أخي الحبيب، الإسلام يدعو إلى الحب بين البشر جميعا، كما يفهم من التوضيح السابق، حتى ولو لم يقبلوا بالدين الكامل، الذي به تتم سعادتهم في الداريْن، دين الإسلام، لأن الحب هو أصل كل تعامل حسن،لكنه يريد أن يكون هذا الحب منضبطا، لا لتقييده، ولكن لكي يؤتي ثماره وتمتنع أضراره، فيكون في سن مناسبة، ونظن أن سنكما سن الجامعة مناسبا، ويكون في النور، وفوق الأرض، لا تحتها في الظلام، أي بمعرفة الأسرتين، ويكون بالضوابط الشرعية، والتي هي نافعة مفيدة للطرفين، كعدم الخلوة، وهي أن يجتمع المتحابان في مكان يأمنان فيه من اطلاع الغير عليهما، حتى لا يقعا في ضرر الفاحشة، وكغض البصر، وكأن يكون الكلام حلالا وفيما يفيد، ثم يطلب الإسلام بدء إجراءات إتمام هذا الحب بالخطبة والزواج، الذي سيحقق تمام السعادة والاطمئنان.
فابدأ - أخي الحبيب - بمصارحتها بحبك، بصورة لائقة مهذبة مناسبة مباشِرة أو غير مباشِرة، وفي توقيت ومناخ مناسبين، ومن الممكن استخدام الرسائل ذات الكلمات الحلال، وانتظر مصارحتها هي أيضا بحبها لك، بأدب وعفة، حتي لا يكون الأمر مجرد أوْهام.
ثم تعاونا سويا على إقناع أسرتيكما بأن تقوما بالإعداد لكيف تبدءان الحديث ومع من، ويفضل البدء مع الأقرب لكما، ومَن يتفهَّم حبكما وُيقدِّره، وتبدأ هي بمفردها مع مثل هؤلاء بالتمهيد كأمها، أو أخيها، أو خالها، أو عمها، أو أبيها، وذلك بحسب ما ترى أيهم يُحتمل قبوله للأمر؛ ليكون هو عونا لكما بعد ذلك علي إقناعهم، فإن قبلوا فابدأ أنت بالتمهيد لأسرتك، كذلك باختيار من تبدأ بإقناعه ليساعدك علي إقناع الآخرين، ولعلكم تستعينون بما سبق ذكره من تفاصيل، ثم مع الدعاء والصبر، سيوافقون بإذن الله، إنْ عَلِمَ الله سبحانه في ذلك خيرا لكما ولمن حولكما، وستنكسر أي عقبات أمام قوة حبكما.
وفي رأيي ألا تحدثها الآن عن الإسلام، فهذا في ذاته قد يكون دعوة لها؛ لأنك ستتزوجها وهي علي دينها، فهذا سيحرك فطرتها النقية وعقلها المُنصِف لمرونة إسلامنا، فيدفعها لمزيد من السعي للتعرف عليه، ثم بالإضافة إلى حسن تعاملك معها مستقبلا، وحبك لها كزوج، وحبك لأبنائها وأبنائك كأب، وحبك لآبائها وأسرتها كإبن لهم، ستسلم بإذن الله ومعها أقربائها كلهم، أو بعضهم، وسيكون لك أعظم الثواب، كما يقول صلى الله عليه وسلم: "فوالله لأن يهدي الله رجلا بك ، خير لك من أن يكون لك حمر النعم" رواه البخاري.
أما إن لم توافق هي، أو لم يوافقوا أهلها، فاصبر واحتسب، واعتبر الأمر ابتلاء، وابتعد عنها، وانشغل بما هو حلال ونافع من عمل، ٍأو علم، أو رياضة، أو نحو ذلك، وتواجَد وسط صحبة صالحة تعينك علي كل خير، وتمنعك من أي شر، ثم ابدأ بعد زوال حبها من قلبك في اختيار زوجة أخري صالحة، تبدأ معها حبا جديدا وتسعدك وتسعدها.
وفقك الله وأعانك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
============
"فلسفة الحج في الإسلام" في تجمع الطلاب الكاثوليك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
في الفصل الدراسي السابق كتبت لكم لأستشيركم في تجهيز محاضرة عن"أعياد المسلمين" في تجمع الطلاب الكاثوليك ، وتم إلقاؤها بحمد الله في اللقاء مع تجمع الطلاب الكاثوليك.
واللقاء مستمر في هذا الفصل الدراسي، وموضوع اللقاء سيكون "الحج في الإٍسلام وفي المسيحية"، وأحتاج إلى مشورتكم التي ساعدتني في المرة السابقة.
ما هي المعاني التي يحملها الحج، وعليّ أن أوصلها إلى المستمعين من غير المسلمين؟
ونسأل الله الكريم التوفيق وقبول العمل.
…السؤال
دعوة غير المسلمين, ثقافة ومعارف …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…يقول الأستاذ تامر أبو السعود، الداعية الإسلامي بكندا، وعضو فريق الاستشارات:
أخي الحبيب، بداية أود أن أرحب بتواصلك معنا، وأحيي فيك هذا الحرص الشديد على تقديم أفضل صورة عن الإسلام لغير المسلمين، كما أسأل الله العظيم أن يوفقك لكل خير، وأن يجعلك سببا لمن اهتدى.. آمين.
أما بالنسبة لسؤالك، فإنني أرى أن تقسِّم حديثك عن الحج إلى ثلاثة محاور:
الأول: التعريف بالحج، ومعناه، وعلى من يجب، وهذا مدخل طبيعي للموضوع بشكل عام.
الثاني: الكلام عن مقصود العبادات بشكل عام في الإسلام ومن بينها فريضة الحج.
الثالث: تبيين فلسفة الحج، وإظهار بعض أسراره وحكمه التفصيلية.
التمهيد:
* تبدأ بتعريف كلمة "الحج" وترجمتها إلى اللغة التي تتحدث بها، ثم تبيّن مركز هذه العبادة كركن خامس في الإسلام، أوجبه الله تعالى على كل مسلم قادر على أداء الفريضة: (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).
* ثم بعد ذلك تعطي نبذة مختصرة عن الكعبة، وبناء المسجد الحرام، وتاريخ الحج.. ويمكن الرجوع إلى كتب السيرة للحصول على هذه المعلومات التاريخية.
وفي حديثك عن الكعبة ينبغي أن تركز على الارتباط الروحي الذي يحمله كل المسلمين في بقاع الدنيا لبيت الله الحرام، وكيف أنهم يتجهون إليه في صلاتهم خمس مرات في اليوم والليلة، وواجب على المستطيع منهم زيارته ولو مرة في العمر.(9/250)
* ثم تتكلم عن سر تعلق المسلمين بهذه الفريضة واهتمامهم بها إعلاميا، فالحجّ ملاذ كلِّ المسلمين، فالعابدون يزدادون قربًا من مولاهم، والعصاة يستروِحون عَبَق الرحمات، في هذه الأجواءِ الإيمانية الآمنة، يلتمسون عفو الله ومغفرته ورحمتَه ورضوانه، كما أن حجّ بيت الله الحرام بابٌ رحبٌ لحطِّ الأوزارِ والآثام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص عند إسلامه: "أما علمتَ أنّ الإسلام يهدِم ما كان قبله، وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحجّ يهدم ما كان قبله" رواه مسلم، وقال: "من حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" متفق عليه، وأن ثوابه جنات النعيم، يقول المصطفى: "الحجّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة" رواه مسلم.
مقاصد العبادات في الإسلام:
* ثم بعد هذه التوطئة تتحدث عن مقاصد العبادات في الإسلام، وهذا أيضا مدخل مهم لسببن:
الأول: حتى يعلم غير المسلمين أن كل العبادات في الإسلام لها أثر على حياة المسلمين، وبذلك يفهمون مكانة العبادات في الإسلام.
والثاني: أن هناك بعض المناسك في الحج ربما كانت مثار جدل إذا ما نوقشت من زاوية المغزى والهدف المنشود من ورائها، خاصة وأن العقلية الغربية جبلت على مناقشة كل شيء، فلذلك ينبغي أن يتضح هذا في بداية الأمر.
فأما عن مقاصد العبادات في الإسلام فهي عديدة، فالشريعة – كما قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" -: "مبناها وأساسها الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها".
وقد ألمح القرآن الكريم إلى هذه المقاصد بصورة مجملةٍ ضمن سياق الحج في قوله سبحانه وتعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)، وهذه الآية صريحة في اشتمال الحج على منافع للناس، وحمل المنافع المشار إليها في الآية الكريمة على منفعتي الدنيا والآخرة معًا أكثر وجاهة، خاصة وأن تنكير المنافع في الآية يدل على عمومها وكثرتها.
والمقصود الأول للعبادات في الإسلام إصلاح الإنسان وتهذيبه وتربيته، ويفضل هنا أن تسوق بعض الأمثلة على ذلك:
- ففي الصيام قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
- وقال عن الصلاة: (إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ).
- وقال عن نحر الأضاحي في الحج: (لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ).
* ثم بعد ذلك توضح أن هذا هو المقصود الأسمى للعبادات في الإسلام، وأما تفاصيل كل عبادة والحكمة من ورائها فهذا مما لا يدركه العقل البشري لقصوره، ولكننا نتعبد بطاعتنا لله. ولعل في تقبيل عمر بن الخطاب رضي الله عنه للحجر الأسود في الحج، ومقولته المشهورة: "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" مثال صريح على ذلك.
الحج وتربية النفوس:
* ثم بعد ذلك يمكن أن تتكلم بشيء من التفصيل عن بعض الغايات المقصودة من الحج في الإسلام، والأفضل –من وجهة نظري، والأعمق أثرا في نفس المستمع الغربي- التركيز على الجانب الأخلاقي والاجتماعي، ومن هذه الغايات المنشودة ما يلي:
1- تأصيل قضية التوحيد في النفوس وتأكيدها:
فالإسلام دين الوحدانية، والحج – كغيره من العبادات – يشترط فيه الإخلاص وإسلام الوجه وقصد الخالق الأوحد بالعبادة: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ)، وفي التلبية -وهي شعار الحج- تأكيد صريح على قضية التوحيد وإفراد الله بالنسك "لبيك اللهم لبيك؛ لبيك لا شريك لك لبيك.."، وحجّاج بيت الله يصطفون في هذه البقاع الطاهرة من آفاق الدنيا كلِّها قائلين: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، كل هذا يعمّق عقيدة التوحيد في قلب كل مؤمن.
2- تأكيد عالمية الرسالة:
فالحج مؤتمر إسلامي عالمي كبير؛ تتحقق فيه الوحدة في مصدر التلقي، وفي قصد القلب، وفي عمل الجوارح، وفي الزمان والمكان واللباس والذكر والمناسك، وتذوب فيه فوارق اللغة واللون والإقليم بين المسلمين، وكما جمع الإسلام من قبل بين أبي بكر العربيّ وصهيبٍ الروميّ وبلال الحبشيّ وسلمان الفارسيّ وغيرهم من شتّى القبائل والبلدان، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وكونوا عبادَ الله إخوانًا" متفق عليه، فإنه يؤلف بين المسلم في جاكرتا وبين إخوانه في الصين وأمريكا وكندا وأوربا ومصر وغيرها من بلاد الدنيا، الكل يعتقد في إله واحد، ويردد هتافا مشتركا، ويؤدي مناسك واحدة.
3- تأكيد مبدأ المساواة ورفض التفرقة العنصرية بين الأجناس المختلفة:
فشعائر الحجّ تدعو إلى محو فوارق اللون واللغة والجنس، والحجاج يأتون من كل صوب تجمعهم أخوّةٌ إيمانية صادقة، ووحدة صافيةٌ، ومساواة عادِلة، فقد ذابت بينهم الفوارق العِرقية، وتبدّدت كلُّ مظاهر الاعتزاز بالجنس أو اللون، بدءًا من الإحرام حتى لا يكون هنالك تفاضل بين غني وفقير، أو بين عالم وجاهل، أو بين أبيض وأسود، أو بين حاكم ومحكوم، فكل هذه الامتيازات تلغى حينما يلبس الجميع قطعتي ثوب غير مخيط، ويتأكد معيار المفاضلة والتكريم الذي وضعه القرآن الكريم: "إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم"، فالتقوى هي النسَب، وهي التي ترفع صاحبَها وتُعلي قدرَه؛ لا فضل لعربي على عجميّ ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
4- تأكيد مفهوم الارتباط التاريخي عند المسلم:(9/251)
ففي الحج يتعرف المسلمون على الأرض التي كانت مهد الرسالة؛ وفي المناسك يتذكرون كيف ضحى الأولون من أجل توصيل الرسالة، وكيف يجب على من بعدهم تكملة المسيرة والسير قدما بهذه الدعوة، ومع كل نسك يتذكر الحجيج العبرة من التاريخ، وكأن الحج قراءة عملية للتاريخ.
ويحسن هنا إعطاء مثالين من مناسك الحج وشرح العبرة منهما، مثل الصلاة عند مقام إبراهيم وتأكيد امتداد هذه الرسالة، والسعي بين الصفا والمروة ودرس التوكل على الله عبر التاريخ.
5- الارتقاء الروحي وتهذيب النفس:
فعبادة الحج روحية بالدرجة الأولى، ففيها ترقى الروح إلى أعلى المدارج، حيث يتخفف الحجيج من مفاتن الدنيا، ويسمون فوق أوضار الحياة، فلا مخيط ولا حذاء ولا عطر في الإحرام، ولا جماع... إلخ، كل هذا حتى تتعود النفس الخروج عن المألوف، وترقى روحيا من خلال المناسك والتلبية والدعاء والذكر.
يقول الله تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَات)، ويقول: (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ويقول صلى الله عليه وسلم: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة" رواه الترمذي، وقال الألباني حديث حسن.
ويظهر هذا الرقي الروحي جليا حينما يذبح الحاج هديه حيث يذكر الله: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ)، وقال: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ).
حتى إذا ما انتهى الحاج من حجه فعليه أن يلزم ذكر الله ولا يدعه: (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا).
6- رحلة إلى الدار الآخرة:
فالحج فيه تذكرة باليوم الآخر في مواقف مختلفة تحصل للحاج، منها:
- خروجه من بلده ومفارقته أهله، حيث يذكره ذلك بالفراق حال الخروج من الدنيا.
- والتجرد من المخيط وترك الزينة يذكر بالكفن وخروج العباد من قبورهم حفاة عراة غرلا.
- والترحال والتعب والازدحام مع العطش والعرق يذكر بمواقف عرصات القيامة وحشر العباد.
7- التربية على الأخلاق الحسنة والخلال الحميدة:
وهي كثيرة في الحج، ومنها:
- كظم الغيظ وترك الجدال، ولا شك أن هذه صفة يحتاجها الناس في حياتهم الاجتماعية وفي أماكن عملهم، يقول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ)، فالرفث هو الجماع ودواعيه من قول أو فعل، والجدال: أن تجادل صاحبك حتى تغضبه ويغضبك.
- التواضع، حين لا يمتاز أحد عن أحد، وليس لحاج خاصية أو ميزة عن غيره من الحجاج في الأمور الدينية، فالأركان والواجبات والمسنونات متماثلة في حق الجميع.
- الشعور بالمسؤولية وتحمل تبعات الخطأ، ويظهر ذلك جليًّا في وجوب الفدية على من ارتكب محظورًا من محظورات الإحرام أو ترك واجبًا، ولاشك أن الشعور بالمسؤولية وتحملها علامة نضج وكمال الإنسان، وهي غاية من غايات التربية.
- اجتناب العنف، فأعمال الحج في مجملها تدل على اجتناب العنف.. مثل: عدم الإسراع في الطواف، وتحريم الجدال، وغيرها مما قد يُحدث العداوة، ومن ذلك أيضا تحريم صيد الطيور وحيوانات البر، بل ويحرم على الحاج قبول شيء مما يصطاده الآخرون، وكذلك مساعدتهم بإعطائهم السكين وغيرها، ويجوز للحاج أن يقتل حيوانًا مؤذيًا كالأفعى، وله كذلك أن ينحر الأضاحي، كجزء من مناسك الحج، أما ما عدا ذلك؛ فحرام على الحاج أن يصطاده.. وغير ذلك مما يهدف إلى شحذ حس الحاج بهذا الخلق العام، لكي يراعيه مراعاة أفضل عقب عودته من الحج، فيعيش مسالمًا بين الناس في غير أيام الحج.
- الصبر على المصاعب والمشقات، ففي الحج تمرين للمسلمين وتعويد لهم على تحمل بعض الأعمال الشاقة التي تتمثل في تلك الرحلة خلال المناسك من مكة إلى منى، فعرفات، فالمشعر الحرام، ثم العودة خلالها، والطواف بالكعبة، والسعي بين الصفا والمروة.
- التوكل، وهو درس من السعي بين الصفا والمروة حيث يتذكر الحجيج كيف كانت "هاجَر" عليها السلام تسعى بين الصفا والمروة سبع مرّات بتصميم وثباتٍ وعدم يأس، متخذة في ذلك كل الأسباب، باذلة جُهدًا مضنيًا مع توكُّلٍ على الله، وهي بهذا ترسم الطريق في كلِّ عصرٍ ولكل جيل لشحذِ الهمّة، وبذل الجهد لطرق أبواب الخير مرّةً وثانية وثالثة، بتصميم لا يتردّد، وعزمٍ لا يلين، مع صدقٍ في التوكُّل على الله سبحانه.
إلى غير ذلك من الأخلاق والمواقف التربوية التي يمكن أن تضاف إلى ما ذكرنا، وبالله التوفيق، وإلى مزيد من التواصل إن شاء الله.
===============
كيف أمارس الدعوة؟
أنا مهندس، وأتمنى أن أعمل بالدعوة، ولكن المجهود الفردي لا يعول عليه كثيرا، ولذا أريد أن أدخل مجال الدعوة من خلال هيئات أو مؤسسات، مع العلم أن لغتي الإنجليزية جيدة.
أريد من يأخذ بيدي، وكيف أبدأ؟.
ولدي سؤال آخر: إن عملت بالدعوة، فماذا عن لقمة العيش؟ فأنا لدي أسرة، وماذا يفعل الدعاة فيما يتعلق بذلك؟
أرجو الاهتمام.
…السؤال
الدعوة الفردية, وسائل اجتماعية …الموضوع
الدكتورة حنان فاروق…المستشار(9/252)
……الحل …
…السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
نشكرك - أخي الكريم - على تواصلك معنا، وثقتك بنا، وحرصك على الدعوة والعمل بها، يقول الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
إن الدعوة أمانة في قلب كل مسلم، إن بلغها فقد أدى أمانته، وإن كتمها فقد أثم، ومن رحمة الله بعباده المسلمين أن الدعوة واسعة المجالات، متعددة الوسائل والسبل، وعلينا ألا نستهين بأي وسيلة، ولا نترك أي ثغر ولا منبر يفتح لنا إلا ونستفيد منه، ونفيد غيرنا.
وأراك - أخي - تستصغر الدعوة الفردية، وترى أنها غير مجدية، وربما أراها من أكثر الوسائل نفعا، وأعظمها بركة، إن صدق فيها الإخلاص لوجه الله تعالى، وعن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" رواه مسلم.
ويحكي لنا التاريخ عن رجال حملوا عبء الدعوة وهم فرادى، لا ناقة لهم ولا جمل، ومع ذلك فعلوا ما لم تفعله المؤسسات الضخمة والجماعات المنظمة، فهذا مصعب بن عمير ذهب وحده إلى المدينة، وعاد بدار هجرة آمنة للمسلمين بعد أن كانوا غرباء مضطهدين، وهذا الشيخ عبد الله بن يس ذهب إلى صنهاجة في إفريقية وحيدا، فكان بصدقه وإخلاصه علمه وجلده، مؤسسا لدولة المرابطين، التي امتد ملكها من أواسط أفريقيا جنوبا، وحتى الأندلس الأوروبية شمالا.
ولو كانت الدعوة الفردية غير مجدية لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر في بعض حديث له: "فو الله لأنْ يهدي الله بك رجلاً واحدًا، خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النعم" رواه البخاري.
أضف إلى ذلك أن عملك الدعوي لا يجب أن يطغى على عملك كمهندس؛ لأن الأمة تحتاجك مهندسا صالحا، صادقا، تبنيها وتعمرها بفضل الله، ثم بإخلاصك في عملك، وأيضا لتكون مثلا لغيرك من الموظفين والأطباء والمهندسين يُحتذى به، والإخلاص والإتقان في العمل في حد ذاته دعوة إلى الله، وإلا فكيف تكون الدولة الإسلامية دولة مؤسسات، لقد ظل أبو بكر الصديق رضي الله عنه تاجرا طيلة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى يده أسلم ستة من العشرة المبشرين بالجنة، وكان عبد الرحمن بن عوف كذلك، وحتى أنبياء الله كان لكل منهم عملا يأكل منه غير الرسالة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن حبان في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه: "ما أكل أحد طعاما قط، خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده" رواه البخاري، وقد كان داود عليه السلام يعمل في صناعة الدروع، كما قال تعالى: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
وذكر البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم"، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: "نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة" رواه البخاري.
وإذا كان هؤلاء هم أنبياء الله الذين يحملون هم الرسالات، وقيادة العالم أجمع إلى سبيل الله، فمالنا نحن لا نجمع بين التكسب والعمل فيما أفنينا فيه أعمارنا من دراسات تخصصية وبين الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة.
إن الدعوة - أخي الكريم - تستلزم أن نأخذ بالأسباب، ونسلك كل السبل لتكون لنا معذرة إلى الله، وقربة له يوم الدين، ودعنا لا ننسى أن السلوك القويم والمعاملة الطيبة لها تأثير السحر على العقول والقلوب، وكم من غافل أفاق، ومن كافر أسلم، بسبب لفتة كريمة، أو عمل صادق، أو كلمة طيبة.
كل ما ذكرته لا يعني ألا تبحث وتبذل جهدك لتكون ضمن مجموعة عمل دعوية، مؤسسية، فالعمل الجماعي له ميزاته التي لا تضاهيها مميزات، وربما أهمها أنه يعلمنا الصبر على بعضنا البعض، والتعاون، والنظام، تماما كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه بتحميل كل منهم ما يقدر عليه من تبعات الدعوة، وما يستطيع أن ينتج فيه ويبدع.
ولعلي أرى أن مجموعات العمل الدعوية من خلال الإنترنت قد تقدمت كثيرا، لكنها تحتاج لجهود أكبر، وعمل أوفر، وطاقات ومواهب مثل ما تملك أخي.
ولا تنس - أخي الفاضل - زادك من العلم الشرعي الذي اتسعت روافده، وصار أقرب إلينا من ذي قبل، فالدعوة على بصيرة تختلف بالتأكيد عن الدعوة العمياء، وزاد العلم لا ينتهي، ومنابعه لا تجف، فانهل من العلم والعمل، حتى يأتيك اليقين..
ويفيدك كثيرا - أخي الكريم - مطالعة الاستشارات التالية:
العمل للإسلام .. بالإنجليزية
أحب العمل الخيري .. وسائل وإشارات
ما الدعوة؟ لمن تكون؟ كيف تكون؟
قواعد في الدعوة إلى الله
داعية في كل مكان
البيت، العمل، الدعوة.. اتزنوا معشر الدعاة
جزاك الله خيرا، ونسأل الله لنا ولك أن يستعملنا ولا يستبدلنا، ويحسن خواتيمنا، ويرزقنا لذة النظر إلى وجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
=================
داعية في كل مكان
بسم الله الرحمن الرحيم،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
أرجو من حضراتكم التفضُّل بذكر خطواتٍ تبيِّن كيفيَّة التعرُّف إلى الناس والتعامل معهم؛ تمهيداً لدعوتهم.
لتوضيح سؤالي: مثلاً داعيةٌ يجلس في التاكسي أو على مدرَّجات الجامعة أو في حديقةٍ عامَّة، وغير ذلك من الأماكن، وإلى جانبه شخص، فكيف يفتح معه باب الحوار حتى يتمكَّن من دعوته؟ وبعد التعارف، ما الطريقة المثلى لكسب قلوب الآخرين واستمالتهم إلى هذا الدين العظيم؟.
وجزاكم الله كل خير. …السؤال(9/253)
الدعوة الفردية, وسائل اجتماعية, المجتمع, فنون ومهارات, الدعوة النسائية …الموضوع
الأستاذ محمود إسماعيل, الدكتور كمال المصري…المستشار
……الحل …
…يقول الأستاذ محمود إسماعيل:
"بداية، سؤالك يؤكِّد أنَّنا أمام قيمةٍ لابدَّ من الإشارة إليها، وما لفت انتباهي قبل طبيعة السؤال هي البيانات الخاصَّة بالسائلة، والتي تؤكِّد على قيمةٍ أخرى، وهي أنَّنا أمام داعيةٍ تحت سنِّ العشرين، والعجيب في هذه الأمَّة أنَّه كلَّما مرَّ بها كمٌّ من الهزائم والإحباطات، فإنَّه سرعان ما تبدو في الأفق بارقة أملٍ تعيد إليها الحياة، وتبثُّ في عروقها وقلوبها نبضاً لا ينقطع، وكأنَّ الله لا يريد إلا الخير والعزَّة لهذه الأمة.
وهذا السؤال قد أعاد إلى نفسي تداعيات الأمل الذي يغيب ويريد الله له أن يعود، بل فرض عليَّ مجموعةً من التساؤلات، وهي:
- أليست هذه الفتاة مثل كلِّ الفتيات اللواتي تحت العشرين؟!
- كم من فتاةٍ تعتاد (وسائل المواصلات – المدرَّجات – الحدائق) دون أن يتحرَّك بداخلها هدفٌ معيَّن؟!
- لأيِّ هدفٍ تريد تلك الفتيات التعرُّف على الناس؟
- لأيِّ هدفٍ تريد تلك الفتيات فتح حوارٍ مع الغير؟
- من أجل مَنْ تريد بعض الفتيات كسب القلوب؟
لكنَّ الجميل هنا أنَّنا أمام فتاةٍ من نوعٍ خاصّ، أجابت عن كلِّ التساؤلات بسؤالها.
إنَّها تريد كسب القلوب لاستمالة الناس إلى هذا الدين العظيم، وأن تتعرَّف على الناس وتفتح حواراً معهم تمهيداً لدعوتهم.
كما أنَّها تريد استثمار (وسائل المواصلات- المدرجات- الحدائق) في الدعوة إلى هذا الدين العظيم والإفادة من هذه الفرصة، وهذا كله تحت أساسٍ علميٍّ سليمٍ يتَّفق مع الإسلام.
وهذه الفتاة وسؤالها وأمثالها هي خير مثالٍ لهذه الأُمَّة وإلى المشكِّكين في قدرتها.
وإليك أيتُّها الفتاة الداعية بعض المبادئ الهامَّة التي تعينك على ما طلبت إن شاء الله تعالى، مع مراجعة الاستشارات التي تُعنَى بنفس الموضوع في نهاية الإجابة:
1- بداية، أخلصي النيَّة لله عزَّ وجلَّ في عملك ودعوتك تؤجري الخير العظيم، وحتى يمكنك التغلُّب على الصعاب التي تعترض طريقك إلى الدعوة.
2- تخيَّري الوقت المناسب للدعوة، فليست كلُّ الأوقات مثل بعضها، وليست كل الأوقات مناسبةً لدعوة الغير، وقد أعجبني بالفعل التصرُّف الذكيُّ للصحابيِّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عندما همَّ أن يدعو رجلا، ولمَّا وجده يحمل شيئاً على ظهره، قال: لستَ في مقام من يُدعَى!!، ثم اكتفى بإلقاء السلام عليه.
3- استخدمي الكلمات التي تناسب من تدعينه إلى الله تعالى، خاصَّةً أنَّ لكلِّ إنسانٍ عقليَّته وأسلوبه وطريقة تفكيره، وهذه الوسيلة هامَّةٌ للغاية؛ لذلك وضع عليٌّ رضي الله عنه هذه الوسيلة في أسمى معانيها بقوله: "أُمِرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم".
4- لا تبدئي بالحديث مع من تدعينه إلا بالقدر الذي تشعرين بأنَّه يسمح لك به، ثمَّ تدرَّجي بعد ذلك على حسب ما تسمح به الظروف والأحوال.
5- من المهمِّ للغاية ألا تقولي كلَّ شيءٍ في الجلسة أو الموقف الدعويّ، فالأهمُّ أن تتركي جزءاً يشوِّق الغير فيما بعد.
6- استثمري المواقف العفويَّة غير المعدِّ لها في دعوتك؛ لأنَّ لها تأثيراً إيجابيًّا منقطع النظير، وابتعدي عن المواقف المتصنَّعة؛ لأنَّ كثيراً من جهد الدعوة يضيع هباءً بسبب إحساس الغير بنوعٍ من التسلُّط عليه.
7- تجنَّبي أن تفرضي نفسك بطريقةٍ تجعل الآخرين ينفرون من دعوتك، ويضيقون ذرعاً من طريقتك؛ لأنَّ العبرة في أن ينجذب الغير إلى دعوتك.
8- لا تلحِّي على الغير، فكثيراً ما يؤدِّي الإلحاح إلى نتائج عكسيَّةٍ غير متوقعة.
9- اهتمِّي بمن تدعينه بشكلٍ معقول، وتجنَّبي الاهتمام الزائد عن الحدّ؛ لأنَّ ذلك يجعل الغير يثق في نفسه أكثر من اللازم، وبالتالي يصعِّب عليك مهمَّة إقناعه بعد ذلك.
10- ليس بالضرورة أن نرى القناعة على وجوه كل من ندعوهم؛ لأن بعضهم يظهر عدم قناعته أمامك، لكنه يؤمن بكل ما تقولين.
11- الاقتصار على وسيلةٍ واحدةٍ في الدعوة يجلبُ الملل، ويولِّد نوعاً من اللامبالاة عند الطرف الآخر، ويضيع وقت الدعوة والداعية، من أجل ذلك ينبغي أن تُستخدَم وسائل متنوِّعةٌ في الدعوة.
12- لا تُشعري الغير بأنَّك مسؤولةٌ عنه، وإيَّاك أن تحقِّري من تصرُّفات الآخرين، فقط تدرَّجي في النهي عن المنكر؛ لأنَّه غالباً ما تصبح العواقب غير مأمونةٍ عندما نصطدم مع الناس في أفكارهم أو معتقداتهم.
13- استفيدي من أيِّ ثمرةٍ تدنو لك في مواقفك الدعويَّة؛ لتكون دافعاً لنشاطٍ وهمَّةٍ أكبر، فتجني كثيراً من الثمار بعد مشيئة الله تعالى.
14- تذكَّري أنَّه ليس بالضرورة أن نحصل على نتيجةٍ فوريَّة؛ لأنَّ الموضوع ليس موضوع أنَّنا تعبنا من أجل الدعوة، أو أنَّنا أخلصنا لله بالفعل في هذا الموقف ونريد الثمرة، بل الموضوع أنَّنا نأخذ فقط بالأسباب، أمَّا النتائج فعلى الله وحده، فإنَّ الدعوة إلى الله ما دامت عزيزةً في مطلبها ووسائلها، فإنَّ ثمرتها كذلك، فلا تستعجلي ثمارها؛ لأنَّها تؤتي أُكُلَها فقط بإذن ربها، واعلمي أنَّ ضياع ثمرة الدعوة محال؛ لأنَّها لو ضاعت بين العباد في أحوالهم وردود أفعالهم، فلن تضيع عند الله في ثوابها وسُمُوِّها، ولكنَّ هذا لا يعني ألا نعيد النظر في طريقتنا مرَّاتٍ ومرَّات، إذ ربَّما العيب في وسيلتنا نحن لا فيمن ندعو.
فقط نقول لك: هنيئاً لك ولأمثالك، ووفَّقك الله، ولا تنسينا من الدعاء"
ويضيف الدكتور كمال المصري:
وهناك أربع نقاط - أختي الكريمة - أريد أن أضيفها:(9/254)
الأولى: ضرورة أن تقرئي وتتثقَّفي يا أختي، وتتابعي أحداث العالم، وأن تكون قراءتك منوَّعة، حتى تكون المواضيع العامَّة التي تطرح أمامك مدخلك للدعوة إلى الله تعالى، كما يمكنك من خلال قراءاتك الشرعيَّة أن تتقدَّمي خطواتٍ في إقناع الناس بك وبقدراتك، إذ يكون لديك ما يفتقدونه هم.
الثانية: هناك العديد من الكتب التي تتحدث عن "فنِّ التعامل مع الآخرين"، أنصحك بقراءتها، وأخصُّ بالذكر كتاب "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثِّر في الناس" لديل كارنيجي، فهو كتابٌ مفيدٌ جدّا، وممتعٌ جدًّا جدّا.
الثالثة: إيَّاك والتطفُّل على أحد، أو جرح خصوصيَّته، لأنَّك إن فعلتِ ذلك تفتحين أبواب فشلك على مصراعيه، فلا تفرضي نفسك، وكوني خفيفةً لطيفةً لا تثقل على أحد.
الرابعة: حبَّذا ألا تقتصري على هذه الوسيلة، بل حاولي بمساعدة أخواتك أن تتواصلن مع من تدعين أكثر وأكثر.
وفَّقك الله يا أختي في مهمَّتك مهمَّة الأنبياء.
===============
الدعاة الجدد والإعلام .. هات وخذ
كيف استفاد الدعاة الجدد من الإعلام والانترنت؟.
ومن هم هؤلاء الدعاة؟.
…السؤال
وسائل دعوية …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
…يقول الأستاذ عمرو المنشاوي، عضو فريق الاستشارات:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..
قليلة هي الاختراعات والاكتشافات التي غيرت وجه الحياة بشكل جذري على مدى تاريخنا المعروف على الأرض، وقد يختلف المحللون والمفكرون في مدى أهمية وقوة تأثير العديد من اختراعاتنا نحن البشر، ولكنهم يتفقون جميعا على أهمية اكتشاف كيفية إيقاد النار، واستخدام الفحم كمصدر للطاقة، واختراع المصباح الكهربائي.. وأخيرا: الفضائيات والإنترنت.
لقد أدى انتشار الإنترنت والفضائيات سريعا في جميع أنحاء العالم إلى تعظيم دورها في نقل المعلومة، وعرض وجهات النظر المختلفة، ومع تنامي هذا الدور صار لهذه الوسائل الجديدة أهمية إعلامية تعد في المرتبة الأولى عالميا، حتى أصبحت أداة رئيسية من أدوات الحياة في عصرنا.
ومنذ دخول المسلمين إلى هذا المجال، وجدت الدعوة آفاقا جديدة لتنطلق من خلالها في الفضاء الإعلامي، وهذا ما قام به عدد من الدعاة بنجاح ملحوظ، خصوصا في الفترة الأخيرة.
وأحب أن أوضح أن حصر المسألة في حدود أشخاص بعينهم لا تقارب الصواب؛ لأن النشاط الدعوي على الفضائيات والانترنت لم يقتصر على دعاة بعينهم، بل هناك مؤسسات ضخمة تقوم بدور دعوي متكامل على الإنترنت، كموقع إسلام أون لاين، وموقع الإسلام اليوم، وكذلك موقع الشبكة الإسلامية إسلام ويب، وقنوات: الرسالة واقرأ وسمارت.
ومن ناحية أخرى نجد أن الكثير من الدعاة لهم مساحة على شاشة الفضائيات، ولكن الاختلاف من داعية لآخر يكمن في مدى فاعلية ما يقوم به الداعية في إطار المساحة المتاحة له.
وقد يختلف البعض في كيفية قياس فاعلية دور موقع أو برنامج داعية بعينه عن غيره، ولكني أحسب أن المقياس الحقيقي لنجاح الداعية في نشاطه الدعوي على الإنترنت هو مدى تفاعل الجمهور مع برنامجه أو موقعه، وكذلك مدى تحول ذلك التفاعل إلى نشاط حي على أرض الواقع.
ولهذا نجد موقع الأستاذ عمرو خالد في المقدمة بقاعدته الجماهيرية العريضة، ويذكر أيضا الدكتور جاسم المطوع ونشاطه التوعوي، و يبرز أيضًا موقع الكاتب التركي هارون يحيى، وكذلك الداعية فتح الله جولن، والداعية الأميركي يوسف إستس.
وما يسوء تجربة الكثير من الدعاة مع الوسائل الإعلامية الحديثة، هو اكتفائهم بالإلقاء والتلقين، والتي أحسبها مشكلة نعاني منها في جميع المجالات الثقافية والتعليمية، وكذلك عدم إدراكهم لأهمية وخطورة الأداة المسخرة لهم، فبدلا من تفعيل الجمهور، وإشراكه في برامجهم التليفزيونية، وإبراز نشاطه، ومدى تجاوبه مع ما يقومون بالدعوة إليه، يكتفوا بتلقي الاتصالات التليفونية، واعتبارها دليلا على نجاح البرنامج.
ويضيف الأستاذ ياسر محمود:
أهلا ومرحبا بك أخي الكريم، ونسأل الله عز وجل أن ينفع بك الإسلام والمسلمين.
أخي الكريم لقد أحدثت وسائل الإعلام الحديثة - خاصة الإنترنت والقنوات الفضائية - تغيرات كبيرة في مجالات العمل الدعوي، وأصبحت هذه الوسائل الإعلامية رافدا أساسيا لإيصال صوت الدعاة إلى الناس، وكان لاستخدام هذه الوسائل في مجال الدعوة عدد من الإيجابيات، منها:
- التوسع في نشر الدعوة، ووصول صوت الدعاة إلى جمهور كبير من الناس؛ نظرا لما تتسم به هذه الوسائل من قدرة هائلة على الوصول إلى الناس بفئاتهم المختلفة.
- كذلك أسهمت بعض البرامج في القنوات الفضائية، وبعض الصفحات على مواقع الإنترنت في إحداث تغير في الطريقة التي تقدم بها المواد الدعوية، مثل البرامج الحوارية، وصفحات الاستشارات، والمنتديات، وساحات الحوار ... إلخ، والتي أصبح فيها للمدعو دور إيجابي، من خلال مشاركاته ومداخلاته.
- أسهمت وسائل الإعلام الحديثة أيضا في إبراز عدد من العلماء والدعاة المميزين، والذين كانوا لا يسمع عنهم إلا القليل، ولا يعرفهم إلا من يترددون على دروسهم أو يحضرون خطبهم، ولكن وسائل الإعلام الحديثة منحت الفرصة لكثير من الناس كي يستفيدوا من هؤلاء العلماء والدعاة.
ولكن في نفس الوقت أفرز استخدم الدعاة لوسائل الإعلام الحديثة عددا من السلبيات، منها:
- بروز عدد من المتحدثين غير المؤهلين، والذين قد يتحدثون فيما يعلمون وفيما لا يعلمون، وقد يفتون الناس، وهم ليسوا أهلا للفتوى، وكثير من الناس في ذلك لا يمكنه التمييز بين الغث والسمين.(9/255)
- كذلك انتقال الخلافات الفكرية بين بعض الدعاة إلى شاشات الفضائيات ومواقع الإنترنت، وتبادل الاتهامات فيما بينهم، وذلك على مرأى ومسمع من الناس، مما يفقد الناس الثقة في بعض الدعاة، ويربك البعض الآخر، فلا يعرف الصواب من الخطأ.
ولكن بشكل عام نستطيع أن نقول – أخي الكريم – : إن هناك استفادة وتوظيفا من الدعاة لوسائل الإعلام المختلفة، وأن هذه الوسائل الحديثة فتحت المجال للتواصل بين الدعاة وبين الناس بطريقة أكثر اتساعا، وأوسع انتشارا، ولكن نظل نأمل من الدعاة أن يصلوا إلى الاستفادة القصوى من وسائل الإعلام، وذلك من خلال اهتمامهم بتفعيل دور الجمهور، وعدم اقتصاره على التلقي السلبي، وأن يساعد هذا التفعيل على إحداث تغير في واقع الناس، وأن يدفعهم إلى العمل وخدمة المجتمع، وكذلك بذل الوسع في تلاشي السلبيات الناتجة عن استخدام هذه الوسائل.
وفي النهاية ندعو الله تعالى أن يكون عونا لكل من يدعو إليه.
==================
مهرجان العيد للأطفال .. أفكار ومقترحات
أنا شابٌّ أعمل في أحد المراكز التي تقوم على إعداد القادة في المجتمع، وشعارنا هو القيادة تبدأ منذ الصغر، فنحن - ولله الحمد - ناجحون، ونمضي في نجاح بإذن الله.
كلَّفني الإخوة في هذا المركز بإعداد برنامج ومهرجان للعيد، وكما لا يخفى عليكم، فإنَّه لا يمكن أن أستغني عن آرائكم واقتراحاتكم المثيرة والمفيدة، علمًا بأنَّ المهرجان سوف يكون للأطفال من سن الخامسة إلى سن الثانية عشرة.
وجزاكم الله خيرًا وبارك في جهودكم. …السؤال
الدعوة العامة …الموضوع
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
…أخي الكريم عبد الرحمن، جزاك الله خيرًا على هذا الشعور الطيِّب نحونا، وجزاكم الله خيرًا على هذا الحرص على إعداد رجال الغد وآمال المستقبل، ونسأل المولى عزَّ وجلَّ أن يديم عليكم النجاح، وأن يتقبَّل منكم هذا الجهد، ويجعله في ميزان حسناتكم يوم القيامة.
أمَّا عن الأفكار التي يمكن القيام بها ضمن مهرجان العيد، فمن الممكن تنفيذ الأعمال الآتية ضمن هذا المهرجان:
أولاً- حفلات فنية:
من الممكن - أخي الفاضل - في هذا اليوم إقامة حفل فني، يحتوى على مجموعةٍ من الفقرات المتنوَّعة مثل:
- القرآن الكريم:
فمن الجميل الافتتاح والختام بتلاوة بعض آيات القرآن الكريم.
- مسرحيَّات قصيرة هادفة:
ويمكنك في هذا الحفل عمل بعض المسرحيَّات القصيرة الهادفة، والتي تُعطي بعض المعاني المراد تأصيلها في نفوس هؤلاء الشباب الصغار.
وأنصحك أخي في هذا الصدد بالاطلاع على هذه الاستشارة المنشورة في صفحة معا نربي أبناءنا، فبها أفكار جيدة:
دليل قصص الأطفال - متابعة
- أغاني وأناشيد:
فمن الممكن أن تحتوي فقرات هذا الحفل على إنشاد بعض الأغاني والأناشيد التي تساعد على تأصيل القيم والأخلاق الحميدة لدى هؤلاء الأبناء، مع مراعاة مناسبتها لمستواهم العمري، ومناسبة العيد.
- مسابقات ثقافيَّة:
وهي من الأمور التي تُكسب الحفل جوّا من البهجة والمشاركة الإيجابيَّة من جمهور الحضور، ومن الضروري أن يُمنَح المُجيب عن أسئلتها جوائز فوريَّة في الحال.
- مسرح للعرائس:
ومن الأفكار اللطيفة التي يمكن تنفيذها في مثل هذا الحفل عمل مسرح للعرائس، تُعرَض من خلاله قصَّة تُعطي بعض المعاني، وتؤصِّل بعض المفاهيم والقيم لدى هؤلاء الشباب الصغار، ومن الممكن تنفيذ هذا المسرح بصورةٍ بسيطة، وإمكاناتٍ قليلةٍ، مثل: بعض العرائس التي يمكن تحريكها باليد، وستارة يقف خلفها من يمثلون شخصيَّات العرائس.
- فقرة مواهب:
وفيها نعطي الفرصة لذوي المواهب المختلفة من الحضور ليكشفوا عن مواهبهم.
أمور تراعَى:
ومن الأمور التي يُنصَح بمراعاتها عند تنفيذ هذا الحفل:
- حُسْن الإعداد لها، والتدريب الجيِّد من المنفذين لفقراتها.
- تنوِّيع الفقرات بين مسرحيَّةٍ ونشيدٍ، ثمَّ مسابقةٍ وهكذا.
- أن تدور جميع فقراتها حول موضوعٍ واحد؛ كي تحقق هذه الحفلة فائدةً تربويَّةً يستفيدها الحضور.
- إشراك أصحاب القدرات من هؤلاء الشباب في إعداد وتنفيذ الحفل، بل من الضروري أن يكونوا هم الدعامة الأساسيَّة لتنفيذ هذا الحفل.
- العناية بإعداد تجهيزات الحفل بصورةٍ مناسبةٍ مثل: مكان الحفل، والإضاءة، وأجهزة الصوت .. إلخ.
- وجود لجنة نظام، تستقبل الزائرين، وتعتني بالنظام أثناء الحفل.
ثانيًا- أنشطة رياضيَّة:
ومن الممكن أن يتضمن هذا المهرجان برنامجًا رياضيّا، تُنظَّم فيه عدد من المباريات أو الدورات الرياضيَّة في الألعاب المتنوِّعة، مثل: كرة القدم، أو السَّلَّة، أو اليد، أو الطائرة، أو ألعاب القوى، أو تنس الطاولة .. إلخ.
ثالثًا- معارض فنيَّة:
من الممكن أيضًا أن يتم خلال هذا المهرجان عمل معارض فنيَّة، تُعرَض فيها بعض الأعمال الفنيَّة الإبداعيَّة، التي يقوم هؤلاء الشباب بإعدادها، مثل: اللوحات الفنيَّة، والأعمال اليدويَّة، ومجلات الحائط.. إلخ.
ومن الممكن الاستفادة بهذا المعرض في تناول بعض الموضوعات بصورةٍ محددةٍ، كأن يدور مثلاً حول القضيَّة الفلسطينيَّة، أو حول بديع صنع الله في الكون، أو غير ذلك من الموضوعات التي تريدون غرسها في نفوس هؤلاء الشباب.
رابعًا- رحلات ترفيهيَّة:
ويمكن أن يُنظَّم ضمن هذا المهرجان إقامة رحلة لهؤلاء الشباب، ومن الممكن أن تكون هذه الرحلة زيارةً لإحدى الحدائق والمنتزهات أو الأماكن العامة، وقد تكون زيارةً لأحد المتاحف، وقد تكون رحلة نيليَّة أو خلويَّة أو جبليَّة أو بالدرَّاجات .. إلخ.
ويفيدك - أخي الكريم – في هذا الأمر مطالعة الرابط التالي:
- الرحلات الدعوية(9/256)
خامسًا- هدايا تسعدهم:
ومن الأمور الطيَّبة التي يمكن تنفيذها ضمن هذا المهرجان: إعداد بعض الهدايا البسيطة التي يمكن تقديمها لجميع الحضور في نهاية هذا المهرجان، فمثل هذه الهدايا تُدخِل البهجة والسرور على نفوس هؤلاء الشباب الصغار.
وفقكم الله أخي، وتقبل منكم، ومرحبًا بك وبرسائلك دائمًا.
==============
كيف يرتقي الداعية بإيمانه؟
كيف يحتفظ الداعية المسلم بروحانياته وسط هذا المجتمع المادي اللاهث؟ …السؤال
إيمانيات …الموضوع
الدكتور كمال المصري…المستشار
……الحل …
…أهلا ومرحبا بك أخي الكريم، وأسأل الله تعالى أن يحفظ عليك إيمانك، وأن يدخلك وإيانا في عباده الصالحين.
إن ما تقاسي منه - أخي الكريم - كلنا نقاسي منه، ونعاني أشد المعاناة كي نحافظ – قدر المستطاع - على روحانياتنا في ظل انشغالات الحياة، ومشاهدات الواقع، التي تبعدنا – شئنا أم أبينا - عن صفائنا وإخلاصنا وإيماننا، وسنزيد الأمر صعوبة على أنفسنا لو أخذ بمنطق الفاروق عمر رضي الله عنه حين وصل معاوية بن خديج المدينة ظهراً، باحثاً عنه ومبشراً له بفتح الإسكندرية، فمال معاوية إلى المسجد ظاناً أن عمر في قيلولة، فأرسل إليه عمر، فقال له: "وماذا قلتَ يا معاوية حين أتيتَ المسجد؟"، قال: "قلتُ أمير المؤمنين قائلٌ" (أي نائم)، قال عمر: "بئس ما قلت، أو بئس ما ظننت، لئن نمت النهار لأضيعنّ الرعية، ولئن نمت الليل لأضيعنّ نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟".
لو أخذنا بهذا المنطق ما استطعنا، ولعجزنا، ولكن، ولله ما أبدع رسولنا صلى الله عليه وسلم، لقد عرف ذلك في النفس البشرية، ففي الحديث الشهير "نافق حنظلة"، الذي رواه الإمام مسلم، عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة الأسيدي قال: وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (لقيني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله، ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك؟" قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" قالها ثلاث مرات).
نعم ساعة وساعة، ولكن ليس بالمعنى الانفصاليّ "العلماني" الذي قد يستقر في أذهاننا، إننا نخطئ كثيرًا حين نفصل – دون أن نشعر أو نقصد – ديننا عن دنيانا، فتجدنا نقسم حياتنا إلى قسمين، قسم لربنا، وقسم لحياتنا، فنقول لأنفسنا سأجعل لي زادًا يوميًا من القرآن، وقيام الليل مثلاً.. أستعين به في يومي، ولن أقول لك لا تفعل ذلك، بل يجب أن تفعل ذلك، لأنه فعلاً زاد يعينك كثيرًا، ولكن ما أقصده هنا هو أين زادك في حياتك وممارساتك؟ عندما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".
فلماذا لا أستشعر القرب من الله حين أزيل هذا الأذى عن طريق الناس؟ حين يأمرنا ديننا بغض البصر، لماذا لا أستشعر معية الله وأنا أفعل ذلك؟ حين أحفظ لساني من القول الفاحش البذيء، لماذا لا أضع في قلبي وعقلي ونفسي أنني قد فعلت ذلك لأن الله أمرني بذلك؟ فيرفع كل ذلك من إيمانياتي وروحانياتي.
فخذ لك زادين من سيرة ومن عمل صالح يُدَّخَرْ
وكن في الطريق عفيف الخطا شريف السماع كريم النظرْ
خذ زادك من العلم والقرآن والإيمان، وقُمِ الليل، وصُمِ النوافل، واجعل هذا خاصًا بينك وبين ربك، وغُضَّ البصر، وتصدَّق، وأَمِطِ الأذى، واحفَظْ لسانك، وصُنْ أُذُنَيكَ، وغير ذلك من الأفعال المرتبطة بالخلق، افعل كل ذلك، وقلبك متيقِّنٌ أنه يفعل ذلك لله وحده.
تعامل مع مجريات الأحداث بمنطق الإيمان، وبمنطلق التعامل مع الله سبحانه، وثق أنك إن فعلت ذلك: أخذت الزاد الخاص بك بينك وبين ربك، وأخذت الزاد بالتعامل مع العباد من منطلق التقرب إلى الله، ثق أنك بهذين الزادين تكون قد اقتربت كثيرًا وكثيرًا لما ترجو وتروم.
قد تكون هذه رؤية جديدة لمفهوم الإيمانيات والروحانيات، وقد يكون الدافع إليها تغير الزمان والأحوال، ولكن حسبها أنها لم تخرج عن إطار الإسلام في شيء، بل قد تكون أقرب إلى معناه والمراد منه، ودعنا نجربها، علّها تكون العلاج.
نعم أعلم أن تنفيذ ذلك صعب، بل قد يقول قائل: إنه مستحيل، ولكن.. الصعب يمكن إنجازه، والمستحيل يحتاج لبعض الوقت، وأنت رجلُ ذلك كلِّه.. أليس كذلك؟
================
قواعد في اختيار الدروس وتحضيرها
بسم الله الرحمن الرحيم،
أجيد الإقناع، ولكني أجد صعوبة في اختيار درس الدعوة، وتحضيره، كما أنه يتشعب مني إلى مسائل فقهية.
وماذا أفعل إذا وجّه إليّ سؤال ولم أعرف إجابته.
نرجو الإفادة.
…السؤال
وسائل دعوية, فنون ومهارات …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
…يقول الأستاذ محمد سعدي، المدرس المساعد بجامعة الأزهر، وعضو فريق الاستشارات:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..(9/257)
أختي الكريمة، الدعوة إلى الله مهمة سامية، فهي مهمة أنبياء الله عز وجل ورسله، كما أنها واجب شرعي على كل من آمن بهذا الدين الحنيف، وعلى العلماء خاصة، قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وقال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
ويختلف موضوع الدعوة باختلاف المدعو، فإن كان المدعو غير مسلم، فإن دعوته يدور فلكها حول قضية التوحيد، والشريعة الإسلامية، وقد كانت الدعوة إلى التوحيد هي غاية بعثة الرسل عليهم السلام، وكان كل منهم يفتتح دعوته لقومه بقوله: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) ومن أجل التوحيد بعث الله رسله للناس، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)
أما دعوة أهل الإسلام فهي - أختي الكريمة - تختلف باختلاف المدعو، فلكل إنسان خصائصه وطبيعته، وتقاليده، ومشكلاته، وطموحاته، وجوانب النقص وجوانب التميز، كما أن المدعوين ليسوا سواء في الملكات العقلية، والاستعدادات الفطرية، ولا في أخلاقهم وطباعهم وتصوراتهم، ولا في مكاناتهم الاجتماعية؛ ولذلك يجب على الداعية أن يتعرف على من يدعوهم في جميع هذه الجوانب، وأن يراعي هذا عند دعوتهم، وإغفال مراعاة أحوال الناس في دعوتهم إلى الله يؤدي إلى فجوة كبيرة بين الداعية والمدعو، كما على الداعية أن يدرس سبل إقناع المدعوين بما يريد، وأنت قد منًّ الله عليك بموهبة الإقناع، فهذا فضل من الله عليك عظيم.
ومهمة الداعية – أختي الكريمة – تعليم الناس دينهم، وتعريفهم بربهم وبواجباتهم، وأن يعمل على تطبيق الإسلام في حياتهم، وعلى هذا فليكن اختيارك للموضوع على قاعدة الأهم ثم المهم، وعلى هذا فانظري في جوانب النقص في الطائفة التي تشتغلين بدعوتها، وليكن اختيارك للموضوع على أساس احتياجهم له، على أن هناك موضوعات عامة يمكن للمرأة الداعية أن تجعلها غاية من عظاتها للنساء، مثل التركيز على عوامل نجاح الأسرة المسلمة، وذلك من خلال توعية النساء بأسس بناء البيت المسلم الصالح.
وبعد اختيارك لموضوع اللقاء يمكنك تقسيمه إلى عدة عناصر في ذهنك أو في ورقة صغيرة، حتى لا تخرجي عن الموضوع المستهدف، وتستطردين إلى غيره.
واحرصي على أن يلمس الدرس حياة السامعات، ويا حبذا لو كان فيه قصة طريفة، أو موقف مؤثر، ويمكنك التوقف وطرح أسئلة تفاعلية أثناء الدرس حتى يتفاعل معك من يسمعك، وعند تعرضك لآية قرآنية فاحرصي على تجويدها، وفي نهاية الدرس أجملي ما قيل في الدرس في نتائج سريعة؛ لأن هذه النتائج هي التي ستبقى في الذاكرة، كما لا يفوتك فتح باب الأسئلة، فإن أسئلتهم ستؤكد لك مدى استيعابهم للدرس.
أما عن تعرضك لأسئلة لا تعرفين لها جوابا، فما أجمل أن يقول المرء لا أعلم، وهل يُطلب من الإنسان أن يعرف كل شيء، فعند تعرضك لفتوى على سبيل المثال فأحيلي السائل على العلماء المتخصصين في الإفتاء، أو المواقع التي تلبي حاجة الناس الفقهية، وإن كان السؤال في أمر آخر فأحيلي السائل على المختصين فيه.
وفي كل أمورك عليك بالإخلاص لله تعالى، واستعيني به سبحانه وتعالى في توفيقك لهذا الأمر، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
ويضيف الأستاذ ياسر محمود:
أهلا ومرحبا بك أختي الكريمة، ونسأل الله عز وجل أن ينفع بك الإسلام والمسلمين.
وعن صعوبة اختيارك لموضوعات الدروس، فمن المفيد - أختي الكريمة – أن تضعي لنفسك سلسلة من الموضوعات التي يمكنك تناولها في هذا الدرس، فمثلا يمكنك تناول سلسلة موضوعات تتناول الأخلاق، أو سلسلة تتناول العبادات، أو سلسلة في فنون تربية الأولاد، أو سلسلة في كيفية التعامل مع الزوج، أو غير ذلك من السلاسل التي يحتاجها الحاضرات للدرس، كما أشار إلى ذلك الأستاذ محمد سعدي.
فهذا التحديد لسلسلة من الموضوعات سيوفر عليك عناء البحث عن موضوع لكل درس، ولكن لا يعني هذا التحديد لسلسلة بعينها من الموضوعات أن يكون هناك جمود على هذه السلسلة، ولكن من الضروري مراعاة الأحداث والمناسبات، وحاجات من تدعوهم، فيمكنك في وقت من الأوقات التوقف عن هذه السلسلة لحدث ما، أو لمناسبة ما، ثم العودة إليها مرة أخرى.
وأما عن صعوبة تحضير الدرس، فيمكنك - أختي الكريمة – بعد أن تحددي موضوع الدرس أن تقومي بالأعمال التالية:
- مطالعة الكتب والمراجع التي تتناول هذا الموضوع، ويمكنك كذلك الاستفادة بمواقع الإنترنت التي تناولت هذا الموضوع في تحميع مادته.
- وبعد هذه المطالعة للمراجع، فعليك انتقاء المناسب منها لموضوعك، والمناسب لاحتياجات مَن يحضرن الدرس.
- ثم يتم التخطيط لتناول الموضوع، وذلك بوضع عناصر أساسية وأخرى فرعية للموضوع.
- وعليك بعد ذلك إعادة صياغة الموضوع بالطريقة التي تناسبك وتناسب الحاضرات.
- ومن الضروري أن تستوعبي الموضوع بصورة جيدة، وخاصة عناصره الأساسية والفرعية.
وحتى لا يتشعب الموضوع منك أثناء الدرس، فيمكنك القيام بالآتي:
- الحرص على الالتزام بما وضعتيه من عناصر أساسية وفرعية لموضوعك، وعدم الخروج عنه.(9/258)
- إذا ما طرأت على ذهنك أثناء الدرس أي أفكار أو خواطر لها صلة بالموضوع، ولكنها قد تأخذك بعيدا عن السياق، فيمكنك تدوينها لتعيدي تناولها في سياقها الطبيعي.
- احرصي على تلخيص كل فكرة أساسية تم تناولها قبل أن تنتقلي إلى الفكرة التالية، فهذا يعطيك نوعا من التركيز في الموضوع.
- إذا ما سألت إحدى الحاضرات سؤالا بعيدا عن سياق الموضوع، فأجلي الإجابة عنه بطريقة لطيفة لحين انتهاء الدرس.
- لاحظي نفسك أثناء تناولك للدرس، فإذا ما شعرت باستطراد وخروج عن الموضوع، فأسرعي في العودة إلى لب الموضوع.
- احرصي بعد انتهاء كل درس على تقيم ذاتك، ومدى التزامك بالموضوع وعدم الخروج عنه، واطلبي من الحاضرات أيضًا أن يقيمن تركيزك في الموضوع، وتقبلي هذا بصدر رحب.
نسأل الله عز وجل أن يتقبل منك جهدك وبذلك في نشر دعوته.
===============
الصلاة في المدرسة .. وصايا ومقترحات
بسم الله الرحمن الرحيم،
بارك الله فيكم، وأفسح لكم في جنَّاته على هذا الموقع المبدع.
أنا أُدرِّس في مدرسةٍ إسلاميَّة، ونحتاج إلى آليَّةٍ تربويَّةٍ سليمةٍ كي نصلِّي الظهر في المدرسة، بشرط ألا نُجبِر طالبًا على الصلاة، ولا يُعذِّب المدرسون أنفسهم وهم يحثُّون الطلاب عليها كلّ يوم.
فهل لديكم تجارب حيَّةً نقتدي بها في تفاصيل هذه العمليَّة؟ من ذهابٍ إلى المتوضَّأ، ثمَّ الاتجاه إلى المصلَّى، ثمَّ الرجوع إلى الصفوف، وكذلك التحفيز والتشجيع.
أنقذونا، أنقذكم الله من النار. …السؤال
فنون ومهارات, وسائل اجتماعية, شباب وطلاب …الموضوع
الأستاذة أسماء جبر أبو سيف…المستشار
……الحل …
…أخي الفاضل أبو عبد الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
بارك الله فيك على الدعاء الجميل، وجمعنا الله وإيَّاكم في جنانه، إخوانًا على سُررٍ متقابلين.. أمين.
صلاة الظهر في المدرسة يُراعَى فيها قبل كلِّ شيءٍ الأمور التالية:
أوَّلاً: طبيعة المُصلَّى إن كان صغيرًا أم كبيرًا، وإذا كانت المدرسة ملحقةً بمسجدٍ كبيرٍ، فهذا أمرٌ رائع.
ثانيًا: عدد الطلاب إن كان كبيرًا جدّا أم معتدلاً.
ثالثًا: الفصل إن كان صيفًا أو شتاء؛ لأنَّ التوقيت يختلف، والوقت يضيق في الشتاء.
رابعًا: مكان الوضوء إن كان يتَّسع لعددٍ مُعيَّن.
وسوف نُقدِّم لك مقترحاتنا، وأنت تُقدِّر ظروف مدرستك بارك الله في جهودك:
أولاً: أن يكون وقت الصلاة محبوبًا، خاصَّةً للأصغر سنّا، ولتقم بعمل مفاجآتٍ كلِّ فترةٍ وأخرى، بتقديم الحلوى، مع بطاقةٍ تحتوي على نصِّ مكافأة ربِّ العالمين للمحافظ على صلاة الجماعة، وذلك بعد الصلاة، وللمصلِّين فقط.
ثانيًا: منع وجود أيَّة إغراءاتٍ في وقت الصلاة، مثل أن يكون المطعم، أو المقصف، أو الملعب، أو الكرات، ووسائل اللعب، متوفرة وقت الصلاة، فهذا يُشجِّع الطالب على تضييع أو تأجيل الصلاة، ويُكافِئ غير المُصلِّي في نظر الأولاد.
ثالثًا: إبقاء غير المُصلِّين في الصفِّ، وعدم إخراجهم للملعب، فيُفضِّل الطالب عندئذ التنفيس بالمُصلَّى، بدل البقاء في الصف.
رابعا: كلَّما كان مكان المُصلَّى واسعًا وأنيقًا، وكلَّما كان المُتوضَّأ كافيًا للأعداد، ويتوفر فيه الماء الساخن شتاءً والنشَّافات، كلَّما زاد إقبال الطلاب على الصلاة.
خامسًا: أن يكون الإمام محبوبًا، وصوته جميلاً، وأسلوبه راقيًا، ومتدينًا طبعًا.
سادسًا: خروج المُعلِّمين والمدير للصلاة مع الطلاب يُشجِّعهم على أخذ الموضوع على محمل الجدِّ.
سابعًا: تخصيص ربع الساعة الأخيرة من الحصص الأواخر لوقت الصلاة.
ثامنًا: الخروج على شكل صفوف (فصول)، كلّ مجموعة الصف في ربع الساعة من الحصَّة الخامسة مثلاً مع أساتذتهم والمدير، ثمَّ الذي يليهم في الحصَّة التالية مع مساعد المدير، وهكذا.
تاسعًا: تواجد المرشد الاجتماعي أو الديني وقت الصلاة لضبط الوضع.
عاشرًا: وهي طريقةٌ أعتبرها سحريَّة ورائعة إذا نجحت، وهي تعتمد على تنمية ثقة الطلاب بأنفسهم، وتحميلهم المسئوليَّة، وتتلخَّص في العمل على مجموعات "التغيير"، وجزء من عملها: تنظيم وقت الصلاة، فتقوم مثلاً بتحويل الصف الواحد إلى مجموعاتٍ، لا يزيد عدد أعضائها عن خمسةٍ أو سبعة، وينتخبون أحدهم ممَّن يثقون فيه ليكون قائدًا لهم، ويتمُّ تدريب كلِّ هؤلاء القادة على التأثير في الآخرين، ويُعلَّمون مهارات متنوعة، مثل الحوار، والإقناع، وكسب الصداقات، وفضِّ النزاعات، وإدارة الأعمال الجماعيَّة، كالصلوات، والحفلات وغيرها.
ويرافق ذلك رفع المستوى الروحي والثقافي والميزات الشخصيَّة لكلِّ واحدٍ، في منظومةٍ من ورش العمل، ولابدَّ من وجود أساتذةٍ قادرين، ويتحلّون أصلاً بالصفات التي سيُدرِّبون عليها الطلاب.
إذا تمَّ ذلك سيتمكَّن هؤلاء من قيادة مجموعاتهم تجاه المُتوضَّأ، ثمَّ إلى المُصلَّى، ومن ثَمَّ العودة إلى الفصل، وسيكونون خير عونٍ للمعلِّم، بل إنَّهم يتفوَّقون في بعض الأحيان على مُعلِّميهم؛ لأنَّ أثر الزميل على زميله أقوى من أثر المعلم عليه.
حادي عشر: أن يقوم الطلاب بالتناوب على الأذان، فهذا يدفعهم إلى الالتزام بما ينادون إليه داخل المدرسة.
ثاني عشر: عمل لوحة شرفٍ تحتوي على 27 درجة، توضع فيها أسماء الطلاب المداومين على الجماعة، ويبقى الطالب يرفع بطاقته على الدرجات حتى تصل إلى 27، ثمَّ يمكن أن يُكافَأ أمام المدرسة، أو أمام صفِّه، (تصلح ربَّما للطلاب الأصغر).
وأخيرًا، إذا نجحت فكرة مجموعات "التغيير" - أو سمِّها ما شئت -، فسوف يبتكرون لك طرقًا لا تخطر على بالك لأداء صلاة الجماعة على أكمل وجه.(9/259)
وفقنا الله وإيَّاك لما يحبُّ ويرضى، وبارك في جهودك.
=============
خجولة ومترددة .. هل أصلح للدعوة ؟
أريد أن أكون داعية، لكن أجدني خجولة ومترددة، وقليلة العلم في الجانب الديني، مع أن الكثيرين يجدون لي أسلوبًا مميزًا في الإقناع، لكن أنا لا أجد ذلك، وهذا الأمر يجعلني أشعر باللوم والتأنيب لتقصيري.
فما الحل؟ وكيف البداية؟ وما هي الطرق؟
وجُزيتم خيرًا. …السؤال
قضايا وشبهات, فنون ومهارات …الموضوع
الدكتورة حنان فاروق…المستشار
……الحل …
…أختي الحبيبة، حياك الله وأكرمك على حرصك على سلوك طريق الدعوة واتخاذها أملاً وهدفًا، جعلك الله من الداعيات إلى رضاه والجنة، وبعد..
أخيتي، ربما لا أريد أن أكرر كلامًا قلته وقاله زملاؤنا في هذه الصفحة المباركة من قبل حول ماهية الدعوة، وأنها ليست للخاصة بل لكل من وعى وفهم أمر دينه، وإلا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض حديث له رواه البخاري: "بلِّغُوا عَنِّي ولو آية".
إذن، دعينا نتفق على أن كل مسلم داعية، لكن كلٌّ حسب قدراته، وما حباه الله به وفضله من مميزات يختلف بها عن غيره، ودعينا أيضًا نؤكد على أن المرأة بالذات - بصفتها مسئولة أو ستكون مسئولة عن بيت وتنشئة وتربية - يجب أن تُربَّى تربية دينية صحيحة واعية، لكي تصل ببيتها وزوجها وأبنائها إلى بر الأمان، فهي من أهم العاملين في مجال الدعوة، خصوصًا في عصرنا الحالي، وما يكتنفه من فتن ومحن.
وأشد ما أعجبني في سؤالك هو تشخيصك الدقيق لهدفك أولاً، ولنقاط ضعفك وقوتك من جهة أخرى، وربما قدمت نقاط الضعف على القوة؛ لأنها ما سنركز عليه، وكيف تطوعينها لصالحك، لتقهري بها وقوفك مكانك وعدم تقدمك في الطريق التي اخترتها وتتمنينها.
وأحب أن أبدأ بقلة العلم في الجانب الديني، وأسألك: لماذا لا تبدئين برنامجًا لتقوية هذا الجانب؟ فمن مميزات العصر الذي نعيش فيه هو سهولة التحصل على العلم، فقد أصبح يأتيك وأنت في بيتك، سواء على شكل شرائط كاسيت أو برامج تلفزيونية، والأهم من هذا وذاك هو الإنترنت، فقد بدأَتْ مواقع كثيرة في بث العلم الشرعي عن طريق جامعات ومعاهد التعليم عن بُعد، وأخذت خطوات لا بأس بها في هذا المضمار، وربما أتوقع لها إن شاء الله المزيد من التقدم، فلماذا لا تكونين من السبَّاقات لسلوك الدرب القويم معهم، شريطة أن تتأكدي من أنهم من أهل السنة والجماعة، وهذا ليس صعبًا؛ لأنهم يكتبون مناهجهم وطريقتهم، فيصبح من السهل معرفة توجهاتهم.
هذا جزء، والجزء الآخر هو القراءة، فأنصحك أن تقرئي ما تيسر لك من كتب التزكية والتفسير، ولا تبدئي بالكتب الضخمة، ابدئي بكتب سهلة وبسيطة، فعلى سبيل المثال لا الحصر: هناك كتاب في التفسير اسمه: (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن) للعلامة الشيخ السعدي، وهو كتاب سهل قوي جامع، وربما بدأتُ لك بكتب التفسير؛ لأن من يفهم القرآن ويعيه ويتبعه وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فقد استمسك بالعروة الوثقى، بالإضافة لأنه سيعطيك دفعة علمية ولغوية وبلاغية لا يستهان بها، فيكسر من حدة ترددك وخجلك، فالتردد – بنيتي – لا يتأتَّى إلا من فقر العلم، أعاذك الله وإيانا منه.
ومتى أخذتِ زادًا كافيًا لطريقك، أضفتِ انطلاقة قد لا تحلمين بها، وزدتِ من قوة إقناعك التي تتميزين بها، وصِدقك الذي أستشعره من خلال كلماتك.
أما الخجل والتردد فيمكنك أيضًا الاستفادة منهما، خاصة في الوقت الذي تتلقين فيه العلم الشرعي قبل أن تبدئي رحلتك الدعوية، استثمري خجلك وصمتك في مراقبة مَن حولك من الناس: كيف يتصرفون؟ كيف السبيل إليهم؟ ولماذا يعاند بعضهم ويستجيب بعضهم؟.
حاولي أن تكتسبي خبرة في فن التعامل مع البشر على اختلاف شخصياتهم وطبقاتهم، حاولي أيضًا أن تتعلمي متى تدخلين إلى قلب من أمامك، وكيف تصلين إلى مبتغاك في الأخذ بيده لسبيل الله عز وجل، لا تتورعي عن سؤال من سبقك في مجال الدعوة وأحسست صدقه وإخلاصه لله عز وجل عن خبراته، واعلمي دائمًا أن العالم هو من لم يتكبر عن العلم، وسعى إليه بقلبه قبل عقله، وبروحه قبل جسده، مهما بلغ من العلم، ومهما تمكن من الوعي والفهم.
ويفيدك في ذلك - أختي الكريمة - مطالعة الروابط التالية:
هل تريد أن تكسب القلوب؟
مفاتيح قلوب الشباب.. صفاتٌ وطرق
أخيرًا: أحب أن أهمس في أذنك أخيتي، بأنك لن تنجحي في هذا الأمر إلا إذا أخلصتِ نيتك لله تعالى عز وجل، ونبذتِ حظ نفسك، فالداعية يتعرض لفتن لا يتعرض لها غيره، مثل العُجْب والكِبر، خاصة إذا أخذ بيد عدة أشخاص، أو جلس بين من يجهلون، فينسى أنه كان بالأمس مثلهم، وأنها منة الله عليه، وربما يقول لسان حاله: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)، فاحذري أن يدخل إليك الشيطان من هذا المدخل، أعاذنا الله وإياك منه، ومن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
وفقك الله وبارك فيك، وجعلك وإيانا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وفي انتظار أخبارك.
============
مع زميلتي المسيحية .. شبهات وردود
السلام عليكم ورحمة الله،
شكر الله لكم مقدما على قراءة استشارتي، وأتمنى منكم أن تولوها اهتماما كعادتكم.
لقد دار بيني وبين زميلة ألمانية مسيحية مثقفة حديث عن الإسلام والمسيحية، فسألتني عدة أسئلة؛ ونظرا لحساسية الموضوع بالنسبة لي فلم أعطها جوابا مباشرا، وطلبت منها منحي فترة زمنية.
وأرجو أن أجد عندكم جوابا شافيا لي أولا؛ لأنها قد سببت لي حيرة كبيرة بأسئلتها، ولها ثانيا؛ لعل الله تعالى يهديها إلى الإسلام.(9/260)
السؤال الأول: كيف نفسر لأنفسنا ولغير المسلمين حكم قتل المرتد عن الإسلام؟ ولماذا لم يترك الحرية في اعتناق دين أخر؟ وما الحكمة من قتل المرتد؟ وكيف ننقل ذلك بطريقة منطقية لمن يحقق في دين الإسلام من غير المسلمين؟
السؤال الثاني: هل صحيح أن السيدة مارية زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت الزوجة الوحيدة التي لم تلقب بأم المؤمنين، لأنها كانت مسيحية من قبل؟ وهل يوجد في كتب السيرة النبوية ما يثبت أنها نطقت الشهادتين بإرادتها؟
السؤال الثالث: لماذا تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من تسعة، علما أن الشرع لم يسمح إلا بأربع؟ ولماذا اختار السيدة عائشة على صغر سنها؟
…السؤال
قضايا وشبهات, دعوة غير المسلمين …الموضوع
الشيخ عماد مصطفى أبو الرُّب…المستشار
……الحل …
…أرحب بك أخي أسامة، وأقول لك أننا نهتم كثيرا بكل ما يصلنا، ونسعى لتقديم النصح والعون اللازم لمن كتب لنا؛ لأنها أمانة عظيمة، نسأل الله تعالى أن نؤديها خير الأداء، وما فُتحت هذه الصفحة – استشارات دعوية – إلا تأكيدا لاهتمامنا بكل ما يلزم المسلم في حياته الدعوية.
وكم سررت بهمتك ومثابرتك لتوظيف علاقاتك بالآخرين لدعوتهم، ومحاولة تعريفهم بالإسلام الحنيف، الذي جاء للناس كآفة، كما أخبر الحق جل في علاه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
وسررت كذلك بتأنيك وعدم تسرعك في الإجابة، وهذا ما نحتاجه من كل داعية حتى لا يكون سببا في تعريف الإسلام بشكل مغلوط.
وأنصحك – أخي الكريم – وأنت تعمل مع زملاء غير مسلمين أن تزيد من ثقافتك الإسلامية، وأخص هنا الشبهات المثارة حول الإسلام، وكذلك وسائل دعوة غير المسلمين، حتى تعينك على الدعوة إلى الدين الحنيف على بصيرة، كما أمرنا الخالق تبارك وتعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، وفي هذا الموقع من ذلك الكثير والحمد لله.
وأذكرك - أخي الحبيب - بضرورة مراعاة قضية اختلاف الجنسين، والتي لها ضوابط شرعية، يجب أخذها بعين الاعتبار.
أما بالنسبة للأسئلة التي أثارتها زميلتك، فنتناول الإجابة عليها كالآتي:
حكم المرتد في الإسلام:
جاء الإسلام بشريعته ليحفظ للإنسان حريته في الاعتقاد، ومنع الإكراه الذي يجبر فيه الإنسان على اعتقاد ما لا يريد، يصدّق هذا قول الحق تبارك وتعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).
ولكن الإسلام يرفض بشدة أن يصبح الاعتقاد – خاصة به – مجرد ألعوبة يتسلى بها البعض، ويكيد لها الآخر؛ لصد الناس عنه، وإشعارهم أن الإسلام دين فاسد، لا يصلح لأن يعتنقه إنسان، مدللا على ذلك بارتداد الناس عنه بعد أن اعتنقوه، لذلك شرّع الإسلام عقوبة صارمة للمرتد، وهي القتل؛ نظرا لفداحة فعل مرتكبها، وتأثيره على سمعة الإسلام ومكانته.
واتفقت المذاهب الإسلامية على هذه العقوبة، مستدلين بنصوص من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، غير أن هناك خلاف في تعريف المرتد، وعقوبته، وآلية تطبيق هذه العقوبة، وأبرز ما جاء في ذلك مقولة الشيخ محمود شلتوت في حكم المرتد حيث قال: "وقد يتغير وجه النظر في المسألة إذا لوحظ أن كثيرا من العلماء يرى أن الحدود لا تثبُت بحديث الآحاد، وأن الكفر بنفسه ليس مبيحا للدم، وإنما المبيح هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم ومحاولة فتنتهم عن دينهم، وأن ظواهر القرآن الكريم في كثير من الآيات تأبى الإكراه في الدين".
ويشهد الإسلام حملات تشويهية متجددة، من بعض الحاقدين عليه، والذين لا يتوانوا عن طرح شبهاتهم وأكاذيبهم، ويصوروها للناس بقالب عقلاني، وربما يستشهدون ببعض النصوص الصحيحة، لكنهم يحرفونها ويؤولونها، ومن ذلك قولهم أن الإسلام يقرر مبدأ حرية الاعتقاد، فكيف يناقض ذلك بالحجر على معتنقيه من أن يعتنقوا غيره؟ ويستشهدوا بقول الحق تبارك وتعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).
