبد المطلب ليتعلم القوم درسا من جملة واحدة " قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم "(11/101)
ويستمر حادث الإفك شهرا ليتعلم القوم درسا عمليا " لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا "... " إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم "
ويحاصر المخلفين عن غزوة تبوك خمسين يوما حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، ليتلقوا درسا عمليا ــ هم ومن يشاهدونهم ومن يسمع بهم ــ كي لا يتخلفوا ثانية عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه.
هذا حاله - صلى الله عليه وسلم - في التعامل مع عدوه ومع أتباعه... هذا هو المنهج الرباني الذي تحرك به النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وإن من أوضح الأمور لمن يتدبر نشأت الجماعة المؤمنة على يد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكيف نمت وتطورت وكيف عالجت مشاكلها الداخلية ــ بين أفرادها ــ والخارجية مع أعدائها، أن نهج الشرع كان عمليا، ولم يكن يوما ما نظريا.
لم يتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأجندة عمل لمن يخالفونه يشرح فيها وجهات نظره، ورؤيته للمستقبل، وإنما كان هادئا كثير الصمت يعمل ولا يتكلم.
ومن الواضح جدا ــ أيضا ــ أن الأفراد ميزتهم المواقف ولم يتميزوا بالمعرفة الذهنية، ولا بأصوات العامة لهم.
واليوم: العقيدة دروس علمية.. نظرية، لا تكاد تعرف (الأخ) إلا من كلامه، قليل من تتعرف عليهم من وجوههم وفعالهم.
واليوم شعارات نرفعها وننام تحتها مكتفين بمجرد الانتساب للعمل الإسلامي.
واليوم شعارات نرفعها ونتعصب لها.
والمطلوب حين عرض السيرة النبوية على الناس أن ينبه على هذا الأمر، وأن نقف مع الأحداث نبين كيف كانت الدعوة جادة، ولم تكن يوما ما مفاهيم نظرية.
وأن المفاهيم الإسلامية ما جاءت إلا لتنشئ واقعا...إلا لتترجم على أرض الواقع.
http://www.almoslim.net المصدر:
============
البداية
قال - تعالى -: " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللاً مبيناً " (الأحزاب 36)
وقال - عز وجل -: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم *قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين" (آل عمران31-32)
نعم..هذه هي البداية السمع والطاعة والتسليم بكل ما أمر الله به ورسوله فطاعة الرسول والاقتداء به واجتناب ما نهى عنه وطاعة ما أمر به هو السبيل للوصول لله - تعالى -ورضاه.
نعم... هذه هي البداية طريق المسلمين إنما خُلقنا لطاعة الله - عز وجل - والانقياد له والاستسلام.
وقد أمرنا الله - تعالى -بطاعته وطاعة رسول وكل ما يخبرنا الرسول به فهو أمر من عند الله (إن هو إلا وحي يوحى)... نعم رضيتم أم لم ترضوا لا بد أن تعلنوا الولاء لله - تعالى -ولرسوله ولدين الإسلام وتعلنوا البراء من الشرك وأهله أيضًا، وليس الشرك فقط وليس معنى هذا العنف مع غير المسلمين وقتالهم بدون سبب وسبهم ولعنهم بدون سبب؛ فما هذه بأخلاق الإسلام إنما أمرنا بطاعة الله ورسوله فقط وحب المسلمين وأخذ المسلمين قدوة وليس الغرب الكافر...
انبهرنا بهم وبحضارتهم وغرنا تقدمهم ولغتهم وطريقة عيشهم نعم... انبهرنا بعقولهم وكيف أنهم يفكرون ويخترعون.. نعم.. انبهرنا بحبهم الخادع لجميع الشعوب والناس حتى الحيوانات.. نعم انبهرنا بكلامهم عن الحرية.. الديمقراطية... حرية الرأي والتعبير... فقل ما تشاء وافعل كما تشاء ولا يهمك أي شيء.. لا دين يحكمك.. ولا دولة.. وربما بعض القوانين... نعم.... أتدرون؟؟؟
ضحكوا على عقولنا لأننا على الفطرة ولأننا نحب السلام بفطرتنا لم نخونهم بل أعطيناهم الأمان وأقنعونا بكلامهم فصدقناهم وهم يعلمون أنه خطأ بل الأدهى وأضل سبيلاً أنهم حتى لا يطبقونه في بلادهم وعلى شعبهم... يظهرون لنا القوة وأن الشعب يعيش حياة جميلة وردية ويخفون حقيقة الجرائم والفساد التي تخجل حتى الحيوانات منها... يخفون حقيقة حريتهم التي انقلبت ضدهم.. نعم خدعونا وقالوا وقالوا.... لكن الآن كفى ولنقولها صراحة ولأنفسنا أولاً... ألا يكفينا انقيادًا وطاعة لهم ألسنا نعجب بعلمهم وعقولهم وممثليهم ومغنيهم وموضاتهم وأغانيهم وفسادهم ونترك حتى الشيء الجيد عندهم.. ؟؟؟ ألا يكفينا ذل وكأنهم يجرونا خلفهم كالأنعام؟؟
متى نعود؟؟؟
أحبتي...
هذه هي البداية عُد إلى هنا ولا تخجل ولا تخش شيئا فكل من تراهم من الغرب في النار إلا من أسلم لله وصدّق برسوله: أتريد أن تكون معهم... سيتبرأون منك يوم القيامة بل سيتبرأ منك أقرب الناس إليك أبيك وأخيك وأمك وزوجتك وأولادك، فما بالك بغرب أفسدك وأفسد عقيدتك ودينك وتركك للنار وحدك؟؟؟
عُد لطاعة الله... عُد لطاعة رسول الله، فحبهما وطاعتهما لهو والله سعادة والدنيا وما فيها.... عُد للبداية ولا تيأس فكلما وقعت على الأرض أزح التراب من عليك وأكمل مشوارك... ألا تريد العزة.. ألا تريد النصرة؟؟؟ فانصر رسولك ودينك في نفسك وعُد...
أختاه عودي للطهارة فأراك تنجستِ يا ليتها نجاسة سهل إزالتها بماء أو تراب بل هي نجاسة في القلب والعقل... أوهموكِ أن دينكِ تخلف وحجابك الذي يسترك همجية فصرتِ دمى يحركونها كيف شاءوا، أين عزتك وكبرياءك فأنتِ لا تسمحي لأمك أو أبوك أن يتحكموا فيكِ هكذا فكيف تجعلين الأنعام يتحكمون فيكِ.... أفيقي... أفيقوا... يا مسلمون!!(11/102)
والبداية ها هنا قريبة فقط افتحوا واقرءوا وارجعوا وأنيبوا إلى ربكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه وخلال.. لا مال ينفع ولا أهل ينقذوكم ولا حتى صديق صدوق يواسيكم كلٌ سيحاسب وحده... فهل الغرب سينقذكم... هم الآن لا يستطيعون إنقاذ أنفسهم من فيروس بسيط ولا يتحكمون فيه ولا تكفيهم أي إمدادات إنما هو الله وحده رب الأرض والسموات القادر على أن يأتي بالدواء؟؟ فهل فكروا بعقولهم الآن؟؟؟ كلا والله فهم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً، على الأقل الأنعام تعرف طريقها لكن هم أين طريقهم وإلى أين يوصلهم؟؟؟؟ فلتفكروا أنتم كما أمركم الله ولتستخدموا عقولكم كما أمركم الله " أفلا تعقلون " " أفلا تتذكرون" " أفلا تتفكرون"؟؟؟؟؟
البداية من هنا فهلموا إلى ربكم ولا تيأسوا.. هلموا ننصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالفعل قبل القول ليست شعارات بل هي أفعال فمن يأتي معي للبداية.... ؟؟؟؟
وصلى الله على نبينا محمد.
http://www.saaid.net المصدر:
=============
البلوى توث
فهد التميمي
في البلاد المتخلفة صناعياً والفقيرة مع غناها؛ تتجلى كل مظاهر الاستخدام السيئ للتقنية، وتروج على أيدي مستورديها ومستهلكيها لا مصنعيها، تلك التقنيات التي قد يحولها البعض -والبعض كثير-إلى أدوات للهدم وللتدمير لا للفهم والتطوير.
خرجت البارحة مع أحد الأصدقاء، وحدثني عن مقطع "بلوى توث" ووصف لي أمر فضيعاً لا يتصور أن يفعله كافر فكيف بشاب مسلم!!
وليبرهن على المصداقية قرب هاتفه ليريني ذاك المقطع، وهو غاضب ومستنكر لهذا الفعل الشنيع..
فصدق فيه قول الشاعر:
رام نفعاً فضر من غير قصد ** ومن البر ما يكون عقوقا
وهذا أمر شاع بين الناس فعم وطم؛ حيث يساهم في نشر البلاء والشر من ينكرونه، ولا يقبلونه بل وتستقبحه فطرهم السوية، وذلك من باب الإنكار بتلبيس إبليس المكار، وهذا الفعل وإن كان غير مقصود
فهو خطأ كبير من عدة أوجه:
1-المساهمة في النشر لهذا الشر، وإشاعة الفاحشة.
2-تعويد النفوس على مشاهدة مثل هذه المقاطع حتى يتشربها القلب فلا ينكر منكراً ولا يعرف معروفاً
3-المساهمة في تغليب أهل الشر على الخير، وتحطيم المعنويات، ومن قال: هلك الناس فهو أهلكهم.
ولكن مما ينبغي على كل من وصل إلى جهازه شيء من ذلك أن يتقي الله ويبادر في إزالة الشر من جهازه ونصح من قام بإرساله إلية والحرص كل الحرص على عدم تلقي ملفات من أشخاص مجهولين، والأولى للإنسان قطع الطريق على الشيطان وأعوانه فلا يستخدم هذه التقنية إلا عند الحاجة إليها لا في الركض وراء كل سقط وسفاهة.
حرر في الرياض21/11/1426هـ يوم الجمعة
http://www.saaid.net المصدر:
============
ابحث عن حرف اللام!! فمن يجده لي
ولد خليص
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
عندما فتح الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه مكة المكرمة، كسر الأصنام وهو يردد (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)، ويطوف بالبيت وهو يقرأ سورة الفتح (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا)
من هنا كان توحيد العبودية لله؛ فلا عبادة لغيره ولا ذبح ولاذل ولا خضوع، ولا سجود أيضاً..
خضعت كل الرقاب لله لذلكـ كان فتحاً
ذلت كل الوجوه لله لذلكـ كان فتحاً
سجدت كل الجباه لله لذلكـ كان فتحاً
ويتغير الحال وتتبدل الأحوال ونرى شواذ
نعم شواذ
لكن عملهم كبير ينخر جسد الأمة
أي منظر هز كياني بل أي مشهد طير لبي وفؤادي، بل أين في تلكـ اللحظة صوابي...
جرم عظيم وذنب لا يُغفر
(إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)
شاب يسجد لشاب؛ منظر مبكي أرسله لي أحد الشباب عن طريق البلتوث
رقص وعهر وعربدة ليتها توقفت عند ذلك؛ بل ليت الحياة توقفت به قبل ذلك، وليتني لم أر المشهد
ياعين فلتبكي ولتذرفي الدمعا ** ذنباً أحاط القلب أصغى له سمعاً
ليته زنى أو سرق أو قتل
ليس تهاوناً بها فهي كبائر
ولكنها صغيرة في مقابلة شركـ
نعم ذنب لا يغفر الله
فلكـ الحق ياعين أن تبكي بل لكـ الحق أن تذرفي الدم بدل الدمع
ولكـ الحق يا قلبي كل الحق أن تتوقف الآن فالمنظر مؤلم والصدمة قوية
ولكـ الحق يا عقلي ألا تصدق عيني فيقال أنه مسلم
لا بل مشركـ
متى نرى يا أمة الإسلام إسلام
لكن يبدو أن حرف اللام ضاع فصرنا اسم
يالله كم أنت حليم على من عصاكـ
بل على من أشركـ بكـ
آهـ يا أمتي سأظل ابحث عن حرف اللام
فيا شباب أنتم أصحاب هذا الحرف
فعهد جديد صادق نجدد فيه حياتنا
لنرجع حرف اللام
http://www.saaid.net المصدر:
==============
ركائز أساسية للخطيب الناجح
الخطابة.. دعوة وفن وذوق وسلوك
د. أمير الحفناوي
يحكى أن أحد الخطباء "من أهل الحظوة" كان يلقي إحدى خطبه العصماء على منبر الجمعة ويقول فيما يقول عن وعيد الله لمن غير منار الأرض بإحباط العمل ويعرج على قول رسول الله ص "الظلم ظلمات يوم القيامة " وفيما هو وذاك، إذ دخلت المسجد عجوز على المصلين وقالت لهم لا تصدقوه لقد اغتصب مني كذا وكذا من الأرض.. فانفجرت جموع المصلين في ضحك عارم..
وبعيداً عن هذه الرواية فلست ممن ينتقص من دور الكلمة الجادة في إصلاح فساد الأمة وانتشالها مما هي فيه، وأنى لي أن أنتقص من قوم رائدهم محمد وخيرة البشر: أبو بكر، عمر، عثمان وعلي وغيرهم..
كما أن الخطابة والكلمة الجادة الصادقة أخرجت الأمة من دوامات عديدة وكانت مشاعل نور ومنارات هدى.(11/103)
على أن قيمة الخطابة والمنبر لا تنبع من تماثيل براقة منتصبة عليه، وإنما العبرة بقيمة ما يقال، وقد أثنى النبي على قس بن ساعدة وهو القائل:
في الذاهبين الأولين
من القرون لنا بصائر
لما رأيت موارداً
للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها
يمضي الأكابر والأصاغر
أيقنت أني لا محالة
حيث صار القوم صائر
إذ قال النبي "يرحم الله قساً. إني لأرجو أن يُبعث يوم القيامة أمَّة وحده".
كلمة وبيان وثورة ومؤتمر صلح
لقد فهم القدماء ما لهذا اللقاء الأسبوعي من قيمة في تبصير المسلمين بأحوالهم، ومعالجة مشكلاتهم الآنية الدينية والحياتية وفضح أعداء الأمة، فهي نفحة إيمانية وكلمة توجيهية، وهي مؤتمر صلح عند اشتعال الفتنة.
هذه هي خطبة الجمعة عند القدماء.. ليست ذنباً أو عقاباً مفروضاً من الله كما يظن بعض الخطباء وكما يعبر عنه أديب العروبة والإسلام الرائد مصطفى صادق الرافعي في كتابه الرائع "وحي القلم" تحت عنوان "قصة الأيدي المتوضئة"، قال الراوي: "وصعد الخطيب المنبر وفي يده سيفه الخشبي يتوكأ عليه وكان السيف سنة قديمة ثم استبدل مع الزمان بسيف خشبي ثم انتهى تماماً الآن فما استقر في الذروة حتى تخيل إليّ أن الرجل قد دخل في سر هذه الخشبة، فهو يبدو كالمريض تقيمه عصاه وكالهرم يمسكه ما يتوكأ عليه، ونظرت فإذا هو كذب على الإسلام والمسلمين صريح، كهيئة سيفه الخشبي في كذبها على السيوف ومعدنها وأعمالها".
وسائل للرقي بالكلمة:
ولما كان للخطابة من الأهمية ما لها منذ فجر الدعوة، ولما كان دور الكلمة له الريادة كان من الواجب لفت النظر إلى بعض الأمور التي ترتقي بدور الخطبة أو الكلمة أو اللقاء أو الندوة لتصويب الاتجاه ودعم الهدف المعول عليه من ورائها، وسنوجز هذه الأمور في عدة نقاط:
1 وضوح الدعوة: أى أن يعيش الخطيب فكرة الدعوة التي إليها يدعو الناس بروحه وعقله وجسده وأن تشغل وعيه وتملك جماع قلبه وتأخذ بلبه فتصبح نصرتها والعيش في محرابها هدفاً سامياً.. وتصبح الدعوة إليه مطلباً عزيزاً، إن إعداد نفوس المتلقين وشحنهم بعزيمة وهمة يحتاج إلى عزيمة أكبر وطاقة خلاقة نفتقدها كثيراً..
ولعل في قصة الصحابي النبيل مصعب بن عمير أول سفراء الإسلام حين أرسله النبي ص إلى أهل المدينة، وهو لا يحمل إلا عقيدته الراسخة وإيمانه المتأجج وأسلوبه الخلاق المبدع أوضح مثال.
ولقناعته الشخصية أن دوره أن يبني لبنات الدولة الجديدة، وأن يمهد طريقاً ويفتح الأبواب المغلقة للعصبة المؤمنة كان ما كان لدعوته من تأثير وعجب.
وإن مما يساعد على شحذ همم الموهوبين من الدعاة ممن فقدوا الثقة في أنفسهم أن يتبصروا في إحداق المؤامرة بأبناء هذه الأمد وأن يروا كيف يعمل أعداؤها على محو هويتها وجرأة بعضهم على التعبير عن دعوته رغم باطلها.
2 تفرد الداعية: الخطيب أو الداعية يؤدي دور الأنبياء والصديقين والمصلحين في كل زمان في قضية التوجيه، وشاء أم أبى فهو محط الأنظار ومرجع الأفكار.. فلابد أن يكون كما قلنا مقتنعاً بما يدعو الناس إلى الاعتقاد فيه والعمل به. فالريادة في هذا الباب تنبع من القدوة الحسنة والمثل الأعلى الذي يضربه للناس، فلا يصلح أبداً أن يأمر الناس بشيء ولا يأتيه أو ينهاهم عن شيء ويأتيه.
وفي الحديث الصحيح عن أسامة بن زيد قال سمعت رسول الله ص قال: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق اقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحاء فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول بلى: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه" متفق عليه.. وتندلق أقتابه: أي تخرج أمعاؤه..
وشخصية الداعية أو الخطيب شخصية فريدة تجبر الآخرين على تبني فكرته في التغيير، فلا يذوب أو يتحلل في شخصيات الخطباء الآخرين أو يتحول إلى بوق أو ببغاء يردد أسلوبهم أو يتملق للناس بألفاظهم، وطريقة إخراج الحروف، ولكنه يفرض شخصيته أو كما كان يقول الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - "أنت نسيج وحدك".. في كتابه الرائع جدد حياتك.. إن أيسر شيء على المقلد أن يفنى في شخصية من يقلده ومن واجبات الخطيب الداعية المعاصر أن يأخذ بيد المرضى والعصاة والجهلة وعبدة الدنيا بيد حانية رقيقة، فلا يبطش بالمسلمين فالبطش والعنف أثبت فشله وانصراف الناس عنه..
فلا يصح أن يقف خطيب على منبر يوجه الناس فيقول: "اتق الله لعلك تنجو.. ولست أراك ناجياً" طبعاً هذا حدث بالفعل.
كما يجب أن يكون حال الداعية خيراً من مقاله وسلوكه أوقع أثراً من حديثه وأن يأسر الناس بأخلاقه حتى يحدث التفاعل والتغيير والارتقاء الذي من أجله شرعت الدعوة والخطابة.. وكم رأينا من خطباء ترتج الحلوق خلفهم بالدعاء ثم ينتهي كل شيء كأن لم يكن، نتيجة لفقدان المعايشة والقدوة خارج أسوار المسجد.
والعكس صحيح، فقل أن تجد داعية أو خطيباً خلقه الصبر ومنهجه اللين والرفق ثم هو ناجح في حياته العامة والشخصية.. خدوماً للناس والمجتمع.. بسيط التكوين والطباع ثم تجده فاشلاً أو غير مؤثر فيمن حوله من الناس كافرهم قبل مؤمنهم.(11/104)
3 سعة الاطلاع: أنت أيها الخطيب الداعية عندما تقف مستشرفاً فوق الجموع الغفيرة يجب أن تراعي أموراً عدة.. منها أن هذا الجمع الغفير يضم فيما يضم أطباء ومهندسين ومحامين وأساتذة جامعة ومدرسين وعلماء ومثقفين.. كل واحد من هؤلاء ينظر لك على أنك أرفع منه في العلم درجة.. وبما أنك تقف للناس في موقف التوجيه والتربية وهما أمران عظيمان يحتاجان إلى خصوصية في الفكر والمعرفة وسعة الأفق، فيجب عليك أن تقف على قدر معقول من الثقافة في مختلف العلوم قدر المستطاع.
المتابعة والمداومة على معرفة الجديد والمناقشة مع أهل الاختصاص في آخر الأخبار وأبعادها وتبصير المسلمين بما يحاك أو يدار خاصة مع القضايا المصيرية، قضايا المسلمين المستمرة والمتلاحقة، والمصيرية كالجهاد والصحوة الإسلامية وبث الأمل في وقت اليأس والتحذير والتنبيه في زمن الغفلة.
4 الموضوعية: من الأمور الخطيرة في الخطيب أو الداعية أن يعتمد منهج التهييج والإثارة الزائفتين وأن يعتمد على القصص التافهة لمجرد جذب الاستماع، وإنما عليه أن يلزم العقل والمنطق، فليس فيما ورد لنا من صحيح الأخبار أن الرسول وأصحابه والسلف الصالح اعتمد لفت الانتباه وهم أساتذته عن طريق الخرافات والهراء والإسرائيليات المغلوطة وفيما تركُوه لنا من تراث لو أتعبنا العقول والعيون في البحث والاستزادة منه.
إن المستمع والمتابع ليجد في الواقع وقصص الحياة ما يغنيه ألف مرة عن الإحماء الكاذب الزائف.
إذن فموضوعية الداعية تخرجه من حيز ضيق الأفق إلى سعة الدعوة وحقلها الممتد الوارف لكل البشر، وإن ترتيب الأفكار وجدية الطرح لأمر مهم، ومن الموضوعية أن يعطي كل أمر وكل قضية حجمها الطبيعي وأن يرتب الخطيب والداعية أفكاره وأولوياته حسب احتياج مجتمعه ومحيطه الخاص، فليس من المنطق أن يبدأ بالتكفير لتارك الصلاة و90% من المجتمع لا يصلون وإنما عليه التدرج فيبدأ من العقيدة الصحيحة وينتقل إلى العبادة السليمة ثم إلى الأصول فالفروع.
ومن الموضوعية عدم تحويل نقاط الخلاف إلى معارك من خلال المنابر أو التركيز على فئة أو شريحة ومخاطبتها كأن يخاطب المثقفين دون الجهال أو العكس.
ومن الموضوعية مناقشة الأقرب فالأبعد فإذا كان هناك حدث قريب من المجلة التي هم فيها فهو أولى بالطرح والعرض وإبداء الرأي الصحيح أو كما يقال: لكل مقام مقال وقد أوصى أبو بكر.. عمر - رضي الله عنهما - قائلاً: "إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل" أي أن يكون ميزان الحكم على الأمور هو المنطق لا شهوة الكلام أو الفعل.. وميزان الحكم هو ميزان الصواب والخطأ لا المزاجية..
ومن الموضوعية البعد عن التعصب البغيض أو الأخذ برأي مفرد وتجريم ما عداه وخاصة فيما يتسع به الرأي.
فنحن جميعاً جنود لهذا الدين العظيم وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل والشافعي والإمام مالك وتلاميذهم كلهم جنود مخلصون مجتهدون في الرأي لتوسيع ما ضاق، واختلافهم رحمة لنا وليس وبالاً علينا كما يحلو للبعض أن يصور..
5 التوثيق والدقة: هذا الأمر غاية في الخطورة والأهمية لأنه يعني بكل بساطة الثقة أو عدمها فيما يقول الخطيب أو الداعية فإما الانصراف عن كل شيء إليه أو الاشتغال بكل شيء عنه.
فهناك دعاة وخطباء لا يعرفون بل يجهلون معنى التوثيق والتدقيق لكل ما يسردون بل ربما لجأ إلى الاختراع أو التأليف أو التلفيق لمجرد جذب الانتباه.
إن عدم التوثيق العلمي للأرقام والتواريخ ورواية الأحداث والأسماء أمر غاية في الخطورة ومزلق شديد وقلَّ أن تجد من يقول لك إن هذا القول محض ظن أو رأي لبعض العلماء أو أن هذا التاريخ تقريبي أو أن الرقم مشكوك فيه بل يطلق الأرقام والأسماء بلغة الواثق المسيطر على الأوضاع فيخرج الناس ليقرأوا بالكتاب أسماء وأرقاماً وروايات أخرى!.
إن ثقة البسطاء بل والمثقفين في شخصك أيها الخطيب أو الداعية تحملك أمانة الصدق فيما يدخل هذه العقول، واحترامك لدعوتك يفرض عليك احترام عقول الناس.
وأذكر أنني حضرت جمعة لخطيب ظل يتكلم طيلة الخطبة عن "هرقل" ملك ألمانيا الذي أهلك اليهود عن بكرة أبيهم وكلما شككت في أذنى أعاد نفس الاسم. فهو يجهل الفرق بين هتلر الزعيم النازي الأشهر وهرقل الملك الروماني الطاغية.
إن توثيق الروايات خاصة فيما يتعلق بصدر الإسلام يحتاج إلى تنقيح وحرص شديدين لأنه يمس العقيدة أيضاً وما قد نتقبله في الأمور الاعتيادية من خطأ غير مقصود أو أمور تضاربت بها الآراء لا ينبغي في حضرة صدر الإسلام الأول، والأولى إن لم نتأكد من صحة الرواية وخلوها من عوامل البلبلة والحيرة ألا تروى أصلاً.
6 المنهجة: إن الخطيب يجب أن يسأل نفسه كلما صعد المنبر: لماذا أنا هنا ولماذا يفرض الإسلام على هؤلاء الناس الاستماع والإنصات ويشدد تشديداً لا نجده إلا في الحث على الإنصات لكلام الله؟ إذا أجبت على هذا السؤال فبقي أن تعرف أن عليك في كل مرة تصعد فيها لتكلم الناس أن تضيف إليهم شيئاً جديداً أو تبين لهم أمراً قديماً.
ومنهج الإسلام في الوعظ مميز فهو منهج عاقل مبصر، لا يعتمد على رجل واحدة أو يتبنى مبدأ (قل كلمتك وامش)..(11/105)
وإذا أردت أن تستكشف هذا المنهج فعليك برائده محمد فعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: "وعظنا رسول موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يارسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، وأنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" (رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح) فالأمر بدأ بموعظة قوية ارتجفت لها الأبدان ثم تحولت إلى منهج حياة للأمة وتوجيه بالطاعة والاتباع للمنهج.
إن واجب الخطيب أن "يمنهج" إذا صح التعبير كل فكرة يدعو إليها، فإذا تكلم عن التوبة وجب أن يتحدث عن أهم لوازمها وهي صحبة الخير، وإذا تحدث عن الصلاة فلا يبدأ بقيام الليل بل يبدأ بالفرائض الواجب أداؤها وتحبيب الوقوف بين يدي الله والأنس بالقرب من رب الكون.. وإذا أراد الحديث عن الجهاد تكلم عن لوازمه في واقع الحياة من صبر على سوء خلق البشر وحسن صحبة الطائعين والمداومة على الطاعات.
7 القصة: يعتمد أسلوب القرآن كثيراً على القصة كوسيلة للتوثيق وتقريب الحال والمقال، وقد استخدمها الرسول أيضاً في دعوته المباركة وإرشاده ووعظه.
والقصة مفيدة في إمتاع المستمع سهلة الاستيعاب والحفظ ويرتبط كل جزء من أجزائها ببعض ربطاً متصلاً مما يرسخ تأثيرها في النفس.
غير أن بعض الخطباء والدعاة لا يستعملون القصة للتوثيق وإنما يبنون القصة ويبحثون عنها ويجعلونها هدفاً فيسطحون من قيمة وكمية الثراء في المكتبة الإسلامية.
إن الكلمة أمانة وأداء الأمانة في عصر الفتن يحتاج إلى عزيمة شديدة وصلابة لا يؤدي حقها إلا أحفاد العلماء والرواد العظام كالعز بن عبد السلام وابن تيمية ممن نهضوا بالأمة وأعادوا لها مجدها وعزتها وإن أمتنا اليوم لهي في أحوج أزمانها إلى مثل تلك العزائم حتى تخرج بإذن الله مما هي فيه.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
===========
مواقف المقاهي من أخصب أراضي الدعوة
إخواني في الله تعتبر مواقف السيارات حول المقاهي من أخصب ميادين الدعوة إلى الله لعدة اعتبارات:
1- الأعداد الهائلة لمرتادي هذه المقاهي.
2- أن الدعوة في هذا المكان من السعي والذهاب إلى أهل المعاصي في أرضهم وهو فعل السلف الصالح.
3- أن كل من في هذا المكان قد اجتمع على معصية الله ولا ينكر عليهم أحد.
4- أن الفئة المجتمعة في المقاهي لا تتعرض للنصح والإرشاد إلا قليل وذلك للسهر حتى الساعات الأولى من الصباح ثم النوم كل النهار أو أكثره مما يفوت عليهم حضور الصلوات وسماع المواعظ.
5- أن أغلب رواد هذه المقاهي كما هو معلوم هم ممن تجاوزوا سن 18وهي الفترة التي يبدأ الشاب بالتحول من مرحلة المراهقة إلى مرحلة الرجولة و التعقل وهو سن استقامة الكثير من الشباب.
6- أن الشاب عندما يغادر هذا المقهى يكون قد فرغ من لذة وشهوة وحلت الظلمة والكدر مكانه وهذه النفسية جاهزة للتأثر كما يعلم الدعاة. وهذه النفسية لا تتوفر عند دخول الداعية إلى المقهى لغلبة الشهوة في النفس واستعلائها وتمردها في وسط أقرانها.
7- السهولة واليسر في استغلال مواقف السيارات بحيث لا يحتاج فريق التوزيع لأكثر من ثلاثة أو أربعة أشخاص.
8- إمكانية الاستفادة من هذه الفئة في دعم المشاريع الخيرية حيث يتوفر فيهم من يحب العمل الخيري بالإضافة إلى توفر المال وعدم الاكتراث بمصارفه وقد يكون الدعم من الأهل بعد وصول الأوراق إليهم.
9- أن كثير من المؤسسات الإسلامية والدعوية تبذل جهود مضنية ومكلفة لجمع عدد من الشباب من هذه الفئة من خلال المراكز واللقاءات والمخيمات وحتى على الأرصفة والناظر في المقاهي و الكازينوهات يجد الأضعاف المضاعفة المأمولة لهؤلاء الدعاة.
فكرة العمل:
القيام بتجهيز ظروف دعوية لائقة، تحتوي على (شريط كاسيت + مطوية + كرت وعظي موجز + دعوة للمساهمة في عمل خيري لإحدى المؤسسات الخيرية المعتمدة)...
وبهذه الطريقة نكون قد تعرضنا لمعظم الأذواق؛ مع العلم أن الفائدة تحصل ولو بوضع كرت دعوي وذلك حسب الإمكانات المتوفرة.
إخواني أدعوكم للإسهام في طرق هذا الباب لعل الله أن يخرج من هذه الأماكن من يرفع راية الدين كما أدعو طلاب الجامعات والكليات للإسهام في هذا العمل من خلال مواقعهم ولو بالكروت الدعوية.
http://www.sst5.com المصدر:
================
توكلت على الله
دار القاسم
كل من سار في هذه الدنيا ووطأت قدمه الثرى يحتاج إلى من يعينه وينصره، ويحتاج إلى من يتوكل عليه وينصرف بقلبه إليه.
ولهذا كان التوكل على الله والاعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار، وحصول الأرزاق، والنصر على الأعداء، وشفاء المرضى وغير ذلك من أهم المهمات وأوجب الواجبات، وهو من صفات المؤمنين، ومن شروط الإيمان، ومن أسباب قوة القلب ونشاطه، وطمأنينة النفس وسكينتها وراحتها.
والآيات في الأمر بوجوب التوكل على الله، والحث عليه في كتاب الله عز وجل كثيرة منها قوله: وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [المائدة:23] وقوله تعإلى: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ [آل عمران:159] وقال عز من قائل في صفات المؤمنين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2].(11/106)
وفي الحديث الصحيح المتفق عليه أن النبي ذكر أنه يدخل الجنة من أمته سبعون ألفاً لا حساب عليهم ثم قال في وصفهم: { هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون }.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] ) [رواه البخاري].
وعن عمر بن الخطاب عن النبي قال: { لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً - جياعاً - وتروح بطاناً - شباعاً } [رواه أحمد والترمذي].
حقيقة التوكل:
قال ابن رجب: ( هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح، ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة وكِلَة الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه ).
وقال ابن القيّم: ( التوكل: نصف الدين. والنصف الثاني: الإنابة، فإن الدين: استعانة وعبادة. فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة. ومنزلته أوسع المنازل وأجمعها. ولا تزال معمورة بالنازلين. لسعة متعلق التوكل، وكثرة حوائج العالمين، فأولياؤه وخاصته يتوكلون عليه في الإيمان، ونصرة دينه، وإعلاء كلمته، وجهاد أعدائه وفي محابه وتنفيذه أوامره ).
وقال الحسن: ( إن توكل العبد على ربه أن يعلم أن الله هو ثقته ).
قال سعيد بن جبير: ( التوكل جماع الإيمان ).
وقال بعض السلف: ( من سرّّه أن يكون أقوى الناس، فليتوكل على الله ).
وقال سالم بن أبي الجعد: ( حُدّثت أن عيسى عليه السلام كان يقول: اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم، وإياكم وفضول الدنيا، فإن فضول الدنيا عند الله رجز، هذه طير السماء تغدو وتروح ليس معها من أرزاقها شيء لا تحرث ولا تحصد الله يرزقها ).
أخي المسلم:
اعلم أن التوكل على الله أعم من أن يكون في تحصيل المال ومصالح الدنيا، بل هناك ما هو أعظم من ذلك وأنفع للعبد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( إن التوكل أعم من التوكل في مصالح الدنيا، فإن المتوكل يتوكل على اله في صلاح قلبه وبدنه، وحفظ لسانه وإرادته وهذا أهم الأمور إليه، ولهذا يناجي ربه في كل صلاة بقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ).
فهم خاطئ للتوكل:
قد يظن بعض الناس أن معنى التوكل ترك الكسب بالبدن، وترك التدبير بالقلب، والسقوط على الأرض كالخرقة، وهذا ظن الجهال، وحرام في الشرع. ولا شك أن ترك التكسب ليس من التوكل في شيء إنما هو من فعل المبطلين الذي آثروا الراحة، وتعللوا بالتوكل.
قال ابن رجب: ( واعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدّر الله سبحانه المقدورات بها، وجرت سنته في خلقه بذلك، فإن الله تعإلى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب إيمان به، كما قال تعإلى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ [النساء:71]، وقال: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ [الأنفال:60]، وقال: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10] ).
عن أنس قال: قال رجل: يا رسول الله، أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال: { اعقلها وتوكل } [أخرجه الترمذي].
قال معاوية بن قرة: ( لقي عمربن الخطاب ناساً من أهل اليمن، فقال من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: ( بل أنتم المتآكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حبة في الأرض، ويتوكل على الله عز وجل ) ).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ( وكان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن متوكلون، فيحجون، فيأتون أهل مكة، فيسألون الناس، فأنزل الله: وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197] ) [رواه البخاري].
أخي الحبيب:
التوكل عند المسلم هو إذاً عملٌ وأملٌ، مع هدوء قلب، وطمأنينة نفس، واعتقاد جازم بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
والناس مع التوكل ثلاثة أنواع:
الأول: من تواكل وقعد عن العمل ولم يأخذ بالأسباب وهذا مخالف لسنة الله عز وجل في الكون.
الثاني: من قام بالأسباب وترك التوكل وهؤلاء الماديون وأتباعهم.
الثالث: أهل الحق من قاموا بالأسباب وتوكلوا على الله عز وجل. وهذا هو طريق الرسل والأنبياء ومن تبعهم بإحسان، فهم يعملون للجنة ويتوكلون على الله، ويعملون في مصالحهم وهم متوكلون على الله، ويجاهدون وهم مستعدون متوكلون.
أخي المسلم:
قال النبي : { المؤمن القويّ أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان } [رواه مسلم].
وعن أنس قال: قال رسول الله : { من قال - يعني إذا خرج من بيته - بسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هُديت ووُقيت، وكُفيت، وتنحى عنه الشيطان } [رواه أبو داود والترمذي]، وزاد أبو داود: { فيقول - يعني الشيطان - كيف برجل قد هُدي وكُفي ووُقي؟ }.
جعلنا الله من المتوكلين على الله حق التوكل. ورزقنا الإنابة والخضوع والحاجة له وحده دون ما سواه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين.
=================
أعظم أنواع العبادة
صالح بن فوزان الفوزان
دار القاسم(11/107)
الحمد لله رب العالمين، أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، توعد المجرمين بالعقاب، ووعد المتقين بالإثابة. وبعد:
فإن الدعاء أعظم أنواع العبادة، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي قال: { الدعاء هو العبادة } ثم قرأ: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] [رواه أبو داود والترمذي. قال حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم]. وقد أمر الله بدعائه في آيات كثيرة، ووعد بالإجابة، أثنى على أنبيائه ورسله فقال: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]. وأخبر سبحانه أنه قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، فقال سبحانه لنبيه : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186].
وأمر سبحانه بدعائه والتضرع إليه، لا سيما عند الشدائد والكربات. وأخبر أنه لا يجيب المضطر ولا يكشف الضر إلا هو. فقال: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62].
وذم اللذين يعرضون عن دعائه عند نزول المصائب، وحدوث البأساء والضراء فقال: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ [الأعراف:94]. وقال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام:43،42]. وهذا من رحمته وكرمه سبحانه فهو مع غناه عن خلقه يأمرهم بدعائه، لأنهم هم المحتاجون إليه قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15]. وقال تعالى: وَاللّهُ الغَنِيُ وَأنتُمُ الفُقَرَآءُ [محمد:38].
وفي الحديث القدسي: { يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطئون باليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم } [رواه مسلم].
فادعوا الله عباد الله، وأعلموا أن لاستجابة الدعاء شروطاً لابد من توافرها. فقد وعد الله سبحانه أن يستجيب لمن دعاه. والله لا يخلف وعده، ولكن تكون موانع القبول من القبول من قبل العبد.
فمن موانع إجابة الدعاء: أن يكون العبد مضيعاً لفرائض الله، مرتكباً لمحارمة ومعاصيه
فهذا قد ابتعد عن الله وقطع الصلة بينه وبين ربه، فهو حري إذا وقع في شدة ودعاه أن لا يستجيب له.
وفي الحديث أن النبي قال: { تعرّف على الله في الرخاء، يعرفك في الشدة } يعني أن العبد إذا اتقى الله، وحفظ حدوده، وراعى حقوقه في حال رخائه فقد تعرّف بذلك إلى الله وصار بينه وبين ربه معرفة خاصة. فيعرفه ربه في الشدة، بمعنى أنه يفرجها له في الشدة، ويراعي له تعرّفه إليه في الرخاء فينجيه من الشدائد. وفي الحديث: { وما تقرب إليّ عبدي يشيء أحب إليّ مما افترضته عليه. ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه. فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه } [رواه البخاري].
فمن عامل الله بالتقوى والطاعة في حال رخائه عامله الله باللطف والإعانه في حال شدته. كما قال تعالى عن نبيه يونس عليه الصلاة والسلام لما التقمه الحوت: فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:144،143] أي لصار له بطن الحوت قبراً إلى يوم القيامة.
قال بعض السلف: ( إذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، إن يونس عليه الصلاة والسلام كان يذكر الله، فلما وقع في بطن الحوت قال الله تعالى: فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:144،143]، وإن فرعون كان طاغياً لذكر الله: إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ [يونس:90] فقال الله تعالى: آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91] ).
ومن أعظم موانع الدعاء: أكل الحرام
فقد ذكر النبي صلى الله : { الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام. فأنى يُستجاب لذلك } [رواه مسلم]. فقد أشار النبي إلى أن التمتع بالحرام أكلاً وشرباً ولبساً وتغذية أعظم مانع من قبول الدعاء وفي الحديث: { أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة }.
وقد ذكر عبدالله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه قال: ( أصاب بني إسرائيل بلاء فخرجوا مخرجاً، فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم أنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة، وترفعون إلى أكفاً قد سفكتم بها الدماء، وملأتم بها بيوتكم من الحرام. الآن حين اشتد غضبي عليكم لن تزدادوا مني إلا بعداً ).
فتنبهوا لأنفسكم أيها الناس، وانظروا في مكاسبكم ومأكلكم ومشربكم وما تغذون به أجسامكم، ليستجيب الله دعاءكم وتضرعكم.
ومن موانع قبول الدعاء: عدم الإخلاص فيه لله(11/108)
لأن الله تعالى يقول: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [غافر:14] وقال تعالى: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن:18]. فالذين يدعون معه غيره من الأصنام وأصحاب القبور والأضرحة والأولياء والصالحين كما يفعل عباد القبور اليوم من الإستغاثة بالأموات، هؤلاء لا يستجيب الله دعاءهم إذا دعوه لأنهم لم يخلصوا له. وكذلك الذين يتوسلون في دعائهم بالموتى فيقولون: ( نسألك بِفلان أو بجاهه ) هؤلاء لا يستجاب لهم دعاء عند الله لأن دعاءهم مبتدع غير مشروع، فالله لم يشرع لنا أن ندعو بواسطة أحد ولا بجاهه، وإنما أمرنا أن ندعوه مباشرة من غير واسطة أحد. قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وإن استجيب لهؤلاء فهو من الاستدراج والابتلاء. فاحذروا من الأدعية الشركية والأدعية المبتدعة التي تروج اليوم.
ومن موانع قبول الدعاء، أن يدعوا الإنسان وقلبة غافل
فقد روى الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة عن النبي قال: { ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه }.
ومن موانع قبول الدعاء: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما عن النبي قال: { والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم } [رواه الترمذي].
وقال الإمام إبن القيم: ( الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب. ولكن قد يتخلف عنه أثره إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً. فإن السهم يخرج منه خروجاً ضعيفاً. وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها ). وقال: ( الدعاء من أنفع الأدوية. وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه. ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل وهو سلاح المؤمن. كما روى الحاكم في مستدركه من حديث على بن أبي طالب قال: قال رسول الله : { الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض } وروى الحاكم أيضاً من حديث إبن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: { الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء } وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : { إن الله يحب الملحين في الدعاء } ).
فالدعاء هو أعظم أنواع العبادة، لأنه يدل على التواضع لله، والإفتقار إلى الله، ولين القلب والرغبة فيما عنده، والخوف منه تعالى، والإعتراف بالعجز والحاجة إلى الله. وترك الدعاء يدلك على الكبر وقسوة القلب والإعراض عن الله وهو سبب لدخول النار. قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] كما أن دعاء الله سبب لدخول الجنة. قال تعالى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:25-28] يخبر سبحانه عن أهل الجنه أنهم يسألون بعضهم بعضاً عن أحوال الدنيا وأعمالهم فيها، وعن السبب الذي أوصلهم إلى ما هم فيه من الكرامه والسرور أنهم كانوا في دار الدنيا خائفين من ربهم ومن عذابه، فتركوا الذنوب، وعملوا الصالحات وأن الله سبحانه منّ عليهم بالهداية والتوفيق. ووقاهم عذاب الحريق. فضلاً منه وإحساناً، لأنهم كانوا في الدنيا يدعونه أن يقيهم عذاب السموم، ويوصلهم إلى دار النعيم.
فادعوا الله أيها المسلمون، وأكثروا من دعائه مخلصين له الدين.
قال تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56،55].
=============
حضور القلب في الصلاة
ابن القيم الجوزية
دار الوطن
قال ابن القيم رحمه الله في شرح وصية نبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام وقوله في: { وآمركم بالصلاة، فإذا صليتم، فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت } [رواه البخاري].
الإلتفات المنهي عنه في الصلاة قسمان:
أحدهما: التفات القلب عن الله عز وجل إلى غير الله تعالى.
الثاني: التفات البصر، وكلاهما منهي عنه، ولا يزال الله مقبلاً على عبده ما دام العبد مقبلاً على صلاته، فإذا التفت بقلبه أو بصره، أعرض الله تعالى عنه، وقد سئل رسول الله عن التفات الرجل في صلاته فقال: { اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد } [رواه البخاري].(11/109)
وفي الأثر: يقول الله تعالى: { إلى خير مني، إلى خير مني }؟ ومثّل من يلتفت في صلاته ببصره أو بقلبه، مثل رجل قد استدعاه السلطان، فأوقفه بين يديه، وأقبل يناديه ويخاطبه، وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يميناً وشمالاً، وقد انصرف قلبه عن السلطان، فلا يفهم ما يخاطبه به، لأن قلبه ليس حاضراً معه، فما ظن هذا الرجل أن يفعل به السلطان، أفليس أقل المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتاً مبعداً قد سقط من عينيه؟ فهذا المصلي لا يستوي والحاضر القلب المقبل على وجه الله تعالى في صلاته الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه، فامتلأ قلبه من هيبته، وذلت عنقه له، واستحيى من ربه تعالى أن يقبل على غيره. أو يلتفت عنه، وبين صلاتيهما كما قال حسان بن عطية [ذكر ابن جبان في مشاهير أتباع التابعين بالشام فقال: حسان بن عطية من أفضل أهل زمانه ثقة واتقاناً وفضلاً وخيراً، وكان يغرب اهـ. ( مشاهير علماء الأمصار ) رقم 1423 وهذا الأثر رواه عبدالله بن المبارك في كتاب (الزهد والرقائق)] إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة، وأن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض، وذلك إن أحدهما مقبل بقلبه على الله عز وجل والآخر ساهٍ غافل. فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله، وبينه وبينه حجاب، لم يكن إقبالاً ولا تقريباً، فما الظن بالخالق عز وجل؟ وإذا أقبل على الخالق عز وجل وبينه وبينه حجاب الشهوات والوساوس، والنفس مشغوفة بها، ملأى منها، فكيف يكون ذلك إقبالاً وقد ألهته الوساوس والأفكار، وذهبت به كل مذهب؟.
والعبد إذا قام في الصلاة غار الشيطان منه، فإنه قد قام في أعظم مقام، وأقربه وأغيظه للشيطان، وأشد عليه، فهو يحرص ويجتهد كل الاجتهاد أن لا يقيمه فيه، بل لا يزال به يعده ويمنِّيه وينسيه، ويجلب عليه بخيله ورجله حتى يهوِّن عليه شأن الصلاة، فيتهاون بها فيتركها. فإن عجز عن ذلك منه، وعصاه العبد، وقام في ذلك المقام، أقبل عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه، ويحول بينه وبين قلبه، فيذكِّره في الصلاة ما لم يكن يذكر قبل دخوله فيها، حتى ربما كان قد نسي الشيء والحاجة، وأيس منها، فيذكره إياها في الصلاة ليشغل قلبه بها، ويأخذه عن الله عز وجل، فيقوم فيها بلا قلب، فلا ينال من إقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على ربه عز وجل الحاضر بقلبه في صلاته، فينصرف من صلاته مثل ما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله، لم تخفف عنه بالصلاة، فإن الصلاة إنما تكفر سيئات من أدى حقها، وأكمل خشوعها، ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه.
فهذا إذا انصرف منها وجد خفة من نفسه، وأحس بأثقال قد وضعت عنه، فوجد نشاطاً وراحة وروحاً، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها، لأنها قرة عينه ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها، فنستريح بها، لا منها، فالمحبون يقولون: نصلي فنستريح بصلاتنا، كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم : { يا بلال أرحنا بالصلاة } [رواه أحمد وصححه الألباني] ولم يقل: أرحنا منها.
وقال : { جُعلت قرة عيني في الصلاة } [رواه أحمد وصححه الألباني] فمن جعلت قرة عينه في الصلاة، كيف تقر عينه بدونها، وكيف يطيق الصبر عنها؟ فصلاة هذا الحاضر بقلبه الذي عينه في الصلاة، هي التي تصعد ولها نور وبرهان، حتى يستقبل بها الرحمن عز وجل، فتقول: ( حفظك الله كما حفظتني )، وأما صلاة المفرط المضيع لحقوقها وحدودها وخشوعها، فإنها تلفِّ كما يلف الثوبُ الخلق، ويضرب بها وجه صاحبها وتقول: ( ضيعك الله كما ضيعتني ).
وقد روي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ( ما من مؤمن يتم الوضوء إلى أماكنه، ثم يقوم إلى الصلاة في وقتها فيؤديها لله عز وجل لم ينقص من وقتها، وركوعها وسجودها ومعالمها يستضيء بنورها ما بين الخافقين حتى ينتهي بها إلى الرحمن عز وجل، ومن قام إلى الصلاة فلم يكمل وضوءها وأخرها عن وقتها، واسترق ركوعها وسجودها ومعالمها، رفعت عنه سوداء مظلمة، ثم لا تجاوز شعر رأسه تقول: ضيعك الله كما ضيعتني، ضيعك الله كما ضيعتني ) [والحديث ضعيف].
فالصلاة المقبولة، والعمل المقبول أن يصلي العبد صلاة تليق بربه عز وجل، فإذا كانت صلاة تصلح لربه تبارك وتعالى وتليق به، كانت مقبولة.
والمقبول من العمل قسمان:
أحدهما: أن يصلي العبد ويعمل سائر الطاعات وقلبه متعلق بالله عز وجل، ذاكر لله عز وجل على الدوام، فأعمال هذا العبد تُعرض على الله عز وجل حتى تقف قبالته، فينظر الله عز وجل إليها، فإذا نظر إليها رآها خالصة لوجهه مرضية، وقد صدرت عن قلب سليم مخلص محب لله عز وجل متقرب إليه، أحبها ورضيها وقَبلهَا.
والقسم الثاني: أن يعمل العبد الأعمال على العادة والغفلة، وينوي بها الطاعة والتقرب إلى الله، فأركانه مشغولة بالطاعة، وقلبه لاه عن ذكر الله، وكذلك سائر أعماله، فإذا رفعت أعمال هذا إلى الله عز وجل، لم تقف تجاهه، ولا يقع نظره عليها، ولكن توضع حيث توضع دواوين الأعمال، حتى تعرض عليه يوم القيامة فتميز، فيثيبه على ما كان له منها، ويرد عليه ما لم يرد وجهه به منها. فهذا قبوله لهذا العمل: إثابته عليه بمخلوق من مخلوقاته من القصور والأكل والشرب والحور العين.
وإثابة الأول رضى العمل لنفسه، ورضاه عن معاملة عامله، وتقريبه منه، وإعلاء درجته ومنزلته، فهذا يعطيه بغير حساب، فهذا لون، والأول لون.
والناس في الصلاة على مراتب خمسة:
أحدها: مرتبة الظالم لنفسه المفرط، وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها.(11/110)
الثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها، لكنه قد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة، فذهب مع الوساوس والأفكار.
الثالث: من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوه لئلا يسرق صلاته، فهو في صلاة وجهاد.
الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها لئلا يضيع شيئاً منها، بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي وإكمالها وإتمامها، قد استغرق قلبه شأن الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها.
الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل، ناظراً بقلبه إليه، مراقباً له، ممتلئاً من محبته وعظمته، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطرات، وارتفعت حجبها بينه وبين ربه، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض، وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل قرير العين به.
فالقسم الأول معاقب، والثاني محاسب، والثالث مكفَّر عنه، والرابع مثاب، والخامس مقرب من ربه، لأن له نصيباً ممن جعلت قرة عينه في الصلاة، فمن قرت عينه بصلاته في الدنيا، قرت عينه بقربه من ربه عز وجل في الآخرة، وقرت عينه أيضاً به في الدنيا، ومن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تعالى تقطعت نفسه على الدنيا حسرات.
وقد روي أن العبد إذا قام يصلي قال الله عز وجل: ( ارفعوا الحجب بيني وبين عبدي )، فإذا التفت قال: ( أرخوها )، وقد فسر هذا الالتفات بالتفات القلب عن الله عز وجل إلى غيره، فإذا التفت إلى غيره، أرخى الحجاب بينه وبين العبد، فدخل الشيطان، وعرض عليه أمور الدنيا، وأراه إياها في صورة المرآة وإذا أقبل بقلبه على الله ولم يلتفت، لم يقدر على أن يتوسط بين الله تعالى وبين ذلك القلب، وإنما يدخل الشيطان إذا وقع الحجاب، فإن فرَّ إلى الله تعالى وأحضر قلبه فرَّ الشيطان، فإن التفت حضر الشيطان، فهو هكذا شأنه وشأن عدوه في الصلاة.
وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه عز وجل إذا قهر شهوته وهواه، وإلا فقلب قد قهرته الشهوة، وأسره الهوى، ووجد الشيطان فيه مقعداً تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس والأفكار؟! اهـ.
والقلوب ثلاثة:
قلب خالٍ: من الإيمان وجميع الخير، فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه، لأنه قد اتخذه بيتاً ووطناً، وتحكم فيه بما يريد، وتمكن منه غاية التمكن.
القلب الثاني: قلب قد استنار بنور الإيمان، وأوقد فيه مصباحه، لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف الأهوية، فللشيطان هناك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع، فالحرب دول وسجال.
وتختلف أحوال هذا الصنف بالقلة والكثرة، فمنهم من أوقات غلبته لعدوه أكثر، ومنهم من أوقات غلبة عدوه له أكثر، ومنهم من هو تارة وتارة.
القلب الثالت: قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان وانقشعت عنه حجب الشهوات، وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في قلبه إشراق، ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به، فهو كالسماء التي حرست بالنجوم، فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم.
وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
=============
نزع الحياء بنزع الإيمان
صالح بن فوزان الفوزان
دار القاسم
الحمد لله ذي الفضل والإحسان، جعل الحياء شعبة من شعب الإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29]، إن الحياء خصلة حميدة، تكف صاحبها عما لا يليق. وقد قال النبي : { إن الحياء لا يأتي إلا بخير } وأخبر أنه شعبة من شعب الإيمان. فعن أبي هريرة أنه قال: { الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان }.
وقد مرّ النبي برجل وهو يعظ أخاه في الحياء أي يلومه عليه فقال: { دعه، فإن الحياء من الإيمان }. دلت هذه الأحاديث على أن الحياء خلق فاضل. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ( والحياء من الحياة ومنه يقال: الحيا للمطر، على حسب حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء - وقلة الحياء من موت القلب والروح، فكلما كان القلب أحبى كان الحياء أتم - فحقيقة الحياء أنه خُلق يبعث على ترك القبائح، ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق، والحياء يكون بين العبد وبين ربه عز وجل فيستحي العبد من ربه أن يراه على معصيته ومخالفته، ويكون بين العبد وبين الناس. فالحياء الذي بين العبد وربه قد بيّنه في الحديث الذي جاء في سنن الترمذي مرفوعاً أن النبي قال: { استحيوا من الله حق الحياء }. قالوا: إنا نستحي يا رسول الله. قال: { ليس ذلكم. ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى. ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء } فقد بيّن في هذا الحديث علامات الحياء من الله عز وجل أنها تكون بحفظ الجوارح عن معاصي الله، وبتذكر الموت، وتقصير الأمل في الدنيا، وعدم الانشغال عن الآخرة بملاذ الشهوات والانسياق وراء الدنيا. وقد جاء في الحديث الآخر أن { من استحيا من الله استحيا الله تعإلى منه }.
وحياء الرب من عبده حياء كرم وبر وجود وجلال، فإنه تبارك وتعإلى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً ويستحي أن يعذب ذا شيبة شابت في الإسلام.(11/111)
وأما الحياء الذي بين العبد وبين الناس. فهو الذي يكف العبد عن فعل ما لا يليق به، فيكره أن يطلع الناس منه على عيب ومذمة فيكفه الحياء عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق. فالذي يستحي من الله يجتنب ما نهاه عنه في كل حالاته، في حال حضوره مع الناس وفي حال غيبته عنهم.
وهذا حياء العبودية والخوف والخشية من الله عز وجل وهو الحياء المكتسب من معرفة الله، ومعرفة عظمته، وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور. وهذا الحياء من أعلى خصال الإيمان، بل هو من أعلى درجات الإحسان. كما في الحديث: { الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك } والذي يستحي من الناس لا بد أن يكون مبتعداً عما يذم من قبيح الخصال وسيء الأعمال والأفعال، فلا يكون سباباً، ولا نماماً أو مغتاباً، ولا يكون فاحشاً ولا متفحشاً، ولا يجاهر بمعصية، ولا يتظاهر بقبيح. فحياؤه من الله يمنعه من فساد الباطن، وحياؤه من الناس يمنعه من ارتكاب القبيح والأخلاق الدنيئة، وصار كأنه لا إيمان له. كما قال النبي : { إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت } [ رواه البخاري].
ومعناه إن لم يستح صنع ما شاء من القبائح والنقائص، فإن المانع له من ذلك هو الحياء وهو غير موجود، ومن لم يكن له حياء انهمك في كل فحشاء ومنكر. عن سلمان الفارسي قال: ( إن الله إذا أراد بعبده هلاكاً نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتاً ممقتاً. فإذا كان مقيتاً ممقتاً نزع منه الأمانة، فلم تلقه إلا خائناً مخوناً. فإذا كان خائناً مخوناً نزع منه الرحمة، فلم تلقه إلا فظاً غليظاً. فإذا كان فظاً غليظاً نزع ربقة الإيمان من عنقه، فإذا نزع ربقة الإيمان من عنقه، لم تلقه إلا شيطاناً لعيناً ملعناً ). وعن ابن عباس قال: ( الحياء والإيمان في قرن، فإذا نزع الحياء تبعه الآخر ). وقد دل الحديث وهذان الأثران على أن من فقد الحياء لم يبق ما يمنعه من فعل القبائح، فلا يتورع عن الحرام. ولا يخاف من الآثام، ولا يكف لسانه عن قبيح الكلام. ولهذا لما قل الحياء في هذا الزمان أو انعدم عند بعض الناس كثرت المنكرات، وظهرت العورات، وجاهروا بالفضائح، واستحسنوا القبائح. وقلت الغيرة على المحارم أو انعدمت عند كثير من الناس، بل صارت القبائح والرذائل عند بعض الناس فضائل، وافتخروا بها، فمنهم المطرب والملحن والمغني الماجن، ومنهم اللاعب الناعب الذي أنهك جسمه وضيّع وقته في أنواع اللعب، وأقل حياء وأشد تفاهة من هؤلاء المغنيين واللاعبين من يستمع لغوهم، أو ينظر ألعابهم، ويضيع كثيرا من أوقاته في ذلك.
ومن قلة الحياء وضعف الغيرة في قلوب بعض الرجال:
استقدامهم النساء الأجنبيات السافرات أو الكافرات وخلطهن لهم مع عوائلهم داخل بيوتهم وجعلهن يزاولن الأعمال بين الرجال، وربما يستقبلن الزائرين، ويقمن بصب القهوة للرجال. أو استقدامهم للرجال الأجانب سائقين وخدامين، يطلعون على محارمهم ويخلون مع نسائهم في البيوت وفي السيارات في الذهاب بهن إلى المدارس والأسواق، فأين الغيرة وأين الحياء وأين الشهامة والرجولة؟!.
ومن ذهاب الحياء في النساء اليوم:
ما ظهر في الكثير منهن من عدم التستر والحجاب، والخروج إلى الأسواق متطيبات متجملات لابسات لأنواع الحلي والزينة، لا يبالين بنظر الرجال إليهن، بل ربما يفتخرن بذلك، ومنهن من تغطي وجهها في الشارع وإذا دخلت المعرض كشفت عن وجهها وذراعيها عند صاحب المعرض ومازحته بالكلام وخضعت له بالقول؛ لتطمع الذي في قلبه مرض.
ومن ذهاب الحياء في بعض الرجال أو النساء:
شغفهم بإستماع الأغاني والمزامير من الإذاعات ومن أشرطة التسجيل.
أين الحياء ممن يشتري الأفلام الخليعة، ويعرضها في بيته أمام نسائه وأولاده بما فيها من مناظر الفجور وقتل الأخلاق، وإثارة الشهوة، والدعوة إلى الفحشاء والمنكر؟!.
أين الحياء ممن ضيعوا أولادهم في الشوارع يخالطون من شاؤوا ويصاحبون ما هب ودب من ذوي الأخلاق السيئة، أو يضايقون الناس في طرقاتهم ويقفون بسياراتهم في وسط الشارع؛ حتى يمنعوا المارة، أو يهددون حياتهم بالعبث بالسيارات وبما يسمونه بالتفحيط؟!.
أين الحياء من المدخن الذي ينفث الدخان الخبيث من فمه في وجود جلسائه ومن حوله، فيخنق أنفاسهم ويقزز نفوسهم ويملأ مشامهم من نتنه ورائحته الكريهة؟!.
أين الحياء من التاجر الذي يخدع الزبائن، ويغش السلع، ويكذب على الناس؟ إن الذي حمل هؤلاء على النزول إلى هذه المستويات الهابطة هو ذهاب الحياء كما قال : { إذا لم تستح فاصنع ما شئت }.
فاتقوا الله عباد الله، وراقبوا الله في تصرفاتكم، قال تعإلى: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].
==============
أسباب مغفرة الذنوب
دار الوطن ...
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيبين وصحبه الكرام البررة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:
قال الله تعإلى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].(11/112)
وقال عز وجل: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114].
أخي القارئ: كلنا ذوو أخطاء، وكلنا بحاجة ماسة إلى مغفرة الذنوب والمعاصي التي نقترفها بالليل والنهار، ومن رحمة الله بنا أن هيأ لنا أسباباً كثيرة وكثيرة جداً للمغفرة. ما أخذ بها مسلم إلا عمّه الله تعإلى بمغفرته ورحمته، إلا أنه سبحانه قد اشترط الإيمان والبراءة من الشرك حتى تترتب الآثار على هذه الأسباب، لأن الكفر والشرك مانعان من الغفران.
قال الله تعإلى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء:116].
أسباب مغفرة الذنوب
وإليك أخي الحبيب بعضاً من الأسباب التي جعلها الله موجبة لمغفرة الذنوب حتى تدفع عن نفسك اليأس والقنوط من رحمة الله تعإلى وتسارع إلى مغفرة الله ورضوانه وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133].
1 - الإسلام: قال الله تعإلى: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38].
وعن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله : { أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله } [أخرجه مسلم].
2 - الهجرة في سبيل الله: وهي الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام قال الله تعإلى: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النحل:110]. وحديث عمرو بن العاص المتقدم وفيه: { وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها }.
3 - الحج المبرور: عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله : {.. وأن الحج يهدم ما كان قبله }.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { من حج لله ولم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه } [رواه البخاري].
4 - الذكر عند سماع الأذان: عن سعد قال: قال رسول الله : { من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً غفر له ما تقدّم من ذنبه } [أخرجه مسلم].
5 - من وافق تأمينه تأمين الملائكة: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه } [رواه البخاري ومسلم].
6 - من وافق قوله: ( سمع الله لمن حمده ) قول الملائكة: قال : { إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه } [رواه البخاري ومسلم].
7 - صلاة ركعتين لا سهو فيهما: لقوله : { من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين لا سهو فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه } [رواه أحمد وحسنه الألباني].
8 - مسح الحجر الأسود والركن اليماني: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : { إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً } [رواه أحمد، وصححه الألباني].
9 - الاجتماع على ذكر الله: عن سهل بن الحنظلة قال: قال رسول الله : { ما اجتمع قوم على ذكر فتفرقوا عنه إلا قيل لهم: قوموا مغفوراً لكم } [رواه أحمد وصححه الألباني].
وعن أنس قال: قال رسول الله : { ما جلس قوم يذكرون الله تعإلى إلا ناداهم مناد من السماء قوموا مغفوراً لكم } [رواه أحمد وصححه الألباني].
10 - مرض الإنسان: عن أبي أمامة قال: قال رسول الله : { إن العبد إذا مرض أوحى الله إلى ملائكته، أنا قيدت عبدي بقيد من قيودي، فإن أقبضه أغفر له، وإن أعافه فحينئذ يقعد لا ذنب له } [رواه الحاكم وحسنه الألباني].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : { إذا اشتكى المؤمن أخلصه من الذنوب. كما يخلص الكير خبث الحديد } [رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني].
أسباب دفع العقوبات
أخي الحبيب
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن المؤمن إذا فعل سيئة، فإن عقوبتها تندفع بنحو عشرة أسباب:
أحدها: أن يتوب توبة نصوحاً، ليتوب الله عليه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
الثاني: أن يستغفر الله، فيغفر الله تعإلى له.
الثالث: أن يعمل حسنات يمحو بها تلك السيئة لقوله تعإلى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114].
الرابع: أن يدعو له إخوانه المؤمنون، ويشفعوا له حياً وميتاً.
الخامس: أن يهدي له إخوانه المؤمنون من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به.
السادس: أن يشفع فيه نبينا محمد .
السابع: أن يبتليه الله في الدنيا بمصائب في نفسه وماله وأولاده وأقاربه ومن يحب ونحو ذلك.
الثامن: أن يبتليه في البرزخ بالفتنة والضغطة وهي عصر القبر، فيكفر بها عنه.
التاسع: أن يبتليه الله في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفّر عنه.
العاشر: أن يرحمه أرحم الراحمين.
فمن أخطأته هذه العشرة فلا يلومنّ إلا نفسه، كما قال تعإلى في الحديث الإلهي: { إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه } [مسلم].
أسباب النجاة من النار
فكما جعل الله سبحانه وتعإلى أسباباً للمغفرة والعفو والرضوان، جعل أيضاً أعمالاً تنجي صاحبها من النار زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185].
فإليك أخي الحبيب بعضاً من هذه الأعمال:(11/113)
1 - من مات له ثلاثة من الولد وصبر: عن واثلة قال: قال رسول الله : { من دفن ثلاثة من الولد حرّم الله عليه النار } [رواه الطبراني وصححه الألباني].
2 - من عال ثلاث بنات أو أخوات، وأحسن إليهن: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : { ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، فيحسن إليهن إلا كن له ستراً من النار } [رواه البيهقي وصححه الألباني].
3 - الذبّ والدفاع عن عرض المؤمن وهو غائب: عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : { من ذبّ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار } [رواه أحمد وصححه الألباني].
4 - من صلى أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى: عن أنس قال: قال رسول الله : { من صلى لله أربعين يوماً في جماعة، يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق } [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
5 - حسن الخلق: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { من كان سهلاً هيناً ليناً، حرمه الله على النار } [رواه الحاكم وصححه الألباني].
6 - المحافظة على صلاة الفجر والعصر: عن عمارة بن رويبة قال: قال رسول الله : { لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } [رواه مسلم].
7 - غبار الجهاد: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : { ما خالط قلب امرئ مسلم رهج في سبيل الله، إلا حرّم الله عليه النار } [رواه أحمد وصححه الألباني]. والرهج هو: الغبار.
موجبات الجنة
قال تعإلى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً [الكهف:107]، جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ [مريم:61]، ومن موجباتها:
1 - التلفظ بالشهادتين مع العمل بمقتضاهما: عن عبادة بن الصامت عن النبي قال: { ما من عبد قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق؛ إلا أدخله الله الجنة على ما كان من العمل } [رواه البخاري ومسلم].
2 - إحصاء أسماء الله الحسنى: عن أبي هريرة عن النبي : { إن لله تسعة وتسعين إسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة } [متفق عليه].
والإحصاء معناه: الإيمان بها وحفظها والعمل بمقتضاها.
3 - قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة: عن أبي أمامة قال: قال رسول الله : { من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت } [رواه النسائي وصححه ابن حجر].
4 - قراءة سورة تبارك: عن أنس قال: قال رسول الله : { سورة من القرآن ما هي إلا ثلاثون آية، خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة وهي تبارك } [رواه الطبراني وحسنه الألباني].
5 - الصدقة: عن حذيفة قال: قال رسول الله : { من تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة } [رواه أحمد وصححه الألباني].
6 - كفالة اليتيم: عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله : { أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا - وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى وفرج بينهما } [رواه البخاري].
7 - ترك سؤال الناس شيئاً: عن ثوبان قال: قال رسول الله : { من يكفل لي ألا يسأل الناس شيئاً، وأتكفل له بالجنة؟ } فقلت: أنا. فكان لا يسأل أحداً شيئاً [رواه أبو داود وصححه الألباني].
8 - حفظ اللسان والفرج عن المحارم: عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله : { من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه أضمن له الجنة } [رواه البخاري].
9 - الصبر على فقد الأحباب من الأولاد وغيرهم: عن أبي هريرة أن رسول الله قال: { يقول الله تعإلى: ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة } [أخرجه البخاري]. والصفي هو الحبيب المصافى كالولد والأخ وكل من يحبه الإنسان.
10 - طاعة المرأة لزوجها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت } [أخرجه ابن حبان وصححه الألباني].
11 - المرأة تموت في نفاسها: عن راشد بن حبيش، أن رسول الله قال: { القتل في سبيل الله عز وجل شهادة، والطاعون شهادة والغرق شهادة والبطن شهادة والنفساء شهادة يجرها ولدها بسررها إلى الجنة } [أخرجه أحمد وحسنه الألباني].
12 - البراءة من الكبر والغلول والدَين: عن ثوبان قال: قال رسول الله : { من مات وهو بريء من الكبر والغلول والدَين دخل الجنة } [رواه الترمذي وصححه الألباني].
13 - صاحب السلطان المقسط والرجل الرحيم القلب والعفيف المتعفف ذو العيال: عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله : { أهل الجنة ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال } [أخرجه مسلم].
14 - رحمة الحيوان: عن أبي هريرة عن النبي : أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من الطعش فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له حتى أرواه فشكر الله له فأدخله الجنة" رواه البخاري].
15 - إماطة الأذى عن الطريق: عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: { لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس } [رواه مسلم].
16 - التجاوز عن المعسر: عن حذيفة عن النبي : { أن رجلاً مات فدخل الجنة فقيل له: ما كنت تعمل؟ قال: إني كنت أبايع الناس. فكنت أنظر المعسر وأتجوز في السكة أو في النقد، فغفر له } [رواه مسلم]. قال النووي: ( والتجاوز والتجوز معناهما المسامحة في الاقتضاء والإستيفاء وقبول ما فيه نقص يسير ).(11/114)
17 - من سأل الله الجنة ثلاثاً واستجار من النار ثلاثاً: عن أنس قال: قال رسول الله : { من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار: اللهم أجره من النار } [رواه الترمذي وصححه الألباني].
أسباب أخرى للنجاة
1 - الوضوء بعد الحدث وصلاة ركعتين بعد الوضوء: عن أبي هريرة أن رسول الله قال لبلال رضي الله عنه: { يا بلال حدّثني بأرجى عمل عملته في الإسلام. فإني سمعت دف نعليك في الجنة } قال: ( ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي ) [رواه الشيخان]. والدف: هو الحركة الخفيفة.
2 - صوم يوم عرفة وعاشوراء: عن أبي قتادة قال: قال رسول الله : { صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ماضية ومستقبلة، وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية } [رواه مسلم].
3 - من أقال مسلماً: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { من أقال مسلماً أقال الله عثرته } [رواه أبو داود وصححه الألباني]. أقال: أي وافقه على نقض البيع وأجابه إليه.
نسأل الله أن يفغر لنا ذنوبنا ويقبل عثراتنا وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.
===========
صلة الأقارب والأرحام
دار القاسم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن صلة الأرحام من أعظم القربات إلى الله وأجلها، قال تعالى: وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1] والمسلم في هذه الدنيا يجدّ في السير إلى رحاب جنة عرضها السموات والأرض ومما يعينه في ذلك السير تلمس ثمار القيام بصلة الأرحام ومنها:
1 ـ امتثال أمر الله ورسوله بصلة الرحم حيث أن رسول الله قرنها بعبادة الله تعالى دلالة على عظم شأنها كما في حديث عمرو بن عبسة لما سأل رسول الله بأي شيء أرسلك الله قال: { بكسر الأوثان وصلة الرحم وأن يوحد الله لا يشرك به شيء } [رواه مسلم].
2 ـ طلب القرب والإحسان والأفضال من الله تبارك وتعالى كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله : { إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم ! أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى قال: فذلك لك... } الحديث.
3 ـ طمعاً في دخول الجنة، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجة والترمذي والدارمي، عن عبدالله بن سلام قال: لما قدم النبي المدينة انجفل الناس قبلةُ، وقيل: قد قدم رسول الله ، قد قدم رسول الله ، قد قدم رسول الله - ثلاثاً - فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكأن أول شيء سمعته تكلم به أن قال: { يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام }.
4 ـ كسب الرزق والبركة في الذرية والذكر الحسن، كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله يقول: { من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه }.
5 ـ دفع العقوبة المترتبة على قطيعة الرحم، كما في قوله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:23،22] وكما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عن محمد بن جبير بن مطعم قال: إن جبير بن مطعم أخبره أنه سمع النبي يقول: { لا يدخل الجنة قاطع رحم }، وكذلك في الحديث الذي رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد، عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله : { ما من ذنب أجدر أن يُعجل الله بصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم }.
آداب وضوابط صلة الرحم:
1 ـ أن تستصحب الإخلاص لله تعالى في كل عمل تقوم به، وأن تلزم الإلتجاء إلى الله سبحانه ودعائه بأن يوفقك وأن يفتح على يديك، وأن تنطلق مع محبوبات الله أني استقلت ركائبها، مع الاجتهاد في دفع كل ما يعارض هذا الأصل العظيم الذي هو أنفع الأصول وأصلحها للقلب وأعظمها فوائد ونتائج، مع اجتهادك فيه تلجأ إلى الله تعالى في إعانتك عليه وتيسيره لك.
2 ـ التدثر بالصفح والعفو والمسامحة لكل من أخطأ عليك، ومقابلة ذلك بالإحسان. وَلاَ تَستوِى الحَسَنَةُ وَلاَ السّيِئَةُ ادفَع بِالّتي هِىَ أَحسَنُ فَإذَا الّذى بَينكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأنّهُ وَلِىّ حَمِيمٌ [فصلت:34].
3 ـ أن تستشعر دائماً أن أقاربك وأرحامك أولى الناس بك، وأحقهم بعطفك وخيرك وَأُولُُوا الأرحَامِ بَعضُهُم أََولَى بِبعضٍ فىِ كِتَابِ اللّهِ إنّ اللّهَ بِكُلِ شَىءٍ عَلِيمُ [الأنفال:75]. روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة والدارمي عن سلمان بن عامر الضبي قال: قال رسول الله : { الصدقة علّى المِسكيِنِ صدقة وهي على ذي القَرابَةِ اثنتان صِلة وصدّقة }.
4 ـ أن تدرك أن صلة الرحم من أخص صفات المؤمنين بل إنها من أبرز صفات سيد المرسلين كما قالت خديجة رضي الله عنها لرسول الله مطمئنة له ومهدية من روعه: ( كلا لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم ) [رواه البخاري ومسلم]. وروى البخاري عن أبي هُريرة عن النبي قال: { مَن كَان يؤمِن بالله وَاليومِ الآخِرِ فَليصل رَحِمَهُ وَمَن كانّ يؤمِنُ بِالله وَاليَومِ الآخِرِ فَليقُل خَيراً أو ليصمت }.(11/115)
5 ـ أن تكون قدوة حسنة في جميع أعمالك وتصرفاتك وأخلاقياتك مع جميع أقاربك ومع غيرهم، مع البعد التام عن الإنتصار للنفس؛ وأن لا يكون في سلوكك ثغرات تفقدك ثقتهم، وانظر إلى سيد الرسل صلوات الله وسلامه عليه لم ينتقم لنفسه قط.
6 ـ أن يروا منك الإيجابية في التعاون معهم، ومسارعتك في قضاء حوائجهم والوقوف في صفهم في الحق، وبذل جاهك وشفاعتك لهم، ومحاولة إيجاد البدائل فيما لم توافقهم عليه من أعمال أو تصرفات.
7 ـ العفو والتجاوز عن حقوقك الذاتية تجاههم؛ بل تحاول أن تتناسها تماماً، ومن ذلك المكافأة في الصلة فالواصل ليس بالمكافي. روى البخاري عن عبدالله بن عمرو عن النبي قال: { ليس الواصل بالمكافي ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمهُ وصلها }.
وروى مسلم عن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: { لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك }.
8 ـ طول النفس، وسعة البال معهم، فالطريق طويل، والصبر جميل، وتدرع بالفأل الحسن، وافتح لنفسك باب الأمل فقد لبث نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو يدعو قومه. وقال رسول الله صلى عليه وسلم عن كفار قريش بعد ما لاقاه منهم: { إني أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله }.
9 ـ إبعاد عنصر اليأس من صلاحهم، فإنه متى تطرّق إليك الشك من صلاحهم فقد حكمت على نفسك بالفشل في بداية الطريق.
10 ـ عدم تعليق الفشل وعدم النجاح عليهم فإنك متى عمدت إلى هذا فقدت عنصر التقويم والتعديل والتطوير لنفسك ولم تحاول أن تراجع خطواتك وطريقتك في التعامل معهم، فهذا نبي الله نوح عليه السلام، قام باستخدام جميع الوسائل في نصح قومه، ولم يقتصر على أسلوب بعينه، ويعلن إنحراف قومه وفشلهم، بل قال لربه جل وعلا: رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً (12) مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً [نوح:5-14].
11 ـ أهمية جعل أهداف لصلة الرحم يمكن مراقبتها وقياسها حتى تعلم مدى نجاحك فيها أو تقصيرك، وأسباب الضعف والخلل.
12 ـ الإستعانه بالله جل وعلا على دعوتهم إلى الله وتوجيههم مع لزوم الدعاء لهم في ظهر الغيب في كل حال وفي أوقات الإجابة والأزمنة والبقاع الفاضلة.
13 ـ الإهتمام البالغ - وقبل كل شيء - بكسب محبتهم في جميع الطرق التي ترضى الله عز وجل.
14 ـ إلتزام الأسلوب الحسن والكلام الطيب، والابتسامة، والبشاشة عند لقياهم والدعاء لهم. فالكلمة الطيبة صدقة، وتبسمك في وجهه صدقه، وطلاقة الوجه صدقة.
15 ـ زيارتهم، والسؤال عن حالهم، والإتصال الهاتفي بهم، ومن الأشياء المعينة على ذلك تخصيص يوم معين لمهاتفتهم؛ مثلاً: يوم الجمعة.
16 ـ صحبتهم في بعض الرحلات للعمرة، أو الحج، أو النزهة، مع تحمل ما لا يلائمك من عادات وصفات؛ فهم أولى بذلك من غيرهم.
17 ـ مشاركتهم في أفراحهم، ومناسباتهم، والمباحات من أعمالهم دون زيادة تسقط الهيبة، وتضعف الشخصية.
18 ـ ملاطفة الأطفال وملاعبتهم؛ وهذا خُلق نبوي رفيع، وهو أدعى وأيسر طريق في كسب محبة أهلهم.
19 ـ الإحتساب في ذلك كله، والإخلاص فيه لله تعالى، دون إنتظار الشكر والثناء من أحد منهم، بل إن من الإعداد النفسي كما قال ابن حزم: أن تنظر مقابلة إحسانك عليهم، إساءتهم وتعديهم وظلمهم لك، فإنك في ذلك تحقق هدفين: أن يكون عطاؤك وصلتك لله تعالى، أن لا تصاب بالإحباط والقلق عند عدم المكافئة بالحسنى.
20 ـ الإهتمام بالمناسبات التي يحث عليها ديننا الإسلامي وإحيائها مثل: الأعياد، قدوم مولود جديد العقيقة، والزواج والوفاة وهكذا.
وسائل صلة الرحم:
أ ـ اللقاءات والإجتماعات العامة:
1 ـ تحديد لقاءات العائلة بعد مشاورتهم؛ مثلاً كل أسبوعين، لمن هم في حي واحد، وكل شهر لمن هم في مدينة واحدة، ولقاء سنوي لمن هم متفرقين في المدن الأخرى.
2 ـ محاربة الإسراف وإزالة الكلفة عند أي إجتماع وذلك بأن تبدأ الدعوة وإظهار البساطة في الضيافة حتى تكون قدوة لهم، مع بيان أن أولى من ينبغي زوال الكلفة فيما بينهم هم الأرحام والأقارب، فإنه متى تكلف أحدهم بطعام فهذا بداية فشل الإجتماعات.
3 ـ بث روح التعارف فيما بينهم وإشعارهم بأهميته في تحقيق التواصل والتكافؤ بين الأرحام، والسؤال والتقصي عن أحوالهم العامة دون الدخول في خصوصياتهم أو ما يحرجهم.
4 ـ التذكير بأهمية صلة الرحم، وفضلها، في جميع اللقاءات، مع ضرب الأمثلة وسياق القصص من السلف وأهل الصلاح في حرصهم واهتمامهم بأرحامهم.
5 ـ توقير كبار العائلة، واحترامهم، وفتح المجال لهم للحديث والمشاركه للإستفادة من قصصهم وتجاربهم وخبراتهم في الحياة.
6 ـ إدخال القصص الطبية، والطرفة المباحة، والمزاح الخفيف في اللقاءات العائلية.(11/116)
7 ـ تجهيز مسابقات سهلة وقصيرة، وطرحها خلال اللقاءات، مع جوائز فورية لأصحاب الإجابات الصحيحة، والحرص على مشاركة الأطفال والصبية والفتيات في ذلك.
8 ـ محاولة استخلاص موافقتهم ومشاركتهم في الأعمال الخيرية، ولو بمبالغ زهيدة بشكل مستمر - لإحتمال الفتور - وتكون بمثابة جسور الإتصال، مع تجنب الإحراج لأحد منهم أو الإلحاح عليهم، بل متى رأيت ملامح عدم الموافقة بادية على وجوهم فاسحب الموضوع تماماً.
ب - عمل دليل هاتفي للعائلة:
وذلك عن طريق الإستبانة التي تبين: الإسم الكامل، والعمل، وعنوان السكن، وأرقام الهواتف، وصندوق البريد. ثم طباعته بثوب قشيب، مع تحري كتابات قيمه على الغلاف تحث على صلة الرحم وفضله، ومنزلة التغاضي عن الزلات، وبيان أن الواصل ليس بالمكافيء.
ج - مجلة العائلة:
تحرير صفحتين أو أكثر تحمل اسم مجلة أو رسالة أو أخبار عائلة ( فلان ) وينبغي أن تكون شهرية، أو دورية، أو سنوية حسب الإستطاعة وتشتمل مثلاً على الأعمدة التالية:
أهمية صلة الرحم، ترجمة عن علم من أعلامها إن وجد، لقاء مع أحد رجالاتها، مشاركة أقلام الأسرة، صفحة المرأة، صفحة الطفل، أخبار الأسرة: من مولود أو نجاح أو تبوء وظيفة، أو صحة، أو مرض ثم الخاتمة وتذكر فيها بعض التوصيات.
د - الهدايا:
من أسباب تقوية الأواصر وزوال الإحن ودوام المحبة تبادل الهدايا حتى ولو كانت رمزية بين أفراد العائلة، وسأذكر هنا بعض الهدايا النافعة التي تعم الأسرة، وأما الهدايا العينية فكل أعلم مما يصلح لصاحبه.
1 ـ الإشتراك لهم في مجلة إسلامية تهتم بقضايا الأسرة.
2 ـ الإشتراك لهم في مجلة تهتم بالأطفال.
3 ـ بعض الكتيبات النافعة، والأشرطة المفيدة للعامة، وللنساء، وللشباب وللأطفال.
4 ـ تقاويم وجداول دراسة مع كتابة عبارات توجيهيه عليها.
وينبغي اختيار الأوقات المناسبة لذلك، مع استغلال المواسم كرمضان، والحج، والإجازات فيما يناسبها، والاستفادة من صناديق البريد في التوزيع إذا لم يتيسر اللقاء.
5 ـ الإشتراك لهم في برنامج القراءة بالمراسلة بالمراسلة التي تصدره دار القاسم.
هـ - المسابقات الثقافية:
1 ـ مسابقة للجميع أو خاصة بالشباب أو الأطفال. وتكون المسابقة: إما علمية أو في مجلة من المجلات أو أن تكون محددة على كتاب من الكتب التي تهتم بقضايا الأسرة. أو تكون على شريط من الأشرطة للعلماء المعروفين وهناك العديد من الأشرطة التي تناسب التوزيع والمسابقات.
2 ـ يمكن أن تكون المسابقات شهرية أو دورية مع استغلال موسم رمضان والحج.
3 ـ الأفضل أن تكون الإجابة على نفس الورقة وأن تذكر الجوائز على ورقة الأسئلة لتكون دافعاً لحل المسابقة.
4 ـ جمع إجابات المسابقة خلال اللقاء التالي أو عن طريق صندوق البريد المسؤول عن ذلك.
5 ـ تعلن أسماء الفائزين في مجلة العائلة.
و ـ السعي في حل مشكلاتهم:
مما يؤكد الصلة ويديم المودة ويوطد العلاقة، الدخول مع الأقارب في حل مشكلاتهم الخاصة والعامة ومن ذلك:
1 ـ الاهتمام بإصلاح ذات البين عند وجود أي خلافات والاستعانة في ذلك بأهل العلم والدين والحكمة والرأي من رجال العائلة، ويفضل تكوين لجنة في العائلة تهتم بالإصلاح.
2 ـ التحري عن ديونهم ومحاولة تسديدها عن طريق أهل الخير، والأفضل من ذلك إرشادهم إلى طريقة مثلى للتسديد من دخلهم ومساعدتهم على جدولة ديونهم ووضع برنامج التسديد، حتى لا يتحولوا إلى عالة، أو يشعرون بالدونية عند أقاربهم.
3 ـ التعاون مع شباب العائلة والسعي في حل مشكلاتهم، ومعرفة نقاط الضعف ومعالجتها، والتعرف على نقاط القوة ودعمها وتوظيفها في مجال الإصلاح.
4 ـ محاولة القضاء على تمديد سن الطفولة لدى الشباب والفتيات، والسعي في زواجهم في مقتبل أعمارهم، وإشعار العائلة بأن الشاب يبلغ مبالغ الرجال في الخامسة عشر من عمره فكيف يؤخر زواجه إلى ما بعد العشرين بحجة أنه صغير !.
5 ـ الاهتمام بالأيتام والأرامل والوقوف معهم في جميع أحوالهم، وإضفاء المحبة والود عليهم، بمشاركتهم في جميع المناسبات، والقيام بمتابعة الأيتام بالتربية والتأديب.
6 ـ الاهتمام بالمطلقات والأرامل والعوانس في السعي لهن بالزواج من الأكفاء الصالحين.
7 ـ السعي في إيجاد وظيفة أو عملاً مناسباً لمن لا وظيفة له. مع السعي معه في اكتساب مهارات إدارية وفنية تؤهله لذلك.
8 ـ مساعدة الطلاب المتأخرين في دراستهم، بإيجاد من يقف معهم في المذاكرة.
ر ـ التوجيه والتذكير والمواعظ والدروس المختصرة وفق الضوابط التالية:
1 ـ من غير المناسب التشهير بذكر المنكرات التي قد تقع من بعضهم.
2 ـ اختيار الفرص المناسبة للتذكير، وليس في كل حال تفتح لك القلوب وتصغي لك الآذان، وتذكر قول الحكيم: حدث الناس ما مالوا إليك بأسماعهم ورقبوك بأبصارهم فإن رأيت منهم فتوراً فأمسك.
3 ـ التمكن من أطراف المسألة التي تريد الحديث عنها لأن التردد أو الشك يغير من قناعتهم فيك.
4 ـ استصحاب الأدلة الشرعية والعقلية أثناء المناقشة لأي موضوع والحذر من الكلام بغير علم.
5 ـ أسند الأقوال والفتاوي إلى أهل العلم مع الإهتمام بذلك حتى لا يتصور أحد أن هذا قولك واختيارك في هذه المسألة.
6 ـ ضرب الأمثلة والقصص، وذكر الشواهد المقنعة والواقعية، وتجنب الإيغال في المثاليات والنوادر.
7 ـ لا تدخل في الحوارات الاحتمالية، والتي تختلف فيها وجهات النظر وقابلة للأخذ والرد ويتسع فيها الخلاف.(11/117)
8 ـ فتح المجال للحوارات الفردية وتحمل المخالف أيا كانت مخالفته حتى ينتهي حديثة، وتذكر فعل رسول الله مع الإنصات له وعدم مقاطعته حتى ينتهي حديثه، وتذكر فعل رسول الله مع عتبة بن ربيعة وهو يكيل له التهم والنبي مصغي إليه بل إنه ليلقبه ويتلطفه ويفتح له المجال إن كان عنده مزيد اسمع إليه يقول: { أفرغت يا أبا الوليد }.
9 ـ استصحاب الموقف المتعقل من أساليب الاستفزاز التي قد تطرح من بعض السفهاء.
10 ـ حاول عدم احتدام المناقشة في أي قضية، بل حاول إنهاء الحديث بأدب، ولا تحسم القضية لإمكان عودة الحديث إليها فيما بعد وتبقى الجسور عامرة.
11 ـ محاولة إدخال عناصر موجهة جذابة من خارج العائلة لكسر الألفة، إذا لم يتسبب في فتح الباب لإدخال آخرين غير مرغوب فيهم في محيط العائلة، كما يقال: ( أزهد الناس بالعالم أهله ).
ى - الاهتمام بعمل شجرة للعائلة
يذُكر فيها أصل العائلة وفروعها ومشاركة أفراد العائلة فيها ثم بعد استكمالها وطباعتها توزع على أفراد العائلة ويراعى أن تجدد كل خمس سنوات لإضافة ما استجد على العائلة.
مشاكل وحلول:
تختلف الأسرة وتتباين في نوعية المشاكل وحجمها، ومدى انتشارها بينهم، وهل هي ظاهرة أم مشكلة فردية، وينبغي للقائمين على البرنامج ملاحظة ذلك، وعدم معالجة المشاكل الفردية على أنها ظاهرة في الأسرة لأن في ذلك نشر لها، وتساهل من قبل صاحبها إذا علم كثرة من يشاركونه في هذا الخطأ، بل من الأولى بحث الظاهرة وطرحها على أنها قضية عينية ضيقة النطاق وأنها قد توجد في الأسرة، ففي هذا تعظيم لها عند مرتكبها واستحياؤه منها.
وهذا عرض لبعض المشاكل مع بعض المقترحات في علاجها:
(1) علاج مشكلة الإختلاط بين الأقارب عند بعض الأسر:
1 ـ أن الحياء هو أجمل أخلاق المرأة، وهو السبب في إيجاد النفسية الهادئة لديها.
2 ـ ذكر الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم المصافحة والإختلاط مع غير المحارم.
3 ـ إيراد قصص من الواقع تسبب فيها الإختلاط في وقوع جرائم خلقية، وقتل، واعتداءات وقطيعة وفضيحة في الجهات الرسمية. مع التأكد التام من صحتها حتى لا تكن مدخل لمرضى القلوب فينطلق في نفيها وإسقاطك من خلالها وأنت لا تشعر.
4 ـ بيان أن الحب والهيبة والتقدير والإحترام تبقي التستر والحشمة.
5 ـ إقناع كبار الأسرة بمغبة الإختلاط وآثاره السيئة ومحاولة كسبهم في الوقوف في وجه مروجيه والداعين إليه والمتساهلين فيه دون الدخول في التحرش، بل تلبس لباس الشفقة واللطف والرحمة.
6 ـ بعث الغيرة لدى الشباب وفتيات الأسرة، لتبني الحشمة ومعارضة المصافحة والإختلاط مع غير المحارم.
(2 ) علاج مشكلة وسائل البث المباشر الهدامة:
1 ـ بعث روح الإعتزاز بديننا وبثقافتنا وحضارتنا الإسلامية.
2 ـ بيان إفلاس الحضارة الغربية ومقاصدها في تصدير زبالاتها وفتنها ومصادفتها للفطرة البشرية.
3 ـ إيجاد أخطار القنوات من النواحي الأمنية والدينية والثقافية.
4 ـ عمل إستبانة وتوزيعها على أفراد الأسرة لاستخلاص أضرارها على الأخلاق وغيرها واستخلاص النتائج بالأرقام.
(3) علاج مشكلة انحراف الشباب:
1 ـ محاولة عقد اجتماع مع المستقيمين من أبناء وشباب العائلة لتدارس أنواع الانحرافات وأسبابها وسبل إصلاحها.
2 ـ محاولة عقد اجتماعات دورية لشباب الأسرة وتكون في بدايتها يغلب عليها جانب الترفيه والألعاب المباحة إن كانت الأكثرية الساحقة من غير المستقيمين.
3 ـ تقوية إيمانهم بالله عز وجل، وغرس الخوف والرجاء والحب والتعظيم له في نفوسهم، من خلال التفكير في مخلوقات الله وفي أنفسهم، ويحسن مشاهدة شريط عن الكون أو خلق الإنسان مما يبين ضعف هذا المخلوق وقدرة الخالق وعظمته سبحانه.
4 ـ ربطهم باليوم الآخر وتذكيرهم بأشراط الساعة وأهوال يوم القيامة.
5 ـ بعث روح الغيرة والعزة لديهم وذلك من خلال مشاهدة عن مجازر المسلمين على أيدي أعدائهم من النصارى واليهود.
6 ـ تذكيرهم ببطولات أهل الإسلام وانتصاراتهم على أعداءهم.
7 ـ بيان خوف أساطين الكفار من شباب الإسلام الملتزمين بدينهم.
8 ـ إحياء عقيدة الولاء والبراء في نفوسهم.
(4) علاج مشكلة السفر للخارج:
1ـ بيان أخطاره الأمنية والصحية على أفراد العائلة...
2 ـ توضيح الآثار السيئة على الأخلاق والعقائد من إطفاء جذوة عقيدة البراء من الكفار.
3 ـ ذكر آثار الإسراف الشرعية والدنيوية وأن المستفيد الوحيد من هذه الأموال هم أعداؤنا وحدهم.
4 ـ ترغيبهم في السياحة الداخلية والبحث لهم عن أماكن جذابة، وزيارات لمشاريع ومواقع فريدة قد لا يكونوا على معرفة بها. وذلك من خلال تنظيم رحلة لأفراد العائلة والأرحام فقط وتكون بسعر رمزي تشمل الرحلة بعض المدن الساحلية وزيارات المحميات الطبيعية وإقامة مخيم للعائلة لمدة أيام يتقارب فيه أفراد العائلة أكثر وأكثر.
5 ـ عمل استبانة في تعداد النقاط الإيجابية والسلبية في السفريات الخارجية واستخلاص النتائج... من أهل الخبرة.
6 ـ بيان مقاصد الغرب من دعاياتهم السياحية وما وراء ذلك من أغراض خبيثة.
7 ـ نشر كتاب ( قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام، أبيدوا أهله ).
هذا ما أردنا توضيحه في نقاط تحتاج إلى تنفيذ عملي وهمة عالية وإخلاص حتى يتحقق الهدف من صلة الأرحام.
نسأل الله أن يوفقنا إلى العمل الصالح وأن يرزقنا الإخلاص فيه ويتقبله منا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
=============
كيف نعالج العادة بالعبادة
دار القاسم(11/118)
الحمد لله المنعم المتفضل ملء السموات والأرض وملء ما شاء من شيء بعد، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فهذه رسالة مهمة إلى كل من نزلت بساحتهم بلية الاستمناء فحولوا صحتهم إلى بلاء وسعادتهم إلى شقاء وراحتهم إلى عناء. إلى كل من اعتاد هذه الحوية حتى أصبح يقترفها ليلاً ونهاراً مراراً وتكراراً ولا يعبأ بالله الذي يراه ويعلم متقلبه ومثواه.
هذا وقد درج بعض الناس على تسمية هذه الفعلة بالعادة السرية، فهي سرية عند الناس ولكنها جهرية عند من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، قال تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ [النساء:108] وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7].
أخي الشاب:
ما الذي اضطرك إلى هذه العادة السيئة؟
قبل أن تجيب عن هذا السؤال، دعنا نعرف ماهية الاستمناء وحكمه وبعد ذلك نفند المضار والأسباب ثم نعرج على العلاج. أسأل الله عز وجل أن يرشدك ويأخذ بيدك إلى ما ينفعك إنه ولي ذلك والقادر عليه.
تعريف الاستمناء:
الاستمناء أو العادة السرية تعمُّد إخراج المني ووضعه في غير محله دون وطء في فرج، وذلك بالتفكير أو استعمال يد أو حائل أو جسم غير ذلك.
حكم الاستمناء:
الاستمناء حرام بنصوص الكتاب والسنة والإجماع بالإضافة إلى شذوذ هذا الفعل عرفاً. وقد يتصور بعض الشباب أن الاستمناء أخف من الزنا واللواط ضرراً وأقل معصية ومخالفة!! وهذا اعتقاد باطل وفي غير محله للأسباب التالية:
1 - أن فاعل الاستمناء يتعمد الفعل مع أنه قد يكون عالماً بالحكم.
2 - أن فاعل الاستمناء مُعتدٍ، والاعتداء محرم بنصي الكتاب والسنة.
3 - أن فاعل الاستمناء يهلك نفسه ويلحق الضرر بنفسه، وإهلاك النفس حرام.
4 - أن فاعل الاستمناء يستمري فعله هذا ويتعود عليه فيفعله دائماً، وفي هذا استهانة بالله وحدوده.
كل هذه الأسباب تجعل من الاستمناء معصية عظيمة تستوجب العقوبة من الله.
ومما يزيد الأمر شناعة وفظاعة ما يلي:
1 - أن المستمني قد يشهد الصلاة مع الجماعة في المسجد بدون غسل ويكتفي بالوضوء فقط، وهذا ذنب عظيم للأسباب التالية:
أ- فيه دخول للمسجد جنباً وهذا حرام.
ب- فيه عصيان لله ورسوله بعدم الغسل.
ج- فيه عصيان لله ورسوله بفعل الاستمناء نفسه.
د- أن الفاعل يقرأ القرآن والفاتحة وهذا حرام لأنه لا يجوز للجنب أن يقرأ القرآن.
هـ- أن صلاة المستمني - إن لم يغتسل - لا تقبل أصلاً وهذا من أعظم الخسران.
2 - أن بعض الشباب قد يستمني في نهار رمضان وهذا ذنب عظيم للأسباب التالية:
أ- فيه إفساد للصوم.
ب- فيه معصية لله ورسوله بفعل الاستمناء.
ج- فيه انتهاك لحرمة الزمان.
د- أن البعض قد لا يقضي الأيام التي فسد صومها جراء الاستمناء فيبوء الفاعل بمزيد من الإثم، نسأل الله العافية.
3 - أن بعض الشباب قد يستمني أثناء الحج والعمرة وهذا تمادٍ في الاعتداء وارتكاب لإثم كبير للأسباب التالية:
أ- فيه انتهاك لحرمة الزمان والمكان.
ب- فيه إبطال للنسك الذي تم أثناء الاستمناء.
ج- أن البعض قد لا يفدي أصلاً فيزداد إثماً على إثم، نسأل الله العافية.
د- فيه فعل للاستمناء الذي هو حرام أصلاً.
أدلة التحريم النقلية والعقلية
أولاً: الأدلة النقلية:
من الكتاب: قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7] يظهر لنا من الآية أن الاستمناء فعلة شاذة فيها اعتداء وقد حرم الله الاعتداء بقوله إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190].
وقوله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ [النور:33] وفي هذه الآية أمر من الله بالاستعفاف والصبر لمن لم يتمكن من الزواج حتى يغنيه الله من فضله.
كذلك قوله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] وفي الآية إلزام بحفظ الفرج وتجنب الدواعي المؤدية إلى عدم حفظه والتي منها إطلاق البصر فيما حرم الله عز وجل.
من السنة: ورد عن النبي أنه لعن ناكح يده، وهذا يعني الطرد والإبعاد من رحمة الله لمن يقترف عادة الاستمناء. فإن قال قائل: لن أستعمل يدي وإنما أفكر تفكيراً عميقاً أو أستعمل حائلاً أو جسماً آخر. فإننا نقول له: هذا إثم أشد حرمة لأمرين:
1- فيه تحايل على النصوص وهذا حرام في حد ذاته.
2- فيه فعل للاستمناء الذي هو محرم أصلاً.
قول جمهور العلماء: سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى عن حكم الاستمناء فأجاب بقوله: ( أما الاستمناء باليد فهو حرام عند جمهور العلماء وهو أصح القولين ). كما سئل رحمه الله في المجموع عن رجل جلد ذكره حتى أمنى فأجاب: ( وأما جلد الذكر باليد حتى ينزل فهو حرام عند أكثر الفقهاء مطلقاً ) [انظر مجموع الفتاوى، باب التعزير، مسألة عقوبة الاستمناء].(11/119)
مما سبق تبين حكم الاستمناء وهو التحريم، كما تبين لنا أن فاعل الاستمناء قد يجر على نفسه آثاماً كثيرة ومخالفات كبيرة من حيث لا يعلم.
ثانياً: الأدلة العقلية:
إن الاستمناء مخالفة للفطرة وفعلة غير مألوفة فقد ركَّب الله الجهاز التناسلي في الجسم ليؤدي وظيفة سامية ألا وهي الحفاظ على بقاء النوع الإنساني عن طريق الجماع المشروع. ولو تأمل العاقل قليلاً لوجد أن البهائم نفسها لا تفعل هذه العادة القبيحة فضلاً عن أن يمارسها الإنسان. ولو قال قائل: إن الاستمناء وسيلة ينفس بها الشاب عن نفسه نظراً لكثرة الفتن ودواعي الزنا، فهو - أي الاستمناء - أخف الضررين. لهؤلاء نقول: إن أخف الضررين لا يحل إلا في حالة انعدام الحلول المشروعة انعداماً تاماً؛ فكم من قادر على الزواج لجأ إلى الاستمناء، وكم من شاب جلب لنفسه دواعي الفتنة ثم تعلل بها ليمارس هذه العادة السيئة. قس على ذلك شاباً يشرب الدخان بحجة أنه أخف ضرراً وحرمة من شرب الخمر مع أن الدخان محرم شرعاً ولا يوجد سبب وجيه لتناوله أصلاً. ويجب أن يُعلم أن الاستمناء وسيلة إلى ما هو أخطر من زنا وغيره، لذلك حُرِّم من قبل العلماء استناداً إلى القاعدة الفقهية التي تقول إن الوسائل لها أحكام المقاصد.
مضار الاستمناء:
لقد أثبت الطب الحديث أن الاستمناء له أضرار بالغة بدنياً ونفسياً وعقلياً.
الأضرار البدنية:
1- خور وهزال في الجسم.
2- ضعف الأعضاء التناسلية وعجزها عن أداء وظائفها الأساسية.
3- الإصابة بمرض البروستانا الخطير.
4- العقم نتيجة استنزاف ملايين الحيوانات المنوية وذهابها سُدى.
5- دوالي الخصيتين.
6- ضعف النظر واعوجاج في الظهر وانكباب الكتفين.
7- آلام في المفاصل.
8- اضطراب في وظائف الجهاز الهضمي.
9- انتقال الجراثيم من العضو إلى اليد ومن ثم إلى الفم عند الشروع في تناول الطعام.
الأضرار النفسية والعقلية:
1- توتر وقلق دائمين.
2- الخجل المفرط وتأنيب الضمير المستمر.
3- تبلد في الإحساس.
4- الزهد في الزواج.
5- الخواء الروحي والكسل وكثرة النسيان.
6- التردد في التفكير واسترسال للعقل في أوهام وتخيلات فارغة.
أسباب الاستمناء:
إن السبب الذي يضطر كثيراً من الشباب إلى الاستمناء واحد لا ثاني له وهو ضعف الإيمان، فمتى انطفأت جذوة الإيمان في القلب هان على النفس اقتراف المعاصي. لهذا كان لزاماً أن نفند أهم العوامل المسببة لضعف الإيمان وهي:
1 - البعد عن تعاليم الدين: ومن ذلك التفريط في الصلوات الخمس التي من شأنها أن تنهى عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ [مريم:59] وقد فسر أهل العلم ترك الصلوات بتأخيرها عن وقتها فما بالك بمن يتركها بالكلية؟ أليس يصبح صيداً سهلاً لوحش الشهوة الكاسر؟! كذلك الغفلة المسببة لقسوة القلب، واللهاث خلف حطام الدنيا، وقلة ذكر الله عز وجل، وهجر القرآن، واستثقال طلب العلم.
2 - اتباع خطوات الشيطان: قال تعالى: وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ [الأنعام:142] إن الشيطان له خطوات ماكرة في الوسوسة؛ فأول ما يقذف في القلب خطرة فإن لم تدافعها صار فكرة فإن لم تدافعها صارت عزيمة فإن لم تقهرها استحالت فعلاً. ومن خطواته تزيين الحرام كالنظر إلى النساء في الأسواق ومشاهدة الأفلام الجنسية العاهرة ومطالعة المجلات والصحف الماجنة ومتابعة المواقع الفاضحة على شبكة الإنترنت والجلوس أمام شاشات الفضائيات.
3 - مصاحبة رفاق السوء: إن أقران السوء ما هم إلا شياطين الإنس يزينون الباطل والمعصية لمن لازمهم وصاحبهم؛ فنجدهم يتبادلون الصور والأفلام الجنسية وأشرطة الأغاني التي تحوي الكلمات الساقطة والأشعار الهابطة، وبذلك يتعاونون على الإثم والعدوان. ولو علموا ما يترتب على عملهم هذا من الإثم العظيم ما صاحب بعضهم بعضاً طرفة عين.
4 - الانقياد لهوى النفس: إن النفس أمارة بالسوء كما أنها مجبولة على الشهوة وتحصيل أسباب اللذة، فإن لم يتيسر لها السبيل إلى ما تريد استحدثت وسيلة أخرى تشبع بها غريزتها الشهوانية وما الاستمناء إلا وسيلة من تلك الوسائل.
العلاج:
إن الدواء لا يمكن أن يكون مؤثراً ما لم يقتنع المتعاطي بجدواه ويصبر على مرارته لكي يعود بعد ذلك معافى سليماً بإذن الله تعالى. والعلاج هنا علاج شرعي وآخر سببي.
أما العلاج الشرعي وهو الأهم فهو:
1 - التوبة الصادقة إلى الله عز وجل الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات. تب إلى الله من جميع الذنوب ولا تسوّف فكم من مدفون تحت الثرى يتمنى أن يعود للدنيا ليتوب من ذنوبه ولكن هيهات.
2 - طلب العون من الله عز وجل ودعاؤه والفرار إليه كلما راودتك نفسك فإن الله سيعينك ويصرف عنك أسباب الارتكاس، قال تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] وقال سبحانه: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62] أليس الاستمناء من السوء الذي تريد أن يكشفه الله عنك؟
3 - غض البصر عن محارم الله فقد أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام أن العينين تزنيان وزناهما النظر فيما حرم الله، كما أن النظر سهم مسموم من سهام إبليس يثير الشهوة الخامدة فيجعل منها بركاناً ولابد للبركان من متنفس فإن لم يجد متنفساً مباحاً ثار بقوة فيما حرم الله، ولا يسلم من ذلك إلا من عصمه الله.
4 - بادر إلى الوضوء كلما راودتك نفسك وصل ركعتين تقبل فيهما على الله بقلبك وعقلك، وذلك أن الوضوء يكسر حدة الشهوة، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.(11/120)
5 - الإكثار من الصيام الذي هو من أنفع الوسائل، ذلك أن الصوم يخمد نار الشهوة التي تتخذ من الطعام وقوداً لها. قال عليه الصلاة والسلام: { يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء } وجاء: أي وقاية.
6 - استحضر عظمة الله الذي يراك كلما مارست هذه العادة القذرة وتذكر يوم الحساب عندما تقف بين يدي الله فيذكرك بما كنت تعمل في الدنيا.
7 - بادر إلى الزواج فإنه أنجع وأفضل وسيلة لنيل الراحة النفسية وهدوء البال وقطع الطريق أمام الأوهام والتخيلات الباطلة التي تجر النفس إلى الوقوع في الحرام.
8 - ابتعد قدر الإمكان عن مواطن الفتن كالأسواق. كذلك تجنب رفاق السوء الذين لن تجني منهم سوى تضييع الوقت في أمور تافهة واكتساب ذنوب تندم على فعلها يوم القيامة.
9 - الصبر والمجاهدة في سبيل الله فإن الله سيكون معك وسوف يثيبك على صبرك وجهادك لنفسك، قال تعالى: إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153] وقال جل شأنه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
العلاج السببي:
1 - اصرف وقتك الذي هو حياتك وعمرك فيما ينفعك - لا سيما وقت الفراغ - وذلك في نشاطات مفيدة كممارسة الرياضة ومنها السباحة وتعلم الرماية وركوب الخيل، كذلك من الأشياء المفيدة قراءة الكتب النافعة ثقافياً ودينياً والمشاركة الصيفية الهادفة.
2 - أكثر من زيارة الرحم ففي ذلك أجر عظيم وتسلية للنفس وإشغال لها عما حرم الله وتبادل لأطراف الحديث المباح مع الأقارب والأحباب.
3 - اضرب في الأرض لتحصيل أسباب الرزق، ومن ذلك العمل في تجارة مباحة أو الالتحاق بأحد المعاهد لنيل مؤهلات تساعدك في الحصول على وظيفة مناسبة تكسب من ورائها مالاً تنفق منه على نفسك وتستعين به على أمور حياتك.
4 - السفر والترحال في ربوع بلادنا الآمنة - ولله الحمد - وزيارة الأماكن المقدسة والمناطق السياحية المنتشرة في أرجاء المملكة، مع المحافظة على الصلوات الخمس وقتاً وأداءً، والحرص على اصطحاب الصالحين في رحلاتك وجولاتك، فإن لم تفعل فاعلم أن الوحدة خير من رفيق السوء.
أخي الشاب:
إنك متى ما صدقت النية وعزمت بإخلاص على ترك هذه العادة فإن الله سيعينك وينصرك على نفسك ويجعل لك سلطاناً على هواك والشيطان فلا يستطيعان إليك سبيلاً، فقط اعتصم بحبل الله ولا تستكن لوساوس الشيطان فإنه سيحاول استغلال إدمانك على هذه العادة ليثير شهوتك ويلهب غريزتك كي يوقعك في شراك المعصية من جديد. وفي الختام أسأل الله أن يغفر لنا ويعيننا على جهاد أنفسنا، كما أسأله أن يوفقنا لما فيه صلاحنا دنيا وآخرة، إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
============
أخي المسجد حن إليك
أبو الحسن بن محمد الفقيه
دار ابن خزيمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد:
الحمد لله الذي جعل المساجد بيوتاً للعبادة.. وراحةً للنفوس.. وطمأنينةً للقلوب.. ومرتعاً للذاكرين.. ومجمعاً للمسلمين.. ومنبراً للهداية والرشاد.. ومقمعاً للغواية والفساد. قال تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) [النور:36-38].
أخي الكريم... يا من أعطى للمساجد ظهره.. ورأى في روضتها أسره.. كلما سمع عبارات الأذان ولّى وأدبر.. وهرع إلى الزوايا وتستر.. وترك إيقاعات الأذان تدوّي في رحاب السماء ( حيّ على الصلاة.. حيّ على الصلاة ).. لمن يتذكر!!!
أخي... لقد حنّ المسجد إليك.. واشتاق الى طلة منك تعمره.. وتعود بالخير عليك.. ولا يزال يدعوك في اليوم خمس مرات.. بنداء ملؤه خير وعظات.. لعلك تلبي منه دعوته.. وتعمر بالخير خلوته.. يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [الأحقاف:32،31].
أأُخيّ لب نداءه ودع الهوى*** وارتع هناك بركنه وتفقد
روح القلوب ينال في إعماره *** ما ضاق صدر في رحاب المسجد
فرياضه تزهو بنور هداية *** وتحف بالرحمات كل موحّد
فضل المشي إلى المسجد
أخي.. لو علمت ما الذي يفوتك حينما تترك الذهاب إلى المسجد.. لعضضت أناملك من الحسرة والأسف.
وإليك ثمرات يانعة يقطفها الماشي إلى بيت الله لإقامة ذكر الله:
1 - الفوز بنزل في الجنة:
فلو قيل لك إن وصولك إلى مكان ما يؤهلك لنيل جائزة من مال الدنيا.. لهرولت إليه ولو كان نائياً.. ولبذلت للوصول إلي ذلك المكان جهداً عاتياً.. ولأجهدت نفسك.. وغالبت عجزك.. ونفرت إليه نفر المجاهد في ساح القتال.. فماذا لو كان ممشاك للمسجد أسهل.. وأجره وثوابه أعظم وأجزل!! أليس أولى لك بالتشمير وأحق بالتأهب والنفير!! فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { من غدا إلى المسجد أو راح، أعدّ الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح } [رواه البخاري ومسلم].(11/121)
إنه أجر ما بعده أجر.. وثواب يليق به الإعجاب! نزل مقيم في جنات النعيم.. لو تأملت حسنه.. وعاينت زينه.. ولاحظت منظره.. وشاهدت مظهره.. ووقفت على أثاثه وفراشه.. وجماله ونقائه لذهلت أيما ذهول!! ولبذلت الغالي والنفيس لنيله وكسبه..
وليس نيله بعزيز.. إنما غدوة وروحة.. ومشية وفسحة.. وخطوات ساكنة تخطوها لإعمار بيت الله.. لالتماس زكاة النفس وصفاء الحس.. بإقامة ذكر الله.. حقاً هو فلاح أيما فلاح.. حينما يؤذن المؤذن ( حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح! ) فلو لم يكن من ذلك الفلاح إلا ذاك النزل الكريم في جنة الكريم لكانت الغدوة إلى المسجد جديرة بالاهتمام.. كيف وفضائلها جليلة وفوائدها عظام!
أخي..
فإن رمت اغتنام الوقت فعلا *** فخير الوقت حيّ على الفلاح
فصل الفجر وادع الله واغنم *** قيام الليل في الغسق الصراح
تفز بالأجر والحسنات حقاً *** فتسلمك لجنات فساح
2 - تكفير الخطايا:
فكل خطوة تخطوها يمحو الله لك بها الخطايا ويرفع لك بها الدرجات فقد أخبر بذلك رسول الله فقال: { إذا توضأ العبد المسلم - أو المؤمن - فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه، خرج من يديه كل خطيئة كانت بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب } [رواه مسلم].
صغّر خطاك إذا غدوت لمسجد *** فلربما غفرت ذنوبك بالخطى
تمشي ومشيك للمساجد قربة *** تسمو بشأنك للجنان وللتقى
أخي.. تذكر أن كل الناس يخطو.. ولكن خطوتك في اتجاه المسجد شأنها عظيم عند الله سبحانه.. فهي خطوة إلى إقامة ذكر الله.. ومشية لتلبية ندائه.. واستجابة أمره.. رغبة في فضله.. وخوفاً من بطشه.. وحباً لذاته وصفاته.
ومن هنا كان الجزاء من جنس العمل.. فكما أنك خطوت ترجو فضل الله وجوده.. فإنه سبحانه يجعل خطواتك كفارة لذنبوك لتنال بمغفرتها رجاءك وتكون من الفائزين. وهذا رسول الله يحث على التعبد بخطوات المسجد فيقول: { ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ } قالوا: بلى يا رسول الله، قال: { إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى الى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط } [رواه مسلم].
وإنه لطيش وخسار.. وغبنُ كُبّار.. أن يسمع المسلم نداء الفلاح يناديه.. وهو يدرك عظم ممشاه.. وثواب الله ورضاه إن هو أتاه.. ثم يضرب عن ذلك صفحاً ويتّبعُ هواه.. ثم إنها عبادة مشهودة.. في دقائق معدودة.. لا تضر بمتاع ولا تقطع استمتاع.. بل هي ذاتها لحظات تفيض باللذاذة والسعادة!
فيا خسارة من باعها بمتاع قليل.. وأعرض عنها.. لاهياً في بيته.. أو منشغلاً ببيعه.. أو مسروراً في سيارته.. أو منغمساً في الحرام.. أو مؤثراً متابعة مسلسلات أو أفلام.. أو رقص أو أنغام..
ويا مفاز من آثرها على أعماله.. وجعلها أعظم آماله.. فخطى للمسجد في هدوء وسكون يبتغي وجه الله والدار الآخرة.. وماء الوضوء ينزل برداً وسلاماً على أسارير وجهه. وأطراف رجليه ويديه.. فيهلهل بشره.. ويهدّئ حسّه ويهذّب نفسه.. فلا يصل بيت الله إلا والاطمئنان قد ملأ قلبه وأهّله للسجود لخالق الوجود!! فعن النبي قال: { من تطهّر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله، ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة } [رواه مسلم].
3 - اكتساب الحسنات:
أخي.. أتدري.. حينما تتوجه إلى المسجد من تقصد.. إنك تقصد بيت الله.. وشرف القصد من شرف المقصود.. فأنت تمشي إلى الله في بيته.. يجيبك إذا دعوته ويغفر لك إذا استغفرته.. ويعطيك إذا سألته.. ويحفك بالرحمة والفلاح في غدوتك وفي صلاتك.. وفي الرواح.. فهل أدركت معنى ( حيّ على الفلاح!! ). ومن جزيل كرمه سبحانه أنه يكرمك بالحسنات ورفع الدرجات قبل وصولك إلى رحابه.. وقبل طرق بابه.. فعن عقبة بن عامر الجهني عن النبي قال: { من خرج من بيته إلى المسجد كتب له الملكان بكل خطوة يخطوها عشر حسنات.. والقاعد في المسجد ينتظر الصلاة كالقانت ويكتب من المصلين حتى يرجع إلى بيته }.
وعن أبي هريرة عن النبي قال: { الكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة } [رواه البخاري ومسلم].
4 - بشرى المشائين إلى المساجد:
فعن بريدة عن النبي قال: { بشّروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة } [رواه أبو داود والترمذي وهو صحيح].
وهذه البشرى مناسبة لجنس عمل الماشي إلى المسجد في الظلمة.. فإنه لما اخترق بذهابه الى بيت الله حجب الظلام.. ليصلي الفجر مع الإمام عوضه الله بنور كامل تام يوم يجمع الأنام!
فضل الصلاة في المسجد
وتذكر أن المسجد هو سوق رابح لاكتساب الآخرة. فالخطوات إليه حسنات.. والمكوث فيه رحمات.. وانتظار الصلاة فيه صلاة.
1 - ثواب انتظار الصلاة في المسجد:
فعني أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: { لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة } [متفق عليه].(11/122)
فتأمل - أخي - في هذا الفضل الكبير من الله.. فجلسة منك في سارية من سواري بيت الله تعدل ثواب الصلاة، مع ما تولده تلك الجلسة في النفس من إطمئنان وهدوء، وراحة وخشوع، وسكينة ونضارة! فأين من يضيع إعمار بيت الله.. ويجلس في بيته لاهياً ساهياً حتى إذا أوشك الإمام على الإنتهاء من الصلاة دخل المسجد على استثقال وإهمال!! أين هو من هذا الأجر العظيم! بل إن المؤمن حينما يجلس في المسجد ينتظر الصلاة لتصلي عليه ملائكة الرحمن، وتدعو له بالرحمة والمغفرة مكانه، كما أخبر بذلك رسول الله فقال: { الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يحدث. تقول اللهم اغفر له، اللهم ارحمه }.
قال معاذ بن جبل: من رأى أن من في المسجد ليس في الصلاة إلا من كان قائماً فإنه لم يفقه.
وقال سعيد بن المسيب: من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه. وهل من يجالس ربه في بيته، بالذكر، وتدبر القرآن، وتعلم العلم وتعليمه والدعاء.. كمن يجلس أمام تفاهات التمثيل وسفاسف اللهو واللعب!!
سارت مشرقة وسرت مغرّبا *** شتان بين مُشرّق ومغرّب
وهذا رسول الله يؤخر صلاة العشاء الى نصف الليل ترغيباً في أجر انتظار الصلاة. فعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله أخّر ليلة صلاة العشاء الى شطر الليل ثم أقبل علينا بوجهه بعدما صلى فقال: { صلى الناس ورقدوا ولم تزالوا في صلاة من انتظرتموها } [رواه البخاري].
فاحرص أخي على التبكير الى المسجد، واحرص على الصف الأول يمين الإمام أو خلف قفاه، إن أمكنك وإلا أقرب موضع إليه، فإن للصلاة قرب الإمام أجراً عظيماً وتأثيراً عجيباً على المصلي!
فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: { لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا } [متفق عليه].
2 - ثواب الصلاة في جماعة:
وثواب صلاة الجماعة لا يخفى على أحد، فقد قال : { صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة } [رواه البخاري ومسلم] والفذّ هو الواحد.
ولا أدري كيف يزهد مسلم في هذا الخير العظيم ويؤثر بيته فيصلي فيه، وكأنه قد ضمن لنفسه ما يكفيه للنجاة من النار ودخول الجنة.
فاحذر - أخي - أن تغالط نفسك، فتحرمها من هذا الأجر الكبير، وإياك أن تتأثر بمن ضعف إيمانه وهان دينه، فآثر بيته على بيت الله، وهواه على أمر الله.
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا } [رواه البخاري ومسلم].
فتأمل في صفة المنافقين، فإن علامتهم أن تتثاقل رؤوسهم عن أداء صلاة الصبح وصلاة العشاء.. فكيف يرضى مؤمن لنفسه أن يكسب صفة من صفات النفاق!! ويضيع على نفسه الأجر العظيم.
فقد قال : { من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة، كان له قيام ليلة } [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].
وكثير من الشباب يعتذر عن الذهاب الى المسجد بالعياء أو ببعد المسجد أو نحوها من الاعتذارات.. ثم هو إذا دعي الى مباراة رياضية أو سهرة في البراري؛ قام لها قومة الفارس المغوار.
وهذا ابن أم مكتوم المؤذن رضي الله عنه، يستفسر من رسول الله مشقة الطريق إلى المسجد ملتمساً العذر يقول: يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوّام والسباع، فقال رسول الله : { تسمع حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، فحيّهلا }.
ثم إن حضور صلاة الجماعة من أسباب تقوية الإيمان وقمع الشيطان، فعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله يقول: { ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية }.
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: { إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله عز وجل: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [التوبة:18] }.
فطوبى لمن علق قلبه بالمساجد.. فجعلها قرة عينه.. يلتمس فيها السكينة.. وينشد فيها الطمأنينة.. ويفر إليها من فتات الدنيا وشهواتها.. تالياً فيها الكتاب.. مشفقاً من العذاب.. خائفاً من الحساب.. يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه!
فعن أبي هريرة عن النبي قال: { سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه }.
وينبغي للمسلم أن يتجنب مغالطة نفسه وخداعها بالاعتذارات الواهية،.. فإنه سيقف وحده أمام الله، وينظر أيمن منه ثم أشأم منه فلا يجد إلا ما قدّم!! فانتبه ـ أخي الكريم ـ أن يباغتك الموت.. ويفوتك الفوت.. وأنت عن المساجد معرض.. وعلى الملاهي مقبل.. وفي الصلوات مفرط.. تصلي حيناً وحيناً تشطط..
وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه وجعلنا من عمّار بيته.
=============
التفكر
صالح بن فوزان الفوزان
دار القاسم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
قد أمر الله سبحانه بالتفكر والتدبر في كتابه العزيز، وأثنى على المتفكرين بقوله: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً [آل عمرآن:191] وقال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الرعد:3].(11/123)
وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله : { تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله } [رواه البيهقي].
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ( تفكر ساعة خير من قيام ليلة ).
وقال وهب بن منبه: ( ما طالت فكرة امرىء قط إلا فهم، وما فهم إلا علم، وما علم إلا عمل ).
وقال بشر الحاقى: ( لوتفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه ).
وقال القربابي في قوله تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف:146] قال: ( أمنع قلوبهم التفكر في أمري ).
وكان داود الطائي على سطح في ليلة قمراء، فتفكر في ملكوت السموات والأرض، فوقع في دار جار له، فوثب عرياناً وبيده السيف، فلما رآه قال: ياداود، ما الذي ألقاك؟ قال: ما شعرت بذلك.
وقال يوسف بن أسباط: ( إن الدنيا لم تخلق لينظر إليها، بل لينظر بها إلى الآخرة ).
وكان سفيان من شدة تفكره يبول الدم.
وقال أبو بكر الكتاني: ( روعة عند انتباهة من غفلة، وانقطاع في حظ نفساني، وارتعاد من خوف قطيعة، أفضل من عبادة الثقلين ).
بيان مجاري الفكر وثمراته
اعلم أن الفكر قد يجري في أمر يتعلق بالدين، وقد يجري في أمر يتعلق بغيره، وإنما غرضنا ما يتعلق بالدين، وشرح ذلك يطول. فلينظر الإنسان في أربعة أنواع: الطاعات، والمعاصي، والصفات المهلكات، والصفات المنجيات. فلا تغفل عن نفسك، ولا عن صفاتك المباعدة عن الله، والمقربة إليه. وينبغي لكل مريد أن تكون له جريدة يثبت فيها جملة الصفات المهلكات، وجملة الصفات المنجيات، وجملة المعاصي والطاعات، ويعرض ذلك على نفسه كل يوم.
ويكفيه من المهلكات النظر في عشرة، فإنه إن سلم منها سلم من غيرها، وهي: البخل، والكبر، والعجب، والرياء، والحسد، وشدة الغضب، وشره الطعام، وشره الوقاع، وحب المال، وحب الجاه.
ومن المنجيات عشرة: الندم على الذنوب، والصبر على البلاء، والرضا بالقضاء، والشكر على النعماء، واعتدال الخوف والرياء، والزهد في الدنيا، والإخلاص في الأعمال، وحسن الخُلُق مع الخلق، وحب الله تعالى، والخشوع.
فهذه عشرون خصلة: عشرة مذمومة، وعشرة محمودة، فمتى كفي من المذمومات واحدة خط عليها في جريدته، وترك الفكر فيها، وشكر الله تعالى على كفايته إياها. وليعلم أن ذلك لم يتم إلا بتوفيق الله تعالى وعونه، ثم يقبل على التسعة الباقية، وهكذا يفعل حتى يخط على الجميع، وكذلك يطالب نفسه بالانصاف بالصفات المنجيات، فإذا اتصف بواحدة منها، كالتوبة والندم مثلاً، خط عليها واشتغل بالباقي، وهذا يحتاج إليه المريد المثمر.
فأما أكثر الناس من المعدودين في الصالحين، فينبغي أن يثبتوا في جرائدهم المعاصي الظاهرة، كأكل الشبهات، وإطلاق اللسان بالغيبة والنميمة، والمراء، والثناء على النفس، والإفراط في موالاة الأولياء، ومعاداة الأعداء، والمداهنة في ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فإن أكثر من بعد نفسه من وجوه الصالحين لا ينفك عن جملة من هذه المعاصي في جوارحه، وما لم تطهر الجوارح من الآثام، لا يمكن الاشتغال بعمارة القلب وتطهيره.
وكل فريق من الناس يغلب عليهم نوع من هذه الأمور، فينبغي أن يكون تفقدهم لها وتفكرهم فيها. مثاله العالم الورع فإنه لا يخلو في غالب الأمور من إظهار نفسه بالعلم، وطلب الشهرة، وانتصار الصيت، إما بالتدريس، أو بالوعظ. ومن فعل ذلك، فقد تصدى لفتنة عظيمة لا ينجو منها إلا الصديقون. وربما ينتهي العلم بأهل العلم إلى أن يتغايروا كما يتغاير النساء، وكل ذلك من رسوخ الصفات المهلكات في سر القلب التي يظن العالم النجاة منها، وهو مغرور فيها.
ومن أحس من نفسه هذه الصفات، فالواجب عليه الإنفراد والعزلة، وطلب الخمول والمدافعة للفتاوى، فقد كان الصحابة يتدافعون الفتاوى، وكل منهم يود لو أن أخاه كفاه. وعند هذا ينبغي أن يتقي شياطين الإنس، فإنهم قد يقولون: هذا سبب لاندراس العلم، فليقل لهم: فليكن فكر العالم في التفطن لخفايا هذه الصفات من قلبه.
وقد تقدم أن النبي قال: { تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله }. فالتفكر في ذاته سبحانه ممنوع منه، وذلك أن العقول تتحير في ذلك، فإنه أعظم من أن تمثله العقول بالتفكر، أو تتوهمه القلوب بالتصوير: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
فأما التفكر في مخلوقات الله تعالى، فقد ورد القرآن بالحث على ذلك كقوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ [آل عمران:190] وقوله: قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [يونس:101].
ومن آيات الله تعالى الإنسان المخلوق من نطفة، فيتفكر الإنسان في نفسه، فإن في خلقه من العجائب الدالة على عظمة الله تعالى، ما تنقضي الأعمار في الوقوف على عُشر عُشره وهو غافل عن ذلك. وقد أمره الله تعالى بالتدبر في نفسه، فقال: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21].
ومن آياته الجواهر المودعة في الجبال، والمعادن من الذهب والفضة ونحوها، وكذلك النفط والكبريت والقار وغيرها. ومن آياته البحار العظيمة العميقة المكتنفة لأقطار الأرض، التي هي قطع من البحر الأعظم، المحيط بجميع الأرض. ولو جمع المكسوف من الأرض، من البراري، والجبال، لكان بالإضافة إلى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم، وفي البحر عجائب أضعاف ما تشاهده في البر.(11/124)
وانظر كيف خلق اللؤلؤ، ودوَّره في صدفه تحت الماء، وانظر كيف أنبت المرجان في صم الصخور تحت الماء، وكذلك ما عداه من العنبر وأصناف ما يقذفه البحر وانظر إلى عجائب السفن كيف أمسكها الله تعالى على وجه الماء، وسيرها في البحار تسوقها الرياح، وأعجب من ذلك الماء فإنه حياة كل ما على الأرض من حيوان ونبات، فلو احتاج العبد إلى شربة ماء، ومنع منها لبذل جميع خزائن الأرض في إخراجها، فلا يغفل العبد عن هذه النعمة.
ومن آياته الهواء وهو جسم لطيف لا يرى بالعين، ثم انظر إلى شدته وقوته، وانظر إلى عجائب الجو، وما يظهر فيه من الغيوم والرعد والبرق والمطر والثلج والشهب والصواعق، وغير ذلك من العجائب. وانظر إلى الطير تسبح بأجنحتها بالهواء كما يسبح حيوان البحر في الماء، ثم انظر إلى السماء وعظمها وكواكبها وشمسها وقمرها، وما فيها كوكب إلا ولله تعالى فيه حكمة في لونه وشكله وموضعه، وانظر إلى إيلاج الليل في النهار، والنهار في الليل، وانظر مسير الشمس، كيف اختلف في الصيف والشتاء والربيع والخريف.
وقد قيل: إن الشمس مثل الأرض مائة ونيفاً وستين مرة، وإن أصغر كوكب في السماء مثل الأرض ثمان مرات، فإذا كان هذا قدر كوكب واحد، فانظر إلى كثرة الكواكب، وإلى السماء التي فيها الكواكب، وإلى إحاطة عينك بذلك مع صغرها. والعجب منك أنك تدخل بيت غني مزخرفاً بالذهب، فلا ينقطع تعجبك منه ولا تزال تذكره، وأنت تنظر إلى هذا البيت العظيم، ولا تتفكر في بناء خالقك، فلقد نسيت نفسك وربك، واشتغلت ببطنك وفرجك، فما مثلك في غفلتك إلا كمثل نملة تخرج من بيتها الذي حفرته في حائط قصر الملك، فتلقى أختها فتحدث معها في حديث بيتها، وكيف بنته وما جمعت فيه، ولا تذكر قصر الملك ولا من فيه، فهكذا أنت في غفلتك، فما تعرف من السماء إلا ما تعرفه النملة من سقف بيتك.
فهذا بيان معاقد الجمل التي يجول فيها فكر المتفكرين، والأعمار تقصر، والعلوم تقل عن الإحاطة ببعض المخلوقات، إلا أنك كلما استكثرت من معرفة عجائب المصنوعات، كانت معرفتك بجلال الصانع أتم. فتفكر فيما أشرنا إليه. فمن نظر في هذه الأشياء من حيث أنها فعل الله وصنعه، استفاد المعرفة بجلال الله تعالى وعظمته، وإن قصر النظر عليها من حيث تأثير بعضها في بعض، لا من حيث ارتباطها بمسبب الأسباب، شقي. نعوذ بالله من مزلة أقدام الجهال، ومن الركون إلى أسباب الضلال.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
===========
فاستبقوا الخيرات
صالح بن فوزان الفوزان
دار القاسم
الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، إن الإنسان خُلق في هذه الحياة ليعمل، ثم يبعث يوم القيامة ليجزى بعمله؛ فهو لم يخلق عبثاً، ولن يترك سُدى. والسعيد من قدم لنفسه خيراً يجده عند الله ذخراً، والشقي من قدم لنفسه شراً تكون عاقبته خسراً.
فانظروا في أعمالكم، وحاسبوا أنفسكم قبل انقضاء آجالكم فإن الموت نهاية العمل وبداية الجزاء، والموت قريب لا تدرون متى نزوله، والحساب دقيق لا تدرون متى حلوله. والشيب نذير الموت فاستعدوا له، وموت الأقران علامة على قرب موت الإنسان.
فتذكروا الموت واعملوا لما بعده مما أنتم قادمون عليه ومقيمون فيه، ولا تنشغلوا عنه بما أنتم راحلون عنه وتاركوه، ولا تغرنكم الآمال الطوال وتنسوا حلول الآجال، فكم من مؤمل أملاً لا يدركه، وكم من مصبح في يوم لا يدرك غروبه، ومُمسٍ في ليل لا يدرك صباحه، وكم من مُمتن عند الموت أن يترك قليلاً ليصلح ما أفسد، ويستدرك ما ضيع، فيقال له: هيهات، إن ما تتمنى قد فات، قد حذرناك قبل ذلك وأنذرناك بألا رجوع هناك، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:9-11].
إن كل إنسان ينتهي عمله عند حلول أجله. وهناك أعمال عملها في حياته واستمر نفعها بعد مماته، فما دام نفعها مستمراً فإن أجرها يجري لصاحبها مهما طالت مدتها. وهي كل مشروع خيري ينتفع به الناس والبهائم؛ كالأوقاف الخيرية، والأشجار النافعة المثمرة، وسقايات المياه، وبناء المساجد والمدارس، والذرية الصالحة، وتعليم العلم النافع وإخراج الكتب المفيدة.
في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله قال: { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له } فهذا الحديث يدل على إنقطاع عمل الإنسان بموته، وأن محل العمل هو مدة حياته.
فيجب على المسلم أن يحذر من الغفلة والإضاعة، وأن يبادر بفعل الطاعات قبل الموت، ولا يؤخر ذلك إلى وقت قد لا يدركه، والنصوص التي وردت بالحث على إستباق الخيرات، والمسارعة إلى الطاعات، والمبادرة بالأعمال نصوص كثيرة، مما يدل على أنها إذا لم يبادر إليها فاتت.
كما يدل الحديث على استثناء الأعمال الخيرية التي يستمر نفعها بعد موت صاحبها أنها لا تنقطع بموته بل يستمر أجرها ما دام ينتفع بشيء منها ولو طال بقاؤها، وأنها يتجدد ثوابها بتجدد نفعها، وهذه الأشياء هي:
أولاً: الصدقة الجارية:(11/125)
وقد فسرها العلماء بالوقف الخيري، كوقف العقارات والمساجد والمدارس وبيوت السكنى والنخيل والمصاحف والكتب المفيدة ووقف سقايات المياه من آبار وبرك وبرادات وغيرها. وفي هذا دليل على مشروعية الوقف النافع والحث عليه وأنه من أفضل الأعمال التي يقدمها الإنسان لنفسة في الآخرة. وهذا بإمكان العلماء والعوام.
ثانياً: العلم النافع:
وذلك بأن يقوم الإنسان في حياته بتعليم الناس أمور دينهم، وهذا خاص بالعلماء الذين قاموا بنشر العلم بالتعليم وتأليف الكتب ونسخها. وبإمكان العامي أيضاً أن يشارك في ذلك بطبع الكتب النافعة أو شرائها وتوزيعها أو وقفها، وشراء المصاحف وتوزيعها على المحتاجين أو جعلها في المساجد، وهذا فيه حث على تعلم العلم وتعليمه ونشره ونشر كتبه لينتفع بذلك الناس في حياته وبعد موته.
والعلم يبقى نفعه ما دام في الأرض مسلم وصل إليه هذا العلم، فكم من عالم مات من مئات السنين وعلمه باق ينتفع به بواسطة كتبه التي ألفها وتداولها الأجيال تلو الأجيال من بعده وبواسطة طلابه وطلاب طلابه. وكلما ذكره المسلمون دعوا له وترحموا عليه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وكم أنقذ الله بعالم مصلح أجيالاً من الناس من الضلالة، وناله مثل أجور من تبعه إلى يوم القيامة.
ثالثاً: الولد الصالح:
من ذكر وأنثى وولد الصلب وولد الولد تجري نفعهم لآبائهم بدعواتهم الصالحة المستجابة لآبائهم، وبصدقاتهم عنهم وحجهم لهم، وحتى دعاء من أحسن إليهم هؤلاء الأولاد من الناس فكثيراً ما يقول الناس للمحسنين: رحم الله آباءكم وغفر لهم.
وفي هذا حث على التزوج لطلب الأولاد الصالحين، ونهي عن كراهية كثرة الأولاد؛ فإن بعض الناس قد يتأثر بالدعايات المظللة فصار يكره كثرة الاولاد ويحاول تحديد النسل أو يدعو إليه، وهذا من جهلهم بأمور دينهم ومن جهلهم بالعواقب ومن ضعف إيمانهم.
وفي هذا الحديث أيضاً الحث على تربية الأولاد على الصلاح وتنشئتهم على الدين والصلاح ليكونوا خلفاً صالحاً لآبائهم يدعون لهم بعد موتهم ويستمر نفع عملهم بعد إنقطاع أعمالهم.
وكثير من الناس اليوم قد أهمل هذا الجانب فلم يهتم بتربية أولاده؛ يربي أولاده على الفساد ولا يحاول إصلاحهم، يراهم يفعلون المحرمات ويتركون الواجبات، ويضيعون الصلاة فلا يأمرهم ولا ينهاهم، يراهم يهيمون في الشوارع ويجلسون مع الأشرار وربما يذهبون إلى أمكنة الفساد ولا يهمه ذلك، بينما لو أتلفوا شيئاً من ماله أو نقصوا شيئاً من دنياه لكان منه الرجل الحازم والمؤدب الشجاع والبطل المغوار، يغار لدنياه ولا يغار على دينه، يهتم بإصلاح ماله ولا يهتم بصلاح أولاده في حياتهم فكيف بعد مماتهم؟!!
فاتقوا الله أيها الآباء في أولادكم ليكونوا ذخراً لكم ولا يكونوا خسارة عليكم، واعلموا أن صلاح الأولاد لا يأتي عفواً بدون بذل أسباب وصبر وإحتساب.
ويدل هذا الحديث أيضاً على مشروعية دعاء الأولاد لآبائهم مع دعائهم لأنفسهم في الصلوات وخارجها، وهذا من البر الذي يبقى بعد وفاة الآباء.
وهذه الأمور المذكورة في هذا الحديث هي مضمون قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12] فما قدموا هو ما باشروا فعله في حياتهم من الأعمال الحسنة والسيئة. وآثارهم: ما يترتب على أعمالهم بعد موتهم من خير أو شر.
وما يصل إلى العبد من آثار عمله بعد موته ثلاثة أشياء:
الأول: أمور عملها غيره بعد موته بسببه وبدعوته وتوجيهه إليها قبل موته.
الثاني: أمور انتفع بها الغير من مشاريع نافعة أقامها الميت قبل موته أو أوقاف أوقفها في حياته فصارت تغل بعد موته.
الثالث: أمور عملها الحي وأهداها إلى الميت من دعاء وصدقة وغير ذلك من أعمال البر.
روى ابن ماجة: { إنما يلق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علم تنشره، أو ولد صالح تركه، أو مصحف ورثه، أو مسجد بناه، أو بيت لابن السبيل بناه، أو نهر أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته }.
فاحرصوا رحمكم الله على بذل الأسباب النافعة وتقديم الأعمال النافعة التي يستمر نفعها ويجري عليكم أجرها بعد وفاتكم، قال تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:46].
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
============
أهمية التمسك بعرى الإسلام
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
دار القاسم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام لقول النبي : { بني الإسلام على خمس ـ يعني على خمس دعا ئم - شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت } [متفق على صحته].(11/126)
وقد أكثر الله من ذكرها في كتابه العظيم، لعظم شأنها وشدة حاجة أهلها إليها، ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويكفي لعظم شأنها أنها قرنت بالتوحيد والصلاة قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]. ويقول سبحانه في سورة التوبة: فَإِن تَابُواْ أي من الشرك وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]. وجاء ذلك في آيات كثيرات، وفي الأحاديث الصحيحة أيضاً الشيء الكثير من ذلك، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله } [البخاري ومسلم]. وقد ثبت عن معاذ بن جبل حين بعثه النبي إلى اليمن معلماً ومرشداَ وداعياً إلى الله عز وجل أنه قال له: { إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله } [البخاري ومسلم] وفي لفظ { فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله } [البخاري] والمعنى: ابدأ بالتوحيد والتوجه بالعبادة لله وحده، فهذا أهم أمورهم وهو توحيد الله وتقواه وهو أوجب الأمور، ولهذا بدأ الرسول بدعوة الناس إلى الله.
فقد مكث بمكة عشر سنين يدعو إلى التوحيد قبل أن تفرض الصلوات والزكاة، يدعو الناس إلى أن يخلصوا الله بالعبادة وأن يخلعوا ما كانوا يعبدون من دون الله من أصنام وأوثان وغير ذلك. ثم بعد ذلك فرضت الصلوات واستمر في الدعوة لتوحيد الله. فالتوحيد هو أحب الأمور إلى الله وأوجبها على العبد وهو: ( إخلاص العبادة لله وحده ) فلا يدعى إلا الله ولا يستغاث إلا به ولا يتوكل إلا عليه مع الإيمان بالرسول والإيمان بأنه رسول الله حقاً إلى جميع الثقلين. وأكثر الخلق في إعراض عن هذا الأمر العظيم وعدم إقبال عليه إنما يتبعون أهواءهم كما قال تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44]. فيجب على كل مكلف من الجن والانس أن يتقي الله وأن يعبد الله وحده، لأنه خلق لهذا الأمر كما قال الله تعالى في سورة الذاريات: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. فالإنسان خلق ليعبد ربه وليخصه بالعبادة وليدعوه وليستغيث به وليخافه ويرجوه وليصلي له وليصوم له وليزكي له وليحج له، فكل العبادات يجب أن تكون لله وحده كما قال سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:163،162].
فالواجب على جميع الثقلين عبادة الله وحده وأن يخصوا الله بذلك، وأن يخلصوا لله في العبادة ولا يشركوا معه لا ملكاً ولا نبياً ولا جنياً ولا إنسياً ولا ولياً ولا غير ذلك، فالعبادة حق الله وحده كما قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ [الإسراء:23]. وقا ل سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]. والعبادة تكون بالدعاء وبالذبح وبالنذر والصوم والصلاة والخوف والرجاء، وكثير من الناس لا يعرفون هذا الأمر ولا يخصون الله بالعبادة كما قال سبحانه: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]. وقال سبحانه: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [الأنعام:116].(11/127)
فتجد بعض الناس يدعو النبي أو يدعو الولي الفلاني، وتجد آخر يدعو الحجر الفلاني أو الشجر أو غير ذلك، وكل هذا شرك أكبر ومن ذلك دعاء الأموات كالبدوي والحسين وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أو عبد القادر الجيلاني أو الملك الفلاني أو إبراهيم عليه السلام أو إسماعيل عليه السلام أو النبي محمد أو نوح عليه السلام أو عيسى عليه السلام أو موسى عليه السلام أو غيرهم. فكل هؤلاء دعوتهم من دون الله والاستغاثة بهم من الشرك الأكبر وكذلك الذبح لهم، ولهذا قال النبي لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: { ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله } [البخاري ومسلم] أي ادعهم إلى أن يوحدوا الله، والمعنى يبدأ دعوته لهم بالتوحيد كما بدأ جميع الرسل دعوتهم بذلك، وذلك قبل الدعوة إلى الصلاة والزكاة وغير ذلك، لأن هذا هو أساس الدين وهو أساس الملة وهو أعظم واجب. يقول جل وعلا: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً [النساء:36]. ويقول جل وعلا: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3،2]. ويقول جل وعلا: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14]. وفي غالب الأمصار والبلاد - إلا من رحم الله - تجد من عبد مع الله سواه، فهذا يعبد فلاناً وهذا يدعو فلاناً وهذا يرجو فلاناً عند شدة المصائب وعند حدوث الكروب فيفزع إلى البدوي أو إلى عبد القادر أو إلى الحسين أو إلى النبي أو إبراهيم عليه السلام أو إلى إسماعيل عليه السلام أو إلى فلان يستعيذ بهم أو يستغيث بهم، فهذا هو الشرك الأكبر وهكذا الذبح لهم والنذر لهم، ومن ذلك أن يدعو الجن ويسألهم قائلاً أيها الجن افعلوا كذا افعلوا كذا. فالعبادة حق الله سبحانه يجب الإخلاص فيها لله. فإذا حزبك أمر فقل: يالله أغثني، يا الله اهدني، يا الله أدخلني الجنة، يا الله بارك لي فيما أعطيتني، يا رب نجني من كذا، خلصني من كذا، تتضرع إلى الله فهو الذي يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]. ويقول سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]. ويقول سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي ( أي: قل يا محمد إن صلاتي ) وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:163،162]. ويقول جل وعلا: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2،1].
فيجب على المكلفين من الإنس والجن أن يخلصوا لله في العبادة بحيث لا يدعون ولا يستغيثون ولا ينذرون إلا لله ولا يذبحون ولا يخافون من غير الله، هكذا بعث الله الرسل كما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل:36]. وقال سبحانه: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ [الأعراف:59].
هكذا كل الأنبياء كلهم دعوا الناس إلى توحيد الله، ولهذا أوصى الرسول الرسل الذين بعثهم إلى البلاد أن يبدأوا بدعوة الناس إلى توحيد الله كما أوصى معاذاً بذلك، وكذلك علياً وكذلك أبا موسى الأشعري وكلهم يدعون الناس إلى توحيد الله وطاعة الله، ثم بعد ذلك يدعون إلى الصلاة والزكاة. فالذي لا يوحد الله لا صلاة له ولا زكاة ولا صوم بل كلها باطلة، لقوله تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]. وقال سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]. ويقول تعالى أيضاً: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]. فلو أنفق الإنسان ما في الأرض ومثل الجبال وهو مشرك ما تقبل منه، كما قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً [الفرقان:23].(11/128)
فعلم أن المؤمن الموحد هو الذي لا يدعو إلا الله ولا ينذر إلا لله ولا يذبح إلا لله، فإذا حزبه أمر يقول: يارب أعطني، يارب اشفني، يارب انصرني، يارب نجني، يارب أدخلني الجنة، يارب ارزقني الولد الصالح، يارب يسر لي الزوجة الصالحة، وهكذا حكم النذر، فالرسول يقول: { من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه } [البخاري ومسلم]. فإذا قال المسلم: ( لله علي أن أذبح بقرة ) أو ( لله علي أن أذبح ناقة ) أو ( لله علي أن أتصدق بكذا ) وجب عليه هذا، لقوله : { من نذر أن يطيع الله فليطعه }. وهكذا لو قال: ( إن شفى الله مريضي فعلي أن أذبح كذا لله ) وجب عليه ذلك إذا شفي الله مريضه، ولكن لا ينبغي له النذر، لقول النبي : { لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئاً وإنما يستخرج به من البخيل } [متفق على صحته]. أما لو قال: ( إن شفى الله مريضي فلسيدي البدوي كذا أو للولي عبد القادر كذا أو للولي الفلاني كذا ) فهذا شرك أكبر، ولهذا قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في كتاب التوحيد ( باب من الشرك النذر لغير الله ) وقال: ( باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره ) وقال: ( باب من الشرك الاستعانة بغير الله )، ومقصوده رحمه الله بهذه الأبواب التحذير من الشرك، لكونه أعظم الذنوب وكثير من الحجاج عند قبر النبي وصاحبيه رضي الله عنهما يدعونهم من دون الله ويستغيثون بهم، هذا هو الشرك الأكبر، وهكذا في مقبرة البقيع يقع مثل ذلك من بعض الحجاج، كما تفعل الرافضة وأشباههم من عباد القبور فهذا كله من الشرك الأكبر.
فلا يدعى النبي ولا الصديق ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا غيرهم من الأموات ولا الملائكة ولا الجن، لأن العبادة لا تكون إلا لله وحده، فالنبي يصلى عليه: ( اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم ) يصلى عليه ويتعبد بشريعته. أما العبادة فحق الله، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ [الإسراء:23]. وقال سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]. وقد يقول بعض الحجاج وغيرهم وقفت عند قبرك يا رسول الله انصرني أو اشف مريضي أو اشفع لي فلا يجوز ذلك بل هو من الشرك الأكبر. أما إن قال في دعائه لله: اللهم شفع فيَّ نبيك يوم القيامة إذا بعث الناس فلا بأس، لأنه يشفع في المؤمنين يوم القيامة حتى يدخلوا الجنة، ويشفع في كثير من العصاة الموحدين فيخرجهم الله من النار بشفاعته بعد أن يأذن الله له في ذلك كما تواترت بذلك الأحاديث عن النبي في الصحيحين وغيرهما، أما بعد الموت وقبل البعث فلا يدعى ولا يستغاث به وهكذا بقية الأنبياء، وهكذا الصالحون، وهكذا غيرهم فلا يدعى غائب ولا ميت ولا جماد كالصنم والشجر وغير ذلك، أما الحي الحاضر القادر فلا بأس أن يسأل فيما تجيزه الشريعة المطهرة كأن تقول يا فلان ساعدني في ثمن شراء السيارة، أو في إصلاح المزرعة، أو تطلب منه قرضاً وهو حي يسمع كلامك، لأنه قادر كما قال الله تعالى في قصة موسى عليه السلام مع القبطي: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15]. وهكذا خوف الإنسان من اللصوص فيضع حرساً كما قال الله تعالى في قصة موسى أيضاً: فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً [القصص:21] أي من مصر خائفاً من فرعون؛ لأن فرعون له سلطة وقدرة فخرج موسى خائفاً من فرعون فلا بأس، كأن يكون هناك بلد فيه شر فيخرج المسلم منه اتقاء ذلك الشر، أو يؤذى المسلم فيضع حرساً فلا بأس. أما الخوف من أصحاب القبور ودعاؤهم من دون الله، هكذا دعاء الجن فهو شرك أكبر، والله جل وعلا يقول: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن:18].
أما الذبح للضيف مثلاً فلا بأس، وكذلك الذبح للأكل، أما للجني الفلاني أو لصاحب قبر حتى يشفع لك أو حتى يجيرك من كذا أو حتى يعينك على كذا فهذا من الشرك الأكبر، لقول النبي : { لعن الله من ذبح لغير الله } [رواه مسلم]، ولأنه عبادة عظيمة صرفها لغير الله فكان مشركاً بالله عز وجل وهذا أمر خطير جداً ويجب الحذر منه.
ثم الصلاة أوّل شيء بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لا يسلم المسلم إلا بهما، فإذا قالهما صادقاً مخلصاً مؤمناً بأن الله هو المستحق للعبادة ومؤمناً برسول الله وبأنه أرسل بالحق لجميع الناس، صادقاً في ذلك لا منافقاً دخل في الإسلام. أما إن قالهما رياءً فلا يدخل في الإسلام، وإنما يدخل فيه إذا قالهما صدقاً وإخلاصاً أن الله هو المعبود بالحق، وأنه هو الإله الحق المستحق للعبادة لا يستحقها سواه، ويشهد أن محمداً رسول الله شهادة جازمة صادقاً فيها يعلم أنه رسول الله إلى جميع الثقلين من الجن والإنس، واتبعه وعمل بشرعه نجا وصار إلى الجنة، ومن حاد عن سبيله ولم يتبعه أو لم يصدقه صار إلى النار.(11/129)
بعد هاتين الشهادتين العظيمتين الصلاة والتي يجب على كل مسلم أن يحافظ عليها في أوقاتها ويؤديها في الجماعة في المسجد إلا المريض المعذور والشيخ الكبير العاجز، هذا هو الواجب، لقوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56]. ولقوله سبحانه: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور:36]. وهي المساجد يصف الله القائمين فيها بأنهم رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ [النور:37]، ويقول الله سبحانه وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2،1]. ولما رأى النبي رجلاً صلى فأساء في صلاته ولم يطمئن فيها أمره أن يعيدها، لما رأى منه من التساهل والنقر، فقال له رسول الله : { ارجع فصل فإنك لم تصل } [البخاري ومسلم] فرجع فصلى كما صلى ولم يتم ركوعها ولا سجودها، فعلمه النبي وقال: { إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن } وفي لفظ: { ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت } [الإمام أحمد] { ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها } [البخاري].
وعلى ذلك فيجب على المسلم العناية بالصلاة كاملة حتى يطمئن فيها ويؤديها كما شرع الله، فالرسول يقول: { صلوا كما رأيتموني أصلي } [البخاري]، فهي: أي الصلاة عمود الإسلام وأول ما يعرض على المسلم من عمله فإن صلحت فقد أفلح ونجا وإن فسدت فقد خاب وخسر، وهي أيضاً إن قبلت قبل من المسلم سائر عمله وإن ردت رد عليه سائر عمله. فيجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعتني بها وأن يؤديها كامله تامة بطمأنينة وخشوع وعناية حتى يؤدي حق الله كما أمره، وكما علمه رسول الله لأمته.
ثم الزكاة وهي الركن الثالث، فيجب أن يعتني المسلمون بها ويتقي كل مسلم الله إذ أعطاه المال، الذي إن لم يشكر الله ويؤدي حقه فيه عذبه به فيحمى عليه يوم القيامة ويعذب به إن لم يؤد الزكاة، ويصير على صاحبه وبالاً يوم القيامة، وهل يرضى عاقل أن يعذب بماله يوم القيامة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم لا سبيل بعدها إلا إلى الجنة، أو النار، فإذا كان موحداً مسلماً فإنه يدخل الجنة، أما المفرط فيدخل النار جزاء له على عدم إخلاصه. وعلى ذلك فالواجب على جميع الناس أن يتقوا الله وأن يؤدوا حقه امتثالاً لقوله تعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7]. ويقول سبحانه: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ [سبأ:39]. ويقول جل وعلا: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً [المزمل:20].
وفي الأحاديث الصحيحة يقول النبي : { ما من يوم يصبح فيه الناس إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، والثاني يقول: اللهم أعط ممسكاً تلفاً } [البخاري ومسلم].
وفي الصدقة نفع عظيم للفقراء والمساكين، فليتق المسلمون الله في أموالهم، وليحذروا اكتساب المال من الطرق المحرمة كالغش والخداع والربا، مع الحرص على كسب المال من الطريق الشرعي المباح وأداء حقه من الزكاة وغيرها من النفقات التي تجب لأولادك والزوجة وغيرهم ممن يجب عليك الإنفاق عليهم والإحسان إليهم. سائلين الله المولى سبحانه أن يفقهنا في الدين، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه سميع قريب.
===========
سبق المفردون
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
دار القاسم ...
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن من أفضل ما يتخلق به الإنسان وينطق به اللسان الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى، وتسبيحه، وتحميده، وتلاوة كتابه العظيم، والصلاة والسلام على رسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه، مع الإكثار من دعاء الله سبحانه وتعالى وسؤاله جميع الحاجات الدينية والدنيوية، والإستعانة به، والإلتجاء إليه بإيمان صادق وإخلاص وخضوع، وحضور قلب يستحضر به الذاكر والداعي عظمة الله وقدرته على كل شيء وعلمه بكل شيء وإستحقاقه للعبادة.
وقد ورد في فضل الذكر والدعاء والحث عليها آيات كثيرة وأحاديث صحيحة عن رسول الله نذكر ما تيسر منها قال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب:41-43].(11/130)
وقال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ [البقرة:152]. وقال تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35] إلى أن قال سبحانه: وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35]. وقال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191،190]. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ [الأنفال:45]. وقال تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة:200]. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون:9]. وقال تعالى: رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [النور:37]. وقال تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف:205]. وقال تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:10]. والإكثار من ذكر الله تبارك وتعالى ودعاؤه سبحانه مستحب في جميع الأوقات والمناسبات، في الصباح والمساء، وعند النوم واليقظة، ودخول المنزل والخروج منه، وعند دخول المسجد والخروج منه، لما سبق من الآيات الكريمات، ولقوله تعالى أيضاً: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ [غافر:55]. وقوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق:39]. وقوله تعالى: وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الأنعام:52]. وقوله تعالى: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً [مريم:11] وقوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ [الطور:49،48]. وقوله تعالى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم:18،17]. وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]. وقال سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]. وقال تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56،55] وقال سبحانه: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النحل:62].
وفي صحيح مسلم عن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله ونحن في الصفة فقال: { أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كومارين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ } فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك. فقال: { أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل }.
وفي صحيح البخاري عن عثمان عن النبي أنه قال: { خيركم من تعلم القرآن وعلمه }.
وفي صحيح مسلم عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله يقول: { اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه }. وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث النواس بن سمعان قال: سمعت النبي يقول: { يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران } وضرب لهما رسول الله ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال: { كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما }. وعن عبدالله بن مسعود قال: سمعت رسول الله يقول: { من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ( ألف) حرف، و (لام) حرف، و (ميم) حرف } [رواه الترمذي بسند حسن]. وثبت عن رسول الله أحاديث كثيرة تدل على فضل الذكر والتحميد والتهليل والتسبيح والدعاء والاستغفار كل وقت وفي طرفي الليل والنهار، وفي أدبار الصلوات الخمس بعد السلام نذكر بعضها.
فمن ذلك قوله صلى الله: { سبق المفردون؟ } قال: { الذاكرون الله كثيراً والذاكرات } [رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].(11/131)
وقال : { أحب الكلام إلى الله أربع، لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر } [رواه مسلم]. وفي صحيح مسلم أيضاً عن سعد بن أبي وقاص قال: جاء أعرابي إلى رسول الله فقال: علمني كلاماً أقوله، قال: { قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم } فقال: يا رسول الله إن هؤلاء لربي فما لي؟ قال: { قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني }.
وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: { الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله } [أخرجه النسائي، وصححه ابن حبان، والحاكم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].
وقال عليه الصلاة والسلام: { ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب الله، من ذكر الله } [أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني بإسناد حسن عن معاذ بن جبل رضي الله عنه].
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: قال رسول الله : { ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، خير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم } قالوا: بلى يا رسول الله قال: { ذكر الله } [رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح].
وقال : { لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتنهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده } [رواه مسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما].
وقال : { من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل } [متفق عليه من حديث أبي أيوب رضي الله عنه].
وفي الصحيحن عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: { من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يات أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك }، ومن قال: { سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حُطّت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر }.
وفي الصحيحين أيضاً عن رسول الله أنه قال: { كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم }.
وخرّج الترمذي وغيره بإسناد حسن عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله أنه قال: { ما قعد قوم مقعداً لم يذكروا الله فيه عز وجل، ولم يصلوا على النبي إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم }.
وقالت عائشة رضي الله عنها: { كان النبي يذكر الله على كل أحيانه } [أخرجه مسلم في صحيحه].
وعن أبي هريرة عن النبي أنه قال: { ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه } [أخرجه مسلم في صحيحه].
وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عن أبي بكر الصديق أنه قال: ( يا رسول الله علّمني دعاء أدعو به في صلاتي وفي بيتي )، قال: { قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم }.
وعن النعمان بن بشير عن النبي أنه قال: { الدعاء هو العبادة } [أخرجه أصحاب السنن الأربعة بإسناد صحيح]. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله يقول: { اللهم أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك } [رواه مسلم في صحيحه].
وعنه قال: كان رسول الله يقول: { اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين، وظلمة العدو، وشماتة الأعداء } [رواه النسائي وصححه الحاكم].
وعن بريدة قال: سمع النبي رجلاً يقول: ( اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ). فقال رسول الله : { فقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب } [أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان].
وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله يقول: { اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر } [أخرجه مسلم].
وعن أبي موسى قال: كان النبي يدعو: { اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جِدّي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير } [متفق عليه]. وعن أنس قال: كان رسول الله يقول: { اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وارزقني علماً ينفعني } [رواه النسائي والحاكم].
وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: { والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة } [رواه البخاري].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نعد لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة: { رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التوب الغفور } [رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح].(11/132)
وعن شداد بن أوس عن النبي أنه قال: { سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب، إلا أنت } [رواه البخاري في صحيحه].
والآيات والأحاديث في فضل الذكر والدعاء والاستغفار كثيرة ومعلومة.
اللهَ أسأل أن ينفعني بها وجميع المسلمين إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
==============
رسالة إلى بعض الآباء
دار القاسم ...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
لا شك أنّ كل أب يتمنى لابنه النجاح في دراسته، فهو دائماً يدعو الله بتوفيقه وتسديده وتثبيته، يَعِده ويُمنّيه إن نجح في الامتحان، ويتوعّده ويهدده إن رسب، وهذا إحساس من الأحاسيس التي فُطر عليها البشر، لكن أيها الأب الحنون وقد اهتممت بابنك هذا الاهتمام بدراسته ومستقبله وأمور دنياه وأحسست إنك عنه مسؤول، فهلاّ كان الاهتمام بآخرته كالاهتمام بدنياه. هلاّ كان الاهتمام به بعد موته كالاهتمام براحته وسعادته في حياته، مسؤوليتك أيها الأب أحاطت بعلوم الدنيا الفانية وأهملت الأخرى الباقية، وشُغلت به في حياته وأهملته بعد مماته، بنيت له بين الطين والاسمنت في دنياه وحرمته بيت اللؤلؤ والياقوت والمرجان في الآخرة.
طموحك، أملك، غاية مُناك أن يكون طبيباً أو مهندساً، أو طياراً أو عسكرياُ، ويا الله كل الأماني دنيوية..! السعي والجد للدنيا الفانية مع إهمال الأخرى الباقية، وهذه ليست حالة نادرة، بل إن قسماً كبيراً من الناس على ذلك، تأهبوا واستعدوا وعملوا على تربية أبناءهم أجساداً وأهملوا تربية القلوب التي بها يحيون ويسعدون، أو بها يشقون ويهلكون وهذا هو الواقع، والأدلة على ما نقول خذها أيها الأب الحنون.... هب أن ابنك تأخر عن وقت الامتحان ماذا ستكون حالتك؟ وما هو شعورك؟ ألا تسابق الزمن ليلحق الامتحان؟ ألا تنام بعدها بنصف عين لئلا يفوته الامتحان؟ !
كأن الجواب يقول بلى...! فهل كان شعورك حين نام عن صلاة الفجر كشعورك حين نام عن امتحانه؟ ألا تسأله كل يوم عن امتحانه ماذا عمل، وبماذا أجاب؟ وعسى أن يكون الجواب صحيحاً. فهل سألته عن أمور دينه يوماً ما؟ هل سألته صلّى أم لا؟ هل سألته من يُجالس ومن يُماشي؟ هل سألته أين يكون عندما يتغيب عن البيت؟ ألا يضيق صدرك ويعلو همّك حين تعلم أن ابنك قصّر في الإجابة في الامتحان؟ فهل ضاق صدرك حين قصّر في سُنن دينه وواجباته؟ ألا تعطيه ما يريد؟ ألا تمنعه الملاهي التي رحّبت بها في بيتك، من فيديو وتلفاز وصحف ومجلات، لئلا تشغله عن المذاكرة والاستعداد للامتحان؟
فما عساك فاعل أيها الأب الحنون في امتحان ليس له دور ثانٍ ولا إعادة ولا حمل للمواد؟ فقط نجاح أو رسوب، والرسوب معناه الإقامة في النار - والعياذ بالله - معناه الخسران المبين والعذاب المهين، ماذا تُغني عنه شهاداته ومركزه وماله إذا أوتي كتابه بشماله، ثم صاح بأعلى صوته: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ [الحاقة:25-29]. ما أغنى عنّي مركزي، ما أغنى عنّي سلطاني، ما أغنى عنّي علمي الدنيوي وشهادتي، كل ذلك هلك واندثر. خسارة ورسوب، وأي خسارة؟ وأي رسوب يكون في الدنيا طبيباً، أو مهندساً؟ أو طياراً أو مدرساً؟ أما الآخرة فشقي أم سعيد. فريقان: فريق في الجنة، وفريق في السعير...، لا نقول اهملوا أبناءكم، ولا نقول دعوهم، لا والله. بل نقول إن الآخرة أجدر بالسعي، وأحق بالعمل.
أيها الأب:
من أب حرص على إحضاره مُرب لابنه يُعلمه القرآن ويدارسه السنة؟ قليل من فعل ذلك. وليت الذي لم يفعل ذلك جنَّب ابنه عوامل الفساد والافساد، حشفاً وسوء كيل؛ جلب لابنه سائقاً وخادماً وسيارة، وهيأ له بيتاً ملأه بكل المحرمات والملهيات عن ذكر الله وطاعته...! من أب اعطى ابنه جائزة يوم حفظ جزءاً من القرآن الكريم؟ أو تعلم حديثاً للمصطفى عليه الصلاة والسلام؟ قليل من فعل ذلك. ونسأل الله أن يبارك في القليل.
البعض من الناس يعد ابنه إن نجح في الامتحان بقضاء أمتع الأوقات على الشواطئ في أي البلاد أو بشراء سيارة له يجوب بها الطرقات، وما وعده ابنه مرة إن نجح بأداء العمرة أو زيارة مسجد رسول الله .
فماذا كانت النتيجة بعد كل هذا الإهمال في التربية؟ النتيجة أن حل محل المصحف مجلة، ومحل السواك سيجارة، والنتيجة أن نشأ فينشأ كالأنعام: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].
إن ابناً بنيناه جسداً حريٌّ بنا أن نُربي عقله وقلبه ونهتم بحياته بعد موته.
وأول خطوة إلى ذلك: أن نصلح أنفسنا في صلاحنا، وبصلاحنا تكون استقامتهم ورعية الله لهم، قال تعالى وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً [الكهف:82].
وثانيهما: أن نجعل التربية الإسلامية غاية وهدفاً، فلا مانع من تعلم العلوم الدنيوية، ولكن ليس على حساب الاهتمام بالآخرة قال تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77].
فيا أيها الأب:(11/133)
اتق الله في رعيتك فأنت مسؤول عنهم أمام الله، اتق الله أن يستأمنك الله عليهم فتشرّع لهم أبواب الفتن من أفلام ومسلسلات وأجهزة خبيثة، ومجلات فاتنة ساقطة، إنك بذلك تخون الأمانة وتغش الرعية. قال : { ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرّم الله عليه الجنة }.
أيها الأب الحنون:
أدعوك إلى التأمل في وصية لقمان لابنه الذي يحبه ويفتديه بالغالي والنفيس. هل أوصاه بدنياه؟ هل أوصاه بزخرف؟ لا، بل دعاه إلى ما يحييه حياة طيبة وينجيه من العذاب الأليم، نهاه أن يشرك بالله إنّ الشَركَ لظلمٌ عَظِيم [لقمان:13]. ودله على ما ينجيه من الله.
ألا وهو: الهرب منه إليه تبارك وتعالى بإقامة الصلاة، وبالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ثم يدله على مكارم الأخلاق التي تَسموا به نفسه ويعلو بها مركزه، فلا تكبر على الخلق ولا ذلة، مع قصد في المشي، وخفض في الصوت: إنّ أنكَر الأصّوَِات لَصَوتَ الحمِير [لقمان:19].
تلك يا عبدالله جملة وصية الأب الحنون، فهل عملت بهذه الوصية مع ابنك؟ هل أوصيته ببعضها، أو بها جميعها؟
إن ديدن بعض الآباء مع الأسف الشديد هو تثبيط همم أبناءهم وتكسير مجاديبهم إذا ما هدى الله ابن بعضهم ذعروا وهبوا، ووصفوه بالوسواس، ووسموه بالعقد النفسية وسخروا منه واستهزأوا به، ولا أحد يدري أيسخرون من شخصه أم من دينه الذي يحمله ويمثله. أهذه هي الأمانة أيها الأب؟ أهذه هي النصيحة لرعيتك؟ اتق الله فيهم، راقب الله في تربيتهم، علمّهم ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، ولا تكتف القرار: ومَا هذهِ الحَيَاةُ الدُنيَا إلا لَهوّ ولَعِب وإنّ الدّارَ الآخِرةَ لَهِي الحَيوَانُ لو كَانُوا يَعلمُونَ [العنكبوت:64].
أيها الأب:
وأنتم تُعدّون أبناءكم لامتحانات الدنيا اتقوا الله فيهم واعلموا أنتم، وعلّموهم أن سلعة الله أغلى وأعلى من زخارف الدنيا، وعلموهم أن النجاح الحقيقي هو قصر النفس على ما يرضي الله، علموهم واعلموا أنتم أن السعادة الحقيقية في تقوى الله وطاعته، ثم اعلموا أنتم أيضاً أنه لن ينصرف أحد من الموقف يوم القيامة وله عند أحد مظلمة، يفرح الأبناء أن يجدوا عند أبيهم مظلمة، تفرح الزوجة أن تجد عند زوجها مظلمة، يأتي الأبناء يوم القيامة يُحاجّون آباءهم بين يدي الله قائلين: يا ربنا خذ حقنا من هذا الأب الظالم الذي ضيعنا عن العمل لما يرضيك، وربّانا كالبهائم وأوردنا المهالك، والذي ما من مفسدة إلا وجعلها بين أيدينا وما من مهلكة إلا وأدخلها علينا، فماذا سيكون الجواب حينئذ أيها الأب الحنون؟
فيا أيها الآباء:
اتقوا الله في أبناءكم، واحسنوا تربيتهم وحفظوهم من الفساد والضياع ما دام الأمر في أيديكم وما دمتم في زمن المهلة قبل أن تندموا وتلوموا أنفسكم في وقت لا ينفع فيه الندم واللوم
=============
أرحنا بالصلاة
عبدالقيوم السحيباني
دار القاسم ...
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
في الحديث:
قال رسول الله : { قم يا بلال فأرحنا بالصلاة }.
بعد جهد جهيد وتعب كبير، يحتاج إلى الراحة، فيبحث عنها في الصلاة، أرحنا بالصلاة، إنه يجد فيها راحة وطمأنينة وسكوناً.
يدخل في الصلاة فينسى هموم الدنيا، وينشغل عن متاعبها، إنه يفرغ قلبه لمناجاة ربه، فلا يبقى فيه مكان لهموم الدنيا ومشاغلها.
إنه يجد فيها راحة لأن قلبه قد امتلأ محبة وتعظيماً وإجلالاً، لذا فإنه يحب مناجاته، ويجد فيها راحة للنفس، وقوة للقلب، وانشراحاً للصدر، وتفريجاً للهم، وكشفاً للغم.
إن المصلي واقف بين يدي الله جل وعلا، مناج لربه عز وجل، فإذا فرغ قلبه لمناجاته، وأدى حق صلاته، وأكمل خشوعها، وقد امتلأ قلبه محبة لله وتعظيماً وإجلالاً. فإنه إذا انصرف من صلاته، وجد خفة من نفسه، وأحس بأثقال قد وضعت عنه، فوجد نشاطاً وراحة وروحاً، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها، لأنها قرة عينه، ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن ضيق حتى يدخل فيها، فيستريح بها، لا منها.
فالمحبون يقولون: نصلي فنستريح بصلاتنا، كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم : { يا بلال أرحنا بالصلاة }. ولم يقل: أرحنا منها، وقال : { جُُعلت قرة عيني في الصلاة } فمن جعلت قرة عينه في الصلاة، كيف تقر عينه بدونها؟! وكي يطيق الصبر عنها؟!
أمثلة من صلاة بعض السلف
هذه صور تحكي كيف كان السلف رضي الله عنهم ورحمهم يصلون، وتظهر جوانب من الراحة التي كانوا يجدونها في الصلاة.
فمنهم: من كان يطيل صلاته إطالة عجيبة، تدل على أنه يجد فيها راحة بالغة، ولذة وسروراً، وطمأنينة وسكوناً، يود معها أنه بقي طول وقته في صلاة.
إن إطالة الصلاة إذا كانت باختيار من غير إكراه، ولا سمعة فيها ولا رياء دليل على أن المصلي وجد فيها ابتهاجاً ونعيماً كبيراً، وإلا لم يطلها بهذه الصفة، فإن الإنسان إذا ملّ حالة وسئمها، عجل الانصراف عنها.
قال بعضهم: ( ركع ابن الزبير يوماً فقرأ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وما رفع رأسه ).
قال علي بن الفضيل: ( رأيت الثوري ساجداً فطفت سبعة أسابيع - أي 49 شوطاً - قبل أن يرفع رأسه ).
قال ابن وهب: ( رأيت الثوري في الحرم بعد المغرب صلّى ثم سجد سجدة فلم يرفع حتى نودي بالعشاء ).
قال عبدان الأهوازي: ( كنا لا نصلي خلف هدبة من طول صلاته، يسبح في الركوع والسجود نيفاً وثلاثين تسبيحة ).
قال أبو بكر بن عياش: ( رأيت حبيب بن أبي ثابت ساجداً، فلو رأيته قلت: ميت )، يعني من طول السجود.(11/134)
قال أبو قطن: ( ما رأيت شعبة ركع قطُّ إلا ظننت أنه نسي، ولا قعد بين السجدتين إلا ظننت أنه نسي ).
كان طلق بن حبيب لا يركع في صلاته إذا افتتح سورة (البقرة) حتى يبلغ (العنكبوت). وكان يقول: ( أشتهي أن أقوم حتى يشتكي صلبي ).
ومنهم: من إذا دخل في الصلاة خشع قلبه، وسكنت جوارحه، حتى يظن من رآه أنه جماد، بل إن الطير قد يظن ذلك المصلي حائطاً، فيقع على ظهره لشدة سكونه، وهذا السكون دليل على الراحة التي يجدها المصلي في صلاته، إذ لو لم يجد فيها راحة لم يسكن هذا السكون، فإن المرء إذا كان على وضع لا راحة له فيه تكثر حركته، والتفاته، وعبثه.
قال ثابت البناني: ( كنت أمر بعبدالله بن الزبير وهو يصلي خلف المقام، كأنه خشبة منصوبة لا يتحرك ).
قال يحيى بن وثاب: ( كان ابن الزبير إذا سجد وقعت العصافير على ظهره، تصعد وتنزل، ولا تراه إلا جذم حائط ).
قال الأعمش: ( كأن إبراهيم إذا سجد كأنه حائط، ينزل على ظهره العصافير ).
قال بعضهم: ( كان عنبس بن عقبة يسجد حتى إن العصافير يقعن على ظهره وينزلن ما يحسبنه إلا جذم حائط ).
كان مسلم بن يسار إذا صلّى كأنه وتد لا يميل لا هكذا ولا هكذا. وقيل: إذا صلى كأنه ثوب ملقى.
ومنهم: من إذا دخل في الصلاة انشغل بها عما حوله، حتى لا يشعر بما يحدث عنده وقريباً منه وإن كان عظيماً، ومتى عظمت محبة الشخص لأمر، فإنه ينشغل به حتى عن نفسه، ألم تر كيف قطع النسوة أيديهن لما رأين يوسف فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ [يوسف:31] دهشن برؤيته عن أنفسهم فلم يشعرن بتقطيع أيديهن.
من المصلين من يجد في صلاته لذة تشغله عما حوله، فمنهم من لا يشعر بوقوع شيء أصلاً، ومنهم من يشعر بذلك لكنه لا يلتفت إليه، ولا يعبأ به، فكأنه لم يشعر، لقوة حضوره في صلاته، وانصرافه لها، وعدم اهتمامه بما سواها وانشغاله عنه.
ذكر بعضهم أن حجراً من المنجنيق وقع على شرفة المسجد فطارت فلقة منها فمرت بين لحية ابن الزبير وحلقه، وهو قائم يصلي، فما زال عن مقامه، ولا عرف ذلك في صوته، ولا قطع لها قراءته، ولا ركع دون ما كان يركع، فكان إذا دخل في الصلاة خرج من كل شيء إليها.
روي أن ابن الزبير كان يوماً يصلي فسقطت حية من السقف تطوقت على بطن ابنه هاشم، فصرخ النسوة وانزعج أهل المنزل، واجتمعوا على قتل الحية، فقتلوها وسَلِم الولد، فعلوا هذا كله وابن الزبير في الصلاة لم يلتفت، ولا درى بما جرى لابنه حتى سلَّم.
قال ميمون بن مهران: ( ما رأيت مسلم بن يسار ملتفتاً في صلاة قط، ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع أهل السوق لهدمها، وإنه في المسجد يصلي فما التفت. ولما هنئ بسلامته عجب وقال: ما شعرت ).
ومنهم: من يصيبه في صلاته وجع شديد وألم، فلا يلتفت له، ويستمر في صلاته، قد أنسته لذة الصلاة شدة الوجع، حتى كأنه لا يحس به.
في إحدى الغزوات قام رجل من الأنصار يصلى ليلاً، فرماه أحد المشركين بسهم فنزعه واستمر في صلاته، فرماه بسهم ثان فنزعه واستمر في صلاته، فرماه بسهم ثالث فنزعه وركع وسجد وأتم صلاته. ثم أنبه صاحبه، فلما رأى ما به من الدم قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أول ما رمى؟! قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها.
فانظر كيف صبر على تلك السهام، وتحمَّل ألم الجراح، ولم تطب نفسه أن يقطع قراءته لتلك السورة حتى أتمّها. فكم من لذة يجدها هذا الرجل في صلاته. وكم من راحة وسرور، نسي معه تعب السفر، ومشقة الطريق، وهون عليه ضرب السهام.
فاحرص - يا رعاك الله - على إكمال صلاتك وإتمام خشوعها، حتى تجد فيها الراحة والطمأنينة. فلن تكون الصلاة راحة لك، إلا إذا أقمتها كما أمرت، بطمأنينة وخشوع وحضور قلب وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] فالخاشع الصلاة خفيفة عليه، محببة إليه، أما غير الخاشع فالصلاة عليه ثقيلة، لا يجد فيها راحة ولا سروراً.
اللهم ارزقنا الخشوع في الصلاة، واجعلها قرة عين لنا، يا رب العالمين.
==========
75 وصية للشباب
دار القاسم
الحمد لله القائل: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ [النساء:131].
والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد القائل: { أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة }، وتقوى الله طاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وهي تثمر سعادة الدنيا والآخرة.
وبعد، فهذه وصايا إسلامية قيّمة في مواضيع مختلفة في العبادات والمعاملات والأخلاق والآداب وغير ذلك من شئون الحياة، نقدمها إلى الشباب المسلم الحريص على معرفة ما ينفعه للذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين. راجين أن ينفع الله بها من قرأها أو سمعها، وأن يعظم الأجر والمثوبة لمن ألفها أو كتبها أو نشرها أو عمل بها، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وهي كالآتي:
1 - أخلص النية لله تعالى، واحذر الرياء في القول والعمل.
2 - اتبع السنة المحمدية في جميع الأقوال والأفعال والأخلاق.
3 - اتق الله تعالى، واعزم على فعل جميع الأوامر وترك جميع النواهي.
4 - تب إلى الله تعالى توبةً نصوحاً، وأكثر من الاستغفار.
5 - راقب الله تعالى في جميع حركاتك وسكناتك، واعلم أن الله يراك ويسمعك ويعلم ما يكنه ضميرك.
6 - آمن بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
7 - لا تقلد غيرك تقليداً أعمى، ولا تكن إمَّعة.
8 - كن سابقاً في عمل الخير تؤجر عليه وتنل ثواب من اقتدى بك فيه.
9 - اقتن كتاب ( رياض الصالحين ) واقرأ به على نفسك وعلى أسرتك ( وزاد المعاد لابن القيم ).(11/135)
10 - حافظ على الوضوء وجدده، وكن دائماً على طهارة من الحدث والنجاسة.
11 - حافظ على الصلاة في أول وقتها مع الجماعة في المسجد ولا سيما العشاء والفجر.
12 - لا تأكل ما له رائحة كريهة كالثوم والبصل، ولا تشرب الدخان المعروف لئلا تؤذي نفسك والمسلمين.
13 - حافظ على صلاة الجماعة لتفوز بالأجر المرتب عليها.
14 - أد الزكاة المفروضة ولا تبخل بها على المستحقين.
15 - بادر إلى صلاة الجمعة مبكراً، واحذر أن تتأخر بعد النداء الثاني اليها فتأثم.
16 - صم رمضان إيماناً واحتساباً لله تعالى ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
17 - احذر أن تفطر يوماً من رمضان من غير عذر شرعي فتأثم بذلك.
18 - قم ليالي رمضان ولا سيّما ليلة القدر منه إيماناً واحتساباً لتنال المغفرة لما مضى من ذنوبك.
19 - بادر بالحج والعمرة إلى بيت الله الحرام إذا كنت مستطيعاً واحذر التأخير.
20 - اقرأ القرآن بتدبر معناه، وامتثل أمره واجتنب نهيه ليكون حجة لك عند ربك وشفيعاً لك يوم القيامة.
21 - داوم على الإكثار من ذكر الله تعالى سراً وجهراً، قائماً وقاعداً وعلى جنبك، وإياك والغفلة.
22 - احضر مجالس الذكر فإنها من رياض الجنة.
23 - غض بصرك عن العورات والمحارم وإياك وإطلاقه، فإن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس.
24 - لا تطل ثيابك إلى ما تحت الكعبين ولا تتبختر في مشيتك.
25 - لا تلبس الحرير ولا الذهب فإنهما حرام على الذكور.
26 - لا تتشبه بالنساء، ولا تدع نساءك يتشبهن بالرجال.
27 - أطلق لحيتك لقوله : { أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى } [رواه البخاري ومسلم].
28 - لا تأكل إلا حلالاً، ولا تشرب إلا حلالاً تكن مستجاب الدعوة.
29 - سم الله تعالى على الطعام والشراب، واحمد الله إذا انتهيت.
30 - كل بيمينك واشرب بيمينك وخذ بيمينك وأعط بيمينك.
31 - إياك والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.
32 - لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي.
33 - اياك والرشوة، أخذاً وإعطاءً وتوسطاً، فإن فاعلها ملعون.
34 - لا تطلب رضا الناس بسخط الله عز وجل فيسخط عليك.
35 - أطع ولاة الأمر في كل أمر مشروع، وأدع لهم بالصلاح.
36 - احذر شهادة الزور ولا تكتم الشهادة وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [البقرة:283].
37 وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17].
والمعروف ما أمر الله به ورسوله ، والمنكر ما نهى الله عنه ورسوله .
38 - اترك جميع المحرمات صغيرها وكبيرها، ولا تعص الله تعالى، ولا تعن أحداً على معصيته.
40 - لا تقرب الزنا، قال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء:32].
41 - عليك ببر الوالدين، وإياك والعقوق.
42 - عليك بصلة الرحم، وإياك والقطيعة.
43 - أحسن إلى جارك ولا تؤذه، وتحمّل أذاه.
44 - أكثر من زيارة الصالحين وإخوانك في الله تعالى.
45 - أحبب في الله تعالى، وأبغض في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.
46 - عليك بالجليس الصالح، واحذر جليس السوء.
47 - بادر إلى قضاء حوائج المسلمين وأدخل السرور عليهم.
48 - عليك بالرفق والأناة والحلم، واحذر الغلظة والعجلة.
49 - لا تقطع كلام غيرك وعليك بحسن الاستماع.
50 - أفش السلام على من عرفت ومن لم تعرف.
51 - تلفظ بالسلام المسنون وهو قولك ( السلام عليكم )، ولا تكتف بالإشارة باليد أو الرأس فقط.
52 - لا تسب أحداً ولا تصفه بسوء.
53 - لا تلعن أحداً حتى البهائم والجمادات.
54 - احذر قذف الناس واتهامهم في أعراضهم فإنه من أكبر الكبائر.
55 - إياك والنميمة وهي نقل الكلام بين الناس على وجه الإفساد بينهم.
56- إياك والغيبة، وهي ذكرك أخاك بما يكره.
57 - لا تروع مسلماً ولا تؤذه.
58 - عليك بالإصلاح بين الناس فإنه من أفضل الأعمال.
59- قل خيراً وإلا فاصمت.
60 - كن صادقاً ولا تكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار.
61 - لا تكن ذا وجهين تأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه.
62 - لا تحلف بغير الله تعالى ولا تكثر الحلف ولو على الصدق.
63 - لا تحتقر غيرك فإنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.
64 - لا تأت الكهنة ولا العرافين ولا السحرة ولا تصدقهم.
65 - لا تصور صورة إنسان أو حيوان، فإن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورين.
66 - لا تقتن في بيتك صورة ذي روح فتحرم دخول الملائكة بيتك.
67 - شمِّت العاطس بقولك: ( يرحمك الله )، إذا حمد الله تعالى.
68 - احترز من الصفير والتصفيق ( المكاء والتصدية ).
69 - بادر إلى التوبة من كل ذنب وأتبع السيئة الحسنة تمحها، واحذر التسويف.
70 - كن راجياً عفو الله تعالى ورحمته وحسِّن ظنك بالله عز وجل.
71 - كن خائفاً من عقاب الله ولا تأمن عقوبته.
72 - كن صابراً عند البلاء وشاكراً عند الرخاء.
73 - أكثر من الأعمال الصالحة التي يبقى لك أجرها بعد الموت، كبناء المساجد ونشر العلم.
74 - سل الله تعالى الجنة واستعذ به من النار.
75 - أكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه أجمعين.
==============
الإستغفار
محمد بن ابراهيم الحمد
دار الوطن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين، وبعد:
فهذه كلمات موجزة في الاستغفار وفضائله وأوقاته وصيغه مع بيان فوائد الذكر وأفضله، نسأل الله أن ينفع بها.
كلمات في الاستغفار
فضائله:
1 - أنه طاعة لله عز وجل.(11/136)
2 - أنه سبب لمغفرة الذنوب: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراًا [نوح:10].
3 - نزول الأمطار يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً [نوح:11].
4 - الإمداد بالأموال والبنين وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [نوح:12].
5 - دخول الجنات وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ [نوح:12].
6 - زيادة القوة بكل معانيها وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [هود:52].
7 - المتاع الحسن يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً [هود:3].
8 - دفع البلاء وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33].
9 - وهو سبب لايتاء كل ذي فضل فضله وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود:3].
10 - العباد أحوج ما يكونون إلى الاستغفار، لأنهم يخطئون بالليل والنهار، فاذا استغفروا الله غفر الله لهم.
11 - الاستغفار سبب لنزول الرحمة لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46].
12 - وهو كفارة للمجلس.
13 - وهو تأسٍ بالنبي ؛ لأنه كان يستغفر الله في المجلس الواحد سبعين مرة، وفي رواية: مائة مرة.
أقوال في الاستغفار:
1 - يروى عن لقمان عليه السلام أنه قال لابنه: ( يا بني، عوِّد لسانك: اللهم اغفر لي، فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً ).
2 - قالت عائشة رضي الله عنها: ( طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً ).
3 - قال قتادة: ( إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم فالذنوب، وأما دوائكم فالاستغفار ).
4 - قال أبو المنهال: ( ما جاور عبد في قبره من جار أحب من الاستغفار ).
5 - قال الحسن: ( أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقاتكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة ).
6 - قال أعرابي: ( من أقام في أرضنا فليكثر من الاستغفار، فان مع الاستغفار القطار )، والقطار: السحاب العظيم القطر.
أوقات الاستغفار:
الاستغفار مشروع في كل وقت، ولكنه يجب عند فعل الذنوب، ويستحب بعد الأعمال الصالحة، كالاستغفار ثلاثاً بعد الصلاة، وكالاستغفار بعد الحج وغير ذلك.
ويستحب أيضاً في الأسحار، لأن الله تعالى أثنى على المستغفرين في الأسحار.
صيغ الاستغفار:
1 - سيد الاستغفار وهو أفضلها، وهو أن يقول العبد: ( اللهم أنت ربي لا إله الا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ).
2 - أستغفر الله.
3 - رب اغفر لي.
4 - ( اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ).
5 - ( رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الغفور، أو التواب الرحيم ).
6 - ( اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا الله، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ).
7 - ( أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ).
فوائد الذكر
فوائد الذكر كثيرة منها:
1 - يطرد الشيطان.
2 - يرضي الرحمن.
3 - يزيل الهم والغم.
4 - يجلب البسط والسرور.
5 - ينور الوجه.
6 - يجلب الرزق.
7 - يورث محبة الله للعبد.
8 - يورث محبة العبد لله، ومراقبته، ومعرفته، والرجوع إليه، والقرب منه.
9 - يورث ذكر الله للذاكر.
10- يحيي القلب.
11 - يزيل الوحشة بين العبد وربه.
12 - يحط السيئات.
13 - ينفع صاحبه عند الشدائد.
14 - سبب لتنزّل السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة.
15 - أن فيه شغلاً عن الغيبة، والنميمة، والفحش من القول.
16 - أنه يؤمَّن من الحسرة يوم القيامة.
17 - أنه مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله للعبد يوم القيامة تحت ظل عرشه.
18 - الذكر أمان من نسيان الله.
19 - أنه أمان من النفاق.
20 - أنه أيسر العبادات وأقلها مشقة، ومع ذلك فهو يعدل عتق الرقاب، ويرتب عليه من الجزاء مالا يرتب على غيره.
21 - أنه غراس الجنة.
22 - يغني القلب ويسد حاجته.
23 - يجمع على القلب ما تفرق من إرادته وعزومه.
24 - ويفرق عليه ما اجتمع من الهموم، والغموم، والأحزان، والحسرات.
25 - ويفرق عليه ما اجتمع على حربه من جند الشيطان.
26 - يقرب من الآخرة، ويباعد من الدنيا.
27 - الذكر رأس الشكر، فما شكر الله من لم يذكره
28 - أكرم الخلق على الله من لا يزال لسانه رطباً من ذكر الله.
29 - الذكر يذيب قسوة القلب.
30 - يوجب صلاة الله وملائكته.
31 - جميع الأعمال ما شرعت إلا لإقامة ذكر الله.
32 - يباهي الله عز وجل بالذاكرين ملائكته.
33 - يسهل الصعاب ويخفف المشاق وييسر الأمور.
34 - يجلب بركة الوقت.
35 - للذكر تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي اشتد خوفه أنفع من الذكر.
36 - سبب للنصر على الأعداء.
37 - سبب لقوة القلب.
38 - الجبال والقفار تباهي وتبشر بمن يذكر الله عليها.
39 - دوام الذكر في الطريق، والبيت والحضر والسفر، والبقاع تكثير لشهود العبد يوم القيامة.
40 - للذكر من بين الأعمال لذة لا يعدلها لذة.
أفضل الذكر:
( سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ).
هذه الكلمات أفضل الذكر بعد القرآن وهي من القرآن.
ومن الأذكار العظيمة:
لا حول ولا قوة إلا بالله: فهي كنز من كنوز الجنة، لها تأثير عجيب في معاناة الأثقال ومكابدة الأهوال، ونيل رفيع الأحوال.
ومنها، سبحان الله وبحمده: فمن قالها في اليوم مائة مرة غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر.
ومنها، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم: فهما كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن.(11/137)
وكذلك، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد: فمن قالها في اليوم عشر مرات فكأنما أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل، ومن قالها في اليوم مائة مرة كتبت له مائة حسنة، وحُطّت عنه مائة سيئة، وكأنما أعتق عشر رقاب، وكانت له حرزاً في يومه ذلك.
وخلاصة القول: أن ثمرات الذكر تحصل بكثرته، وباستحضار ما يقال فيه، وبالمداومة على أذكار طرفي النهار، والأذكار المقيدة والمطلقة، وبالحذر من الابتداع، ومخالفة المشروع.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
===========
كلمات في الصلاة
محمد بن ابراهيم الحمد
دار الوطن
الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعماانا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وبعد:
فهذه كلمات موجزة في الصلاة تبين أهميتها، والأسباب التي تعين على تأديتها مع المسلين، وثمرات المحافظة عليها مع الجماعة.
أهمية الصلاة
للصلاة في دين الإسلام أهمية عظيمة، ومما يدل على ذلك ما يلي:
1 - أنها الركن الثاني من أركان الإسلام.
2 - أنها أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة؛ فإن قُبلت قُبل سائر العمل، وإن رُدَّت رُدَّ.
3 - أنها علامة مميزة للمؤمنين المتقين، كما قال تعالى: وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ [البقرة:3].
4 - أن من حفظها حفظ دينه، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيع.
5 - أن قدر الإسلام في قلب الإنسان كقدر الصلاة في قلبه، وحظه في الإسلام على قدر حظه من الصلاة.
6 - وهي علامة محبة العبد لربه وتقديره لنعمه.
7 - أن الله عز وجل أمر بالمحافظة عليها في السفر، والحضر، والسلم، والحرب، وفي حال الصحة، والمرض.
8 - أن النصوص صرّحت بكفر تاركها. قال : { إن بين الرجل والكفر والشرك ترك الصلاة } [رواه مسلم]. وقال: { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر } [رواه أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح]، فتارك الصلاة إذا مات على ذلك فهو كافر لا يُغَسّل، ولا يُكَفّن، ولا يُصلى عليه، ولا يُدفَن في مقابر المسلمين، ولا يرثه أقاربه، بل يذهب ماله لبيت مال المسلمين، إلى غير ذلك من الأحكام المترتبة على ترك الصلاة.
أسباب تعين على أداء الصلاة مع المسلمين:
1 - الإستعانة بالله عز وجل.
2 - العزيمة الصادقة الجازمة.
3 - إستحضار ثمرات الصلاة الدينية والدنيوية.
4 - إستحضار عقوبة ترك الصلاة.
5 - الأخذ بالأسباب، كاستعمال المنبه أو أن يوصي الإنسان أهله بأن يحرصوا على إيقاظه وحثه، أو أن يوصي زملائه بأن يتعاهدوه.
6 - ترك الإنهماك في فضول الدنيا.
7 - ألا يتعب الإنسان نفسه أكثر من اللازم.
8 - أن يتجنب الذنوب، فإنها تثقل عليه الطاعات.
9 - أن يصاحب الأخيار ويتجنب الأشرار.
10 - ترك الإكثار من الأكل والشرب؛ فهما مما يثقل عن الطاعة.
11 - أن يدرك الآثار المتربة على ترك الصلاة من تكدر النفس وانقباضاها، وضيق الصدر وتعسر الأمور.
وبعد هذا كله.. هل يليق أيها العاقل أن تتهاون بالصلاة مع جماعة المسلمين؟! أو أن تؤثر الكسل و النوم على طاعة رب العالمين؟! أو تزهد فيما أعدُّه اللّه للمحافظين عليها من أنواع الكرامات؟! أم تأمن على نفسك مما أعده الله لمن يتهاونون بها من أليم العقوبات؟
ثمرات الصلاة والمحافظة عليها مع جماعة المسلمين
للصلاة مع جماعة المسلمين والمحافظة عليها ثمرات عظيمة، وفوائد جليلة، وعوائد جمّة، في الدين والدنيا، والآخرة والأولى، فمن ذلك ما يلي:
1 - أن المحافظة عليها سبب لقبول سائر الأعمال.
2 - المحافظة عليها سلامة من الاتصاف بصفات المنافقين.
3 - المحافظة عليها سلامة من الحشر مع فرعون وقارون وهامان وأُبي بن خلف.
4 - الصلاة قرة للعين.
5 - ومن ثمراتها تفريح القلب، مبيضة للوجه.
6 - الانزجار عن الفحشاء والمنكر.
7 - وهي منورة للقلب، مبيّضة للوجه.
8 - منشطة للجوارح.
9 - جالبة للرزق.
10 - داحضة للظلم.
11 - قامعة للشهوات.
12 - حافظة للنعم، دافعة للنقم.
13 - منزلة للرحمة، كاشفة للغمة.
14 - وهي دافعة لأدواء القلوب من الشهوات والشبهات.
15 - التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
16 - التعارف بين المسلمين.
17 - تشجيع المتخلف.
18 - تعليم الجاهل.
19 - إغاظة أهل النفاق.
20 - حصول المودة بين المسلمين؛ فالقرب في الأبدان مدعاة للقرب في القلوب.
21 - إظهار شعائر الإسلام والدعوة إليه القول والعمل.
22 - وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا والآخرة، لا سيما إذا أُعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً، فما استُدفعت شرور الدنيا والآخرة بمثل الصلاة، ولا استُجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصلاة؛ لأنها صلة بين العبد وربه، وعلى قدر صلة العبد بربه تنفتح له الخيرات، وتنقطع - أو تقل - عنه الشرور والآفات، وما ابتلي رجلان بعاهة أو مصيبة أو مرض واحد إلا كان حظ المصلي منها أقل وعاقبته أسلم.
23 - الصلاة سبب لاستسهال الصعاب، وتحمل المشاق؛ فحينما تتأزم الأمور وتضيق؛ وتبلغ القلوب الحناجر - يجد الصادقون قيمة الصلاة الخاشعة؛ وحسن تأثيرها وبركة نتائجها.
24 - وهي سبب لتكفير السيئات، ورفع الدرجات، وزيادة الحسنات، والقرب من رب الأرض والسموات.
25 - وهي سبب لحسن الخلق، وطلاقة الوجه، وطيب النفس.
26 - وهي سبب لعلو الهمة، وسمو النفس وترفعها عن الدنايا.
27 - وهي المدد الروحي الذي لا ينقطع، والزاد المعنوي الذي لا ينضب.
28 - الصلاة أعظم غذاء وسقي لشجرة الإيمان، فالصلاة تثبت الإيمان وتنميه.(11/138)
29 - المحافظة عليها تقوي رغبة الإنسان في فعل الخيرات، وتُسهّل عليه فعل الطاعات، وتذهب - أو تضعف - دواعي الشر والمعاصي في نفسه، وهذا أمر مشاهد محسوس؛ فإنك لا تجد محافظاً على الصلاة - فروضها ونوافلها - إلا وجدت تأثير ذلك في بقية أعماله.
30 - ومن فوائدها: الثبات على الفتن؛ فالمحافظون عليها أثبت الناس عند الفتن.
31 - ومن فوائدها: أنها تُوقد نار الغيرة في قلب المؤمن على حُرمات الله.
32 - والصلاة علاج لأدواء النفس الكثيرة، كالبخل، والشح، والحسد، والهلع، والجزع، وغيرها.
33 - ومن فوائدها الطبية: ما فيها من الرياضة المتنوعة، المقوية للأعضاء، النافعة للبدن.
34 - ومن ذلك، أنها نافعة في كثير من أوجاع البطن؛ لأنها رياضة للنفس والبدن معاً، فهي تشمل على حركات وأوضاع مختلفة تتحرك معها أغلب المفاصل، وينغمز معها أكثر الأعضاء الباطنة، كالمعدة، وسائر آلات النفس والغذاء، أضف إلى ذلك الطهارة المتكررة وما فيها من نفع، كل ذلك نفعه محسوس مشاهد لا يماري فيه إلا جاهل.
35 - ومن فوائدها الصحية: أنها - كما مرّ - تنير القلب وتشرح الصدر، وتفرح النفس والروح، ومعلوم عند جميع الأطباء أن السعي في راحة القلب وسكونة وفرحه وزوال همّه وغمه، من أكبر الأسباب الجالبة للصحة، الدافعة للأمراض، المخففة للآلام، وذلك مجرب مشاهد محسوس في الصلاة خصوصاً صلاة الليل أوقات الأسحار.
36 - ومن ذلك: ما أظهره الطب الحديث من فوائد عظيمة للصلاة، وهي أن الدماغ ينتفع انتفاعاً كبيراً بالصلاة ذات الخشوع، كما قرر ذلك كبار الأطباء في هذا العصر، وهذا دليل من الأدلة التي يتبين لنا بها سبب قوة تفكير الصحابة الكرام، وسلامة عقولهم، ونفاذ بصيرتهم، وقوة جنانهم، وصلابة عودهم.
هذا غيض من فيض من ثمرات الصلاة الدينية والدنيوية، وإلا فثمراتها لا تعد ولا تحصى، فكلما ازداد اهتمام المسلم بها ازدادت فائدته منها، والعكس بالعكس.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
=============
لماذا أعفيت لحيتي وقصرت ثوبي
أبو عبدالله جعفر الطيار
دار الوطن ...
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لماذا أعفيتُ لحيتي وقَصّرت ثوبي؟
لأن إعفاء اللحية من الفطرة التي فطر الله سبحانه وتعالى الرجال عليها
والفطرة كما عرَّفها البيضاوي رحمه الله: ( هي السنة القديمة التي إختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جبلي ينطوون عليها ). قال رسول الله : { عشرٌ من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وانتقاص الماء }. قال زكريا: قال مصعب: ونسيتُ العاشرة إلا أن تكون المضمضة. زاد قتيبة: قال وكيع: انتقاض الماء يعني الإستنجاء. [رواه مسلم].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ( البراجم جمع بُرجمة، وهي عُقد الأصابع التي في ظهر الكف ).
ولأن في إعفاء اللحية مخالفة للمشركين من أهل الكتاب والمجوس وغيرهم
وعلة المخالفة هذه لا تزال قائمة، فلا يزال المسلم يتميَّز بإعفاء لحيته، وإعفاء بعض المشركين للحاهم لا يعني إنتفاء علّة المخالفة، فقد كان مثل هذا على عهد رسول الله ومع ذلك فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: { خالفوا المشركين: وفِّروا اللحى، وأحفوا الشوارب } وفي رواية مسلم: { أوفوا اللحى }. وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله : { قُصُّوا سِبالكم، ووفِّرُوا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب }. [حسنه الألباني في الصحيحة].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: { وفرُِّوا } من التوفير وهو الإبقاء، أي: إتركوها وافرة، والسبال: جمع سَبلة، وهي الشارب، والعثانين: جمع عثُنون، وهي اللحية.
قال الشوكاني رحمه الله: ( قد حصل من مجموع الأحايث خمس روايات: { أعفوا، وأرخوا، وأوفوا، وأرجوا، ووفروا }، ومعناها كلها تركها على حالها ).
وقال النووي رحمه الله: ( معنى إعفاء اللحية إتركوها كاملة وافية لا تقصوها ولكن قد رخَّص بعض أهل العلم بأخذ ما زاد على القبضة لما رواه نافع: { كان ابن عمر إذا حجَّ أو اعتمر قبض على لحيته فما فَضَلَ أخذه } [رواه البخاري]. هذا مع شدة تحري ابن عمر رحمه الله للسنة وتعلقه بها، وقد ثبت مثل هذا الفعل عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ( الذي يظهر أن ابن عمر لا يخص هذا التخصيص في النُسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوَّه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه ).
وأعفيتُ لحيتي لأن في ذلك إمتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى
فهو تكليف ربّاني يُؤجر المسلم بفعله ويأثم بتركه، فقد جاء في حديث رسولي كسرى الطويل أنهما لمَّا دخلا على رسول الله ، وقد حلقا لحاهما، وأعفايا شواربهما، فكرهَ النظر إليهما، ثم أقبل عليهما، فقال: { ويلكما من أَمركما بهذا؟ } قالا: أمرنا بهذا ربنا - يعنيان كسرى - فقال رسول الله : { ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقصِّ شاربي } [صحيح السيرة].
فتأمل كيف أنه كره النظر إليهما لما رآهما على هذه الحال، وهذا يعكس بوضوح خروجهم عن الفطرة السليمة كما أسلفنا، وعن سلامة المظهر إلى حد بعيد، فكيف وبعد هذا أرضى لنفسي ملازمة ما فيه مخالفة لأمر الله سبحانه وتعالى، وأرضى كذلك أن ما كان من رسول الله في حق هؤلاء من إعراضه عن النظر إليهم أن يكون في حقي يوم القيامة، معاذ الله !!
ولأن في حلق اللحية تغييراً لخلق الله سبحانه وتعالى بغير إذن منه عز وجل(11/139)
وإنما بوحي وتزيين من الشيطان، يقول تعالى في حق الشيطان: لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [النساء:118-120]. ومعنى: فَلَيُبَتِّكُنَّ أي يقطِّعُنَّ، ولا ريب أن في حلق اللحية تغييراً لخلق الله سبحانه وتعالى قد نهى الله عز وجل عنه، يفضي على ما هو أعظم وزراً وأشد حرمة من ذات الفعل، من التشبه بالنساء وتقمص خلقتهن، وقد لعن رسول الله فاعله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: { لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال } [رواه البخاري].
يقول ابن القيم رحمه الله: ( وأما شعر اللحية ففيه منافع، منها الزينة والوقار والهيبة، ولهذا لا يُرى على الصبيان والنساء من الهيبة والوقار ما يُرى على دوي اللحى، ومنها التمييز بين الرجال والنساء ).
قلتُ: وهل هناك أظهر من الوجه في الجنسين، فإذا لم يكن حلق اللحية داخل في التشبيه الصريح بقصد أو بغير قصد فما هو التشبه؟!
وأعفيتها لأن في إعفائها موافقة لسمت الأنبياء والصالحين وهديهم
إقرأ إن شئت قوله تعالى مخبراً عما قاله هارون لأخيه موسى عليهما السلام: يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي [طه:94]. فهذا يدلُّ على أن هارون عليه السلام كان عظيم اللحية. وما رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة أن النبي كان كثير شعر اللحية، وكذا كان الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، كما بيَّنته كتب التراجم والسير، والرجال الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها ليس فيهم حالق كما يقول الشنقيطي رحمه الله.
قلتُ: وانظر إلى كثير من الأحبار والرهبان كيف ورثوا هذا الفعل ممن ينسبون أنفسهم إليهم، فكان هذا من الحق الذي ورثوه غير محرَّف، ألسنا أولى بهذا من المشركين بدلاً من التشبه بمن لا خلاق لهم ولا دين؟!
أما عن تقصيري لثوبي، فتلك صفة المؤمن كما أخبر بذلك رسول الله حيث قال: { إزرةُ المؤمن على نصف الساق } ثم قال بعد ذلك: { ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين } [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني ]. ومعنى قوله: { لا جناح } أي: لا إثم.
وفي تقصيره تقوى الله سبحان وتعالى، وبُعدًا عن أسباب الكِبر التي قد تُفضي إلى غضب ا لله ومقته، فعن ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله : { من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة } فقال أبو بكر: إن أحد شِقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، قال: { إنك لست ممن يفعل ذلك خّيلاء } [وراه البخاري].