ونسي هؤلاء أن الإسلام حمى الحريات والمعتقدات من أن تنال، وألزم بذلك أتباعه الذين يشهد لهم التاريخ أنهم لم يقتلوا فردا واحدا – ناهيك عن جماعة – كونهم على غير دين الإسلام، بل فرض عقوبات على من يفعل ذلك، وفي هذا تأكيد على صونه لحرية المعتقد ما دام صاحبها لا يتعرض للمسلمين ومعتقداتهم وحرماتهم.
ومن ناحية أخرى عقوبة المرتد تكون على المجاهر، الذي يدعو الآخرين للردة، كونه يشكل خطرا على المجتمع وأمنه واستقراره، أما الذي لا يجاهر بها فيكفيه عقوبة الآخرة، والتي قال الله فيها: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُو كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وقد يعاقبه عقوبة تعزيرية مناسبة.
وأعجبتني مقولة للدكتور القرضاوي حول هذا الأمر يقول فيها: "والذي أراه أن العلماء فرقوا في أمر البدعة بين المغلظة والمخففة، كما فرقوا في المبتدعين بين الداعية وغير الداعية، وكذلك يجب أن نفرق في أمر الردة الغليظة والخفيفة، وفي أمر المرتدين بين الداعية وغير الداعية، فما كان من الردة مغلظًا كردة سلمان رشدي، وكان المرتد داعية إلى بدعته بلسانه أوبقلمه، فالأولى في مثله التغليظ في العقوبة، والأخذ بقول جمهور الأمة وظاهر الأحاديث؛ استئصالا للشر، وسدا لباب الفتنة، وإلا فيمكن الأخذ بقول النخعي والثوري، وهو ما رُوي عن الفاروق عمر".(9/261)
ولا بد من التأكيد على أن الحكم على الإنسان بالردة هو من اختصاص أهل العلم المعتبرين، ولا يجوز أن يقحم فيه الناس أنفسهم، فكم من فظائع ارتكبت بحق أبرياء كُفّروا ووسموا بالردة، وهم منها براء، لكنها آفة الإفتاء بغير علم، التي أساءت للإسلام وأهله، وعلينا أن نحيل الأمر لأهله من ذوي العلم، الذين أمرنا الله تعالى بالرجوع إليهم: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
وللتفصيل في فهم الآراء الشرعية المتعلقة بالمرتد أنصحك بقراءة الروابط التالية:
- "لا إكراه في الدين".. فلماذا نقتل المرتدين؟!!
- قضية الردة.. هل تجاوزتها المتغيرات؟
- كيف نفهم الجدل حول حكم الردة؟
السيدة مارية القبطية:
ثبت في السيرة إسلام السيدة مارية القبطية حين عرض عليها الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة الإسلام، فقبلت طواعية، وكان معها أختها سيرين، والتي أسلمت معها كذلك، ثم دفنت بعد موتها في البقيع بجانب أمهات المؤمنين في عهد خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي هذا إجماع من الصحابة على أنها كانت مسلمة مؤمنة رحمها الله تعالى.
ويفيدك - أخي الكريم - في هذا الباب مطالعة الروابط التالية:
- إسلام مارية
- هل تزوج الرسول بمارية القبطية؟
زواج النبي عليه الصلاة والسلام بأكثر من أربع زوجات:
قيل أن النبي عليه الصلاة والسلام كان له رغبة جنسية جامحة، وهذا وصف بعيد عن العقل والنقل، فالعقل يؤكد أن الرغبة الجنسية تتجه للفتاة الشابة البكر أكثر من العجوز الهرمة، خاصة أنه حث على الزواج من الأبكار، وإذا نظرنا إلى زوجاته عليه الصلاة والسلام، نجد أنهنّ إما أرامل توفي أزواجهن، أو مطلقات، وتزوج معظمهن وقد جاوز الخمسين من عمره، كما أنه بقي مع زوجته خديجة قرابة 25 سنة دون أن يتزوج عليها، وذلك رغم شيوع تعدد الزوجات حينها، بل رفض عرض قريش له بالزواج من أجمل فتياتهم، مقابل التراجع عن الدعوة لدينه، غير أنه رفض عروضهم وإغراءاتهم، وهو في عنفوان الشباب، وهذا دحض لحجة المشككين به وبتعدد زوجاته.
* أسباب تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:
لم يكن اختيار النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لزوجاته عبثا، بل كان نتيجة نظرته الإنسانية والاجتماعية والسياسية، ويتضح ذلك من خلال التعرف على ظروف زواجه منهنّ، كما أن تعدد زواجه لم يشغله عن أداء ما كلفه الله به.
ومن ناحية أخرى اعتبر زواجه عليه الصلاة والسلام وسيلة من وسائل تعريف النساء بأحكام تلزمهن، واعتبر كذلك وسيلة لتغيير العرف الخاطئ عند الكفار، الذين كانوا يعتقدوا أن التبني له آثار تشبه آثار البنوة الحقيقية، التي تمنع زواج زوجة الابن المتبَنّى، فتزوج عليه الصلاة والسلام من زينب بنت جحش لتبيين الحكم الشرعي.
كما أن الكفار والمشركين لم يعترضوا على تعدد زوجاته عليه الصلاة والسلام لعلمهم بدماثة خلقه وعفته، رغم أنهم كانوا يتربصوا به ويثيروا حوله التهم الباطلة لينفروا الناس منه.
كما كان الشرف كبيرا للقبائل التي تزوج منها النبي صلى الله عليه وسلم، وتحبيبا لهم بالإسلام، وما كان زواجه من أم حبيبة وصفية إلا ثقة منه بالدين الذي أرسله الله به، كونهما من أبوين كافرين، ناصبا العداء للرسول صلى الله عليه وسلم، وكان بوسعهما أن ينقلا عن حياته لو كان فيها عيب أو نقص أو خلل.
==============
نختلف.. ولكن على تحرير فلسطين نتوحد!!
بسم الله الرحمن الرحيم،
إنَّنا وقد حيل بيننا وبين أن نكون بجوار إخواننا في فلسطين نساندهم، ونساعدهم، ونجاهد معهم المحتلَّ الذي اغتصب أرضهم، واعتدى على حقِّهم، فإنَّنا لا نملك إلا الدعاء، وما أوتينا من وسائل بسيطة، ولكنَّنا نودُّ لو تفضَّلتم بتعريفنا على خلفيَّات، ومعتقدات، وأفكار، وأهداف حركات المقاومة الفلسطينيَّة.. مثل السلطة الفلسطينيَّة، والجبهة الشعبيَّة، والجبهة الديموقراطيَّة، والجهاد، وحماس.
وهل هناك دليلٌ على ما تردَّد أنَّ أبا مازن بهائيّ الفكر والديانة؟
شكرًا لجهودكم، وأرجو سرعة الردّ.
…السؤال
قضايا وشبهات, ثقافة ومعارف …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…يقول الدكتور فريد أبو ضهير رئيس قسم الصحافة بجامعة النجاح الوطنية – نابلس:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله ومن اتبع هداه إلى يوم الدين، وبعد..
بدايةً أودُّ القول أنَّه من المهمِّ لشعبنا وأمَّتنا وأبنائنا في كلِّ مكان، والذين يتفاعلون كلَّ لحظةٍ مع تطوُّرات القضيَّة الفلسطينيَّة، عدم الالتفات إلى الاتجاهات الفكريَّة للحركات الفلسطينيَّة، أو غيرها من الحركات والتنظيمات العربيَّة، صحيحٌ أنَّه من المهمِّ التعرُّف على هذه الاتجاهات وإدراكها في تقييم التنظيمات، ولكن لا يجوز أن تقف تصوُّراتنا عن الاتجاهات حجر عثرةٍ أمام التعامل والتعاطي والتعاون مع هذه التنظيمات، طالما أنَّ العمل الذي نقوم به جميعًا هو لمصلحة الشعب والوطن، فهناك قواسم مشتركةٌ لا بدَّ من تكريسها والاستفادة منها وتعزيزها في مواجهة التحدِّيات الكثيرة التي تواجهها أمَّتنا.
وعلى كلِّ الأحوال، فإنَّ الإجابة عن السؤال يمكن أن تكون كما يلي:
1- السلطة الفلسطينية:(9/262)
وهي تحمل الفكر البراجماتي الذي جسَّده الرئيس ياسر عرفات في تعاطيه مع القضيَّة الفلسطينيَّة، ويستند هذا الفكر إلى الجذور العلمانيَّة التي تأسَّست وفقًا لها "حركة فتح"، فالسلطة الفلسطينية هي ثمرةٌ لعمل "حركة فتح" العسكري والسياسي على مرِّ العقود السابقة، وترى السلطة في الفلسفة التي تتبنَّاها أنَّه لا بدَّ من التعامل والتفاعل مع المتغيِّرات السياسيَّة بناءً على المصالح، فالسياسة العالميَّة الحالية قائمةٌ بالدرجة الأولى على المصالح، لا على الأخلاق، فالأخلاق في السياسة تأتي بعد المصالح، وهذه الفلسفة تتبنَّاها الدول الكبرى ودول العالم الثالث أيضًا، وترى هذه الفلسفة أيضًا أنَّه لا مجال للتعامل مع الأيديولوجيَّة في السياسة، فالأيديولوجيَّة يجب أن تخضع للمصالح.
من هنا ترى السلطة الفلسطينيَّة أنَّه يجب الخوض بحذرٍ في العمل السياسي، والتعامل مع الواقع الصعب الذي تعيشه الأمَّة في ظلِّ هيمنة الدول الغربيَّة، وبخاصَّةٍ الولايات المتَّحدة، وتعلن السلطة تمسُّكها بالثوابت، رغم أنَّها لا تمانع في مناقشة هذه الثوابت، دون أن تتنازل عنها.
وموقف السلطة من الأفكار -مثل الفكر الإسلامي أو الفكر اليساري- هو أنَّها تترك حريَّة اختيار الفكر للأفراد، ولكنَّها لا تُخضع سياستها لأيٍّ منها، ولكن ما هو ملاحظٌ في تعامل السلطة مع الحركات الإسلاميَّة واليساريَّة وغيرها، هو أنَّها تسعى إلى تحجيمها حتى لا يكون لها نفوذٌ وتأثيرٌ على صنع القرار السياسي.
2- الجبهتان الشعبيَّة والديمقراطيَّة:
تتبنَّى الجبهتان الشعبيَّة والديمقراطيَّة الفكر "الماركسي القومي" في المعركة ضدَّ الاحتلال، وتتمتَّع الحركتان بمرونةٍ سياسيَّةٍ عاليةٍ، وقدرةٍ على التعامل مع الاتجاهات المختلفة، وبالرغم من العداء التقليدي بين هاتين الحركتين من جهة، والحركات الإسلاميَّة من جهةٍ أخرى، فإنَّ التطوُّر الذي طرأ على المجتمع الفلسطيني، وعلى الصراع السياسي، جعل بالإمكان التقاء هذه الحركات في نقاطٍ سياسيَّةٍ معيَّنةٍ تتعلَّق بالقضيَّة الفلسطينيَّة ومصلحة الوطن والشعب، وقد أظهرت هاتان الحركتان احترامًا للتوجُّهات الدينيَّة للشعب الفلسطيني، وتوقَّفتا عن التصادم مع الفكر والتوجُّهات الدينيَّة لدى المجتمع الفلسطيني.
الحركتان اليساريَّتان نجحتا إلى حدٍّ كبيرٍ في الوصول إلى طبقاتٍ مثقَّفة، وتعملان بجدٍّ لاحتلال مواقع مهمَّةً في المجتمع الفلسطيني، على رأسها مؤسَّسات حقوق الإنسان، والإعلام، والمؤسَّسات الأكاديميَّة، وهكذا؛ والسبب قد يكون انحسار التأييد الجماهيري لهذه الحركات مع تصاعد المدِّ الإسلامي في المجتمع الفلسطيني.
3- حماس والجهاد:
تتمتَّع حركة حماس بشكلٍ خاصٍّ بتأييدٍ جماهيريٍّ واسعٍ في الساحة الفلسطينيَّة، والسبب هو عملها في مجال الدعوة لفترةٍ طويلةٍ قبل الخوض في العمل السياسي من خلال جماعة الإخوان المسلمين، وتحظى حماس بمصداقيَّةٍ واحترامٍ كبيرين من قبل المواطن والحركات الأخرى الفلسطينيَّة، وتتبنَّى حماس الفكر والمنهج الإسلامي في عملها، مع إدراكها لطبيعة العمل السياسي الذي يحتاج إلى مرونةٍ وواقعيَّةٍ كبيرين، لذلك نجد أنَّ حماس هي حركةٌ أيديولوجيَّةٌ تتمسَّك بالثوابت بشكلٍ لا يقبل النقاش أو الحوار، ولكنَّها تُناور وتحاور وتتقدَّم وتتراجع وفق المعطيات السياسيَّة وتطوُّرات الأحداث.
استطاعت حماس إثبات نفسها في الساحة الفلسطينيَّة، بل والعربيَّة والدوليَّة كذلك، من خلال عمليَّاتها العسكريَّة النوعيَّة ضدَّ الاحتلال، ومن خلال علاقاتها السياسيَّة وقدرتها على التعامل مع الآخرين، ومن خلال التأييد الواسع في الشارع الفلسطيني، وتمكنت من فرض رؤيتها على كثيرٍ من الجوانب المتعلِّقة بالقضيَّة، وتعاملت بذكاءٍ شهد له الجميع مع الأوضاع الصعبة التي تعرَّضت لها.. من ضرباتٍ أمنيَّةٍ، وحصارٍ اقتصاديٍّ، وحملاتٍ شنَّتها السلطة الفلسطينيَّة على أعضائها خلال النصف الثاني من العقد الماضي، وخرجت من كلِّ هذه المحن أقوى وأشدّ عودًا.
أمَّا بالنسبة لحركة الجهاد الإسلامي؛ فهي حركةٌ إسلاميَّة قويَّةٌ عسكريًّا وسياسيًّا، ولكن حجمها أقلّ بكثيرٍ من حجم حركة حماس في الشارع الفلسطيني، وربَّما يكون السبب هو ما يُعرف عن حركة الجهاد من علاقتها الوثيقة بإيران.
ولا تختلف حركة الجهاد كثيرًا عن حركة حماس في المواقف السياسيَّة والمرونة في التعامل، وإن كانت هذه المرونة أقلّ.
وتتعرَّض حركة الجهاد أيضًا إلى حملاتٍ عنيفةٍ من قبل الاحتلال، كما هو الحال بالنسبة لبقيَّة الحركات، وبخاصَّة حماس.
من المهمِّ قبل أن أختم كلامي الإشارة إلى أنَّ جميع الفصائل الفلسطينيَّة في هذه الانتفاضة قد اصطبغت بطابعٍ دينيٍّ واضح، من خلال بياناتها السياسيَّة، ومهرجاناتها، ووصايا الاستشهاديين، وهكذا.. ممَّا يشير إلى وجود فطرةٍ دينيَّةٍ واضحةٍ لدى أفراد هذه الجماعات من جهة، وإلى الطبيعة الدينيَّة للمجتمع الفلسطيني.
بالنسبة لأبي مازن، والسؤال فيما إذا كان بالفعل بهائيًّا أم لا؟
فالجواب هو أنَّنا سمعنا، كما سمع السائل عن هذا الأمر، ولكن لم نسمع معلوماتٍ مؤكَّدةً حول هذا الأمر، والموضوع لا يعدو كونه إشاعةً مجهولة المصدر، قد تكون صحيحةً وقد تكون غير صحيحة، وأعتقد أنَّه يجب أن يتكلم أبو مازن بنفسه عن هذا الأمر، ربَّما في لقاءٍ صحفيٍّ في المستقبل.
والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.
================
الخطيب المؤثر .. طريقة التكوين والنجاح(9/263)
أعمل في حقل الدعوة وأريد أن أصبح خطيبًا مفوَّهًا.. فأرجوا من سيادتكم إرشادي إلى منهجٍ متكاملٍ من كتبٍ ومؤلفاتٍ وغير ذلك، وبرنامجٍ زمنيٍّ للوصول لذلك. …السؤال
الدعوة العامة, وسائل دعوية, فنون ومهارات …الموضوع
الأستاذ مسعود صبري…المستشار
……الحل …
…أخي الحبيب، شكر الله تعالى لك هذا التفكير.. فإتقان العمل من شعائر المسلمين، وسمة من سمات دينهم الحنيف، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء" رواه مسلم.
وإتقان العمل وإحسانه ليس محصورا في الأعمال الدنيوية من مهارة الصنعة، وإتقان العمل، فنحن مطالبون بأن نتقن أعمال الدعوة والخير قبل أعمال الدنيا، لأن أعمال الدعوة تقدم إلى الله تعالى، فكانت أوجب في الإتقان، وأولى في إجادة الصنعة.
ولكني لست مع سؤالك، فأنت تريد أن تكون خطيبا مفوها، وما أكثر المفوهين من الخطباء وغيرهم، إننا نراهم في حياتنا كل يوم، بل إن شئت فقل: في كل موقف، وفي كل مكان، ولكن أحسب أن السؤال الصحيح هو: أريد أن أكون خطيبا ناجحا، أو أريد أن أكون خطيبا مؤثرا.
وأبادرك بالقول: إن الخطابة كشعيرة من شعائر الأمة نحن في حاجة إلى تفعليها، وأن نحولها من مجرد أداء واجب وإقامة شعيرة، إلى أن تكون أداة تأثير، ووسيلة تغيير، ومنبر إصلاح وتهذيب، وهذه الأهداف المذكورة للخطابة، توجب استعدادا يحتاج إلى نوع من البذل والتضحية، فليست الخطابة مجرد تحضير لكلمات، وبث لثقافات، وإظهار للمعلومات.
وعملية الخطابة أنظر إليها من عدة زوايا:
الأول: الخطيب.
الثاني: عملية الخطابة.
الثالث: الجمهور المستهدف.
الرابع: المادة المقدمة.
* أما عن الخطيب فإن عليه أن يتحقق بعدة أمور، وهي:
- مطلوب منه أن يكون ربانيا، موصولا بالله تعالى، يتحقق فيه الإخلاص لله ومراقبته سبحانه وتعالى، وألا يقصد بخطابته إلا وجه الله تعالى، فلا هو يسعى للشهرة، أو ثناء الناس عليه، بل يرى أنه يقوم بوظيفة من الوظائف التي كان يقوم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يضع نصب عينيه قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
فأول المحاور التي يهتم بها الخطيب تحقيق العبودية لله تعالى.
- أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قدوته، فيسعى أن يطبق السنن العملية والقدوة الفعلية من خلال حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فيتشبه به في حياته وسيرته، وذلك امتثالا لقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا).
وحين يتربى الخطيب على أن يكون عبودية الله أس الأساس عنده، والرسول الأسوة في حياته، فينشأ الخطيب ربانيا.
- أن يكون الخطيب ممن يؤدي الفرائض التي فرضها الله على عباده، ويتبع ذلك بالنوافل من الأعمال لينال محبة الله تعالى، وذلك للحديث القدسي الذي يرويه البخاري: "إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن.. يكره الموت، وأنا أكره مساءته".
بل يطلب من الخطيب أن يصل إلى حد ترك الشبهات، استبراء لدينه وعرضه، وحفاظا على سلامة قلبه، وكما جاء في الحديث: "ومن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه" رواه مسلم.
- أن يتولد عند الخطيب مراقبة الله تعالى، فإذا أراد أن يفعل شيئا فلينظر هل هو لله أم لغيره، فإن كان لله توكل على الله، وإن كان لغير الله توقف، وكما قال أحد الصالحين: المؤمن يحاسب نفسه، يقول: ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟ ماذا أردت بنومتي؟
والفاجر يمضي قدما لا يعاتب نفسه.
* أما عن الأمر الثاني وهو الخطابة:
فالخطابة فن قديم له مقومات وله أركانه، وقد كانت الخطابة أحد الفنون الأدبية عند العرب قبل الإسلام، وقد كانت العرب تستخدمها في إبداء الحجج والبراهين في اللقاءات السياسية والاجتماعية بين القبائل، وقد كانت تستخدم سلاحا من أسلحة المعارك بين المختلفين، ولم يغفل النبي صلى الله عليه وسلم قدرها، بل جعل له خطيبا، هو ثابت بن قيس، فكان يأمره بالخطابة عند مجيء وفد من وفود القبائل.
وهذا يعني معرفة بناء الخطبة من مقدمة، وموضوع، وخاتمة، واشتمالها على الحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، واشتمالها على القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وأبيات من الشعر وأقوال السلف الصالح وغيرها من الآثار عن السلف وغيرهم، وكذلك الدعاء.
* والأمر الثالث هو الجمهور:
وأقصد به أن يكون الخطيب على علم ووعي بالجمهور الذي يحدثه، ومستواه الثقافة، هل الجمهور عام أم خاص؟ متدين أم غير متدين؟ على وعي وثقافة أم لا؟؟
وذلك يؤدي إلى تحديد لغة الخطاب المناسب لهم، حتى يتسنى للخطيب أن يوصل الفكرة التي يريد توصيلها للجمهور.
* وأما عن الأمر الرابع وهو مادة الخطابة؛ وأرى فيها شقين:
- الشق الأول: أن تكون خارجة عن يقين بما يقول الخطيب، وأن يكون مؤمنا بما يصدره من تذكير وتوجيه وإرشاد للسامعين، وأن يخرج من قلبه قبل أن يجري على لسانه، فإن هذا أدعى للقبول والتأثير في الناس.. وكما قيل: ما كان من القلب وصل للقلب وما كان من اللسان لم يتعد الآذان.(9/264)
أما عن المنهج الثقافي والذي كان هو مضمون سؤالك، مع تأكيدي على ضرورة انتباهك إلى درجته الحقيقية في عملية الخطابة، وأنه ليس كل شيء، فهناك -مع أهميته- ما هو أهم منه.
وهذه بعض الكتب التي يمكنك الاسترشاد بها في تكوين ثقافة الخطيب المتميز:
* في مجال الدعوة:
- أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان.
- تذكرة الدعاة للشيخ البهي الخولي.
- الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم، للدكتور يوسف القرضاوي.
* كتب المعاجم والموضوعات المفيدة في الخطابة، وأهمها:
- معجم الألفاظ والأعلام القرآنية للشيخ محمد إسماعيل إبراهيم.
- التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، محمد البهي.
* سيرة الأنبياء والمرسلين، ومن أهم ما كتب فيها:
- المستفاد من قصص الأنبياء للدعوة والدعاة للدكتور عبد الكريم زيدان.
- قصص الأنبياء للدكتور الشيخ عبد الوهاب النجار.
- قصص الأنبياء للحافظ ابن كثير.
* السيرة النبوية:
- فقه السيرة للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.
- فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي.
- الرسول صلى الله عليه وسلم للشيخ سعيد حوى.
- عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم للأستاذ عباس العقاد.
- فقه الأولويات وفقه الموازنات للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي.
- تحرير المرأة في عصر الرسالة للأستاذ محمد عبد الحليم أبو شقة.
* مشكلات في طريق الدعوة، يمكن الرجوع إلى:
- مع الله .. دراسات في الدعوة والدعاة للشيخ محمد الغزالي.
- الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي للدكتور يوسف القرضاوي.
- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للشيخ أبو الحسن الندوي.
* في الحديث النبوي، يمكن الرجوع إلى:
- الترغيب والترهيب للإمام المنذري.
- رياض الصالحين للإمام النووي.
- الأربعون النووية للإمام النووي.
بالإضافة إلى كتب السنة، كالبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وأبي داود، والموطأ للإمام مالك، ومسند أحمد، وغيرها.
* وفي التفسير، يمكن الرجوع إلى:
- تفسير السعدي.
- تفسير ابن كثير.
- في ظلال القرآن.
- تفسير القرطبي.
وغيرها من كتب التفسير.
* وفي الفقه يمكن الرجوع إلى:
- الفقه الواضح، للدكتور محمد بكر إسماعيل.
- فقه السنة للشيخ سيد سابق.
- تيسير فقه العبادات للمستشار فيصل مولوي.
- فقه المعاملات للشيخ حسن أيوب.
* وفي علوم القرآن، يمكن الرجوع إلى:
- مباحث في علوم القرآن لمناع القطان.
- وعلوم القرآن للدكتور محمد بكر إسماعيل.
* و في العقيدة:
- الإيمان للإمام ابن تيمية.
- عقيدة المسلم للشيخ الغزالي.
- العقيدة الطحاوية للإمام الطحاوي.
- سلسلة العقيدة من الكتاب والسنة للدكتور عمر سليمان الأشقر.
- العلم يدعو للإيمان لكريسي موريسون.
* وفي التربية والزهد والرقائق:
- إحياء علوم الدين للإمام الغزالي.
- ومختصر منهاج القاصدين لابن قدامة.
- وخلق المسلم للشيخ الغزالي.
* وفي مصطلح الحديث:
- تيسير مصطلح الحديث للدكتور محمود الطحان.
- علوم الحديث لصبحي الصالح.
- الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير وأحمد شاكر.
كما يضاف إلى هذا أن يكون الخطيب على إلمام بما يدور من أحداث معاصرة، فيضعها في بؤرة اهتمامه، كما أنه في حاجة إلى معرفة ما يحاك للمسلمين وأن يقرأ في الاستشراق، وأهم الفرق والمذاهب ما تيسر له ذلك.
ولكن يجب أن يعلم أن هذا التكوين سيأخذ فترة من الزمن فلا يتعجل الخطيب المبتدئ قطف الثمرة والوصول إلى النتيجة المرجوة بعد فترة قصيرة، فيدرك المرحلة التي يعيشها ولا يتعجل.
وأنصح كل خطيب مبتدئ أن يكون له مجموعة من الزملاء أو المراقبين لخطبته، يجلس معهم بعد الخطبة لتقييمها، تقويما له في سيره في هذا الطريق.
والله أسأل لك - أخي الحبيب - أن تكون خطيبا ناجحا مؤثرا فيمن حولك، وأن يرزقنا وإياك الإخلاص في كل شيء، وتابعنا بأخبارك.
===============
أيهما أولى بالعمل: الإسلام أم التنظيم ؟؟
الإخوة الكرام القائمين على صفحة الاستشارات الدعوية ..
أرجو منكم أن تبينوا لنا مقالاً شافيًا، وجوابًا قاطعًا في مسألة: أيهما أولى بالعمل عند التعارض: العمل لمصلحة التنظيم والجماعة التي يعمل من خلالها الداعية، أم العمل لمصلحة الإسلام ؟؟
وجزاكم الله كل خير. …السؤال
ثقافة ومعارف, فقه الدعوة, قضايا وشبهات, الدعوة والحركة …الموضوع
الدكتور فتحي يكن…المستشار
……الحل …
…الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، بلّغ الرسالة وأدَّى الأمانة وخدم الدين، وجاهد في سبيل الله حقَّ الجهاد حتى أتاه اليقين، وبعد ..
لكَم عجبت لهذا السؤال الذي وصلني، وتلكم الإشكاليَّة التي طُرِحَت عليَّ، ذلك أنَّه لا وجه للمقارنة بين أهمِّيَّة العمل لمصلحة التنظيم وأهمِّيَّة العمل للإسلام عند التعارض أو عدم التعارض.
إنَّ انتماءنا للإسلام في الأصل هو الذي يجعلنا مسلمين، ويحشرنا في زمرتهم يوم الدين، والانتماء للتنظيم ليس بديلاً عن ذلك، وإنَّما هو وسيلةٌ لحسن تحقيق ذلك، وصدق الله تعالى حيث يقول: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ).(9/265)
إنَّ الأنبياء والمرسلين والعلماء والدعاة، كما المؤسَّسات والتنظيمات والجماعات والحركات الإسلاميَّة، إنَّما هم مكلَّفون بخدمة الإسلام، وحمل رسالته، وتبليغ دعوته، والجهاد في سبيله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).
ثمَّ إنَّ الحكم الإسلامي والحكومات الإسلامية والخلفاء، ليسوا إلا أداة لخدمة الإسلام وتنظيم الاحتكام إلى شرعه، وليس لهم أن يحيدوا عن الإسلام قيد أنملة: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ).
إنَّ الإسلام هو دين الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو المنهج الذي يتعبد المسلمون به ربهم، أفرادًا وتنظيمات وحكومات، أمَّا التنظيمات وأهلها والعاملون فيها، فهم خُدَّام للدين، والمسخرون للعمل من أجله، وليسوا بمعصومين عن الخطأ والزلل، وجميعهم يُؤخَذ منه ويردّ عليه، وهؤلاء كلهم يُعرَفون بالدين، ولا يُعرَف الدين بهم.
فالتنظيمات تخطئ وتصيب، وتنجح وتفشل، وهي تزدهر ثم تندثر، فلكم قامت تنظيمات عبر التاريخ الإسلامي، ثم أصبحت أثرًا بعد عين، أما الإسلام فهو الباقي والمستمر والمحفوظ، مصداقًا لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
إنَّ مجرَّد استهداف التنظيم بالعمل هو لونٌ من ألوان الشِّرك، والله تعالى أغنى الأغنياء عن الشرك، وهو سبحانه القائل: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).
ولقد وعى مؤسسو الحركات والتنظيمات الإسلامية الراشدة تلك الحقيقة الثابتة، فنجد – على سبيل المثال - يوم أسَّس الأستاذ حسن البنا "جماعة الإخوان المسلمين" واختار لها شعاراتها، لم يجعل للتنظيم أدنى نصيب بينها، فقال: "الله غايتنا – الرسول قدوتنا – القرآن دستورنا – الجهاد سبيلنا – الموت في سبيل الله أسمى أمانينا".
أذكر أنَّني - في الستينيات - ألقيت خطابًا بمناسبة افتتاح مركز للعمل الإسلامي في مدينة صيدا، وكان في الحضور حشد من العلماء، قلت في مطلع الكلام: "هنالك قضيَّةٌ يجب أن ندركها تمام الإدراك، ونعيها تمام الوعي، ونذكرها دائمًا ولا ننساها، وبخاصَّةٍ لدى افتتاحنا اليوم لمركزٍ من مراكز العمل الإسلاميِّ في لبنان، وهي أنَّنا مسلمون قبل أن نكون "إخوانًا مسلمين"، وأنَّنا جماعةٌ من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين.. فالإسلام قبلنا وبعدنا، وبنا وبدوننا، وإن نتولَّى يستبدل الله قومًا غيرنا ولن نضره شيئًا، وسيجزي الله الشاكرين، أوَليس هو القائل في محكم كتابه: (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).
إن التنظيم الذي يخلص عمله لله، بعيدًا عن أية نفعية أو وصولية، هو التنظيم الذي لا يرى له مصلحة إلا مصلحة هذا الدين، ويرى في غير ذلك لونًا من ألوان الشِّرْك، ووقوعًا فيما نهى الإسلام عنه وحذر منه، إن هذا التنظيم – إن وُجدَِ - هو الجدير بنصر الله وتأييده، وبإمامة المسلمين وقيادتهم.
في ضوء كلِّ ذلك يكون المطلوب دائمًا وأبدًا تجريد العمل للإسلام من كلِّ لوثةٍ وصوليَّةٍ، أو غرضٍ فرديٍّ أو جماعيٍّ أو تنظيميّ، انسجامًا مع خلوص العبوديَّة لله تعالى، الذي أكَّدته وأكَّدت عليه الآية الكريمة في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
وبحسب هذه المعادلة، يكون الولاء لله تعالى وحده، كما يكون شرط السمع والطاعة للقيادة: طاعتها له والتزامها شرعه، فالطاعة بالمعروف ولا طاعة بالمعصية، وفي الحديث: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبَّ وكره ما لم يُؤمر بمعصية، فإن أُمِر بمعصيةٍ فلا سمع عليه ولا طاعة" رواه الترمذي، وقال: حسنٌ صحيح.
وفي خطبة الولاية لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: "أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم، فإن عصيتُ فلا طاعة لي عليكم".
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته" رواه أبو داود بسندٍ صحيح.
ووفق هذه القاعدة يصبح شرط الانتماء إلى التنظيم تحقيق الانتماء للإسلام والتزام مبادئه وقيمه، وحمل رسالته، وتبليغ دعوته، والاحتكام إليه، والجهاد في سبيله.
إنَّ أوَّل ما يُسأَل عنه العبد يوم القيامة هو الإسلام، ماذا عمل به، وماذا أخذ منه أو قصَّر فيه ؟.
مع الإشارة والتأكيد على أنَّ هذا المفهوم ليس مدعاةً للتقليل من أهمِّيَّة التنظيم، وإنَّما سيق للتمييز والتفريق بين الوسيلة والهدف، كما بين الخادم والمخدوم سواءً بسواء، سائلاً الله تعالى الهدى والسداد واتِّباع طريق الحقِّ والرشاد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
==============
معاقبة المحجبات بالمدرسة .. معادلة الراعي والرعية!!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
لدينا مدرستان متجاورتان (ثانوي تجاري للبنات)، وأخرى (زراعي للبنين)، والمشكلة أن طلاب المدرستين أخلاقهم غير سوية، وقد رضينا بالوضع بعد فشل محاولات كثيرة.(9/266)
وإذا كنا قد ارتضينا ذلك، فإن أولي الأمر لم يكتفوا بسكوتهم، بل أصدرت مديرة المدرسة قرارا بمنع ارتداء النقاب أو الإسدال أو الحجاب في المدرسة.
وتقوم إدارة المدرسة يوميا بمعاقبة البنات اللاتي لم يمتثلن لهذا القرار، واللاتي قذف الله في قلوبهن الإصرار والثبات على هذا الزي.
فماذا يمكننا أن نفعل نحن لتغيير هذه الأوضاع؟
…السؤال
الشباب, قضايا وشبهات, الدعوة العامة …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
…الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه، وعملكم له.
أخي الحبيب، الإصلاح معظمه – إن لم يكن كله - بأيدي الناس، وبعضه أو أقله بأيدي مسئوليهم.
أليس المسئول على أي مستوى هو من الناس؟! أم هو من خَلق آخر غيرهم؟! أم هبط عليهم من كوكب آخر غير كوكبهم؟!
ومن هنا إذا انصلح الناس، انصلح مسئولوهم! إذ من أين يخرج مسئول فاسد من أناس كلهم صالحون؟! والعكس صحيح، فكيف يخرج مسئول صالح من أناس كلهم فاسدون؟!
وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كما تكونوا يُوَلَّ عليكم" رواه البيهقي بسند ضعيف.
ولما ضُرب عليّ رضي الله عنه أثناء خلافته، طلب منه المسلمون أن يستخلف عليهم بعده خليفة، فقال: "تركتكم كما ترَكنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا: يا رسول الله استخلف علينا، فقال: "إن يعلم الله فيكم خيرا يُوَلِّ عليكم خياركم"، فعلم الله فينا خيرا فوليَّ علينا أبا بكر رضي الله عنه" رواه الحاكم بسند ضعيف.
وقال الإمام ابن تيمية في "مجموع الفتاوي": "ليس النقص في الملوك ونوابهم من الولاة والقضاة والأمراء فقط، بل النقص في الراعي والرعية جميعا، فإنه كما تكونوا يُولَّ عليكم، وقد قال الله تعالى: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا)".
إذن - أخي الكريم – نحن نحتاج إلى تربية الناس على منهج الإسلام وأخلاقه، فإذا ما تحقق ذلك، وأصبح الناس يلتزمون أخلاق الإسلام وآدابه، فمن أين سيأتي المسئول الذي يناقض هذه الأخلاق والآداب.
وهذا التغيير - أخي الحبيب - يمكن تحقيقه مع الوقت والصبر والتدرج والأمل وطول النفَس، يمكن تحقيقه من خلال التربية، أي تربية المسلمين بدعوتهم إلى التمسك بأخلاق إسلامهم تدريجيا، فبدلا عن أن نستهلك جهودنا في صبِّ اللعنات عليهم نستهلكها في نصحهم، وعونهم على الالتزام بها، وتربية الناس عموما بدعوتهم لعموم القيم، دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، دعوتهم بالقدوة والخدمة والسؤال والحب والمشاركة في الأفراح والأحزان، دعوتهم بالموقف والكلمة والأشرطة والكتيبات ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، دعوتهم في بيوتهم ونواديهم ومساجدهم ومعاهدهم وأماكن أعمالهم وترويحهم، و في كل مكان تجمع ممكن.
ثم أثناء كل ذلك العمل الإيجابي، طويل الأمد، ننصح كل مسئول في كل موقع قدر استطاعتنا، برفق ولين، وبأسلوب مناسب، وحسب الظروف والأحوال، كما يؤخذ من قوله تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)، وسينتصح - بإذن الله - مع الوقت؛ لأن في كل إنسان فطرة الخير.
وأمر آخر أود أن ألفت نظرك إليه أخي الحبيب، وهو أن الإسلام دين النظام، ويدعو إلى النظام؛ لأنه طريق الرقي والسعادة في الداريْن، ويرفض الخلل والاعوجاج؛ لأنه طريق التخلف والتعاسة فيهما، والإسلام يطلب منا النظام في الحياة كلها، في البيت وخارجه، في الملبس والمأكل والمشرب والمنام، في العلم والعمل والإنتاج والعلاقات، في الشعائر والمعاملات، فلقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم صبيا قد حُلِقَ له بعض شعر رأسه وُتركَ بعضه، فنهاهم عن ذلك وقال: "احلقوه كله أو اتركوه كله" رواه أبو داود بسند صحيح، نظام حتى في الشعر!! فما بالنا بما هو أعظم وأهم !! وذلك لأن النظام سرور وصعود، بينما الفوضى شرور وهبوط، كما يُفهم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين حذر تحذيرا شديدا من العواقب الدنيوية والأخروية لمخالفة النظم الصالحة النافعة: " لتُسَوُّنَّ صفوفكم أو ليُخالفنَّ الله بين وجوهكم" رواه مسلم، وصفوفكم: أي صفوف الصلاة، وهذا الحديث قال فيه الإمام النووي: "معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب .... لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن".
فتصوَّر معي - أخي الحبيب - المدرسة التي ذكرتها - وهي مؤسسة لها نظمها الخاصة - وقد أتت كل طالبة فيها بزي مختلف، وكله في إطار الشرع، فهذه بـ (إسدال) أسود، وتلك بـ (خمار) بني، وثالثة بـ (تونيك) أحمر، ورابعة بـ (بالطو) أصفر، وخامسة بـ (عباءة) وردية، أو ... أو ...، ألست معي في أنَّ هذا سيكون منظرا مثيرا للاشمئزاز؟! رغم أنه قد حدث بوسائل كلها حلال لا حرام فيها!! لكنه أدى إلى فوضى وعدم نظام، بل وفيه تدريب على المخالفة في نظم الحياة الأخرى، فيحدث ضرر من ذلك؛ ولهذا كان تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من مخالفة النظم الصالحة النافعة، والتي هي في إطار الإسلام ولا تخرج عنه.(9/267)
إذن فمن حق أية مؤسسة أخي الحبيب، بل ويطلب منها أن تضع لنفسها ما تراه من النظم النافعة، التي تحقق لها مصلحتها وتقدمها، ومصلحة أفرادها وتقدمهم، ما دامت هذه النظم لا تخالف نظام الإسلام، كما يُؤَخذ من قوله صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" رواه مسلم، وقد سنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بفهمه لهذا الحديث كثيرا من القوانين والتشريعات واللوائح الإدارية، والتي لم تكن موجودة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عهد خليفته أبي بكر؛ وذلك من أجل إصلاح المسلمين وإسعادهم، ولم ينهه أحد من الصحابة الكرام عن ذلك، بل عاونوه بكل إمكاناتهم، بالتفكير، والابتكار، والتنفيذ.
وعلى هذا، فمن حق المسئولين عن إدارة نظام ما وضع عقوبات على المخالفين – بعد نصحهم وعونهم بوسائل متعددة – كما يُفهم ضمنا من تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث السابقة.، ولا حجة في أن المخالفة في شكل الحجاب - وهو طاعة - أو في لبس النقاب، فهي لا زالت مخالفة ! والذين خالفوا وحذرهم صلى الله عليه وسلم كانوا يخالفون في الصلاة، في طاعة !!.
أمَّا أن تكون العقوبة على ارتداء الحجاب أو النقاب ذاته، فهذا مما لا نظنه أن يحدث الآن في بلدنا بعد صور انتشار الإسلام الحالية الكثيرة المبشرة، بل يحتاج منك الأمر إلي َتثبُّت في المعلومة؛ لأن ما نتأكد منه، وما أثبته الواقع سابقا مرارا وتكرارا، أنَّ العقوبة التي وقعت على بعض الطالبات ليست على لبس الحجاب ذاته، وإنما على مخالفة لونه أو شكله أو هيئته أو ما شابه هذا.
أخي الحبيب، مع نشر الدعوة بين الجميع، ومع السير في طريق التربية، فمن أفضل الوسائل لحل مثل هذه المشكلات هو الحوار، كما وجهنا الحق تبارك وتعالى إليه في قوله: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، فنقترح عليك تشكيل وفد من بعض أولياء الأمور الصالحين، المتصفين بسعة الصدر، ويملكون القدرة على الإقناع، للاتصال بإدارة المدرسة لمعرفة أسباب المشكلة وما يحيطها من مُلابسات، ونظن بأن هذا الحوار الودود المخلص، في إطار سلامة الصدور ومحاولة الوصول لما يتفق مع أخلاق الإسلام، ستحل المشكلة - بإذن الله - بما يُرِضي جميع الأطراف، وسيكون لك، ولكل من شارك ثواب مشاركته وحرصه على الإصلاح، كما يقول تعال: (إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)
وفقك الله وأعانك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
===============
أريد الخروج في سبيل الله .. أين واجب الوقت ؟!
أريد أن أخرج في سبيل الله 3 أيام، ولكن والدي ممانع لذلك، رغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ساعة في سبيل الله خير من ليله القدر".
ماذا أفعل لأجعل أبي يوافق؟ فالساعة في سبيل الله لا يمكن حصر حسناتها!.
أرجو الرد سريعا جدا، لأنه قد تولد مشاكل بالبيت بسبب هذا الموضوع.
…السؤال
الشباب, قضايا وشبهات …الموضوع
الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
…ولدي الحبيب شريف، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبا بك، وبعد ..
فأحيي فيك حرصك على الخير واغتنام الثواب بفعلك الطاعات والقربات، وأسأل الله عز وجل أن يبارك فيك ويكثر من أمثالك، فأنت ومن هم على شاكلتك هم عدة الأمة وذخرها في مواجهة ما يحيق بها، وأملها للخروج مما هي فيه من تأخر وهوان.
ولكن دعني يا ولدي أراجع معك بعض المفاهيم التي قد تكون غائبة عن ذهنك، وأرجو أن تجد كلماتي طريقا إلى قلبك وعقلك.
إن المسلم يا ولدي مطالب بأن تكون حياته كلها في سبيل الله عز وجل، وليس مجرد بضعة أيام أو ليال فقط، يقول سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، ويكون ذلك بأن يعيش المسلم حياته على منهج الله سبحانه، في معاملاته وعباداته، في حركاته وسكناته، في شغله وفراغه، وفي كل شئون حياته، وذلك بأن يجعل نيته في كل عمل موجهة لله عز وجل، حتى في الأمور المتعلقة بطبيعة الإنسان، والتي يشبع بها حاجاته الغريزية، من طعام وشراب وشهوة، فتتحول تلك الأمور كلها إلى عبادة له سبحانه وتعالى، يأخذ عليها الأجر كالصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد، وسائر الطاعات والعبادات.
وأضرب لك مثالاً يقرب إليك معنى حديثي هذا: لو أنك قبل أن تأكل نويت بهذا الطعام أن تتقوى على عبادة الله عز وجل، ولا تكون ضعيفا عاجزا، فأنت تأخذ أجرا على طعامك هذا فوق إشباع شهوة البطن، ولو نويت بمذاكرتك وتفوقك خدمة الإسلام والمسلمين ورفع شأن الأمة بعلمك، فأنت تأخذ الأجر والثواب من الله عز وجل فوق المكانة الدنيوية التي تحوزها بهذا العلم، ويكون سعيك في طلب العلم واجتهادك فيه بمثابة الجهاد في سبيل الله عز وجل، وهكذا يا ولدي، حتى شهوة الفرج لو نوى بها المسلم المتزوج تحصين نفسه وزوجه من الحرام وإخراج نَسَمة مؤمنة تعبد الله عز وجل، فهو يأخذ بهذه النوايا الأجر من الله عز وجل فوق تسكين شهوته واستمتاعه، ومصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وفي بُضْع أحدكم (أي فرجه) صدقة"، فقال الصحابة متعجبين: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا" رواه مسلم. وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "ما تمتع به الفجار تمتع به الأخيار وزاد عليه تقوى الله عز وجل".
إذا استقر هذا المفهوم في ذهنك يا ولدي ستكون حياتك كلها طاعة لله عز وجل وعبادة له وخروجا في سبيله.(9/268)
وبهذا المعنى نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أشرت إليه، فالساعة التي في سبيل الله عز وجل، يقصد بها النبي صلى الله عليه وسلم كل عمل صالح تقوم به في حياتك، ويعود نفعه عليك وعلى مجتمعك وأمتك وكل من حولك، وليس معناه أبدا مقصورا على (الخروج في سبيل الله) بمفهومك.
وأرجو ألا تفهم من حديثي هذا أني أعارض رغبتك في (الخروج في سبيل الله) على المعنى الذي تريده، وهو ترك المنزل والإقامة في أحد المساجد هذه المدة مع رفقة صالحة، مع دعوة الناس إلى الخير وفعل الطاعات، فهذا أمر طيب أسأل الله عز وجل أن يتقبله من كل من يقوم به، ولكن ما أريد أن أصل إليه أن يكون لديك فقه للأولويات، بحيث تستطيع ترتيب حياتك وفق أولوية وأهمية كل طاعة تريد أن تقوم بها.
فلا شك أن ما تريد أن تفعله هو طاعة لله عز وجل، ولا شك أيضا أن طاعة والدك في المعروف وبرك به طاعة لله عز وجل أيضا، ولكن حين نزن الأمرين بميزان الأولويات، نجد أن بر الوالد وطاعته في المعروف هو فرض عليك، تحاسب من قبل الله عز وجل إن فرطت فيه وضيعته، أما ما تريد أن تقوم به فهو نافلة إن فعلتها فلك الأجر وإن تركتها فليس عليك وزر، وتستطيع أن تأخذ من الفرائض والطاعات والنوافل الأخرى ما يسد عنها بل ويفوقها أجرا عند الله. والله عز وجل يقول في حديثه القدسي: "ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه" فالفريضة أولاً، وهي في هذا المقام تتمثل في بر والدك وطاعته، والله عز وجل يأمر الأبناء بطاعة الوالدين وبرهما، وجعل الإحسان إليهما في المقام التالي مباشرة لعبادته سبحانه، حيث قال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وقال مخاطبا من يدعوه والديه للشرك بالله وهو أكبر الكبائر: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا)، ولكنه أردف خلفها مباشرة: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) ، فحتى الشرك بالله ليس مسوغا للإساءة إليهما، بل معاملتهم بالمعروف والحسنى لازمة في كل وقت وعلى كل حال.
ولا شك أن أباك لم يطلب منك الشرك بالله، بل ربما منعك من هذا العمل لأسباب أخرى، منها الخوف عليك من شيء ما، أو لأنه يرى أن عليك واجبات أخرى أولى من هذا العمل يجب أن تقوم بها، وعلى رأس هذه الواجبات مذاكرة دروسك.
إن هناك ما يسمى عند العلماء بـ (واجب الوقت) وهو العمل الذي إذا حضر وقته الذي لا بد أن يؤدى فيه فلا يجوز أبدا تقديم غيره من الأعمال عليه، وأعتقد أن واجب الوقت بالنسبة لك يا ولدي هو القيام بما افترضه الله عليك في هذه المرحلة العمرية التي تمر بها، وهو أداء الصلوات في أوقاتها، ومذاكرة دروسك والتفوق في دراستك، وبر والديك وطاعتهما في المعروف، ثم تأتي بعد ذلك كل الأعمال الصالحة التي تستطيع أن تقوم بها في حياتك بعد أن تؤدي تلك الواجبات.
وأذكرك بالشاب الذي أتى للنبي صلى الله عليه وسلم متطوعا للجهاد في سبيل الله، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: "أحيُّ والداك؟" فقال الشاب: نعم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ففيهما فجاهد" رواه مسلم. فنرى أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن خدمة هذا الشاب لوالديه والإحسان إليهما وبرهما يعدل الجهاد في سبيل الله، في الأجر والمثوبة.
فلا داعي أبدا يا ولدي أن تخلق مشكلة مع والدك، وتؤزم الأمور، وتجعله يغضب منك بسبب عدم طاعتك له، بل استحضر نية بر والدك والإحسان إليه، وعدم رغبتك في إغضابه طاعة الله عز وجل، وإن شاء الله ستأخذ الأجر الجزيل والثواب الكبير إن فعلت هذا، بل وسيكتب الله عز وجل لك أجر الخروج حتى ولو لم تخرج، فالأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.
أسأل الله عز وجل أن يوفقك لما فيه الخير والرشاد، وأن يتقبل منا ومنك صالح العمل، وتابعنا بأخبارك.
==================
مشكلات طلابية في حلقة قرآنية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
جزاكم الله خيرًا على هذا الموقع الأكثر من رائع.
لديَّ بعض الأسئلة أرجو أن تجيبوا عليها إن شاء الله.
1- أنا أُدرِّس ضمن حلقة قرآن في مركز لتحفيظ القرآن، ولديَّ طلابٌ في الصف الثاني الإعدادي، وأحاول أن أرتقي بهم في بعض الأمور، وأطلب منكم طرح بعض الطرق المقترحة حتى أتمكن من ترغيبهم بها:
أولاً: صلاة الجماعة في المسجد، فلديَّ طلابٌ مقصِّرون بها، وذلك من خلال متابعتي لهم في جداول أعطيتها لهم، وخصوصًا صلاة الفجر.
ثانيًا: المتابعة على الأذكار: "أذكار النوم، الاستيقاظ، الصباح..".
ثالثًا: أحاول أن أرتقي بهم في دراستهم، وخصوصًا أن البعض لديه درجات مُتدنية جدّا.
2- اكتشفت مؤخرًا أنَّ لديَّ طالبًا كثير السَّرَحَان، لدرجة أنَّني أكون أشرح درسًا ما، وأسأله عن آخر نقطة تكلَّمت فيها، فلا يعرف، وهذا أيضًا ما أخبرني به والده، فلا أدري كيف أتعامل معه؟ وما علاجات تلك المشكلة.
3- أرجو أن تقترحوا لي بعض الوسائل التي من خلالها أستطيع أن أجذبهم خلال إلقاء الدروس لهم، مع العلم أنَّني مازلت طالبًا جامعيّا بقسم كمبيوتر، أي أنَّني لا أعرف الكثير عن أساليب التربيَّة والتدريس، وأرجو أن تقترحوا لي بعض الدورات، ولو كانت مجموعة كاسيت، أو كتب لأحد المشايخ، أو غيرهم تساعدني في ذلك.
4- أرجو أن تقترحوا عليَّ بعض الوسائل التي تزيد من محبة الطلاب لي، مع العلم أنِّي أعاملهم كإخواني الصِّغار، وأحرص عليهم كثيرًا، كما أحرص أن يعاملوني مثل ما أعاملهم.
وجزاكم الله خيرًا.
…السؤال
إيمانيات, الشباب, زاد المسير, وسائل دعوية, شباب وطلاب …الموضوع(9/269)
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
…أخي الكريم،
جزاكم الله خيرًا على شعورك الطيَّب نحونا، وجزاكم الله خيرًا على هذا الحرص على مَن تدعوهم، ونسأل المولى عزَّ وجلَّ أن يتقبَّل منك هذا الجهد، وأن يجعله في ميزان حسناتك.
واسمح لنا – أخي الكريم – أن نردَّ على تساؤلاتك من خلال النقاط التالية:
أولاً- الصلاة بالمسجد والأذكار:
يمكنك - أخي الكريم - مساعدة هؤلاء الطلاب على أن يكونوا من المحافظين على أداء الصلوات الخمس في وقتها بالمسجد، وكذلك المحافظة على الأذكار المختلفة بمراعاة الأمور التالية:
1- أن تكون قدوة لهم:
فالسلوك العملي من أعمق الوسائل التربويَّة ثأثيرًا في نفوس الآخرين بصفةٍ عامة، وفي نفوس الشباب في هذا العمر بصفةٍ خاصَّة، فلتكن لهم قدوةً في المحافظة على أداء الصلاة بالمسجد في الجماعة الأولى وخاصَّة صلاة الفجر، ولتكن لهم قدوةً أيضًا في المحافظة على الأذكار في أوقاتها ومناسباتها المختلفة.
2- استخدم فضائل الأعمال كمنشط:
فالتذكير بفضائل الأعمال وثوابها، من الأمور التي تنشَّط الإنسان، وتدفعه إلى السعي والجدِّ والحرص على القيام بهذه الأعمال لتحصيل ثوابها، خاصَّة إذا كانت هذه الأعمال يترتب عليها ثوابٌ كبير، والشباب في هذا العمر يهتمون بهذه الفضائل اهتمامًا كبيرًا، فمثلاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من صلى لله أربعين يومًا في جماعةٍ، يدركُ التكبيرة الأولى، كتِب له براءتان: براءةٌ من النارِ وبراءةٌ من النفاقِ" رواه الترمذي بسند حسن. هذا الحديث يُوجِد لديهم دافع الحرص على المحافظة على تكبيرة الإحرام، طمعًا في نيل البراءة من النفاق ومن النار، وهكذا التذكير بفضائل الأعمال بصفةٍ عامة، يشجّع الشباب ويحثُّهم على السعي لتحصيل فضائل الأعمال والفوز بها.
3- ساعدهم بصورةٍ عمليَّة:
فمع الصلوات يمكنك أن تمرَّ عليهم عند ذهابك للصلاة، أو على الأقل تصلِّي معهم بصورةٍ منتظمةٍ بعض الفروض، وتتقابل معهم وتطمئن على أحوالهم.
وفي صلاة الفجر بصفةٍ خاصَّة يمكنك مساعدتهم بمدِّهم بالأسباب التي يمكنها مساعدتهم على الاستيقاظ للفجر، كما يمكنك إيقاظهم هاتفيّا، أو بالمرور عليهم، أو بالتنسيق بينهم ليوقظ بعضهم البعض.. إلخ.
والأذكار يمكنك مساعدتهم على الالتزام بها، من خلال معايشتك لهم، وحرصك على تذكيرهم بها في المواقف المختلفة؛ لذا من الضروري – أخي الكريم – أن تحاول توفير فرص للتواجد معهم في أوقاتٍ ومناسباتٍ مختلفةٍ، تهتم أثناءها بتذكيرهم بأذكار كل عمل وبفضائل هذه الأذكار، فهذا بمثابة تدريب عملي على المحافظة على الأذكار المختلفة، ويمكنك أيضًا أن تهدي لهم بعض الكُتيبات الصغيرة التي تتناول أذكار اليوم والليلة، وكذلك بعض الملصقات التي تحتوي على الأذكار المختلفة، ويمكنك متابعة محافظتهم عليها من خلال ملاحظتك لهم، أو من خلال اطمئنانك على أحوالهم، أو باستخدام الاستبيانات.
ويفيدك - أخي الكريم – في هذا الأمر مطالعة الروابط التالية:
- هاربٌ من صلاة المسجد.. للعودة طرق
- مشجِّعاتٌ في رفع الهمم والتزام الصلاة
- المواظبة على الصلاة والخشوع فيها: بالتركيز.. والتدريب.. والصحبة
- الأسباب المعينة على صلاة الفجر
- المواقع الإسلامية تشغلني عن الفجر !!
- رسالة من جماعة المسجد لمن لا يشهد صلاة الفجر
ثانيًا- لترتق بهم دراسيّا:
من الأمور التي تساعدك في الارتقاء بهم في الجوانب الدراسيَّة، خاصَّةً أصحاب الدرجات المنخفضة، إليك بعض الأفكار التي نرجو أن تساعدك في هذا الأمر:
1- اجتهد في إيجاد الدافع لديهم:
وذلك بالإكثار من الحديث معهم حول العلم وفضائله، وعن العلماء ومكانتهم عند الله تعالى، وأمدَّهم بالكثير من قصص وتراجم العلماء وكيف تفوقوا، وأمدَّهم بقصص المخترعات وكيف تم التوصل إليها، ومن الأمور التي من الممكن أن تساعد أيضًا على إيجاد الدافع: عقد لقاءات وفتح حوارات مع بعض الشخصيَّات المتفوِّقة والمتميِّزة في المجالات العلميَّة، ويساعد كذلك في إيجاد الدافع لديهم إقامة حفلات يُكرَّم فيها الناجحون والمتفوِّقون، ولا تنسَ - أخي الكريم - أن تفوُّقك أنت نفسك في دراستك أمرٌ هامٌ جدّا في حثهم ودفعهم إلى المذاكرة والتفوق.
2- عَرِّفهم كيف يذاكرون:
وقد يكون السبب وراء تدنِّي درجات البعض منهم، هو عدم معرفتهم بأساليب المذاكرة الصحيحة، فلتعاونهم على معرفة أساليب وطرق المذاكرة السليمة المنتجة، ويمكنك الاستفادة في ذلك الأمر بخبراتك في المذاكرة، خاصَّة أنَّك مازلت تدرس، وكذلك يمكن أن تستفيد بخبرات زملائهم، من خلال عقد جلسات يتم فيها تبادل الخبرات، في طرق وأساليب المذاكرة عند كل منهم، ويمكنك الرجوع إلى عدد من الكتب التي تتناول طرق المذاكرة وأساليبها.
3- درِّبهم على تنظيم وقتهم:
وقد تكمن مشكلة تدنِّي الدرجات في عدم قدرتهم على تنظيم أوقاتهم بصورةٍ جيدةٍ، فساعدهم على تنظيم وقتهم، واجتهد أن تصل معهم إلى وقتٍ ثابتٍ يوميّا للمذاكرة، لا يتخلُّون عنه مهما كانت الظروف.
4- راعي ضعف قدراتهم الاستيعابيَّة:(9/270)
وقد تكون المشكلة في ضعف قدراتهم على الاستيعاب والتحصيل، فيمكنك أن تساعدهم في هذه الحالة بصورةٍ مباشرةٍ، فتذاكر معهم ما يمكنك أن تساعدهم فيه من الدروس، أو تستعين ببعض المدرسين المقرَّبين إليك، أو تستفيد بإمكانات زملائهم المتفوِّقين، أو تنسق مع أسرهم هذا الأمر، ومن الضروري – أخي الفاضل - في هذه الحالة أن تحثَّهم بطريقةٍ لطيفةٍ على زيادة ساعات المذاكرة عن المعدَّل الطبيعي لزملائهم، فسيساعدهم ذلك كثيرًا على تعويض ما يفوتهم من تحصيل للدروس، نظرًا لانخفاض قدراتهم التحصيليَّة، كما أن هذا الجهد المبذول منهم سيرتقي بقدراتهم التحصيليَّة على المدى البعيد إن شاء الله.
5- نمِّ قدراتهم الأخرى:
ومن الضروري أن تبحث عن نقاط القوة والتميُّز الأخرى – غير الدراسيَّة - لديهم، وتعمل على إبرازها وتنميتها والعناية بها، ومحاولاً الاستفادة بها في تنمية قدراتهم التحصيليَّة، وفي توجيههم نحو أنواع الدراسات المناسبة لهذه القدرات في المستقبل القريب.
6- الظروف الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة:
ولا تنسَ - أخي الكريم – وأنت تعالج هذه المشكلة مع طلابك أن تهتم بالبحث عن ظروفهم الاجتماعيَّة وأحوالهم الاقتصاديَّة، فقد تكون هي العائق الذي يحول بينهم وبين تفوُّقهم، أو على الأقل الحصول على درجات مقبولة.
ويفيدك - أخي الكريم - في هذا الموضوع متابعة الصفحات التالية، فستجد فيها الخير الكثير إن شاء الله:
- أب و أم
- معا نربي أبناءنا
- صفحة مشاكل وحلول
ثالثًا- الطالب السَّرحان:
وأمَّا عن طالبك كثير السَّرحان، فمن الضروري في البداية - أخي الكريم - أن تبحث عن الأسباب الحقيقيَّة وراء هذا السَّرحان، فقد يرجع هذا السَّرحان لمشكلات يعاني منها هذا الطالب في بيته أو في مدرسته أو مع أصدقائه .. إلخ، وبعد البحث بصورةٍ جيدةٍ في هذه الأمور، والوصول إلى السبب المباشر وراء هذا السَّرحان، فمن الضروري أن تساعده على تخطِّي هذا السبب.
مع مراعاة أنَّ هذا السَّرحان وعدم التركيز قد يكون ناتجًا عن أسباب مرضيَّة، وفي هذه الحالة سيحتاج الأمر إلى تدخل مهني من أحد الأطباء النفسيين.
ومن المهم - أخي الفاضل – في تعاملك مع هذه المشكلة أن تُشرِكَ كل من الاختصاصي الاجتماعي والنفسي بمدرسته، وكذلك والديه، وتسترشد برأيهم في تحديد أسباب المشكلة بالضبط وكيفيِّة التعامل معها.
ويفيدك – أخي الكريم – مطالعة الروابط التالية:
- لا أستطيع التركيز
- كثرة السرحان والشرود الذهني ؟
- أعاني من السرحان الكثير جدّا ؟
رابعًا- أفكار لتناول الموضوعات معهم:
أخي الفاضل، لكي تصل بطلابك إلى صورةٍ جيدةٍ من التركيز والانتباه والاستفادة القصوى من الموضوعات التي تطرحها معهم، فمن الضروري الابتعاد عن الأسلوب التقليدي في إيصال المعلومة، والذي لا تخرج صورته عن متحدِّثٍ قد بُحَّ صوته من كثرة الكلام، ومستمعون قد أُرهقت آذانهم ليس لهم أي دور سوى الاستماع، ولكي نخرج من هذا الإطار التقليدي، ونحقق الاستفادة القصوى الممكنة نقترح عددًا من الأفكار نرجو أن تساعدك على ذلك:
1- لنتَّبع طرق أخرى للتدريس:
فبدلاً من الاقتصار على استعمال الطريقة التقليدية، يمكنك استخدام أكثر من طريقةٍ أخرى، مثل:
- طريقة حل المشكلات:
وفيها تقوم بصياغة ما تريد تناوله معهم من موضوعاتٍ في صورة مشكلات، ثمَّ تطرح عليهم هذه المشكلات، طالبًا منهم الاجتهاد في البحث عن حلول لها، ثمَّ تتناقش معهم حول هذه الحلول والحلول الأخرى البديلة والممكنة.
- طريقة الحوار والمناقشة:
وفيها تطرح الموضوع المراد تناوله معهم للنقاش والحوار، وذلك بعد أن تحدد بدقةٍ هذا الموضوع، وتتأكد تمامًا من فهم طلابك له بصورةٍ واضحةٍ لا غموض فيها، ومن الضروري في هذه الطريقة أن تحسن الاستماع والإنصات إلى جميع الآراء دون مقاطعةٍ لأحد، ثمَّ تقوم بعد ذلك بمناقشة هذه الآراء وتفنيدها، ومن الضروري أيضًا أن تحسن توجيه الحوار في وجهته الصحيحة، وفي مساره المحدد حتى يمكنك تحقيق الأهداف المرجوة من طرح الموضوع.
- التعليم الذاتي:
وفيه تطلب منهم تجميع معلومات عن الموضوع الذي تريد تناوله معهم، ثمَّ تتركهم يبحثون عن هذا الأمر ويجتهدون وحدهم - مع توجيهك لهم وإرشادهم - في الوصول إلى نتائج وتحليلات، وغير ذلك من وجوه دراسة الموضوع، ثمَّ تتناقش معهم حولها وتساعدهم على تقويمها، ومن الممكن أن تمدَّهم بطرق الوصول إلى هذه الحقائق، سواءً كانت مراجع أو أدوات أو غير ذلك.
2- استخدم تكنولوجيا التعليم:
ومن الأمور التي تساعد على توصيل المعلومات بصورةٍ جيدةٍ: استخدام تكنولوجيا التعليم، مثل: الكمبيوتر، والسبورة الطباشيريَّة، والسبورة الضوئية "البرجيكتور"، والفيديو، والكاسيت، والمشاهد التمثيلية، والرحلات .. إلخ.
3- اجعلها مصدر سعادة ومتعة:
بثنائك على جهودهم التي يبذلونها من تناولٍ أو استيعابٍ أو مشاركةٍ في الحوار، أو غير ذلك حول هذه الموضوعات، ويمكنك جعلها كذلك أيضًا ببث روح المنافسة في تناول الموضوعات المختلفة، وذلك بعقد أشكالٍ مختلفةٍ من المسابقات حول هذه الموضوعات التي تريد تناولها معهم، ومكافأة الجميع بقدر الجهد الذي بُذل.
ويفيدك – إن شاء الله – مطالعة الرابطين التاليين:
- التدريس الناجح
- كتاب ثلاث وثلاثون خطوة لتدريس ناجح
خامسًا- وسائل تنمية الروابط القلبيَّة:
أمَّا عن الوسائل التي يمكنها مساعدتك على كسب قلوب هؤلاء الشباب، فهناك عدة أمور يمكنك بها - إن شاء الله - أن تصل إلى قلوبهم، من هذه الأمور:
- البشاشة والابتسامة الصادقة.
- الكلام الطيِّب الليِّن.(9/271)
- مناداتهم بأحب الأسماء إليهم.
- استثمار أي عمل جيد يصدر منهم للثناء عليهم.
- مشاركتهم في اللعب.
- الاجتماع معهم على الطعام.
- كثرة الالتقاء بهم ومعايشتهم بصورةٍ يومية.
- زيارتهم بمنازلهم.
- توثيق العلاقة مع أسرهم.
- إهداؤهم الهدايا المناسبة لهم.
- تفقُّد أحوالهم والتعرف على المشكلات التي تواجههم ومساعدتهم في تجاوزها.
- التعرف على حاجاتهم النفسيَّة والاجتماعيَّة والعقليَّة والبدنيَّة، والعمل على إشباعها.
- الاهتمام بميولهم ومساعدتهم على تنميتها.
==============
التضحية بالدعوة أم بالدراسة .. إشكالية الأم والجنين!!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد..
أنا أعمل في المجال الدعوي منذ فترة طويلة، تحت إطار طلابي إسلامي عظيم، وهو (الكتلة الإسلامية).
ولكني الآن تركت هذا المجال الدعوي تماما؛ إثباتا لنفسي أنني سأعطيها وقتا أكبر في الدراسة، خاصة أنني تأخرت في المعدل الدراسي كثيرا؛ ولذا فإنني أتهرب من مناطق تواجد (الكتلة الإسلامية).
ولكني في نفس الوقت أعزم على العمل في المجال الدعوي بعد تخرجي من الجامعة.
وسؤالي: هل العمل الدعوي يتعارض مع الدراسة؟ أم أن وجود مشكلات أخرى – غير الدراسة - هي التي تدفعني للهروب من العمل الدعوي؟ وهل لو قمت بمباشرة العمل الدعوي بعد الجامعة أأثم على ذلك؟
…السؤال
الشباب, الدعوة النسائية, قضايا وشبهات …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…تقول الأستاذة جمانة عبد الرازق، الداعية الفلسطينية، وعضو فريق الاستشارات الدعوية:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..
أختي الكريمة سهير، حياك الرحمن، وبارك فيك، وثبتنا ربي وإياك على الرباط في سبيله، وجعل عملنا لوجهه تعالى.
توقفت عبر رسالتك على حدود ومشارق كثيرة، فتراءت لي وجوه فتية، وهمم نشيطة، تعمل كخلية النحل الدءوب، وتتحرك كنسائم الربيع العطرة الفواحة بين جموع غفيرة من الطلاب، تنشر مسك دعوتها بالابتسامة والمصافحة والقلم.
نعم – أختي الكريمة - "العلم" ذلك السلاح الأمضى بعد سلاح الإيمان، والذي رفع شأنه الإسلام كما لم ترفعه حضارة أخرى، فقد ضبط الإسلام العلم بالإيمان، وقرن الإيمان بالعلم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل اللّه له طريقا إلى الجنة" رواه الترمذي بسند حسن، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الملائكة لتضعُ أجنحتَهَا لطالبِ العلمِ رضا بما يطلبُ" رواه الترمذي بسند صحيح، وذُكر لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلان أحدهما: عابد والآخر عالم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم"، ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن اللّه وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير" رواه الترمذي بسند حسن.
أختي الغالية على قلوبنا، أنتم بوجودكم في هذه المؤسسة الدعوية الجامعية تخوضون جملة من المتداخلات الميدانية؛ نتيجة التيارات الطلابية المتواجدة حولكم ومعكم، ونتيجة عدم تفهم كثير لفكرتكم التي تدعون إليها، بل ونتيجة الوضع السياسي الذي يشكل عاملا محوريا في ساحات العمل الطلابي الجامعي، وعلى كل عامل في ساحات الجامعات الفلسطينية أن يتفهم هذه الحقائق، وأن يتأقلم على أداء معين خلال أجوائها من غير أن يهمل معارفه وعلمه، فهو في هذا الصرح الأكاديمي بصفته طالب علم أولا وقبل كل شيء، ودوره الأساسي في الصرح أن يبرز في علومه ومعارفه بروزا علميا مشرفا.
وحقل الدعوة – أختي الكريمة - ليس حقل عمل فحسب، وإنما حقل علاقات أخوية، ومفاهيم اجتماعية وإدارية، يتم اكتسابها من خلال عملك ضمن مؤسستك، وبانسحابك منها ستفقدين الكثير من الأجواء التي كانت تحيطك، بل وكانت تعينك على دراستك أيضا.
ومفهوم العمل الدعوي – أختي الكريمة – ليس قاصرًا على المسئوليات والمهمات التي توزعها المؤسسات الدعوية، وإن كان توزيعها يساعد في ضبط العمل، وتجميع الجهود، وأداء النشاطات بصورة إبداعية أفضل، ولكن مفهوم العمل لوجه الله تعالى أرحب وأوسع من تلك المهمات، فإذا ما كنت قدوة لزميلاتك في الالتزام بشرع الله فهذه دعوة إلى الله، وإذا ما كنت متفوقة في تحصيلك الدراسي فهذه دعوة إلى الله، وإذا ما كنت سمحة في معاملاتك مع زميلاتك فهذه دعوة إلى الله، وإذا ما كنت عونًا لزميلاتك في قضاء احتياجاتهم فأنت في دعوة إلى الله، وهكذا كل عمل خير تقومين به، ويمتد أثره لمن حولك يكون فيه دعوة إلى الله تعالى.
إذن - أختي الغالية - عليك أن تجلسي مع مسئولتك الدعوية وتطلعيها على رغبتك في الارتقاء بمستواك في التحصيل الدراسي، ولا بأس من الاتفاق معها على التخفف من بعض مسئولياتك الدعوية، وأن تأخذي من المهام ما لا يتعارض مع عملك على الارتقاء بمستوى تحصيلك الدراسي، فهذا يحقق التوازن بين تبعاتك الدعوية وواجباتك الدراسية، وبالتأكيد هذا أفضل من الهروب من أماكن تواجد أخواتك، أو تأجيل العمل في الدعوة إلى ما بعد الانتهاء من الدراسة.
وأما إذا كانت هناك عوائق ومشكلات أخرى – غير الدراسة - تدفعك للابتعاد عن العمل الدعوي، فعليك - أختي الكريمة - أن تجلسي أيضا مع أخواتك وتعرضي عليهن هذه المشكلات بقلب مفتوح ونفس سمحة، حتى تصلي إلى حلول لهذه المشكلات التي تعوقك عن العمل الدعوي.
وفقك الله ورعاك، وهدانا وإياك إلى ما يحبه ويرضاه،
===============(9/272)
الالتحاق بالجماعة .. منشِّط أم معوِّق ؟
السلام عليكم..
هل ارتباط الدعاة بجماعة ما، والالتزام بلوائحها وإداريَّاتها يقلِّل من نشاطهم وتحركهم بين الناس؟
…السؤال
مشكلات في الدعوة والحركة, قضايا وشبهات …الموضوع
الأستاذ عماد حسين…المستشار
……الحل …
…أخي وائل؛
شكرًا على هذا السؤال الذي يدور كثيرًا بين الشباب حول مدى جدوى الالتزام داخل صفوف إحدى الجماعات العاملة للإسلام في الساحة، وهذا لا بد له من أمور تتوفر لمن سينضوي تحت لواء هذه الجماعة أو تلك.
فبداية، لا بد أن نقرر أن هذا الانضمام يترتب عليه أن يتخلى هذا الفرد عن شيء من استقلاليته، لحساب هذه الجماعة.. فإن كان له رأي وكان التوجه العام في جماعته يرى رأيًا آخر، فعليه أن ينزل عن رأيه لحساب توجه جماعته ومسيرتها في العمل الإسلامي.
وهذا الأمر لا يحتمله البعض، وكما نعرف جميعًا أنَّ كلاً ميسَّرٌ لما خُلق له، كما يجب الانتباه من جانب الجماعات إلى أن الأمر ليس حشدًا لأفراد داخل صفوفها، إنما هو استثمار لطاقات أفراد في نطاق مهمة هي تريد أداءها.. وعلى ذلك، يجب ألا يكون حرص الجماعات على الاستزادة من الأفراد إلا أن يكون لديهم قدرة على احتوائهم وتربيتهم، ثم يكون لديهم من المهام والأدوار ما يستوعب هؤلاء الأفراد ويكفي لتوظيف طاقاتهم وجهودهم، وقديما قال الراشد: "ألهاكم التكاثر بالأمس فاتزنوا".
وفي نطاق سؤالك حول مدى تأثير الالتزام بأيٍّ من الجماعات على نشاط الأفراد داخلها، وهل يزيد أم يقلل من عملهم ووجودهم بين الناس؟
لا بد أن نقرّر ما هو دور هذه الجماعة من الناحية الإسلامية..
فدورها ابتداء يدور حول جذب قلوب الناس إلى الالتزام بشرع الله، والعمل على جمع هذه الصفوف المؤمنة لكي تقيم المجتمع المسلم والدولة الإسلامية فيما بعد ذلك.
أو تنظيم نشاطٍ إسلاميٍّ يتجمّع حوله الشباب والناس لإصلاح المجتمع، وعلى ذلك يكون الدور المنوط بهذه الجماعات هو توجيه الأنشطة وتوحيد الجهود وزيادة الفاعلية لجهود الأفراد من خلال العمل الجماعي.
وبالتالي فإن المفترض من هذا أن تزداد الفاعلية والانتشار، وتزداد كفاءة العمل بين الناس في تحقيق أهداف الجماعة المرتبطة بالإسلام داخل المجتمع.
ونخلص من هذا إلى أنّ الالتزام داخل هذه الجماعات يجب أن يكون زيادةً في فاعلية الفرد، واستكمالاً لجهوده فما تستطيع أن تفعله الجهود المتكاملة بالتأكيد أكثر فائدةً وأوسع في الانتشار من الجهود الفردية، وإذا حدث إخلال بذلك الأمر من قبل بعض الأفراد أو القيادات، مما ترتب عليه هدر بعض الطاقات أو التقليل من مساحة الاستفادة من مهارات الأفراد وقدراتهم، أو الغياب عن الدور المنوط بهذه الأعمال، وهو نشر الخير بين الناس وتوسيع دائرته، وحثهم على الالتزام بشرع الله.. فعلينا وقتها أن نقوم بالنصح قدر الاستطاعة، ومحاولة الإصلاح والتوجيه.
مع التنبيه على أنه قد يكون هناك من الطاقات الفردية ما لا تستوعبه الجماعات، وعلى ذلك يجب أن ينظر الفرد إلى طاقته وقدراته ويحسن تقديرها، فإن كان جهده منفردًا أكثر فائدةً وأنفع للمسلمين، كان انضمامه لأيٍّ من هذه الجماعات غير مطلوب؛ لأنه سيمثل تقليلاً من جهده ومن عطائه للمسلمين.. وهذا الأمر نراه واضحًا في بعض الدعاة العاملين في الساحة الإسلامية، حيث كان عطاؤهم الفردي أوسع وأكثر انتشارًا وفائدةً مما كان في وقت وجودهم داخل صفوف إحدى الجماعات، والأمثلة في ذلك أجلى من أن تحتاج إلى ذكرها.
نسأل الله تعالى أن ينفع بك الإسلام والمسلمين، ونسعد بمتابعة أخبارك.
==============
مع طالبات الثانوي .. من أين أبدأ ؟
أعرف مجموعة من الفتيات المصريات المقيمات في اليمن، وقد طلبت مني أمهاتهن أن أجلس معهن، وأحدثهن في أمور الدين.
وأريد أن أعرف ما هي المواضيع التي يجب أن أحدثهن فيها؟
وكيف أغرس فيهن معاني الإسلام الصحيح؟
علما بأنهن في المرحلة الثانوية، وجزاكم الله خيرا. …السؤال
الدعوة النسائية, الشباب, وسائل دعوية …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
…تقول الأستاذة نور الإيمان محمد - عضو فريق الاستشارات من السعودية -:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد ..
الأخت العزيزة دعاء، أهلا بك ومرحبا، وبارك الله فيكِ لاهتمامك وحرصك في أن تكون خطواتك الأولى في دعوتك على بينة.