والشاهد من هذا الحديث أن أبا بكر كان يتعاهد إزاره، والذي يفعل هذا يكون أبعد الناس عن الكِبر وإلا لما تعاهده، وهكذا كان أصحاب رسول الله ، فلم يتعمد أحدٌ منهم إرخاء ثوبه زاعماً أنه لا يطيله خيلاء، بل الإصرار على إطالة الثوب دالة على التكبر كما يقول ابن العربي رحمه الله، وإلا فما الذي يمنع من رفعه إلى ما فوق الكعبين بقليل، لأجل هذا بيّن رسول الله أن الإسبال من المخيلة كما في حديث جابر بن سليم الطويل وفيه: { وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيتَ فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة } [رواه الترمذي وصححه].
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: ( فجعل الإسبال كله من المخيلة ؛ لأنه في الغالب لا يكون إلا كذلك، ومن لم يُسبل للخيلاء فعمله وسيلة لذلك، والوسائل لها حكم الغايات ). فرسول الله وأصحابه رضوان الله عليهم يقصرون ثيابهم و يتعاهدونها عند إسترخائها، وأنا أطيل ثيابي زاعماً أن ما قد يعتريها لا يعتريني، معاذ الله أن أفعل ذلك، فلا أنجى ممن يتَّهم نفسه، ولي في رسول الله وأصحابه أسوة حسنة.
وفي تقصير الثوب صيانة له من الوسخ والنجاسات
ورحم الله عمر بن الخطاب فقد كان يحتضر وعندما رأى شاباً ممن جاءوا يعودونه وقد كان إزاره يمسُّ الأرض فقال له: { إرفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربّك } [رواه البخاري]. وهذا يدلك على أهميه هذا الشأن عند المتقين، فالذي يسمع هذا من عمر ويقرأ حديث رسول الله : { ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار }. وحديث أبي ذر أن رسول الله قال: { ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، فقرأها رسول الله ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، مَن هم يا رسول الله؟ قال المُسبل والمنّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب } [رواه مسلم].
إن الذي يقرأ هذه الأحاديث ينبغي عليه أن يخشى الله عز وجل ولا يطيل ثيابه إلى ما أسفل من الكعبين، فإن ذلك إن لم يكن بقصد الخيلاء فقد يكون وسيلة إليه، لأجل هذا أعفيتُ لحيتي وقصَّرتُ ثوبي.
وأسأل الله سبحانه وتعالى الثبات على طاعته ولزوم أمره لي ولجميع المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
===========
كيف تقضي الإجازة
إبراهيم بن مبارك بو بشيت
دار الوطن ...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين... وبعد:(11/140)
أخي المسلم: تُعايش بعد أيام إجازة العام الدراسي، وللناس في ذلك أحوال، وخصوصاً مع الوقت الذي هوالعمر، فإن في المنازل آلافاً من طلبة المدارس الذين يقضون إجازة ثلاثة أشهر، فياترى فيمَ تقضى هذه الأيام؟
أخي الحبيب: قبل أن أذكر لك بعض الوسائل التي يمكن أن تعمر بها إجازتك لي وقفة مهمة معك وهي:
إعلم أن الوقت الذي أنت فيه هو حياتك، إذا أهملته أهملت حياتك، وإذا عمَّرته عمَّرت حياتك، ولأهمية الوقت بالنسبة للمسلم فإن الله سبحانه وتعالى أقسم به فقال: وَالْعَصْرِ [العصر:1]، وَالْفَجْرِ [الفجر:1]، وَالضُّحَى [الضحى:1]، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1]، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1]، إلى غير ذلك من آيات القرآن الكريم، وقال الناطق بالوحي : { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ } [رواه البخاري]. وروى الطبراني بسند صحيح عن معاذ عن النبي قال: { لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال:..... ذكر منها: عن عمره فيما أفناه؟... }.
أخي الحبيب، كم تتمنى في مستقبل حياتك من أمور، كأن تكون طبيباً، أو مهندساً، أو معلماً، أوغير ذلك من الوظائف، و لاشك أن هذا لا يحصل إلا ببذل الجهد، والجد، والمثابرة، والسعي بقوة ونشاط.
إذا كانت هذه حالك مع الوظائف الدنيوية فلابد أن تكون أشد حرصاً على المناصب الأخروية، فأحسبك حريصاً على وقتك ألا يذهب هباءً منثوراً، وها هو ابن القيم رحمه الله يصوِّر لك حياتك، فيقول: ( السنة شجرة، والشهور فروعها، و الأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته شجرة طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل. فأي الثمار تريد رعاك الله..؟ فالحياة ميدان عمل وإنتاج، والإجازة فرصة لهذا. كم مرَّت عليك وعلى غيرك من الإجازات فإذا هي تذهب دون فائدة.
قال أحمد شوقي:
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها *** فالذكر للإنسان عمر ثان
أخي الشاب: هذه بعض الأمور التي تعينك على عمارة وقتك وحياتك في هذه الإجازة:
(1) حفظ القرآن الكريم أو شيء منه:
قال فيما أخرجه البخاري: { خيركم من تعلم القرآن وعلمه }. وكم تمر على البعض من أبناء المسلمين إجازة تلو الأخرى دون أن يقرأ شيئاً من القرآن فضلاً عن حفظه، فاحرص على إتقان قراءتك مع صديق أو زميل يعينك على ذلك، واحرص أن تحفظ خلال هذه الإجازة على الأقل كل يوم خمس آيات، وتقرأ بها في النوافل والصلوات السرية، وسوف ترى خيراً كثيراً بإذن الله.
(2) الحرص على السنة النبوية الشريفة:
بقراءتها وفهمها وحفظ شيء منها، فكم تخفى عنا كثير من أحاديث نبينا ، وهذا كتاب رياض الصالحين فيه خيرٌ كثير، فاقرأ شيئاً منه كل يوم.
(3) الحرص على أداء العمرة وزيارة الحرمين:
فإن النبي قال: { العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر } [رواه البخاري ومسلم]. وكم في الصلاة في المسجد الحرام من أجر، فالصلاة بمائة ألف صلاة، وكذلك الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، فكم في هذا من خير، واحذر ـ عند ذهابك ـ اللهو وكثرة إرتياد الأسواق وتضييع الأوقات.
(4) صلة الأرحام:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : { الرحم معلقة في العرش. تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله} [أخرجه البخاري ومسلم]، والإنسان في أثناء الدراسة ربما يتعذر بالإنشغال، فالإجازة فرصة لذلك، ولصلة الرحم فوائد: فإنها من أسباب الرحمة ودخول الجنة، ولها أثر في زيادة العمر، وبسط الرزق، وما أجمل أن يتعاون الأقارب بعضهم مع بعض، ويضعون جدولاً لزيارة أرحامهم ولو لبضع دقائق.
(5) الحرص على الكسب وتعلم صنعة أو مهارة:
فالإجازة ليس معناها النوم والسهر، لا والله فابحث عن عمل صيفي تكسب من ورائه، أو الدخول في دورات للحاسب الآلي، أو أي مهنة تتعلم منها مهارة من المهارات، تستفيد منها في حياتك كالسباكة والكهرباء أو غير ذلك.
(6) تقوية الضعف الدراسي:
فإن بعض الطلاب يعاني من ضعف في بعض المواد الدراسية، ( كضعف الطالب في الإملاء والرياضيات والإنجليزي وغيرها ). مما يسبب له تأخراً في الدراسة، ولا يفكر في إصلاح هذا الحال الذي هو فيه إلا عند الإمتحانات أو أثناء الدراسة، وربما لا يجد فرصة، بينما الإجازة فرصة لتوفر الوقت وإرتياح البال لعدم إرتباطها بنجاح أو رسوب.
(7) الإطلاع على مواد السنوات المقبلة:
وهذا قد يتثاقله كثير منا، فيفضل الجلوس فارغاً، ولا ترى عينه شيئاً من ذلك، فاطلب من زملائك الذين سبقوك دراسياً بعض كتبهم واطلع عليها، فمن خلالها سوف تتعرف على ما ستدرسه في السنة القادمة.
(8) الإشتراك في المراكز الصيفية:
فالمراكز فرصة مباركة للتعرف على الصحبة الطيبة، التي تعينك على طاعة الله تعالى، وتعلو بك، وترفع من قدرك ومكانتك. قال الشاعر:
فاصحب الأخيار تعلُ *** و تنل ذكراً جميلاً
ولا سيما ما فيها من إستغلال للوقت، وتعلم للعلم النافع والمهارات الطيبة، نفع الله بها.
(9) زيارة أهل الخير:
كالعلماء والصالحين، ولا تنس ذلك المعلم الذي عشت معه عاماً دراسياً، وكذلك زملاءك الطيبين ممن فيهم خير كثير، والزيارة الأخوية فيها أجر عظيم، قال فيما رواه الترمذي بسند حسن عن أبي موسى الأشعري أنه قال: { من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناد منادٍ أن طبت وطاب ممشاك، وتبوّأت من الجنة نزلاً }.
(10) التعود على العبادة:(11/141)
فالإجازة فرصة لتربية النفس على العبادة، كالسنن الرواتب وصيام النفل والصلاة من الليل، والحفاظ على صلاة الجماعة في المسجد، إلى غير ذلك من العبادات، وفقنا الله وإياك للخير.
(11) مؤانسة الأهل:
سواء بالسفر معهم السفر المباح، إما إلى البحر أو إلى المزارع أو المصايف، والحذر كل الحذر أثناء السفر من اللهو المحرم، ورؤية المتبرجات السافرات، ولا تنس أن تأمر أهلك بلباس الشرع، سدد الله خطانا وخطاك.
(13) سماع الأشياء النافعة:
سواء عن طريق إذاعة القرآن الكريم أو الأشرطة المفيدة أو غيرهما، فإن فيها خيراً كثيراً ومنافع عظيمة، والبعد عن سماع المحرمات، كالغناء والمزامير وما لا يرضاه الله ورسوله.
أخي الشاب: وهذه بعض الأمور التي أحذرك من الوقوع فيها أثناء الإجازة:
(1) السفر المحرم:
كالسفر إلى بلاد الكفار بقصد الفساد، كالزنا وشرب الخمر، فيخسر الكثير من الناس أموالهم، وقبل ذلك دينهم وأعراضهم، في سبيل شهوتهم وطاعة الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، والعياذ بالله.
(2) كثرة النوم:
فمن الخطأ أن يظن أن الإجازة فرصة للنوم كقولهم: ( الآن نعوّض التعب الذي حصل في الإمتحانات )، ومن المؤسف أن بعض الشباب ربما ينام ساعات طويلة، ناهيك عن الصلوات التي تضيع.
(3) إطالة السهر:
وهذه ظاهرة تظهر جليّة أيام الإجازات، فترى الشباب على الأرصفة والشوارع وغيرها إلى الفجر، وربما بعده، وإذا سهر الإنسان إلى هذا الوقت فيا ترى في أي شيء يقضي هذا الوقت؟ فاحذر يا أخي النوم طوال النهار، والسهر بالليل على الأفلام والمسلسلات والإنتقال من قناة إلى قناة، وكذلك السهر على لعب الورق ( البلوت).
واحذر السهر في المقاهي، فلا يخفى عليك ما يدار فيها من الأمور المحرمة كشرب الدخان والشيشة ( المعسل)، وكفى ما فيها من مجالسة نافخي الكير.
( 4) المعاكسات:
وهذه ظاهرة مَرَضيّة يُصاب بها فِئام من المجتمع، فالحرص على أرقام الفتيات ومتابعتهن عن طريق الهاتف حرام لما فيه من إيذاء المسلمين وإنتهاك أعراضهم، بل وفيها دمار لمستقبل الإنسان.
(5) التجول في الشوارع والأسواق:
وهذا لا شك بسبب الفراغ الذي يعتبر مفسدة لكثير من الشباب.
لقد هاج الفراغ عليه شغلا *** وأسباب البلاء من الفراغ
وماذا يستفيد الشباب من هذا التجول، إنه يعرضهم لكثير من الفتن التي لا تحمد عقباها، فضلاً عن كونه فيه إهدار للوقت الذي هو الحياة.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على الخير النافع. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
============
إنحراف الشباب
دار الوطن
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد:
فإن مشكلة إنحراف الشباب من أخطر المشكلات التي تواجه المجتمع، والتي ينبغي أن نسخّر كل الإمكانات لمواجهتها والقضاء عليها؛ لما لها من نتائج سلبية على المجتمع بل على الأمة بأسرها.
وبلا مقدمات فقد أحببنا أن نسهم بهذه الكلمات اليسيرة في بيان أسباب ومظاهر إنحراف الشباب.
أولاً: أسباب إنحراف الشباب
1 - ضعف الوازع الديني.
2 - ضعف التربية والرعاية من قبل الوالدين.
3 - أصدقاء السوء وشِلل الإجرام والفساد.
4 - تهميش دور الشباب وإحساس الشاب بالغربة وسط أهله.
5 - الترف الزائد.
6 - الفراغ القاتل.
7 - حبّ الشهرة والثراء السريع.
8 - سن الشباب الداعي إلى المراهقة والمغامرة.
9 - وفور الشهوة وطغيان الغريزة مع صعوبة الزواج.
10 - الإستعداد النفسي للإنحراف.
11 - ضغوط المجتمع وعدم وجود بيئة صالحة.
12 - طول الأمل ونسيان أن أغلب من يموت من الشباب.
13 - الغفلة عن العقاب في الدنيا والآخرة.
14 - الفتنة بأهل الغرب وحضارتهم.
15 - محبة أهل الفساد من المشهورين.
16 - القنوات الفضائية وما تقدمه من دورس مجانية في الجنس والجريمة بأنواعها.
17 - الغزو الفكري المدمر.
18 - وسائل الإعلام بشتى أنواعها.
19 - البطالة والإستنكاف من الأعمال الدنيوية.
20 - تقصير كثير من المعلمين في المدارس.
21 - تقصير بعض الدعاة ورجال الحسبة.
22 - السفر إلى بلاد الخلاعة والمجون.
23 - تشجيع المجتمع لبعض أنواع الإنحراف والمنحرفين.
24 - سوء خلق بعض المتدينين وغلظتهم.
25 - قسوة الوالد على أبنائه.
26 - التدليل الزائد من قبل الوالدين، والوالدة بالأخصّ.
27 - وجود الخادمات بصورة غير لائقة في البيت.
28 - تبرج النساء وتهتكهن في الشوارع والأسواق.
29 - إختلاط الرجال بالنساء في الأماكن العامة وبعض دوائر العمل.
30 - سيطرة النظرة المادية البحتة والتخلي عن القيم والأخلاق.
31 - الجهل.
ثانياً: مظاهر إنحراف الشباب
1 - التهاون بالشعائر التعبدية وأولها الصلاة.
2 - التميع وعدم الجدية.
3 - إهدار الأوقات وعدم تقدير قيمة الزمن.
4 - الإسراف والتبذير.
5 - الكبر والغرور.
6 - إرتكاب الفواحش كالزنا واللواط.
7 - عقوق الوالدين.
8 - التدخين.
9 - تعاطي المسكرات والمخدرات.
10 - تقليد أهل الفساد من المشهورين.
11 - المعاكسات الهاتفية.
12 - التشبه بأهل الكفر في ملابسهم وكلامهم ومشيتهم وحركاتهم ورقصهم وقصات شعرهم ومجونهم.
13 - حب الراحة وعدم الصبر على العمل الجاد المثمر.
14 - الكبر والغرور والتعالي على الآخرين.
15 - سوء الخلق وعدم إنزال الناس منازلهم.
============
كيف ندعو غير المسلمين إلى الإسلام
مكتب الدعوة والإرشاد بالبطحاء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:(11/142)
فقد أرسل الله سبحانه وتعالى نبيه محمد داعياً ومبشراً ونذيراً فلقد كان من مهامه الأساسية الدعوة كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً [الأحزاب:46،45] فقام بها رسول الله خير قيام مبلغاً للرسالة ومؤدياً للأمانة وناصحاً للأمة ومجاهداً في الله حق جهاده حتى لقي ربه وقد دانت الجزيرة كلها لدعوة التوحيد، وتاركاً جيلاً أبياً من الصحابة رضوان الله عليهم الذين ساروا على ماتلقوه عنه وما حادوا عنه قيد أنملة، فبذلوا قصارى جهدهم جماعات وفرادى لنقل نور الإسلام الذي نعموا به إلى جميع الناس خارج الجزيرة العربية. نقلوه في رحلاتهم مخاطرين بأرواحهم في البراري والقفار، ولفظ العديد من الصحابة البارزين أنفاسهم الأخيرة في بلاد بعيدة غريبة وهم ينشرون الإسلام. إنهم بلا شك ضحوا وقدموا الكثير من أجل دينهم وأداءً للأمانة التي حملوها بدون هوادة ولا حدود، وسار على ذلك التابعون لهم بإحسان، ففتحوا البلاد ودانت لهم الدول والممالك وانتشروا في الأرض ولازالت آثار القوم في معظمم بقاع الدنيا شاهدة على وجودهم.
واليوم أخي المسلم يا من تنعم بما قدمه أولئك الأتقياء الأبرار وتعيش موحداً مؤمناً تأتيك أمم الأرض قاطبة تعمل لديك وتسمع توجيهاتك وإرشاداتك ثم تنال نصيبها مقابل جهدها وعرق جبينها من المال.
هل تدرك أن الصراع الفكري في العالم أصبح محتدماً، ولكل مبدأ جماعة إليه، بل تتبناه وتشجعه وتنفق عليه ببذخ في سبيل ذيوعه، وتسخر له أجهزة إعلامها وتخصص له دراسات عالية المستوى؟
بالطبع أنت تدرك ذلك، وتعلم أيضاً أن الإسلام دين عالمي يخاطب البشرجميعاً، ذلك أنه هو الدين الذي جاءت به الرسل وهو الذي ارتضاه الله ديناً للبشرية كما قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:19]، وقوله سبحانه: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]، وقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3].
فلا دين غير دين الإسلام مقبول عند الله، ومعنى ذلك أن المسلم يؤمن إيماناً قاطعاً بأن غير المسلمين على إختلاف أنماطهم وتوجهاتهم مدعوون إلى الإسلام الذي يتضمن عقيدة التوحيد التي جاء بها الرسل وناضلوا أقوامهم عليها، ومن ناحية أخرى فالإسلام نظام كامل للحياة يحدد للشخص هدفاً واضحاً لنشاطه في جميع نواحي الحياة من إجتماعية وإقتصادية وسياسية، فهو رسالة شاملة لكل الأرض أسودهم وأبيضهم عجمهم وعربهم مما يعني أن لا إستغناء للإنسان مهما كان شأنه أومستواه الثقافي أوالإجتماعي عن الإسلام.
إضافة إلى ذلك فإن الدعوة شرف عظيم لهذه الأمة إذ تشارك في مهمة نبيها الشريفة بدعوة الناس إلى إتباع الصراط المستقيم.
وأيضاً فإن القيام بهذه الدعوة هو تحقيق للخيرية التي وصف الله بها هذه الأمة كما قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [آل عمران:110].
نتيجةً لهذا تجد أن جميع أبناء الأمة الإسلامية رجالاً ونساءً مطالبون شخصياً وبدون استثنا ء بنشر دعوة الإسلام بنفس الغيرة والتصميم وحب التضحية التي تخلَّق بها رسول الله وأصحابه.
وبعد هذا كله تسأل نفسك: كيف أدعو الناس للإسلام؟
أولاً: إنك أخي المسلم لابد أن تجعل من نفسك أسوة حسنة ومثالاً يحتذى، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فلقد كان قبل النبوة يسمى الصادق الأمين وبعد النبوة كان خلقه القرآن كما قالت عائشة رضي الله عنها حتى إستحق ثناء خالقه ومرسله جل شأنه في قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].
ولهذا يشدد الله سبحانه وتعالى النكير على أولئك الذين يقولون مالا يفعلون: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:3،2] وقوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [البقرة:44].
إن المسلم مطالب خاصةً المسلم الذي أتاه الله علماً وفهماً وإداركاً أن ينتفع بعلمه وفكره وأن ينفع الناس بذلك.
ولا شك أن هناك صفات ينبغي أن يتحلى بها المسلم ليكون قدوة لغير المسلمين، عندما يرونه يحسون أن الإسلام يتجسد فيه، ومن هذه الصفات أن يُقبل المسلم على نفسه ويجعلها خاضعة لكل ما يتلقى عن الله ورسوله من الأوامر والنواهي، كما أن المسلم مطالب بأن يستسلم لله ويتجرد له ليكون أدعى للقبول.
ثانياً: ومن العوامل الحساسة المهمة التي ينبغي على المسلم إتباعها هو الأسلوب الحسن في نطاق الكتابة والخطابة والتحدث والنقاش، وبالأسلوب يستطيع المسلم أن يصيب الهدف ويبلغ القصد بأقل التكاليف وأيسرها.
إن عرض المسلم لأفكاره ومبادئه بأسلوب شيق جذاب يحبب الآخرين إلى الإسلام فلا ينفرون أويبتعدون، كما أنه ينبغي مخاطبة الناس على قدر عقولهم ومداركهم، فلا يخاطب العمال الكادحين بأسلوب الفلاسفة أصحاب المنطق ولا يناقش الملاحدة الماديين بلسان عاطفي خال من الحجة والبرهان.(11/143)
والنفوس جبلت على حب من أحسن إليها بل وقد تدفعها القسوة والشدة أحياناً إلى المكابرة والإصرار والنفور فتأخذها العزة بالإثم. وليس معنى اللين المداهنة والرياء والنفاق وإنما اللين ببذل النصح وإسداء المعروف بأسلوب دمث مؤثر يفتح القلوب ويشرح الصدر كما قال تعالى موصياُ نبيه موسى وهارون عليهما السلام: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44،43].
ثالثاً: معرفة الشخص المدعو والتعرف على أفكاره ومفاهيمه وتصوراته وعلله ومشكلاته لأن ذلك وسيلة إلى التعرف على المنافذ التي تنفذ إلى نفسيته.
إن المسلم في الحقيقة هو مشخص للمرض ومقدم للعلاج لمن يحتاح إليه، كما أنه لاينتظر أن يأتي إليه الناس بل إنه يسعى إلى البحث عنهم وزيارتهم بين وقت وآخر وفي فترات مناسبة لهم بل ودعوتهم في مختلف المناسبات والمشاركة في أفراحهم وأتراحهم.
رابعاً: والمسلم في دعوته الناس دائماً يؤكد على معاني العقيدة الإسلامية ويحاول أن يزرع بذرة الإيمان بالله في قلب المخاطب، وأنه هو الخالق الرازق المحيي المميت، وأن هناك حياة بعد الموت، وأن هناك حساباً وعقاباً يثاب فيه المحسن مقابل إحسانه ويعاقب فيه المذنب على إساءته.
فالحديث عن العقيدة الإسلامية وتجلية معانيها وأصولها وما تستلزمه وتتضمنه هو الأساس في دعوة الداعى وهى مما يجب أن يؤكد عليه دائماً ولايغفل عنه مطلقاً لأنها الأصل في الإسلام فإذا استقام له هذا الأصل واستجاب له المدعوون بعد كفرهم سهل عليه إقناعهم بمعاني الإسلام وفروعه.
كما أنه عند الحديث عن واقع المسلمين وممارستهم يحاول المسلم أن يوضح أن ما يصيب المسلمين اليوم من تقهقر وتخلف وما هم فيه من تفكك إنما هو بسبب بعدهم عن الإسلام.
وإن إدراك المدعو إلى الإسلام لأصول العقيدة الإسلامية ومعرفته شروط لا إله إلا الله يسهل أمر تعليمه وتدريسه بقية أصول الإسلام وأركانه بل ويساعد على تحفيظه القرآن الكريم.
خامساً: إن المسلم مأمور بالصبر على الدعوة فهو لا يستعجل نتائج دعوته عندما يدعو الناس إلى الإسلام، كما أن اليأس لايعرف إلى قلب المسلم سبيلاً ولا يمكن أن يصيبه الوهم إذا تأخر ظهور النتائج المرجوة من الجهود التي بذلها في سبيل دعوة الآخرين إلى الإسلام، ومن الصبر على الدعوة أن يقوم بواجب النصيحة في المواقع التي تجب فيها النصيحة وتنفع فيها الكلمة الحقة دون خوف من الناس مصداقاً لقوله تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29].
سادساً: إن المسلم مأمور بالتضحية في سبيل الله، التضحية بالوقت.. التضحية بالجهد.. التضحية بالكفاءة الفكرية والمكانة الإجتماعية والتضحية بالمستقبل اللامع والتضحية بالأماني والآمال، يقتدي بذلك بسلف الأمة الذين ضربوا أروع أمثلة التضحية في كل ما قاموا به في سبيل الدعوة.
فما أحرى الأحفاد أن يسلكوا سبيل الأجداد السابقين، إنه لن تقوم للمسلمين قائمة ما لم يتصفوا بهذه الصفة الكريمة - التضحية - ذلك أنهم في حالة فقدانها فإن هذا يعني التسابق على الدنيا والتعلق بالأمور السافلة، ذلك أن التضحية بمعناها الحقيقي هو أن يرسم في ذهن المسلم مفهوم تقديم مصلحة الإسلام على كل مصلحة والعيش بالإسلام تحت أية ظروف، لا تلهيه تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة والجهاد في سبيل الله.
إن قلوب المسلمين لاينقصها التحمس للدين والفضيلة كما لا يروقها ما ترى من عمليات الهدم والتضليل التي يتعرض لها الإسلام، وكذا فهم حريصون كل الحرص على الإسلام ولكنهم يحتاجون إلى من يشرح لهم الدليل ويوضح السبيل. فما أحراك أخي المسلم أن تكون القائد الذي يريهم السبيل ويبين لهم الدليل فتكون بذلك قد ساهمت في مواجهة المخاطر التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون في أنحاء الأرض وتكون قد دفعت عن المسلمين شراً كبيراً وفتحت لهم باباً واسعاً بدعوة من يأتيك إلى الإسلام.
إنه - بالتأكيد - بالمساهمات البسيطة الجادة تبلغ الأمة أملها المنشود في العزة والسؤدد والحضارة والمجد وتنال الأجر العظيم من الله في يوم أنت أحوج ما تكون فيه إلى العون.
وينبغي للمسلم أن يستفيد مما كتبه أصحاب التجربة في هذا المجال كالكتب التالية:
1 ــ ( الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ) [عبدالعزيز بن عبدالله بن باز].
2 ــ ( تذكرة الدعاة ) [البهي الخولي].
3 ــ ( تذكرة الدعاة ) [أبو الأعلى المودودي].
4 ــ ( كيف ندعو الناس ) [عبدالبديع صقر].
5 ــ ( الدعوة إلى الإسلام ) [مناع القطان].
6 ــ ( رجال الفكر والدعوة في الإسلام ) [أبو الحسن الندوي].
7 ــ ( مذكرات الدعوة والداعية ) [حسن البنا].
8 ــ ( الدعوة الإسلامية الوسائل والخطط والمداخل ) [الندوة العالمية للشباب الإسلامي].
9 ــ ( واجب الشباب المسلم ) [أبو الأعلى المودودي].
10 ــ ( أصول الدعوة ) [عبدالكريم زيدان].
وفقنا الله وإياك لما يرضيه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
===============
يا بني إنني أمك
عبدالملك القاسم
دار القاسم
الحمد لله فارج الهم، وكاشف الغم، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وبعد:
يا بني.. هذه رسالة مكلومة من أمك المسكينة.. كتبتُها على استحياء بعد تردد وطول إنتظار.. أمسكتُ بالقلم مرات فحجزته الدمعة! وأوقفتُ الدمعة مرات، فجرى أنين القلب.
يا بني.. بعد هذا العمر الطويل أراك رجلاً سوياً مكتمل العقل، متزن العاطفة.. ومن حقي عليك أن تقرأ هذه الورقة وإن شئت بعدُ فمزقها كما مزقت أطراف قلبي من قبل!(11/144)
يابني.. منذ خمسة وعشرين عاماً كان يوماً مشرقاً في حياتي عندما أخبرتني الطبيبة أني حامل! والأمهات يا بني يعرفن معنى هذه الكلمة جيداً! فهي مزيج من الفرح والسرور، وبداية معاناة مع التغيرات النفسية والجسمية. وبعد هذه البُشرى حملتُك تسعة أشهر في بطني فرِحةً جذلى؛ أقوم بصعوبة، وأنام بصعوبة، وآكل بصعوبة، وأتنفس بصعوبة. لكن ذلك كله لم ينتقص من محبتي لك وفرحي بك! بل نَمَت محبتُك مع الأيام، وترعرع الشوق إليك!
حملتك يا بني وهناً على وهن. وألماً على ألم.. أفرح بحركتك، وأُسر بزيادة وزنك، وهي حمل عليَّ ثقيل!
إنها معاناة طويلة أتى بعدها فجر تلك الليلة التي لم أنم فيها ولم يغمض لي فيها جفن، ونالني من الألم والشدة والرهبة والخوف ما لا يصفه قلم، ولا يتحدث عنه لسان.. إشتد بي الألم حتى عجزت عن البكاء، ورأيت بأم عيني الموت مرات عديدة! حتى خرجت إلى الدنيا فامتزجت دموع صراخك بدموع فرحي، وأزالت كل آلامي وجراحي، بل حنوت عليك مع شدة ألمي وقبَّلتُك قبل أن تنال منك قطرة ماء!
يا بني.. مرت سنوات من عمرك وأنا أحملك في قلبي وأغسلك بيدي، جعلت حجري لك فراشاً، وصدري لك غذاء.. سهرت ليلي لتنام.. وتعبت نهاري لتسعد.. أمنيتي كل يوم أن أرى ابتسامتك.. وسروري في كل لحظة أن تطلب شيئاً أصنعه لك، فتلك هي منتهى سعادتي!
ومرت الليالي والأيام وأنا على تلك الحال خادمة لم تقصر، ومرضعة لم تتوقف، وعاملة لم تسكن، وداعية لك بالخير والتوفيق لا تفتر، أرقبك يوماً بعد يوم حتى اشتد عودك، واستقام شبابك، وبدت عليك معالم الرجولة، فإذا بي أجري يميناً وشمالاً لأبحث لك عن المرأة التي طلبت!
وأتى موعد زواجك، واقترب زمن زفافك، فتقطع قلبي، وجرت مدامعي، فرحة بحياتك الجديدة، وحزناً على فراقك! ومرت الساعات ثقيلة، واللحظات بطيئة، فإذا بك لست ابني الذي أعرفك، اختفت ابتسامتك، وغاب صوتك، وعبس محياك، لقد أنكرتني وتناسيت حقي! تمر الأيام أراقب طلعتك، وأنتظر بلهف سماع صوتك. لكن الهجر طال والأيام تباعدت! أطلت النظر على الباب فلم تأت! وأرهفت السمع لرنين الهاتف حتى ظننت بنفسي الوسواس! هاهي الليالي قد أظلمت، والأيام تطاولت، فلا أراك ولا أسمع صوتك، وتجاهلت من قامت بك خير قيام!
يا بني لا أطلب إلا أقل القليل.. إجعلني في منزلة أطرف أصدقائك عندك، وأبعدهم حظوة لديك! إجعلني يا بني إحدى محطات حياتك الشهرية لأراك فيها ولو لدقائق..
يابني.. إحدودب ظهري، وارتعشت أطرافي، وأنهكتني الأمراض، وزارتني الأسقام.. لا أقوم إلا بصعوبة، ولا أجلس إلا بمشقة، ولا يزال قلبي ينبض بمحبتك!
لو أكرمك شخص يوماً لأثنيت على حسن صنيعه، وجميل إحسانه.. وأمك أحسنت إليك إحساناً لا تراه ومعروفاً لا تجازيه.. لقد خدمتك وقامت بأمرك سنوات وسنوات! فأين الجزاء والوفاء؟! ألهذا الحد بلغت بك القسوة وأخذتك الأيام؟!
يا بني.. كلما علمت أنك سعيد في حياتك زاد فرحي وسروري.. وأتعجب وأنت صنيع يدي. أي ذنب جنيته حتى أصبحت عدوة لك لا تطيق رؤيتي وتتثاقل زيارتي؟! هل أخطأت يوماً في معاملتك، أو قصرت لحظة في خدمتك؟! إجعلني من سائر خدمك الذين تعطيهم أجورهم.. وامنحني جزءاً من رحمتك. ومُنَّ عليَّ ببعض أجري.. وأحسن فإن الله يحب المحسنين! يا بني أتمنى رؤيتك لا أريد سوى ذلك! دعني أرى عبوس وجهك وتقاطيع غضبك.
يا بني.. تفطر قلبي، وسالت مدامعي، وأنت حي ترزق! ولا يزال الناس يتحدثون عن حسن خلقك وجودك وكرمك!
يا بني.. أما آن لقلبك أن يرق لامرأة ضعيفة أضناها الشوق، وألجمها الحزن! جعلت الكمد شعارها، والغم دثارها! وأجريت لها دمعاً، وأحزنت قلباً، وقطعت رحماً..
يا بني هاهو باب الجنة دونك فاسلكه، واطرق بابه بابتسامة عذبة، وصفح جميل، ولقاء حسن.. لعلي ألقاك هناك برحمة ربي كما في الحديث: { الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب، أو احفظه } [رواه أحمد].
يابني أعرفك منذ شب عودك، واستقام شبابك، تبحث عن الأجر والمثوبة، لكنك اليوم نسيت حديث النبي : { إن أحب الأعمال إلى الله الصلاة في وقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله } [متفق عليه]، هاك هذا الأجر دون قطع الرقاب وضرب الأعناق، فأين أنت من أحب الأعمال؟!
يا بني إنني أُعيذك أن تكون ممن عناهم النبي بقوله: { رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه } قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: { من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة } [رواه مسلم].
يا بني.. لن أرفع الشكوى، ولن أبث الحزن، لأنها إن ارتفعت فوق الغمام، واعتلت إلى باب السماء أصابك شؤم العقوق، ونزلت بك العقوبة، وحلت بدارك المصيبة.. لا، لن أفعل.. لا تزال يا بني فلذة كبدي، وريحانة فؤادي وبهجة دنياي!
أفق يا بني.. بدأ الشيب يعلو مفرقك، وتمر سنوات ثم تصبح أباً شيخاً، والجزاء من جنس العمل.. وستكتب رسائل لابنك بالدموع مثلما كتبتها إليك.. وعند الله تجتمع الخصوم!
يا بني.. إتق الله في أمك.. { والزمها فإن الجنة عند رجلها } كفكف دمعها، وواس حزنها، وإن شئت بعد ذلك فمزق رسالتها!
يا بني أن من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها..
==============
رسالة إلى التاجر المسلم
فؤاد الشلهوب
دار القاسم
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد:(11/145)
فمن نعم الله على عباده أن أحل البيع وأباحه لهم، وحرم عليهم الربا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275].
وفي البيع تحصيل لمنافع عظيمة يحتاجها الناس في حياتهم، لأن الناس لابد وأن تتعلق نفوسهم بما في يد الغير، فكان البيع هو الوسيلة التي أباحها الله لعباده لكي يصلوا إلى ما يريدون، وهو بذل الثمن لتملك المثمن.
وحديثنا هنا نخص به التاجر المسلم: الذي اختار البيع والشراء وسيلة لكسب المال، وأنعم بها من وسيلة، فالنبي اشتغل بالتجارة مدة من الزمن، وكثيرٌ من الصحابة كانوا تجاراً كأبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم. ولم تكن تلك التجارة أو الأموال التي اكتسبوها مانعة لهم من إقامة شعائر الله أو التفريط فيها، بل بذلوها رخيصة لدين الله وفي سبيله، فلم تكن الدنيا قطٌ في قلوبهم بل كانت في أيديهم، ولا أدل على ذلك إلا فعل أبي بكر عندما جاء بكل ماله لرسول الله متصدقاً به يرجو الثواب من الله عز وجل، فقال له رسول الله : { ماذا تركت لأهلك؟ } قال: تركت لهم الله ورسوله [رواه أبو داود:1678].
وكذلك عثمان له في هذا قصص مشهورة ومن أعظمها بذل كثير من ماله لتجهيز جيش العسرة، حتى قال له رسول الله : { ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم } مرتين [رواه الترمذي وقال: حسن غريب من هذا الوجه].
أخي التاجر المسلم: لما أُخاطبك بالتاجر المسلم، أعني أنك لست كالتاجر الكافر همّه كيف الحصول على المال بأي وسيلة كانت، وكيف يخرج المال من جيوب الناس.. ولما أُخاطبك بالتاجر المسلم فإنني أخاطب فيك إسلامك وإيمانك، لأن الشواهد والتجارب أكدت على أن من لم يكن عنده دين، لا يتوانى عن ركوب كل طريق حتى يحصل على المال، مهما كانت الوسيلة وهل هي مشروعة أو غير مشروعة، وهل هي مفسدة للقيم والأخلاق أو غير مفسدة، المهم عنده الحصول على المال بأي ثمن.
ولذا فإننا نوجه لإخواننا التجار نصيحة نرجو أن تنير لهم الطريق، وتقوم المعوج، وترشد الضال إلى سواء السبيل. فأقول مستعيناً بالله:
أيها التاجر المسلم عليك بالنصيحة للمسلمين، وعدم غشهم، ومن صور النصيحة التي تبذلها للناس. الربح المعقول الذي لا يشق على المشتري، وإخباره عن جودة السلعة وعدم المبالغة فيها، وعدم كتمان عيوبها، فإن كتمان العيب في السلعة غشٌ لا يرضي الله عز وجل، وهو ممحق لبركة البيع، نازعٌ لها، قال : { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعها } [رواه البخاري:2110، ومسلم:1532].
وقم بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنها من أعظم القرب، وليكن أمرك ونهيك ودعوتك بالحسنى وبالقول الحسن، وعليك بلين الكلام فإنه طريق لفتح قلوب الأبواب المغلقة. وطرق الدعوة كثيرة، كالتذكير بالله لمن يأتيك في متجرك، أو توزيع الكتب والأشرطة... إلخ.
وعليك بصدق الحديث، وحسن المعاملة: فإن من اتقى الله، وصدق الناس، وأحسن إليهم نال رضا الله، وجعله الله محبوباً إلى الخلق، ورزقه من حيث لا يحتسب.
وأقل الناس إن هم اشتروا من عندك سلعة ثم ندموا فإن كثيراً من الناس قد يشترون شيئاً ثم يندمون عليه، ويتحسرون، ويتمنون أنهم لم يشتروه، فإن جاءوك ليردوا ما أخذوه وكان سليماً، فاعذرهم واردد لهم أموالهم، ولا تجبرهم على الشراء مما عندك فقد لا يريدونه، ولا يغلبنك حب الدنيا على نفع الناس، والحق أنك تنفع نفسك. قال : { من أقال مسلماً أقال الله عثرته } [رواه أبو داود:3460].
وكن سمحاً في البيع والشراء، وأنظر المعسر، وتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنك في وقت أنت أحوج ما تكون إلى تجاوز الله عنك. قال : { رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى } [رواه البخاري:2076]. وقال : { كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسراً قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه } [رواه البخاري:2078، ومسلم: 1562] وقال : { من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله.. } الحديث. [رواه مسلم:3014].
أد زكاة مالك. فهو حق الله لا لك، فإنك إن فعلت أطعت ربك، وبارك لك في مالك، وإن عصيته وحبست حق الله عليك، نزعت البركة منه، ويكون وبالاً عليك في الدنيا والآخرة، ونالك ما نال الذي يكنز الذهب والفضة، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:35،34].
ثم إنك بمنعك زكاة مالك - حق الله عليك - تكون قد أسأت إلى خلق الله، لأنك كنت سبباً في منع الغيث من السماء، قال {.. ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا..} [رواه ابن ماجه:4019، وقال الألباني حسن: برقم 3262].
إنفع نفسك بالإنفاق في سبيل الله، فإنك إن بذلت مالك لوجه الله، وأنفقته في سبيله، تنفع نفسك ويقربك عند مولاك، وليس لك من مالك إلا ما أنفقته في سبيله. فعن عبد الله بن الشخير قال: ( أتيت النبي وهو يقرأ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ )، قال: ( يقول ابن آدم: مالي، مالي ) قال: { وهل لك يا ابن آدم من مالك، إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت } [رواه مسلم:1631].(11/146)
واحذر: من إضاعة الصلاة لأجل كسب بضعة ريالات، فإن الدنيا لا تسوى عند الله جناح بعوضة، فإذا أُذن للصلاة فاترك الدنيا الزائلة وراء ظهرك، واطلب الآخرة الدائمة التي لا تزول. ومن تشاغل عن الصلاة بالبيع والشراء فقد أثم ووقع في المحرم. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9] وهذا الحكم ليس في الجمعة فحسب، بل أي تجارة ألهت عن صلاة فهي محرمة.
واحذر: من الغش فإنه مقيت، والغاش متوعد على لسان رسولنا { من غش فليس مني } [رواه مسلم:102].
ولا شك أن الغش من كبائر الذنوب. وصور الغش كثيرة، والتجار أعلم بها من غيرهم، والله مطلع على السرائر، فليحذر التاجر من يوم تبلى فيه السرائر، فما كان مخفياً في الدنيا يظهره الله يوم القيامة.
واحذر الربا فإنه بئس المكسب وبئس المنقلب: يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:276].
وقال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275].
وعن جابر قال: ( لعن رسول الله : آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه وقال: هم سواء ) [رواه مسلم:1598]. وصور الربا كثيرة، ولا تقل من عندك نفسك هذه الوسيلة الفلانية جائزة ولا شيء فيها أو نحو ذلك، بل ارجع الى أهل العلم الراسخين فيه، واسألهم: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7]. ولا تتشبث بفتوى أنصاف العلماء وأحذرهم، وأنجو بنفسك ان أردت لها الفلاح.
واحذر: من بيع العينة فإنها محرمة على لسان رسول الله فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله يقول: { إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم } [رواه ابو داود:3462وصححه الألباني].
وصورة العينة: أن يبيع شخص سلعة على شخص آخر بثمن مؤجل، ثم يشتريها منه بثمن حال أقل من المؤجل. مثال ذلك: أن يبيع شخص على آخر سيارة بعشرين ألفا الى أجل، ثم يشتريها منه بخمسة عشر ألفاً حالة يسلمها له، وتبقى العشرون الألف في ذمته الى حلول الأجل، فيحرم ذلك، لأنه حيلة يتوصل بها الى الربا، فكأنه باع دراهم مؤجلة بدراهم حالة مع التفاضل، وجعل السلعة حيلة فقط. [الملخص الفقهي:2/13 للشيخ صالح الفوزان].
واحذر: من بيع محرم النفع، أو مما يستعان به على معصية الله، فإن هذا البيع محرم، وهو من التعاون على الإثم والعدوان: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
وهذا البيع، كبيع الخمر، وبيع آلات اللهو، والدخان، ومن كان مثلها في التحريم.
ولا تبع على بيع أخيك، أو تشتري على شراءه، فإن هذا يجلب العداوة والبغضاء بين المسلمين، ويفرق فيما بينهم، وفوق ذلك أنه محرم، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: { لا يبيع بعضكم على بيع أخيه } [رواه البخاري:2139].
ومثال البيع على البيع: أن يشتري زيد من عمرو سيارة بعشرة آلاف، فيذهب رجل إلى زيد ويقول له أنا أعطيك أحسن منها بتسعة، أو مثلها بثمانية، ونحو ذلك.
ومثال الشراء على الشراء: أن يبيع زيد على عمرو سلعة بتسعة، فيأتي رجل آخر ويقول لزيد - البائع: أنا أعطيك فيها عشرة، أو نحو ذلك. وكل هذا محرم، والشراء داخل في البيع.
واحذر من النجش: فهو ظلم وعدوان، قال رسول الله : { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا } [البخاري:6066].
والنجش: هو الزيادة في قيمة السلعة مع عدم الرغبة في الشراء، حتى ترتفع قيمة السلعة. وهذا فيه تغرير بالمشتري وخديعته وإضرار به. وهذا يقع كثيراً اليوم وخصوصاً في ( حراج السيارات ).
ومن صور النجش المحرم أن يقول صاحب السلعة: ( أُعطيت بها كذا وكذا ) وهو كاذب، أو يقول: ( اشتريتها بكذا ) وهو كاذب.
ومن صور النجش المحرم أن يقول صاحب السلعة: ( لا أبيعها إلا بكذا أو كذا ) لأجل أن يأخذها المشتري بقريب مما قال، كأن يقول في سلعة ثمنها خمسة: ( أبيعها بعشرة، ليأخذها المشتري بقريب من العشرة ) [انظر الملخص الفقهي:2/19 للشيخ: صالح الفوزان] قلت: وهذا منتشر الآن بين البائعين إلا من رحم الله.
ولا تحلف بالله كذباً وزوراً، من أجل متاع من الدنيا قليل، فإنه أكل لأموال الناس بالباطل، وظلم لهم، وجنب نفسك سخط ربك عليك قال : { من حلف على يمين يقتطع بها مال امريء مسلم هو عليها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان } [رواه البخاري:2357، ومسلم:138]، وقال : { إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق } [رواه مسلم:1067] وقال : { ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم } قال: فقرأها رسول الله ثلاث مرات. قال أبو ذر رضي الله عنه: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: { المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب } [رواه مسلم:106].(11/147)
واحذر من التعرض لأعراض المسلمين، فإنه بئس البضاعة عند العرض على الله. فإن من الباعة من لا يخاف الله في نساء المسلمين، فيحاول التغرير بهم، أو إستدراجهم، حتى ينال منهن ما يريد، وليحذر سخط الجبار فإنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ألا فليتق الله ذلك البائع، وليعلم أن أعراض المسلمين حرام عليه، قال : { فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.. } [رواه البخاري:67، ومسلم:1679]. وأن أذيتهم محرمة قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً [الأحزاب:58].
ولا تجلب الفساد والشر إلى بلاد المسلمين. فإن إثمها ووزرها عليك، وهو من غش المسلمين وعدم النصيحة لهم. كاستيراد الملابس التي تكشف العورات والسوآت، أو جلب المشروبات أو المطعومات المحرمة، أو جلب الأفلام الخليعة والصور الماجنة... إلخ.
واحذر من بيع المباح إذا علمت أنه يستعمل في معصية الله: كبيع العصير لمن يتخذه خمراً، أو بيع السلاح لمن يقتل نفساً معصومة، أو بيع ( الأشرطة ) لمن ( ينسخ ) عليها الأغاني أو الكلام الخليع. وهذا كله داخل في قوله تعالى: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
وإياك والتطفيف في الميزان، فإن فيه نزلت سورة قال الله تعالى في مطلعها: وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:1-6].
والتطفيف هنا هو بخس الناس حقوقهم في المكيال والميزان ظلماً وعدواناً، فتوعدهم الله بهذا الوعيد الشديد.
واحذر من التغرير بالناس، بأي نوع من أنواع التغرير، وكثير من المسابقات التي تعمل الآن من قبل المحلات التجارية، هو خداع للناس، وأكل لأموالهم بالزور، لأن المشتري ما اندفع لشراء السلعة إلا طمعاً في نيل الجوائز المعروضة فيجتهد هذا المسكين مخرجاً ما في جيبه لشراء شيئاً قد لا يحتاجه، أملاً في حلم قد يتحقق وقد لا يتحقق فاتقوا الله يا أيها التجار في خلق الله.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين - رحمه الله - سؤال هذا نصه: هل يجوز أن أعلن للجميع أن من يشتري من عندي سيارة يحصل على رقم ولمدة محدودة، وبعدها يجعل سحب على هذه الأرقام، فالذي يسحب رقمه يحصل على جائزة قيمة، وبذلك أرغب في بضاعتي ويكثر زبائني. أفتونا عن هذه الطريقة جزاكم الله خيراً؟
فأجاب: هذا لا يجوز لأنه إما قمار أو شبيه به، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90]. والميسر هو القمار الذي يكون الداخل فيه بين غانم وغارم [فقه وفتاوى البيوع:ص414].
أخي التاجر:
ما أتتك هذه الأموال إلا من فضل الله ومنَّه وتوفيقه وتسديده فاشكر الله على هذه النعمة ولا تكفر بها ولا تكن كمن قال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78] ومن أعظم شكر هذه النعمة جمعها من حلال ووضعها في حلال وصرفها في الحلال.
وختاماً: أسأل مولانا الجليل، أن يغفر لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة وأن يجعل ما بيدك من زينة الدنيا عوناً لك على الطاعة وأن يبارك في أموالك وأولادك، إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
=============
يا أبتِ
عبداللطيف الغامدي
دار القاسم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
يا أبت هذه رسالتي إليك أبث فيها همومي وأرسل عبرها شكواي وأسطر فيها آمالي وآلامي... يا أبتي جزاك الله خيراً ورفع قدرك ورزقني برك وطاعتك وجعل الجنة مثواك.
أين أنت يا أبتاه
يا أبتي: استمع إلى شكواي أبثها إليك.. ومشكلتي أضعها بين يديك.. فمشكلتي.. يا أبتي.. أنك مشكلتي.. فأين أنت.. يا أبتاه؟! البيت الذي بنيته.. يناديك.. عشك الذي رعيته.. يناجيك.. إبنك الذي نسيته.. يبحث عنك.. ليدنو منك.. أعمالك.. شركاتك.. عقاراتك.. رفاقك.. إنهم جميعاً ألد أعدائي.. لأنهم أخذوك مني وأبعدوك عني.. بالرغم من علمي أنك لا تعمل بها ولا فيها إلا من أجلي وإخوتي ولكن يا أبتي { إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولولدك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه } { وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت }.
مطالب الروح:
يا أبتي: دعني أقدم لك الشكر كله على ما بذلته من أجلي وفي سبيل راحتي وسعادتي.. فأنت قد جلبت لي أفضل المطايب والمشارب والمراكب.. وأسكنتني أجمل وأهنأ المساكن.. وبذلت لي أسباب الراحة والرفاهية على قدر جهدك وطاقتك.. ولكن.. يا أبتي... قد قصّرت في أهم الجوانب وأعظم المطالب.. إنها مطالب الروح والقلب والإيمان، وكل هذه الأمور غذاؤها الطاعة وزادها التقوى ووقودها العبادة، وبلسمها العمل الصالح.
فهل قمت بحقوقها كما قمت بحقوق الجسد؟!(11/148)
فمتى أخذت بيدي يوماً وذهبت بي إلى محاضرة قيمة يزداد فيها علمي وعملي..؟! ومتى دخلت عليّ يوماً بشريط إسلامي مفيد يعمر به وقتي وتكثر به حسناتي؟! ومتى أهديتني كتاباً دينياً يأخذ بيدي في دربي في هذا الزمان الذي كثرت ظلماته وأدلهمت شبهاته وشهواته؟؟ ومتى ألصقت قدمي بقدمك وكتفي بكتفك لأداء الصلاة امتثالاً لأمر الله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132]. فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ [النور:36]. والتزاماً بأمر رسول الله : { مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها }؟! ومتى حفّظتني القرآن؟! ومتى فقّهتني في الدين؟!
قال رسول الله : { إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيّع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته }.
تهيئة جو المعصية:
يا أبتي: هل رأيت يوماً قارباً صغيراً تصارعه أمواج البحر في عتو واستكبار؟؟ أو أبصرت زهرة ندية تقاوم ـ على ضعفها ـ سطوة إعصار؟! أو لمحت طائراً ضعيفاً مكسور الجناح تطارده سباع وضباع في نهم وسعار؟؟ إني ـ يا أبتي ـ أضعف من هؤلاء جميعاً في جو من الفتن والشهوات والشبهات الذي أعيشه ليلاً ونهاراً.. فالعين لا ترى إلا ما يسحرها.. والأذن لا تسمع إلا ما يطربها.. والجوارح لا تعيش إلا ما يغريها.. والقلب لا يشعر إلا بما يفتنه.. والعقل لا يدرك إلا ما يغسله..
لقد هيأت لي ـ يا أبتي ـ جو المعصية وأحطتني بسياج الخطيئة، فتنفست رائحة الشهرة في الشهيق فأخرجت ذلك معصية لله تعالى مع الزفير.. إن قنوات التلقي عندي لا تلتقط إلا ما يفتن فأصبح البث ممزوجاً بالخطايا والرزايا والبلايا. ألقيتني ـ يا أبتي ـ في بحر الشهوات ولم تلبسني طوق نجاة ثم تريدني بعد ذلك أن أكون ملكاً معصوماً!! هيهات.. هيهات..
يا أبتي: إني لا أريد أن أكون خصيماً لك يوم القيامة يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:89،88]. فأمسك بتلابيبك يوم القيامة يوم الحسرة والندامة فأقول: يا رب خذ لي مظلمتي من والدي.. يا رب إنه رآني على المعصية فلم ينهني.. يا رب إنه أبصرني محجماً عن المعروف فلم يأمرني.. يا رب إنه بذل لي أسباب المعصية، وزين في عيني الخطيئة وألقاني في نار الشهوات، فأحرقت إيماني والتهمت حسناتي وقد قال رسول الله : { مثل الذي يعين قومه على غير الحق، مثل بعير تردى وهو يجر بذنبه }.
يا أبتي: إني أمانة في عنقك.. وأنت مسؤول عني أمام ربي وربك.. قال رسول الله : { كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته }. فاشغلني بطاعة الله حتى لا أشغل نفسي بمعصيته.. استعملني في مرضاة الله حتى لا أقع فيما يغضبه.. سخرني في قربات الله كي لا أجترح ما يسخطه..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
يا أبتي: برّني صغيراً حتى أبرّك كبيراً. ولا تعقني صغيراً كي لا أعقك كبيراً فكما تدين تدان، وماتزرعه اليوم تحصده غداً، ومن أراد النجاة أخذ بأسبابها.
مخالفة الفعل للقول:
يا أبتي: إنني أعيش في تخبط عجيب وصراع غريب.. وذلك لأني أراك.. تأمرني بأمور أنت لا تفعلها.. وتنهاني عن أمور أنت ترتكبها..؟!
فهل تريدني أن أقتدي بأقوالك أو بأفعالك التي بينها بعد المشرقين..؟ فأنت تأمرني بالصدق وتحثني عليه، وترغبني فيه، وتحذرني من الكذب وتنهاني عنه.. وأراك في مواضع كثيرة تمارس ما نهيتني عنه وحذرتني منه..؟؟ فتكذب تارة بل وتأمرني بالكذب تارة أخرى..؟؟ فهل تذكر ـ يا أبتي ـ عندما طرق علينا طارق يريدك ويبغيك فأمرتني أن.. أقول له: إن والدي غير موجود..؟؟ فألزمتني أن أقول بلساني ما تكذبه عيني.. وأتحدث بفمي ما يأباه قلبي.. ويغضب ربي..
وتأمرني ـ يا أبتي ـ بأن آكل الحلال، وأكون أبعد ما أكون عن الحرام، وتحدثني بقول المصطفى : { كل جسد نبت من السحت فالنار أولى به }. وإذا بك ترسلني كي أشتري لك علبة دخان أو أوقد لك مئذنة الشيطان.
لقد أصبحت المثل والقيم التي تعلمني إياها في نظري كلاماً نظرياً لا يمت للواقع بصلة: فقد ألفيتني أتعلم منك كلاماً في الصباح وأرى ما يخالفه أفعالاً في المساء..؟؟ فبماذا أقتدي؟؟ أبأقوالك أم بأفعالك؟! بحديثك أم سلوكك؟؟ بكلامك أم بصفاتك؟؟
ولا تلمزوا أنفسكم:(11/149)
يا أبتي: قرأت في كتاب الله أن الله قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11]. فلماذا أسمع منك تلك العبارات الغشاشة، والألفاظ القبيحة، والأوصاف الجارحة التي تشتمني بها؟! فلماذا تسخر من هفواتي؟ وتهزأ من سقطاتي؟ فلماذا تلمزني بالألقاب؟ وتسخر مني وتزدريني لأتفه الأسباب؟ فإذا أخذت قلماً من جيبك بدون علمك قلت.. يا سارق..!! وإذا داعبت أخي وأخذت من يده شيئاً.. ولو بالخطأ قلت.. يا محتال..!! وإذا تأخرت يوماً في تنفيذ أمرك لشغل عارض قلت.. يا كسول..!! وإذا ضربت أختي الصغيرة مرة واحدة ناديتني يا شرير..!! وإذا كذبت مرة واحدة ـ ولو مازحاً ـ قلت: يا كذاب..!! أحس كياني تغير، ولوني تبدل، وأحس بحرقة تسري في ضلوعي، وحرارة تسكن في حلقي كمرارة كلماتك الجارحة التي تقذفها كصخور البركان الثائر..!!
يا أبتي: قال رسول الله : { ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء }. والذي يقصم الظهر ـ يا أبتي ـ أني أراك تهزأ بي وتسخر مني وتكيل لي السب والشتم أمام الناس. فأصبح أمامهم منكسراً مهزوم الإحساس فأصبحت النصيحة قبيحة، والتعليم فضيحة..
الشجار والمخاصمة:
يا أبتي: ما زلت أسمع أن البيوت مراتع حنان، وجنان أمان. بيوت تظللها المحبة، وتكتنفها الألفة. ويغشاها الوداد. فلماذا ـ يا أبتي ـ بيننا خلاف ما أسمع وأرى؟! لقد أصبح بيننا ساحة معركة تدور رحاها بينك وبين والدتي لتطحن سعادتنا وأنسنا وبهجتنا، وكأنكما وحشان كاسران يريد كل واحد منهما أن يلتهم الآخر؟!
لماذا ـ يا أبتي ـ لا تكفان عن هذه المخاصمة وهذا الشجار الذي حرق أعصابنا ومزق سعادتنا، وجعل بيتنا جحيماً لا يطاق؟!
إني ـ يا أبتي ـ أحرص الحرص كله على ألا أدخل البيت، بل وأتمنى متى أخرج منه كأسير كبلته القيود وصفدته الأغلال ينتظر متى تحل قيوده ليطلق قدميه للعنان. فإذا خرجت منه تقاذفتني الدنيا فضاقت عليّ بما رحبت، وضاقت عليّ نفسي، وكلّت من المشي قدمي، وتعبت من الهم روحي، عدت إليه مهزوماً مكدوداً مخذولاً كعبد رقيق رد إلى سيده وقد عصاه الدهر كله، فأكون كمن يستجير من الرمضاء بالنار.
فمتى ـ يا أبتي ـ أحس فيه بالأمن الذي أتمناه؟! ومتى...؟!
يا أبتي: وإذا ما جئتني يوماً لتحملني من مستشفى، أو تزورني في سجن، أو تبحث عني بين شلة فاسدة أو في بؤرة فاجرة. أو لتنتشلني من ورطة قاهرة، فلا تلمني ولكن وجه اللوم لنفسك، فإني ضحية الخصام والشجار، كعود هشمته المعاول وألقي في لهيب النار..؟!
موازين مختلفة:
يا أبتي: إني أرتضع منك كل مبدأ تحمله، وكل هدف تعيش له، وكل خلق تتحلى به، وكل سنة تتزين بها. وأحسبني إلا فرعاً في شجرة أنت أصلها..
ينشأ الصغير على ما كان والده *** إن العروق عليها ينبت الشجر
قال رسول الله : { كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه }.
فلماذا ـ يا أبتي ـ ربيتني على مفاهيم مغلوطة وموازين مقلوبة ومقاييس مختلفة، فعشت عليها ووزنت الناس بها وتعاملت مع الأشياء من خلالها..؟! فقد علمتني أن التعامل بالحسنى والأخلاق الطيبة إنما هي سذاجة وحماقة تجر على صاحبها الخسارة والفاقة. وإن الكذب في الحديث والنفاق في المعاملة والتلون في المخاطبة إنما هي سياسة وكياسة. وأن التحايل على الناس وغشهم وسلب ممتلكاتهم نوع من الذكاء والدهاء. وأن الألفاظ الساقطة والحركات البذيئة إنما هي دعابة ولطافة لا ضير فيها ولا تثريب عليها. وأن صدق اللهجة وبذل المهجة إنما هو خيال ويجر إلى وبال. وأن بذل النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهر بالحق إنما هي سلب للحريات وهدر للكرامات وتدخل في حياة الآخرين. فنشأت ـ وللأسف ـ ذكياً غير زكي. وترعرعت ـ ويا للحسرة ـ قوياً غير نقي. وماذا إلا لبذرة فاسدة غرست في أرض طاهرة فأنتجت ثمرة كاسدة كما قال رسول الله : { أيما راع غش رعيته فهو في النار }.
الدعاء عليه:
لماذا ـ يا أبتي ـ عندما أفعل ما يغضبك. وأجترح ما يسخطك ترفع أكف الضراعة إلى الله الذي يسمع من دعاه ويجيب من ناداه. فتدعو عليّ بالويل والثبور وسيئات الأمور، وترجوه أن ينزل بي ما لا ترضاه لأعدى أعدائك فكيف بأقربهم منك وأحبهم إليك؟! قال رسول الله : { ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم }. فلعلها ـ يا أبتي ـ دعوة منك توافق إستجابة من الله وأخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.
والرسول الكريم ينادي مشفقاً في سنته على أمته فيقول: { لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجاب لكم }.
وعليك ـ يا أبتي ـ بالدعاء في آناء الليل وأطراف النهار، في سرك وعلانيتك، في رغبك ورهبك، في عسرك ويسرك، في منشطك ومكرهك، فلعلك ـ يا أبتي ـ ترفع يدك، وتذرف عيناك، ويقشعر جلدك، ويلين قلبك، ويلهج لسانك، فتقول: يا الله.. فيقول لك من يجيب دعوة الداعي إذا دعاه: لبيك يا عبدي.. فتقول: يا رب.. ابني.. ثم ابني.. ثم ابني.. فيقول لك المجيب القريب: قد فعلت، فتكتب لي سعادة في الدنيا والعقبى وذلك هو الفوز العظيم.(11/150)
وقال رسول الله : { ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر }.
الخاتمة:
وفي الختام.. يا أبتي.. وكلكم آبائي. يا من أعطاكم الله الزينة: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف:46]ٍ. وابتلاكم بالفتنة: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]. وخصكم بالوصية: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ [النساء:11]. وحذركم من العداوة: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14]. اتقوا الله فينا.. فنحن فلذات أكبادهم.. ومنشأ أصلابكم.. وامتداد أنسابكم. ونحن أحلام الماضي الغابر، وسعادة الحاضر العابر، وآمال المستقبل السائر. اتقوا الله فينا.. وربونا على حب الله وخوفه والرجاء فيما عنده ومراقبته والوقوف عند حدوده والإذعان لأوامره والتمسك بدينه.
ربونا على منهج الله.. وأدبونا بآداب وشمائل رسول الله . عودونا على الطاعة وعلمونا العبادة. وخذوا بحجزنا عن النار وغذونا بالحلال فنحن نصبر على الجوع والعطش ولكن لا نصبر على النار.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21]. فنكون وإياكم في الجنة في شغل فاكهون على الأرائك ينظرون وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [الصافات:181،180].
============
دعاة ومدعوون
عبدالعزيز السدحان
دار القاسم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
معاشر دعاة الإصلاح:
إن من المعلوم أن هذا الدين قد قام بعد توفيق الله تعالى وعونه على أيدي أناس قد صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ونذروا أنفسهم، ابتغاء مرضات الله وطاعته، لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولذا فتحوا الأمصار، وتشرّف التاريخ بتخليد ذكرهم ومآثرهم على مر العصور.
وأغلب أولئك طائفة من الشباب الذين نشؤوا وترعرعوا على طاعة الله، تدفق الإيمان في قلوبهم تدفق الدم في العروق، والنبي معهم بقلبه وقالبه، يعلمهم ويوجههم، حتى استطاع بفضل الله تعلى ثم بجهاده وجهادهم أن يبلّغ رسالة ربه أتم بلاغ، فبلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلى الله وسلم وبارك عليه وجزاه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
معاشر دعاة الإصلاح:
لما كان الشباب هم عماد الأمم، وعليهم أو بسببهم تقوم الأمم أو تهبط، حرص عليهم النبي ، واهتم بشأنهم، وخصّهم بالذكر في أحاديث كثيرة، فأوصاهم بحفظ الفروج وصيانتها عما حرّم الله تعالى فقال: { يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء } [أخرجه الشيخان عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه] وجاء الأمر بذلك؛ لأن في الزواج عفة للطرفين، وفيه الاستغناء بالحلال عن الحرام، وفيه تكثير لأمة محمد .
ومن وصايا النبي لشباب أمته: حثه على النشأة في طاعة الله ثبت في الصحيح عنه أنه قال: { سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله } ومن ضمن أولئك { شاب نشأ في طاعة الله }.
ومن حرصه على شباب أمته أنه حذرهم من التفريط في ذلك العمر؛ لأنه زمن القوة والاكتمال، أخرج الحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : { اغتنم خمساً قبل خمس ـ وذكر منها ـ وشبابك قبل هرمك } فعدّ رسول الله زمن الشباب غنيمة، وحث على تداركها قبل فواتها؛ وذلك لأن تلك المرحلة يستطيع العبد أن يحصّل فيها ما يعجز بعد فواته.
ومن حرص الشارع الحكيم على تلك المرحلة أنه بين أن العبد مسؤول عنها بعينها، لعظم شأنها. عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : { لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟.. } إلخ الحديث، [أخرجه الترمذي].
معاشر دعاة الإصلاح:
لما كانت مرحلة الشباب أخصب مراحل العمر، ومنها يبني المرء شخصيته، ويشق طريقه في معترك الحياة، اغتنم الصحابة شبابهم في خدمة الإسلام وإعلاء كلمته، والمتأمل في مجتمع شباب الصحابة رضي الله تعالى عنهم يعجب من صادق عزمهم وعلو همتهم، فلقد كان الواحد لا يدخر وسعاً في تقديم النفع للإسلام على حسب طاقته وقدرته.
فمعاذ وابن مسعود وسالم رضي الله عنهم كانوا من القرآء، فكانوا مدارس لإقراء القرآن وتعليمه.
وزيد بن ثابت كان من كتاب الوحي وممن يجيد فهم لغة اليهود فكان ترجماناً لهم.
وعمرو بن سلمة على صغر سنه كان إذا حضرت الصلاة يَؤُم قومه ولا يُؤَم، لضبطه وحفظه كثيراً من آي القرآن الكريم.
وتميز عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما بشدة عنايته بكتابة السنة وتحريرها.
ومالك بن الحويرث يقول: أتينا إلى النبي ونحن شببه متقاربون.. إلى أن قال: فقال : { ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم ومروهم.. } جاؤوا فتعلموا وعلموا، فكانوا رسل تعليم إلى أقوامهم.
وأما في مجال الجهاد والقتال فشجاعة ورباطة جأش لا مثيل لها، فقد فعلوا أموراً تسبق أعمارهم بمراحل كثيرة ولكن:
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام(11/151)
قال سعد بن أبي وقاص رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله يوم بدر يتوارى، فقلت: مالك يا أخي؟ قال: إني أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج؛ لعل الله أن يرزقني الشهادة.
قال: فعرض على رسول الله فاستصغره فرده، فبكى فأجازه، فكان سعد يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره فقتل وهو ابن ست عشرة سنة.
ولم يقف الحد عن مشاركتهم في الغزو فحسب، بل وصل بهم الأمر أن يكونوا رؤوساء في البعوث والسرايا بأمر النبي . فكان عكاشة بن محصن أميراً على أربعين رجلاً في سرية إلى الغمر، وزيد بن حارثه أميراً على سرية الحموم، وعمرو بن العاص أميراً على ثلاث مائة من المهاجرين والأنصار في ذات السلاسل، وأما أسامة بن زيد فكان من القادة الأفذاذ، فعلى صغر سنه إلا أنه تولى قيادة جيش فيه من يفوقه علماً وعمراً.
شاهد المقال: أن أولئك كانوا صغار الأعمار كبار الأقدار، علم الله صدق إيمانهم وإخلاصهم فرفع شأنهم وأعلى مكانتهم.
فكانوا مُثُلاً عُلياً يحتذي بهم المسلمون عامة وناشئهم خاصة، فرضي الله عنهم وجمعنا بهم في دار كرامته، إنه تعالى سميع مجيب.
معاشر دعاة الإصلاح:
لئن كان زمن الصحابة قد تميز عن غيره بسابق الفضل، لوجود النبي بينهم، إلا أن الخير باق في أمة محمد إلى قيام الساعة.
وقد حفظت لنا قصص التاريخ عجائب تذكّر بأمثلة الصحابة رضي الله عنهم في علو الهمة وعزة النفس، فهذا عقبة بن نافع أحد قادة بني أمية يقف رحمه الله تعالى في أقصى المغرب بعد أن خاض بجواده بحر الظلمات المسمى بالمحيط الأطلسي يقف قائلا: ( اللهم رب محمد لولا هذا البحر لفتحت الدنيا في سبيل إعلاء كلمتك، اللهم فاشهد ).
وهذا قتيبة الباهلي الذي توغل في آخر المشرق، وأبى إلا أن يدخل بلاد الصين، فقال له أحد أتباعه محذراً مشفقاً: لقد أوغلت في بلاد الترك يا قتيبة، والحوادث بين أجنحة الدهر تقبل وتدبر، فأجابه قتيبة بقوله الخالد: ( بثقتي بنصر الله توغلت، وإذا انقضت المدة لم تنفع العدة ).
فلما رأى ذلك المحذر عزمه وتصميمه على المضي قال له: اسلك سبيلك يا قتيبة فهذا عزم لا يقله إلا الله.
معاشر دعاة الإصلاح:
ليس نفع الأمة مقصوراً على الجهاد فحسب، بل هناك ثغور كثيرة من التعلم والتعليم والتربية، والبذل والتضحية والفداء كل بحسب جهده.
فعلى شباب الأمة المصلحين أن يضعوا نصب أعينهم تلك الأمثلة من شباب الصحابة رضي الله تعالى عنهم وغيرهم.
تلك الأمثلة التي صنعت على العلم والإيمان، فكانوا قدوات في أقوالهم، وقدوات في أفعالهم وعباداتهم.
كانت هممهم تعلو الجبال. صدقوا الله فصدقهم.
كان الإمام البخاري في أول نشأته وشبابه حريصاً على العلم، وكان مثال القدوة في سمته ودلّه حتى أصبح من أشهر أئمة الإسلام، وكتابه أصح الكتب بعد القرآن، قل مثل هذا من قبله وبعده من الأئمة الأعلام كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، ومن جاء بعدهم وتأخر زمنهم كابن تيمية وغيره.
كانت نشأتهم على علم وبصيرة، فكانوا من آيات الله تعالى بين خلقه، فهنيئاً لهم ولمن تعاهد تعليمهم وتربيتهم فقل لي بربك كم يجري عليهم وعلى معلميهم من الأجر والثواب، فيا معشر من يتولى تربية ناشئة الإسلام أخلصوا النية لله تعالى في أقوالكم وأعمالكم، واجتهدوا وسعكم في إصلاح أولئك النشء، وتنشأتهم تنشئة مستمدة من الهدي النبوي على نهج سلف الأمة، عظّموا أمر الله تعالى في نفوسهم، عظموا جانب المعتقد، حذّروهم من البدع والمنكرات، رسخوا في قلوبهم محبة الله تعالى والعمل لمرضاته واتباع السنة، علموهم سير أولئك الأماجد، وتلك النماذج من شباب الصحابة رضي الله عنهم حبّبوا إليهم مجالس الخير، وحذّروهم من مجالس السوء وأصحاب السوء.
عظموا شأن الوالدين ووجوب البر بهما وخطورة عقوقهما.
معاشر دعاة الإصلاح:
إن من أعظم الأسباب الرئيسية في صلاح الناشئة ونفعهم لمجتمعهم وأمتهم: أن يلتفوا حول علماء الأمة الراسخين، يلتفون حولهم، تزوداً واستشارة ومجالسة، فإلى العلماء يردون، وعنهم يصدرون.
وكيف لا يكون ذلك وقد تعبّدنا الله تعالى بسؤالهم عما أشكل علينا؟ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل: 43] فالقرب من العلماء وسؤالهم عما أشكل وتعسر من أعظم الأسباب في اجتناب الأخطاء أو تقليصها، فالقرب من العلماء غنيمة والبعد عنهم مصيبة.
معاشر الصالحين عليكم بمضاعفة الجهد واحتساب الأجر في رعاية نائشة الإسلام.
فأعداء الخير من الداخل والخارج لا يدخرون وسعاً في عبور القنوات، وتسلق الأسوار، والدخول من كل باب؛ لإفساد المجتمع عامة وشبابه بخاصة.
كونوا على بصيرة.. والبصيرة هي العلم.
احذروا اليأس والقنوط.. احذروا العواطف المبهجة بغير علم، فالعواطف بلا علم تنقلب عواصف، واعلموا أن نجاح دعوة المصلح ليست مرهونة برؤية ثمار دعوته، بل المقصد أن يبذل ما عنده والتوفيق بيد الله وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ [هود: 88].
معاشر المصلحين من يتولى تربية الشباب:
اجتهدوا في دعوة الخير ونشر الخير، وأبشروا وأمّلوا بالأجر من الله والدعاء من الآباء والأمهات.
واعلموا أن أولئك النشء بذرة جعل الله غرسها على أيديكم، فأحسنوا غرسها، وتعاهدوا سقايتها حتى تؤتي أكلها على بصيرة.
فترى الداعية يعلم ونرى الشاعر يعلم والخطيب يعلم والواعظ يعلم.
معاشر المصلحين:
لينوا في أيدي ناشئتكم، وكونوا قدوة بأقوالكم وأفعالكم وجميع شأنكم، فأثر ذلك ينعكس عليهم، ومن سنّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.(11/152)
اللهم وفق المصلحين، وارزقهم البصيرة، وزدهم حرصاً على نشر الخير.
اللهم وفق الناشئة واجعلهم دعاة خير بعلم وبصيرة، إنك سميع مجيب الدعاء.
==============
من فضائل مجالس الذكر
عامر صالح علوي ناجي
دار الوطن
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
إن للمجالس الخيرية ( مجالس الذكر )، فضائل عظيمة ذكرت في أحاديث صحيحة حرصت على جمع ما تيسّر منها مع سياق مصادرها لكي يسهل الرجوع إليها، والهدف من ذكر هذه الفضائل الواردة في مجالس الذكر هو الترغيب في الحضور إلى تلك المجالس المباركة والتي هي للرجال والنساء معاً، والدعوة إلى المشاركة والمساهمة فيها بدرس أو بغيره، من الأمور الطيبة كإهداء الأشرطة النافعة، والمطويات الجيدة، والكتيبات المفيدة، ونحو ذلك، أو على الأقل الحضور للاستماع للذكر لكي ينال السامع الأجر والفائدة، وفضائل مجالس الذكر كثيرة من ضمنها ما يلي:
1- نزول السكينة:
يقول الإمام النووي رحمه الله: ( قيل: المراد بالسكينة هنا الرحمة، وقيل الطمأنينة والوقار هو أحسن، [صحيح مسلم بشرح النووي 17189ٍ]، والله تعالى يقول: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
2- غشيان الرحمة من الله تعالى على الحاضرين، أي: نزولها عليهم.
3- إحفاف الملائكة للجالسين فيها.
4- يذكرهم الله فيمن عنده، وهم أهل السماء الدنيا.
وقد ذكرت هذه الفضائل الأربعة في قوله : { وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده } [رواه مسلم(2699)]، وفي حديث آخر: { لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده } [أخرجه مسلم(2700)]، وهذا الحديث والذي قبله أحاديث عامة تشمل الاجتماع في المسجد وفي غيره [راجع صحيح مسلم بشرح النووي 17/189].
5- يباهي الله ـ جل وتعالى ـ بالحاضرين الملائكة:
عن أبي سعيد الخدري قال: خرج معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما على حلقة في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله أقل حديثا مني وإن رسول الله خرج على حلقة من أصحابه فقال: { ما أجلسكم؟ } قالوا: جلسنا نذكر الله، ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنّ به علينا، قال: { آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ } قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: { أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة } [رواه مسلم(2701)]. يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه لهذا الحديث: ( قوله { إن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة }: معناه يظهر فضلكم لهم، ويريهم حسن عملكم ويثني عليكم عندهم، وأصل البهاء الحسن والجمال، وفلان يباهي بماله أي يفخر ويتجمّل بهم على غيرهم ويظهر حسنهم )[ صحيح مسلم بشرح النووي(17190)].
6- مغفرة الذنوب وتبديل السيئات حسنات:(11/153)
ففي الحديث الصحيح يذكر النبي : { إن لله تبارك وتعالى ملائكة يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم قال: فيحفوهم بأجنحتهم الى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم عز وجل ـ وهو أعلم منهم ـ: ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً. قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يقولون: يسألونك الجنة، قال: فيقول: هل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، فيقول: فكيف لو رأوها، فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوذون؟ قال: فيقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد منها مخافة. قال: فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم } [رواه البخاري(6408)، ومسلم(2689) بلفظ غير هذا اللفظ المذكور]. وقال عليه الصلاة والسلام: { ما جلس قوم يذكرون الله تعالى فيقومون حتى يقال لهم: قوموا قد غفر الله لكم ذنوبكم، وبدّلت سيئاتكم حسنات } [والحديث في السلسلة الصحيحة(2210)]. وأما الذين يجلسون في مجلس لا يذكرون الله ولا يصلون على النبي فإن النبي يقول فيهم: { ما اجتمع قوم ـ ثم ـ تفرقوا عن غير ذكر الله، وصلاة على النبي إلا قاموا عن أنتن من جيفة } [أخرجه الطيالسي وغيره، وصححه الإمام الألباني في صحيح الجامع(5506)]. وفي رواية: { إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار } [أخرجه الإمام أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع(5508)، وقال عن مجلس القوم الذين لم يذكروا الله ولم يصلوا على النبي فيه: { وكان ذلك المجلس عليهم حسرة } [نفس التخريج السابق برقم(5508)]، وقال أيضاً: { إلا كان مجلسهم ترة ـ أي حسرة وندامة ـ عليهم يوم القيامة } [أخرجه الإمام أحمد، وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع(5510)]، وفي رواية: { إلا كان عليهم ترة } [أخرجه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الجامع(5507)].
وفي الختام
أسأل الله جل وعلا أن ينفعني وجميع المسلمين والمسلمات بهذه الصفحات الضئيلة العدد والكلمات اليسيرة، وأن تكون خالصة لوجهه الكريم وحجة لنا لا علينا. كما أسأله سبحانه وتعالى أن يكتب الأجر ويجزل المثوبة لمن كتبها وقرأها وسمعها، ومن ساهم في إخراجها، ومن أشار وأعان على طباعتها ومن قام بنشرها وتوزيعها اللهم آمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان الى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
==============
من عبد الله بن حذافة إلى شباب المسلمين
عبدالملك القاسم
دار القاسم ...
استوقفني شاب مسلم اسمه عبد الله يرتفع الآذان وتقام الصلاة بجواره وهو غير عابئ بذلك النداء وكأنه موجه لغيره من أصحاب الديانات الأخرى وأطلقت بصري فإذا شاب آخر اسمه عبد الله وهو يهز رأسه طرباً ويهتز لحمه وعظمه على أنغام أصوات مغنٍ غربي! وقلبت إحدى المجلات فإذا بمن اسمه عبد الله وهوايته الرقص والموسيقى! وشرقت وغربت.. وتأملت فإذا الأمر أعظم من ذلك؟
عندها انطلقت استحث الخطا وأسابق الركب عبر أربعة عشر قرناً لأرى حال من كان اسمه عبد الله! فإذا أمة من الناس رفعوا للأمة رأساً وأعلوا للدين مناراً، ولا يزال التاريخ يردد جهادهم وصبرهم على صغر سن فيهم وحداثة دين منهم! لكن نتوقف مع شخص مرت به أحداث خطيرة ومواقف عظيمة وقابل رؤساء أعظم دول عصره، استقبله كسرى ملك الفرس وقيصر عظيم الروم وهو الرجل العربي الذي لا تهمه البرتوكولات ولا التقاليد الرسمية.. لا يعرف إلا شمساً محرقة وسماء صافية وخباءٍ في ظل شجرة يحوي كسرة خبز!
أقبل ميمماً وجهه نحو إيوان كسرى وملك قيصر ففُتحت له الكنوز والخزائن! وألقت إليه الحضارة في حينه بركابها لكنه أبى أن يمتطيها وأعرض عن زينتها.. قاسمة كسرى ملكه الواسع وغناه الفاحش لكنه رفض! قدم له ابنته الفاتنة لكنه أشاح بوجهه وأبى! نعم رفض تمييع دينه وأبى ترك ملته وجانب الدنيا.. مؤمنٌ يستشرف الجنة ويسعى إلى نيلها! لننطلق نرى ما يقوله أصحاب السير عن هذا الرجل الفذ!
مع إقامة الدولة الإسلامية في المدينة ولرغبة إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ولتبليغ هذا الدين إلى أقصى الأرض.. في السنة التاسعة عشرة للهجرة بعث عمر بن الخطاب جيشاً لحرب الروم فيه وجوه الأمة ورجالها. وقد أفزع قيصر عظيم الروم هذا الزحف القادم من صحراء جزيرة العرب القاحلة وناله الرعب واستولى على قلبه الهلع. فأمر رجاله إذا ظفروا بأسير من أسرى المسلمين أن يأتوا به إليه ليرى حالهم ويسمع من أفواههم.. وكان ذلك الأسير الذي أخذ إلى ملك الروم هو عبد الله بن حذافة رضي الله عنه!.. لم يكن قيصر إلا رجلاً داهية وسياسياً محنكاً يعرف مواطن الضعف عند الرجال ويعلم محبة النفوس للدنيا.. تأمل قيصر في طلعة عبد الله بن حذافة وصلابة عوده وقوة شكيمته فبادره قائلاً: إني أعرض عليك أمراً.. أعرض عليك أن تتنصر فإن فعلت خليت سبيلك وأكرمت مثواك!
إنه عرض مغر لأسير ينتظر الموت لكن القلوب تختلف والرجال تتباين.. كان الرد الفوري والحازم ممن عمر الإيمان قلبه: هيهات هيهات.. إن الموت لأحب إليَّ ألف مرة مما تدعوني إليه!(11/154)
تعجب قيصر وأعاد الكرة مرة أخرى بعرض آخر يسيل له لعاب الكثير.. قال له: إني لأرى فيك صفات الرجل الشهم العاقل.. فأجبني إلى ما أعرضه عليك.. فإن أجبتني أشركتك في ملكي وقاسمتك سلطاني! تعال أيها العربي - الذي أحرقت الشمس وجهه - أقاسمك مملكة الروم العظيمة وأزوجك ابنة سيد الروم الجميلة!
عروض متتالية لرجل فقير مسكين رث الثياب مُجهد الخطوات.. لا يملك حفنة من الأرض مقيد بالسلاسل ومكبل بالقيود والموت يحوم فوق رأسه! فماذا كان جوابه في تلك اللحظات الفاصلة في حياته!
قال عبد الله بن حذافة بثقة المؤمن بربه الراغب فيما عنده: والله لو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد طرفة عين ما فعلت! نعم ليس ملكك فحسب.. وليس تنصراً مستمراً.. بل رجوع طرفة عين ما فعلت!
رأي قيصر أن هذا المؤمن لا تلين له قناة ولن تنفع معه وسائل الإغراء وطرق الترغيب.. فهب واقفاً وهو يصرخ متهدداً متوعداً: إذا أقتلك! قال ذلك والجلاد على رأس عبد الله والسيف مجرد من غمده.. وانتظر قيصر الجواب من عبد الله فإذا به يأتي كالسهم محمل بالإيمان والثبات: أفعل ما بدا لك!
فأمر به فصُلب وقال لقناصته: ارموه قريباً من يديه وهو يعرض عليه التنصر! ولكن عبد الله والسهام تتخطفه أبى! فقال: ارموه قريباً من رجليه وهو يعرض عليه مفارقة دينه فأبى!
عندها دعا قيصر بقدر عظيم فصب فيه الزيت ورفعه على النار حتى غلى الزيت وارتفع صوته وعبد الله ينظر ثم أتي بأسير من أسارى المسلمين، فأمر به أن يُلقى فيها فألقي أمام عين عبد الله.. فإذا لحمه يتفتت وينسلخ ويظهر عظمه..
عند هذا المنظر الرهيب والموقف العصيب التفت قيصر إلى عبد الله بن حذافة ودعاه إلى النصرانية والأحداث متسارعة والقدر تغلي.. لكن عبد الله كان أشد إباء لها من قبل فلم تلّن له قناة ولم تفت منه عضد!
زاد حنق قيصر.. وقال ما هذا الرجل الذي أمامي أعرض عليه ملكي وابنتي فيرفض وأعرض بين يديه النار والقدر تغلي زيتاً فيأبى.. عندها أمر رجاله وقد تطاير الشرر من عينه: هيا ألقوا به مثل صاحبيه!
حُمل عبد الله على عجل وارتفعت الأيدي لتلقي به في القدر.. فأبصر أحد رجال قيصر منه دمعة تحدرت.. فقال لقيصر فرحاً بالانتصار: لقد بكى! وظن أنه قد جزع من ما يرى من الأهوال والشدائد ورضي بالعروض المقدمة إليه، فقال قيصر: ردوه عليَّ!
فملما ردوه إليه ومثل أمامه عرض عليه النصرانية فرفضها. فقال له متعجباً: ويحك ماذا أبكاك!
قال عبد الله بن حذافة رضي الله عنه: أبكاني أني قلت في نفسي: تُلقى الآن في هذه القدر فتذهب نفسك، وقد كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعر أنُفس فتُلقى كلها في هذا القدر في سبيل الله.
فتعجب الطاغية الظالم وقال: هل لك أن تُقبل رأسي وأطلق سراحك. فقال عبد الله وهو يرى أمة من المسلمين في الأسر: وعن جميع أسارى المسلمين كلهم!
وافق القيصر وعبد الله يقول في نفسه: أتى الفرج لهؤلاء الأسرى.. نعم أقبل رأس الظالم ويطلق أسارى المسلمين..
دنا بعزة وهيبة وقبل رأس قيصر!
وعندما وطأت قدما عبد الله بن حذافة المدينة النبوية كان الخبر قد سبقه إلى أهلها.. قال له عمر بن الخطاب وهو فرح مسرور بثبات عبد الله وقوة إيمانه: حقُّ على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ بذلك! فقام وقبل رأس عبد الله بن حذافة رضي الله عنه.
يا عبد الله - هذا الزمن - دعنا نقبل رأسك وانطلق إلى المسجد مصلياً.. دعنا نقبل رأسك وكن ثابت الإيمان قوي الرسوخ! يا عبد الله دعنا نقبل رأسك وفك أسرك من رق الشهوات ومواطن الريب والخنا. دعنا نقبل رأسك مرات ومرات ولا تكن إمعة يسيرك الأعداء حيث شاءوا وهو ما نراه في مظهرك ومخبرك!
===============
تزكية النفوس
ابن القيم الجوزية
دار الوطن
الحمد غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب والصلاة والسلام على من فتح الله به باب المتاب وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الإياب.
أما بعد:
فهذه كلمات يسيرة وجمل من العلم قليلة ولكنها في غاية الأهمية لأنها الخطوط الرئيسة لمنهج أهل السنة والجماعة في السلوك ومداواة النفوس وتزكيتها حتى تصل إلى حقيقة التقوى ونور المعرفة وهي مختصرة من كلام الإمام العالم بعلل النفوس وأدوائها وأدويتها وطرق شفائها: ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى وقد قسمنا كلامه رحمه الله إلى فقرات ووضعنا لكل فقرة عنواناً مناسباً حتى لا يتشتت ذهن القارئ أو يمل خاطره.
عنوان السعادة
ذكر ابن الإمام ابن القيم رحمه الله أن عنوان سعادة العبد ثلاثة أمور وهي أنه إذا أنعم عليه شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر.
قال فإن هذه الأمور الثلاثة هي عنوان سعادة العبد وعلامة فلاحه في دنياه وأخراه ولا ينفك عبد عنها أبداً فإن العبد دائم التقلب بين هذه الأطباق الثلاث:
الشكر على النعماء
الأول نعم من الله تعالى تترادف عليه فقيدها: الشكر
أركان الشكر: والشكر مبني على ثلاثة أركان الاعتراف بها باطناً والتحدث بها ظاهراً وتصريفها في مرضاة وليها ومسديها ومعطيها فإذا فعل ذلك فقد شكرها مع تقصيره في شكرها.
الصبر على البلاء
الثاني: محن من الله تعالى يبتليه بها ففرضه فيها الصبر والتسلي.
أركان الصبر: والصبر حبس النفس عن التسخط بالمقدور وحبس اللسان عن الشكوى وحبس الجوارح عن المعصية كاللطم وشق الجيوب ونتف الشعر ونحو ذلك.
فمدار الصبر على هذه الأركان الثلاثة فإذا قام بها العبد كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه منحة. واستحالت البلية عطية وصار المكروه محبوباً.
حكمة البلاء(11/155)
فإن الله سبحانه وتعالى لم يبتل العبد ليهلكه وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته فإن لله تعالى على العبد عبودية في الضراء كما له عليه عبودية في السراء، وله عليه عبودية فيما يكره كما له عليه فيما يحب، وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره، ففيه تفاوتت مراتب العباد وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى، فالوضوء بالماء البارد في شدة الحر عبودية ومباشرة زوجته الحسناء التي يحبها عبودية ونفقته عليها وعلى عياله ونفسه عبودية هذا الوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية وتركه المعصية التي اشتدت دواعي نفسه إليها من غير خوف من الناس عبودية ونفقته في الضراء عبودية ولكن فرق عظيم بين العبوديتين.
فمن كان عبداً لله في الحالتين قائماً بحقه في المكروه والمحبوب فذلك الذي تناوله قوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر:36] وفي القراءة الأخرى عِبَاده وهما سواء لأن المفرد مضاف فيعم عموم الجمع.
فالكفاية التامة مع العبودية التامة، والناقصة مع الناقصة فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
إغواء الشيطان
وهؤلاء هم عباده الذين ليس لعدوه عليهم سلطان قال تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الحجر:42]، ولما علم عدو الله إبليس أن الله تعالى لا يسلم عباده إليه ولا يسلطه عليهم: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:83،82]. وقال تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ [سبأ:21،20].
فلم يجعل لعدوه سلطاناً على عباده المؤمنين فإنهم في حرزه وكلاءه وحفظه وتحت كنفه وإن اغتال عدوه أحدهم كما يغتال اللص الرجل الغافل فهذا لا بد له منه لأن العبد قد ابتلي بالغفلة والشهوة والغضب ودخوله على العبد من هذه الأبواب الثلاثة ولو احترز العبد ما احترز فلا بد له من غفلة ولا بد له من شهوة ولابد له من غضب وقد كان آدم أبو البشر من أحلم الخلق وأرجحهم عقلاً وأثبتهم ومع هذا فلم يزل به عدو الله حتى أوقعه فيما أوقعه فيه فما الظن بمن عقله في جنب عقل أبيه كتفلة في بحر؟
نعمة فتح باب التوبة
الثالث: التوبة والندم: فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح له من أبواب التوبة والندم والانكسار والذل والافتقار والاستعانة به وصدق اللجوء إليه ودوام التضرع والدعاء والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات ما تكون تلك السيئة به سبب رحمته حتى يقول عدو الله يا ليتني تركته ولم أوقعه وهذا معنى قول بعض السلف إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة ويعمل الحسنة يدخل بها النار قالوا كيف قال يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه خائفاً منه مشفقاً وجلاً باكياً نادماً مستحياً من ربه تعالى ناكس الرأس بين يديه منكسر القلب له فيكون ذلك الذنب سبب سعادة العبد وفلاحه حتى يكون ذلك الذنب أنفع له من طاعات كثيرة بما ترتب عليه من هذه الأمور التي بها سعادة العبد وفلاحه حتى يكون ذلك الذنب سبب دخوله الجنة.
آفة العجب والغرور
ويفعل الحسنة فلا يزال يمن بها على ربه ويتكبر بها ويرى نفسه ويعجب بها ويستطيل بها ويقول فعلت وفعلت فيورثه ذلك من العجب والكبر والفخر والاستطالة ما يكون سبب هلاكه فإذا أراد الله بهذا المسكين خيراً ابتلاه بأمر يكسره به ويذل عنقه ويصغر به نفسه عنده وإن أراد به غير ذلك خلاه وعجبه وكبره وهذا هو الخذلان الموجب لهلاكه.
علامة التوفيق
فإن العارفين كلهم مجمعون على أن التوفيق ألا يكلك الله تعالى إلى نفسك والخذلان أن يكلك الله تعالى إلى نفسك فمن أراد الله به خيراً فتح له باب الذل والانكسار ودوام اللجوء إلى الله تعالى والافتقار إليه ورؤية عيوب نفسه وجهلها وظلمها وعدوانها ومشاهدة فضل ربه وإحسانه ورحمته وجوده وبره وغناه وحمده.
فالعارف سائر إلى الله تعالى بين هذين الجناحين ولا يمكنه إن يسير إلا بهما فمتى فاته واحد منهما فهو كالطير الذي فقد أحد جناحيه.
قال شيخ الإسلام: (العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل).
وهذا معنى قوله في الحديث الصحيح: { سيد الاستغفار أن يقول العبد اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت } [رواه البخاري].
فجمع في قوله : { أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي } بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل.
فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت.
مدار العبودية
والعبودية مدارها على قاعدتين هما أصلهما:
- حب كامل.
- وذل تام.
ومنشأ هذين الأصلين المتقدمين هما مشاهدة المنة التي تورث المحبة ومطالعة عيب النفس والعمل التي تورث الذل التام وإذا كان العبد قد بنى سلوكه إلى الله تعالى على هذين الأصلين لم يظفر عدوه به إلا على غرة وغفلة وما أسرع ما ينعشه الله عز وجل ويجبره ويتداركه.
عوامل استقامة القلب
وإنما يستقيم له هذا باستقامة قلبه وجوارحه فاستقامة القلب بشيئين:(11/156)
أحدهما: أن تكون محبة الله تعالى تتقدم عنده على جميع المحاب فإذا تعارض حب الله تعالى وحب غيره سبق حب الله تعالى حب ما سواه فرتب على ذلك مقتضاه وما أسهل هذا بالدعوى وما أصعبه بالفعل (فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان).
وما أكثر ما يقدم العبد ما يحبه هو ويهواه أو يحبه كبيره وأميره وشيخه أو أهله على ما يحبه الله تعالى فهذا لم تتقدم محبة الله تعالى في قلبه جميع المحاب و لا كانت هي الملكة المؤمرة عليها وسنة الله تعالى فيمن هذا شأنه أن ينكد عليه محابه وينغصها عليه ولا ينال شيئاً منها إلا بنكد وتنغيص جزاءاً له على إيثاره هواه وهوى من يعظمه من الخلق أو يحبه على محبة الله تعالى.
الأمر الثاني: الذي يستقيم به القلب تعظيم الأمر والنهي وهو ناشيء عن تعظيم الآمر الناهي فإن الله تعالى ذم من لا يعظمه ولا يعظم أمره ونهيه قال الله تعالى: مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً [نوح:13]، قالوا في تفسيرها مالكم لا تخافون لله تعالى عظمة!
حقيقة تعظيم الأمر والنهي
وما أحسن ما قال شيخ الإسلام في تعظيم الأمر والنهي: هو ألا يعارضا بترخص جاف ولا يعارضا بتشديد غال ولا يحملا على علة توهن الانقياد.
ومعنى كلامه أن أول مراتب تعظيم الحق عز وجل تعظيم أمره ونهيه وذلك لأن المؤمن يعرف ربه عز وجل برسالته التي أرسل بها رسوله إلى كافة الناس ومقتضاها الانقياد لأمره ونهيه وإنما يكون ذلك بتعظيم أمر الله عز وجل واتباعه وتعظيم نهيه واجتنابه فيكون تعظيم المؤمن لأمر الله تعالى ونهيه دالاً على تعظيمه لصاحب الأمر والنهي ويكون بحسب هذا التعظيم من الأبرار المشهود لهم بالأيمان والتصديق وصحة العقيدة والبراءة من النفاق الأكبر فإن الرجل قد يتعاطى فعل الأمر لنظر الخلق ولب المنزلة والجاه عندهم ويتقي المناهي خشية السقوط من أعينهم وخشية العقوبات الدنيوية من الحدود التي رتبها الشارع على المناهي فهذا لبس فعله وتركه صادراً عن تعظيم الأمر والنهي ولا عن تعظيم الآمر الناهي.
علامات تعظيم الأوامر
فعلامة التعظيم للأوامر:
- رعاية أوقاتها وحدودها.
- والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها.
- والحرص على تحسينها وفعلها في أوقاتها.
- والمسارعة إليها عند وجوبها.
- والحزن والكآبة والأسف عند فوات حق من حقوقها.
تعظيم شأن الصلاة
كمن يحزن على فوت الجماعة، ويعلم أنه لو تقبلت منه صلاته منفرداً، فإنه قد فاته سبعة وعشرون ضعفاً.
وكذلك إذا فاته أول الوقت الذي هو رضوان الله تعالى، أو فاته الصف الأول الذي يصلي الله وملائكته على ميامنه، ولو يعلم العبد فضيلته لجالد عليه، ولكانت قرعة.
وكذلك فوت الخشوع في الصلاة، وحضور القلب فيها بين يدي الرب تبارك وتعالى، الذي هو روحها ولبّها، فصلاة بلا خشوع ولا حضور كبدن ميت لا روح فيه، أفلا يستحي العبد أن يهدي إلى مخلوق مثله عبداً ميتاً أو جارية ميتة؟ فما ظن هذا العبد أن تقع تلك الهدية ممن قصده بها من ملك أو أمير أو غيره، فهكذا سواء الصلاة الخالية عن الخشوع والحضور وجمع الهمة على الله تعالى فيها بمنزلة هذا العبد - أو الأمة - الميت الذي يريد إهداءه إلى بعض الملوك، ولهذا لا يقبلها الله تعالى منه وإن أسقطت الفرض في أحكام الدنيا، ولا يثيبه عليها، فإنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منهما، كما في "السنن" و"مسند الإمام أحمد" وغيره عن النبي أنه قال: { إن العبد ليصلي الصلاة وما كتب له إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، إلا خمسها... حتى بلغ: عُشرها } [رواه أحمد وأبو داود].
التفاضل بحسب ما في القلوب
وينبغي أن يعلم أن سائر الأعمال تجري هذا المجرى، فتفاضل الأعمال عند الله تعالى بتفاضل ما في القلوب من الإيمان، والإخلاص، والمحبة وتوابعها، وهذاالعمل الكامل هو الذي يكفّر الذنوب تكفيراً كاملاً، والناقص بحسبه، وبهاتين القاعدتين تزول إشكالات كثيرة، وهما:
- تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان.
- وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه.
مفسدات الأعمال
ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه:
فالرياء - وإن دقّ - محبط للعمل، وهو أبواب كثيرة لا تحصر.
وكون العمل غير مقيد باتباع السنة أيضاً موجب لكونه باطلاً.
والمن به على الله تعالى بقلبه مفسد له.
وكذلك المن بالصدقة والمعروف والبر والإحسان والصلة مفسد لها، كما قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى [البقرة:264] وأكثر الناس ما عندهم خبر من السيئات التي تحبط الحسنات، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2]. فحذر سبحانه المؤمنين من حبوط أعمالهم بالجهر لرسول الله كما يجهر بعضهم لبعض، وليس هذا بردّة، بل معصية يحبط بها العمل، وصاحبها لا يشعر بها، فما الظن بمن قدّم على قول الرسول وهديه وطريقه قول غيره وهديه وطريقه؟ أليس هذا قد حبط عمله وهو لا يشعر؟ ومن هذا قوله : { من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله } [رواه البخاري].
فمعرفة ما يفسد الأعمال في حال وقوعها ويبطلها ويحبطها بعد وقوعها من أهم ما ينبغي أن يفتش عليه العبد، ويحرص على عمله ويحذره.(11/157)
وقد جاء في أثر معروف: وإن العبد ليعمل العمل سراً لا يطلع عليه أحد إلا الله تعالى، فيتحدث به، فينتقل من ديوان السر إلى ديوان العلانية، فإن تحدث به للسمعة وطلب الجاه والمنزلة عند غير الله تعالى أبطله كما لو فعله لذلك.
تدافع الحسنات والسيئات
فإن قيل: فإذا تاب هذا هل يعود إليه ثواب العمل؟
فالذي يظهر لي - والله تعالى أعلم - أن الحسنات والسيئات تتدافع وتتقابل، ويكون الحكم فيها للغالب، وهو يقهر المغلوب ويكون الحكم له، حتى كأن المغلوب لم يكن، فإذا غلبت على العبد الحسنات رفعت حسناته الكثيرة سيئاته، ومتى تاب من السيئة ترتب على توبته منها حسنات كثيرة قد تربي وتزيد على الحسنة التي حبطت بالسيئة، فإذا عزمت التوبة وصحت، ونشأت من صميم القلب، أحرقت ما مرت عليه من السيئات، حتى كأنها لم تكن، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
الذنوب أمراض القلوب
يوضّح هذا أن السيئات والذنوب هي أمراض قلبية، كما أن الحمّى والأوجاع أمراض بدنية، والمريض إذا عوفي من مرضه عافية تامة عادت إليه قوته وأفضل منها حتى كأنه لم يضعف قط.
فالقوة المتقدمة بمنزلة الحسنات، والمرض بمنزلة الذنوب، والصحة والعافية بمنزلة التوبة سواء بسواء، وكما أن من المرضى من لا تعود إليه صحته أبداً لضعف عافيته، ومنهم من تعود صحته كما كانت لتقاوم الأسباب وتدافعها، ويعود البدن إلى كماله الأول، ومنهم من يعود أصح مما كان وأقوى وأنشط لقوة أسباب العافية وقهرتها وغلبتها لأسباب الضعف والمرض، حتى ربما كان مرض هذا سبباً لعافيته، كما قال الشاعر:
لعل عتبك محمود عواقبه *** وربما صحت الأجسام بالعلل
فهكذا العبد بعد التوبة على هذه المنازل الثلاث.
علامات تعظيم المناهي
وأما علامات تعظيم المناهي:
1- فالحرص على التباعد من مظانها وأسبابها وما يدعو إليها، ومجانبة كل وسيلة تقرب منها، كمن يهرب من الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها.
2- أن يغضب لله عز وجل إذا انتهكت محارمه.
علامات تعظيم الأوامر والمناهي
1- ألا يعارضا بترخص جاف، ولا يعارضا بتشديد غال، فإن المقصود هو الصراط المستقيم الموصل إلى الله عز وجل بسالكه.
2- ألا يُحمل الأمر على علة تضعف الانقياد والتسليم لأمر الله عز وجل، بل يسلم لأمر الله تعالى وحكمه، متمثلاً ما أمر به، سواء ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه أو لم تظهر.
والله الموفق، لا إله غيره، ولا رب سوا
============
لماذا أصلي
عبدالرؤوف الحناوي
دار الوطن
قال له صاحبه وهو يحاوره: عجباً من أمرك ما أشد لحظك، وما أكثر انتقادك، أفعجبت أن يكون هذان الرجلان متلاصقين منكباً، متحدين كلمة، يود أحدهما لو يسكب قلبه على صاحبه، ويتمنى الآخر لو يجعل روحه في يده فدى له، أتدري من هما؟ والد وولد، والد يحن وولد يبر، أفسرتك هذه الصلة بينهما؟
قال: أي وربي، وهل أعظم من صلة توثق القلوب وتجمع الشمل، وتقوم برهاناً على اعتراف بالفضل وشكر على النعم؟ وهل يعيش الإنسان في هذه الحياة منقطعاً عن صلة القربى والجوار والصحبة والزمالة؟ أليس اجتماعياً في فطرته وتكوينه؟
قاله له صاحبه: أراك موقناً بضرورة الصلة بين الناس على أسس من التعاطف والتعاون، والإقرار بالفضل والإحسان.