عزيزتي؛ كنت أتمنى أن أعرف بعض المعلومات التي تجعل ردي أكثر تحديداً مثل: ما اهتماماتك العلمية والدينية والثقافية؟ ما طبيعة احتياجات تلك الفتيات؟ ما المشكلات التي تحتاجين علاجها معهن؟.
ولكني في ضوء ما ذكرت، سأحاول جاهدة أن أرشدك للخطوات الأولى في طريق دعوتهن، والله الموفق.
في البداية – أختي الكريمة – من الضروري أن تراعي الأمور التالية:
- اطلعي قبل كل شيء على خصائص المرحلة العمرية لتلك الفتيات، فهن في مرحلة عمرية حرجة، فيها كثير من المتناقضات؛ لذلك تحتاجين معرفة الطرق الأنسب للوصول لقلوبهن وعقولهن بأسلوب مقنع ومُحبب.
- زيدي ثقافتك الدينية من خلال الاطلاع على بعض الكتب، وسماع بعض الأشرطة، ومشاهدة بعض البرامج التي تهتم بتزكية النفس وترقيق القلوب.
- زيدي معلوماتك الثقافية بشكل عام، وفيما يخص اهتمامات الفتيات ومتطلباتهن؛ لتكوني على بينة فيما يفكرن به ويشغلهن.
- لا بأس أن تكوّني فكرة أولية عن كل فتاة من والدتها، بشرط ألا تجعلي هذه الفكرة هي أساس دائم لتعاملك معهن، ولكن كوني مستعدة لتغير هذه الأفكار نتيجة للتعامل الفعلي معهن.(9/273)
- كوني قدوة حسنة لهن في كل شيء، فأول أساليب الدعوة للغير أن نكون قدوة حسنة في تعاملاتنا وأخلاقنا ومظهرنا.
وإليك - أختي الكريمة - بعض النصائح والأبواب التي يمكنك من خلالها الوصول إليهن:
باب الحُب:
تقربي إليهن بودٍّ وألفة، ابذلي الحب لهن، واقتربي من فكرهن، ومن حياتهن؛ ليشعرن بقربك منهن، وهذه النقطة هي الباب الكبير الذي سيسهل طريقك للأبواب الأخرى.
باب الاحتياجات:
تحاوري معهن في اهتماماتهن، وتوجهاتهن، ومشكلاتهن، ومن خلال ذلك الحوار اجتهدي أن تصلي إلى الاحتياجات والمتطلبات التي تحتاجها كل واحدة منهن، ثم ضعي تصور للتعامل مع هذه الاحتياجات، ومن المهم أن تضعي في اعتبارك تأثير "الغربة"، واختلاف البيئة عليهن وأنت تضعين هذا التصور.
باب الثقة والتعزيز:
عزّزي لديهن الأخلاق والسلوكيات الطيبة، ونمّيها ووجّهيها في جوانب خيرة أوسع؛ لتزيد ثقتهن بأنفسهن وقدرتهن على الرقي بأنفسهن.
باب المشاركة:
شاركيهن بعض الأنشطة الخاصة بهن، وأشركيهن في أنشطة تنال إعجابهن، وتتناسب مع ميولِهن، ترفيهية كانت أم ثقافية، أو كلاهما.
بعد أن تفتحي هذه الأبواب، أمسكي بأيديهن بقوة، واصعدي معهن "دَرَج الدعوة"، فمن الضروري أن تتدرجي بدعوتك معهن، وذلك حسب احتياجاتهن واستجاباتهن، فابدئي دائما من الأسهل إلى الأصعب، من المهم إلى الأقل أهمية، من الفرائض إلى النوافل، من سلوكيات وأخلاق لديهن تحتاج لتثبيت وترقية إلى سلوكيات وأخلاق يفتقدنها.
وأخيرا - أختي الكريمة – عليك أن تلتزمي معهن باللين، والحكمة، وطيب القول، وبشاشة الوجه؛ لقوله عز وجل: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
ويقول الأستاذ ياسر محمود:
أهلا ومرحبا بك أختي الكريمة، وأسأل الله عز وجل أن يجعل اهتمامك بدعوة هؤلاء الفتيات في ميزان حسناتك.
وعن سؤالك - أختي الكريمة - عن الموضوعات التي يمكن أن يتم تناولها معهن، فنقترح عليك عدة محاور يمكنك من خلالها الارتقاء بهؤلاء الفتيات:
- القرآن الكريم:
اهتمي معهن بحفظ القرآن، وتعلم أحكام التلاوة الصحيحة، والتعرف على تفسير بعض الآيات، خاصة المتعلقة بالنساء، واعتني بالجانب التطبيقي في ذلك من خلال الخروج ببعض العبر والعظات من الآيات.
- الأحاديث الشريفة:
كذلك يمكنك تناول بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بحفظها، والتعرف على المعنى الإجمالي لها، والخروج بدرس عملي مستفاد من كل حديث.
- السيرة المطهرة:
وتشمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسير أمهات المؤمنين، وكذلك سير الصحابيات والصالحات؛ فدراسة مثل هذه السير يؤثر في النفوس بشكل عام، وفي نفوس هذه المرحلة العمرية بشكل خاص.
- الأخلاق والآداب:
ومن الضروري الاهتمام بغرس بعض الأخلاق والقيم الإسلامية، مثل: الصدق، والتعاون، والكرم، والأمانة.. إلخ. وكذلك تناول بعض الآداب مثل: آداب الطعام، ودخول الخلاء، والنوم، ودخول البيت والخروج منه، والحديث، والزيارة.. إلخ.
- الثقافة الفقهية:
مع التركيز على الأبواب التي تخص الفتاة، مثل فقه الطهارة، وأحكام الأسرة، وليكن ذلك بابا للحديث معهن عن خصوصياتهن.
- الاحتياجات والمتطلبات:
مثل الحديث عن أهمية المذاكرة، وأفضل طرقها، وكيفية تحقيق التفوق الدراسي، وكذلك بعض الأمور المتعلقة بالخبرات المنزلية مثل: صناعة أكلة معينة، أو طريقة عمل مشروب، أو غير ذلك من الموضوعات المتنوعة.
ويفيدك كثيرًا في هذه الموضوعات مطالعة الكتب التالية:
- "قطوف تربوية"، للدكتور عبد الحميد الحسيني، شركة قطر الندى، القاهرة.
- "منهاج الفتى المسلم"، شركة سفير، القاهرة.
ويمكنك – أختي الكريمة – ممارسة عدة أنشطة تربوية معهن، يتم من خلالها تناول هذه الموضوعات، وكذلك يمكنك من خلالها غرس بعض المعاني والقيم الإسلامية في مواقف حياتية مختلفة.
ومن هذه الأنشطة:
- عقد جلسة معهن، يتم من خلالها تناول بعض هذه الموضوعات.
- صحبتهن إلى أحد دروس العلم المناسبة لهن.
- مشاهدة أو استماع بعض شرائط الكاسيت أو الفيديو معهن.
- تنظيم رحلات ترفيهية معهن، مثل: زيارة إحدى الحدائق والمنتزهات، أو الأماكن العامَّة، أو أحد المتاحف.. إلخ.
- تنظيم حفلات سمر معهن، وتتضمن هذه الحفلات مجموعة من الفقرات المتنوعة، مثل: الافتتاح بتلاوة بعض آيات القرآن، وبعض الأناشيد، والمسرحيات القصيرة الهادفة التي تغرس بعض المعاني والقيم التربوية، ومسابقات ثقافيَة، وألعاب ترفيهية، وفقرات للتعرُّف على مواهبهن.. إلخ.
- تنظيم مجموعة من المسابقات المتنوعة لهن، مثل: مسابقات في حفظ القرآن الكريم، أو حفظ الأحاديث النبوية، أو في إعداد بعض الأبحاث، أو في تلخيص بعض الكتب، أو مسابقات ثقافية في الموضوعات العامة.
وفي النهاية – أختي الكريمة – أسأل الله عز وجل أن يتقبل منك، وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه وتابعينا بأخبارك.
=============
هل يُسأل التنظيم عن أخطاء أفراده ؟!
الأستاذ الفاضل؛(9/274)
هناك العبارة الشهيرة التي تقول أن الدعوة ليست دعوة أفراد، والتي نسمعها كلما شكونا من سلوك أحد الإخوان، ولكن أرجو توضيح كيف أتقبل من أخ كلمة عن الأمانة، وهو يأكل على كثير من الإخوة أموالاً طائلة، ومماطل في رد الحق، وربما أكله على صاحبه بحجة الأخوة التي بيننا، ثم يأتي هذا الأخ آكل فلوس الناس بالباطل، ويتكلم عن الأمانة؟؟!! وإذا شكونا قال المسئول أن الدعوة ليست دعوة أفراد فلقد أثرت فيَّ هذا المواقف، وكدت أن أترك الجماعة.
وقد أرسلت استشارة خاصة بحكم من ترك الجماعة وذلك لكثرة هذه المواقف.
فأرجو الإفادة، وجزاك الله خيرا. …السؤال
قضايا وشبهات, مشكلات في الدعوة والحركة …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
…يقول الدكتور فتحي يكن:
أخي الكريم محمد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
فقد تكرر طرح هذه القضية الخطيرة على أكثر من صعيد، ويبدو من خلال إعادة طرحها أنها لا تزال موجودة ومتجذرة في بعض المفاهيم الحركية، ولدى بعض التنظيمات الإسلامية..
وإنَّني هنا –عطفًا على ما سبق أن بيّنته في أكثر من مناسبة وعبر موقع "إسلام أون لاين" باب الاستشارات الدعوية- أسجل التالي:
- إن القول بأن "من انضم إلى جماعة ثم تركها فقد خرج من ربقة الإسلام" هو قول باطل ومردود وليس له أساس من الثبوت والصحة الشرعيين.
- إن أية جماعة إسلامية مهما كبر حجمها وعظم أمرها ودورها ليست بديلاً عن الإسلام بحال، وبالتالي فإن الخروج منها ليس خروجًا من الإسلام بأيّ حال.
- الجماعات الإسلامية الموجودة على امتداد العالم الإسلامي لا يصح أن توصف واحدة منها بأنها تمثل جماعة المسلمين، وإنما هي جماعات من المسلمين.. وجماعة المسلمين هي الجماعة التي انعقد لها إجماع الأمة، وتمتلك ناصية القرار فيها، فيكون قائدها ولي أمر المسلمين، وتكون بالتالي قادرة على تطبيق أحكام الشريعة في حياة المسلمين، فضلاً عن قدرتها على التصدي لأعداء الإسلام في الداخل والخارج.
- لقد أحل الإسلام دم المرء المسلم من خلال حالات وبشروط وضوابط قاسية، منها بحسب التعبير النبوي: "التارك لدينه المفارق الجماعة" رواه مسلم، والجماعة هنا ليست هي المتعارف عليها اليوم، وإنما هي جماعة المسلمين التي لها إمام (خليفة أو رئيس دولة) انعقدت له الإمرة من قبل السواد الأعظم في الأمة.
وأذكر أن الإمام الشهيد حسن البنا كان أشار إلى هذه المعاني في أكثر من مناسبة، كان آخرها "رسالة المؤتمر الخامس" التي خاطب فيها المستعجلين الذين يستعجلون الخطى لتحقيق التغيير الإسلامي، والوصول إلى السلطة.. فهو بعد أن بيّن لهم منهجية الحركة المتأنية، وعدهم بأن يدعمهم لدى نجاحهم في أسلمة الحكم! ولو أن البنا أخذ بتلكم المقولة المنكرة لحكم على هؤلاء بالردة، ولما قال قولته المشهورة "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه".
وتضيف الأستاذة تقوى سيف الحق، عضو فريق الاستشارات من فلسطين:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا.. أما بعد؛
أخانا الكريم؛ شكر الله تعالى لك غيرتك على دعوتك.. وفعلاً أرى معك أن من الصعب التعايش مع تقصير كهذا، وخاصة من جانب داعية من المفروض أن يكون قدوة، ومن المفروض أن يمسك بأيدي الناس ليدلهم على الخير وطريق الحق.. ولكن دعنا -أخي الفاضل- نحاول معًا إيجاد الطريقة التي يمكننا من خلالها التعامل مع أمر كهذا لاجتثاثه من جذوره، أو على الأقل التقليل من خطورته.
وعلى ذلك، فهناك بضعة أمور ينبغي بنا الإحاطة بها، وأسأله تعالى أن يوفقني وإياك في طرحها والعمل بها.
أخي محمد؛ إن النفس الإنسانية لا تخلو أبدًا من الأخطاء، والنفس المؤمنة لا تخلو أبدًا من مواطن الضعف، فالإنسان هو الإنسان.. لا تغادره صفاته الفطرية التي جبله الله عليها، والتي منها ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم يوم قال: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" رواه ابن ماجه وصححه الألباني، لم يحدد صلوات الله تعالى وسلامه عليه إذا ما كان يتحدث عن أحد الصحابة أو أحد ممن يأتي بعدهم من صنوف البشر، لأن الأمر وبكل بساطة يتعدى كونه حديثاً عن أشخاص بعينهم، إلى كونه في الحقيقة حديث عن النفس الإنسانية.
والخطأ، إذا تم الاستمرار فيه والإصرار عليه فإنه سيدفع بالإنسان إلى خطأ أكبر منه بعد أن تستمرأه نفسه.. فلا يشعر بضيق مما يفعل، ولا يعود هناك ضمير متيقظ يدفعه إلى عدم الانغماس في الخطأ، وهنا يأتي دور الأخ المسلم.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن مرآة أخيه" رواه البخاري في الأدب المفرد، وقال الألباني حديث حسن.
فإذا رأى أحدهم أن هناك أذىً ما يحيط بأخيه، فإن من واجب الأخوَّة أن يعمل قدر استطاعته على مساعدة ذلك الأخ في التغلب على الشيطان ونفسه، ومحاولة إصلاح ذلك الخطأ، وذلك بعدة طرق:
النصيحة المباشرة:(9/275)
على غير مرأىً من الناس أو مسمع، بأن تأخذ أخاك جانبًا في وقتٍ يكون فيه مستعدًا نفسيًّا لتقبل النصيحة، فلا تنصحه وهو منغمس في عمل ما، ولا تنصحه وأنت تعلم بأنه متعب أو يواجه مشاكل معينة.. ولا يسعني أن أذكرك أخي محمد أن النصيحة لا تكون إلا من إنسان قريب، فيتوجب عليك مصادقة ذلك الأخ، ولتكن نيتك المبيَّتة طاعة الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى معاونة أخيك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" رواه البخاري.
النصيحة عن طريق أقرب الناس إلى أخيك:
إذا لم تستطع التقرب إلى ذلك الأخ، أو لتعجيلك بالأمر، فاختر أحد الإخوة من أقرب الناس إلى نفس ذلك الأخ، وحدثه بالأمر طالبًا منه إسداء النصيحة، وما من خطأ في أن يتم التعاون بينك وبين من تراه مناسبا لذلك الأمر من إخوانك على الأخذ بيد ذلك الأخ للتخلص مما علق في نفسه من داء.
الدعاء بظهر الغيب:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (دعوة المسلم لأخيه، بظهر الغيب، مستجابة.. عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل) رواه مسلم، ولا تقلل من قيمة الدعاء وأثره العظيم، فإن الله تعالى يقول: (ادعوني أستجب لكم)، فعليك بالدعاء لأخيك بظهر الغيب وأنت موقن بالإجابة، وتخيّر من الأوقات ما تستجاب فيه الدعوات.. وتذكر أن لك مثل ما تدعو به لأخيك.. فلا تقنط، ولا تستثقل الأمر، واستعن بالله ولا تعجز.
أما العبارة التي أوردتَ في بداية حديثك -أخي محمد- والتي تقول "أن الدعوة ليست دعوة أفراد"، فالأمر له وجهان:
فمن وجه، فإنك حين تتحدث عن مسئول ينبغي أن تكون له اليد الطولى في معالجة النقائص لدى من معه مِن أفراد للارتقاء بها قدر المستطاع -ولا ريب أن مسئولك يفهم هذه النقطة- فلك كل الحق أن تلومه متى تغافل أو قصر في واجبه، ولكن دعنا ننظر للأمر من بدايته، وسل نفسك أخي..
هل كنت تراجع مسئولك أمام أحد من الإخوة؟
هل كنت تطلب منه الأمر كأنه أمر وليس طلب؟
كما أخبرتك آنفًا -أخي الفاضل- أن للنصيحة آدابها التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار، فأرجو منك أن تتأكد من الطريقة التي تصل بها إلى مسئولك وتوصل إليه المعلومة بها، فإن لهذا كبير الأثر.
ومن وجه آخر، اسمح لي بكلمة عتاب أخي الكريم.. متى كانت الدعوة قائمة على تصرفات أشخاص؟
فأنت الذي اخترت الدعوة، ولا أظنك اخترتها إلا لله وحده جل وعلا.. وهذا بادٍ من قولك، وباد من استيائك لما يحدث من أخيك، ولكن كن كالماء يحيي به الله تعالى الأرض الميتة، فلا تهرب، ولا تعرض بوجهك عن دعوتك.. فإن الدعوة بحاجة لأصحاب الضمير اليقظ، والقلب النقي.. ساعد إخوانك، وشد على أيديهم، وانهض بهم في سبيل الله لتنهض بالدعوة ككل، ولك أن تتخيل الأجر العظيم الذي ستناله من الله عز وجل على همّك في بادئ الأمر، وعملك الذي سيتلوه صلاح بإذن الله.
وتذكر أخي؛ أنت على ثغرة من ثغر الإسلام، فحذار أن يؤتى من قبلك.. بصّرك الله تعالى بعيوب رأيتها دون سواك، وبصّرك بصدع يكاد يهدم سور الدعوة أجمع، فاعمل على رأب ذلك الصدع رعاك الله وأعانك، وكن على يقين أنك سائر في درب الله، وما كان الله تعالى ليترك أولياءه أو يخذلهم، فاستعن بالله ولا تعجز، وكن قويًّا كما الشم الرواسي، فإيمانك أعظم مما قد يواجهك في هذه الحياة.
أسعدنا تواصلك معنا، وتابعنا بأخبارك.
==============
قل له: نحن نصنع أقدارنا !!
لدينا أحد الشباب من جنسية غربية، ولديه استجابة أولية للإسلام، ولكن في نفس الوقت يضع أسئلة إلحادية، على سبيل المثال: "لا أعتقد بوجود إله، بل نحن جميعا شركاء في صنع هذا العالم والحياة"!!.
في مثل هذه الحالات، ماذا تكون الإجابة الشافية له؟ وكيف يكون إقناعنا له؟
ساعدونا أعانكم الله، فلعل أن تكون هذه خطوة لهدايته، ويصلكم الأجر إن شاء الله.
…السؤال
دعوة غير المسلمين …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
…الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه، وعملكم له.
أخي الحبيب د. أمين، البشر بالفعل هم "صناع الحياة"، وإليك بعض الأدلة على هذا:
يقول الحق تبارك وتعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق)، قال الإمام الطبري في تفسيره: "ملَّكه في الأرض"، وقال الإمام ابن كثير في تفسيره: "تُدبِّر أمر الناس".
وقال سبحانه وتعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة)، قال الإمام القرطبي: "المعنِيُّ بالخليفة هنا في قول ابن مسعود هو آدم عليه السلام، وهو خليفة الله في إمضاء أحكامه وأوامره"، وقال في موضع آخر: "وهذه مَنقَبة عظيمة وفضيلة كريمة شريفة"، وقال في موضع ثالث: "أمرهم سبحانه بالخلافة، وجعل أمورهم إلى واحد يزعهم عن التنازع، ويحملهم على التآلف من التقاطع، ويرد الظالم عن المظلوم ... فأنشأ الله سبحانه الخليفة لهذه الفائدة"
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" [رواه مسلم]، ويقول علماء أصول الفقه في ذلك المعنى: "أينما تكون المصلحة، فثمَّ شرع الله".(9/276)
وهناك باب في أصول الفقه يُسمَّى (المصالح المُرْسَلة)، وهو من أصول التشريع، وتُستخْرَج منه الأحكام عند أكثر العلماء، وهي تعني عندهم أنه إذا كانت هناك وقائع لا حُكم فيها يُشرَع فيها الحكم الذي تقتضيه المصلحة؛ لأن مصالح الناس تتجدد وتتغير، فلو لم تُستخدم المصالح المرسلة لتوقف الإسلام عن مسايرة تطورات البشر ومصالحهم، ولم يصبح صالحا لكل زمان ومكان كما أراد الله له، وذلك بشرط أن تكون مصلحة حقيقية لا وهمية، وعامة لا شخصية، ولا تحل حراما، ولا تحرم حلالا، ومن أشهر أمثلة ذلك جمع الصحابة الكرام للقرآن الكريم في المصحف حماية له وحفظا، وهو ما لم يكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا فللمسلمين أن يسنوا من الأنظمة – التي قد تتخذ شكل قرار أو لائحة أو قانون – ما تقتضيه الحاجة، تنفيذا لنصوص وردت بضرورة تحقيق مصالح عامة، ولنضرب مثلا بقوانين تنظيم المرور في الشوارع العامة، فإن الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام" [رواه البخاري]، ويوجب علينا هذا الحديث المحافظة على دمائنا وأبشارنا وأعراضنا؛ لذلك كان على المسلمين أن يضعوا التشريعات ويسنوا القوانين والتنظيمات التي تكفل سلامة الأبدان والأموال.
أخي الحبيب، لا نبالغ إذا قلنا (مجازًا) أنَّ البشر أيضا هم "صُنَّاع الأقدار"، خيرها أو شرها، بعضها أو أكثرها، وإليك بعض الأدلة التي تطمئنك:
يقول تعالى: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها)، قال الإمام القرطبي: "أي نفع إحسانكم عائد عليكم وإن أسأتم فلها أي فعليها".
ويقول سبحانه: (قل هو من عند أنفسكم)، قال الإمام ابن القيم في كتابه "زاد المعاد": "أعمال العبد تسوقه قسرا إلى مقتضاها من الخير والشر" .
ويقول تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)، قال الإمام السيوطي في تفسيره (الدر المنثور): "أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا"، فإذا ما رجعوا وتابوا وأحسنوا وفعلوا الخير والصواب، غيَّروا أحوالهم وأقدارهم إلى الأحسن، كما يُفهم من قوله تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذَّبوا..).
إذن فالبشر - أخي الحبيب - يصنعون كثيرا من أقدارهم (مجازا)؛ لأن الأقدار كلها بيد الله عز وجل وحده.
أما عن حوارك - أخي الحبيب - مع هذا الشاب، فالأمر أبسط مما تتوقع، فالإيمان سهل جدا؛ لأنه موجود أصلا في فطرة كل مخلوق، كما يؤكد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه المعروف: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصرِّانه أو يمجِّسانه: [رواه البخاري]؛ ولذا فهو سيبذل جهدا كبيرا خارقا إذا أراد أن يكفر، أي إذا أراد أن يُغطِّي هذا الإيمان؛ لأن معنى الكفر أصلا هو التغطية لما هو موجود، كمحاولة فاشلة يائسة لإخفائه.
والمطلوب منك إيقاظ الفطرة والعقل المُنصِف، فقط بإزاحة ومنع التعقيدات والأسئلة الفلسفية التي يضعها مثل هؤلاء، ويقيدون بها العقل السليم والفطرة السليمة، ثم يحاولون بعد ذلك ويجاهدون من أجل الإجابة عليها، رغم أنهم لو تجاهلوها من الأصل - وهي التي مِن وضعهم وتفلسفهم - لوضحت لهم الحقائق بمنتهى السهولة واليُسْر، وهذا هو الذي علمنا إياه الحق تبارك وتعالى في هداية خلقه، وهذا هو ما طلبه منا ووجهنا إليه عند التعامل مع مثل هؤلاء كما يقول: (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا)، إذ الإنسان مع الغير قد يكابر، أو يعاند، أو يحاول إثبات صحة فكره ونجاحه وفشل مَن أمامه، أما مع نفسه، أو مع واحدٍ ثقة، فليس حول فطرته ولا عقله أي ضغوط، وبالتالي فاحتمالية عودته للخير والصواب تكون كبيرة، وهذا هو الطلب الأول.
أما الطلب الثاني، فهو نصحه وتوصيته بأن يقرأ القرآن الكريم، حتى ولو كما يقرأ أي كتاب آخر، أي حتى ولو من باب الثقافة العامة، وليس من باب البحث عن التكليفات؛ لأن هذا الإحساس بالتكليف قد يعوقه عن القراءة خوفا من التكليف والتقييد، فإذا قرأه دون توتر، فسيهتدي بكل تأكيد كما اهتدى كثيرون قبله؛ لأن القرآن هو أفضل مَن يحاور ويُقنع ويخاطب العقل والفطرة.
ثم اطلب منه أثناء القراءة أن يتدبر في مخلوقات الله تعالى من حوله، وإبداعه سبحانه في خلقها، وسينطلق بكل تأكيد داخله نداء الفطرة والعقل: "أنَّ الذي خلق كل هذا هو الله يقينا"؛ لأنه نداء طبيعي موجود في كل لحظة، ولكن الإنسان باختياره يتجاهله ويحاول الابتعاد عنه أو إخماده، ثم الفطرة لما خلقها خالقها الكريم الودود جعل من خصائصها أن تطلب للإنسان ربا يُربِّيه ويرعاه ويعينه ويوفقه؛ ليحيا بذلك متواصلا معه على الدوام، فيكون مطمئنا سعيدا، فمن عاند هذا الطلب عاش كئيبا تعيسا قلقا متوترا، كما أوضح ذلك ربنا عز وجل في قوله: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا).
والمطلب الثالث والأخير منك أخي الحبيب، دوام التواصل مع هذا الشاب دون حوار كثير، وليكن الحوار بين الحين والآخر، وعلى فترات متباعدة، وبالبساطة والأدلة العقلية، وعليك بحسن المعاملة، واجتهد في الدعاء له، ثم عليك أن تكون قدوة حسنة له في كل أقوالك وتصرفاتك.(9/277)
ومع الوقت سيتغير بإذن الله، لأن كل الناس يبحث بفطرته عن السعادة، فلما يجدها حقيقية قلبية وجسدية في الإسلام، سيتبعه بكل تأكيد كما اتبعه كثيرون قبله، وسيكون لك ولكل من شارك الثواب العظيم، كما وعدنا الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: "لأنْ يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النعم" [رواه البخاري].
وفقك الله - أخي الكريم - وأعانك على توصيل دعوته ونفع الإسلام والمسلمين، ولك ثوابك العظيم إن شاء الله، ولا تنسَنا من صالح دعائك،
==============
حديث المقابر الليلي .. للدعوة وسائل أخرى
عندي مجموعةٌ من الأفراد أربِّيهم بمسجد الحيّ، وأستخدم في تربيتهم روحيًّا الاعتكاف في المسجد من مساء يوم الخميس وحتى ظهر الجمعة أحيانا، ولا أداوم على ذلك، فقط مرَّة في الشهر. وفي أثناء الاعتكاف آخذ تلك المجموعة في الثلث الأخير من الليل إلى المقبرة للزيارة إمعاناً في الروحانيَّة.
الملاحظ من نتائج هذا النشاط الروحيِّ أنَّها أصبحت مجرَّد وظيفة، أمَّا أن يحقِّق أهدافه التربويَّة الروحيَّة فلا، لا أدري لماذا، رغم إنَّني أرسم هدفاً سلوكيًّا محدَّدا، ولكلٍّ من هذه النشاطات، وقد أحقِّقه ولكن لمدى قصيرٍ جدّا.
أرشدوني جزاكم الله خيراً أين الخلل؟ وما العلاج؟. …السؤال
قضايا وشبهات, إيمانيات, شباب وطلاب …الموضوع
الشيخ عبد الحميد البلالي, الدكتور كمال المصري…المستشار
……الحل …
…يقولالشيخ عبد الحميد البلالي:
الأخ الفاضل أبو عبد الله،
بارك الله فيك وفي عملك مع هؤلاء الشباب، هذه الشريحة المهمَّة التي تحتاج إلى عنايةٍ خاصَّة، ففيها قوَّةٌ في الطموح، وقوَّةٌ في التعلُّم، وقوَّةٌ في الاكتشاف، وقوَّةٌ في النشاط، وقوَّةٌ في التحوُّل والتغيُّر، ومن ثَمَّ فإنَّ البرامج المُستخدَمة في تربيتهم لابدَّ أن تراعي هذه الخصوصيَّات، وأتوقَّع أنَّ انعدام التفاعل لهذا النشاط المذكور في السؤال سببه التكرار وعدم التجديد أو ابتكار أساليب وفنون جديدة.
فليس من الواجبات أن نذهب بالشباب إلى المقابر إذا ما أردنا أن نرفع درجة الإيمان، فهناك أنشطةٌ كثيرةٌ يمكن أن تقوم بها كبدائل وخيارات، ولتحاول بكلِّ ما تستطيع ولتبدع وتنوِّع وتغيِّر، حتى تُوجِد الشوق والتفاعل من قِبَل الشباب.
فالنَّفس البشرية جُبِلت على التفاعل مع الجديد والتغيير المستمر، واسأل الله تعالى أن يحقِّق على يديك الخير ويفتح عليك بأساليب جديدةٍ ومتنوِّعةٍ لتحقيق التربية الروحيَّة.
ومن الأنشطة التي أقترحها كبدائل:
1- إعطاء فصلٍ إيمانيٍّ من كتاب، وتكليف الجميع بقراءته، ثمَّ عقد مناقشةٍ أو مُدارسةٍ حوله والاستماع إلى خواطر الإخوة حول معانيه والآثار التي تركتها قراءة هذا الفصل.
2- عرض فيلمٍ إيمانيٍّ أو محاضرةٍ إيمانيَّةٍ لأحد الشيوخ والعلماء المؤثِّرين، أو برنامج عن قدرة الله تعالى في الكون أو في مجال الحشرات والحيوانات وغير ذلك.
3- الذهاب إلى المستشفيات ورؤية المصابين، والذهاب إلى دور الأيتام، مع أخذ بعض الهدايا لهؤلاء المرضى واليتامى.
4- مُدارسة قصصٍ عن سوء الخاتمة.
5- دروسٌ عن الجنَّة والنَّار.
هذه بعض الوسائل الأخرى غير زيارة المقابر، أسأل الله لك التوفيق.
ويضيف الدكتور كمال المصري:
بعد حديث الشيخ عبد الحميد البلالي حفظه الله، أوَّد الإشارة إلى أمرين:
الأوَّل: حديث المقابر.
الثاني: إيمان المعاملة.
الأوَّل: حديث المقابر:
أخي الكريم أبو عبد الله،
أؤمن مثلك تماماً بأنَّ زيارة المقابر من الأمور التي دعا إليها رسولنا صلى الله عليه وسلم، وحثَّ على زيارتها ترقيقاً للقلوب، وتذكيراً بالموت، ولكنِّي ما أظنُّ أنَّ هناك نصًّا يدعو إلى زيارتها ليلا، يا أخي الكريم، زيارة المقابر الليليَّة ذات أضرارٍ كثيرة، وذات تأثيراتٍ سلبيَّةٍ تتفاوت وتختلف بتفاوت واختلاف الشخصيَّات، فوحشة الليل وظلمته مضافاً إليها رهبة المقابر وسكونها يوجدان جوًّا من الرعب والخوف أقرب بأفلام الرعب التي تبثُّها لنا وسائل الإعلام، تلك التي تحدث في القلب رجفةً وخوفاً ليس له بالإيمان ورقَّة القلب أيَّ صلة، زيارات المقابر الليليَّة هذه لا توجد إيماناً وإنَّما تحوِّل زائريها إلى أحد ثلاث حالات:
1- الخائف الوَجِل المضطَّرب الذي قد يرى المقابر بعد ذلك كوابيس تحيطه في نومه، وتحوِّله هذه الزيارات إلى شخصٍ جبانٍ رعديدٍ يرهب كلَّ شيء، ويخاف من اللا خوف!!، وهذا يكون قد فقد ثقته بنفسه، وخسر قبلها إحياء قلبه بالإيمان.
2- متبلِّد الإحساس الذي لم تعد تؤثِّر فيه هذه المشاهد نظراً لاعتياده على مشهد القبور، وأشبِّهه هنا بالطبيب الجرَّاح الذي قد يكون قد أُغمِي عليه لمَّا شاهد جثَّةً وهو في أوَّل حياته التعليميَّة، ثمَّ بعد فترةٍ من الممارسة لم يعد لمشاهدة الجثث أيَّ تأثيرٍ فيه، وبالتالي لم تَعُدْ عليه زيارات المقابر هذه إلا بمزيدٍ من الجفاف وقساوة القلب.
3- شخصٌ استفاد من هذه الزيارات بعض الشيء، إلا أنَّ جوَّ المقابر ليلاً ليس مكاناً ولا وقتاً مناسبين، وبالتالي تأثَّر في البداية، ثمَّ فقد هذا التأثُّر تدريجيّا، فلم تَعُد الزيارات تعنيه ولا تؤثِّر فيه.
أخي أبا عبد الله،
ابحث في دعوتك لمن معك الشباب إلى حديث "الأحياء" كي تدعوهم به، ولا تدع لحديث "الأموات" سبيل، حقِّق لهم القدر الذي يوصلهم لزيادة الإيمان والقرب من الله تعالى، وذلك عبر وسائل عدَّةٍ ومتنوِّعةٍ وليست واحدة، كما أشار أستاذنا الكريم الشيخ البلالي، وحتى هذه الواحدة لا تجعل منها زيارة المقابر الليليَّة.
الثاني: إيمان المعاملة:(9/278)
كم تحدَّثنا في هذا، وكم نوَّهنا وذكرنا وأكَّدنا على أنَّ "الدين المعاملة"، وأنَّ على المسلم يستلهم الإيمان من عمله والتزامه ومساعدته للمحتاجين، ومشاركته في أعمال الخير، تماماً كمن يقرأ القرآن الكريم ويقوم الليل ويزور المقابر، بل قد يكون العمل المرتبط بالدنيا المقصود به نيَّةً الله تعالى قد يكون أكثر فرضيَّةً وإيمانا، إذ الحاجة إليه مرتبطةٌ بالعالَمين، أمَّا العبادات الخاصَّة فتخصُّ الشخص نفسه فقط.
ولست –بالطبع- أدعو هنا إلى هجر القرآن والقيام والطاعات، بل أشدِّد على ضرورة التزام المسلم بها مهما بلغ إيمانه، وهذا ما كُلِّف فيه رسولنا صلى الله عليه وسلم في بدايات دعوته، واقرءوا إن شئتم سورة المزمِّل.
لا أدعو إلى ذلك بالتأكيد، ولكنَّني أدعو إلى الاستفادة من الباب الآخر لزيادة الإيمان، ذلك الباب الذي خلقه الله تعالى لنا، ومنحنا إيَّاه كي ننهل منه زاد الإيمان والقرب من الله تعالى، إنَّه "إيمان المعاملة".
وقد تطرَّقتُ لهذا الأمر في أكثر من استشارةٍ سابقة، يحسن الرجوع إلى إحداها إلى الأقل، وهي:
الانعزال مرة أخرى.. ما الحل؟
جزاك الله خيراً أخانا الكريم على جدِِّك واجتهادك ودعوتك، فنوِّع لها وابتكر وأعلمنا بالنتائج.
==============
بين الغيبة والتقييم الدعوي .. ضوابط وآداب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أريد أن أسأل عن معنى الغِيبة بدايةً، وهل يدخل فيها ما يحدث بيننا نحن مجموعة الأخوات القائمات على أمر الدعوة في مكان ما، من تحليلٍ لبعض ما نتعرَّض له من احتكاكاتٍ مباشرة وغير مباشرة مع المدعوات ؟.
فمثلاً قد نبحث إمكانية وضع مدعوة بعينها في مكان ما بغرض تربيتها دينيًا، ولكن قد نتعرَّض لبحث شخصيَّتها وما فيها بغرض وضع خطةٍ مستقبلية للتعامل معها، فنَصِف هذه بأنَّها متكبِّرة، وهذه ثرثارة وتلك سيئة الخلق في جانبٍ ما، وهكذا. وكل ذلك بغرض الإصلاح.
وهل إذا تعمَّدت - باعتباري المسئولة الأولى عن المكان - أن أتعرَّف وأتحسَّس أخبار مدعوة من جارتها أو صديقتها بغرض معرفة إلى أي مدى أثَّرت فيها اللقاءات، أو بغرض تغيير اتجاه الدعوة معها يكون في ذلك إثم؟.
وجزاكم الله خيرًا. …السؤال
آداب وأخلاق, مشكلات في الدعوة والحركة …الموضوع
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
…الأخت الكريمة حنان؛
جزاكِ الله خيرًا على هذا الحرص منكِ على الاهتمام بالتأصيل الشرعي لما تقومين به من أعمالٍ دعوية، ونسأل المولى عزَّ وجلَّ أن يتقبَّل منكِ جهدكِ وعملكِ في الدعوة إليه سبحانه.
أمَّا عن تساؤلاتكِ فسنرد عليها من خلال النقاط التالية:
أولاً- معنى الغِيبة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما الغِيبة؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبتَه، وإن لم يكن فيه فقد بهتّه" أي ظلمته. رواه مسلم.
فالغِيبة هي ذكر المسلم أخاه الغائب بما يكره، سواءً كان ذلك الذِّكر في بدنه أو دينه أو دنياه أو خُلقه، أو ولده أو نسبه أو زوجه أو خادمه، أو في ثوبه ومشيته وحركته، أو في بشاشته وعبوسه، أو غير ذلك.
وتقع الغِيبة بذكر المسلم لأخيه بما يكره سواءً عبَّر عن ذلك بالألفاظ والكلمات، أو بالإشارة والتلميحات، أو بالكتابة، أو نحو ذلك.
ثانيًا- بين الغِيبة وتحليل شخصيات الآخرين بنيَّة الإصلاح :
وقد نهى المولى سبحانه وتعالى المسلمين عن الوقوع في الغِيبة، فقال تعالى: "ولا يغتبْ بعضُكم بعضًا، أَيُحِبُّ أَحدكم أَن يأكل لحم أَخيه ميْتًا فَكرِهتُموهُ".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلُّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعِرْضه". رواه مسلم.
إلا أنَّ هناك عدة مواضع يُباح فيها ذِكْر بعض صفات المسلم الغائب، وذلك لأغراضٍ شرعية، ومن هذه المواضع الاستعانة على تغيير المنكر وردِّ العاصي إلى الصواب، فيقول الفرد لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يفعل كذا فازجره عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصُّل إلى إزالة المنكر، فإن لم يُقصَد ذلك كان حرامًا، ونحسب أنَّ الموقف الذي ذُكِر يدخل ضمن هذا الاستثناء ما دام الهدف هو الإصلاح.
وحتى لا يخرج الأمر عن هدفه الأصلي وهو الإصلاح، فهناك عدة ضوابط ينبغي الالتزام بها عند دراسة وتحليل بعض الشخصيات بغرض الإصلاح:
1- نضبط النيَّة:
فمن الضروري قبل الحديث عمَّن نريد إصلاحه أن نتوقَّف لحظات نضبط فيها نيَّاتنا حتى لا يغيب عنا الهدف الحقيقي وهو الإصلاح، ثم من الضروري أيضًا أن نظل مراقبين لهذه النيَّة حتى لا تتغيَّر إلى شيءٍ آخر، فندخل في دائرة المحظور.
2- ليكن في أضيق الحدود:
فينبغي ألا يتناول هذا الأمر إلا المَعنِيّ بالإصلاح، والمرجو فيه القدرة على إتمام هذا الإصلاح فقط، فليس من المقبول أن نتَّخذ غرض الإصلاح ذريعةً للخوض في غِيبة الآخرين، فنبحث ونحلِّل شخصية من نعمل على إصلاحه مع كلِّ مَن له علاقة بعيدة كانت أو قريبة بهذا الذي نرجو إصلاحه.
3- لا نوسِّع أبعاد التناول:
وكذلك ينبغي ألا يتعدَّى هذا التناول لشخصية مَن نريد إصلاحه حدود المراد إصلاحه فقط، دون التطرق إلى أمور أخرى.
4- نُحسن ونجمِّل التعبيرات:(9/279)
فمِنَ الجميل أن نُحسِن انتقاء واختيار التعبيرات العفيفة عند الحديث عن بعض صفات من نعمل على إصلاحهم، وذلك اقتداءً بسلفنا الصالح الذين اعتنوا بالتزام العفَّة في التعبير، حتى عند تجريح رواة الأحاديث، فهذا الإمام الشافعي يسمع أحد طلابه وهو يقول عن أحد الرواة إنَّه كذاب، فيقول: "يا إبراهيم، اختَرْ من ألفاظك أحسنُها، لا تقل كذّابًا، ولكن قُل: حديثه ليس بشيء".
5- لا نناقشه مرة أخرى:
بعد أن ينتهي الحديث في هذا الشأن ينبغي ألا نشغل أنفسنا بالتعليق عليه أو الحديث فيه مرةً أخرى، بل ننشغل بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من برامج لإصلاح مَن نرجو إصلاحه.
6- نحذر غِيبة القلب:
فكما أنَّ الغِيبة تكون باللسان تكون أيضًا بالقلب، وذلك بأن يحدَّث المرء نفسه بمساوئ غيره، فيقع بذلك في سوء الظن، فلنحذر من الوقوع في غِيبة القلب.
ثالثًا: تحسس أخبار المدعوات:
أمَّا عن تحسُّس وتعرُّف أخبار مدعوة من جارتها أو صديقتها بغرض معرفة إلى أي مدى أثَّرت فيها اللقاءات أو بغرض تغيير اتجاه الدعوة معها، فمن الأفضل الابتعاد عن هذا الأسلوب حتى نبتعد عن شبهة التجسُّس، وهناك أساليب أخري من الممكن اتِّباعها لمعرفة مدى تأثُّرها بالبرامج التربوية مثل:
1- المعايشة والملاحظة:
فيمكن الوقوف على مدى تقدُّم مستوى المدعو، ومدى تأثُّره بالبرامج التربوية المُقدَّمة له من خلال ملاحظة مَدى تفاعله مع البرامج التربوية أثناء تنفيذها، ثم التعرف على آثارها من خلال معايشته وملاحظته في مواقف الحياة اليومية، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعيش مع أصحابه ويلاحظ تصرفاتهم، فإن رأى منهم ما يكره قدَّم إليهم النصح والإرشاد.
2- التقارير الذاتية:
ونعني بها الاطمئنان على أحوال المدعو بسؤاله عنها بصورة مباشرة، وذلك مثلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حينما سأل أصحابه فقال: "من أصبح منكم اليوم صائمًا؟" قال أبو بكر: أنا. قال "فمن تبع منكم اليوم جنازة؟" قال أبو بكر: أنا. قال "فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ " قال أبو بكر: أنا. قال "فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟" قال أبو بكر: أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة" رواه مسلم.
3- الاستبيانات والاستفتاءات:
كذلك يمكننا استعمال الاستبيانات والاستفتاءات بعد إعدادها بصورةٍ جيدة ومناسبة لتعطينا مؤشِّرات لمدى تأثُّر المدعو بالبرامج التربوية التي تُقدَّم له.
وفي النهاية - أختي الكريمة – أسأل الله عز وجل أن يرزقك الصواب، ويجنبك الزَّلل، وفي انتظار رسائلك.
===============
هموم دعوية في الجامعات "الإسرائيلية"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أريد أن أعرض عليكم وضعا دعويا في الجامعة عندنا، والحديث طويل قليلاً.
أدرس في إحدى الجامعات الإسرائيلية، وعندنا هناك (بفضل الله) عمل دعوي، وكما تعلمون فإن الحركة الإسلامية داخل "إسرائيل" منقسمة على نفسها قسمين: قسم شمالي يمانع الدخول في انتخابات الكنيست، وقسم آخر يؤيد وبالفعل دخلوا الكنيست "البرلمان الإسرائيلي".
وهذا الانقسام ألقى بظلاله على المؤسسات والكتل في المجتمع العربي داخل الكيان الصهيوني، فمثلاً هناك مؤسسات خاصة تابعة للقسم الشمالي من الحركة ومؤسسات أخرى منفصلة للقسم الآخر، ومنها مؤسسات تعنى بالوضع التعليمي. فهناك جمعية (س) تابعة للقسم الشمالي وجمعية (ص) تابعة للجنوبي الذي دخل البرلمان.
وهذا بالطبع يلقي بظلاله على العمل الدعوي في الجامعات، فهاتان الجمعيتان تعنيان بالأمور الدعوية والعمل الطلابي في الجامعات، والوضع عندنا في الجامعة هو وجود كتلة إسلامية تجمع بين إخوة وأخوات من القسمين، فهناك إخوة وأخوات يتبعون تنظيميا جمعية (س) وهناك إخوة وأخوات يتبعون تنظيميا جمعية (ص)، والعمل يسير بهذا الشكل، ويموَّل أي شيء يحتاج تمويلاً من هذه الجمعية أو تلك، وعندما تكون هناك فعاليات كبيرة ويكون فيها استدعاء لشخصيات معنية، مرة يتم دعوة أناس من هنا، ومرة تتم دعوة أناس من الطرف الآخر، وهكذا. والأمر لا يمشي دون مشكلات أحيانا أو نقاشات، وهذا الطرف يريد أمرا، وذاك الطرف يريد آخر.
وفي الآونة الأخيرة، يفكر البعض في الانقسام! أي أن تكون هناك كتلة خاصة تابعة لهذه الجمعية، وأخرى تابعة لهذه الجمعية! وأنا (بصراحة) أرى هذا فتنة! وغيري يراه شيئا آخر ويراه حلاً ممتازا، ويقولون لي: "يجب أن يكون عندك أفق رحب!"
ما رأيكم؟؟ أحيانا أفكر وأقول: هل بعدها سنشهد فعاليتين مثلاً في عيد الأضحى؟ هل سنرى دروسا دينية منقسمة؟ هذه لجمعية فلان، وهذه لجمعية فلان؟!! أليست هذه بالفتنة بالله عليكم؟
أجيبونا، جزاكم الله خيرا. …السؤال
مشكلات في الدعوة والحركة, شباب وطلاب …الموضوع
الأستاذة إيمان المصري…المستشار
……الحل …
…بسم الله الرحمن الرحيم، ثقة به وتوكلاً عليه ..
الأخت الكريمة، أحب أن أبدأ الحديث معك في استشارتك وما ورد فيها من تساؤلات جديرة بالطرح هي من الأهمية بمكان، بالتوجه إلى الله جلَّ وعلا بالدعاء: "اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه"، وبعد ..
فإن دارنا يا أختاه هي دار عبادة، ودورنا فيها هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دورنا هو أن نهذب أنفسنا ونربيها، ونسعى مع ذلك بترقية من حولنا من خلال وسائل الدعوة المتنوعة. أما المنهج فواضح، وأما المنبع فمتدفق إلى يوم الدين. وإن عملنا قائم على ترسيخ أساس الإيمان، وتنقية العقيدة من كل شائبة، وتوطيد العلاقات الأخوية وتعمير القلوب بالود والحب، وصون اللسان عن المتاجرة بكل بضاعة مزجاة.(9/280)
ومن كلامك أختاه يظهر أنك قد اختلطت حديثًا بواقع جديد، وهكذا هي بدايات الناشئة بعد أن يمُنّ الله عليه بسلوك طريق الهداية. وكل طريق لا يخلو من صعوبات، فكيف بدرب الجنة وميادين الحق، وصولات المجاهدين للفوز بالنصر ووسام الإصلاح؟!.
إن أول ما أهديه لك من النصائح هو أخذ فرصتك في التعرف على واقعك ومحيط دعوتك الذي أبحرت فيه حديثًا، ببصيرة وبعمق وبفهم، وثباتك يكون بمدى تزينك بالصبر الجميل، الصبر في الحوار وعند اتخاذ أي قرار، في النقد والثناء، في النصح سرًّا وفي القول جهرًا.
أختي الحبيبة، إن الوضع في فلسطين المحتلة (خاصة داخل الخط الأخضر) له خصوصيته، إذ يؤثر الوضع السياسي على صميم الدعوة، ويدخل في حياة المسلم اليومية، وخاصة حياة الملتزمين الذين اختاروا السير في قطار الدعوة.
في بداية التسعينيات من القرن الماضي، طُرِحَت داخل الحركة الإسلامية مسألة شرعية الدخول إلى الكنيست الصهيوني بدافع خدمة الفلسطينيين في المناطق المحتلة داخل الخط الأخضر والتأثير على المجتمع اليهودي في صنع القرار، وكان أن تبنى جناح من الحركة فكرة الدخول للكنيست ودافع عنها، بينما رفض الجناح الآخر هذه الفكرة، وكان لكل من الجناحين في الحركة وجهة نظر خاصة به، نابعة من دراسة شرعية ونظرة سياسية في الموضوع، وانتهى الوضع بقرار تقسيم الحركة الإسلامية إلى قسمين، ومنذ ذلك الوقت تابع كل من القسمين خط سيره الذي لم تُؤثِّر فيه شوائب الخلافات التي يحاول البعض زرعها لإبعاد المسلمين عن الانتساب لأي من الحركتين، وترفعت القيادتان وكثير من الدعاة عن هذه المحاولات التي أرادت اغتيال الدعوة لتفسد الناس وتحقق مطامع الاحتلال الصهيوني.
لكن رغم ذلك اختلطت الأمور على بعض الجاهلين بأصول الاختلاف، وأفسدوا وظلموا بتشددهم وتعصبهم تجاه أحد أطراف الحركة، وهؤلاء لم ينضج فيهم أن الداعية إنما يجتمع بإخوانه ليعاونوه على مشقة الطريق، وليس ليزرع بيديه الفتن ليحصد الناس جميعًا ثمار الخلاف.
إن النفس البشرية لا تألف الانقسامات والانشقاقات، خاصة إذا كانت المساحات المشتركة أكبر من المساحات المختلف عليها، ويشعر المسلم بثقل تقبل فكرة وجود حركتين إسلاميتين في بلد مثل فلسطين يعاني من بطش الاحتلال، فلا أختلف معك أختي بذلك، وأوافقك أنه موقف لا يُحسَد عليه الملتزم المتطلع للانتساب للدعوة، فينظر حوله ويحتار أية جهة يختار؟!.
لكن تعالي بنا وإياك ندرس بعض التفصيلات في حيثيات الوضع في فلسطين، حتى نصل إلى نتيجة واحدة.
إن الحركتين ناشطتان في مركزين: واحدة في شمالي البلاد، والأخرى في الجنوب منها، ولكل منها مؤسساتها الخاصة، ومن ضمنها المؤسسات التي تُعنى بالطلاب الأكاديميين كما تفضلت. ولكل واحدة تنظيمها وبرنامجها التربوي، ورؤيتها الخاصة. والمصالح الدعوية لا يمكن أن تتعارض أبدًا، لكن الأهواء هي التي تسبب الصدام، وتضيق الأفق، وهذا ما يجب أن نتخلص منه ليبقى بحر الدعوة نقيًا، تعكس أمواجه نقاء قلوب أهلها والعاملين فيها.
ذكرتِ لنا أختي أن العمل الدعوي في الجامعة التي تدرسين فيها مشترك بين الحركتين، وحتى الآن سارت السفينة بمحاولة الموازنة والتعامل مع كلاهما بالعدل، بما يُلائم مصلحة الدعوة. والآن ترين أن المشكلات أصبحت تعلو الصيحات فيها، وأن بعضهم يطرح مسألة الانشقاق والعمل المنفصل.
وهنا أريد طرح نقاط مركزية من خلال ما عشته واقعًا:
- إن الرؤية الموحدة، والتمسك بوحدة الصف الإسلامي، والحفاظ عليه قويًّا أمام الأحزاب والانتماءات الفكرية الأخرى، هو من معالي الأمور، ومن أهم المصالح وأنقاها. وعلينا جميعًا أن نتزين بهذه الرؤية ونفهمها ونطبقها، قولاً وعملاً، لكن إذا كان حوار، ورأى البعض ضرورة الانقسام، فهذا لا يعني بالضرورة ضيق أفق وتعصب صاحب هذا الرأي تجاه تيار معين، فقد يكون رأيه سديدًا، ولهذا علينا التريث في الحكم على الأمور وسماع الآراء حتى النهاية.
- مما جاء في فقه الدعوة والتعامل مع القضايا الشائكة، أن الحلول التوفيقية لقضايا الفتن لن تفعل شيئًا غير انفجار الموقف، مثل قربة الماء كثيرة الثقوب، لا تدري بعد ترقيعها متى تنفجر!. إنها معادلة صعبة، والفصل مع قسوته قد يكون أفضل وأكثر تحقيقًا لمصالح الجماعة، فالمعالجة الظاهرية لا تُجدي؛ لأن محاولات الباطن ستظل تعمل وتنخر بعيدًا عن أنظار المراقبين من الخارج.
ولا أعني بكلامي هذا أني أؤيد الانقسام في هذه الحالة التي طرحتها، إنما أطرح نقطة مركزية مما يجب فهمه خلال تعاملنا مع دعوتنا، وتفهم بعض القرارات التي قد تكون أنفع من الحلول الآنيّة.
- أعتقد أن الحلول العاطفية - في الدعوة أو في غيرها - تضر ولا تفيد، علينا أن ننظر إلى جذور المشكلات، ونتدارسها، ونتشاور في كيفية حلها، وحريُّ بنا أن ننزل إلى أصول البلاء لنحل مشكلاتنا، لا أن ننظر إليها نظرة المشفق والمتعاطف، وهي تنزف وتتألم وتجرح فينا!.
- إن الأسس والقيم التي نتعلمها من علمائنا وقادتنا والمربين الأفاضل، يجب أن تبقى معانيها راسخة فينا، وذلك بمحاولة تطبيقها قدر الإمكان في ميدان العمل، ما داموا على حق، لكن يجب أن نعلم أيضًا أنهم بشر، وليسوا بمعصومين عن الخطأ، ودورنا أن نقدر المسائل ونضعها بميزان المصالح والمفاسد، لا أن نأخذ كل رأي على أنه لا مجال للاجتهاد فيه، مع الوضع في الاعتبار أن الاجتهاد له أصول، وللشورى دور، وللتوكل نصيب، وصاحب القرار الحامل للأهواء عقابه مضاعف، فمن سن سنة سيئة، عليه وزرها ووزر من عمل بها.(9/281)
- يجب علينا عند تعدد الآراء واختلاف الاجتهادات، إتقان السمع، وحسن الإنصات دون احتكار الحق لنا فقط، فلو كان الأمر شخصيًّا، بمعنى أنه يخصنا، لقلنا أنه يرجع لنا فقط، لكن إنها الدعوة بمفهومها الشمولي، الذي يخص شأنها كل فرد فيها. فيجب تربية النفس على سماع الآخر بقلب توَّاق للحق، والتحاور بموضوعية وعقلانية، وطرح التوقعات والحُجَج للوصول إلى نتيجة يتفق عليها الأغلبية.
وليس دوري - أختي الحبيبة - أن أشير عليك بقرار فاصل، فأنت صاحبة القرار، لكن دورنا يتمثل في تحليل المسألة التي طرحتها.
وقبل أن تقرري أضع بين يديك نظرتي في الواقع العملي لهذا الموضوع:
1- لا يوجد خط واضح لهذه المجموعة العاملة في الجامعة، وكونها اختارت مشاركة الطرفين يضعها بموضع حرج أمام الحركتين، مما يؤدي إلى كثرة الخلافات والنزاعات بين أفرادها في الداخل، ومع المسئولين في الخارج.
2- عدم وجود جهة مسئولة ومحددة بأشخاص معينين ومعروفين للجميع المنتسبين لهذه المجموعة العاملة في الجامعة، يجعل من كل فرد فيهم قائدًا للسفينة، وهكذا تضيع الأمور؛ لأن غالبية المشاركين في العمل قد يكون من الناشئة الملتزمين حديثًا، ومع ذلك يكون منهم مسئولون وصناع قرار. إنما لو كانت الدعوة في الجامعة تابعة لجهة معينة سيسهل الرجوع إليها ومشاورتها في البرنامج والتفصيلات المستقبلية، مما يقلل من الأخطاء التي قد تحصل.
3- إمساك الناشئة حديثي العهد بزمام الأمور أمر خطير يجب الوقوف عنده وقفة تربوية طويلة. حيث يتم اختيار المشاركين بإدارة الدعوة في الجامعة بناء على اختيار الطلاب وليس بالتزكية، مما يؤدي إلى نتائج مبنية على رأي الأغلبية، ومن ضمنهم الأفراد القريبين من العمل الإسلامي أو البعيدين الذين ليسوا على دراية بالأفراد وقدراتهم. وهنا تكمن ضرورة الموائمة بين التزكية والانتخاب في اختيار من يتحملون مسئوليات إدارة الدعوة.
4- يميز الداعية الذي يؤطَّر في حركة أو جماعة معينة أنه يتبع برنامجًا وخطة تربوية مدروسة ومنهجية ومنظمة.
وفي النهاية أختي العزيزة، أشكر لك حدبك على الدعوة، وحرصك على العمل الإسلامي وقوته ووحدته، وأسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياك وكل العاملين لدعوة الله سبيل الرشاد.
==============
حبيبتي غير محجبة .. الدعوة قبل القرار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بدايةً، أودُّ أن أدعو الله بأن يجزيكم خير الجزاء على هذا الموقع المتميِّز، وبعد..
أنا شابٌّ متديِّنٌ والحمد لله، ولم أخاطب في حياتي فتاةً غريبةً عنِّي إلا في أضيق الحدود، إيمانًا منِّي بأنَّ ذلك فرضٌ عليَّ.
ولكن هناك فتاةٌ هي جارتنا، وهي متبرِّجة، وأنا كنت أشعر نحوها بشعور الإعجاب، ولكنِّي لم أخاطبها أبدًا في حياتي، وكنَّا نحضر معًا دروسًا في الثانوية العامَّة، ومع مرور الوقت تغيَّر هذا الشعور بالإعجاب إلى حبٍّ جارفٍ وخوفٍ عليها، في البداية قلت لنفسي: إنَّ هذا ليس حبّا وإنَّما هو فقط تأثير فترة المراهقة، وحاولت أن أمنع نفسي عن التفكير فيها تمامًا، ولكن كنت كلَّما أراها في الشارع أو حتى ألمحها في السيارة يأتي إليّ شعور غريب، ويبدأ قلبي بالخفقان بشدَّة.
أعلم أنَّ هذا يبدو غريبًا، ولكنِّي الآن وبعد حوالي 4 سنوات من الصبر، لا أطيق أن أراها متبرِّجةً هكذا، فأنا أحبُّها وأخاف عليها من نار جهنَّم والعياذ بالله، وفي الوقت نفسه أنا لا أستطيع أن أكلِّمها في هذا الموضوع؛ لأنِّي شابٌّ متديِّنٌ كما ذكرت، ومن الناحية الأخرى، فأنا أشعر بالذنب لأنِّي أفكِّر في فتاةٍ لا أعرفها.
أنا أنوي التقدُّم لخطبة الفتاة، ولكنِّي لا أستطيع فعل ذلك الآن؛ لأنِّي لا أقبل أبدًا أن تكون زوجتي متبرِّجة، وفي الوقت نفسه أنا لا أتخيَّل حياتي من دونها.
ولقد حاولت الابتعاد فترة عن البلد على أمل نسيانها، وفعلاً سافرت وحيدًا لمدة 10 أيام، وحاولت إقناع نفسي بالبعد عنها، ولكن عندما عدت ورأيتها في العمارة عاد إليّ الشعور القديم مرةً أخري.
والآن أنا قررت أن أعمل جاهدًا علي هداية الفتاة، وأنا أدعو لها في كلِّ صلاةٍ وكلِّ سجدة، ولكنِّي لا أعلم كيف أستطيع أن أقنعها بالحجاب وأنا لا أحادثها ؟!.
أفيدوني أرجوكم.
وجزاكم الله كلَّ خير.. وأكرمكم الله. …السؤال
الدعوة الفردية …الموضوع
الدكتورة حنان فاروق, الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
…تقول الدكتورة حنان فاروق:
أخي العزيز؛
الحبُّ هو سرٌّ من أسرار الرحمن، وهو شيءٌ لا نعرف كنهه ولا شكله، لكنَّه بالقطع موجود.. والحبُّ أنواع.. فهناك حُبٌّ مسئول يبني، وآخرٌ غير مسئولٍ يهدم.
ورغم تعاطفي مع حالتك وتمزُّقك بين تديُّنك وبين مَن تحب، إلا أنَّني سأسألك سؤالاً واحدًا:
على أيِّ أساسٍ أحببت هذه الفتاة ؟؟
حاول أن تعود بذاكرتك إلى الوراء، وبالتحديد للحظة التي أحسست أنَّك مشدودٌ لها فيها، ما الذي لفت نظرك إليها ؟ وأنت كما تقول وكما فهمت لم تجلس معها ولم تعرف منهجها في التفكير، أو حتى مدى استجابتها لتديُّنك !!.
أعتقد أنَّ ما جذبك إليها – ومن واقع كلماتك – هو شكلها، ذلك أنَّك شابٌّ لم تختلط، ولم تكن لك علاقاتٌ من أيِّ نوعٍ مع الجنس الآخر، وهذا في حدِّ ذاته جيِّدٌ، إلا أنَّه أوقعك - وبدون أن تشعر - في بؤرة "اللا مقارنة"، فأصبحت لا ترى سواها، وأعود فأسألك: هل يكفى الشكل أو المظهر الخارجي للحكم على الفتاة التي تختارها لبناء البيت المسلم الذي تريد ؟.
أكاد أسمع صوتك وأنت تقول لي: إنَّ كلماتك صحيحةٌ مائةٌ بالمائة، ولكنِّي أحبُّها وأريدها زوجةً لي.. أوجدي لي حلاً عمليّا.(9/282)
وإجابتي عليك ستكون من خلال السُّنَّة النبويَّة، فقد روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لم نَر للمتحابَّيْن مثل النكاح" رواه ابن ماجة بسندٍ صحيح.
فتقدَّمْ لخطبتها كما نويتَ، واجعل من فترة الخِطبة - إن وافقت هي – فترة تعارفٍ وتقاربٍ فكريٍّ ودينيّ.. حاول أن تعرف اتِّجاهاتها، وهل من الممكن أن تستجيب لأمر الله، أم أنَّه من الصعب عليها تقبُّل الأمر، فإن استجابت فاحمد الله وأتمم الزواج.
وإن لم تستجب فلا تيأس من المرَّة الأولى، بل كرِّر المحاولة، فإذا لم يُجْدِ معها نُصحك المتكرر، فاتركها؛ لأنَّها لن تكون المُعين لك على طريق الهدى والصلاح الذي اخترتَه، فالزوجة تعدُّ من أقوى المؤثِّرات في حياة الرجل المسلم، وهى – إن صلُحَتْ – تصبح السراج الذي ينير له الطريق، ويبعده عن ظلمة المعصية والعياذ بالله.
أخيرًا أخي، استمر في الدعاء لها، ولا تحاول الاقتراب منها بدافع هدايتها قبل أن تتقدَّم لخطبتها؛ لأنَّ هذا منفذ من منافذ الشيطان.
إنَّ فترة الخِطبة إنَّما هي فترة اختبار للطرفين يستطيع فيها كلاهما – في وجود الأهل – فَهْم طبيعة الآخر ومعرفة ما إذا كان يصلح له أم لا.
وصدقني.. فكثيرًا ما يبهرك المظهر الخارجي؛ لكنَّك في بعض الأحيان ما أن تجلس إلى الذي بهرك حتى تجده بعيدًا كلَّ البعد عمَّا دار في خيالك.. بَيْد أنِّي أتمنى أن تكون هذه الفتاة هي الفتاة الصالحة التي تصلح لبناء البيت الذي تريد.. وأن تكون فقط تحتاج لمصباح ينير لها الطريق لتكون خير العون لك على المُضي في طريق الله عزَّ وجلَّ.
وفَّقك الله..
ويضيف الأستاذ فتحي عبد الستار:
أخي الكريم..
أُقَدّر بالطبع مشاعرك وعواطفك تجاه تلك الفتاة، والحقيقة - في رأيي - أن ما ينبغي أن تفكر فيه – ما دمت تحبها - ليس كونها ترتدي الحجاب الآن أم لا، وإنما ما يجب أن تفكر فيه وتبحثه هو استعدادها المستقبلي للامتثال لأوامر الله عز وجل عامةً، والتي يمثل ارتداء الحجاب واحدًا من تلك الأوامر.
واعلم أن الحجاب ليس غطاءً يوضع على الرأس، أو رداءً يغطي الجسم فقط، بل هو أسلوب حياة كامل، يُعَد ارتداء الملابس الساترة أحد مظاهره.
فلا ينبغي أن يكون مجرد عدم حجابها مانعًا للارتباط بها من أول وهلة، فربما لم تَجِد هذه الفتاة في الوسط الذي تعيش فيه مَن ينصحها ويرشدها ويبين لها تعاليم دينها، ومنها أهمية الحجاب ووجوبه بالنسبة للمرأة المسلمة، وربما كانت تؤدي شعائر الإسلام الأخرى، وتتميز بالأخلاق الفاضلة الحسنة، وينقصها زوج ذو دين يأخذ بيدها ويسير بها في الطريق الصحيح، لذا فإن تركك للارتباط بها دون أن تتعرف على خلفيات حياتها، يُعَد ظُلمًا لها إن رضِيَت بك زوجًا.
ومما يفيد فتاتك ويساعدك على دعوتها – بجانب النصيحة والكُتيّب والشريط - أن تحيطها بصحبة طيبة من فتيات ملتزمات في مثل سنها، فهُنَّ أقدر على دعوتها، بشرط أن يكُنَّ واعيات، يفقهن سُبُل الدعوة ويُجِدْن استخدام وسائلها.
وفي هذا الصدد - أخي الكريم - أنصحك وأحذرك من أن تمتثل هذه الفتاة، وترتدي الحجاب لمجرد إرضائك والحفاظ عليك، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
أما إن تمت الخطبة، واستنفذت وسعك معها في بيان تعاليم دينها، واتبعت معها الأساليب والوسائل الصحيحة والمناسبة لدعوتها، ورغم ذلك لم تلقَ منها استجابة، وأصرت على موقفها الرافض لاتباع أوامر الله عز وجل، فثِقْ - أخي الكريم - أن المرأة التي لا تُعظّم شعائر الله وشرائعه، لن تُعظّم رغبات زوجها، ولن تكون مُأتمَنة على بيتٍ وأسرة وأبناء، فخير لك في هذه الحالة أن تنفصل عنها دون تردد أو جزع، ولك في غيرها إن شاء الله العِوَض، وما عند الله خير وأبقى. ومع الوقت سيخبو حبك لها حتى ينطفئ.
واعلم يا أخي أن دوافع خطبة المرأة في الإسلام ليست الجمال فقط، وإنما هو آخر الدوافع اعتبارًا لمن أراد أن يبني بيتًا مسلمًا بحق، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "تُنكَح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفَرْ بذاتِ الدِّين تَربَتْ يداك" رواه البخاري.
والجمال يذهب ويزول، وينمحي جذبه وتأثيره سريعًا، أما الاعتبارات الأخرى فهي الباقية، وهي الحاكمة في علاقة الزوجين مدى الحياة.
ولا تنسَ - أخي الحبيب - أن تستخير الله عز وجل، وتستشير من تثق في دينهم وعقلهم، وأسأل الله عز وجل أن يكتب لك الخير حيث كان، ويرضيك به، وتابعنا بأخبارك.
==============
بين هاجس الفشل والأمنية.. حيرة داعية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا فتاة في العشرين من عمري، وأريد أن أعمل في مجال الدعوة إلى الله، لكني أخشى الفشل، وأشعر أن الطريق صعب وليس بهين. وأنا صغيرة في السن على هذا المجال، كما أن لدي عيوبا أخشى أن تعوقني في هذا الطريق. وحاولت كثيرًا أن أستعين بإحدى صديقاتي كي أتخلص من عيوبي، إلا أنها أشارت لي عنها فقط وتركتني، وقالت لي أصلحيها، ولكني لم أستطع.. لذا فأنا أخشى الفشل.
كما أنني أريد أن أعرف ما هي احتياجات الفرد كي يكون داعية؟ أو ما هي صفات الداعية؟ وكيف أقوي نفسي كي أسلك هذا الطريق؟.
حقا أنا حائرة بين الأمنية والخوف من الفشل، لذا أريد أن تساعدوني، وتقفوا بجانبي وتنصحوني ماذا أفعل، وجزاكم الله عنا الخير.
…السؤال
الدعوة النسائية, زاد المسير …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…تقول الأستاذة فاطمة شولي -عضوة فريق الاستشارات الدعوية من السعودية-:(9/283)
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله مقلب القلوب، مفرج الكروب، غافر الذنوب، وقابل التوب الذي خلق كل شيء بقدر، وجعل الدنيا دار اختبار لمن شاء أن يتقدم أو يتأخر.
أختي الحبيبة المباركة هند، حقيقة قرأت مشكلتك مرات ومرات وما ازددت إلا دعاء لك ولمثيلاتك ممن يحملن في نفوسهن حب الدعوة والعيش في ذلك المحضن الرباني المبارك، ونهيب ببنات وشباب الأمة اليوم أن يكون لديهم نفس الميول لديك، ويشعرون بمسؤولية في إبلاغ الإسلام والدعوة إلى الله، راجية من الله لك تحقيق أمنيتك والنجاح في مسيرتك وتحقيق هدفك على نور وبصيرة.
وقبل أن أبدأ في الإجابة على تساؤلك دعيني أولا أوجز بعض ما جاء في استشارتك كالآتي:
_ نفسك التوّاقة للسير في درب الدعوة.
_ الأمنية (في الدعوة) بين الخوف والفشل.
_ معالجة بعض العيوب في شخصيتك.
_ كيفية البدء في الدعوة والقواعد الهامة.
وفي البداية أستشهد بقول عزيز حكيم في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت: 30).
ابنتي الحبيبة، إن الدعوة إلى الله من أشرف المهام، وخير ما يقدم عليه العبد؛ وذلك لكسب مرضاة الله والفوز بالجنة والنجاة من النار، ولا ننسى أن هذه هي وظيفة الرسل الكرام، يقول صلوات ربي وسلامه عليه: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا"؛ فالدعوة إلى الله تحتاج إلى العمل لله عز وجل وإصلاح النفس وتهذيبها وتزكيتها.
فتعمّقي معي في هذا القول المأثور لأحد السلف: "المؤمن كالسراج، أينما وضع أضاء"؛ فكوني بدعوتك كهذا السراج يستضاء به في عصر الغافلات والكبوات.
أما أساليب الدعوة إلى الله ومناهجها وطرقها فتستمد من مصادر كثيرة، أهمها كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعوة سلفنا من صحابة وتابعين، نوجزها كالتالي:
- الإخلاص في الدعوة (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله).
- التوكل على الله والاستعانة به في كل حركاتك وسكناتك وفي دعوة الناس إليه (إن الله يحب المتوكلين)، ويحب الذين يركنون إليه بعد العزم، ويفتخرون بالانتماء إليه عن وعي ودراية.
لذا فعليك:
- بالصبر عند كافة أحوال التذكير بالله تعالى والتذكير بالحق؛ فعلى الداعي إلى الله تعالى أن يكون صبورا عند الدعوة إلى الله مهما لاقى من أذى وإزعاج، مستسلما لحكم ربه عز وجل، راضيا بقضائه وقدره، واعلمي أن الصبر والتقوى طريق العز والتمكين لقوله تعالى: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (يوسف: 90).
- الاهتمام بتربية النفس، والارتقاء بقدراتك وعلمك وأخلاقك، وينبغي أن تعوّدي نفسك على استثمار الوقت بكل وسيلة ممكنة والقراءة الواعية المثمرة المتنوعة.
- المطالعة والقراءة وتثقيف نفسك قدر الإمكان، وقراءة كتب الصالحين، وكيف كانت دعوتهم إلى الله، أيضا الاستماع للعديد من الأشرطة التي تبين وتوضح السبيل الصحيح للدعوة إلى الله والسعي دوما إلى:
- حضور الدروس الشرعية المناسبة.
- سماع الأشرطة النافعة في الدعوة والوعظ والتربية.
مع تصفح الاستشارات الموجودة في الموقع لما بها من جوانب تربوية ودعوية توجيهية لمن أرادوا أن يخوضوا غمار الدعوة.
والآن ننتقل إلى نقطة مهمة وردت في استشارتك وهي العيوب والخوف بين الأمنية والفشل.
ابنتي الحبيبة، من منا ليس له عيوب؟! ومن منا لا يخطئ؟! فالخطأ طبيعة بشرية، وهناك سكن بل وتعزية في حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "كل ابن آدم خطاء.. وخير الخطاءين التوابون"؛ فاعملي جاهدة ابنتي أن تنفقي وقتك في طاعة ربك وذكره، وفي تلاوة القرآن، وتعلم العلم النافع، وفي الدعوة إلى الله، وحسن العبادة والإكثار من النوافل، والأهم من كل هذا الالتزام بأخلاق الشرع الذي يقوِّم الشخصية خير تقويم، وهو الذي يؤدب النفس، ويهذب سلوكها، ويعالج أمراضها، قال الله سبحانه: {قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ} (يونس: 57).
فالتخلق بأخلاق النبوة، والتمثل بها هو سبيل قويم للترقي بالشخصية الإسلامية، وتنميتها على الصراط المستقيم؛ فقد قال ابن القيم رحمه الله: "أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها، وأنفع لها في معادها؛ فكيف يكون عاقلا مَن باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة، وإياك أن تقنعي نفسك بأن الفشل سيكون عائقا في دربك؛ بل انتفضي على تفكيرك بالفشل، واجعلي البدء في دعوتك جسرا للنجاح والصعود إلى الأعلى، وتأملي معي قول أحدهم:
جرِّب من العزمِ سيفا تستعين به إن الترددَ باب الضعفِ والكسلِ
والسعي حتى وإن أفضى إلى خطأ خيرٌ من الجُبن والتشكيكِ والوجلِ
ساءَ الفتور ولو سميته حذرا ما أصغر الفرق بين الموت والشللِ
مجد الحياة لمن يبغي مقتنعا ما من نجاحٍ إذا فكرت بالفشلِ
ولتحولي التفكير بالخوف من الفشل إلى نجاح وعلو، اطرقي دوما باب الرحمن، وأكثري الدعاء، واجعلي وردا للمحاسبة والمراجعة لجوانب التقصير والتصدي لها، وإياك والتراجع والانهزامية، وتوكلي على الله (إن الله يحب المتوكلين).. ذلك هو العلاج النفسي الإلهي للنفوس البشرية المحبطة ذات التجارب غير الموفقة، والتي يقابلها عزم وإصرار وتوجه وتوكل، ومن ثم حب إلهي مصحوب بالاستجابة، فاستعيذي بما استعاذ به النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ومن العجز والكسل".(9/284)
وأنا بدوري أدعو لك بالتوفيق والسداد، هذا فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه بريئان، وأستغفر الله منه والله غالب على أمره.
وتضيف الأستاذة شيرين نصر –عضوة فريق الاستشارات الدعوية من مصر-:
أهلا بك أختنا الغالية هند، ونشكرك على هذه الثقة، ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا لإعطائك الجواب الذي يطمئن إليه صدرك، ويرشدك إلى الصواب بإذن الله.
حبيبتي.. أود أن أضيف إضافة بسيطة على ما نصحتك به الأستاذة فاطمة، وهو الجزء الخاص بالعمل في الدعوة، والشعور بأن الطريق صعب، وأن لديك عيوبا لا تستطيعين إصلاحها، واستعانتك بإحدى صديقاتك في إصلاحها لكن دون جدوى، والخوف من الفشل..
عزيزتي هند، في البداية أقول لك: إن كلامك عن الدعوة صحيح؛ فالطريق ليس بسهل ولكنه أيضا ليس بصعب.. جملة محيرة!! أعلم هذا.. ولكن صغيرتي لا يوجد صعب أمام الإرادة القوية والرغبة في التعلم واكتساب المعرفة؛ "فحين تريدين ستكونين"، فقط عليك أن تتحلي بالصبر والثقة في الله، والثقة في النفس مع زيادة في قراءاتك في هذا المجال، والتعرف على جوانبه؛ فهو متشعب ويجب التركيز فيه، واتبعي ما أشارت إليه الأستاذة فاطمة من اتباع للكتاب والسنة النبوية، وآراء الصحابة، والسلف الصالح جميعا.
أما بالنسبة للجزء الخاص باحتياجات الفرد كي يكون داعية؛ فهي كثيرة ومتشعبة، فلكي تكوني داعية يجب أن تنمي فيك صفات الداعية، خاصة أنك في سن صغيرة قد ينظر البعض إليها بأن المجال صعب عليك ولا تستطيعين السير فيه -كما أشرت-.. لكن أقول لك: إن السن ليست عائقا؛ فقد تكونين بصغر سنك أعلم ممن يكبرنك بكثير؛ فلا تضعيه عائق لك وسيري في طريقك إلي الله إذا عزمت النية.
وأحاول أن أرشدك إلى بعض الصفات التي يجب أن يتحلى بها الداعية:
- تحلي دائما بالعفة والطهارة وأخلاق الإسلام الفاضلة، حتى تكوني داعية قدوة قبل أن تكوني داعية كلمة حتى تستطيعي التأثير في الآخرين؛ فالفتاة لا تؤثر في بنات جنسها ما لم تتمثل ما تدعو إليه سلوكا وأخلاقا تجسدها أمام المجتمع، واعلمي أن الناس تتأثر بالمحاكاة والقدوة أكثر مما تتأثر بالقراءة أو السماع خاصة في الأمور العامة.