قال: أجل.
قال: فإن تنكر أحد للمعروف وجحد الفضل؟
قال: أو يفعل ذلك إنسان فيه مسحة من حياء أو ذرة من ضمير؟
قال: نعم. أنت.
فاستشاط غضباً، وهم به، ثم تراجع وتقلص في نفسه وقال: وبم؟
قال: لأنك تنكر فضل الله عليك ونعمته.
قال: وكيف ذاك؟
قال: أليس الله ذا منة وفضل؟
قال: بلى.
قال: وهل يستحق الشكر على ذلك.
قال: نعم.
قال: وكيف يكون شكره؟ فسكت قليلاً يستشير أفكاره فلم تسعفه.
قال: لا أدري، وخجل، ثم سكت لحظة وقال: دلني على الطريقة التي أؤدي شكره فيها.
قال: هناك طريقتان لابد لتحقيق الشكر من وجودهما معاً:
الأولى: أن تعترف له الفضل والإحسان من أعماق قلبك لا بلسانك فحسب وتدلل على ذلك بوضع جبهتك على الأرض سجوداً له وخضوعاً.
الثانية: أن تحافظ على هذه النعم فتجعلها في المواضع التي يرضاها لك.
قال: كلامك حق صدق، ولك عليّ عهد الله وميثاقه أن لا أدع الصلاة ما حييت - ولكن لي صديق عزيز عليّ، شأنه في الصلاة شأني: فهل لك أن تكتب لي كلمة في هذا الموضوع أوجهها إليه. عسى الله تعالى أن يجعل هدايته على يديك فيصل بصلاته ما انقطع بينه وبين الله، ويكون ذلك خيراً لك من حمر النعم؟
قال: حباً وكرامة، ونعمة عين، وكتب إليه:
صديق العزيز: سلام عليك، وبعد:
فقد سمعت كلمة طيبة وددت أن أصوغها لك كلمات على هذا القرطاس ورجائي أن يكون لها في نفسك ما كان في نفسي والسلام.
أخذ كثير من الناس في عصرنا الحاضر يهملون الصلاة ويرونها عبئاً ثقيلاً عليهم، فإذا ذكرتهم بها التمس بعضهم لنفسه عذراً بأنه مشغول الآن بأمور هامة، وادّعى بعضهم أن ثيابه غير طاهرة فلا تصح بها الصلاة، فإذا عاد إلى بيته نزعها وصلى، وهو في حقيقة الأمر كاذب، واعترف بعضهم بالتقصير وأخذ يردد كلمة" الله يهدينا " وهناك فئة وقحة تجاهر بالعصيان، وتبدل نعمة الله كفراً، وتحتقر الصلاة والمصلين ثم تزعم أنها مسلمة، فما لهؤلاء إذ ذكر الله وحده اشمأزت قلوبهم، وإذا دعوا إلى الله قالوا سمعنا وعصينا؟ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ [المدثر:49-50].
تعال أخي نعالج مواقف هؤلاء ونبحث عن الأسباب التي دعتهم إلى ترك الصلاة:(11/158)
هل الصلاة غرامة يؤديها الإنسان كما يؤدي بعض الضرائب ظلماً؟ هل الصلاة مضيعة للوقت، وليس لدى الإنسان وقت فائض عن حاجته حتى يضيعه؟
هل الصلاة مبدأ إلزامي يكره الإنسان عليه كما يكره على تقبل المبادئ السياسية في البلاد الديكتاتورية؟
هل الصلاة تقييد لحرية الإنسان المطلقة ومانعة له من ممارستها؟
هل الصلاة أمر مباح من شاء فعلة ولا ثواب له. ومن شاء تركه ولا إثم عليه؟
هل الله بحاجة إلى صلاتنا؟
وأي فائدة يجنيها الإنسان من الصلاة؟ وما هي الخسارة التي تترتب عليه من تركها؟ وهل...؟ ولم...؟
أسئلة كثيرة تدور في فكر الإنسان يمليها عليه هواه وشيطانه وشهواته، فإن عجز عن الجواب أقامت الحجة عليه فاستكان وذل، وعملت عملها الخبيث في فكرة فزاغ، وزينت له سوء عمله فرآه حسناً، وصوبت له رأيه الفاسد فاستمسك به، ومدته بالمجادلات العقيمة ومنته الأماني البعيدة حتى يهوى في النار سبعين خريفاً من حيث لا يشعر، وإن هو أحسن الإجابة ودحض الشبهات وحكم العقل والمنطق أقام الحجة عليها فخرست وخنست.
ولنبدأ الآن بتنفيذ هذه الأسئلة واحداً فواحداً. ثم نجيب عنها بما لا يترك ريبة لمستريب، فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الظالمون.
أولاً: لا يا صاحبي: ليست الصلاة غرامة عينية تؤدى، ولا ضريبة مالية تجبى، وإنما هي أمانة ينظر إليها صاحبها كل يوم خمس مرات فيشهد لك بالوفاء والصدق والإخلاص والمحافظة على الحقوق ويثيبك على حسن رعايتها بأعظم الجزاء.
أجل إنها ليست ضريبة ولا غرامة ولا جزية، وإنما هي اعتراف بحق وشكر على معروف، ودليل على صفاء النفس بإطاعة الرؤساء، وتنفيذ أوامرهم، وإفصاح عما ينطوي عليه القلب من محبة لله وتقدير. ألم تر أن الناس كلهم يعظمون في أنفسهم ذوات يعتبرونها فوقهم قدرة ونفعاً، يلجؤون إليها في الملمات ويتسغيثونها في المعضلات ويطلبون بركاتها في المناسبات، ويتخذون لأنفسهم شعاراً يذكرهم بها كلما غفلوا عنها.
ما للنصارى يؤلهون المسيح ابن مريم عليه السلام؟ ويتخذون الصليب شعاراً يرفعونه على كنائسهم، ويعلقونه على صدورهم، ويبادرون إلى الكنائس يصلون؟
وما لليهود يؤلهون عزيراً - تعالى الله عما يشركون - ويلتفون حول بناء كالضريخ يضيئون عليه الشموع ويقرؤون التوراة ويصلون؟ ويتخذ المتدينون منهم ( طواقي ) صغيرة يجعلونها في أقصى نواصيهم؟ وقد عمدوا منذ قيام دولة فلسطين إلى اتخاذ النجمة السداسية شعاراً لهم؟
وما للمجوس يعبدون النار، والهنود يعبدون البقر والقرود وفرق من الباطنية يعبدون الشيطان؟كل هؤلاء يعبدون آلهة من دون الله ويقدسونها، ولها يصلون وإليها يتقربون، وهي باطلة كأفكارهم الجوفاء، لا تملك لهم نفعاً ولا ضراً، ومع ذلك فلا تنكر عليهم صلاتهم وتنكر علي صلاتي على حقها وقدرها ونفعها؟
وأي فائدة يجنيها كل هؤلاء في عباداتهم المتباينة؟ وماذا تغني عنهم معبوداتهم؟ هل تستجيب لهم دعاءهم؟ هل تفهم كلامهم؟ هل تعرف ما يصلحهم وما يفسدهم، هل ترزقهم؟ هل تحييهم؟ هل تشفيهم؟ هل تدفع عنهم الضر؟ هل تنزل الغيث فتنبت لهم به الزرع؟
لا، لاتعمل شيئاً من هذا أبداً، مع ذلك فهم يعبدونها، ويعترفون لها في أعماقهم بقدسية وفضل، ويدللون على هذا الاعتراف بصلواتهم.
أرأيت يا صاح لو أن إنساناً قدم إليك قطعة حلوى، أو ساعدك في حمل متاعك، أو أرشدك إلى الطريق، أو دفع معك سيارتك الواقفة أو ناولك شيئاً سقط منك، إلا تقول له شكراً، وتحترمه في نفسك وتقدر عمله، وتتمنى أن تكافئه على معروفه بأحسن منه؟ نعم. وأنا كذلك إنسان مثلك، أحفظ المعروف، وأقر بالإحسان وأعترف بالفضل وأشكر على الهدية وكلما كان الفضل عليّ كبيراً كان الشكر مني أكبر، وهل من متفضل منعم مثل الله عز وجل الذي منحني العقل والحواس، وأغذق عليّ الرزق الطيب، ومن عليّ بالصحة والعافية، وهداني إلى الدين الصحيح، ووهب لي الولد والأهل، وأقامني في موطن خير بين صحب كرام وجيران طيبين؟
لا... ليس في الوجود كله من أحسن إليّ كإحسان الله تبارك وتعالى، أفلا أشكره على كل هذه النعم ما دمت أشكر غيره على أقل معروف أسداه إليّ؟ لا شك أنك معي في شكري له وتشجعني عليه، بل تحملني عليه قهراً إن قصرت في أدائه لأنك لا تريدني أن أكون إنساناً ناكراً للفضل، جاحداً للمعروف.
إن الشكر يتناسب طرداً مع قيمة الهدية وقدر المُهدي. فشكري لمن قدم إليّ قطعة حلوى ليس كشكري لمن قدم إليّ علبة حلوى. وقولي لصغيرنا ناولني قلماً وقع مني غير قولي لعظيم ناولنيه. والصفة التي يحبها الله تعالى مني لشكره على آلائه هي أن أضع جبهتي على الأرض إقراراً له بربوبيته وتقديساً لألوهيته، واعترافاً بإحسانه. إن الناس ينحنون أمام أصنامهم من الطواغيت وليس لها في واقع الأمر عليهم من فضل، بل إنها لتضلهم عن الحق والهدى وينحني كثير منهم أمام زعمائهم إجلالاً وإعظاماً، وقد يكونون من شر خلق الله، أفلا أنحني أنا لله، مالك الملك خالق الكون، رب السموات والأرض، الذي ينفع ويضر، ويعطي ويمنع، ويحيي ويميت، ويحاسب على النقير والقطمير؟
ثانياً: وليست الصلاة مضيعة للوقت، فالإنسان حينما ينسل من ضوضاء العمل وصخب الغادين والرائحين ويتسلل من عناء الأخذ والعطاء، والبيع والشراء والمماحكة والمساومة، والدراسة والتدريس، ومطالب المراجعين، ويقف في مصلاه يتخلى عن كل هذه المزعجات فتهدأ نفسه ويطمئن قلبه ويستريح جسمه وينطفئ غضبه، وتتقيد شهواته، ويمكث دقائق يناجي من يحب.
والحب أعظم ما يكون *** إذا انفردت بمن تحب(11/159)
ويسأله العون والتأييد، ويستمنحه القوة في الخير، والصبر على المجاهدة، والعفو إن أساء إلى أحد من الخلق بنظرة عابسة، أو كلمة نائية، أو تصرف قاس، فتكون هذه الدقائق بمثابة شحنة من المدخرات، وتبريد للمحركات.ومن هذا المنطلق السامي كان رسول الله إذا حزبه ( أهمه ) أمر فزع إلى الصلاة، وإذا عاد منهمك القوة من قتال الأعداء قال: { يا بلال، أرحنا بالصلاة }، أي أذن للصلاة، لتكون الصلاة راحة لنا من معاناة الحياة ومشكلاتها.
والإنسان مخلوق ضعيف محدود القوة، لا يستطيع العمل المتواصل، فلا بد له من استراحة جسمية وعقلية، ولا يتسنى له ذلك إلا في الصلاة، والراحة نصف حياته، ولهذا جعل الله تعالى الليل سكناً والنوم سباتاً وراحة، وكم يصرف المصلي من وقته في صلاته؟ إنها أن امتدت وطالت لا تستغرق ربع ساعة، أفتضن على نفسك أيها العاقل بدقائق معدودات بين فترة وأخرى من يومك لتحصل على كل هذه المنافع بينما تجود بساعات طوال تضيعها سدى في الزيارات والسهرات؟
ثالثاً: وليست الصلاة مبدأً سياسياً لحاكم ديكتاتوري غاشم يحمل شعبه على أفكاره طوعاً وكرهاً. إنما الصلاة تطبيق لدين يعتنقه الإنسان عن قناعة ورضى من غير إكراه ولا إجبار - لا إكراه في الدين - وليست مبدأً سياسياً يتغير بتغير الظروف أو يستتبع أراء الحكام، وليست قانوناً وضعياً تكتب اليوم صيغته الأولى ويناقش غداً مناقشة نهائية، ثم يطرأ عليه تعديل بعد غد ثم ينسف من أساسه لظروف طارئة، أو يؤخر تنفيذه ريثما يتم نصاب المسؤولين عن إبرامه، أو يرجأ إبرامه حتى يصادق عليه ذو السلطة العليا في البلاد. أنها ركن من أركان الإسلام، بل أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين. وما دمت - أيها المسلم - قد رضيت بهذا الدين عن طيب خاطر منك ولم تحمل على اعتناقه جبراً فعليك إذن تنفيذ أحكامه كاملة. ألست معي أن المواطن في أي بلد ما ملزم بتطبيق قوانين ذلك البلد، فإن أبت عليه نفسه ذلك فهو بين أمرين: إما أن يهان ويطبقه، وإما أن يتخلى عن تابعيته الوطنية ويرحل عن ذلك البلد.
ولا أدري كيف يخشى الإنسان شرطياً ولا يخشى خالق الأرض والسماء؟ ثم انظر مع نظرة أخرى، ألا ترى أن إشارة المرور إذا أضاءت حمراء أوقفت عشرات السيارات، بل مئاتها في مكانها فلا تستطيع أن يتجاوزها ولو كان بين السائقين أعظم الناس قدراً، فما بال بني آدم لا يجرؤون على مخالفة إشارة حمراء ويخالفون أوامر الله تعالى، ويتحدونه بالمعاصي والمنكرات، ويتعدون الحدود التي رسمها لهم؟ هل هذا دليل على تمام عقولهم أم على نقصانها؟ احكم أنت بنفسك إن كنت من المنصفين.
رابعاً: وليست الصلاة تقييداً للحرية الشخصية ولا مانعة للإنسان من ممارسة حريته. إن الناس في المجتمعات البشرية كلها متفقون على أنهم ليسوا حيوانات يعيشون على وجه الأرض كما تعيش الحيوانات في الغابات، بل لهم حريتهم، وحريتهم مطلقة في الاعتقاد والقول والعمل، ومقيدة بالنظام العام والقانون السائد، ولولا هذا التقييد لما انتظمت أمة ولا تولد شعب، ولما استقامت الأمور على تبادل المنافع بين الأفراد، بل لما استمر النوع البشري.
إن الهيبيسين - الخنافس - الذي يفعلون كل ما يخطر ببالهم ويعيشون في الطرقات عيش الكلاب الشاردة لا يستطيعون أن يخافوا أوامر السلطة أو أحكام القوانين، وحتى زملاؤهم الحيوانات في الغابات لها نظام تسير عليه، ولو أنك سألت أحد علماء الأحياء المختصين لبين لك صحة ما أقول، ولعل أقرب مثال أضربه لك: هو ما تشاهده بأم عينك من تعاون أعضاء الخلية الواحدة من النحل، وكيف تساعد النمل في جر ما يلتقطنه من فئات الطعام.
وأنت - أيها المسلم - حر في شؤونك الخاصة تأكل وتصوم، تنام أو تستيقظ، تقيم أو تسافر، تبيع أو تشتري، وهذه الحرية محاطة بالنظام الإلهيومحدود بحدود الشرع، ومن حريتك أن تنسحب من عملك لتجلس دقائق في المسجد تستعيد فيها نشاطك وقوتك، ثم تخرج منه مزوداً بشحنة جديدة من العون الإلهي فتزاول عملك وكفاحك.
ومن حريتك أن تكون مقيداً بالنظام الإلهي الذي هيأ لك كل أسباب السعادة والهناءة في دنياك وآخرتك.
ومن حريتك أن تقول ما شئت وتعمل ما تحب وتكتب ما يحلو لك وتتاجر فيما ترغب، شريطة أن لا تتجاوز حدودك إذ بتجاوزك هذا تتعدى حقوق الآخرين وحدودهم. وهذا ما حرمه الإسلام وحذرت منه أيضاً القوانين البشرية.
خامساً: وليست الصلاة أمر مباحاً كأمور المعيشة من شاء فعلة ولا ثواب له ومن تركه فلا إثم عليه، وإنما هي أمر حازم جازم. لها وقت محدود وهيئة خاصة وأسلوب متميز، وخطة مرسومة، ليس لك حق في تحريفها زيادة أو نقصاناً، ولا أرى في تغييرها تقديماً أو تأخيراً، فهي كاللقمة تجعل في الفم لا في الأذن، وكالهواء يدخل الرئتين من الفم أو الأنف، لا من أخمص القدمين، وإذا كان لك رأي في انقباض قلبك وانبساطه أو تدخل في توسع رئتك وضيقها فليكن لك رأي في أمر الصلاة.
والصلاة كقيامك بأداء وظيفتك - إن كنت موظفاً - أو كبيعك وشرائك إن كنت تاجراً، فإذا داومت على عملك وأديت واجبك كوفئت آخر الشهر بقبض راتبك أو ملأت جيبك بربحك، وإن تغيبت عن عملك وأهملت واجبك حسم من راتبك بقدر غيابك وإهمالك وخسرت ما كنت تأمله من الأرباح.(11/160)
وكثيراً ما يحاسب الإنسان على المباح كما يحاسب على المفروض، ألا ترى أنك لو عمدت بعد منصف الليل إلى المذياع ففركت أذنه حتى ذاع بأعلى صوته، أو أخذت أنت تغني بملء حنجرتك لانزعج الجيران ولاموك، ولطرق بابك العسس لتخرس مذياعك أو تغضض من صوتك وإلا نالك العقاب؟ أليس سماعك للإذاعة أمراً مباحاً لك أن تسمعها متى شئت وكيف شئت، فلم قيدت حريتك إذن؟
الجواب: قيدت بنظام خاص أو عام لا يجوز تجاوزه، فكيف بما فرض الله على عبادة الذين آمنوا بألوهيته وربوبيته، وارتضوا لأنفسهم شريعته ودينه فهل هم أحرار في عبادته والصلاة له، أم مقيدون بأوامره ملزمون بتنفيذها؟
سادساً: نعم، الصلاة حاجة ضرورية جداً تستدعيها حياة الإنسان كما تستدعي الطعام والشراب، ذلك لأن الطعام والشراب قوام الجسم ومادة العيش، والصلاة قوام الروح ومادة الطمأنينة ترفع صاحبها عن سفاسف الأمور فيستقيم في شؤونه كلها استقامته بين يدي ربه في الصلاة.
والصلاة هي الحد الفاصل بين الإيمان والكفر، وقد ورد في الحديث: { بين الكفر والإيمان ترك الصلاة }.
وماذا يستفيد الإسلام من هؤلاء المسلمين المزيفين إذا كانوا يخالفون عن أوامره؟ أليسوا كالولد العاق يوافق أهله نسباً ويخالفهم سلوكاً؟ وهل يرجى خير ممن لا يرجو لنفسه الخير؟
لا نريد نحن المسلمين أن نكون كغثاء السيل، نعد بمئات الملايين والصالحون لا يتجاوزون عشراتها، ورصاصة واحدة ملأى بالبارود تقتل بها عدواً - خير من كومة من الرصاص الفارغ وهل يرفع الخباء ألف وتد أن لم يكن له عماد فيالوسط؟ وعماد الإسلام الصلاة.
والصلاة حاجة ضرورية جداً للإنسان لأنها تهذب أخلاقه وتشذب طباعه، وتحول بينه وبين بؤر الفساد والزيغ، وتنهاه عن الفحشاء والمنكر، وكيف يرتكب الخطايا من يعلم أنه سيقف بعد قليل بين يدي ربه جل وعلا ولا يقبل منه هذا الوقوف إلا إذا كان طاهراً في قلبه ونفسه وأعضائه؟ ألم ترى كيف كف أكثر المسلمين عن الخمر لما نزل قوله تعلى: لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى [النساء:43] فيكف يقربونها وهم متلبسون بجريمة السكر؟ ولا بد من قربها لأنها تتكرر عليهم كل يوم خمس مرات، فلتهجر الخمر إذن نهائياً، ليبقوا دائماً على استعداد لملاقاة الله عز وجل.
والصلاة يا صاحبي ميزان يزن للإنسان أعماله التي قام بها بين الصلاتين كما يزن الطبيب حرارة المريض بين فترة وأخرى، فإن كانت أعماله صالحة قالت له: ثابر وتقدم، وإن كانت دون ذلك قالت له: ارجع واستقم، وإذا سمع المؤذن يعلن " الله أكبر" إنتبه إلى حالة وأدرك أن الله أكبر مما هو فيه، فانسل من دنياه ولبى منادي الله.
وثق تماماً أن من يصلي هو إنسان يرجى فيه خير والاستقامة، وإن كنت تجده في كثير من أحواله منحرفاً، إذ لا بد من أن تردعه صلاته يوماً عن هذا الانحراف، لأنه يقرأ في صلاته القرآن، ومهما يكن غافلاً فلا بد من أن تمر به لحظات يتدبر فيها معاني ما يقرأ فتهتز أوتار قلبه وتستيقظ روافد الخير فيه. وهذا يؤيده قوله: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ [العنكبوت:45] أما من لم يصل فلا يقرأ القرآن ولا ينتفع منه بشيء، ويبقى سادراً في غيه متخطباً في آثامه.
سابعاً: وليس الله تبارك وتعالى بحاجة إلى صلاتنا، بل نحن بحاجة إلى أن نصلي له، إنه غني عن خلقه، وخلقه كلهم فقراء إليه يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر:15-17] لقد خلقهم عراه حفاة صفر الأكف ضعاف الجسم جامدي التفكير، لا يفرقون بين التمرة والجمرة، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، فغذاهم وقواهم وأمدهم بالصحة والعقل والمال وسخر لهم ما في السموات والأرض، وأسبغ عليهم نعمته ظاهرة وباطنه، أتراه بعد هذا العطاء الجزيل - وهو مالك الملك وبيده خزائن السموات والأرض يفتقر إلى صلاتنا؟
لا، وإنما صلاتنا إعلان صريح عن حبنا له واعترفنا بفضله وشكرنا على نعمة.
إن هؤلاء الذين يهملون شأن الصلاة آتاهم الله من النعم مثل ما أتانا وربما يزيدهم منها علينا، غير أننا نعترف به بالفضل وهم ينكرونه، ونسوا يوم ولادتهم، يوم لا يملكون شيئاً، وغفلوا عن يوم موتهم يوم يتركون لورثتهم ما جمعوه لينعموا به وهم يحاسبون عليه، لقد تجرؤوا على الله واستكبروا عن عبادته فسوف يلقون غياً إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].
لم ألزمت نفسك بالإسلام يا تارك الصلاة إن كنت غنياً عنه؟ ولم لا تصلي إن كنت موقناً به؟ أيسوؤك أن يقال: إنك متدين تخشى الله؟ أيسرك أن يقال: إنك فاسق تحاد الله؟ كيف تطيع أوامر رؤسائك وتعصي أوامر الله؟ أفرؤساؤك عندك أعلى قدراً وأعظم شأناً من الله؟ الله أعلى وأجل.
دخل حصين بن عبيد على رسول الله يعاتبه ويلومه في تحدّيه كفار قريش وتسفيه أحلامهم وسب آلهتهم فأقام الرسول الحجة عليه ودفع باطله بكلمة حق فأذعن وآمن وكان قلبه أقسى من الحجر، قال عليه الصلاة والسلام: { يا حصين كم تعبد من إله؟ } قال: سبعاً في الأرض وواحداً في السماء، { قال: فإذا أصابك الضر من تدعو؟ }، قال: الذي في السماء، { قال: فإذا هلك المال من تدعو؟ }، قال: الذي في السماء، { قال:فيستجيب لك وحده وتشركهم معه؟... ياحصين أسلم تسلم }.(11/161)
وأنا أقول لك أيها المسلم التارك للصلاة، الغافل عمن يراقبك وعما يرتقبك: صل تسلم من عذاب الله الشديد، وعيب عليك أن تدعوا الله في البلاء وتهمله في الرخاء.
ثامناً: أما ما تجنيه من صلاتك فالخير كله، تستفيد منه أنت وإخوانك المسلمون، ألا تحب أن يغفر الله ما اكتسبته من الذنوب؟ { ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات }، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: { إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط } إذا غفر الله لك ذنبك فرح إخوانك المسلمون لأنهم يحبون لك ما يحبون لأنفسهم.
إن فوائد الصلاة أعظم من أن يحصرها عاد أو يسجلها قلم، لأنها أمر إلهي، تعبد الله بها عبادة قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ [إبراهيم:31] وجمع فيها الخير كله بأبلغ قول وأوجز عبارة، فقال: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ [العنكبوت:45] فللإنسان أن يعدد من مزاياها ما شاء في حدود هذا النطاق ولئن عجز عن إحصائها كاملة فلا أقل من أن يذكر بعضها.
إذا قضيت على آفة الفحشاء من نفسك واجتثثت جذورها من تصرفاتك خلص لك دينك وصفت نفسك وصلح قلبك وسلمت أعضاؤك واستقام أمرك، وإذا أزلت المنكر وقطعت حبائله قضيت على الجرثوم الفتاك في بناء مجتمعك، فأمنت بذلك على دينك ونفسك وعيالك.
والصلاة عون لك في الشدائد، وحل لعقد المعضلات وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45]. وهي راحة لفكرك وجسمك من مشاغل الحياة وعناء الأعمال، وهي عامل أساسي في توثيق الرباط بين المسلمين والمساواة بين الناس، والمحافظة على النظام، والسمو على كل ما في الدنيا، وإفراغ القلب من الشهوات، وطهارة النفس من العداوة والكيد، وحفظ اللسان، وصيانة البصر والسمع، والتواضع والتهذيب، والاعتياد على أداء الحقوق، والقيام بأداء الواجبات في المنشط والمكره.
ولاشك أن لها فوائد صحية تنتج عن هيئاتها الخاصة في القيام والركوع والسجود والقعود على الطريقة التي تعبدنا الله بها، وإن خفيت علينا هذه الفوائد.
ولقد كان المسلمون السابقون يتلقون أوامر الله تعالى من غير بحث عن عللها وموجباتها ويؤدونها من غير سؤال ولا استفسار، ولكن ضعف الوازع الديني في النفوس حمل الواعظين - في سبيل إرشاد النشء وهدايتهم - إلى أعمال الفكر والتكلف الشديد لاستخراج ما يكمن من فضائل ومزايا في الدين الإسلامي، ووضعها أمام أعين النشء وضع الدرهم في أكفهم، ومع ذلك فقليل من يتعظ وقليلاً ما يشكرون.
أيها المسلم:
نصيحتي لك أن تصلي وأن تحافظ على صلواتك، في أوقاتها، فوالله لا يغني أحد عنك من الله شيئاً، ولا يتحمل وزرك، ولا يجادل الله فيك ولا يدفع نقمته إذا حلت بك ولا ينفعك مالك ولا بنوك، ولا يدوم لك جاهك ولا شبابك، وستندم على تقصيرك يوم لا ينفعك الندم، وسيحل بك الموت فجأة، وأنت في غفلة عنه، فخذ عدتك وتدبر أمرك واتعظ بمن سبقك.
واعلم أن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت سئل عما بعدها من زكاة وصوم وحج، وإن ردت لم يسأل عن شيء من الخير بعدها لو زكى وصام وحج.واعلم أن من ترك فرض صلاة عمداً برئت منه ذمة الله تعالى وذمة رسوله عليه الصلاة والسلام.
وإياك أن تكون من المسلمين المزيفين الذين يصلون وقتاً ويدعون أوقاتاً، ولا من المنافقين الذين إذا قاموا إليها قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً.
وإياك أن يجري الشيطان على لسانك ما يجري على ألسنة كثير من المسلمين المزيفين الذين يقولون: ليس العبرة بالصلاة وإنما بصفاء القلب وعدم غش الناس، ويزعمون أنهم لا يؤذون أحداً وإن لم يكونوا يصلون. كذبوا.. والله لقد آذوا الله ورسوله والمؤمنين إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً [الأحزاب: 58،57] وأي إيذاء لله أعظم من معصيته؟ وأي إيذاء للرسول أكبر من مخالفته؟ وأي إيذاء للمؤمنين أشد من الاستهتار بدينهم واتباع غير طريقهم؟
وإذا رأيت أناساً يصلون ويرتكبون المعاصي فاعلم أنهم ليسوا معصومين من الزلل، وليست لمعاصيهم علاقة بصلاتهم ولست محاسباً لهم، ولا محاسباً عنهم، وثق أنهم سيرتدعون يوماً ما عن سلوكهم السيء، وكن أنت خيراً منهم، وقدوة وناصحاً لهم كن ممن تنهاه صلاته عن المنكرات، ولاتكن ممن لا يزيد في صلاته من الله إلا بعداً.
صل إن كنت عاقلاً، فو الله ما ترك الصلاة عاقل، وأحذر من أن تكون من الذين لا يستعلمون عقولهم وحواسهم فيما ينفعهم بل يتبعون أهواءهم وشياطينهم، فإن الله تعالى نعى عليهم غفلتهم وذمهم بقوله: لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].
صل إن كنت حراً كريماً ولا تقتد بالناس المارقين ولا تغتر بكثرة الهالكين.
صل إن كنت ممن يحفظ الجميل ويشكر على المعروف.
صل إن كنت صادقاً في إسلامك ولا تخالف أفعالك أقوالك فتكون المنافقين.
صل إن كنت تحب نفسك لتنجيها غداَ من عذاب أليم، وإياك أن تعاند وتصر على خطئك فيستحوذ عليك الشيطان فينسيك ذكر الله فتكون من الخاسرين.(11/162)
صل إن كنت براً بوالديك ليتقبل الله دعاءك واستغفارك لهما.
صل إن كنت محباً لأولادك، وكن أسوة صالحة لهم، وكيف تأمل أن ينشؤوا على الإسلام إن لم تطبقه أنت؟ وهل ترضى - وأنن المحب لهم - أن تراهم غداّ يتقلبون في النار؟
صل إن كنت وفياً لزوجك تريد لها الخير وتتمنى لها السلامة، أفتراها تصلي هي إن كنت أنت لا تصلي؟ وهل يشرفك أن تكون هي صالحة تقية وأنت تعيس فاجر؟ وكيف تثق هي بوفائك إن لم تكن وفياً لوالديك وأولادك؟
صل إن كنت مخلصاً لوطنك، فمن لا خير فيه لدينه لا خير فيه لوطنه، وكيف يحفظ الله للناس أوطانهم إذا عصوه وجحدوا نعمه؟ وهل حكم فيهم اليهود إلا بتركهم الصلاة وارتكابهم الفواحش والمنكرات؟
صل إن كنت تحب الله تعالى، فالمحب لا يتلذذ إلا بمناجاة محبوبه، فلتكن صلاتك جزءاً من مناجاتك.
صل إن كنت تخاف الله الكبير لأنه توعد من لم يصل بالنار، وأنت يا مسكين لا تستطيع أن تتحمل حر الشمس فيكف تقدر على النار؟ ونار الدنيا جزء من سبعين جزء من نار الآخرة، ونار الآخرة سوداء مظلمة يهوى بها الإنسان سبعين عاماً حتى يدرك قعرها.
أيسرك يا صاحبي أن يقال عنك يوم القيامة: إنك من المجرمين لأنك لم تك من المصلين؟ أيسرك أن يقول الله المنتقم لملائكة الغلاظ: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:30-32].
ألست معي أن ترك الصلاة معصية؟ فلم تتركها؟ وهل لديك وثيقة من الله تبارك تعالى أنه سيغفر لك؟ ألم تسمع توجيه الله لرسوله عليه السلام: قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأنعام: 15] فهل أنت أكرم على الله أم رسوله؟ وإذا كان رسوله في نظرك أكرم - وهو الحق - فكيف يخاف هو ربه وأنت لا تخاف؟
يا صاح: لو هددك شرطي لحسبت حسابه، ولو هددك الأمير لما هدأ لك جفن من خوفك، ولو هددك صاحب السلطة العليا في البلاد لانقطع ظهرك هلعاً ورعباً، فكيف إذا توعدك المنتقم الجبار فأين تذهب ومن يحميك منه؟
هل ينجيك أسفك وبكاؤك إذا عاينت النار؟ وأي فائدة تدخرها لآخرتك في دنياك إذا لم تصل؟ وأي خسارة تلحقك إذا صليت؟ أيهما أحب إليك: أن تكون مع السعداء في الجنة أم مع الأشقياء في النار؟
صل فلست في غنى عن الله عز وجل واعرفه في الرخاء يعرفك في الشدة.
صل ولا تكن مسلماً دعياً تنتسب إلى الإسلام وهو منك براء، وإياك أن تكون معولاً في هدمه وتخريبه وافتخر بإسلامك افتخار القائل:
أبي الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم
صل تكن درعاً لإخوانك المسلمين الطيبين تكثر عددهم وتشد عضدهم وتقهر عدوهم وتقلل عدد المنافقين.
صل ترضِ الرحمن وتسخط الشيطان وترد كيد الكائدين.
صل فالصلاة نور تزيل ظلام الزيغ والباطل، وتلقي في القلب الهدى والحق، وتنير ظلمة قبرك، وتتلألأ على جبينك ضياء يوم القيامة.
صل فالصلاة أكبر عامل في صدك عن المعاصي، وأقسى قيد الشيطان والشهوات.
صل فالحساب عسير والمحاسب قدير، وأعلم أن البهائم إذا رأت ما أعد للناس يوم القيامة من الشدائد والأهوال تقول: يا بني آدم: الحمد لله الذي لم يجعلنا مثلكم، لا جنة نرجو ولا عقاباً نخاف، ويتمنى المجرم يومئذ لو يكون تراباً.
وأخيراً صل يا أخي المسلم فأنا أصلي وأرجو لك من الخير ما أرجوه لنفسي ما دمت أخي في الإسلام.
صل طاعة لله تعالى في قوله: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] وخوفاً من أن تحشر في زمن الكافرين فقد صح عن رسول الله أنه قال: { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر }.
صل فإني والله الذي لا إله إلا هو لك من الناصحين.
جعلني الله وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد الله رب العالمين.
============
قيام الليل
دار الوطن
الحمد لله الذي جعل الصلاة راحة للمؤمنين، ومفزعاً للخائفين، ونوراً للمستوحشين، والصلاة والسلام على إمام المصلين المتهجدين، وسيد الراكعين والساجدين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين... أما بعد:
فإن قيام الليل هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات.
قيام الليل في القرآن
قال تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16]. قال مجاهد والحسن: يعني قيام الليل.
وقال ابن كثير في تفسيره: ( يعني بذلك قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة ).
وقال عبد الحق الأشبيلي: ( أي تنبو جنوبهم عن الفرش، فلا تستقر عليها، ولا تثبت فيها لخوف الوعيد، ورجاء الموعود ).
وقد ذكر الله عز وجل المتهجدين فقال عنهم: كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18،17] قال الحسن: كابدوا الليل، ومدّوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار.(11/163)
وقال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [الزمر:9]. أي: هل يستوي من هذه صفته مع من نام ليله وضيّع نفسه، غير عالم بوعد ربه ولا بوعيده؟!
إخواني: أين رجال الليل؟ أين ابن أدهم والفضيل ذهب الأبطال وبقي كل بطال !!
يا رجال الليل جدوا *** ربّ داع لا يُردُ
قيام الليل في السنة
أخي المسلم، حث النبي على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: {عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم،ومطردة للداء عن الجسد } [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
وقال النبي في شأن عبد الله بن عمر: { نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل } [متفق عليه]. قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.
وقال النبي : { في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها } فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: { لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام } [رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني].
وقال : { أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس } [رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني].
وقال : { من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين } [رواه أبو داود وصححه الألباني]. والمقنطرون هم الذين لهم قنطار من الأجر.
وذكر عند النبي رجل نام ليلة حتى أصبح فقال: { ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه !! } [متفق عليه].
وقال : { أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل } [رواه مسلم].
قيام النبي
أمر الله تعالى نبيه بقيام الليل في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً [المزمل: 1-4].
وقال سبحانه: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً [الإسراء: 79].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: { كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقلت له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ } [متفق عليه].
وهذا يدل على أن الشكر لا يكون باللسان فحسب، وإنما يكون بالقلب واللسان والجوارح، فقد قام النبي بحق العبودية لله على وجهها الأكمل وصورتها الأتم، مع ما كان عليه من نشر العقيدة الإسلامية، وتعليم المسلمين، والجهاد في سبيل الله، والقيام بحقوق الأهل والذرية، فكان كما قال ابن رواحة:وفينا رسول الله يتلو كتابه *** إذا انشق معروفٌ من الصبح ساطعُ
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا *** به موقناتٌ أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه *** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
وعن حذيفة قال: { صليت مع النبي ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مُتَرَسلاً، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوّذ تعوذ... الحديث } [رواه مسلم].
وعن ابن مسعود قال: { صليت مع النبي ليلة، فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء. قيل: ما هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأَدَعَهُ ! } [متفق عليه].
قال ابن حجر: ( وفي الحديث دليل على اختيار النبي تطويل صلاة الليل، وقد كان ابن مسعود قوياً محافظاً على الاقتداء بالنبي ، وما هم بالقعود إلا بعد طول كثير ما اعتاده ).
قيام الليل في حياة السلف
قال الحسن البصري: ( لم أجد شيئاً من العبادة أشد من الصلاة في جوف الليل ).
وقال أبو عثمان النهدي: ( تضيّفت أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثاً، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا ).
وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلى، ثم يقول: اللهم إن جهنم لا تدعني أنام، فيقوم إلى مصلاه.
وكان طاوس يثب من على فراشه، ثم يتطهر ويستقبل القبلة حتى الصباح، ويقول: طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين !!
وكان زمعة العابد يقوم فيصلي ليلاً طويلاً، فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته: يا أيها الركب المعرِّسون، أكُل هذا الليل ترقدون؟ ألا تقومون فترحلون !! فيسمع من هاهنا باكٍ، ومن هاهنا داع، ومن هاهنا متوضئ، فإذا طلع الفجر نادى: عند الصباح يحمد القوم السرى !!
طبقات السلف في قيام الليل
قال ابن الجوزي: واعلم أن السلف كانوا في قيام الليل على سبع طبقات:
الطبقة الأولى: كانوا يحيون كل الليل، وفيهم من كان يصلي الصبح بوضوء العشاء.
الطبقة الثانية: كانوا يقومون شطر الليل.
الطبقة الثالثة: كانوا يقومون ثلث الليل، قال النبي : { أحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود؛ كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سُدسه } [متفق عليه].
الطبقة الرابعة: كانوا يقومون سدس الليل أو خمسه.
الطبقة الخامسة: كانوا لا يراعون التقدير، وإنما كان أحدهم يقوم إلى أن يغلبه النوم فينام، فإذا انتبه قام.
الطبقة السادسة: قوم كانوا يصلون من الليل أربع ركعات أو ركعتين.(11/164)
الطبقة السابعة: قوم يُحيون ما بين العشاءين، ويُعسِّلون في السحر، فيجمعون بين الطرفين. وفي صحيح مسلم أن النبي قال: { إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا آتاه، وذلك كل ليلة }.
الأسباب الميسِّرة لقيام الليل
ذكر أبو حامد الغزالي أسباباً ظاهرة وأخرى باطنة ميسرة لقيام الليل:
فأما الأسباب الظاهرة فأربعة أمور:
الأول: ألا يكثر الأكل فيكثر الشرب، فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام.
الثاني: ألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه.
الثالث: ألا يترك القيلولة بالنهار فإنها تعين على القيام.
الرابع: ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل.
وأما الأسباب الباطنة فأربعة أمور:
الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين، وعن البدع وعن فضول الدنيا.
الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل.
الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل.
الرابع: وهو أشرف البواعث: الحب لله، وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه.
قيام رمضان
قيام رمضان هو صلاة التراويح التي يؤديها المسلمون في رمضان، وهو من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه في هذا الشهر.قال الحافظ ابن رجب: ( واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين وُفِّي أجره بغير حساب ).
وقال الشيخ ابن عثيمين: ( وصلاة الليل في رمضان لها فضيلة ومزية على غيرها، لقول النبي : { من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [متفق عليه] وقيام رمضان شامل للصلاة في أول الليل وآخره، وعلى هذا فالتراويح من قيام رمضان، فينبغي الحرص عليها والاعتناء بها، واحتساب الأجر والثواب من الله عليها، وما هي إلا ليالٍ معدودة ينتهزها المؤمن العاقل قبل فواتها ).
وتشرع صلاة التراويح جماعة في المساجد، وكان النبي أول من سنّ الجماعة في صلاة التراويح في المسجد، ثم تركها خشية أن تُفرض على أمته، فلما لحق رسول الله بجوار ربه، واستقرت الشريعة؛ زالت الخشية، وبقيت مشروعية صلاتها جماعة قائمة.
وعلى المسلمين الاهتمام بهذه الصلاة وأداؤها كاملة، والصبر على ذلك لله عز وجل.
قال الشيخ ابن عثيمين: ( ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح لينال ثوابها وأجرها، ولا ينصرف حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله ).
ويجوز للنساء حضور التراويح في المساجد إذا أمنت الفتنة منهن وبهن. ولكن يجب أن تأتي متسترة متحجبة، غير متبرجة ولا متطيبة، ولا رافعة صوتاً ولا مبدية زينة.
والسنة للنساء أن يتأخرن عن الرجال ويبعدن عنهم، ويبدأن بالصف المؤخر فالمؤخر عكس الرجال، وينصرفن من المسجد فور تسليم الإمام ولا يتأخرن إلا لعذر، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: { كان النبي إذا سلّم قام النساء حين يقضي تسليمه، وهو يمكث في مقامه يسيراً قبل أن يقوم. قالت: نرى - والله أعلم - أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال } [رواه البخاري].
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
============
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
دار الوطن
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن من أهم المهمات وأفضل القربات التناصح والتوجيه إلى الخير والتواصي بالحق والصبر عليه، والتحذير مما يخالفه ويغضب الله عز وجل، ويباعد من رحمته، وأسأله عز وجل أن يصلح قلوبنا وأعمالنا وسائر المسلمين، وأن يمنحنا الفقه في دينه، والثبات عليه، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح جميع ولاة أمور المسلمين، ويوفقهم لكل خير، ويصلح لهم البطانة، ويعينهم على كل ما فيه صلاح العباد والبلاد، ويمنحهم الفقه في الدين، ويشرح صدورهم لتحكيم شريعته، والاستقامة عليها إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
أيها المسلمون:
إن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوع عظيم، جدير بالعناية؛ لأن في تحقيقه مصلحة الأمة ونجاتها، وفي إهماله الخطر العظيم والفساد الكبير، واختفاء الفضائل، وظهور الرذائل.
وقد أوضح الله جل وعلا في كتابه العظيم منزلته في الإسلام، وبيّن سبحانه أن منزلته عظيمة، حتى إنه سبحانه في بعض الآيات قدمه على الإيمان، الذي هو أصل الدين وأساس الإسلام، كما في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
ولا نعلم السر في هذا التقديم، إلا عظم شأن هذا الواجب، وما يترتب عليه من المصالح العظيمة العامة، ولا سيما في هذا العصر، فإن حاجة المسلمين وضرورتهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شديدة؛ لظهور المعاصي، وانتشار الشرك والبدع في غالب المعمورة.
وقد كان المسلمون في عهده وعهد أصحابه وفي عهد السلف الصالح يعظمون هذا الواجب، ويقومون به خير قيام، فالضرورة إليه بعد ذلك أشد وأعظم، لكثرة الجهل وقلة العلم وغفلة الكثير من الناس عن هذا الواجب العظيم.
وفي عصرنا هذا صار الأمر أشد، والخطر أعظم، لانتشار الشرور والفساد، وكثرة دعاة الباطل، وقلة دعاة الخير في غالب البلاد كما تقدم.
ومن أجل هذا أمر الله سبحانه وتعالى به، ورغب فيه، وقدّمه في آية آل عمران على الإيمان، وهي قوله سبحانه وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110].(11/165)
يعني أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فهي خير الأمم وأفضلها عند الله، كما في الحديث الصحيح، عن النبي أنه قال: { أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل }.
لماذا بعث الله الرسل؟
والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر موجود في الأمم السابقة، بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب.
وأصل المعروف توحيد الله، والإخلاص له.
وأصل المنكر الشرك بالله، وعبادة غيره.
وجميع الرسل بعثوا يدعون الناس إلى توحيد الله، الذي هو أعظم المعروف، وينهون الناس عن الشرك بالله، الذي هو أعظم المنكر.
ولما فرط بنوا إسرائيل في ذلك وأضاعوه، قال الله جل وعلا في حقهم: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [المائدة:78].
ثم فسر هذا العصيان فقال سبحانه: كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:79].
فجعل هذا من أكبر عصيانهم واعتدائهم، وجعله التفسير لهذه الآية ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة:78-79]. وما ذلك إلا لعظم الخطر في ترك هذا الواجب.
وأثنى الله جل وعلا على أمة منهم في ذلك فقال سبحانه في سورة آل عمران: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ [آل عمران:113-115].
هذه طائفة من أهل الكتاب لم يصبها ما أصاب الذين ضيعوه، فأثنى الله عليهم سبحانه وتعالى في ذلك.
وفي آية أخرى من كتاب الله عز وجل في سورة التوبة قدم سبحانه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وما ذلك إلا لعظم شأنه.
لأي معنى قدم الواجب؟
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، ومع ذلك قدمه في هذه الآية على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فقال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].
فقدم هنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إقام الصلاة، مع أن الصلاة عمود الإسلام، وهي أعظم الأركان بعد الشهادتين، فلأي معنى قدم هذا الواجب؟
لا شك أنه قُدم لعظم الحاجة إليه وشدة الضرورة إلى القيام به.
ولأن بتحقيقه تصلح الأمة، ويكثر فيها الخير وتظهر فيها الفضائل وتختفي منها الرذائل، ويتعاون أفرادها على الخير، ويتناصحون ويجاهدون في سبيل الله، ويأتون كل خير ويذرون كل شر.
وبإضاعته والغفلة عنه تكون الكوارث العظيمة، والشرور الكثيرة، وتفترق الأمة، وتقسوا القلوب أو تموت، وتظهر الرذائل وتنتشر، وتختفي الفضائل ويهضم الحق، ويظهر صوت الباطل، وهذا أمر واقع في كل مكان وكل دولة وكل بلد وكل قرية لا يؤمر فيها بالمعروف ولا ينهى فيها عن المنكر، فإنه تنتشر فيها الرذائل وتظهر فيها المنكرات ويسود فيها الفساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أهل الرحمة:
وبين سبحانه أن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمقيمين للصلاة والمؤتين للزكاة والمطيعين لله ولرسوله هم أهل الرحمة، فقال سبحانه وتعالى: أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة:71].
فدل ذلك على أن الرحمة، إنما تنال بطاعة الله واتباع شريعته، ومن أخص ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا تنال الرحمة بالأماني ولا بالأنساب؛ ككونه من قريش أو من بني هاشم أو من بني فلان.
ولا بالوظائف، ككونه ملكا، أو رئيس جمهورية، أو وزيرا أو غير ذلك من الوظائف، ولا تنال أيضاً بالأموال والتجارات، ولا بوجود كثرة المصانع، ولا بغير هذا من شئون الناس.
وإنما تنال الرحمة بطاعة الله ورسوله، واتباع شريعته.
ومن أعظم ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله في كل شيء، فهؤلاء هم أهل الرحمة، وهم الذين في الحقيقة يرجون رحمة الله، وهم الذين في الحقيقة يخافون الله ويعظمونه، فما أظلم من أضاع أمره وارتكب نهيه، وإن زعم أنه يخافه ويرجوه.
وإنما الذي يعظم الله حقا، ويخافه ويرجوه حقا، من أقام أمره واتبع شريعته، وجاهد في سبيله، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
قال سبحانه في سورة البقرة: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ [البقرة:218].
فجعلهم سبحانه راجين رحمة الله، لما آمنوا وجاهدوا وهاجروا لإيمانهم وهجرتهم وجهادهم، ما قال:
إن الذين بنو القصور.
أو الذين عظمت تجاراتهم.
أو تنوعت أعمالهم.
أو الذين ارتفعت أنسابهم هم الذين يرجون رحمة الله.
بل قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:218].
فرجاء الرحمة وخوف العذاب، يكونان بطاعة الله ورسوله، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولتكن منكم أمة:(11/166)
وفي آية أخرى حصر سبحانه الفلاح في الدعاة إلى الخير، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فقال عز وجل: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104].
فأبان سبحانه أن هؤلاء الذين هذه صفاتهم وهي:
الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - هم المفلحون، والمعنى أنهم هم المفلحون على الكمال والتمام، وإن كان غيرهم من المؤمنين مفلحا، إذا تخلى عن بعض هذه الصفات لعذر شرعي، لكن المفلحون على الكمال والتمام هم هؤلاء الذين دعوا إلى الخير، وأمروا بالمعروف وبادروا إليه، ونهوا عن المنكر وابتعدوا عنه.
أما الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لأغراض أخرى: كرياء وسمعة، أو حظ عاجل أو أسباب أخرى، أو يتخلفون عن فعل المعروف، ويرتكبون المنكر، فهؤلاء من أخبث الناس، ومن أسوئهم عاقبة.
وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد عن النبي أنه قال: { يؤتي بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه - أي أمعاؤه - فيدور في النار كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع عليه أهل النار فيقولون مالك يا فلان؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال فيقول لهم بلى ولكني كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه!! }.
هذه حال من خالف قوله فعله - نعوذ بالله - تسعر به النار، ويفضح على رؤوس الأشهاد، يتفرج عليه أهل النار، ويتعجبون كيف يلقى في النار. هذا ويدور في النار كما يدور الحمار بالرحى، وتندلق أقتاب بطنه، يسحبها، لماذا؟!
لأنه كان يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه.
فعلم بذلك أن المقصود الأمر بالمعروف مع فعله، والنهي عن المنكر مع تركه. وهذا هو الواجب على كل مسلم، وهذا الواجب العظيم أوضح الله شأنه في كتابه الكريم، ورغب فيه، وحذر من تركه، ولعن من تركه.
فالواجب على أهل الإسلام أن يعظموه، وأن يبادروا إليه، وأن يلتزموا به طاعة لربهم عز وجل، وامتثالاً لأمره، وحذراً من عقابه سبحانه وتعالى.
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وقد جاءت سنة رسول الله تؤيد هذا الأمر، وتبين ذلك أعظم بيان وتشرحه، فيقول المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: { من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } [خرجه الإمام مسلم في صحيحه].
فبين مراتب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر الثلاث:
المرتبة الأولى:
الإنكار باليد مع القدرة، وذلك بإراقة أواني الخمر، وكسر آلات اللهو، ومنع من أراد الشر بالناس وظلمهم من تنفيذ مراده إن استطاع ذلك كالسلطان ونحوه من أهل القدرة، وكإلزام الناس بالصلاة، وبحكم الله الواجب اتباعه ممن يقدر على ذلك، إلى غير هذا مما أوجب الله.
وهكذا المؤمن مع أهله وولده، يلزمهم بأمر الله ويمنعهم مما حرم الله باليد إذا لم ينفع فيهم الكلام.
وهكذا من له ولاية من أمر أو محتسب، أو شيخ قبيلة أو غيرهم ممن له ولاية من جهة ولي الأمر، أو من جهة جماعته، حيث ولوه عليهم، عند فقد الولاية العامة يقوم بهذا الواجب حسب طاقته، فإن عجز انتقل إلى:
المرتبة الثانية:
وهي اللسان، يأمرهم باللسان وينهاهم كأن يقول: يا قوم اتقوا الله، يا إخواني اتقوا الله، صلوا وأدوا الزكاة، اتركوا هذا المنكر، افعلوا كذا، دعوا ما حرم الله، بروا والديكم، صلوا أرحامكم، إلى غير هذا، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر باللسان، ويعظهم ويذكرهم، ويتحرى الأشياء التي يفعلونها، حتى ينبههم عليها.
ويعاملهم بالأسلوب الحسن، مع الرفق، يقول عليه الصلاة والسلام: { إن الله يحب الرفق في الأمر كله }، ويقول : { إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه }.
وجاء جماعة من اليهود، فدخلوا عليه فقالوا: ( السام عليك يا محمد )، يعنون الموت، وليس مرادهم السلام. فسمعتهم عائشة رضي الله عنها، فقالت: ( عليكم السام واللعنة ). وفي لفظ آخر: ( ولعنكم الله، وغضب عليكم )، فقال : { مهلاً يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله } قالت: ( ألم تسمع ما قالوا؟ ) قال: { ألم تسمعي ما قلت لهم؟ قلت لهم وعليكم فإنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا }.
هذا وهم يهود رفق بهم ، لعلهم يهتدون، ولعلهم ينقادون للحق، ولعلهم يستجيبون لداعي الإيمان.
فهكذا الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الموفق، يتحرى الرفق والعبارات المناسبة، والألفاظ الطيبة عندما يمر على من قصر في ذلك، في المجلس أو في الطريق أو في أي مكان يدعوهم بالرفق والكلام الطيب، حتى ولو جادلوه في شيء خفي عليهم، أو كابروا فيه يجادلهم بالتي هي أحسن، كما قال سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]. وقال سبحانه: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46].
من هم أهل الكتاب؟. هم اليهود والنصارى، وهم كفار، ومع ذلك يقول الله عنهم: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46].
والمعنى أن من ظلم منهم وتعدى وأساء الكلام فإنه ينتقل معه إلى علاج آخر غير الجدال بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40].
وقال سبحانه: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194].(11/167)
لكن ما دام المقام مقام تعليم ودعوة وإيضاح للحق، فإنه يكون بالتي هي أحسن لأن هذا أقرب إلى الخير، قال سفيان الثوري رحمه الله: ( ينبغي للآمر والناهي أن يكون رفيقا فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، عدلا فيما يأمر به، عدلاً فيما ينهي عنه، عالماً بما يأمر به، عالماً بما ينهى عنه ).
وهذا معنى كلام السلف رحمهم الله، تحري الرفق مع العلم والحلم والبصيرة، لا يأمر ولا ينهى إلا عن علم، لا عن جهل. ويكون مع ذلك رفيقاً عاملاً بما يدعوه إليه تاركاً ما ينهى عنه، حتى يقتدى به.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود عن النبي أنه قال: { ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل }.
وهذا الحديث مثل حديث أبي سعيد السابق المتضمن الإنكار باليد، ثم اللسان ثم القلب.
فالخلوف التي تخلف بعد الأنبياء هذا حكمهم في أممهم، فيؤمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويعلمون أحكام الله، ويجاهدون في ذلك باليد ثم اللسان ثم القلب.
وهكذا في أمة محمد يجب على علمائهم وأمرائهم وأعيانهم وفقهائهم أن يتعهدوهم بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال، وإقامة الحدود والتعزيرات الشرعية، حتى يستقيم الناس، ويلزموا الحق، ويقيموا عليهم الحدود الشرعية، ويمنعوهم من ارتكاب ما حرم الله حتى لا يتعدى بعضهم على بعض، أو ينتهكوا محارم الله.
وقد ثبت عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، الخليفة الراشد أنه قال: ( إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ) ويروى عن عمر أيضاً.
وهذا صحيح، كثير من الناس لو جئته بكل آية، لم يمتثل، لكن إذا جاءه وازع السلطان بالضرب والسجن ونحو ذلك أذعن، وترك باطلة.. لماذا؟!
لأن قلبه مريض، ولأنه ضعيف الإيمان أو معدوم الإيمان.. فلهذا لا يتأثر بالآيات والأحاديث.. لكن إذا خاف من السلطان ارتدع ووقف عند حده، ووازع السلطان له شأن عظيم.
ولهذا شرع الله لعباده القصاص والحدود والتعزيرات لأنها تردع عن الباطل، وأنواع الظلم، ولأن الله يقيم بها الحق، فوجب على ولاة الأمور أن يقيموها، وأن يعينوا من يقيمها، وأن يلاحظوا الناس، ويلزموهم بالحق، ويوقفوهم عند حدهم حتى لا يهلكوا، وينقادوا مع تيار الباطل، ويكونوا عوناً للشيطان وجنده علينا.
المرتبة الثالثة:
إذا عجز المؤمن عن الإنكار باليد واللسان انتهي إلى القلب، يكره المنكر بقلبه، ويبغضه ولا يكون جليساً لأهله.
وروي عن عبدالله بن مسعود أنه قال له بعض الناس: ( هلكت أن لم آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. فقال له رضي الله عنه: هلكت إن لم يعرف قلبك المعروف وينكر المنكر ).
رد الدعاء وعدم النصر:
ومما يتعلق بموضوعنا: موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما ورد في الحديث أيضاً عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: { يقول الله عز وجل: مروا بالمعروف وأنهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم وقبل أن تسألوني فلا أعطيكم وقبل أن تستنصروني فلا أنصركم }.
وفي لفظ آخر من حديث حذيفة يقول عليه الصلاة والسلام: { والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم } [رواه الإمام أحمد].
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المهمات العظيمة كما سبق، وفي حديث ابن مسعود عند أحمد وأبي داود والترمذي يقول عليه الصلاة والسلام: { لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم وآكلوهم وشاربوهم فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم ببعض ثم لعنهم على لسان أنبيائهم داود وعيسى بن مريم } ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [البقرة:61].
وفي لفظ آخر: { إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أن الرجل كان يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تفعل من المعاصي ثم يلقاه في الغد فلا يمنعه ما رآه منه أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض ثم لعنهم }.
فعلينا أن نحذر من أن يصيبنا ما أصاب أولئك.
وقد جاء في بعض الأحاديث أن إهمال هذا الواجب وعدم العناية به - أعني واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - من أسباب رد الدعاء وعدم النصر كما تقدم.
ولا شك أن هذه مصيبة عظيمة، من عقوبات ترك هذا الواجب أن يخذل المسلمون وأن يتفرقوا وأن يسلط عليهم أعداؤهم، وأن لا يستجاب دعاؤهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وقد يكون هذا الواجب فرض عين على بعض الناس، إذا رأى المنكر، وليس عنده من يزيله غيره، فإنه يجب عليه أن يزيله مع القدرة، لما سبق من قوله : { من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } [خرجه مسلم في الصحيح].
أما إن كانوا جماعة فإنه يكون في حقهم فرض كفاية في البلد أو القرية أو القبيلة، فمن أزاله منهم حصل به المقصود وفاز بالأجر.. وإن تركوه جميعا أثموا كسائر فروض الكفايات.
وإذا لم يكن في البلد أو القبيلة إلا عالم واحد وجب عليه عينا أن يعلم الناس، ويدعوهم إلى الله، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر حسب طاقته، لما تقدم من الأحاديث، ولقوله سبحانه وتعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
الصبر والإحتساب:(11/168)
ومن وفقه الله للصبر والاحتساب من العلماء والدعاة، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والإخلاص لله، نجح ووفق وهدى ونفع الله به كما قال سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
وقال تبارك وتعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].
وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].
وقال تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر].
فالرابحون الناجون في الدنيا والآخرة هم أهل الإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
ومعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والتواصي بالصبر من جملة التقوى، ولكن الله سبحانه خصها بالذكر لمزيد من الإيضاح والترغيب.
والمقصود أن من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعا إلى الله وصبر على ذلك فهو من أهل هذه الصفات العظيمة، الفائزين بالربح الكامل والسعادة الأبدية، إذا مات على ذلك.
ومما يؤكد الالتزام بهذه الصفات العظيمة قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2].
التفقه في دين الله:
فلابد يا أخي أن تعرف المعروف بالتعلم والتفقه في الدين، ولابد أن تعرف المنكر بذلك، ثم تقوم بالواجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالتبصر والتفقه في الدين من علامات السعادة ودلائل أن الله أراد بالعبد خيراً، كما في الصحيحين عن معاوية عن النبي أنه قال: { من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين }.
فإذا رأيت الرجل يتبع حلقات العلم، ويسأل عن العلم، ويتفقه ويتبصر فيه، فذلك من علامات أن الله أراد به خيراً فليلزم ذلك، وليجتهد ولا يمل ولا يضعف، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: { من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة } [رواه الإمام مسلم في صحيحه].
فطلب العلم له شأن عظيم، ومن الجهاد في سبيل الله، ومن أسباب النجاة ومن الدلائل على الخير، ويكون بحضور حلقات العلم، ويكون بمراجعة الكتب المفيدة، إذا كان ممن يفهمها، ويكون بسماع الخطب والمواعظ، ويكون بسؤال أهل العلم.. كل ذلك من الطرق المفيدة.
ويكون أيضاً بحفظ القرآن الكريم، وهو الأصل في العلم، فالقرآن رأس كل علم، وهو الأساس العظيم، وهو حبل الله المتين، وهو أعظم كتاب وأشرف كتاب، وهو أعظم قائد إلى الخير، وأعظم ناه عن الشر.
فوصيتي لكل مؤمن ولكل مؤمنة العناية بالقرآن والإكثار من تلاوته والحرص على حفظه أو ما تيسر منه، مع التدبر والتعقل، ففيه الهدى والنور، كما قال سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]. وقال عز من قائل: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [ص:29].
ويقول تبارك وتعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].
فعلينا أن نعني بكتاب الله، تلاوة وحفظا، وتدبرا وتفقها، وعملا وسؤالا عما أشكل.
وهكذا سنة الرسول ، هي الوحي الثاني، وهي الأصل الثاني، وهي المفسرة لكتاب الله، والدالة عليه.
فعلى طالب العلم، وعلى كل مسلم أن يعني بذلك حسب طاقته، وحسب علمه بالحفظ والمراجعة، كحفظ الأربعين النووية وتكملتها لابن رجب خمسين حديثا، وهي من أجمع الأحاديث وأنفعها، وهي من جوامع الكلم، فينبغي حفظها للرجل والمرأة.
ومثل ذلك "عمدة الحديث" للحافظ عبد الغني المقدسي، كتاب عظيم جمع أربعمائة حديث وزيادة يسيرة من أصح الأحاديث في أبواب العلم.. فإذا تيسر حفظها فذلك من نعم الله العظيمة.
وهكذا "بلوغ المرام" للحافظ ابن حجر، كتاب عظيم مختصر، ومفيد محرر، فإذا تيسر لطالب العلم حفظه فذلك خير عظيم.
ومما يتعلق بكتب العقيدة: كتابان جليلان للشيخ الإمام محمد عبد الوهاب رحمه الله هما: "كتاب التوحيد"، وكتاب "كشف الشبهات".
ومن كتب العقيدة المهمة كتاب "العقيدة الواسطية" لشيخ الإسلام ابن تيمية فهو كتاب جليل مختصر عظيم الفائدة في مجمل عقيدة أهل السنة والجماعة.
وكتاب "الإيمان" لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب كتاب عظيم، جمع فيه جملة من الأحاديث المتعلقة بالإيمان، فينبغي لطالب العلم وطالبة العلم أن يحفظا ما تيسر من هذه الكتب المفيدة وأشباهها، مع العناية بالقرآن الكريم والإكثار من تلاوته وحفظه، أو ما تيسر منه كما تقدم، ومع العناية بالمذاكرة مع الزملاء وسؤال المدرسين والعلماء الذين يعتقد فيهم الخير والعلم عما أشكل عليه، ويسأل ربه التوفيق والإعانة، ولا يضعف ولا يكسل ويحفظ وقته ويجعله أجزاء:
جزء من يومه وليلته لتلاوة القرآن الكريم وتدبره.
وجزء لطلب العلم والتفقه في الدين وحفظ المتون ومراجعة ما أشكل عليه.
وجزء لحاجته مع أهله.
وجزء لصلاته وعبادته، وأنواع الذكر والدعاء.(11/169)
ومما يفيد طالب العلم وطالبة العلم فائدة عظيمة الاستماع لبرنامج نور على الدرب، فهو برنامج مفيد لطالب العلم وعامة المسلمين وغيرهم؛ لأن فيه أسئلة وأجوبة مهمة لجماعة من المشايخ المعروفين بالخير والعلم، فينبغي العناية بهذا البرنامج، واستماع ما فيه من فائدة، وهو يذاع مرتين في كل ليلة، بين المغرب والعشاء من نداء الإسلام، والساعة التاسعة والنصف من إذاعة القرآن الكريم.
وأسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يوفقنا وجميع المسلمين للعلم النافع، والعمل الصالح، وأن يمنحنا الفقه في دينه، والثبات عليه، وأن يرزقنا جميعا القيام بهذا الواجب حسب الطاقة والإمكان، وأن يوفق ولاة أمور المسلمين للقيام بهذا الواجب والصبر عليه، وأن يوفق من أسند إليه هذا الواجب أن يقوم به على خير ما يرام وأن يعين الجميع على أداء حقه والنصح له، ولعباده إنه تعالى جواد كريم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
============
وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
مكتب الدعوة و الإرشاد بسلطانة
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد المرسل رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، وعلى آله وأصحابه الذين حملوا كتاب ربهم سبحانه، وسنة نبيهم إلى من بعدهم، بغاية الأمانة والإتقان، والحفظ التام للمعاني والألفاظ رضي الله عنهم وأرضاهم وجعلنا من أتباعهم بإحسان.
أما بعد: فقد أجمع العلماء قديما وحديثا على أن الأصول المعتبرة في إثبات الأحكام، وبيان الحلال والحرام: كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ثم إجماع علماء الأمة، واختلف العلماء في أصول أخرى أهمها القياس، وجمهور أهل العلم على أنه حجة إذا استوفى شروطه المعتبرة، والأدلة على هذه الأصول أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر:
أما الأصل الأول:
فهو كتاب الله العزيز، وقد دل كلام ربنا عز وجل في مواضع من كتابه على وجوب اتباع هذا الكتاب والتمسك به، والوقوف عند حدوده، قال تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ وقال تعالى: َذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقال تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ وقال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ . وقال تعالى: هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقد جاءت الأحاديث الصحاح عن رسول الله آمرة بالتمسك بالقرآن والاعتصام به، دالة على أن من تمسك به كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلال، ومن ذلك ما ثبت عنه أنه قال في خطبته في حجة الوداع: { إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله } [رواه مسلم في صحيحه]، وفي صحيح مسلم أيضا عن زيد بن أرقم أن النبي قال: { إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به } فحث على كتاب الله، ورغب فيه، ثم قال: { وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي } - وفي لفظ قال في القرآن - { هو حبل الله من تسمك به كان على الهدى ومن تركه كان على الضلال }. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وفي إجماع أهل العلم والإيمان من الصحابة ومن بعدهم على وجوب التمسك بكتاب الله والحكم به، والتحاكم إليه مع سنة رسول الله ما يكفي ويشفي عن الإطالة في ذكر الأدلة الواردة في هذا الشأن.
أما الأصل الثاني من الأصول الثلاثة المجمع عليها:
فهو ما صح عن رسول الله وأصحاب النبي ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان، يؤمنون بهذا الأصل الأصيل، ويحتجون به ويعلمونه الأمة، وقد ألفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة، وأوضحوا ذلك في كتب أصول الفقه والمصطلح، والأدلة على ذلك لا تحصى كثرة فمن ذلك ما جاء في كتاب الله العزيز من الأمر باتباعه وطاعته، وذلك موجه إلى أهل عصره ومن بعدهم لأنه رسول الله إلى الجميع، ولأنهم مأمورون باتباعه وطاعته حتى تقوم الساعة، ولأنه عليه الصلاة والسلام هو المفسر لكتاب الله، والمبين لما أجمل فيه بأقواله وأفعاله وتقريره، ولولا السنة لم يعرف المسلمون عدد ركعات الصلوات وصفاتها وما يجب فيها، ولم يعرفوا تفصيل أحكام الصيام والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يعرفوا تفاصيل أحكام المعاملات والمحرمات وما أوجب الله بها من حدود وعقوبات.(11/170)
ومما ورد في ذلك من الآيات قوله تعالى في سورة آل عمران: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقوله تعالى في سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا .
وقال تعالى في سورة النساء أيضا: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وكيف يمكن طاعته ورد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله إذا كانت سنته لا يحتج بها، أو كانت كلها غير محفوظة، وعلى هذا القول يكون الله قد أحال عباده إلى شيء لا وجود له، وهذا من أبطل الباطل، ومن أعظم الكفر بالله وسوء الظن به، وقال عز وجل في سورة النحل: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ وقال فيها أيضا: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فكيف يكل الله سبحانه إلى رسوله تبيين المنزل إليهم وسنته لا وجود لها أو لا حجة فيها، ومثل ذلك قوله تعالى في سورة النور: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ وقال تعالى في السورة نفسها: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ، وقال في سورة الأعراف: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ .
وفي هذه الآيات الدلالة الواضحة على أن الهداية والرحمة في اتباعه عليه الصلاة والسلام، وكيف يمكن ذلك مع عدم العمل بسنته، أو القول بأنه لا صحة لها أو لا يعتمد عليها، وقال عز وجل في سورة النور: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وقال في سورة الحشر: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا والآيات في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على وجوب طاعته عليه الصلاة والسلام، واتباع ما جاء به، كما سبقت الأدلة على وجوب اتباع كتاب الله، والتمسك به وطاعة أوامره ونواهيه، وهما أصلان متلازمان، من جحد واحدا منهما فقد جحد الأخر وكذب به، وذلك كفر وضلال، وخروج عن دائرة الإسلام بإجماع أهل العلم والإيمان، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله في وجوب طاعته، واتباع ما جاء به، وتحريم معصيته، وذلك في حق من كان في عصره، وفي حق من يأتي بعده إلى يوم القيامة، ومن ذلك ما ثبت عنه في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي قال: { من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله } وفي صحيح البخاري عنه أن النبي قال: { كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل يا رسول الله ومن يأبى؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى } وخرج أحمد وأبو داود والحاكم بإسناد صحيح عن المقدام بن معدي كرب، عن رسول الله أنه قال: { ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه }.
وخرج أبو داود وابن ماجة بسند صحيح: عن ابن أبي رافع عن أبيه عن النبي قال: { لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه }.
وعن الحسن بن جابر قال: سمعت المقدام بن معدي كرب يقول: حرم رسول الله يوم خيبر أشياء ثم قال: { يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ يحدث بحديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله } [أخرجه الحاكم والترمذي وابن ماجة بإسناد صحيح]. وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله بأنه كان يوصي أصحابه في خطبته أن يبلغ شاهدهم غائبهم ويقول لهم: { رب مبلغ أوعى من سامع } ومن ذلك ما في الصحيحين أن النبي لما خطب الناس في حجة الوداع في يوم عرفة وفي يوم النحر قال لهم: { فليبلغ الشاهد الغائب فرب من يبلغه أوعى له ممن سمعه } فلولا أن سنته حجة على من سمعها وعلى من بلغته، ولولا أنها باقية إلى يوم القيامة لم يأمرهم بتبليغها، فعلم بذلك أن الحجة بالسنة قائمة على من سمعها من فيه عليه الصلاة والسلام وعلى من نقلت إليه بالأسانيد الصحيحة.(11/171)
وقد حفظ أصحاب رسول الله سنته عليه الصلاة والسلام القولية والفعلية، وبلغوها من بعدهم من التابعين، ثم بلغها التابعون من بعدهم، وهكذا نقلها العلماء الثقات جيلا بعد جيل، وقرنا بعد قرن، وجمعوها في كتبهم، وأوضحوا صحيحها من سقيمها، ووضعوا لمعرفة ذلك قوانين وضوابط معلومة بينهم يعلم بها صحيح السنة من ضعيفها، وقد تداول أهل العلم كتب السنة من الصحيحين وغيرهما، وحفظوها حفظا تاما، كما حفظ الله كتابه العزيز من عبث العابثين، وإلحاد الملحدين، وتحريف المبطلين، تحقيقا لما دل عليه قوله سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ولا شك أن سنة رسول الله وحي منزل، فقد حفظها الله كما حفظ كتابه، وقيض الله لها علماء نقادا ينفون عنها تحريف المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويذبون عنها كل ما ألصقه بها الجاهلون والكذابون والملحدون؛ لأن الله سبحانه جعلها تفسيرا لكتابه الكريم، وبيانا لما أجمل فيه من الأحكام، وضمنها أحكاما أخرى، لم ينص عليها الكتاب العزيز، كتفصيل أحكام الرضاع، وبعض أحكام المواريث، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها، إلى غير ذلك من الأحكام التي جاءت بها السنة الصحيحة ولم تذكر في كتاب الله العزيز.
ذكر بعض ما ورد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم في تعظيم السنة، ووجوب العمل بها.. في الصحيحين عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله وارتد من ارتد من العرب، قال أبو بكر الصديق والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فقال له عمر كيف تقاتلهم وقد قال النبي : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها } فقال أبو بكر الصديق أليست الزكاة من حقها والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها فقال عمر فما هو إلا أن عرفت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق وقد تابعه الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، فقاتلوا أهل الردة حتى ردوهم إلى الإسلام، وقتلوا من أصر على ردته، وفي هذه القصة أوضح دليل على تعظيم السنة، ووجوب العمل بها، وجاءت الجدة إلى الصديق تسأله عن ميراثها، فقال لها: ليس لك في كتاب الله شيء، ولا أعلم أن رسول الله قضى لك بشيء، وسأسأل الناس. ثم سأل الصحابة: فشهد عنده بعضهم بأن النبي أعطى الجدة السدس، فقضى لها بذلك.
وكان عمر يوصي عماله أن يقضوا بين الناس بكتاب الله، فإن لم يجدوا القضية في كتاب الله، فبسنة رسول الله ، ولما أشكل عليه حكم إملاص المرأة، وهو إسقاطها جنينا ميتا، بسبب تعدي أحد عليها، سأل الصحابة رضي الله عنهم عن ذلك، فشهد عنده محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما: بأن النبي قضى في ذلك بغرة عبد أو أمة. فقضى بذلك رضي الله عنه.
ولما أشكل على عثمان حكم اعتداد المرأة في بيتها بعد وفاة زوجها، وأخبرته فريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد رضي الله عنهما: أن النبي أمرها بعد وفاة زوجها: أن تمكث في بيته حتى يبلغ الكتاب أجله. قضى بذلك رضي الله عنه، وهكذا قضى بالسنة في إقامة حد الشرب على الوليد بن عقبة.
ولما بلغ علياً أن عثمان ينهى عن متعة الحج، أهل علي بالحج والعمرة جميعا، وقال: لا أدع سنة رسول الله لقول أحد من الناس.
ولما احتج بعض الناس على ابن عباس رضي الله عنهما في متعة الحج، بقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في تحبيذ إفراد الحج، قال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء!! أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر، فإذا كان من خالف السنة لقول أبي بكر وعمر تخشى عليه العقوبة فكيف بحال من خالفهما لقول من دونهما، أو لمجرد رأيه واجتهاده!.
ولما نازع بعض الناس عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في بعض السنة، قال له عبد الله: هل نحن مأمورون باتباع عمر أو باتباع السنة؟ ولما قال رجل لعمران بن حصين رضي الله عنهما: حدثنا عن كتاب الله. وهو يحدثهم عن السنة، غضب وقال: إن السنة هي تفسير كتاب الله، ولولا السنة لم نعرف أن الظهر أربع، والمغرب ثلاث، والفجر ركعتان، ولم نعرف تفصيل أحكام الزكاة إلى غير ذلك، مما جاءت به السنة من تفصيل الأحكام، والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في تعظيم السنة ووجوب العمل بها، والتحذير من مخالفتها كثيرة جدا. ومن ذلك أيضا أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما حدث بقوله : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله قال بعض أبنائه: والله لنمنعهن. فغضب عليه عبد الله وسبه سبا شديدا، وقال: أقول قال رسول الله وتقول: والله لنمنعهن.
ولما رأى عبد الله بن المغفل المزني رضي الله عنه، وهو من أصحاب رسول الله بعض أقاربه يخذف، نهاه عن ذلك وقال له: إن النبي نهى عن الخذف، وقال: { إنه لا يصيد صيدا ولا ينكأ عدوا، ولكنه يكسر السن ويفقأ العين }. ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال: والله لا كلمتك أبدا، أخبرك أن رسول الله ينهى عن الخذف ثم تعود.
وأخرج البيهقي عن أيوب السختياني التابعي الجليل، أنه قال: إذا حدثت الرجل بسنة فقال: دعنا من هذا وأنبئنا عن القرآن فاعلم أنه ضال. وقال الأوزاعي رحمه الله: السنة قاضية على الكتاب، أي تقيد ما أطلقه، أو بأحكام لم تذكر في الكتاب، كما في قول الله سبحانه: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ .
وسبق قوله : { ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه } وأخرج البيهقي عن عامر الشعبي رحمه الله أنه قال لبعض الناس: { إنما هلكتم في حين تركتم الآثار } يعني بذلك الأحاديث الصحيحة.(11/172)
وأخرج البيهقي أيضا عن الأوزاعي رحمه الله أنه قال لبعض أصحابه: { إذا بلغك عن رسول الله حديث، فإياك أن تقول بغيره، فإن رسول الله كان مبلغا عن الله تعالى }، وأخرج البيهقي عن الإمام الجليل سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله أنه قال: (إنما العلم كله، العلم بالآثار)، وقال مالك رحمه الله: (ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر) وأشار إلى قبر رسول الله ، وقال أبو حنيفة رحمه الله: (إذا جاء الحديث عن رسول الله فعلى الرأس والعين).
وقال الشافعي رحمه الله: (متى رويت عن رسول الله حديثا صحيحا فلم آخذ به، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب). وقال أيضا رحمه الله: (إذا قلت قولا وجاء الحديث عن رسول الله بخلافه، فاضربوا بقولي الحائط)،
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لبعض أصحابه: (لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي، وخذ من حيث أخذنا)، وقال أيضا رحمه الله: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته عن رسول الله ، يذهبون إلى رأي سفيان، والله سبحانه يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، ثم قال: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله عليه الصلاة والسلام، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك).
وأخرج البيهقي عن مجاهد بن جبر التابعي الجليل أنه قال في قوله سبحانه: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ قال: الرد إلى الله الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول الرد إلى السنة.
وأخرج البيهقي عن الزهري رحمه الله أنه قال: كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، وقال موفق الدين ابن قدامة رحمه الله في كتابه روضة الناظر، في بيان أصول الأحكام، ما نصه: " والأصل الثاني من الأدلة سنة رسول الله ، وقول رسول الله حجة، لدلالة المعجزة على صدقه، ولأمر الله بطاعته، وتحذيره من مخالفة أمره ". انتهى المقصود، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أي: عن أمر رسول الله ، وهو سبيله ومنهاجه وطريقته، وسنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائنا من كان، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله أنه قال: { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } أي: فليخش وليحذر من خالف شريعة الرسول باطنا وظاهرا: أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ، أي: في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، أي: في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك. كما روى الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله : { مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب اللائي يقعن في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها قال فذلك مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار فتغلبوني وتقتحمون فيها } [أخرجاه من حديث عبد الرزاق].
وقال السيوطي رحمه الله في رسالته المسماة "مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" ما نصه: (اعلموا رحمكم الله أن من أنكر أن كون حديث النبي قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف في الأصول حجة، كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى، أو مع من شاء الله من فرق الكفرة) انتهى المقصود. والآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم في تعظيم السنة، ووجوب العمل بها، والتحذير من مخالفتها كثيرة جدا، وأرجو أن يكون في ما ذكرنا من الآيات والأحاديث والآثار كفاية ومقنع لطالب الحق، ونسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق لما يرضيه، والسلامة من أسباب غضبه، وأن يهدينا جميعا صراطه المستقيم إنه سميع قريب.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
============
المشتاقون لدخول الجنة
ابن القيم الجوزية
دار القاسم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه واقتفا أثره إلى يوم الدين أما بعد:
فقد قال النبي : { قال الله عز وجل: أعددت لعبادي ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فاقرءوا إن شئتم: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍن [السجدة:17] } [رواه البخاري ومسلم وغيرهما].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
وكيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده وجعلها مقراً لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص.
فإن سألت: عن أرضها وتربتها، فهي المسك والزعفران.
وإن سألت: عن سقفها، فهو عرش الرحمن.
وإن سألت: عن ملاطها، فهو المسك الأذفر.
وإن سألت: عن حصبائها، فهو اللؤلؤ والجوهر.
وإن سألت: عن بنائها، فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، لا من الحطب والخشب.
وإن سألت: عن أشجارها، فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب.
وإن سألت: عن ثمرها، فأمثال القلال، ألين من الزبد وأحلى من العسل.
وإن سألت: عن ورقها، فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.
وإن سألت: عن أنهارها، فأنهارها من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى.
وإن سألت: عن طعامهم، ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون.
وإن سألت: عن شرابهم، فالتسنيم والزنجبيل والكافور.(11/173)
وإن سألت: عن آنيتهم، فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير.
وإن سألت: عن سعت أبوابها، فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام.
وإن سألت: عن تصفيق الرياح لأشجارها، فإنها تستفز بالطرب من يسمعها.
وإن سألت: عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مئة عام لا يقطعها.
وإن سألت: عن خيامها وقبابها، فالخيمة من درة مجوفة طولها ستون ميلاً من تلك الخيام.
وإن سألت: عن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية، تجري من تحتها الأنهار.
وإن سألت: عن إرتفاعها، فانظر إلى الكوكب الطالع، أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار.
وإن سألت: عن لباس أهلها، فهو الحرير والذهب.
وإن سألت: عن فرشها، فبطائنها من استبرق مفروشة في أعلى الرتب.
وإن سألت: عن أرائكها، فهي الأسرة عليها البشخانات، وهي الحجال مزررة بأزرار الذهب، فما لها من فروج ولا خلال.
وإن سألت: عن أسنانهم، فأبناء ثلاثة وثلاثين، على صورة آدم عليه السلام، أبي البشر.
وإن سألت: عن وجوه أهلها وحسنهم، فعلى صورة القمر.
وإن سألت: عن سماعهم، فغناء أزواجهم من الحور العين، وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين، وأعلى منهما سماع خطاب رب العالمين.
وإن سألت: عن مطاياهم التي يتزاورون عليها، فنجائب أنشأها الله مما شاء، تسير بهم حيث شاؤوا من الجنان.
وإن سألت: عن حليهم وشارتهم، فأساور الذهب واللؤلؤ على الرؤوس ملابس التيجان.
وإن سألت: عن غلمانهم، فولدان مخلدون، كأنهم لؤلؤ مكنون.
وإن سألت: وإن سألت عن عرائسهم وأزواجهم، فهن الكواعب الأتراب، اللائي جرى في أعضائهن ماء الشباب، فللورد والتفاح ما لبسته الخدود، وللرمان ما تضمنته النهود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللدقة واللطافة ما دارت عليه الخصور.
تجري الشمس في محاسن وجهها إذا برزت، ويضيئ البرق من بين ثناياها إذا تبسمت، وإذا قابلت حبها فقل ما شئت في تقابل النيرين، وإذا حادثته فما ظنك في محادثة الحبيبين، وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين، يرى وجهه في صحن خدها، كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها [الصيقل: جلاء السيوف، والمقصود هنا تشبيه وجه الحوراء بالمرآة التي جلاها ولمعها منظفها حتى بدت أنظف وأجلى ما يكون]، ويرى مخ ساقها من وراء اللحم، ولا يستره جلدها ولا عظمها ولا حللها.
لو أطلت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلا وتكبيراً و تسبيحاً، ولتزخرف لها ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، ولآمن كل من رآها على وجه الأرض بالله الحي القيوم، ونصيفها (الخمار) على رأسها خير من الدنيا وما فيها.
ووصاله أشهى إليها من جميع أمانيها، لا تزداد على تطاول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً، ولا يزداد على طول المدى إلا محبةً ووصالاً، مبرأة من الحبل (الحمل) والولادة والحيض والنفاس، مطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس.
لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها، ولا يخلق ثوب جمالها، ولا يمل طيب وصالها، قد قصرت طرفها على زوجها، فلا تطمح لأحد سواه، وقصرت طرفه عليها فهي غاية أمنيته وهواه، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته فهو معها في غاية الأماني والأمان.
هذا ولم يطمثها قبله أنس ولا جان، كلما نظر إليها ملأت قلبه سروراً، وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤاً منظوماً ومنثوراً، وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نوراً.
وإن سألت: عن السن، فأتراب في أعدل سن الشباب.
وإن سألت: عن الحسن، فهل رأيت الشمس والقمر.
وإن سألت: عن الحدق (سواد العيون) فأحسن سواد، في أصفى بياض، في أحسن حور (أي: شدة بياض العين مع قوة سوادها).
وإن سألت: عن القدود، فهل رأيت أحسن الأغصان.
وإن سألت: عن النهود، فهن الكواعب، نهودهن كألطف الرمان.
وإن سألت: عن اللون، فكأنه الياقوت والمرجان.
وإن سألت: عن حسن الخلق، فهن الخيرات الحسان، اللاتي جمع لهن بين الحسن والإحسان، فأعطين جمال الباطن والظاهر، فهن أفراح النفوس وقرة النواظر.
وإن سألت: عن حسن العشرة، ولذة ما هنالك: فهن العروب المتحببات إلى الأزواج، بلطافة التبعل، التي تمتزج بالزوج أي امتزاج.
فما ظنك بإمرأة إذا ضحكت بوجه زوجها أضاءة الجنة من ضحكها، وإذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقل في بروج فلكها، وإذا حاضرت زوجها فياحسن تلك المحاضرة، وإن خاصرته فيا لذة تلك المعانقة والمخاصرة:
وحديثها السحر الحلال لو أنه *** لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملي وإن هي أوجزت *** ود المحدث أنها لم توجز
إن غنت فيا لذة الأبصار والأسماع، وإن آنست وأنفعت فيا حبذا تلك المؤانسة والإمتاع، وإن قبّلت فلا شيء أشها إليه من ذلك التقبيل، وإن ناولت فلا ألذ ولا أطيب من ذلك التنويل.
هذا، وإن سألت: عن يوم المزيد، وزيارة العزيز الحميد، ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه، كما ترى الشمس في الظهيرة والقمر ليلة البدر، كما تواتر النقل فيه عن الصادق المصدوق، وذلك موجود في الصحاح، والسنن المسانيد، ومن رواية جرير، وصهيب، وأنس، وأبي هريرة، وأبي موسى، وأبي سعيد، فاستمع يوم ينادي المنادي:
يا أهل الجنة(11/174)
إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحيى على زيارته، فيقولون سمعاً وطاعة، وينهضون إلى الزيارة مبادرين، فإذا بالنجائب قد أعدت لهم، فيستوون على ظهورها مسرعين، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداّ، وجمعوا هناك، فلم يغادر الداعي منهم أحداً، أمر الرب سبحانه وتعالى بكرسية فنصب هناك، ثم نصبت لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم - وحاشاهم أن يكون بينهم دنئ - على كثبان المسك، ما يرون أصحاب الكراسي فوقهم العطايا، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم، واطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي:
يا أهل الجنة
سلام عليكم.
فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام. فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول:
يا أهل الجنة
فيكون أول ما يسمعون من تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني، فهذا يوم المزيد. فيجتمعون على كلمة واحدة:
أن قد رضينا، فارض عنا، فيقول:
يا أهل الجنة
إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد، فسلوني فيجتمعون على كلمة واحدة:
أرنا وجهك ننظر إليه.
فيكشف الرب جل جلاله الحجب، ويتجلا لهم فيغشاهم من نوره ما لو لا أن الله سبحانه وتعالى قضى ألا يحترقوا لاحترقوا. ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة، حتى إنه يقول:
يا فلان، أتذكر يوم فعلت كذا وكذا، يذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب ألم تغفر لي؟
فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه.
فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة.
ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة. ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ [القيامة:22-25].
فحيى على جنات عدن فإنها *** منزلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى *** نعود إلى أوطاننا ونسلم
انتهى كلام ابن القيم رحمه الله تعالى [حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح:(ص355-360)].
============
الوسائل المفيدة للحياة السعيدة
عبدالرحمن السعدي
دار الوطن
الحمد لله الذي له الحمد كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم.
أما بعد: فإن راحة القلب، وطمأنينته وسروره وزوال همومه وغمومه، هو المطلب لكل أحد، وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج، ولذلك أسباب دينية، وأسباب طبيعية، وأسباب عملية، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين، وأما من سواهم، فإنها وإن حصلت لهم من وجه وسبب يجاهد عقلاؤهم عليه، فاتتهم من وجوه أنفع وأثبت وأحسن حالاً ومآلاً.
ولكني سأذكر برسالتي هذه ما يحضرني من الأسباب لهذا المطلب الأعلى، الذي يسعى له كل أحد.
فمنهم من أصاب كثيراً منها فعاش عيشة هنيئة، وحيى حياة طيبة، ومنهم من أخفق فيها كلها فعاش عيشة الشقاء، وحيي حياة التعساء. ومنهم من هو بين بين، بحسب ما وفق له. والله الموفق المستعان به على كل خير، وعلى دفع كل شر.
فصل
1- وأعظم الأسباب لذلك وأصلها وأسها هو الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل:97].
فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح، بالحياة الطيبة في هذه الدار، وبالجزاء الحسن في هذه الدار وفي دار القرار.
وسبب ذلك واضح، فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح، المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة، معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، وأسباب القلق والهم والأحزان.
يتلقون المحاب والمسار بقبول لها، وشكر عليها، واستعمال لها فيما ينفع، فإذا استعملوها على هذا الوجه. أحدث لهم من الابتهاج بها، والطمع في بقائها وبركتها، ورجاء ثواب الشاكرين، أموراً عظيمة تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرات التي هذه ثمراتها.
ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته، وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم منه بد، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة، والتجارب والقوة، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمور عظيمة تضمحل معها المكاره، وتحل محلها المسار والآمال الطيبة، والطمع في فضل الله وثوابه، كما عبر النبي عن هذا في الحديث الصحيح أنه قال: { عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن } [رواه مسلم].(11/175)
فأخبر أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره. لهذا تجد اثنين تطرقهما نائبة من نوائب الخير أو الشر فيتفاوتان تفاوتاً عظيماً في تلقيها، وذلك بحسب تفاوتهما في الإيمان والعمل الصالح. هذا الموصوف بهذين الوصفين يتلقى الخير والشر بما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما، فيحدث له السرور والابتهاج، وزوال الهم والغم، والقلق، وضيق الصدر، وشقاء الحياة وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار. والآخر يتلقى المحاب بأشرٍ وبطرٍ وطغيان. فتنحرف أخلاقه ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع، ومع ذلك فإنه غير مستريح القلب، بل مشتته من جهات عديدة، مشتت من جهة خوفه من زوال محبوباته، ومن كثرة المعارضات الناشئة عنها غالباً، ومن جهة أن النفوس لا تقف عند حد بل لا تزال متشوقة لأمور أخرى، قد تحصل وقد لا تحصل، وإن حصلت على الفرض والتقدير فهو أيضاً قلق من الجهات المذكورة ويتلقى المكاره بقلق وجزع وخوف وضجر، فلا تسأل عن ما يحدث له من شقاء الحياة، ومن الأمراض الفكرية والعصبية، ومن الخوف الذي قد يصل به إلى أسوأ الحالات وأفظع المزعجات، لأنه لا يرجو ثواباً. ولا صبر عنده يسليه ويهون عليه.
وكل هذا مشاهد بالتجربة، ومثل واحد من هذا النوع، إذا تدبرته ونزلته على أحوال الناس، رأيت الفرق العظيم بين المؤمن العامل بمقتضى إيمانه، وبين من لم يكن كذلك، وهو أن الدين يحث غاية الحث على القناعة برزق الله، وبما آتى العباد من فضله وكرمه المتنوع.
فالمؤمن إذا ابتلي بمرض أو فقر، أو نحوه من الأعراض التي كل أحد عرضة لها، فإنه - بإيمانه وبما عنده من القناعة والرضى بما قسم الله له - يكون قرير العين، لا يتطلب بقلبه أمراً لم يقدر له، ينظر إلى من هو دونه، ولا ينظر إلى من هو فوقه، وربما زادت بهجته وسروره وراحته على من هو متحصل على جميع المطالب الدنيوية، إذا لم يؤت القناعة.
كما تجد هذا الذي ليس عنده عمل بمقتضى الإيمان، إذا ابتلي بشيء من الفقر، أو فقد بعض المطالب الدنيوية، تجده في غاية التعاسة والشقاء.
ومثل آخر: إذا حدثت أسباب الخوف، وألمت بالإنسان المزعجات، تجد صحيح الإيمان ثابت القلب، مطمئن النفس، متمكناً من تدبيره وتسييره لهذا الأمر الذي دهمه بما في وسعه من فكر وقول وعمل، قد وطن نفسه لهذا المزعج الملم، وهذه أحوال تريح الإنسان وتثبت فؤاده.
كما تجد فاقد الإيمان بعكس هذه الحال إذا وقعت المخاوف انزعج لها ضميره، وتوترت أعصابه، وتشتت أفكاره وداخله الخوف والرعب، واجتمع عليه الخوف الخارجي، والقلق الباطني الذي لا يمكن التعبير عن كنهه، وهذا النوع من الناس إن لم يحصل لهم بعض الأسباب الطبيعية التي تحتاج إلى تمرين كثير انهارت قواهم وتوترت أعصابهم، وذلك لفقد الإيمان الذي يحمل على الصبر، خصوصاً في المحال الحرجة، والأحوال المحزنة المزعجة.
فالبر والفاجر، والمؤمن والكافر يشتركان في جلب الشجاعة الاكتسابية، وفي الغريزة التي تلطف المخاوف وتهونها، ولكن يتميز المؤمن بقوة إيمانه وصبره وتوكله على الله واعتماده عليه، واحتسابه لثوابه ـ أموراً تزداد بها شجاعته، وتخفف عنه وطأة الخوف، وتهون عليه المصاعب، كما قال تعالى: إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ [النساء:104]. ويحصل لهم من معونة الله ومعينه الخاص ومدده ما يبعثر المخاوف. وقال تعالى: وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46].
2- ومن الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق، الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، وأنواع المعروف، وكلها خير وإحسان، وبها يدفع الله عن البر والفاجر الهموم والغموم بحسبها، ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب، ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب لثوابه.
فيهون الله عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير، ويدفع عنه المكاره بإخلاصه واحتسابه، قال تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114].
فأخبر تعالى أن هذه الأمور كلها خير ممن صدرت منه. والخير يجلب الخير، ويدفع الشر. وأن المؤمن المحتسب يؤتيه الله أجراً عظيماً ومن جملة الأجر العظيم: زوال الهم والغم والأكدار ونحوها.
فصل
3- ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب، واشتغال القلب ببعض المكدرات: الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة. فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه. وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه، وازداد نشاطه، وهذا السبب أيضاً مشترك بين المؤمن وغيره. ولكن المؤمن يمتاز بإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه، وبعمل الخير الذي يعمله، إن كان عبادة فهو عبادة، وإن كان شغلاً دنيوياً أو عادةً أصحبها النية الصالحة. وقصد الاستعانة بذلك على طاعة الله، فلذلك أثره الفعال في دفع الهم والغموم والأحزان، فكم من إنسان ابتلي بالقلق وملازمة الأكدار، فحلت به الأمراض المتنوعة، فصار دواؤه الناجع (نسيانه السبب الذي كدره وأقلقه، واشتغاله بعمل من مهماته).
وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه، فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع، والله أعلم.(11/176)
4- ومما يدفع به الهم والقلق اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي، ولهذا استعاذ النبي من الهم والحزن، في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، فلا ينفع الحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها وقد يضر الهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل، فعلى العبد أن يكون ابن يومه، يجمع جده واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر، فإن جمع القلب على ذلك يوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن. والنبي إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء فإنما يحث مع الاستعانة بالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو بحصوله. والتخلي عما كان يدعو لدفعه لأن الدعاء مقارن للعمل، فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا، ويسأل ربه نجاح مقصده. ويستعينه على ذلك، كما قال : { احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان } [رواه مسلم]، فجمع بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال. والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة، ومشاهدة قضاء الله وقدره.
وجعل الأمور قسمين: قسماً يمكن العبد السعي في تحصيله أو تحصيل ما يمكن منه، أو دفعه أو تخفيفه فهذا يبدي فيه العبد مجهوده ويستعين بمعبوده. وقسماً لا يمكن فيه ذلك، فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويسلم، ولا ريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور وزوال الهم والغم.
فصل
5- ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته (الإكثار من ذكر الله) فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال همه وغمه، قال تعالى: أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، فلذكر الله أثر عظيم في حصول هذا المطلوب لخاصيته، ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره.
6- وكذلك التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة، فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم، ويحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها حتى ولو كان العبد في حالة فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا. فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه - التي لا يحصى لها عد ولا حساب - وبين ما أصابه من مكروه، لم يكن للمكروه إلى النعم نسبة.
بل المكروه والمصائب إذا ابتلى الله بها العبد، وأدى فيها وظيفة الصبر والرضى والتسليم، هانت وطأتها، وخفت مؤنتها، وكان تأميل العبد لأجرها وثوابها والتعبد لله بالقيام بوظيفة الصبر والرضى، يدع الأشياء المرة حلوة فتنسيه حلاوةُ أجرها مرارة صبرها.
7- ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي في الحديث الصحيح حيث قال: { انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم } [رواه البخاري]، فإن العبد إذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل رآه يفوق جمعاً كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال، فيزول قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها.
وكلما طال تأمل العبد بنعم الله الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، رأى ربه قد أعطاه خيراً ودفع عنه شروراً متعددة، ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم، ويوجب الفرح والسرور.
فصل
8- ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، وأن ذلك حمق وجنون، فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله، مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته. فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر وآمال وآلام، وأنها بيد العزيز الحكيم، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره، واتكل على ربه في إصلاحه، واطمأن إليه في ذلك، إذا فعل ذلك اطمأن قلبه وصلحت أحواله، وزال عنه همه وقلقه.
9- ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي يدعو به: { اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر } [رواه مسلم]. وكذلك قوله: { اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عينْ وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت } [رواه أبو داود بإسناد صحيح]. فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر، ونية صادقة، مع اجتهاده فيما يحقق ذلك، حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له، وانقلب همه فرحاً وسروراً.
فصل
10- ومن أنفع الأسباب لزوال القلق والهموم إذا حصل على العبد شئ من النكبات، أن يسعى في تخفيفها بأن يقّدِر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر، ويوطن على ذلك نفسه، فإذا فعل ذلك فليسع إلى تخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان، فبهذا التوطين وبهذا السعي النافع، تزول همومه وغمومه، ويكون بذل ذلك السعي في جلب المنافع، وفد دفع المضار الميسورة للعبد.(11/177)
فإذا حلت به أسباب الخوف، وأسباب الأسقام، وأسباب الفقر والعدم لما يحبه من المحبوبات المتنوعة، فليتلق ذلك بطمأنينة وتوطين للنفس عليها، بل على أشد ما يمكن منها، فإن توطين النفس على احتمال المكاره، يهونها ويزيل شدتها، وخصوصاً إذا أشغل نفسه بمدافعتها بحسب مقدوره، فيجتمع في حقه توطين النفس مع السعي النافع الذي يشغل عن الاهتمام بالمصائب، ويجاهد نفسه على تجديد قوة المقاومة للمكاره، مع اعتماده في ذلك على الله وحسن الثقة به ولا ريب أن لهذه الأمور فائدتها العظمى في حصول السرور وانشراح الصدور، مع ما يؤمله العبد من الثواب العاجل والآجل، وهذا مشاهد مجرب، ووقائعه ممن جربه كثيرة جداً.
فصل
11- ومن أعظم العلاجات لأمراض القلب العصبية، بل وأيضاً للأمراض البدنية: قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة. والغضب والتشوش من الأسباب المؤلمة ومن توقع حدوث المكاره وزوال المحاب، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية، والانهيار العصبي الذي له آثاره السيئة التي قد شاهد الناس مضارها الكثيرة.
12- ومتى اعتمد القلب على الله، وتوكل عليه، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله وطمع في فضله، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، فكم ملئت المستشفيات من مرضى الأوهام والخيالات الفاسدة، وكم أثَّرت هذه الأمور على قلوب كثيرين من الأقوياء، فضلاً عن الضعفاء، وكم أدت إلى الحمق والجنون، والمعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب، الدافعة لقلقه، قال تعالى: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3]، أي كافيه جميع ما يهمه من أمر دينه ودنياه.
فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام، ولا تزعجه الحوادث لعلمه أن ذلك من ضعف النفس، ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له، ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فيثق بالله ويطمئن لوعده، فيزول همه وقلقه، ويتبدل عسره يسراً، وترحه فرحاً [الترح: الحزن]، وخوفه أمناً، فنسأله تعالى العافية وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته، وبالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهله بكل خير، ودفع كل مكروه وضير [الضير: الضرر].
فصل
13- وفي قول النبي : { لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر } [رواه مسلم]، فائدتان عظيمتان:
إحداهما: الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب والمعامل، وكل من بينك وبينه علاقة واتصال، وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص أو أمر تكرهه، فإذا وجدت ذلك، فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك أو ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء على المحبة، بتذكر ما فيه من المحاسن، والمقاصد الخاصة والعامة، وبهذا الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن، تدوم الصحبة والاتصال وتتم الراحة وتحصل لك.
الفائدة الثانية: وهي زوال الهم والقلق، وبقاء الصفاء، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة: وحصول الراحة بين الطرفين، ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي - بل عكس القضية فلحظ المساوئ، وعمي عن المحاسن -، فلابد أن يقلق، ولابد أن يتكدر ما بينه وبين من يتصل به من المحبة، ويتقطع كثير من الحقوق التي على كلٍ منهما المحافظة عليها.
وكثير من الناس ذوي الهمم العالية يوطنون أنفسهم عند وقوع الكوارث والمزعجات على الصبر والطمأنينة. لكن عند الأمور التافهة البسيطة يقلقون، ويتكدر الصفاء، والسبب في هذا أنهم وطنوا نفوسهم عند الأمور الكبار، وتركوها عند الأمور الصغار فضرتهم وأثرت في راحتهم، فالحازم يوطن نفسه على الأمور القليلة والكبيرة ويسأل الله الإعانة عليها، وأن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، فعند ذلك يسهل عليه الصغير، كما سهل عليه الكبير. ويبقى مطمئن النفس ساكن القلب مستريحاً.
فصل
14- العاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة وأنها قصيرة جداً، فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة، فيشح بحياته أن يذهب كثير منها نهباً للهموم والأكدار، ولا فرق في هذا بين البر والفاجر، ولكن المؤمن له من التحقق بهذا الوصف الحظ الأوفر، والنصيب النافع العاجل والآجل.
15- وينبغي أيضاً إذا أصابه مكروه أو خاف منه أن يقارن بين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية، وبين ما أصابه من مكروه فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم، واضمحلال ما أصابه من المكاره.
وكذلك يقارن بين ما يخافه من حدوث ضرر عليه، وبين الاحتمالات الكثيرة في السلامة منها فلا يدع الاحتمال الضعيف يغلب الاحتمالات الكثيرة القوية وبذلك يزول همه وخوفه، ويقدر أعظم ما يكون من الاحتمالات التي يمكن أن تصيبه، فيوطن نفسه لحدوثها إن حدثت، ويسعى في دفع ما لم يقع منها وفي رفع ما وقع أو تخفيفه.
16- ومن الأمور النافعة أن تعرف أن أذية الناس لك وخصوصاً في الأقوال السيئة، لا تضرك بل تضرهم، إلا إن أشغلت نفسك في الاهتمام بها، وسوغت لها أن تملك مشاعرك، فعند ذلك تضرك كما ضرتهم، فإن أنت لم تضع لها بالاً لم تضرك شيئاً.
17- واعلم أن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكاراً فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا فحياتك طيبة سعيدة. وإلا فالأمر بالعكس.(11/178)
18- ومن أنفع الأمور لطرد الهم أن توطن نفسك على أن لا تطلب الشكر إلا من الله، فإذا أحسنت إلى من له حق عليك أو من ليس له حق، فاعلم أن هذا معاملة منك مع الله. فلا تبال بشكر من أنعمت عليه، كما قال تعالى في حق خواص خلقه: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً [الإنسان:9].
ويتأكد هذا في معاملة الأهل والأولاد ومن قوة اتصالك بهم فمتى وطنت نفسك على إلقاء الشر عنهم، فقد أرحت واسترحت، ومن دواعي الراحة أخذ الفضائل والعمل عليها بحسب الداعي النفسي دون التكلف الذي يقلقك، وتعود على أدراجك خائباً من حصول الفضيلة، حيث سلكت الطريق الملتوي، وهذا من الحكمة، وأن تتخذ من الأمور الكَدِرَة أموراً صافية حلوة وبذلك يزيد صفاء اللذات، وتزول الأكدار.
19- اجعل الأمور النافعة نصب عينيك واعمل على تحقيقها، ولا تلتفت إلى الأمور الضارة لتلهو بذلك عن الأسباب الجالبة للهم والحزن واستعن بالراحة وإجماع النفس على الأعمال المهمة.
20- ومن الأمور النافعة حسم الأعمال في الحال، والتفرغ في المستقبل لأن الأعمال إذا لم تحسم اجتمع عليك بقية الأعمال السابقة، وانضافت إليها الأعمال اللاحقة، فتشتد وطأتها، فإذا حسمت كل شيء بوقته أتيت الأمور المستقبلة بقوة تفكير وقوة عمل.
21- وينبغي أن تتخير من الأعمال النافعة الأهم فالأهم، وميز بين ما تميل نفسك إليه وتشتد رغبتك فيه، فإن ضده يحدث السآمة والملل والكدر، واستعن على ذلك بالفكر الصحيح والمشاورة، فما ندم من استشار، وادرس ما تريد فعله درساً دقيقاً، فإذا تحققت المصلحة وعزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
============
ذروة السنام يا أمة الإسلام
عبدالحكيم بن علي السويد
دار الوطن
الحمد لله القائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف:10-11]، وصلى الله وسلم على نبينا محمد القائل: { جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم } [رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم]. أما بعد:
فإن من الخصائص العظيمة التي امتن بها الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة وميزها عن بقية الأمم أن شرع لها الجهاد وجعل ما يحصل بسببه من الأجر والمثوبة الشيء العظيم، تلك هي الفريضة التي جعلت للمسلمين الأوائل العزة والتمكين في الأرض، ومن ثم السيادة على باقي الأمم، وقد علم أولئك فضل الجهاد فعملوا به على الوجه المطلوب الذي أراده الله ورسمه رسوله ، ولهذا لم يكن جهادهم وكفاحهم لتحقيق أهداف شخصية، أو أطماع دنيوية زائلة، أو حباً للتملك والرياسة، وإنما كان الغرض من هذا كله إعلاء الحق وجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، ومن إعلاء كلمة الله تطبيق شرعه الذي أمر به، وتعبيد الناس لله، وإعمار الأرض بما يرضيه سبحانه، وإرهاب أعداء الله، وزرع المهابة في قلوبهم كما قال تعالى: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60].
(ولما كان الجهاد ذروة الإسلام، ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة، كما لهم الرفعة في الدنيا، كان رسول الله في الذروة العليا منه، فاستولى على أنواعه كلها، فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجنان والدعوة والبيان، والسيف والسنان، فكانت ساعاته موقوفة على الجهاد، ولهذا كان أعظم العالمين عند الله قدراً) [مختصر زاد المعاد].
وكذلك كان جيل الصحابة رضوان الله عليهم أفضل الأجيال، وقد قال أبو بكر الصديق في أول خطبة له بعد توليه الخلافة: (لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل) [البداية والنهابة(415/9)]. ومن ثم جيل التابعين؛ لأنهم باعوا أنفسهم في سوق الجنة لخالقها، وحملوها على راحاتهم وسيوفهم بأيمانهم.
قال الشاعر:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا *** جمعتنا يا جرير المجامع
فضل المرابطة في سبيل الله
قال شيخ اللإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (ج28): والمرابطة في سبيل الله أفضل من المجاورة بمكة والمدينة وبيت المقدس، حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه: لأن أرابط في سبيل الله أحب إلي من أن أوافق ليلة القدر عند الحجر الأسود، وقال رسول الله : { رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل } [رواه أهل السنن وصححوه]، وفي صحيح مسلم عن سلمان، أن النبي قال: { رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً أجري عليه عمله، وأجري عليه رزقه في الجنة، وأمن الفتان } يعني منكراً ونكيراً. فهذا في الرباط فكيف في الجهاد؟ وقال رسول الله : { لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في وجه عبداً أبداً } وقال: { من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمها الله على النار } فهذا في الغبار الذي يصيب الوجه والرجل. فكيف بما هو أشق من: كالثلج، والبرد، والوحل.
فضل الجهاد في سبيل الله(11/179)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (ج28): اعلموا أن الجهاد فيه خير الدنيا والآخرة، وفي تركه خسارة الدنيا والآخرة، قال الله تعالى في كتابه: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ [التوبة:52] يعني: إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة، فمن عاش من المجاهدين كان كريماً له ثواب الدنيا، وحسن ثواب الآخرة. ومن مات منهم أو قتل فإلى الجنة. قال : { يعطى الشهيد ست خصال: يغفر له بأول قطرة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويكسى حلة من الإيمان، ويزوج ثنتين وسبعين من الحور العين، ويوقى فتنة القبر، ويؤمن من الفزع الأكبر } [رواه أهل السنن]، وقال : { إن في الجنة لمائة درجة، ما بين الدرجة والدرجة ما بين السماء والأرض، أعدها الله سبحانه وتعالى للمجاهدين في سبيله }، فهذا ارتفاع خمسين ألف سنة في الجنة لأهل الجهاد. وقال : { مثل المجاهد في سبيل الله مثل الصائم القائم القانت، الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام }، وقال رجل: { أخبرني بعمل يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: "لا تستطيعه". قال: أخبرني؟ قال: "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ولا تفطر وتقوم ولا تفتر؟". قال: لا. قال: "فذلك الذي يعدل الجهاد في سبيل الله" }. وهذه الأحاديث في الصحيحين وغيرهما.
وكذلك اتفق العلماء - فيما أعلم - على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد. فهو أفضل من الحج، وأفضل من صوم التطوع، وأفضل من صلاة التطوع. انتهى.
أنوع الجهاد
قال ابن القيم رحمة الله في مختصر زاد المعاد: الجهاد على أربع مراتب:
الأولى: جهاد النفس. وهو أيضاً أربع مراتب:
أحدهما: أن يجاهدها على تعلم الهدى.
الثانية: على العمل به بعد علمه.
الثالثة: على الدعوة إليه، وإلا كان ممن يكتمون ما أنزل الله.
الرابعة: على الصبر على مشاق الدعوة، ويتحمل ذلك كله لله، فإذا استكمل هذه الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يكون ربانياً حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه.
المرتبة الثانية: جهاد الشيطان. وهو مرتبتان:
أحدهما: جهاده على ما يلقي من الشبهات.
الثانية: على دفع ما يلقي من الشهوات، فالأولى بعدة اليقين، والثانية بعدة الصبر، قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24].
المرتبة الثالثة: جهاد الكفار والمنافقين. وهو أربع مراتب:
أحدهما: القلب. الثانية: اللسان. الثالثة: المال. الرابعة: النفس.
وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان.
المرتبة الرابعة: جهاد أرباب الظلم والمنكرات والبدع. وهو ثلاث مراتب:
أحدهما: باليد إذا قدر.
الثانية: باللسان إذا عجز عن اليد.
الثالثة: بالقلب إذا عجز عن اللسان.
فهذه ثلاث عشر مرتبة من الجهاد و { من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه به مات على شعبة من نفاق } [رواه مسلم].
هديه في الجهاد
(كان النبي يستحب القتال أول النهار، فإذا لم يقاتل أول النهار، أخر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الريح وينزل النصر، وكان يبايع أصحابه في الحرب على أن لا يفروا، وكان يشاور أصحابه في الجهاد، ولقاء العدو، وتخير المنازل، وكان يتخلف في ساقتهم في المسير، فيجزي الضعيف، ويروف المنقطع، وكان أرفق الناس بهم في المسير، وإذا أراد غزوة ورى بغيرها، ويقول : { الحرب خدعة } وكان يبعث العيون يأتونه بخبر عدوه، ويطلع الطلائع ويبث الحرس، وإذا لقي عدوه، وقف ودعا واستنصر الله، وأكثر هو وأصحابه من ذكر الله، وخفضوا أصواتهم.
وكان يرتب الجيش والمقاتلة. ويجعل في كل كنبة كفئاً لها، وكان يبارز بين يديه بأمره، وكان يلبس للحرب عدته، وربما ظاهر بين درعين، وكان له ألوية، وكان إذا ظهر على قوم نزل بعرصتهم ثلاثاً، ثم قفل.
وكان يرتب الصفوف. ويبعث للقتال بيده ويقول: { تقدم يا فلان، تأخر يا فلان } وكان يستحب للرجل أن يقاتل تحت راية قومه، وكان إذا لقي العدو يقول: { اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم، وانصرنا عليهم } وربما قال: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [القمر:45-46].
وكان أقربهم إلى العدو. وكان يجعل لأصحابه شعاراً في الحرب يعرفون به، وكان شعارهم مرة: أمت أمت، ومرة: يا منصور.
وكان يلبس الدرع والخوذة. ويتقلد السيف، ويحمل الرمح والقوس العربية ويتترس بالترس، ويحب الخيلاء في الحرب، وقال: { إن منها ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحب الله، فاختيال الرجل بنفسه عند اللقاء، واختياله عند الصدقة، وأما التي يبغض الله عز وجل، فاختياله في البغي والفجور } وقاتل مرة بالمنجنيق، نصبه على أهل الطائف، وكان ينهى عن قتل النساء والولدان، وينظر في المقاتلة، فمن رآه أنبت قتله، وإلا أستحياه.
وكان إذا بعث سرية يوصيهم بتقوى الله. ويقول: { سيروا بسم الله وفي سبيل الله، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً } وكان ينهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو، ويأمر أمير سريته أن يدعو عدوه قبل القتال إلى الاسلام والهجرة، أو الاسلام دون الهجرة، ويكونون كأعراب المسلمين ليس لهم نصيب في الفيء، أو بذل الجزية، فإن هم أجابوا إليه قبل منهم، وإلا استعان بالله وقاتلهم.(11/180)
وكان يشدد في الغلول جداً ويقول: { عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة }، ولما أصيب غلامه مدعم، قال بعض الصحابة: هنيئاً له الجنة. فقال: { كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه ناراً } فجاء رجل بشراك أو شراكين لما سمع ذلك فقال: "شراك أو شراكان من نار") [مختصر زاد المعاد].
دور المرأة في الجهاد
لقد كان للمرأة في عهد النبي وعهد الخلفاء الراشدين مواقف بطولية توحي إلى قوة إيمان أولئك النسوة وحرصهن - رضوان الله عليهم - على نصرة هذا الدين والذب عنه بكل ما يستطعن من قوة.
فكان من الأدوار التي قامت بها المرأة في الجهاد المشاركة الفعلية في القتال إذا استلزم الأمر لذلك، وهذا يتبين في شجاعة أم سليم يوم حنين حيث اتخذت خنجراً، وعندما سألها رسول الله : { ما هذا الخنجر؟ } فقالت: اتخذته إن دنا مني أحد المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله يضحك. [صحيح السيرة النبوية، إبراهيم العلي (446)]. وهذه أم عمارة قاتلت يوم أحد فاعترضت لابن قمئة في أناس من المسلمين، فضرب ابن قمئة عاتقها ضربة تركت جرحاً أجوف، وضربت هي ابن قمئة عدة ضربات بسيفها، ولكن كان عليه درعان فنجا، وبقيت أم عمارة حتى أصابها اثنا عشر جرحاً. [الرحيق المختوم، للمباركفوري (319)].
وكذلك تقوم المرأة بتطبيب الجرحى المشاركين في القتال، كما فعلت أم سليط، فقد قال عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كانت تزفر لنا القرب يوم أحد. [صحيح السيرة النبوية (446)]. وغيرهن كثير.
ومنهن من تشارك بطريق غير مباشر بتحريض ودفع فلذة كبدها للجهاد، كما فعلت الخنساء عندما دفعت بأبنائها الأربعة للجهاد، وقد قتلوا جميعاً.
والمرأة في زماننا هذا عليها مسئولية جسيمة وأمانة عظيمة يجب أن تتحملها، فهي مطالبة بأنواع من الجهاد كتربية أبنائها التربية المستقيمة المتمثلة في حب الشهادة في سبيل الله، فابنها أمل المستقبل، وعندما يكبر سيكون - بإذن الله - حجر عثرة في طريق أعداء الأمة الذين يتربصون بها الدوائر. وتربية بناتها على حب الفضيلة والعفة والحياء.
وكذلك من جهاد المرأة: طاعتها لزوجها والقيام بما يصلح له أمر دينه ودنياه.
ومن جهادها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حدود ما تستطيع، وبذل النصح والتوجيه لأخواتها المسلمات واللاتي هن في أمس الحاجة لمن يفقههن ويعلمهن ما ينفعهن.
وأيضاً جهادها بالقلم والرد على أصحاب الدعوات المضللة الذين يطالبون بخروج المرأة وتحررها من جميع القيم الدينية والأخلاقية الإسلامية الفاضلة، ويطالبونها بالتنكر على فطرتها التي فطرها الله عليها، ونزع حيائها الذي يميزها عن سائر نساء العالم، حتى تسقط المرأة المسلمة الطاهرة في شباكهم من خلال شعاراتهم البراقة التي ظاهرها النصح والتعاطف معها والأخذ بيدها والرفع من شأنها ومكانتها زعموا، ولا شك أن أصحاب هذه الدعوات ذئاب تتلبس بمسوح النعاج، فيلزم جهادهم. وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف:21].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
===========
كيف نستثمر أوقاتنا؟
دار الوطن ...
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وبعد:
فمن تتبع أخبار الناس وتأمل أحوالهم، وعرف كيف يقضون أوقاتهم، وكيف يمضون أعمارهم، عَلِمَ أن أكثر الخلق مضيِّعون لأوقاتهم، محرومون من نعمة استغلال العمر واغتنام الوقت، ولذا نراهم ينفقون أوقاتهم ويهدرون أعمارهم فيما لا يعود عليهم بالنفع.
وإن المرء ليعجب من فرح هؤلاء بمرور الأيام، وسرورهم بانقضائها، ناسين أن كل دقيقة بل كل لحظة تمضي من عمرهم تقربهم من القبر والآخرة، وتباعدهم عن الدنيا.
إنَّا لنفرحُ بالأيام نقطعها ** وكل يوم مضى جزءٌ من العمرِ
ولما كان الوقت هو الحياة وهو العمر الحقيقي للإنسان، وأن حفظه أصل كل خير، وضياعه منشأ كل شر، كان لابد من وقفة تبين قيمة الوقت في حياة المسلم، وما هو واجب المسلم نحو وقته، وما هي الأسباب التي تعين على حفظ الوقت، وبأي شيء يستثمر المسلم وقته.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن طالت أعمارهم وحسنت أعمالهم، وأن يرزقنا حسن الاستفادة من أوقاتنا، إنه خير مسئول.
قيمة الوقت وأهميته
إذا عرف الإنسان قيمة شيء ما وأهميته حرص عليه وعزَّ عليه ضياعه وفواته، وهذا شيء بديهي، فالمسلم إذا أدرك قيمة وقته وأهميته، كان أكثر حرصاً على حفظه واغتنامه فيما يقربه من ربه، وها هو الإمام ابن القيم رحمه الله يبين هذه الحقيقة بقوله: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته.... فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته".
ويقول ابن الجوزي: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل ".(11/181)
ولقد عني القرآن والسنة بالوقت من نواحٍ شتى وبصور عديدة، فقد أقسم الله به في مطالع سور عديدة بأجزاء منه مثل الليل، والنهار، والفجر، والضحى، والعصر، كما في قوله تعالى: واللَّيْلِ إِذَا يَغْشى والنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ، وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ ، وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِيْ خُسْر . ومعروف أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه دلَّ ذلك على أهميته وعظمته، وليلفت الأنظار إليه وينبه على جليل منفعته.
وجاءت السنة لتؤكد على أهمية الوقت وقيمة الزمن، وتقرر أن الإنسان مسئول عنه يوم القيامة، فعن معاذ بن جبل أن رسول الله قال: { لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، و عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه } [رواه الترمذي وحسنه الألباني]. وأخبر النبي أن الوقت نعمة من نعم الله على خلقه ولابد للعبد من شكر النعمة وإلا سُلبت وذهبت. وشكر نعمة الوقت يكون باستعمالها في الطاعات، واستثمارها في الباقيات الصالحات، يقول : { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ } [رواه البخاري].
واجب المسلم نحو وقته
لما كان للوقت كل هذه الأهمية حتى إنه ليعد هو الحياة حقاً، كان على المسلم واجبات نحو وقته، ينبغي عليه أن يدركها، ويضعها نصب عينيه، ومن هذه الواجبات:
الحرص على الاستفادة من الوقت:
إذا كان الإنسان شديد الحرص على المال، شديد المحافظة عليه والاستفادة منه، وهو يعلم أن المال يأتي ويروح، فلابد أن يكون حرصه على وقته والاستفادة منه كله فيما ينفعه في دينه ودنياه، وما يعود عليه بالخير والسعادة أكبر، خاصة إذا علم أن ما يذهب منه لا يعود. ولقد كان السلف الصالح أحرص ما يكونون على أوقاتهم؛ لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمتها، وكانوا يحرصون كل الحرص على ألا يمر يوم أو بعض يوم أو برهة من الزمان وإن قصرت دون أن يتزودوا منها بعلم نافع أو عمل صالح أو مجاهدة للنفس أو إسداء نفع إلى الغير، يقول الحسن: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم.
تنظيم الوقت:
من الواجبات على المسلم نحو وقته تنظيمه بين الواجبات والأعمال المختلفة دينية كانت أو دنيوية بحيث لا يطغى بعضها على بعض، ولا يطغى غير المهم على المهم.
يقول أحد الصالحين: "أوقات العبد أربعة لا خامس لها: النعمة، والبلية، والطاعة، والمعصية. و لله عليك في كل وقت منها سهم من العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية: فمن كان وقته الطاعة فسبيله شهود المنَّة من الله عليه أن هداه لها ووفقه للقيام بها، ومن كان وقته النعمة فسبيله الشكر، ومن كان وقته المعصية فسبيله التوبة والاستغفار، ومن كان وقته البلية فسبيله الرضا والصبر".
اغتنام وقت فراغه:
الفراغ نعمة يغفل عنها كثير من الناس فنراهم لا يؤدون شكرها، ولا يقدرونها حق قدرها، فعن ابن عباس أن النبي قال: { نعمتان من نعم الله مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ } [رواه البخاري]. وقد حث النبي على اغتنامها فقال: { اغتنم خمساً قبل خمس...، وذكر منها: وفراغك قبل شغلك } [رواه الحاكم وصححه الألباني].
يقول أحد الصالحين: "فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر العبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى، وانجرَّ في قِياد الشهوات، شوَّش الله عليه نعمة قلبه، وسلبه ما كان يجده من صفاء قلبه".
فلابد للعاقل أن يشغل وقت فراغه بالخير وإلا انقلبت نعمة الفراغ نقمة على صاحبها، ولهذا قيل: "الفراغ للرجال غفلة، وللنساء غُلْمة" أي محرك للشهوة.
أسباب تعين على حفظ الوقت
محاسبة النفس:
وهي من أعظم الوسائل التي تعين المسلم على اغتنام وقته في طاعة الله. وهي دأب الصالحين وطريق المتقين، فحاسب نفسك أخي المسلم واسألها ماذا عملت في يومها الذي انقضى؟ وأين أنفقت وقتك؟ وفي أي شيء أمضيت ساعات يومك؟ هل ازددت فيه من الحسنات أم ازددت فيه من السيئات؟.
تربية النفس على علو الهمة:
فمن ربَّى نفسه على التعلق بمعالي الأمور والتباعد عن سفسافها، كان أحرص على اغتنام وقته، ومن علت همته لم يقنع بالدون، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم:
إذا ما عَلا المرءُ رام العلا *** ويقنعُ بالدُّونِ من كان دُونَا
صحبة الأشخاص المحافظين على أوقاتهم:
فإن صحبة هؤلاء ومخالطتهم، والحرص على القرب منهم والتأسي بهم، تعين على اغتنام الوقت، وتقوي النفس على استغلال ساعات العمر في طاعة الله، ورحم الله من قال:
إذا كنتَ في قومٍ فصاحِب خِيارَهم ** ولا تصحبِ الأردى فتردى مع الرَّدِي
عن المرءِ لا تَسَلْ وسَلْ عن قرينهِ *** فكلُّ قرينٍ بالمقارَن يقتدِي
معرفة حال السلف مع الوقت:
فإن معرفة أحوالهم وقراءة سيرهم لَأكبر عون للمسلم على حسن استغلال وقته، فهم خير من أدرك قيمة الوقت وأهمية العمر، وهم أروع الأمثلة في اغتنام دقائق العمر واستغلال أنفاسه في طاعة الله.
تنويع ما يُستغل به الوقت:
فإن النفس بطبيعتها سريعة الملل، وتنفر من الشيء المكرر. وتنويع الأعمال يساعد النفس على استغلال أكبر قدر ممكن من الوقت.
إدراك أن ما مضى من الوقت لا يعود ولا يُعوَّض:
فكل يوم يمضي، وكل ساعة تنقضي، وكل لحظة تمر، ليس في الإمكان استعادتها، وبالتالي لا يمكن تعويضها. وهذا معنى ما قاله الحسن: "ما من يوم يمرُّ على ابن آدم إلا وهو يقول: يا ابن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدِّم ما شئت تجده بين يديك، وأخِّر ما شئت فلن يعود إليك أبداً".(11/182)
تذكُّر الموت وساعة الاحتضار:
حين يستدبر الإنسان الدنيا، ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو مُنح مهلة من الزمن، ليصلح ما أفسد، ويتدارك ما فات، ولكن هيهات هيهات، فقد انتهى زمن العمل وحان زمن الحساب والجزاء. فتذكُّر الإنسان لهذا يجعله حريصاً على اغتنام وقته في مرضاة الله تعالى.
الابتعاد عن صحبة مضيعي الأوقات:
فإن مصاحبة الكسالى ومخالطة مضيعي الأوقات، مهدرة لطاقات الإنسان، مضيعة لأوقاته، والمرء يقاس بجليسه وقرينه، ولهذا يقول عبد الله بن مسعود: "اعتبروا الرجل بمن يصاحب، فإنما يصاحب الرجل من هو مثله".
تذكُّر السؤال عن الوقت يوم القيامة:
حين يقف الإنسان أمام ربه في ذلك اليوم العصيب فيسأله عن وقته وعمره، كيف قضاه؟ وأين أنفقه؟ وفيم استغله؟ وبأي شيء ملأه؟ يقول : { لن تزول قدما عبد حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟...} [رواه الترمذي وحسنه الألباني]. تذكرُ هذا يعين المسلم على حفظ وقته، واغتنامه في مرضاة الله.
من أحوال السلف مع الوقت
قال الحسن البصري: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك". وقال: "يا ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسِن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك، وكذلك ليلتك". وقال: "الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غداً فلعلّك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه".
وقال ابن مسعود: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي".
وقال ابن القيم: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها".
وقال السري بن المفلس: "إن اغتممت بما ينقص من مالك فابكِ على ما ينقص من عمرك".
بم نستثمر أوقاتنا؟
إن مجالات استثمار الوقت كثيرة، وللمسلم أن يختار منها ما هو أنسب له وأصلح، ومن هذه المجالات:
حفظ كتاب الله تعالى وتعلُّمه: وهذا خير ما يستغل به المسلم وقته، وقد حثَّ النبي على تعلم كتاب الله فقال: { خيركم من تعلمالقرآن وعلمه } [رواه البخاري].
طلب العلم: فقد كان السلف الصالح أكثر حرصاً على استثمار أوقاتهم في طلب العلم وتحصيله؛ وذلك لأنهم أدركوا أنهم في حاجة إليه أكبر من حاجتهم إلى الطعام والشراب. واغتنام الوقت في تحصيل العلم وطلبه له صور، منها: حضور الدروس المهمة، والاستماع إلى الأشرطة النافعة، وقراءة الكتب المفيدة وشراؤها.
ذكر الله تعالى: فليس في الأعمال شيء يسع الأوقات كلها مثل الذكر، وهو مجال خصب وسهل لا يكلف المسلم مالاً ولا جهداً، وقد أوصى النبي أحد أصحابه فقال له: { لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله } [رواه أحمد وصححه الألباني]. فما أجمل أن يكون قلب المسلم معموراً بذكر مولاه، إن نطق فبذكره، وإن تحرك فبأمره.
الإكثار من النوافل: وهو مجال مهم لاغتنام أوقات العمر في طاعة الله، وعامل مهم في تربية النفس وتزكيتها، علاوة على أنه فرصة لتعويض النقص الذي يقع عند أداء الفرائض، وأكبر من ذلك كله أنه سبب لحصول محبة الله للعبد { ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه } [رواه البخاري].
الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصيحة للمسلمين: كل هذه مجالات خصبة لاستثمار ساعات العمر. والدعوة إلى الله تعالى مهمة الرسل ورسالة الأنبياء، وقد قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيْلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيْرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِيْ [يوسف:108]. فاحرص أخي المسلم على اغتنام وقتك في الدعوة إما عن طريق إلقاء المحاضرات، أو توزيع الكتيبات والأشرطة، أو دعوة الأهل والأقارب والجيران.
زيارة الأقارب وصلة الأرحام: فهي سبب لدخول الجنة وحصول الرحمة وزيادة العمر وبسط الرزق، قال : "من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه" [ رواه البخاري ].
اغتنام الأوقات اليومية الفاضلة: مثل بعد الصلوات، وبين الأذان والإقامة، وثلث الليل الأخير، وعند سماع النداء للصلاة، وبعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس. وكل هذه الأوقات مقرونة بعبادات فاضلة ندب الشرع إلى إيقاعها فيها فيحصل العبد على الأجر الكبير والثواب العظيم.
تعلُّم الأشياء النافعة: مثل الحاسوب واللغات والسباكة والكهرباء والنجارة وغيرها بهدف أن ينفع المسلم نفسه وإخوانه.
وبعد أخي المسلم فهذه فرص سانحة ووسائل متوفرة ومجالات متنوعة ذكرناها لك على سبيل المثال – فأوجه الخير لا تنحصر – لتستثمر بها وقتك بجانب الواجبات الأساسية المطلوبة منك.
آفات تقتل الوقت
هناك آفات وعوائق كثيرة تضيِّع على المسلم وقته، وتكاد تذهب بعمره كله إذا لم يفطن إليها ويحاول التخلص منها، ومن هذه العوائق الآفات:
الغفلة: وهي مرض خطير ابتلي به معظم المسلمين حتى أفقدهم الحسَّ الواعي بالأوقات، وقد حذَّر القرآن من الغفلة أشد التحذير حتى إنه ليجعل أهلها حطب جنهم، يقول تعالى: وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنمَ كَثِيرًا منَ الجِن وَالإِنسِ لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم ءاذَانٌ لا يَسمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنعام بَل هُم أَضَل أُولَئِكَ هُمُ الغاَفِلُونَ [الأعراف:179].(11/183)
التسويف: وهو آفة تدمر الوقت وتقتل العمر، وللأسف فقد أصبحت كلمة "سوف" شعاراً لكثير من المسلمين وطابعاً لهم، يقول الحسن: "إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدك" فإياك أخي المسلم من التسويف فإنك لا تضمن أن تعيش إلى الغد، وإن ضمنت حياتك إلى الغد فلا تأمن المعوِّقات من مرض طارئ أو شغل عارض أو بلاء نازل، واعلم أن لكل يوم عملاً، ولكل وقت واجباته، فليس هناك وقت فراغ في حياة المسلم، كما أن التسويف في فعل الطاعات يجعل النفس تعتاد تركها، وكن كما قال الشاعر:
تزوَّد من التقوى فإنك لا تدري *** إن جنَّ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجرِ
فكم من سليمٍ مات من غير عِلَّةٍ *** وكم من سقيمٍ عاش حِيناً من الدهرِ
وكم من فتىً يمسي ويصبح آمناً *** وقد نُسجتْ أكفانُه وهو لا يدري
فبادر أخي المسلم باغتنام أوقات عمرك في طاعة الله، واحذر من التسويف والكسل، فكم في المقابر من قتيل سوف. والتسويف سيف يقطع المرء عن استغلال أنفاسه في طاعة ربه، فاحذر أن تكون من قتلاه وضحاياه.
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
=============
يا من فقدناه في المسجد
محمد بن سرار اليامي
دار الوطن ...
إلى من غاب عن الساحة، إلى من يحمل قلباً ملؤه الخير، إليك أخي الحبيب: أخاطب فيك قلباً طالما خشع لربه سبحانه.
أخاطب فيك حساً مرهفاً، نعم إنك تحمل قلباً لا ككل القلوب، أعلم أنك تحب مكارم الأخلاق، نعم وأعلم أنك تحب الصدق مع كل الناس حتى مع نفسك، نعم، تحب الصدق حتى مع نفسك، وإن الصدق ليهدي إلى البر، وإن البر ليهدي إلى الجنة.
إلى من فقدناه في المسجد إليك أخي الحبيب: أحمل قلمي ومحبرتي، وأسطر هذه الكلمات، عل الله أن يكتبها في ميزان الحسنات.
أخي الحبيب: يا من فقدناه في المسجد، إن رحمة الله قريب من المحسنين فكن منهم، إن الله يحب المتقين، فكن منهم، إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فكن ممن أحسن.
أخي الحبيب: إن جماعة مسجد ليتساءلون وإن حيطان المسجد لتنتظر، وإن مصلاك لخالي، ينتظرك، نعم ينتظرك أنت.
أخي الحبيب: أما علمت أن ربك العظيم الغني الحميد يستزيرك، فهل تعرض عن زيارته، ألا تسمع مناديه كل يوم وليلة خمس مرات أن: ( حي على الصلاة - حي على الفلاح ).
فقل لبلال العزم إن كنت صادقاً أرحنا بها إن كنت حقاً مصلياً أما سمعت قوله عليه الصلاة والسلام: { من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر } قالوا وما العذر؟ قال: {خوف أو مرض، لم تقبل منه الصلاة التي صلى } [رواه أبو داود].
بل قبل ذلك قول الله جل وعز: وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] أما علمت أنه لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد؟ أما علمت أن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر. أما علمت أن نبي الله هم أن يحرق بيوت بعض من عن الصلاة في الجماعة كما في البخاري؟ أما علمت أن صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاة الفرد بـ 27 درجة؟ أما سمعت قول ابن مسعود رضي الله عنه: ( لقد رايتنا وما يتخلف عنها إلا منافق قد علم نفاقه ) فأين أنت من زيارة بيت ربك الذي خلقك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك؟ أي أنت م زيارة ملك الملوك.. ما ذا تنتظر؟ أتنتظر الموت يأخذك على حين غرة؟ ثم تقول: رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100،99] ما ذا تقول: أتقول: يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً [النبأ:40] أم تقول: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ [الحاقة:25] أما تعلم أن ربك وهو أغنى الأغنياء ليفرح بتوبة عبده فرحاً عظيماً يليق بجلاله وعظمته، أما تعلم أن ربك أرحم بك من الوالدة بولدها، ومن رحمته بك أن كونك من نطفة قذرة حتى أصبحت رجلاً، وجعل لك السمع والبصر والفؤاد ثم قال: كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] والله ثم والله إن القلب عليك ليحزن، وإنا على فراقك لمحزونون، نريد أن نرى صفحة وجهك المشرق معنا في بيت الله، نريد أن تكثر سود المسلمين بين يدي الله، نريد لك خيري الدنيا والآخرة، نريد لك حياة السعادة والطمأنينة أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] نريد لك بعداً عن ضيق الصدر وعن الهموم والمصائب والأحزان، وأن لا تكون كمن قال الله فيهم: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:124-126] ولا أحسبك إلا مستجيباً لهذه النداءات من أحبابك جمعة المسجد. فالحق بنا على ركب الهدى، وقائد هذا الركب هو محمد ابن عبد الله ، وأفراد هذا الركب هم كل خير حمل القرآن والسنة منهجاً وديناً.
أخي الحبيب: الله الله في الصلاة، فإنها كانت آخر وصية أوصى بها المعصوم ، إن فلبي ليتمزق، وإن عيني لتذرف، ويعلم الله عن أحوالنا التي لا نشكوها إلا له سبحان ولكن هيا بنا، نعم هيا بنا، إلى روضة من ضياء، وإلى قبس من نور، إلى حيث البر والإحسان، وإلى حيث الخشوع والإذعان، إلى بيت ربنا.
إلى الله نادى منادي الرحيل *** فهبوا إلى الله يا أوفياء
وسيروا على بركان الإله *** فإن الإله جزيل العطاء
أخي الحبيب: وفي الختام.. نريد نعم... نريد أن نراك في مسجدنا.. فلا تحرمنا رؤياك.
وإلى لقاء قريب بإذن الله في روضة المسجد إن شاء الله تعالى.
مع تحيات إخوانك في جماعة المسجد.
===========
أخي الشاب دع الفراغ وابدأ العمل
دار الوطن(11/184)
الحمد لله حمداً يبلغ رضاه، وصلى الله على نبيه ومصطفاه، وعلى آله وصحبه ومن والاه الى يوم الدين. أما بعد:
هل تأملت هذا الرجل الذي احدودب ظهره، وابيض شعره، وتثاقلت خطاه، وخارت قواه، وسقط حاجبيه، وتناثرت أسنانه؟ فهو يقوم بصعوبة، ويقعد بصعوبة، وينام بصعوبة، ويصلي بصعوبة، ويصوم بصعوبة، ويأكل بصعوبة، ويشرب بصعوبة، ويقضي حاجته بصعوبة.
هل تأملت هذا الرجل؟ ألم يكن شاباً مثلك..؟ يعيش حياة الشباب.. ويسير سيرهم.. ويلهو لهوهم.. ويلعب لعبهم..، لقد ظن هذا الرجل أن أيام الشباب طويلة.. وأن قوة الشباب قاهرة.. وأن نضرة الشباب تزهو على الليالي والأيام !!
واليوم.. وبعد أن كبرت سنه.. وضعف بنيانه.. وتنوعت أسقامه.. يبكي على ما ضاع من عمره في اللهو واللعب.. يبكي على قوة الشباب التي ولت، وعلى نضرة الشباب التي استبدلت بالكبر والشيخوخة.. ويتمنى أن يعود إليه شبابه وقوته ليصرفها في طاعة الله ورضوانه. ولكن هيهات هيهات.. فكل يوم انشق فجره ينادي ابن آدم ويقول: يا ابن آدم ! أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لن أعود الى يوم القيامة.
إن هذا الرجل يعيش اليوم في ندم وحسرة.. لماذا؟ لأنه لا يقوى على عبادة الله في زمن العجز والضعف والوهن.. يريد الصلاة فلا يستطيع.. يريد الصيام فلا يستطيع.. يريد الحج والاعتمار فلا يستطيع.. يريد زيارة القبور وتشييع الجنائز فلا يستطيع.. قد هدّه المرض.. وتكاثرت عليه الأوجاع.. ولذلك فإنه يبكي.
بكيت على الشباب بدمع عيني *** فلم يغن البكاء ولا النحيب
فيا أسفاً أسفت على شباب *** نعاه الشيب والرأس الخضيب
عريت من الشباب وكنت غصناً *** كما يعرى من الورق القضيب
فيا ليت الشباب يعود يوماً *** فأخبره بما فعل المشيب
احذر طول الأمل !!
أخي الشاب: قد تقول: وما الذي يجعلني أنتظر حتى أصل الى هذا الحد من الضعف والوهن.. إني سأتوب قبل ذلك العمر.. ربما في الأربعين أو بعد ذلك بقليل، وهي سن يكون الإنسان فيها متمتعاً بكامل صحته وقواه، وحينئذ أجمع بين الأمرين: متعة الشباب، وعبادة الله بعد ذلك.. والله تعالى غفور رحيم.. يتوب على العبد متى تاب، ولو في الخمسين من عمره أو الستين أو السبعين ما لم يغرغر على الموت.
ولبيان زيف هذا التصور – أخي الشاب – أحب أن أسألك هذا السؤال: من يضمن لك أن تصل الى الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين؟ بل من يضمن لك البقاء الى غد؟ بل من يضمن لك أن تقوم من مقامك؟ أما تعلم أن الموت يأتي بغتة؟ وأنه ينزل بالشباب كما ينزل بغيرهم؟ أما رأيت كثيراً من أقرانك أخذهم الموت فأصبحوا من سكان القبور؟
هل تمكن هؤلاء من التوبة؟ وهل تمتعوا بالمهلة؟ وهل استفادوا في قبورهم من تضييع الأوقات في الملاهي والمنكرات؟ وهل وصلوا السن التي تريد أن تصل إليها ثم تتوب بعدها؟ فلماذا تؤمل البقاء في هذه الدار، وطريقك محفوف بالمكاره والأخطار؟
ولماذا التسويف والغفلة؟ وأنت تعلم أن الموت يأتي بغتة وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
قال ابن الجوزي: يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعداً، ولا يغتر بالشباب والصحة، فإن أقل من يموت الأشياخ، وأكثر من يموت من الشباب، ولهذا يندر من يكبر وقد أنشدوا:
يُعمّر واحد فيغرّ قوماً *** ويُنسى من يموت من الشباب
ومن الاغترار: طول الأمل، وما من آفة أعظم منه، فإنه لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلاً، وإنما تتُقدّم المعاصي وتُؤخر التوبة لطول الأمل وتبادر الشهوات.
تؤمل في الدنيا قليلاً ولا تدري *** إذا جن ليل هل تعيش الى الفجر
فكم من صحيح مات بغير علة! *** وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
شباب عاجز:
وكذلك – أخي الشاب- إذا وصلت الى سن الأربعين فما يدريك أنك ستكون متمتعاً بقواك في هذه السن كما زعمت؟ قادراً على عبادة الله على أكمل وجه؟
أما يمكن أن يصاب ابن العشرين أو الثلاثين أو الأربعين بالأمراض التي تزلزل أركانه؟ وتجعله طريح الفراش حبيس الأسرّة البيضاء؟ أما يمكن أن يبتلى ابن العشرين أو الثلاثين أو الأربعين بالحوادث المروعة التي لا يستطيع بعدها حراكاً؟
فالله الله في تجديد التوبة، عساها تكف كف الجزاء، والحذر الحذر من الذنوب، فإن المبارزة لله تسقط العبد من عينه، ومتى سقط العبد من عين الله في أي أودية الدنيا هلك !
عاقبة التسويف:
أخي الشاب: هناك أمر آخر قد خفي عليك، وهو أن التسويف لا يقف عند حدّ، بل هو بحر لا ساحل له، والأماني لا تنقطع بصاحبها، ولا يزال العبد يسوف حتى يصير مجندلاً في قبره.. فإذا بلغ الثلاثين قال: سوف أتوب غداً.. وإذا جاوز الأربعين قال: سأتوب غداً.. وإذا بلغ الخمسين قال: غداً.. وإذا بلغ الستين قال: غداً غداً.. وكل يوم يمر عليه يزداد فيه بعداً من الله، ونفوراً من التوبة وسبيلها.. فالحازم من عزم على التوبة من ساعته، وترك سبل الغواية الآن قبل غده.
قال الحسن رحمه الله: إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة، حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي وكذب.. لو أحسن الظن لأحسن العمل.
خذ من شبابك قبل الموت والهرم ** وبادر التوب قبل الفوت والندم
واعلم بأنك مجزئ ومرتهن *** وراقب الله واحذر زلة القدم(11/185)
فيا أيها الشاب: إياك والتسويف بالتوبة، والاتكال على العفو والمغفرة، فالله تعالى كما أنه غفور رحيم، فإنه أيضاً شديد العقاب، ذو بطش شديد، وأخذ أليم. قال تعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج:12]. وقال سبحانه: إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]. وقال النبي : { إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته} [متفق عليه].
وهناك ثلاثة أسباب للتراخي والميل الى اللذات:
أحدها: رؤية الهوى العاجل، فإن رؤيته تشغل عن الفكر فيما يجنيه، لأن عين الهوى عمياء !
الثاني: التسويف بالتوبة، فلو حضر العقل لحذر من آفات التأخير، فربما هجم الموت قبل أن تحصل التوبة.
الثالث: رجاء الرحمة فيقول العاصي: ربي رحيم، وينسى أنه شديد العقاب.
قل للمفرط يستعد *** ما من ورود الموت بد
قد أخلق الدهر الشباب *** وما مضى لا يسترد
أو ما يخاف أخو المعاصي *** من له البطش الأشد
يوماً يعاين موقفاً *** فيه خطوب لا تحد
فإلام يشتغل الفتى *** في لهوه والأمر جد
شاب نشأ في عبادة الله:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله عز وجل، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه } [متفق عليه].
أخي الشاب:
ألا تريد أن يظلك الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؟
ألا تريد أن تأخذ كتابك بيمينك فتقول فرحاً مسروراً: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ [الحاقة:20،19].
ألا تريد لقيا الأنبياء والمرسلين في جنات عدن؟
ألا تريد التمتع بالحور العين والجواري الحسان؟
ألا تريد النظر الى وجه الله الكريم؟ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:23،22].
ألا تريد نعيماً لا ينفذ وقرة عين لا تنقطع؟
إن كنت تريد ذلك فـ:
شمر عسى أن ينفع التشمير *** وانظر بفكرك ما إليه تصير
طولت آمالاً تكنفها الهوى *** ونسيت أن العمر منك قصير
وكن كما كان هذا الشاب الذي حكى عنه بكر العابد، فقال تعبّد شاب صغير من أهل الشام فبالغ بالعبادة والاجتهاد، فقالت له أمه: يا بني ! لماذا لا تلهو مع الشباب الذين هم في مثل سنك؟ فقال لها الشاب الطائع: يا أماه ! ليتك كنت بي عقيماً.. ليتك لم تلديني يا أماه.. إن لابنك في القبر رقاداً طويلاً، وفي عرصات القيامة موقفاً مهولاً.. فقالت له: يا بني ! لولا أني أعرفك صغيراً وكبيراً لظننت أنك أحدثت حدثاً موبقاً، أو أذنبت ذنباً مهلكاً لما أراك تصنع بنفسك، فقال لها: يا أماه ! وما يدريني أن يكون الله عز وجل قد اطلع علي وأنا في ذنوبي فمقتني، وقال: اذهب فلن أغفر لك.
هكذا كان شباب الأمس، يعبدون الله تعالى، ويخافون ألا يتقبل الله منهم، أما شباب اليوم – إلا من رحم الله – فقد جمع بين التقصير بل التفريط والغفلة، ومع ذلك يظن كل واحد منهم النجاة يوم القيامة.
وصية نبوية:
عن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي أنه قال: { اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك } [الحاكم والبيهقي وصححه الألباني].
الإسلام وحظوظ النفس:
أخي الشاب: يخطئ من يظن أن طريق الاستقامة يمنع المتعة ويحرم البسمة، وينهى عن المزحة، ويحظر الشهوات على الإطلاق بل إنه ضبط هذه الأمور وفق حدود شرعية حتى لا يكون الإنسان عبداً لهواه وشهواته، فهناك انواع من المتع المباحة التي أقرها الإسلام وحث عليها، ومن ذلك:
أولاً: النكاح: فالنكاح حث عليه الإسلام، وجعله سبيلاً لضبط الشهوة، وطريقاً للمودة والرحمة بين الزوجين، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].
ونظراً لقوة داعي الشهوة لدى الشباب خصهم النبي بالأمر به، فقال عليه الصلاة والسلام: { يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء } [متفق عليه].
وفي النكاح فوائد عظيمة منها:
1- أنه تنفيذ لأمر الله تعالى في كتابه.
2- أن اتباع لسنن الأنبياء والمرسلين وبخاصة سنة نبينا محمد .
3- به تحصيل المودة والرحمة والتعاون والألفة بين الزوجين.
4- به يتم التعارف والتآخي بين الأسر والعائلات.
5- به تحفظ الأنساب ولا تختلط.
6- به تحصن الفروج وتضبط الغرائز ولا يعتدي الناس بعضهم على بعض.
7- به يكثر النسل وتقوى شوكة الأمة ويهاب جانبها.
8- به يحصل الأجر لكلا الزوجين إذا عاشر كل منهما الآخر بالمعروف.
9- به تحفظ المجتمعات من الفساد والانحلال.
10- به يحفظ الزوجان من الأمراض الفتاكة التي تصيب من يقضي وطره بالطرق المحرمة.
أخي الشاب: وحرم الإسلام الزنى لما فيه من الأضرار الجسيمة على الأفراد والأسر والمجتمعات، فبالزنى تختلط الأنساب وتنتشر العداوة والبغضاء، ويظهر القحط ويعم البلاء، والزنى يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين، وذهاب الورع وفساد المروءة، وقلة الغيرة، فلا تجد زانياً معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله.
ومن نتائج الزنى:
1- غضب الرب سبحانه لانتهاك محارمه.
2- سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت.(11/186)
3- ظلمة القلب وطمس نوره والوحشة وضيق الصدر.
4- الفقر اللازم للزناة ولو بعد حين.
5- السقوط من عين الله وأعين العباد.
6- الاتصاف بأخبث الأوصاف كالفاجر والزاني والخائن والفاسق.
7- نزع الإيمان من القلب، لقول النبي : { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن } [متفق عليه].
8- التعرض للعذاب في جهنم مع الزناة والزواني.
9- الإصابة بالأمراض الفتاكة كالإيدز والهربز والسيلان.
10- فوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن.
ثانياً: الأكل والشرب: قال تعالى: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ [الملك:15].
1- أن يكون الطعام والشراب من الطيبات كما قال تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ [الأعراف:157]. فالدخان والحشيشة والخمر كلها من الخبائث المحرمة.
2- أن يكون بقدر الحاجة كما قال تعالى: وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ [الأعراف:31].
3- أن يكون في غير الأوقات التي حرم الله فيها الأكل والشرب كنهار رمضان، قال تعالى: ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [البقرة:187].
4- أن يكون الطعام والشراب من مال حلال، فإن كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به.
ثالثاً: الضحك والمزاح: فقد كان النبي يضحك، وكان يمزح، ولكن لا يقول إلا الصدق، فليس في الإسلام مكان لباطل ولو عن طريق المزاح والتفكه، وليس هناك نكات تروج للكذب، وتتخذ من السخرية مادة للضحك وتضييع الأوقات قال النبي : { ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له } [أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنه الألباني].
رابعاً: الرحلات والزيارات: وهذه أيضاً من المتع المباحة شريطة ألا يتخللها معصية، من شرب للدخان أو استماع للملاهي أو التحدث بالرفث من القول وغير ذلك.
وفي ذلك يقول الشيخ ابن عثيمين: ( أحث الشباب على إقامة الزيارات فيما بينهم، حتى تتوطد الألفة والمحبة بين القلوب، وعليهم أن يدرسوا أحوالهم وأحوال أمتهم، ليكونوا كقلب واحد، ورجل واحد، وما أعظم ثمرة الزيارات إذا قرنت برحلات قريبة أو بعيدة، فإن لها أثراً كبيراً، وعلى المربين من الأساتذة والمديرين قسط كبير من هذا التوجيه ).
خامساً: الرياضة وتقوية الأبدان: فالمؤمن القوي خير واحب الى الله تعالى من المؤمن الضعيف، ويروى عن عمر أنه قال: ( علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل )، ولكن ينبغي للشاب أن يكون له نية صالحة في ذلك وهي الجهاد في سبيل الله والذب عن الشريعة والدفاع عن الدين والنفس والعرض والأرض والمال.
دع الفراغ وابدأ العمل:
أخي الشاب: ها نحن قد أخذنا الحديث وتكلمنا كثيراً، فلماذا لا نبدأ من الآن؟ أعترف أن البدايات قد تكون صعبة ولكن.. "عند الصباح يحمد القوم السرى".
وأذكرك بقول النبي : { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ } [البخاري]. فكأنك المقصود بهذا الحديث أيها الشاب، فأنت في الزمان الصحة والقوة، وعندك كثير من الأوقات التي انشغل فيها غيرك بتدبير معاشهم والسعي في أرزاقهم، فلماذا لا تستثمر هذه الأوقات فيما يقربك الى الله، وفيما يكون ذخراً لك يوم القيامة؟
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إني لأبغض الرجل أراه فارغاً، لا في أمر دنياه، ولا في أمر آخرته.
وقال أبو العباس الدينوري: ليس في الدنيا أعز وألطف من الوقت والقلب، وأنت مضيع لهما !!
وقال يحيى بن معاذ الرازي: المغبون من عطل أيامه بالبطالات، وسلط جوارحه على الهلكات، ومات قبل إفاقته من الجنايات.
وقال أحد السلف: الليل والنهار يعملان فيك فاعمل أنت فيهما.
وقال عيسى عليه السلام: إن هذا الليل والنهار خزانتان فانظروا ما تضعون فيهما. وكان يقول: اعملوا لليل لما خُلق له، واعملوا للنهار لما خلق له.
وقال أبو زيد: إن الليل والنهار رأس مال المؤمنين، وربحهما الجنة، وخسرانها النار..
إنما الدنيا الى الجنة والنار طريق *** والليالي متجر الإنسان والأيام سوق!!
وقال إبراهيم بن شيبان: من حفظ على نفسه أوقاته فلا يضيعها بما لا رضى لله فيه، حفظ الله عليه دينه ودنياه.
وقال عمر بن ذر أنه كان يقول في مواعظه: لو علم أهل العافية ما تضمنته القبور من الأجساد البالية، لجدّوا في أيامهم الخالية، خوفاً من يوم تتقلب فيه القلوب الأبصار.
اغتنم في الفراغ فضل ركوع *** فعسى أن يكون موتك بغتة
كم من صحيح رأيت من غير سقم *** ذهبت نفسه الصحيحة فلتة
قال الإمام ابن رجب: "فالواجب على المؤمن المبادرة بالأعمال الصالحة، وقبل أن لا يقدر عليها، ويحال بينه وبينها، إما بمرض أو موت، أو بأن يدركه بعض الآيات التي لا يُقبل معها عمل"
وقال ابن الجوزي: واعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة، ففي الصحيح عن رسول الله أنه قال: { من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة } [الترمذي، وصححه الألباني]. فكم يضيع الآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل ! وهذه الأيام مثل المزرعة، فكأنه قيل للإنسان: كلما بذرت حبة أخرجنا لك ألف كرّ – والكرّ: مكيال يقدر بأربعين أردباً – فهل يجوز للعاقل أن يتوقف في البذر ويتوانى؟!(11/187)
قال تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر:54-58]. وقال تعالى: حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100،99].
وختاماً أخي الشاب:
1- اعلم أن عمرك رأس مالك فلا تضيعه فيما لا يفيد.
2- تخير أصدقاءك، واجتنب صحبة الأشرار ومجالسهم
3- حافظ على الصلاة فإنها سبيل النجاة، ولا تنم عن صلاة الفجر.
4- أسبغ الوضوء على المكاره، وأكثر الخطا الى المساجد وانتظر الصلاة بعد الصلاة.
5- بادر الى المسجد عند سماع الأذان فالله أكبر من كل شئ.
6- أكثر من الصيام فإنه دواء لكثير من أدواء الشباب.
7- عوّد نفسك الصدقة والبذل والعطاء، فإنه سبب لرفع كثير من البلاء.
8- بادر بأداء فريضة الحج ولا تؤخرها، والعمرة الى العمرة كفارة لما بينهما.
9- اجعل لك ورداً من القرآن كل يوم وحافظ عليه فخيركم من تعلم القرآن وعلمه.
10- أكثر من الذكر والدعاء في الليل والنهار، فإن الله تعالى يحب الذاكرين ويجيب دعاء الداعين.
11- طالع في سيرة النبي وسير أصحابه، لعلك تكتسب بعض صفاتهم.
12- داوم على حضور مجالس العلم، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم.
13- عليك بالتواضع وإياك والكبر، فإنه لا يدخل الجنة متكبر.
14- إياك والحسد فإنه ذنب إبليس الذي طرد به من الجنة.
15- أطع والديك ولا تغضبهما فإنه لا يدخل الجنة عاق.
16- عيادة المريض وتشييع الجنائز وزيارة القبور من وسائل زيادة الإيمان والتذكير بالآخرة فلا تغفل عنها.
17- تبسمك في وجه أخيك صدقة فأحسن لقاء إخوانك.
18- إياك والغناء فإنه لا يجتمع في قلب عبد محبة الغناء ومحبة القرآن، فانظر أيها تختار.
19- تعوّد غض البصر عبادة المتقين.
20- كن في حاجة إخوانك، فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
==============
الأعمال المضاعفة
سليمان بن صالح الخراشي
دار الوطن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فكل مسلم منا حريص أشد الحرص على أن يطول عمره ليزداد فيه من الخير، كما قال لما سئل : ( من خير الناس؟ ) قال: { من طال عمره وحسن عمله } [رواه الترمذي وأحمد]، فهذه الدار هي دار التزود من الأعمال الصالحة والاستكثار منها؛ لكي يرتاح الإنسان بعد موته، ويرضى عن سعيه.
وقد أخبر أن أعمار أمته ما بين الستين والسبعين، وليسوا كأعمار الأمم السابقة، ولكنه دلهم على أعمال وأقوال تجمع بين قلتها وسهولتها، وبين أجرها العظيم، الذي يعوض الإنسان عما يفوته من سنين طويلة مقارنة بأمم أخرى، وهذه الأعمال هي ما يسمى (بالأعمال المضاعفة) وليس كل إنسان يعرفها.
ولذا أحببت ذكر أغلبها في هذه الرسالة الصغيرة حرصا على أن يزيد منا في عمره الإنتاجي في هذه الدنيا، ليكون ممن يعرفون من أين تؤكل الكتف، فيتخيرون من الأعمال أخفها على النفس، وأعظمها في الأجر، فهو كمن يجمع الجواهر الثمينة من بطن البحر بين أناس يجمعون الأصداف وهو كما قال الشاعر:
من لي بمثل سيرك المدلل *** تمشي رويدا وتجيء في الأول
وقد ذكرت هذه الأعمال والأقوال متتالية باختصار، مع ذكر دليل كل قول أو عمل، وهي أدلة من القرآن الكريم، أو من الأحاديث الصحيحة والحسنة، والله الموفق لكل خير.
1 - صلة الرحم: قال : { من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه } [رواه البخاري ومسلم].
2 - حُسن الخلق: قال : { صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمرن الديار ويزدن في الأعمار } [رواه أحمد والبيهقي].
3 - الإكثار من الصلاة في الحرمين الشريفين: لقوله : { صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه } [رواه أحمد وابن ماجة].
4 - صلاة الجماعة مع الإمام: لقوله : { صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة } [رواه البخاري ومسلم].
وأما النساء فصلاتهن في بيوتهن أفضل من صلاتهن في المسجد، ولو كان المسجد النبوي؛ لقوله لأم حميد - إحدى الصحابيات: { قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي } [رواه أحمد]. فكانت رضي الله عنها بعد هذا تصلي في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، حتى لقيت الله عز وجل.
5 - أداء النافلة في البيت: لقوله : { فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل الفريضة على التطوع } [رواه البيهقي وصححه الألباني]. ويشهد له قوله في الصحيح: { أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة } [رواه البخاري ومسلم].(11/188)
6 - التحلي ببعض الآداب يوم الجمعة: وهي ما ورد في قوله : { من غسَّل يوم الجمعة، ثم بكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها } [رواه أهل السنن]. ومعنى { غسَّل } أي:غسل رأسه، وقيل: أي جامع امرأته ليكون أغض لبصره عن الحرام في هذا اليوم. ومعنى { بكَّر } أي: راح في أول الوقت، و { ابتكر } أي: أدرك أول الخطبة.
7 - صلاة الضحى: لقوله : { يُصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى } [رواه مسلم]. ومعنى { سُلامى } أي: مِفصل من مفاصل الإنسان، وهي ثلاثمائة وستون مفصلاً.
وأفضل وقت لصلاة الضحى عندما يشتد الحر؛ لقوله : { صلاة الأوابين حين ترمض الفصال } [رواه مسلم] أي: تقوم صغار الإبل من مكانها من شدة الحرارة.
8 - تحجيج عدد من الناس على نفقتك كل سنة: لقوله : { تابعوا بين الحج والعمر، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة } [رواه الترمذي وصححه الألباني]. والإنسان قد لا يستطيع الحج كل سنة، فلا أقل من أن يحجج على حسابه من يستطيع من فقراء المسلمين.
9 - صلاة الإشراق: لقوله : { من صلى الغداة - أي الفجر - في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة } [رواه الترمذي وصححه الألباني].
10 - حضور دروس العلم في المساجد: لقوله : { من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه كان له كأجر حاج تاماً حجته } [رواه الطبراني وصححه الألباني].
11 - الاعتمار في شهر رمضان: لقوله : { عمرة في رمضان تقضي حجة معي } [رواه البخاري]. أي: تعدلها.
12 - أداء الصلوات المكتوبة في المسجد: لقوله : { من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم } [رواه أبو داود وصححه الألباني].
فالأولى أن يخرج متطهراً من بيته، لا من دورات مياه المسجد، إلا لحاجة أو ضرورة.
13 - أن يكون من أهل الصف الأول: لقول العرباض ابن سارية رضي الله عنه: ( إن رسول الله كان يستغفر للصف المقَّدم ثلاثاً، وللثاني مرة ) [رواه النسائي وابن ماجة] ولقوله : { إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول } [رواه أحمد بإسناد جيد].
14 - الصلاة في مسجد قباء: لقوله : { من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه كان له كأجر عمرة } [رواه النسائي وابن ماجة].
15 - أن تكون مؤذناً: لقوله : { المؤذن يُغفر له مدى صوته، ويُصَدِّقه من سمعه من رطب ويابس، وله أجر من صلى معه } [رواه أحمد والنسائي]. فإذا لم تستطع أن تكون مؤذناً فلا أقل من أن تكسب مثل أجره وهو:
16 - أن تقول كما يقول المؤذن: لقوله : { قل كما يقولون - أي المؤذنون - فإذا انتهيت فسَل تُعطه } [رواه أبو داود والنسائي] أي: ادع بعد فراغك من إجابة المؤذن.
17 - صيام رمضان وستٍ من شوال بعده: لقوله : { من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر } [رواه مسلم]
18 - صيام ثلاثة أيام من كل شهر: لقوله : { من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر، فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك في كتابه من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها اليوم بعشرة أيام } [رواه الترمذي].
19 - تفطير الصائمين: لقوله : { من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً } [رواه الترمذي وابن ماجة].
20 - قيام ليلة القدر: لقوله تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3] أي: أفضل من عبادة ثلاث وثمانين سنة تقريباً.
21 - الجهاد: لقوله : { مقام الرجل في الصف في سبيل الله أفضل من عبادة ستين سنة } [رواه الحاكم وصححه الألباني].
وهذا في فضل المقام في الصف، فكيف بمن جاهد في سبيل الله أياماً وشهوراً أو سنوات؟
22 - الرباط: لقوله : { من رابط يوماً وليلة في سبيل الله كان له كأجر صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً له مثل ذلك من الأجر، وأجري عليه الرزق وأُمِّن الفتان } [رواه مسلم]. والفتَّان هو عذاب القبر.
23 - العمل الصالح في عشر ذي الحجة: لقوله : { ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر }، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله،؟ فقال: { ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء } [رواه البخاري].
24 - تكرار بعض سور القرآن: لقوله : { قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، و قل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن } [رواه الطبراني وصححه الألباني].
25 - الذكر المضاعف: وهو كثير، ومنه أن رسول الله خرج من عند جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها بُكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال : { مازلت على الحال التي فارقتك عليها؟ } قالت: نعم. فقال : { لقد قلتُ بعدك أربع كلمات وثلاث مرات لو وُزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته } [رواه مسلم].
وعن أبي أمامة قال: رآني النبي وأنا أُحرك شفتي، فقال: { ما تقول يا أبا أمامة؟ } قلت: أذكر الله. قال: { أفلا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل والنهار؟ تقول: الحمد لله عدد ما خلق، والحمد لله ملء ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء، وتسبح الله مثلهن } ثم قال: { تعلَّمهن وعلِّمهن عَقِبَك من بعدك } [رواه الطبراني وحسنه الألباني].(11/189)
26 - الاستغفار المضاعف: لقوله : { من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة } [رواه الطبراني وحسنه الألباني].
27 - قضاء حوائج الناس: لقوله : { لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً } [رواه ابن أبي الدنيا وحسنه الألباني].
28 - الأعمال الجاري ثوابها إلى ما بعد الموت: وهي ما وردت في قوله : { أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: رجل مات مرابطااً في سبيل الله، ورجل علَّم علماً فأجره يجري عليه ما عُمِل به، ورجل أجرى صدقة فأجرها يجري عليه ما جرتْ عليه، ورجل ترك ولداً صالحاً يدعو له } [رواه أحمد والطبراني].
29 - استغلال الوقت: بأن يعمر المسلم وقته بالطاعات: كقراءة القرآن، والذكر، والعبادة، واستماع الأشرطة النافعة، لكي لا يضيع زمانه هدرا، فيُغبن يوم لا ينفعه الغَبْن، كما قال : { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ } [رواه البخاري].
وفقنا الله جميعاً لإطالة أعمارنا في الخير، واستغلال الفرص المضاعفة التي يغفل عنها المفرطون، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
============
أيها الشاب الفطن
دار القاسم
أخي الحبيب...
أرجو أن تقرأ هذه الرسالة بنفس الهدوء الذي كتبت لك به بعيدا عن الانفعال أو اتخاذ موقف سلبي قبل أن تستكمل قراءتها فالعاقل الفطن من يستمع ويقرأ للنهاية ثم هو و شأنه !
قد يقوم البعض منا بأعمال يكون دافعه لها الشهوة المجردة دون التفكير المتعقل لعواقبها ومن ذلك ما يقوم به المعاكس للنساء لذا نقول له: دعنا نقف معك قليلا ونلقي الضوء على ما تقوم به:
1 ـ إن الفتاة التي تعاكسها هي من أفراد مجتمعك ويعني ذلك أنك تساهم في إفساده إرضاء لشهوتك وكان من المفترض ـ وأنت ابن الإسلام ـ أن تسهم في إصلاحه. فهل ترضى لمجتمعك وفتياته الفساد؟!
2 ـ إن الفتاة التي تعاكسها وتسعى إلى أن تفعل بها الفاحشة أو أنك قد فعلت: إنما هي في المستقبل إن لم تكن زوجة لك فهي زوجة لقريبك أو لأحد من المسلمين وكذلك الفتاة التي عاكسها غيرك وساهم في إفسادها قد يبتليك الله بها عقوبة لك في الدنيا قال تعالى: الخبيثات للخبيثين [النور:26].
3 ـ إن فساد النساء يعني فساد المجتمع وقد يبدأ من شخصك أو مما تساهم في تنشيطه وينتهي في المستقبل مع قريباتك ومن أفسدتها اليوم أنت أو غيرك قد تكون صديقة لزوجتك أو أختك أو قريبتك ويقمن بإفسادها ودلالتها على طريق الغواية.. فهن جزء لا يتجزأ من مجتمعك وقد حذر نبيك من مغبة الأمر فقال : { فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني اسرائيل كانت في النساء } [رواه مسلم].
4 ـ إن كانت الفتاة ترضى أن ترتبط معك في علاقة محرمة فما ذنب أهلها بتدنيسك لعرضهم؟ ثم هل طواعيتها لك عذر مقبول لاعتدائك؟! بمعنى آخر لو أن أحدا من الناس بنى علاقة غير مشروعة مع أحد قريباتك ثم اكتشفت ذلك فهل يكفيك عذرا أن يقول لك من هتك عرضك: هي التي دعتني لذلك لتغفر له خطيئته؟ وأسوق لك حديث الشاب الذي جاء إلى الرسول فقال له: { ائذن لي في الزنا فقال : أتحبه لأمك لابنتك لزوجتك لعمتك لخالتك، وكان يقول: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك فقال : ولا الناس يحبونه لبناتهم وأخواتهم وعماتهم وخالاتهم، أو كما قال } [رواه أحمد عن أبي أمامة].
5 ـ لو خيرت بين الموت أو أن يهتك عرضك ماذا تختار؟ إذا كيف ترضى لنفسك الوقوع في محارم الناس؟! قال الرسول : { من قتل دون أهله فهو شهيد } [رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو صحيح].
6 ـ ما هو الشعور الذي ينتابك وأنت تعيش في مجتمع خنته وهتكت محارمه وأفسدت نسائه؟
7 ـ هل يكفيك من الفاحشة أن تقوم بها مرة ـ مرتين ـ ثلاث أم أن الشيطان يريد لك الهلاك؟ فالأمر لا يتوقف وهو مسلسل سقوط خطير في دنياك وآخرتك قال تعالى: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير [فاطر:6].
8 ـ سمعت عن القول المأثور ( الجزاء من جنس العمل ) فهل أنت مستعد أن تبتلى في عرضك الآن أو حتى بعد حين مقابل التنفيس عن شهواتك؟ قد تقول: أتوب قبل أن أتزوج أو أرزق بنتا ! فأسألك: هل تضمن أن الله يقبل توبتك ولا يبتليك؟! قال تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها [الشورى:40]. واعلم أن الذئاب كثير ولك أم وأخت وزوجة وبنت وابنةعم وابنة خال.. فاحذر وانتبه !
قال الشافعي رحمه الله:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم *** وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنى دين فإن أقرضته *** كان الوفاء بأهل بيتك فاعلم
9 ـ إذا صنف الناس إلى صنفين: مصلحين ومفسدين فأين تصنف نفسك؟ وقد نهى الله عز وجل عن الفساد قال تعالى: ولا تفسدوا الأرض بعد إصلاحها.. [الأعراف:56].
10 ـ ما هو شعورك وأنت تفعل الفاحشة بزانية يدخل عليك والداك وإخوانك وكل صديق يثق بك ويحبك وكل عدو يود أن يشمت بك ثم الناس كلهم ويرونك على هذه الحال بل ما هو موقفك وأنت بعيد عن أعينهم في مأمن لكن عين الله تراك؟ وهل تذكرت وقوفك بين يدي الله في أرض المحشر عندما { ينصب لكل غادر لواء فيقال: هذه غدرة فلان } كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري.
11 ـ إن كنت ذكيا وحاذقا واستطعت بذكائك التلاعب بأعراض المسلمين دون أن يكتشف أمرك فما هو موقفك من قول الله تعالى: ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار [إبراهيم:42].(11/190)
12 ـ هل تظن أن ستر الله عليك في هذا العمل كرامة؟ لا بل قد يكون استدراجا لك لتموت على هذا العمل وتلاقي الله به { إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته } [رواه البخاري ومسلم]، { ومن مات على شيء بعثه الله عليه } [السلسلة الصحيحة:1/ 282].
13 ـ ثم لنفترض أن الله ستر عليك، أفلا تستحي منه وتتوب، وإلى متى وأنت تفعل الذنوب؟!
14 ـ نهاية طريق حياتك الموت ثم توفى كل نفس ما كسبت [البقرة:281]، فهل تستطيع أن تشذ عن الخلق وتغير هذا الطريق؟! إذا لماذا لا تستعد للموت وما بعده والقبر وظلمته والصراط وزلته !؟! واعلم أنك تموت وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك.
15 ـ روى البخاري في صحيحه أن رسول الله قال: { إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي انطلق ـ وذكر الحديث حتى قال: فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط وأصوات فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا } فلما سأل عنهم الملائكة قالوا: { وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني }. فهل تود أيها الشاب أن تكون منهم؟!
16 ـ قد تقول لا أستطيع الزواج لغلاء المهور فهل الحل الوقوع في الحرام؟! ثم إن سلوكك طريق الحرام تواجهك فيه مصاعب وتسعى جادا لتذليلها بجهدك ومالك وفكرك وأنت مأزور غير مأجور فلماذا لا تكون لك هذه الهمة في طريق الحلال فتواجه الصعوبات، وأنت مأجور لك الأجر وحسن المثوبة والذكر الحسن؟ قال : { ثلاث حق على الله عونهم ـ ذكر منهم ـ الناكح يريد العفاف } [أخرجه الترمذي والنسائي وحسنه الألباني].
فماذا تختار؟
إن ممارسة الشيء والاستمرار عليه مدعاة لحبه والدعوة إليه فيخشى على من داوم فعل هذه الفاحشة أن يستسيغها حتى في أهله بعد حين فيصبح ديوثا والعياذ بالله من ذلك.
أخي المسلم...
قد تكون المرأة التي بدأت معها علاقة غير مشروعة عن طريق الهاتف متزوجة وفي لحظة ضعف أو غياب وعي استرسلت معك في الحديث ثم قمت بالتسجيل كالعادة ثم بدأت بتهديدها.. الخ، هل تعلم أنك بهذا العمل قد ارتكبت جريمة شنعاء؟!! ليس في حق المرأة فقط بل وفي حق زوجها الذي أفسدت عليه زوجته والرسول يقول: { ليس منا من خبب ـ أفسد ـ امرأة على زوجها } [رواه أبو داود]، ثم في حق أطفالها إن كان لديها أطفال فما ذنبهم أن يدنس عرضهم ويفرق بين أبويهم وقد يكون ذلك أيضا سببافي ضياعهم وانحرافهم. والمسؤول عن ذلك كله هو أنت فما هو عذرك أمام الله؟
وختاما...
نتمنى أن لا تكون ممن قال الله فيهم: وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد [البقرة:206]، ولكن عد إلى الله واعلم أن التوبة تَجُب ما قبلها واسع إلى االتوبة النصوح قبل أن توسد في قبرك وتحصى عليك أعمالك.
قال تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم [المائدة:39].
وقال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى الله وأسلموا له.. [الزمر:53-54].
أخي الشاب..
اغتنم شبابك قبل هرمك وحياتك قبل موتك واجعل هذا الذكاء وهذه الفطنة لنفع الإسلام والمسلمين ورفع شأن راية الدين. جعلك الله هاديا مهديا إماما في الخير والهدى ورزقنا جميعا العفاف والتقى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
==========
الصلوات غير المفروضة
عبدالله القرني
دار الوطن
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه... أما بعد:
أخي الحبيب: إن الله تعالى فرض علينا أداء خمس صلوات في اليوم والليلة وهي بلا شك عمود الدين وركن من أركانه، كما شرع لنا صلوات دونها سميت بصلاة التطوع، فكل صلاة مشروعة في الإسلام زيادة على الفروض الخمسة الواجبة في اليوم والليلة يشملها اسم ( صلاة التطوع ).
عن طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول: حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام! فقال رسول الله : { خمس صلوات في اليوم والليلة } فقال: هل علي غيرها ! قال: { لا إلا أن تطوع } [أخرجه البخاري].
فضل صلاة التطوع
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة قال: يقول ربنا عز وجل لملائكته وهو أعلم: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً قال: انظروا هل لعبدي من تطوع، فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الأعمال على ذلكم } [أخرجه الأربعة وصححه الألباني].
السنن الرواتب
اعلم رحمك الله أن المقصود بالسنن الرواتب هي تلك الصلوات التي كان رسول الله يصليها أو يرغب في صلاتها مع الصلوات الخمس المفروضة قبلها أو بعدها.
وهي التي أشار إليها في قوله { ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشر ركعة تطوعاً إلا بنى الله له بيتاً في الجنة } [رواه مسلم].
وإليك - أيها القارئ الكريم - بيانها:
1 - راتبة صلاة الفجر: وهي ركعتان قبل الفريضة.
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي قال: { ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها } [رواه مسلم].
2 - راتبة صلاة الظهر وهي أربع ركعات قبل الفريضة وأربع أو اثنتان بعدها:
عن أم حبيبة قالت سمعت رسول الله يقول: { من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار } [أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني].(11/191)
وله أن يصلي ركعتين بعدها لحديث عائشة قالت: { كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعاً ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين} [أخرجه مسلم].
3 - راتبة صلاة المغرب وهي ركعتان بعد الفريضة:
لحديث عائشة قالت: { ...وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين } [رواه مسلم].
4 - راتبة صلاة العشاء وهي ركعتان بعد الفريضة:
لحديث ابن عمر قال: { حفظت من رسول الله عشر ركعات. قال وركعتين بعد العشاء في بيته } [أخرجه البخاري ومسلم].
فضل صلاة الليل والوتر:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل } [أخرجه مسلم].
وعن عبد الله بن عمر عن النبي قال: { اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً } [متفق عليه].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: { كان رسول الله يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشر ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة... } [أخرجه مسلم].
ومن صلاة الليل صلاة التراويح في ليالي شهر رمضان ويشرع الاجتماع لأدائها وفيها فضل عظيم.
صلاة الضحى:
عن أبي ذر عن النبي أنه قال: { يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكيبرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزىء من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى } [أخرجه مسلم].
ويشرع للمسلم أن يصليها ركعتين أو أربعاً أو ستاً أو ثمانياً أو اثنتي عشرة ركعة. كل ذلك ثبت في الأحاديث.
صلاة ركعتين بعد الوضوء:
عن عمران مولى عثمان أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء فافرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما، ثم جعل يمينه في الإناء، فمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثاً ويديه ثلاث مرار، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله : { من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه } [أخرجه الشيخان].
صلاة تحية المسجد:
يشرع للمسلم إذا دخل المسجد وأراد الجلوس فيه أن يصلي ركعتين.
فعن أبي قتادة السلمي أن رسول الله قال: { إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس } [أخرجه الشيخان]. وفي رواية البخاري { إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين }.
الصلاة بين الآذان والإقامة:
عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله : { بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة ثم قال في الثالثة لمن شاء } [أخرجه البخاري].
والمقصود بالأذانين هنا الأذان والإقامة.
صلاة التوبة:
عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله يقول: { ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] } [أخرجه الترمذي وأبو داود وحسنه الألباني].
الصلاة قبل الجمعة:
عن أبي هريرة عن النبي قال: { من اغتسل ثم أتى الجمعة وصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته، ثم يصلي معه غفر له ما بين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام } [أخرجه مسلم].
السنة البعدية للجمعة:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً } [أخرجه مسلم].
صلاة القادم من السفر:
عن كعب بن مالك قال: {.. كان - يعني رسول الله - إذا قدم من السفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس } [أخرجه الشيخان].
صلاة الاستخارة:
عن جابر بن عبد الله قال: { كان رسول الله يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني استخيرك بعلمك …) } [أخرجه البخاري].
صلاة الكسوف والخسوف:
وهي سنة مؤكدة فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: { خسفت الشمس في عهد رسول الله فصلى رسول الله بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى ثم انصرف وقد انجلت الشمس فخطب في الناس … } [أخرجه الشيخان].
ويشرع صلاتها في المسجد جماعة من غير أذان ولا إقامة.
صلاة العيدين:
وقد لازم النبي أداءها وأمر الناس بالخروج إليها.
عن أم عطية قالت: { أمرنا - تعني رسول الله - أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين } [أخرجه الشيخان].
صلاة الاستسقاء:
تشرع إذا منع المسلمون القطر وأجدبت الأرض.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: شكا الناس إلى رسول الله قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه. قالت عائشة: فخرج رسول الله حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر فكبر، وحمد الله عز وجل ثم قال: { إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم }
ومن حديث ابن عباس قال: { خرج رسول الله صلى الله متبذلاً متواضعاً متضرعاً، حتى أتى المصلى فرقى على المنبر ولم يخطب خطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد } [أخرجه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني].
صلاة الجنازة:
الصلاة على الميت المسلم فرض كفاية وفيها فضل عظيم.(11/192)
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد } [أخرجه الشيخان].
وعن أبي هريرة { أن رسول الله نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر عليه أربع تكبيرات } [أخرجه الشيخان].
صلاة ركعتي الطواف:
تصلى بعد كل سبعة أشواط، قال الله تعالى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125].
وجاء في حديث جابر الطويل في صفة حجته قال: {.. ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ، فجعل المقام بينه وبين البيت، وكان يقرأ في الركعتين: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس } [رواه مسلم].
الصلاة في مسجد قباء:
عن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله : { من خرج حتى يأتي هذا المسجد - مسجد قباء - فصلى ركعتين كان له عدل عمرة } [أخرجه النسائي وابن ماجة وصححه الألباني].
مسائل تتعلق بصلاة التطوع:
التطوع في البيت أفضل:
لحديث زيد بن ثابت وفيه { فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة } [أخرجه الشيخان].
المداومة على التطوع أفضل وإن قل:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لرسول الله حصير، وكان يحجره من الليل فيصلي فيه، وجعل الناس يصلون بصلاته، وبسطه بالنهار، فثابوا ذات ليلة فقال: { يا أيها الناس ،عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل } [متفق عليه].
صلاة التطوع عن قعود:
عن عمران بن حصين وكان ميسوراً، قال: { سألت رسول الله عن صلاة الرجل قاعداً ! قال: (إن صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد) } [أخرجه البخاري].
قال الترمذي: معنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم في صلاة التطوع.
صلاة التطوع على الراحلة:
عن ابن عمر قال: { كان رسول الله يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة } [متفق عليه].
صلاة التطوع في السفر:
لم يكن من هديه في السفر الصلاة قبل المكتوية ولا بعدها، ولم يلتزم بالرواتب وإنما ثبت عنه التطوع المطلق.
عن عامر بن ربيعة قال: { رأيت رسول الله وهو على الراحلة يسبح يومىء برأسه قبل أي وجه توجه، ولم يكن رسول الله يصنع ذلك في المكتوبة } [متفق عليه].
الجماعة في صلاة التطوع:
تشرع الجماعة في صلاة التطوع إلا أنه لا ينبغي المداومة عليها وفعلها في البيت أفضل:
فعن أنس بن مالك { أن جدته مليكة دعت رسول الله لطعام صنعته له، فأكل منه ثم قال: (قوموا فلأصل لكم) قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام رسول الله وصففت اليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله صلى الله عيه وسلم ركعتين ثم انصرف } [متفق عليه].
قضاء الراتبة مع الفائتة:
عن أبي هريرة قال: { عرسنا مع نبي الله ، فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال النبي : (ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان) قال: ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم صلى سجدتين، ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة } [أخرجه مسلم].
أفضل الصلاة طول القراءة:
عن جابر قال: قال رسول الله : { أفضل الصلاة طول القنوت } [أخرجه مسلم].
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى وجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
============
أفضل طريقة لاغتنام الدقيقة
محمد بن ابراهيم الحمد
دار الوطن
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فان الوقت هو عمر الانسان، ومن اجلّ ما ُيصان عن الاضاعة والاهمال، والحكيم الخبير من يحافظ على وقته، فلا يتخذه وعاء لأبخس الاشياء واسخف الكلام، بل يقصره على المساعي الحميدة والاعمال الصالحة التي ترضي الله سبحانه وتعالى، وتنفع الناس فكل دقيقة من عمرك قابلة لأن تضع فيها حجراً يزداد به صرح مجدك إرتفاعاً، ويقع به قومك في السعادة باعاً أو ذراعاً.
فإن كنت حريصاً على أن يكون لك المجد الأسمى، ولقومك السعادة العظمى فدع الراحة جانباً، وأجعل بينك و بين اللهو حاجباً.
هذا وإن الدقيقة من الزمن يمكن أن ُيفعل فيها خير كثير وينال بها أجر كبير، دقيقة واحدة فقط يمكن أن تزيد في عمرك، في عطائك، في فهمك، في حفظك، في حسناتك، دقيقة واحدة تكتب في صحيفة أعمالك إذا عرفت كيف تستثمرها وتحافظ عليها:احرص على النفع الأعم من الدقيقة إن تنسها تنس الأهم بل الحقيقة وفي مايلي من أسطر ذكر لمشاريع استثمارية تستطيع إنجازها في دقيقة واحدة بإذن الله:
1- في دقيقة واحدة تستطيع أن تقرأ سورة الفاتحة (7) مرات سرداً وسراً، وحسب بعضهم حسنات قراءة الفاتحة فإذا هي أكثر من (1400) حسنة ؛ فإذا قرأتها (7) مرات يحصل لك بإذن الله أكثر من (9800) حسنة وكل هذا في دقيقة واحدة.
2- في دقيقة واحدة تستطيع أن تقرأ سورة الإخلاص: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (20) مرة سرداً و سراً، وقراءتها مرة واحدة تعدل ثلث القرآن، فإذا قرأتها (20) مرة فإنهاتعدل القرآن(7) مرات، ولو قرأتها كل يوم في دقيقة واحدة (20) مرة لقرأتها في الشهر (600) مرة، وفي السنة (7200) مرة، وهي تعدل في الاجر قراءة القرآن 2400 مرة.(11/193)
3- تقرا وجهًا من كتاب الله في دقيقة.
4- تحفظ آية قصيرة من كتاب الله في دقيقة.
5- في الدقيقة الواحدة تستطيع ان تقول "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" (20) مرة، وأجرها كعتق (8) رقاب في سبيل الله تعالى من ولد اسماعيل.
6- في دقيقة واحدة تستطيع ان تقول "سبحان الله وبحمده" (100) مرة، ومن قال ذلك غفرت ذنوبه وان كانت مثل زبد البحر.
7- في دقيقة واحدة تستطيع أن تقول "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" (50) مرة، وهما كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، كما روى البخاري ومسلم.
8- قال : { لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولاإله إلا الله، والله أكبر أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس } [رواه مسلم]، وفي الدقيقة الواحدة تستطيع أن تقول هذه الكلمات جميعاَ أكثر من (18) مرة، وهذه الكلمات هي أحب الكلام إلى الله، وأفضل الكلام، ووزنهن في الميزان ثقيل كما ورد في الأحاديث الصحيحة.
9- في الدقيقة الواحدة تستطيع أن تقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله" أكثر من (40) مرة، وهي كنز من كنوز الجنة كما روى البخاري ومسلم، كما أنها سبب عظيم لتحمل المشاق، والتضلع بعظيم الأعمال.
10- في دقيقة واحدة تستطيع أن تقول: "لا إله إلا الله" (50) مرة تقريباَ وهي أعظم كلمة، فهي كلمة التوحيد، والكلمة الطيبة، والقول الثابت، ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة، إلى غير ذلك مما يدل على فضلها وعظمتها.
11- في دقيقة واحدة تستطيع أن تقول: "سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه وزنة عرشه، ومداد كلماته" أكثر من (15) مرة وهي كلمات تعدل أضعافاَ مضاعفة من أجور التسبيح والذكر كما صح عنه عليه الصلاة والسلام.
12- في دقيقة واحدة تستغفر الله عز وجل أكثر من (100) مرة بصيغة "أستغفر الله"، ولايخفى عليك فضل الإستغفار، فهو سبب للمغفرة، ودخول الجنة، وهو سبب للمتاع الحسن، وزيادة القوة، ودفع البلايا، وتيسير الأمور، ونزول الأمطار، والإمداد بالأموال والبنين.
13- تلقي كلمة مختزلة مختصرة في دقيقة واحدة وربما يفتح الله بها من الخير مالا يخطر لك ببال.
14- في الدقيقة الواحدة تستطيع أن تصلي على النبي (50) مرة بصيغة "صلى الله عليه وسلم"، فيُصلي عليك الله عزّ وجلّ مقابلها (500) مرة، لأن الصلاة الواحدة بعشر أمثالها.
15- في دقيقية تستطيع أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، فتكون من أولي الألباب اللذين أثنى الله عليهم في كتابه الكريم.
16- في دقيقة واحدة ينبعث قلبك إلى شكر الله، ومحبته، وخوفه، ورجائه والشوق إليه، فتقطع مراحل في العبودية وقد تكون حينئذ مستلقياَ على فراشك أوسائراَ في طريقك.
17- في الدقيقة الواحدة تستطيع أن تقرأ أكثر من صفحتين من كتاب مفيد يسير الفهم.
18- في الدقيقة الواحدة تستطيع أن تصل رحمك عبر الهاتف.
19- ترفع يديك وتدعو بما شئت من جوامع الدعاء في دقيقة.
20- تسلم على عدد من الأشخاص وتصافحهم في دقيقة.
21- تنهى عن منكر في دقيقة.
22- تأمر بمعروف في دقيقة.
23- تقدم نصيحة لأخ في دقيقة.
24- تشفع شفاعة حسنة - اي تقوم بوساطة خير - في دقيقة.
25- تواسي مهموماَ في دقيقة.
26- تميط الأذى عن الطريق في دقيقة.
27- اغتنام الدقيقة الواحدة يبعث على اغتنام غيرها من الأوقات الطويلة المهدرة.
قال الشافعي رحمه الله:
إذا هجع النوّام أسبلت عبرتي *** وردّدت بيتاَ وهو من ألطف الشعر
أليس من الهجران أن ليالياَ *** تمر بلا علم وتحسب من عمري
وقال الشاطبي رحمه الله:
ولو أن عيناَ ساعدت لتوكفت *** سحائبها بالدمع ديما َو هطّّلا
ولكنها عن قسوة القلب قحطها *** فياضيعة الأعمار تمشي سبهللا
وأخيراَ فبقدر إخلاصك ومراقبتك لله تعالى يعظم أجرك، وتكثر حسناتك.
واعلم أن معظم هذه الأعمال لا يكلفك شيئاَ، فلا يلزمك طهارة أو تعب أو بذل جهد بل قد تقوم به وأنت تسير على قدميك أو على السيارة أو وأنت مستلق أو واقف أو جالس أو تنتظر أحداَ. كما أن هذه الأعمال من أعظم أسباب السعادة، وانشراح الصدر، وزوال الهموم والغموم.
وفي الختام أقترح عليك يا أخي الحبيب أن تحفظ هذه الورقة في جيبك، لكي تستذكر هذه الأعمال، ولكي تقرأها على إخوانك المسلمين، فتعينهم بذلك على اغتنام أوقاتهم، ولا تحقرن من المعروف شيئاَ، والدال على الخير كفاعله ، والله يحفظك ويرعاك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
============
60 باباً من أبواب الأجر وكفارات الخطايا
دار الوطن
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين… وبعد …
فهذه رسالة إلى كل مسلم يعبد الله ولا يشرك به شيئاً حيث أن الغاية الكبرى لكل مسلم هي أن يخرج من هذه الدنيا وقد غفر الله له جميع ذنوبه حتى لا يسأله الله عنها يوم القيامة ويدخله جنات النعيم خالدا فيها لا يخرج منها أبداً.
وفي هذه الرسالة القصيرة نذكر بعض الأعمال التي تكفر الذنوب والتي فيها الأجر الكبير من أحاديث الرسول الصحيحة، نسأل الله الحي القيوم الذي لا إله إلا هو أن يتقبل أعمالنا إنه هو السميع العليم.
1- التوبة: { من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه } [مسلم:2703] { إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر }.
2- الخروج في طلب العلم: { من سلك طريقا يلتمس فيها علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة } [مسلم:2699].(11/194)
3- ذكر الله تعالى: { ألا أنبأكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم } قالوا بلى.. قال: { ذكر الله تعالى } [الترمذي:3347].
4- اصطناع المعروف والدلالة على الخير: { كل معروف صدقة، والدال على الخير كفاعله } [البخاري:10/374]، [مسلم:1005].
5- فضل الدعوة إلى الله: { من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً } [مسلم:2674].
6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: { من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } [مسلم:49].
7- قراءة القرآن الكريم وتلاوته: { اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه } [مسلم:804].
8- تعلم القرآن الكريم وتعليمه: { خيركم من تعلم القرآن وعلمه } [البخاري:9/66].
9- السلام: { لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء لو فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم } [مسلم:54].
10- الحب في الله: { إن الله تعالي يقول يوم القيامة: أين المتحابين بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي } [مسلم:2566].
11- زيارة المريض: { ما من مسلم يعود مسلماً مريضاً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاد عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة } [الترمذي:969].
12- مساعدة الناس في الدين: { من يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة } [مسلم:2699].
13- الستر على الناس: { لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة } [مسلم:2590].
14- صلة الرحم: { الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله } [البخاري:10/350] [مسلم:2555].
15- حسن الخلق: { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: تقوى الله وحسن الخلق } [الترمذي:2003].
16- الصدق: { عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة } [البخاري:10/423] [مسلم:2607].
17- كظم الغيظ: { من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء } [الترمذي:2022].
18- كفارة المجلس: { من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه؟ فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: [سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك] إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك } [الترمذي:3/153].
19- الصبر: { ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه } [البخاري:10/91].
20- بر الوالدين: { رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه } قيل: من يا رسول الله؟ قال: { من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة } [مسلم:2551].
21- السعي على الأرملة والمسكين: { الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله } وأحسبه قال: { وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر } [البخاري:10/366].
22- كفالة اليتيم: { أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وقال بإصبعيه السبابة والوسطى } [البخاري:10/365].
23- الوضوء: { من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره } [مسلم:245].
24- الشهادة بعد الوضوء: { من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: [أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين] فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء } [مسلم:234].
25- الترديد خلف المؤذن: { من قال حين يسمع النداء: [ اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته]، حلت له شفاعتي يوم القيامة } [البخاري:2/77].
26- بناء المساجد: { من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بني له مثله في الجنة } [البخاري:450].
27- السواك: { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة } [البخاري:2/331] [مسلم:252].
28- الذهاب إلى المسجد: { من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح } [البخاري:2/124] [مسلم:669].
29- الصلوات الخمس: { ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله } [مسلم:228].
30- صلاة الفجر وصلاة العصر: { من صلى البردين دخل الجنة } [البخاري:2/43].
31- صلاة الجمعة: { من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام } [مسلم:857].
32- ساعة الإجابة يوم الجمعة: { فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاًً، إلا أعطاه إياه } [البخاري:2/344] [مسلم:852].
33- السنن الراتبة مع الفرائض: { ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة } [مسلم:728].
34- صلاة ركعتين بعد الوقوع في ذنب: { ما من عبد يذنب ذنباً، فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر له } [أبو داود:1521].
35- صلاة الليل: { أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل } [مسلم:1163].(11/195)
36- صلاة الضحى: { يصبح على كل سلامة من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى } [مسلم:720].
37- الصلاة على النبي: { من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً } [مسلم:384].
38- الصوم: { ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً } [البخاري:6/35] [مسلم:1153].
39- صيام ثلاثة أيام من كل شهر: { صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله } [البخاري:4/192] [مسلم:1159].
40- صيام رمضان: { من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [البخاري:4/221] [مسلم:760].
41- صيام ست من شوال: { من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصوم الدهر } [مسلم:1164].
42- صيام يوم عرفة: { صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية } [مسلم:1162].
43- صيام يوم عاشوراء: { وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله } [مسلم:1162].
44- تفطير الصائم: { من فطر صائماً كان له مثل أجره،غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاًً } [الترمذي:807].
45- قيام ليلة القدر: { من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه } [البخاري:4/221] [مسلم:1165].
46- الصدقة: { الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار } [الترمذي:2616].
47- الحج والعمرة: { العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة } [مسلم:1349].
48- العمل في أيام عشر ذي الحجة: { ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام } يعني أيام عشر ذي الحجة، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: { ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء } [البخاري:2/381].
49- الجهاد في سبيل الله: { رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع صوت أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها } [البخاري:6/11].
50- الإنفاق في سبيل الله: { من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله فقد غزا } [البخاري:6/37] [مسلم:1895].
51- الصلاة على الميت واتباع الجنازة: { من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان } قيل: وما القيراطان؟ قال: { مثل الجبلين العظيمين } [البخاري:3/158] [مسلم:945].
52- حفظ اللسان والفرج: { من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة } [البخاري:11/264] [مسلم:265].
53- فضل لا إله إلا الله، وفضل سبحان الله وبحمده: { من قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه } وقال: { من قال: "سبحان الله وبحمده" في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر } [البخاري:11/168] [مسلم:2691].
54- إماطة الأذى عن الطريق: { لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس } [مسلم].
55- تربية وإعالة البنات: { من كن له ثلاث بنات، يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن، وجبت له الجنة البتة } [أحمد بسند جيد].
56- الإحسان إلى الحيوان: { أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه، فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له، فأدخله الجنة } [البخاري].
57- ترك المراء: { أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا } [أبو داود].
58- زيارة الإخوان في الله: { ألا أخبركم برجالكم في الجنة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر، لا يزوره إلا في الجنة } [الطبراني حسن].
59- طاعة المرأة لزوجها: { إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت } [ابن حبان، صحيح].
60- عدم سؤال الناس شيئاً: { من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاً أتكفل له بالجنة } [أهل السنن، صحيح].
=============
نصائح عامة مهمة
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
دار الوطن
نصيحة موجهة إلى كافة المسلمين
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يراه من المسلمين، سلك الله بي وبهم سبيل عباده المؤمنين، وأعاذني وإياهم من طريق المغضوب عليهم والضالين. آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أما بعد، فالموجب لهذا هو النصيحة والتذكير عملا بقول الله تعالى: وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين [الذاريات:55]، وقوله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [المائدة:2]، وقوله سبحانه: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر [العصر]، وقول النبي : { الدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم } [رواه مسلم].
ففي هذه الآيات المحكمات والحديث الشريف، صريح الدلالة على مشروعية التذكير والتناصح، والتواصي بالحديث الشريف، صريح الدلالة على مشروعية التذكير والتناصح، والتواصي بالحق والدعوة إليه، وذلك لما يترتب عليه من نفع المؤمنين، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال، وتنبيه الغافل، وتذكير الناس، وتحريض العالم على العمل بما يعلم، وغير ذلك من المصالح الكثيرة.(11/196)
والله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق ليعبدوه ويطيعوه وأرسل الرسل مذكرين بذلك ومبشرين ومنذرين، كما قال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [الذاريات:56]، وقال تعالى: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين [التغابن:12]، وقال تعالى: رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [النساء:165]، وقال تعالى: فذكر إنما أنت مذكر [الغاشية:21].
فالواجب على كل من لديه علم أن يذكّر بذلك، وأن يناصح في الله ويدعو إليه حسب الطاقة، أداءً لواجب التبليغ والدعوة، وتأسيا بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، وحذرا من إثم الكتمان الذي قد أوعد الله عيه في محكم القرآن، كما قال تعالى: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون [البقرة:159].
وقد صح عن النبي أنه قال: { من دل على خير فله مثل أجر فاعله }، وقال عليه الصلاة والسلام: { من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا } [رواهما مسلم في صحيحه].
إذا عرف ما تقدم، فالذي أوصيكم به ونفسي: تقوى الله سبحانه في السر والعلانية، والشدة والرخاء، فإنها وصية الله وصية رسوله كما قال تعالى: ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله [النساء:131]، وكان النبي يقول في خطبة: { أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة }.
والتقوى كلمة جامعة، مع الخير كله، وحقيقتها أداء ما أوجب الله، واجتناب ما حرمه الله على وجه الإخلاص له والحبة، والرغبة في ثوابه، والحذر من عقابه، وقد أمر الله عباده بالتقوى ووعدهم عليها بتيسير الأمور، وتفريج الكروب، وتسهيل الرزق، وغفران السيئات والفوز بالجنات، قال تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم [الحج:1]، وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون [الحشر:18]، وقال تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا [الطلاق:2-3]، وقال تعالى: إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم [القلم:34]، وقال تعالى: ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا [الطلاق:5]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
فيا معشر المسلمين، راقبوا الله سبحانه، وبادروا إلى التقوى في جميع الحالات، وحاسبوا أنفسكم عند جميع أقوالكم وأعمالكم ومعاملاتكم، فما كان من ذلك سائغا في الشرع فلا بأس من تعاطيه، وما كان منها محظورا في الشرع فاحذروه وإن ترتب عليه طمع كثير، فإن ما عند الله خير وأبقى، ومن ترك شيئا اتقاء الله عوضه الله خيرا منه، ومتى راقب العباد ربهم واتقوه سبحانه بفعل ما أمر وترك ما نهى، أعطاهم الله سبحانه ما رتب على التقوى من العزة والفلاح والرزق الواسع، والخروج من المضايق، والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.
ولا يخفى على كل ذي لب وأدنى بصيرة ما قد أصاب أكثر المسلمين من قسوة القلوب والزهد في الآخرة، والإعراض عن أسباب النجاة، والإقبال على الدنيا وأسباب تحصيلها بكل حرص وجشع من دون تميز بين ما يحل ويحرم، وانهماك الأكثرين في الشهوات، وأنواع اللهو والغفلة، وما ذلك إلا بسبب إعراض القلوب عن الآخرة، وغفلتها عن ذكر الله ومحبته، وعن التفكر في آلائه ونعمه، وآياته الظاهرة والباطنة، وعدم الاستعداد للقاء الله وتذكر الوقوف بين يديه والانصراف من الموقف العظيم إما إلى الجنة وإما إلى النار.
فيا معشر المسلمين تداركوا أنفسكم وتوبوا إلى ربكم، وتفقهوا في دينكم، وبادروا إلى أداء ما أوجب الله عليكم، واجتنبوا ما حرم عليكم، لتفوزوا بالعز والأمن والهداية والسعادة في الدنيا والآخرة، وإياكم والانكباب على الدنيا وإيثارها على الآخرة، فإن ذلك من صفة أعداء الله وأعدائكم من الكفرة والمنافقين، ومن أعظم أسباب العذاب في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى في صفة أعدائه: إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلا [الإنسان:27]، وقوله تعالى: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون [التوبة:55]، وأنتم لم تخلقوا للدنيا، وإنما خلقتم للآخرة، وأمرتم بالتزود لها، وخلقت الدنيا لكم، لتستعينوا بها على عبادة الله الذي خلقكم سبحانه، والاستعداد للقائه، فتستحقوا بذلك فضله وكرامته، وجواره في جنات النعيم.
فقبيح بالعاقل أن يعرض عن عبادة خالقه ومربيه، وعما أعده له من الكرامة، ويشتغل عن ذلك بإيثار شهواته البهيمية، والجشع على تحصيل عرض الدنيا الزائل، الذي قد ضمن الله له ما هو خير منه وأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة، وليحذر كل مسلم أن يغتر بالأكثرين، ويقول: إن الناس قد ساروا إلى كذا واعتادوا كذا فأنا معهم، فإن هذه مصيبة عظمى قد هلك بها أكثر الماضين، ولكن - أيها العاقل - عليك بالنظر لنفسك ومحاسبتها والتمسك بالحق وإن تركه الناس، والحذر مما نهى الله عنه وإن فعله الناس، فالحق أحق بالاتباع كما قال تعالى: وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون [الأنعام:116]، وقال تعالى: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين [يوسف:103]، وقال بعض السلف رحمهم الله: "لا تزهد في الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين".(11/197)
هذا ويسرني أن أختم نصيحتي هذه بخمسة أمور هي جماع الخير كله:
الأول: الإخلاص لله وحده في جميع القربات القولية والعملية، والحذر من الشرك كله دقيقة وجليله، وهذا هو أوجب الواجبات وأهم الأمور، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، ولا صحة لأعمال العبادة وأقوالهم إلا بعد صحة هذا الأصل وسلامته، كما قال تعالى: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين [الزمر:65].
الأمر الثاني: التفقه في القرآن وسنة الرسول والتمسك بهما، وسؤال أهل العلم عن كل ما أشكل عليكم في أمر دينكم، وهذا واجب على كل مسلم ليس له تركه والإعراض عنه والسير وراء رأيه وهواه بدون علم وبصيرة، وهذا معنى شهادة أن محمدا رسول الله فإن هذه الشهادة توجب على العبد الإيمان بأن محمدا هو رسول الله حقا، والتمسك بما جاء به وتصديقه فيما أخبر به، وألا يعبد الله سبحانه إلا بما شرع على لسان رسوله كما قال سبحانه: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله يغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم [آل عمران:31]، وقال سبحانه: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [الحشر:7]، وقال : { من أحداث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } [متفق على صحته]، وقال أيضا : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } [أخرجه مسلم في صحيحه].
وكل من أعرض عن القرآن والسنة، فهو متابع لهواه عاص لمولاه مستحق للمقت والعقوبة كما قال تعالى: فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله [القصص:50]، وقال تعالى في وصف الكفار: إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى [النجم:23]، واتباع الهوى - والعياذ بالله - يطمس نور القلب، ويصد عن الحق، كما قال تعالى: ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله [ص:26].
فاحذروا - رحمكم الله - اتباع الهوى، والإعراض عن الهدى، وعليكم بالتمسك بالحق والدعوة إليه، والحذر ممن خالفه، لتفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.
الأمر الثالث: إقامة الصلوات الخمس والمحافظة عليها في الجماعة، فإنها أهم الواجبات وأعظمها بعد الشهادتين، وهي عمود الدين والركن الثاني من أركان الإسلام، وهي أول شيء يحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة، فمن حفظها فقد حفظ دينه، ومن تركها فارق الإسلام، فما أعظم حسرته وأسوأ عاقبته يوم الوقوف بين يدي الله. فعليكم - رحمكم الله - بالمحافظة عليها والتواصي بذلك، والإنكار على من تخلف عنها وهجره، لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى، وقد صح عن النبي : { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر } [أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بسند صحيح]، وقال النبي : { بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة } [أخرجه الإمام مسلم في صحيحه]، وقال : { من رأى منكم منكر فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } [أخرجه مسلم في الصحيح].