- الحكمة: كوني حكيمة في ترتيب أولوياتك؛ فركزي على العقائد قبل العبادات، والأخلاق والفرائض قبل النوافل.
- إخلاص النية وحب الدعوة لله تعالى: فالحب هو مفتاح القلوب لذا فادعيهم بالحب يأتينك صاغيات منصتات.
- الرحمة: كوني رحيمة مبتسمة رقيقة القول؛ فالبسمة في وجه أختك صدقة، وستفتح لكي كثيرا من الأبواب المغلقة.
- الصدق والصبر: كوني صادقة شفافة، ظاهرك يوافق باطنك؛ لأنه إذا انفصل الفعل عن العمل يفقد المدعوين ثقتهم في الداعية، ويبدءون في النفور منه، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 119)، وقال –عز من قائل- أيضا: {قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (المائدة: 119)، والصبر هو الصفة الأساسية والحقيقية في دعوتك؛ فبالصبر واليقين تنال الإمامة.
- كوني دائما صاحبة حجة قوية وبرهان ثابت: كي تستطيعي أن تجيبي على ما يوجه إليك من أسئلة؛ فكوني دائما صاحبة ذهن مستيقظ لمن حولك.
ولا تنسي حبيبتي دائما الطرف الذي تدعينه فابحثي دائما عن الأمور التي تؤثر فيهم، وتساعدك على إنجاح دعوتك معهم، وأيضا أود أن أرشدك إلى بعض الأمور التي قد تساعدك في التأثير فيمن تدعينهم إذا سلكتِ هذا الطريق، ومنها:
- إتقان العمل، فابدئي بنفسك أولا ثم الآخرين، وراعي ما يحتاجه الناس، وليس ما تريدين البدء به أنت حتى ينصتوا إليك بانتباه وشوق.
- أنصتي قبل أن تتحدثي حتى تعي جيدا ما يقولون وما يريدون، ثم أشركيهم معك في الحديث؛ فالمشاركة شيء مهم جدا في دعوتك، يجعلها ناجحة لأنك تعطين مَن أمامك فرصة التعبير عن نفسه، وهذا يجعله منجذبا إليك.
- اقتربي ممن تدعينهن وشاركيهن همومهن وأحزانهن، وحاولي دائما التخفيف عنهن؛ فهذا يساعدك كثيرا في ترسيخ دعوتك لديهن، فاعملي على بناء جسر من المودة والحب مع من تدعين.. ولكن كوني حذرة، خاصة مع من تدعينهم من الرجال؛ حتى لا يحدث شيء تندمين عليه بعد ذلك، ويكون عائقا في طريق دعوتك.
- التجديد في دعوتك: فابتعدي عن التقليد، وكوني دائما متجددة في حديثك ودلائلك، وبراهينك كي ينجذب إليك الآخرون؛ لأن التكرار ينفر منه الناس.
أما بالنسبة للجزء الخاص بعيوبك: كنت أود لو أشرت إلى بعض هذه العيوب حتى تتضح لي الصورة.. ولكن لا بأس، فأقول لك كما ذكرت أ.فاطمة: من منا معصوم من الخطأ؟!، ولكن خير الخطاء التوابون؛ لذا فهوني على نفسك ما أنت فيه.
لقد استوقفتني نقطة في كلامك، وهي استعانتك بإحدى صديقاتك في حل عيوبك، فسامحيني.. هذا لن يفيدك في شيء فقد يمكنك أن تستعيني بإحدى صديقاتك في التعرف على عيوبك؛ لأنها قد تراها أكثر منك، والخطأ ليس في أن تبلغك بها وإنما في استعانتك بها في حلها؛ وهنا أقول لك عزيزتي: يجب أن يكون التغيير نابعا منك أولا دون اللجوء إلى الآخرين، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وسوف أحاول جاهدة في وضع حل يساعدك في القضاء على تخوفك من عدم إصلاحها.(9/285)
حبيبتي.. اجلسي جلسة مصارحة مع نفسك، وحدثيها جيدا بصراحة شديدة، واعلمي أنه ليس هناك من يراك، فلا أحد معك؛ لذا ستكون الصراحة هنا كاملة، ثم ابدئي في سرد أخطائك، وحدديها جيدا، وهذا سيكون سهلا من خلال تنويه صديقتك لها، ومن خلال نفسك أيضا؛ فكلنا يعرف عيوبه، ولكنه يغمض عينيه عنها، ثم دونيها في ورقة، واتركيها، واذهبي إلى تدوين مميزاتك في ورقة أخرى.
وعندما تنتهين من هذا، اجلسي وضعي ميزاتك وعيوبك أمامك وانظري إلى عيوبك أولا لأنها هي الأهم، وادرسيها جيدا، وتخيلي أنها ليست فيك بل في واحدة أخرى، ثم حاولي أن تضعي حلولا لها، وكذلك مميزاتك حددي كيف تقوينها. وبعد أن تنتهي من هذا ابدئي في مرحلة التنفيذ فطبقي كل ما دونته علي نفسك، بالطبع سوف تواجهك صعوبة، ولكن لا تيأسي؛ فكوني قوية الإرادة، ولا تنسي أنك مَن حدد الحل لعيوبك، والسبيل لتقوية مميزاتك، والرغبة القوية في التغيير.. كل هذا سيساعدك كثيرا في القضاء على هذه العيوب وتحويلها لمميزات بمشيئة الله تعالى.
اعلمي عزيزتي أنك أنت فقط من يقدر على إصلاح ما بك من عيوب وليس الآخرون، ثم حددي إذا كنت تريدين حقا العمل في مجال الدعوة، فعليك عقد النية الخالصة لله تعالى في دعوتك وابدئي الطريق، مستعينة بالله تعالى، ولا يؤيسنك ما يعترض طريقك وحياتك من بعض الذنوب بحكم طبيعتك البشرية، ولا تعطي الشيطان فرصة لإقعادك عن الدعوة بذه الحجة.
أسأل الله أن يوفقك ويسدد خطاك، وأن يجعل طريقك طريق الخير والحق دائما، وأن ييسر لك الخير حيث كان ويرضيك به.
=============
"أخشى أن أورطهم في حفظ القرآن"!
لقد حفظت من القرآن أكثر من 15 جزءا في إحدى دور القرآن، ولكن معلمي كان للأسف لا يهتم بالمراجعة، ولهذا فقد نسيت أغلب ما حفظت، وخلال فترة حفظي قمت بناء على طلب من معلمي بتحفيظ عدد من الأطفال القرآن الكريم، وأنا الآن في حيرة من أمري، خاصة بعدما علمت أن نسيان المحفوظ من القرآن يعد معصية كبيرة، وأنا لا أعلم هل أتوقف عن تحفيظ الأطفال للقرآن؟ فأنا أخشى أن أورطهم في حفظ القرآن بينما سينسى عدد كبير منهم ما حفظ حين يكبر؛ فأكون قد أوقعته أو أوقعت نفسي في ذنب كبير.
أرجو الإفادة هل أتوقف عن تحفيظ هؤلاء الأطفال؟ وإن كنت سأستمر فما هي الطريقة المثلى لتحفيظهم؟ وهل أهتم بالتجويد أم لا؟ خاصة أن أعمارهم تتراوح من 6 و12 سنة. وجزاكم الله خيرا.
…السؤال
الدعوة العامة, جمهور الدعوة …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…يقول الشيخ سمير حشيش:
بسم الله الرحمن الرحيم، الأخ الكريم أحمد، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وبعد..
نتوقف في رسالتك عند عدة أمور، أولها حكم نسيان القرآن الكريم، وثانيها سؤالك هل تتوقف عن تحفيظ الأطفال أم تستمر؟، وآخرها الطريقة المثلى لتحفيظ الأطفال في حال استمرارك في هذا المجال، وأقول وبالله التوفيق:
أما حكم نسيان القرآن ففيه تفصيل؛ إذ لا بد أن نفرق بين أمرين؛ الأول نسيان القرآن بمعنى النسيان الحقيقي المتبادر لذهن الناس، وهو في هذه الحالة ينصرف إلى نسيان اللفظ وتفلته من ذاكرة الحفظ لدى الشخص، والثاني نسيان القرآن بالمعنى المجازي للنسيان؛ أي تركه وهجره وعدم تطبيق أحكامه وأوامره.
والمعنى الأول للنسيان ليس مقصود الوعيد الوارد في القرآن والسنة على الراجح من قول العلماء، خاصة إذا كان الإنسان يجتهد في استذكاره لكنه يتفلت منه لضعف ذاكرته أو كثرة همه؛ إذ كان الصحابة ينسون بعض الآيات من حفظهم؛ فمثلا ثبت متواترا أن الآيتين الأخيرتين من سورة التوبة -حين كتابة المصحف- لم يكن يذكرهما أحد من الصحابة إلا سيدنا خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- شهادته بشهادة رجلين؛ فأثبتتا في المصحف بناء على شهادته، ولا يعقل أنه لم يسمعهما من الرسول غيره؛ فتعين أن يكون بعضهم نسيهما بالفعل.
بل ثبت ما هو أشد من ذلك، ولا تعجب حين تسمع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نسي بعض آيات من القرآن مما لم ينسخ، بل كان نسيانه لها نسيان لفظ وتذكر كما يحدث لكل البشر؛ فقد ثبت في الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا يقرأ القرآن بالليل، فقال: "يرحمه الله فقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها". وكذلك أخرج مسلم عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلا يقرأ من الليل فقال: "يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا، آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا".
وإن عمدة ما يستدل به الذين يجعلون نسيان لفظ القرآن من كبائر الذنوب هو آيتا سورة طه التي يقول الله تعالى فيهما: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا} (طه: 124، 125)، وإليك أقوال العلماء في هذا الأمر:
قال ابن كثير في قوله تعالى: (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْك آيَاتنَا فَنَسِيتهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْم تُنْسَى): "أَيْ لَمَّا أَعْرَضْت عَنْ آيَات الله وَعَامَلْتهَا مُعَامَلَة مَنْ لَمْ يَذْكُرهَا بَعْد بَلاغهَا إِلَيْك تَنَاسَيْتهَا وَأَعْرَضْت عَنْهَا وَأَغْفَلْتهَا، كَذَلِكَ الْيَوْم نُعَامِلك مُعَامَلَة مَنْ يَنْسَاك... فَأَمَّا نِسْيَان لَفْظ القرآن مَعَ فَهْم مَعْنَاهُ وَالْقِيَام بِمُقْتَضَاهُ فَلَيْسَ دَاخِلا فِي هَذَا الْوَعِيد الْخَاصّ وَإِنْ كَانَ مُتَوَعَّدًا عَلَيْهِ مِنْ جِهَة أُخْرَى..(9/286)
أما القرطبي فقال: أَيْ قَالَ الله تَعَالَى لَهُ "كَذَلِكَ أَتَتْك آيَاتنَا" أَيْ دَلالاتنَا عَلَى وَحْدَانِيّتنَا وَقُدْرَتنَا. فَنَسِيتَهَا أَيْ تَرَكْتهَا وَلَمْ تَنْظُر فِيهَا، وَأَعْرَضْت عَنْهَا. وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى أَيْ تُتْرَك فِي الْعَذَاب؛ يُرِيد جَهَنَّم.
ولم يخرج الطبري عن هذا المعنى حيث قال: وَقَوْله: "قَالَ كَذَلكَ أَتَتْك آيَاتنَا فَنَسيتهَا" يَقُول تَعَالَى ذكْره, قَالَ الله حينَئذٍ للْقَائل لَهُ: "لمَ حَشَرْتني أَعْمَى وَقَدْ كُنْت بَصيرًا" فَعَلْت ذَلكَ بك؛ فَحَشَرْتُك أَعْمَى كَمَا أَتَتْك آيَاتي، وَهيَ حُجَجه وَأَدلَّته وَبَيَانه الَّذي بَيَّنَهُ في كتَابه، فَنَسيتهَا: يَقُول: فَتَرَكْتهَا وَأَعْرَضْت عَنْهَا، وَلَمْ تُؤْمن بهَا، وَلَمْ تَعْمَل"...
وقد ورد حديث في هذا المعنى، وهو إما محمول على أن النسيان هو ترك العمل بالقرآن كما فسرت الآية، أو أن المقصود بالنسيان هو المعنى الحقيقي له، وأيا كان المراد فإن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة، قال النووي في "مختصر التبيان في آداب حملة القرآن": ... وأنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَرَأَ القرآن ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ الله تَعَالَى يَوْمَ القِياَمَ أَجْذَم"، ثم عقب بقوله: "إسنادهُ ضعيف".
يدل هذا كله على أن النسيان الحسي المعروف عند الناس وهو عدم التذكر ليس مقصودَ الوعيد في القرآن أو السنة، ولكن شرط ذلك ألا يقصر الإنسان في تعهد القرآن بالمراجعة والاستذكار؛ فإن قصر في مراجعة حفظه واستذكاره فلا شك أنه داخل في دائرة الإثم والتقصير؛ لأنه بذلك يخالف أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتعهد القرآن؛ فقد أخرج مسلم في صحيحه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بئسما لأحدهم يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نُسي، استذكروا القرآن فلهو أشد تفصِّيًا من صدور الرجال من النعم بعقلها"، وأخرج أيضا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت".
قال أبو عبيد: وأما الذي هو حريص على حفظه، دائب في تلاوته إلا أن النسيان يغلبه؛ فليس من ذلك في شيء بدليل ما روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا يقرأ القرآن بالليل، فقال: "يرحمه الله فقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها".
ولعلي بذلك أكون قد أوضحت الأمر وأجليته لك، وللمزيد حول هذا الأمر يمكنك مطالعة الفتاوى التالية:
- الانصراف عن حفظ القرآن مخافة الإثم
- نسيان القرآن بعد حفظه
- ما حكم نسيان ما حفظ من القرآن
- حفظ القرآن ونسيانه
وأما سؤالك: هل تتوقف عن تحفيظ الأطفال أم تستمر؟ فأرى أنه سؤال لا محل له، وأن الطريقة التي فكرت بها ما هي إلا تلبيس من الشيطان ليقعدك عن عمل الخير، ولعلك تعتذر بأنك كنت تظن أن نسيان لفظ القرآن من الكبائر، وأنك لا تريد للأطفال الذين تحفظهم أن يقعوا في الكبائر بسببك، وأقول لك: حتى لو كنت تظن ذلك فلا يليق بالمسلم ترك الصالحات خوفا من محظور في الغيب، بل الأجدر به أن يعمل الصالحات، ويجاهد نفسه ألا يقصر أو يرتكب المحرمات، وأن يحافظ عليها ويربيها عند الله.
وبدلا من أن تتعلم من تجربتك مع شيخك أن تترك تحفيظ الأطفال الأولى بك أن تتعلم كيف تتفادى ما وقع فيه شيخك معك، أم تراني لست على حق؟!.
وأما الطريقة المثلى لتحفيظ الأطفال فلا نستطيع تعميم قاعدة في هذا المقام؛ إذ لكل طفل ما يميزه عن أقرانه، وربما ما يصلح لواحد لا يصلح لآخر، لكني أقترح عليك بعض المقترحات، سائلا المولى -عز وجل- أن تنفعك وتنفع من يقرؤها وأن ينفعني بها يوم الدين:
1- قلل من كمية المحفوظ: بحيث يقوم الطفل من أمامك وقد كاد يحفظ ما ردده معك، وبذلك تحصل على نتيجة جيدة بأقل جهد من المتابعة في البيت من الوالدين أو غيرهما، إن شاء الله تعالى، والقليل إن داومنا عليه أنجزنا، وهو خير من كثير يرهق ثم يكون بعده الانقطاع.
2- ركز على النطق الصحيح: لأن الطفل غالبا ما يظل يقرأ بنفس الطريقة التي لُقنها في المرة الأولى، باستثناء أطفال ما قبل المدرسة -إن جمعك بهم القدر- فيمكن التجاوز معهم عن بعض صور الخطأ في النطق والتي لا يستوعبون تصحيحها؛ فمثلا قد تسمع بعض الأطفال -في سن ما قبل المدرسة- يقرءون: غير المغضوب عليهم ولا "الضاليم"، وقد حاولت مع أحدهم مرارا أن ينطقها نونا فلم أفلح، وما استطاع تصحيحها إلا بعد زمن.
3- احرص على الدوام اليومي: فلا بد من درس التحفيظ يوميا، ويمنح الطفل يوما واحدا فقط إجازة أسبوعية؛ فذلك أدعى لدوام معايشته لما حفظه.
4- كلف الأطفال بكتابة ما يحفظون: فالكتابة من أكثر الأساليب تثبيتا للذاكرة.
5- داوم على مراجعة ما تم حفظه معهم: فيجب أن يراجع الطفل كل ما حفظه مرة على الأقل في الأسبوع مراجعة تسميع.
6- مر الأطفال أن يؤدوا الصلاة بما يحفظون في كل يوم: فالقراءة في الصلاة تعين الشخص على التذكر، وتقلل كثيرا من فرص النسيان، وكثيرة هي الآيات التي يحفظها عوام الناس بسبب تكرارها على مسامعهم في الصلاة.
7- تعامل بالثواب كما تتعامل بالعقاب: فاحرص على إثابة المجتهد كما تحرص على عقاب المقصر، ولو بأقل القليل؛ فقد يرضي الطفل مثلا أن تضع له في كراسته علامة نجمة (*) أو تكتب له "ممتاز"، أو تهديه قطعة حلوى، أو تقول له أمام زملائه "أنت متفوق"، أو أن تجعل زملاءه يصفقون له... إلخ.(9/287)
8- احرص على إيجاد روح التنافس بين الأطفال: فمثلا يمكنك أن تعقد جائزة أسبوعية -ولو رمزية- لأحسن طفل حفظا وتلاوة، كما يمكنك عقد المسابقات الدورية لهم، أو إشراكهم في مسابقات خارجية.
9- استعن بالتكنولوجيا الحديثة: فمثلا يمكنك الاستعانة ببرامج الكمبيوتر أو شرائط الكاسيت.
10- عرفهم معاني الآيات: بأن تعطيهم فكرة إجمالية عن موضوع الآيات التي يحفظونها -إن أمكن ذلك- ففهم المعنى يقوي من سرعة الاستدعاء من الذاكرة.
وأخيرا أسأل الله العلي العظيم أن ينفع بك، وأن يرزقنا وإياك وجميع المسلمين ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.
===============
لستُ مقتنعًا برأي القيادة .. إنه اختيارك
بسم الله الرحمن الرحيم؛
سؤالي إلى الشيخ الجليل الدكتور فتحي يكن؛
أنا أنتمي لإحدى الحركات الإسلامية منذ مُدَّة، ولكن القيادة تفرض في بعض الأحيان أمورًا لا أقتنع بها، وأعتبرها تضرُّ بالدعوة أكثر ممَّا تنفعها، وكمثالٍ على ذلك طلب توزيع أوراق للدعاية للمرشَّحين الإسلاميِّين في الانتخابات، ممَّا قد يترك انطباعًا لدى العوام أنَّ ما أقوم به هو من أجل الانتخابات وليس لوجه الله !!.
وسؤالي هو: هل رفضي القيام بمثل هذه الأمور فيه خروجٌ عن الطاعة والانضباط التي أُمرنا بالتزامها ؟.
وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله. …السؤال
آداب وأخلاق, مشكلات في الدعوة والحركة …الموضوع
الدكتور فتحي يكن, الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
…يقول الدكتور فتحي يكن:
أخي الكريم عبد الله، رعاك الله؛
ما طرحته في رسالتك يتعلَّق بموضوع السمع والطاعة، كما يتعلَّق بالبيعة وحدودها الشرعيَّة، ودعنا من هنا ندخل إلى ما سألت عنه.
أوَّلاً: إنَّ انتماءك إلى إحدى الحركات الإسلاميَّة يعني أنَّك فكَّرتَ وقرَّرتَ واخترتَ هذه الحركة بالذات، وظنِّي أنَّك منحتَها ولاءك، وأدَّيْتَ لها البَّيْعة على السمع والطاعة في المنشط والمكره ؟.
ثانيًا: البيعة في الإسلام هي العهد على الطاعة.. كأنَّ المبايع يعاهد أميره على أن يُسلم له النظر في نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيءٍ من ذلك، ويطيعه فيما يكلِّفه من الأمور أحبَّ أم كَرِه.
ثالثًا: البيعة هذه سنَّةٌ نبويَّةٌ أطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بيعة العقبة الأولى، واستمرَّ عليها، وعمل بها المسلمون من بعده حتى يومنا هذا، وقد أخرج البخاريُّ عن جنادة بن أبي أميَّة، عن عبادة بن الصامت قال: "دعانا النبيُّ صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في مَنشطنا ومكرهنا، وعُسرنا ويُسرنا، وأَثَرةٍ علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان" رواه البخاري.
رابعًا: الإمرة في الإسلام واجبة، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم" رواه الطبراني بإسناد حسن. ولكونها مبعث النظام والانتظام، ومن غيرها تحلُّ الفوضى، ويحلُّ مرض "إعجاب كلِّ ذي رأيٍ برأيه".
خامسًا: والطاعة في الإسلام هي بالمعروف، حيث لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبَّ وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصيةٍ فلا سمع ولا طاعة" رواه البخاري، وأنَّ رأي الأمير فيما لا نصَّ فيه - ولو احتمل وجوهًا عدَّة - معمولٌ به في المصالح المرسلة، ما لم يصطدم بقاعدةٍ شرعيَّة.
نخلص من كلِّ ما سبق إلى التقرير التالي فيما سألت عنه:
* ليس شرطًا أن تقتنع بما يُطلب إليك فعله، ما لم يكن لديك دليلٌ شرعيٌّ من الكتاب والسنَّة على وجود معصيةٍ أو مخالفةٍ شرعيَّة، وواجبك حينذاك أن تبسطه وتبيِّنه لأميرك وحركتك، حيث إنَّه لا يكفي أن تمتنع أنت عن الامتثال للأمر- في حال وجود المعصية - بل واجبك أن تمنعها عن غيرك كذلك، وإلا وقعت في محظورٍ شرعيٍّ أكبر ممَّا أنت هاربٌ منه ؟.
* ليس لك أن تفاضل بين ما تعتبره – أنت شخصيّا أو غيرك – ضارًّا أو نافعًا من شئون الدعوة، وإلا انفرط العقد وهَوَى الانتظام، وراح كلُّ عضوٍ يغنِّي علي ليلاه ؟.
* وإنَّني إذ أَعْجَب من أنك تعطي نفسك حقَّ الاجتهاد في شئونٍ وقضايا ثانويَّة، وأن تربط ولاءك وطاعتك لجماعتك بما تتصوَّره من انطباع الناس والعوامِّ فيما يُطلَب إليك فعله، فكيف لو أنَّ الأمر كان هامًّا ومصيريّا وخطيرًا ؟.
نعم.. إنَّ رفضك القيام بمثل هذه الأمور التي ذكرتها وحدَّدتها في رسالتك، هو خروجٌ على الطاعة؛ لأنَّه مبنيٌّ على غير دليلٍ شرعيّ، وهو محضُ ظنٍّ وتوهُّم، وإنَّ الظنَّ لا يغني من الحقِّ شيئًا.
فأقبل يرحمك الله، وانعتق من أسْر نفسك، إن كنتَ تؤثر العمل الجماعيَّ المنظَّم على الآخر الفردي، وعلى أمل أن تُعْلِمَني بقرارك، لك منِّي صادق الدعاء.
ويقول الأستاذ فتحي عبد الستار:
مع ما تفضل به أستاذنا الكريم الدكتور فتحي، نود أن نشير إلى أن البيعة التي تؤدَّى لأية هيئة أو حركة أو جماعة من الجماعات إنما هي بيعة على سبيل "العَقْد" المقصود منها الالتزام بالعمل الصالح الذي تم الاتفاق عليه بين الطرفين على الوجهة الإدارية على سبيل العقد المبرم بينهما، وتمس الوجهة الدينية والشرعية من ناحية أننا أُمِرْنا بالوفاء بالعقود والعهود والمواثيق.(9/288)
بحيث لا يترتب على حل هذه البيعة أو فلنقل: "العقد" أية آثار كالتي تنتج من نقض البيعة الكبرى من خروج عن الملة وخلافه، حيث إن الأحاديث الواردة في لزوم الجماعة، والتحذير من مفارقتها ووجوب بيعتها، لا يقصد بها هذه الحركات أو الهيئات أو الجماعات؛ مهما أطلقت على نفسها من أسماء، وإنما المقصود من تلك الأحاديث هو الجماعة بالمعنى الشامل، أي الأمة كلها.
لذا فإنه عند التحلل من مثل هذه البيعات أو "العقود" لأي سبب كان، فربما يتكلم الفقهاء في قياس آثار ذلك على نقض اليمين مثلاً، ووجوب التكفير بنفس الكفارات المشروعة لهذا النقض.
مع مراعاة أن الأصل بالطبع هو الوفاء؛ وذلك حتى لا يُفهَم من هذا الكلام جواز الاستهانة بالالتزام، فنكث العهود والغدر شُعبة من شُعَب النفاق التي ذكرها الحديث المتفق على صحته.
ومن الضروري على من أراد فصم عُرى بيعته أو عَقده مع أية حركة أو هيئة، أن يراعي الآداب الإسلامية في ذلك، كما عليه أن يراعي الشروط والالتزامات التي وضعتها الهيئة في حالة الخروج وأعلمته بها عند أدائه للبيعة إن وُجِدَتْ، بحيث لا يؤثر خروجه تأثيرًا يوقع الضرر، فلا ضرر ولا ضرار
==============
أصدقائي يسألون: لماذا الإسلام؟؟
ما هو الدليل بالقرآن والسنَّة على أنَّ الإسلام هو الدين الأول والأخير، حيث أنَّه يوجد لديّ العديد من الأصدقاء الأوربيين الذين يريدون معرفة الدليل على أنَّ الإسلام هو الدين الذي يجب اعتناقه دون باقي الأديان؟
وشكرا.
…السؤال
دعوة غير المسلمين, دعوة غير المسلمين …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…يقول الأستاذ عبد السلام الأحمر عضو رابطة علماء المغرب:
لقد اقتضت إرادة الله أن يبعث في كلِّ قومٍ رسولاً بلسانهم، يبلغهم رسالة ربِّهم ويخبرهم بما يطوق أعناقهم من أمانة الاستخلاف في الأرض، وتحمل عبء اختيارهم الحر بين الإقرار بوحدانية الله وعبادته والاحتكام إلى شرعه في شؤون المحيا والممات، وبين اتباع أهوائهم وإملاءات عقولهم المحدودة.
فكانت عقيدة دين الله واحدةٌ تشمل الإيمان بالله وحده من غير شبيهٍ ولا شريك، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، والإيمان بمسؤولية الإنسان عن اختياره وممارسة حريته وجميع أعماله الإرادية، وأنه مكرَّمٌ باعتبار هذه الخصوصية، ومسخَّرٌ له ما في السماوات والأرض.
وما سوى هذه العقيدة الثابتة، من عبادةٍ ومعاملات، فقد يختلف اختلافاتٍ يسيرة بين الديانات السماوية، مراعاةً لمستوى النضج الفكري والنفسي والحضاري، وتيسيرًا للتدين، ورفعًا للحرج، وتفاعلاً مع الواقع التربوي والاجتماعي للمرسَل إليهم، سعيًا لإصلاحه والارتقاء به إلى ما يرضاه الله وتستقيم عليه حياتهم.
فبعد كل فترةٍ زمنيَّةٍ تمضي على نزول كتابٍ سماوي، يبعث الله للناس رسولا منهم، برسالةٍ جديدةٍ تؤكِّد الرسالات السابقة عليها، وتحيي ما تلاشى واندثر من الدين.. عقيدةً وعبادةً وتشريعًا يوجِّه السلوك والمعاملات.
ولما كانت الرسالات السماوية واحدةٌ في مصدرها الإلهي وتعاليمها الهادية المتجاوبة مع أوضاع الناس المتغيرة، ومشاكلهم المستجدة، فإنَّه لا يسوغ عقلاً ولا شرعًا أن يرفض الإنسان الرسالة الأخيرة، ويؤثر عليها رسالةً سابقة، إلا أن يكون جاحدًا ربَّانيتها، مكذِّبًا لكتابها ونبيِّها، وحينئذٍ يكون مخلاً بأهمِّ خصائص الرسالات السماوية، وهي كونها واحدةٌ في حالاتها الأصلية وثوابتها العامة، يبشر السابق منها باللاحق، ويؤكِّد اللاحق منها السابق ويهيمن عليه.
وهذا ما حكاه لنا القرآن من موقف عيسى بن مريم (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إنِّي رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يديَّ من التوراة ومبشِّرًا برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد فلمَّا جاءهم بالبيِّنات قالوا هذا سحرٌ مبين).
فهذه الخاصية تحكم موقف من جاء بعد بعثة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وترشده إلى الإيمان بالإسلام عقيدةً وشريعة، والإيمان برسل الله أجمعين وعلى رأسهم موسى وعيسى عليهم السلام، أمَّا دياناتهم فهي كلّها متضمَّنةً في الإسلام الخاتم لها والمهيمن عليها جميعا.
قال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصَّى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصَّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرَّقوا فيه).
فكلُّ من أنكر ديانةً سماويَّةً وكذَّب نبيَّها فهو شاذٌّ عن روح الدين، الرامي إلى توحيد البشريَّة على أساس أنَّ خالقها واحدٌ ودينه واحد، وأنَّ الدين الأخير هو الذي يُناط بالإيمان به تحقيق الوحدة بين المؤمنين عبر الزمان والمكان، وأنَّ أحكامه هي الأنسب لواقعهم والقادرة على إصلاحه وإسعاده.
فكل أهل زمانٍ مخاطبون بالرسالة الأخيرة أو الخاتمة لأنَّها الأبعد عن التحريف والتأويل والتفسير الذي تتعرَّض له على مر القرون، وهي الأوفق لما طرأ في الحياة من تطوُّراتٍ جديدة.
لذلك حسم الله أمر الدين الحقّ وجعله محصورًا في الإسلام فقال تعالى: (ومن يبتغِ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
فالمؤمن بالإسلام مؤمنٌ بجميع الكتب والرسل، فهو على طريق الحق المبين، وجامعٌ لهداية الوحي المنزَّلة منذ أوَّل الخليقة، واختياره هو الأسلم وموقفه هو الصواب الذي لاشك فيه.
أمَّا من تمسَّك بدينٍ آخر بعد أن بلغه الإسلام واطلع عليه، فهو على غير الحقّ وتديُّنه مردودٌ عليه لما تقدَّم من الأدلَّة السابقة وللأدلة الموالية:(9/289)
1- لقد شاءت حكمة الله العلي الحكيم أن تنال عوادي الزمن مضمون الكتب السماوية المتقدِّمة على القرآن، وأن لا يتيسر جمع محتوياتها إلا بعد أن يمرّ على اختفاء رسلها فترةً طويلةً تقدَّر أحيانًا بقرون عديدة، وأن تشهد الدراسات المتأنِّية لها على حجم التحريف الذي طالها على أيدي رجال الدين، حتى غدا ما ينسب من متونها إلى اجتهاداتهم أكثر ممَّا يتَّصل بأصولها الأولى.
2 – يؤكِّد لنا القرآن الكريم الذي حُفظ متنه بعنايةٍ ربَّانيةٍ ليبقى حجَّةً على الناس أجمعين، ومعه كتب تاريخ اليهوديّة والنصرانيَّة أنَّ إيمان الأقوام السابقة بالرسالات المنزلة واتباعهم لهدي رسلهم، ظلَّ محصورًا في فئةٍ قليلة، لم يكن بوسعها أن تحميه من الأخطار المحدقة به في حياة الرسل أنفسهم، والذين كانوا مستهدفين غالبًا بالتنكيل والتضييق والتكذيب، بل والتصفية الجسدية، فكيف يؤمَن على دينٍ أن يبقى على صفائه وأصله في أجواء محدقة به من الرفض والكراهية والاستهزاء، قال تعالى: (أفكلَّما جاءكم رسولٌ بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقًا كذبتم وفريقًا تقتلون)؛ وعن ابن عباس رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عرضت علي الأمم. فرأيت النبي ومعه الرهيط. والنبي ومعه الرجل والرجلان. والنبي ليس معه أحد) رواه مسلم.
3- لقد عاين الأنبياء عليهم السلام محاولات تحريف الدين الذي أُرسلوا به وهم ما زالوا على قيد الحياة، من ذلك ما حصل مع موسى عليه السلام الذي ما إن غاب عن قومه أربعين ليلةً وترك معهم أخاه النبي هارون عليه السلام، حتى اتخذوا لهم عجلاً ذهبيًّا يعبدونه أسوةً بعبدة الأصنام، وقد أقدموا على ذلك مباشرةً بعد أن نجَّاهم الله من بطش فرعون، ولم تجف بعد أقدامهم من ماء البحر الذي خرجوا منه سالمين وغرق فرعون وجنوده.
وهذا عيسى ابن مريم ألَّهه أتباعه في حياته رغمًا عنه كما يحكي لنا القرآن الكريم، (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلاهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقٍّ إن كنت قلتُه فقد علمتَه تعلمُ ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربِّي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيءٍ شهيد). فإذا كان عيسى عليه السلام لم يفلح في صدِّ التحريف في الدين الذي وكل به من أتباعه المفرطين في تقديسه والذين يفترض فيهم الانقياد لتوجيهاته وبياناته دون زيادةٍ أو نقصان، فما بالك بمن كتبوا الأناجيل ولم يروا عيسى ولم يسمعوا منه.
إنَّ واقع العقيدة المسيحية حتى يومنا هذا يؤكد أنَّ كتبة الأناجيل انحازوا إلى الضالين من أصحاب عيسى عليه السلام الذين أصروا على تنصيب أنفسهم في موقع من يُعلِم الرسولَ نفسه بحقيقته وحقيقة العقيدة المكلّف بتوضيحها، لا من يتعلَّمها على يديه.
فكيف إذن يقبل ممَّن عرف الإسلام وطالع شهادات القرآن على الديانات السالفة، وأدرك مزاياه على باقي الرسلات السماوية، أن يترك الدين الخاتم الذي صانه ربُّ العالمين عن التبديل والتغيير، ليظل هو الوحي المعصوم بين أيدي الناس، لمن شاء عبادة الله والسير على نهج أنبيائه، ويتبع ديانةً أخرى ذلك حالها، وتلك جوانب النقص التي شابتها.
===============
دعوة الأنام باختلاق الأحلام !!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إخوتي الأكارم، أريدكم أن تنيروني بإجابتكم على سؤالي، ألا وهو أن لدي خالتين غير محجبتين، مع أنهما تصليان، ولقد نصحتهما بالحجاب، ولكن للأسف بدون أية فائدة، مع العلم أن الكبيرة تبلغ من العمر 43 والأخرى 33، وحتى الآن لم يتحجبا، وأمهما متوفاة.
إخوتي، إذا أنا قلت لهم بأن جدتي التي تكون أمهما جاءتني بالمنام وهي توصيني بأن أبلغهما بأن تضعا على رأسهما، هل سأحاسب يوم القيامة لأني كذبت، وخاصة أنه مَن يقول حلمت كذا وكذا وهو لم يحلم يحاسب ؟؟
أنا أحزن كثيرًا لهذا الوضع، وأنا مستعدة لأن أعمل أي شيء، ليضعوا على رأسهم، وأيضًا ابنة خالتي لا تضع على رأسها، وترتدي الملابس الضيقة جدّا، للأسف هدانا وهداهن الله !!
ماذا أفعل لأنقذهن من هذا الهلاك ؟؟
مع العلم أنهما تحبان أمهما حبًّا شديدًا، وقد دعوت الله لأرى جدتي بالمنام حقًّا وهي تقول لي هذا الكلام، ولكني لم أرَها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. …السؤال
قضايا وشبهات, العائلة, آداب وأخلاق, الدعوة النسائية …الموضوع
الأستاذة أسماء جبر أبو سيف, الدكتورة حنان فاروق, الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
…تقول الأستاذة أسماء أبو سيف:
أختي العزيزة منال، حفظك الله تعالى ..
أحيِّي فيك غيرتك على خالتَيْك، ورغبتك الشديدة في هدايتهما، ولكن الله سبحانه وتعالى لم يطلب منا أكثر من إيصال كلمة الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دون أن نهلك أنفسنا، والله يتولى كلمة الخير، فيُنبِت بذرتها وقتما يشاء، ولا عليك، ستبقى كلمات الخير التي قدمتِها لخالَتَيْك كامنةً حتى يشاء الله لهما الهداية.(9/290)
ولا يجوز لكِ شرعًا أن تكذبي من أجل هدايتهما، ولكنّي أنصحك أن تكوني القدوة الطيبة لهما، فهذا أكثر أثرًا، فكوني مثال السيدة المسلمة الأنيقة – ولعلك كذلك فعلاً - ذات العلاقات الاجتماعية الواسعة والمحبوبة من قِبَل الجميع، تزور، وتهدي، وتساعد، وترطّب القلوب، وتوزع المحبة، وتهتم بالصغير والكبير، وتصل الرحم، وتحب العلم والفنون المباحة، فقد وجدت من تجربتي أن هذا يؤثر جدّا في غير المحجبات، وكلما وجدت الفرصة سانحة أهديهن الكتب الصغيرة والمجلات الإسلامية الممتعة والمفيدة وهكذا.
ادخلي إلى قلوبهن من قبل الأشياء والهوايات التي يحببنها.
ومما يؤثر فيهن أيضًا قوة شخصيتك وثقتك بنفسك وثقافتك المتنوعة وعقلك المتفتح، هذا كله يجذبهن تلقائيًّا إليك.
أختي الحبيبة، يجدر أن أهمس لك بأمر هام: روحانياتك التي تنوّر وجهك، وكلامك وحركاتك، إن كل إنسان سواءً كان مسلمًا أم كافرًا يؤثر به الشخص الروحاني، فيبدو رقيق المشاعر والأحاسيس، ويراعي أحزان وأفراح الآخرين، ولا يجرح مشاعرهم ويقدرهم.
اقبليهن كما هُنَّ أولاً، وأشعريهنَّ أنك تحبينهن لذواتهن، وتعزينهنَّ لأنهنَّ رحمك، وصاحبيهنَّ بالمعروف، وابدئي معهنّ بالقليل، اطلبي من كل واحدة منهن على حدة أن تصلي معك جماعة، أو تذهبا إلى المسجد، ولتذهب بلا حجاب، ولكن لتحمل معها ملابس الصلاة ترتديها عند دخول المصلَّى، وهكذا تدريجيّا ستألف الحجاب.
ركزي أيتها الحبيبة على تشجيعهن على النوافل أولاً، مثل التزام ركعتي الضحى فقط – هذا إن كنَّ يصلين الفرض أولاً - ثم إن أخبرنك بأية عبادة يقُمْنَ بها فشجّعيهن كثيرًا دون نقد للسابق، وسوف يهديهن الله على يديك بإذن الله تعالى، ما دُمتِ مخلصةً وحريصة على رحِمِك.
وفقك الله لما يحب ويرضى.
وتضيف الدكتورة حنان فاروق:
أختي الحبيبة منال، بادئ ذي بدء، أحييك على خوفك على ذوي رحمك وحبّك لهم، ومحاولتك المستميتة للذود عنهم، فالرحم معلقة بالعرش، من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، جعلنا الله من الواصلين المؤمنين المقربين، وبعد ..
حبيبتي، يجب أن نعلم أن الله خالق كل شيء ومدبر كل شيء، هو الوحيد الذي بيده مقاليد الأمور، وأنه إن أراد لأكفَر كافر في الأرض الهداية لهَدَى، ولو أراد غير ذلك لكانت إرادته فوق كل شيء.
من هذا المنطلق يجب أن تكون نظرتنا للأمور أكثر عمقًا وإيمانًا، هذا بالقطع لا يعني ترك الدعوة إلى الله بدعوى أنه إن أراد سيهدي وإن أراد سيضل، لا، هذا يعني أن نعتبر أنفسنا مجرد أسباب ليس إلا، وأننا وإن أوتينا مجامع الكلم وسحر البيان لن نستطيع أن نفعل شيئًا لم يُقدّره الله، ولا نستطيع أن نوقف شيئًا كتبه الله في لوحه المحفوظ قبل أن نُخلَق.
لذا حبيبتي يجب أن نفعل ما علينا، أن ندعو تارة بالحسنى، وتارة بالترغيب، وأخرى بالترهيب، ورابعة بالفعل الحَسَن والتعامل الجميل، وخامسة بالتعليق على موقف أو خبر أو حادثة تعليقًا قد يحرك القلب القاسي ويلين الصخور، وبعدئذ تتركين الأمر لله.
قومي بواجبك في الدعوة لله عز وجل، وكوني نورًا لسبيله، لكن بغير أن ترتكبي ذنبًا، ستقولين لي: إنما أردتِ الخير، لكني سأقول لك: وهل يجوز للداعية مجالسة شاربي الخمر واحتساء اليسير منها ليدعوهم ويؤلف قلوبهم ؟!! لا حبيبتي، فدرء المفسدة مُقدّم على جلب المنفعة، وصدقيني، فالمعصية لن تكون سببًا في الهداية، إنما سبب الهداية هي الطاعة والصدق، اصدقي الله، وادعي لخالتيك بقلب مخلص مؤمن، وأخلصي النية لله، ولا تسأمي من الدعوة بغير تنفير أو نصائح كالمحاضرات، اقتربي منهن أكثر، افهمي منهجهن في التفكير، وما المواضيع التي تحبانها – غير ما يغضب الله- حاولي أن تكوني لهنَّ بنتًا محبة لهما، ودائما راعي فارق السن، واجعلي الاحترام والتقدير غلافًا رقيقًا لكلماتك، حتى لا تستفزي مشاعرهما، وبالمداومة والتدريج والصبر والدعاء، يحقق الله لك رجاءك إن شاء الله.
فقط اعملي ولا تنظري إلى النتيجة، فليست بيدك.
وفقك الله وكلل مسعاك بالنجاح.
ويضيف الأستاذ فتحي عبد الستار:
أختي الكريمة، لن أضيف كثيرًا على كلام الأستاذتين الفاضلتين، ففي كلامهما الغناء والكفاية، ولكني أريد أن أوجه نظرك لأمر أشعر أنه قد غاب عنك في تعاملك مع خالتيك، مما جعلك تفكرين في اختلاق "حلم" تنادي فيه الجدة عليهما وتأمرهما بالحجاب، وتتخيلين أنهما ستنصاعان فورًا لمجرد سماع نداء الجدة الآتي من وراء حُجُب الغيب !! وأريد أن أسأل سؤالاً: هل سيكون كلام أمهما عندهما أقدس وأعز وأكرم وأشد احترامًا من كلام الله عز وجل الذي أمرهما بهذه الفريضة، ولم ينصاعا إليها اتباعًا للهوى وتزيين الشيطان؟؟
إنهما – أختي الكريمة – تعلمان أن الحجاب فريضة من عنده سبحانه، وكل ما يحتاجانه – كما قالتا الأستاذتان – هو انتقاء الوسائل الفعالة والمؤثرة لدعوتهما والتأثير فيهما، لينفتح قلبيهما لنور كلمات الله عز وجل، وتزال غشاوة الشيطان من على عيونهما.
إننا لا نأخذ الأحكام الشرعية من الأحلام والرؤى، وإنما نأخذها من نصوص الشرع المطهّر، وهذا ما يجب أن تغرسيه فيهما وأنت تقومين بواجب الدعوة معهما.
يا أختي، إن النفس التي لا تقدُر الله عز وجل حق قدره، لن تُجدي معها الأحلام والرؤى، ازرعي في قلوبهن حب الله عز وجل، ذكريهن بنعمه وبفضله عليهن وعلى الناس، بشريهن بثوابه، وخوفيهنّ من عقابه، فإن تحقق لك ذلك فاعلمي أن الباقي يسير يسير، يقول عز وجل: "إنَّ في ذلك لَذِكْرَى لِمَن كان له قلب أو ألقى السَّمْع وهو شهيد"، فهل أوجدنا هذا القلب ؟؟.(9/291)
وإن كان الباب الوحيد لوصول نور الهداية لقلبيهما هو حديث الجدَّة من وراء أستار الغيب، فقد علَّمنا رسول الله أنَّ في المعاريض مندوحةٌ عن الكذب، ولك أسوةٌ فيما قام به الحسن والحسين رضي الله عنهما وهما صغيران من افتعال خلافٍ حول صحَّة الوضوء ليعلِّما شيخًا كبيرًا، فيمكنك أن تتحدَّثي عن أماني أمِّهما لهما بالخير وبحبِّها أن يلحقا بها في مستقرِّ رحمة الله، وهذا إنَّما يتحقَّق بالتزام شرع الله، وأنَّّها لو كانت بينهم لأمرتهم به ليكمل باطن الإيمان بظاهره.
وبمثل هذا مع الوسائل الأخرى نرجو أن يتحقَّق على يديك كلَّ الخير.
وفقك الله، وطمئنينا على أخبارك، ومرحبًا بك وبرسائلك دائمًا.
==============
من الطلاب إلى الموظفين.. الطريق موصول
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،
كان عملي الدعويُّ في البداية في الوسط الطلابيّ، والآن أعمل في وسط الموظَّفين، فما الفرق بينهما؟
وما الوسائل التي يمكن من خلالها الداعية أن يكون ناجحاً في هذا الوسط؟
وجزاكم الله خيرا.
…السؤال
المجتمع, فنون ومهارات, وسائل اجتماعية …الموضوع
الأستاذ محمود إسماعيل, الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
…أخي الفاضل الكريم،
أحمد الله الذي جعل من هذه الأمَّة أمثالك ممَّن يحملون دعوة الله إلى كلِّ النَّاس أينما كانوا، والجميل في سؤالك أنَّه يؤكِّد على مبدأٍ غاية في الأهمية، وهو أنَّ الوسيلة الدعويَّة لابدَّ وأن تتغيَّر تبعاً لأحوال النَّاس وطبيعتهم واختلاف عقولهم، والأجمل في سؤالك أنَّك تؤمن بمجموعةٍ من المبادئ والمفاهيم الدعويَّة التي لا غنى عنها، وبالتالي سنبدأ معك من حيث انتهيت ومن حيث اتفقنا.
أخي الكريم،
تعلم أنَّ المجتمع الطلابيَّ يختلف عن مجتمع الموظَّفين، وأنَّ لكلٍ منهما وسيلته المناسبة، وتريد معرفة الاختلافات بينهما، والوسائل الدعويَّة المناسبة لمجتمع الموظَّفين، فأقول لك:
من المهمِّ جدًّا أن تدرس وتفهم طبيعة مجتمع الموظَّفين قبل أن تفكِّر في الوسيلة المناسبة، وأعني أنَّ من الخطأ أن نبدأ بوسيلةٍ ما دون تفهُّمٍ لطبيعة وعقليَّة من ندعوهم، لذلك لابدَّ لنا معك من دراسة خصائص مجتمع الموظَّفين، كي يتسنَّى لنا وضع الوسيلة المناسبة له.
ويمكن أن نجمل خصائص مجتمع الموظَّفين في الآتي:
1. مجتمع الموظَّفين من المجتمعات الدائمة أو شبه الدائمة، بمعنى أنَّه يختلف تماماً عن المجتمع الطلابيِّ الذي يتغيَّر بشكلٍ دوريٍّ عقب تخطِّي مرحلةٍ تعليميَّةٍ معيَّنةٍ أو بعد التخرُّج.
2. مجتمع الموظفين مجتمعٌ متباينٌ بصورةٍ أكثر بكثيرٍ من المجتمع الطلابيّ، إذ تختلف فيه الثقافات والأفكار والأعمار.
3. الوضع الاجتماعي للموظَّفين يختلف عن المجتمع الطلابيّ، فبينما نرى المجتمع الأوَّل ينتمي إلى حدٍّ كبيرٍ للمجتمع الأسريّ، آباء وأمَّهات، نرى طبيعة المجتمع الطلابيِّ هي البنوَّة، بكلِّ ما يحمل ذلك من تبعاتٍ ومسؤوليَّاتٍ مختلفة النوع والحجم على كلِّ طرف.
4. يُفترَض في المجتمع الوظيفيِّ أن يكون أفراده على درجةٍ من الوعي والنضوج وتحديد الاتِّجاه، بصورةٍ أكبر وأشمل عن المجتمع الطلابيّ.
5. أنماط النَّاس في المجتمع الوظيفيِّ مدروسةٌ ومفهومةٌ بصورةٍ أكثر من المجتمع الطلابيّ، وبالتالي يمكن للموظَّف أن يعرف عن زميله أشياء كثيرة، وهذا مرجعه لعدَّة أسباب، منها طول الفترة التي يقضيها الموظَّفون مع بعضهم بعضا، واستقلال مجتمع الموظَّفين، مقارنةً بمجتمع الطلاب الذي يتميَّز بأنَّه مجتمعٌ تابعٌ إلى حدٍّ كبير، وبسبب دائرة الاهتمام المشتركة بين الموظَّفين (طبيعة العمل - الاهتمام بقضايا مشتركة) أيضا.
وعلى ضوء ما سبق من تحليلٍ لطبيعة المجتمع الوظيفيّ، يمكن لنا بعد ذلك أن نجمل الوسائل المناسبة لهذا المجتمع:
- أوَّل هذه الوسائل وسيلة القدوة، وهي من أبلغ وأدقِّ الوسائل قاطبةً في مجتمع الموظَّفين وفي غيرها من الأوساط المتباينة، وتتأكَّد في مجتمع الموظَّفين نظراً لطول فترة اجتماع الموظَّفين في مكان العمل، ولا تزال وسيلة القدوة هي الفارس الذي لا يُهزَم، بل تُعَدُّ من الوسائل الثوابت التي لم ولن يعفو عليها الزمن، فهي الكلمة الصامتة الرائعة دون أن يتحرَّك اللسان، وهي الكلمة الصائبة التي تصل إلى كلِّ أسماع من حولك، وتقتحم قلوبهم دون حائلٍ أو بنيان، وهي الكلمة الرائعة في الوقت المناسب والمكان المناسب بلا منازع.
وإذا كان الموظف قدوةً بين زملائه: قدوةً في عمله، وقدوةً في أخلاقه وتصرُّفاته وسلوكيَّاته، وقدوةً مع النَّاس الذين يتعامل معهم، صار بذلك دعوةً متحرِّكةً لا تهدأ ولا تنضب، وصارت كلمته مسموعةً دون أن يتكلَّم، ودخلت كلمته القلوب دون عناءٍ يُذكَر، أمَّا لو ترك الموظَّف الداعية أو أيُّ داعيةٍ في أيِّ مكانٍ وسيلة القدوة فلن ينجح في دعوته مهما اتَّخذ من وسائلٍ دعويةٍ أخرى.
والمتأمِّل في الحقل الدعويِّ يرى أنَّ كمًّا رهيباً من الجهد والمشقَّة واستحداث الوسائل الدعويَّة يضيع ويتفتَّت لأنَّ كلَّ هذا لم ينبنِ على الوسيلة الأمّ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة.
- ما دام أنَّ المجتمع الوظيفيَّ دائمٌ أو شبه دائم، فيُفضَّل استخدام الوسائل بعيدة المدى، وأعني بها البرامج المدروسة والمخطَّطة مسبقاً ولا داعي للاستعجال في الدعوة.(9/292)
- من المهمِّ للغاية كذلك استبعاد الدعوة المركَّزة والمطوَّلة، فلا يعقل استخدام الدعوة بشكلٍ مركَّزٍ ومطوَّلٍ وبشكلٍ يوميّ، فهذا من شأنه أن يضفي نوعاً من الملل والضجر على من توجِّه لهم دعوتك، فلو استطعت أن تحقِّق كلَّ يومٍ معنى أو هدفاً دعويّا، أو قيمةً واحدةً توصِّلها إلى الزملاء فيكفيك هذا؛ لأنَّ طبيعة المجتمع الوظيفيِّ مستقرَّةٌ وغير متغيِّرةٍ إلى حدٍّ كبير، والذي لا تستطيع أن تقوله اليوم يمكن أن تقوله غداً ولنفس الأشخاص، وبالتالي فلا داعي أبداً للتطويل اليومي على الزملاء، وقد كانت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه تتميَّز بعدم التطويل عليهم، وكانوا هم ينحون منحى الرسول صلى الله عليه وسلم.
فعن شقيقٍ قال: كان عبد اللَّه يذكِّرنا كلَّ يوم خميسٍ، فقال له رجلٌ: يا أبا عبد الرَّحمن، إنَّا نُحِبُّ حديثك ونشتَهِيه، ولوددنا أَنَّك حدَّثتنا كلَّ يومٍ، فقال: "ما يمنعني أن أحَدِّثكم إلا كراهية أن أُمِلَّكم، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخَوَّلُنا بالموعظة في الأيَّام، كراهية السَّآمة علينا"رواه مسلم، ونقل ابن الأثير عن أنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه قال ليزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما حين أمَّره على جيشٍ إلى الشام: "وإذا وعظتهم فأوجِز فإنَّ كثير الكلام يُنسي بعضه بعضا".
- يجب أن يكون الداعية شاهداً على كلِّ المواقف التي تحدث لزملائه، وأعني بذلك أن يشعر باهتماماتهم ونبضهم وأحداثهم، فيشاركهم ويواسيهم في مواقفهم المحزنة، ولا ينسى مشاركتهم كذلك في أفراحهم ومسرَّاتهم في حدود ما شَرَع الدين وبيَّن، ووسيلة الموقف هذه من أجدى الوسائل الدعويَّة، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحرص ويحثُّ أصحابه على هذه الوسيلة، بل ويجعلها أساساً للتنافس الرائع فيما بينهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "من أَصبح منكم اليوم صائما؟" قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أنا، قال: "فمن تبِع مِنكم اليوم جنازة؟" قال أَبو بكرٍ رضي الله عنه: أنا، قال: "فمن أَطعم منكم اليوم مِسكينا؟" قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أنا، قال: "فمَن عاد مِنكم اليوم مريضا؟" قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمَعن في امْرئٍ إِلا دخل الجنَّة"رواه مسلم.
- ذكرنا ونؤكِّد أنَّ المجتمع الوظيفيَّ وإن كان يجمعه طبيعة عملٍ متقاربة، إلا أنَّه مجتمعٌ متباين الأفكار والعقول، بخلاف المجتمع الطلابيّ، لذلك حريٌّ بالداعية ألا يتعامل مع كلِّ الموظفين بوسيلةٍ واحدةٍ وبمدخلٍ واحد، لكن لابدَّ أن تكون الوسيلة تتناسب مع عقليَّة وأفكار كلِّ واحدٍ على حدة، فدعوتك للرؤساء تختلف عن دعوتك للمرءوسين، ودعوتك للمثقَّفين غير دعوتك لأنصاف المثقَّفين، أو غير المثقَّفين، فعن عليٍّ رضي الله عنه قال: "حدِّثوا الناسَ بما يَعرِفون، أَتُحِبُّون أن يُكَذَّب الله ورسوله؟!"رواه البخاري.
وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "ما أنت بِمُحَدِّثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"رواه مسلم في مقدِّمة صحيحه.
هذه بعض الوسائل، وبالطبع ليست كلُّ وسائل الدعوة في مجتمع الموظَّفين، والوسيلة المناسبة تتوقَّف على حسب ظروف وأحوال وثقافة من تخاطبهم، كما أنَّ استخدام وسيلةٍ واحدة -أو أكثر- يتوقَّف على نوعيَّة مَن تخاطب.
أخي الكريم،
إنَّ سؤالك الرائع قد وضعنا أمام مجموعةٍ من الألوان الرائعة في الدعوة، أعني بها الوسائل، فكما أنَّ لكل لونٍ معانيه وأسراره وشكله المختلف فإنَّ وسائل الدعوة كذلك تخضع لهذه القاعدة، فما دام لكلِّ إنسانٍ عقل، فلكلِّ إنسانٍ مدخل، وما دام أنَّه يستحيل أن تصبح كلُّ العقول واحدة، فلا يمكن أن تكون هناك وسيلةٌ واحدةٌ لكلِّ الناس، وفَّقك الله أينما كنت، ولا تنسنا في دعائك.
ويضيف الأستاذ فتحي عبد الستار:
"بعد كلام أستاذنا الفاضل محمود إسماعيل، والذي أفاض علينا فيه بالوسائل المتميِّزة والمؤثِّرة في مجال دعوة الموظَّفين، أجدني راغباً في التأكيد على ثلاثة مفاهيم أشار إليها أستاذنا الكريم، وهي: إخلاص النيَّة لله عزَّ وجلّ، والقدوة، والتدرُّج والمرحليَّة وعدم الاستعجال.
- أمَّا الإخلاص فهو - كما نعلم - شرط قبول الأعمال عند الله عزَّ وجلّ، وهو أيضاً أساس التوفيق والنجاح في أي عمل، فما كان لله دام واتَّصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل، فلتحرص دائماً على تنقية نيَّتك من أيَّة شائبةٍ في هذا العمل، فلا يكن قصدك من العمل الدعويِّ في محلِّ وظيفتك اكتساب مكانةٍ معيَّنةٍ عند الرؤساء والزملاء، أو رسم صورةٍ معيَّنةٍ لشخصيِّتك تستجدي من خلالها الاحترام والتوقير، وإنَّما القصد الأوحد ينبغي أن يكون نشر دعوة الحقِّ والخير بين الناس، والأخذ بأيديهم للصراط المستقيم، صراط العزيز الحميد، دون النظر إلى أي مغنمٍ دنيويٍّ، مع تحمُّل المشاقِّ في سبيل ذلك، واضعاً نصب عينيك قول الحبيب صلى الله عليه وسلم لعليٍّ رضي الله عنه: "فوالله، لأن يهدي الله بِك رجلاً واحداً خَيرٌ لك من حُمُرِ النَّعَمِ"رواه البخاري، وحُمُر النَّعَم: الإبل الحمراء، وقد كانت أنفس أموال العرب.(9/293)
- وأمَّا القدوة، فقد أفاض في الحديث عنها الأستاذ الكريم، ولكنِّي أودُّ أن أركِّز لأخي السائل على نقطةٍ هامَّةٍ في موضوع القدوة، قد تتوه في غمار العمل الدعويّ، ألا وهي أنَّ القدوة في مجتمع الموظَّفين ليست فقط في الالتزام الدينيِّ والخُلقُيّ، وإنَّما يجب أن تكون أيضاً في الالتزام الوظيفيِّ وحسن أداء المهامِّ المطلوبة منك كموظَّف، فالموظَّف المهمل في عمله، غير المنضبط في مواعيده، المقصِّر في أداء مهامَّه، الذي يضيع أوقاتاً كثيرةً ويعطِّل مصالح الناس بحجَّة الصلاة، هذا الموظَّف قد أغلق الطرق والسبل التي تصله بزملائه ورؤسائه، وتفتح له آفاق دعوتهم، بل إنَّه قد يكون -والعياذ بالله- وسيلةً للصدِّ عن سبيل الله بسلوكه هذا، حيث يعتقد مَن ليس عندهم علم، والذين لا يزالون يَحْبُون على طريق الالتزام، يعتقدون أنَّ التزامه الدينيَّ هو السبب وراء تقصيره، ويتكرَّس عندهم أنَّ الالتزام الدينيَّ مرادفٌ للإهمال الوظيفيّ، بينما قد يجدون من الآخرين الذين ليسوا على الجادَّة، بل وربَّما يكونون من ملَّةٍ أخرى غير الإسلام، يجدونهم مثالاً للانضباط والأداء الوظيفيِّ المتميِّز.
- وأمَّا عن التدرُّج والمرحليَّة وعدم الاستعجال، فقد ألمح إليهما الأستاذ الفاضل في حديثه عن استخدام الوسائل بعيدة المدى، والبرامج المدروسة والمخطَّطة مسبقا، وذلك ليس بالشيء اليسير، فكم من أُناسٍ اندفعوا وراء حماسهم غير المنضبط، واستعجلوا قطف الثمار قبل أوانها، فأثاروا العديد من المشكلات، بل والفتن، ولم تجنِ الدعوة من ورائهم إلا التأخُّر والانحدار، وفتحت الباب لأعدائها ليشوِّهوا ويُجَرِّحوا.
وقد تذكَّرت وأنا أقرأ كلام الأستاذ محمود قصَّةً طريفةً لأحد الدعاة رواها لي أخٌ فاضل، ملخَّصها أنَّ هذا الداعية التحق بوظيفةٍ في شركةٍ كبيرة، ومنذ أن وطئت أقدامه هذه الشركة لاحظ أنَّ الصلاة لا تمثِّل أهمِّيَّةً لدى العاملين، وأنَّ وقت الصلاة يمرُّ دون أن يعبأ به أحد، أو يهتمَّ برفع أذان، أو إقامة صلاة، ولم يكن هناك حتى مكانٌ مخصَّصٌ للصلاة، فماذا يفعل؟ أحضر معه سجَّادةً صغيرة، وكان كلَّما حان وقت الصلاة قام وتوضَّأ وفرش سجَّادته في فرجةٍ صغيرةٍ بجوار مكتبه وصلَّى، دون أن ينطق بكلمةٍ واحدة، ومكث على هذه الحال أيَّاما، إلى أن قذف الله عزَّ وجلَّ الهداية في قلب أحد زملائه، فقام يصلِّي معه في نفس المكان، ويوماً بعد يوم، بدأ الآخرون من حولهما يحسُّون بالحرج كلَّما قاما للصلاة، فبدءوا هم مع الداعية الكلامَ بالتعلُّل وإبداء المعاذير لعدم الصلاة، دون أن يعلِّق هو إلا بابتسامةٍ خفيفة، أو ببضع كلماتٍ تحمل دعاءً بالتيسير، ثم انضمَّ إليهما شخصٌ ثالثٌ ورابعٌ وخامسٌ على التوالي، إلى أن ضاق المكان بهم، فسعى جمعٌ منهم لتخصيص حجرةٍ واسعةٍ بالمبنى لإقامة الصلاة، وصار الأذان يتردَّد بين جنبات الشركة فحدا بالكثير من الموظفين إلى الالتزام بأداء الصلاة، ثمَّ شعر برغبة بعض الموظَّفات في أداء الصلاة معهم، ولكنَّ حاجز المكان يمنعهم، فقام هو وزملاؤه بالسعي لتخصيص مكانٍ لصلاة النساء، وتمَّ ذلك بالفعل، وأصبحن يذهبن إلى هذا المكان ليؤدِّين الصلاة، إلا أنَّه لاحظ أنَّ الموظَّفات غير المتحجِّبات يتحجَّجن بزيِّهنَّ في عدم الصلاة، ويقلن أنَّهنَّ يصلِّين في البيت، فقام هذا الأخ الفاضل بشراء بعض الخِمارات والأغطية، وعلَّقها في مكان صلاة النساء، وأعلن عن وجود هذه الأشياء لمن ترغب في الصلاة منهنّ، فأخذ العدد في الازدياد، ولمَّا كان غالبيَّة موظَّفي هذه الشركة يعملون على أجهزة الكمبيوتر، لاحظ هذا الأخ أن هناك أوقاتاً يستغرقها الكمبيوتر في تحميل برامج معيَّنةٍ و أداء عمليَّاتٍ معيَّنة، وأنَّ هذه الأوقات يقضيها الموظَّفون والموظَّفات في الكلام واللهو الفارغ، والخارج أحيانا، فقام بشراء عددٍ من الهدايا المناسبة ذات الشكل الجميل، ووزَّعها كهدايا على زملائه، ومعها ورقةٌ صغيرةٌ بها بعض الأذكار، وفضل هذه الأذكار، ليشغلوا بها هذه الأوقات، وقد كان.
الشاهد من هذه القصَّة أنَّ هذا الأخ الداعية تدرَّج مع من حوله، فبدأ بنفسه أوَّلا، ثم بدأ يخطو خطواتٍ حثيثةً محسوبةً ومدروسةً ليصل إلى أهدافه دون افتعال أزماتٍ وإثارة مشكلاتٍ تُؤَخِّر ولا تُقَدِّم، وهذا ما نبغيه.
==============
خطبة الجمعة والموقف السياسي .. منهج الإسقاط
بسم الله الرحمن الرحيم، ما المنهجية العلمية التي يمكن اعتمادها في إسقاط الموقف السياسي من خلال منبر الجمعة؟
و هل توجد مراجع تعالج هذا الموضوع؟
نرجو منكم إفادتنا بهذه القضية التي تعتبر بنظري من القضايا الهامة التي تهم الدعاة والعلماء الذين يتصدون للشأن العام للمسلمين.
وجزاكم الله عنا كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. …السؤال
وسائل مسموعة, الدعوة العامة …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور, الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
…الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فنشكركم على حبكم لإسلامكم وحرصكم عليه.
أخي الكريم عمر، أمر طيب له ثوابه العظيم أن تضع خطة لما يمكن توصيله للناس في الأمور السياسية من خلال خطب الجمعة، فلقد علمنا الإسلام التخطيط في كل شيء، أخذًا بالأسباب لنجاح العمل.
لكن قبل البدء في الحديث عن المنهج الذي من الممكن أن يُتَّبَع، عليك بالانتباه للآتي:(9/294)
(1) أن الجمعة يحضرها عامة الناس على اختلاف عقولهم وظروفهم وبيئاتهم، كما أن وقتها محدود، فلا بد أن يكون الخطاب فيها بسيطًا واضحًا مختصرًا مفيدًا، لا مُعَقَّدًا غامضًا مطولاً مشتتًا.
(2) أن السياسة في الإسلام لا تعني فقط الحديث عن تصرفات المسئولين والحكام ومواقفهم، وإنما معناها أشمل من ذلك، إنها تعني أن تسوس الناس وتدير كل شئون حياتهم بنظام الإسلام، لتأخذ بأيديهم إلى حسن إعمار الدنيا، كما طلب منهم ذلك ربهم، فيسعدون فيها ثم يسعدون بالثواب العظيم الذي ينتظرهم في الآخرة.
وبناء على هذا الفهم الأوسع للسياسة:
فإن تفهيم الناس نظم الإسلام الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والعلمية والتجارية والصحية والرياضية والفنية وغيرها، هو من السياسة؛ لأنه لا يمكن إدارة أفراد وسياستهم بنظام لا يفهمونه أو لا يحبونه، وإلا انقلبوا عليه يومًا ما، فيتعسون في الدنيا ثم في الآخرة.
وتربيتهم على التمسك بأخلاق الإسلام – كالصدق والأمانة والعدل والتعاون وغيرها - من السياسة؛ لأنه لا يمكن إحسان إدارة أفراد بينهم غش وخداع وأنانية وحقد وظلم وغيره، إنهم بهذه الصفات ستصعب أو ستستحيل قيادتهم.
وحثهم على التخصص في مجالات الحياة المختلفة، وتدربيهم على كيفية إدارة مؤسساتها بأسلوب الإسلام، أيضًا من السياسة؛ لأن كل مسئول في موقعه ما هو إلا جزء من نظام الحكم.
وإرشادهم لأساليب الفساد ليجتنبوها هو جزء هام من السياسة، من أجل حفظ حقوق الناس وأموالهم وأعراضهم، الأمر الذي سيؤدي إلى دولة إسلامية آمنة مستقرة، وهكذا.
فعليك أخي الكريم عند وضع منهجك أن تراعي اشتماله على جوانبه الفهم والأخلاق والتربية والإدارة ومحاربة الفساد وما شابه ذلك، فإن هذا سيمهد لك الطريق تمهيدًا جيدًا عند حديثك معهم عن أية قضية سياسية بعينها ستحيط بهم.
(3) أن منبر الجمعة – رغم أهميته ومكانته - لم يعد هو المنبر الأساسي لتوصيل دعوة الإسلام للناس، وزيادة وعيهم بحقوقهم وواجباتهم، كما كان في السابق أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه وصحابته الكرام، بل من فضل الله على الإسلام والمسلمين أن لديهم الآن وسائل يومية أسرع وأقوى تأثيرًا في الدعوة إلى الله، والدعوة إلى أن يكون نظام إسلامه هو الأعلى الذي يرجع إليه الناس، ليسعدوا به، كالإنترنت والفضائيات، وما سيستجد.
فعليك أخي الكريم - عند وضع خطتك - أن تراعي وعي الناس وتفتُّحهم الذي تطور سريعًا في السنوات الأخيرة، وأن تراعي أيضًا أنه في بعض الأماكن وفي بعض الأوقات، قد تشتد القيود على خطبة الجمعة، لأهميتها في توجيه الرأي العام، فقل فيها ما استطعت على حسب ظروفك وإمكاناتك، واتق الله فيها ما استطعت، واعلم أنه سبحانه يعلمها، ويعلم السر وما يخفى، وسيحاسبك عليها يوم القيامة.
أما ما لا يمكنك قوله، فقله أنت أو توصي غيرك بقوله، من خلال وسائل الاتصال الحديثة الأخرى.
أخي الكريم، عند وضع منهجك عليك أولاً أن تحدد تحديدًا دقيقًا هدفك العام منه، حتى لا تنحرف عنه مع الوقت دون أن تشعر، ثم تحدد تحديدًا دقيقًا أيضًا أهدافك الجزئية المرحلية، وفي أية مدة زمنية يمكن تحقيقها، ثم وسائل تحقيقها، حسبما يتفق مع واقع الناس الذين تخاطبهم، وظروفهم العقلية والثقافية والمالية والاجتماعية وغيرها، ثم تضع الدلائل والمقاييس التي ستدل على أنها قد تحققت، ثم التقييم بعد انتهاء الفترة الزمنية المحددة، ومعرفة الإيجابيات لتنميتها، والسلبيات لعلاجها وتلافيها مستقبلاً.
فمثلاً: هدفك العام من المنهج تغيير الناس نحو الإسلام ومواظبتهم عليه دون انحراف، وأن يظلل دولتهم وكل أرضهم نظام الإسلام وحكمه.
وأهدافك الجزئية هي تربية فرد مسلم، ثم تكوين أسرة مسلمة والتي بمجموعها سيتكون المجتمع المسلم، ثم إعداد كوادر إسلامية متخصصة لتدير كل مؤسسات الدولة بالإسلام، والتي منها ستخرج الحكومة الإسلامية، والتي بتجمعها مع غيرها من الحكومات الإسلامية حولها سيتكون وطن إسلامي له إدارته الممثلة في الخلافة والخليفة.
ولذا، فيمكنك إما أن تجعل مثلاً خطب الشهر الأول من الخطة للأخلاق، والشهر الثاني لأنظمة الإسلام، والشهر الثالث للإدارة، والرابع لمحاربة الفساد، وهكذا، ثم تدور الدورة، مع الاهتمام بالمستجدات من الأحداث وعدم إغفالها، سواء كانت أحداثًا عن الفن أو الرياضة أو التعليم أو الصحة أو التموين أو البيئة أو الجرائم أو البطالة أو الأسعار أو القوانين أو ما شابه ذلك؛ لأن الإسلام نظام شامل دائم، ييسر كل الحياة بكل متغيراتها.
ويا حبذا لو أمكن إنشاء جمعية خيرية، أو مدرسة، أو دار للأيتام، أو لجنة لجمع الزكاة وتوزيعها، أو نحو ذلك من الأنشطة العامة النافعة، لتكون نماذج يتربى فيها الناس عمليّا على أخلاق الإسلام، ويقتدون بها في كل حياتهم.
ختامًا أخي الكريم، فأنت تحتاج إلى بعض المراجع المبسطة في الأخلاق، وفي وسائل التربية، وفي العلاقات الأسرية، وفي التعامل بين الرجال والنساء عمومًا، وفي تربية الأبناء، وفي نظم الإسلام وفكره، وفي الإدارة، وفي تاريخ الخلفاء الراشدين الذين أداروا دولتهم بنظام الإسلام ليقتدي بهم كل مسئول في قوتهم ورحمتهم وعدلهم.
ويفيدك في هذا الاطلاع على هاتين الاستشارتين:
- منهجٌ في الدعوة والثقافة
- منهجٌ لتكوين الدعاة.. ووسائل للإقناع
ويضيف الأستاذ فتحي عبد الستار:
أخي الكريم، لن أضيف كثيرًا على ما تفضل به الدكتور محمد - حفظه الله - ، وإنما فقط وددت أن أشير إشارة، وأن أنصح نصيحة، وأهمس بهمسة.(9/295)
أما عن الإشارة، فقد وددت أن أثبت دور الخطيب الفاهم الواعي بقضايا أمته في الإصلاح عامةً، والإصلاح السياسي خاصةً، وأن كثيرًا من حركات الإصلاح السياسي والاجتماعي والتحرر الوطني، قد انطلقت من تحت منابر المساجد، مدفوعة بخطب مؤثرة استطاعت تحريك العقول وامتلاك القلوب، فأدت إلى إيقاظ الوعي المخدر لدى الحاكم والمحكوم على السواء، ذلك لأن من ألقوا هذه الخطب علموا ما يقال وما لا يقال، والوقت والمكان المناسبَيْن للقول، وكذلك مَن هم مؤهلين لسماع أقوالهم، ومن ليسوا بمؤهَّلين، اتباعًا للحكمة القائلة: (ليس كل ما يُعلَم يُقَال، وليس كل ما يُقَال حاضر وقته، وليس كل ما يقال حاضر أهله).
فأنت يا أخي الكريم، وكل خطيب، على ثغر هام من ثغور الإسلام، فأرِ الله منك خيرًا.
أما النصيحة الأولى: فأنصحك أن تجعل من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة صحابته الكرام، وخلفائه، وكذلك أحداث التاريخ القديم والحديث، زادًا لك يعينك على منهج الإسقاط السياسي الذي تريده، فذلك يكسب حديثك صدقًا وموضوعية وواقعية، ويجنبك الاتهام بالسفسطة والادعاء وتجاوز الحدود.
فمثلاً: يمكنك أن تستعين بقصص مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، في تأكيد مبدأ الشورى والعمل به، وعدم الانفراد بالرأي.
ويمكنك الاستعانة بحياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كحاكم، للتدليل على أهمية العدل بين الرعية والمساواة بينهم، وإقامة الحق ولو على النفس، وعدم التفرقة بين الحاكم والمحكوم، وكذلك عند الحديث عن زهد الحاكم وورعه، واهتمامه برعيته وخدمتهم، وخوفه من المحاسبة أمام الله عز وجل.
كما يمكنك من خلال عرض مواقف اليهود مع النبي صلى الله عليه وسلم، ونقضهم لعودهم معه، أن تثبت وجوب الحذر في التعامل مع أحفادهم، يهود اليوم، وأنهم ليسوا أهل وفاء، بل أهل غدر وخيانة، ولا عهد لهم ولا ذمة.
وهكذا أخي الحبيب.
أما الهمسة التي أحب أن أهمس لك بها أخي الكريم، فهي أنه من الأهمية بمكان أن تنتقي ألفاظك وتعبيراتك عند الحديث في أمور السياسة والحكم، فلا تغمز ولا تلمز، ولا تسُب ولا تشهِّر ولا تفحُش، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس المؤمن بالطعَّان ولا اللعَّان ولا الفاحش ولا البذيء) رواه أحمد وغيره بسند صحيح.
بل اجعل نقدك موضوعيّا بعيدًا عن ذوات الأشخاص، حتى تكتسب احترام الناس وتعاطفهم مع ما تقول، ولا تجرّك حماسة الجماهير التي تستمع إليك إلى أن تتخطى حدود الأدب والشرع، فغالبًا ما يحب الناس سماع ألفاظ التعدي والتشهير، رغبة في التنفيس عن بعض الكبت الذي يشعرون به، فيجدون من خلال هذا متنفسًا لمشاعرهم المكبوتة، ولكن ما كان الإسلام دين غوغائية وتفلت وتعدٍّ، بل هو دين الأدب والأخلاق والموضوعية.
فاحذر من الانسياق وراء شهوة اللسان، بحثًا عن بطولة زائفة، بل اجعل نيتك لله عز وجل، حتى يكون لكلامك الأثر الذي تريده في الإصلاح
===============
دعونا نتحرر من "المكي والمدني" !!
السلام عليكم ..
تختلف الاتِّجاهات الإسلاميَّة في أساليب الدعوة بناءً على نظرتها إلى المجتمع الذي تتحرَّك فيه، وهذه النظرة تكاد تكون انحصرت في التصنيف الشائع "مكِّيٍّ أو مدنيّ"، وفى ظنِّي أنَّ هذا التصنيف لا يفي بكافَّة متطلَّبات الدعوة، ولا يحلُّ كافَّة الإشكاليَّات التي تواجه الحركة، فهل من بديلٍ لهذا التقسيم أم أنَّه ضرورةٌ منهجيَّةٌ وحركيَّة؟
شكر الله لكم.
علاء …السؤال
فقه الدعوة, قضايا وشبهات …الموضوع
الأستاذ محمد حسين …المستشار
……الحل …
…الأخ الكريم علاء، لا أدري لماذا ضيَّقت واسعا، وذكَّرتني بالأقرع بن حابس ذلك الصحابيِّ الذي دخل المسجد، ودعا قائلا: "اللهم ارحمني ومحمَّدا، ولا ترحم معنا أحدا" فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لقد حجرت واسعا"رواه البخاري.
لقد وضعت فرضيَّةً ثمَّ بنيتَ عليها نتائجك، ثمَّ إذا بك تتساءل هل من مخرج؟
يا أخي الكريم، المرحلة المكِّيَّة مرحلة تأسيسٍ كانت لها أحكامها التي نُسِخت ولا يجوز العمل بها بعد أن أعزَّ الله دينه وأكمل رسالته، وإنَّما لنا فقط أن نستخرج العِبَر والدروس من هذه المرحلة.