الأمر الرابع: العناية بالزكاة والحرص على أدائها كما أوجب الله، لكونها الركن الثالث من أركان الإسلام. فيجب على كل فرد من المسلمين المكلفين إحصاء ما لديه من المال الزكوي، وضبطه وإخراج زكاته كلما حال عليه الحول، إذا بلغ نصاب الزكاة، ويكون طيب النفس بذلك، منشرح الصدر، أداءً لما أوجبه الله، وشكرا لنعمته، وإحسانا إلى عباد الله. ومتى فعل المسلم ذلك، ضاعف الله له الأجر، وأخلف عليه ما أنفق، وبارك له في الباقي، وزكاه وطهره، كما قال الله سبحانه: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها [التوبة:103]، ومتى بخل بالزكاة وتهاون بأمرها، غضب الله عليه، ونزع بركة ماله وسلط عليه أسباب التلف والإنفاق في غير الحق، وعذبه به يوم القيامة، كما قال تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم [التوبة:34]، وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
أما غير المكلف من المسلمين، كالصغير، والمجنون، فالواجب على وليه العناية بإخراج زكاة ماله كلما حال عليه الحول، لعموم الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على وجوب الزكاة في مال المسلم مكلفا كان أو غير مكلف.
الأمر الخامس: يجب على كل مكلف من المسلمين - ذكرا كان أو أنثى - أن يطيع الله ورسوله في كل ما أمر الله ورسوله: كصيام رمضان وحج البيت مع الاستطاعة وسائر ما أمر الله به ورسوله، وأن يعظم حرمات الله، ويتفكر فيما خلق لأجله وأمر به، ويحاسب نفسه في ذلك دائما، فإن كان قد قام بما أوجب الله عليه فرح بذلك، وحمد الله عليه، وسأله الثبات، وأخذ حذره من الكبر والعجب وتزكية النفس. وإن كان قد قصر فيما أوجب عليه، أو ارتكب بعض ما حرم الله عليه، بادر إلى الله بالتوبة الصادقة، والندم والاستقامة على أمر الله، والإكثار من الذكر والاستغفار والضراعة إلى الله سبحانه وسؤاله التوبة من سالف الذنوب، والتوفيق لصالح القول والعمل، ومتى وفق العبد لهذا الأمر العظيم فذلك عنوان ساعدته ونجاته في الدنيا والآخرة، ومتى غفل عن نفسه وسار وراء هواه وشهواته، وأعرض عن الاستعداد لآخرته فذلك عنوان هلاكه، ودليل خسرانه.
فينظر كل منكم لنفسه، وليحاسبها ويفتش عن عيوبها فسوف يجد ما يحزنه ويشغله بنفسه عن غيره، ويوجب له الذل لله والانكسار بين يديه وسؤاله العفو والمغفرة. وهذه المحاسبة وهذا الذل والانكسار بين يدي الله هو سبب السعادة والفلاح والعز في الدنيا والآخرة.(11/198)
وليعلم كل مسلم: أن كل ما حصل له من صحة ونعمة وجاه رفيع، وخصب ورخاء فهو من فضل الله وإحسانه. وكل ما أصابه من مرض أو مصيبة أو فقر أو جدب أو تسليط عدو أو غير ذلك من المصائب، فهو بسبب الذنوب والمعاصي.
فجميع ما في الدنيا والآخرة من العذاب والآلام وأسبابهما: فبسبب معصية الله، ومخالفة أمره، والتهاون في حقه، كما قال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [الشورى:30]، وقال تعالى: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون [الروم:41].
فاتقوا الله عباد الله، وعظموا أمره ونهيه، وبادروا بالتوبة إليه من جميع ذنوبكم واعتمدوا عليه وحده، وتوكلوا عليه، فإنه خالق الخلق ورازقهم، ونواصيهم بيده سبحانه، لا يملك أحد منهم لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.
وقدموا - رحمكم الله - حق ربكم وحق رسوله على حق غيره وطاعة غيره كائنا من كان، وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، وأحسنوا الظن بالله، وأكثروا من ذكره واستغفاره، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، وخذوا على أيدي سفهائكم وألزموهم بما أمرهم الله به، وامنعوهم عما نهى الله عنه، وأحبوا في الله، وأبغضوا في الله، ووالوا أولياء الله وعادوا أعداء الله، واصبروا وصابروا حتى تلقوا ربكم فتفوزوا بغاية السعادة والكرامة والعزة والمنازل العالية في جنات النعيم.
والله المسؤول أن يوفقنا وإياكم لما يُرضه، وأن يصلح قلوب الجميع، ويعمرها بخشيته ومحبته وتقواه، والنصح له ولعباده، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يوفق ولاة أمرنا وسائر ولاة أمر المسلمين لما يرضيه، وأن ينصر بهم الحق ويخذل بهم الباطل، وأن يعيذ الجميع من مضلات الفتن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته … وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
====================
النصح والإرشاد
مما لا شك فيه لذى عقل سليم أن الأمم لابد لها من موجه يوجهها ويدلها على طريق السداد، وأمة الإسلام هي أخص الأمم بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والواجب يحتم على كل مسلم - بقدر استطاعته وعلى حسب مقدرته - أن يشمر عن ساعد الجد في النصح والتوجيه حتى تبرأ ذمته ويهتدي به غيره، قال تعالى: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين [الذاريات:55].
ولا ريب أن كل مؤمن - بل كل إنسان - في حاجة شديدة إلى التذكير بحق الله وحق عباده والترغيب في أداء ذلك، وفي حاجة شديدة إلى التواصي بالحق والصبر عليه، وقد أخبر الله سبحانه في كتابه المبين عن صفة الرابحين وأعمالهم الحميدة، وعن صفة الخاسرين وأخلاقهم الذميمة، وذلك في آيات كثيرات من القرآن الكريم، وأجمعها ما ذكره الله سبحانه في سورة العصر حيث قال: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتوصوا بالحق وتواصوا بالصبر [العصر]، فأرشد عباده عز وجل في هذه السور القصيرة العظيمة إلى أن أسباب الربح تنحصر في أربع صفات.
الأولى: الإيمان الثانية: العمل الصالح والثالثة: التواصي بالحق. والرابعة: التواصي بالصبر.(11/199)
فمن كمل هذه المقامات الأربعة فاز بأعظم الربح، واستحق من ربه الكرامة والفوز بالنعيم المقيم يوم القيامة، ومن حاد عن هذه الصفات ولم يتخلّق بها، باء بأعظم الخسران وصار إلى الجحيم دار الهوان، وقد شرح الله سبحانه في كتابه الكريم صفات الرابحين ونوعها وكررها في مواضع كثيرة من كتابه، ليعرفها طالب النجاة فيتخلّق بها ويدعو إليها، وشرح صفات الخاسرين في آيات كثيرة ليعرفها ويبتعد عنها، ومن تدبر كتاب الله وأكثر من تلاوته عرف صفات الرابحين وصفات الخاسرين على التفصيل، كما بين سبحانه ذلك في آيات كثيرة، منها ما تقدم، ومنها قوله جل وعلا: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجر كبيرا [الإسراء:9]، وقال تعالى: كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب [ص:29]، وقال تعالى: وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون [الأنعام:155]، وصح عن النبي أنه قال: { خيركم من تعلم القرآن وعلمه }، وقال في خطبته في حجة الوداع على رؤوس الأشهاد يوم عرفة: { إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا إن اعتصمتم به: كتاب الله }، فبين الله سبحانه في هذه الآيات أنه أنزل القرآن ليتدبره العباد ويتذكروا به ويتبعوه ويهتدوا به إلى أسباب السعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة، وأرشد الرسول الأمة إلى تعلمه وتعليمه، وبين أن خير الناس هم أهل القرآن الذين يتعلمون القرآن ويعلمونه غيرهم بالعمل به واتباعه والوقوف عند حدوده والحكم به والتحاكم إليه، وأوضح عليه الصلاة والسلام للناس في المجتمع العظيم يوم عرفة أنهم لن يضلوا ما داموا معتصمين بكتاب الله سائرين على تعاليمه، ولما سار السلف الصالح والصدر الأول من هذه الأمة على تعاليم القرآن وسيرة الرسول أعزهم الله ورفع شأنهم ومكن لهم في الأرض، تحقيقا لما وعدهم الله به في قوله سبحانه: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا [النور:55]، وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم [محمد:7]، وقال تعالى: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور [الحج:40-41].
فيا معشر المسلمين، تدبروا كتاب ربكم وأكثروا من تلاوته، وامتثلوا ما فيه من الأوامر، واجتنبوا ما فيه من النواهي، واعرفوا الأخلاق والأعمال التي مدحها القرآن، فسارعوا إليها وتخلقوا بها، واعرفوا الأخلاق والأعمال التي ذمها القرآن وتوعد أهلها فاحذروها وابتعدوا عنها، وتواصوا فيما بينكن بذلك واصبروا عليه حتى تلقوا ربكم، وبذلك تستحقون الكرامة وتفوزون بالنجاة والسعادة والعزة في الدنيا والآخرة.
===========
عظيم الأجر في المحافظة على صلاة الفجر
دار الوطن ...
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن والاه.
أيها الحبيب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أما بعد:
فقد ذكر الله عمار المساجد فوصفهم بالإيمان النافع وبالقيام بالأعمال الصالحة التي أمها الصلاة والزكاة وبخشية الله التي هي أصل كل خير فقال تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التوبة:18].
وحضورك إلى المسجد لأداء الصلاة مع الجماعة إنما هو عمارة لبيوت الله. والوصية لي ولك، أن نحافظ على هذه الصلاة مع الجماعة لتكون لنا نوراً وبرهاناً يوم القيامة، ولا تنس أنفسهم، وضعف إيمانهم وقل ورعهم، وماتت غيرتهم، فلا يحرصون على حضور صلاة الفجر مع الجماعة ويتذرعون بحجج وأعذار هي أوعى من بيت العنكبوت، وهم بصنيعهم هذا قد آثروا حب النفس وحب النوم على محاب الله ورسوله: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24].
أخا الإسلام: ألا تحب أن تسعد ببشرى نبيك وهو يقول فيما أخرجه الترمزي وأبو داود وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه: { بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة } كسب آخر، إلى جانب النور التام لمن حافظ على صلاة الفجر، ولكنه ليس كسبا دنيويا بل هو أرفع وأسمى من ذلك، وهو الغاية الني يشمر لها المؤمنون، ويتعبد من أجلها العابدون، إنها الجنة وأي تجارة رابحة كالجنة قال عليه الصلاة والسلام: { من صلى البردين دخل الجنة } أي من صلى الفجر والعصر. [أخرجه مسلم].
فيا له من فضل عظيم أن تدخل الجنة بسبب محافظتك على هاتين الصلاتين، صلاة الصبح والعصر، ولكن إذا أردت أن تعلم هذا فأقرأ كتاب ربك وتدبر وتفهم ما فيه فالوصف لا يحيط بما فيها: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17].(11/200)
وليس هذا فحسب بل هناك ما هو أعلى من ذلك كله وهو لذة النظر إلى وجه الله الكريم، فقد ثبت في صحيح البخاري عن جرير بن عبد الله قال: كنا عند النبي ، فنظر إلى القمر ليلة ـ يعني البدر ـ فقال: { إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } زاد مسلم يعني العصر والفجر.
قال العلماء: ( ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند ذكر الرؤية، أن الصلاة أفضل الطاعات فناسب أن يجازى المحافظ عليهما بأفضل العطايا وهو النظر إلى الله تعالى ).
وينبغي أن تعلم أخي المسلم، أن إيمان المرء يتمثل بحضور صلاة الفجر حين يستيقظ الإنسان من فراشه الناعم تاركاً لذة النوم وراحة النفس طلباً لما عند الله، كما أخبر النبي بقوله: { من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم } [أخرجه مسلم]، من حديث جندب بن عبد الله.
إن النفس الزكية الطاهرة تسارع إلى ربها لأداء صلاة الفجر مع الجماعة، فهي غالية الأجر وصعبة المنال إلا لمن وفقه الله لذلك.
وكثير من الناس اليوم إذا آووا إلى فرشهم للنوم غطوا في سبات عميق قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه مسلم: { يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام بكل عقدة يضرب عليك ليلاً طويلاً فإذا استيقظ، فذكر الله انحلت عقدة وإذا توضأ، انحلت عنه العقد فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان } من رواية أبي هريرة.
فانظر أخي المسلم إلى عظيم المسؤولية وأهميتها فهذا رسولنا وحبيبنا عليه الصلاة والسلام محذرنا من أن تصبح النفس خبيثة خاصة إذا نامت عن صلاة الفجر. فما بال هذا التقصير فينا؟ لماذا هذا التساهل عندنا؟ وكيف نأمل أن ينصرنا الله عز وجل، وأن يرزقنا، ويهزم أعداءنا، وأن يمكن لنا في الأرض ونحن في تقصير وتفريط في حق الله. نسمع نداءه كل يوم حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح ـ الصلاة خير من النوم ونحن لا نجيب ولا نستجيب أي بعد عن الله بعد هذا. هل أمنا مكر الله؟ هل نسينا وقوفنا بين يدي الله؟ والله لتوقفنّ غداً عند من لا تخفى علية خافية وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:94].
لا يا أخي قم عن فراشك وانهض من نومك واستعن بالله رب العالمين ولا تتثاقل نفسك عن صلاة الفجر ولو ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً.
إن الواحد منا ليسر حينما يدخل المسجد لصلاة الظهر أو المغرب أو العشاء ويجد جموع المصلين في الصف والصفين والثلاثة صغاراً وكباراً، فيحمد الله ثم يأتي لصلاة الفجر ولا يجد إلا شطر العدد أو أقل من ذلك. أين ذهب أولئك المصلون؟: إنهم صرعى ضربات الشيطان بعقده الثلاث يغطون في سبات عميق فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولو قيل لأحدهم إن عملك يدعوك قبل الفجر بساعة لأعد نفسه واستعد وأخذ بالأسباب حتى يستيقظ في الوقت المحدد بل لو أراد أحدنا أن يسافر قبل أذان الفجر لاحتاط لنفسه وأوصى أهله أن يوقظوه.لكنا لا نصنع هذا في صلاة الفجر.
فليتق الله أمرؤ عرف الحق فلم يتبعه وإذا سمعت أذان الفجر، يدوي في أفواه الموحدين فانهض بنفس شجاعة إلى المسجد، وكن من الذين يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار.
ثم اعلم يا أخا الإسلام أنك إذا أرخيت العنان لنفسك وتخلفت عن صلاة الفجر عرضت نفسك لسخط الله ومقته فانتبه لنفسك قبل أن يأتيك الموت بغتة وأنت لا تدري وقبل: أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ 56 أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ 57 أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر:56-58].
والآن قد جاءك النذير وتبين لك القول، فانفذ بنفسك من حجب الهوى إلى سبيل الهدى وابحث عن الوسائل المعينة لحضور هذه الفريضة.
وهاكها باختصار:
1-إخلاص النية لله تعالى والعزم الأكيد على القيام للصلاة عند النوم.
2-الابتعاد عن السهر والتبكير بالنوم متى استطعت إلى ذلك.
3-الاستعانة بمن يوقظك عند الصلاة من أب أو أم أو أخ أو أخت أو زوجة أو جار أو منبه.
4-الحرص على الطهارة وقراءة الأوراد النبويه قبل النوم.
فبادر إلى الصلاة وأجب داعي الله، وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء [الأخقاف:32].
ألهمنا الله وإياك البرّ والرشاد ووفقنا للخير والسداد وسلك بنا وبك طريق الأخيار الأبرار.
وأخيراً تذكر قول ربك: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37]. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
============
كيف أصبح رجلاً
عبدالملك القاسم
دار القاسم
تأملت في يوم قادم يقف فيه شاب أمامي ويلح في السؤال: كيف أصبح رجلا؟ واحترت في الجواب من الآن! واسترجعت الذاكرة بعد مشاورة، واستهديت بالآية والحديث، واستوعبت السؤال كاملا.. فإذا الإجابة طويلة ومتشعبة، وكل صاحب معرفة يسير بك في واد، ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق!(11/201)
أيها الشاب: ستمر بك الأيام عجلى، وتتوالى عليك الليالي سريعة، فإذا بك تقف ممتلئا صحة ونشاطا تطاول أباك طولا وقد منحك الله بسطة في الجسم.
وإن مرت بك الأيام وسلمت من عاديات الزمن وطوارق الأيام فسوف تمر بمراحل العمر كلها - بإذن الله - قال الله تعالى: وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ [الحج:5] وإن قدر الله لك أمرا آخر فأنت ممن قال الله فيهم: وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى [الحج:5].
ولا أخالك أيها الشاب وهذه المراحل السريعة تمر أمامك إلا مسارعا للإمساك بها، والتزود من مراحلها. وها هي قدمك بدأت تخطو الخطوات الأولى في مرحلة الشباب والنضج، وهي مرحلة مهمة خصها الرسول بالحديث المشهور: { لا تزول قدم ابن ادم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عموه فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه.. } [رواه الترمذي].
وخص النبي مرحلة الشباب هذه لكثرة الإنتاج والعطاء والبذل والإبداع فيها.
أيها الشاب:
مقاييس الرجولة تختلف حسب نظرة المجتمع والأسرة والشاب نفسه، فرجولة المهازيل إضاعة الوقت وازجاء الزمن دون فائدة، ورجولة المرضى والسفهاء السعي وراء الشهوات المحرمة!
أما رجولة أهل الهمم والمعالي: فهي السعي الحثيث إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ومن متطلبات هذا السعي أن تكتسب من العلم أوفره، وأن تنال من الأدب أكثره، ومن معالي الأمور وجميلها ما يزين رجولتك، ويجعلك محط الآمال ومعقد الأماني، بعيدا عن عثرات الطريق ومزالق المسير.
تصبح رجلا أيها الشاب إذا اكتملت فيك مقومات الرجولة الظاهرية من ارتواء الجسم ونضارته وقوة الشباب وحيويته وظهور الشوارب واللحى! وهذه كلها تشترك فيها أمة مثلك من الشباب.. صالحهم وطالحهم، ومسلمهم وكافرهم، وبرهم وفاجرهم.. وبعض الحيوانات تشترك مع الإنسان في هذه الصفات من عضلات وقوة تحمل!
لكنك رجل مميز وشاب متفرد.. نريدك رجلا مسلما لا رجلا مجردا!! ولكي تكون كذلك فالآفاق أمامك مفتوحة، ودروب الخير سهلة ميسورة، وحصاد العلم قد دان وقرب، وغراس الخلق ينتظر الجاني.. فهيا لتنال نصيبا وافيا من ذلك فتكون رجلا كما نريد، وكما تريد، بل وكما يريد الله عز وجل ذلك، فالأسرة والمجتمع والأمة بحاجة إلى شباب صالحين مصلحين، فهذا الدين يحتاج إلى رجل.. ولكن ليس رجل فحولة فحسب، بل رجل بطولة وصبر، يحمل هم الدعوة ويقوم بها ويصبر على ما يلاقيه، يسعى جادا لنيل العلم والارتقاء في درجاته، عفيف اللسان نزيه الجوارح.. تسارع قدمه إذا سمع الأذان.. ويتردد بين جنباته آيات القرآن. وبعيدا عن التنظير والكلمات الإنشائية أذكرك بأمور إن تمسكت بها وأخذت بأطرافها فزت ورب الكعبة:
أولاً: خلقت لأمر عظيم فاحذر أن يغيب ذلك عن بالك طرفة عين فالله عز وجل يقول في محكم التنزيل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
ثانيا: الصلاة.. الصلاة! فإنها عماد الدين والركن الثاني العظيم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فلا تتهاون ولا تتكاسل ولا تتشاغل عن أدائها في وقتها مع جماعة المسلمين، يقول الرسول : { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر }، وأراك تغتم وتهتم لفقد أمر من أمور الدنيا من ضياع قلم أو فقد محفظة.. ولا تهتم بأن تفوتك تكبيرة الإحرام أو الصلاة مع الجماعة، ووالله لن يفلح من تركها!!
ثالثاً: ما أضاع ساعات الزمن وأيام العمر.. مثل حياة الفارغين، وأصحاب الهوايات الضائعة والأوقات المسلوبة، ممن همهم إضاعة الساعات والأوقات في لهو وعبث، فاحرص على وقتك فإنه أغلى من المال، وإن كان مالك تستطيع أن تحافظ عليه وتنميه وتستثمره، فإن الوقت قاتل وقاطع والأنفاس لا تعود.
رابعاً: العلم طريق الوصول إلى خشية الله عز وجل فسارع إليه وابدأ بالعلم الشرعي الذي تقيم به أمور دينك، وما نلت من علم دنيوي تحتاجه الأمة فاجعل نيتك فيه خدمة الإسلام والمسلمين حتى تؤجر عليه.
خامساً: حسن الخلق كلمة لطيفة طرية على اللسان، ولكن عند التطبيق تتباين الشخصيات ويفترق الرجال إلى أصول وفروع! ولا يغيب عن بالك أن حسن الخلق من صلب هذا الدين؟ فبر والديك، وارفق بأخيك، وأحسن إلى صديقك، وتعاهد جارك.
سادساً: مع تنوع المعارف والعلوم لابد أن يكون لك سهم من تلك الطروحات حتى تكون قوي الفكر، ثابت المعلومة، على اطلاع واسع لتنمي ثقافتك، ومثلك يحذر الطروحات الفكرية التي يدعيها بعض الموتورين والمرجفين ممن لا يذكرون الله إلا قليلا!
سابعاً: القدوة علم تسير خلفه وتستظل بآرائه وتستلهم طريقه، فمن قدوتك يا ترى؟ ولا أعرف لابن الإسلام قدوة سوى محمد وصحبه الكرام وسلفه الصالح.
ثامناً: أنت - ولا ريب - تتطلع إلى غد مشرق وسعادة دائمة وظل وارف، فعليك بتقوى الله في السر والعلن فإنها وصية الله للأولين والآخرين وطريق النجاة يوم الدين: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97].
تاسعاً: لتكن قوي الإرادة، ماضي العزيمة، وألق ما تقع عليه عينك من المحرمات، وابتعد عن الرذائل ومواطن الشبه والريب، ولتكن لك قوة داخلية تسخرها لتزكية نفسك وصفاء سريرتك وذلك بمراقبة الله عز وجل على كل حين ومداومة العمل الصالح.
عاشراً: الدعاء هو العبادة، وكم أنت فقير إلى ربك ومولاك، فبالدعاء يكون انشراح النفس وطمأنينتها وطلب العون من الله عز وجل، فلا تغفل عنه، واحرص على البعد عن موانع الإجابة، وكلما غفلت تذكر كثرة دعاء الأنبياء لأنفسهم وحرصهم على ذلك.(11/202)
أيها الشاب:
لا تستوحش من إقبال الزمان ودورته، وسيقف ابنك أمامك بعد زمن ليسألك: كيف أصبح رجلا يا أبي؟ وأعتقد - وأنت معي في ذلك - أن نقطة البداية لهذا الجواب هو ما تسير عليه اليوم وترسمه غدا، فالقدوة مثل أعلى لمن هم حولك، فابدأ واستعن بالله، وأراك قد أصبحت رجلا ينطلق في مضمار الحياة لا ترهبه هبوب الرياح ولا تثنيه مسالك الطريق الوعرة.
وفي الختام: قد يطرق قلبك سؤال مفاجىء تصوبه نحو قلمي: كل ما ذكرت كلمات وعظية مكررة نسمعها بين حين وآخر!
وجوابي لصوتك الحبيب: أيها الرجل الشاب! يا من استقبلت الدنيا بوجهك.. إنها كلمات وإن كانت مكررة فأبشر وأمل أن وقعت في نفسك موقعا، فعندها تكون رجلا ولا كل الرجال، بل رجل أثنى الله عز وجل عليه في مواضع عدة من كتابه الكريم. وحسبك هذا الثناء لتكون رجلا
============
الركن السادس من أركان الإسلام
عبدالملك القاسم
دار القاسم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن من أهم المهمات وأفضل القربات التناصح والتوجيه إلى الخير والتواصي بالحق والصبر عليه، والتحذير مما يخالفه ويغضب الله عز وجل ويباعد من رحمته.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، منزلته عظيمة، وقد عده العلماء الركن السادس من أركان الإسلام، وقدمه الله عز وجل على الإيمان كما في قوله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ . وقدمه الله عز وجل في سورة التوبة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .
وفي هذا التقديم إيضاح لعظم شأن هذا الواجب وبيان لأهميته في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب. وبتحقيقة والقيام به تصلح الأمة ويكثر فيها الخير ويضمحل الشر ويقل المنكر. وبإضاعته تكون العواقب الوخيمة والكوارث العظيمة والشرور الكثيرة، وتتفرق الأمة وتقسو القلوب أو تموت، وتظهر الرذائل وتنتشر، ويظهر صوت الباطل، ويفشو المنكر.
ومن فضل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ما يلي:
أولأ: أنه من مهام وأعمال الرسل عليهم السلام، قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ .
ثانيا: أنه من صفات المؤمنين كما قال تعالى: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ، على عكس أهل الشر و الفساد الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .
ثالثا: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الصالحين، قال تعالى: لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ .
رابعا: من خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ .
خامسا: التمكين في الأرض، قال تعالى: الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ .
سادسا: أنه من أسباب النصر، قال تعالى: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ .
سابعا: عظم فضل القيام به كما قال تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً . و قوله : { من دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا } [رواه مسلم].
ثامنا: أنه من أسباب تكفير الذنوب كما قال عليه الصلاة والسلام: { فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر } [رواه أحمد].
تاسعا: في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفظ للضرورات الخمس في الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفضائل غير ما ذكرنا. وإذ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعطلت رايتة ظهر الفساد في البر والبحر وترتب على تركة أمور عظيمة منها:(11/203)
1- وقوع الهلاك والعذاب، قال الله عز وجل: وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ . وعن حذيفة مرفوعا: { والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابأ منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم } [متفق عليه].
ولما قالت أم المؤمنين زينت رضي الله عنها: "أنهلك وفينا الصالحون؟" قال لها الرسول : { نعم، إذا كثر الخبث } [رواه ا لبخاري].
2- عدم إجابة الدعاء، وقد وردت أحاديث في ذلك منها حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا: { مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم } [رواه أحمد].
3- انتفاء خيرية الأمة، قال : { والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم } [رواه أبوداود].
4- تسلط الفساق والفجار والكفار، وتزيين المعاصي، وشيوع المنكر واستمرائُه.
5- ظهور الجهل، واندثار العلم، وتخبط الأمة في ظلمة حالكة لا فجر لها. ويكفي عذاب الله عز وجل لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتسلط الأعداء والمنافقين عليه، وضعف شوكته وقلة هيبته.
أخى المسلم:قال العلامة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله: "فلو قدر أن رجلا يصوم النهار ويقوم الليل ويزهد في الدنيا كلها، وهو مع هذا لا يغضب لله، ولا يتمعر وجهه، ولا يحمر، فلا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، فهذا الرجل من أبغض الناس عند الله، وأقلهم دينا، وأصحاب الكبائر أحسن عند الله منه".
خطوات الإنكار و الأمر:
أولا: التعريف، فإن الجاهل يقوم على الشيء لا يظنه منكرا، فيجب إيضاحه له، ويؤمر بالمعروف ويبين له عظم أجره وجزيل ثواب من قام به، ويكون ذلك بحسن أدب ولين ورفق.
ثانيا: الوعظ وذلك بالتخويف من عذاب الله عز وجل وعقابه وذكر آثار الذنوب والمعاصي، ويكون ذلك بشفقة ورحمة له.
ثالثا: الرفع إلى أهل الحسبة إذا ظهر عناده وإ صراره.
رابعا: التكرار وعدم اليأس فإن الأنبياء والمرسلين أمروا بالمعروف وأعظمه التوحيد، وحذروا عن المنكر وأعظمه الشرك، سنوات طويلة دون كلل أو ملل.
خامسا: إهداء الكتاب والشريط النافع.
سادسا: لمن كان له ولاية كزوجة وأبناء، فله الهجر والزجر والضرب.
سابعا. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستوجب من الشخص الرفق والحلم، وسعة الصدر والصبر، وعدم الانتصار للنفس، ورحمة الناس، والإشفاق عليهم، وكل ذلك مدعاة إلى الحرص وبذل النفس.
أخي المسلم:درجات تغيير المنكر ذكرها الرسول بقوله: { من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } [رواه مسلم].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: "ومن لم يكن في قلبه بغض ما يبغضة الله ورسوله من المنكر الذي حرمه من الكفر والفسوق والعصيان، لم يكن في قلبه الإيمان الذي أوجبه الله عليه، فإن لم يكن مبغضا لشيء من المحرمات أصلا لم يكن معه إيمان أصلا".
وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: "فالله الله إخواني، تمسكوا بأصل دينكم أوله وآخره أسه ورأسه، وهو "شهادة أن لا إله إلا الله " واعرفوا معناها وأحبوا أهلها، واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين، واكفروا بالطواغيت، وعادوهم وأبغضوا من أحبهم، أو جادل عنهم أو لم يكفرهم، أو قال ما علي منهم، أو قال: ما كلفني الله بهم، فقد كذب هذا على الله وافترى، بل كلفه الله بهم وفرض عليه الكفر بهم والبراءة منهم ولو كانوا إخوانه أو أولاده".
أخي المسلم:شاع في بعض أوساط الناس الغفلة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واعتبروا ذلك تدخلا في شئون الغير، وهذا من قلة الفهم ونقص الإيمان، فعن أبي بكر قال: يا أيها الناس! إنكم لتقرؤون هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: { إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه } [رواه أبوداود].
وتأمل في سفينة المجتمع كما صورها الرسول بقوله:{ مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصلر بعضهم أعلاها و بعضهم أسفلها، و كان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا و لم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم و ما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا و نجوا جميعا }.
ومع الأسف الشديد ظهرت في بعض المجتمعات ظاهرة خطيرة وهي الاستهزاء بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ولمزهم وغمزهم، والله عز وجل قد توعد الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بعذاب أليم.
وننبه الأحبة الكرام إلى خطورة الأمر، قال في حاشية ابن عابدين: إن من قال:"فضولي" لمن يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكرفهو مرتد.
وفي "الدر المختار" قال في فصل الفضولي: "هو من يشتغل بما لا يعنيه، فالقائل لمن يأمر بالمعروف: أنت فضولي، يخشى عليه الكفر".
اللهم إجعلنا من الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر، المقيمين لحدودك. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب. اللهم اغفر لنا و لوالدينا و لجميع المسلمين، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه وسلم.
((((((((((((
الفهرس العام
الباب الحادي عشر – كشكول الدعوة إلى الله (1)
توصيل الخير للغير
الأسباب الجالبة للرزق
هل أنت حريص على تعلم دينك ؟(11/204)
التشويق إلى حج البيت العتيق
أخي هل تجيب النداء
رسالة من شاب حائر
الوقف
هل أنت من المتصدقين
وبشر الصابرين
الغنائم الخمس
أخي في الله أوصيك
كلمات في السخاء
كيف تكسب دون أن تتعب
135 وسيلة لكسب الحسنات
الدعاء سلاح المؤمن
مسؤولية الكلمة كم هي ثقيلة !
بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة
جولة في صيدلية !
كيف تكون بطلاً
من فقه الدعوة في الحج
اللهم أعط منفقاً خلفاً
الدعوة إلى الله في البيوت
الاستبداد الدعوي
عشر همسات للدعاة
الأخلاء
في دائرة الدعوة
الشبكة العالمية " الانترنت "
لمن نوجه اللوم؟
يا دعاتنا الأحبة.. لا تخدروا الأمة بالنصر والتفاؤل
قَطَع الله يدك !
گلنا داع .. وگلنا مدعو
أفكار دعوية للملاعب والأندية الرياضية
فاتبعوني يحببكم الله
مواقف دعوية من السيرة النبوية ( 14 )
هموم الدعوة الإسلامية في شعر الدكتور عدنان علي رضا النحوي
إدارة المشايخ
لماذا يا أبي لا تصلي الفجر ؟
الملأ ودورهم البارز في التصدي للدعوة
التعامل مع النصوص الواردة عن السلف
يا أهلاه صلوا صلوا
من أسباب شرح الصدر
السقف والمرحلية
بر الوالدين
هل سنرى في زماننا هذا "الناصر للدين"؟
وصايا لتربية الأبناء
خطبة " صمام الأمان ( 3 ) "
العمل الفردي سيبقى مُلِحاً
أخي الملتزم احذر الوقوع في الأخطاء
العاطفة والدعوة
ياخي ما ني مطوع
ما الممارسات الخاطئة في تغيير المنكر
قال لي : ( ترا ماني مطوع ) .. وأتبرع بهذا الموقع ..!
الدعوة الإسلامية دعوة عملية وليست مفاهيم نظرية
البداية
البلوى توث
ابحث عن حرف اللام!! فمن يجده لي
ركائز أساسية للخطيب الناجح
مواقف المقاهي من أخصب أراضي الدعوة
توكلت على الله
أعظم أنواع العبادة
حضور القلب في الصلاة
نزع الحياء بنزع الإيمان
أسباب مغفرة الذنوب
صلة الأقارب والأرحام
كيف نعالج العادة بالعبادة
أخي المسجد حن إليك
التفكر
فاستبقوا الخيرات
أهمية التمسك بعرى الإسلام
سبق المفردون
رسالة إلى بعض الآباء
أرحنا بالصلاة
75 وصية للشباب
الإستغفار
كلمات في الصلاة
لماذا أعفيت لحيتي وقصرت ثوبي
كيف تقضي الإجازة
إنحراف الشباب
كيف ندعو غير المسلمين إلى الإسلام
يا بني إنني أمك
رسالة إلى التاجر المسلم
يا أبتِ
دعاة ومدعوون
من فضائل مجالس الذكر
من عبد الله بن حذافة إلى شباب المسلمين
تزكية النفوس
لماذا أصلي
قيام الليل
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم
المشتاقون لدخول الجنة
الوسائل المفيدة للحياة السعيدة
ذروة السنام يا أمة الإسلام
كيف نستثمر أوقاتنا؟
يا من فقدناه في المسجد
أخي الشاب دع الفراغ وابدأ العمل
الأعمال المضاعفة
أيها الشاب الفطن
الصلوات غير المفروضة
60 باباً من أبواب الأجر وكفارات الخطايا
نصائح عامة مهمة
النصح والإرشاد
عظيم الأجر في المحافظة على صلاة الفجر
كيف أصبح رجلاً
الركن السادس من أركان الإسلام(11/205)
المفصل في فقه الدعوة إلى الله تعالى (12)
الباب الحادي عشر - كشكول الدعوة إلى الله (2)
جمعها وأعدها وفهرسها
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الحادي عشر - كشكول الدعوة إلى الله (2)
ما البديل؟
عبدالملك القاسم
دار القاسم
الحمد لله، كاشف الهموم ومجلي الغموم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فمع الغزو الإعلامي المكثف تحولت كثير من بيوت المسلمين إلى مرتع مفتوح لدعاة الشر والفساد، وزاد تعلق الناس بالشاشات وما يعرض فيها، حتى أنها دخلت في تنظيم أوقات حياتهم وتربية أفكارهم وتغيير معتقداتهم وتوجيه صغارهم!
وقد يطول زمن الجلوس في بعض البيوت أمام الشاشات إلى ساعات طويلة لو جمعت في عمر الإنسان لكانت أياماً وشهوراً وسنيناً. وهكذا يفقد كثير من الناس ما هو أغلى من الذهب والفضة وأكثر فائدة وأعظم أثراً.. ألا وهو الوقت.
فإن كان المال يستطيع الموفق أن يستثمره وينميه، وأحياناً يأتي من وارث، أو هبة، أو غير ذلك، إلا أن الزمن لا ينمى ولا يوهب ولا يشترى مطلقاً!
ومن تحدث عن هذا الأمر وأسهب في مضار ما يعرض يفاجئه سؤال عجيب ألا وهو قول الكثير من الناس: ما البديل إذا؟
أخي المسلم: إن صدقت في السؤال وأحسنت النية فالبدائل كثيرة، وتغيير مسار الحياة سهل. ميسور، وقد سبقك الكثير!
وإني أعجب للرجل العاقل والمرأة الفطنة كيف يجعلان حثالة القوم وسفلة المجتمع من الحاقدين والصليبين والمنافقين والمهرجين يوجهون فكرهما ويربون أولادهما ويغرسون فيهما ما شاءوا من الرذيلة وسيء الخلق!
ولإعانة من أراد التخلص من الشاشة تقربا إلى الله عز وجل وطاعة وامتثالاً لأمره، أطرح له بدائل عدة لعل فيها ما يغني عن هراء الممثلين والممثلات وسخف الأغاني الماجنة والمسلسلات الساقطة، وبث السموم والأفكار المخالفة لدين الله عز وجل ومن تلك البدائل:
1 - تحقيق التقوى في النفس والأبناء وعندها يأتي الفرج سعادة للنفس وطمأنينة في القلب. فإن الله تعالى يقول: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2] ويقول تعالى: إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:90]. ومن أعظم أنواع الصبر؛ الصبر على الطاعة والبعد عن الحرام. وأذكر هنا أن امرأة صالحة كانت تلغي كثيراً من ارتباطاتها وزياراتها لبعض من حولها خوفاً على أبنائها من متابعه المسلسلات والشغف بالتمثيليات فأكرمها الله عز وجل بأن جعل أبناءها بررة حافظين لكتاب الله عز وجل قرت بهم أعين والديهم. { ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه }.
2 - الحرص على العبادة وخاصةً الصلاة في أوقاتها والإكثار من نوافل الطاعات من صلاة وصيام وعمرة وصدقة وقراءة للقران. ونرى أن من يحس بالفراغ والوحشة إنما هو ذلك الذي ابتعد عن النوافل وفرط في الطاعات، والكثير من العباد ينظر إلى الوقت وقصره وسرعة انقضائه لأنه استثمره خير استثمار.
3 - تحري أوقات الإجابة والتضرع إلى الله عز وجل فإن الشاشات وما يعرض فيها والتعلق بذلك بلاء وشقاء يرفعه الله عز وجل بالدعاء والمجاهدة والصبر.
4 - معرفة فتاوى العلماء في حكم هذه الشاشات وما يعرض فيها وغرس البعد عن الحرام في قلوب الصغار وتربيتهم على طاعة الله عز وجل والبعد عن معصيته. خاصة أن الأمر تجاوز مجرد الشهوات إلى إثارة الشبهات حول مسلمات عقدية نؤمن بها وهي من أساس دين الإسلام.
5 - قراءة ما يعرض عن الشاشات وخطر ما فيها وهذا يسهل أمر الصبر والمصابرة، فإن في معرفة الأضرار الدينية والطبية والنفسية سلوى لمن أراد الابتعاد وسعى إلى النجاة. وأنصح بقراءة كتاب (بصمات على ولدي) لطيبة اليحيى. فقد أوردت بالأرقام والإحصاءات ما يجعل المسلم يبتعد عن هذه الشاشات. كما يوجد في المكتبات كتب متميزة خاصة بتربية الصغار تربية إسلامية.
6 - الاستفادة من الأوقات للقيام بالواجبات الاجتماعية من بر الوالدين وصلة الأرحام وتفقد الأرامل والمساكين وإعانة أصحاب الحوائج.
7 - الاشتغال بطلب العلم وحث أهل البيت على زيادة معلوماتهم الشرعية في ظل تيسر الأمر بوجود أشرطة العلماء السمعية. فيستطيع رب المنزل أن يرتب له ولأسرته درساً يومياً أو أسبوعي.
8 - ربط أهل البيت والأطفال بسيرة الرسول ودعوته وصبره وجهاده وقراءة دقائق حياته فإن في ذلك أثراً على تربية النفوس وتهذيبها وربطها بمعالي الأمور.
9 - وضع دروس يومية منتظمة بجدول ثابت لحفظ آيات من القرآن الكريم وفي هذا أثر عظيم جداً، ولو رتب أحدنا حفظ بعض الآيات كل يوم لختم القرآن في سنوات قليلة وفي ذلك خيرا الدنيا والآخرة. وبعض الناس قارب عمره الأربعين سنة ولم يحفظ خمسة أجزاء من كتاب الله عز وجل؟!
10 - الاهتمام بإيجاد مكتبة أسرية متنوعة تحوي مختلف العلوم وتكون في متناول الجميع، فإن في ذلك تنمية للمواهب والمدارك عن طريق القراءة حتى يصبح الكتاب - بعد حين - رفيقاً لا يمله أهل المنزل.
11 - الاستفادة من برامج الحاسوب الآلي المتوفرة بكثرة بما في ذلك المسابقات وبرامج اختبار الذكاء وغيرها.(12/1)
12- معرفة نعمة الله على الإنسان باستثمار الوقت في عمل صالح فإن تلك نعمة عظيمة قال ابن القيم: ( وبالجملة، فالعبد إذا أعرض عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد غب إضاعتها يوم يقول: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] ) واستشعار قيمة الوقت يدفع إلى الحرص والمحافظة عليه وانفاقه فيما ينفع. والرجل الفطن يلحظ ضياع كثير من الطاعات والقربات وفواتها عليه بسبب جلوسه أمام الشاشة وما تضييع الصلوات وخاصة صلاة الفجر إلا دليل على ذلك، كما أن في ضياع صلة الرحم والكسل عن القيام بالواجبات الأسرية دليلا آخر. وفي ضياع الوقت بهذه الصورة مدعاة إلى التوقف والتفكر والمحاسبة!
13 - القيام بالنزهات البرية للأماكن الخلوية البعيدة عن أعين الناس والتبسط مع الزوجة والأبناء وإشباع رغباتهم في اللعب والجري وصعود الجبال واللعب بالرمال. وهذه الرحلات من أعظم وسائل ربط الأب بأسرته وهي خير من الذهاب بهم لأماكن اللهو التي تفشو فيها بعض المنكرات ولا يستطيع الأب أن يجلس مع أسرته وأبنائه بحرية تامة.
14 - وضع برنامج رياضي للأب والأم والأبناء بمعدل يومي عشر دقائق مثلا حتى وإن اقتصر على التمارين الخفيفة.
15 - زيارة الصالحين والأخيار والاستفادة من تجاربهم، والاستئناس بأحاديثهم، وربط الناشئة بهم ليكونوا القدوة بدلا من الممثلين والمهرجين.
16 - إشغال الفتيات بأعمال المنزل وتدريبهن على القيام بالواجبات المنزلية وتعويدهن على تحمل مسئولية البيت وتربية الأطفال والقيام بشئونهم.
17 - وضع جدول زمني- شهري مثلا - لحضور بعض محاضرات العلماء في المساجد.
18 - مشاركة الجهات الخيرية والمؤسسات الإغاثية بالعمل والجهد والمساهمة بالوقت في تخفيف هموم المسلمين ورفع معاناتهم. 19 - جعل يوم في الأسبوع يوما مفتوحا في المنزل لإلقاء الكلمات المفيدة وبث الفوائد بين الجميع وطرح الأفكار ورؤية إنتاج المنتجين في الأبناء والصغار.
20 - جعل قائمة بالأنشطة والدرجات والتقديرات للأبناء وتحسب نقطة لكل عمل جيد، وأخرى لكل جهد مميز وهكذا في نهاية الأسبوع توضع الجوائز لصاحب أعلى النقاط. بما فيم ذلك الانضباط أيام الأسبوع والمذاكرة وغيرها.
21 - تسجيل الأولاد في حلق تحفيظ القرآن الكريم في المساجد، والأم وبناتها في دور الذكر لتحفيظ القرآن الكريم واظهار الفرح بذلك وتثجيعهم على المراجعة مع بعضهم البعض وذكر ما حفطوا كل يوم. وفي هذا ربط لهم مع كتاب الله عز وجل.
22 - جعل أيام معمر للأسرة يجتمعون فيه ويكون الحديث مفتوحا، ويركز على قصص التوبة ومآسي المسلمين وقصص من أسلموا حديثاً وذكر بعض الطرائف والنكت المحمودة.
23 - التأمل الدقيق في بيوت كثير من الأخيار التي تخلو من الشاشات، وكيف هو بفضل الله صلاح أبنائها وإستمرار أهلها وحسن تربيتهم على التقوى والصلاح فإن ذلك يدفع الرجل إلى الحذو حذوهم ويدفع بالأم إلى السير على طريقهم.
24 - الإكثار من شكر وحمد الله عز رجل على أن أبدل المعصية بالطاعة والسيئات بالحسنات والفرح بذلك فإن في ذلك ثباتاً على الأمر وإشاعة لتحول كبير في الأسرة.
25 - القيام بأعمال دعوية أسرية مثل مراسلة هواة المراسلة ودعوتهم إلى الالتزام بهذا الدين وإرسال الكتب إليهم، أو كتابة رسائل توجيه ونصيحة للطلاب والطالبات وغيرها، كل لبني جنسه.
26 - اختيار أسر من الأخيار وزيارتهم ومعرفة كيفية استفادتهم من أوقاتهم وكذلك سؤالهم كيف يعيشون سعداء بدون شاشة!
27 - كثير من الناس لا يعرف خلجات بناته ولا هوايات أبنائه ولا هموم زوجته لأن وقت الأسرة مليء بالاجتماع على مشاهدة الشاشة فحسب، وبدون الشاشة يكون الحديث مشتركا والتقارب أكثر بإيراد القصص والطرف وتبادل الأحاديث والآراء.
28 - الاهتمام بهوايات الأبناء وتوجيهها نحو خدمة الإسلام والمسلمين وتشجيعهم علي المفيد منها.
29 - إعداد البحوث علامة على مقدرة الشخص وتمكنه العلمي. ولكل عمر من الأعمار مستوى معين من البحوث وهذا يجعل الأسرة تعيش جوا علميا إذا أرادت ذلك وسعت إليه.
30 - كثير من الناس يعتذر بوجود الشاشة لرغبته في معرفة أحداث العالم وأخبار الكون! و مع حرصه هذا فانه غافل عن أخبار الآخرة وأحداث يوم الحسرة والندامة وأحوال البرزخ وأهوال البعث والنشور والسراط وغيرها! وله كفاية بالإذاعة وبعض الصحف لمتابعة الأخبار والأحداث!
31 - لو طلب منك شخص أو جهة أن تضع في صالة منزلك خمسة أفراد ما بين رجل وسيم وامرأة فاتنة منهم الفاجر والفاسق ومنهم المهرج ومنهم المنصر، وشرطت عليهم أن لا يتحدثوا ولا يجتمعوا بأبنائك وزوجتك إلا بحضورك! فهل يا ترى تخرج مطمئن الفؤاد إلى هؤلاء وهم في عقر دارك!! إن كان الأمر كذلك وبقية إيمان في قلبك فأخرجهم حتى ولو لم يكن هنالك بديلاً.
أخي المسلم.. أختي المسلمة
هناك أمور كثيرة لا يكفي لها الوقت لو ذكرت، إنما الهدف ذكر طرف منها للتخلص من الشرور ودفعها بين يدي المسلم. وفي طاعة الله عز رجل وتقراه خير معين، وهذا البيت الصغير هو مملكتك التي تستطيع أن تجعلها جنة وارفة الظلال بالطاعة والعبادة وحسن الخلق وطيب المعشر.
وكثير جعل هذا المسكن والقرب جحيماً بسوء التربية وحلول المعصية وفساد الطباع يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ [الحشر:2]. وكما أن للطاعة أثراً فإن للمعصية شؤماً.(12/2)
ويا أيها الأب ويا أيتها الأم: المسؤولية عظيمة والحساب شديد والأمانة بين أيديكم، فإياكم وضياع الأولاد وإهمالهم فإنكم مسؤولون ومحاسبون عنهم غداً. يقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].
وأذكركم بقول الرسول : { كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته } [متفق عليه].
وأجزم أن كثيراً من الآباء لو علم أن الشاشات تسبب مرضاً معيناً لمن يراها ولو لدقائق لما بقي في البيوت شاشات إطلاقاً. ولكن لأن هذا مرض عضوي اهتم الآباء به أما مرض القلوب والشهوات فالأمر مختلف. وشتان ما بين زماننا وأهله وصدر الإسلام وأهله. فلما نزلت آية تحريم الخمر ما قال الصحابة: لنا سنوات، ولدينا منها مخزون كبير أو ما هو البديل إذاً! بل سالت الشعاب بالخمر المراق طاعةً وامتثالاً. ولما نزلت آية الحجاب خرج نساء المسلمين وهن كالغربان متشحات بالسواد لا يرى منهن شيئاً وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب:36].
ولأهل الإسلام فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
قال ابن كثير: ( أي عن أمر رسول الله وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته ) ثم قال رحمه الله في قوله تعالى: تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أي: ( في قلوبهم من كفر أو نفا ق أو بدعة ).
أقر الله الأعين بصلاح الأولاد وضاعف الأجر والمثوبة للوالدين على حسن التربية والتوجيه لهم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
===========
الغيرة على الأعراض
صالح بن عبدالله بن حميد
دار الوطن ...
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
إن هزائم الأمم وانتكاسات الشعوب لا ترجع إلى الضعف في قواها المادية ولا إلى الضعف في معداتها الحربية، من يظن هذا الظن ففكره قاصر ونظره سقيم، إن الأمم لا تعلو - بإذن الله - إلا بضمانات الأخلاق الصلبة في سير الرجال. بل إن رسالات الله ما جاءت إلا بالأخلاق وإتمام الأخلاق بعد توحيد الله وعبادته، { إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق }، الأخلاق الفاضلة يضعف أمامها العدو، وينهار بها أهل الشهوات.
حينما يكون المجتمع صارماً في نظام أخلاقه وضوابط سلوكه، غيوراً على كرامة فرده وأمته، مؤثراً رضا الله على نوازع شهواته، حينئذ يستقيم مساره في طريق الحق والصمود والرفعة والإصلاح.
والأخلاق - أيها الأخوة - ليست شيئاً يكتسب بالقراءة والكتابة، ولا بالمواعظ والخطابة، ولكنها درجة بل درجات لا تنال - بعد توفيق الله ورحمته - إلا بالتربية والتهذيب، والصرامة والحزم، وقوة الإرادة والعزم.
أخي الفاضل: وبين يديك في هذه النشرة حديث عن مقياس دقيق من مقاييس الأخلاق، ومعيار جلي من معايير ضبط السلوك..
إنه حديث الغيرة، الغيرة يا أخي رعاك الله. الغيرة، الغيرة على الأعراض، وحماية حمى الحرمات.
يا أيها الغيور: كل امرئ عاقل بل كل شهم فاضل لا يرضى إلا أن يكون عرضه محل إلغاء والتمجيد، ويسعى ثم يسعى ليبقى عرضه حرماً مصوناً لا يرتع فيه اللامزون ولا يجوس حماه العابثون.
إن كريم العرض ليبذل الغالي والنفيس للدفاع عن شرفه، وإن ذا المروءة الشهم يقدم ثروته ليسد أفواهاً تتطاول عليه بألسنتها أو تناله ببذيء ألفاظها. نعم إن الشهم ليصون عرضه بالمال فلا بارك بمال لا يصون عرضاً، بل لا يقف الحد عند هذا فإن صاحب الغيرة ليخاطر بحياته ويبذل مهجته ويعرض نفسه لسهام المنايا عندما يرجم بشتيمة تلوث كرامته. يهون على الكرام أن تصاب الأجسام وتسيل الدماء،؟ لتسلم العقول وتحفظ الأعراض. وقد بلغ ديننا في ذلك الغاية حين أعلن نبينا محمد : { من مات دون عرضه فهو شهيد }.
أخي حماك الله: بصيانة العرض وكرامته يتجلى صفاء الدين وجمال الإنسانية، وبتدنسه وهوانه ينزل الإنسان إلى أرذل الحيوانات البهيمية.
يقول ابن القيم رحمه الله: ( إذا رحلت الغيرة من القلب ترحلت المحبة بل ترحل الدين كله ).
ولقد كان أصحاب رسول الله من أشد الناس غيرةً على أعراضهم. روي عن رسول الله أنه، يوماً قال لأصحابه: { إن دخل أحدكم على أهله ووجد ما يريبه أشهد أربعاً }، فقام سعد بن معاذ متأثراً فقال: يا رسول الله: أأدخل على أهلي فأجد ما يريبني، أنتظر حتى أشهد أربعاً لا والذي بعثك بالحق!! إن رأيت ما يريبني في أهلي لأطيحن بالرأس عن الجسد ولأضربن بالسيف غير مصفح وليفعل الله بي بعد ذلك ما يشاء، فقال!! { أتعجبون من غيرة سعد!! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن } الحديث وأصله في الصحيحين.
من حرم الغيرة حرم طهر الحياة، ومن حرم طهر الحياة فهو أحط من بهيمة الأنعام، ولا يمتدح بالغيرة إلا كرام الرجال وكرائم النساء.
إن الحياة الطاهرة تحتاج إلى، عزائم الأخيار، وأما عيشة الدعارة فطريقها سهل الانحدار والانهيار، وبالمكاره حفت الجنة، وبالشهوات حفت النار.(12/3)
أخي المسلم: إن الأسف كل الأسف والأسى كل الأسى فيما جلبته مدنية هذا العصر من ذبح صارخ للأعراض ووأد كريه للغيرة.. تعرض تفاصيل الفحشاء من خلال وسائل نشر كثيرة، بل إنه ليرى الرجل والمرأة يأتيان الفاحشة وبواعثها ومثيراتها، يشاهدان وهما يعانقان الرذيلة غير مستورين عن أعين المشاهدين والنظارة، لقد انقلب الحال عند كثير من الأقوام بل الأفراد والأسر حتى صار الساقطون الماجنون يمثلون الأسوة والقدوة ويجعلون من فكرهم وسلوكهم وحركاتهم وسام افتخار وعنون رجولة، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
تصوروا - رعاكم الله وحماكم - خبيثاً وخبيثة يقفان على قارعة الطريق ليمارسا الفاحشة علانيةً كما تفعل البهائم من الحمير والخنازير - أعز الله مقامكم ونزه أسماعكم -. هل غارت من النفوس الغيرة؟ وهل غاض ماؤها؟ وهل انطفأ بهاؤها؟ هل في الناس دياثة؟ هل فيهم من يقر الخبث في أهله ألا يدري الغيور من يخاطب ! ! هل يخاطب الزواني والبغايا وإلا فأين الكرام والحرائر؟!
إعلان للفحشاء بوقاحة، وإغراق في المجون بتبجح.
أغان ساقطة، وأفلام آثمة، وسهرات فاضحة، وقصص داعرة، وملابس خالعة، وعبارات مثيرة، وحركات فاجرة، ما بين مسموع ومقروء ومشاهد في صور وأوضاع يندى لها الجبين في كثير من البلاد والأصقاع إلا من رحم الله. على الشواطئ والمنتزهات، وفي الأسواق والطرقات. ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.
حسبنا الله من أناس يهشون للمنكر، يودون لو نبت الجيل كله في حماة الرذيلة، وحسبنا الله من فئات تود لو انهال التراب على الفطرة المستقيمة والحشمة الرفيعة.
ما هذا البلاء؟ كيف يستسيغ ذو الشهامة من الرجال والعفة من النساء لأنفسهم ولأطفالهم ولفتيانهم ولفتياتهم هذا الغثاء المدمر من ابتكارات البث المباشر وقنوات الفضاء الواسع؟
أين ذهب الحياء؟ وأين ضاعت المروءة؟ أين الغيرة من بيوت هيأت للناشئة أجواء الفتنة، وجرتها إلى مستنقعات التفسخ جراً وجلبت لها محرضات المنكر تدفعها إلى الإثم دفعا، وتدعها إلى الفحشاء دعا؟
اطلعت امرأة شريفة على الخمر ثم سألت: هل تشرب هذا نساؤكم؟ قالوا: نعم. قالت: زنين ورب الكعبة.
أيها الإخوة: إن طريق السلامة لمن يريد السلامة - بعد الإيمان بالله ورحمته وعصمته - ينبع من البيت والبيئة. فهناك بيئتان: واحدة تنبت الذل وأخرى تنبت العز. وثمت بيوتات تظللها العفة والحشمة، وأخرى ملؤها الفحشاء والمنكر. لا تحفظ المروءة ولا يسلم العرض إلا حين يعيش الفتى وتعيش الفتاة في بيت محتشم محفوظ بتعاليم الإسلام وآداب القرآن ملتزم بالستر والحياء، تختفي فيه المثيرات وآلات اللهو والمنكر، ويتطهر من الاختلاط المحرم. الغيرة الغيرة يا مسلمون، فالحمو الموت، واحذروا السائق والخادم وصديق العائلة وابن الجيران، ناهيك بالطبيب المريب، والممرض المريض،وإياكم واحذروا الخلوة بالبائع والمدرس في البيت، حذاري أن يظهر هؤلاء وأشباههم على عورات النساء. فذلكم اختلاط يتسع فيه الخرق على الراقع، وتصبح فيه الديار من الأخلاق بلاقع. هل تأملتم - وفقكم الله - لماذا توصف المحصنات بالغافلات.
الغافلات: وصف لطيف محمود، وصف يجسد المجتمع البرئ والبيت الطاهر الذي تشب فتياته زهرات ناصعات لا يعرفن الإثم. إنهن غافلات عن لوثات الطباع السافلة.
وإذا كان الأمر كذلك فتأملوا كيف تتعاون الأقلام الساقطة، والأفلام الهابطة، لتمزق حجاب العفة، هذا، ثم تتسابق وتتنافس في شرح المعاصي وفضح الأسرار وهتك الأستار وفتح عيون الصغار قبل الكبار، ألا ساء ما يزرون.
أخي المسلم أختي المسلمة: الغيرة الغيرة، إن لم تغاروا فاعلموا أن ربكم يغار: فلا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش.
يا أمة محمد: ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. وربكم يمهل ولا يهمل. وإذا ضيع أمر الله فكيف تستنكر الخيانات البيتية، والشذوذات الجنسية، وحالات الاغتصاب، وجرائم القتل وألوان الاعتداء؟
إذا ضيع أمر الله طفح المجتمع بنوازع الشر، وامتلأ بدوافع الأثرة، وتولدت فيها مشاعر الحسد والبغضاء، ومن ثم، قل ما ينجو من فساد وفوضى وسفك دماء، فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:22-24].
يا صاحب الغيرة: كم للفضيلة من حصن امتنع به أولاد النخوة فكانوا بذلك محسنين، وكم للرذيلة من صرعى أوردتهم المهالك فكانوا هم الخاسرين.
في ظلال الفضيلة عفة وأمان، وفي مهاوي الرذيلة ذلة وهوان، والرجل هو صاحب القوامة في الأسرة، وإذا ضعف القوام فسد الأقوام؟ وإذا فسد الأقوام خسروا الفضيلة وفقدوا العفة وتاجروا بالأعراض وأصبحوا كالمياه في المفازات يلغ فيها كل كلب ويكدر ماءها كل وارد.
جاء شاب إلى النبي فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنا، فاقبل عليه الناس يزجرونه، وأدنى رسول الله مجلسه ثم قال له: { أتحبه لأمك؟ } قال لا والله، جعلني الله فداك، قال رسول الله : { ولا الناس يحبونه لأمهاتهم } قال: { أتحبه لأبنتك؟ } قال: لا، قال: { ولا الناس يحبونه لبناتهم }، ولم يزل النبي يقول للفتى أتحبه لأختك، أتحبه لعمتك، أتحبه لخالتك، كل ذلك والفتى يقول: لا والله، جعلني الله فداك. فوضع النبي يده عليه وقال: { اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه }، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. [أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه].(12/4)
أيها الغيورون أيتها الغيورات: هذه هي الغيرة وهذا هو حال الكثير، ألم يأن لأهل الإسلام أن يراجعوا أنفسهم، ويخشوا ربهم، ويعوا مسئولياتهم بنيناً وبنات نساءً ورجالاً؟. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وأصلح أحوالنا، وجمع كلمة المسلمين على الحق وهدانا ووفقنا إلى الحق والطريق المستقيم.
==============
أنفقوا يا عباد الله
دار الوطن
الحمد لله الذي حث عباده على الجود والإنفاق، وضمن لهم ما يحتاجونه من الأموال والأرزاق، والصلاة والسلام على من عم جوده وعطاءه الآفاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التلاق.
أخي المسلم: صح عن النبي أنه قال: { لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيم علم } [الترمذي وحسنه الألباني].
فهل حاسبت نفسك - أخي المسلم - عن مالك، من أين اكتسبته، وفيم أنفقته؟ هل اكتسبته من حلال وأنفقته في حلال؟ أم اكتسبته من حرام وأنفقته في حرام؟ أم اكتسبته من حلال وأنفقته في الحرام؟
واعلم - أخي المسلم - أن المال سبب موصل إما إلى الجنة وإما إلى النار، فمن استعان به على طاعة الله، وأنفقه في سبل الخيرات، كان سببا موصلا إلى رضوان الله والفوز بالجنة، ومن استعان به على معصية الله، وأنفقه في تحصيل شهواته المحرمة، واشتغل به عن طاعة الله، كان سببا في غضب اله عليه واستحقاقه العقاب الأليم. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34].
وأخبر سبحانه أن من أنفق ما له في الصد عن سبيل الله، فسوف يلحقه الخزي والندامة يوم القيامة، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36].
وقال سبحانه عن القسم الأول الذين استعانوا بالمال على طاعة الله وأنفقوه في مرضاته: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:29-30].
وعن أبي ذر قال: أتيت رسول الله وهو في ظل الكعبة فقال: { هم الأخسرون ورب الكعبة } قالها ثلاثاً قال أبو ذر: فأخذني غم، وجعلت أتنفس وقلت: هذا شر حدث في، فقلت: من هم - فداك أبي وأمي -؟ قال: { الأكثر ون أموالا، إلا من قال في عباد الله هكذا وهكذا وقليل ما هم ما من رجل يموت فيترك غنما ا, إبلا أو بقرا لا يؤدي زكاتها إلا جاءته يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمن حتى تطأه بأظلافها، وتنطحه بقرونها، حتى يقضي الله بين الناس ثم لا تعود أولاها على أخراها } [متفق عليه].
وعن أبي هريرة عن النبي أنه قال: { ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبهته وجنبه وظهره، كلما بردت أعيدت إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار } [مسلم].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله أنه قال: { من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته، مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - يقول: أنا مالك.. أنا كنزك } [البخاري].
الكنز في الإسلام
ليس الكنز في الإسلام هو المال الكثير، ولكنه المال الذي لم تؤد زكاته. قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ما كان من مال تؤد زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفونا، وما ليس مدفونا لا تؤدي زكاته، فإنه الكنز الذي ذكره الله تعالى في كتابه.
فريضة الزكاة وأهدافها
أخي المسلم: اعلم أن الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة، قال النبي { بني الإسلام على خمس } فذكر منهن: { إيتاء الزكاة } [متفق عليه].
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس أحد يؤتي زكاة ماله إلا سأل الرجعة عند الموت، ثم تلا قوله تعالى: وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ، وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:10-11].
قال ابن الجوزي: وينبغي للمتيقظ أن يفهم المراد من الزكاة، وذلك ثلاثة أشياء:
أحدها: الابتلاء بإخراج المحبوب.
والثاني: التنزه عن صفة البخل المهلك.
والثالث: شكر نعمة المال، فليتذكر إنعام الله عليه إذ هو المعطى لا المعطي!
ويزاد على ما ذكره ابن الجوزي ما يلي:
1- إعانة الضعفاء وكفاية ذوي الحاجة وقضاء الدين عن أهله.
2- تقوية روح الجماعة بين أفراد المجتمع والتخلص من الإفراط ف حب الذات.
3- نشر المحبة والألفة بين أفراد المجتمع وعدم شعور الفقراء بالحقد على الأغنياء أو حسدهم.
4- الحفاظ على الدولة الإسلامية وحماية حوزة المسلمين عن طريق تقوية الجيوش والإنفاق على الجهاد والمجاهدين.
الحث على الصدقة(12/5)
أخي المسلم الحبيب: رغب الإسلام في الصدقة، والعطف على الفقراء، ومواساة أهل الحاجة والمسكنة، ورتب على ذلك أعظم الأجر عند الله تعالى يوم القيامة. فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله نظر إلى رجل يصرف راحلته في نواحي القوم فقال: { من كان عنده فضل من ظهر - أي مركوب- فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل من زاد، فليعد به على من لا زاد له } قال ابن مسعود: حتى رئينا أنه لا حق لأحد منا في فضل !! [مسلم].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله { من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يربى أحدكم فلوه - أي مهره - حتى تكون مثل الجبل } [متفق عليه].
وبين النبي أن الصدقة تظل العبد يوم القيامة وتحول بينه وبين حر الشمس حينما تدنو من الرؤوس. فعن عقبة بن عامر عن النبي له قال: { كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس } [أحمد والحاكم وصححه الألباني].
وبين النبي أن أجر الصدقة يقع مضاعفا إلى سبعمائة ضعف يوم القيامة، فعن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال: رسول الله { لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة } [مسلم].
والصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء، فعن أنس قال: قال رسول الله : { أن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء } [الترمذي وقال: حسن غريب].
وأخبر النبي أنه قال: { لا يخرج أحد شيئا من الصدقة حتى يفك عنها لحي سبعين شيطانا } [أحمد وابن خزيمة وصححه الحاكم والألباني].
وأخبر الله سبحانه وتعالى أن الصدقة زكاة وطهارة للمسلم، حيث تزكو نفسه وترتفع عن أخلاق السفلة من الشح والبخل ولأثرة وغيرها قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم [التوبة:103].
وبين رسول الله أن الصدقة لا تنقص المال، بل تزده بما يحصل فيه من بركة الإنفاق والعطاء، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { ما نقصت من مال.. الحديث } [مسلم].
إخواني: إنما يحسن البكاء والأسف على فوات الدرجات العلا والنعيم المقيم لما سمع الصحابة رضي الله عنهم قول الله عز وجل: فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ [آل عمران:133]، فهموا من ذلك أن المراد أن يجتهد كل واحد منهم، حتى يكون هو السابق لغيره إلى هذه الكرامة، والمسارع إلى بلوغ هذه الدرجة العالية، فكان أحدهم إذا رأي من يعمل للآخرة أكثر منه نافسه وحاول اللحاق به بل مجاوزته، فكان تنافسه في درجات الآخرة، واستباقهم إليها كما قال تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26].
أما نحن فعكسنا الأمر، فصار تنافسنا في الدنيا الدنية وحظوظها الفانية.
قال الحسن: إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة!!
وقال وهيب بن الورد: إذا استطعت أن لا يسبقك أحد فافعل.
وقال عمر بن عبدالعزيز في حجة حجها عند دفع الناس من عرفة: ليس السابق اليوم من سبق به بعيره، إنما السابق من غفر له.
الله أكبر ! أين التنافس إلى الطاعات؟
أين التسابق في الخيرات؟
أين بذل الزكاة والصدقات؟
أين أصحاب الهمم والعزمات؟
آداب المزكي والمتصدق
أخي المسلم الموفق: اعلم أن الإنفاق يشمل الزكاة المفروضة، والصدقة النافلة، والإيثار والمواساة للإخوان، وينبغي على المزكي والمتصدق مراعاة ما يلي:
1- إصلاح النية: فينبغي للمتصدق أن يصلح نيته، فيقصد بالصدقة وجه الله عز وجل، فإنه إن لم يقصد وجه الله، وقد بها رياء وسمعة لم تقبل منه، وعوقب على ذلك أيضا.
2- تخير الحلال: فعن ابن عمر رضي الله عنه، عن رسول الله أنه قال: { لا يقبل الله صدقة من غلول } [مسلم].
3- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { أيها الناس! إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا } [مسلم].
3- تخير الأجود: قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة:267].
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كان أبو طلحة أكثر أنصاري المدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء - أرض بالمدينة - وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت هذه الآية: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله! إن الله تعالى يقول: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها حيث أراك الله، فقال رسول الله : { بخ ذاك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين }، قال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. [متفق عليه].
وعن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه لربه عز وجل، قال نافع: وكان بعض رقيقه قد عرفوا ذلك منه، فربما شمر أحدهم فلزم المسجد، فإذا رآه ابن عمر على تلك الحالة الحسنة أعتقه، فيقول له أصحابه: يا أبا عبدالرحمن! والله ما بهم إلا أن يخدعوك، فيقول ابن عمر لهم: من خدعنا بالله انخدعنا له !!(12/6)
وعن سعيد بن هلال أن ابن عمر رضي الله عنهما نزل الجحفة وهو مريض فاشتهى سمكا، فلم يجدوا إلا سمكة واحدة، فلما قربت إليه أتى مسكين حتى وقف عليه، فقال له ابن عمر خذها، فقال له أهله: سبحان الله! قد عنيتنا ومعنا زاد نعطيه. فقال: إن عبدالله يحبه!!
وقف سائل على باب الربيع فقال: أطعموه سكراً فقالوا: ما يصنع هذا بسكر؟ نطعمه خبزا أنفع له. قال: ويحكم أطعموه سكرا فإن الربيع يحب السكر!!
4- تقديم الأقرباء: فمن الآداب أن يقدم المتصدق ذوي الحاجة من أقربائه وذوي رحمه، فقد أمر رسول الله أبا طلحة بذلك كما في الحديث السابق.
وقال رسول الله : { الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة } [أحمد والترمذي والنسائي وصححه الالباني].
5- تحري أهل الدين: وعلى المتصدق أن يتحرى بصدقته أهل الدين الذين يستعينون بهذه الصدقة على طاعة الله، ولا ينفقونها في معصيته فيكون معاونا لهم على المعصية والإثم.
6- إسرار الصدقة: وعلى المتصدق أن يسر صدقته ما استطاع، إلا إذا كان في إعلانها مصلحة راجحة، فقد قال الله سبحانه: إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ [البقرة:271].
وذكر رسول الله من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال: { ورجل تصدق بصدقة حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه } [متفق عليه].
7- إخراج ما سهل وإن قل: ومن الآداب أن يخرج المعطي ما سهل وإن قل، ولا يرد سائلا ولو بأيسر شئ فعن جابر قال: { ما سئل النبي شيئا قط. فقال: لا } [متفق عليه].
وقال الحسن: أدركنا أقواما كانوا لا يردون سائلا إلا بشيء.
وأتى سائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعندها نسوة، فأمرت له بحبة عنب، فتعجبن النسوة فقالت: إن فيها ذرا كثيرا !! تتأول قوله تعالى: يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [الزلزلة:7].
8- ولا يجوز تأخير الزكاة عن وقتها إذا حال الحول لأنها حق للفقير، ويجوز تقديمها على الحول.
9- وعلى المتصدق أن يتلطف مع الفقير وهو يعطيه، ولا يبطل صدقته بالمن والأذى قال تعالى: قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]، وقال سبحانه: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:262].
10- وعلى المسلم أن يعود نفسه الصدقة والعطاء والإيثار ولو كان فقيرا قليل ذات اليد، فقد سئل رسول الله عن أفضل الصدقة فقال: { جهد المقل } أي صدقه الفقير [أحمد والنسائي وأبو داود].
وعن أبي هريرة أن رجلا أتى رسول الله ، فبعث إلى نسائه فقلن: ما عندنا إلا الماء !! فقال ورسول الله { من يضيف هذا؟ } فقال رجل من الأنصار: أن فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله ، فقالت: ما عندنا إلا قوت الصبيان، فقال: هيئي طعامك، وأصلحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فعلت ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين - أي جائعين- فلما أصبح غد إلى رسول الله ، فقال: { ضحك الله الليلة- أو عجب من فعالكما } فأنزل الله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9] [رواه البخاري].
إيثار حتى الموت !!
استشهد باليرموك عكرمة بن أبي جهل، وسهيل ين عمرو، والحارث ين هشام، وجماعة من بني المغيرة، فأتوا بماء وهم صرعى وأتي عكرمة بالماء، فرأى سهيل بن عمرو ينظر إليه، فقال: ابدؤوا بهذا فجيء إلى الحارث بن هشام فإذا هو قد مات، ثم جيء إلى عكرمة فإذا هو قد مات، ثم جيء إلى سهيل بن عمرو فإذا هو قيد مات، فماتوا جميعا قبل أن يشربوا، فمر بهم خالد بن الوليد فقال: بنفسي أنتم!!
أخي: كم بينك وبين الموصوفين كما بين المجهولين والمعروفين.. آثرت الدنيا، وآثروا الدين … فتلمح تفاوت الأمر يا مسكين !! أم الفقير فما يخطر ببالك.. فإذا حاء سائل أغلظت له في مقالك، فإن أعطيته فحقيرا يسيرا من رديء مالك.
أفضل أوقات الصدقة
عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال: { أن تصدق وأنت شحيح صحيح،تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان } [متفق عليه].
صور من إنفاق السلف
تركت له الله ورسوله:
عن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله أن نتصدق ووافق ذلك عندي مالا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يوما قال: فجئت بنصف ما لي. فقال رسول الله : { ما أبقيت لأهلك؟ } قال: أبقيت لهم الله ورسوله !! فقلت: لا أسابقه إلى شيء أبدا [أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح].
رجل واحد يجهز جيشا:
وكان عثمان من المنفقين أموالهم في سبيل الله، فعن عبدالرحمن بن خباب قال: شهدت النبي وهو يحث على جيش العسرة، فقام عثمان فقال: يا رسول الله ! علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقام عثمان فقال: يا رسول الله ! علي ثلاثمائة عير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله قال: فرأيت رسول الله ينزل على المنبر وهو يقول: { ما على عثمان ما فعل بعد هذه.. ما على عثمان ما فعل بعد هذه } [الترمذي وقال: غريب وله شواهد].
يطفئ السراج لئلا يتحرج السائل !!(12/7)
وروي عن سعيد ين العاص أنه كان يعشي الناس في رمضان، فتخلف عنده ذات ليلة شاب من قريش بعدما تفرق الناس، فقال له سعيد: أحسب أن الذي خلفك حاجة؟ قال: نعم! أصلح الله الأمير. قال: فضرب سعيد الشمعة بكمه فأطفأها ثم قال: ما حاجتك؟ قال: تكتب لي إلى أمير المؤمنين أن علي دينا، وأحتاج إلى مسكن وخادم. قال: كم دينك؟ قال: ألفا دينار، وذكر ثمن المسكن والخادم، فقال سعيد: تكفيك مؤونة السفر، اغد فخدها منا. فكان الناس يقولون: إن إطفاء الشمعة احسن من إعطائه المال، لئلا يرى في وجهه ذل المسألة!!
بشرى للفقراء
قال ابن رجب: وقد كان بعض الصحابة يظن أن لا صدقة إلا بالمال، فأخبره النبي أن الصدقة لا تختص بالمال، وأن الذكر وسائر أعمال المعروق صدقة كما في صحيح مسلم عن أبي ذر أن ناسا من أصحاب النبي قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، فقال رسول الله : { أو ليس قد جعل الله لكم ما تتصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة }.
تصدق بعض الأغنياء بمال كثير،فبلغ ذلك طائفة من فقراء الصالحين، فاجتمعوا في مكان، وحسبوا ما تصدق به من الدراهم، وصلوا بدل كل درهم تدق به لله ركعة !! هكذا يكون استباق الخيرات، والتنافس في علو الدرجات.
فسبحان من فضل هذه الأمة وفتح لها على يدي نبيها أبواب الفضائل الجمة، فما من عمل عظيم يقوم به قوم ويعجز عنه آخرون، إلا وقد جعل الله لمن عجز عملا يساويه ويفضل عليه، فتتساوى الأمة كلها في تحصيل الخيرات ونيل علو الدرجات.
مجالات الصدقة
أخي المسلم: للصدقة مجالات عديدة جدا يصعب حصرها، ولكن يمكن الإشارة إلى بعض هذه المجالات على سبيل الاختصار:
* الإنفاق على الفقراء والمحتاجين وإسقاط الديون عن المدينين.
* بناء المساجد والإنفاق عليها وعلى الأئمة والمؤذنين والقائمين عليها.
* سقي الماء وحفر الآبار في الأماكن التي لا يصل إليها الماء.
* إطعام الطعام وشراء الملابس وتوزيعها.
* الإنفاق على طب العلم وشاء الكتب والأدوات الدراسية لهم.
* طباعة الكتب والأشرطة الإسلامية وتوزيعها.
* توزيع المصحف الشريف على الشعوب الإسلامية في العالم
* الإنفاق على حلقات تحفيظ القرآن الكريم ورصد المكافآت للطلاب والمدرسين.
* بناء المدارس ودور العلم والمستشفيات.
* بناء الملاجئ ودور الأيتام والمسنين والمساكن للغرباء من طلبة العلم وأبناء السبيل.
* الصدقة على فقراء الحجاج والمعتمرين والزوار وتوفير الطعام والشراب والمراكب لهم.
* الإنفاق على الأرامل والأيتام وكبار السن.
* الإنفاق على الجهاد والمجاهدين ودعم المستضعفين من المسلمين في كل مكان.
* مساعدة الشباب المسلم على الزواج.
* الإنفاق على الدعاة وإرسالهم إلى مشارق الأرض ومغاربها.
* رعاية الأقليات المسلمة في العالم، وربطهم بدينهم حتى لا تذوب هويتهم الإسلامية.
* تخصيص الأموال للجوائح والعوارض الطارئة كالحرائق والأمراض والكوارث والزلازل والسيول وغيرها.
* الإنفاق على مغاسل الأموات التي تقوم بتجهيز الموتى مجاناً.
أصحاب الهمم العالية
أخي المسلم: صاحب الهمة العالية، والنفس الشريفة لا يرضى بالأشياء الدنية الفنية، وإنما همته المسابقة إلى الدرجات الباقية الذاكية التي لا تفنى، ولا يرجع عن مطلوبه ولو تلفت نفسه في طلبه، ومن كان في الله تلفه، كان على الله خلفه.
قيل لبعض المجتهدين في الطاعات: لم تعذب هذا الجسد قال: كرامته أريد!
تعبت في مرادها الأجسام *** وإذا كانت النفوس كبارا
ما لجرح بميت إيلام *** من يهن يسهل الهوان عليه
قال عمر بن عبد العزيز: إن لي نفسا تاقة، ما نالت شيئا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه، وأنها لما نالت هذه المنزلة - يعني الخلافة - يعني الآخرة.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم*** وتأتي على قدر الكرام المكارم
قيمة كل إنسان ما يطلب، فمن كان يطلب الدنيا فلا أدنى منه، فإن الدنيا دنية، وأدنى منها من يطلبها، وهين خسية، وأخس منها من يخطبها. قال بعضهم: القلوب جوالة، فقلب يجلو حلول العرش، وقلب يجول حول الحش.
العاقل يغبط من أنفق ماله في سبيل الخيرات ونيل علو المدرجات، والجاهل يغبط من أنفق ماله في الشهوات، وتوصل إلى اللذات والمحرمات.
العالي الهمة يجتهد في نيل مطلوبه، ويبذل ماله في الوصول إلى رضا محبوبه، فأما خسيس الهمة فأجتهاده في متابعة هواه، ويتكل على مجرد العفو، فيفوته - إن حصل له العفو - منازل السابقين.
قال بعض السلف: هب أن المسيء عفي عنه أليس قد فاته ثواب المحسنين؟!
فيا مذنبا يرجو من الله عفوه أترضى بسبق المتقين إلى الله؟!
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصادر: الحدائق لابن الجوزي. عدة الصابرين لابن القيم. الفوائد لابن القيم. لطائف المعارف ابن رجب.
=============
قسوة القلوب أسبابها وعلاجها
مكتب الدعوة و الإرشاد بسلطانة
أخي وأختي في الله...
أحييكم بتحية أهل الجنة...
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد..
فإن من الابتلاءات التي بليت بها هذه الأمة ابتلاء عظيم ومرض عضال وداء فظيع ومصيبة كبرى ألا وهو:
قسوة القلوب
ففي هذه الرسالة نصيحة أرجو من الله الجواد الكريم أن ينفعنا بها جميعا وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
وفي البداية هذه الرسالة نتعرف جميعا على أسباب قسوة القلوب وكيفية علاجها.
الأسباب(12/8)
الغفلة، وطول الأمل، وعدم مراقبة الله، واستشعار عظمته، وقوته، وجبروته، وانتقامه، ورحمته، ولطفه وفضله، وجوده، وكرمه.
ومن أسباب قسوة القلوب:
- عدم المحافظة على الصلاة مع الجماعة وعدم الإتيان إليها مبكرا.
- هجر القرآن وعدم قراءته بحضور قلب وخشوع وتدبر.
- الكسب الحرام من الربا والغش في البيع والشراء والرشوة ونحوذلك.
- الكبر والانتقام للنفس واحتقار الناس والاستهزاء بهم.
- الظلم.
- الركون للدنيا والإغترار بها ونسيان الموت والقبر والدار الآخرة.
- النظر المحرم إلى النساء أوالمردان.
- عدم محاسبة النفس وطول الأمل.
- كثرة الكلام بغير ذكر الله عز وجل، كثرة الضحك والمزاح، كثرة الأكل، كثرة النوم.
ومن أسباب قسوة القلوب :
- الغضب بلا سبب شرعي.
- السفر إلى بلاد الكفر للسياحة.
- الكذب والغيبة والنميمة.
- الجليس السوء.
- الحقد والحسد والبغضاء.
ومن أسباب قسوة القلوب:
- إضاعة الوقت بغير فائدة وعدم استغلاله في المفيد.
- الإعراض عن تعلم العلم الشرعي.
- إتيان الكهان والسحرة والمشعوذين.
- استعمال المخدرات والمسكرات والدخان والشيشة (النارجيلة) والمعسل.
- عدم قراءة أذكار الصباح وأذكار المساء.
- سماع الأغاني ومشاهدة الأفلام الخليعة والمجلات الهابطة.
- عدم الاهتمام بأمر الدعاء.
أخي المسلم.. أختي المسلمة..
تعرفنا آنفا على أسباب قسوة القلوب أعاذنا الله منها، إذا لنبحث عن العلاج الذي نعالج به جميعا قلوبنا؛ لأن معرفة الداء أول طرق معرفة الدواء.. فلنتابع السير :
علاج قسوة القلوب
- تعلم العلم الشرعي من القرآن والسنة.
- المواظبة على قراءة القرآن الكريم بتدبر وخشوع وحضور قلب مع قراءة تفسير القرآن.
- قراءة سيرة الرسول وأصحابه.
- الصدقة (الحرص على صدقة السر).
- العطف على الفقراء والمساكين والأرامل والمسح على رأس اليتيم.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- بر الوالدين والإحسان إليهما.
- صلة الأرحام.
- زيارة المرضى وتخفيف آلامهم ومواساتهم.
- زيارة مغاسل الموتى (حضور تغسيل الأموات إذا تيسر ذلك).
- زيارة المقابر (للرجال فقط).
- الإكثار من ذكر الله نعالى.
- قيام الليل والحرص على ذلك.
- التواضع وحسن الخلق.
- التبكير للصلاة في المسجد.
- إفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف.
- محاسبة النفس.
- صفاء النفوس.
- أداء النوافل.
- الجليس الصالح (مجالس الصالحين).
- الحرص على التزود من الدنيا بالعمل الصالح.
- الزهد بالدنيا، والإعراض عنها، وأخذ الكفاية من متاعها.
- تذكر يوم القدوم والعرض على الله يوم القيامة للحساب.
- حب الغير للغير.
- عدم الانتقام للنفس، والعفوعن من ظلمك.
- دعوة غير المسلمين إلى الإسلام (مكاتب الجاليات).
- حفظ الجوارح مما يغضب الله.
- الكسب الحلال.
- سقي الماء.
- الإسهام قدر المستطاع في بناء المساجد.
- زيارة البيت الحرام لأداء العمرة مع الاستطاعة.
- الهدية (تهادوا تحابوا).
- الدعاء لإخوانك المسلمين بظهر الغيب.
- الرفق بالحيوان والإحسان إليه.
- المكث بالمسجد بعد الصلوات (وخصوصا بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس قدر رمح ثم صلاة ركعتين).
- زيارة المؤسسات الخيرية والاطلاع على أحوال المسلمينفي العالم.
- تجهيز غاز في سبيل الله.
- إنظار المعسر أوالتجاوز عن شيء من دينه.
- صيام التطوع.
- إصلاح ذات البين.
- تذكر الجنة ونعيمها وقصورها وأنهارها وزوجاتها وغلمانها والحياة الأبدية التي لا موت فيها ولا تعب ولا نصب وأعظم من ذلك رؤية الله رب العالمين.
- تذكر النار وجحيمها وسعيرها وأغلالها وزقومها وأوديتها وعقاربها وحياتها وطول المكث فيها، ونعوذ بالله ونستجير بالله من عذاب جهنم. إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً، إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً [الفرقان:65-66].
- التحدث بنعم الله سبحانه وتعالى.
- مراقبة الله في السر والعلن.
- تذكر الموت وسكراته.
- تذكر القبر ووحشته وظلمته وسؤال الملكين.
- الدعاء والإلحاح على الله سبحانه وتعالى. وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].
الحذر... الحذر من الاستمرار والتهاون بالذنوب
عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله : { إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ} رواه أحمد، والطبراني، والبيهقي في شعب الإيمان، وغيرهم، والحديث صحيح.
إعلم أخي المسلم.. أختي المسلمة..
أن الاستمرار على الذنوب والتهاون بها سبب رئيس في قسوة القلوب، ولربما لا يوفق العبد بحسن الخاتمة، والعمر فرصة واحدة ولن يتكرر واستفد من وجودك في هذه الحياة بعمل الصالحات والتزود منها، والتخلص من الذنوب والمعاصي، ولا تطل الأمل فقد يفاجئك الموت هذه الليلة على فراشك، فعلينا بالتوبة والرجوع إلى الله قبل فوات الأوان وقبل حضور الأجل.
قال تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18].
لله أشد فرحاً بتوبة عبده(12/9)
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : { لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَمَا هُو كَذَلِكَ إِذَا هُوبِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ } [رواه مسلم].
قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوالْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
أخي.. وأختي في الله...
ننصحكم باستماع إذاعة القرآن الكريم وخصوصاً برنامج "نور على الدرب" و"سؤال على الهاتف".
وفقنا الله للصالحات والتوبة النصوح قبل الممات ورزقنا خشيته في السر والعلن، ونعوذ بالله من قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن عين لا تدمع، ومن دعوة لا ترفع، ونعوذ بالله من هؤلاء الأربع وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
============
موانع الهداية
عبدالرحمن بن يحيى
مكتب الدعوة و الإرشاد بسلطانة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلما كان تمام النعمة على العبد إنما هو بالهدى والرحمة، وكان لهما ضدان: الضلال والغضب، أمرنا الله سبحانه أن نسأله كل يوم وليلة مرات عديدة أن يهدينا صراط الذين أنعم عليهم، وهم أولو الهدى والرحمة، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم، وهم ضد المرحومين، وطريق الضالين، وهم ضد المهتدين، ولهذا كان هذا الدعاء من أجمع الدعاء وأفضله وأوجبه، ولذلك اشتدت حاجة العبد بل ضرورته إلى أن يسأل الله أن يهديه الصراط المستقيم كل يوم سبع عشرة مرة فرضا عليه، لكن قد تتخلف الإجابة نظرا لضعف الدعاء في نفسه، فإنه ورد عنه { إن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ } فغفلة القلب أثناء الدعاء تبطل قوته، وقد يقول كثير من الناس لماذا مع كثرة التوجهات والدعاء لا زلنا نشكو من ضعف الهداية؟ إنني أرغب في الهداية لكني لا أستطيع فما هو السبب؟
هذه هي صورة المشكلة فما أسبابها وما نتائجها وما علاجها ؟!:
لا شك أن موانع الهداية كثيرة قد تجتمع كلها في الواحد مرة واحدة، وقد يتخلف بعضها، وقد يحول بين العبد والهداية مانع واحد. وعلى كل سوف نذكر جملة منها، وهي عشرة موانع:
1- من موانع الهداية: ضعف المعرفة: فإن كمال العبد في أمرين: معرفة الحق من الباطل، وإيثار الحق على الباطل، فإن من الناس من يعرف الحق لكن إيثاره على الباطل قد يكون عنده ضعيفا، والجاهل إذا عرف كان قريب الانقياد والاتباع، وبهذا يكون قد قطع نصف الطريق إلى الحق وما بقي عليه إلا قوة العزيمة على الرشد " اللهم أسألك العزيمة على الرشد " رواه أحمد وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً [الكهف:68]، وهذا السبب هو الذي حال بين كثير من الكفار وبين الإسلام، فإنهم لا يعرفون عنه شيئا، ومع ذلك يكرهونه، وكما قيل: الناس أعداء لما جهلوا.
ومن المؤسف جهل المسلمين في هذه الأيام بحقيقة هذا الدين، فمنهم من يقول: إذا تبت وأنبت إلى الله وعملت صالحاً ضيق علي رزقي ونكد علي معيشتي، وإذا رجعت إلى المعصية وأعطيت نفسي مرادها جاءني الرزق والعون، ونحو هذا. هو يعبد الله من أجل بطنه وهواه، وإذا حصل مثل هذا فالله يختبر صدق العبد وصبره، فلا إله إلا الله! كم فسد بهذا الاغترار من عابد جاهل، ومتدين لا بصيرة له، ومنتسب إلى العلم لا معرفة له بحقائق الدين، أما قرأت قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ [الحج:11]، فسبحان الله! كم صدت هذه الفتنة الكثير عن القيام بحقيقة هذا الدين، والسبب: الجهل بالدين، والجهل بحقيقة النعيم الذي يطلبه ويعمل من أجل أن يصل إليه، كم نسبة نعيم الدنيا بالنسبة لنعيم الآخرة؟ أما الأوامر والنواهي فهي رحمة وحمية، ونغص الله الدنيا على المؤمنين حتى لا يطمئنوا إليها ويركنوا إليها ويرغبوا في نعيم الآخرة.
2- ومن موانع الهداية عدم الأهلية: فإنه قد تكون المعرفة تامة لكن يتخلف عنه عدم زكاة المحل وقابليته وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ [لأنفال:23] مثل: الأرض الصلدة التي يخالطها الماء، فإنه يمتنع النبات فيها لعدم قبولها، فإذا كان القلب قاسيا لم يقبل النصائح، وأبعد القلوب من الله: القلب القاسي، وكذا إذا كان القلب مريضا، فلا قوة فيه ولا عزيمة، لما يؤثر فيه ا لعلم. ومن صفاتهم كما وصفهم الله: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [لزمر:45].(12/10)
3- ومن موانع الهداية الحسد والكبر: وقد فسره عليه الصلاة والسلام بأنه " بطر الحق وغمط الناس "، وضده التواضع، وهو قبول الحق مع من كان، ولين الجانب، والمتكبر متعصب لقوله وفعله، وذلك هو الذي حمل إبليس على عدم الانقياد للأمر لما أمر بالسجود، وهو داء الأولين والآخرين، إلا من رحم الله، وبه تخلف اليهود عن الإيمان بالرسول ، وقد عرفوه وشاهدوه، وعرفوا صحة نبوته الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146]، فذكر سبحانه أنهم يعرفون صفات الرسول كما يعرفون أبناءهم ولكنهم قوم بهت. وبهذا الداء امتنع عبد الله بن أبي بن سلول عن الإيمان، وبه تخلف الإيمان عن أبي جهل، ولهذا لما سأله رجل عن امتناعه مع أنه يعرف أنه صادق قال: تسابقنا نحن وبنو هاشم على الشرف حتى إذ ا كنا كفرسي رهان قالوا، منا نبي، فمتى ندركها؟ والله لا نؤمن به، وكذلك سائر المشركين فإنهم كلهم لم يكونوا يرتابون في صدقه، وأن الحق معه، ولكن حملهم الكير والحسد على الكفر والعناد.
4- ومن موانع الهداية: مانع الرياسة: ولو لم يكن في صاحبه حسد ولا كبر عن الانقياد للحق لكن لا يمكنه أن يجتمع له الانقياد للحق وملكه ورياسته، فيضن بملكه ورياسته، كحال هرقل وأضرابه، فإنه قال في آخر كلامه مع أبي سفيان: " فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين، ولو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه "، أنه لا يستطيع الوصول إليه لتخوفه على حياته ومملكته من قومه. وما نجا من هذا الداء - وهو داء أرباب الولاية - إلا من عصم الله كالنجاشي. وهذا هو داء فرعون وقومه فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ [المؤمنون:47]، وقد قيل، إن فرعون لما أراد متابعة موسى وتصديقه شاور هامان وزيره، فقال له: بينما أنت إله تعبد تصير عبدا تعبد غيرك، فاختار الرياسة على الهداية.
5- ومن موانع الهداية: مانع الشهوة والمال: وهو الذي منع كثيرا من أهل الكتاب من الإيمان خوفا من بطلان مأكلهم وأموالهم التي تصير إليهم من قومهم، وقد كان كفار قريش يصدون الرجل عن الإيمان بحسب شهوته، فيدخلون عليه منها، فكانوا يقولون لمن يحب الزنا: إنه يحرم الزنا، ويقولون لمن يحب الخمر: إنه يحرم الخمر، وبه صدوا الأعشى الشاعر عن الإسلام، وأخبروه بأنه يحرم الخمر، فرجع وهو في طريقه إلى الرسول، فوقصته ناقته فسقط فمات.
وقد قال بعض أهل العلم: لقد فاوضت غير واحد من أهل الكتاب عن الإسلام، فكان آخر ما قال لي أحدهم: أنا لا أترك الخمر وشربها، وإذا أسلمت حلتم بيني وبينها وجلدتموني على شربي، وقال لي أيضا آخر بعد أن عرضت عليه الإسلام: إن ما قلت حق، ولكني لي أقارب أرباب أموال وإني إذا أسلمت لم يصل إلي منها شيء، وأنا آمل أن أرثهم. ولا ريب أن هذا القدر في نفوس خلق كثير من الكفار، فإذا اجتمع في حقهم قوة داعي الشهوة والمال مع ضعف داعي الإيمان، فلا ريب أن العبد يجيب داعي الشهوة والمال وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ [الأحقاف:32].
6- ومن موانع الهداية: مانع محبة الأهل والأقارب والعشيرة: فيرى أنه إذا اتبع الحق وخالفهم أبعدوه وطردوه عنهم، وهذا سبب بقاء خلق كثير من الكفار بين قومهم وأهليهم وعشائرهم، وهذه الحالة تحصل كثيرا بين اليهود والنصارى، وكيف أنهم ينبذون كل من خالف مذهبهم ويعادونه كلهم، مما جعل كثيرا من أبنائهم وممن ينتسب إليهم يتركون الحق بعد معرفته ويعرضون عنه.
ومن يك ذا فم مر مريض ***** يجد مرا به الماء الزلالا
7- ومن موانع الهداية: محبة الدار والوطن وإن لم يكن بها عشيرة ولا أقارب، لكن يرى أن في متابعته للرسول أو أهل الحق الذين اتبعوه - فيه خروج عن داره ووطنه إلى دار الغربة، فيضن بوطنه على متابعة الحق أو الدخول في الإسلام بعد تيقنه، ومن قرأ سيرة سلمان وما لاقى من المتاعب في سبيل الوصول إلى الحق لعلم أي مجاهدة جاهد بها نفسه، وكيف ترك أهله وعشيرته ووطنه وهاجر إلى المدينة، وقد سمي (الباحث عن الحقيقة)، وكذا الأمر في سائر الصحابة الذين تركوا أهلهم وأبناءهم وأموالهم وخرجوا إلى مدينة الرسول يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون.
8- ومن موانع الهداية: من تخيل أن في الإسلام ومتابعة الرسول إزراء وطعنا منه على آبائه وأجداده: وهذا هو الذي منع أبا طالب وأمثاله عن الإسلام فرأوا أنهم إذا أسلموا سفهوا أحلام آبائهم وأجدادهم، ولهذا قال أعداء الله لأبي طالب عند الموت: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فكان آخر ما قاله هو على ملة عبد المطلب، فصدوه عن الحق من هذا الباب، لعلمهم بتعظيمه أباه عبد المطلب، وقد ذكرنا سابقا بأنهم يأتون الرجل من باب شهوته، أو من هذا الباب، ولهذا قال أبوطالب: لولا أن تكون مسبة على بني عبد المطلب لأقررت بها عينك ، وقد قرر ذلك في شعره:
ولقد علمت بأن دين محمد ***** من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة ***** لوجدتني سمحا بذاك مبينا(12/11)
وقد يقول قائل: هذا في قوم قد كانوا فبانوا، وهذه شبه عند البعض، فقد سمعت في هذه الأيام ونحن في بعض المناطق البدوية من بقول: لا أترك عادات آبائي وأجدادي وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا [المائدة:104]، وهذا السبب هو الذي منعهم من الدخول في الإسلام أو قبول الحق بعد معرفته وتيقنه.
9- ومن موانع الهداية: متابعة من يعاديه من الناس أو دخوله في الإسلام أو سبقه إليه: وهذا القدر منع كثيرا من اتباع الهدى بعد معرفة؟ حيث يكون للرجل عدو ويبغض مكانه ولا يحب أرضا يمشي عليها ويقصد مخالفته؛ فيراه قد اتبع الحق فيحمله بغضه له على معاداة الحق وأهله ولو لم يكن بينه وبينهم عداوة، وهذا كما جرى لليهود مع الأنصار فإنهم كانوا أعداءهم وكانوا يتواعدونهم بخروج النبي وأنهم يتبعونه ويقاتلونهم معه، فلما سبقهم الأنصار إليه وأسلموا حملتهم معاداتهم على البقاء على كفرهم ويهوديتهم.
10- ومن موانع الهداية: مانع الألفة والعادة والمنشأ: وهذا السبب وإن كان أضعف الأسباب معنى فهو أغلبها على الأمم وأرباب المقالات والنحل، وليس مبر أكثرهم بل جميعهم إلا ما عسى أن يشذ. ودين العوائد هو الغالب على أكثر الناس، والانتتقال عنه كالانتقال من طبيعة إلى طبيعة ثانية، فصلوات الله وسلامه على أنببائه ورسله خصوصا على خاتمهم وأفضلهم محمد ، وكيف غيروا عادات الامم الباطلة ونقلوهم إلى الإيمان حتى استحدثوا به طبيعة ثانية خرجوا بها عن عاداتهم وطبيعتهم الفاسدة المتمثلة في قولهم: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ [الزخرف:23]، ولا يعلم مشقة هذا على النفوس إلا من زاول تقل رجل واحد عن دينه ومقالته إلى الحق، فجزى الله المرسلين أفضل ما جزى به أحدا من العالمين.
أما أسباب الهداية فهي كثيرة جداُ، منها: الدعاء والقرآن والرسل وبصائر العقول، فكما أن للشفاء من المرض أسباباً، فكذلك للهداية أسباب، فالمريض إذا مرض يذهب إلى الطبيب ويبذل السبب من أجل طلب الشفاء والعافية، وكذا الأمر بالنسبة للهداية وهي مبذولة ولا يمنع منها إلا هذه الأسباب التي تعمى على القلوب وإن كانت لا تعمى الأبصار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسوله الأمين
=============
أين مكانك في الخارطة؟!!
إننا في دائرة كبيرة جداً، وأمة فيها مليار مسلم، ملأوا هذه الدائرة كلاماً، وحشوها أقوالاً عظاماً، صغيرنا يتكلم، وكبيرنا يتكلم، وعالمنا وجاهلنا، وذكرنا وأنثانا.
كل الناس يتكلمون، كل الناس يقولون، كل الناس يتحدثون.
ولكن: أين الذين يترجمون تلك الأقوال، وهاتيك الأحاديث إلى واقع ملموس؟!.
أين الذين يعملون بصمت، ويتحركون بصمت؟!.
إننا لسنا بحاجة إلى من يتكلم، بقدر ما الأمة بحاجة إلى الذين يعملون ويقدمون الأمة جهداً مشكوراً.
لقد تأملت في أحوالنا، ونظرت في شئوننا، فوجدت أننا لا ينقصنا فصحاء، ولا بلغاء، ولا خطباء، ولكن ينقصنا رجالٌ ونساء، يعملون لهذا الدين، ويقدمون لهذا الدين.
هذه هي المشكلة المتأزمة في عالمنا اليوم!.
لقد واجهت الكثير من القائمين على المؤسسات الخيرية، والأعمال الدعوية، فكلهم يشتكي من قلة المساهمين والمشاركين، وما نراه من الأعمال الدعوية، القائمة على أرض الواقع، إنما هي ثمرة جهد فئة قليلة مؤمنة، فكيف لو تحركت الجموع الغفيرة في حقل الدعوة إلى هذا الدين العظيم؟!.
دعونا من العموميات، ولندخل بعمق في صلب الموضوع:
هل كل الذين يقرؤون مقالي الآن لهم مشاركات في حقل الدعوة إلى الله تعالى؟!.
أرجو أن نكون صرحاء مع أنفسنا!.
كم هم الذين ارتبطوا بأعمال دعوية ؟!.
كم هم الذين ساهموا في إنتاج أعمال إسلامية؟!.
لو سأل كل واحد منا نفسه: ما أهم الإنجازات التي قام بها في سبيل خدمة دينه، يا ترى هل تبلغ العشر أم العشرين أم...؟!
وأرجو ألا يُفهم الحديث، أنه يُقصدُ طائفة دون أخرى، كلا، بل أقصد كل واحد بعينه، نعم كل واحد بعينه، وكلٌّ في مجاله وتخصصه.
إننا بحاجة جد والله ماسة إلى الذين يتحركون في حقل الدعوة إلى الله تعالى، وينتهجون نهج الأنبياء، ويسيرون سيرة الأولياء، في حرصهم على هداية الناس ودعوتهم إلى دينهم.
فهذه حلقات تحفيظ القرآن الكريم؛ كم هي الطاقات التي تحتاجها من حفاظ كتاب الله تعالى لتعليم وتربية أبناء المسلمين؟! ومع ذلك نجد أن بعض هؤلاء يزهدون في تعليم الصغار، وما علموا أن هؤلاء غداً سيكونون كباراً، ويتولّون قيادة الأمة.
فلماذا لا يفرغ بعض الحفاظ نفسه لتعليم هؤلاء، حتى يخرجوا طائفة من أبناء المسلمين يحفظون كلام الله ويطبقونه؟!.
وأين المعلمون من الإشراف على تلك الحلق، وتوجيه مدرسيها في طرق التدريس والتعليم، وتوجيه الطلاب لما فيه خيرهم وصلاحهم؟!.
وإذا انتقلنا من الحلقات، لنصل إلى مكاتب الجاليات، أتساءل في نفسي: أين دور معلمي اللغة الانجليزية؟! وأين مساهمتهم في مجال دعوة غير المسلمين؟!.
هذا العلم الذي وهبك الله إيّاه؛ لماذا لم تحرص على إفادة الناس منه، وزيارة مكاتب الدعوة والمشاركة معهم بما تستطيع؟!.
لقد أفاء الله عليك بمعرفة هذه اللغة؛ فلماذا لا تزكي هذه المعرفة؟!.
ولماذا تحرم نفسك الخير والبر والدعوة إلى الله تعالى؟!.
لم أشأ في مقالي هذا أن أحصي كل التخصصات ولكن هي نماذج تدل على غيرها، وتشير إلى بقيتها، وكما يقال: اللبيب بالإشارة يفهم.
والله المستعان،،،،،،
=============
الدفاع عن حرّاس الفضيلة
الخطبة الأولى(12/12)
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً). [الكهف: 5- 1].