فلا يجوز لأحدٍ أن يُسقِط الجهاد مثلاً بدعوى أنَّنا في مرحلة استضعافٍ كما كان المسلمون في مكَّة، فالجهاد أصبح فريضةً بالآيات القاطعة: "قاتلوا المشركين كافَّةً كما يقاتلونكم كافَّة" .
وبالأحاديث الواضحة: "الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة"رواه أبو داود، وفي البخاريِّ بابٌ بعنوان: "الجهاد ماضٍ مع البرِّ والفاجر" وفيه حديث: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".
ولكن قد يستفاد من المرحلة المكِّيَّة في وجوب الاستعداد للمواجهة، وعدم الدخول في مواجهةٍ غير متكافئةٍ واحتمال الهزيمة فيها كبيرٌ ونتائجها تضرُّ الصفَّ المؤمن وتعود بالسوء على أهل الإيمان.
وذلك من كون النبيِّ صلى الله عليه وسلم كانت أمامه الأصنام بمكَّة، فلم يمسُّ صنماً واحداً منها، ولم يسمح لأصحابه بذلك، ويوم بايعه الأنصار بالعقبة الثانية قالوا له: "والذي بعثك بالحقِّ لئن شئت لنميلنَّ على أهل مِنى غداً بأسيافنا"، فلم يأذن لهم صلى الله عليه وسلم، وقال: "لم أؤمر بذلك"رواه أحمد والطبرانيُّ ورجاله رجال الصحيح.
الذي يستفاد من هذا أنَّ أهل الإيمان وإن كانوا دعاة حقٍّ وهدى، فإنَّ عليهم أن يُحسِنوا التخطيط، وألا يستعجلوه خطوةً قبل موعدها، وألا يورِّطوا دعواتهم في مواجهاتٍ غير متكافئة.(9/296)
هذا ما يمكننا أن نخرج به من دروسٍ تدلُّنا الطريق، ولكن يظلُّ الجهاد فريضةً ما وُجِدت مبرِّراته، ويظلُّ فريضةً على أولي الأمر دفاعاً عن الإسلام وأهله ودياره.
هذا حكمٌ فقهيٌّ ثابتٌ لا يحلُّ لأحدٍ أن يتجاوزه أو يلتفَّ حوله بأيِّ دعوى من الدعاوى، وهذا مجرَّد مثال، ولك أن تقيس عليه غيره.
أمَّا الدعوة فإنَّها في طريقها عليها أن تسلك كافَّة السبل التي تراها مناسبةً لهداية الناس إلى طريقه سبحانه، مع مراعاة الضوابط التالية:
أوَّلا: ثوابت الإسلام وقيمه وأحكامه، فلا تخرج في طريقها عن الكتاب وصحيح السنَّة وإجماع الفقهاء بداعي مصلحة المسلمين أو مواكبة العصر، فإنَّ التحلُّل من قِيَم الإسلام وثوابته يُفقِد الدعوة أخصَّ خصائصها، وهي أنَّها قائمةٌ أصلاً على الإسلام، وهدفها هداية الناس إليه.
ثانيا: مراعاة السنن "المجتمعيَّة"، فلا تخرج عليها ولا تصطدم بها، ولكن تستخدمها وتذلِّلها للوصول إلى ما تريد، لأنَّ الاصطدام بالسنن ونواميس الكون لن يغيِّر السنَّة، ولكن سيؤدِّي حتماً لفشل ذلك الذي لم يحسن فهمها والتعامل معها، وهذا يستلزم فهم واقع المجتمعات التي نعمل بها وننشر من خلالها فهماً صحيحاً دقيقا، لأنَّنا لا يمكننا تغيير واقعٍ نحن به من الجاهلين.
ثالثا: التخطيط الصحيح للطريق الذي تسير فيه، وتحديد الهدف بوضوح، ورسم سبيل الوصول بدقَّة، ومعرفة خطواته ومراحله، والاستفادة -أكثر ما يمكن- من التجارب السابقة، سواءً كانت تجارب إسلاميَّةً أو غيرها، فالسعيد من اتَّعظ بغيره، فكيف لا يتَّعظ بنفسه؟
فلا ينبغي للمؤمن أن يُلدَغ من جحرٍ واحدٍ مرَّتين، فكيف لتجارب كاملةٍ أن تكرِّر أخطاءها مرارا؟!
رابعا: التسلُّح ما أمكن بأقصى ما وصل إليه العقل البشريُّ من علم، سيَّما في العلوم الاجتماعيَّة والإنسانيَّة، لأَّنه لا يصحُّ بحالٍ أن نواجه العصر بآليَّات عنيفةٍ متخلِّفة، خاصَّةً ونحن نواجه عدوًّا شرساً قويّا، لا يفتر لحظةً عن العمل والتقدُّم والتخطيط والارتقاء في هذه العلوم وغيرها، ومواجهة هذا العدو بمعطيات علم اجتماع القرون الوسطى شبيهٌ بمواجهة الطائرات بالسيوف، وهذه بالطبع مواجهةٌ محسومةٌ سلفاً مهما صحَّت النيَّات.
ومن أهمِّ ما ينبغي الالتزام به في هذا الإطار: "الشورى"، لأنَّه -فضلاً عن كونها قيمةً إسلاميَّةً وقرآنيَّةً واضحة- فإنَّ عدوَّنا يلتزمها، ويواجه بها، والجهد الفرديُّ كائناً ما كان لا يمكن أن يواجه الجهد الجماعيّ، ولا أحسب أنَّ البطولة التاريخيَّة مهما بلغت بقادرةٍ وحدها على أن تُحدِث تغييرها ما لم تجد مناخاً سواءً ووسطا، يستخرج أفضل ما عندها.
هذه بعض ضوابط على الدعوة أن تراعيها في طريقها، وأحسب أنَّنا ينبغي أن نتحرَّر من هذه المشكلات التي صنعناها بأنفسنا، كمشكلة "المكِّيِّ والمدنيّ" التي تفضَّلتم بإثارتها.
مع خالص دعائنا لكم بالتوفيق في طريق دعوتكم إلى الله، وعلى أمل استمرار تواصلكم معنا، ولكم جزيل الشكر.
================
خطبة الجمعة والموقف السياسي .. منهج الإسقاط
بسم الله الرحمن الرحيم، ما المنهجية العلمية التي يمكن اعتمادها في إسقاط الموقف السياسي من خلال منبر الجمعة؟
و هل توجد مراجع تعالج هذا الموضوع؟
نرجو منكم إفادتنا بهذه القضية التي تعتبر بنظري من القضايا الهامة التي تهم الدعاة والعلماء الذين يتصدون للشأن العام للمسلمين.
وجزاكم الله عنا كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. …السؤال
وسائل مسموعة, الدعوة العامة …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور, الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
…
…الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فنشكركم على حبكم لإسلامكم وحرصكم عليه.
أخي الكريم عمر، أمر طيب له ثوابه العظيم أن تضع خطة لما يمكن توصيله للناس في الأمور السياسية من خلال خطب الجمعة، فلقد علمنا الإسلام التخطيط في كل شيء، أخذًا بالأسباب لنجاح العمل.
لكن قبل البدء في الحديث عن المنهج الذي من الممكن أن يُتَّبَع، عليك بالانتباه للآتي:
(1) أن الجمعة يحضرها عامة الناس على اختلاف عقولهم وظروفهم وبيئاتهم، كما أن وقتها محدود، فلا بد أن يكون الخطاب فيها بسيطًا واضحًا مختصرًا مفيدًا، لا مُعَقَّدًا غامضًا مطولاً مشتتًا.
(2) أن السياسة في الإسلام لا تعني فقط الحديث عن تصرفات المسئولين والحكام ومواقفهم، وإنما معناها أشمل من ذلك، إنها تعني أن تسوس الناس وتدير كل شئون حياتهم بنظام الإسلام، لتأخذ بأيديهم إلى حسن إعمار الدنيا، كما طلب منهم ذلك ربهم، فيسعدون فيها ثم يسعدون بالثواب العظيم الذي ينتظرهم في الآخرة.
وبناء على هذا الفهم الأوسع للسياسة:
فإن تفهيم الناس نظم الإسلام الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والعلمية والتجارية والصحية والرياضية والفنية وغيرها، هو من السياسة؛ لأنه لا يمكن إدارة أفراد وسياستهم بنظام لا يفهمونه أو لا يحبونه، وإلا انقلبوا عليه يومًا ما، فيتعسون في الدنيا ثم في الآخرة.
وتربيتهم على التمسك بأخلاق الإسلام – كالصدق والأمانة والعدل والتعاون وغيرها - من السياسة؛ لأنه لا يمكن إحسان إدارة أفراد بينهم غش وخداع وأنانية وحقد وظلم وغيره، إنهم بهذه الصفات ستصعب أو ستستحيل قيادتهم.
وحثهم على التخصص في مجالات الحياة المختلفة، وتدربيهم على كيفية إدارة مؤسساتها بأسلوب الإسلام، أيضًا من السياسة؛ لأن كل مسئول في موقعه ما هو إلا جزء من نظام الحكم.(9/297)
وإرشادهم لأساليب الفساد ليجتنبوها هو جزء هام من السياسة، من أجل حفظ حقوق الناس وأموالهم وأعراضهم، الأمر الذي سيؤدي إلى دولة إسلامية آمنة مستقرة، وهكذا.
فعليك أخي الكريم عند وضع منهجك أن تراعي اشتماله على جوانبه الفهم والأخلاق والتربية والإدارة ومحاربة الفساد وما شابه ذلك، فإن هذا سيمهد لك الطريق تمهيدًا جيدًا عند حديثك معهم عن أية قضية سياسية بعينها ستحيط بهم.
(3) أن منبر الجمعة – رغم أهميته ومكانته - لم يعد هو المنبر الأساسي لتوصيل دعوة الإسلام للناس، وزيادة وعيهم بحقوقهم وواجباتهم، كما كان في السابق أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه وصحابته الكرام، بل من فضل الله على الإسلام والمسلمين أن لديهم الآن وسائل يومية أسرع وأقوى تأثيرًا في الدعوة إلى الله، والدعوة إلى أن يكون نظام إسلامه هو الأعلى الذي يرجع إليه الناس، ليسعدوا به، كالإنترنت والفضائيات، وما سيستجد.
فعليك أخي الكريم - عند وضع خطتك - أن تراعي وعي الناس وتفتُّحهم الذي تطور سريعًا في السنوات الأخيرة، وأن تراعي أيضًا أنه في بعض الأماكن وفي بعض الأوقات، قد تشتد القيود على خطبة الجمعة، لأهميتها في توجيه الرأي العام، فقل فيها ما استطعت على حسب ظروفك وإمكاناتك، واتق الله فيها ما استطعت، واعلم أنه سبحانه يعلمها، ويعلم السر وما يخفى، وسيحاسبك عليها يوم القيامة.
أما ما لا يمكنك قوله، فقله أنت أو توصي غيرك بقوله، من خلال وسائل الاتصال الحديثة الأخرى.
أخي الكريم، عند وضع منهجك عليك أولاً أن تحدد تحديدًا دقيقًا هدفك العام منه، حتى لا تنحرف عنه مع الوقت دون أن تشعر، ثم تحدد تحديدًا دقيقًا أيضًا أهدافك الجزئية المرحلية، وفي أية مدة زمنية يمكن تحقيقها، ثم وسائل تحقيقها، حسبما يتفق مع واقع الناس الذين تخاطبهم، وظروفهم العقلية والثقافية والمالية والاجتماعية وغيرها، ثم تضع الدلائل والمقاييس التي ستدل على أنها قد تحققت، ثم التقييم بعد انتهاء الفترة الزمنية المحددة، ومعرفة الإيجابيات لتنميتها، والسلبيات لعلاجها وتلافيها مستقبلاً.
فمثلاً: هدفك العام من المنهج تغيير الناس نحو الإسلام ومواظبتهم عليه دون انحراف، وأن يظلل دولتهم وكل أرضهم نظام الإسلام وحكمه.
وأهدافك الجزئية هي تربية فرد مسلم، ثم تكوين أسرة مسلمة والتي بمجموعها سيتكون المجتمع المسلم، ثم إعداد كوادر إسلامية متخصصة لتدير كل مؤسسات الدولة بالإسلام، والتي منها ستخرج الحكومة الإسلامية، والتي بتجمعها مع غيرها من الحكومات الإسلامية حولها سيتكون وطن إسلامي له إدارته الممثلة في الخلافة والخليفة.
ولذا، فيمكنك إما أن تجعل مثلاً خطب الشهر الأول من الخطة للأخلاق، والشهر الثاني لأنظمة الإسلام، والشهر الثالث للإدارة، والرابع لمحاربة الفساد، وهكذا، ثم تدور الدورة، مع الاهتمام بالمستجدات من الأحداث وعدم إغفالها، سواء كانت أحداثًا عن الفن أو الرياضة أو التعليم أو الصحة أو التموين أو البيئة أو الجرائم أو البطالة أو الأسعار أو القوانين أو ما شابه ذلك؛ لأن الإسلام نظام شامل دائم، ييسر كل الحياة بكل متغيراتها.
ويا حبذا لو أمكن إنشاء جمعية خيرية، أو مدرسة، أو دار للأيتام، أو لجنة لجمع الزكاة وتوزيعها، أو نحو ذلك من الأنشطة العامة النافعة، لتكون نماذج يتربى فيها الناس عمليّا على أخلاق الإسلام، ويقتدون بها في كل حياتهم.
ختامًا أخي الكريم، فأنت تحتاج إلى بعض المراجع المبسطة في الأخلاق، وفي وسائل التربية، وفي العلاقات الأسرية، وفي التعامل بين الرجال والنساء عمومًا، وفي تربية الأبناء، وفي نظم الإسلام وفكره، وفي الإدارة، وفي تاريخ الخلفاء الراشدين الذين أداروا دولتهم بنظام الإسلام ليقتدي بهم كل مسئول في قوتهم ورحمتهم وعدلهم.
ويفيدك في هذا الاطلاع على هاتين الاستشارتين:
- منهجٌ في الدعوة والثقافة
- منهجٌ لتكوين الدعاة.. ووسائل للإقناع
ويضيف الأستاذ فتحي عبد الستار:
أخي الكريم، لن أضيف كثيرًا على ما تفضل به الدكتور محمد - حفظه الله - ، وإنما فقط وددت أن أشير إشارة، وأن أنصح نصيحة، وأهمس بهمسة.
أما عن الإشارة، فقد وددت أن أثبت دور الخطيب الفاهم الواعي بقضايا أمته في الإصلاح عامةً، والإصلاح السياسي خاصةً، وأن كثيرًا من حركات الإصلاح السياسي والاجتماعي والتحرر الوطني، قد انطلقت من تحت منابر المساجد، مدفوعة بخطب مؤثرة استطاعت تحريك العقول وامتلاك القلوب، فأدت إلى إيقاظ الوعي المخدر لدى الحاكم والمحكوم على السواء، ذلك لأن من ألقوا هذه الخطب علموا ما يقال وما لا يقال، والوقت والمكان المناسبَيْن للقول، وكذلك مَن هم مؤهلين لسماع أقوالهم، ومن ليسوا بمؤهَّلين، اتباعًا للحكمة القائلة: (ليس كل ما يُعلَم يُقَال، وليس كل ما يُقَال حاضر وقته، وليس كل ما يقال حاضر أهله).
فأنت يا أخي الكريم، وكل خطيب، على ثغر هام من ثغور الإسلام، فأرِ الله منك خيرًا.
أما النصيحة الأولى: فأنصحك أن تجعل من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة صحابته الكرام، وخلفائه، وكذلك أحداث التاريخ القديم والحديث، زادًا لك يعينك على منهج الإسقاط السياسي الذي تريده، فذلك يكسب حديثك صدقًا وموضوعية وواقعية، ويجنبك الاتهام بالسفسطة والادعاء وتجاوز الحدود.
فمثلاً: يمكنك أن تستعين بقصص مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، في تأكيد مبدأ الشورى والعمل به، وعدم الانفراد بالرأي.(9/298)
ويمكنك الاستعانة بحياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كحاكم، للتدليل على أهمية العدل بين الرعية والمساواة بينهم، وإقامة الحق ولو على النفس، وعدم التفرقة بين الحاكم والمحكوم، وكذلك عند الحديث عن زهد الحاكم وورعه، واهتمامه برعيته وخدمتهم، وخوفه من المحاسبة أمام الله عز وجل.
كما يمكنك من خلال عرض مواقف اليهود مع النبي صلى الله عليه وسلم، ونقضهم لعودهم معه، أن تثبت وجوب الحذر في التعامل مع أحفادهم، يهود اليوم، وأنهم ليسوا أهل وفاء، بل أهل غدر وخيانة، ولا عهد لهم ولا ذمة.
وهكذا أخي الحبيب.
أما الهمسة التي أحب أن أهمس لك بها أخي الكريم، فهي أنه من الأهمية بمكان أن تنتقي ألفاظك وتعبيراتك عند الحديث في أمور السياسة والحكم، فلا تغمز ولا تلمز، ولا تسُب ولا تشهِّر ولا تفحُش، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس المؤمن بالطعَّان ولا اللعَّان ولا الفاحش ولا البذيء) رواه أحمد وغيره بسند صحيح.
بل اجعل نقدك موضوعيّا بعيدًا عن ذوات الأشخاص، حتى تكتسب احترام الناس وتعاطفهم مع ما تقول، ولا تجرّك حماسة الجماهير التي تستمع إليك إلى أن تتخطى حدود الأدب والشرع، فغالبًا ما يحب الناس سماع ألفاظ التعدي والتشهير، رغبة في التنفيس عن بعض الكبت الذي يشعرون به، فيجدون من خلال هذا متنفسًا لمشاعرهم المكبوتة، ولكن ما كان الإسلام دين غوغائية وتفلت وتعدٍّ، بل هو دين الأدب والأخلاق والموضوعية.
فاحذر من الانسياق وراء شهوة اللسان، بحثًا عن بطولة زائفة، بل اجعل نيتك لله عز وجل، حتى يكون لكلامك الأثر الذي تريده في الإصلاح.
وفقك الله أخي الكريم وأعانك على توصيل دعوته ونفع الإسلام والمسلمين.. ولك ثوابك العظيم، ولا تنسَنا من صالح دعائك،
=============
دعونا نتحرر من "المكي والمدني" !!
السلام عليكم ..
تختلف الاتِّجاهات الإسلاميَّة في أساليب الدعوة بناءً على نظرتها إلى المجتمع الذي تتحرَّك فيه، وهذه النظرة تكاد تكون انحصرت في التصنيف الشائع "مكِّيٍّ أو مدنيّ"، وفى ظنِّي أنَّ هذا التصنيف لا يفي بكافَّة متطلَّبات الدعوة، ولا يحلُّ كافَّة الإشكاليَّات التي تواجه الحركة، فهل من بديلٍ لهذا التقسيم أم أنَّه ضرورةٌ منهجيَّةٌ وحركيَّة؟
شكر الله لكم.
علاء …السؤال
فقه الدعوة, قضايا وشبهات …الموضوع
الأستاذ محمد حسين …المستشار
……الحل …
…الأخ الكريم علاء، لا أدري لماذا ضيَّقت واسعا، وذكَّرتني بالأقرع بن حابس ذلك الصحابيِّ الذي دخل المسجد، ودعا قائلا: "اللهم ارحمني ومحمَّدا، ولا ترحم معنا أحدا" فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لقد حجرت واسعا"رواه البخاري.
لقد وضعت فرضيَّةً ثمَّ بنيتَ عليها نتائجك، ثمَّ إذا بك تتساءل هل من مخرج؟
يا أخي الكريم، المرحلة المكِّيَّة مرحلة تأسيسٍ كانت لها أحكامها التي نُسِخت ولا يجوز العمل بها بعد أن أعزَّ الله دينه وأكمل رسالته، وإنَّما لنا فقط أن نستخرج العِبَر والدروس من هذه المرحلة.
فلا يجوز لأحدٍ أن يُسقِط الجهاد مثلاً بدعوى أنَّنا في مرحلة استضعافٍ كما كان المسلمون في مكَّة، فالجهاد أصبح فريضةً بالآيات القاطعة: "قاتلوا المشركين كافَّةً كما يقاتلونكم كافَّة" .
وبالأحاديث الواضحة: "الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة"رواه أبو داود، وفي البخاريِّ بابٌ بعنوان: "الجهاد ماضٍ مع البرِّ والفاجر" وفيه حديث: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".
ولكن قد يستفاد من المرحلة المكِّيَّة في وجوب الاستعداد للمواجهة، وعدم الدخول في مواجهةٍ غير متكافئةٍ واحتمال الهزيمة فيها كبيرٌ ونتائجها تضرُّ الصفَّ المؤمن وتعود بالسوء على أهل الإيمان.
وذلك من كون النبيِّ صلى الله عليه وسلم كانت أمامه الأصنام بمكَّة، فلم يمسُّ صنماً واحداً منها، ولم يسمح لأصحابه بذلك، ويوم بايعه الأنصار بالعقبة الثانية قالوا له: "والذي بعثك بالحقِّ لئن شئت لنميلنَّ على أهل مِنى غداً بأسيافنا"، فلم يأذن لهم صلى الله عليه وسلم، وقال: "لم أؤمر بذلك"رواه أحمد والطبرانيُّ ورجاله رجال الصحيح.
الذي يستفاد من هذا أنَّ أهل الإيمان وإن كانوا دعاة حقٍّ وهدى، فإنَّ عليهم أن يُحسِنوا التخطيط، وألا يستعجلوه خطوةً قبل موعدها، وألا يورِّطوا دعواتهم في مواجهاتٍ غير متكافئة.
هذا ما يمكننا أن نخرج به من دروسٍ تدلُّنا الطريق، ولكن يظلُّ الجهاد فريضةً ما وُجِدت مبرِّراته، ويظلُّ فريضةً على أولي الأمر دفاعاً عن الإسلام وأهله ودياره.
هذا حكمٌ فقهيٌّ ثابتٌ لا يحلُّ لأحدٍ أن يتجاوزه أو يلتفَّ حوله بأيِّ دعوى من الدعاوى، وهذا مجرَّد مثال، ولك أن تقيس عليه غيره.
أمَّا الدعوة فإنَّها في طريقها عليها أن تسلك كافَّة السبل التي تراها مناسبةً لهداية الناس إلى طريقه سبحانه، مع مراعاة الضوابط التالية:
أوَّلا: ثوابت الإسلام وقيمه وأحكامه، فلا تخرج في طريقها عن الكتاب وصحيح السنَّة وإجماع الفقهاء بداعي مصلحة المسلمين أو مواكبة العصر، فإنَّ التحلُّل من قِيَم الإسلام وثوابته يُفقِد الدعوة أخصَّ خصائصها، وهي أنَّها قائمةٌ أصلاً على الإسلام، وهدفها هداية الناس إليه.
ثانيا: مراعاة السنن "المجتمعيَّة"، فلا تخرج عليها ولا تصطدم بها، ولكن تستخدمها وتذلِّلها للوصول إلى ما تريد، لأنَّ الاصطدام بالسنن ونواميس الكون لن يغيِّر السنَّة، ولكن سيؤدِّي حتماً لفشل ذلك الذي لم يحسن فهمها والتعامل معها، وهذا يستلزم فهم واقع المجتمعات التي نعمل بها وننشر من خلالها فهماً صحيحاً دقيقا، لأنَّنا لا يمكننا تغيير واقعٍ نحن به من الجاهلين.(9/299)
ثالثا: التخطيط الصحيح للطريق الذي تسير فيه، وتحديد الهدف بوضوح، ورسم سبيل الوصول بدقَّة، ومعرفة خطواته ومراحله، والاستفادة -أكثر ما يمكن- من التجارب السابقة، سواءً كانت تجارب إسلاميَّةً أو غيرها، فالسعيد من اتَّعظ بغيره، فكيف لا يتَّعظ بنفسه؟
فلا ينبغي للمؤمن أن يُلدَغ من جحرٍ واحدٍ مرَّتين، فكيف لتجارب كاملةٍ أن تكرِّر أخطاءها مرارا؟!
رابعا: التسلُّح ما أمكن بأقصى ما وصل إليه العقل البشريُّ من علم، سيَّما في العلوم الاجتماعيَّة والإنسانيَّة، لأَّنه لا يصحُّ بحالٍ أن نواجه العصر بآليَّات عنيفةٍ متخلِّفة، خاصَّةً ونحن نواجه عدوًّا شرساً قويّا، لا يفتر لحظةً عن العمل والتقدُّم والتخطيط والارتقاء في هذه العلوم وغيرها، ومواجهة هذا العدو بمعطيات علم اجتماع القرون الوسطى شبيهٌ بمواجهة الطائرات بالسيوف، وهذه بالطبع مواجهةٌ محسومةٌ سلفاً مهما صحَّت النيَّات.
ومن أهمِّ ما ينبغي الالتزام به في هذا الإطار: "الشورى"، لأنَّه -فضلاً عن كونها قيمةً إسلاميَّةً وقرآنيَّةً واضحة- فإنَّ عدوَّنا يلتزمها، ويواجه بها، والجهد الفرديُّ كائناً ما كان لا يمكن أن يواجه الجهد الجماعيّ، ولا أحسب أنَّ البطولة التاريخيَّة مهما بلغت بقادرةٍ وحدها على أن تُحدِث تغييرها ما لم تجد مناخاً سواءً ووسطا، يستخرج أفضل ما عندها.
هذه بعض ضوابط على الدعوة أن تراعيها في طريقها، وأحسب أنَّنا ينبغي أن نتحرَّر من هذه المشكلات التي صنعناها بأنفسنا، كمشكلة "المكِّيِّ والمدنيّ" التي تفضَّلتم بإثارتها.
مع خالص دعائنا لكم بالتوفيق في طريق دعوتكم إلى الله، وعلى أمل استمرار تواصلكم معنا، ولكم جزيل الشكر.
=============
طالبة الثانوي التائبة .. السلاح قبل الكفاح
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لدي في المدرسة (ثانوية) صديقات، البعض منهن محتشمات ومتسترات، ولكنهن لا يصلين، وبعضهن لا يصُمن، وكذلك إخوتي، رغم إنهم يعرفون أحكام تارك الصلاة.
فكيف أستطيع مساعدتهم بهذا الخصوص وهدايتهم؟ وبأي الوسائل أبدأ معهم؟ خصوصا وأنا كنت مثلهم ولقد تبت إلى ربي من قبل شهور فقط.
والصديقات إذا لم يهتدين، هل يجب عليَّ تركهم أم لا؟ وشكرا. …السؤال
قضايا وشبهات, الدعوة النسائية, شباب وطلاب, العائلة, زاد المسير …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
…تقول الأستاذة نور الإيمان محمد - عضو فريق الاستشارات من السعودية -:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد ..
فحياكِ الله أختي العزيزة، وبارك فيك وثبتك على طريق الهداية والصلاح، ونوَّر طريقك بنور الإيمان والتقوى.
لقد سعدت جدا بحرصك الطيب على نصح صديقاتك وإخوانك، ورغبتك في هدايتهم ، وأن يتذوقوا معك حلاوة القرب من الله عز وجل، أسأل الله أن يعينك في مقصدك، وأن أوفَّق في إسداء بعض النصائح الهامة لكِ في هذا الطريق.
أختي العزيزة؛ سأبدأ نصيحتي لكِ من قولك: (أنا كنت مثلهم ولقد تبت)، وهنا أتذكر قول الله تعالى: "كَذَلِكَ كُنتُمْ مِن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ"، تذكري عزيزتي هذه الآية دوما ، لتكوني دائما على لين ورفق في دعوتك؛ لأنها أساس دعوتنا للآخرين أيا كانوا، فلا تنسي هذا الأمر أبدا.
بدايةً عزيزتي، أريدك أن تبدئي بنفسك؛ أنتِ في بداية الطريق، وبالتالي قدماك غير ثابتتين كثيرا في طريق أنتِ جديدة فيه، خاصة أن أقرب الناس لكِ من زميلاتك وإخوتك يحتاجون مساعدة، ولكي تتمكني من مساعدتهم والتأثير عليهم لا بد أن تكوني قوية، قوية بما تمتلكين من إيمان ومعرفة، وما أقصده هو قوة الإيمان الداخلي، واليقين والراحة بحلاوة القرب من الله، وأهمية هذا الدين وعظمته، التي تزيد تلقائيا بالعلم والمعرفة التدريجية.
لذلك أنصحك بالتالي:
1- ركزي الآن بتقوية إيمانك وتثبيته، وذلك عن طريق حضور بعض دروس العلم، وسماع بعض الأشرطة الدينية المنتقاة بعناية لشيوخ ثقات، والقراءة في كتب تزكية النفس، وأنصحك أن تبدئي بالموضوعات التي تتعلق بحب الله والتقرب إليه، وأحوال الصالحين، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
2- اجعلي لكِ جدولا منظما يجمع بين القراءة والاستماع ومشاهدة البرامج الدينية والثقافية الهادفة، بحيث يتوازن مع أولوياتك الأخرى، من دراسة وجلوس مع الأهل، والقيام بحقوقهم عليكِ.
3- حاولي أن تبحثي عن الصحبة الصالحة القريبة من فكرك، لتكونا عونا لبعضكما البعض في أمور دينكم ودنياكم.
4- حافظي على الفرائض في أوقاتها، وتدريجيا التزمي بالسنن، ومن ثم انتقلي إلى القيام بما تقدرين عليه من النوافل. فقد جاء في الحديث القدسي: "ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه, و ما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذ بي لأعيذنه" [رواه البخاري].
تلك كانت نصائح سريعة أتمنى أن تتبعيها وتبدئي بها لتكون عونك بإذن الله في طريق دعوتك لزميلاتك وأخوتك الذي أنصحك بالتالي فيه:
1- الحُب، نعم، الحُب قبل كل شيء، عاملي الجميع بحب وود، فهذه بداية الطريق ليتقبلوا منك النُصح، وتخيري المناسبات لتقتربي منهم وتنشئي علاقة طيبة حميمة بينكم.
2- كوني قدوة في كل شيء، وهذا يأتي بدايةً عندما تتبعي النصائح التي ذكرتها لكِ سابقا، وأن تحاولي تطبيق كل ما تتعلمينه وتتلقينه من معلومات، كوني قدوة في الحديث، العمل، المظهر الحسن، بشاشة الوجه، الالتزام بالمواعيد، حُسن المعاملة، مكارم الأخلاق، وكل شيء.(9/300)
3- لتكن دعوتك لهم بطريق غير مباشر، مثل الدخول في مناقشات عامة، ومن خلالها تنصحينهم، أو التعليق على برنامج ما تشاهدونه سويا، وبين الحين والآخر قدمي لهم نصيحة مباشرة بالحكمة والموعظة الحسنة، كما قال ربنا: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ". ولا تنسي أنك تقدمين النصح والإرشاد، وليس الفتوى، وعلى الله الهداية.
4- ابدئي في المهم فالأقل أهمية، وما ذكرت من تركهم للصلاة والصيام هو أولى الأمور فعلاً بالاهتمام.
5- حاولي أن تقتربي منهم بشكل يجعلكِ تعرفين كل شخص، ماذا يحب، ولمن يستمع، وبمن وبماذا يتأثر، ومن هنا تحاولين أن تهدي لهم أشرطة أو كتبا أو مقالات لمن يحبون من رجال الفكر أو الدعاة أو الشيوخ ، وجميل أن تتفقوا سويا على يوم تناقشون فيه ما تقرءون.
6- اعلمي أن تغير الناس وهُداهم ليس بالأمر الهين أبدا، وهو يحتاج الكثير من الصبر، الصبر في الدعوة، الصبر على الأذى الذي يمكن أن تسمعيه في طريق نصحك؛ لذلك اجعلي الصبر زادك في طريقك، فالذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، كما قال صلى الله عليه وسلم.
7- حاولي أن تقوموا سويا ببعض العبادات البسيطة التي لا تحتاج جهدا ولا وقتا، ولها أجر كبير، مثل الذِّكر سويا، أو قراءة قرآن؛ لأن بعض هذه العبادات تكون بداية جيدة في تقوية النفوس والقلوب لتقبل القادم.
8- اعلمي أنه بعون الله، وبالتدريج والصبر واللين، ستحققين تغيرا فيهم، ولكن لا تتعجلي النتائج مهما طال الزمن، وفي النهاية الهداية بيد رب العالمين، " لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ولَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ".
وفقك الله أختي، وحفظك ورعاك.
ويضيف الأستاذ فتحي عبد الستار:
ابنتي العزيزة، حمدا لله الذي أرشدك إلى طريقه، وهداك إلى الأنس به، ونسأله سبحانه وتعالى أن يحشرنا وإياك في زمرة عباده الصالحين، وبعد ..
فلن أضيف على ما ذكرته الأخت الفاضلة إيمان، سوى ردا على سؤالك الأخير: "الصديقات إذا لم يهتدين هل يجب عليَّ تركهم أم لا؟"، ولعل الأستاذة إيمان – جزاها الله خيرا - قد اعتمدت على أنك قد تستنتجين الرد عليه من خلال حديثها الطيب، ولكن دعيني أجيب عنه بشكل مباشر ليتضح الأمر.
ابنتي، إن الداعية يصبر على من يدعوه، ويحاول أن يجرب كل الوسائل التي تؤدي لهداية المدعو، فلا ييأس ولا يقنط ولا يضجر من تأخر الهداية، التي هي من عند الله سبحانه، فلا يكون كيونس عليه السلام حين ضاق صدره من عناد قومه فانصرف عنهم غاضبا، هاجرا إياهم، فعاقبه الله عز وجل على ذلك ثم أنعم عليه بعد أن تعلم الدرس، وهدى قومه أجمعين. بل يكون كنوح عليه السلام الذي دعا قومه بشتى صروف الدعوة وأنواعها ووسائلها "قَالَ رَبِّ إنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً ونَهَارًا . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إلا فِرَارًا . وإنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ واسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وأَصَرُّوا واسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا . ثُمَّ إنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا . ثُمَّ إنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وأَسْرَرْتُ لَهُمْ إسْرَارًا"، استمر على ذلك الجهد، وصبر على هذا العناء ألف سنة إلا خمسين عاما، حتى قضى الله عز وجل بينه وبين قومه.
ابنتي الغالية، ثابري على دعوة من حولك بعد أن تتسلحي بالإيمان والعلم كما أوصتك الأستاذة إيمان، واجتهدي وابتكري في اختيار وسائل دعوتك، فإن أديت ما عليك اتركي النتائج لله عز وجل، فهو سبحانه الهادي، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ولا يدفعك إصرار من حولك على التفلت والتقصير إلى إهمالهم واليأس منهم، إلا لو كان اختلاطك بهم يؤثر على إيمانك أو طاعتك أو يجرفك لمشاركتهم الإثم، فحينها يجب أن تصوني نفسك بالهجر الجميل، وفي هذا الهجر أيضا دعوة لهم بإعلان رفضك لما هم عليه، على ألا يتسبب هذا الهجر في قطيعة رحم أو تقطيع الأواصر الطيبة والعلاقات الإنسانية بينك وبين صديقاتك وأفراد أسرتك.
ابنتي، إن طريق الدعوة طويل وشاق، ولكنه يسير على من يسَّره الله عليه، فابذلي ما في وسعك في إسعاد نفسك وإسعاد من حولك برضا ربك سبحانه وتعالى، وتابعينا دائما بأخبارك، ونحن معك نعينك بما نستطيع، والله عز وجل معنا جميعا.
=============
كيف أبدأ الدعوة في بلاد الخليج؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا شاب تخرجت في الجامعة، واضطررت للعمل في الخارج، فسافرت إلى الخليج، وبدأت العمل والحمد لله عملي جيد، ودوام عملي مريح نسبيا.
المشكلة أني لا أجد ما أفعله خارج وقت العمل، فأنا معتاد أن أشغل وقتي منذ الجامعة بما هو مفيد من أنشطة دعوية طلابية مختلفة، أما هنا فلا أعرف ما العمل؟ و كيف هي الوسيلة الأفضل للإنتاج الدعوي؟
هل هي من خلال التواصل مع الوطن من خلال الإنترنت ومحاولة التأثير؟
هل يجب أن أبحث عن نشاط دعوي مكان إقامتي؟
هل أنا مسئول عن هم الدعوة في بلد إقامتي؟ أم يجب أن يبقى تركيزي على بلدي؟
مع العلم أنني أعتقد أن وجودي للعمل فقط سوف يقضي على أية بذرة خير موجودة بداخلي. وبشغل وقتي بما هو مفيد فقط أستطيع أن أتجنب وساوس الشيطان.
أرجو أن أسمع منكم حلولا عملية، وأنا متأكد أني أسأل الجهة المناسبة، وشكرا لكم. …السؤال
الدعوة العامة, المجتمع, فنون ومهارات …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …(9/301)
…الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبعد ..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم وحرصكم عليه، وعملكم به وله.
وقبل أن أبدأ حديثي إليك أخي، أحب أن أؤكد على مفهوم يجب أن يرسخ في ذهنك وفي ذهن كل من يسافر إلى بلاد الخليج أو غيرها من بلاد المسلمين، وهو أنه ليس بمتوجه إلى أرض لم تعرف الإسلام بعد، بل إنه ذاهب إلى أرض مسلمة، وقوم مسلمين، ومنهم وبينهم الكثير من الدعاة الفضلاء، والكثير من المؤسسات والمراكز الدعوية، والتجمعات النشطة في مجال الدعوة، وهذه المقومات الموجودة بالفعل يجب عليه ألا يتجاهلها أو يعتزلها، بل عليه أن يتفاعل معها ويتعاون في سبيل القيام بعمل دعوي متميز يعود بالخير عليه وعلى من يتعاون معه وعلى المدعوين.
كما عليه أيضًا أن يحدد وجهته في الدعوة، وهي دعوة المسلمين إلى التمسك بتعاليم الإسلام، لتسود قيمه السامية وشرائعه المنزهة المجتمع، وتلتحم بكل جوانبه.
أخي الحبيب، إن الدعوة وسط الغرباء ليست غريبة أو جديدة، لقد قام بها من قبل الصحابة الكرام، قاموا بها في الحبشة عند هجرتهم إليها، وكان على رأسهم جعفر بن أبي طالب، وقام بها مصعب بن عمير عند هجرته إلى المدينة المنورة، وقام بها كثير من الدعاة مجتمعين ومنفردين خلال رحلاتهم التجارية المتعددة الصيفية والشتوية إلى الشام واليمن وآسيا وأفريقيا وغيرها. لقد دعوا لله تعالى وللإسلام في غربتهم، وحققوا نجاحات واسعة.
وبدراسة وتحليل كيف كانت دعوتهم يمكن استنتاج وسائلها وأسباب نجاحها للاستفادة منها ولتطبيقها، وأهمها:
- رفع الواقع:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجرين للحبشة - كما جاء في سيرة ابن هشام -: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يُظلم عنده أحد"، فهو صلى الله عليه وسلم وصحابته قد قاموا - على قدر ما أمكنهم - بدراسة تفاصيل الموطن الجديد، حتى يمكنهم التعامل معها بحكمة ليحققوا أفضل النتائج بأقل الجهود.
- التجمُّع:
فيعين بعضهم بعضا – بعد الله تعالى – ويقويه، فقد كانوا بضعة وثمانين رجلا وامرأتين، وكان العائدون للمدينة مسلمين مع مصعب اثني عشر رجلا، فجاءوا في حج العام التالي سبعين رجلا وامرأتين.
- الإسعاد:
فقد حَمَلوا السعادة للآخرين، حيث وجدوها عندهم، وقد طال بحثهم عنها، إذ الناس بفطرتهم يبحثون عما يسعدهم، ولم يجدوا ذلك كاملا قلبيا وجسديا فيما هم فيه من تشريعات وأنظمة بعيدة عن ربهم، فوجدوه في أخلاق الإسلام. وهذا يتضح وُيفهم من قول جعفر بن أبي طالب للنجاشي رضي الله عنهما: "كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم، ونهانا عن الفواحش، فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من الله".
- القدوة:
فهُم على أرض الواقع مختلفون عن بقية الناس، هم سعداء، منتعشون، مستبشرون، أقوياء، نظيفون، منظمون، طيبو الرائحة، متحابون، متآلفون، متعاونون، وفيُّون، أمناء، متشاورون، متسامحون، مسالمون.. إلى غير ذلك من الأخلاق الإسلامية الحسنة، والتي تدفع حتما مَن حولهم للتساؤلات الطبيعية: َمن هؤلاء؟ ومن يقودهم؟ وأي نظام يحركهم؟!.
فلما يعلموا أنهم المسلمون، وقائدهم هو محمد صلى الله عليه وسلم، ودينهم الإسلام، يتبعونه ليسعدوا مثلهم في دنياهم وآخرتهم. هكذا بكل سلاسة وبساطة وسهولة؛ لأنه المفعول الساحر للقدوة الحسنة، والذي يُفهم من قوله تعالى: "لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" [الممتحنة: 6].
- الصدق والوضوح:
فهما مصدران هامان من مصادر إذابة الشك والقلق، وبالتالي التفاهم والتقارب مع الغير، كما يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: "الصدق طمأنينة والكذب ريبة" [أخرجه الترمذي]، وكما يتضح من كلام جعفر حينما أراد رسولا قريش أن يوقعا بين المسلمين وبين النجاشي، فقالا: "أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيما"، فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون، فأجاب جعفر بكل صدق ووضوح وحق: "نقول فيه الذي جاءنا به نبينا محمد، يقول: هو عبد الله وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول" فضرب النجاشي بيده الأرض، فأخذ منها عودا ثم قال: والله ما عدا عيسى ابن مريم مما قلت هذا العود. [سيرة ابن هشام]. فبصدقهم ووضوحهم نجَّاهم الله وحفظهم وأمَّنهم وأسعدهم، وعلى أيديهم أتمَّ هداية النجاشي.
- الحوار المُقِنع:
فهو رمز الحكمة، والموعظة الحسنة، وحُسن العرض، التي وصانا بها الله تعالى عند دعوتنا، وهو وسيلة أساسية لتحريك العقول المُنصِفة، وقد اتضح جدا في حوار جعفر السابق، والذي كان إجابة لسؤال النجاشي: "ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من الملل؟!.
- استخدام القرآن والحديث:
وذلك بما يناسب الموقف، ففيهما الإقناع كله، والصدق كله، والتحريك الكُلي الصحيح المناسب للفطرة والعقل، فقد أورد جعفر بعضا من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وقرأ على النجاشي مقدمة سورة مريم، والتي هي أنسب ما يناسبه (حيث كان النجاشي على دين عيسى عليه السلام) حتى جعله يقول: "إن هذا والذي جاء به عيسي ليخرج من مشكاة واحدة".
- تحريك القلوب والمشاعر:(9/302)
كما فعل جعفر، إذ قال: ".. خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نُظلَم عندك.."، فإذا أحب المدعو داعيه نصره واتبعه، وإذا أحب الداعي من يدعوه كان ذلك دليلا واضحا سريعا على أنه يحمل له الخير كله والسعادة كلها في الدارين.
-اختيار الشخصيات المؤثرة:
فبهدايتها سيهتدي غالبا على يديها الكثيرون، والواقع يثبت ذلك، ولذا فبمجرد أن أتت جعفر الفرصة المناسبة للتحدث مع الملك، حدثه بما يناسب من ألفاظ ومعانٍ وفي إطار الاحترام وحفظ المكانة وعدم إسقاطها، فقد بدأ حديثه بقوله: "أيها الملك"، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو المؤثرين الأغنياء الأقوياء، كما كان يدعو البسطاء الفقراء، كما روت السيرة ذلك.
- الدعاء والتوكل:
فهو قبل كل شيء وأثناءه وبعده، فقد قال لهم صلى الله عليه وسلم عند هجرتهم موصيا ومطمئنا: ".. هي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه.."، مع الاستعداد للتضحية والثبات على ما يراه حقا بما لا يخِلّ بالتوسط والاعتدال دون إفراط أو تفريط؛ لأن الغريب قد يستضعفه البعض أو يستهين به، خاصة إذا كان منفردا وفي بلد تِقلّ فيه أخلاق الإسلام.
- التدرج:
كما فعل جعفر رضوان الله عليه، فقد كان حديثه متدرجا، وعلى جلستين أو أكثر، حيث بدأ بعرض حالهم التعس في الجاهلية، ثم حالهم السعيد بعدما جاءتهم التذكرة بالإسلام، ثم موقف قومهم منهم ومن الحق الذي معهم: "فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان"، ثم تفكيرهم في كيفية التصرف وهم لا زالوا ضعفاء: "فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا خرجنا إلى بلادك"، ثم قراءته عليه شيئا مناسبا من القرآن لما رآه أصبح مستعدا لذلك.
أخي الحبيب، وبعد هذا الحديث أسوق لك بعض الحلول العملية التي تساعدك في حالتك، ومنها:
1- عليك أولا قبل أي عمل أن تتعرف على واقع المدعوين، من خلال معايشتهم لفترات، وهذا في ذاته دعوة، وله ثوابه الكبير على قدر نواياك؛ لأنه من باب التجهيز للدعوة، فعليك بمعايشة الجيران والزملاء ورواد المساجد والنوادي ونحوها، لمعرفة أي قول يناسبهم وأي فعل يؤثر فيهم، من خلال التعرف على أسلوب معيشتهم، ومأكلهم، ومشربهم، وأوقات راحتهم، وأماكن تجمعهم، وأكثر حواراتهم، وأكبر انشغالاتهم، وأهم ثقافاتهم، وأولويات تفكيرهم، وأشهر أعمالهم وإنتاجهم ونحو ذلك.
2- عليك بالبحث (ما أمكن) عن تجمعات ذات فكر معتدل ودعوة متكاملة، لا تركز على بعض الجوانب دون بعضها، كجمعيات خيرية، أو أحزاب سياسية صالحة، أو مؤسسات اجتماعية، أو منظمات مدنية، أو ما شابه هذا، فكن معهم وعاونهم بالفكر والجهد والمال وغيره، فيما يقومون به من أنشطة دعوية إصلاحية، فإنهم يسعون جاهدين صادقين لنصح المجتمع والأخذ بيده للتمسك بالإسلام من أجل إصلاحه وإسعاده.
3- عليك أن تكون قدوة صالحة سعيدة بينهم ولهم، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم، مع كل من حولك، بدءا من بيتك، ومرورا بمسجدك وناديك، وانتهاء بمكان عملك، فتكون حسن المظهر بسَّاما ضحَّاكا صادقا في مشاعرك وأقوالك وأفعالك، أمينا وفيا بوعودك ومواعيدك، متعاونا متسامحا عادلا، إلى غير ذلك مما سيؤثر فيهم كثيرا وسريعا.
4- عليك أن تكون متحاورا مُجيدا لفنون الحوار، فتستمع بداية جيدا وبكل إنصات كما كان صلى الله عليه وسلم، ولا تقاطع ولا تستهزئ ولا تتعالى ولا تتجادل، ثم تعرض الحق برفق ولين وتبسم، موجَزا واضحا مُقنِعا، بأدلته ما استطعت، وبنفس صادقة مُحِبَّة مشفقة، حريصة على هداية وإسعاد مَن أمامها لتسعد مثلها.
5- عليك بحفظ بعض آيات من القرآن الكريم، وبعض من الأحاديث النبوية الشريفة، مع بعض القراءات والثقافات العامة والشرعية، ونحو ذلك مما يعينك على الحديث معهم والتأثير فيهم.
6- عليك باستخدام الدعوة الفردية، مع التركيز على فرد أو اثنين أو أكثر، ويا حبذا لو كانوا من تختارهم للدعوة الفردية أصحاب شخصية مؤثرة، وأصحاب مناصب أو مكانة علمية أو مالية أو نحوها، من جيرانك أو زملائك في العمل أو رواد المسجد أو النادي، فتبدأ بالتعارف التفصيلي ما أمكن معهم، والتمهيد لدعوتهم، بعونهم، وتقديم الخدمات والهدايا البسيطة المناسبة لهم، والسؤال عنهم، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم ورياضاتهم وترويحهم الحلال، ثم أثناء كل هذه العلاقات الاجتماعية الطيبة يرون أخلاقك الحسنة، ويستمعون لحديثك الطيب وتهاديهم بأشرطة أو كتيبات للدعاة المعتدلين، أو تستمعون سويا لبرنامج إعلامي جيد، أو تتعاونون سويا على بعض الصيام أو القيام، أو تتفقون سويا على الالتزام بُخلق كل أسبوع، كحفظ اللسان مثلا، أو غض البصر، أو بر الوالدين، أو ما شابه هذا، مما يعينكم جميعا على التغير مع الوقت.
7- عليك بالتدرج، فقد ربَّي القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام تدريجيا، ومع كل فرد بما يناسبه، وبما يستطيعه.
ومع هذا لا تنس بالطبع استخدام الإنترنت فيما هو مفيد وحلال ومؤثر، من خلال استخدام ساحات الحوار والمراسلات ونحوها.
ولا تنس قبل كل شيء التوجه بالدعاء للمولى عز وجل، والتوكل عليه سبحانه، أن يعينك ويوفقك ويفتح أمامك كل ما هو مُغلق، وذلك مع استحضار واستشعار ثوابك العظيم، كما يقول صلوات الله عليه: "َمن دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله" [رواه مسلم]، فهو سيكون من خير الدوافع لك للعمل والإقدام عليه والاستمرارفيه.
وفقك الله وأعانك، ولاتنسنا من صالح دعائك.
================
خائفة على مستقبل أولادي .. من زرع حصد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(9/303)
أنا سيدةٌ في العقد الرابع من عمري، أمٌّ لطفلين، عمرهما لا يتجاوز العامين، هذا التوأم جاء بعد سبع سنين زواجٍ عجافٍ، منَّ الله عليَّ بهما بعد مرورها، ولي أمنيةٌ أخشى أن تظلَّ أمنية، وهي أن أستطيع أن أجعل من طفليَّ – بإذن الله وتوفيقه - رجلين قويِّين صالحين، دعاةً لدين الله، أعلم أنَّ هناك ألف كتابٍ يتكلَّم في التربية الإسلاميَّة وكيفيَّتها، وهي كتبٌ عظيمةٌ وشروحٌ وافيةٌ لا غبار عليها، لكن مشكلتي ليست في الكتب.. مشكلتي هي كيف أطوِّع الواقع ليخدم الهدف، إنَّ واقعنا الآن للأسف يعجُّ بالفتن، ففي البيت يوجد التلفزيون والفضائيَّات، ورغم أنَّني لا أستخدم غير الفضائيَّات العربيَّة - وكفى بها مصيبة - إلا أنَّها هي الأخرى لا تمتُّ للبراءة بصلة، وهما طفلان الآن لا يفهمان إلا اللعب واللهو على نغمةٍ موسيقيَّةٍ أو مع عرضٍ كرتوني، لكن ماذا أفعل في المستقبل ؟! وكيف لي أن أتحكَّم ؟! والطفل بمنتهى البساطة من الممكن أن يشاهد كلَّ ما يريد عند الأقارب والأصدقاء والجيران، بل من أصدقائه في المدرسة.. ولا تضحكوا.. فالأطفال الآن في عمر الخمس سنوات يقولون ما لم نكن نقوله نحن وعمرنا خمسة عشر عامًا، أيضًا أنا أريد أن يحظى فتياي بتعليمٍ راقي المستوى، وهذا التعليم لا يكون إلا في مدارس اللغات أو على أقل تقدير في المدارس التجريبيَّة، أمَّا المدارس العربيَّة فمستواها هابط، وإن وجدت فهي إمَّا تنتمي لمؤسَّسةٍ دينيَّةٍ استمرارها مشكوكٌ فيه أو لمؤسَّسةٍ حكوميَّةٍ أصبحت تهمل هذا النوع من التعليم.
كما أنَّني - ولا أكذبكم القول - أريد لولديَّ أن يتعلَّما لغةً، وألا يكونا أقلَّ من غيرهما في تعليمٍ أو مستوى معيشي، فكيف لي أن أتحرَّك لهدفي وأنا بين قطبي رَحَى.. رغبتي في أن أوفر لهما عيشًا هانئًا أستطيعه إن شاء الله.. وأمنيتي في جعلهما رجلين صالحين داعيين إلى الله لوجهه لا شريك له.
أخيرًا جزاكم الله خيرًا وفي انتظار إجابتكم. …السؤال
الدعوة الفردية, العائلة, فنون ومهارات …الموضوع
الأستاذ ياسر محمود…المستشار
……الحل …
…الأخت الفاضلة أمّ التوأم؛
أحييك تحيَّةً طيِّبةً، وأشكركِ على هذا الاهتمام الحارِّ برعاية أولادك، وخشيتكِ عليهم من الذوبان في هذا التيار الجارف من الانحلال والبعد عن روح الإسلام، بل والبعد عن القيم والأخلاق التي تعارف عليها الناس منذ آلاف السنين.
وسنردُّ على سؤالك من خلال النقاط التالية:
أولاً: كيف نربي أطفالنا؟
* لنتعرَّف على خصائص المرحلة العمريَّة لأبنائنا:
في البداية، من الضروريِّ معرفة وفهم خصائص المرحلة العمريَّة التي يمرُّ بها الأبناء بصورةٍ جيِّدة؛ لأنَّ عدم الإلمام بهذه الخصائص يسبِّب العديد من الأخطاء التربويَّة التي قد يقع فيها الآباء دون أن يشعروا، وتؤثِّر هذه الأخطاء بصورةٍ سلبيَّة على تربية أبنائهم، وذلك لأنَّ هناك بعض السلوكيَّات التي ينظر إليها الآباء على أنَّها سلوكيَّات غير مرغوبٍ فيها، بينما هي أمورٌ طبيعيَّة بالنسبة لعمر الطفل، مثل كذب الطفل الذي عمره من عامين إلى ستَّة أعوامٍ والذي يواجهه الآباء بالعقاب العنيف، بينما إذا رجعنا إلى خصائص هذه الفترة العمريَّة لوجدنا أنَّ نموَّ الخيال لدى الطفل يلعب دورًا كبيرًا في هذه المرحلة، فعندما يحكي قصةً رآها أو سمعها، فإنَّه يضيف إليها من خياله العديد من الموضوعات، فهو يحكي ما يمليه عليه خياله ولا يقصد الكذب.
وهكذا كلُّ مرحلةٍ لها سماتها الخاصَّة بها، ومعرفتها بصورةٍ جيِّدةٍ تساعد على فهم وتفسير سلوكيَّات الأبناء بصورةٍ سليمة، ممَّا يساعد الآباء على التعامل مع سلوكيَّات الأبناء وتصرُّفاتهم بطريقةٍ سليمةٍ أيضًا.
* الصلة الوثيقة مع الأبناء:
الأمر الثاني الهامُّ أيضًا هو أن تكوني قريبةً جدّا من أولادك، فتعيشي معهم مشكلاتهم وتسمعي لهم، وتهتمِّي بحاجاتهم، وميولهم حتى تصبح العلاقة بينك وبينهم بمثابة العلاقة بين الأصدقاء، وهذا القرب الروحي بين الآباء والأبناء يجعل الآباء هم المرجع الأوَّل والأساسي للأبناء حينما يواجهون بعض المشكلات في حياتهم اليوميَّة، كذلك تُعلي هذه العلاقة الحميمة من قيمة توجيهات الآباء في نفوس أبنائهم، فحينما يتعرَّضون لمفاهيم مخالفة لما تعلَّموه من الآباء عن طريق وسائل الإعلام، أو من خلال الرفاق، ويدور الصراع بين هذه المفاهيم المتناقضة، هنا في هذه اللحظات الحاسمة تلعب طبيعة العلاقة مع الوالدين دورًا كبيرًا، فإذا كانت العلاقة مع الوالدين حميمةً قلَّ أثر هذه المفاهيم التي يعرضها الرفاق وتبثُّها وسائل الإعلام، أمَّا إذا كانت العلاقة غير ذلك كان تأثرهم بهذه المفاهيم أمرًا يسيرًا.
* القدوة الحسنة:
فلكي نربِّي أبناءنا تربيةً سليمةً علينا أن نكون قدوةً لهم، حتى لا يقع الأبناء فريسةً للتناقض بين التعليمات الشفويَّة التي تصدر إليهم وبين السلوك الفعلي للآباء، فالقدوة الحسنة من أعمق الوسائل التربويَّة تأثيرًا في نفوس الأبناء، خاصَّة إذا ما اقترنت بالنقطة السابقة وهي الصلة الوثيقة مع الأبناء.
* لنُحسِن الغرس:
من المهمِّ أيضًا أن نهتمَّ بغرس قيم الإسلام وأخلاقه وآدابه في نفوس الأبناء منذ الصغر، وليكن ذلك ببذر حبِّها في نفوسهم، وليس بفرضها عليهم، فمثلاً لتحبيب الصلاة إلى نفوسهم من الممكن للوالد حينما يذهب للصلاة أن يصطحب معه ابنه، وأثناء العودة يشتري له شيئًا يحبُّه، فهذا الأمر يحدث ربطًا لا شعوريّا عند الطفل بين الذهاب للمسجد وبين ما يحبُّه من أشياء، فيشبُّ محبّا للذهاب إلى المسجد.(9/304)
وهكذا في كلِّ مجالات التربية لا نفرض عليهم ما نريده فرضًا، ولكن لنبذل ما في وسعنا لنبتكر طرقًا لتوصيل المفاهيم والقيم والأخلاق إليهم في ثوبٍ محبَّبٍ إلى نفوسهم.
وللقصص دورٌ كبيرٌ في غرس القيم والأخلاق، فلنهتمَّ بالقصص والحكايات التي تجسِّد الأخلاق الحميدة، وتحبِّبها إلى قلوب الأبناء، وتنفرهم من الأخلاق المذمومة.
* التحلِّي بالصبر:
وذلك لأنَّ تربية الأبناء أمرٌ شاقٌّ جدّا، خاصَّة في عصرنا هذا، فلنصبر على إكسابهم الأخلاق والقيم والمفاهيم الإسلاميَّة، ولنصبر على أخطائهم وعَثَراتهم، ولنحسن التعامل مع هذه العثرات بهدوءٍ ودون انفعال، ولا نكلَّ ولا نملَّ من العمل على تنشئتهم التنشئة الصحيحة، ولنتذكَّر دائمًا قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتَفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له" رواه مسلم.
* ندعو لهم:
فدائمًا وأبدًا ندعو الله عزَّ وجلَّ ونستعين به سبحانه على هذه المهمَّة الشاقَّة، فنُكثر من الدعاء لأبنائنا، ونسأله سبحانه أن يرزقنا حسن تربيتهم، فهو نعم المولى ونعم المعين، وهو على كلِّ شيءٍ قدير.
كانت تلك – أختي الكريمة - بعض الخطوط العريضة التي ستعينك على تربية أولادك إن شاء الله سبحانه وتعالى، ولا نستطيع في هذا المقام أن نطرح تفاصيل العمليَّة التربويَّة كاملة، ولنكن على صلةٍ دائمةٍ لنتناقش معًا حول ما يواجهك من صعاب أثناء تربيتكِ لأبنائك.
ثانيًا: كيف نحمي أبناءنا من خطر الفضائيات؟
أمَّا بالنسبة لمشكلة مشاهدة الأبناء للفضائيَّات، فمن الممكن أن تسمحي لهم بمشاهدة ما لا يؤثِّر بصورةٍ سلبيَّة على تنشئتهم، ثمَّ تتناقشي معهم حول هذه المشاهدات، وما الذي تعلَّموه منها.
ومن الأمور الهامَّة أيضًا فتح بابٍ للنقاش معهم حول: لماذا الامتناع عن مشاهدة بعض البرامج التي تعرضها هذه الفضائيَّات ؟ وما أسباب ذلك ؟ واستمعي لردودهم، ثمَّ ناقشيها معهم، وبهذه الطريقة سيحملون هم أنفسهم فكرة عدم مشاهدة بعض ما تعرضه الفضائيَّات، وستجدينهم إن شاء الله حينما يشاهدون ذلك عند الأصدقاء أو الأقارب يطلبون منه التوقُّف عمَّا اقتنعوا أنَّه خطأ وتعلَّموا أنَّه لا يليق.
ثالثًا: اختيار المدرسة:
أما عن مشكلة اختيار المدرسة، فمن الممكن إلحاقهم بإحدى المدارس ذات المستوى التعليمي الرفيع كما تحبين، ولكن مع مراعاة الأمور التالية:
1- اختيار أفضل وأكثر هذه المدارس اهتمامًا بالجانب الأخلاقي.
2- أن يكون بهذه المدرسة أبناء بعض الأسر التي يُعرَف عنها الصلاح والاستقامة والأخلاق، ولكِ صلةٌ بهم.
3- اعملي على تدعيم العلاقة بين أطفالك وأطفال هذه الأسر قبل دخول أطفالك المدرسة من خلال الزيارات المتبادلة.
4- إيجاد الصلة الدائمة مع المدرسة، لمتابعة أحوال الأبناء، خاصَّةً في الجوانب الأخلاقيَّة والسلوكيَّة، حتى يمكنك معالجة أيّة مشكلاتٍ أخلاقيَّة أو سلوكيَّةٍ تبدأ في الظهور في مهدها.
5– اهتمِّي جيِّدًا بالإنصات لهم ومناقشتهم في المواقف اليوميَّة التي يمرُّون بها خلال يومهم الدراسي.
ونسأل المولى سبحانه وتعالى أن يكلِّل اهتمامك هذا بتحقيق أمنيتكِ بأن يكونوا رجالاً صالحين دعاةً إلى الإسلام كما تحبِّين.
===============
كتب للمسلمين الجدد .. خطوات قبل الترشيح
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
جزاكم الله خيراً على هذه الجهود المباركة.
برجاء أن تدلوني على عناوين أهم الكتب والأشرطة التي تصلح للمسلمين الجدد، وكذلك للراغبين في الدخول في الإسلام، بحيث تكون خطوةً هامةً لهم للثبات على طريق الهداية.
ولكم مني بالغ الشكر. …السؤال
ثقافة ومعارف, المسلمون الجدد, دعوة غير المسلمين, وسائل مقروءة …الموضوع
الأستاذ محمود إسماعيل…المستشار
……الحل …
…أخي الكريم، دعوت الله لنا على جهودنا المباركة التي نسأل الله أن يتقبلها خالصة لوجهه، ونحن نحمد الله الذي جعل في هذه الأمة أمثالك يحملون دين الله حيث يحتاج الناس، وبين دعائك لله وشكرنا له لن نحرم الخير سويًّا إن شاء الله.
ليس من المفيد أن أحدد لك أسماء كتبٍ أو شرائط بعينها تصلح للمسلمين أو للراغبين في الإسلام أو من دخلوا الإسلام مع أنني أحمل في ذاكرتي حاليا كتباً كثيرة وشرائط عديدة، إلا أن تحديد أسماء بعينها ربما أضر أكثر مما أفاد.
والسبب في ذلك أن نوعية هذه الكتب والشرائط تتوقف على نوعية من تدعوه إلى الإسلام أو نوعية من أسلم بالفعل ومنها: العمر-نوع ودرجة الثقافة-ميوله-لغته-مدى ثبات أو تأرجح عقيدته-طريقة تفكيره-طبيعة دينه القديم-وأمور أخرى.
ولقد قال لي أحد النصارى بعد أن أسلم بفترة أنه كان دائماً يتمنى أن يرزقه الله من يروي ظمأه ويجيب عن تساؤلاته لأنه يريد الشعور بالراحة، وكلما شعر أحد المسلمين أنني أميل للإسلام أهداني كتابا حتى وصل عدد الكتب عندي لخمسة كتب، وللأسف لم أكمل كتاباً واحداً منهم، لأني بصراحة لا أملك القدرة على القراءة حتى النهاية وطوال حياتي وأنا أسمع أكثر مما أقرأ، وبرغم أن كلامه يبدو عاديًّا إلا أنه يدل على أن أحداً لم يستثمر هذا الجانب فيه، وبالتالي كان أحوج ما يكون إلى شخصٍ يسمعه أو أحدٍ يقنعه لا كتاباً أصمّا.
وعليه فلن أحدد كتباً بعينها بل أقدم لك ما هو أهم من أسماء الكتب والشرائط، وأعني به الإطار العام أو بعض النصائح التي يمكنك من خلالها أن ترشح أي كتابٍ في أي وقت، لأن الكتاب يختلف باختلاف من تدعوه أو حتى يمكن إلغاء فكرة استخدام الكتاب كوسيلةٍ للدعوة في بعض الأحيان إذا دعت الضرورة لذلك.(9/305)
أخي الكريم، من الضروري دراسة الشخص الذي تدعوه قبل استخدام أي وسيلة، وتحدث المشكلة عندما نفكر في كتاب أو وسيلة قبل أن نعرف من ندعوه.
والمشكلة الأخرى أن كمًّا رهيباً من الوقت والجهد الذي بذل في سنوات يضيع في لحظات لأننا لا نهتم بدراسة من هم أمامنا وهذه حقائق أكدتها الدراسات والأبحاث العلمية.
وإرسالك للاستشارة في هذا التوقيت بالذات يدل على فهمك، وكأن لسان حالك يقول ماذا أفعل قبل أن أفعل؟ وهذا فضل من الله عليك لا تنس أن تحمد الله عليه.
وعليه أقول لك ماذا تفعل مع من تدعوه؟
- وطد علاقتك بمن تدعو إلى الحد الذي يسمح لك، بأن تظهر له الدين ومبادئه وسمو أخلاقه لكن دون تصنعٍ أو تكلُّف، واجعل سلوكياتك تتحدث عن دينك أكثر مما تتحدث أنت.
- احذر الدعوة المباشرة معه أو التوجيه المفاجئ الدخيل أو أن تشعره أنك مسئولٌ عنه.
- ادعم كل الأمور التي تتفق معه فيها ما دامت هذه الأمور لا تخالف دينك، فهذا يجعلك أكثر قرباً منه وحتى تفهم كثيراٍ مما يدور في داخله.
- كن بجانبه في كل الأوقات التي يتوقع أن تكون معه فيها مع الثبات على دينك ومبادئك.
- لا تستدرجه إلى المناقشة إلا إذا كنت مستعداً لها والأفضل أن تترك له فرصة أن يشدك هو للحوار والمناقشة.
- استثمر ساحة النقاش معه على قدر استطاعتك بأن تضيف له كل مرةٍ جديداً عن دينك، واحذر تكرار النصائح والمواعظ فإن ذلك غالبا ما يؤدي لنتائج عكسية.
- بعد اقترابك منه، فكر ما هو الكتاب أو الشريط الذي يحتاجه بالفعل أو يحب أن يقرأه؟ ثم ابحث عن هذا الكتاب بعد تحديد نوعية ما يحتاجه وما يستهويه.
- من المفيد أن تعرف من خلاله ما هي الموضوعات التي تلقي عليه ظلال من الشك أو التردد في عدم دخوله الإسلام، وهو مدخلٌ هامٌّ لوضع حلولٍ لشكوكه أو تردده، وعند تحديد نوعية الموضوعات التي يضع هو علامات استفهام حولها، فمن الممكن بعد ذلك أن تأتي له بالكتاب الذي يساعده في الإجابة عن هذه التساؤلات.
- إذا كان من تدعوه إلى الإسلام أو من أسلم بالفعل عاطفياً فاختر له الكتاب الذي يخاطب عاطفته، وإذا كان عقلانيًّا فاختر له الكتاب الذي يسمو بعقله، وإذا كان ممن يفكر كثيراً فاختر له كتب الفكر الإسلامي المتميزة، وإذا كان علمياً فاختر له كتب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، وهكذا...
- لا تعطه الكتاب أو الشريط مباشرة حتى يطلبه هو منك ذلك بعد أن تشير إلى هذا الكتاب أو الشريط من بعيد خلال أحد أحاديثك معه.
- تجنب الكتب التي تميل للطريقة الفلسفية والكلامية في الحديث عن الإسلام، ولا تقدمه إلا إذا كانت تستهويه هذه النوعية من الكتب.
- لا أحبذ شخصيًّا أن تختار له أي كتاب يضع الإسلام في موقف المدافع حتى ولو كان جيداً إلا إذا كان من تدعوه متحمسا للإسلام ويكون قد تعدى مرحلة الشك والتردد.
- ليس بالكتاب وحده نساعد هؤلاء على طريق الهداية كما ذكرت، لكن من المفيد للغاية أن تستثمر أي فرصة سانحة، المهم ما هي الوسيلة التي تجيدها أنت.
- تذكر أنه ربما كان الكتاب أنسب الحلول وربما كان العكس، يتوقف ذلك على نوعية من تدعوه.
أخي الكريم، عموماً لا عليك، فإذا كنت ترى أن الكتاب أو الشريط متاحٌ لك أكثر من أي وسيلةٍ أو أنهما أنسب وسيلة فتأكد أولاً من ذلك، بعدها، يمكنك أن تستعين بالله ثم بالكتب والشرائط التي تُعنَى الجوانب التالية:
1- الجانب الإيماني والعقائدي
2- الجانب الإنساني والأخلاقي في الإسلام
3- الجانب الحضاري للإسلام
4- الكتب التي تشرح أساسيات الإسلام وأصوله بطريقةٍ مبسطة ميسرة.
5- الكتب التي تُعنَى بقصص الذين أسلموا مثل كتاب "لماذا وكيف أسلمت؟" لأحمد سامي عبد الله، فهذه النوعية من الكتب لها تأثيرٌ إيجابيٌّ ومتميزٌ لمن يريد الدخول في الإسلام أو من أسلم بالفعل، لأنها غالباً ما تجمل له الرحلة من مرحلة الشك إلى اليقين، وتجعله يستفيد من تجارب الذين سبقوه إلى الإسلام، وكلما كان الكتاب معنيًّا بالذين أسلموا ممن هم من المشاهير وأصحاب الفكر والقادة كلما كان تأثيره أكبر على كل من يقرأ هذه الكتب من الراغبين في الإسلام أو من أسلموا بالفعل، لأن الكثير منهم يرون في هؤلاء المثل الأعلى والقدوة، وغالباً ما تساعد هذه النوعية من الكتب على الخروج من حالة التردد التي تسيطر على الراغبين في الإسلام.
هذا بالنسبة للذين يرغبون في الدخول في الإسلام، أما الذين دخلوا في الإسلام بالفعل، فأرجو منك مراعاة التالي عند اختيارك:
1- اختر الكتب ذات المعلومات البسيطة المحددة خاصة في البداية، وبالتحديد في أمور العقيدة ومبادئ الإسلام العامة، ثم اختر لهم بعد ذلك كتباً أخرى للتوسع.
2- عند اختيارك الكتب الفقهية، تجنب الكتب الفقهية ذات الآراء المذهبية الكثيرة المتنوعة أو التي تُعنَى بالمقارنات بين المذاهب كالفقه على المذاهب الأربعة والمجموع للنووي وغيرها، لأنها غالباً ما تسبب له الحيرة والتشتت.
3- يفضل أن تصطحب أحد الذين أسلموا إلى عالم من العلماء الذين يُعرَف عنهم البساطة في الأسلوب والملكة الخاصة في جذب الناس لأن الأصل في التعليم هو التلقي والمشافهة وهو أمرٌ مهمٌّ للغاية.
وأخيرًا:
1- تذكَّر أن الكتب كثيرةٌ والشرائط عديدة، المهم أن تختار لهم ما يناسب على حسب القواعد العامة التي شرحتها لك، وانتبه إلى أن الكتب التي ننبهر بها نحن ربما لا تناسب من ندعوهم.(9/306)
2- تذكر أن الله تعالى يقول: "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا"، ولم يقل أجر من عمل، لأن هناك فرقاً كبيراً بين من يعمل أي عملٍ وبطريقةٍ عشوائيةٍ غير منظمة، وبين من يحسن العمل ويخطط له.
3- تذكَّر أن الطريق ليس سهلاً كما يظن البعض، لكن ثقتنا في الله كبيرة ثم فيك واستعن بالله يرضيك.
لقد دعوتَ الله من أجلنا ونحن لن ننساك بالدعاء إن شاء الله، وفقك الله.
=============
يرونني مقصرة .. المنهج لا الأشخاص
السلام عليكم، بداية جزاكم الله خيرًا على ما تقدمونه.
أما مشكلتي فهي أني لا أعرف كيف أدخل إلى أعماق من أتعرف عليه، فأنا والحمد الله أقيم علاقات جيدة (مجرد بداية) مع أية أخت، ولكني لا أعرف ما الذي أفعله بعد ذلك، فهناك الكثير الذين يحبونني وأسمع منهم كثيرًا عبارة: (كنت أتوقع مثلاً أن تفعلي معي كذا أو كذا)، أو يقولوا مثلاً: (إننا نشعر بأن اهتمامك ما عاد مثل الأول)، أو أجدهم يبكون!! وغير ذلك من الأمور التي يصعب علي أن أواجهها، خاصة أني أعمل في وسط طلابي كلنا أعمارنا مثل بعض.
نعمل أعمالاً خيرية في الجامعة، وهذا الأمر يؤثر نفسيًّا على كل من كان له تعلق بي، وبالتالي يؤثر على العمل. وكل من هم أكبر منى نصحوني باحتواء هؤلاء الأشخاص، مع العلم أنهم أكثر من 50 فرد، كلهم بنات، وكل منهن تريد أن تشعر بأن لها مكانة عندي تختلف عن غيرها، وهذا يسبب لي مشكلات كثيرة في أنه يجب عليَّ أن أحافظ على اتزاني طوال اليوم الدراسي، وأن أراعي حال كل واحدة وان أتابع أخبارها، وإذا حدث أقل تقصير مني في ذلك أجد العتاب واللوم الشديد، وعليَّ أن أجلس جلسه صلح معها، هذا في حالة إذا أخبرتني أو أخبرت غيري، أما إذا لم تخبر فهذا أصعب ما يكون، وتصبح المشكلة مشكلتين، فماذا أفعل؟! …السؤال
الدعوة النسائية, الدعوة الفردية, شباب وطلاب …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
…تقول الأستاذة جمانة عبد الرازق، الداعية الفلسطينية، وعضو فريق الاستشارات الدعوية:
"بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد..
أختي نورا، حياك الله، وبارك الله فيك، وأعانك الرحمن على المُضيِّ في طريق الدعوة إلى الله وخدمة الإسلام، ورزقنا الله وإياكم الإخلاص وحُسن العمل لوجهه تعالى.
أنت الآن داعية في ميدان حيوي، بل ربما من أكثر الميادين الدعوية حيوية ونشاطا، إذ إنه يضم فئة الشباب، وترافق تلك الطاقات الناشئة والمشاعر الدفاقة الكثير من المشكلات، والتداخلات النفسية والفكرية، وذلك نتيجة النمو الفكري في هذه المرحلة العمرية، والذي يأخذ شكلا آخر غير ذلك الذي كان عليه في سنوات الطفولة، ويساعد في ذلك وينميه الانفتاح المعلوماتي الهائل الذي عليه العالم الآن.
أختي نورا، سؤالك عن كيفية الدخول إلى أعماق من تتعرفين عليه، وأن لا يكون تعارفك الدعوي مجرد تعارف مبدئي، واستيعاب من حولك استيعابًا كاملاً.. سؤالك هذا ينتقل بنا إلى محور (الشخصية الدعوية المؤثرة) ولأفرِّع أنا في الإجابة حول نمط هذه الشخصية، وكيف يجب أن تكون عليه وسط الأخوات العاملات في مجال الدعوة إلى الله، ووسط ميدان العمل الفعلي، والشريحة التي نقوم بدعوتها من أهلنا في المنزل والعمل والمدرسة والجامعة.
إن الأساس الذي يقوم عليه عمل المسلم هو النية السليمة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه". وفي هذا التوجيه النبوي الشريف إشارة إلى أهمية التخطيط الفكري وتنقية المقصد قبل الشروع في أي عمل، مهما صغر أو كبر، ليتحدد مساره الصحيح ويحقق هدفه المنشود.
وهذا يدعونا إلى أن نطرح عدة أسئلة، وهي:
- لماذا أريد أن أؤثر في الآخرين؟
- وما الهدف من هذا؟
- ومن هم الذين أريد أن أؤثر فيهم؟
فهذه الأسئلة ستساعدك على تحديد الوسائل وتيسير العمل بها خلال مسيرتك مع من حولك.
واعلمي أختي أن خلق المسلم سفير إلى القلوب، وكثيرا ما تنطق الأعمال، وتثبت المفاهيم في الأذهان، بل وتؤلَّف بها القلوب أكثر من تلك الكلمات المنمقة والخطب الجزلة، فالتطبيق السلوكي هي المهمة الأولى التي علينا أن نعكسها على أنفسنا، ونجاهد أنفسنا على الالتزام بها، وعندها أتعهد لك أن عبق هذا السلوك سيتسرب إلى من حولك، بل وإلى أعماقهم، ليس محبة لك فحسب، بل منظومة مبادئ تتجلى فيهم وتنتقل عبرهم إلى غيرهم، ويكون لك فيض الأجر والثواب بإذن الله.
أنا معك أن احتواء هذا العدد الكبير من الفتيات أمر ليس بالسهل، وأن شعورك العالي والسامي بمسئوليتك وتبعتك الدعوية تجاههن هو ما يدفعك إلى السؤال عن أداء حقوق هذه الجموع الطيبة من حقل دعوتك، بل ومن وسط أخواتنا العاملات، فهن لهن حقوق عليك أيضا.
ويمكنك أن تهتمي بهن جميعا، بل وتنمية قدراتهن، وتأدية أمانتك معهن من خلال:
- القدوة في توجيهاتك وتصرفاتك، بالإضافة إلى أنه بهذا النشاط الجماعي ستصهرينهن بعلاقات أخوية فيما بينهن، بحيث ترتقي المجموعة كلها في طاعات وسلوكيات مشتركة، وبهذا لا يشعرن في هذا المحيط بالفقد أثناء غيابك، حيث يجدن ما يسد احتياجاتهن من توجيهات ومتابعة.
- اصطحابهن خلال أدائك بعض مهماتك الدعوية، ليشاركنك إياها، واستشارتهن في بعض المواقف والمهمات، وطريقة إنجازها.(9/307)
- تفعيل الفتيات في النشاطات الدعوية المختلفة، مع متابعة أدائهن بطريقة المشاركة المباشرة معهن في نفس النشاطات.
- التعاون الدراسي مع الفتيات اللاتي يشاركنك تخصصك الأكاديمي، وهذه طريقة أخرى للتواصل معهن بالتدارس سويا، أو تحضير الأبحاث سويا، فهذه الأمور ستجعلك أقرب منهن، وعلى احتكاك مباشر معهن.
أختي في الله نورا، نحتاج إلى كثير من العزم والصبر ونحن نخطو في هذا الطريق، وزادنا في ذلك تطهير أنفسنا من الشوائب والأمراض، وذلك بالإكثار من الذِّكر، والصيام، والنوافل، والصلاة، وتلاوة كتاب الله تعالى، وتدارسه، وسيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن هذا إلا بالتواجد والتعاون مع من لهن نفس العزم والهمة العالية، فتعاوني مع أخواتك في دراسة كتاب الله، والنهل من معين الأسوة الحسنة نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تغفل إحداكن عن أداء النصيحة إلى أختها لترتقي أخلاقنا وسلوكياتنا إلى ما يرضي ربنا، ويكون لقاؤنا غدا في جنة عرضها السموات والأرض.
واختم حديثي إليك بخلق التواضع الذي يجب أن يكون من أساسيات أخلاقنا الإسلامية، وأن ننسب كل توفيق في تأليف القلوب أو هداية النفوس إلى الرحمن الرحيم، ولا ننسب الخطأ والتقصير إلا إلى أنفسنا، يرافقه دعاء أن يسدد الله خطواتنا وأقوالنا لما يحب ويرضى.
ولا تنسينا من دعائك"
وتضيف الأستاذة شيرين نصر، المحررة بالنطاق الدعوي بشبكة إسلام أون لاين:
"أهلا بك أختنا الغالية نورا، ونشكرك على هذه الثقة، ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا في لإعطائك الجواب الذي يطمئن إليه صدرك، ويرشدك إلى الصواب بإذن الله.
حبيبتي نورا، إن طريق الدعوة يحتاج من الداعية إلى الكثير من الصبر والجهد، وأيضا يحتاج إلى الفطنة والرحمة وحسن الخلق، هذا بالإضافة إلى قدرته على احتواء من يدعوهم وإشعار كل واحد منهم باهتمام خاص، وهذا ما كنت تسألين عنه، وهذا لا شك مطلب صعب، ومهمة عسيرة تحتاج إلى نفس كبيرة وقلب يسع الدنيا، ولا أظنك تفتقدين هذه النفس وهذا القلب، فأنت كما تقولين محبوبة، وتتمكنين من تكوين علاقات سريعة مع أخواتك في الله.
ولكن من أين تأتي مشكلة إحساسهن بتقصيرك معهن، وكيف يشعرن بذلك ويلمنك عليه؟!! أقول: إنهن بالفعل صادقات في هذا الشعور، وفي النفس الوقت أنت لست مقصرة على الدوام!! نعم، كيف ذلك؟! لأنك – كما شعرت من حديثك – تكونين في بداية العلاقة مع إحداهن متحمسة للغاية، وتحاولين أن تتقربي إلى الفتاة بشتى الطرق، ودائما تشعرينها بالاهتمام والحب، وتظهرين هذا في حديثك معها وفي كل تصرفاتك، ويستمر هذا إلى أن تتأكدي من استجابتها لك، فتبدئين في البحث عن مدعوة جديدة حتى تتسع دائرة دعوتك، وحينها تحولي للجديدة معظم الاهتمام إن لم يكن كله، وهنا - رغما عنك - يقل اهتمامك بالأخريات؛ لأن كل تركيزك يكون منصبًّا على الجديدات.
ونصيحتي لك حبيبتي أن تجتهدي أكثر فيما تقومين به، وتحاولي أن تمسكي العصا من المنتصف حتى لا تفقدي إحداهن، ويجب أن توصلي إليهن فكرة الفطام الدعوي الذي لا بد منه في وقت من الأوقات، وأن كل واحدة منهن يجب أن تكون (نورا) أخرى في مكانها ومحيطها، على أن تبتكر وتبدع وتجتهد، وثبتي في أذهانهن أهمية عدم الارتباط بالأشخاص، ووجوب الارتباط بالمنهج، فهو الباقي وهو المأمون عليه من التحول والفتنة.
أسأل الله أن يوفقك ويسدد خطاك وأن يجعل طريقك طريق الخير والحق دائما، وتابعينا بأخبارك".
=============
كاتبة تائبة .. اطرحي اليأس، وواصلي العطاء
السلام عليكم سيدي.. أنا كاتبة .. وعندما كنت أكتب بعيدًا عن طريق الله .. "لم يكن كُفرًا أو حرامًا" كنت أجد ألف باب للعمل، وكانت المواقع على الإنترنت وأحيانًا صفحات الجرائد تُفتح لي على مصراعيها.. وكان الكتاب والأصدقاء كثيرين..لدرجة أنى كنت في بعض الأحيان أتهرب منهم .. لا لشيء إلا لأني كنت لا أستطيع التقاط أنفاسي من أحاديثهم ورغبتهم في معرفتي.. وعندما بدأت طريق الله .. أجد الأبواب لا تفتح لي بسهولة .. ولا أجد متنفسا لكلماتي لدرجة أنى بدأت أشك في نفسي وقدراتي .. لقد اهتزت ثقتي بنفسي بدرجة كبيرة .. ولا أدرى .. حتى من كلَّمت من الدعاة لم أجد بينهم أي حماس لمساعدتي .. صدقني أنى أبكى وأنا أكلمك خشية أن يكون الله لا يريدني .. ولكنى أعلم أن اليأس من رحمة الله تدخل الإنسان دائرة الكفر .. لكم مني جزيل الشكر. …السؤال
إيمانيات, الدعوة النسائية, قضايا وشبهات, إيمانيات …الموضوع
الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
…الأخت الكريمة، جزاكِ الله خيرًا على ثقتك بنا، وفتحك لقلبك معنا، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا متنفسًا لكل مهموم، وأن يعيننا على مسح دمعة كل حزين، لنرسم بدلاً منها ابتسامة الرضى والطمأنينة والإيمان.
أختي الكريمة، بالرغم أنكِ ذكرتِ هذه الكلمات في آخر رسالتك، إلا أني أجد نفسي مدفوعًا للبدء بها في حواري معك، نظرًا لما أحدثَتْه تلك الكلمات من شعور بالألم في داخلي، ألا وهو قولك: "صدقني أني أبكي وأنا أكلمك، خشية أن يكون الله لا يريدني".(9/308)
يا أمَّ التوأم، إني أصَدقكِ، وأُطَمْئن فؤادكِ بأن كل ما تحدثت عنه في رسالتك من الحرف الأول للحرف الأخير هي كلها ظواهر عادية، وسُنَنٌ طبيعية، وكأس لا بد أن يشربَ منه كل تائب، وكل سالك لطريق الالتزام، في القديم والحديث، وكأنها "دورة تدريبية" يخوضها التائب، فيغتسل خلالها بدموعه - ولا غير - ليزيل رواسب المعصية وعلائق الغفلة، ويشعر أثناءها ألا مكان له في هذه الدنيا، ويتمنى لو أنه لم يولَد، ولكن ما إن تُدْركه رحمات الله، تهدأ نفسه، وتقرّ عينه، وينعم بلذة القُرْب، ويلحقه بَرَد الطمأنينة بعد أن أحرقته نار الندم.
وحتى يصل إلى هذا فإنه يحتاج إلى مجاهَدَة، بل إلى مجاهَدَات، وإلى التمسُّك بالأمل والرجاء في رحمة الله عز وجل، وعدم القنوط، وقد جاء في الأثر أن من أدمن قَرْع الباب، يوشَكُ أن يُفتَحَ له، فلا تملِّي من قرع أبواب ربك، والزمي عتبته، ولوذي بجنابه، وعليك بالقرآن فإنه شفاء لما في الصدور.
ولتتذكري معاناة الصحابة الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، ولما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من الغزو سارع إليه المخلَّفون ليعتذروا إليه، أما هم فآثروا ألا يكذبوا، فلم يقدموا عذرًا للنبي صلى الله عليه وسلم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم - بوحي من الله عز وجل - تربيتهم وتمحيصهم، فقاطعهم، وأمَرَ المسلمين جميعًا بمقاطعتهم، فعاشوا خمسين يومًا تحرقهم نار الندم، وأشد منها نار جفاء الأحباب وأقرب الناس، وما أشدَّها من نار، وتعرَّضوا خلال هذه الفترة إلى العديد من الفتن والإغراءات لصدهم عن طريق الاستقامة، وجذبهم إلى طريق الغواية، ولكنهم صمدوا أمام تلك الفتن والإغراءات كلها، وكلهم أملٌ في الله عز وجل أن يزيح تلك الغُمَّة ويقبل توبتهم ويفتح أحضان أحبابهم لهم، حتى تاب الله عز وجل عليهم، ونزلت البشرى من فوق سبع سماوات: "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم . وعلى الثلاثة الذين خُلِّفُوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحُبَت وضاقت عليهم أنفسهم وظنُّوا ألا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم"، وسميت السورة بسورة التوبة تعظيمًا لهذه الحادثة، ولهذا الكرم الإلهي، وأيضًا لصبر هؤلاء وثباتهم.
وما أروع قوله عز وجل يداوي من مسَّتهم جراحات الذنوب: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم".
نأتي بعد ذلك لكتاباتك .. لقد قلتِ في توصيف ما كنت تكتبينه: إنه "لم يكن كُفرًا أو حرامًا"، فلِمَ إذن حكمْتِ عليه بأنه كان بعيدًا عن طريق الله عز وجل ؟!.
إن الكتابة الإسلامية أو الأدب الإسلامي، لا يلزم أن يكون بالضرورة تناولاً لجوانب العقيدة، أو فقه العبادات، أو غيرها من الموضوعات الشرعية، وليست قاصرة على الخُطب المدبجة بالآيات والأحاديث وأقوال السلف، وفقط.
إن كل مقال، وكل قصة، وكل قصيدة، وكل لَوْن من ألوان الكتابة والأدب، يغدو إسلاميًّا إذا كان في مُجْمَله يدعو إلى فضيلة، أو يحُثُّ على خُلِق كريم، وكانت الألفاظ والمفردات التي يستخدمها نظيفة، بعيدة عن الإسفاف والابتذال.
إنَّ الإسلامَ دينٌ يلتحم بكل جوانب المجتمع، ومن بينها الجانب الثقافي، ويضع الإطار الصحيح الذي ينبغي أن تندرج فيه مختلف الفنون والآداب ليحفظ للناس عقولهم وقلوبهم.
أختنا الكريمة، إن الكتابة التي نستطيع أن نطلق عليها أنها بعيدة عن طريق الله، تلك التي يكون هدفها إثارة الغرائز وتحريك الشهوات، وتضييع الأوقات، وبث المبادئ والأفكار الهدَّامة التي تعبث بعقول أبناء الأمة، وتدفع بها في طريق التفاهة المهلكة.
فإن كانت كتاباتك السابقة من هذا النوع أو تقترب منه، فإن من تمام توبتك، وتدعيمًا لها لتُقبَل عند الجليل العلام أن تغمسي قلمك الذي كتب تلك الكلمات في مِدَاد الطهر، وتكتبي به كلمات أخرى تمحو كلماتك السابقة، ليتحقق فيك قول الله عز وجل: "إلا مَن ظَلَم ثُمَّ بدَّل حُسْنًا بعد سُوءٍ فإنِّي غفورٌ رحيمٌ".
وليعزِّز هذا التزامك بالعبادات والفرائض، وكثرة الوقوف بين يدي الله عز وجل، وطلب الصفح منه والمغفرة، لتُذْهِبَ حسناتُك سيئاتِك، مصداقًا لقوله عز وجل: "وأقمِ الصلاةَ طرَفَي النَّهار وزُلفًا من الليل إنَّ الحسناتِ يُذهبْنَ السيئات ذلك ذكرى للذَّاكرين".
أختنا الكريمة، إننا ندعوكِ إلى استثمار هذه القدرة التي لديك والموهبة، في إبداع الأعمال التي تخدمين بها دينك وبَني أمتك، فالقلم الذي يستطيع الإبداع، يمكن لصاحبه أن يغمسه في المداد الذي يريده، ليجري على الصفحات بما استقر في القلب وتمكَّنَ من الجَنان.
لا تحكمي على موهبتك بالإعدام، ولا تخنقيها لتموت، فإن ما يُحزن القلب ويؤلمه، أننا نجد الكثير من أصحاب المواهب النافعة عندما يمُنُّ الله عز وجل عليهم بالالتزام بعد الضياع، والهُدَى بعد الضلالة - نجدهم يعتزلون الحياة ويدفنون مواهبهم وإمكاناتهم وقدراتهم، ولو أنهم استثمروها في خدمة قضايا أمتهم لحققوا الكثير من الخير لدينهم ولأنفسهم ولبني أمتهم.
فما أحوج الإسلام لكل قلم يدعو وينافح ويبدع، أيا كانت نوعية هذا الإبداع.(9/309)
أما ما تحكين عنه من انصراف الناس عنك، وغلق الأبواب دونك، وصَمَم الآذان عن سماع كلماتك، بعد أن سلكت طريق الالتزام، فإن هذه كلها أعراض طبيعية، وكان عليك أن تتوقعي حدوثها؛ ولقد ذكِّرني كلامك بالممثلات اللاتي ينعم الله عليهن بالتوبة ونبذ المعصية، وما يلاقينه بعد التزامهن من حرب شعواء، وإغراءات وفتن، وتنكُّر من الأصدقاء والأتباع الذين كانوا يتمنون لحظة رضًى منهن.
إن ما يحدث معك سُنة طبيعية درج عليها البشر في القديم والحديث، ألم تسمعي ماذا قال قوم ثمود لنبيهم صالح عليه السلام بعد أن أعطاه الله النبوة والرسالة: "قالُوا يا صالحُ قد كنتَ فينا مَرْجوًّا قبل هذا أتنهانا أن نعبدَ ما يعبدُ آباؤنا وإننا لفي شكٍّ ممَّا تدعونا إليه مُريب"، لقد كانوا يعدُّونه كبيرهم وحكيمهم قبل النبوة، فلما جاءته النبوة وبدأ في دعوتهم لتوحيد الله عز وجل، ونبْذ ما يعبدونه من أوثان، نسُوا حكمته وعِلمه، وقالوا كلماتهم تلك اتباعًا لهواهم وخبث طويتهم.
ونرى نفس القصة تتكرر مع نبينا صلى الله عليه وسلم، حيث كان قومه يلقبونه بالصادق الأمين، ويعرفون له فضله وكرامته، فلما جاءته النبوة ودعاهم لله عز وجل، وصموه بالكذب والسحر والكهانة .. إلى آخر تلك الأوصاف المفتراة.
وانظري - أختي الكريمة – إلى هذا المشهد الذي يشهد على ظلم بني البشر لأنفسهم وللناس، ولاستعداد بعضهم أن يغير معتقده في لحظة، ويقول الشيء وضده في نفس المجلس، اتباعًا لهواه، دون وازع من خُلُق أو دين:
لقد كان عبد الله بن سلام رضي الله عنه، من أكبر علماء اليهود، ثم منَّ الله عز وجل عليه بنعمة الإيمان والإسلام، وروى الإمام البخاري أن عبد الله ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أشهدُ أنك رسول الله، وأنك جئت بحقٍّ، وقد علمت يهود أني سيِّدهم وابن سيِّدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيَّ ما ليس فيَّ. فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر اليهود، ويلكم، اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتعلمون أني رسول الله حقًّا، وأني جئتكم بحق، فأسلموا". قالوا: ما نعلمه، قالها ثلاث مِرارٍ، ثم قال: "فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟". قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: "أفرأيتم إن أسلم ؟". قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم، قال: "أفرأيتم إن أسلم ؟". قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم، قال: "أفرأيتم إن أسلم ؟". قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم، قال: "يا ابن سلام اخرج عليهم". فخرج فقال: يا معشر اليهود، اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق. فقالوا: كذبت، فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمشهد غني عن التعليق.
إن جمهورَك وقُرَّائك لا بد بالطبع أن يقلوا، فالسُّنة الربانية الثابتة: "وما أكثرُ الناسِ ولو حرصْتَ بمؤمنين"، "وإن تُطعْ أكثرَ مَنْ في الأرض يُضِلُّوكَ عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظنَّ وإنْ هُم إلا يخرُصُون"، فالأخيار دائمًا هم القلة، أما جمهور الخبيث من الأقوال والأفعال فكثير كثير.
لذا لا ينبغي أن يكون من نتائج ذلك أبدًا شعورك بالهزيمة النفسية أمام هذه العوارض، بل الأولى أن تدفعك إلى الثبات ومواجهة التحدي، وإثبات ذاتك في ميدان الأدب النظيف، رضي بذلك جمهورك القديم أم لم يرضَ. ولتبحثي عن ميادين جديدة تشاركين فيها بقلمك إن أغلقت دونك الميادين القديمة، وفي المواقع والمنتديات والمجلات والصحف النظيفة متسع لك ولأقرانك.
أما أن تنغلقي على نفسك، وتتحسري على الأيام الخوالي، مما قد يؤدي إلى اهتزاز ثقتك بنفسك وبربك، فهذا بالضبط ما يريده منك الشيطان وأعوانه، أن يضلوك عن سبيل الله بعد أن اهتديت إليها، بقذف هذه المشاعر السلبية في قلبك وعقلك.
أخيرًا أختي الكريمة، استعيني بالله ولا تعجزي، واحملي قلمك من جديد، ومرحبًا بك دائمًا، وبرسائلك ومشاركاتك معنا على صفحات الموقع المختلفة.
===============
التنافس الدعوي بين الزوجين .. بناء لا هَدْم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
نشكر لكم جهودكم في هذا الباب، ونسأل الله أن يثيبكم عليها.
قبل أن نَعرِض للاستشارة، نودُّ لو تمكن من الردِّ عليها الأستاذ الدكتور كمال المصري.
نريد أن نعرف: ما هي أفضل الوسائل العمليَّة لدعوة الزوج عمومًا ؟ وكيف تؤتي ثمارها في الحالات الآتية خاصَّة، ولكن نريد أن نلفت نظركم إلى نقطةٍ حتى لا يتكرَّر الحديث عنها، وهي أنَّه قد جاء في استشارةٍ مماثلةٍ النصح منكم بأن تشعره بالحبِّ وتؤدِّي ما عليها له كاملاً، ولكنَّ الواقع يكون غير ذلك تمامًا، فأنتم تعرفون أنَّه من الصعب جدًّا إشعار أحدٍ بالحبِّ من قِبَل من يتعلَّق قلبه بالله، ويغضب لمحارمه، لإنسانٍ يبدو أنَّه يجابه الله بالمعصية، كبُرَتْ أوْ صغُرَت !.
وأمَّا الحالات التي أخصُّها بالذكر هي:
أوَّلاً: إذا كانت الزوجة تترقَّى في سُلَّم معرفة الله عزَّ وجلّ، وخصوصًا بعد تعرُّفها على أخواتٍ صالحاتٍ يعينونها على الحقِّ والصبر في مجال الدعوة إلى الله، فأصبحت ترى أنَّ زوجها مقصِّرٌ في حقِّ الله مع تباين هذه النظرة من زوجةٍ لأخرى، واختلاف هذا البعد عن الله من زوجٍ لآخر.(9/310)
ثانيًا: إذا كان الزوجان اختار كلٌّ منهما الآخر على أساسٍ ليس دينيًّا فقط، وإنَّما على مقياسٍ دعويٍّ أيضًا، بمعنى أن كلاًّ منهما كان عاملاً في الدعوة، واستمرَّت الزوجة وأصبحت تترقَّى في دعوتها، في حين فترت همَّة الزوج لأسبابٍ عديدةٍ، منها بعده عن مكان دعوته وعن إخوانه لتغرُّبه طلبًا للرزق، وللفراغ الطويل في هذه البلاد أيضًا، ولا يخفى عليكم أنَّ في هذه الغُربة لا يوجد - أو بالأحرى تُفقَد - كثيرًا من مجالات الخير، منها صلة الرحم إلا بالتليفون، والبعد عمَّا يتعرَّضون له من مشكلات "الأهل أعني" وغيرها من مجالات البرِّ والإحسان، ناهيكم عن فقدان الأخوَّة في الله والتي هي خير معينٍ على الطريق.
ثالثًا: إذا اختلف فكر الزوجين، رغم أنَّهما يعملان في الدعوة، ولكن على سبيل المثال انتمت الزوجة لجماعةٍ مغايرةٍ لما ينتمي لها زوجها، وأصبح الزوج يرى أنَّها ليست على نهج الرسول في دعوتها، وأنَّ بإمكانه منعها عمَّا هي عليه، ولكنَّه يتجنب الاحتكاك بها الآن، وسوف تأتي الفرصة لكي يمنعها من دعوتها، والزوجة ترى أنَّ دعوته سطحيَّةٌ جدًّا، لدرجةٍ استفزازيةٍ لا تستطيع معها أحيانًا أن تناقشه ليتبيَّن الصواب، فهي تنتمي لفكرٍ شموليٍّ يتعامل مع الإسلام كلِّه بدون تجزئة، ولذلك فهي تستوعب تقصيره في باقي جوانب الدين، وتحاول أن تقنعه بما لديها أحيانًا شفقةً منها، وأحيانًا تغيُّظًا منه ودفاعًا عن جماعتها، ولكنَّها تقابَل باستهزاءٍ شديدٍ منه.
وختامًا نرجو منكم ملاحظة رفض الزوج عمومًا لأيِّ نصحٍ من قِبَل الزوجة، خاصَّةً إن كان هذا فيما يخصُّ الدين، وما تحليلكم أنتم لهذا السبب ؟ وهو ما يشعر به الزوج من كِبْرٍ يمنعه من تلقِّي النصح من زوجه، وقد يكون فيه نجاتُه من عذاب الله، وقد علمنا أنَّ نساء السلف الصالح كُنَّ ينصحن أزواجهنّ، وتقول له إحداهنَّ وهو ذاهبٌ ليسترزق: "اتَّقِ الله ولا تطعمنا إلا حلالاً، فإنَّا نصبر على الجوع ولا نصبر على جهنَّم"، وكان أزواجهنَّ على ما هم عليه من قربٍ ومصاحبةٍ للرسول ؟. …السؤال
آداب وأخلاق, مشكلات في الدعوة والحركة, العائلة …الموضوع
الدكتور كمال المصري…المستشار
……الحل …
…أختي الفاضلة حنان،
جزاكم الله خيرًا على الثقة التي طالما أوليتنا إيَّاها، وأسأل الله تعالى أن نكون كما تريننا.
بالنسبة لسؤالك حول أفضل الوسائل في دعوة الزوجة لزوجها، فقد تطرَّقنا لها كثيرًا في استشاراتٍ سابقة، أنصحك بالرجوع إليها، وعناوينها:
- أنا وزوجي تكاسلنا .. فلتبدئي أنت النشاط
- زوجي ليس كما ظننت .. راجعي واجباتك وانتقي كلماتك
- زوج محب كريم.. ولكنه لا يصلي!
- ممارسة الإسلام في كل شئون الأسرة.. وزوج لا يساعد!!
- زوجي أديب ومتدين.. مشكلته في همَّته وثقافته
- زوجي رائعٌ في كلِّ شيء.. لكنه لا يصلِّي الفجر
أمَّا الموضوع الأكثر أهمِّيَّة فهو سؤالك الذي تعاني منه الكثير من البيوت، والذي فيه تراجع همَّة الزوج عن همَّة زوجته، وقبل الدخول في تفاصيله نُجيب عن النقطة التي تفضَّلت بطرحها بقولك: "ولكن نريد أن نلفت نظركم إلى نقطةٍ حتى لا يتكرَّر الحديث عنها، وهي أنَّه قد جاء في استشارةٍ مماثلةٍ النصح منكم بأن تشعره بالحبِّ وتؤدِّي ما عليها له كاملاً، ولكنَّ الواقع يكون غير ذلك تمامًا، فأنتم تعرفون أنَّه من الصعب جدًّا إشعار أحدٍ بالحبِّ من قِبَل من يتعلَّق قلبه بالله، ويغضب لمحارمه، لإنسانٍ يبدو أنَّه يجابه الله بالمعصية، كبُرَتْ أوْ صغُرَت!.".
في الواقع يا أختي الكريمة أنني أؤيدك فيما قلتِ في جانبٍ منه، وأحتاج إلى توضيحٍ في جانبٍ آخر.
أؤيدك في صعوبة حبِّ الملتزم لمن يجابه الله تعالى بالمعصية، ولكنَّ الحبَّ مراتب، هذه المرتبة التي تتحدَّثين عنها هي أعلاها، وهي مرتبةٌ لا تكون إلا بين الطبقات العُليا من المؤمنين، أمَّا الحبُّ كقيمة، فهو حقُّ العالَمين على المسلمين، والدعاة أخَصُّ هؤلاء، وما أبدع ما قاله شيخ الزهَّاد عبد القادر الكيلاني واصفًا الدعاة: "هم قيامٌ في مقام الدعوة، يدعون الخَلْقَ إلى معرفة الحقِّ عزَّ وجلّ، لا يزالون يدعون القلوب".
وأيُّ وسيلةٍ غير الحبِّ لدعوة القلوب ؟؟.
ولو نظرنا إلى وصف القرآن الكريم للرسول صلى الله عليه وسلم المرسَل إلى قومه لوعَيْنَا ذلك: "لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيم"، قال الإمام القرطبيّ: "والخطاب للعرب في قول الجمهور، وقال الزجَّاج: هي مخاطبةٌ لجميع العالم"، وليس الحرص إلا صورةٌ من صور الحبّ، وما الحرص (الحبّ) للمؤمنين فقط، بل هو للعالَمين.
وحتى عند البُغْض، فإنَّ ديننا لا يجعل بُغْضَ العاصي لشخصه، وإنَّما هو بغضٌ لفِعْله، فإذا ترك هذا الفعل حلَّ الحبُّ من جديد.
وكلُّ ما سبق هو للعالَمين، فكيف بأقرب المقرَّبين وهو الزوج، إنَّ الزوج إذا فعل المعصية أبغضنا معصيته، ولكن بقي في القلب حبُّ الخير له، هذا الحبُّ الذي يجب أن يغلب البغض حتى يُصلِح الله تعالى حاله وأمره.
كما أظنُّ أنَّ زوجك ليس على هذه الدرجة من المعصية، فمِنْ كلامك يبدو أنَّه قد يكون مقصِّرًا في الطاعات، لكن ما أخاله قد وقع في المعاصي.
أمَّا حديثك عن كونه يقصِّر في حقِّ الله تعالى، فإنَّ التعميم هنا صعب، يجب أن تُدرَس كلُّ حالةٍِ بحالها، وأن تنظر الزوجة في قدر تقصير زوجها، وفي كيفيَّة علاجه لا تركه في ضعفه.
المطلوب هو: محاولة إصلاحه بالحبّ.
الأمر صعبٌ نعم، ولكن متى كانت الدعوة مفروشةً بالورود؟؟ ومتى كان الدعاة يأبهون بذلك ؟؟؟.(9/311)
إنَّ مشكلات الالتزام في البيت المسلم غَدَتْ كثيرةً للأسف، ولكنَّ الذي يتبادر إلى ذهني دائمًا عندما أستمع إلى مثل هذه المشكلات هو أسئلةٌ بسيطة:
لماذا نبني بيوتنا على الحرب لا على الحبّ ؟
لماذا تكون البيوت مناطق متنازَعًا عليها، يحاول فيها كلُّ طرفٍ أن يمتلك أكبر قطعةٍ منها ؟.
لماذا ينظر كلُّ طرفٍ للآخر نظرة ازدراءٍِ حين يكون أكثر منه التزامًا ؟.
ما ضرَّ الزوج لو كانت زوجته أكثر التزامًا منه ؟ وما المانع أن يطلب منها أن ترفعه معها ؟. خصوصًا وأنهما قد تزوَّجا على أساسٍ دعويّ، والقوامة لم تكن أبدًا لتجعل الزوج تأخذه العزَّة بالإثم ؟.
ولماذا لا ترضى الزوجة من زوجها انخفاض التزامه الدعويِّ، طالما هو ما زال محافظًا على أساسيَّات الالتزام، مع محاولتها الدائمة لرفعه ؟.
يا أخي الزوج، المنطق "الذكوريّ" للقوامة منطقٌ أخْرَق، ذلك المنطق الذي يُفهِم صاحبه أنَّه طالما قد أعطي حقَّ إدارة المنزل، فهو الآمر الناهي كيف شاء.
القوامة درجةٌ من التكليف، منحها الله تعالى لربِّ المركب حتى يسير المركب، ولكنَّها أبدًا لم تكن سيفًا مسلَّطًا على الزوجات وكأنهنَّ عبيدٌ لا رأي لهنَّ ولا فِكْر.
المعنى الشرعيُّ للقوامة هو ما ذكره الإمام القرطبيُّ في تفسيره لآية القوامة: "قال تعالى: "الرجال قوَّامون على النساء" ابتداءٌ وخبر، أي يقومون بالنفقة عليهنّ، والذبِّ عنهنّ، وأيضًا فإنَّ فيهم الحُكَّام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء".
ويقول الشيخ عبد الحميد البلالي أكرمه الله تعالى: "القوامة هي الإمارة في هذه الأسرة، لِما خلق الله في الرجل من مواصفات الأمير، ولم يخلقها في المرأة، وهذا لا يعني أبدًا أنَّ تميُّز المرأة ببعض الصفات عن زوجها يعارض هذه القوامة، وليس بالضرورة أن يتفوَّق عليك الزوج في كلِّ شيءٍ حتى تتحقَّق قوامته".
يا أختي الزوجة، ليس معنى رفضك للعديد من الممارسات المتطرفة التي يقوم بها الأزواج بحُجَّة القوامة، أن تتجاوزي أنت بتطرُّفٍ مقابلٍ بالشعور بالاستعلاء الإيمانيِّ على الزوج، وبدلاً من محاولة رفعه معك تقومين باستحقاره ورفض التعامل معه، ولتنظري في حالك في ما لو كان الوضع معكوسًا كيف يكون شعورك ؟؟.
يا أخي الداعية، ويا أختي الداعية، أنتما بيتٌ بُنيَتْ قواعده على الالتزام، فلِمَ يحاول كلُّ ركنٍ منه هَدْم الآخر ؟!!.
أمَّا عن كونه من جماعة، وهي من أخرى، وأنَّ الزوج يمنع زوجته من الدعوة بسبب هذا الخلاف، فقد تحدَّثتُ عنه تفصيلاً في استشارةٍ سابقةٍ قلت فيها:
"كيف تذهب أذهاننا إلى محاربة بعضنا بعضًا، وتضييق كلِّ طرفٍ على الآخر ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، والعالم من حولنا عطِشٌ ظمآنٌ يحتاج إلى قطرةٍ ترويه من نهر الإيمان والإسلام والدين ؟.
أليس هذا منطقًا مُعْوَجّا وفهمًا أخرق ؟!!.
هل هذا الذي يحدث بين "الجماعات" الإسلاميَّة في كلِّ مكانٍ في العالم هو جزءٌ من دَعْوة النبيِّ صلى الله عليه وسلم التي منعه الله تعالى إيَّاها في قوله: "سألت ربِّي ثلاثًا، فأعطاني ثنتين، ومنعني واحدة، سألت ربِّي أن لا يُهلِك أمَّتي بالسَّنَة، فأعطانيها، وسألته أن لا يُهلِك أمَّتي بالغرق، فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها". رواه مسلم.
فهل ما يحدث من تناحرٍ بين هذه الجماعات هو جزءٌ من هذا البأس ؟؟".
وأنصح بقراءة الاستشارة كاملةً على العنوان التالي:
إندونيسية تقول: "أنا من جماعة.. وزوجي من جماعة".. والباقي معروف
بقي تعليقي على نقطةٍ في سؤالك، حين طلبتِ رأيي عن رفض الزوج عمومًا لأيِّ نصحٍ من قِبَل الزوجة، خاصةً إن كان هذا فيما يخصُّ الدين، وتحليلي لهذا السبب.
فالجواب هو ما ذكرتِ يا أختي الكريمة من كِبْرٍ ومنطقٍ معوجٍّ يحوِّل الشرع إلى ما تريده أهواؤنا، فغدت القوامة سيطرة، وحوَّلها العديد من الأزواج –بعضهم بسوء نيَّة والبعض الآخر بحسن نيَّة- إلى ممارسةٍ متجبِّرةٍ طاغية، لم تكتفِ بتجاوز الحدِّ الشرعيِّ لها، بل وصلت إلى الوقوع في الإثم عبرها، فسيطَرَ وتحكَّمَ بغير إذنٍ شرعيّ، وأمَرَ ونَهَى جورًا وعسفًا وظلمًا، ولم يقبل نصحًا ولا ردًّا إلى الحقّ، وما هذا بهدي ديننا، ولا منهج رسولنا صلى الله عليه وسلم، ولا ممارسة الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولا شيمة الكرام من الرجال.
إنَّ من حقِّ الزوجة أن تمارس الدعوة كأيِّ مسلمٍ مطالَبٍ بهذا الواجب، وهذه الممارسة لها ضوابط متعلِّقةٌ بعدم تقصيرها في جوانب أخرى، ولكن هذه الضوابط شأنها شأن أيَّة ضوابط تحكم أيَّ داعيةٍ في أيِّ مكان، وقد سبق الحديث عنها في الاستشارة السابق ذكرها.
كما أنَّ مِنَ الواجب على الرجل أن يئُوب إلى دين الله تعالى وشرعه دون كبرٍ أو عزَّةٍ الإثم، لأنَّ هذا إن حدث فهو حرامٌ حرامٌ حرام، ولا يسعه إلا قبول الحقّ، فلا هو أكبر من أن يطيع كلام ربِّه القادر القاهر، ولا الزوجة بأقلَّ منه لدرجة ألا يسمع منها الحقّ.
ما عَهْدنا المسلم إلا وقَّافًا عند حدود الله تعالى.
هذا ما عندي يا أختي الكريمة حنان.. أتمنى أن يكون ما كتبتُ قد حقق المراد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وأنتظر أن أسمع منك يا أختي الفاضلة.
==============
عندما يصاب الدعاة بالشيزوفرينيا!!
حائرة أنا من تصاريف هذا الزمان، ومن قدرة البعض على الخداع!!.
البعض يدَّعي الالتزام، وهو لا يتوقف عن الخروج على هذا الخط الذي يلاقي بسببه العنت في الدنيا!.(9/312)
خبِّرني بالله عليك، كيف يستطيع الرجل أن يجمع النقيضين في جوفه؟؟!! يدَّعي الصلاح ويُسجَن ويُلاحَق في الأرزاق بسببه، وفي نفس الوقت يفعل ما يهدم هذا الادعاء!!
هل تستطيع أن تشرح لي يا سيدي؟!. …السؤال
قضايا وشبهات, زاد المسير, إيمانيات …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…يقول الأستاذ معتز الخطيب، الباحث والكاتب الإسلامي السوري:
"أختي الحائرة ..
أحيي فيكِ هذا التساؤل الوجيه حول التعارض بين الأقوال والأفعال، أو بين حال وحال، أو بين مجال ومجال آخر، لشخص واحد.
ثمة شيء أغبطك عليه، وهو أن الحالة الفردية أو الحالات التي شاهدتِ فيها هذا الانفصام وقفتْ بك عند مجرد (الحيرة)، التي دفعتك إلى (التساؤل) الذي هو مفتاح التفسير الذي يبدد حيرتك تلك، ولم تتمادَ بك تلك الحالة أو الحالات (الفردية) إلى إطلاق الأحكام العامة على كل الدعاة مثلاً، أو إلى النفور من الدعوة نفسها، كما يحدث لبعض (المشوَّشين) نسأل الله تعالى لهم التوفيق والسداد.
ولو انطلقنا من سؤالك لوجدنا أنك تتحدثين عن (خداع)، وتطلبين الجواب عن: كيف يجتمع النقيضان في رجل: دعوى الصلاح، وفعل ما يهدمها. لكنك لم تذكري لنا تفاصيل هذا الصلاح الذي يدَّعيه صاحب الموقف، ولا حقيقة الفعل الذي يقوم به مما يهدم دعوى صلاحه.
فهل لنا أن نكتفي بهذا منك وننطلق معك بناء على حُكمك عليه بأنه رجل (مخادع)؟.
لعل الصواب هنا أن نُقِر بوجود مثل هذه الحالات مما نعرفه حقّا، وسنمضي معًا في تحليل هذه المواقف الموجودة، وأن ننزلها منزلة (الظاهرة) حتى يتسنى لنا تفسيرها، واقتراح سبل معالجتها، وليس هذا حُكمًا منا على الأشخاص، سواء الذين تعنينهم أنت في سؤالك، أم الذين نعرفهم نحن.
لقد تحدث القرآن الكريم عن هذه الظاهرة، فقال: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)، وقال: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون).
وتحدث النبي صلى الله عليه وسلم عنها أيضًا، فقال: (لأعلمنَّ أقوامًا من أُمَّتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثال جبال تهامة بِيضًا، فيجعلها الله عزَّ وجلَّ هباءً منثورًا)، قال ثوبان - راوي الحديث - : يا رسول الله، صفهم لنا، جَلِّهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: (أما إنَّهم إخوانكم ومن جِلْدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنَّهم أقوامٌ إذا خَلَوْا بمحارم الله انتهكوها) رواه ابن ماجة بسند صحيح.
نريد من هذا أن نقول: إن المشكلة التي تُحيّرك – أختي – موجودة قديمًا وحديثًا، لكننا نقع في الخطأ الجسيم إذ نصل بالدعاة والعلماء وغيرهم مرتبة (التقديس) فيُخيَّل إلينا أنهم لا يكادون يخطئون، أو أنهم كالملائكة استوجبوا رضوان الله، واستقاموا على الطريقة، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون!!.
لماذا حين نحب رجالاً أو نُقدِّرهم نتناسى صفتهم الراسخة أنهم (بشر)، والتي ألحّ عليها القرآن وكذلك السنة النبوية في خصوص الأنبياء، مخافة أن يتم تقديسهم، فكيف بمن هم دونهم؟!.
هذه هي المشكلة الأولى، وهي أن علينا أن نُنقّي تصوراتنا عن مثل هذه الأوهام، ونعلم أن الكل يخطئ، وقد أخطأ الأنبياء، والصحابة رضوان الله عليهم، وما أحداث غزوة أحدٍ، وحادثة الإفك في سورة النور، وفي الثلاثة الذين خُلِّفوا في سورة التوبة، وغيرها عنّا ببعيد. فإذا ما فعلنا ذلك تحقق أمران:
الأول: تذكرنا أن هؤلاء جميعًا (بشر)، فسهُل علينا تجاوز أخطائهم.
الثاني: علمنا أنهم حين أخطئوا أخطئوا بصفتهم البشرية، وهذا لا يعني أن ثمة خللاً في مبادئ الدين وقيمه التي يحملونها، فنترك خطأهم ونثبُت على المبدأ.
لكن من حقنا التساؤل: لماذا يقع الخطأ؟
لن نعتبر مقولة: (لأنهم بشر) هي الجواب، لا، فثمة احتمالات متعددة يمكن لها أن تكون تفسيرًا لهذه المشكلة:
أولاً: هناك مسافة تفصل المبدأ والفكرة عن الواقع، وهي المسافة التي تفصل المشخص عن المجرد.
فالمبدأ فكرة مجردة تنزع دومًا نحو الكمال، والواقع مشخص كثيرًا ما يكون دون المثال، وهنا تنشأ فكرة (مجاهدة النفس) و (تغيير الواقع)، ليطابق النموذج المثال الذي نحمله في أذهاننا.
والحياة في ميزان الفكر: عملية تغيير مستمرة، وفي ميزان المتصوفة: تربية للنفس مستمرة.
وفي هذا السياق يمكننا أن نفهم قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدِّين يُسْر، ولن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغُدْوة والرَّوحة، وشيءٍ من الدُّلْجة) رواه البخاري.
ثانيًا: بعض الدعاة يحتاجون إلى فهم الواقع وإنشاء علاقة سوية مع العصر ومنجزاته؛ فهم يدعون إلى مجموعة من الأفكار المستمدة من كتب التراث، والتي لا تحمل (راهنيتها) وبالتالي تكون منعزلة عن الواقع، ولا يمكن تطبيقها إلا بمخاصمة أو منافرة الواقع، بل إن بعضهم يدعو إلى الانسحاب من الواقع لأنه كله شرور!
هؤلاء - أو تلامذتهم - حينما سيضطرون للتعامل مع الواقع والانخراط فيه، لن يكونوا مهيئين للتعامل معه، وأفكارهم وتصوراتهم لا تملك قابلية التطبيق، وهنا إما أن يمارسوا انفصامًا عمليّا بين الفكر والعمل، أو أن يعودوا إلى انعزاليتهم.
ثالثًا: مشكلة في الفهم والإدراك العميق لقيم وتعاليم الإسلام، فكثيرًا ما يسيطر على الدعاة والمعلمين والمتعلمين في فهم الإسلام البعد الغيبي (الميتافيزيقي) وهذا في أحد أوجهه عجز عن إدراك الأبعاد الأخرى للوحي، أعني الأبعاد الاجتماعية والواقعية المشخصة للوحي.(9/313)
فمثلاً: دائمًا ننظر إلى (الإيمان) على أنه مفهوم غيبي، في حين أن القرآن يلح على بُعد واقعي للإيمان، فيقول: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)، ويقول: (إن الشِّركَ لظلم عظيم)، والأمن والظلم لهما تجليات واقعية في المجتمع، نأمل أن نجلي هذه المسألة لاحقًا.
رابعًا: يولَع البعض في الحديث عن مثل هذه المشكلة بالقول: إنها أزمة نفس وشهوات وضعف إيمان، وهذا حق من وجه، لكن المشكلة ليست نفسية أو إيمانية قلبية فقط، بل هي فكرية أيضًا، ويمكن أن تكون المشكلة في أن النفس لا تملك خيالاً قويّا قادرًا على أن يمثل للوعي رؤية ملموسة تكون القيم فيها قادرة على ممارسة جاذبيتها للقلب بكل طاقاتها.
وهذا الخيال لا يتحقق إلا من خلال تزكية البعد الإيماني والأخلاقي وتحفيزه إلى أقصى غاية، لكي يتناسب مع حجم التحديات التي تفرضها الحياة المعاصرة؛ هذا فضلاً عن وجود قناعة عقلية راسخة بصحة الأفكار واقعيّا، والإيمان بكونها سبيلاً للصلاح الدنيوي قبل الأخروي.
والسر في أن بعض هؤلاء الذين يعانون من الازدواجية يواجهون العنت والمضايقة في الأنفس والأرزاق في سبيل المبادئ التي ربما يتخلون عن بعضها منفردين: أنهم حين يواجهون تحديًا ظاهرًا مشخصًا يقوون على الثبات والمواجهة باعتباره يهدد وجودهم، في حين أنهم لا يشعرون بوجود هذا التحدي حين ينفردون بأنفسهم، وهذا يؤكد عدم وجود هذا الخيال القوي الذي تحدثنا عنه.
وهذا هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأتقى والأعلم يجأر إلى ربه، ويقول: (يا حيُّ، يا قيُّوم، برحمتك أستغيث، لا تكلني إلى نفسي طرفة عين) رواه الحاكم وصححه.
فالعلاج إذن يكون من جهتين:
الأولى: فكرية، بتصحيح الفهم وتنقية التصورات وعدم تقديس الأشخاص.
والثانية: إيقاظ الإيمان بالرقيب القريب، ثم اعتياد الصحبة والمخالطة النافعة، ويعين على ذلك تذكُّر أنَّ الله يسمع ويرى ويعلم كل شيء، والكرام الكاتبين يعلمون ما تفعلون، والجوارح كلُّها تشهد لا تغيب، وسوف تُستَشهَد فتشهد عليك يوم الحساب".
وتضيف الأستاذة منال درويش، الأديبة المصرية، وعضو فريق الاستشارات:
"أختي الحبيبة نرمين، سلام الله عليكِ ورحمته وبركاته،،
لا أخفي عليكِ سرّا أن حيرتكِ هذه تنتاب الكثيرين منّا، وأحسب أن من نتحدث عنهم هنا هم القلة القليلة بإذن الله، الذين يبطنون غير ما يظهرون، ويفعلون شيئًا ويتحدثون عن نقيضه،، وهؤلاء من وصفهم رب العزة بأنهم يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب.
وهذا النموذج من الدعاة ربما يكون للكثيرين جسرًا يعبرون من فوقه ومن خلاله إلى الجنة، ثم يسقط هو في النار، أعاذنا الله وإياك منها ومن سوء العاقبة في الدنيا والآخرة.
أختي الحبيبة، إن الداعية الذي أهَّل نفسه تأهيلاً فقهيّا وعلميّا ونفسيّا لخوض غمار الدعوة إلى الله عز جل، يجب عليه أن يعترف أمام نفسه قبل الناس أنه بشر وليس ملاكًا معصومًا من الخطأ، حيث إن إغفال الجانب الإنساني والنفسي في شخصية هذا الداعية قد يؤثّر عليه بالسلب إن لم يصلح ما به من عيوبٍ وأخطاء؛ لأن من البديهي معالجة مرضي قبل أن أعالج أمراض الآخرين، وبعض الدعاة يرى نفسه- أو يراه الآخرون – إنسانًا غير قابل للخطأ أو الزلل، وبالتالي فإن هذا الشعور وتكريسه يجعله ينظر للآخرين بفوقية شديدة، وينسى أنه من بني آدم الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطاء) رواه الترمذي بسند حسن.
ومن جانب المجتمع نجد أنه قد يضع حول هذا الداعية هالات من القداسة، تجعله يُصدَم وينزعج حين يرى هذا الداعية يقع في الزلل، أو في موضع تقصير في جانب من الجوانب، وبعدها نجد المجتمع يتقبله في امتعاض، غير آبه بما يلقيه عليه من خطب ومواعظ؛ لأنه أردك أنه يقول شيئًا ويفعل شيئًا آخر، فيتحدث – مثلاً – عن حسن المعاملة، ووجوب أداء الحقوق لأصحابها، والسماحة في البيع والشراء والاقتضاء، شارحًا بالقرآن والسُّنة في بلاغة وفصاحة، ثم عندما تعامله تجد العجب العُجَاب، وكأنه تحول إلى شخص آخر تمامًا غير الذي كان يقف على المنبر، أو الذي كان يجلس معك في حلقة إيمانية، يسيل من فمه فيها الكلام العذب الذي يجعل القلوب تذوب رقة وشفافية.
وقد واجهتُ على المستوى الشخصي حالات معدودة من أمثال هذا النموذج من الدعاة، ولأشد ما آلمني أني وجدت من يبرر لهم ذلك تبريرًا واهيًا، إذ فاجأني أحد أصحابهم عندما شكوت إليه تصرفات صاحبه الداعية، بقوله: (إنه رائع ومثالي جدّا عندما نجتمع في حلقات الإيمان والذكر، ولكن يعيبه أن تعاملاته غير منضبطة)!! وكأن هذا شيء عادي يوضع في مصاف الهنَّات الصغيرة المقبولة من فاعلها، والمتجاوَز عنها، فذكَّرَني هذا برواية عن عمر رضي الله عنه، حيث قال له رجل: إن فلانًا رجل صِدق، فقال له: هل سافرت معه؟ قال: لا، قال: فهل كانت بينك وبينه معاملة؟، قال: لا، قال: فهل ائتمنته على شيء؟ قال: لا، قال: فأنت الذي لا علمَ لك به، أراك رأيتَه يرفع رأسه ويخفضه في المسجد!!.(9/314)
فنجد أن عمر رضي الله عنه لم يرضَ بقول الرجل في أحد الناس، وشهادته له، لمجرد أنه رآه يصلي في المسجد، وإنما سأله عن أمور أخرى هامة وأساسية – في نظره – للحكم على الناس، وتصلح معايير يُحتكَم إليها، غير مجرد إظهار شعائر العبادات، ولا يتعارض هذا مع حديث: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان)، فهو مع كونه حديثًا ضعيفًا، إلا أن الإمام القرطبي قد نقل في تفسيره – بعدما أورد هذا الحديث – عن ابن العربي قوله: (وهذا في ظاهر الصلاح، ليس في مقاطع الشهادات، فإن الشهادات لها أحوال عند العارفين بها، فإن منهم الذكي الفطن المحصِّل لما يعلم اعتقادًا وإخبارًا، ومنهم المغفّل، وكل واحد ينزل على منزلته ويقدر على صفته).
أختي الحبيبة، أحسب أن الازدواجية أو الانفصام الذي تحدثت عنه في غالب أشكاله، ليس بالضرورة أن يكون عن عَمْد، فيصبح خداعًا كما أسميتِه، وبالتالي يكون ضربًا من ضروب النفاق والعياذ بالله، والذي يقول فيه عز وجل: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم)، ويقول أيضًا: (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانًا أثيمًا . يَسْتَخْفُونَ من الناس ولا يَسْتَخْفُونَ من الله)، واتباعًا لأمر ربنا فلن نجادل عن هؤلاء، فهم ليسوا في مناط التناول في استشارتنا تلك، فهؤلاء حكمهم معروف.
أما مَن نتحدث عنهم هنا، فهم الصنف المؤمن الذي تغلبه شهوته وهواه أحيانًا، وهم الذين لم ينزع ربنا عز وجل عنهم صفة الإيمان، حين ناداهم قائلاً: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كبُر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
وأعتقد – يا حبيبتي – أنهم ما داموا - كما ذكرتِ - يتحملون الابتلاء في سبيل الله عز وجل وفي سبيل دعوته وإعلاء كلمته، فهم على بقيةٍ من خير إن شاء الله، ويُرجَى إقلاعهم عما يخالف نهجهم، ولنترفق في نصحهم، متأسين بالأسلوب الرباني اللطيف الرقيق في عتابهم: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كبُر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)، وأظن أن بقية الخير التي فيهم سيكون لهذا العتاب صدى فيها، وتأثر ينتج سعيًا إلى الاستدراك بإذن الله".
ويضيف الدكتور أحمد ربيع:
"إن مطابقة قول الداعية لعمله أمر مهم، حتى يصدق الناس دعوته، فالحق هو الحق، ولكنه يحتاج إلى بيان عملي ممَّن يقدمه، والناس ينظرون إلى سلوك الداعية، هل تتطابق أعماله مع أفعاله أم يخالف قوله عمله؟ فإن تطابقت الأقوال مع الأعمال أقبل الناس على الداعية، أما إذا خالفت أفعال الداعية أقواله، نظر إليه الناس باستخفاف ولسان حالهم يقول: لو كان ما يدعونا إليه خيرًا لألزم نفسه به، فالتطبيق العملي أمر ضروري لنجاح الداعية في دعوته، فلن يستقيم الناس على الهُدَى ما لم يرَوا إمامهم قد سبقهم إليه، فأصبح قدوة صالحة، ومنارة على الطريق، يستضيء بنورها الساري.
لقد التزم بهذا المنهج رسل الله عليهم الصلاة والسلام، فها هو شعيب يعلن لقومه: (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).
فمن الواجب أولاً على الداعية أن يطبق ما يقول على نفسه، وإلا أصبح مثله مثل الطبيب الذي يداوي المرضى وهو مريض، كما قال القائل:
ألا أيها الرجل المعلم غيره……هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا…… كيما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا……وأنت من الرشاد عديم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها……فإذا انتهت فأنت حكيم
فهناك يُسمَع ما تقول ويُشتَفَى……بالقول منك وينفع التعليم
أما الازدواجية التي تستغربينها - أختي السائلة - فإنها ليست ازدواجية، وإنما هي نفاق عملي، يقصد منه صاحبه النفع المادي، ومن يفعل ذلك فليس في الحقيقة داعية من الذين يدعون إلى ربهم على بصيرة، إنما هو ممَّن أراد الحياة الدنيا وزينتها، وزُيِّن له سوء عمله فرآه حسنًا، وهو ممن عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (يؤتَى بالرجل يوم القيامة فيُلقَى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحَى، فيجتمع عليه أهل النار، فيقولون: يا فلان، مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه) رواه مسلم.
واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن هؤلاء الناس الذين يعملون بوجهين، إذا كانوا يستطيعون خداع الناس فلن يستطيعوا خداع رب الناس".
وفقك الله أختي الكريمة، ونرجو أن نكون قد استطعنا أن نزيل حيرتك، ومرحبًا بك وبرسائلك دائمًا.
============
العمل الجماعي.. أسس وضوابط
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما فتئ علماؤنا الأجلاء يحثون على العمل الإسلامي في جماعة، وأذكر هنا ما جاء في محاضرة الدكتور يوسف القرضاوي بالمغرب، لكن ما هو المعيار الذي نبني عليه اختيارنا وعلى أي أساس؟ وهل ما يسمى بجماعات الإسلام السياسي يمكن العمل في إطارها رغم ما يتعرض له بعضها من مضايقات؟ والتي لا تتعرض لهذه المضايقات كيف نقيم جدواها ونحن نشهد ذوبانها في الساحة الحزبية دون القدرة على تفعيل قناعاتها على الواقع؛ فتجد ممثليها يتمايلون على إيقاع أصحاب القرار من غير حول ولا قوة؟ هل من حقنا أن نتساءل: أي الفريقين أهدى؟
الوضع لدينا لا يخفى على أحد، والحيرة تؤلمني وتقعد بي؛ فما العمل إذن؟ والحساب يتبعني، وهم الأمة لا يفارق تفكيري، همي هو خدمة هذا البلد وهذه الأمة، وأن ألقى الله وهو راض عني.
…السؤال
الدعوة والحركة …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …(9/315)
…يقول الشيخ باهشام بن سالم -عضو رابطة علماء المغرب-:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه وبعد..
قبل الإجابة على الأسئلة المطروحة من قبل الأخت الكريمة لا بد أن نطرح سؤال المناطق الذي يقولون فيه: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ونحن نريد أن نحكم على الحركات الإسلامية بالمغرب، وأيها أنفع وأجدى؟ وهذا يتطلب منا أن نحدد أولا ما هو الهدف من تأسيس الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي عموما وفي المغرب خصوصا؟ وبعدها يوضح لنا مدى ضرورة الانتماء إلى أي جماعة من هذه الجماعات.
هذه الحركات الإسلامية تأسست، وكان تأسيسها واجبا وضروريا لغياب أمرين في المجتمعات الإسلامية لولاهما ما تأسست:
الأول: غياب الإسلام الصحيح على الصعيد الفردي، وإذا كان في الحديث النبوي الشريف الذي ورد في الصحيح، والذي ساقه لنا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- ليبين لنا من خلاله أثر البيئة على عقيدة الفرد وديانته؛ إذ ساق لنا قصة ذلك الرجل الذي ارتكب جريمة قتل 100 نفس بغير حق، ولما توجه إلى عالم ليستفتيه في شأن توبته بين له العالم أن باب التوبة مفتوح ما دام لم يصل إلى درجة الغرغرة، ولكن نصحه أن ينتقل من البيئة التي هو فيها، والتي تشجعه على ارتكاب المناكر إلى قرية فيها أفراد صالحون، وقد أورد المنذري في كتابه "الترغيب والترهيب" كل صيغ هذه القصة، ومن رواياتها أنه نصحه أن يهاجر إلى قرية تسمى بـ"نصرة"، ويبقى السؤال المطروح اليوم: فإذا تاب الشخص في هذه المجتمعات المفتونة؛ فأين هي "قرية النصرة" التي يمكن أن نهاجر إليها لنعيش ديننا، ولا نفتن في عقيدتنا ما دام المرء ابن بيئته؟.
ما يمكن أن نقوله أختي الكريمة في هذا السياق هو قول الله عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} (الروم: 41)؛ فالهجرة لا تتأتى مكانيا، وإنما تكون من بيئة مفتونة في كل بلد إلى بيئة، أصحابها صالحون، وهم أولئك الذين كونوا حركة إسلامية، هدفهم من ورائها أن يعيش الفرد دينه، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يرشدنا فيقول: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"، والحكماء يقولون: "الطباع تجلب الطباع؛ فاختر لنفسك من أطاع". هذا هو الهدف الأول من تأسيس هذه الحركات الإسلامية.
الهدف الثاني هو تحقيق شرع الله في البلد، ويستحيل أن يتحقق إلا بتأسيس جماعة منظمة محكمة، لها منهاج واضح وطريق لاحب (واضح)، لا غبار عليه حتى لا يُصدموا بما يخططه الكفار فينهزموا في الطريق؛ إذ من سنة الله في الكون تدافع أهل الحق والباطل لقوله تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ}.. هذا هو الهدف الثاني.
وإذا ما استقرأنا سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي يخبرنا فيها عما سيقع في هذه الأمة الإسلامية من فتن؛ فإننا نجد حديثا نبويا شريفا يضع لنا معالم على الطريق حتى لا نزل أو نضل؛ فيقول -عليه الصلاة والسلام-: "لتنقضُّن عرى الإسلام عروة عروة، كلما انتقضت عروة إلا وتمسك الناس بالتي تليها؛ فأولهن نقضا الحكم، وآخرهن الصلاة"؛ ففي هذا الحديث النبوي الشريف يجمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- طرفي ما سينتقض من دين الله؛ بدءا بالحكم، وانتهاء بالصلاة التي هي عماد الدين، والتي من أقامها أقام الدين، ومن هدمها هدم الدين.
وأي حركة إسلامية تأسست ولم تستحضر أمامها وجوب إبرام ما انتقض من دين الله فقدمها يكون في غير محله، وتكون قد وقعت في مزالق عدة، وقد أخذت جزءا من الدين، واتبعت خطوات الشيطان؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} (البقرة: 208)؛ أي ادخلوا في الإسلام جميعا، ولن يقيم الدين أحد إلا إذا أحاطه من كل جوانبه، وإلا سيكون متبعا لخطوات الشيطان بصريح نص الآية؛ فالحركة الإسلامية التي تغيب جانب إبرام ما انتقض من الحكم أو الجانب الاجتماعي أو التربوي أو العلمي أو التعبدي.. فقد وقعت في مزلق من المزالق، تكون بسببه متبعة لخطوات الشيطان.
وإذا ما سمعنا إلى الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي عموما، وفي المغرب خصوصا؛ فإنا نجدهم يتفقون جميعا في كون مرجعيتهم الكتاب والسنة، ولكنهم يختلفون في لب الأمر وأساسه، وهو: بأي فهم نفهم كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله الكريم؟ وبأية إرادة نطبق ما فهمناه فهما صحيحا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وهو يتجلى في البون الشاسع بين أبناء هذه الحركات الإسلامية التي لا نتهم نياتها، وإنما تختلف في هاتين النقطتين.
وكل حركة وفقت في فهم كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- الفهم الصحيح، ونزلت النصوص مستعملة فقه التنزيل دون أن تنظر إلى وقائع زماننا بمنظار عيون العلماء الذين كانوا في زمن لم يعيشوا زماننا؛ فإنه يتطلب منها أن تنتقل إلى النقطة الأساسية الثانية، وهي الهمة التي تطبق بها، وتمارس ما فهمت من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- على أرض الواقع لتعطي النموذج الصحيح للإسلام.(9/316)
من هنا نعلم على صعيد الفرد وعلى صعيد الحركات الإسلامية أن قيمة الشخص وقيمة الحركات الإسلامية لا فيما تحمله من معلومات، ولكن في مدى مطابقة المعلومات للعمل؛ فإذا تمت هاتان النقطتان بطريقة صحيحة وفهم واضح؛ فلا نستغرب مما قد تتعرض له هذه الحركة من عراقيل؛ فهذه سنة الله في الأرض من قبل أهل الباطل، لهذا أخبرنا الله -عز وجل- في كتابه الكريم عن هذه الحقيقة التي هي من سنن الله في الأرض في آيات متعددة؛ فقال مثلا في سورة العنكبوت: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت: 1-3).
وهذا لا يعني أن هذه الابتلاءات التي أخبر الله بها في كتابه الكريم، وعاشها الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع صحابته الكرام أن نكون متهورين في حركاتنا وسكناتنا؛ بل علينا أن نستعمل اللين في خطواتنا كلها، ولا نُستفز من قبل أعداء الله؛ حتى لا نسقط في العنف أو الإرهاب أو الأعمال الطائشة التي تدل على إحكام الخطة.
كما لا ننتقل من النقيض إلى النقيض الآخر الذي هو الارتماء في أحضان النظام والاعتراف بما يخالف الشريعة الإسلامية؛ كالاعتراف بالملكية الدستورية، وأنها من مقدسات البلد، وهذا يخالف نصوص الشريعة المحكمة الصريحة، التي من بينها الحديث النبوي الشريف الذي رواه الإمام أحمد في المسند؛ إذ أخبرنا فيه الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- على مراحل الحكم في الدول الإسلامية فقال: "تكون فيكم النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة راشدة؛ فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا؛ فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا؛ فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة. ثم سكت".
فالاعتراف بالحكم السائد في الدول الإسلامية الآن هو اعتراف بالملك الجبري، وبالتالي لا يبقى لتأسيس الحركات الإسلامية معنى، ومخالفة لنصوص الشريعة الإسلامية، واعتراف بوراثة الحكم، وهذا ما لم يقره شرع.
هذه خطوط عريضة ننير بها طريق الأخت الكريمة، نضيف إليها الاستيقاظ في الثلث الأخير من الليل؛ لأن الأمر مصيري؛ حيث النزول الرباني إلى السماء الدنيا كما يليق به -سبحانه وتعالى-، وحيث يكون الرب -عز وجل- أقرب من عبده كما جاء في الحديث النبوي الشريف؛ فتتوضأ الأخت الكريمة، وتتضرع لله -عز وجل- أن يدلها على الحق، وأن يوفقها للاستجابة له بعد الأخذ بهذه الأسباب التي ذكرنا.
والله -سبحانه وتعالى- يقول لعباده كل ليلة: "هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟".. فلن يخيب الله رجاءها، وسيجعل لها الله سبحانه في الظلمة نورا، وفي الجهالة حلما، وسيرشدها إلى أحسن السبل؛ فهو كريم سبحانه وتعالى.
والله الموفق لما فيه الخير، والهادي إلى سواء السبيل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ويضيف الأستاذ محمد شاكري -داعية مغربي-:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مرحبا بأختنا الكريمة في استشارتها هذه، وأرجو الله أن ينفعنا بها، وأن يلهمنا مراشد أمورنا.
أختي السائلة، أبدأ كلمتي من حيث انتهيتِ؛ حيث السؤال المفصلي هو: كيف السبيل إلى الذود عن الأمة أفرادا وجماعة؟ كيف السبيل إلى المساهمة في بناء صرح أمتنا التليد، وهي في أحلك فتراتها التاريخية وقوى الشر من الغرب والشرق قد اجتمعت وتوحدت من أجل النيل منها ونهب خيراتها وسلب ثرواتها؟.
أختي جاء في الأثر أن جماعة من الخوارج جاءت إلى علي -كرم الله- وجهه تناقشه في أمر الفتنة، وما كان جوابه إلا أن قال: "لا أعلم لأصناف المسلمين إلا ثلاثة أصناف: إما أن تكون من المهاجرين أو من الأنصار أو من الذين قالوا: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا}"؛ فبعلمه وتسديد الله له وضع الإصبع على الداء؛ فلينظر كل واحد من أي صنف هو؟ هل من المهاجرين، أم من الأنصار، أم من الصنف الثالث؟ وإلا فليراجع نفسه إن لم يكن من أحد هؤلاء.
هذا التحديد يكون بوابة طبيعية للخروج من التيه الذي يمكن أن يحسه كل شاب أو شابة غيور على دينه.
فالمسلم بعقيدته يحب كل إخوانه المؤمنين ليس المعايشين له فقط؛ بل المؤمنين في سائر الأزمنة والعصور، بهذه الروح يجب على كل مسلم أن ينظر، وأن يتفاعل مع بقية إخوانه.(9/317)
وهنا أضرب مثالا من تاريخ أمتنا الإسلامية، وما أشبهه بحالنا اليوم، وهو تاريخ سقوط الدولة العباسية وما عاشته الأمة من التشرد والضعف والهوان؛ فكانت تجربة العابد عبد القادر الجيلاني خلال القرن السادس الهجري؛ حيث أبلى البلاء الحسن من أجل الخروج من الفُرقة والتشرذم الذي كانت تعيشه الأمة آنذاك، سمته التعصب المذهبي والطائفي العشائري... تعصب لم تسلم منه أي ناحية من مناحي الحياة آنذاك، والشواهد التاريخية كثيرة شاهدة على ذلك، ومن أمثلتها ما جاء في "البداية والنهاية" لابن كثير؛ حيث في عام 469هـ حين قدم إلى المدرسة النظامية ببغداد أبو نصر بن القشيري، وأخذ يذم الحنابلة، وينسبهم إلى التجسيم، وأيده بعض شيوخ المذهب من مدرسي المدرسة مثال الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وأبي سعد الصوفي؛ فثارت الفتنة، وامتدت إلى خارج المدرسة؛ حتى إن جماعة من أنصار الشافعية هاجموا أبا جعفر بن موسى (شيخ الحنابلة) وهو في مسجده، فدافع عنه أنصار الحنابلة، واقتتل الناس بسبب ذلك.. هذا مثال من آلاف الأمثلة التي كانت تعج بها الساحة الثقافية والاجتماعية والفكرية للأمة الإسلامية خلال ذلك العصر.
أمام هذا الوضع كانت مبادرات الشيخ عبد القادر الجيلاني للخروج من هذه الأزمة بإعداده لمجموعة من الطلاب في المدارس التي أنشاها في بلاد الرافدين والشام متصفين بمجموعة من الكفايات تجاوزت عشرة، أذكر منها: "كان لزاما على كل طالب علم لديه (مريد) ألا يشهد على أحد من أهل القبلة بشرك أو كفر أو نفاق، فإن تحقق فيه ذلك كان أقرب للرحمة، وأقرب لأخلاق السنة، وأبعد من ادعاء العلم، وأقرب إلى رضاء الله، وهو باب شريف يورث العبد رحمة الخلق أجمعين".
والكفاية الأخرى: "على طالب العلم (المريد) أن يتصف ويتسم بالتواضع؛ إذ به تعلو منزلة العابد، وهو خصلة أصل الأخلاق كلها، وبه يدرك العبد منازل الصالحين الراضين عن الله في السراء والضراء وهو كمال التقوى".
ويعرف التواضع بنفس التعريف الذي كان للإمام الغزالي رحمة الله تعالى عليه؛ وهو "ألا يلقى العبد أحدا من الناس إلا رأى له الفضل عليه؛ فإن كان صغيرا قال: هذا لم يعص الله وأنا قد عصيت فلا شك أنه خير مني، وإن كان كبيرا قال: هذا عبد الله قبلي، وإن كان عالما قال: هذا أُعطيَ ما لم أبلغ، ونال ما لم أنَل، وعلم ما جهلت، وهو يعمل بعلمه، وإن كان جاهلا قال: هذا عصى الله بجهل، وأنا عصيته بعلم، ولا أدري بما يختم لي وبما يختم له، وإن كان كافرا قال: لا أدري عسى أن يسلم فيختم له بخير العمل، وعسى أن أكفر فيختم لي بسوء العمل، وهذا باب الشفقة والوجل".
أختي، أحببت أن أذكرك بهذه المواقف التي أعتقد أنها الأصل في التعامل مع عباد الله جميعا؛ إذ كلما نظرت إليهم ازددت صغرا في عينيك؛ إذ كل واحد منهم لا يألو جهدا في التقرب إلى الله تعالى.. فما هو حالي؟ وأين هو موضعي؟ وما هو واجبي تجاه هذه الأمة وتجاه ديني وخالقي وبارئي؟...
عندما تتضح هذه الأسئلة يكون الجواب هو أنني مقصر في أداء الواجب؛ إذ الأصل أن أحاسب نفسي على ما فرطت فيه في جنب الله، ولست مسئولا عن محاسبة الآخرين، أفرادا وجماعات؛ فالجماعات والجمعيات ما هي إلا وسائل من أجل إدراك الغاية الكبرى، وهي الفوز بمرضاة الله تعالى، كل يبحث عن الوسيلة التي يتقوى بها إيمانه، وتزداد قوته، ويزداد عطاؤه، وبالتالي يغترف أكثر فأكثر من الثواب.
هكذا يجب أن ننظر إلى هذه الوسائل، وننظر إلى أن قوة هذه الوسائل منوطة بتضحيات وبتفاني أفرادها وأعضائها، ولن تكون له هذه القوة إلا إذا كانت لهم قلوب كما وصفها الإمام علي للخوارج "المغفرة للذين سبقونا بالإيمان"، بهذه القلوب الصافية الطاهرة يمكن أن تتقوى الجهود وتتضاعف، بالإضافة إلى الإخلاص وتحري الصواب.
أختي في الأخير وكما هي العادة في الاستشارة.. القول الأخير لك؛ فالوسائل المتاحة في الواقع يمكن أن نمثل لها كالقطارات التي اتجهت نحو مرضاة الله تعالى حاملة لواء الذود عن الأمة، وما تتعرض له ركبها من ركبها، وتقاعس من تقاعس. أعانك الله ووفقك لكل خير وسدد خطاك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
============
الداعية والحب.. ما نملك وما لا نملك
بسم الله الرحمن الرحيم،
السلام عليكم ورحمة الله،
الاستشارة بخصوص غضِّ البصر، لي أختٌ في الله، في بداية الحياة الجامعيَّة، وتشكو لي أنَّها وقعت في ما يسمَّى "الحبّ" نتيجة عدم غضِّ البصر، وطلبتُ منها البعد عن هذا، ولكنَّها بدأت في البكاء بحرقةٍ لأنَّها تدَّعي أنَّها وقعت في الحبّ، والشابُّ الذي تحبُّه من الشباب الملتزم.
فماذا أفعل معها؟
جزاكم الله كلَّ الخير.
أختكم في الله سلوى. …السؤال
الدعوة النسائية, الدعوة الفردية, الدعوة النسائية, الشباب …الموضوع
الأستاذ فتحي عبد الستار…المستشار
……الحل …
…الأخت الكريمة سلوى،
مرحبا بك، وجزاك الله خيراً على اهتمامك بهذه الأخت وحرصك عليها.
وبدايةً أستأذنك في أن أناقشك في المحور الذي حدَّدته لمشكلتك، حيث قلت: "الاستشارة بخصوص غضِّ البصر"، ثمَّ تحدَّثت عن مشكلة زميلتك ووقوعها في الحبّ، وحدَّدت السبب بأنَّه نتيجة عدم غضِّ البصر.
أنا معك في أنَّ النظر هو رائد القلب ورسوله، وكما قال الشاعر: "كلُّ الحوادث مبدؤها من النظر"، ومعك في أنَّ إطلاق البصر دون ضابطٍ يورِد الإنسان ذكراً أو أنثى موارد التهلكة، كما أنَّنا مأمورون من قِبَل الله عزَّ وجلّ بغضِّ أبصارنا عن النظر إلى ما حرَّم الله عزَّ وجلَّ النظر إليه.(9/318)
ولكنِّي –رغم ما سبق- لست معك في إلقائك اللوم كلَّه والمسئوليَّة على عدم غضِّ البصر وحده، فإنَّ هناك أسباباً حقيقيَّةً أخرى يغفل أو يتغافل عنها الملتزمون والملتزمات ومن يوجِّههم ويرعاهم.
إنَّ الشباب الملتزم والفتيات الملتزمات، لهم أحاسيس ومشاعر وفِطَر، لا تختلف عن غيرهم من أقرانهم، ومحاولة كبت وخنق هذه المشاعر والأحاسيس والفِطَر تؤدِّي إلى عيوبٍ نفسيَّةٍ شديدةٍ تؤتي آثارها الضارَّة على علاقة هؤلاء الشباب بأنفسهم وبالمجتمع من حولهم، وتصيبهم بنوعٍ من انفصام الشخصيَّة، فالعديد منهم قد يعيشون أو "يُظهِرون" أنفسهم في قالبٍ معيَّن، وحينما يخلون مع أنفسهم أو مع بعض الأصدقاء البعيدين عن مجتمع الملتزمين يعيشون في قالبٍ آخر، وهذا يؤدِّي بدوره إلى صراعٍ داخليٍّ يعتلج داخل نفس الشابِّ والفتاة، حيث يتهمَّان أنفسهما بالنفاق والرياء.
ويصاحب ذلك غرس وإشاعة بعض المفاهيم المغلوطة والمبالغ فيها عن غضِّ البصر والاختلاط لحصر أسباب الانحراف فيهما وحدهما، فيُفسَّر أمر الله عزَّ وجلَّ بغضِّ البصر، بوجوب الإغماض التامّ، ويُفسَّر التحذير من آفات الاختلاط غير المنضبط بالفصل التامّ!!.
ودعينا نصارح أنفسنا بأنَّ مثل حالة هذه الأخت كثيرٌ ومنتشر، نقول ذلك من خلال ما يرد إلى الموقع من استشاراتٍ ومشكلات، وذلك يرجع للأسباب التي ذكرناها، وظهور مثل هذه الحالات وانتشارها في أوساط الملتزمين تدعونا إلى ضرورة التفكير بطريقةٍ أخرى في مسألة التربية، طريقةٍ لا تتجاهل وجود الجنس الآخر في الحياة، وتكرِّس مفهوماً واضحاً للتعامل الطبيعيِّ المنضبط مع هذا الجنس، كما كان عليه العهد في مجتمع النبيِّ صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام.
أمَّا إهمال وجود الجنس الآخر، وتحريم وتجريم التعامل معه أو الاتِّصال به بأيَّة طريقةٍ من الطرق، إنَّما هو منافٍ للفطرة البشريَّة، ومحاولةٌ يائسةٌ تصطدم بالواقع الحياتيِّ عاجلاً أو آجلا، فتظهر سلبيَّات ذلك عندما يتعامل هؤلاء الشباب مع المجتمع المنفتح من حولهم، والذي يبدو جليًّا في الجامعة المختلطة بعد حقبةٍ طويلةٍ من الانعزال وغرس جذوره، فتجد -إلى حدٍّ كبير- عدم توافق العديد من الشباب الملتزم النفسيِّ مع زملائهم وزميلاتهم في الدراسة، ومن ثَمَّ العمل، وربَّما تظهر بعد ذلك مشكلاتٌ في حياتهم الزوجيَّة، هذه السلبيَّات ما كانت لتظهر لو اعتاد الشابُّ والفتاة كلاهما على وجود الجنس الآخر، وتعلَّما وتربيَّا على طريقة التعامل المثلى معه وفق الضوابط التي حدَّدها شرعنا الحنيف.
كما أنَّنا نجد من جرَّاء تلك التربية الخاطئة متناقضاتٍ عجيبةً يرتكبها كلُّ من الشابِّ والفتاة الملتزمَيْن دون أن يشعرا، فنجد مثلاً الأخت الملتزمة تعامل كلَّ أصناف البشر، من خدمٍ وبائعين وسائقين وعمَّال، وتحدِّثهم وتكلِّمهم وتشتري وتبيع، بل ربَّما جعلت البائع يفقد أعصابه من كثرة فصالها له، ثمَّ عندما تقابل أخاً ملتزماً في الطريق أو في الجامعة أو في العمل، تضطَّرب وترتبك، وتُعرِض بجانبها، وينقطع صوتها!!! ولا أفهم تبريراً لطريقة التعامل هذه!.
لابدَّ أن نقرِّر في نفوسنا وفي نفوس إخواننا وأخواتنا وأبنائنا وبناتنا أنَّ الإسلام هو دين الوسط في كلِّ الأمور، وأنَّ أحكامه وتقديراته ليست ولا ينبغي أن تكون ردود أفعالٍ للغير، فلا ينبغي أن يدعونا الانحلال الزائد عن الحدّ، والاختلاط غير المنضبط، إلى الانعزاليَّة المفرطة، والتجاهل التامِّ لوجود الجنس الآخر.
وسأورد في نهاية الاستشارة عدداً من الروابط الخاصَّة بالموضوع.
أختي الكريمة،
إنَّ الميل العاطفيَّ نحو الجنس الآخر أو ما يُطلَق عليه "الحبّ"، هو ترجمةٌ وتعبيرٌ عن الفطرة التي وضعها الله عزَّ وجلَّ في نفوس بني البشر جميعهم، مؤمنهم وكافرهم، صالحهم وطالحهم، والإسلام لا ينكر هذه المشاعر ولا يجرِّمها ولا يكبتها، ولكنَّه ينظِّمها ويوجِّهها توجيهاً عفيفاً طاهرا، يحفظ طهارة القلوب والأرواح والأجساد والأنساب.