أحمده سبحانه على إنعامه، وأشكره على إحسانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأفعاله، (ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). [الأنعام: 103- 102].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه ومصطفاه، وعبده ومجتباه، بعثه بالرحمة وبالهدى، والنور والضياء، والإسلام والتقى، بين يدي الساعة بشيراً ونذيرا، وداعي إلى الله بإذنه وسراج منيراً، فأقام الله به الحجة وأوضح المحجة، وأكمل به الدين، وأتم به النعمة، فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه من نبي كريم، وعلى أتباعه والتابعين وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله امتثالا لأمر الله عز وجل، ووصيته إياكم:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ). (آل عمران:102).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً). [الأحزاب: 71]
اللهم ارزقنا تقواك في السر والعلانية، ومراقبتك في الغيب والشهادة، وخوفك في المنشط والمكره، والسراء والضراء يا حي يا قيوم.
أيها المسلمون:
عوداً على بدء، ويتواصل الحديث، ويتجدد اللقاء عن الهيئات ودورها، ورجالها وأعمالها، وأعدائها وخصومها.
هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذلك الصرح الشامخ، وتلك المؤسسة العظيمة التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها علينا في هذه المجتمعات، فكانت نعمة ورحمة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يديمها ويزيدها، ويثبت أهلها، ويكبت أعداءها وخصومها، إنّه ولي ذالك والقادر عليه.
أيها المسلمون:
لقد ذكّرتكم بما هو حاصل بالساحة هذه الأيام من الحملة المسمومة، ومن المعركة المحمومة الذي شنت عبر صفحات الإعلام الداخلي والخارجي على هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورجالها، من خلال ما يشاع حولها من أكاذيب، ويلفق ضدها من تهم.
وحيث أن هذه الحملة المحمومة قد انتقلت عدواها إلى مجالس المسلمين العامة، فأصبحت حديث الناس الحادثة، وشغلهم الشاغل، وأصبحوا يرددون ما يسمعون، ويقرأون عن الهيئات وأهلها، وجدت لزاماً علي أن أعرض جملة من أشهر الشبه الذي يلبّس بها المبطلون على الهيئات وأهلها، والمصلحين والمجاهدين، والآمرين والناهين، لكشف زيفها ودحضها، وإبطالها والرد عليها، وبيان كذبها وافتراء أهلها، فإن المبطلين يفترون على الله الكذب، ويشيعون عن المصلحين والآمرين بأنهم غوغاء، وبأنهم متعصبون متعجرفون، خطر على المنجزات الحضارية، ويقولون عنهم بأنهم يتدخلون في الحريات الشخصية، ويقولون بأنهم ضد التقدم والتحضر والرقي، ويقولون بأنهم ضد الرفاهية الاجتماعية، ويشيعون عنهم بأنهم ضد الاقتصاد المتحضر، وبأنهم ضد الإعلام، وبأنهم ضد تعليم المرأة وعملها، فهذه من أشهر الشبه التي سألقي الضوء عليها وأكشفها بعون الله وتوفيقه.
فالمبطلون يقولون ويروجون في إعلامهم أن المصلحين في المجتمعات الإسلامية متعصبون ومتزمتون، ومتعجرفون وجامدون، وبأنهم أصوليون، إلى غير ذالك مما نسمع من الألفاظ ونقرأها في الإعلام العالمي، وأحيانا المحلي.
فنقول: الله أكبر إنها السنن!.
ما دعا داعٍ لله عز وجل، ولا أمر آمرٌ بالمعروف ولا نهى ناهٍ عن المنكر، ولا سعى ساعٍ لإصلاح الفساد في الأرض إلا أوذي أذىً معنوياً ومادياً!.
وهل هناك أفضل من أنبياء الله عز وجل ورسله؟!.
وهل هناك خير من سيد الأولين والآخرين عليه الصلاة والسلام؟!.
إننا نجد في الكتاب العزيز كيف تجرأ المبطلون وأطلقوا على النبيين خيرة خلق الله ألفاظ الشماتة والكذب والبذاءة، لأنهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، هذا نبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان بشهادة الكفار خصومه كان الصادق الأمين، صلوات الله وسلامه عليه، وهم الذين سمّوه بهذا الاسم وأطلقوه عليه.
ولما كان ساكتاً ومعرضاً عنهم، كانوا يصفونه بالحكمة والرزانة والتعقّل، فلما أمرهم ونهاهم، صلوات الله وسلامه عليه، ما تركوا لفظاً من قاموس السب والشتم إلا وصموه ووصفوه به، عليه الصلاة والسلام، فقالوا عنه: إنه كذّاب، وقالوا عنه: إنه مجنون، وقالوا عنه: ساحر، وقالوا عنه: إنه مريد، وقالوا عنه: كذا وكذا، إلى غير ذالك مما نقرأ في كتاب الله عز وجل.
أيها المسلمون:(12/13)
إننا في زمان انقلبت فيه الموازين، وانتكست المقاييس، فهذا الذي يغار على دين الله عزّ وجل، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويصلح الفساد في الأرض، يُطلقُ عليه: أنه رجعي، وأنه أصولي، وأنه خطر على المنجزات الحضارية، أما المواطن الصالح فهو الساذج الذي يساير الناس على أوضاعهم، ويوافقهم على أهوائهم، لا يقول في شيء فعلوه: لما فعلتموه؟!، ولا يقول في شيء لم يفعلوه: هلا فعلتموه، هذا هو المواطن الصالح، وهذا هو صاحب الحكمة والرزانة والتعقل عندهم، ولو كان غافلاً ساذجاً، بل ولو كان منافقاً فاجراً، ولو كان علمانياً مارقاً هو مواطن صالح.
فعجباً، والله عجباً!
وبمثل هذا وُصف الرسلُ، ألم تسمع في كتاب الله عز وجل كيف وصف فرعون موسى عليه الصلاة والسلام؟! فقال عنه: (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ). [غافر: 26]. وقال فرعون عن نفسه: (وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ). [غافر: 29].
عجبا والله! فأيّ رشاد عند فرعون؟!. وأي فساد عند موسى؟!.
لكنه الكذب والتزييف وقلب الحقائق.
سلام على الدنيا، سلام على الورى ... إذا أرتفع العصفور وانخفض النسر.
ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً ... تجاهلت حتى ظُنِّ أني جاهل.
فواعجباً؛ كم يدعي الفضل ناقص! ... وواعجباً، كم يرتضي النقص كامل.
ومما يطلقه المبطلون على المصلحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ويصفونهم به: أنهم يتدخلون في حريات الناس الشخصية!.
وجواباً على ذلك نقول: إن الحرية الشخصية للمسلم مكفولة بكتاب الله عز وجل، ومضمونة بسنة رسوله صلي الله عليه وسلم، ومحمية بشرع الله عز وجل، والمصلحون بهذا المفهوم أول من يفهم الحرية الشخصية، بل ويطبقها ويدافع عنها، فهم يسعون لردع الذين يعتدون على حريات المسلمين، فيعتدون على أموالهم بالنهب والسرقة، والابتزاز والرشوة والأكل بالباطل، ويقاومون الذين يعتدون على أعراض المسلمين بالدياثة والدعوة للفاحشة، وبالمعاكسات وغير ذلك.
هذه هي الحرية الشخصية التي نجدها في كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم، لكن القوم يريدون حرية شخصية من نوع أخر، يريدون حرية شخصية متفلتة لا ضابط لها ولا قيود، متفلتة من كل دين، متحررة من كل قيمة وشيمة، يريدون فوضى أخلاقية واجتماعية، كتلك الحريات الموجودة في أمم الغرب والشرق من دول اليهود والنصارى، فالبارات والداعرات، ومؤسسات الفجور، تفتح أبوابها على المصاريع، والرجل يخرج عارياً جهاراً نهاراً؛ يشرب الخمر، والمرأة تخرج متحللة متبرجة، متعرية يحتضنها الرجل ويقبلها، ويلثمها أمام الناس، وكل عشيق وعشيقته، وكل صديق وصديقته، وكل خليل وخليلته!.
هذه هي الحرية التي يريدها أولئك الناعقون، الذين ينعقون بالصحف الداخلية والخارجية، شنشنة نعرفها من أخزم، وهذا الأمر كما قاله أسلافهم الذين وقفوا في وجه الأنبياء والمصلحين: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ). [هود: 87].
إن الحرية بهذا المفهوم مرفوضة رفضاً باتاً، وكلنا حرب عليها، وكلنا ضدها.
إنها ليست حرية، إنها فوضى وتحلّل، فوضى أخلاقية واجتماعية.
إنها استئسار لعادات اليهود والنصارى، استئسار لمبادئ أمم الغرب والشرق، والكفر والضلال.
إنها اعتداء على حرية المجتمع المسلم بأسره.
نعم، فهذا الذي يشرب الخمر يعتدي على المحارم والأموال، لأنّه سكران، وهذه المرأة التي تخرج متهتّكة متخلّعة متعرية، تفتن الرجال، فيحدث من الفساد والفوضى ما الله به عليم، وكل هؤلاء يسعون في جلب العذاب الأليم للأمة وللمجتمع بأسره.
هؤلاء يستفتحون عقوبة عاجلة تحيق بالمجتمع كله، لأنه لم يأمر بالمعرف ولم ينه عن المنكر، فواجب علينا أن نقف في وجوه هؤلاء جميعاً.
أيها المسلمون:
إنّ الحرية بهذا المفهوم والفوضى بالأصح مرفوضة، حتى عند أولئك الناعقين المبطلين.
أرأيت لو أن أحداً اعتدى عليهم فأخذ شيئاً من مالهم، أو اعتدى على أعراضهم، ألا تثور ثائرتهم؟! وإن جاءهم بطريق الحرية، فالحرية المطلقة لا يعترف بها شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون:
ومما يشاع ويروّج ضد الآمرين والناهين المصلحين رجال الهيئات، أنهم: يقفون حاجزاً أمام التقدم والرقي الحضاري.
وكشفاً لهذه الشبهة وجواباً على هذا الأمر نقول: إنّ المصلحين أول من يدعون إلى الحضارة والتقدم، لكن الحضارة عندنا حضارة عامة وشاملة.
إننا نريد حضارة في الفكر، وحضارة في الأخلاق، وحضارة في السلوك، ونريد حضارة في الاقتصاد والعمران والهندسة، والمعامل والفضاء، وحضارة في الطب والصناعة، والتقنية وغير ذلك.
إننا ندعوا إلى الحضارة بمفهومها الشامل، وأن توفر الأموال لا أن تبدد باللعب والرياضة والسفه، وخير ما تبذل الأموال فيه بعد الدعوة إلى الله عز وجل في هذه المجالات.
إن المصلحين يريدون أن تكون الأمة المسلمة أمة رائدة قائدة، سائدة، بيدها خزائن الأرض بعد الله عز وجل، حتى تقود الأمة والبشرية بأسرها إلى الخير والسلام، يريدون أن تكون لهم الريادة والصدارة في الفكر وفي الاقتصاد، وفي الاجتماع وفي الصناعة، وفي الفضاء وفي كل المجالات.(12/14)
إن الحضارة الكاملة بهذا المفهوم نحن أول من يدعوا لها، والدليل على ذلك أنك ترى الصالحين بحمد الله، بل المصلحين سباقون إلى كل مجال، فالطلبة النابهون والتلاميذ النابغون والمثاليون في الطب والكيمياء، وفي الصناعات والحاسبات الآلية، غالبهم بحمد الله ممن تزين وجوههم اللحى، ومن أهل المساجد وأهل الطاعات من جند محمد صلي الله عليه وسلم، أما أولئك العابثون اللاهون فهمّهم إشباع الغرائز والحاجات الشهوانية.
أما الحضارة التي يُنظَرُ إلى حضارة الغرب كنموذج لها فليست عندنا حضارة!.
إنها انحطاط وارتكاس في الحضيض.
إنها حضارة ناقصة عرجاء، لأنها تمجد الصناعة والآلة، وتمسخ العقائد والأخلاق، تمسخها وتمسحها بالتراب.
إننا لا نرى الحضارة عبارة عن كتلة طين أو نفق أو جسر، أو صناعة أو صاروخ، أو بندقية، أو بئر معطلة و قصر مشيد، لا نرى الحضارة هذه الصناعات فقط، بل الحضارة عندنا مفهومها كامل وشامل، أما تلك فهي حضارة ناقصة، فلا يفرح بها أهلها: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ). [الشعراء: 131- 128].
أيها المسلمون:
ومما يلفّق ضد رجال الحسبة والأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمصلحين أنهم لا يريدون الرفاهية، وأنهم ضد الملاعب وأماكن الترفية، وأنهم ويريدون أن يحجروا على الأمة وعلى المجتمع.
وهذا وأيم الله كذب وافتراء، كذب صارخ، فإن المصلحين لا يمانعون، بل يرون أن من حق المجتمعات المسلمة أن لها حق في الترفيه البريء المنضبط، وفق تعاليم كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
إنهم لا يمانعون من الرياضة، لكن بحيث لا تعطى أكبر من حجمها، ولا تعتبر غاية تفسد بها عقول الشباب وأخلاقهم، إنهم لا يمانعون من وجود المتنزّهات والحدائق، لكن مع توفر الحشمة وفصل الرجال عن النساء وهكذا.
أمّا السواحل وغيرها، فلا يمانعون في الترفيه إذا ألتزم الناس بتعاليم كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أمّا أنّ يُجعل الترفيه ذريعة إلى الفساد والإفساد كما يريده المبطلون، وسيلة إلى إفساد الشباب، وسيلة إلى شغلهم عن قضاياهم، وسيلة إلى تبديد الثروات، وسيلة إلى الاختلاط، وسيلة إلى العري والتجرد، فهذا كلنا ضده، ولا يرتضيه عاقل فضل عن مسلم مؤمن، لأنه خطر على الأخلاق والقيم والشيم.
إن العري والتجرّد كلنا يجب أن نحاربه، كذلك الذي رأيته على بعض الشواطئ وفي بعض البحار، إذ أخذنا بعض الشباب الغيورين على دين الله من رجال الحسبة فماذا رأينا أيها المسلمون؟!.
والله، مشاهد مخازيه، تنذر بسيل عذاب قد أنعقد غمامه، وادلهم ظلامه.
ما أحلم الله على خلقه؟!.
ماذا رأينا؟! عري المرأة تلبس اللباس الذي لا يستر ربع الفخذ، ثم تجلس على ما يسمى بالشاليه أمام الرجال في البحر، تجلس جلسة القرفصاء فتبين ملابسها الداخلية، هذا ما رأيناه أيها المسلمون والذي لا إله غيره.
وأين؟! في شواطئ هذه البلاد المسلمة، والفتاة تلبس السروال إلى نصف الفخذ، وتمتطي القوارب البخارية، ثم ترى المطاردات والصراخ والمعاكسات، والحركات بين الفتيات والشباب، ولسن بصبايا، بل كبيرات عاقلات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أو يرضى هذا مسلم؟!.
أين الرقابة؟!.
أين سلطة الهيئات؟!.
أيها المسلمون:
ومما يوصف ويوصم به رجال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمصلحون والغيورون: أنهم ضد الاقتصاد.
وهذه كذبة أخرى، وافتراء آخر، فإننا نرى، وإن المصلحين يرون أن من أوجب الواجبات أن توفر الأموال وتحفظ، وأن يبنى للأمة المسلمة اقتصاد قوي يكفيها عن الاحتياج للغرب والشرق، ويلبي طموحاتها التنموية، ويلبي رغبتها التقدمية والصناعية.
إننا نريد اقتصاداً منضبطاً بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فلا ربا ولا ابتزاز، ولا غشّ ولا سرقة، ولا نهب للثروات.
أما المبطلون فإنّهم يريدون اقتصاداً حرّاً من كل دين وخلق، اقتصاداً لا بأس فيه بالربا، ولا بأس فيه أن يؤخذ بقوانين الغرب والشرق، والتي يسمونها القوانين المثالية.
فهل يرضى بهذا مسلم؟!.
إنهم يريدون كذلك الاقتصاد الذي قال عنه الكفار محاجّين لرسلهم: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ). [هود: 87].
ومما يلفقه المبطلون ضد المصلحين: أنهم لا يريدون الإعلام.
وهذا كذب أخر، وتسفيه للعقول، وتلاعب بها، فإن الأمة المسلمة بحاجة إلى إعلام قوي، إعلام ناضج، إعلام مخلص يديره العلماء الصالحون الغيورون، ولا يديره أعداء الأمة.
يريدون إعلاماً يعكس رغبة المجتمع، يعكس هموم المجتمع المسلم، وهموم المجتمعات المسلمة، يريدون إعلاماً يدعو إلى دين الله عز وجل وشرعه.
أما الإعلام الذي يدعو إلى الرذيلة، ويشيع الفاحشة في الذين أمنوا، فما يرضاه إلا زنديق أو كافر أو فاسق مجرم، أما المسلم فلا يريده ولا يرضاه، أن تسخر أموال المسلمين وأن يجعل الإعلام داعياً إلى الرذيلة، وأن يجعل ساحة لكل فاجر وفاجرة، الصور العارية، الدعايات التمثيليات المسرحيات التي تفسد عقول شباب الأمة رجالها ونسائها، فمن يرضى بهذا إلا ديوث على أخلاق المسلمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية(12/15)
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره، وأثني عليه وأستغفره.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم، تسليما كثيرا،
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً). [النساء: 131].
أيها المسلمون:
ومما يطلقه هؤلاء المبطلون المجازفون في حق المصلحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر: أنهم يقفون حاجزاً أمام تعليم الفتاة، وأمام عملها!.
وكشفاً لهذه الشبهة الداحضة نقول:
النقطة الأولى :
إن المرأة مكانها بيتها، وخير للمرأة أن تبقى في بيتها، رضي من رضي وأبى من أبى، والذي قال ذاك وبينّه، وحكم به هو ربنا سبحانه وتعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى). [الأحزاب: 33].
فمن أعترض على هذا أو سخط عليه، أو كرهه بقلبه، ولم يتلفظ بلسانه، فهو كافر بعد الإسلام، خارج بعد الإيمان، لأنه سخط شيئاً مما أنزله الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى يقول: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ). [محمد: 9].
النقطة الثانية:
أيها المسلمون:
إننا نقول: إن التعليم حق لكل أفراد الأمة رجالها ونساءها، فالمرأة المسلمة والفتاة المؤمنة لها حقها في التعليم كما بيّن صلى الله عليه وسلم، وجعل يوماً يجتمع فيه النساء، فيخرج إليهن صلوات الله وسلامه عليه، واعظاً ومذكراً، فالفتاة لها حقها في التعليم.
لكن: ما نوع هذا التعليم؟! تبينه النقطة الثالثة.
النقطة الثالثة:
لا بد أن يكون هذا التعليم الذي يُوفّر للفتاة المسلمة، لا بد أن يكون ملتزماً بشرع الله عز وجل، وأن يكون ملتزماً كيفاً ومكاناً وزماناً.
أما الكيف: فيجب أن تكون المناهج مناهج إسلامية، تعلم العقيدة وترشد إلى الفضيلة، وتصوغ الأفكار المؤمنة، وتحذر من الرذيلة، وتحذر الفتاة عن الفساد والإفساد.
يجب أن يكون التعليم خادماً لشرع الله عز وجل، أن تعلم الفتاة المسلمة كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا أن تعلم سير الكفار والكافرات، أن تعلم الفتاة المسلمة قصص الصحابة والتابعين، والمصلحين والأئمة والمجددين، لا أن تعلم قصص شكسبير وتوليستوي، وغيرهم من أئمة الكفر والضلال، وأن تعلم الفتاة المسلمة سير الصحابيات والتابعيات والمصلحات، والعالمات والفاضلات، لا أن تعلم سير الكافرات، سيرة كريستوفر كولومبس أو غيره من الكفار، كما حدث في أول هذا الفصل، عُمّم على الطالبات، وألزمت الطالبات أن تكتب كل طالبة عن سيرة مكتشفي أمريكا كريستوفر كولومبس!.
وماذا تستفيد المرأة المسلمة من هؤلاء الكفار؟!.
ماذا تستفيد من سيرة هؤلاء الكفار؟!.
أليس خيراً لها أن تعلم سيرة الصحابة والتابعين، والصحابيات والتابعيات؟! لا أن تعلم سيرة هؤلاء الكفار، ولا طريقة حياتهم، ولا تأليفهم، كـ: ( فرويد، و دور كايم، ودعاة الجنس والاختلاط).
إننا نريد أن تكون المناهج صالحة مصلحة، منضبطة وفق تعاليم كتاب الله عز وجل، ووفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما زماناً: فأن يجعل للمرأة زمان محدد تعلمُ فيه، لا أن تخرج من بيتها كل يوم، فليس من شريعة الله أن تخرج المرأة كل يوم غالب النهار، أو إلى منتصف النهار، ليس هذا من شريعة الله.
وما خرجت امرأة من بيتها كل يوم وعادت، إلا عادت ببعض حيائها أو بدون حيائها، إلا ما رحم الله عزّ وجل.
والرسول صلى الله عليه وسلم، بيّن للنساء وحدد يوماً يجتمعن فيه، أو أيّاما يجتمعن فيها، صلوات الله وسلامه عليه، والخير كل الخير في اتباع سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم.
وأما مكاناً: فأن تجعل الأماكن النزيهة المحافظة لتعليم الفتيات في المساجد، وفي الأماكن التي تحفظها عن اختلاط الرجال في الأماكن المحافظة، لا أن تعرض الفتاة المسلمة للاختلاط.
فهذا لا نريده، ولا يريده المصلحون، ولا يريده الغيورون، فضلاً أن تبتعث الفتاة المسلمة إلى دول الكفر والضلال!.
أيّ جريمة أعظم، وأي دياثة أكبر من أن يسمح للفتاة المسلمة بالسفر إلى بلاد اليهود والنصارى؟!.
أيها المسلمون:
والله، إنّ القلب ليحزن، والعين لتدمع، والفؤاد لينفطر مما نراه في تلك البلاد الكافرة.
الرجل المسلم المحافظ يخاف والله على إيمانه وعقيدته ودينه وأخلاقه، يخشى والله من الفتنة في بلاد لا تعرف الحلال من الحرام.
الرجل ببعض ثيابه يحتضن المرأة وعليها سراويل قصيرة، يلتصق جسده بجسدها أمام الناس، وهذا شيء عادي عندهم، ويقبل المرأة ويدلك جسمه بجسمها أمام الناس، عفواً على هذا التصريح أيها المسلمون.
هذا نراه في المطارات، ونراه في المجتمعات، فما ظنكم بالفتاة المسلمة ترى هذه المشاهد؟!.
ما ظنكم بها تعيش بين هؤلاء الكفار؟!.
أيها المسلمون:
أين ديننا وعقيدتنا ؟!!، والفتاة المسلمة زميلها يهودي أو نصراني يجلس معها في الصالة ، في الدراسة، يشاركها في المادة، فتى يهودي أو نصراني أو ملحد أو متحلل يلبس سرواله القصير لأن ذلك مشروع عندهم، ويجلس أمام المرأة المسلمة في الكلية في أمريكا أو بريطانيا، ويأتي بعد ذلك من يشرع سفر البنت المسلمة وابتعاثها إلى الخارج، تذهب مع محرمها كما رأينا ويعود المحرم، وتبقى وحدها تتنقل من ولاية إلى ولاية وا حسرة على العباد!.(12/16)
إنها مصائب تعيشها الأمة المسلمة.
ما ظنّكم بهذه الفتاة المسلمة إذا رجعت إلى بلادها وقد بقيت سبع سنوات وسط هذه المشاهد والمخازي، تدرس مع شباب اليهود والنصارى، تشاهد الرجال يحتضنون النساء؟!، هذا إن سلمت هي من الوقوع في هذه الأمور.
وكم عانينا من هؤلاء الساخطات اللاتي جئن بهذه الأفكار بعد أن درسنَ في الخارج، فجئنا متمرّدات يطالبن بالحرية المطلقة، وما حادثة القيادة عنا ببعيد، فلا يغالط المغالطون.
إنها دياثة والله، من يسمح بسفر الفتاة المسلمة إلى تلك البلاد؟!.
إنها دياثة على أعراض المسلمين، وعلى أخلاقهم وعوراتهم، من يقر هذا ومن يرضاه؟!.
ثم إذا تكلم الغيورون قالوا: أنت لا تريد تعليم الفتاة، تريد أن تحرمها من حقها في التعليم!.
من قال هذا؟!، تبّاً لكم وخسراً وبواراً.
إننا نريد تعليم المرأة لكن تعليما ملتزما بدين الله عز وجل، تعليما منضبطا وفق شرع الله سبحانه وتعالى، وأما غير ذلك فلا وألف لا، وكلا وألف كلا.
وهذا ما يقال أيضاً في عمل المرأة، نريد أن تعمل عملاً منفصلاً عن الرجال، عملاً يناسب فطرتها وما خلقها الله سبحانه وتعالى لأجله، بعيداً عن الاختلاط برائحة الرجال، فضلا عن أشخاصهم وعن أشكالهم، حتى لا تكون فتنةً ولا تفسد الأخلاق، ولا تتهدم القيم والمبادئ، ولا يحدث فساد كبير.
أمّا أن نجعل المرأة بين الرجال، ترأس أقسامهم الإدارية كما هو حاصل في بعض الأمكنة، وتجتمع معهم في الاجتماعات العامة مع المدراء، فمن يريد هذا أيها المسلمون؟!.
ومن يقر هذا ومن يرضاه؟!.
أيها المسلمون:
وإذا تكلم الغيورون، قالوا: هؤلاء متزمتون، هؤلاء كذا وكذا، وفيهم، وفيهم.
أرأيتم أيها المسلمون ماذا يدبر للفتاة المسلمة؟!.
قبل فترة من الزمن يتكلم مسئول عن غرفة تجارية ، عبر صحيفة المدينة، ويطالب بالخط العريض بالمزيد من ابتعاث المرأة المسلمة والفتاة السعودية، ويطالب بأن يوفر للفتاة السعودية وظائف في الخطوط السعودية، وفي البريد والهاتف، وغير ذلك بالخط العريض.
فماذا فعلنا؟! وماذا قلنا أيها المسلمون؟!.
يريدون أن تمثّل الفتاة المسلمة في هذه البلاد، مضيفةً تعرض لحمها وجسمها على الناس وعلى الرجال!.
يريدون أن تقف أمام الكمبيوتر لتقطع التذاكر، وأن تقود السيارة لتسعى في البريد!.
يصرحون بهذا ولا من ينكر، ولا من يسمع، ولا من يجيب!، فمن يرضى بهذا أيها المسلمون؟!.
ثم تشن الحملات المسمومة على رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل فهمتم هذا أيها المسلمون؟!.
هذه دعوتنا، وهذه مبادؤنا وهذه مطالبنا.
هذه دعوتنا حتى لا يلبّس الملبسون، وحتى لا يدحضوا الحق بالباطل، ولا يخلطوا الحق بالضلال.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، ابرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.
اللهم ولِّ علينا خيارنا، اللهم ولِّ علينا خيارنا، اللهم اكفنا شر شرارنا، اللهم اكفنا شر شرارنا.
اللهم أي مسئول صغيراً كان أو كبيرا علمت في وجوده خيراً فثبته ووفقه يا رب العالمين، وأي مسئول صغيراً كان أو كبيراً كان وجوده شراً على المسلمين، اللهمّ عجل بزواله وهلاكه، اللهم عجل بزواله وهلاكه.
اللهم عوّض المسلمين خيراً منه يا حي يا قيوم.
اللهم هيئ لهذه الأمة المنكوبة أمر رشد يعز فيها لطاعتك، وهيئ لها قائداً ربانياً يقودها إلى الخير، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم عليك بالمفسدين، اللهم عليك بالمفسدين.
اللهم إنّه طال ليلهم ونما زرعهم، وطال شررهم، واستطال شرهم، ولم يجدوا رادعاً ولا آمراً ولا ناهياً، اللهم عليك بهم يا حي يا قيوم.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم صلي وسلم على محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
============
التوبة: للداعية إذا أخطأ-1
التوبة: للداعية إذا أخطأ
أولاً: مقدمة
• لا أحد يجادل في كون الداعية بشرًا، يجري عليه ما يجري على كل البشر، من طاعة ومعصية، وذِكر وغفلة، وعزم وتخاذل.
• قال عز وجل عن أبينا آدم عليه السلام -وهو النبي الأول الذي خلقه الله بيديه وأسجد له ملائكته-: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [طه: 115].
• قال صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) [رواه أحمد والترمذي بسند حسن].(12/17)
• عن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه - وكان أحد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: (لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله، ما تقول؟ قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة في فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات). [رواه مسلم].
ثانياً: إمكانية حدوث الخطأ من الداعية
• داعية اليوم - لن يكون - أفضل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين وقعت منهم الذنوب والمعاصي، صغيرها وكبيرها، ثم تابوا عنها.
• إن حدوث الذنب من الداعية هو من طبيعة البشر، ولكن المصيبة هي الإصرار على الذنب، وعدم التوبة منه.
• قال تعالى في معرض وصفه للمتقين: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران135.
• وقد قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم). [رواه مسلم].
ثالثاً: أصناف المخطئين
حينما نتعرض للحديث عن أخطاء الدعاة، يجب أن نفرق بين صنفين:
الصنف الأول: الذين يُقبلون على الذنب ويقارفونه عن عمد وإصرار.
• يظهرون أمام الناس بصورة الأتقياء الورعين العابدين.
• إذا خلوا بأنفسهم، أتوا المعاصي والمنكرات.
• هذا هو الصنف الذي يقصده النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لأعلمنَّ أقواما من أمتي، يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباء منثورا، أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها). [رواه ابن ماجة، وإسناده صحيح].
• في هؤلاء يصدق قول الله عز وجل: {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }البقرة9
الصنف الثاني، الذين لا يتعمدون المعصية ولا يُبيِّتون النية لإتيانها.
• تقع المعصية منهم عَرَضًا نتيجة لحظة ضعف بشرية.
• ثم إنهم إذا أتوا المعصية لا يصرون عليها، بل يسارعون إلى التوبة والاستغفار منها، ويظل إحساسهم بالتقصير يؤرقهم، ويغتمون، ويصيبهم الهم الكبير.
• وما دام هناك إحساس بالذنب، ولوم من النفس، وأرَق وهَم وغَم من المعصية؛ فتلك علامات خير، تدل على حياة القلب وإيمانه.
رابعاً: ما يجب على الداعية فعله إذا وقع في معصية:
1. أن يجتهد في الإقلاع عن هذا الذنب ولا يصر عليه، ويتوب إلى الله عز وجل، وقد وعد الله عزَّ وجلَّ بقبول توبة التائبين، وغفران ذنوب المسيئين.
2. ألا يستصغر هذا الذنب ولا يستهين به؛ يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا.
3. ألا يتهاون بستر الله عليه وحلمه عنه وإمهاله إياه، فإنما ذلك يكون بسبب أمنه من مكر الله، وجهله بمكامن الغرور بالله.
4. ألا يرتكب المعصية أمام الناس؛ فإنه إذا فعل المعصية على أعين الناس الذين يعرفونه ويقتدون به، كبُر ذنبه وعظم، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: ويل للعالم من الأتباع؛ يزل زلة فيرجع عنها، ويحملها الناس فيذهبون بها في الآفاق، ولهذا السبب ضاعف الله عز وجل لنساء النبي صلى الله عليه وسلم عذابهن إذا أتين بفاحشة مبينة، كما ضاعف لهن أجرهن إذا قنتن لله وعملن صالحا، يقول عز وجل{ يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً{30} وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً{31} يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً{32} [الأحزاب: 30- 32].
5. أن يستر هذا الذنب أو العيب ولا يفشيه ولا يتحدث به لأحد، حتى لا يحرك رغبة الشر ونوازع المعصية، ويعين الشيطان على السامع أو من يصله هذا الكلام، وليس هذا من الرياء أو النفاق.
6. قد يخيِّل الشيطان للداعية أن في تحدثه بذنبه تواضعا وتحقيرا لنفسه؛ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه) [رواه البخاري].(12/18)
7. إن أرباب الحياء والأدب مع الله عز وجل، الذين يكتمون على أنفسهم، ولا يحدثون الناس بهفواتهم ويندمون عما حدث منهم من المعاصي، يقول عنهم صلى الله عليه وسلم: (إن الله يدْني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترْتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته) [رواه البخاري].
8. يجب أن يدرك الداعية الأسباب التي تؤدي إلى وقوعه في المعصية، ويحاول تجنب هذه الأسباب مستقبلا، ولا يعرض نفسه لها فيفتح عليه بابًا للشيطان.
9. ينبغي ألا تنهار معنويات الداعية بسبب ما وقع فيه من معصية، ولا ينبغي له أبدًا العكوف على جَلْد ذاته وتحقيرها لأنَّها وقعت في ذنب. نعم هو داعية، ولكنه لم يكن أبدا ولن يكون مَلَكًا معصوما؛ إنه بشرٌ عاديٌّ من بني آدم، ممَّن كُتب عليهم الجهل والخطأ والنسيان.
10. إن الداعية إذا أذنب أو أخطأ، فلا ينبغي أن يقعده ذلك الذنب أو الخطأ، ويمنعه عن ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل، بحجة أنه لم يعد أهلاً لها بعدما أذنب وأخطأ، فهذا باب من أبواب الشيطان يستدرج منه العبد.
11. إننا نعبد الله سبحانه، ولا نعبد الناس، وإذا أصلحنا ما بيننا وبينه سبحانه وتعالى، فإنه سيصلح ما بيننا وبين الناس.
12. على الداعية المبتلَى بالخطأ والذنب أن يتوجَّه إليه سبحانه وتعالى بالدعاء أن يُنسي الناس أخطاءه، ويصفِّي له قلوبهم، ويعلم أنه يتوب لله وليس للناس، ويهمه رضاه هو سبحانه، وليس رضا الناس.
13. ولا ينبغي أن يدع الداعية نظرات الناس تخترق نفسيَّته وتؤثِّر فيها، بل عليه أن يواجهها بكل شجاعةٍ ويتجاهل معانيها، ويتكلم وتعامل بكل ثقة، فإن تجاوز الناس النظرات إلى التلميح بالكلام أو التصريح، فعليه أن يخبرهم بما ذكرناه من سريان الجهل والخطأ والنسيان على كل البشر، وأنَّه ليس هناك أحد معصوم، وليس عيبًا أن تقع في المعصية، ولكنَّ العيب هو الاستمرار عليها، وعدم التوبة والاستغفار منها.
خاتمة:
1. وجوب الحذر من الوقوع في المعاصي صغيرها وكبيرها؛ لأنَّ الناس ينظرون إلى أخطاء الدعاة بعدساتٍ مكبِّرَة.
2. عادةً ما يحدث بسبب سوء الفهم، أو خبث القصد أحيانا، أن يلصقوا تلك السقطات بكلِّ الدعاة، ثمَّ تنسحب تدريجيًّا على الدين ذاته، ويكون السبب في هذا هو هذا الداعية الذي سمح لهم بأن يطَّلعوا على هَنَّاته وسقطاته.
3. لذا كان رسل الله عزَّ وجلَّ وأنبياؤه يُختارون من أوساطٍ طاهرةٍ نقيَّة، لها ماضٍ ناصع البياض ومُشرِّف، حتى لا يجد أعداء الدعوة ما يشوِّهونها به من خلال ماضي هؤلاء أو واقعهم.
4. يتجلَّى الدليل على ذلك واضحً في شخص النبيِّ صلى الله عليه وسلم، حيث كانت سيرته العطرة في قومه، وأخلاقيَّاته السامية، قبل البعثة وبعدها، كانت حائط صدٍّ أمام هجمات أعداء الدعوة، حيث لم يجدوا ما ينفُذوا منه لتشويه صورة الدعوة من خلال حاملها.
5. انظر إلى الحوار الذي دار بين هرقل قيصر الروم وأبي سفيان بن حرب قبل إسلامه حين دعاه هرقل ليسأله عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فكان ممَّا قاله هرقل: وسألتك: هل كنتم تتَّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فزعمت أن لا، فعرفت أنَّه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله.
6. ليأخذ الداعية نفسه بالعزيمة، متمثلاً قول الشاعر:
قد هيئوك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
المصدر: عندما يكبو الجواد-فتحي عبد الستار.
==============
البلسم المفقود
يعود الزوج إلى منزله منهكًا متعبًا قد أعيته متاعب الحياة ومتطلباتها، فتقابله الزوجة بوجه شاحب عابس يشكو هموم الأولاد ومسؤوليات المنزل، متذمرة من غياب زوجها الطويل عنهم، ومن رغبات وطلبات كثيرة لم تحقق، فلا يجد الزوج عندئذ بُدًّا من أمرين:
إما أن يصب عليها وابل همومه ومتاعبه في صورة غضب يهز كيانهما ويقضي على أنسهما لتنقلب حياتهما صحراء جرداء لا أنيس فيها ولا جليس، ويعيش كلا الزوجين في أقصى نقطة من الخط منعزلاً عن صاحبه أيامًا بل شهورًا، وربما أعوامًا، لا يلتقيان بالود فيها أبدًا!
وإما أن يتمالك الزوج نفسه ويلتمس لها العذر وينسحب بكل هدوء إلى مخدعه مستسلمًا لنوم عميق، وتبقى الزوجة تعاني الحسرة والهم والشعور بالتعاسة!.
وفي المقابل، قد تعاني أيضًا الزوجة من مسؤوليات رعاية الأسرة المتعددة، ومسؤوليات الزوج الجسيمة، وقد يكون ثم حمل يثقل كاهلها تحمله كرهًا على كره، وربما كانت عاملة خارج المنزل يستنزف عملها جهدًا ونشاطًا، وإذ بالزوج يفاجئها كل يوم بضيف وضيفين، وكل أسبوع بوليمة ووليمتين، فلا تكاد تنتهي من واحدة حتى تُعدَّ للأخرى، ثم نجده كذلك لا يتنازل عن أبسط حقوقه ولو كان تلميع حذائه أو تأخيرًا لفنجان قهوته، ثم تنفجر الحال بالزوجة إلى أن ترفع صوتها بالرفض لكل ذلك، فتشتعل نار الخلاف يؤججها إبليس بخيله ورَجله، حتى تكون نهايتها أمورًا لا تحمد عقباها وانهيارًا لصرح الزوجية، وتشتيت أولاد وتفريق بين زوجين..
من المسؤول عما حصل في الصورتين، الزوج أم الزوجة؟!
لا شك أن كلا الزوجين يتحمل جزءا من المسؤولية، وله دور لا بد أن يعيه في مثل هذه القضايا التي لا يمكن تمثيلها بموقف عابر، بل هي هم عميق تحتاج إلى فهم وبصيرة، وتفتقد إلى بلسم يضفي عليها الدفء والتفاهم والود.(12/19)
إن هذا البلسم المفقود، يمكن أن يكون قاعدة عظيمة تندرج تحته أصول حل الكثير من مشاكل حياتنا الزوجية، فكثير ممن يتصدون للكتابة في الإصلاح بين الزوجين وسبل حل المشاكل، يغفلون عن قضية مراعاة ظروف الشريك الآخر، لتمتلئ حياتهما بالحب والحنان، ويكون كل واحد عونا للآخر على أداء مهامه وواجباته وعيش حياته بهناء تام.
إن الزوج بدءًا يمر بظروف كثيرة لا بد أن تراعيها الزوجة وتقدرها ولو على حساب حقوقها، وكذلك الزوجة، فليست الحياة الزوجية ثكنة عسكرية لا بد لكل فرد فيها أن يؤدي ما عليه بدقة متناهية بدون أي تأخير، بل هي مودة ومحبة وأنس ورحمة، وآية من آيات الله في جعل الألفة بين قلبين غريبين مختلفين، قال تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) [الروم: 21].
ومن أمثلة تقدير الظروف في حياتنا اليومية:
قدري ظروف زوجك الداعية
تقدير ظروف الزوج إن كان داعية أو طالب علم، يصرف الكثير من وقته وجهده في دعوة الناس وإصلاحهم، أو يصرف جل وقته في طلب علم شرعي يتقرب به إلى الله تعالى ويدعو الناس على بصيرة، فهنا يتضاعف دور الزوجة لتسد كثيرًا من النقص الذي يخلفه غياب الأب، ولا بد أن تتحمل ذلك بصبر واحتساب، ولا تدع مجالاً للمقارنات بحال غيرها ممن أزواجهن متفرغون لمتطلباتهم، ولتنتظر عظيم الأجر والمنزلة الرفيعة عند الله في تهيئة المكان لراحة زوجها، وتتذكر الدور العظيم الذي قامت به خديجة - رضي الله عنها - في إعانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لتحمل أعباء الرسالة، كيف كانت تحمل له الطعام وهو يتعبد ويتحنث الليالي ذوات العدد في غار حراء.
وفي المقابل، ليقدر الزوج هذه التضحية وهذا الصبر من زوجته، وليعط أهل بيته شيئًا من وقته ويفرغ نفسه للجلوس معهم ومؤانستهم، ويحاول أن يعوض فترات غيابه الطويلة عنهم.
قدري ظروف زوجك مع أهله
ومنها تقدير ظروف الزوج مع أهله، وخصوصًا الوالدين، فقد يكونان بحاجة إلى عونه ومساعدته وجلوسه معهم، فعلى الزوجة أن تظهر الاحترام لهذا البر وتعينه عليه، مظهرة المحبة لهم والاعتناء بشؤونهم، وتلتمس العذر لزوجها إن قصر في حقوقها وحقوق أبنائها قليلاً لأجل هذه الصلة.
وبالمقابل، على الزوج أن يحرص على القيام بقصارى جهده في حقوق زوجته، ويقدر تنازلاتها ويخصها بشيء من اهتمامه وإكباره وتقديره، ويسمعها الثناء على إعانتها إياه في بر والديه وأهله.
قدري ظروف زوجك في عمله
ومنها تقدير ظروف العمل، فبعض الأزواج يكدح ويسعى ليلاً ونهارًا لجمع المال وتوفير الحياة الكريمة لأسرته، ولا شك أن هذا السعي سيأخذ جهدًا وطاقة، فلا بد من مراعاة الزوجة لذلك، وأن تعد نفسها لتخفف عنه أعباء الحياة، ويجد لديها متنفسًا لمتاعبه ونصبه طوال اليوم، وليكن حديثك عن المشاكل والهموم في وقت آخر مناسب.
وفي المقابل، على الزوج أن يضع نصب عينيه أن أولاده وأسرته أهم من المال، فلا يكن كل غايته فيضحي دونه بكل شيء، فربما سعى لجمع ثروة عظيمة على حساب راحته وتربية أبنائه، الذين ربما تمر الأيام لم يروه ولم يجالسوه، وربما أسلمهم لوسائل لهو مفسدة مضلة.
قدري ظروف زوجك المالية
قد يكون الزوج مدينًا أو قليل ذات اليد، ومع ذلك تصر الزوجة على كماليات ومظاهر ترهق كاهله وتزيد من همه، بدلاً من مساعدة الزوجة له والوقوف معه في كربته.
وفي المقابل على الزوج أن يكون كريمًا مع أهله قدر إمكانه، فلا يقبح الرجال مثل خصلة البخل الذميمة.
وفي الجانب الآخر، هناك ظروف تمر بها الزوجة لا بد من مراعاة الزوج لها، ومنها:
قدر ظروف زوجتك المريضة
الحياة لا تدوم على حال، وربما يصاب أحد الزوجين بمرض عضال يجعله طريح الفراش، فتتجلى حقيقة الوفاء والتضحية.
والزوجة في مرضها أو في حملها، تلتمس يد الزوج الحانية لتخفف معاناتها، فنجد البعض من الأزواج يهجر المنزل ويتركها تعاني مع الأولاد، وهناك من يصر على طلباته ويغضب لعدم تنفيذها مع علمه بمرضها، وربما أسمعها غليظ القول وأذاقها مرير الهجران، وهذا من سوء الخلق وقبح العشرة.
قدر ظروف زوجتك الداعية
إن النساء الداعيات وطالبات العلم فئة قليلة، وكثير منهن من يخبو نشاطها وتفتر همتها بعد الزواج، والسبب غالبًا يكمن وراء الزوج الذي لم تجد منه المرأة عونًا لها على الاستمرار؛ بل ربما كان قيدًا لها عن الانطلاق مع شدة الحاجة إلى جهدها ودعوتها.
ومع ذلك فهناك صور مشرقة لأزواج ضربوا أروع الأمثال في عون الزوجة على الدعوة وطلب العلم، فربما تكفل برعاية الأولاد لتحضر الأم درسًا أو تلقي محاضرة، فيجني الزوج من ذلك رقيًّا في فكر زوجته وصلاحًا في نفسها وبركة في حياتها، وآخر يشجع زوجته على حفظ قرآن أو طلب علم، وربما سهر الليل في ليالي امتحاناتها ليعتني برضيعها.
فلو وضع الزوجان نصب أعينهما التعاون معًا لخدمة دين الله وطلب رضاه، وليس لمكانة علمية أو اجتماعية، أو لنيل شهادة أو شهرة، لتسامت النفوس وارتقت الآمال وعلت الأهداف لتصل إلى جنة عرضها السموات والأرض.
قدر ظروف زوجتك العاملة(12/20)
هناك من تعمل لهدف سامٍ وغاية نبيلة في الدعوة إلى الله تعالى وإصلاح واقع النساء، وهناك من تعمل لتعين زوجها على مطالب الحياة، وهناك من اشترطت ذلك في عقد النكاح فحق عليه أن يسمح لها بالعمل، وهي مع ذلك تسدد وتقارب لكي لا تخل بإحدى الأمانتين، فلا بد من بعض المراعاة والتنازلات من الزوج، وليغض الطرف عن بعض التقصير، فقد يكون في عملها مصلحة بشغل وقت فراغها بأمور نافعة وأعمال مباحة، بدلاً من صرفه في أمور محرمة يجني عاقبتها هو وأولاده، فربما كان هناك خادمات ومربيات، والزوجة لا تعمل خارج المنزل ولا داخله، فلا يكون فراغها إلا مضيعة للوقت.
وعلى الزوجة أيضًا بالمقابل أن تحرص على القيام بحقوق زوجها على أكمل وجه، وأن تضع نصب عينيها عظم حقه عليها، وأن واجباتها نحوه أعظم من أي شيء آخر، وتسأل الله البركة في الوقت وتتعلم حسن تنظيم يومها، لتوازن بين عملها وبيتها.
أسس مهمة
وأخيرًا أختم بوضع بعض الأسس الهامة في ترسيخ قاعدة "تقدير الظروف بين الزوجين"، لتسير سفينة الحياة الزوجية بود وأمان بإذن الله تعالى وتوفيقه:
- الشعور بالمسؤولية تجاه الآخر، فما يعد نجاحًا لأحدهما هو نجاح لشريكه، وكذلك إخفاق أحدهما هو إخفاق للآخر، وبالتالي تتحد الجهود والأهداف فلا فرق بينها.
- التحمل والصبر، فسفينة الحياة عمومًا لا تسير إلا بهما.
- كظم الغيظ وامتصاص الغضب، بالكلمة الحانية واللمسة الرقيقة التي تزيل متاعب الروح وتنسي أحزان الحياة.
- فهم معنى القوامة للرجل بمعناها الصحيح، فهي مسؤولية وقيادة وتربية وترشيد، وقدوة حسنة وليست أوامر صارمة وطاعة عمياء.
- تحقيق السكن النفسي لدى المرأة، فالزوج يبحث عند زوجته عن السكن النفسي والألفة وراحة البال، فلتكن له صدرًا حانيًا وقلبًا عطوفًا، وليجد منها البسمة والخدمة والطاعة في غير معصية الله (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) [البقرة: 87].
- تحقيق الرفق في جميع الأمور، ففي الحديث عن عائشة - رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد الله عز وجل بأهل بيت خيرًا أدخل عليهم الرفق" [رواه أحمد].
- فهم النفسيات وكيفية التعامل معها، ومعالجة أمراضها وعللها، ففهم كل من الزوجين لطبيعة الآخر، ما يفرحه وما يغضبه، يجعل التعامل معه سهلاً والدخول إلى قلبه ميسورًا.
- التنازل عن الأهواء والرغبات، وهي في جانب المرأة أهم وآكد لتصل إلى رضا زوجها، ولا تستعجل الثمار فقد تأتي ولو بعد حين.
- الاحترام المتبادل بين الزوجين حتى في أوقات الخلافات.
- تعزيز الدور الإيجابي عند كل طرف وتذكر المحاسن والغض عن العيوب ومغفرة الهفوات والتغافل، فهو قارب نجاة لكثير من المشكلات بإذن الله.
أسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليكم بالسعادة في الدنيا والآخرة، وأن يقينا جميعًا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ويثبتنا على الحق وعلى صراطه المستقيم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
==============
المرأة المسلمة ودورها الدعوي والخيري (1- 2)
الحمد لله، وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعد، أما بعد
فإنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يخصّ النساء بتوجيهاته ونصائحه، ويحمّلهن مسئولية أنفسهن ومسئولية القيام بحقوق أزواجهن، ومسؤولية رعاية بيوتهن وأولادهن.
ولما كان على المرأة المسلمة واجبات ومسئوليات في هذه الحياة كان لابد من تذكيرها بذلك، وتأهيلها للقيام بالدعوة في أوساط النساء.
وفي هذا البحث الموجز سأتناول عدة عناصر تسهم في بيان أهمية هذا الدور، وكيفية تنشيطه، ومن ذلك :
أولاً: المساواة بين الرجل والمرأة في التكاليف :
يقول الله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). [آل عمران: 104]. ففي هذه الآية الكريمة يأمر الله تعالى الأمة الإسلامية ويكلّفها بأن تعمل على تكوين جماعة منها تقوم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أن كل أمة تتكون من الرجال والنساء، فخطاب التكليف في أصله شامل للرجال والنساء، ومجيئه بضمير المذكر للتغليب وهذا أسلوب معروف في اللغة العربية.
والقرآن الكريم بيّن قدرة النساء - إذا كن مؤمنات - على الدعوة إلى الإيمان بالله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ...الآية). [التوبة: 71]. كما أن القرآن بيّن قدرة النساء - إذا كن منافقات - على الدعوة إلى الكفر والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف, كما في قوله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ... الآية). [التوبة: 68].
ولم يقتصر القرآن الكريم على البيان النظري على قدرة المرأة على الدعوة بل إنه ضرب مثلاً عملياً لجهود المرأة الدعوية، سواءاً كان ذلك في جانب الخير أو جانب الشر كما ورد في نهاية سورة التحريم.(12/21)
أما السنة فقد أثبتت أثر المرأة في الدعوة إلى أي عقيدة، وذلك في أحاديث كثيرة منها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه". رواه مسلم، وكما في حديث المسئولية، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "... والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها". [رواه البخاري].
ومما سبق يتبيّن لنا المساواة في أصل التكليف، وأنّ من قضايا الإسلام ما لا يقتصر تبليغه على الرجل فحسب، بل إن المرأة المسلمة تتحمل قسطاً كبيراً من هذا التبليغ.
ثانياً: تأصيل دور المرأة الدعوي والخيري في الإسلام:
إن المتأمل في عموم رسالة الإسلام يدرك أنه لم يقتصر على تكليف الرجال بالدعوة إلى الله دون أن يحمّل النساء جزءاً من هذه المسئولية، ومن الأدلة على ذلك ما يلي:
1- وجود نصوص في الكتاب والسنة تفيد اشتراك المرأة بالدعوة مع الرجال في خطاب التكليف كما في قوله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ... الآية). [آل عمران: 104]. وقوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده... الحديث". [رواه مسلم].
2- وجود نصوص صريحة خاصة بتكليف النساء بالدعوة، كما في قوله تعالى عن نساء النبي: (وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً). [الأحزاب: 32]. وقوله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ). [الأحزاب: 34].
3- صعوبة دخول الرجال في مجتمع النساء ليروا الأخطاء التي تُرتكب بين النساء، لأنه يحرم عليهم الاختلاط بهن، وصعوبة قيام الدعاة من الرجال بالاحتياجات الدعوية للنساء.
4- وجود أعذار شرعية خاصة بالنساء لا يطلع عليها غيرهن, فهن أقدر على الإيضاح فيما بينهن.
5- وجود بعض المسائل الفقهية التي يصعب سؤال الرجال فيها، كما حدث مع المرأة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله عن كيفية الاغتسال من الحيض.
والمتأمل في تاريخ الإسلام يجد أنّه حافل بجهود المرأة الدعوية ومشاركتها في ذلك سواء كان بين الأبناء والبنات، أو بين النساء الأخريات في المجتمع الإسلامي.
وتاريخ أمهات المؤمنين وعدد كبير من الصحابيات والتابعيات خير شاهد على ما قدمته المرأة المسلمة من جهود دعوية، سواءاً كان ذلك في معارك الجهاد، أو ما روينه من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، أو بالدعوة وبالقدوة وبذل النصيحة.
وأما ما ورد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخصيص المرأة في خطاب التكليف بالقيام بالدعوة إلى الله فمنه ما رواه ابن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" إلى أن قال: "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها". رواه البخاري.
ثالثاً: لماذا ضعف عطاء المرأة المسلمة في المجال الدعوي والخيري في العصر الحاضر؟!:
بمقارنة حال المرأة الآن بما كانت عليه المرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة نجد الفرق الشاسع، وأن عطاءها قد ضعف كثيراً في المجال الدعوي والخيري، وذلك للأسباب الآتية:
1- عدم اقتناع غالبية المجتمع بمسئولية المرأة الدعوية، مما أدى إلى تسرب هذا المفهوم إلى المرأة نفسها.
2- جهل المرأة المسلمة بتعاليم دينها عدا بعض الأمور المتعلقة بأحكام الطهارة في الصلاة والصيام والحج.
3- المؤامرة التي يديرها أعداء الله في إضلال المسلمين وإبعادهم عن دينهم، وذلك عن طريق الغزو الفكري الذي يركز أولاً على إفساد نساء المسلمين خصوصاً، والمجتمع الإسلامي عموماً، فاستغل المفسدون كثيراً من النساء للدعوة إلى الضلال والفساد والفجور باسم الحرية والتمدّن.
4- فقدان القدوة أمامها - إلا من رحم الله - أدى إلى انصرافها إلى ما لا فائدة فيه، وترك مجال الدعوة والعطاء.
5- انهماكها في الجري وراء ملذاتها وشهواتها، وإيثار الدنيا على الآخرة.
رابعاً: المجالات التي يمكن أن تسهم فيها المرأة لدعم العمل الإسلامي:
هناك مجالات متعددة تستطيع المرأة المسلمة من خلالها أن تقوم بدور دعوي في المجتمع مثل:
أولاً: الدعوة داخل بيتها ويتضمن ما يلي:
1- تربية الأبناء لحمل الدعوة وحمايتها وذلك من خلال عدة أمور:
أ- بناء الأساس العقدي لديهم بتلقينهم كلمة التوحيد, وغرس محبة الله عزّ وجل, ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوسهم؛ ليقتدوا به في جميع أقوالهم وأفعالهم, وتعليمهم قراءة القرآن الكريم وحفظه وتجويده، وشرح بعض معانيه الصعبة، وتعليمهم الصلاة وأحكام الدين.
ب- تربيتهم على حسن اختيار الأصدقاء ومراقبتهم عن بعد.
ج- بناء الأساس الجسمي والخلقي والفكري لديهم.
د- ربطهم بالدعوة والدعاة، لتنمو في نفوسهم روح الدعوة إلى الله، والجرأة في مخاطبة الناس.
2- تربية البنات ليكن زوجات صالحات وداعيات وذلك من خلال ما سبق ذكره عن الأبناء إضافة إلى:
أ- تعويد البنات على الستر والحجاب الشرعي قبل البلوغ ليتعودن عليه.
ب- تعويدهن على صلة الرحم وزيارة الجيران، ودعوتهن إلى التمسك بدين الله تعالى.
ج- تعليمهن وتدريبهن على أمور البيت وتدبير شئونه.
3- مساندة الزوج وتشجيعه على العمل في ميدان الدعوة، وخير دليل على ذلك موقف خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها في مساندتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤازرتها له في تبليغ الدعوة.
4- دعوة الأهل والأقارب :(12/22)
والمقصود بالأهل: الوالدان والإخوة والأخوات، وأما الأقارب فهم الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وأبنائهم وبناتهم، وتكون دعوتهم بالأمور التالية:
أ- أن تكون نموذجاً للبنت البارة بوالديها, وهذه الصفة تزيد في محبة الوالدين لابنتهما, مما يساعد على تقبلهما للنصح والإرشاد.
ب- تحسين العلاقة مع الأخوة والأخوات، والبعد عن الخلاف، والتعاون معهم على خدمة الوالدين ورعايتهما.
ج- نشر الوعي الثقافي الإسلامي في البيت، واستغلال الجلسات الأسرية في طرح موضوعات مفيدة وهادفة للأسرة.
د- زيارة الأقارب مع تنبيههم للمخالفات الشرعية - إن وجدت - بأدب ولطف.
ثانياً: الدعوة داخل مجتمعها ويتضمن ما يلي:
أ- تبليغ الدعوة في دور العلم من مدارس وجامعات ومساجد وتقوم الدعوة على:
1- التعرف على الزميلات في المدرسة، واختيار الصحبة الصالحة.
2- توثيق الصلة بهذه المجموعة الصالحة، والتعرف على أفرادها وأهاليهم، والتعاون معهن في المذاكرة وفهم الدروس، والتعرف على مشاكلهن الخاصة.
3- التخلّق بأخلاق الطالبة المسلمة القدوة، وتشجيع الزميلات على أداء الشعائر والفروض.
4- النصح والإرشاد لكل ما تراه من أخطاء ومخالفات شرعية، وكسب قلوبهن عن طريق الهدايا.
ب- تبليغ الدعوة في مجال العمل:
حيث ينبغي على المرأة أن تدعو إلى الله بحسب مجال عملها فإذا كانت مدرسة مثلاً فإنها لا تقتصر على المنهج الدراسي المحدد بل تربط بين المادة المدرسية والدور المطلوب من الفتاة المسلمة لخدمة ونصرة دينها، كما ينبغي لها التقرب للطالبات، وكسب قلوبهن، والتعرف على مشاكلهن الخاصة، والاتصال بأمهاتهن، والتعاون معهن على أسلوب التربية والتوجيه المناسب، وحل مشاكلهن.
أما إذا كانت تعمل في المجال الطبي فإنها تطمئن المريضة بقرب الشفاء والفرج من الله وأن هذا المرض ابتلاء من الله تعالى ليمتحن به إيمانها وصبرها، ويرفع به منزلتها في الجنة، كما ينبغي على الطبيبة أو الممرضة الإلمام بالأحكام الفقهية المتعلقة بعملهن, وكذلك الأحكام المتعلقة بطهارة وصلاة المريضة لمساعدة المريضات في أداء العبادات على وجه صحيح.
ثالثاً: الدعوة عن طريق خدمة الجهاد والمجاهدين في سبيل الله:
الأصل هو عدم مشاركة المرأة في القتال، ولكن سمح لها بالتطوع لأداء بعض الخدمات للجيش بما يناسب فطرتها؛ مثل مداواة الجرحى وسقيهم، وتحريض زوجها وأبنائها على الجهاد في سبيل الله, وكذلك المساهمة في الجهاد بمالها، أو جمع التبرعات للجهاد والدعوة إلى الله بكل الطرق المشروعة.
رابعاً: القيام بالدعوة من خلال الجمعيات الخيرية:
لقد شارك كثير من نساء الصحابة في بعض الأعمال الجماعية التي تتصل بالدعوة مثل مشاركة أسماء ذات النطاقين رضي الله عنها في الإعداد لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومشاركة أم عمارة وأسماء بنت عمر بن عدي في بيعة العقبة الثانية، وفي ذلك دلالة على جواز اشتراك المرأة المسلمة في العمل الإسلامي، وما تزال الأمة الإسلامية تقدم نماذج مشرقة للأخوات المؤمنات اللاتي يعملن في المجال الخيري.
ولست مبالغاً حينما أقول: إن مساهمة المرأة المسلمة في الأعمال الخيرية أكثر من مساهمة الرجل في كثير من المجتمعات الإسلامية.
خامساً: المؤهلات التي تحتاجها المرأة للقيام بدورها بشكل فاعل:
المؤهلات التي تحتاجها المرأة للقيام بدورها بشكل فعّال تشمل على علوم أساسية, وعلوم مساندة.
أما العلوم الأساسية فتشمل:
1-القرآن الكريم:
فتتعلم الداعية من كتاب الله كيفية الدعوة عن طريق سرد القصة القرآنية والمثل القرآني لإيقاظ الشعور الإيماني في النفوس، كما تتعلم عرض الدعوة بأسلوب الترغيب والترهيب، أو بأسلوب الاستفهام التقريري أو الإنكاري، وغير ذلك من الأساليب المناسبة.
2- التفسير:
إذا كان الناس عند نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى تفسير كلام الله عز وجل, فإن الناس في عصرنا الحاضر أشد حاجة إلى ذلك لفهم القرآن خصوصاً مع ضعف اللغة العربية عند معظم المسلمين والله المستعان.
3-السنة والسيرة النبوية:
لقد خص الله هذه الأمة وأكرمها بكنز نفيس جداً لا يوجد مثله لدى الأمم السابقة وهو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، التي نقلها لنا بأمانة وثقة الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان، فالمرأة المسلمة تجد في السنة والسيرة نماذج عملية لأساليب وطرق الدعوة وكمّاً هائلاً من الأحكام الشرعية.
4-علم العقيدة:
وترجع أهمية دراسة العقيدة للداعية إلى عدة أمور منها:
أ- أن التوحيد هو المحور الأساسي للدعوة, كما أن العبادة لا تصلح إلا به.
ب- أنه أول أمر كلف الله تعالى به رسله لاعتقاده وتبليغه للناس.
وإذا عرفت المرأة الداعية العقيدة الصحيحة فإنها بذلك تعد نفسها لتصحيح كثير من الأخطاء الشائعة عند كثير من المسلمين.
5-الفقه:
ينبغي للمرأة أن تتعلم الفقه لحاجتها الشخصية ولحاجة المدعوين كذلك, ويلزم المرأة الداعية المعرفة بقدر المستطاع بالأحكام الفقهية المتعلقة بالنساء, لأن الشريعة قد خصتهن بأحكام في الطهارة والصلاة والصوم والحج والعمرة وغير ذلك.
وأما العلوم المساندة التي تحتاجها المرأة المسلمة في دعوتها فتشمل:
1-اللغة العربية وآدابها:
تأتي أهمية اللغة العربية للداعية بسبب أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، وكذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم بلسان عربي فصيح؛ حيث آتاه الله جوامع الكلم، لذا فإن قوة الداعية في فهم اللغة العربية يؤدي إلى قوة الداعية في فهم نصوص الكتاب والسنة وكلام العلماء.
2-علم أصول الفقه:(12/23)
وهذا العلم مهم للداعية حتى تعرف كيفية استنباط الأحكام الشرعية من مصادر التشريع وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغيرها.
3-محاسن الإسلام:
وتتمثل في تعرف الداعية بمحاسن الإسلام من حيث الكمال والعموم والشمول، وأنه الدين الذي رضيه الله سبحانه لعباده، فإذا تعرفت المرأة الداعية على هذه الخصائص تولد عندها الشعور بالاعتزاز بهذا الدين مما يدفعها إلى القيام بالدعوة بعزم وتصميم وإخلاص وإيمان.
4-دراسة حالة العالم في الماضي والحاضر:
فحاجة الداعية إلى التاريخ تكمن في الاستفادة من تجارب الماضيين؛ صالحين وطالحين، والإحاطة بمصير كل فريق منهم.
أما معرفة الحاضر فتكمن في معرفة أحوال الناس وخصوصاً النساء، والاطلاع على الانحرافات الموجودة في أوساط النساء، والإحاطة بالمخططات الخبيثة التي يديرها أعداء الإسلام لإفساد المرأة وإخراجها من دينها، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره, فالتصور الصحيح يترتب عليه حكم صحيح، والحكم الصحيح يترتب عليه تصرف صحيح.
سادساً: المعوقات وكيفية التغلب عليها:
أ-الارتباط الأسري:
نظراً لارتباط المرأة المسلمة بولي أمرها من الرجال (الأب أو الزوج أو الأخ) فإن ولي أمرها قد يكون عائقاً للمرأة الداعية في أداء مهامها ومسؤولياتها الدعوية لأسباب منها:
1- عدم اقتناع ولي الأمر بمسئولية المرأة الدعوية، ويمكن التغلب على ذلك بتوضيح مفهوم الدعوة له، وإقناعه بالرفق واللين والصبر عليه، ولا بأس من الاستعانة بمن يؤثر على ولي أمرها سواء كان من الرجال أو النساء.
2- وجود انحراف في توجه ولي الأمر قد يكون سببه الشهوات أو الشبهات أو مزيج منهما، وعلاج ذلك الاجتهاد في دعوة ولي الأمر، فنصحه وإرشاده إلى الحق أولى من دعوة غيره كما في قوله تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ). [الشعراء: 214].
وأيضاً تحاول المرأة الذكية البحث عن السبل التي تمارس فيها الدعوة إلى الله دون التصادم مع ولي أمرها.
3- سوء استخدام القوامة، حيث يظن بعض الأزواج أو أولياء الأمور أن القوامة تعني التسلط والاستبداد والتعسف في إصدار القرارات الجائرة ضد المرأة، ومثل هذا النوع من الرجال يوضح له أن الطاعة بالمعروف, فإن للنساء مثل الذي عليهن بالمعروف, وأن المنتظر منه مساعدة المرأة الصالحة في دعوتها وتشجيعها، بدلاً عن منعها أو إعاقتها.
ب- الظروف الخاصة بالمرأة:
نظراً لتميز وضع المرأة في الإسلام وخصوصيته، فإن هذا قد يتولد عنه بعض المعوقات لنشاطات المرأة الدعوية، ويمكن التمثيل بما يلي:
1- انهماك المرأة في أعمالها المنزلية:
حيث يستهلك العمل المنزلي معظم وقت المرأة خصوصاً إذا كان لديها أطفال. وحقيقة فإن إدارة المرأة لبيت زوجها بشكل فعال وتربية أولادها تربية إيمانية صالحة أهم الوظائف الدعوية للمرأة المسلمة وقد وضح ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "... والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها". رواه البخاري.
2-الحياء والخجل:
والحياء أصله محمود خصوصاً للمرأة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحياء من الإيمان". وقال: "الحياء لا يأتي إلا بخير".
والحياء المحمود يمنع النفس من الوقوع في القبائح والرذائل، أمّا إذا كان الحياء أو الخجل يمنع المرأة من التفقه في الدين أو من الدعوة إلى الله فهو - بهذه الصفة - مذموم لأنه يمنع من حصول الخير، وقد أثنت عائشة رضي الله عنها على نساء الأنصار بقولها: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين".
3- المواصلات:
فرض الإسلام على المرأة الحشمة والبعد عن مواطن الفتن، ومن ذلك الخلوة بالرجل الأجنبي, أو السفر بدون محرم؛ لذا فقد يكون أحد المعوقات للمرأة في دعوتها قضية المواصلات والانتقال من مكان إلى آخر لإلقاء محاضرة أو المشاركة في نشاط خيري.
ويمكن التغلّب على هذا العائق بأن يقوم ولي أمر المرأة أو أحد محارمها بإيصالها بنفسه فيشاركها في الأجر والثواب, أو يمكن الاستعانة بسائق مسلم ثقة مع زوجته لإيصال المرأة إلى أماكن الدعوة أو النشاط الخيري.
فإن تعذر ذلك كله فإن المرأة يمكن أن تدعو الله وهي في بيتها عبر تربية أولادها, ودعوة الزائرات، وكتابة المقالات الإسلامية الهادفة, والدعوة بالهاتف، وباستخدام الانترنت، وغيرها من مجالات الدعوة المختلفة.
ختاماً:
نسأل الله العلي القدير أن يوفق المرأة المسلمة لتعليم أمور دينها، والعمل بها، والدعوة إليها، والصبر على الدعوة إلى الله عز وجل, فكفى بالدعوة شرفاً أنها مهمة الرسل، والأنبياء ما ورثوا درهما ً ولا ديناراً ولكن ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر، ولتتذكر المرأة المسلمة قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: "فو الله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم".
وفّق الله نساء المسلمين للعمل الجاد في سبيل نصرة هذا الدين ورفعة أهله ولو كره الكافرون, والله الموفق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
============
أفكار دعوية... مع الخدم(12/24)
* بإمكانك عزيزتي تشجيع الخدم في البيت على حفظ القرآن الكريم مثلاً بعض سور جزء عم أو آية الكرسي أو خواتيم البقرة، المهم تحددين مقداراً معيناً يتم تسميعه كل نهاية أسبوع حسب قدرتهم.وبإمكانك أن تشركي بهذا الخير الخدم الذين ترينهم مرة في الأسبوع أيضاً مثل خدم بعض أقاربك، خدم أهلك- أخواتك- إخوانك- ونحوهم فيعم الخير، وبالتالي تقدمين لمن حفظن هدايا تشجيعية رمزية تعينينهن بذلك على المتابعة. ولا تنسي أن توفري للخادم في المنزل مصحفاً مترجماً بلغته كي يفهم معاني كلام الله بشكل صحيح مع توفير بعض الكتيبات والأشرطة المترجمة التي يتعلم منها الخادم أمور دينه، فوالله عار عليك أي عار إن عاد لبلاده بعد أن مكث في بلد التوحيد سنتين إلى خمس سنوات دون أن يزداد معرفة بدينه ومحبة لربه، ومثل هذه الكتيبات والأشرطة تجدينها بسهولة في مكتب الجاليات ومكاتب الدعوة والإرشاد المنتشرة في كل مكان. تحدثي مع الخدم في المنزل ولو مرة واحدة في الأسبوع لمدة نصف ساعة إلى ساعة، واشرحي لهم أمور الدين الأساسية مثل كيفية الوضوء والصلاة الصحيحة والتحذير من الشرك بأنواعه والبدع المختلفة.الحديث عن الجنة والنار والقبر والقيامة والبعث والحساب، توضيح الكبائر ما هي؟ والترغيب في تلاوة القرآن وفهمه...إلخ. واحتسبي الأجر بأن يكون هؤلاء الخدم دعاة بين أهليهم إذا رجعوا إليهم فتكونين بذلك قد تجاوزت بالدعوة إلى الله جدران بيتك بل حدود وطنك إلى بلاد العالم البعيدة.أختاه.. ألا تشعرين بالخجل من الله عندما تقومين ساعة كاملة بتوبيخ الخادم لتقصيرها في بعض ما طلبتِه، بل ربما وبختِها أياماً متتالية ثم أنت بعد ذلك لا تكلفين نفسك خمس دقائق تقولين لها فيها يا فلانة بارك الله فيك لا تنسي أن تكثري أثناء عملك من ذكر الله فإن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ثقيلتان في الميزان، وسبحان الله وبحمده مائة مرة تكتب لك ألف حسنة و..... إلخ.
===========
دور الشباب المسلم تجاه المد التغريبي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
ففي هذا الزمان، علت صيحات منبوذة، وأفكار ممقوتة، تدعو بكل قوة وإصرار إلى اللحاق بركاب الغرب، من أجل إدراك الحضارة العظيمة - كما يزعمون - وكان من لوازم تلك النداءات: التخلي عن القيم والأخلاق، والتنازل عن العقيدة، وجعل الدين هشَّاً لا هوية له، وإنما جسدٌ بلا روح، بل أن بعضهم قد تطاول به الأمر، إلى أن ينسلخ من الروح والجسد، ليُصبح بلا ماهية.
و مع هذه الصيحات، كان على الأمة أن تتخذ الموقف الجاد، وتباشر العمل، في رد هذا العدوان، دفاعاً عن الشريعة، وحماية للتوحيد، وإزهاقاً للباطلِ وأهله، فكان الدور مشتركاً بين العلماء، وكلٌ بحسب طاقته ووسعه - على تفاوتٍ بينهم في ذلك - ولهذا أحببت أن أشارك في بعض ما يتعلق بالشباب من دور، على المدى القريب والبعيد، واخترت بعض الخطوات، التي تحتاج إلى توفيق الله أولاً، ثم الصبر والمصابرة على تحقيق تلك الأهداف، والتي ليست إلا مطيَّة للهدف الأكبر في هذه القضية، فإليكم هذه الخطوات في دور الشباب في مواجهة المد التغريبي:
أولا: الثبات والاستسلام لله:
لما أسلم عمر رضي الله عنه وأرضاه قال المشركون: صبأت؟!، فقال عمر: "كذبتم! ولكني أسلمت وصدَّقت" فثاروا إليه، فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم، وأعيى من التعب فقعد، فقاموا على رأسه وهو يقول: "افعلوا ما بدا لكم! أحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا".
كل هذا يحدث بعد إسلامه بلحظات!.
ولك أن تتأمل حين جاءه أبو سفيان وهو من أشراف قومه ليشفع له عمر الفاروق عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شد عقد الحديبية، فقال له معلناً البراءة من أعداء الله: " أنا أشفع لكم؟! والله الذي لا إله إلا هو لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به".
اجهر بصوتك أمام كل معاند: (إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ).
يجب أن يكون الشاب المسلم واثقاً بالمبادئ التي يحملها بين جوانحه، راسخاً في أفكاره رسوخ الجبال الراسيات، يستشعر دائماً معنى العبودية لله والانقياد له، ويعرض كل ما يستجد له على دينه فما خالف الدين نبذه ولو كان من أقرب الأقربين قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا).
إنّ مجرد الاتباع لا يكفى، بل إن الغاية هي الاطمئنان إلى العقيدة والسعي الحثيث للتأثير لا التأثر‘ وبهذا تكون القوة.
إننا في هذه الأيام نرى ونسمع في كل يوم من يدعو إلى تنحية كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، بتصريح أو تلميح!. وذلك من خلال دعواتٍ يُظهرها حثالةٌ من العملاء، ممن يدينون بالولاء لأسيادهم في الغرب والشرق!.
فأين هم من الصدِّيق رضي الله عنه وأرضاه إذ يقول: "لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت من أمره شيئاً أن أزيغ ".
(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).(12/25)
و لما أشار بعض المسلمين على أبي بكر رضي الله عنه بأن لا يبعث جيش أسامة لاحتياجه إليه، قال: "والله لو أن الطير تخطفني، وأن السباع من حول المدينة، وأن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين؛ ما رددتُ جيشاً وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حللتُ لواءً عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لو لم يبقَ في القُرَى غيري لأنفذته، أفأطيعه حياً وأعصيه ميتاً!".
فأنفذ رضي الله عنه جيش أسامة، ثم أعلنها حرباً على المرتدين، فقيل له: "إنهم يقولون: لا إله إلا الله، قال: والله لأقاتلنَّ من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عَناقاً أو عِقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه".
وهكذا نصر الله به دينه، فرضي الله عنه وأرضاه.
لقد أسلم ذلك الجيل، واستسلم وانقاد لحكم الله بلا خيار: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ). وبلا تنطع في البحث عن الحكمة والعلة؛ لأن ذلك ينافي التسليم والانقياد: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ). وبلا حرج في النفس عند تطبيق النص الشرعي، يقول تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
ولئن أخذنا نحن يميناً أو شمالاً لقد ضللنا ضلالاً بعيداً.
لم يكن هذا التسليم والانقياد مقصوراً على الرجال فحسب، بل كان للنساء فيه حظ وافر، وضربن بهذا أروع الأمثلة في الانقياد والاستسلام والثبات دون اكتراث لما يحدث في واقعهن، وهذا يتجلى حينما يختلط الرجال والنساء في الطرق عند الخروج من المسجد، فيقول صلى الله عليه وسلم كما ثبت في سنن أبي داوُد: "استأخرن؛ عليكن بحافَات الطريق". فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من شدة لصوقها به.
ثانياً: العلم الشرعي:
العلم، العلم. وأخص به العلوم الشرعية، ومن أهمها علمُ التوحيد الذي من أجله بعث الله الرسل إلى الناس قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).
إنك لو تأملت حال الغزو الذي تُحاك خططه بالليل والنهار من الأعداء في الداخل والخارج لوجدتَ مدارَه على أمرٍ واحد، وكله يدور في فلك الإطاحة بالثوابت، التي هي سر البقاء، عن عمر رضي الله عنه أنه قال "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله هذا". رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين.
نعم، هذا هو السر!. فكلما كان الناس إلى الله أقرب كانوا على أعدائهم أظهر وأغلب.
ولنتأمل في حال السهام الموجهةِ إلى صدورنا ومنابع عزتنا:
سهم موجهٌ إلى حلقات التحفيظ، أي (القرآن) الذي رفعنا الله به.
وسهمٌ يستهدف العقيدة الصافية.
وسهم يروم ذروة سنام الإسلام، وهو الجهاد في سبيل الله.
وسهمٌ مصوّب نحو الولاء والبراء، تلك المنزلة التي ضرب فيها الأنبياء والصحابة والسلف الصالح أروع الأمثلة، وقد خلّد القرآن شيئاً من ذكرهم لنسير على خطاهم، صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين ورضي الله عنهم.
وسهم آخر يتجه صوب المرأة، والتي يصلح المجتمع بصلاحها، فهي كالقلب للجسد، فكما أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، فإن منزلة المرأة في مجتمعها يتوقع منه هذه النتيجة: فإذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع كله، وهذا بالأخص في شأن الأم.
إن الحوارات المؤتمرات والمنتديات التي نرى العدو يسعى حثيثاً لإقامتها هنا وهناك باسم الثقافة والفكر والتواصل بين الحضارات ليست إلا فكرية الاسم عقدية المحتوى في غالبها.
و من هنا تأتي أهمية دراسة كتب العقيدة على منهج السلف الصالح رحمهم الله.
واليوم هاهم دعاة هذا المنهج المنحرف يحذرون العالم من الفِرقة والطائفة المارقة في نظرهم وهي الوهابية كما يسمونها، حيث ألصقوا بدعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب التهم والأباطيل والافتراءات والأقاويل، لأنهم يعلمون أن العقيدة الصافية الناصعة تشكل خطراً عليهم.
وخلاصة القول: إنّ العلم الشرعي هو السلاح، فلنتسلّح به لكي لا ننخدع بمقوله كل فاجر مارق.
روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان". [رواه أحمد في مسنده وابن حبان].
ثالثا: الدعوة إلى الله:
والله ما كان الغرب أو الشرق ليثور على البلدان الاسلامية لولا انتشار هذا النور المبين والسراج الوهاج - وهي الدعوة السلفية - في العالم.
فحينما أصبح الإسلام يشكل خطراً عليهم، تعالت صيحات الحاقدين منهم على الإسلام، وتنادوا بوقف المد الإسلامي الذي بدأ ينتزع منهم هيبتهم: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ).
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره: "والمقصود من أهل الكتب والعلم تمييز الحق من الباطل، وإظهار الحق ليهتدي بذلك المهتدون، ويرجع الضالون، وتقوم الحجة على المعاندين، لأن الله فصّل آياته، وأوضح بيناته، ليميز الحق من الباطل، ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين، فمن عمل بهذا من أهل العلم فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم". أ.هـ(12/26)
إذاً فكلٌ بحسب ما حباه الله من إمكانات، وما آتاه من قدرات، ولا عذر لنا في التقاعس عن نصرة دين الله تعالى والدعوة إليه، وأمم الأرض تنتظر منا إيصال الرسالة الربانية، ونشر هذا الخير العميم والكنز العظيم، والدلالة على الصراط المستقيم.
رابعاً: اليقين بالحق:
يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "لا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها كما قال تعالى: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا)".
قال بعض المفسرين: "هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة".
فلا يضق صدرك بما ترى وتسمع ولا تأبه كثيراً بما يقوله المرجفون المنافقون لأن الله تعالى يقول: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ).
ولا شك في أن وعد الله بالنصر واقع قاطع جازم: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا). وكلمة الله قائمة سابقة (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ). وهذه حقيقة ثابتة، فلله الحمد.
خامساً: صفاء مصدر التلقي لدى المسلم:
إن على المسلم أن يتلقى من الدستور الذي ارتضاه الله له، وهو أكمل دستور وأصفى منبع وأعذب منهل قال تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
وهذا هو الثبات الحقيقي وهو الانتصار الذي هو مطلب كل إنسان، فحقيقة الانتصار أن تموت وأنت على مبادئك دون مساومة، ودون تنازل أو تراجع عن الحق.
ثبت عند البخاري من حديث عبدِ الله بن سَلامٍ قال: "رأيتُ كأني في روضةٍ، ووسَط الروضةِ عمودٌ، في أعلى العمود عروةٌ، فقيل لي: ارقهْ، قلت لا أستطيع، فأَتاني وصيفٌ فرفعَ ثيابي فرقيتُ، فاستمسكتُ بالعروة، فانتبهتُ وأنا مستمسكٌ بها. فقَصَصْتها على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمودُ عمودُ الإسلام، وتلك العروةُ العروةُ الوُثْقى لا تزال مستمسكاً بالإسلام حتى تموت".
اللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا.
لقد حرصت الشريعة كل الحرص أن تُبعد أبناءها عمّا يزعزع هذا المبدأ، ويهز تلك الحقيقة، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت في أصحابه هذا الأمر حتى بعد إيمانهم بسنوات، تأكيداً منه صلى الله عليه وسلم على ضرورة استصحابه، بل كان يأطرهم عليه، ويحذرهم من مصادر التلقي الأخرى.
روى الإمام أحمد في مسنده والدارمي في سننه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسخة من التوراة، فقال: يا رسول الله! هذه نسخة من التوراة، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل عمر يقرأ، ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم- يتمعّر ويتغيّر، فقال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: ثكلتك الثواكل يا ابن الخطاب! ألا ترى ما لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.".
وفي رواية: "أن عبد الله بن زيد قال: أمسخ الله عقلك! ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!، فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فقال صلى الله عليه وسلم: أمُتَهَوِّكون فيها يا بن الخطاب؟! ألَمْ آتكم بها بيضاء نقية؟! والذي نفسي بيده! لو بدا لكم موسى فتبعتموه وتركتموني لضللتم سواء السبيل، والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني".
سادسا: الالتفاف حول العلماء الربانيين:
لأنهم أفقه الأمة، وأبرّهم قلوباً وأعمقهم علماً وأصلحهم تصوراً، فلا نجاة للأمة إلا بهم إذا أنهم ورثة الأنبياء، والعلماء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنّما ورَّثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر.
إنّ العالم الرباني هو خير ما يُرجع إليه عند تلاطم أمواج الفتن، والتباس الحق بالباطل لما يحمله من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
إن العلماء يُبصرون مالا يُبصره طلاب العلم وعامة الناس، بل أنهم يُبصرون ما يخفى على كثيرٍ من كبار طلاب العلم.
وللعلماء مواقف في الشدائد وقف التاريخ متعجباً لها وخلّدها في جبين صفحاته، علماء عاملون دعاة مخلصون، ربانيون راسخون لقد كان علماء الإسلام في المحن من أشد الناس ثباتاً على الدين وأقوى تمسكاً بالسنة، فالمواقف ليست إلا جرعاً تزيد في صلابتهم وقوَّتهم.
سأل الشافعيَّ رجلٌ عن مسألة، فأفتاه بقول النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فقال الرجل: أتقول بهذا؟! فارتَعَدَ الإمام الشافعي، واصفر لونه، وقال: "أرأيت في وسطي زناراً؟! أرأيتني خرجت من كنيسة؟! ويحك! أيُّ أرض تقلني، وأي سماء تظلني إن رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم أقل به؟! نعم! أقول به وعلى الرأس والعينين، متى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ولم آخذ به، فأشهدكم أيها الناس- أن عقلي قد ذهب."
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).
قال بعض المفسرين: "أولو الأمر هم العلماء والامراء".(12/27)
وفي تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ). قال السعدي رحمه الله: "أي يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة". أ.هـ
ولأن العلماء فهموا مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم كما فهمه السلف الصالح، فهم أقوى الناس ثباتاً على هذا الدّين.
وللأسف ينادي بعض المنافقين التغريبيين اليوم بدعوة جديدة وهي أن نبقي النصوص كما هي، وأن نرجع إليها، لكن بفهمنا بما يوافق مقتضيات العصر – بزعمهم - لا بفهم أسلافنا، وهذه دعوة خبيثة.
إذا أردت أن تنظر إلى مكانة أمةٍ ما بين الشعوب فانظر إلى مكانةِ علمائها في المجتمع الذي يعيشونه.
لقد أصبح كثيرٌ من السفهاء من أمم الشرق والغرب، بل ممن هم بين ظهرانينا، أصبح كثيرٌ منهم يُجترئ على الثلب والطعن في علماء الأمّة، ونرى من الجهلاء انشغالاً بأخطائهم، وهذا إذا سلّمنا أنها أخطاء فقد تكون غير ذلك.
فكثير من الجهلة اليوم يُبيحون لأنفسهم الثلب في عالمٍ ما لأنه أخطأ!. وفي النهاية قد نجد المسألة التي جزم هذا الجاهل بأنها خطأ، ليست إلا مسألة خلافية أخذ الشيخ فيها بقول مرجوح. ومَن يسلم من هذا؟!.
ومما يؤسف له أن أهل البدع والخلل العقدي يُكنون لأئمتهم ومشايخهم الولاء والحب، وبعض أهل السنة إذا أتت المصيبة يبدأون بعلمائهم وقادتهم فيهاجمونهم، وهذا مما يندى له الجبين.
سابعاً: الاستعداد العلمي والإيماني لصدِّ التغريب:
لا أنصح الشباب بالخوض في النقاشات الفكرية في سنٍ مبكرة، وهذا أمرٌ انتشر في الآونة الأخيرة.
فقد نجد شاباً ضعيفاً من ناحية الرصيد العلمي، أو حتى بلا رصيدٍ من علم، نجده يحاول التصدّي لمثل هذه القضايا، فيستمع لهذه الشُبَهِ التي تُلقى في قلبه فتبقى منها رواسب تجتمع ثم تتراكم في قلبه شيئاً فشيئاً، حتى تأتي ساعة لا يجد إلا أن يخضع لمثل هذه الأفكار والآراء. وكم من رجل فاق الناس علماً وتقوى، فإذا به في طرفة عين ينكص على عقبيه، ويتخذ هواه إلهاً من دون الله، والله المستعان.
لقد أصبحت المجالس اليوم كأنها منتديات للمضرّة، يُطرح فيها الغث والسمين، فيتفرق الناس، وقد اكتسبوا ما يضرهم في دينهم ودنياهم، وما يحبط عملهم في أخراهم، فالحجة هي السلاح في مثل هذه المواضع، ومن لا حجة لديه فكأنما دخل معركةً بلا سلاح، فهو هالكٌ لا محالة.
و كم تأثر متأثر نتيجة جهله وإقدامه على مثل هذه الأمور من دون مشورة أو علم، فضلَّ وأضل.
و أخيراً:
هذا جهدي، فما كان من صواب فمن الله، وما كان من زلل أو خطأ فمن نفسي والشيطان.
أسأل المولى القدير بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُعز الإسلام والمسلمين، وأن يُمكّن لعباده الصالحين في الأرض، وأن يُصلح أحوالنا، إنه ولىُّ ذلك والقادرُ عليه.
و صلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
===========
تربية الأستاذ لتلاميذه (1-2)
الحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على نبينا محمد.. وعلى آله وصحبه أجمعين..
أما بعد.
فأني أقدم هذه القطوف المفيدة للأستاذ الذي جعل همه تعليم العلم والعمل، وغرسها في نفوس تلاميذه.. وللتلاميذ الذين يهمهم التلقي السليم المفيد الذي يثمر به نفوسهم العلم والعمل..
أسأل الله أن ينفعني وإخواني المسلمين به إنه على كل شئ قدير.. وصلى الله وسلم على خير المعلمين وعلى آله وصحبه خير من تلقى عنه وطبق ما تعلمه في واقع الحياة..
البحث الأول
قوة الصلة بالله
إن أول هدف يجب أن يضعه نصب عينه المعلم والمتعلم على السواء هو أن يكون الغرض من التعليم والتعلم قوة الصلة بالله، وعبادته سبحانه على الوجه الذي يرضاه؛ فإن عبادته هي الغاية من خلقنا، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}.
كيف تحقق قوة الصلة بالله؟
وتتحقق قوة الصلة بالله بأن يكون المؤمن كله لله تعالى كما قال عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
ولنفصل ذلك بعض التفصيل في الأمور الآتية:
ا- الإخلاص:
والمراد بالإخلاص: تصفية العمل وتنقيته من شوائب الشرك بالله تعالى، سواء كان شركا أكبر - وهو الذي قال الله تعالى فيه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ..} - أو شركا أصغر، ومنه إرادة الإنسان بعمله الرياء، أي: مراءاة الناس، كما قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.
وقال تعالى في الحديث القدسي: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه "، وقد أمر الله بالإخلاص في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في نصوص كثيرة، قال عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ".
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه؛ فان لم تكن تراه فإنه يراك "، وقال: " اتق الله حيثما كنت ".(12/28)
فعلى الأستاذ أن يحرص كل الحرص على الإخلاص، ومحاربة الرياء في نفسه وفي تلاميذه، وأن يذكروا أن المخلوقين مهما عظمت منزلتهم فهم مخلوقون لا يقدرون أن ينفعوه بشيء ولا يضروه، وأن يتذكروا عظمة الله الخالق الذي إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون؛ فان تذكر الأمرين - ضعف المخلوق وعجزه، وقوة الخالق وقدرته وعظمته - مما يعين على الإخلاص لله تعالى في الأعمال.
2- التلقي من أجل العمل بالعلم، لا من أجل الثقافة والترف العلمي والفكري، وإن كانت الثقافة ستحصل تبعا، وتتوسع آفاق فكر العامل، وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فما كانوا يتجاورون عشر آيات حتى يعلموهن ويعملوا بهن، وبفقد هذه الروح أو ضعفها في طلبة العلم كثر المنتسبون للعلم وقل العمل، بل وأصبح الفساد الذي يأتي من قبلهم أكثر من الفساد الآتي من عامة الناس، وقد قال الله تعالى عن اليهود الذين يعلمون ولا يعملون: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ..}، وقال تعالى عمن لم يعمل بما علم في هذه الأمة معاتبا ومنكرا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}.
فعلى الأستاذ أن يركز على تحقيق هذا المعنى في نفسه وفي نفوس تلاميذه؛ حتى لا يكونوا نسخا مكررة لغيرهم من عامة المسلمين.
3- موافقة الفعل للشرع، وعدم الزيادة والنقصان فيه.. أي: اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم- والبعد عن البدع، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ..}، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"، وقال: " صلوا كما رأيتموني أصلي "، وقال: " خذوا عني مناسككم؛ فلعلي لا أحج بعد عامي هذا"، وقال العلماء في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}: أخلصه وأصوبه، قيل: ما معنى أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل لا يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص ما قصد به وجه الله، والصواب ما وافق سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
4- الإكثار من قراءة كتاب الله تعالى مع تدبره وتفهم مراميه، وعرض الإنسان نفسه عليه ليعلم منه أهو سائر في طريقه - أي طريق القرآن - أم في طريق عدوه (الشيطان)، وينبغي أن يحافظ على ورد معين منه يوميا؛ لأن البعد عنه يورث القسوة في القلب والغفلة عن الله.
5- الإكثار من ذكر الله؛ المطلق منه والمقيد، والمراد بالمطلق: ما لم يقيد بزمان ولا مكان ولا عدد؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً}، " لا يزال لسانك رطبا بذكر الله "..، والمقيد: ما قيد بزمان، كأذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات، أو بمكان كأذكار مناسك الحج المعينة وغير ذلك، أو بعدد كالاستغفار مائة مرة ، والتسبيح ثلاث وثلاثين.
ويمكن الرجوع في هذا الباب إلى الكلم الطيب وصحيحه، والوابل الصيب، والأذكار للنووي، ورياض الصالحين، وغيرها من كتب السنة.
6- القراءة المستمرة في كتب السنة، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن السنة تفسر القرآن وتكمل ما أراد الله من عباده، والرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة العليا للمسلم؛ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}.. ( يراجع في ذلك الأمهات الستة، والترغيب والترهيب، ورياض الصالحين، ومشكاة المصابيح، وسيرة ابن هشام، ومختصر السيرة لمحمد بن عبد الوهاب، ومختصر السيرة لابنه أيضا، وفقه السيرة للغزالي، والغزوات لمحمد أحمد باشميل ) .
7- قراءة سيرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ باعتبارهم النموذج البشرى الذي طبق الإقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في أعلى صورة " جيل قرآني فريد ". (يراجع في ذلك تاريخ ابن كثير- البداية-، وغيرها كحياة الصحابة، وكذلك سيرة الدعاة العاملين في كل زمان ومكان.
8- المحافظة على الفرائض المكتوبة، من صلاة وصيام وحج وزكاة، وغيرها من الواجبات الأخرى، كبر الوالدين وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى: "ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه.."، حديث قدسي. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وفرض فرائض فلا تضيعوها".
9- الإكثار من نوافل الطاعات التي تعتبر حاجزا منيعا يحول بين الشيطان وبين تثبيط المؤمن من القيام بالواجبات، كما أنها تكمل النقص الذي قد يحصل في الفرائض؛ " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحبته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها.."، أي: أن الله يحيطه بعنايته وتوفيقه؛ فلا يستعمل نعم الله التي أنعم بها عليه إلا في طاعته.(12/29)
ومن أعظم النوافل التي ينبغي الحرص عليها وعدم التقصير فيها قيام الليل الذي حافظ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان وقوده الذي يمده بالصبر على البلاء والامتحان؛ { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً، إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً}.
والأستاذ الداعية إلى الله، والطالب الذي يعد للدعوة إلى الله في حاجة إلى تأمل هذه الآيات، والعمل بهن؛ للقيام بأعباء الدعوة والتكاليف الإلهية..
فالرسول صلى الله عليه وسلم - الذي ينزل عليه جبريل من السماء صباح مساء - كان في حاجة إلى الاتصال المتكرر بالسند الذي يؤيده؛ لتثبيت صبره وقوة احتماله؛ فأمر بقيام الليل من أجل ذلك: {قُمِ اللَّيْلَ.. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً}.
10- مجاهدة النفس للوصول إلى محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، المحبة الصادقة التي أرادها الله، والتي عبّر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار"، وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين ".
وتظهر محبة الله ورسوله ومن يحبه الله ورسوله عندما يقدم العبد رضى الله على سواه، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.
11- مجالسة الصالحين الذين يعينون على فعل الخير وترك الشر؛ فان في مجالسة أهل الضلال هو الخسران الذي يندم صاحبه في الدنيا والآخرة.. {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً}، وفي حديث أبي موسى المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا منتنة ".
وكم من أستاذ كان ظاهره الصلاح، ويعتبر مربيا فصار ضحية لبعده عن الصالحين واقترابه من الفاسدين، وكم من شاب صالح يعتاد المساجد ويؤمن بالله ورسوله والإسلام ويحب ما يحبه الله ورسوله هو في حمأة الرذيلة والإلحاد بسبب جليس سوء..؛ فعلى الأستاذ والطالب معا الحفاظ على مرافقة عباد الله الصالحين، والبعد عن صحبة أتباع الهوى والشيطان، وبذلك يمكن البعد عن المحرمات وفعل الطاعات وعدم إضاعة الوقت فيما يضر أو فيما لا ينفع؛ فقد خلق الله الليل والنهار {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً}.
12- الجد والمثابرة في طلب العلم من كتاب الله وسنة رسوله وكتب أهل العلم الذين يتمسكون بهما، ولا يقدمون عليهما قول أحد كائنا من كان، والتساهل في طلب العلم أو القعود عنه دليل للهبوط إلى الجهل والقعود عن معالي الأمور التي لا تنال بدون العلم.
13- زيارة القبور لتذكر أصل الإنسان وقيمة الحياة الدنيا، والموت والبعث، والحساب، والدعاء للمؤمنين بالوارد.
14- الإكثار من قراءة كتب الترغيب والترهيب وصفة الجنة والنار ونعيم القبر وعذابه وأحوال يوم القيامة، ومصائر الأمم كقوم نوح وعاد وثمود.
15- الإحساس القوي بالمسئولية الفردية أمام الله عن عمله في هذه الحياة، وعن أهله وأولاده وأقاربه وجيرانه وأصدقائه، بل أنه مسئول عن تبليغ دين الله قدر استطاعته، وذلك يحتم عليه أن يتحمل أعباء الدعوة إلى الله، مع استكمال أصولها من العلم والحكمة والبيان والصبر، وفي الحديث: " كلكم راع ومسئول عن رعيته "..
فلابد للداعية إلى الله - والأستاذ من أوائل الدعاة - أن يتحلى بما يأتي:
ا- الإخلاص.
2- القناعة التامة بما يدعو إليه.
3- العلم بما يدعو إليه من الكتاب والسنة.
4- العمل بما علم وكونه قدوة حسنة.
5- لين الجانب وعدم الغلظة.
6- الصبر على المحنة والابتلاء.
وعليه أن يركز على تحقيق الأمور الآتية في تلاميذه علاوة على ما مضى:
1- غرس الإيمان بالغيب، وتثبيته وتقويته بالحجج والبراهين المقنعة، ودحض الشبه التي يوردها أعداء الإسلام على ذلك.
2- تقوية الجانب العبادي على ضوء ما مرّ في تقوية الصلة بالله.
3- تمرينهم على البدء بالأهم فالأهم؛ اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
4- اختيارهم الأسلوب السهل عند دعوة غيرهم أو تعليمهم حسب المقام والأشخاص.(12/30)
5- مساعدة الطالب في نقله من البيئة الفاسدة إلى البيئة الصالحة؛ حتى يتمكن من السير في صراط الله، ويصبح هو أيضا قادرا على نقل غيره كما نقل هو.
6- إقناعهم بالاعتصام بحبل الله، والتعاون مع إخوانه المسلمين في كل أنحاء الأرض؛ من أجل رفع راية (لا اله إلا الله)، والقضاء على رؤوس الفتنة والضلال من أعداء الله مستعينا بما يأتي:
أ - التذكير بالأوضاع الكافرة التي أحدثت للعالم كله القلق والاضطراب، ومكنت للظلم والظالمين.
ب- التذكير بحالة المسلمين التي يعيشونها.
ج- التذكير بأمر الله ورسوله - صلى على الله عليه وسلم - بالتمسك بالجماعة، وأن من شذ شذ في النار.
د- التذكير بصفات الطائفة المنصورة التي تبدأ بالإيمان وتنتهي بالجهاد وطلب الشهادة من أجل تحقيق رفع راية الإسلام.
هـ- التذكير بأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم العهد على الجهاد، وينبغي أن يعينه بذكر الكتب والمراجع التي تفيده في هذا الباب وغيره؛ ليسير مع على النهج الصحيح.
البحث الثاني
عوامل تقوية صلة الأستاذ بتلاميذه وتقوية صلة بعضهم ببعض
إن ما عليه الأساتذة مع طلبتهم في المدارس النظامية من الجفاء والبعد عن الروح الودية والإخاء لا تقره الآداب الإسلامية.
فقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو المربي الأول لهذه الأمة، كما قال الله تعالى عنه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}، وكان أصحابه - رضي الله عنهم - يسرعون إليه كلما اعترضتهم مشكلة ليحلها لهم؛ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.
وكان صلى الله عليه وسلم من تعليمه لهم ونصحه إياهم يتفقد أحوالهم، ويزورهم في السلم والحرب، في البيت وفي المعركة، وهكذا كان أصحابه من بعده ساروا على دربه، وكذلك كان علماء الإسلام في كل جيل تربط بينهم وبين تلاميذهم الأخوة الإيمانية والمحبة؛ ولذلك أثمر عملهم وآتى أكله.
تربية الأستاذ لتلاميذه (2-2)
الحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على نبينا محمد.. وعلى آله وصحبه أجمعين..
تحدثنا في العدد الماضي عن عوامل تقوية صلة الأستاذ بتلاميذه ومنها ذكرنا أن علماء الإسلام في كل جيل تربط بينهم وبين تلاميذهم الأخوة الإيمانية والمحبة؛ ولذلك أثمر عملهم وآتى أكله.
ومما يحقق الإخاء والمحبة بين الأستاذ وطلبته، وبين الطلبة بعضهم مع بعض الأمور الآتية:
ا- التعارف:
وهو من الآداب الإنسانية العامة التي لا تستغني عنه الأمم والأفراد، ولا يمكن تحقيق العلاقات التعاملية بدونه، ولذلك كان التعارف من أهم الآداب الإسلامية التي ركز عليها القرآن في سورة الحجرات كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
والتعارف الإسلامي لابد أن يثمر الأخوة الإسلامية الحقة، والمحبة المتبادلة الصادقة؛ فعلى الأستاذ أن يحقق التعارف بينه وبين طلابه، ويتعرف على مشاكلهم ليحاول حل ما قدر عليه منها، ويعمل على إيجاد التعارف بين طلبته بعضهم مع بعض كذلك.
2- التناصح:
ومن العوامل التي تقوى الصلة بين الأستاذ وطلبته أن يتواصى معهم بالحق؛ فلا يسكت عن منكر وخطأ يراه في طالب، بل يسارع في نصحه سرا، فإذا اقتضى الأمر نصحه علنا نصحه، ويدربهم أيضا على أن يتناصحوا فيما بينهم؛ لأن في ذلك صلاحهم جميعا، بل وصلاح الأمة كلها؛ لأنهم إذا لم يحققوا التناصح فيما بينهم - وهم في ميدان التلقي والطلب - فسيكون الأمر كذلك عندما يدخلون في ميدان العمل والممارسة، وفي ذلك ما فيه من خطورة على مستقبل العمل للإسلام.
وعلى الأستاذ أن يتقبل نصح طلبته له أيضا؛ فهو بشر يخطئ ويصيب مثلهم، وإن كان المفروض أن يكون أقل منهم خطأ وأكثر صوابا، وعليهم أن ينصحوه ولا يترددوا في نصحه، وعلى الجميع أن يكون هدفهم من النصح محبة الخير للمنصوح عن إخلاص وتواضع، لا عن رياء وتكبر وتشهير.
(تراجع في هذا الموضوع الآيات والأحاديث المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ويراجع رياض الصالحين وغيره).
وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستقيم أمر المسلمين، وبدونه تضطرب الأمور وتنتشر الفوضى والظلم، ويسيطر الفسقة والطغاة.
3- التعاون على البر والتقوى، وحل المشاكل التي تعترض الأستاذ وطلبته:
وهذا يقتضي مكاشفة الطلاب الأستاذ، ومكاشفة بعضهم بعضا بمشاكلهم حتى يتعاونوا على حلها؛ لأن الفرد الذي تعترضه المشاكل في حياته إذا أخفاها في نفسه لا يمكن إخوانه من حلها؛ لعدم معرفتهم إياها، وقد تكون تلك المشاكل معوقة للفرد عن السير في دراسته إذا استمر، ولذلك ينبغي أن يبدأ الأستاذ طلبته بالسؤال عن أحوالهم تشجيعا لهم على إبداء ما قد يترددون في إظهاره ابتداء، وقد يعجز الأستاذ أو طلبته عن حل بعض المشاكل ولكن ذلك لا يمنع من إبدائها من أجل المواساة والتسلية والتواصي بالخبر.
4- الإسراع في حل أي خلاف قد يحدث بين الطالبة أو بينهم وبين الأستاذ:
مع التزام العدل، والابتعاد عن الإثارة والدعاوى الباطلة، أو التهم التي لا حقيقة لها؛ هروبا من الاتصاف بصفة المنافق " إذا خاصم فجر".(12/31)
5- ومما يقوي الصلة بين الأستاذ وبين طلبته، وبين الطلبة بعضهم مع بعض القيام ببعض الرحلات الخلوية؛ أسبوعية أو نصف شهرية، يبيتون في مكان واحد، وتستغل أوقاتهم فيما يعود عليهم بالفائدة، ويمكن أن يكون ذلك كما يلي:
- مدارسة القرآن الكريم وشيء من تفسيره.