كانت هذه مقدِّمة، ونبني عليها أنَّه إذا لم يتعدَّ الأمر مع صاحبتك مرحلة الشعور وتحرُّك القلب، فلا إثم على صاحبتك إلا من الأسباب التي قد تكون أدَّت بها إلى ذلك، من نظرةٍ محرَّمة، أو حديثٍ غير منضبط، أو غير ذلك، أمَّا إن تجاوز الأمر إلى مقدِّماتٍ للفواحش الكلُّ يعلمها، فالأمر يختلف تماما، ويترتَّب عليه أشياء أخرى، وحسب قولك أحسب أنَّها لم تصل لهذا إن شاء الله تعالى، فالمرء لا يملك قلبه، ولكنَّه يملك فعله، وهذا بالضبط ما فعله صلى الله عليه وسلم مع أزواجه حين كان يعدل بينهنَّ في الفعل ويعتذر عن العدل القلبيِّ لأنَّه لا يملكه، وقال صلى الله عليه وسلم معتذراً لربِّه تعالى : "اللهمَّ هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم بسندٍ صحيح، وقال أبو داود: يعني القلب.
وبناءً على ما سبق ففي حالة صاحبتك لا شيء عليها في القلب، ما لم يتحوَّل ذلك لفعلٍ أو مقدِّمات فعل، أو أيِّ تصرُّفٍ ينساق وراء القلب، فهنا يكون الحساب.
وقبل أن نتحدَّث عمَّا يجب أن تفعليه معها لتخرجي بها من هذه الأزمة، إيَّاك أن تعنِّفيها أو تشعريها بأنَّها ارتكبت إثماً عظيماً ما كان ينبغي لها أن تقع فيه، وهي الملتزمة، فالهجوم على هذه العاطفة وإنكارها على صاحبها يجعله يزداد تمسُّكاً بها، وتضعف قدرته على مراجعة نفسه، والسير في طريق التخلُّص منها.(9/319)
وأوَّل شيءٍ يجب أن تفعليه معها بعد استحضار نيَّتك، واحتساب الأجر عند الله عزَّ وجلّ، أن تجلسي معها جلسةً هادئة، وتحاولي معها أن تصلي إلى تشخيص شعورها تجاه هذا الشابِّ تشخيصاً دقيقا، فإنَّنا كثيراً ما نخلط بين الاحتياج النفسيّ، والإعجاب، والحبّ، وغير ذلك، وإن كان بعضها يستتبع بعضا، ولكن لتحدِّدا بدايةً الطريق.
فإن كان الأمر مجرَّد إعجابٍ قلبيٍّ فانصحيها ألا يتجاوز الأمر ذلك، وأن تحرص كلَّ الحرص أن تبتعد عن كلِّ ما قد يحوِّل هذا الإعجاب إلى فعل، وهي أدرى الناس بنفسها، فأيُّ فعلٍ تتأكَّد من أنَّه سيسبِّب لها مشكلةً عليها أن تبتعد عنه تماما غلقاً لهذا الباب.
أمَّا إن كان الأمر أبعد من إعجابٍ قلبيّ، من حيث إنَّه بدأ يدعوها إلى بعض التصرُّفات التي قد تؤدِّي إلى ضرر، فهنا أخبريها -أختي الكريمة- أنَّ العلاج الوحيد في مثل هذه الحالات لا يخرج عن أمرين:
الأوَّل: أن تتزوَّج تلك الفتاة من الشخص الذي أحبَّته، على شرع الله عزَّ وجلّ، إذا كان الشعور بينهما متبادلا، وكانت أسباب الزواج ممكنةً وميسَّرة، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: "لم نر للمتحابَّيْن مثل النكاح"رواه ابن ماجه بإسنادٍ صحيح.
وإن لم يتيسَّر ذلك لسببٍ أو لآخر، فليس أمامنا إلا العلاج الثاني، وهو علاجٌ صعبٌ ومؤلم، ألا وهو البتر، نعم البتر، وقطع كلِّ أسباب اللقاء أو الحديث، أو حتى الرؤية لذلك الشابّ.
وينبغي أن يُتَّخذ هذا القرار سريعاً ودون إبطاء، فالتمهُّل والتدرُّج لا يفيدان في مثل هذه الأمور، وإنَّما يؤدِّيان إلى زيادة المضاعفات، وتأخُّر الشفاء، وربَّما استعصى العلاج بعد ذلك.
ثمَّ انصحيها وأرشديها إلى بعض الأسباب والمعينات التي تساعدها على الخروج من هذه الأزمة سريعا، مثل:
1- دوام الدعاء والابتهال إلى الله عزَّ وجلَّ أن يرفع عنها ما هي فيه، وأن يربط على قلبها، وأن يرزقها العزيمة والصبر.
2- ملازمة المصحف دائما، وكثرة القراءة فيه، وانصحيها أن تفتحه في أيِّ مكانٍ وفي أي وقت تتاح فيه القراءة.
3- ذكِّريها بأنَّ هذا العذاب التي تحسُّ بها، والنار المتَّقدة في قلبها، أخفُّ كثيراً كثيرا، بل لا تقارن بعذاب الآخرة ونار جهنَّم، والعياذ بالله.
4- ذكِّريها دائماً أنَّ من ترك شيئاً لله، عوَّضه الله عزَّ وجلَّ عنه، ما هو خيرٌ له في دينه ودنياه.
5- ذكِّريها بما أعدَّه الله عزَّ وجلَّ في الجنَّة من نِعَمٍ ومُتَعٍ لعباده الصابرين المجاهدين لأنفسهم.
6- حاولي على قدر استطاعتك أن تلازميها دائماً وتتابعيها، وشدِّي من أزرها، وقوِّي عزيمتها، وتعقَّبي خطواتها على طريق الشفاء، وسارعي أوَّلاً بأوَّلٍ بإقالة عثرتها، وتسديد خطاها.
7- اعملي على إحاطتها دائماً بالرفقة الصالحة والصديقات المخلصات، ليتعاونَّ معك على إخراجها من هذه الأزمة بشرط ألا يعلمن ما بها حفاظاً على سرِّها، وأشغلن أوقاتها دائماً في الخير والصلاح، بحيث تتناوبن عليها، فلا تتركن فرصةً للشيطان لينفرد بها.
8- اطلبي من أخواتك ومن الصالحين الدعاء لها، ولكن –كما أشرت سابقا- إيَّاك من إفشاء سرِّها لأحد، فلا تفضحيها، وعندما تطلبي من أحدٍ أن يدعو لها، فاطلبي أن يكون الدعاء عامّا.
9- ساعديها على شغل الوقت بالعمل في الدعوة، وحذِّريها من أن يقذف الشيطان في روعها أنَّها لا تصلح من الآن للدعوة إلى الله عزَّ وجلّ، وأنَّها لا تليق أن تلتحق بسلك الأخوات؛ وتنصرف إلى جَلْد الذات وتحقيرها.
أفهميها أنَّ الدعاة إلى الله عزَّ وجلَّ ليسوا ملائكة، وهم معرَّضون لكلِّ ما قد يتعرَّض إليه غيرهم من البشر، وقد قال الله عزَّ وجلَّ في معرض وصفه للمتقين: "والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون"، فلم يخلع عنهم صفة التقوى بمجرَّد فعل الفاحشة وظلم أنفسهم، فهم يبقَون "متَّقين" بشرط التذكُّر والاستغفار، ووعدهم ربُّهم سبحانه بالمغفرة وبجنِّةٍ عرضها السماوات والأرض أُعدَّت للمتَّقين، طالما لم يصرُّوا على أفعالهم تلك بعد أن علموا بعدم جوازها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "كلُّ ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوابون"رواه الترمذيُّ بسندٍ حسن.
10- ساعديها على تجديد نمط حياتها، اخرجا سويًّا للتنزُّه في الأماكن الطبيعيَّة المفتوحة، والفتي نظرها للأشياء الجميلة في الكون، لزرقة المياه، لصفاء السماء، لابتسامةٍ طفل صغير، شجِّعيها على مخالطة المساكين، ومعاونتهم، ومشاركتهم آلامهم والتخفيف عنهم، وجِّهي اهتمامها لمتابعة أخبار المسلمين في فلسطين، وفي غيرها من البلاد،
11- ساعديها على أن تشغل وقتها، بالعمل في الدعوة –كما ذكرت- ، بممارسة هواياتٍ مفيدة، بالقراءة والاطِّلاع،.. إلخ.
وبعد أن يمنَّ الله عزَّ وجلَّ عليها، حاولا معاً أنت وهي أن تتأمَّلاً ثانيةً في الأسباب التي أوقعتها في هذا الأمر، وتحاولا دراستها، حتى لا يتكرَّر الأمر معها، فمن الممكن أن تكون العاطفة لها التأثير الأقوى في شخصيَّتها، وعندها القابليَّة للتأثُّر السريع بها، فإن كانت كذلك، فاغرسي في نفسها أنَّها يجب أن تلجم نزوات عواطفها بنظرات عقلها، وتبتعد عن كلِّ ما يثير عواطفها، أيًّا كانت هذه المثيرات.(9/320)
ويبقى جانبٌ مضيءٌ يجب أن تسترعي انتباهها إليه بعد أن ينعم الله عليها بالنسيان والخروج من هذه الأزمة، وهو الفوائد والعِبَر التي لم تكن لتأخذها إذا لم تمرَّ بهذه التجربة، ومنها لجوءها لله عزَّ وجلّ، وعِلمها أنَّها دائماً في حاجة إليه سبحانه وتعالى، وأنَّ النفس البشريَّة ضعيفةٌ متقلِّبة، ومن الفوائد الكبرى من هذه التجربة أنَّها كشفت لها عن فهمٍ دعويٍّ لم تكن لتلتفت إليه، إذ هي ربَّما كانت قبل ذلك تستحقر العصاة، وتستنكر أن تقع إحدى زميلاتها أو أخواتها في العشق أو غيره، وتسخر منها، فجعلتها هذه التجربة ترحم العصاة وتنظر إليهم نظرةً أخرى، وتعطف على أخطائهم، وتأخذ بأيديهم، وتعلم أنَّ النفس بين هذا وذاك لا تهدأ، وأنَّ كلَّ نفسٍ فيها الخير حتى وإن خالف ظاهرها ذلك.
أختي الكريمة،
أعانك الله ووفَّقك وتقبَّل منك، ونذكِّرك مرَّةً أخرى باستحضار نيَّتك، واحتساب الأجر عند الله عزَّ وجلّ.
============
روشتة لعلاج الكسل الدعوي
السلام عليكم أنا أسكن في بلد ريفي، وأعمل في الدعوة إلى الله أنا وبعض الإخوة، ولكن نعاني من كسل بعضنا وعدم تفانيه في الدعوة. أيضا نحن لا نجيد مهارات دعوة الآخرين، مع العلم أن عددنا 4 فقط.
أنا أرى أن المشكلة أننا لا نجيد عرض ما عندنا من الخير، ونفتقد لمنهج أو جدول عمل يجمعنا.
وجزيتم خيرا.
…السؤال
زاد المسير …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
…الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم وحرصكم عليه وعملكم به وله.
أخي الحبيب..
للنشاط الدعوى أسبابه وللكسل أسبابه..
فأما أسباب النشاط عموما فأهمها:
1- قوة الإرادة: فهي تعين على اقتحام أي عمل حتى ولو كان صعبا، كما يتضح ضمنا من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام؛ بكل عقدة يضرب عليك ليلا طويلا، فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان، فإذا صلى انحلت العقد؛ فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" (أخرجه مسلم وغيره)..
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" في هذا الحديث: "لسروره بما وفقه الله الكريم له من الطاعة، ووعده به من ثوابه، مع ما يُبارَك له في نفسه وتصرفه في كل أموره، مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه".
2- الاهتمام بالشعائر: فهي تشحن القلب بشحنات إيمانية تدفع وُتنشِّط الجسد لحسن العمل وقوته.. قال الإمام ابن القيم في "زاد المعاد": "الصلاة فيها من حفظ صحة البدن، ومن حفظ صحة الإيمان وسعادة الدنيا والآخرة، ومن أنشط شيء للبدن والروح"، وُيقاس على الصلاة كل شعيرة.
3- بعض العمل: كالخفيف من أعمال البر، التي تدرب تدريجيا على حب العمل الدعوي.
4- كثرة الذكر: قال الإمام ابن عبد البر في كتابه "التمهيد" في شرح الحديث السابق: "في الحديث دليل على أن ذكر الله يطرد الشيطان... ويحتمل أن يكون كذلك سائر أعمال البر".
5- الشعور بالإنجاز: فهو يشجع ويُنشِّط على مزيد من الإنجاز من أجل الاستمتاع بمزيد من السعادة التي أحستها النفس به، كما يُفهم ضمنا من الحديث أيضا.
6- وجود الحافز: فوجود هدف دنيوي وهو السعادة والعزة فيها، وهدف أخروي وهو أعلى الدرجات في الجنات يدفع ويُحِّفز لكثرة العمل وجودته وجدية الالتزام به.. كما كان حال وحياة الصحابة الكرام؛ فقد كان القرآن الكريم والرسول -صلى الله عليه وسلم- يعدهم بالسعادة في الداريْن لو عملوا لذلك.. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في النشاط والكسل... وعلى أن ننصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قدم علينا يثرب بما نمنع به أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا، ولنا الجنة" (جزء من حديث أخرجه أحمد وغيره).
7- التجمُّع: فكلٌّ يعين بعضه بعضا بجهد، بكلمة، بموقف.. فيتحقق النشاط، كما حدث عند حفر الخندق؛ فقد جاء في صحيح البخاري: "باب: الرَجَز في الحرب ورفع الصوت في حفر الخندق"، قال الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه "فتح الباري": "الرجز من بحور الشعر.. وجرت عادة العرب باستعماله في الحرب ليزيد النشاط ويبعث الهمم".
8- الشورى والحوار: فهي تزيد الخبرات، وتزيد الثقة في التصرفات، وبالتالي تزيد النشاطات.. وهذا هو ما يُستفاد من قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى: 38).
9- التفاؤل والاستبشار: فانتظار جزاء الخير غالبا ما يؤدي إلى مزيد من عمل الخير حتى يزداد الخير المُنْتَظَر!!.. فعن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه قال: أصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما طيب النفس يُرَى في وجهه الِبشْر، قالوا: يا رسول الله أصبحت اليوم طيب النفس يُرَى في وجهك البشر، قال: "أجل، أتاني آت من ربي -عز وجل- فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وردَّ عليه مثلها" (أخرجه أحمد بسند جيد).
10- الترويح الحلال: فهو يقطع الملل والكسل، ويدفع لمزيد من النشاط وبذل الجهد.. فقد روت السيرة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يدخل أحيانا بساتين أبي طلحة رضي الله عنه ويستظل بظلها.. قال الإمام ابن حجر: "الراحة والتنزه يكون مستحبا يترتب عليه الأجر إذا قصد به إجمام النفس من تعب العبادة وتنشيطها للطاعة".(9/321)
11- التوسط والاعتدال: فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخولُّنا بالموعظة مخافة السآمة علينا" (أخرجه البخاري ومسلم).. قال الإمام ابن حجر: "يُستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجدِّ في العمل الصالح خشية الملال، وإنْ كانت المواظبة مطلوبة لكنها على قسميْن: إما كل يوم مع عدم التكلف، وإما يوما بعد يوم؛ فيكون يوم الترك لأجل الراحة ليُقبل على الثاني بنشاط، وإما يوما في الجمعة، وتختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط".
12- التوقيت المناسب لأداء كل عمل: فقد جاء في صحيح البخاري: "باب: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا لم يقاتل أول النهار أخّر القتال حتى تنعقد الشمس".. قال الإمام ابن حجر: "لأن الرياح تهب غالبا بعد الزوال؛ فيحصل بها تبريد حرّ السلاح والحرب وزيادة في النشاط".
13- الفرد المناسب لأداء كل عمل: كما يُفهم من قوله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} (القصص: 26).
14- الرغبة في أداء العمل: فقد يكون سبب فقدان النشاط أن الفرد غير راغب في عمل ما؛ لأنه مثلا فوق طاقته أو لأنه قد ملَّ منه من كثرة فعله دون تجديد وتنويع أو ما شابه هذا.. فقد قال -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو منبها لهذا: "إن لكل عمل شِرَّة، ولكل شرة فترة.." (جزء من حديث أخرجه ابن حبان وغيره، والشرة هي الحرص والهمة والاشتهاء)، والمقصود أنه لا بد من استغلال فترة أعلى رغبة في العمل لتحقيق أعلى نشاط وإنجاز، وهذه الرغبة تنشأ من التدريب له أو الخبرة فيه أو استشعار عظيم فوائده الدنيوية والأخروية أو نحو ذلك.. يقول الإمام ابن القيم في كتابه "مدارج السالكين": "الطالب الجاد لا بد أن تعرض له فترة فيشتاق فيها".
15- الاهتمام بالصحة: من خلال حسن التغذية والكشف الطبي الدوري والتداوي عند المرض.. كما يُفهم من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لجسدك عليك حقا.."، وفي رواية: "ولنفسك عليك حقا" (أخرجه البخاري وغيره).. قال الإمام ابن حجر: "تعطيها ما تحتاج إليه ضرورة البشرية مما أباحه الله للإنسان من الأكل والشرب والراحة التي يقوم بها بدنه ليكون أعون على عبادة ربه".
هذه أخي الحبيب هي أهم أسباب النشاط عموما.. وأما أهم أسباب الكسل فعكسها تماما؛ أي: ضعف الإرادة، وضعف الاهتمام بالشعائر، وضعف ذكر الله والتواصل معه، وقلة عمل الخير، وعدم وجود حافز دنيوي وأخروي، والعمل الفردي المُشتَّت غير المُجمَّع، والانفراد بالرأي، واليأس والإحباط، والإفراط أو التفريط، وعدم اختيار الفرد المناسب والتوقيت المناسب للعمل المناسب، أو الضعف الصحي...
أخي الحبيب..
إذا أردت أن تحصد نشاطا دعويا، فازرع في إخوانك أسباب النشاط السابقة؛ لتحصد نتائجها..
فازرع فيهم قوة الإرادة.. ازرعها بالتواصي والتدريب والتعاون سويا على بعض الشعائر التي تقويها كصيام يوم أو اثنين أسبوعيا، وكقيام ليلة أو أكثر فيها؛ لأن الامتناع عن الأكل والشرب والنوم لفترات يقويها، وكذلك يفعل بعض المعاملات التي تقويها كالتواصي والتدريب على غض البصر وحفظ اللسان والوفاء بالوعود والمواعيد ونحو ذلك.
وازرع قوة الإيمان.. بالتواصي والتدريب والتعاون سويا على بعض ما يقويه؛ كالصلوات في المساجد وأول وقتها، وكالدعاء وقراءة بعض القرآن يوميا، وكالتدبر والتفكر في مخلوقات الله ونحو ذلك.
وازرع دوام الذكر لله تعالى.. بالتدريب على دوام استحضار نوايا الخير في قلوبكم أثناء كل أعمالكم الحياتية العادية: أثناء الأكل والشرب والنوم واللبس والعلم والعمل والإنتاج والترويح الحلال والعلاقات الاجتماعية الجيدة مع الآخرين، وأن يؤديها كل فرد يعملها حبا في الله الذي طلبها منه لمصلحته وسعادته هو ومن حوله، ويعملها طلبا لحبه وعونه ورزقه وتوفيقه في الدنيا، ثم لأعظم ثوابه في الآخرة.
وازرع حب الخير.. بالتواصي والتدريب والتعاون سويا على عمل خير مرة في الأسبوع أو مرتين؛ كزيارة مريض مثلا، أو كفالة أرملة أو يتيم، أو عون محتاج في حاجة ما أو ما شابه ذلك.
وازرع الحوافز.. من خلال التواصي والتدريب والتعاون سويا على وضع هدف عام واضح، ثم تجزئته لأهداف جزئية، ثم وسائل مناسبة لهذه الأهداف، ثم توقيت مناسب لها، ثم اختيار الأفراد الأكْفَاء المناسبين الراغبين لها، ثم دوام التذكرة بفوائدها الدنيوية؛ فبانتشار الدعوة سيسعد الدعاة بحياتهم مع ملتزمين مثلهم حولهم بأخلاق الإسلام إضافة إلى ثوابها الأخروي.
وازرع الشورى وحب العمل الجماعي.. من خلال التواصي والتدريب والتعاون سويا على الحوار الإيجابي الصادق، وقبول الرأي الآخر في إطار الأخوة والحب وسلامة الصدور ومحاولة الوصول للأفضل.. وهذا لا تحتكروه بينكم فقط، ولكن مع كل مسلم مخلص وطني صادق؛ فهذا سيوسع دائرة حسن الرأي وقوته، وسيوسع دائرة توظيف كل جهد فكري أو غيره لمصلحة الدعوة، وسيوسع دائرة العاملين معكم لها، كلٌّ على حسب طاقاته وإمكاناته ورغباته؛ فهذا بدعائه، وهذا بفكرته، وهذا بماله، وهذا بكلمته، وهذا بصحته، وهذا بخدمته... وهكذا.
وازرع الأمل والبشر والصبر.. بالتواصي والتدريب والتعاون سويا عليها من خلال النظر لما يتحقق من إنجازات حتى ولو كانت بسيطة؛ فهذا قد نجح، وهذا قد حفظ بعض القرآن، وهذا قد بدأ في إتقان عمله أو بر والديه... وهكذا.(9/322)
وازرع التوازن.. بالتواصي والتدريب والتعاون سويا على حسن ترتيب الأولويات وتوزيع الأوقات؛ بحيث تكون كلها دعوة على مسار الحياة في كل شئونها ولها ثوابها؛ فوقت للبيت والأسرة والعائلة والأصدقاء والزملاء، ووقت للعلم والعمل والإنتاج، ووقت للشعائر، ووقت للترويح، ووقت للصحة... وهكذا.
أخي الحبيب..
ما ستزرعه سيكون هو زراعة القدوة وصناعتها، وسيكون هو ذاته أهم المقومات والمهارات لكم لدعوة الآخرين لله وللإسلام وحسن عرض وتسويق ما عندكم.. فستكونون بهذه الزراعات مع الوقت بإذن الله متوازنين متفائلين صابرين متشاورين متجمعين متعاونين مخططين منجزين ذاكرين َخيِّرين متمتعين سعيدين بقوة صحة ونفس وإرادة وإيمان.. وذلك مهما كان عددكم قليلا.. وسيزداد تدريجيا بإذن الله إذا كنتم كذلك.. بل وستتضاعف الأعداد بعد ذلك سريعا؛ لأن كل من ستُضيفونه إليكم سيدعو معكم، ولن يمر وقت طويل بإذن الله حتى يكون بلدكم كله إسلاميا يعمل بأخلاق الإسلام، ويسعد بها كل من فيها من مسلمين وغيرهم... وسيكون لكم كل هذا الثواب كما يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" (أخرجه مسلم).
وفقكم الله وأعانكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم.
=============
كيف نجعله عيدا دعويا؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
كل عام وأنتم بخير
أود أن أعرف من فضيلتكم ماذا يجب على الداعية عمله في العيد لخدمة دعوته؟
…السؤال
الدعوة العامة …الموضوع
الأستاذ رمضان فوزي بديني…المستشار
……الحل …
…السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وكل عام والمسلمون في مشارق ومغاربها في خير وسلام وأمن، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وسائر عملنا وأن يختم لنا هذا الشهر بصيام مقبول وذنب مغفور، كما نسأله تعالى أن يأتي رمضان القادم وقد تحررت بلاد المسلمين من كل عدوان وظلم وطغيان.
نذكر بداية أن الداعية هو فرد في المجتمع، عليه واجبات وأدوار تجاه أسرته وأهل بيته بجانب أعبائه ومتطلباته الدعوية، ولذلك فهو أحوج الناس إلى التخطيط وترتيب الأولويات في مثل هذه المناسبات حتى لا يطغى أحد هذه الأمور على الآخر.
وبصورة عامة يمكن أن نتقدم للداعية بهذه النصائح العامة لاستثمار العيد جيدا:
1-اعلم أن انتهاء شهر رمضان هو فترة الحصاد؛ ففيه تبدأ في جني ما زرعته في الأيام الماضية؛ فاحذر أن تضعف همتك أو تفتر عزيمتك في هذه الأيام، وأن يتسرب إليك شعور أنك أديت ما عليك في الأيام الماضية وحان الآن وقت الاستراحة، ولكن اعلم أن الناس في حاجة دائمة ومستمرة لك؛ فالله –عز وجل- أمر رسوله الكريم سيد الدعاة قائلا له: {فإذا فرغت فانصب}؛ أي إذا فرغت من طاعة وعبادة فانصب في غيرها.
2-ركز اهتمامك على من كانوا مواظبين معك خلال شهر رمضان واستهدفهم في صورة فردية؛ حتى تحافظ على همتهم وتستمر روحهم الإيمانية.
3-دورك في هذه الأيام هو حث الناس على إخراج زكواتهم، وتعليمهم آداب العيد ومستحباته، وتعليمهم كيفية حسن توديع رمضان؛ فكما أحسنا استقبالها يجب أن نحسن توديعه؛ فالأعمال بخواتيمها.
4-استثمر هذه المناسبات في تنمية روح الأخوة العامة عند الناس، وربطهم بقضايا أمتهم وهمومها؛ ففرحة العيد يجب أن لا تنسينا إخوة لنا في فلسطين والعراق وغيرها لم يذوقوا للفرحة طعما منذ زمن.
5-اعلم أنه في هذه المناسبات تحدث بعض الأخطاء والأمور الخارجة عن ضوابط الشرع أو العرف العام، ودورك الانتباه لهذه الأمور وتنبيه الناس لها.
6-اعلم أن أولى الناس بدعوتك في كل الأوقات هم أهل بيتك وأقرباؤك؛ فاحذر أن تكون داعية الخارج فقط وتتغافل عن الداخل؛ فلا تنس دورك كأب وأخ وزوج في أسرتك، تشيع روح الفرح والسرور والابتسام بين عائلتك.
7-اعلم أنك في هذه المناسبات محط أنظار الناس وقدوتهم؛ فاحذر أن يصدر منك أي عمل لا تحب أن يراك الناس عليه؛ فهم يرونك بأعمالك وأقوالك.
8- انشر بين الناس روح الفرح والسرور المنضبط بضوابط الشرع الحنيف؛ فهذه الأيام هي أيام فرح وسرور؛ فعليك أن توجد للناس هذه الأمور بما هو مباح حتى لا يلجئوا هم إلى التماسها في غير المباح.
وفي النهاية نسأل الله تعالى أن يديم علينا النفحات المباركات، وأن ينالنا منها نفحة فلا نشقى بعدها أبدا
===========
الطالب الداعية .. والدوائر الثلاث
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أود سؤال حضراتكم عن واجبات الطالب(ة) الداعي(ة)، وكيف عليه توزيع وقته وأولوياته؟ مثلا الأولوية للعمل على الأرض؛ أو لحضور الحلقات أو المحاضرات؛ أم للقراءة.. خاصة أن المعلومات هذه الأيام صارت متوافرة بسرعة في حالة احتجنا إليها.
وما هي أهم الكتب التي يجب على الداعية الشاب أو الطالب أن يكون قد قرأها؟
عندي سؤال ثانٍ وهو: هل يجب على الداعية القراءة عن كافة المذاهب والآراء؟ …السؤال
إيمانيات …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…يقول الدكتور مجدي الهلالي:
الأخت الكريمة؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لمعرفة واجبات المسلم وأولياته تجاه هذه الوجبات فإن علينا معرفة أن هناك ثلاث دوائر رئيسة تحيط بالمسلم عليه أن يتحرك فيها:
- الدائرة الأولى مع نفسه.
- الثانية مع أهله.
- الثالثة مع الآخرين.(9/323)
وكل دائرة من هذه الدوائر لها أمور خاصة بها، ولا ينبغي إهمال أيا منها، فلا يجوز للمسلم أن يهتم بالآخرين ويترك نفسه، ولا يصح أن يهتم بنفسه وبالآخرين وينسى بيته وأهله، بل عليه أن يوزّع جهده بين الدوائر الثلاث، مع الأخذ في الاعتبار أن الدائرة الأولى التي ينبغي عليه أن يشتد اهتمامه بها هي نفسه، فعلى أساس اهتمامه بها يكون نجاحه في الدوائر الأخرى، فصنبور الماء لن يعطينا الماء إلا إذا كان الخزان ممتلئا، فلا بد من ملء قلوبنا وعقولنا بالزاد الصحيح.
- والمقترح لدائرة النفس وجود ثوابت يومية لا يحيد عنها المسلم.. من أوراد الصلوات والذكر وقراءة القرآن والقراءة في الكتب المفيدة النافعة، وغير ذلك من وسائل زيادة الإيمان..
لكن لا بد أولا أن نحرر معنى الإيمان، فالإيمان ليس قواعد وحقائق توضع في العقل، بل هو معانٍ تستقر في القلب وتشكل جزءًا أصيلا منه، ولأن القلب هو مجموع المشاعر داخل الإنسان، فالإيمان إذن محله المشاعر، وزيادة الإيمان معناها زيادة تجاوب المشاعر وتأثرها.
معنى ذلك أن وسائل زيادة الإيمان لا بد أن تهتم بتجاوب المشاعر وتأثره، وإن لم يحدث ذلك كانت الزيادة الإيمانية المصاحبة لأداء الطاعة محدودة، فتجد المرء كثير الصلاة كثير الذكر ولكن لم يظهر أثر ذلك على السلوك، لأنه لم يحدث تجاوب قلبي ومشاعري مع هذه الطاعات، ومن ثم لم يزد الإيمان.
فعلينا أن نجتهد في حضور القلب مع الطاعات، وألا يكون همنا هو كثرة طاعات الجوارح بقدر ما يكون في تجاوب المشاعر.
وأهم وسيلة يمكنها أن تذكر بحقائق الإيمان وتخاطب العقل وتؤثر في المشاعر هي القرآن، فلو استطعنا أن نخصص ولو ساعة واحدة كل يوم نقرأ فيها القرآن، ويكون هدفنا من هذه القراءة هو التأثر وليس التدبر فقط، فبالتأكيد سنجد خيرًا عظيمًا، ونلمس الزيادة المستمرة للإيمان، سواء كان ذلك في قلوبنا أو على جوارحنا.. وهذا دوره مع نفسه.
- وعليه كذلك أن يكون له جهد في بيته سواء مع زوجته وأولاده أو مع أبويه وإخوته.. فهم أولى بالدعوة من غيرهم، وإن كانت أساليب دعوتهم قد تختلف بعض الشيء عن دعوة الآخرين، باعتبار أنهم يرونه على حقيقته دون تجمّل، وهذا يحتاج منه إلى اجتهاد في تربية نفسه حتى يكون قدوة صالحة في بيته، وأن يجتهد في دراسته حتى يرضي أبويه ويجعلهم يتقبلون منه الدعوة.
- ومع دعوة الأهل عليه كذلك أن يهتم بالآخرين من جيران وأقارب وزملاء، ومجالات وأساليب الدعوة كثيرة، وأهمها: الإحسان إليهم، وتقديم نموذج صحيح للمسلم الذي يمثل الدعوة.
* وبالنسبة لسؤالك حول الكتب التي يجب على الداعي أن يقرأها، فأهم كتاب عليه أن يتشبع منه تشبعًا تامًا وأن يعطيه أفضل وقته هو كتاب الله عز وجل.. وهذا ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة، كان يوجههم دومًا إلى الانشغال بالقرآن، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم رأى عمر بن الخطاب يقرأ في ورقة من التوراة فغضب وقال له: (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني)..
أما لماذا القرآن، فإضافة لما قلته سابقا عن مكانته في زيادة الإيمان، أنه الكتاب الذي ارتضاه الله لنا ليكون منهج حياتنا، ولأنه الكتاب الذي يؤسس القاعدة الإيمانية والعقيدة الصحيحة في القلب، والذي يرسم خريطة الإسلام في الذهن بنسبها الصحيحة، والذي يذكّر دومًا بثوابت وأهداف كل مسلم، لذلك لا نعجب من قول ابن عباس: "لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في القرآن".
وأؤكد أنه ليس معنى اهتمامنا بالقرآن أن ينصب هذا الاهتمام على لفظه وشكله فقط، وعلى تحصيل الأجر والثواب المترتب على قراءته فقط، بل لا بد أن نقرأه بفهم مثلما نقرأ أي كتاب آخر، بل أكثر وأفضل، وأن نجتهد في التأثر بآياته، وليس فقط الوصول إلى نهاية الجزء أو السورة.
هذا هو المنهج الذي تربى عليه الصحابة، وأصبحوا من خلاله الجيل الفريد الذي تفخر به البشرية حتى الآن، فإن أردنا أن نكون مثلهم فلنحذُ حذوهم.
ومع القرآن هناك بعض الكتب التي من المناسب أن يقرأها الشاب المسلم لكي يتعرف على دينه ويعبد ربه بطريقة صحيحة، فعلى سبيل المثال عليه أن يقرأ في الفقه الإسلامي من خلال الكتب الميسرة كـ"فقه السنة" لسيد سابق، وكذلك أن يتعرف على السيرة النبوية "الرحيق المختوم للمباركفوري - سيرة ابن هشام"، وعليه أن يتعرف على حال أمته وعلى الزمان الذي يعيش فيه، ويفيد في بعض الكتاب مثل: "هذا الدين- المستقبل لهذا الدين- ماذا خسر العالم من انحطاط المسلمين"، وعليه كذلك أن يتعرف على العلوم الشرعية بطريقة ميسرة.
* وبالنسبة للسؤال الثاني، فلا يجب على الداعية القراءة في كافة المذاهب والآراء، وإلا ما اشتغل أحد بالدعوة، بل عليه أن يبلغ ما عنده (بلغوا عني ولو آية) رواه البخاري، ومع ذلك فكلما كانت ثقافة الداعية واسعة كان تمكنه من الدعوة والرد على الآخرين واستيعابهم أفضل من غيره، وحبذا لو قمت بتخصيص كتاب كل شهر تقرؤه بطريقة الاستذكار لكي تزيد حصيلتك العلمية، مع الأخذ في الاعتبار عدم مناقشة أصحاب المذاهب والآراء قبل أن تتمكن من دراسة مذاهبهم، وإلا شوشوا عليك أفكارك وكان الضرر أكثر من النفع.
==============
"أضيق بمعلماتي".. في موسى والخضر العبرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الإخوة والأخوات الدعاة في "إسلام أون لاين"، بارك الله فيكم..(9/324)
أنا طالبة في الخامسة عشرة من عمري، وأعيش في عائلة ملتزمة ودعوية رائعة، وأشترك في مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، بالإضافة إلى التحاقي لدورة تربوية في مسجد بلدتي، التحقت بهذه الدورة منذ الصيف تقريبا، مع العلم أني في مدرسة التحفيظ منذ سنوات، بدأت ألاحظ من مدرساتي في التحفيظ إبداءهن لتعليقات وملاحظات حول مستوى حفظي، وأني تراجعت قليلا، وألاحظ أنهن يقرنَّ دائما الأمر بالتحاقي بالدورة التربوية، وأنها هي سبب تراجعي، علما بأن دورتي التربوية هي فقط ساعتان بالأسبوع، ولمدة يوم واحد غير أيام دوامي بل وساعاته في مدرسة التحفيظ. وأنا أحس أن مستواي لم يتراجع نهائيا، وأتضايق من كلام مدرساتي في التحفيظ..
أليس من الواجب أن يشجعنني على تلك الدورة؟ فهي خير، وهي من دروب الخير، ثم إني أحس أن ملاحظاتهن لي بلهجة قاسية بعض الشيء، والنصيحة لا تعطى بهذه الطريقة ولا أحبها بهذه الطريقة..
أنا بهذه الدورة وبتلك المدرسة أعدّ نفسي لأكون أختا داعية لوجه الله تعالى.. فماذا أفعل؟ وكيف أتصرف؟ فهذا حديث نفسي إليكم؛ فأفيدونا أفادكم الرحمن.
…السؤال
الدعوة الفردية, الشباب …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
…تقول الدكتورة حنان فاروق:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختنا الكريمة..
نشكر لك ثقتك بنا، وإسرارك لنا بحديث نفسك، سائلين الله -عز وجل- أن يلهمنا حسن التفاعل معك، ويرزقنا وإياك الإخلاص.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.. أما بعد..
جميل حرصك على سلوك سبيل الدعوة؛ فهي أشرف السبل على الإطلاق، وأحبها إلى الله -عز وجل- إن خلصت النية، وصدقها العمل، وقد قال -عز وعلا- في كتابه الكريم: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت: 33).
ويعجبني كثيرا استهلال طريقك للعمل الدعوى بالعلم الشرعي، بخاصة حفظ القرآن الكريم؛ فإضافة إلى انضمامك لثلة أهل الله وخاصته بحفظك إياه.. فإنه يقوي اللغة، ويطلق اللسان، ويجعل من متدبره ومتعاهدة عليما حليما بإذن الله..
ومن أسمى ما يعلمنا القرآن من معان نستطيع الاستفادة منها كدعاة: الصبر والحلم والتواضع للعالم والمربي.. ومن يقرأ قصة سيدنا موسى -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- مع العبد الصالح لا يرى من الكليم إلا طالبا في مدرسة علم خفض جناح الذل لمعلمه، وأطاعه على شرطه، ولم يغلظ له القول حين شدد عليه فيه، فقال له المرة الأولى حين راجعه وسأله عن السفينة التي خرقها: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} (الكهف: 72).
ثم عاد فزاد من الشدة حين راجعه سيدنا موسى للمرة الثانية في الغلام المقتول فرده بقوله: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} (الكهف: 75).
وكان المتوقع أن يثور كليم الله على هذه الشدة، ويذكره بأنه المقدم عند رب العزة، وأنه من الأنبياء المرسلين أولي العزم.. لكن حاشا لله أن يكون هذا هو سلوك نبي جليل ورسول حليم.. فهو يعلمنا درسا فذا في آداب المتعلم مع معلمه حين يرد بهدوء: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} (الكهف: 69)، وحين يعتذر عن مراجعاته وأسئلته المتعجبة المتكررة: {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} (الكهف: 73).
إذن فالعلم أختنا يحتاج إلى كثير من الصبر والتواضع للعالم والمربي حتى وإن رأى المتعلم أنه الأصوب.. فرؤيتك لا تدل على أنك في الطريق الصحيح، ثم راجعي كلماتك فستجدين أن هناك أكثر من معلمة نهجت معك نفس النهج، وليست معلمة واحدة.. أفلا يجعلك هذا تراجعين نفسك وحفظك ووجهة نظرهن ونظرك، وتقتنعين بأنك تأخرت بعض الشيء؛ فتبذلين مجهودا أكبر، أو ترتبين أولوياتك في العلم الشرعي؟؟
أنا معك في جزئية أنهن يجب أن يشجعنك على أنك تحاولين الارتقاء بعلمك الشرعي لسلوك طريق الدعوة.. لكنهن قد يكن من رأيهن التدرج وعدم التسرع والتعجل، خاصة أنك -حسب ما فهمت- ما زلت في مقتبل العمر، وهن يرين أن تنتهي من الحفظ أولا، ثم تكملي الطريق بعد ذلك كما تحبين.. بمعنى أن تركزي جهدك على عمل بعينه، ثم تنتقلي إلى غيره بعد تمام الانتهاء منه وإتقانه؛ فالتشتت في أكثر من اتجاه قد يكون على حسب جودة العمل الأصلي وإتمامه بالطريقة الصحيحة..
أخيتى..
في النهاية أتمنى أن تتخففي بعض الشيء من حساسيتك المرهفة، ولا أكتمك قولا أن الحساسية ليست مرفوضة في حد ذاتها؛ لأنها نوع من رقة القلب والمشاعر يتميز بها المؤمن عن غيره، وقد قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: 159).
لكن كل ما يزيد عن حده ينقلب إلى ضده.. فحاذري أن تقعي في فخ الظن والشك.. وأيضا الكبر على توجيهات معلماتك اللاتي أكرمك الله بهن وبعلمهن..
نسأل الله أن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال، وأن يغفر لنا وإياك ويجعلنا من عتقائه، إنه ولي ذلك والقادر عليه..
وتضيف الأستاذة أسماء جبر أبو سيف:
الابنة الحبيبة سجود، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أشكرك على ثقتك بالموقع، وأهنئك على التزامك ومحاولاتك الحثيثة الواضحة لتكوني داعية إلى الله تعالى وأنت ما زلت في هذه السن الصغيرة؛ فإلى الأمام؛ فسوف تكونين شخصية مميزة بإذن الله تعالى.(9/325)
بخصوص مشكلتك مع مدرساتك في التحفيظ وتعليقهن على مستواك في الحفظ وربط التراجع بالحفظ بالدورة التربوية.. أنصحك أولا يا بنيتي أن تحسني الظن بمدرساتك؛ فهن -لا شك- يتوقعن منك الأكثر والأفضل، وقد اعتدن على تفوقك وتميزك، ولا يرغبن أن ينخفض مستواك حتى لو كانت الأسباب مقنعة؛ فهن يعتقدن أنك تستطيعين العمل تحت الضغط، ويجب ألا يتغير مستواك في نظرهن تحت أي ظرف.
على كلٍ عليك أن تعملي على مصارحتهن بالأمر الذي يزعجك منهن، ومناقشتهن لتوضيح موقفك؛ فقد يكُنّ غير مطلعات على ظروفك، وقد تكون الدورة فعلا قد أثَّرت على مستوى حفظك وأدائك؛ فبيني رأيك، واشرحي ظروفك، وقولي بصراحة لهن: إن الدورة تهمك حاليا، وستعودين إلى الحفظ بعد إتمامها.
أحيانا نكون غير متعودين على إظهار مشاعرنا، ولكن حاولي أن تتحدثي بصراحة عن مشاعرك، وعبِّري عن استيائك وتأثرك بأسلوب النقد الجارح، ولكن بطريقة ذوقية عالية، مثلا قولي لمعلمتك: "من فضلك يا معلمتي، أنا لا أحبذ هذا الأسلوب، وأرغب أن تقولي لي عن أخطائي بطريقة أفضل وكلمات أحسن، وأنا سأستجيب لنصائحك لأتطور".
ابنتي الحبيبة، تذكري أنك الآن -بحكم سنك- من الطبيعي أن تكوني حساسة قليلا للنقد ومرهفة الإحساس، وتؤثر فيك الكلمات الناقدة، وتظنين أنك أنت المقصودة فيها؛ فلا تستائي، ولا تتأثري، وكوني قوية أمام النقد، وحاولي فهم وجهة نظر الطرف الثاني؛ فربما يكون على حق؛ فربما تكون المعلمة قد رأت منك تقصيرا لم تلاحظيه أنت عن نفسك، وبما أنك تطمحين لتكوني داعية فعليك أن تتقبلي النقد ومواقف الآخرين التي لا تعجبك ولا تريحك؛ فالمؤمن يتجاوز عن الإساءة، ويصفح ويتسامح؛ بل ويتعلم من أخطائه وملاحظات الآخرين.
فاحرصي على الاستماع للنصيحة بأُذن النقد الذاتي؛ فالنصائح تطورنا، وتحسن من شخصيتنا، وتعرفنا على جوانب الضعف لنقويها.
حبيبتي، اعملي على تقوية جوانب شخصيتك وما ينقصك من مهارات، فإذا كنت بحاجة لتعلم المزيد من طرق حفظ القرآن الكريم فتعلميها، ونوعي بأساليب الحفظ، واستخدمي التقنيات الحديثة من "سي دي" وأساليب سمعية بصرية، واستعيني بالحفظ المجزَّأ والمراجعة اليومية المنتظمة في أوقات الصفاء الذهني، وتذكري البركة التي تجنينها من حفظ القرآن العظيم على حياتك في الدنيا والآخرة، وأهم ما تجنينه لأمر دنياك أثر الحفظ على ذاكرتك وقدراتك ومهاراتك العقلية؛ حيث تتحسن قدراتك على الحفظ وأساليب التذكر، وتنشط إمكانية تذكرك للمعلومات عند الامتحانات..
وأذكرك بأن طموحك كداعية يتطلب منك حفظ الكثير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، والاطلاع المتنوع على العلوم والأخبار حتى يتوسع أفقك، وتزداد قدرتك على رؤية الحياة والناس بشكل واسع وحكيم، ومخاطبة الناس حسب مستوياتهم؛ فقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم".
حبيبتي أرجو أن تكوني دوما فتاة ملتزمة بدينها، تحب الناس ويحبها الناس، متسامحة صبورة، تتجاوز عن الأخطاء.
مع أمنياتي لك بمستقبل باهر لدنياك وآخرتك، وكل سنة وأنت طيبة وسعيدة، وتقبل الله منا ومنك الطاعات.
==============
ترك الدعوة للانصلاح.. فرار لا قرار
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
شيوخي الأفاضل، أساتذتي الأعزاء المشرفين على الموقع، جزاكم الله كل خير على هذا الموقع الرائع والممتاز.
أريد أن أستشيركم في أمر مهم في حياتي، ألا وهو أني كنت أدعو إلى الله بما تيسر لي من أمور (دروس، خطب، محاضرات، حضور في المجالس والندوات والمعارض والجنائز، دعوة فردية...)، ورغم ذلك كنت دوما أحاول أن أصلح نفسي التي بين جنبي، ولكن الحقيقة التي وصلت إليها بعد معاناة كثيرة بعد سنين وسنين أني لست أهلا لذلك، وأريد أن أعتزل العمل وأكون جنديا في هذه الدعوة بعد أن كنت قائدا فيها، ويعلم الله وأنا أكتب هذه الرسالة لكم دموعي هاطلة..
لا أريد أن أكذب على نفسي ولا على الآخرين، أما آن لي أن أستحيي من الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} ومن باب "يا عيسى إذا وعظت فعظ الناس، وإلا فاستحي مني"، وأنتم أعلم مني بذلك.
أما آن لي أن أتخذ القرار الأخير، فأصلح فيما بقي لي من الأيام ما فرطت فيه سالفا، عسى الله أن يتجاوز عن سيئاتي ويغفر لي ذنوبي، ويختم لي بعمل صالح ألقاه به.
في قلبي كلام كثير لكن إيثارا مني لوقتكم الثمين آثرت أن أختم كلامي، وبارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
…السؤال
زاد المسير, قضايا وشبهات …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
…الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم وحرصكم عليه وعملكم به وله..
أخي الحبيب..
الدعوة تربية للنفس.. فإذا أردت أن تزكو بنفسك، فادع غيرك!.
لأن مقومات تنمية النفس هي ذاتها مقومات الدعوة.. فمن دعا وحقق في أثناء دعوته مقوماتها؛ فهو تلقائيا يُصلح نفسه وينميها ويزكيها.. هكذا بكل بساطة!.
أليست الدعوة إلى الله والإسلام تحتاج إلى تواصل مع الله ودعائه، وطلب عونه كما يقول تعالى على لسان نبيه شعيب عليه السلام: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} (الأعراف: 89)؟..(9/326)
وتحتاج إلى صحبة وتجمع كما يقول تعالى على لسان نبيه موسى عليه السلام: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} (القصص: 34)..
وإلى إرادة وصبر كما يقول تعالى: {فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} (الحج: 67)..
وإلى تمسك بالأخلاق واستقامة كما يقول تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (الشورى: 15)..
وإلى تدرج وتيسير وأمل وتفاؤل كما يقول -صلى الله عليه وسلم-: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" (أخرجه البخاري ومسلم)..
وإلى استمرار وحرص كما يقول تعالى على لسان نبيه نوح عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا} (نوح: 5).
وإلى حكمة كما يقول تعالى: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الأنعام: 108)..
وإلى حوار كما يقول تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125)..
وإلى شرح وتوضيح كما يقول تعالى: {قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} (غافر: 41)..
وإلى تشجيع وترغيب أكثر من الترهيب كما يقول تعالى على لسان نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} (نوح : 5)...
ونحو ذلك من الاحتياجات.
أخي الحبيب..
كذلك النفس تحتاج إلى كل ما سبق تماما؛ فهي مدعو من المدعوين، تحتاج إلى تواصل مع ربها كما يقول تعالى: { وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ} (النور: 21)..
وإلى تعلم للأخلاق الحسنة وتطبيقها كما يقول تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} (البقرة: 129)..
وإلى إرادة لتقاوم الشيطان وتهزمه كما يقول تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} (الشمس: 9)، ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} (النور: 21)..
وإلى شعائر تشحنها لتقوم هي بدفع الجسد نحو كل تصرف حسن كما يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} (البقرة: 153)..
وإلى إنفاق من المال ومن كل شيء كوقت وجهد وفكر وغيره؛ حيث الإنفاق عموما سبب للتزكية كما يفهم من قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (التوبة: 103)..
وإلى صحبة صالحة وأمل وتفاؤل وتشجيع وترغيب أكثر من الترهيب وقبله.. وشرح وتوضيح لها.. وحكمة وحوار معها.. وتعقل وتفكر.. وحرص واستمرار.. وتدرج وتيسير... يقول الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه "فتح الباري" عند شرحه لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري حين بعثهما إلى اليمن: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا" (أخرجه البخاري): "وكذلك الإنسان في تدريب نفسه على العمل إذا صدقت إرادته لا يشدد عليها؛ بل يأخذها بالتدرج والتيسير، حتى إذا أنست بحالة ودامت عليها نقلها إلى حال آخر، وزاد عليها أكثر من الأول، حتى يصل إلى قدْر احتمالها، ولا يكلفها بما تعجز عنه"..
فالخلاصة إذن أنَّ الذي يدعو يفعل من الوسائل الدعوية لغيره ما هي نفسها وسائل تربوية لنفسه.. فهو يدعو ويتربى.
أخي الحبيب، الذنب لا يمنع الدعوة..
قال الإمام القرطبي في هذا المعنى عند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ} (آل عمران: 21): "ليس من شرط الناهي أن يكون عدلا عند أهل السنة، خلافا للمبتدعة؛ حيث تقول: لا يغيره إلا عدل، وهذا ساقط؛ لأن العدالة محصورة في القليل من الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاء في الآية عاما في جميع الناس -أي يريد أن يقول: وهل يأمر الله تعالى بشيء لا يمكن إلا لقليل من الناس فقط أن يقدروا عليه ويفعلوه، ثم يقول في الآية: إن الأمر بالقسط على من يستطيع من الناس جميعا؟!!- فإن تشبثوا بقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} وقوله: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ}، ونحوه.. قيل لهم: إنما وقع الذم هاهنا على ارتكاب ما نُهيَ عنه لا على نهيه عن المنكر"..
وقال الإمام ابن كثير مؤكدا هذا أيضا ومضيفا عليه عند تفسيره لقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ} (البقرة: 44) : "نبههم على خطئهم في حق أنفسهم؛ حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له.. فكلٌّ من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر ... وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف، وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية؛ فإنه لا حجة لهم فيها، والصحيح أنَّ العالِم يأمر بالمعروف وإنْ لم يفعله وينهى عن المنكر وإنْ ارتكبه".(9/327)
وذلك لأنه من البديهي ألا ينهى الله تعالى عن نشر الخير! وإنما الذي يُعقل أن ينهى عن معصية ناشره.. فلينشره إذن وليمتنع في أثناء ذلك عن معصيته مع الوقت! إذ ليس بعاقل من يُدخِل الناس جميعا الجنة وينسى نفسه أن يُدخِلها معهم!!
ثم لو كان المطلوب من الآية الكريمة أن ينتظر الداعي حتى لا يكون فيه شيء من خطأ؛ فقد ينتظر طويلا، حتى الموت، ولا يدعو أحدا! لأنَّ كل بشر مُعرَّض لأن يخطئ، والله يعلم عن خلقه هذا ويقبله منهم ويعذرهم عليه ويثيبهم على تصحيحه؛ لأنه خلقهم هكذا لينتفعوا من أخطائهم في مستقبلهم؛ فتقل تدريجيا وتنعدم؛ فيسعدون في الداريْن، ولا يعد هذا أبدا بأي حال كذبا عليه سبحانه أو على النفس والآخرين أو انعدام حياء منه أو منهم.. فمن استسلم لخطئه ولم يعالجه سريعا كما هو مطلوب منه وأعاقه عن دعوته كان مخطئا بحق وبكل تأكيد..
يقول سعيد بن جبير -رضي الله عنه- في ذلك: "لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء؛ ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر" (أخرجه مالك).. وقال الإمام مالك تعليقا على القول: "صدق.. من ذا الذي ليس فيه شيء؟!".
بل إن الدعوة أخي الحبيب تزيح الذنب وآثاره..
ألم يقل الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (هود: 114)؟!
وألم يقل الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها" (جزء من حديث أخرجه الترمذي)؟!.
وهل هناك حسنة أفضل وأعظم من الدعوة؟! كما أكد ذلك سبحانه في قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت: 33).
فعليك أن تستفيد من الذنب إصرارا على عدم العودة له بعدما ذقت مراراته وتعاساته، وإصرارا على زيادة دعوتك لغيرك حتى لا تعود أنت إليه أو يصير هو له لتسعدوا جميعا.
أخي الحبيب، تربية النفس سهلة.. والدعوة تزيدها سهولة!
لأن النفس أصلا عبارة عن مجموعة من الصفات الحسنة وضعها خالقها في جسد الإنسان من حبه له لتؤهله وتحركه لحسن الانتفاع بالكون حوله والسعادة فيه؛ كالحب والصدق والأمانة والتعاون والسعي وما شابه ذلك، وليس فيها من شر، كما يقول تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} (الشمس: 7).. قال الإمام ابن كثير في تفسيرها: "خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة"، ويقول أيضا: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (التين: 4)، وقال فيها الإمام القرطبي: "عبَّر بعض العلماء بقوله: إن الله خلق آدم على صورته يعني على صفاته.."، وهل من صفات الرحمن الشر؟!.
وكما يؤكده أيضا قول الرسول –صلى الله عليه وسلم- في الحديث المعروف: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (أخرجه مالك)، والذي يُفهم منه أن الأخلاق الطيبة موجودة أصلا من الخالق الودود الكريم!! وما مهمة الرسل والدعاة إلا إظهارها وإنماؤها!! وعلاج ما قد يطرأ عليها من شر ويَدخلها كاستثناء من البيئة حولها إذا استجاب العقل الذي يحركها باختياره لوساوس الشيطان، كما يؤكد ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة، وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" (أخرجه البخاري)، وهو مصداق لقوله تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} (العنكبوت: 38)..
إذن فما معنى التربية إلا التنمية.. أي تنمية ما هو موجود بالفعل بدوام استخدامه، وحسن توجيهه، وإزالة ما قد يشوبه من سوء، والعودة به إلى الأصل بمقاومة ومنع اختراق وساوس الشيطان، الذي خلقه سبحانه ليستفيد منه الإنسان! بألا يستجيب لشره فتقوي إرادته أكثر، فينطلق في الحياة يستكشفها أكثر؛ فيسعد فيها أكثر!! ثم يوم القيامة يسعد أكثر وأكثر إذا كان قد صاحَب كل أعماله الحياتية بنوايا لآخرته.
إننا الآن في عصرنا -أخي الحبيب- نعتبر التربية صعبة!! نعتبر الصدق والأمانة والوفاء والعدل والشورى وغيرها من أخلاق الإسلام الحسنة صعبة! رغم أن الله تعالى يقول: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} (القمر: 22)!! وما ذلك إلا لأن الوسط حولنا أكثره بعيد عنها.. لكن إن أصبح قريبا منها.. أصبح صادقا أمينا وفيا عادلا شوريا... إلخ.. لكان تذكُّر وتمسُّك كل فرد بها سهلا ولا شك، وكانت التربية سهلة بكل بداهة، ولن يعود المجتمع لهذه الصفات إلا بالدعوة!.
إذن فالدعوة ُتسِّهل التربية بطريق غير مباشر.. ثم كيف لا تكون التربية سهلة والله تعالى معنا يؤيدنا كما يقول : {وهو معكم}، والرسول -صلى الله عليه وسلم- معنا بوصاياه يرشدنا كما يقول: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ" (جزء من حديث أخرجه الحاكم وغيره)، والفطرة والعقل معنا لتوجيهنا وتصحيحنا، والدعوة معنا تضمن سلامتنا؟!.. إنه بذلك سيكون كيد الشيطان ضعيفا بكل تأكيد ودون احتياج لقسَم!.
أخي الحبيب..
تمهَّل كثيرا قبل أن تأخذ قرارك؛ فهو ليس بقرار وإنما هو فِرار!..
إن القرار يعني أن يكون إيجابيا بينما الفرار يكون سلبيا..
إن القرار يحقق مصلحة بينما الفرار يحقق مفسدة..
إن القرار يعني الإقدام بينما الفرار يعني التراجع..
إنه يعني النصر بينما الآخر يعني الهزيمة..
إن ماء النهر إذا تحرَّك تجدَّد بينما إذا ركن تعفن... فكن فيما بقي لك من عمر من أصحاب القرار لا الفرار؛ لتثاب لا لتأثم.
وفقك الله وأعانك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
============
تأصيل الطالب تربويا .. (مشاركة)
مشاركة على استشارة: "تأصيل الطالب تربويا.. إضاءات على الطريق".(9/328)
…السؤال
الشباب …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…
…يقول الأستاذ عبد الهادي الأحمد -الداعية والكاتب السعودي-:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اسمح لي أخي الكريم أن أضيف مشاركتي على ما تفضل به الأستاذ وصفي عاشور؛ فأقول مستعينا بالله:
أستعير بداية أبياتا لشاعر سوداني يصف حالة "الداعية المربي الصاعد" إذ يقول:
يا شعلة طافت خواطرنا حواليها وطفنا..
آنست فيك قداسة..
ولمست إشراقا.. وفنا..
ونظرت في عينيك آفاقا.. وأسرارا.. و معنى
إن عملية "تأصيل الطالب تربويا" -أو بتعبير آخر "صناعة المربي"- عملية تحتاج لجهد وتخطيط، أضف إلى ذلك أن عامل التراكم له دور كبير هنا؛ فليس مجرد الانتهاء من كتب محددة ينتج مربيا فاعلا، كلا.. بل الأمر أوسع من ذلك بكثير. فكما يقال: التطور منبعه المعاناة؛ فلا تنضج المهارات ولا تصقل الشخصيات، ولا تتطور القدرات إلا بالاحتكاك المباشر بالناس، والممارسة الفعلية لما تعلم؛ فينتقل المُربَّى حينئذ من طور التلقي لطور التنفيذ..
حينها يختبر ما تعلم من مفاهيم، ويضعها في أنبوب اختبار الموقف ليرى التفاعل أمام ناظريه؛ فيعدل من تركيبة المعادلات الدعوية حسب ما يقتضيه المقام.
في البدء عزيزي لا بد من انتقاء الشخصية المناسبة لهذا العمل (التربية)، وهذا لا يتأتى إلا بالمعايشة والقرب النفسي بين المربي ومن يربيهم؛ فلا بد من توافر عناصر مؤهلة للشخص ليدخل طور "التأهيل"؛ ربما يكون من أهمها: الشخصية السوية والاستقرار النفسي، وتشرب تلك الشخصية لأخلاقيات الدعوة ومفاهيمها، وتميز الفرد بطول النفّس والصبر، وامتلاكه لشخصية جذابة لبقة ذات فراسة، وأخيرا -وليس آخرا- التفوق الروحاني كما يحلو للدكتور علي بادحدح تسميته في محاضرته عن الداعية المؤثر؛ لأن عملنا التربوي ليس معادلات كيميائية أو رياضية؛ فالإخلاص، وتجريد القصد، وإفراد المولى بالعمل.. يضفي شيئا لا يوصف على تأثير الداعية أو المربي فيمن يربيهم، ولعل ابن القيم تنبه لذلك في مدارجه؛ إذ يقول في منزلة "السكينة" كلاما نفيسا حول ذلك؛ مختصره: "إنه أحيانا يقول كلاما يتعجب هو كيف قاله، ويتعجب الآخرون كيف صدر عنه ذلك، ويكون فيه تأثير عجيب على المتلقي؛ فيرد السبب إلى السكينة، وتجريد القصد، والإخلاص الحار الذي خالط العمل حينها".
نحتاج عزيزي حسين إلى تعزيز الحس التربوي لدى الشخص المختار لتلك العملية (التأصيل التربوي = صناعة المربي)، وهذا يكون بعدة طرق لعلي أجملها في الآليات التالية:
1- التأصيل الشرعي في حده المطلوب لذلك الداعية، وهذا يحميه من النزوع لبدعة، ويهبه أصالة فكرية تكون لها نكهة خاصة في حديثه وطرحه.
2- الاقتباس المعرفي بما لا يعارض ثابتا من ثوابت الدين، إن المعرفة سلاح الداعية، والطيران بأجنحة من نور الأصالة إلى ما يطرحه الآخر من معارف؛ فنأخذ ما لا يتعارض مع ثوابتنا، وندخله فرن التحوير ليتوافق وعملنا التربوي الذي نمارسه؛ وذلك لكون القوم سبقونا كثيرا في مجالات كمجالات التطوير والإدارة وعلم النفس.
3- الحوار يوقظ الأفكار وينميها؛ فتنمو الرؤى عبر التقابل، وحرية القول والتعبير والنقد، ولعلي أحول هذه النقطة لمشروع عملي؛ حيث يمكن تغيير طريقة تقديم الموضوعات من طريقة الإلقاء إلى عدة طرق؛ منها:
أ- طريقة دراسة الحالة، ويقصد بها: تقديم حالة تربوية دعوية، تعبر عن موضوع أو مشكلة ما، ويقوم الحاضرون بدراسة الحالة وتقييمها، واستخلاص التعاليم المطلوبة، من خلال مناقشة حية.
ومزايا هذا الأسلوب متعددة لعل أهمها:
1- تقديم خبرة حقيقية تمس مشكلة واقعية؛ حيث يتحدث الداعية أو المربي عن ذلك طارحا الأسلوب الذي مارسه ونتائجه.
2- اكتساب المشاركين القدرة على معرفة المشكلة بأبعادها: (الجذور، التطور، النهاية).
3- اكتساب القدرة على التحليل، ورؤية الحالة من جوانب متعددة.
ب- عقد الندوات المتخصصة: في مواضيع محددة مثل "خصائص المراهقة، والأساليب النبوية في التربية، وكيفية تصحيح الأخطاء... إلخ"، مع ما يتوافق مع مجال عملكم التربوي، ومثل هذه الندوات لا ينبغي أن تطرح بشكل جامد؛ بل يحرص على الربط المباشر بالعملية التربوية في المحضن التربوي، وحبذا ترك مساحة حرية لتداول الآراء والخلوص في النهاية بتوصيات مكتوبة.
ج- إقامة دورات متخصصة تأهيلية؛ فعلى سبيل المثال دورات في:
* مهارات التواصل
* مهارات فهم النفسيات
* مهارات التوجيه
* الجاذبية الشخصية والذوقيات .
* الحوار والإلقاء والتأثير.
4- الجلسات المثرية: وأعني بها جلسات أسبوعية، تقدم فيها خلاصات تربوية يقوم بإلقائها المعنيون بالتطوير، والهدف منها زيادة المعرفة التربوية لديهم، وتعريفهم بما ينشر حول التربية؛ من خلال جرد أشرطة وكتب، وتعريفهم بالمتخصصين بالتربية الدعوية؛ فجلسة مثلا يتم التعريف فيها بما قدم محمد قطب، وأخرى بما قدم جاسم الياسين، وأخرى حول نتاج محمد الدويش، وغيرها حول طرح حمدي شعيب في ذلك؛ فللأسف هناك الكثير المطروح من خطب العاطفة التي ساهمت بتشكيل جيل يعيش النشوة النفسية المؤقتة، مسترخيا لدغدغة عاطفة بحكايات وقصص قد لا تفرض على المتلقي ضريبة من الإنتاج والعطاء والبذل.. اللهم بضع دمعات يسكبها حين السماع وكفى! ونسي أولئك أن الداعية صاحب أثر لا إثارة!.(9/329)
5- التعليق على المشاركات والدروس والوقوف معها وقفات تربوية؛ فلا يمر درس أو ندوة إلا وفيها ربط تربوي أو دعوي.. لا أقصد هنا التعسف وتحميل النص ما لا يحتمل لكن قصدت الوقوف مع الحوادث والعبر والدروس.. وقد أفلح الدكتور حمدي شعيب في ذلك كثيرا في وقفاته مع بعض الآيات القرآنية وبعض مواقف السيرة النبوية.
6- التصحيح والتصويب والنصح الدائم لهم حين يبدءون بممارسة العمل التربوي؛ فلا نظن أنهم بمجرد التلقي سيكونون جاهزين؛ بل ترقب عزيزي طَرْقهم باب منزلك شاكين ومتذمرين حينا، وأخرى مستفسرين، وهكذا تكون قريبا بتوجيهك إياهم، وتصويبهم في عملهم حتى ينضجوا ويستووا على سوقهم؛ يعجبونك ويسرونك، ويسرون عين كل مؤمن مخلص.
أعانك الله أخي، وسدد خطاك، ونور قلبك، وكتب أجرك.. والحمد لله أولا وأخرا.
=============
لاستثمار الليالي العشر.. التنوع والتخطيط
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد الإخوة الأحباب أحييكم بتحية الإسلام العظيم فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته يقول تعالى في كتابه العزيز بعد أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " صدق الله العظيم.
في الحقيقة أيها الإخوة الأحباب أنا أعمل في لجنة دعوية في أحد المساجد، ولقد كلفت بعمل جدول لقيام الليل في العشر الأواخر لشهر رمضان. فالليلة تبدأ تقريبا من الساعة الحادية عشرة ليلا حتى الرابعة فجرا، ولكن أردت أن يشاركني إخوان لي فلجأت إلى هذا الموقع الطيب المبارك، سائلا المولى عز وجل أن يتقبل منا هذا العمل الخالص لوجه الكريم إن شاء الله تعالى حيث الجدول سيكون كتالي: للأيام الزوجية جدول خاص (22 – 24 – 26 – 28) والأيام الفردية جدول خاص (21 – 23 – 25 – 29).
قد يطرح سؤال: لماذا للأيام الزوجية جدول وللفردية جدول؟ الجواب هو أولا كي لا يكون الأيام مثل بعضها بحيث نجعل اليوم الفردي جهد أكثر ولأن كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن ليلة القدر تأتي في الأيام الفردية.
وقد يطرح سؤال آخر: أين يوم السابع والعشرين من هذا الشهر لم يكتب مع الأيام الفردية؟ الجواب نريد جدول خاص ليوم السابع والعشرين لأن كما ورد أن ليلة القدر في الغالب تكون في هذا اليوم.
أفيدونا أفادكم الله ولا تحرموا أنفسكم من هذا الأجر العظيم وخاصةً في شهر فضلي شهر رمضان شهر رحمة – مغفرة – ضمان للجنة – أمان من النار – نور وبارك الله فيكم وجزاكم كل خير أخوكم في الله إبراهيم.
…السؤال
الدعوة العامة, زاد المسير …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
…يقول الشيخ محمد عبد الفتاح -إمام وواعظ بالأزهر الشريف بمصر-:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أتوجه بهذا البرنامج مع خالص الدعاء لأخينا في الأرض المباركة بأن يجعل الله هذا الشهر آخر رمضان للمحتل في بلادنا، فنقول وبالله التوفيق:
شهر رمضان يعتبر فرصة طيبة للمؤمن، وكلما أوشك الشهر على الرحيل كان آكد على المؤمن أن يستثمر ساعاته ودقائقه وثوانيه، ولا يليق بمسلم يدعوه ربه إلى الجنة والمغفرة أن يعرض عن رحمة الله، وأن يركب رأسه، ويستسلم لشيطانه، ويخضع لعصبة الشر والفساد؛ فيظل مهاجرا لدينه، معاديا لرسوله، مغاضبا لربه، وقد دعاه ربه للمصالحة، وأعد له أسباب الكرامة، وفتح له أبواب السعادة.
وإن كان المؤمن مطيعا ذليلا لربه، سائرا على الدرب، متبعا للنبي -صلى الله عليه وسلم- فإن ما تبقى من شهر رمضان بالنسبة له فرصة لا تماثلها فرصة.
إنه بصيام العشر الأواخر وقيامها وفيها ليلة القدر ونزول الملائكة لأجل العابدين، وقراءة القرآن يستطيع أن يضع قدميه على أرض أمينة غاية الأمن، ويخطو خطوات جريئة حيث الرحمة والرضوان.
وما من إنسان يصدق في صيامه وقيامه وإخلاصه ومحاربة أهوائه إلا وهو يشعر في آخر رمضان بأنوار تتلألأ في قلبه، وراحة تغمر وجدانه، ولولا أن ما بعد رمضان يفسد ما أثمر الصيام عند الكثيرين، ويقضي على المكاسب التي حققها الشهر المعظم؛ لكان الناس بصفاء أرواحهم أشبه بالملائكة، ومن هنا ندرك حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على العشر الأواخر من رمضان؛ فعن علي -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكل صغير وكبيري يطيق الصلاة" (أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح). وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر (أخرجه أحمد والشيخان والبيهقي، ومعنى العشر: أي الأواخر من رمضان، ومعنى شد المئزر: اجتهد في العبادة).
فمن أراد أن يجني ثمرات الشهر، وأن يشهد الحصاد، ويخزن منه وقود العام وصفاء النفس، وإشراق الروح، والمغفرة والرحمة؛ فعليه ملازمة التضرع إلى الله والتعبد له في تلك الأيام التي تضيء فيها ليلة القدر؛ فيُكتب للعابدين ثواب ألف شهر، وتلك مزايا تستحق -والله- الجد والمثابرة والحرص عليها.(9/330)
والعمل الجامع الذي يستطيع الإنسان فعله في العشر الأواخر فيضمن لنفسه الجو الإيماني والبيئة الصالحة لرفع أسهمه فيها هو الاعتكاف، ومعناه: المكث في المسجد الذي تقام فيه الجماعة بنية التعبد لله، وهو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله عز وجل (أخرجه أحمد والترمذي).
وبالاعتكاف يظل المؤمن متعلقا بربه؛ فيصير في ظله يوم لا يظل إلا ظله.
وفي المسجد يتعارف الناس ويتناصحون، وللقرآن يتدارسون، وبالاعتكاف تحوز ليلة القدر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" (أخرجه البيهقي).
وللمزيد حول الأمور الفقهية المتعلقة بالاعتكاف يمكنك مطالعة الفتاوى التالية:
- الاعتكاف...مشروعيته وثوابه
- الاعتكاف : مشروعيته وشروطه ومبطلاته ووقته
- الاعتكاف: مستحباته، مكروهاته، مبطلاته
- أحكام تتعلق بالاعتكاف
- الاعتكاف: أحكامه وآدابه
- الخروج للعمل أثناء الاعتكاف
- الاعتكاف: فضله وآدابه وأحكامه
برنامج العشر الأواخر من رمضان
هذه أخي بعض الأمور العامة التي يمكن للمسلم التزامها في هذه الأيام المباركة:
- مع دخول الليل بأذان المغرب تذكر جائزة العتق من النيران؛ أفطر وتعجل، وافرح برحمة ربك، أفطر على رطب أو تمر أو شربة ماء...
- ردد الدعاء: "اللهم إني لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر".
- مع كل أذان اجعل شعارك: {وعجلت إليك ربي لترضى}.
- لا تغفل عن ترديد الأذان، لا سيما وأنت تفطر، ثم تصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- لا تنس الدعاء بين الأذان والإقامة.
- توضأ لكل صلاة؛ لعل الله أن يطهر القلب كما طهرت البدن بالماء.
- احرص على سنة السواك فإنه مرضاة للإله.
- ردد دعاء الدخول والخروج من المنزل.
- اذهب إلى المسجد، وردد دعاء الدخول، وابدأ بتحية المسجد.
- امكث بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس؛ فهي بحجة وعمرة تامة.
- النساء يصلين في غرفهن وبيوتهن وهن يعتقدن أن الصلاة فيها خير من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
- حافظ على السنن القبلية والبعدية.
- احرص على أن تفطر مع المساكين. والنساء يحتسبن أجر تفطير الصائم بإعداد الطعام. واحرص على صلاة التراويح وسماع القرآن، واحتسب الخروج للعشاء حجة؛ فمن خرج لصلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج والمحرم.
- نم قليلا.. فمن لا يحسن فن الراحة لا يحسن فن العمل، ثم قم للتهجد وتناول طعام البركة (السحور)، ثم اذهب إلى المسجد لصلاة الصبح، وانتظر الشروق، وقم بصلاة الضحى يكن لك أجر حجة وعمرة، ولا تنس: بر الوالدين وصدقة السر، وقضاء حوائج المسلمين، وعيادة المريض وصلة الأرحام، وامسح رأس اليتامى، وشيع الجنائز، وأكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
برنامج الليالي الوترية:
- من الساعة 11 إلى الساعة 12: مسابقات وأسئلة عن القرآن والسنة والصحابة.
- الساعة 1 إلى الساعة 2: ينفرد كل شخص بمصحفه أو الدعاء.
- الساعة 2 إلى الساعة 3: تهجد جماعي خلف إمام حسن الصوت والتلاوة.
- نصف ساعة قبل الفجر للسحور.
برنامج الليالي الزوجية:
- من الساعة 11 إلى الساعة 2: حرية مطلقة لكل فرد.
- من الساعة 2 إلى الساعة 3: تهجد خلف الإمام.
- نصف ساعة للسحور.
برنامج ليلة القدر:
أفضل برنامج لها ما ورد في السنة النبوية؛ فقد سألت السيدة عائشة –رضي الله عنها- رسول الله: "ماذا أقول فيها"، قال لها: قولي: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا". وعليه فيمكن أن يكون برنامج ليلة القدر كالتالي:
- من الساعة 11 إلى الساعة 12: دعاء واستغفار وذكر والإكثار من "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا".
- من الساعة 1 إلى الساعة 4: صلاة ركعتين واستراحة، وركعتين واستراحة؛ بمعنى تقسيم الركعات الثماني على الوقت؛ بحيث تعطون فرصة للناس للاستراحة بين كل ركعتين.
- ثم السحور المبارك.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
ويضيف الأستاذ رمضان فوزي بديني:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وأهلا وسهلا بك أخي إبراهيم، وأهلا بإخواننا في الأراضي المحتلة، نسأل الله تعالى أن يأتي عليكم رمضان القادم وقد تخلصتم من هذا المحتل الغاصب، وقد عادت دياركم ومقدساتكم إلى رحاب التوحيد والإيمان.
أخي الحبيب لن أضيف كثيرا على ما تفضل به الشيخ محمد عبد الفتاح، ولكن ليسمح لي بإضافة بعض المقترحات والنصائح العامة لكم باعتباركم لجنة دعوية؛ أي أن البرنامج المطلوب منكم يخصكم أنتم كأفراد دعاة ويخص غيركم من الناس سواء المعتكفين أم غيرهم.
وللاستثمار الأمثل أخي الحبيب لهذه الأيام لا بد من التخطيط ووضع برامج مناسبة لظروفكم، وهذه بعض النصائح العامة التي أسأل الله أن ينفعكم بها في وضع برنامجكم:
1- يجب أن يراعى في أي برنامج ظروف المكان والأفراد؛ فهذا البرنامج هو مقترح ربما يصلح للبعض وربما لا يصلح لآخرين.
2- التنويع في البرنامج بين الفردي والجماعي؛ بحيث تكون هناك فقرات وعبادات جماعية يؤديها المعتكفون معا ويراعى فيها ظروف الناس واحتياجاتهم، وتكون هناك أوقات تترك لكل فرد على حدة يتعبد فيها كيفما شاء.
3- عمل برنامج متكامل للاعتكاف بحيث يشمل اليوم كله ليله ونهاره؛ ليلتزم به جميع المعتكفين، ويفضل أن يتم تعليق هذا البرنامج بحيث يكون في متناول الجميع.
4- يراعى في هذا البرنامج الفروق في القدرات والجهود والثقافات حسب العمر والمستوى الثقافي؛ فيفضل أن تكون هناك بعض الأعمال الخاصة بالطلبة وصغار السن، وآخر لكبار السن... وهكذا.(9/331)
5- يجب مراعاة الترويح والترفيه في البرنامج؛ حتى لا يمل الناس؛ بحيث يشتمل على بعض المسابقات الشفوية أو المكتوبة والفوازير وبعض فقرات الترفيه والتسلية المنضبطة بضوابط الشرع وآداب المسجد.
6- يجب ألا تنسوا هموم الأمة وأن تستثمروا وجود هذا الجمع من الناس في تبصيرهم بقضايا أمتهم وما يجب عليهم فعله، خاصة أنكم في قلب هذه الأحداث في فلسطين، ويمكن ذلك عن طريق بعض الأسئلة الموجهة في المسابقات أو بعض الخواطر عقب الصلوات، فإن تعذر ذلك فلا يكن أقل من القنوت والدعاء للمسلمين المضطهدين.
7- يراعى في البرنامج التنويع بين الثقافي والفكري والإيماني، مع التركيز طبعا على الجانب الإيماني في هذه الأيام المباركة.
8- أقترح أن تجعل للقرآن النصيب الأوفر في برنامج الاعتكاف بحيث تستهدفون ختمه في هذه العشر وقراءة تفسير بعض السور المتفق عليها، وقياس ذلك عن طريق المسابقات.
9- بالنسبة لليلة السابع والعشرين أقترح عليكم تحفيز الناس لاعتكافها كلها، فلو أمكن عمل إفطار مجمع لرواد المسجد، وعمل برنامج خاص بها يبدأ عقب صلاة المغرب حتى شروق الشمس؛ حتى لا يحرم أحد أجرها.