- تلخيص بعض الكتب، أو كتابة بعض البحوث في موضوعات معينة تقرأ في الرحلة، على أن يكون التكليف بذلك قد سبق بوقت كاف.
- القراءة في بعض كتب الحديث لا سيما كتب الترغيب والترهيب.
- قراءة تراجم بعض الشخصيات الإسلامية من الأنبياء والصحابة والدعاة والمجاهدين؛ للاستفادة من حياتهم التطبيقية علما وعملا ودعوة وتحملا.
- الإكثار من ذكر الله الوارد مطلقا ومقيدا.
- مذاكرة بعض المشاكل التي تعترض الطلبة في سيرهم الدراسي أو الدعوة وحلها.
- القيام ببعض التمرينات الرياضية المفيدة.
6- الزيارات العادية وذوات الأسباب، مع تحسين الأوقات المناسبة، وعدم التثقيل على المزور.
7- تبادل الهدايا ولو قلّت؛ " تهادوا وتحابوا ".
8- أداء صلاة الجماعة في مسجد واحد.
9- اغتنام أي فرصة للقاء والاجتماع، ولو كان قصيرا، كصلاة الجماعة والركوب في سيارة واحدة.
10- حفاظ الأستاذ على مواعيده، وعدم تأخره عنها، وكذلك حفظ التلاميذ على مواعيدهم مع أستاذهم أو مواعيد بعضهم مع بعض بكل عناية ودقة، وعدم التساهل في ذلك؛ لما فيه من المحاذير الكثيرة، ومنها:
1- الاتصاف بصفات المنافقين التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم.
2- تضييع الوقت على الآخرين.
3- زعزعة ثقة زملائه فيه.
4- تفويت فرصة قد لا تعوض من الخير.
5- فتح أبواب قد لا تغلق من الشر.
6- وعلى الجميع مناصحة من تكرر منه ذلك حتى يتخلص من تلك الصفة الذميمة.
7- حفاظ الأستاذ على كتمان سرّ طلبته، لا سيما الشخصية منها، وعدم إفشائها، وكتمان الطلبة سر أستاذهم وسر بعضهم بعضا، فيجب على كل منهم عدم إفشاء سر أخيه، بل لا يجوز له إفشاء سرّ زوجته، بل سر نفسه الذي يستره الله عليه، وعلى الأستاذ أن يدرب طلبته على ذلك، ويبين لهم أن ذلك مهم في حياة دعوتهم، ولا سيما في الدول الكافرة المعادية للإسلام وللحكم بكتاب الله.
وقد كان الكتمان من الأمور الهامة في حياة الدعوة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يكتم أمره في مكة وفي المدينة عند الحاجة.
وليس معنى ذلك أن يجعل الدعاة إلى الله خوف الناس سببا لانزوائهم عن الناس، وعدم تبليغ الإسلام إليهم، كلا! بل معناه حماية الداعية نفسه وإخوانه من فتح الباب على مصراعيه لأعداء الله في غير البلاد الإسلامية.
فالعلم والعبادات لا تكتم.
(يدرس في هذا كتمان الرسول صلى الله عليه وسلم في غزواته من كتب السنة والسيرة، ورسالة الكتمان لمحمود شيت خطاب).
البحث الثالث
خطوات الدرس
ليس المراد هنا الدراسة النظامية في المدارس، فتلك لها منهجها ونظامها الخاص الذي قد لا ينفع الاقتراح في تعديلها، وإنما المراد هنا الحلقات المسجدية وغيرها من الحلقات التي لا يقيد الأستاذ وطلبته فيها إلا ما فيه مصلحة عامة تعود على الجميع بالفائدة، وأرى أن يتبع الأستاذ الخطوات التالية:
- قراءة بعض آيات القرآن يعينها لكل لقاء لاحق أحد الحاضرين في اللقاء السابق، ويكلف آخر بتحضيرها من كتب التفسير (كتفسير ابن كثير، أو في ظلال القرآن)؛ ليفيد زملاءه بها باختصار.
وينبغي أن تكون الآيات مناسبة للمقام؛ فالترغيب - مثلا - يناسبه آيات الوعد والثواب وصفة الجنة وصفات المؤمنين، والترهيب يناسبه ذكر الوعيد وصفات النار وأعمال الكافرين، وهكذا يقال في الإنفاق والجهاد والصبر والصدق والأمانة والعلم والعمل وغيرها.
- مناقشة عامة لما مضى في الدرس الماضي بذكر ما تم كما ينبغي، وما لم يتم مع ذكر العوائق التي اعترضت الطالب ومناقشة حلها، وعلى المقصر أن يعترف بتقصيره إن حصل دون جدال، ويعتذر بعدم التقصير مستقبلا، وعلى الأستاذ وبقية الطلبة قبول العذر وعدم التأنيب؛ فان تكرر فيعالج بالحكمة والأسلوب المناسب في الزمان والمكان المناسبين.
- البدء في دراسة الفصل المقرر، وينبغي تنوع الدراسة تنوعا يحقق هضمه من جميع الحاضرين، وفي الإمكان اتباع ما يلي:
أ - يعطي الأستاذ خلاصة للدرس السابق، أو يسأل الطلبة عن نقاطه الرئيسة؛ للربط بينه وبين الدرس الجديد، ويمكن أن يكلف بتلخيصه أحد الحاضرين أو كلهم، أو يجعل بعضهم يسأل وبعضهم يجيب.
ب- يذكر الأستاذ النقاط الرئيسية للدرس الجديد، ويطلب من كل طالب الكلام عن جزيئات كل نقطة على حدة، أو يطلب من كل طالب ذكر بعض النقاط الرئيسية، ثم يقسم الجزيئات على الطلبة كل واحد يتكلم على بعضها.
وعليه تتبع التلخيص أو الإجابة على الجزيئات؛ ليعلق في آخر الأمر على ما يراه يستحق التعليق، وللأستاذ أن يكلف أحد الطلبة بالقيام بالتدريس إذا رآه أهلا لذلك؛ ليتمرن طلبته على التدريس، ويصحح لهم ما يقعون فيه من خطأ، وعليه أن يبرز الجوانب المقصودة من الدراسة بشكل واضح حتى يتعود طلبته على فهم مقاصد الدراسة والتدريس.
ج- على كل طالب أن يحضر النقاط التي أشكلت عليه في كراسته، ولا يبدأ بالسؤال عنها، بل ينصت ويناقش إلى أن ينتهي الأستاذ من البحث الذي فيه نقطة الإشكال؛ فان فهم الإشكال من خلال المناقشة فيها وإلا سأل أستاذه، وعلى الأستاذ أن يجيب بوضوح إن كان عنده علم بذلك، وإلا طلب التأجيل ليبحث، وإذا كان عند بعض طلبته علم فعليه أن يمكنه من إبداء ما عنده؛ ليحصل التعاون بينه وبين طلبته.(12/32)
وعلى الأستاذ أن يحضر أسئلة على النقاط الصعبة لتنبيه الطلبة على فهمها وأن يسارع بالإجابة أو المساندة عليها إذا أحسّ عجز الطالب أو الطلبة عن الإجابة.
كما يجب أن يكون غرض الجميع الإفادة والاستفادة مع التواضع وعدم الترفع على الآخرين.
د- على الأستاذ أن يعوّد طلبته في ختام الدرس على الإدلاء بما سمعوه من الأخبار المهمة المتعلّقة بالعالم الإسلامي أو غيره، وذكر المقالات الإسلامية التي ينبغي اقتناؤها وقراءة ما ورد في ختم المجلس.
هـ- لا ينبغي أن يضن الأستاذ أو طلبته بالوقت للدراسة؛ فخير الأوقات ما استغل في طاعة الله، لا سيما ما يعود نفعه لعامة المسلمين، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً}.
و- وهناك أمر يجب التنبيه عليه، وهو أن على الأستاذ أن يكون ملما إلماما واسعا بالدروس التي يلقيها لطلبته، متمكنا من فهم مسائلها تمكنا كاملا، وأن يتوسع في المراجعة في الكتب المناسبة، ويحرص كل الحرص على عدم ظهوره بمظهر المتردد في فهم المسائل؛ حتى لا تضعف ثقتهم به، حتى لا يكون قدوة لهم في عدم إتقان مادة الدرس، كما أن عليه ألا يتردد عن قول (لا أدرى) فيما لا يعلم؛ لئلا يقع في مثل قوله:{وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ }.
البحث الرابع
أمور هامة ينبغي للأستاذ أن يمرن طلبته عليها
- الجد في الأمور والبعد عن الهزل والهازلين.
- الحرص على فهم عقيدة السلف الصالح من كتبهم، وبالأخص كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
- التعمق المستمر في فهم كتاب الله وسنة رسوله عن طريق قراءتهما المباشرة، والتدبر وقراءة التفسير وعلومه والحديث وعلومه.
- البعد عن التعصب الذي وقع فيه المقلدون الجامدون؛ فالحق أحق أن يتبع، وليس أحد من الناس معصوما إلا من عصمه الله، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجب ردّ ما اختلف فيه إلى الله ورسوله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
- تطهير المجالس من أقذار الغيبة وتجريح الأفراد والجماعات؛ فالوقت يجب أن يستغل في بناء الطالب وتعويده على الالتزام بالأدب الإسلامي، والتنفير عن الوقوع في أعراض الناس، وفي عيوب الإنسان نفسه ما يغنيه عن التفكه بعيوب الآخرين.
- وهذا لا يمنع من ذكر السلبيات التي تؤثر على سير الدراسة أو الدعوة، والتي يقع فيها بعض الأساتذة، ويقدر ذلك بقدره، على أن يكون المقصود التحذير من الوقوع فيها.
- عدم تضييع الوقت فيما لا ينفع أو فيما هو مهم على ما هو أهم، فضلا عن تضييع الوقت فيما يضر، وما أكثر ما يضيع طلبة العلم أوقاتهم في الكلام واللغو الذي لا فائدة فيه، إذا سلموا من الكلام الذي يجلب عليهم الإثم.
ومن صفات المؤمنين {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} وأمرهم تعالى بالقول النافع المفيد فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ".
واستعذاب الكلام فيما لا يفيد دليل فقدان الروح العلمية فليحذر العاملون ذلك كل الحذر.
البحث الخامس
عوامل تقدم الطلبة في دراستهم وارتقائهم
ا- أن يكون أستاذهم قدوة حسنة في التقدم والارتقاء.
2- أن يفهموا دروسهم (المنهج المقرر) أولاً بأول، فهما دقيقا شاملا، مع التطبيق العملي لما درسوه؛ فالتطبيق العملي يثبت العلم، وعدمه يسبب النسيان.
3- التركيز على كتاب معين في كل عام، يقرأ قراءة دقيقة من أوله إلى آخره، مع الفهم وحفظ القواعد والنصوص اللازمة؛ حتى يكون هذا الكتاب بمنزلة المتن لهذا الفن.
4- إعداد موضوعات وبحوث مناسبة لمراحل الدراسة وتكليفهم بإعداد شيء من ذلك.
5- تعيين بعض الكتب للمطالعة المستمرة، وأخرى للتلخيص.
6- أن يكونوا على صلة بما يجدّ من الكتب والموضوعات والمجلات والجرائد المناسبة والحوادث المعاصرة.
7- تنمية روح المسؤولية فيهم، والاستقلال لا التبعية والتقليد، مع ترسيخ التواضع فيهم، والاعتراف بالفضيلة لأهله.
8- متابعتهم متابعة دقيقة، ووضع كل منهم في مكانه المناسب في الوقت المناسب.
9- أن يقبل كل استفسار أو استشكال أو شبهة أو نقد أو اقتراح، ويناقش من تقدم بذلك مناقشة هادئة موضوعية مقنعة، ويسلم لصاحب الحق ويشكره على ذلك.
مع ملاحظة أنه يجب ألا يكون هم الفرد هو النقد أو القدح، وإنما مراده المصلحة والوصول إلى الحق.
10- تشجيعهم على القيام بجولات مستمرة للدعوة العملية.
11- وعلى الجميع أن يحاسبوا أنفسهم كل بمفرده كل ليلة قبل النوم؛ لمعرفة ما وقع فيه من الأعمال التي لا تليق بالمسلم، والتوبة إلى الله منها؛ لينطبق عليه قول رسول صلى الله عليه وسلم: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
البحث السادس
تدريب الأستاذ طلبته علي تنظيم الرحلات
من الأمور التي لا ينبغي للأستاذ أن يغفل عنها تدريب طلبته على تنظيم الرحلات؛ لما في ذلك من الفائدة لهم على تحمل المسؤولية وخدمة الآخرين، والإيثار والتضحية ويمكن إتباع الطريقة الآتية:
تعيين مجموعة من الطلبة، وتكليفهم بالتخطيط للرحلات مع توجيههم بما يلي:
ا- تحديد المكان والزمان (استعداداً وبدأ وعودة).
2- تحديد وسيلة النقل.
3- عدد المشتركين حسب الظروف والحاجة.
4- المال الكافي.
5- المنهج الثقافي وتوزيعه مع مراعاة شموله ومناسبته، ويركز على الهدف الذي أنشئت الرحلة من أجله.
6- تعيين الأساتذة الذين يمكن الاستفادة منهم.(12/33)
7- تقسيم المشتركين في الرحلة إلى لجان، كل لجنة تقوم بمهمة محددة واضحة، مع الحث على التعاون العام.
8- إرشاد أعضاء الرحلة إلى ما ينبغي اتخاذه من الحيطة في الملابس والبسط والأغطية أو غير ذلك.
9- ينبغي ألا تستمر مجموعة واحدة من الطلبة في التخطيط للرحلات كلها، بل يكون ذلك بالتناوب بحيث يعلم أن هذه المجموعة أجادت فهم التخطيط والتنظيم لرحلات؛ فتكلف بعدها مجموعة أخرى.. وهكذا، وليتمكن الأفراد كلهم أو أغلبهم من التدرب على ذلك.
10- يجب أن يوضح المكلف مراده توضيحاً كاملا، وعلى المكلف فهم ذلك وتوضيحه لمن يبلغهم عن الرحلة، وعلى الأفراد المبلغين فهم ذلك أو التأكد منه بالاستيضاح.
11- على كل واحد من أعضاء الرحلة أو مجموعة منها عدم تجاوز اختصاصهم؛ حتى لا تضطرب الأمور وتتمكن الفوضى وتستمر؛ فالنظام في حاجة إلى الالتزام، ومعرفة كل فرد أو جماعة حدودهم.
12- على كل لجنة حلّ مشاكلها بواسطة رئيسها وفيما بينها، وإذا لم يتمكنوا فليرفعوا أمرهم إلى المسؤول المختص حتى تسير الأمور بانتظام.
10- ولابد في الرحلة الخلوية - والليلية منها بالأخص - من كلمة سر يعرف بها الدخيل من الأصيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
============
العمل للدين مسؤولية الجميع
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على محمد بن عبد الله، الرسول الأمين:
إنّ مما زرعه الاستعمار وعززه الإعلام العربي الفاسد أن خدمة دين الله والدفاع عنه من مهمات المتدين فقط! وليس لغيره الدفاع عن شريعة الرب، وليس له صد الهجمات التي تستهدف العقيدة!.
و هذا والله من وساوسهم ومداخلهم على الصف الإسلامي.
ففي الغرب نجد المغني والمطربة، والراقصة، والممثل والممثلة، وعارضة الأزياء, نجدهم يقتطعون من مداخيلهم ورؤوس أموالهم الضخمة بغرض نصرة دعم التنصير والصهيونية، وغيرها من قضاياهم الخاسرة.
وفي المقابل لا يطلب المسلم العادي - و قلت العادي لأنهم جعلوه كذلك - من نفسه نصرة الدين، أو الدعوة إلى الله، أو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر, ولا يطلبه منه غيره, لأنَّ المجتمع رُوِّضَ على تتبع المباحات والملهيات، وليس من شأنه الدفاع عن دينه أو المبادرة لنصرة الحق.
أنا لا أطلب من المغني أن يبني مسجداً، أو من مروِّج المخدرات والسّموم أن يقيم داراً للأيتام, لأنني أعلم يقيناً أن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيّباً. ولكن الذي أعنيه هم عامة الناس من البسطاء، وغير المهتمين بالقضايا الكبرى، ممن يغلب عليهم الخير والاستقامة.
لماذا لا يُزرع في أذهانهم أنهم من جنود الله في الأرض؟!. وأنهم من كوادر نصرة العقيدة، والذب عن حرمها، والدفاع عن حدودها؟!.
لماذا لا يُعلَّم العامة أنهم المعنيون بقيادة المرأة، وخروجها، وتعريتها، بدعوى العمل والرياضة، والفكر والثقافة، والتعليم والابتعاث؟!.
لماذا لا يُناط بهؤلاء دورٌ في التصدي لكتَّاب الصحافة المنسلخين عن الفضيلة؟!.
لماذا لا يُعلَّمون أن نصرة الحق لا يُشترطُ لها مظهرٌ معين، أو وظيفةٌ معينة، أو درجةٌ محددة من العلم؟!.
لماذا لا يُعلَّم هؤلاء أن نصرة الدين تكون بالمال، وليس فقط بالنفس أو اللسان؟!.
إنّ المال يبني مسجداً و يوزع شريطاً، وأيضاً ينشئ موقعاً على الإنترنت للدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا ننسى هنا موقف ذلك الرجل النبيل، الذي أعطى الشيخ (سليمان الخراشي) مالاً، وقال للشيخ: " أنا لست (مطوعاً)، وأريد أن أدافع عن النبي صلى الله على وسلم، وأريدك أن تقيم موقعاً على الشبكة للتعريف بسيرة أكرم الخلق!".
إنّ عامة المسلمين لعبوا دوراً وقف التاريخ مشدوهاً أمامه، وذلك الموقف كان في تأديب الغرب والدنمارك بصورة خاصّة, وقد علم الغربيّون أنّ المسلمين يمثّلون طوفاناً هائلاً عندما يريد الله لهم ذلك.
إنَّ تحريك العامّة في قضية من القضايا عاملٌ استعملته كثير من الفرق في فترات مختلفة من تاريخ المسلمين, وهذا العامل كان في الاعتبار والحسبان بمكانٍ عند رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم، فعندما سأله بعضهم أن يقتل رأس النفاق عبد الله بن أُبَيْ بن سلول، قال صلى الله عليه وسلم: "لا، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه!".
إذاً فعلى أهل الحق أن يحرّكوا عامة المسلمين إلى نصرة دينهم والدفاع عن عقيدتهم, وعليهم أن يبنوا في قناعة هؤلاء العامّة أنّهم جزء من المعركة ضد الباطل، وأّنهم جزءٌ من النصر أو الهزيمة.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
===========
الفتاة المسلمة
مقدمة:
- لو دون المرء الأمور المهمة في حياته فسيجد قائمة طويلة.
- لكنه حين يعمد إلى ترتيبها حسب الأولويات فسيأتي في رأس القائمة أولاده و ذريته فهم أغلى من المال ، من الراحة ، من رغباته و شهواته. والدليل على ذلك يا بنتي أنه حين يمرض أحد أولاده مرضاً مزعجاً فهو يسهر و يسافر هنا وهناك و يدفع من أمواله ما يدفع بل ربما اقترض و استدان، كل ذلك من أجل و لده.
- لذلك فهو حين يخاطب و لده ويناصحه فسوف يكون صادقاً غاية الصدق ومخلصاً غاية الإخلاص و قديما ً قيل " الرائد لا يكذب أهله " .
يا بنتي
- واقع بعض فتيات المسلمين يدعوا للحسرة عليهن.
- تعيش في دوامة من الصراع.
- فتسمع تارة ذلك الصوت النشاز الذي يدعوها إلى الإرتكاس والتخلي عن كل معاني العفة.
- و تسمع أخرى الصوت الصادق يهز من داخلها هزاً عنيفاً ليقول لها رويدك فهو طريق الغواية و بوابة الهلاك.
- و تتصارع هذه الأصوات أمام سمعها وتتموج هذه الأفكار في خاطرها.
يا بنتي
- لنكن صريحين صراحة منضبطة بضوابط الشرع.(12/34)
- واضحين وضوحاً محاطاً بسياج الحياء والعفة لتكون خطوة للتصحيح و نقلة للإصلاح .
- بعيداً عن العاطفة وعن سرابها الخادع.
- لو كانت هذه الفتاة التي تقيم هذه العلاقة المحرمة منطقية مع نفسها وطرحت هذا السؤال.
- ماذا يريد هذا الشاب ؟ ما الذي يدفعه إلى هذه العلاقة ؟ بل ماذا يقول لزملائه حين يلتقي بهم ؟ و بأي لغة يتحدثون عني ؟
- إنني أجزم يا بنتي أنها حين تزيح وهم العاطفة عن تفكيرها فستقول و بملء صوتها إن مراده هو الشهوة و الشهوة الحرام ليس إلا.
- إذن ألا تخشين الخيانة ؟ أترين هذا أهلاً للثقة ؟
- شاب خاطر لأجل بناء علاقة محرمة، شاب لا يحميه دين أو خلق أو وفاء.
- شاب لا يدفعه إلا الشهوة أولاً و آخراً ، أتأمنه على نفسها بعد ذلك ؟
- لقد خان ربه ودينه وأمته ولن تكون هذه الفتاة أعز ما لديه.
- و ما أسرع ما يحقق مقصوده لتبقى لا سمح الله صريعة الأسى والحزن و الندم .
- وحين يخلو هؤلاء الشباب التائهون يا بنتي بأنفسهم تعلو ضحكاتهم بتلك التي خدعوها.
- أو التي ينطلي عليها الوعد الكاذب والأحاديث المعسولة.
يا بنتي
- إن الله حكيم عليم ما خلق شيء إلا لحكمة.
- لقد شاء الله بحكمته أن تكون المرأة ذات عاطفة جياشة.
- تتجاوب مع ما يثيرها لتتفجر رصيداً هائلاً من المشاعر التي تصنع سلوكها أو توجهه .
يا بنتي
- ماذا بقي في قلب هذه الفتاة من حب الله و رسوله و حب الصالحين بحب الله ( ماذا بقي لتلاوة كتاب الله و التلذذ به ؟ )
- أين تلك التي تنتظر موعد المكالمة على أحر من الجمر في وقت النزول الإلهي حين يبقى ثلث الليل الآخر !؟
- أين هي عن الوقوف بين يدي الله والتلذذ بمناجاته ؟
- إن هذا الركام الهائل من العواطف المهدرة ليتدفق فيغرق كل مشاعر الخير والوفاء للوالدين الذين لم يعد لهما في القلب مكانه.
- وبعد حين ترزق أبناء تتطلع لبرهم فلن تجد رصيداً من العواطف تصرفه لهم فينشئون نشأة شاذة و يتربون تربية نشازاً .
- إن العاقل حين يملك المال فإنه يكون رشيداً في التصرف فيه حتى لا يفقده حين يحتاجه.
- فما بالها تهدر هذه العواطف و المشاعر فتصرفها في غير مصرفها و هي لا تقارن بالمال، و لا تقاس بالدنيا ؟
يا بنتي
- لقد خص الله سبحانه و تعالى الفتاة بهذه العاطفة و الحنان لحكم يريدها الله سبحانه.
- ومنها أن تبقى هذه العاطفة رصيداً يمد الحياة الزوجية بعد ذلك بماء الحياة والاستقرار والطمأنينة.
- رصيداً يدر على الأبناء والأولاد الصالحين حتى ينشئوا نشأة صالحة.
- فلم تهدر هذه العواطف لتجني صاحبتها وحدها الشقاء في الدنيا وتضع يدها على قلبها خوفاً من الفضيحة في النهاية ؟
يا بنتي
- حين تعودين إلى المنزل.
- تفضلي على نفسك بدقائق فاسترجعي صورة الفتاة الصالحة القانتة، البعيدة عن مواطن الريبة.
- وقارني بينها وبين الفتاة الأخرى التي أصابها من لوثة العلاقات المحرمة ما أصابها.
- بالله عليك أيهما أهنأ عيشاً وأكثر استقراراً ؟
- أيهما أولى بصفات المدح والثناء تلك التي تنتصر على نفسها ورغبتها وتستعلي على شهواتها وهي تعاني من الفراغ كما يعاني غيرها، و تشكو من تأجج الشهوات كما يشتكين.
- أم الأخرى التي تنهار أمام شهواتها ؟
- تساؤل يطرح نفسه ويفرضه الواقع ، لماذا هذه الفتاة تنجح و تلك لا تنجح ؟
- لماذا تجتاز هذه العقبات و تنهزم تلك أمامها ؟
يا بنتي
- لقد عجبت أشد العجب عندما رأيت فتاة الإسلام تسير بلهاث مستمر وراء ما يريده الأعداء.
- فتساير الموضة ، وتتمرد على حجابها و حيائها.
- وها نحن نرى كل يوم صورة جديدة و لوناً جديداً من ألوان هذا التمرد.
- إنها يا بنتي تتحايل على الحجاب بحيل مكشوفة.
- لكن المؤمن الحق يا بنتي يخاف الله و يتقيه ورائده قول الرسول صلى الله عليه و سلم "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "
- و هو يدرك أن الالتفاف على الأحكام و الاحتيال عليها لن ينفعه يوم يلقى الله العليم بما تخفي الصدور .
يا بنتي
- ها أنت تغدين و تروحين و أنت تتمتعين بوافر الصحة وقوة الشباب.
- و لكن ألم تزوري جدتك يوماً ، أو تري عجوزاً قد رق عظمها ، و خارت قواها ؟!
- لقد كانت يوماً من الدهر شابة مثلك، وزهرة كزهرتك.
- و لكن سرعان ما مضت السنون وانقضت الأيام فاندفنت زهرة الشباب تحت ركام الشيخوخة و مضت أيام الصبوة لتبقى صورة منقوشة في الذاكرة.
- وها أنت يا بنتي على الطريق، وما ترينه من صورة شاحبة و شيخوخة ستصيرين إليها بعد سنوات.
- إذاً فإياك أن تهدري وقت الشباب وزهرته ، وتضيعي الحيوية فيما لا يعود عليك إلا بالندم و سوء العاقبة.
يا بنتي
- لو فكر أهل الشهوات و المتاع الزائل في الدنيا بحقيقة مصيرهم لأعادوا النظر كثيراً في منطلقاتهم. تصوري يا بنتي من حصل كل متاع الدنيا وذاق لذائذها ولم ير يوماً من الأيام ما يكدره.
- إن كل هذا سينساه لو غمس غمسة واحدة في عذاب النار حمانا الله و إياك .
- والآخر الذي عاش من الحياة أشقاها سينسى هذا الشقاء لو غمس غمسة واحدة في النعيم.
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال : يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط ؟ هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط ؟ هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط " رواه مسلم.
لكل فتاة
- هل حمدت الله عز وجل على أعظم نعمة أنعم الله بها عليك ألا وهي نعمة الإسلام؟(12/35)
- هل تؤدين الصلوات الخمس على وقتها؟
- لان أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة الصلاة فان صلحت صلح سائر عمله وان فسدت فسد سائر عمله، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) رواه مسلم.
- هل تقرأين القران الكريم بتدبر وخشوع وحضور قلب وهل تعملين به ؟
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( خيركم من تعلم القران وعلمه ) رواه البخاري.
- هل أنت بارة بوالديك ؟ هل تصلين أرحامك ؟
- هل أحببت الخير للمسلمين ؟ وهل أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر؟
- هل تكرمين الأيتام والأرامل والضعفاء والفقراء والمساكين وتتواضعين لهم وترحمينهم وخصوصا الأقارب؟
- هل حافظت على أذكار الصباح والمساء ؟ وهل راقبت الله في السر والعلن؟
- هل تحافظين على حجابك الشرعي الذي أمرك به الله الذي خلقك ؟
- هل اتخذت جليسات صالحات تذكرك بالله رؤيتهن ؟
- هل تجنبت رفيقات السوء لأنهن سبب الضلال والضياع فاحذريهن حفظك الله ؟
- هل تجنبت الاختلاط بالرجال وهل قللت الخروج إلى الأسواق ؟
- هل تجنبت الإكثار من المزاح وكثرة الضحك وهل بكيت من خشية الله ؟
- هل طهرت قلبك من أمراض ( النفاق ، الرياء ، العجب ، الغل ، الحقد ، الحسد والبغضاء)؟
- هل نظفت لسانك من ألفاظ ( الشرك ، الكذب ، الغيبة ، النميمة ، واللغو) ؟
- هل ابتعدت عن مزامير الشيطان ( الغناء ) ؟
- فإنها محرمة بالقران والسنة وهي بريد الزنا وسبب لقسوة القلب وسوء الخاتمة نعوذ بالله من سوء الخاتمة ؟
- هل أخذت حذرك من المكالمات الهاتفية ؟
- فكم من القصص المؤلمة بدأت بمكالمة وانتهت بمأساة والضحية الأخت المسلمة فاحذري الذئاب البشرية ؟
أخيراً
- س : ما حكم ركوب المرأة مع سائق أجنبي ؟
- أقول وأنا كاتبه محمد بن صالح العثيمين ، أنه لا يجوز للرجل أن ينفرد بالمرأة الواحدة بالسيارة إلا أن يكون محرما لها لان النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ". أما إذا كان معه امرأتان فأكثر فلا بأس لأنه لا خلوة حينئذ بشرط أن يكون مأموناً ، وأن يكون في غير سفر والله الموفق.
المرجع: فتاوى ورسائل للفتيات-أحمد بن صالح بن فهد الخليف.
-الفتاة المسلمة
الفتاة المسلمة
مقدمة:
هذه رسالة مفتوحة ونصيحة مسداة إلى الأخت المسلمة، الباعث عليها أمران:
الأول: حديث تميم الداري عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال:(الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) أخرجه مسلم•
الثاني: ما يلاحظ على بعض الأخوات المسلمات من أمور تخالف هدي الدين في أحكام النساء من جهة، وتنافي آداب طالبة العلم الشرعي من جهة أخرى.
• ولا يفهم من هذا التنبيه أن كل المسلمات بهذه الصفة.
• بل إن هناك كثيراً من الأخوات على مستوى رفيع من الدين والأدب والعلم مع حسن السمة وكريم الخلق.
• والأخت المسلمة تنتظرها مسؤوليات جسام، ويتأمل منها القيام بدور بارز في المجتمع، وقبل بيان ذلك الدور المطلوب، أود أن أقدم بمقدمتين موجزتين بين يدي الموضوع:
المقدمة الأولى: المسؤولية مشتركة:
• لقد قرر الشرع المطهر اشتراك الرجال والنساء في التكاليف الشرعية والمسؤولية الدينية:
• أما الاشتراك في التكاليف الشرعية: فقد قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة21، وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }الأحزاب35 ، وقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة71 وغير ذلك من الآيات الكريمة التي تؤكد عموم الخطاب الشرعي للمكلفين من الرجال والنساء•
• وقال الخطابي: فإن الخطاب إذا ورد بلفظ المذكر كان خطابا للنساء إلا مواضع الخصوص، مما يؤكد اشتراك الرجال والنساء في التكاليف الشرعية إلا ما استثنى بالدليل•
• أما الاشتراك في الحساب والجزاء: فقد قال سبحانه وتعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ }آل عمران195 ، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ }غافر40 .(12/36)
• وقال صلي الله عليه وسلم: (ألا كلكم راع وكلكم مؤول عن رعيته، فالإمام الأعظم الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده ومسئولة عن رعيتها) متفق عليه.
• وقال أيضاً: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) أخرجه النسائي.
• هذا يقرر بكل وضوح المسؤولية الثابتة والجزاء الحتمي لكل ما يصدر من المكلفين- ذكوراً وإناثاً- من خير أو شر•
المقدمة الثانية: الخطورة جسيمة:
• فعن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم في أضحى أو فطر فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن- جاء في لفظ مسلم وأكثرن الاستغفار - فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقلن: وبم يا رسول الله ؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير).
• وهذا الحديث يبين الخطر العظيم الذي يتهدد النساء بسبب ذنوبهن وتساهلهن في كثير من الأمور، ومن هنا فمسؤولية الأخت المسلمة الداعية مضاعفة، حيث إن عليها أن تزكي نفسها بالصفات الحميدة وموجبات الرحمة والمغفرة مع قيامها بواجبها الدعوي من تحذير أخواتها المسلمات من أسباب الوقوع في النار مما تعلمه النساء من أنفسهن،
• المسؤوليات التي تنتظر الأخت المسلمة كثيرة ومتنوعة، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1- أن تكون متعلمة:
- أولى أوليات الأخت المسلمة العناية بالعمل الشرعي لقول صلي الله عليه وسلم (من سلك طريقاً يلتمس فيه علما سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب).
- وقال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة وقال: وليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، والمقصود به علم الشريعة إذ إنه الذي وردت في فضله النصوص وحثت على طلبه•
- ومن أهم أولويات الأخت المسلمة العناية بالقرآن الكريم حفظًا وتجويداً، وقد كان السابقون يعتنون بالقرآن الكريم حفظًا وتجويداً قبل البدء بدراسة العلوم الأخرى، قال ابن أبي حاتم: لم يدعني أبي أطلب الحديث حتى قرأت القرآن، وقال الوليد بن مسلم: كنا إذا جلسنا عند الأوزاعي فرأى فينا حدثا قال: أي غلام قرأت القرآن؟ فإن قال: نعم قال: اقرأ: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ }النساء11 وإن قال: لا، قال له: تعلم القرآن قبل أن تطلب الحديث.
- وقد كان في نساء السلف عالمات فقيهات مثل أمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة وغيرهن وأم سليم بنت ملحان وزينب بنت أم سلمة ومعاذة العدوية وغيرهن، وممن بعدهن كريمة بنت محمد بن حاتم راوية صحيح البخاري التي رحل إليها أفاضل العلماء وكان لها مجلس بمكة للحديث، وفاطمة بنت علاء الدين السمر قندي من الفقيهات الجليلات أخذ عنها الكثير من الفقهاء.
2- أن تكون عابدة:
- زينة العلم والعالم (العمل الصالح)، فالعمل الصالح ثمرة العلم وفائدته، وقد ذم الله تعالى الذين لا يعملون بعلمهم فقال سبحانه وتعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }البقرة44 .
- وقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ }الأعراف175، قال المفسرون: في هذه الآية الترغيب في العمل بالعلم وأن ذلك رفعة من الله لصاحبه وعصمة من الشيطان، والترهيب من عدم العمل به وأنه نزل إلى أسفل سافلين وتسليط للشيطان عليه.
- وللعبادة معنى واسع فأداء نوافل الصلاة والصيام والصدقة من العبادة، وقراءة القرآن والمحافظة على الذكر والدعاء من العبادة، حسن الخلق وصلة الرحم والقيام بحق الزوج وتربية الأبناء من العبادة، وقد كان في نساء سلف الأمة من العابدات اللاتي يضرب بعبادتهن المثل في قيام الليل وصيام النهار والمداومة على قراءة القرآن والمحافظة على الذكر أناء الليل وأطراف النهار.
- وهكذا ينبغي أن تكون الأخت المسلمة في حرصها على عمارة وقتها بالطاعة والعبادة لا أن تكون مع الغافلات اللاهيات فقد حذر الله من إتباع الغافلين فقال سبحانه وتعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28 .
- وقال: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ } الأعراف205.
3- أن تكون داعية:
- من بركة الله تعالى على العبد وتوفيقه له أن ييسر له تكميل نفسه وأن يسعى في تكميل غيره، فهذا من قمة التوفيق.
- ومن أهم واجبات الأخت المسلمة الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه وظيفة الرسل وأتباع الرسل كما قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }يوسف108.
- وبعض الناس قد يحصر هذا الواجب في الرجال فقط دون النساء، والواقع أن النصوص الشرعية لم تفرق بينهما في وجوب القيام بهذه الفريضة، كما أن التاريخ يشهد بقيام طائفة كبيرة من النساء بالدعوة إلى الله تعالى وكان لهن الفضل العظيم في هداية من دعونه.(12/37)
- فهذه أم سليم تعرض الإسلام على زوجها مالك من النضر وعلى ابنها أنس، وعلى أبي طلحة عندما جاء لخطبتها وجعلت إسلامه مهرها، ولحقت أم حكيم بنت الحارث بزوجها عكرمة بن جهل وكان قد فر إلى اليمن وحثته على الإسلام والقدوم على النبي بعد أن أخذت له الأمان، والدعوة إلى الله تعالى ليست عشوائية، وإنما تقوم على العلم والحلم والرفق والصبر مع مراعاة الحكمة وتقدير المصالح والمفاسد.
4- أن تكون مربية:
- وظيفة المرأة الأولى هي تربية الأطفال، وهي مهمة عظيمة لمن يحمل رسالة ومبدأ يريد غرسه في أجيال المسلمين.
- ولا شك أن مهمة الأخت المسلمة الداعية في هذا المجال أعظم إذ إنها قد حصلت من المفاهيم الشرعية والأحكام الدينية ما يجعل مهمتها أسهل ومسؤولياتها أعظم في توصيل هذا العلم لأبنائها وأسرتها.
5- أن تكون قدوة:
- قال صلي الله عليه وسلم: (إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة)، أخرجه أحمد وأبو داود، والسمت هو الهيئة ويطلق على السكينة والوقار، فمراعاة الهيئة الإسلامية والصبغة الخاصة من الحشمة والوقار والسكينة والخلق الرفيع والبعد عن سفاسف الأمور مطلوب شرعاً، لأن ذلك من توقير العلم والسنة.
- ومن أبلغ سبل الدعوة حيث إن كثيراً من الناس يتوقف في قبول الحق حتى يراه واقعاً ماثلاً أمامه، فالقدوة الصالحة من أعظم وسائل الدعوة كما قال الحسن البصري: عظ الناس بفعلك ولا تعظهم بقولك وقال: الواعظ من وعظ الناس بعمله لا بقوله، وقد جعل الله تعالى رسوله قدوتنا في كل مجالات الخير، في العبادة والزهد والورع والصبر والشجاعة وحسن الخلق، وهكذا صحابته الكرام من بعده، وهكذا ينبغي أن يكون أتباعه على مثل هديه وسمته في السكينة والوقار.
المرجع: رسالة مفتوحة إلى الأخت المسلمة-موقع الرواق.
==============
الدعوة الفردية
1- أهمية الدعوة :
- أن الشارع أمر بها ومدح من اتصف بها وحذر من تركها .
- تعرض الأمة من هجمات شرسة من أعدائها بقصد تضليها وتجهيلها وإبعادها عن دينها .
2- جوانب الدعوة .
- دعوة الكفار .
- دعوة المسلمين .
3- معنى الدعوة الفردية .
4- ميزات الدعوة الفردية .
- أن الدعوة الفردية تنعم بالحرية المطلقة في كل الأحوال والظروف فلا تتعرض للتضييق
- أنها تحدث صلة بين المدعو والداعية .
- أنها تتيح للمدعو الاستفسار عما يريد وطلب التوجيه المباشر في أي أمر من أموره .
- أن الدعوة الفردية أبلغ وأعمق في التربية .
- الدعوة الجماعية تأثيرها وقتي .
- عن طريق الدعوة الفردية يمكن للداعية أن يتدرج في توصية المدعو فيعطيه ما يناسبه في الدعوة .
- يمكن عن طريق الدعوة الفردية الوصول إلى من لم تصله الدعوة الجماعية .
- أن الدعوة الفرية يمكن القيام بها في كل مكان وفي وقت .
- الدعوة الفردية تكسب الداعية خبرة ومعرفة بأحوال الناس .
- الدعوة الفردية تدفع من يعمل بها إلى العلم والعمل .
- الدعوة الفردية تتيح للداعية أن يطبق ما تعلمه من مفاهيم الصبر والتحمل والإيثار .
5- كيفية الدعوة الفردية .
- عقد الصلة بينك وبينه .
- تقوي إيمانه بطريق غير مباشر .
- تحاول أن تقوي إيمانه بطريق مباشر .
- تحاول ربطه بجماعة طيبة
- تحاول توسع مفهوم الإسلام والدعوة إليه .
- تشجيعه على القيام بالعمل للإسلام .
6- عقبات في طريق الدعوة :
- الخجل .
- كثرة الانشغال بأي أمر من الأمور .
- عدم الصبر والتحمل من قبل الداعية .
- أن الدعوة الفردية تحتاج إلى نفسية طيبة وتعامل من نوع خاص قد لا يجيده كل شخص .
- أنها في الحقيقة تحتاج إلى وقت طويل حتى تؤتي ثمارها .
7- عيوب الدعوة الفردية .
- انه ربما يكون إنتاجها قليلا .
- أنها تحتاج إلى نوع خاص من المعاملة .
8- الصفات المطلوبة في الداعية الذي يدعو دعوة فردية .
- الإخلاص .
- الصلة بالله تعالى.
- العلم .
- الصبر .
- الحكمة .
- أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة حتى يكون قوله أقرب إلى القبول .
- أن يكون قدوة صالحة في كل شي حتى في الأعمال الدنيوية المباحة .
- الرفق .
9- أمور يشار إليها .
- لا تقتصر على الدعوة الفردية .
- لا تكن الدعوة الفردية سببا في تركك الاهتمام بنفسك من ناحية العلم والعمل .
- لا تكن الدعوة الفردية سببا في ابتعادك عن رفقتك الطيبة .
- لا يكن قيامك بالدعوة الفردية حاملا لك على المجاملة على حساب دينك .
- إذا رأيت أنك ربما تتأثر أنت بالمدعوة فيسب لك الانتكاس والسقوط فدعه وانج بنفسك.
- لابد من التنسيق بين الدعاة بحيث لا يجتمع داعيتان على مدعو واحد .
- انتبه يا أخي لذوي القربى .
- لا تواجه المدعو بالانتقاد بالمباشر .
- لا تظهر له أنك أعلم منه .
- لا تتتبع عثراته .
- لابد من التدرج وعدم الاستعجال .
- لا تتركه بلا متابعة .
- لا بد من مراعاة الفروق الفردية بين المدعوين .
- التأدب بأدب الزيارة .
- اقتصد في الموعظة .
- احتفظ بشخصيتك ولا تشوهها بكثرة المزاح .
- أن يكون المدعو ممن يعشق الرياضة .
10- مشروع مقترح .
المرجع: الدعوة الفردية – عبد الرحمن العائد – دار الوطن .
-الدعوة الفردية
الدعوة الفردية
مقدمة:
• تعتبر الدعوة الفردية أصل الدعوة إلى الله.
• ويكفيها شرفاً أن أول من مارسها هو سيد الدعاة إلى الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه وضع – بها- أول لبنة لقيام الدولة الإسلامية الأولى.(12/38)
• فقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما بدأ – الدعوة- بأبي بكر الصديق- رضي الله عنه- فكان البذرة الأولى للدعوة إلى هذا الدين الجديد – الإسلام- فراح يتحرك هنا وهناك، يبلغ دين الله ويبشر الناس به، فكان بمثابة النواة، واتسعت الدعوة شيئاً فشيئاً، فأسلم على يدي أبي بكر رجالٌ صاروا فيما بعد من المبشرين بالجنة.
تنقسم الدعوة إلى الله- من حيث المدعو- إلى قسمين أساسيين، هما:
1- دعوة عامة (جمعية):
هي التي يمارسها الداعية مع عدد من الناس، أو جمع من المدعوين، بهدف إخبارهم أو إعلامهم بأوامر الله ونواهيه، مع حضهم وحثهم على طاعة الله بإتباع أوامره واجتناب نواهيه، وتحذيرهم من معصية الله بفعل ما نهى عنه أو ترك ما أمر به، من خلال عدة وسائل كإلقاء الخطب أو المواعظ أو الدروس العامة.
2- دعوة خاصة (فردية):
هي التي يمارسها الداعية مع شخص واحد من الناس، تربطه به إحدى الروابط التالية: القرابة، الزمالة، الصداقة، الجيرة، المهنة، بهدف تصحيح مفاهيمه، أو تقويم سلوكه، أو تقوية إيمانه بالله، من خلال تربيته وفق برنامج تربوي شامل يجمع بين الخلق الفاضل، والسلوك القويم، والفهم الصحيح الشامل للإسلام كدين ومنهج حياة.
فضل الدعوة إلى الله:
الأدلة على فضل الدعوة إلى الله، في صريح القرآن وصحيح السنة، أكثر من أن تحصى، وأذكر منها على سبيل المثال:
1- قال تعالى :(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ) (آل عمران: آية 104).
2- وقال أيضاً: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) (النحل: آية 125(.
3- وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً). (النووي على مسلم 16 /227).
4- وروى البخاري وغيره من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم). (الفتح 7/70).
5- وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره على أثرة علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ) (الفتح 13/192، النووي على مسلم 12/228).
خصائص الدعوة الفردية:
1- أيسر ممارسة: لكونها لا تحتاج إلى علم غزير أو فقه كثير، كما لا تحتاج إلى خطيب مفوه، أو واعظ بارع، وإنما تحتاج إلى مسلم ملتزم بتعاليم دينه، قدوة في سلوكه، يعرف حقوقه وواجباته، يعرف ما له وما عليه، كما يمكن أن يقوم بها العامل في مصنعه، والفلاح في مزرعته، والمعلم في مدرسته، والطبيب في مشفاه و ...إلخ.
2- أسرع تأثيراً: فهي أكثر فعالية من الدعوة العامة، وآثارها تظهر على المدعو في وقت قصير، حيث يسهل ملاحظة إقلاع المدعو عن بعض العادات السيئة التي كان يفعلها قبل الدعوة، أو إقلاعه عن بعض الذنوب والمعاصي البارزة التي كان يرتكبها قبل التعرف على المدعو.
3- أدق قياساً: من الدعوة العامة، حيث يقوم الداعية بترتيب الخطوات، وتحديد الأولويات، ووضع خطة زمنية واضحة، ومن ثم فإنه يسهل قياس درجة التغيير الحادثة على المدعو، بعكس الدعوة العامة التي قد يكون القياس فيها مستحياً وأحياناً خادع!
4- أنجع حلاً: في الرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام أو أعداء الدعوة، على مسامع بعض الأفراد، مما يصعب التعرض له بالشرح والتفصيل في اللقاءات العامة أو الدروس الجمعية التي يحضرها جمع كبير من الناس من مختلفي الثقافات والميول.
5- أجدى تربية: من الدعوة العامة، حيث يركز الداعية فيها على خلق محدد، كالكذب أو الجبن، أو البخل أو...إلخ ... مما يرى أنه موجود فيمن يدعوه، في محاولة تستهدف تخليصه منه، ببيان مخالفته للشرع الحنيف، والخلق القويم، والطبع السليم، ومن خلال إخضاع المتربي لبرنامج علاجي واضح ومحدد الهدف يساعده على التخلص من هذا الخلق.
6- أقل تضييقاً: فالدعوة الفردية يمكن أن تتم في كل الظروف و الأحوال؛ في النادي، في الشارع، في الجامعة، في المدرسة، في وسائل المواصلات، في السفر، في الحضر، في الصحة، في المرض، كما يصعب التضييق عليها، بخلاف الدعوة العامة التي قد تتعرض للتضييق، أو المنع في بعض الأحيان.
عقبات الدعوة الفردية:
غير أن بعض الدعاة و خبراء الدعوة إلى الله، يحذرون من:
1- طول المدة: فهي تحتاج إلى وقت طويل، ومرات عديدة، ومن ثم فإن بعض الدعاة قد يصابون باليأس، والملل أو الفتور الدعوي.
2- قلة الإنتاج: فقد يمكث الداعية عاماً كاملاً يدعو شخصاً واحداً، وقد لا يفلح في النهاية في إحداث تغير ملموس في فهم وفكر المدعو.
3- انقطاع المتابعة: فعملية الدعوة الفردية تحتاج إلى متابعة مستمرة، ويقظة دائمة من جانب الداعية، فضلاً عن نوع خاص من المعاملة مع المدعو الذي يكون في الغالب ذو طباع خاصة.(12/39)
4- الارتباط بالأشخاص: حيث إنها تقوم أساساً على فكرة ربط المدعو بالداعية، وتمتين الصلة بينهما، وتوثيق العلاقة الإنسانية، وهو ما قد يكون مهماً وضرورياً أول الأمر، غير أنه على المدى البعيد قد يكون له آثار سلبية، حيث لا يرتبط المدعو بالفكرة قدر ما يرتبط بشخص الداعية، فإذا ما حدث شيء ما للداعية كسفر أو ابتعاد عن الدعوة أو انحراف عن المنهج فإن مصير هذا المدعو يكون معرضاً للخطر!
5- تعجل النتائج: فلا ينبغي أن تكون رغبة الداعية في الارتقاء بالمدعو إلى مرحلة متقدمة سبباً في تعجل النتائج، وجني الثمر نيئة قبل نضجها، مما قد يسبب نوعاً من النكوص والارتداد السلوكي والأخلاقي لدى المدعو، بل يجب مراعاة أن الزمن جزء من العلاج.
6- اختلاف الطباع: فلكل مدعو طباعه الخاصة، وأخلاقه المميزة، كما أن له أيضاً عيوبه المتفردة، وخصاله السيئة، ومن ثم فإنه من الخطأ معاملة كل المدعوين بطريقة واحدة، وبأسلوب ثابت، فلكل منهم مفتاح شخصية، فإذا ما استطاع الداعية الوصول إلى هذا المفتاح استطاع الدخول على قلبه، وسهل عليه التأثير في سلوكه.
7- تأثير لا تأثر: فيجب أن يحذر الداعية من أن ينقلب عن فطرته السوية، أو أن يتأثر بالسيئ من خلق أو سلوك من يدعوه، وأن يجيد المخالطة مع التمايز، وأن يكون على وعي بأن مهمته هي التغيير لا التغير، والتأثير لا التأثر، والتثبيت لا التذبذب، فإن لاحظ من نفسه ميلاً أو انحرافاً فعليه بسرعة التوقف والعودة، وكم من داعية تشرب – شيئاً فشيئاً - من خلق من كان يدعوه، فصار إلى الطاعات أثقل، وإلى المعاصي أقرب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
8- إهمال ذوي القربى: من الأخطاء التي يقع فيها الدعاة إهمال ممارسة واجب الدعوة الفردية مع أولي القربى، ولنا في سيد الدعاة محمد صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة، فقد أمره ربه أن ينذر عشيرته الأقربين، فقال تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء: 214). وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت لما نزلت (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا فاطمة ابنة محمد يا صفية ابنة عبد المطلب يا بني عبد المطلب: لا أملك لكم من الله شيئاً سلوني من مالي ما شئتم) (النووي على مسلم 3/54).
كما ذكر صاحب أسد الغابة أنه لما أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم وأدعيهم إلى الإسلام فلما رجع إلى قومه دعا أباه إلى الإسلام فأسلم ثم دعا امرأته إلى الإسلام فأسلم.
فيجب على الداعية أن يبدأ بذوي قرابته، الأقرب فالأقرب حتى توجد له منعة ونصرة، فلا يصح أن يترك الداعية أهل بيته وأقاربه دون دعوتهم.
شروط التصدي للدعوة الفردية:
وكما أن ليس كل الأطباء مؤهلين للتصدي للعمليات الجراحية، ولا كل الجراحين مؤهلين لإجراء العمليات الجراحية الدقيقة.
فكذا.. ليس كل الدعاة والعاملين في مجال الدعوة إلى الله، مؤهلين لممارسة الدعوة الفردية.
ومن ثم فإن هناك عدداً من الصفات التي يجب أن يتحلى بها العاملون في مجال الدعوة الفردية، على وجه الخصوص، منها:-
1- الإخلاص والتجرد: فعلى قدر تجرد الداعية وإخلاصه لله عز وجل، يبارك الله في عمله، وفي وقته، ويجعل في كلامه الأثر، وفي وجهه القبول.
2- التقوى والاستقامة: فكلما ازداد الداعية تقوى لله ازداد هدى، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ) ( محمد – 17). وقال تعالى: (... وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق - 4).
3- حسن الصلة بالله: فيجب على الداعية أن يكون كثير العبادة مستعيناً بالله في كل شأن من شئونه، قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر/29-30).
3- حسن السيرة والسريرة: فيجب أن يكون طيب السمعة، حسن السيرة، لا يعرف عنه سوء السلوك، أو فحش القول، أو بذاءة اللسان، فعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: لم يكن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً. (متفق عَلَيهِ).
4- التحلي بالأخلاق الفاضلة: فيجب على الداعية إلى الله أن يتحلى بجملة من الأخلاق الحميدة، فعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، .... (التِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح). وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها قالت سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يقول: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم). (رواه أبو داود).
5- القدوة العملية: فلا شك أن التربية بالقدوة هي أفضل طرق التربية الصحيحة، ومن ثم فيجب على الداعية أن يكون قدوة صالحة لمن يدعوه، في كل شيء، حتى في الأعمال الدنيوية، كالتفوق والاجتهاد في الدراسة، فلا يصح أن يكون الداعية فاشلاً في حياته العملية، أو راسباً في حياته العلمية، بل يجب أن يكون متفوقاً وناجحاً يشار إليه بالبنان، فذلك أقبل لدعوته.(12/40)
6- الوعي وبعد النظر: فيجب على الداعية أن يكون واعياً، مدركاً لأبعاد الأمور، قارئاً جيداً للأحداث، يجيد التعامل مع المفاجآت، يرتب الأولويات، ويحسن التقدير، يعرف ما يجب وما لا يجب، فقيها بموازين الأحكام، يعرف ما يستوجب التقديم فيقدمه، وما حقه التأخير فيؤخره، يزن كلامه بميزان الإيمان.
وسائل الدعوة الفردية:
الدعوة الفردية، شأنها شأن الدعوة العامة، لها وسائلها وأدواتها اللازمة، وزمنها على سبيل المثال:-
1- التبسم: لا ينكر أهمية الابتسامة في حياة الدعاة إلا جاهل، فهي مفتاح القلوب، والعصا السحرية التي تكبت الغضب وتسري عن القلب المهموم. ورغم أنها حركة بسيطة بالشفتين إلا أنها تعني للمدعو الشيء الكثير، فهي بذرة صغيرة ترميها في نفسية المدعو، فتنمو وتكبر وتؤتي أكلها بإذن الله، ولم لا .. وخير الدعاة محمد صلى الله عليه وسلم يقول: تبسمك في وجه أخيك صدقة، ويعرف حسن الخلق بأنه: بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى، ويقول أيضاً: كل معروف صدقة، و إن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق .... ويقول عنه أبو الدرداء رضي الله عنه : ما رأيت أو ما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدث حديثاً إلا تبسم.
2- السلام والمصافحة: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى اللهم عليه وسلم إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه...، و لهذا دلالة عظيمة، وأثر كبير في نفس المدعو، فهو دليل اهتمام ومحبة، تترجمها تلك الشحنات الكهربائية التي تنتقل عبر المصافحة فتزرع الحب في القلوب.
3- التعارف والتعرف: هي وسيلة عظيمة من وسائل الدعوة إلى الله، بل إنه لا يعقل أن يكون هناك دعوة ما لم يسبقها تعارف، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13 .وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. (رواه مُسْلِمٌ).
4- التهنئة والتبركة: تعتبر التهنئة وسيلة مهمة من وسائل الدعوة إلى الله، والتهنئة لا تكون إلا في مناسبة سعيدة، كالنجاح في الدراسة أو الزواج أو العودة من السفر أو الحج، أو عند الرزق بمولود، وكذا في الأعياد والمناسبات الإسلامية، وهذه كلها مما يجب أن ينتبه له الدعاة، فهذه المناسبات فرصة لتوثيق الصلة بالمدعوين، والتعرف عليهم، مما يعتبر بداية جيدة وفرصة مناسبة لبدء مشروع الدعوة الفردية.
5- التهادي: الهدية تورث الحب، بل هي عنوان عليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: (تهادوا تحابوا) فيجب على الداعية ألا يبخل ببعض الهدايا الرمزية في سبيل دعوته، والهدية ليست موقوفة بمن تربطك به علاقة قديمة بل هي وسيلة دعوية لكسب فرد جديد، لأنه حتما سيسعى لرد الهدية مما يفتح بينكما طريقاً للدعوة.
6- التزاور: لا شك أن الزيارة وسيلة مهمة من وسائل الدعوة الفردية، غير أنه يجب على الداعية أن يتأدب بآداب الزيارة، فيحسن اختيار الوقت المناسب لظروف المدعو، فلا يزوره في وقت راحته، ولا في وقت عمله، كما يجب ألا يتدخل في شئونه الخاصة، وألا يمد يديه أو يتطلع بعينه إلى كل ما يخص المدعو، من أوراق أو كتب أو أشرطة، وأن يخفف مدة الزيارة، وأن يطلب من المزور ألا يتكلف في إكرامه وهكذا.
7- السؤال والاهتمام: على الداعية أن يهتم بالسؤال عن المدعو، وأن يطمئن على أحواله، في العمل، وفي البيت، وأن يسأله عن ظروفه وأولاده، مع مراعاة حدود العلاقة بينهما، ومدتها، حتى لا يعتبره متطفلاً يسأل عما لا يجب.
8- المتابعة المستمرة: فالدعوة الفردية تتطلب من الداعية المتابعة المستمرة للمدعو، مخافة أن يصيبه الفتور إذا رأى إهمالاً أو عدم متابعة، وذلك لأن البيئة التي يعيشون بها لا تعينهم على الاستقامة، بل إنها تحارب كل عائد إلى ربه، كما أن قرناء السوء يبذلون جهداً كبيراً – خاصة في الفترة الأولى، ليعيدوه إلى ما كان عليه من الفساد والانحراف، ومن ثم يجب على الداعية أن يتعاهد الثمرة، بالرعاية والعناية، وأن يربطه بأصدقاء صالحين ليكونا له عونا على الخير.
الخاتمة:
وفي الختام، فإنه يجب على الداعية، وخاصة الذي يعمل في مجال الدعوة الفردية، أن يراعي عدداً من الأمور في مقدمتها:
• التواضع للمدعو وعدم التكبر عليه، مع مراعاة فهم الظروف العائلية والبيئية المحيطة بالمدعو، والتدرج في الدعوة وعدم الاستعجال.
• البعد عن مواطن الخلاف الفقهي والفكري، مع مراعاة التعرف على ميول المدعو واهتماماته، ومراعاة الفروق الفردية بين المدعوين.
• الحذر من توجيه النقد المباشر، والاقتصاد في الموعظة والتقليل من الملاحظات، على أن يحتفظ لداعية لنفسه بشخصية قوية يكسوها الوقار والهيبة والاحترام.
المرجع: الدعوة الفردية السهل الممتنع-موقع الرواق.
=============
سلم الأولويات في حياة المرأة
في خضم مشاغل الحياة، وتحت ظروفها المختلفة، تختلف الأولويات والاهتمامات في الحياة من امرأة لأخرى.....
منهن من تُعانق الثريا بهمتها واهتماماتها، ومنهن من هي دون ذلك.........(12/41)
لكن....أحياناً نجد اهتمامات المرأة العصرية أصبحت هامشية تستمدها من الفضائيات والقنوات المختلفة، بل قد تنحصر اهتماماتها في الأمور التافهة التي لا ترقى بدورها كإنسانة مسلمة، ولا تؤدي رسالتها في الحياة.
*وحتى نسلط الضوء أكثر.....طرحنا هذا السؤال على مجموعة من الأخوات الداعيات بحثاً عن الجواب الكافي والتفسير الوافي لمن أرادت أن تنهض بهمتها وتجعل لها بصمة خير على صفحات الأيام.
{ ما هي الأولويات في حياة المرأة المسلمة بعد عبادة الله تعالى....؟}
** حياة المرأة كلها عبادة بالمفهوم الواسع الشامل..
ومن الأولويات عند المرأة المسلمة تعلم الأمور العقدية، لأن فيها نجاة الإنسان بإذن الله تعالى. كذلك التركيز على حُسن الخُلق، وإتقان فن التعامل مع الآخرين واحترامهم، ففي المواقف الصعبة تنكشف الأخلاق، وتتضح النفوس. وعلى المسلمة أن تهتم بالدعوة إلى الله وتحمل همها. وهذا لا يعني كثرة الخروج من المنزل وتضييع الواجبات الأسرية وإنما الدعوة فنونٌ وألوانُ مُيسرة داخل المنزل وخارجه، كذلك بين الأقارب والجيران، وفي مُحيط العمل، وعبر شبكة الاتصالات العالمية(الإنترنت)..ولكن من المهم قبل التصدر للدعوة أن تطلب المرأة العلم الشرعي، وخاصةً ما كان تعلمه فريضة عليها.وتثقف نفسها بالعلوم المختلفة. وبين هذا وذاك يكون تركيز المسلمة كبيراً على بيتها وأفراد أسرتها بمساعدتهم على تجاوز صعوبات الحياة وفتنها إلى بر الأمان والإيمان.. قال صلى الله عليه وسلم(خيركم خيركم لأهله).
الأستاذة/ هناء الصنيع
** لاشك أن أولى أولويات المرأة المسلمة هو تحقيق الغاية التي من أجلها خُلقت وذلك بعبادة بارئها، وتنمية عقيدتها، وطلب العلم الشرعي الذي يؤهلها للسير في مهمتها على بصيرة. يلي ذلك حُسن التبعل لزوجها، ورعاية أسرتها وتربية أولادها، ثم الواجبات الاجتماعية، ولا تنسى في خضم ذلك أنها داعية إلى الله في كل مهامها.
الأستاذة/ مضاوي السحيباني
**1- قيام المسلمة بحق زوجها وبيتها وأبنائها إذ أنها الأمانة التي ستُسأل عنها.
2- العلم الشرعي والإطلاع على مُستجدات الأحداث، والنظرة الشرعية لها، وتبصير من حولها بها.
3- المساهمة الفعالة في الدعوة في الأوساط النسائية حسب ما يتطلبه الواقع، والاستفادة من التقنية الحديثة.
4- السعي لتطوير الذات واكتساب الخبرات التي تزيد المسلمة تميزاً وقوةً في الدعوة، وقبولاً عند الآخرين، ومواكبةً لتطورات العصر مع المحافظة على الثوابت.
الأستاذة/ مريم الشايع
** نِعم الله على العبد نعماً لا تحصى، وشكره من الناس قليل، يوفق من يوفق إلى ذلك..قال تعالى(وقليل من عبادي الشكور) والعبادة الكاملة الخالصة تُصرف للخالق بمعونته سبحانه وتعالى. والإنسان ذكراً وأنثى مُكلف بذلك السعي في الأرض لتحقيق الخلافة، ثم الجزاء موعودٌ من عند الله إن خيراً فخير وإلا فالخاسر ذلك المفرط. والمرأة كما الرجل في التكاليف والطاعة لله وحده، والحياة بشموليتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية وغيرها....لا يمكن أن تنفك عن ذلك الإطار العقدي ولا يمكن أن نقول أن هناك أولويات بعد طاعة الله، فالحياة طاعة لها، وعمر المرأة التكليفي من البلوغ إلى الممات كما هو الرجل طاعة لله وسعيٌ في تحصيل الرضا منه لا إله إلا هو، ومما يُعينها على ذلك الاستعانة بالله ومجاهدة النفس، فالتربية الذاتية أهم ما تهتم به المرأة حتى تُقيم سياجاً متينة بينها وبين ما يُغضب الله، فتستشعر ثواب القربات، وترقب الموت، كما أن عليها أن تفقه نهج التقرب بالمسارعة إلى العمل والمداومة على فعل الخير، وتنويعه وتوسيع دائرة التقرب، والحذر من التآكل الروحي بإتباع سبل العلاجات النافعة، منها الذكر وتلاوة القرآن والصلاة وصحبة الصالحات وكثرة الدعاء والاستغفار والتفكر في خلق السموات والأرض، مع الإطلاع على كتب السير لبعث الهمة للعمل والعلم والدعوة والصبر، فتوفق بإذن الله إلى أن تصل إلى النجاح المؤمل والفوز بجنة المتقين.
الأستاذة/ نورة الدامغ
ختاماً......
المسلمة هي من تنظم سلم الأولويات في حياتها، فتبدأ بالأهم فالمهم، وتقوم بتفعيل رسالتها في الحياة على أكمل وجه دون إفراطٍ أو تفريط....
============
الهجرة.. احتفالية التغيير
مقدمة:
- تهل علينا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة كل عام، فتهب علينا رياح التغيير العظيمة التي غيرت وجه التاريخ عبر هذا الحدث العظيم الذي يجب أن تكون لنا معه وقفات مهمة؛ لنعيد قراءة واقعنا على أضواء دروسه العظيمة، وليكون لنا محطة جديدة للانطلاق نحو تغيير أحوال أمتنا والهجرة بها نحو الأفضل.
- هذا هو سر توفيق الله تعالى لسيدنا عمر بن الخطاب بأن اختار الهجرة النبوية عنوانًا للتاريخ الإسلامي، وكان أمامه عدة مناسبات قوية يمكن أن يستخدمها للتأريخ مثل غزوة بدر أو فتح مكة أو ميلاد أو بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
- وكان اختيار الهجرة حتى تكون محطةً للتغيير الدائم لأمة الإسلام عبر السنين وصعودًا نحو المعالي بالهجرة والانتقال من الضعف إلى القوة، ومن قهر الضلال وسيطرة الباطل إلى زيادة الإيمان وأستاذية العالم.
مقومات التغيير الناجح من خلال الهجرة(12/42)
(1) أن يكون هناك هدف عظيم يسعى الجميع من أجل تحقيقه: وهو إعلاء كلمة الله تعالى وهذا ما وضحه لنا القرآن الكريم في التعقيب على الهجرة {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (التوبة: الآية 40).
(2) من أهم دعائم التغيير الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة: وكسب الأنصار الجدد وتهيئة الأرض الجديرة بحمل الرسالة, وتمثَّل هذا في بيعتي العقبة الأولى والثانية، وبعثِ سيدنا مصعب بن عمير لنشر الدعوة في المدينة، فكان نشر الدعوة أهم وسائل النجاح وأعظم دعائم البناء الإسلامي.
(3) التضحية وتقديم الغالي والنفيس من أجل الفكرة وترك التثاقل إلى الأرض: وتمثَّل هذا في ترك الأموال والبيوت والديار في مكة المكرمة والذهاب إلى المدينة المنورة، فكان الإسلام هو أغلى شيء في حياة المسلمين، وكانت النتيجة النصر والتمكين.
(4) الاعتصام بالله تعالى: فالاعتصام بالله هو الفرج والمخرج، فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخرج من بيته المحاصر بأربعين رجلاً لقتله، وهو يقرأ القرآن{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } (يس: الآية 9) ولا يخرج سالمًا فقط، بل ويضع التراب فوق كل الرؤوس، وهذا شأن المعتصم بالله الآوي إلى ركنه الركين.
(5) تأمين الدعم الاقتصادي وتسهيل وصول الدعم اللوجستي: فأبو بكر الصديق وفَّر المال اللازم لشراء الراحلتين، ودفع أجر الخبير الطوبوغرافي، وأسماء بنت أبي بكر كانت توصل الطعام، واختيارها كامرأة تتحرك بسهولة لا يتعرض لها العرب بطبيعتهم سهَّل وصولَ الدعم اللوجستي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصاحبه في رحلة الهجرة.
(6) التخطيط الجيد والعمل المنظم: وتتمثَّل في الآتي:
1- تأمين حياة أفراد الأمة: فتأخير هجرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والأمر بخروج الأفراد سرًّا وفرادى حتى لا يعلم أحد مقصودهم الجديد، فينقضوا عليهم جميعًا فيه تأمين لخروجهم.
2- خروج الرسول- صلى الله عليه وسلم- في وقت غير معهودٍ الخروجُ فيه: وقت الظهيرة واشتداد الحر في ومضاء مكة.
3- استئجار خبير في الطوبوغرافيا (عبد الله بن أريقط): حتى لا يسير في طريقٍ معهود، فيسهل الإمساك بهم.
4- استخدام الإخفاء والتمويه: وهو أحد وسائل الحرب الحديثة وتمثَّل ذلك في الآتي:-
أ- مبيت سيدنا علي رضي الله عنه مكان الرسول حتى يظلوا ينتظرون خروجه، وذلك في المرحلة الأولى حتى يتمكن من الخروج من مكة.
ب- عامر بن فهيرة يسير بقطيع من الغنم خلفهم لتغطية الآثار؛ حتى لا يستطيع أحد أن يقتفيَ أثرَهم.
ج-البقاء في الغار ثلاثة أيام في الوقت الذي تنتشر فيه قوى الشر في كل مكان للبحث عنهم.
د- تغيير اتجاه المسير فبدلاً من الانطلاق في اتجاه الشمال، وهو التفكير المنطقي لمن يريد الملاحقة، يتجهون إلى الجنوب أولاً حيث لا يخطر ذلك ببال أحد.
(7) توزيع الأدوار:
أ - الكبار يوفِّرون الدعم المادي للمساندة والصحبة.
ب- الشباب والفتيان يقومون بالأعمال الفدائية والاستخباراتية.
ج- المرأة تقوم بالدعم اللوجستي.
د- باقي الأفراد يهيئون الدولة والأرض الجديدة ويرتبون احتفالية الاستقلال: (طلع البدر علينا من ثنيَّات الوداع).
(8) الشجاعة والقوة في الحق وتحدي الباطل وعدم الاستكانة إليه: وتمثَّل ذلك في موقف سيدنا عمر بن الخطاب وبطولته العظيمة، حين صعد على الجبل وأعلن هجرته حتى يعلِّم الظالمين درسًا في قوة الحق، وأن المسلمين لم يهاجروا خوفًا ولا جبنًا، ولكن هاجروا من أجل مصلحة الدعوة، ولبناء دولة الإسلام في أرضٍ جديدة، وكانت هذه رسالةً لا بد من توصيلها في موقف سيدنا عمر بن الخطاب.
(9) رعاية جميع الحقوق حتى حقوق الأعداء: وتمثل ذلك في مقام سيدنا علي في مكة لتوصيل الأمانات إلى أهلها، وهم الكافرون أعداء الدعوة.
(10) الفدائية: يحتاج التغيير إلى شباب فدائي على استعداد لتقديم روحه فداءً لدعوة الله، وتمثَّل هذا في مبيت سيدنا علي في فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في موقف يعرضه للقتل على يد أربعين رجلاً متربِّصين بالخارج.
(11) استشعار معية الله لإنقاذ الأمة في أحلك الأوقات: في لحظةٍ من لحظات الإحساس بقرب سيطرة الأعداء وبطشهم بالأمة وقضائهم عليها واستئصالهم لشأفتها لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، وتأتي النجاة باستشعار معية الله{ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ} (التوبة: من الآية 40).
(12) الاستطلاع الجيد والمخابرات النشطة الفاعلة: وتمثل هذا في تكليف عبد الله بن أبي بكر الغلام الصغير أن يعمل (ضابط مخابرات) لحساب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فهو صغير يجلس في وسط القوم، فلا يعملون له حسابًا، ويتكلمون بما يريدون وينقل هو كل خططهم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولسهولة حركته أيضًا كغلام لا يلتفت له أحد، فهو يجلس معهم طوال النهار، وينطلق في الليل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جهاز مخابرات ذكي ونشط وفاعل ولا يخطر على بال أحد.(12/43)
(13) نفوس قوية لا يصيبها الحزن ولا يعتريها الإحباط: مهما كانت قوة الأعداء ومهما اختلَّت موازين القوى الظاهرة، فمعية الله أقوى من أية قوة، وتأييد الله بجنود غير مرئية يُلقِي في قلوب المؤمنين الهدوء والسكينة والثقة والطمأنينة بحتمية نصر الله {فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} (التوبة: من الآية 40).
(14) الأمل في نصر الله: ارجع ولك سوارا كسرى كمن يقول الآن ارجع عن محاربة المسلمين ولك البيت الأبيض كلام يقوله رسول الله لسراقة، وهو خارج مطارد تطلبه قوى الشر في كل مكان.
طريق الهجرة
طريق الهجرة دائم مستمر عبْر نهج رسمه لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد قطعت أمتنا بعض الأشواط في طريق هجرتها، ولكنَّ الأمر ما زال يحتاج إلى جهود كبيرة وأشواط كثيرة حتى نكمل طريق الهجرة، ويتمثل ذلك فيما يأتى:
(1) الجهاد والنية: فلا يكتمل طريق الهجرة بدون النية الصالحة لبناء الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة بأكملها، ونجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
ولا يكتمل طريق الهجرة بدون جهاد النفس والشيطان ومقاومة المادية وأصحاب الأهواء الذين يضيِّعون الأمة، وكذلك محاربة المحتلين أعداء الأمة الذين يستذلونها، وبذلك نحقق حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية).
(2) هجر ما نهى الله عنه: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) (رواه البخاري) فهيا لنهجُر السيئات.. هيا نهجُر كل ما نهى الله عنه في كل الميادين وعلى كل المستويات بدءًا بالفرد وانتهاءً بالأمة، فتهجر الأمة معاصيَها الكبيرة المتمثلة في الآتي (على سبيل المثال):
1- الاحتلال وتدنيس الأراضي ومقدسات المسلمين من قِبَل الأعداء.
2 - التخلف عن ركب العلم والحضارة وكونها في وسط ما يسمى بالعالم الثالث.
3 - التفرق والتشرذم وعدم اتحاد الكلمة.
(3) الأخذ بمقومات التغيير لإصلاح شأن الأمة: وخاصةً الاهتمام بنشر دعوة الإسلام عبر وسائل الإعلام، فدعوتنا تحتاج إلى الابتكار وتكريس الجهود لتوصيل الفكرة بأسلوب راقٍ ومتميز عن طريق الفضائيات والإنترنت وبشتى لغات العالم، فنقدِّم رسالة الرحمة والإنسانية لكل أمم الأرض.
ومع استمرار الجهود واحتفالنا بالهجرة كل عام عبر التغيير والارتقاء بشأن أمتنا وهجرها لأوضاعها غير السليمة في شئون الدنيا والآخرة سيحدث التغيير المنشود، ويأتي النصر المؤزر المبين بإذن الله.
(4) تحقيق العبادة هجرة إلى الله تعالى: هيا نأخذ بيد أمتنا إلى عبادة الله تعالى، فنقيم الفرائض وننشر الفضائل ونحقق العبادة بمعناها الشامل الذي يتناول مظاهر الحياة جميعًا.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن معقل بن يسار-:(العبادة في الهرج كهجرة إليَّ).
المرجع:الهجرة احتفالية التغيير-رشاد لاشين.
===============
هل الأقصى ينهدم ؟(12/44)
حجر وزنه خمسة أطنان ونصف يضرب به الأقصى فهل يتهدم يبلغ وزنه خمسة أطنان ونصف تقريبا إنه حجر الأساس لبناء الهيكل الذي وضعه أمناء الهيكل شمال المسجد الأقصى عام1989م إن وضع حجر الأساس يمثل بداية حقبة تاريخية جديدة، نريد أن نبدأ عهداً جديداً من الخلاص للشعب اليهودي" مقولة تلمظ بها "غرشون سلومون" زعيم حركة أمناء الهيكل المزعوم في تلك المناسبة ،ستة ملايين حجر من كسارات "عائلة ليفي" جنوب بئر السبع،أعدت لبناء الهيكل الجماعات المتطرفة اليهودية تتكاثر في إسرائيل كما تتكاثر الدمامل الخبيثة في الجسم النجس المنتن ، فتحيله إلى بؤرة خبيثة تنشر البلاء في كل مكان ،حتى ناهزت ال120 جماعة تفرقت أهوائها في كل شيء ، واجتمعت في هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل وقد كانوا يتبادلون طوال أزمنة الشتات تحية يقولون فيها (غداً نلتقي في أورشليم) وبعد أن وصلوا إلى أورشليم (القدس) واستولوا على حائط (البراق) الذي يسمونه حائط (المبكى) ابتدع لهم حاخاماتهم دعاء يرددونه في كل صلاة أمام الحائط وهو عبارة عن قسم وعهد على إعادة بناء الهيكل ويدعون على أنفسهم باكين بأن تلتصق ألسنتهم في حلوقهم إذا هم نسوه ملايين النصارى في العالم يعتقدون أن الهيكل سيكون منطلقاً لدعوة عيسى بن مريم في المرة الثانية كما كان شأنه في المرة الأولى وعلى رأسهم الإنجيليون من المحافظين الجدد هكذا يفهمون الإنجيل وهكذا يفسرون التوراة التي يؤمنون بها مع الإنجيل يقول مناحيم بيجن: (لا قيمة لإسرائيل بدون القدس ولا قيمة للقدس بدون الهيكل الحفريات الهائلة تحت المسجد الأقصى على قدم وساق منذ احتلاله عام 1967م إلى اليوم وآخرها حفريات باب المغاربة التي بدأت منذ أسابيع ومازالت مستمرة إلى الآن والهدف من ذلك لمن عنده أدنى من مثقل ذرة من فهم هو تفريغ الأرض تحت المسجد الأقصى ومسجد الصخرة ومن ثم انهيارهما لا قدر الله عند أي هزة طبيعية أو صناعية أو حتى تساقط الثلوج عليه أو حتى ملئه بالمصلين يوم الجمعة وهي "السيناريوهات" الأقرب لهدم المسجد الأقصى لا سمح الله شمعدان ذهبي ضخم تم صنعه في أمريكا ونقل إلى إسرائيل تهيئة لوضعه في الهيكل المزعوم ومن المعلوم أن الشمعدان السباعي أعظم رمز ديني عند اليهود وهو يرمز لأيام الخليقة السبعة في التوراة التي يعتقد اليهود أنهم سيتوجون اليوم السابع منها ولهذا اتخذوه رمزاً رسمياً للدولة الإسرائيلية فتراه منقوشاً على العملات ومطبوعاً على الأوراق ومبرزاً على واجهات المنابرالمخططات والتصاميم النهائية للهيكل المزعوم انتهت منذ مدة طويلة وهي تعرض في كثير من المناسبات والأعياد والتبرعات لبناء الهيكل قد جمعت من يهود العالم وهي بالمليارات والفرق الحاخامية المحترف لإدارة الهيكل قد تهيأت وزينت استعدادا للإشراف على بناء الهيكل و من ثم استلامه وإدارته
كل هذا وبني قومي في ذلة وهوان لا يحركون ساكنا إلا ما خرج من أفواههم على استحياء من شجب وتوسل واستجداء كل هذا وفئام من بني قومي ،قد استعبدتهم ذنوبهم فصيرتهم أسارى ، قد كبلتهم شهواتهم البهيمية ، وقيدتهم رغباتهم الدونية ،وسجنتهم الدنيا عن طلب ما عند الله من الباقيات الصالحات كل هذا وبعض وبني قومي مازالوا يرددون مقولة عبد المطلب جد النبي المشرك بلسان مقالهم أو بلسان حالهم " أن للبيت رب يحميه " نعم إن للبيت رب يحميه وللدين رب ينصره وللعقيدة رب ينشرها ويؤصلها في النفوس إن الله قادر على كل شيء {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } لكن لله سنن وضعها في الكون ، وسنن الله لا تحابي أحدا ، ونواميسه عز وجل لا تجامل أحدا ، ولا ننسى أن هذه المقولة تتناغم مع طبيعتنا البشرية التي تؤثر الراحة، وتطلب السلامة، وتفضل غير ذات الشوكة، فتتنحى وتلتزم جانب الخنوع ، تاركة الكفر يتغطرس ، وتعجز حتى عن أضعف الإيمان.. وتنام على أحلام الطير الأبابيل ، وشعارها : للبيت رب يحميه ، نحن قد نلتمس العذر لعبد المطلب وقريش، على اعتبار أنه لا قبل لهم بأبرهة وجيشه وعلى اعتبار أنهم مشركون ، ولكننا لا نجد أي عذر لأمة التوحيد التي يبلغ تعدادها أكثر من المليار والنصف ، لأمة التوكل على الله.. والأخذ بالأسباب..للأمة التي خرج من رحمها خالد بن الوليد وصلاح الدين وقطز وعز الدين القسام ،وغيرهم من قادات المسلمين العظام وإنني أتسأل هنا ، ألم يستباح حرم الله في مكة أيام القرامطة ويكسر باب الكعبة ويقلع الحجر من بابها ويردم بئر زمزم بجثث حجاج بيت الله عندما تخاذل المسلمون عن الدفاع عن بيت الله ، وكان بعضهم يردد "إن للبيت رب يحميه " حتى قال قائدهم الخبيث أين الطير الأبابيل أين الحجارة من سجيل
أنا بالله وبالله أنا ... يخلق الخلق وافنيهم أنا
ولو كان هذا البيت بيتاً لربنا ... لصب علينا من صواعقه صبّا(12/45)
ولاشك أن ابرها جاء قبل الرسالة والعرب آنذآك لم يكن فيهم من يحمي الدين ولهذا حمى الله عز وجل بيته أما أيام القرامطة فجاءوا والناس مسلمين ومؤمنين وكانوا من واجبهم أن يحموا بيت الله عز وجل ومن واجبهم آن يدافعوا عنه ،و كذلك من واجبنا نحن أن ندافع عن بيوت الله وعن حمى الله ، وأن ننافح عن هذا الدين الذي شرفنا الله به ولاشك ولا ريب أن الله معنا إذا التجأنا إليه مخلصين منيبين باذلين لكل الأسباب الشرعية والمادية أولم يقول لنا ربنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }أولم يبين لنا طريق النصر وبابه {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ } أوظني غير مبالغ إذا قلت : أنه قد تحقق فينا وانطبق علينا قول نبينا صلى الله عليه وسلم (( إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم بأذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينتزعه عنكم حتى تعودوا إلى دينكم) إذا تبايعتم بالعينة ( ويشمل كل أنواع البيوع المحرمة التي انتشرت واستشرت بين الناس في أسواقهم ومتاجرهم وبنوكهم ،بل حتى ومنازلهم وما كثير من صور المتاجرة بالأسهم إلا مثال صارخا على ذلك ) وأخذتم بأذناب البقر، ورضيتم بالزرع،( هو ذم للركون المطلق إلى الدنيا وزينتها وترفها والانشغال بالتجارة والبناء ،والقعود عن العمل الصالح والدعوة إلى الله والذي يتأمَّل أحوال أمتنا ، لا أقول الذي يتأمل أحوال عامتهم، بل الذي يتأمل أحوال علمائهم وطلاب العلم منهم، يرى أنهم من التجار ، ومن المتسابقين على الاستثمار ومزاحمة أهل الدنيا في دنياهم، فإذا كان هذا حال أهل الفضل من هذه الأمة، أخذٌ بأذناب البقر ورضًا بالزرع والحرث، فما بالكم بمن هم دونهم من سائر الناس إننا مطالبون جميعا أن نأخذ بالأسباب الشرعية والمادية لذب عن المسجد الأقصى على كافة الأصعدة والميادين كل على حسب طاقته وجهده يقول نبينا صلى الله عليه سلم " إنَّ الله ليُدخِلُ بالسهم الواحدِ ثلاثةً الجنَّةَ : صانِعهُ، يحتسِبُ في صنعتِه الخيرَ والرَّامي به، والمُمِدَّ به ..." أحمد، وابن ماجه وفي تصوري أن من الأسباب المباشرة والمهمة لذب عن المسجد الأقصى هو توعية المسلمين بالأخطار التي تحيط به وإن قضية بناء الهيكل قضية عقدية محورية عند الصهاينة لا يقبلون النقاش فيها فضلا عن المساومة عليها والإستماع لخطابات الشجب والصراخ والعويل والقرارات الدولية ولا ريب انه لن يكون هناك هيكل إلا على أنقاض المسجد الأقصى أول قبلة للمسلمين ومسرى رسولهم الذي قال عنه سيد البشر( أرض المنشر والمحشر ائتوه فصلوا فيه) وقال( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجد الأقصى ومسجدي( علينا أن نبذل ما في وسعنا لنشر الوعي العميق بقضية فلسطين وما يحاك لها من مؤامرات خبيثة تقوم عليها مراكز دراسات تعمل بالليل والنهار لا تكل ولا تمل علينا إيقاظ حمية الدين في القلوب وغرس حب الجهاد "بشتى مجالاته" والتضحية بكل شيء في سبيل نصرة مسرى رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن الأسباب كذلك : دعم الحركة الإسلامية داخل ما يسمى بإسرائيل بشتى الوسائل والسبل ابتداء من الدعم الشرعي ( وأقصد به تنقية المنهج من البدع والضلالات إن وجدت وتصحيح المفاهيم والتصورات إن اختلت وذلك عبر التواصل والمناصحة من خلال كافة القنوات المتاحة ) وانتهاء بالدعم المادي (دعم المؤسسات الثقافية والاجتماعية والخيرية والأغاثية وغيرها ) ومما يؤسف له أن كثيرا من الدعاة والمثقفين لا يعرف أن هناك حركة إسلامية كبيرة ونشطة داخل الخط الأخضر في فلسطين من عرب 48 وأنها تحظى بتأييد أكثر من مليون وربع المليون من عرب 48 وأن الحكومة الإسرائيلية تعترف بها بل إن كل خطط تعمير الأقصى المبارك وافتتاح قاعات ملحقة بالأقصى للصلاة فيها كان لهؤلاء الفضل في القيام بها ؛ ويقف على رأس هذه الحركة الشيخ المجاهد المناضل رائد صلاح سدد الله خطاه واخلص له النية ،بل إن هذه الحركة الإسلامية نجحت – بعد بناء هياكلها – في الفوز برئاسة العديد من البلديات العربية عبر انتخابات محلية ضمن سعيها لتحسين أحوال فلسطينيي 1948 فلا بد لنا من دعمها بالدعاء والنصح والتوجيه والمال من الأسباب المادية للذب عن مسرى رسولنا صلى الله عليه وسلم المقاطعة الاقتصادية لكل الشركات اليهودية التي تدعم الصهاينة في فلسطين وأسماء هذه الشركات معروفة ومعلومة لدى الجميع ومن لا يعرفها فعليه البحث عن المواقع المتخصصة بموضوع المقاطعة وهي كثيرة جزى الله القائمين عليها كل خير ، وإنك لتتعجب أشد العجب من كثير من الأخيار الذين لا نشك قيد أنملة في تدينهم وإخلاصهم في الدفاع عن القضية الفلسطينية عندما تراهم يمتطون المركبات الأمريكية الفارهة ، وقد تبضعوا من المتاجر الكبيرة ،وقد كسوا أبناءهم ونساءهم من أسماء تلك الماركات العالمية ، ولا بأس من وجبة ماكدونالدز أو ما شابه ،ولا ضير من الهاضم الكوكا كولا المعبأ عندنا ، وهم يعلمون علما يقينيا لايتسلل له أدنى شك بأن هذه الشركات تدعم الكيان الصهيوني كل على حسب إيمانها وإحسانها ، وعندما تناقشهم في ذلك لا تجد إلى الحجج الواهية السخيفة ،ولا تسمع إلا قليلا من الحوقلة والتأفف مع شيئا من اللعانات على تلك الشركات ومن خلفها، إنه لمن العار والله أن لا يستطيع احدنا أن يضحي بشيء لا أقول من راحته وقوته وقوت عياله ،بل أقول من نهمه(12/46)
وترفه وإغراقه في الملذات في سبيل نصرة إخوانه في فلسطين ،ولا استطيع أن افهم حتى بعيدا عن العقيدة والولاء والبراء كيف يعطي إنسان لعدوه ماله الذي يعلم يقينا انه يحاربه ويقتله به حتى عبر المتاجرة مع انتشار البدائل المتعددة ، إننا لا نطالب المسلمين وفقا للمصالح والمفاسد على الأقل في هذا الزمان أن ينضووا تحت شعار : " ويلَ أُمِّه مِسْعَرُ حَرْبٍ لو كَان لَه أحَدٌ " والذي فهمه أبو بصيرٍ ـ رضي الله عنه ـ، يوم قالها له النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن انفلت من المشركين لما أسلمه النبي صلى الله عليه وسلم لقاصدِ قريش، فأتى سيف البحر فانضم إليه جماعة، فكانوا يُؤْذون قريشاً في تجارتهم، فرغبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يُؤويهم إليه ليستريحوا منهم، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم( ، ولا نطالبهم بما فعله ثمامة بن أُثال سيد بني حنيفة ، يوم أخذ على نفسه ألاَّ يصل إلى كفار مكة حبة حنطة حتى يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم : " أنْ خَلِّ بَينَ قَوْمِي وبينَ مِيرَتِهم إننا نريد من كل مسلم على الأقل وهذا أضعف الأيمان أن يجاهد اليهود ومن يساعدهم بمكابدته لشهوة الطعام وتركه لأصناف وأكله أصنافا آخر ،وبمنازلته لرغبتة الجامحة لركوب السيارات الأمريكية ،وبمبارزته لحب الماركات العالمية "زعموا" من بضائع الشركات اليهودية من الملابس ومستحضرات التجميل وغيرها
=============
الصبر ثوابه وأثره
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين ، أثاب العاملين ، ووعد الشاكرين والصابرين ، وأخبر أن الصبر خيرٌ للمكلفين ، فقال سبحانه أصدق القائلين : {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ }.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له العلي الكبير العليم القدير جرت مشيئته في خلقه بتصاريف الأمور ، وخلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب القلب الرحيم والصبر الجميل والخُلُق العظيم صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان .
أما بعد :
فيا أيها المسلمون :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.
أيها الناس :
لقد أيقن العقلاء أن هذه الدنيا ليست بدار بقاء ، وإنما هي دار الابتلاء ، فليس لمخلوق فيها بقاء إذا الأمر كما قال ربنا ـ حلَّ وعلا ـ : {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }. نعم إنها كما قال ربنا ـ متاع الغرور ـ إذا أقبلت أدبرت ، وإذا أضحكت أبكت ، وقلما امتلأت دارٌ سروراً إلا امتلأت حزنا.
رأيت حياة المرء رهناً بموته ... وصحته رهنا كذلك بالسَّقَمْ
إذا طاب لي عيشٌ تنغّص طيبهُُ ... بصدق يقيني أن سيذهب كالحلمِ
ومن كان في عيشٍ يراعي زوالَهُ ... فذلك في بؤسٍ وإن كان في نِعَم
همومٌ وأحزان وغموم وأتراح ... مصائبٌ ورزايا ومحنٌ وبلايا
فكم ترى من شاكٍ ، وكم تسمع من لوّام ، هذا يشكوا مرضاً وألما ، وذاك يشكوا حاجة وفقرا ، وهذا مصيبته موت عزيزٍ عليه من ولدٍ أو والد أو زوجة أو صاحب أو أخ محب ، فهذه أيامها يوم لك ويوم عليك ، يومٌ تُعزي فيه ويومٌ تُعَزّى فيه ، دار غرورٍ لمن اغترَّ بها ، وهي عبرةٌ لمن اعتبر بها .
أيها المسلمون : إن خيرَ ما تواجه به أحداثُ الحياة ، ومصائبُ الدنيا وأفضل عُدة ، الصبر على الشدة .(12/47)
الصبر الذي هو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فهو سترٌ من الكروب وعونٌ على الخطوب . جعله الله جواداً لا يكبو ، وصارماً لا ينبو ، وجنداً لا يُهزم ، وحصناً حصيناً لايهدم ولا يثلم فالنصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، والعسر مع اليسر ، إنه خلقٌ فاضل من أخلاق النفس يمتنع به المرء من فعل ما لا يَحْسُن فهو استسلام لما يقع على المرء مما يكره ولذلك قالوا : الصبر هو حبس النفس عن الجزع واللسان عن التشكي والجوارح عن لطم الخدود ونحوها .ولقد تكرر الأمرُ بالصبر في كتاب الله في مواضع كثيرة حتى أُثر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال : ذكر الله الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعاً .وما ذاك إلا لمكانته وضرورته ، وحاجة الناس إلى الإستمساك به فنزولُ المصائب والكوارث يحتاج إلى الصبر ، والعللُ والأمراضُ تحتاج من المرء إلى صبر ، والحاجةُ والفقر تحتاج إلى صبر ، والدعوة إلى الله وما ينالُ الداعي من الأذى القولي والفعلي يحتاج إلى صبر واقرأ في كتاب الله {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ} {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }.بل إن نفسك التي بين جنبيك تحتاج إلى صبر على مجاهدتها على طاعة الله ، وترك ما حرم الله ، ولذلك أمر الله بالاستعانة بالصبر والصلاة فقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين }فهو سبحانه يعلم ضخامة الجهد الذي تقتضيه الإستقامة على الطريق بين شتى النوازع والدوافع ، والذي يقتضيه القيام على دعوة الله في الأرض بين شتَّى الصراعات والعقبات ، كل هذا لا بُدَّ له من صبر على الطاعات وصبر عن المعاصي ، وصبرٍ على مجاهدة المنافقين والمناوئين ، ولا بُدَّ مع هذا من الصبر على بطئ النصر وبعد الشُّقة والصبر على انتفاش الباطل وقلّة الناصر وطول الطريق الشائك {إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } بتأييده ونصره وتثبيته وإعانته ، فلا تستطيلوا الطريق ، ولا تستعجلوا فربكم أعلم بكم . في صحيح البخاري عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد بردةً في ظل الكعبة فقلنا : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعوا لنا ؟ فقال : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه .. والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ) .
أيها المسلمون :
لقد أثنى الله في كتابه على الصابرين وبيَّن أنهم هم المهتدون قال تعالى : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } وقال سبحانه : {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ } . وأقسم سبحانه أنه يجازي الصابرين بأحسن أعمالهم ويتجاوز عن سيئها قال سبحانه : { ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } وقال عز وجل : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } .
ولقد جمع الله للصابرين ثلاثة أمور لم يجمعها لغيرهم : وهي الصلاةُ منه عليهم ورحمته لهم وهدايته إياهم قال تعالى : { وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } .
أيها المسلمون :
إن الصبر نورٌ لأصحابه قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والصبر ضياء ) رواه مسلم . فإنه لما كان شاقاً على النفوس يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها وكَفّها عما تهواه كان ضياءً .
والصبر المحمود أنواع : من صبر على طاعة الله عز وجل ، ومنه صبرٌ عن معصية الله عز وجل ، ومن صبر على أقدار الله عز وجل .والصبر على الطاعات وعن المحرمات أفضل من الصبر على الأقدار المؤلمة كما صرح بذلك السلف .هذا ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر عند الصدمة الأولى لأن مفاجآت المصيبة لها روعة تهزُّ القلب فعندما يصبر للصدمة الأولى تنكسر حدتها وتضعف قوتها ويهون بعد ذلك استدامة الصبر واستمراره فلقد مرَّ صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي على صبي لها فقال : ( اتقي الله واصبري ) فقالت : إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها : إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت بابَ النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت : لم أعرفك فقال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) متفق عليه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يقول الله تعالى : ما لعبدي عندي جزاءٌ إذا قبضتُ صفيه من أهل الدنيا ثم احسبه إلا الجنة ) رواه البخاري . وقوله صفيه : أي حبيبه وصديقه المصافي من ولد أو والد أو زوجة أو صديق أو غيرهم .(12/48)
وبالصبر على البلاء يَدْخل المؤمنُ الجنة فقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع وإني أتكشف فادع الله تعالى لي . قال : إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك . فقالت : أصبر ولكني أتكشّف فادع الله أن لا أتكشّف فدعا لها ) متفق عليه . وعن أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله عز وجل قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ( أي عينيه ) فصبر عَوّضتُهُ منهما الجنة ) رواه البخاري . وفيه أيضا عنه صلى الله عليه وسلم قال : ( من يرد الله به خيراً يصب منه ) .
وشأن أهل الإيمان أنهم يقابلون البلاء بالصبر والنعمة بالشكر فكل أمرهم خير قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كُلَّه له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن : إن أصابته سَرّاءُ شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له ) رواه مسلم . وفي الحديث الصحيح عند الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال : صلى الله عليه وسلم فيا من أصيب بفقد عزيز عليه ، ويا من يضيق بدينٍ عليه ، ويا من قد ابتلي بمرض يقلقه أولدٍ يَعُقُه أو منافق يؤذيه : صبرٌ جميل فإن النصر مع الصبر ، وبالصبر يتوقع الفرج ، ومن يُدمن قرع بابٍ يلج ، والصابر ثوابه الجنة .
يا هؤلاء : إن الجزعَ لا يردُّ الغائب ، ولكن يسرُّ الشامت ، ومن قَلَّ صبره عَزَب رأيه واشتدَّ جزعه فصار صريع همومه وفريسة غمومه وقد قال تعالى : { واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور } .
إن الأمور إذا سُدّت مطالبها ... فالصبر يفتق منها كل ما ارتَتَجا
لا تيأسنَّ وإن طالت مِطالبةٌ ... إذا استعنت بصبرٍ أن ترى فرجا
اخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمنِ القرع للأبواب أن يلجا
وتأسوا بذوي الغير ، وتسلوا بأولي العبر ، فهم الأكثرون عدداً الأسرعون مدداً ، فستجدون من سلوة الأسى ، وحسن العزا ، ما يخفف المصاب والبلاء ، فلقد جرى من الابتلاء للرسل والأنبياء والصالحين والأولياء من التكذيب والأذى فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصر الله وفرجه .
أيها المسلمون :
خير ما تواجه به المصائب والنكبات ، الإيمان الصادق بالقضاء والقدر وأن ما أصاب المرء لم يكن ليخطئه وما أخطاؤه لم ليصيبه . ومعرفته بعظيم ثواب المصيبة وجزيل أجرها . والالتجاء إلى اله عند وقوع ما تكره بكثرة الدعاء ودوام الاستغفار وكثرة الصدقة والإحسان على الفقراء والأيتام والمحتاجين ، هذا ومما ينبغي أن تتذكره أن هذه الدنيا متاعٌ زائل وأن الآخرة هي دار الجزاء والقرار .
ألا فاتقوا الله رحمكم الله وتسلحوا بالصبر ورَبُّوا أنفسكم عليه فإنه خير ما أعطي المرء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ومن يتصبّر يصبِّره الله وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر ) متفق عليه .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الصبر ثوابه وأثره
الحمد لله الذي وعد الصابرين والصابرات مغفرةً وأجراً عظيماً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب المشرق والمغرب فاتخذه وكيلا ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد:
فيا أيها المسلمون : اعلموا أنه لما كان الصبر بهذه المنزلة من الدين أعدَّ الله للصابرين جزاءً عظيماً فجاء في كتاب الله بأن أهل الصبر يستحقون البشرى فقال : { وبشر الصابرين } كما أخبرنا ـ سبحانه ـ بأن الصبر هو طريق الخير فقال : { وإن تصبروا خيرٌ لكم والله غفور رحيم } . كما جاء في كتاب الله أنه ـ سبحانه ـ يحب أهل الصبر فقال : { والله يحب الصابرين } وبأن عاقبة الصبر الجنة قال سبحانه عن عباد الرحمن : { أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقّون فيها تحية وسلاما } .
فلا عجب ـ عباد الله ـ أن يسبق إلى مقام الصبر أنبياء الله والصالحون من عباده .
هذا الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ـ صبر على طاعة الله ورابط وقال الله فيه : { وإبراهيم الذي وفى } قال ابن عباس : ما قام أحدٌ بدين الله كلِّه إلا إبراهيم عليه السلام قدم بدنه للنيران ، وطعامَه للضيفان وولَده للقُرْبان ولذا جعل الله هذه النار التي أوقدت له برداً وسلاماً قال تعالى : { قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } .
نوح عليه السلام صبر على دعوته ألف سنة إلا خمسين عاماً . وأيوب عليه السلام تقلب في البلاء ما يقرب من عشرين عاما فنادى ربه { أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } فاستجاب الله له وكشف ضره وقال عنه : { إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب } .
أما إمام المتقين محمد ابن عبد الله خليل الله ورسوله فقد بلغ الغاية في الصبر في ذات الله وعلى طاعته وأقداره .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في الصبر والمصابرة(12/49)
* عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشدَّ من يوم أُحد ؟ قال : ( لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشدَّ ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردُّوا عليك وقد بعث الله إليك مالك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلَّم علي ثم قال : يا محمد ! فقال : ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً )
* عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت : يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً قال أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم . قلت ذلك بأن لك أجرين قال : أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى ـ شوكة فما فوقها ـ إلا كفر الله بها سيئاته كما تَحُطُ الشجرة ورقها )
* وعن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال : ( دَمِيَتْ إصبعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك المشاهد فقال : هل أنت إلا إصبعٌ دميتِ وفي سبيل الله ما لقيت )
فيا أيها المسلمون : جاهدوا أنفسكم على الصبر والمصابرة فإن الحياة لا تصلح بلا صبر ومن يصبر صبر الكرام سلا سلوا البهائم وإن الله مع الصابرين .
=============
مقتل حاكم العراق
الخطبة الأولى
الحمد لله العلي الأعلى؛ خلق فسوى، وقدر فهدى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، نحمده على نعمه التي لا تحصى، ونشكره على فضله الذي لا ينسى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ قسم الدين بين عباده فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، وقسم بينهم الدنيا فيؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله؛ اصطفاه الله تعالى على العالمين نذيرا وبشيرا، وجعله سراجا منيرا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فإن الدنيا مهما طالت زالت، ومهما أزهرت أغبرت، وكم من عزيز تجرع ذلها! وكم من غني ذاق فقرها! ولا يبقى للعبد منها إلا ما عمل فيها {يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}.
أيها الناس: مضى عيد المسلمين الكبير بعد أن وقفت جموع منهم على صعيد عرفة يقيمون ذكر الله تعالى، ويعظمون شعائره، يباهي بهم ربهم عز وجل ملائكته، فهو سبحانه من شرع لهم دينهم،ورضي منهم عملهم، فأدوا لله تعالى نسكهم، في لباس واحد، ومكان واحد، وشعار واحد.
وفي يوم العيد الأكبر ذبح المسلمون ذبائحهم، وتقربوا لله تعالى بهداياهم وضحاياهم، قائلين: بسم الله والله أكبر، اللهم إن هذا منك ولك، فما أعظمها من عبادات، وما أجلها من شعائر، تأخذ بالقلوب، وتسيل الدموع؛ فرحا بالله تعالى وبالاجتماع على ذكره وشكره وحسن عبادته، فهنيئا لكم أيها المسلمون ما هديتم إليه من الشرائع، وما قام في قلوبكم من تعظيم الشعائر، واشكروا الله تعالى إذ هداكم، وسلوه الثبات على دينكم.
وخلال هذه الأيام المباركة التي باركها الله تعالى بأن جعلها أفضل أيام السنة، وقضى بأن العمل الصالح فيها أفضل من العمل في غيرها، واختصها بشعيرتي الحج والأضحية، في تلك الأيام المباركة كانت أمة النصارى الضالة تحتفل بعيد ميلاد المسيح عليه السلام وعيد رأس السنة الميلادية في جملة من الشعائر الشركية،والمراسم الشهوانية،التي تشبع غرائزهم ولا تصلح قلوبهم، وترضي شيطانهم، وتسخط ربهم عليهم، ولا تزيدهم إلا ضلالا على ضلالهم،وبعدا عن مناهج الأنبياء وشرائعهم.
وقد تابعهم في ضلالهم هذا جملة من المسلمين، يفرحون بأعياد الضالين، ويشدون رحالهم إليها، ويبحثون عنها في مظانها..يعبون من شهواتها، ويتمتعون بزخارفها، ويهنئ بعضهم بعضا بها، في حين أنهم يضجرون من أعياد المسلمين، فيعطلون شرائعها، ولا يعظمون شعائرها، فنعوذ بالله تعالى من الضلال بعد الهدى، ومن الغفلة والهوى.(12/50)