وفي النهاية أخي الحبيب أسأل الله تعالى أن يتقبل منا جميعا وأن يبلغنا ليلة القدر ولا يحرمنا أجرها، إنه ولي ذلك والقادر عليه، ولا تنسنا من صالح دعائك.
=============
العشر الأواخر، وبرنامج للاعتكاف
السؤال الذي يطرح نفسه ويلح بشدة في مثل هذه الأيام من كل عام هو: ماذا ينبغي على المؤمن فعله في أواخر هذا الشهر المبارك؟ لذلك نرجو من فضيلتكم إرشادنا إلى أفضل الوسائل التي يمكننا الاستفادة بها من هذه الأيام والليالي المتبقية من شهر رمضان، واقتراح برنامج يمكننا تنفيذه في الاعتكاف. …السؤال
زاد المسير …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
…يقول الدكتور صلاح الدين أرقه دان، الكاتب والأكاديمي اللبناني:
الأخ الكريم؛
حيا الله أيامك وأسعدها، وتقبل منا ومنك صالح العمل في هذه الأيام الطيبة المباركة.. آمين.
ها نحن على أبواب العشر الأواخر من شهر رمضان، على أبواب ثلث "العتق من النار"، وهي الفرصة المتبقية أمام من يريد أن يدرك من فضل هذا الشهر الكريم قبل أن يودع منصرفًا.
وإذا أردنا الحديث عن كيفية الاستفادة من هذه العشر، فيمكننا تقديم بعض الأمور الهامة، والتي تصلح أن تكون نواة لمن أحب أن يزيد عليها:
- اجتهاد الفرد في العبادة:
بالذكر، والصلاة، وقراءة القرآن، وسائر العبادات المشروعة.. فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تصف عبادة النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر، تقول: (إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيى ليله، وأيقظ أهله) رواه البخاري ومسلم؛ وفي رواية مسلم: (كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره)، و(شد المئزر) كناية عن الجد والتشمير في العبادة، وقيل: كناية عن اعتزال النساء.
والمطلوب حرص جميع أفراد الأسرة على العبادة، وعلى رب الأسرة أن يوقظ أهله فيها للصلاة والذكر حرصًا على اغتنام هذه الأوقات الفاضلة، وتعويدًا للصغار على أعمال هذه الأوقات الفضيلة؛ قال الإمام سفيان الثوري: "أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد العبد بالليل ويجتهد فيه ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك).
- الحرص على صلاة الجماعة:
وهو أمرٌ مطلوب في كل وقت، في رمضان وغيره؛ وفي رمضان يضاف إلى الصلاة المفروضة صلاة التراويح، فلنحرص أن نصليها وراء الإمام حتى ينصرف ليحصل لنا قيام ليلة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة).
- تحري ليلة القدر:
قال الله تعالى: (ليلة القدر خيرٌ من ألف شهرٍ)، ومقدارها بالسنين 83 سنة و4 أشهر، قال الإمام النخعي رحمه الله: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، قال صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًاً غفر ما تقدم من ذنبه) متفق عليه، و"إيمانًا" أي إيمانًا بالله وتصديقًا بما رتب على قيامها من الثواب، و"احتسابًا" للأجر والثواب.
وهذه الليلة –على أغلب الظن- في وتر العشر الأواخر لقوله صلى الله عليه وسلم: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) رواه البخاري، قال العلماء: "الحكمة في إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها, بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها"، قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: "الدعاء في تلك الليلة أحب إليَّ من الصلاة"، ومراده أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء، وإن قرأ ودعا كان حسنًا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم يتهجد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءةً مرتلة، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوّذ، فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر.
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلّم: "أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول فيها؟" قال: (قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عني)، والعفوّ من أسماء الله تعالى، وهو المتجاوز عن سيئات عباده الماحي لآثارها عنهم، وعفوه أحب إليه من عقوبته، وكان النبي صلى الله عليه وسلّم يدعو فيقول: (أعوذ برضاك من سخطك، وعفوك من عقوبتك) رواه مسلم.
- الاعتكاف في هذه العشر:(9/332)
والاعتكاف هو: لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله تعالى، وفي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده"، وقال الإمام أحمد: "لا أعلم عن أحد من العلماء خلافًا في أن الاعتكاف مسنون، والأفضل اعتكاف العشر جميعًا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل لكن لو اعتكف يومًا أو أقل أو أكثر جاز".
ويشتغل المعتكف بالذكر والاستغفار والقراءة والصلاة والعبادة, ومحاسبة النفس, والنظر فيما قدم لآخرته, وأن يجتنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا, ويقلل من الخلطة بالناس، قال ابن رجب الحنبلي: "ذهب الإمام أحمد إلى أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس, حتى ولا لتعليم علم وإقراء قرآن, بل الأفضل له الانفراد بنفسه والتحلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه, وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية".
- إخراج زكاة الفطر:
استحب جماعة في عصرنا هذا التبكير في إخراجها لأن هذا يعين العاملين عليها من الجمعيات والمؤسسات على توزيعها في وقت مناسب لأصحاب الحقوق الشرعية فيها من الفقراء والمساكين، ليدخل السرور إلى بيوتهم وقلوبهم يوم العيد.
- إحياء ليلة العيد:
استحب جماعة من أهل العلم إحياء ليلة العيد، منهم الإمام الشافعي، ولم يصحّ في ذلك حديث (من أحيا ليلة العيد أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب)، وكل الآثار التي وردت في ذلك ضعيفة، وليلة العيد ليست من أيام العشر الأواخر، فاليوم الشرعي يبدأ عند الغروب وينتهي عند غروب اليوم التالي.
وحول طلبك لبرنامج مقترح للاعتكاف، يقول الأستاذ ياسر محمود:
أخي الكريم؛
إن كان الاعتكاف فرصة للمسلم يتفرغ فيها للعبادة وللارتقاء بإيمانه؛ فهو فرصة كبرى للدعاة والمربين للارتقاء بالمستوى الإيماني والتعبدي –وغيرهما- لدى من يدعونهم، وسأحاول في هذه الأسطر طرح بعض الأفكار التي تساعد على نجاح الاعتكاف والاستفادة منه في الارتقاء بالمستوي الروحي والتعبدي للمعتكفين.
أولاً- التخطيط الجيد
من الضروري ليكون الاعتكاف ناجحًا أن يضع القائمون عليه تصورا شاملا لما يرجون أن يكون عليه الاعتكاف، مثل: وضع برنامج واضح ومحدد له، وتحديد مكان الاعتكاف بالمسجد، وتجهيز هذا المكان ليكون صالحًا لإقامة المعتكفين، ومن الضروري أيضًا وضع ميزانية متوقعة لهذا الاعتكاف، ووضع تصور لكيفية تدبير هذه الميزانية، وكذلك أمور الطعام والشراب وغير ذلك من التفاصيل التي يحتاجها الاعتكاف.
ثانيًا- حسن الإعلان:
وذلك بالإعلان عن الاعتكاف في المسجد المقام فيه أو المساجد الأخرى وفي أماكن التجمعات الشبابية مثل الأندية والمدارس... إلخ، وليكن شكل الدعاية جذابًا كأن تكون ملصقًا مصممًا بشكل لافت للنظر، أو مطوية صغيرة بها برنامج الاعتكاف والتفاصيل الأخرى الخاصة به.
ثالثًا- استضافة عالم قدوة:
كذلك من الأفكار التي يمكن أن تعطي للاعتكاف فائدة تربوية كبيرة أن ندعو أحد العلماء أو الدعاة المشهود لهم بالعلم والصلاح وحسن الخلق للاعتكاف مع المعتكفين، فمعايشة المعتكفين لمثل هذا العالم أو الداعية القدوة سيكون لها أثر كبير في الارتقاء بهم في الجوانب الروحية والعبادية والسلوكية وغير ذلك؛ فمخالطة الصالحين ومعايشتهم لها عميق الأثر في نفوس من حولهم وإن لم ينطقوا بكلمة واحدة، ولذا قال أحد السلف الصالح رضوان الله عليهم: "حال رجل في ألف رجل أبلغ من مقال ألف رجل في رجل"، وقيل أيضًا: "مجالسة العارف الزاهد تدعو من ستة إلى ستة: من الشك إلى اليقين، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الرغبة في الدنيا إلى الرغبة في الآخرة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء الطوية إلى النصيحة"، فلنحرص على وجود هذا العالم أو الداعية النموذج بين صفوف المعتكفين لينهلوا من علمه وصلاحه.
رابعًا- عند وضع البرنامج:
هناك عدة أمور من الضروري مراعاتها عند وضع برنامج الاعتكاف مثل:
- ظروف وأوقات المعتكفين: فمثلاً إذا كان من المعتكفين من سيذهب لعمله أو مدرسته فلا بد من الابتعاد عن هذه الأوقات في تنفيذ فقرات الاعتكاف المجمعة حتى لا يحرم هؤلاء من خيرات هذه الفقرات.
- طبيعة المعتكفين وحاجاتهم: فمثلا لو كان المعتكفون من الأطفال فإنهم يحتاجون إلى تناول موضوعات غير التي يتم تناولها مع الكبار، وإذا كانوا حديثي عهد بالتدين فإنهم يحتاجون إلى موضوعات مختلفة عن تلك التي يحتاجها من عرف التدين منذ زمن بعيد، وهكذا فمن الضروري التنبؤ بطبيعة المعتكفين قبل وضع البرنامج أو تعديل فقراته وموضوعاته.
- الاهتمام بتأصيل كل عمل يتم في الاعتكاف، من ذكر فضله، وتوضيح السنة فيه، وذلك في الصلاة، والنوافل، والقرآن، والأذكار، والطعام، والشراب، والنوم، وكل شيء.
خامسًا- الاعتكاف أفكار وفقرات:
هذه بعض الأفكار للفقرات التي يمكن أن تنفذ أثناء الاعتكاف:
1- كلمة البدء والافتتاح:
وتشمل هذه الكلمة التذكير بفضائل الاعتكاف وما يجنيه المرء من فوائد عظيمة من خلال هذا الاعتكاف، وتناول بعض الأحكام الخاصة به، كما يتم فيها التذكير بإخلاص النية لله تعالى، وكذلك التأكيد على أن يحرص المعتكفون على الاستفادة من كل لحظة تمر بهم في التزود بطاعة من الطاعات، ويوضح في هذه الكلمة النظام العام الذي سيكون عليه الاعتكاف.
2- مشاريع عبادية:(9/333)
فمن الضروري أن يكون هناك تشجيع وتحفيز للمعتكفين على الإكثار من الخيرات، كالإكثار من النوافل، ومن تلاوة القرآن، والمداومة على ذكر الله، والابتعاد عن فضول الكلام... إلخ، ومن الممكن أن يتم ذلك من خلال وضع مشروع عبادي محدد لكل يوم، فمثلاً مشروع اليوم الأول: تلاوة عدد كبير من أجزاء القرآن مع التدبر، واليوم الثاني: ذكر الله بعدد كبير ومتنوع من الأذكار، واليوم الثالث: مراجعة عدد كبير من آيات القرآن التي كان يحفظها المعتكفون، واليوم الرابع: صلاة عدد كبير من ركعات النوافل من باب التطوع المطلق، وهكذا كل يوم مشروع يحفز المعتكفين على الانشغال بطاعة من الطاعات.
ومن الضروري أن يكون هناك تشجيع للمعتكفين على تنفيذ هذه المشاريع من خلال ذكر الفضل والثواب الذي يجنيه من يقوم بهذه الأعمال، ويمكن ذكر فضل المشروع وثوابه في كلمة الفجر بالإضافة إلى تعليق لوحة كبيرة في المسجد يكتب عليها هذا الفضل بخط جميل وجذاب.
3- صلاة التهجد:
تعد صلاة التهجد من أبرز العلامات التي يتميز بها الاعتكاف، لما لها من عظيم الأثر في النفوس ولما يلمسه المرء من شعور صادق بقربه من الله تعالى، مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر) رواه الترمذي بسند حسن صحيح، ففي ظلها تصفو القلوب، وتخشع النفوس، وتتسامى العقول والخواطر، وتعرج الأرواح إلى بارئها فتنعم بجواره وتأوي إلى رحمته.
ومن الأدوار التي يمكننا القيام بها لتعميق استفادة المعتكفين بهذه المعاني الروحية من صلاة التهجد أن نوفر لهم ظروفًا تساعدهم على ذلك مثل:
- الحرص على إيجاد قارئ مجيد لحفظ القرآن، حسن الصوت، ونقصد بحسن الصوت أن يشعر من يصلي خلفه بروعة القرآن ويعيش في ظلال معانيه، كما علمنا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله) رواه ابن ماجه بسند صحيح.
- يحسن أن يكون وقتها في الثلث الأخير من الليل وليس في منتصف الليل؛ وذلك لنفوز بالرحمات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم في الثلث الأخير من الليل حين قال: (إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من سائل يُعطَى! هل من داع يُستجاب له! هل من مستغفر يُغفر له! حتى ينفجر الصبح) رواه مسلم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يستطيع المعتكفون أن يأخذوا قسطًا من النوم فيقومون للتهجد بنفس يقظة واعية لما تسمعه من آيات القرآن ولما تتلفظ به من الذكر والدعاء.
- ويمكن أيضًا أن ننظم بعض العظات القصيرة التي ترق لها القلوب، مثل: الحديث عن نعم الله علينا، وعن الجنة ونعيمها، وعن مشاهد يوم القيامة... إلخ، بين ركعات التهجد.
- كذلك يمكن عمل فقرات "معايشة"، وذلك بأن يقوم أحد المعتكفين بتحضير آية معينة، ويلقي خاطرة بسيطة حولها، ثم يترك المجال لبقية المعتكفين حتى يتفكروا في معاني هذه الآية ويتعايشوا معها.
4- مدارسة بعض الكتب:
ومن الأفكار التي يمكن أن يُستثمر بها الاعتكاف استثمارًا جيدًا أن تتم مدارسة ومناقشة أحد الكتب التي تتناول الرقائق أو الأخلاق والسلوك أو غير ذلك مما يحتاج إليه معظم المعتكفين، ومن الممكن أن تكون هذه الفقرة بعد صلاة التراويح وقبل النوم.
وتتم مدارسة ومناقشة هذا الكتاب بأن يقوم أحد القائمين على الاعتكاف أو أحد المعتكفين من ذوي العلم بعرض أحد موضوعات هذه الكتاب بصورة إجمالية بعيدًا عن التطويل الممل أو الاختصار المخل، ثم يفتح بعد ذلك النقاش حول هذا الموضوع والدروس المستفادة منه والواجبات العملية التي نستخلصها منه.
5- كلمات بعد الصلوات:
ففي الاعتكاف تسمو الأرواح وترق النفوس، فتصبح في حالة من الاستعداد والتهيؤ لقبول النصح والإرشاد والتأثر والعمل به، وهذا الاستعداد فرصة كبيرة لإكساب المعتكفين العديد من المفاهيم، وغرس الكثير من القيم والمعاني والأخلاق في نفوسهم، وليكن ذلك من خلال كلمات قصيرة وموجهة بشكل مركز حول أحد المفاهيم أو القيم أو الأخلاق أو الآداب أو غير ذلك بعد كل صلاة.
ومن الضروري لكي تؤتي هذا الكلمات ثمارها المرجوة أن يكون هناك تخطيط مسبق لموضوعاتها بما يناسب طبيعة وحاجات المعتكفين الفعلية، كما ينبغي أن تحتوي على تكاليف عملية يستطيع أن ينتقل بها المعتكفون من مجال القول والسماع إلى ميدان العمل والتطبيق.
ومن المفيد في ذلك أن نستضيف بعض العلماء أو الدعاة لتناول هذه الموضوعات.
6- حلقة تجويد القرآن:
فالاعتكاف يعد فرصة جيدة لتعلم من لا يجيد تلاوة القرآن لأحكام التلاوة، ولذا فمن الممكن أن يحتوي برنامج الاعتكاف على حلقة تجويد تهتم بتعليم أحكام تلاوة القرآن وتدريب المعتكفين على تطبيق هذه الأحكام عند التلاوة، وتبدأ بشرح الأحكام من القائم عليها، ثم يقوم بتدريب المشاركين فيها على تطبيق هذه الأحكام من خلال الاستماع إلى تلاوتهم وتصحيح أخطائهم مع التركيز على الحكم الذي شُرح لهم، ومن الممكن أن تعقد هذه الحلقة بعد الفجر أو بعد العصر.
7- مسابقات حفظ القرآن والأحاديث:
وفيها يحدد حفظ سورة معينة أو جزء محدد من القرآن أو عدد من الأحاديث النبوية، ويُعلَن عن موعد الاختبار لهذه السورة أو ذلك الجزء أو لهذه الأحاديث مع بداية الاعتكاف، ويحصل الأوائل على جوائز قيمة يتم الإعلان عنها مع الإعلان عن المسابقة، ومن الضروري أن تشمل هذه المسابقة أكثر من مستوى حتى يتمكن جميع المعتكفين على اختلاف أعمارهم أو قدراتهم من الاشتراك في منافستها.(9/334)
ولكي تتحقق الاستفادة من هذه المسابقات يمكن أن يتم تناول موضوع المسابقة بالشرح والدراسة، فبالنسبة للقرآن يمكن أن تكون سورة المسابقة هي نفسها السورة التي يتم تلاوتها في حلقة التجويد، كما يمكن تناول تفسير هذه السورة بأسلوب ميسر، وأما بالنسبة لمسابقة الأحاديث فيمكن شرح المعنى الإجمالي للأحاديث وتوضيح معاني الكلمات والدروس المستفادة منها.
8- سؤال اليوم:
ومن الممكن عمل مسابقة يومية حيث يُعلَن عن سؤال في بداية اليوم، ويطلب من المعتكفين الإجابة على هذا السؤال في ورقة مكتوبة، وفي نهاية اليوم يتم السحب من بين الإجابات المقدمة ويمنح الفائز جائزة، ومن الضروري أن تدور هذه المسابقة حول معنى يُراد غرسه أو تأكيده في نفوس المعتكفين.
9- جلسات التعارف والتآلف:
ويتم في هذه الجلسات التعارف بين المعتكفين تحقيقًا لقول الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، فيحدث التعارف والتآلف وتسود روح المحبة والود بين المعتكفين، فيدخلون بذلك فيمن يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة، وذكر منهم (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) رواه البخاري، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يُعد هذا التعارف ضروريا للتواصل فيما بعد الاعتكاف والتعاون معًا في الاستمرار على طاعة الله، كما يُعد أيضًا نقطة البداية لدعوة حديثي التدين من المعتكفين.
ومما يساعد على إشاعة هذه الروح أن تقدم في هذه الجلسات بعض المأكولات أو المشروبات الخفيفة.
10- متابعة أحوال المسلمين والعالم:
وحتى لا ينعزل المعتكفون عن متابعة الأحداث المتلاحقة في العالم ومعرفة أحوال المسلمين، فمن الضروري أن يكون هناك نشرة أخبار يومية تربطهم بإخوانهم المسلمين في بقاع الأرض المختلفة.
سادسًا- تقييم وتقويم
ومن الضروري في نهاية الاعتكاف أن يكون هناك تقييم للجوانب المختلفة للاعتكاف من حيث الإيجابيات والسلبيات والمقترحات الجديدة حتى يُستفاد منها في تحسين الانتفاع بأوقات الاعتكاف في الأعوام التالية إن شاء الله، وهذا التقييم يتم من قبل المشاركين في الاعتكاف، ومن قبل القائمين عليه.
=============
الناصح المعين في دعوة غير المسلمين
السلام عليكم ورحمة الله، أخوكم في الله من بلجيكا، أنا أتحدث كثيرا مع أناس غير مسلمين منهم المسيحيون واللادينيون، والملحدون، ولكن غالبا ما أريد أن أنتهز الفرصة وأحدثهم عن الإسلام حتى يفكروا، ولكن الإعلام وأعمال الجالية التي تنتسب إلى الإسلام بالاسم تقف لنا بالمرصاد.
الإعلام يشوه الصورة؛ فيتهمون الإسلام بالعنف والتأخر ومعاملة المرأة بالعنصرية، أما ما يقوم به بعض الناس من أصل إسلامي بالنسب كالسرقة والعنف والعمل ضد القانون والتجارة في المخدرات فيزيد الطين بلة؛ فأقف حائرا ماذا أقول؟ وكيف أبدأ؟
سؤالي هو: ما هي الخطوات التي يجب اتخاذها للدعوة إلى الله خطوة خطوة؟ علما بأن علمي الشرعي محدود، ولكن أقرأ كثيرا على إسلام أون لاين، وكتب ومحاضرات الشيخ القرضاوي..
كيف أبدأ؟ وما الوسائل؟ مثلا هل استعمال الإعجاز العلمي في القرآن طريقة جيدة؟؟
وجزاكم الله خيرا كثيرا، والسلام عليكم.
…السؤال
دعوة غير المسلمين …الموضوع
الشيخ عماد مصطفى أبو الرُّب…المستشار
……الحل …
…حياكم الله أخي يحيى، وبارك الله في جهدك الدعوي الذي هو واجب على كل مسلم ومسلمة، كما أنه شرف لكل من استعمله الله تعالى في الدعوة لدينه وشغله بهذا العمل؛ لقول الحق تبارك في علاه {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
لا بد للداعية أن يدرس الواقع الذي يعيش فيه دراسة متأنية واقعية، تشمل الإيجابيات والسلبيات والإمكانيات ليضع بعدها برنامجه الدعوي، ويسهم في إزالة ما علق في أذهان الآخرين عن الإسلام، كما يسهم بالتعريف به للجاهلين به الذين حرموا التعرف عليه بسبب كيد بعض الحاقدين على الإسلام، أو بفعل بعض الممارسات الخاطئة التي يرتكبها بعض المسلمين للأسف، والتي تسيء لسمعة الإسلام وأهله، والتي تعمق الهوة بين الناس الإسلام.
وأود أن أضع بين يديك بعض النصائح المعينة في الدعوة في بلاد غير المسلمين، أجملها لك في النقاط التالية:
1. لا بد للمسلم أن يثقف نفسه ويوعيها لتكون له عونًا في السير بخطى حثيثة وفاعلة لإحداث التأثير في الآخر. ولا أعني هنا قراءة الكتب فقط أو التوقف لحين حفظ بعض الأجزاء والأحاديث، ثم البدء في العمل الدعوي؛ إنما أعني أن يتعهد المسلم نفسه دائما من خلال مصاحبة الدعاة ومجالستهم، والمشاركة في برامج المراكز والمؤسسات الإسلامية المتواجدة في الغرب لمعرفة الدور الذي يمكنه القيام به من جهة، وليطور نفسه ويعدها لدعوة الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة من جهة أخرى.(9/335)
2. الجهد الفردي الدعوي تأثيره محدود، وغاليا ما ينقطع بوفاة صاحبه أو مغادرته للبلد الذي يعيش به، أو حتى بانشغاله بأموره المعيشية الخاصة. كما أن هناك تحديات لا يستطيع الفرد وحده القيام بها؛ وهو ما يتطلب وجود مراكز ومؤسسات دعوية تنهض بهذا الدور -وهي منتشرة في الغرب والحمد لله- وتستطيع أخي يحيى أن تزور أقربها إليك، وأن تتواصل معها، وتقدم خدماتك من خلالها، وبالتالي ستفيد كثيرا من تعاملك مع غيرك من الدعاة الذين سبقوك بتجارب دعوية، ويشاركونك همومك هذه، وربما يكونون قد بدءوا منذ سنوات الخطوات الأولى اللازمة للنهوض بهذا الواجب الدعوي؛ وهو ما يدعوك لإكمال المسيرة والمساهمة فيها والاستفادة منها بدل أن تبدأ من جديد.
3. الإسلام دين الله في الأرض، وخاتم الشرائع السماوية التي أرسلها على رسله وأنبيائه، وهو منزّه عن أن يكون فيه أي عيب أو نقص أو ظلم للفرد أو المجتمع، للمسلم أو غير المسلم، بينما المسلم يعتبر إنسانا يخطئ ويصيب حسب مستوى خشيته لله وعلمه للحكم الشرعي، والممارسات التي نراها من بعض المسلمين لا تعبر عن الإسلام، وإنما هي ممارساتهم الشخصية، وبالتالي لا يجوز أن نحملها للإسلام، أو أن نخجل أن يعلم الناس أننا مسلمون لأجل هذه الممارسات الخاطئة والمسيئة.
4. لا بد للمراكز الإسلامية والمؤسسات الدعوية عندكم أن تضع برامج دعوية لتوعية مسلمي بلجيكا بمسئولية تصرفاتهم -وهي تفعل ذلك على الأغلب- وإذا كان هناك تقصير في ذلك فيمكنك تذكيرهم أخي الحبيب، ومعاونتهم على تفعيل التواصل مع العرب والمسلمين المقيمين عندكم؛ بحيث نرفع مستواهم الإيماني والشرعي ليكونوا خير سفراء لدينهم.
كما لا بد لها أن تضع برامج (تواصل وتعريف وإعلام)، تحسن من صورة الإسلام من خلال عرض الإسلام نفسه بصورة زاهية بعيدة عن الإفراط أو التفريط. ويفيد هنا تفعيل البرامج الإعلامية من خلال برامج تعرض على التلفاز المحلي وفي الصحف، يشمل (برامج إغاثية، دورات وندوات لعلاج مشاكل المجتمع الأخلاقية والبيئية والاجتماعية... إلخ).
5. ما يقوم به بعض الغربيين من محاولة تشويه الإسلام معروف وموجود في كل زمان ومكان، حتى إن الأنبياء ما سلموا منه، ولكنهم ما يئسوا ولا تكاسلوا عن أداء مهمتهم الدعوية الشريفة، ولنا في آيات سورة نوح وصف تقريبي لهذه المعاناة وذاك الصبر، وكذلك نتذكر ما عاناه نبينا وحبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من أهل مكة ومن حولها، لكنه لم ييأس أو يستسلم؛ بل استمر في دعوته محتسبا كل معاناته وإيذائه عند رب العالمين، وهانحن نرى ثمرة دعوته وصبره وجهده بوجود أكثر من مليار ونصف مسلم في بقاع العالم.
6. وختاما أقول: إن الخطوات الدعوية التي يمكنك القيام بها باتت واضحة وبسيطة، ألخصها لك في النقاط التالية:
أ . ضرورة استحضار الإخلاص في النية، والحرص على تقوى الله ومخافته.
ب . بادر لزيارة أقرب مركز إسلامي إليك، وتعرف على برامجهم، وقدِّم لهم أفكارك، وضع قدراتك أمامهم، مستشعرا قول حبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: "الدين نصيحة...".
ج. احرص على تنمية ثقافتك دوريا، ويفيدك دروس العلم والتواصل مع العلماء، ومطالعة الكتب الإسلامية المفيدة، ومتابعة المواقع الإسلامية؛ كموقع "إسلام أون لاين" مثلا الذي يشمل مختلف المجالات التي يحتاجها المسلم في حياته.
د. ابحث عمّن ترى بهم الخير من زملائك ومعارفك من غير المسلمين، وابدأ ممارسة الدعوة معهم، وتواصل بشأنهم مع الإخوة العاملين في المركز الإسلامي القريب منك لتستفيد من إمكاناته؛ حيث يمكنك جلب المدعوين لدراسة اللغة العربية، أو للتعرف على المركز ونشاطاته بما فيها مرافق المركز (المكتبة، صالة الرياضة، نادي الإنترنت، القسم النسائي...)، كما يمكنك دعوتهم للندوات والمؤتمرات التي يقيمها المركز، واستثمر برامج رمضان لتشركهم في بعضها؛ فهي لها الأثر الكبير عليهم إن شاء الله.
هـ- تسلح بالصبر، ولا تستعجل قطف الثمار؛ لأن الصورة السيئة عن الإسلام عمل لها أعداء الإسلام مئات السنوات، ولن تستطيع خلال سنة أو سنوات قليلة تغييرها، وحسبك أن تبذل أنت وإخوانك ما تستطيعون من جهد ضمن رؤية واضحة، وأهداف محددة، ووسائل فاعلة، وحينها تكونون قد أعذرتم إلى الله أولا، وحسّنتم قدر المستطاع من الصورة الخاطئة عن الإسلام والمسلمين.
لا تنسنا من دعائك ومن التواصل معنا في أخبارك.
وفقنا الله وإياك لما فيه خير الإسلام والمسلمين، إنه سميع مجيب الدعاء.
============
رمضان شهر الولائم .. استثمريها لأهدافك
السلام عليكم أخي في الله ..
أحب شهر رمضان كثيرا، وأنتظره بشوق شديد، وأعتبره شهر عبادة، وأداوم فيه منذ فترة والحمد لله على صلاة التراويح وقيام الليل وتلاوة القرآن، ولكن معظم أفراد العائلة والأقارب يستاءون بسبب رفضي أحيانا تلبية دعوات الإفطار، حيث إني أفضل الإفطار إما في منزلي أو قرب المنزل حيث أداوم على الذهاب للمسجد المجاور الذي يقوم بختم القرآن في رمضان، وهذا لا ينطبق على الكثير من المساجد الأخرى.
وفي بعض الأحيان أضطر لقبول الدعوة والانصراف بعد الإفطار مباشرة حتى أستطيع اللحاق بصلاة العشاء في المسجد المجاور!
أرجو الإفادة، هل يتوجب عليَّ تلبية الدعوات المتكررة من أفراد الأسرة وترك الصلاة، فقد جربت مرة الذهاب لأخت زوجي وأسرعت بعد الإفطار للبحث عن مسجد مجاور يقرأ بجزء من القرآن ولكنه كان متأخرا عن المسجد المجاور.
أرجو أن أكون قد أوضحت ما أريد قوله، وأرجو الإفادة، بارك الله فيكم وكل عام وأنتم بخير.
…السؤال(9/336)
آداب وأخلاق …الموضوع
الأستاذ فتحي عبد الستار, الأستاذ مسعود صبري…المستشار
……الحل …
…يقول الأستاذ فتحي عبد الستار :
أختي الكريمة روان؛
جزاك الله خير الجزاء على حبك لشهر رمضان وعلى همتك العالية وحرصك على القيام باستثماره في الطاعات حق الاستثمار، وبعد ..
فما وصفته في رسالتك يعبر عن شكوى عامة عند الخيِّرين والخيِّرات أمثالك الحريصين على عدم تضييع أوقاتهم في هذا الشهر الفضيل، وعلى استثمار كل لحظة فيه، وخاصة الدعاة إلى الله الذين يرتبطون بأعمال كثيرة في المساجد ومع الناس أثناء هذا الشهر الكريم.
إن صلة الرحم طاعة عظمى لله عز وجل، واجتماع الأقارب والأهل وأنس بعضهم ببعض شيء طيب ومطلوب، ولكنه في شهر رمضان قد يبالَغ فيه لحد ما من قبيل العادة والعرف، فيتحول الشهر الفضيل للأسف إلى موسم للعزائم والولائم، وينصرف اهتمام الناس إلى الطعام ومجالس الثرثرة، فتضيع منهم الكثير من ألوان الطاعات وبالتالي يحرمون من الأجر العظيم، فضلاً عن احتمال اقترافهم لبعض الآثام.
وقد يجد المرء صعوبة في إقناع أهله وأولي أرحامه بالتخفيف من هذه العزائم؛ لأن العرف يقضي بتلبية دعوة مَن دعاك، ثم تقومين بدعوته إلى وليمة مماثلة في بيتك، كما أنك لو دعوت فلانا وقبل دعوتك، فلا بد أن تستجيبي لدعوته إذا دعاك، وهكذا نقضي الشهر كله بين داعين ومدعوين!!.
وقد جرت العادة في بلادنا أن يُطهَى في حفلات الإفطار هذه الكثير من الأطعمة بأنواع مختلفة مما يزيد في غالب الأحيان عن الحاجة ويعد من قبيل الإسراف المنهي عنه شرعا، وبالطبع قد لا يستطيع الصائم أن يمنع نفسه من الأكل بشراهة أمام ما لذ وطاب من ألوان الطعام المنشورة أمامه، فيأكل ويأكل، حتى يصيبه الخمول وتقعده التخمة، فلا يستطيع صلاة ولا ذكرا، فتفوته التراويح وما يلحق بها من طاعات، ويحرَم أجر ذلك كله.
وقد يحدث ما حكيتَ عنه في رسالتك لافتقادك مسجد تصلين فيه، أو تكون الوليمة في مكان بعيد ربما يستغرق الذهاب إليه والعودة منه وقتا طويلاً.
والحل الذي أراه لكي يتحصل الخير من جميع النواحي أن نحاول جمع أكبر عدد من الأقارب في الإفطار الواحد بحيث نوفر عدد الإفطارات والعزائم، ونقنعهم أيضا بعمل ذلك في بيوتهم، مع بيان سبب ذلك بالطبع، وهو الحرص على استثمار أوقات الشهر في العبادة والطاعة، وتلك فرصة للقيام بدور دعوي مع أقاربنا وأرحامنا وأصدقائنا، فنصحبهم إلى المساجد وحلق الذكر، ونلفت انتباههم إلى المعاني المقصودة من الصيام، كما أرادها الله عز وجل، حيث قال: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، فلنحاول اتخاذ كل السبل والوسائل التي تؤدي إلى تحقق التقوى في قلوبنا.
ويا حبذا لو أقنعناهم بأن نفطر بعد أذان المغرب مباشرة على طعام خفيف كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم، ثم نتوجه إلى الصلاة، ونأكل بعدها أيضا كمية خفيفة من الطعام أو بعض المشروبات، ونتوجه لصلاة التراويح، ونجعل طعامنا الأساسي ومجلسنا بعد التراويح.
وأقترح عليك أختي الكريمة اقتراحا يكسب هذه المجالس فوائد كثيرة، وهو أن تقومي بدعوة أحد الدعاة أو الداعيات للحضور معكم، وفتح نقاش حول قضية من القضايا التي تهم الحضور، فتكون الجلسة أشبه بندوة دعوية وإيمانية، يستفيد منها الجميع، وتقيهم من الوقوع في آفات المجالس.
أظن أننا لو تمكنا من عمل ذلك نكون قد استطعنا التوفيق بين الأمرين، فلا نغضب أحباءنا وأرحامنا، وفي نفس الوقت لا نضيع أوقاتنا وطاعاتنا.
تقبل الله منا ومنك أختي الكريمة، وبلغنا وإياك رمضان.
ويضيف الأستاذ مسعود صبري :
الأخت الفاضلة؛
جزاك الله تعالى خيرا على حرصك على الصلاة، واعلمي أن هذا من علامات الإيمان الصادق، كما قال ربنا في كتابه: (والذين هم على صلاتهم يحافظون)، وقال أيضا: (قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون).
ولا شك أن رمضان فرصة كبيرة يجب اغتنامها، وهو من نفحات الله تعالى على عباده.
وفي سؤالك تعارض أمران، الأول: هو الحفاظ على صلاة التراويح؛ والثاني: استجابة دعوة الأقارب، بما في ذلك من وصل للرحم، وهو أيضا من الأعمال الصالحة التي يثاب المرء عليها، بل وهو من أحب الأعمال في رمضان..
غير أنه يمكن الجمع بينهما، وهو أنك لا ترفضين الذهاب إلى الأقارب، ولكن استئذنيهم ألا يكون على الإفطار، بل يكون بعد صلاة التراويح، فتصلي التراويح في المسجد الذي تحبين، وتحافظين على سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم حين قال: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقال أيضا: (إن الله تعالى افترض صوم رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا ويقينا كان كفارة لما مضى)، ولا بأس بأن تتحججي أنكِ لا تأكلين كثيرا في الإفطار، حتى تستطيعي الصلاة، وبعد الصلاة صلي رحمك، ولا بأس بعدها بتناول بعض المأكولات حتى يستشعر الأقارب أنك أكلت عندهم، وخاصة أن كثيرا من الناس لا يرى الدعوة إلا لأجل الطعام، فنكون قد صلينا قيامنا، ووصلنا رحمنا.
وإن كان المسكن قريبا، فلا بأس باستجابة الدعوة، وإن كان الأولى أن تكون طريقة التعامل مع الكل سواء، حتى لا يجد البعض في نفسه من تمايز المعاملة بينه وبين الآخرين.
تقبل الله منك وأعانك على الخير.
===============
جماعة توحيد الجماعات.. "ولا يزالون مختلفين"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، اليوم نرى تفرق المسلمين وادعاء كل جماعه احتكار الرأي الحق.. فما رأيكم في قيام حركة إسلامية تنصبُّ جهودها على توحيد كلمة هذه الجماعات ومحاولة إذابة الخلافات بينها؟.
…السؤال(9/337)
الدعوة والحركة …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
…يقول الأستاذ فتحي عبد الستار:
الأخ الكريم هشام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بك ضيفا عزيزا على شبكة إسلام أون لاين، وشكر الله لك هذه الهمة العالية، وبعد..
أتفق معك أخي العزيز فيما تشعر به وتصفه من تفرق المسلمين أحزابًا وشيعًا وفصائل، وادعاء كل فصيل احتكار الحق والصواب، وهو مما تأسف له النفس ويتألم له القلب، إلا أن عزاءنا في قول المولى عز وجل: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} (هود: 118، 119)؛ فالاختلاف والتباين بين الناس في الأفكار والاتجاهات سنة ربانية، وناموس إلهي لا نستطيع أن نغالبه، لكن ما نسعى إليه هو التقريب والتعاون بين هذه الاتجاهات والأفكار، عملا بالقاعدة الذهبية: "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر وينصح بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه".
ولا أظن اقتراحك -مع تقديري واحترامي لنيتك- بإنشاء حركة إسلامية جديدة، يكون هدفها توحيد كلمة الجماعات وإذابة الخلافات بينها، إلا ضربًا من ضروب التشتت وزيادة الفرقة؛ فإن كان المسلمون الآن فصائل عدة؛ فبهذه الحركة نكون قد زدناهم فصيلا آخر وجماعة أخرى، فضلا عن تكريس حالة احتكار الحق التي أشرت إليها؛ حيث ستدعي هذه الحركة بالضرورة ما ادعته سابقاتها من امتلاك الصواب الذي تريد أن تجمع الآخرين عليه!!.
وقد ذكرني اقتراحك بموقف طريف شهدته بنفسي عندما دخلت مسجدًا، ووجدت الاختلاف واقعًا بين فريقين من الناس داخله حول بعض فاعليات المسجد، ولمحت مجموعة من الأفراد يعتزلون هذين الفريقين، ولهم برنامجهم ونشاطهم الخاص، فسألتهم عن موقفهم من الخلاف الدائر، فقال لي أحدهم: "إن الفريق الأول من جماعة كذا، والثاني من جماعة كذا، وكلاهما على خطأ، أما نحن فمن جماعة اللاجماعة"!!.
وكان الأحرى والأصوب في نظري بدلا من انعزال تلك المجموعة، وإنشاء جماعة ثالثة (اللاجماعة) أن يتخذوا موقفا إيجابيا، ويتجهوا بالنصح والتوفيق بين الفريقين المتنازعين؛ للوصول إلى نقاط للاتفاق يجري التعاون بين الجميع بشأنها، لا أن يسهموا في توسيع الهوة وزيادة الفُرقة بإنشاء جماعة ثالثة.
أخي الحبيب، إن الحل -من وجهة نظري- ببساطة يكمن في إصلاح القلوب أولا، ثم العقول، وتربيتها على تقبل المخالف واستيعابه وتقدير رأيه، وإعلاء قيمة الحوار، ونبذ نبرة الحديث بالضميرين (نحن)، و(هم)، واختزالهما في ضمير واحد هو (نحن)، وإن اختلفت المشارب والأفكار والوسائل. يقول جلا وعلا: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (البقرة: 143)، ومفهوم الأمة هنا يشمل جميع الأفكار المسيَّجة بسياج الشريعة الواحدة والعقيدة الواحدة، ويحتضن كل اجتهاد وفكر لا يخرج عن هذا الإطار.
إنه من غير الممكن بل ومن المستحيل أن نهب الصواب ونخلع العصمة على فرد أو جماعة أو مؤسسة، ونحرم ما عداها منها، بل كلٌ عنده من الصواب ما عنده ولديه من الحق ما لديه، وأيضًا كلٌ عنده من الخطأ ما عنده ولديه من الشطط ما لديه، ورغم كل هذا فهو مستوعب ومقبول داخل الدائرة الإسلامية الواحدة ما دام لم يخرج عن الإطار المبين والمحكوم بأصول الشريعة وأسس العقيدة.
ولا يجوز هنا أن نداوي بالتي كانت هي الداء؛ فننشئ فصيلا جديدا وجماعة أخرى؛ بل يكمن الدواء في تركيبة من خمسة عناصر كافية لقتل جراثيم الفرقة والتشرذم، هذه العناصر هي: الفهم، والحب، والتعاون، والنصح، والإعذار. فلتحمل على عاتقك أنت ومن يحذو حذوك ويفكر تفكيرك إشاعة هذه المفاهيم، وبذر هذه العناصر الإيجابية في نفوس من تعرف من المنتمين للجماعات المتباينة، عسى الله -عز وجل- أن يؤلف بين قلوبنا ويصلح ذات بيننا، إنه سبحانه وتعالى على ما يشاء قدير.
وأنصحك أخي بمطالعة هذا المقال:
- قواعد حاكمة للاختلاف الرشيد
ومرحبا بك وبرسائلك دائما.
ويضيف الأستاذ فوزي منصور -عضو فريق الاستشارات الدعوية بمصر-:
أخي الحبيب هشام.. بارك الله فيك ونفع بك أمة الإسلام.
بداية أخي أحب أن أقول لك: إن المسلمين اليوم متفرقون حقًّا رغم أن عوامل الوحدة موجودة من عقيدة صحيحة، ولغة واحدة، وقبلة واحدة، ورب واحد، ومنهج واحد وهو منهج الإسلام؛ فنحن في حاجة الاتحاد والوحدة، وقد اتحد الغرب رغم ما بينهم من خلافات.
ولكن أخي، من حكمة الله -عز وجل- أن يوجد اختلاف، وهذا الاختلاف أمرٌ صحيٌّ إذا كان في الأمور الفرعية، أما الأصول فلا خلاف عليها، والجماعات كلها هدفها واحد، وهو عودة المسلمين إلى ربهم وعودة مجد الإسلام، وكلٌّ يتخذ من الوسائل ما يراه مناسبًا لتحقيق الهدف، واختلاف الوسائل لا غبار عليه، وأيضًا يوجد بعض الخلافات بين الجماعات في الأمور الفرعية، وهذا أيضًا لا إشكال فيه؛ فقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- بينهم خلافات، وهذه الخلافات أوجدت المذاهب الفقهية.
ولا بد أن تعلم أخي الحبيب أن الخلاف أمرٌ ثابتٌ ومستقر، وهو من طبيعة هذا الدين وأصل من أصوله؛ فالقرآن والسنة -وهما المصدر الأساس في التشريع الإسلامي- نصوصهما تقبل الاختلاف بل وتحتمه؛ فقد وردت نصوص القرآن بعضها قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وبعضها قطعي الثبوت ظني الدلالة، والخلاف يكون واسعا في النوع الثاني، ولو أراد الله حسم الخلاف لأنزل آيات القرآن كلها قطعية الدلالة لا يختلف حولها اثنان، لكن الواقع أن الآيات ظنية الدلالة أكثر من الآيات قطعية الدلالة، وبالتالي يكون الاختلاف حولها كبيرًا، وهذه النصوص هي التي تضمن قابلية الإسلام للتطور، وصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان.(9/338)
ولكن الذي يهمنا أن نتعلم فقه الاختلاف وأدب الاختلاف، وأن نعمل بالقاعدة الذهبية "أن نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه"؛ فمعظم الجماعات متفقة في القضايا الكبرى التي تهم كل المسلمين في أنحاء العالم، أما الفروع فلا أحد يستطيع أن يوحد فيها أمر المسلمين.
وأنت أخي الحبيب، عندما تدعو إلى قيام حركة إسلامية تنصبُّ جهودها على توحيد كلمة هذه الجماعات، ومحاولة إذابة الخلافات بينها؛ فلا أراك إلا ضيَّقت واسعًا، لكن ما نريده أخي الحبيب أن نتعلم أدب الخلاف، وأن نهتم بالدعوة إلى الله، ولا يجب أن تضيع كل جماعة جهدها في الرد على الجماعة الأخرى، وتنسى أمر الدعوة.
============
الداعية "السوبرمان".. والمهام الصعبة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، اشتركت منذ سنتين في نشاط خيري رأيت في القائمين عليه تقوى الله في العمل، وعدم الاختلاط، والالتزام الذي أحسبه حقيقيا، وشاء الله تعالى بعد فترة أن أقوم على مشروع من مشاريعه، وكنت خائفة في البداية، لكني خفت من الهروب من المسئولية أمام الله؛ فقبلت، وتوكلت على الله.
بعد فترة فتح الله علينا، وتوسعنا في عملنا جدا، والحمد لله، كانت عندي المقدرة على الاستمرار، فتحملت المشاق وأكملت، إلى أن توسعنا في العمل في رمضان فأصبحنا نقوم بإفطار يومي طوال الشهر.
منذ بدأ العمل وأنا أحاول ألا أقصر أبدا؛ لأنها مسئولية ثقيلة أمام الله، ولكن المشكلة أنني أصبحت لا أحس أبدا بحلاوة رمضان؛ لأنني تحت ضغطٍ نفسيٍّ وجسديٍّ يوميا، حتى أني أصبحت أنتظر اليوم الذي ينتهي فيه رمضان حتى أحس أني أكملت عملي. كما أنني أصبحت أخشى أن تكون ذنوبي أكثر من ثوابي لأنني كما قلت لكم من قبل هذه الجمعية تتجنب الاختلاط تماما، ولأني أنا المسئولة فيجب أن أكون أنا حلقة الوصل بين الشباب والبنات، يعلم الله أني قدر المستطاع لا أتكلم إلا لضرورة، ولا يتطرق الكلام أبدا لأي شيء بعيد عن العمل، حتى إننا لا نرفع أبصارنا أبدا عن الأرض أثناء الكلام، ولكني أخاف جدا من أي خطأ ولو صغير؛ فأقول لنفسي: "ابتعدي عن المسئولية حتى تتجنبي كل هذه الأمور". ولكني أعود فأخشى أن أهرب من المسئولية التي كرمني بها الله .
وأمر آخر أني أعمل والحمد لله طوال العام، لا يطغى أبدا عملي الخيري على عملي عند العباد؛ لأني أخشى الله كثيرا، ولكن في رمضان قد أقصر بعض الشيء في مواعيد الانصراف رغما عني، وأعرف أن ذلك قد يغضب الله، ولكني بين حَجَرَيْ رحى وقطبَي مسئولية، ولا ينفع الرجوع عنها الآن إلا بعد انتهاء رمضان ولا أستطيع أن أقصر.. فماذا أفعل؟؟
…السؤال
الدعوة العامة, زاد المسير …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
…الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم وحرصكم عليه وعملكم به وله..
الأخت الكريمة.. عليك بالتفويض.. والتجميع.. والتوفيق.
** أما التفويض.. فيُقصَد به أن تُفوِّضي غيرك وتنيبيه عنك في بعض جزيئات العمل ما دام صالحا كفؤا؛ لأن الواقع يثبت أنه لا يوجد شخص "سوبرمان" يمكنه فعل كل شيء! فلا طاقاته ولا مهاراته ولا تدريباته ولا حالاته تسمح بذلك، لكن كلما كان العمل جزئيا ممكنا مقدورا عليه كان فعله أسرع وإتقانه أكثر ونتائجه أكبر.. كما يُفهم ضمنا من قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} (الأعراف: 142)، الذي قال فيه الإمام القرطبي في تفسيره: "قال موسى لهارون: كن خليفتي، فدلَّ على النيابة. وأصلح: أمر بالإصلاح... أي ارفق بهم وأصلح أمرهم وأصلح نفسك؛ أي كن مصلحا. ولا تتبع سبيل المفسدين: أي لا تسلك سبيل العاصين ولا تكن عونا للظالمين..".
فمن كانت هذه صفاته فهو نِعْمَ الخليفة والوكيل والنائب لك والمُفوَّض من قِبَلك.. ولقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يستخلف الأَكْفَاء المناسبين من الصحابة الكرام عند انشغاله.. فعن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لعليّ حين خلفه في بعض مغازيه: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي" (أخرجه مسلم).
** وأما التجميع.. فيُقصَد به العمل كفريق؛ إذ العمل الجماعي كله بركة وخير، خاصة إذا كان مُحاطا بمناخ الأخوة والحب وسلامة الصدور والتسامح والتعاون والحرص وحسن التخطيط والإدارة والشورى المخلصة من أجل الوصول للأفضل والأثوَب؛ فإنجازاته ستكون بكل تأكيد أسرع وأتقن وأقوى وأثمر وأكثر ابتكارا وأضمن انتشارا وخدمة ونفعا وأعظم ثوابا..
ثم لو فُرضَ وحدث أي تقصير فالكل سيتحمله؛ لأن الجميع مشارك في إعداده وتنفيذه.. وهذا هو ما يُفهَم ضمنا من قوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر رضي الله عنه عمَّن يخدمه ويعمل معه: "لا تكلفوهم ما يغلبهم؛ فإن كلفتموهم فأعينوهم" (جزء من حديث أخرجه البخاري ومسلم)، وما يُفهم ضمنا من شرح الإمام النووي له في كتابه "شرح صحيح مسلم": "أجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يكلفه من العمل ما لا يطيق؛ فإن كان ذلك لزمه إعانته بنفسه أو بغيره".. ففي الحديث وشرحه الحثُّ على العمل الجماعي حتي لا يكون هناك تكليف للغير -أو للنفس من باب أولى- بما لا يطيقه ويضره.(9/339)
** وأما التوفيق.. فيعني أنَّ عليك أنْ تُوفِّقي بين كل الشئون بتوازن، وعليك التوسط والاعتدال دون إفراط أو تفريط؛ أي عليك الأخذ من الأعمال بما تتحملين، ولا تزيدين عن قدر استطاعتك وطاقتك والتي أنت -بعد الله- أدرى الناس بها، حتى لا يحدث أثر عكسي كما تشعرين الآن وتفتقدين حلاوة عمل الخير وسعاداته على حياتك أو ثوابه الأخروي، أو حتى قد تذنبين أحيانا إذا حدث منه ضرر على نفسك أو غيرك.. يقول -صلى الله عليه وسلم- مُحذرا من هذا: "عليكم بما تطيقون؛ فوالله لا يمَلّ الله حتى تمَلُّوا"، وتقول عائشة رضي الله عنها مُعَلِقة على ذلك: "وكان أحب الدين إليه -صلى الله عليه وسلم- ما داوم عليه صاحبه" (أخرجه البخاري ومسلم).. قال الإمام النووي: "في هذا الحديث كمال شفقته -صلى الله عليه وسلم- ورأفته بأمته؛ لأنه أرشدهم إلى ما يصلحهم، وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة ولا ضرر؛ فتكون النفس أنشط، والقلب منشرحا فتتم العبادة، بخلاف مَن تعَاطى مِن العمل ما لا يطيق؛ فإنه بصدد أن يتركه كله أو بعضه، أو يفعله بكلفة وبغير انشراح قلب؛ فيفوته خير عظيم. وقد ذم الله -سبحانه وتعالى- مَن اعتاد عبادة ثم أفرط فقال: {وَرَهْبَانِيَّةً ابتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} (الحديد: 27)"
الأخت الكريمة..
كل ما سبق ذكره من التفويض لمن هو صالح مناسب، والتكوين لفريق العمل المتجانس المتآلف، والتوازن بين كل الأمور.. لا يعني أبدا التقصير أو الهروب من المسئولية؛ بل له ثوابه العظيم بإذن الله.. يقول الإمام ابن تيمية عن المسئول والمسئولية في شرح حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا ُضِّيَعت الأمانة فانتظر الساعة"، قيل: يا رسول الله وما إضاعتها؟ قال: "إذا وُسِّدَ الأمر لغير أهله فانتظر الساعة" (أخرجه البخاري): "ليس عليه أن يستعمل إلا أصلح الموجود، وقد لا يكون في موجوده من هو أصلح لتلك الولاية؛ فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه، فإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام وأخذه للولاية بحقها؛ فقد أدى الأمانة، وقام بالواجب، وصار في هذا الموضع من أئمة العدل المقسطين عند الله، حتى وإن اختلّت بعض الأمور بسبب من غيره إذا لم يمكن إلا ذلك؛ لأن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، ويقول: { لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}.. وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).. لكن إن كان منه عجز بلا حاجة إليه أو خيانة عوقب على ذلك".
وأما ترك المسئولية خوفا من الوقوع في خطأ ما؛ فهذا ما لا يحبه الإسلام، بل يكرهه ويحذر منه؛ لأنه سلوك سلبي يؤدي إلى مزيد من التدهور وعدم الترقي والتعاسة.. أما ما يحبه ويثيب عليه لأنه يسعد في الدنيا والآخرة فهو الإقدام على العمل مع تصويب الأخطاء تدريجيا، وأوَّلا بأوَّل حتى يأتي اليوم الذي يكون فيه عمل المسلم والمسلمة كله حسنا وأخطاؤه نادرة أو منعدمة..
وهذا هو فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتربيته لصحابته الكرام.. فقد روت السيرة أنه -صلى الله عليه وسلم- قدَّم خالد ابن الوليد -رضي الله عنه- بمجرد إسلامه لقيادة الجيش لكفاءته، ورغم عدم معرفته الكاملة بعد بأخلاق الإسلام، ورغم بعض تجاوزاته بسبب تقديراته العسكرية المبنية على فكره الجاهلي قبل إسلامه، والتي دعت الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحيانا إلى أن يرفع يديه داعيا: "اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد"، ويقوم بدفع دية مَن قتلهم خطأ، إلا أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يؤخره عن مكانته القيادية لأخطائه بل صوَّبها وهو فيها، حتى تناقصت وانعدمت تدريجيا مع الوقت.
وأما التقصير في عملك الحياتي النافع للنفس وللغير وللإسلام والمسلمين؛ فهذا لا نجد لك أي حجة فيه، إلا إذا كان بإذن أصحاب العمل أو باتفاق معهم على خصم بعض الأجر في مقابل الانصراف مبكرا، أو ما شابه ذلك من أنواع التراضي بين الطرفين، على اعتبار أن شهر رمضان الكريم له بعض الاستثناء؛ حيث يريد كل مسلم التدريب على فعل الخير وتوسيعه ونشره وتنويعه..
لكن إن تعارض خيْران فقد علمنا الإسلام أن نجتهد أولا في الجمع بينهما بوسائل العلاج السابق ذكرها؛ فإن لم يمكن الجمع فعلينا تقديم الخير الأول ارتباطا به والأكثر فرضية، والأعظم ضررا عند تركه، والأوسع نفعا، والأكثر شحنا للنفس وإسعادا والأكثر بالتالي ثوابا.. أي بكل وضوح: تقديم خير العمل الحياتي والذي هو مفروض عليك (والفرض هو الذي يثاب فاعله ويأثم تاركه) وفاءً للعقد الذي بينك وبين أصحاب العمل، والذي لا يمكن لغيرك القيام به، على عمل البر، والذي هو مسنون في حقك (والسنة هي التي يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها) لأنه يمكن لكثير غيرك أن يعمله.
بقيت نصيحة أخيرة أختنا الكريمة لا بد من ذكرها والتنبيه عليها..
وهي أن الدعوة إلى الله والإسلام ليست فقط في المساجد وبإطعام المساكين الجائعين! وإنما بعلاج أسباب فقرهم وجوعهم ومرضهم خارج المساجد؛ في حياتهم بدعوتهم إلى التمسك بأخلاق إسلامهم في كل شئونها، ودعوتهم إلى التمسك بالصدق والأمانة والإتقان والابتكار والعدل والشورى ونحو ذلك من الأخلاقيات الإسلامية التي لو تمسكوا بها لارتقوا، ولسعدوا في دنياهم قبل آخرتهم..
دعوتهم جميعا من خلال البيوت ووسائل الإعلام المختلفة، وتجمعات الأقارب والجيران، وتجمعات الحدائق والنوادي وأماكن العمل والمدارس والجامعات ووسائل المواصلات وكل مكان تجمع ممكن مناسب..(9/340)
دعوتهم بالقدوة والخدمة، والسؤال الودود عنهم، والتوجيه الليِّن لهم، وبالكلمة الطيبة والعلاقات الاجتماعية الحسنة والمشاركة في الأفراح والأحزان، وبالأشرطة والكتيبات والبرامج الجيدة، وما شابه ذلك من الوسائل الدعوية المتنوعة.. حتى يأتي اليوم الذي يكون فيه عمل الخير إيجابيا لا سلبيا؛ أي للدفع للأمام.. للتطور والرقي والازدهار والسعادة، لا لمجرد الترميم أو عدم التخلف، أو محاولة الوصول فقط من تحت خط الصفر إلى الصفر!.
وفقك الله وأعانك.. ولك ثوابك الكبير على قدر نواياك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
=============
داعية عنيف ثقيل غير مرغوب!!
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أما بعد: أعرض عليكم هذه الاستشارة الطويلة مؤملا أن تجد لديكم سعة الصدر والقبول، ومن ثم الإجابة الشافية إن شاء الله.
لي قريب نذر نفسه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يكل ولا يمل، لا يتحدث في مجلس إلا في الدين والسياسة العامة للمسلمين. وهو مخلص في ذلك لدرجة الهوس. وعلمه متأت من بعض سنوات الدراسة أوائل الخمسينيات من القرن الماضي ومن إجازة له في علم الاجتماع وقراءاته الكتب الدينية والصحف، ومشاهدته لبعض الفضائيات كـ"الجزيرة" و"اقرأ".
لكن مشكلته أن سامعه ومخاطبه سرعان ما ينفض من حوله نفورا من أسلوبه في الخطاب، لا يقبل الاعتراض على قوله حتى إذا عورض بحجة مقبولة؛ فهو يؤثر رأيه حتى ولو كان فيه عنت له أو لمخاطبه. ولا يبقى معه إلا من اتسع صدره أو من أدرك غايته الجليلة، أو أراد مجاملته برا به وإحسانا. وهو متشدد على بنيه وحفدته وإخوته في أمور كثيرة مثل الصلاة وصلاة الصبح في المسجد، ويتهددهم بالقطيعة إن لم يمتثلوا أمره، وبقطيعة رحمه وعدم زيارتهم في الصيف؛ لأنهم لا يقبلون وعظه، ولا يمتثلون لنصيحته رغم عدم إنكارهم لما يقوله، ولأنه يرى من بعض أفراد أقاربه خصوصا أبناءهم ما لا يرضاه منهم الله ورسوله؛ كمسألة الحجاب وترك الصلاة أو السهو عنها عند نفر من أبنائهم.
لقد حاولت أن أتحدث معه في مسألة خطابه العنيف بما أوتيت من علم وهو قليل من فهمي لكتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواقفه الدعوية العظيمة مع الكفار والعصاة والمذنبين قليلا من أهله وغير أهله –صلى الله عليه وسلم-، وبما بيننا من مودة القربى، ومما أطالعه في هذا الموقع الجليل من آراء في الدعوة والتربية من التحصن بالعلم والفقه والحكمة والحلم والحسنى والتدرج في الخطاب ومراعاة الزمان والمكان ومقامات المخاطبين وسنهم وعلمهم ومدى طاعتهم لله، ولكنه مصر على خطابه الآمر الناهي؛ الأمر الذي يجعله دائما شخصا عنيفا ثقيلا وغير مرغوب فيه لدى بعض أقاربه إذا زارهم وأقام أياما عندهم، إن لم أقل فظا غليظا في الظاهر رغم علمي بطيبته الباطنية وإخلاصه ومحبته ذويه وأقاربه.
وهو في صراع دائم مع أهله وقرابته رغم أنهم لا ينكرون ما يقوله ويعترفون بتقصيرهم في طاعة الله بحجة عدم استطاعتهم أو تهاونهم وغلب الدنيا لهم. وقد عز علي أن يصير قريبي إلى هذه الحالة الاجتماعية التواصلية مع أنه كان في شبابه من أحب الناس إلى ذويه وإلى معارفه. وأعلم أنه يتألم ليقينه أنه مجاف لا لأمر سوى أنه على حق، وهو لا يفهم هذا الجفاء إلا كونه إصرارا لمجافيه على العصيان. وهو لا يعترف بأن السبب هو أسلوب الخطاب وعنف لسانه.
أشيروا علينا برأي أو مقالة تكون جامعة لمجمل ما طرح في هذه الاستشارة لعل الله يأتي بفتح على يدكم؛ فأعرضه عليه ومناقشته معه فإن لشيخ الإسلام القرضاوي موقعا أثيرا عنده، وجزاكم الله عنا خيرا والسلام.
…السؤال
الدعوة الفردية, جمهور الدعوة …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…تقول الأستاذة سعيدة رامضي -داعية وواعظة مغربية-:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبي الرحمة المهداة، وبعد..
أخي الكريم عبد المالك، لقد تأثرنا برسالتك، وأحسسنا من خلالها بمدى الرحمة التي تكنها لقريبك، وغيرتك على دين الله تعالى، نكبر فيك أخي الكريم هذه الخصلة، كما نكبر في قريبك غيرته وحرقته.
ولا بد أخي قبل حمل همّ الدعوة إلى الله من التسلح بالعلم النافع؛ إذ العلم إمام العمل. ولذلك يطلب منا الإلمام بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي رحمته للخلق عامة وتعامله مع أقاربه خاصة، كما يطلب إلينا معرفة مجتمعنا وأحواله والظروف التاريخية التي مرت بها أمتنا؛ لأن البحث عن الدواء يتطلب معرفة الداء.
أولا- نبدأ بالحديث عن هديه -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة إلى الله عز وجل، وهو الذي وصفه الحق سبحانه في محكم التنزيل بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وأثنى عليه كذلك بقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ} (آل عمران: 159).
ويصف لنا سبحانه علاقة المسلمين فيما بينهم بأنهم: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}، تكثر بين أيدينا النصوص، لكن السؤال: كيف نفهمها؟ كيف نفسرها؟ كيف نطبقها؟ كيف ننزلها في واقعنا المعيش؟ كيف نأخذ بعين الاعتبار ظروف أمتنا التاريخية وواقعها الاجتماعي؟.
وللإجابة نسوق لك أخي الكريم ولقريبك المحترم هذه الأمثلة الرفيعة على رحمة المصطفى صلى الله عليه وسلم للخلق عامة وذوي رحمه خاصة..(9/341)
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت يا رسول الله. قال : وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان. فقال: هل تجد ما تعتق به رقبة؟ قال: لا. قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: هل تجد ما تطعم به ستون مسكينا؟ قال: لا. قال: ثم جلس فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق (مكيال يسع 15 صاعا) فقال: تصدق بهذا. قال: فهل على أفقر منا؟ فما بين لابتيها (لابة: الأرض التي بها حجر أسود، والمراد بين أطراف المدينة) أهل بيت أحوج إليه منا. فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجده، وقال: اذهب فأطعمه أهلك" (رواه الجماعة).
وبايع النساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءته عجوز لتبايعه، فشرط عليها وعلى من معها من النساء ألا ينحن على ميت، فقالت العجوز: "يا رسول الله إن ناسا قد أسعدوني على مصائب أصابتني، وإنهم قد أصابتهم مصيبة؛ فأنا أريد أن أسعدهم". قال: "فاذهبي فكافئيهم". فانطلقت فكافأتهم، ثم أتت فبايعته.
مما لا شك فيه أن الإفطار في رمضان من الكبائر، والنياحة مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الدرس هنا هو: كيف عالج رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأمور؟ رفق نبوي ورحمة وتأنٍّ! ما أحوج وعاظ عصرنا للتحلي بها والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
مثال آخر نسوقه بين يديك هذه المرة من خلق آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ نبسط بين يديك قصة سيدنا الحسن وسيدنا الحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما رأيا -وهما طفلان- رجلا لا يحسن الوضوء، فاتفق على طريقة لطيفة لكي لا يجرحا كبرياء الرجل، قالا له: "يا عم، يزعم هذا أنه يحسن الوضوء، وأني لا أحسن؛ فنرجوك أن تنظر إلينا وأن تحكم بيننا؟"، فتوضأ أمامه أحسن ما يكون الوضوء، وفهم الرجل وقال: "يا بني أنا عمكم الجاهل لا أنتما".
نتعلم من هذه المشهد الرفيع أن التعليم يكون بالرفق ومن طرف خفي، بالمثال والتذكير العام.
ونمر بك سيدي على عصر التجديد لنقف مع مجدد القرن الأول والخليفة الخامس سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه؛ حيث كان يريد أن يصلح شأن أمته، ويرفع عنها ظلم بني عمه ملوك بني أمية، ويستحثه ابنه الصالح عبد الملك للإسراع في الإصلاح، قائلا: "مالك يا أبت لا تنفذ الأمور؟؛ فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبيك في الحق". فيجيب قائلا: "لا تعجل يا بني؛ فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدَعوه جملة فيكون ذا فتنة.
فسيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يريد الإصلاح وإشاعة المعروف وأبطال المنكر، لكنه لا يستعجل ويتريث لأن الحكمة والتدرج والصبر والمداراة شروط ضرورية لنجاح الداعية في دعوته والواعظ في مهمته .
ثانيا- أما عن خلقه صلى الله عليه وسلم مع ذوي رحمه وخصوصا الأطفال منهم؛ فيكفينا نبراسا نستنير به ما روى الشيخان وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَبَّلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التيمي، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قَبَّلت منهم أحدا. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "من لا يَرحم لا يُرحم". وعند الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حاملا الحسن بن علي على عاتقه، فقال الرجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ونعم الراكب هو".
لنتمعن أخي الكريم كيف يشمل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أحفاده بهذا الحب وهذه الرحمة وهذا الود؛ فبالتأكيد سيبادله أحفاده نفس الحب، ويقدرونه نفس التقدير، ومن ثم يقتدون به في أفعاله وأقواله.
وفي ديننا الحنيف فسحة ومجال للهو والمزاح ليس للصغار فقط بل للكبار كذلك ما لم تلهنا عن ذكر الله عامة وعن الصلاة في وقتها خاصة. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوصي صحابته بتعليم أبنائهم السباحة والرماية وركوب الخيل. أفلا نتخذ هذا التوجيه قياسا للعب الأطفال عامة بكل الوسائل التي تزيد الجسم قوة والعقل تفتحا والجوارح استقامة؟؟
وفي ديننا كذلك مجال للتأديب والتعزير لكن بنفس الرحمة ومن غير تجاوز الحدود الشرعية للغضب لله واستحضار لقاء الله والحضور بين يديه.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم تغضبه جارية له ذات مرة فيقول لها: "لولا القَوَد (مخافة العقاب عندما يقاد الناس بالنواصي) لأوجعتك بهذا السواك". سبحان الله رسول الله صلى الله عليه يلوح بالعقاب بالسواك! درس آخر في التربية والحلم نستفيده. فديننا الحنيف ينبذ العنف والتعسير ويدعو إلى الرفق والتبشير.
روى الشيخان والترمذي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله" وفي رواية للبخاري: "عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش".(9/342)
ولما نزل قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} خرج مسرعا عند سيدنا معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري، وقد كان يستعدان للسفر إلى اليمن، فقال لهما: "على رسلكما، يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا"، ومن التيسير ما ذكره الله تعالى في سورة البقرة أن: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة: 256). وأمره سبحانه لسيدنا موسى وأخيه هارون عندما أرسلهما إلى فرعون: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: 44)، ولبث سيدنا نوح ألف سنة إلا خمسين عاما يدعو قومه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا
7.وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ * َأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} (نوح: 5-12) دعوة بالليل والنهار، بالإعلان والإسرار، بالترغيب والترهيب، تنويع لأساليب الدعوة وأشكالها من غير ضجر أو اشمئزاز بل صبر ومصابرة واحتساب.
وللمزيد من هذه المواقف الرائعة أحيلك أخي الكريم على ما كتبه الدعاة في هذا الباب وهو كثير، وأخص بالذكر ما كتبه الدكتور يوسف القرضاوي (خاصة أن قريبك من المعجبين به) في فقه الدعوة والتيسير وتجنب التطرف والغلو.
ذكرنا في المقدمة أن العلم إمام العمل، وهذا هو العلم.. فما العمل؟
مجموع النصوص السالفة الذكر تعطينا مواصفات المؤمن الصالح في نفسه وخلقه وتعامله مع المجتمع، تعطينا الوصف المرغوب لعلاقات العبد بربه وبالناس وبالأشياء، لكن السؤال: من أين تكتسب هذه الخصال؟ وكيف؟
أحيلك أخي الكريم على كلام للأستاذ عبد السلام ياسين في كتابه "الإحسان" إذ يقول:"علاقة العبد بربه تكون إحسانية إن حافظ على ذكره لا يفتر عن مراقبته وخشيته ورجائه ودعائه ومناجاته، بهذا الإحسان في عبادة ربه يطيب قلبه، وتجمل أخلاقه، وتصلح نواياه؛ فيكون للخلق رحمة يعم نفعه العالم الأقرب فالأقرب، ونفعه للمجتمع وللناس كافة (وهذا بيت القصيد) لا يتوقف على حسن النية وجمال القصد والإسراع إلى الفعل فقط (وهي صفات ذكرتها في وصفك لقريبك) بل يتوقف أيضا وبالمكانة المؤكدة على خبرته ومهارته وقدرته على إتقان ما هو موكول إليه من أعمال".
فمن أين لنا بهذه الرحمة وهذا الإتقان؟
نقترح عليك أخي الكريم ما يلي:
1- اختر لقريبك رفقة صالحة مناسبة له ولعمره، وحاول تقريبهن منه وتقريبه منهم؛ فـ"الطبع من الطبع يسترق" كما تقول العرب، وفي حديث الجليس الصالح وجليس السوء تأكيد لذلك.
2- اصحبه لمحضن تربوي يتمرس فيه على هذه المعاني ويتدرب؛ فالكتب والأشرطة وحدها لا تفي بالغرض.
3- إن للقلب إشعاعا واضحا وأثرا بينا على الجوارح كلها؛ فهو أمير الجسد كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ثوبان، الذي نقتطف منه قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب"، وإنما تصلح هذه المضغة بذكر الله والدوام عليه وقرع بابه، والانكسار بين يديه؛ فصفات الرحمة والرفق واللين والخلق الحسن أرزاق يهبها الله لمن طرق الباب وتاب وأناب، ولما انتبه القلب استجاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} (الأنفال: 24)، نعوذ بالله.
4- إن الأمر مداومة وطول نفَس، وهذا يتطلب أول ما يتطلب صدقا وإخلاصا لله ينأيان بالداعية عن رد فعل غضبي أو تشنج أو تجهم إذا لم يستجب لدعوته مدعو، وإذا لم ينتصح لنصحه مخاطب.
5- وبخصوص موقع قريبك في قلوب العائلة ونظرتهم إليه حاول جهدك أن تفهمهم حسن نيته وجمال قصده حتى يتسنى لهم احتضانه والصبر عليه.
6- حببه إلى أطفال العائلة وحببهم إليه؛ بالزيارة والاستزارة، والهدية والكلمة الحانية المشجعة الرفيقة.
7- اعلم أخي الكريم -وما إخالك تغفل ذلك- أن الله هو الفاعل المختار سبحانه، هو المتصرف في الكون، بيده قلوب العباد يقلبها كيف يشاء. لذا يطلب إلينا الاستعانة بالدعاء خاصة بظهر الغيب وفي الأوقات التي هي مظنة استجابة الدعاء، وبالأخص هذا الشهر المبارك، شهر رمضان شهر المغفرة والقرب واستجابة الدعاء. فقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "الدعاء مخ العبادة" (سنن الترمذي)؛ بل: "الدعاء هو العبادة" (مسند الإمام أحمد) كما في حديث آخر.
أسأل الله أن يشرح للخير صدورنا، وأن يفتح مغاليق قلوبنا لذكره، وأن يرزقنا رحمة في قلوبنا، وحكمة في عقولنا، واستقامة في جوارحنا، وأن يبلغنا أعلى الدرجات أفرادا، وأن يرزقنا التمكين والنصر أمة.
ووفقكم الله لكل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
============
برنامج رمضاني.. فردي وجماعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..(9/343)
أعمل في مجال طلبة الثانوي؛ وأريد أن أرتقي بهم في رمضان، فأريد وسائل وبرنامج عملي لذالك علما أن النسبة الكبيرة منهم في المرحلة الأولى من الثانوية العامة.. كما أريد أن أعرف كيف أجذبهم إلى الاعتكاف؟
جزاكم الله خيرا. …السؤال
الدعوة العامة …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
…الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد؛
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا على حبكم لإسلامكم وحرصكم عليه وعملكم له..
أخى الكريم أسامة؛
قبل عمل برنامج للارتقاء بمن تدعوهم من الطلاب في رمضان عليك أوَّلا أن تقوم بتحبيبهم فيه وفي فرائضه وسننه، وتفهيمهم سبب تشريعه أصلا.. فإن هذا الحب وهذا الفهم لفوائده الدنيوية وثوابه الأخروي سيدفعان بقوة كل فرد للانجذاب إليه، والاهتمام به وبما فيه، ومحاولة التمسك به لمنافعه.
لقد شرع الله تعالى رمضان نعمةً للمسلمين، فهو ضيافة فقهية سنوية لهم، ففيه قلوبهم تقترب منه فتشحن بالإيمان الذي يقوي إرادتهم، فيسهل عليهم التمسك أكثر وأكثر بأخلاق الإسلام، فإذا ما ازداد تمسكهم بها ازداد انتفاعهم بالكون من حولهم على أكمل وجه، وازدادت سعادتهم في الدنيا، ثم في الآخرة بالثواب العظيم الذي ينتظرهم.
يقول تعالى في سبب تشريع الصيام وفضله في الدنيا، وأنه يقوي الإرادة ثم الأخلاق: (ولعلكم تتقون)، ويقول صلى الله عليه وسلم في ثوابه الهائل في الآخرة: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) أخرجه البخاري ومسلم، وأيضا: (ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا) أخرجه البخاري ومسلم، وأيضا: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) أخرجه البخاري ومسلم، وأيضا: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) أخرجه البخاري ومسلم.
هذا ويمكن تعريفهم بما سبق من خلال لقاء بهم، أو توزيع ورقة عليهم، أو نشر رسالة عبر الإنترنت، أو ما شابه ذلك.
ولذا فعند وضع أي برنامج للرقي لأي مرحلة سنية يفضل أن يشتمل على أعمال تزيد الإيمان، وأخرى تقوي الإرادة، وثالثة عبارة عن تمسك بخلق من الأخلاق.
ويفضل أن يكون تطبيق البرنامج بعضه يتم بشكل فردي، وبعضه بشكل جماعي، وذلك لأن لكل فرد طاعة غير الآخر يحبها ويطيقها ويشعر بأنها هي التي تقربه أكثر من ربه ودينه، ثم الأعمال الجماعية تشعر بالألفة والتقارب والاطمئنان والراحة والتشجيع والتعاون بين الجميع على السعادة في الدنيا بالطاعة واتباع الإسلام ودخول الجنة به في الآخرة.
* فأما الأعمال التي تزيد الأيمان فأهمها:
- أعمال فردية أهمها:
1- تدبر مخلوقات الله.. يقول تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب)، فالتدبر يزيد إيمان القلب بخالقه وعظمته، ويزيده حبا له وتعلقا به وطلبا لعونه ومنافعه.
ووسيلة التدبر تختلف من شخص لآخر.. فقد تكون مثلا أثناء السير، أو الجلوس في مكان فسيح ليلا أو نهارا، أو متابعة برنامج إعلامي يفيد هذا أو نحو ذلك.
2- الذكر.. يقول تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، والذكر يشمل.. الاستغفار، والدعاء، والتسبيح، والتحميد، والتهليل – أي قول لا إله إلا الله محمد رسول الله-، وقراءة وتدبر بعض آيات القرآن.
وصورة الذكر أيضا تختلف من شخص لآخر، فقد تكون في وسيلة المواصلات، أو بعد الصلوات، أو في المسجد، أو البيت، أو حتى في الفراش، أو نحو ذلك.. يقول تعالى: (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار).
3- الصلاة أول الوقت.. فإنها من أحب العمل إلى الله تعالى، فقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أي الأعمال أفضل قال: (الصلاة على وقتها) جزء من حديث أخرجه البخاري ومسلم، وإذا أحب الله عملا أحب فاعله، ومن أحبه الله فإنه يكون من الذين قال الله فيهم: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) جزء من حديثٍ قدسي أخرجه البخاري، وكذلك يزيده الله قربا وتوفيقا وسعادة.
وكلما كانت الصلاة في المسجد، وفي جماعة ما أمكن، كلما كان الثواب مضاعفا.
4- الصدقة.. فهي تُشعر باقتطاع جزء من المال والقوت من أجل الله، فيزداد القلب قربا منه، كما يقول تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها).
وتتم الصدقة في صورة مال أو طعام أو لبس أو جهد أو علم أو ما شابه ذلك مما يملكه المسلم.
5- العلم.. فهو يزيد القلب تعرفا على ربه، وثقة فيه، وتعلقا به، يقول تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).
ويمكن تحصيل ذلك بوسائل عدة.. مثل قراءة بعض العلم الشرعي، أو الاستماع لدرس ديني سواء كان في حلقة علم أو من خلال برنامج ديني، أو شريط كاسيت لعالم رباني.. أو نحو ذلك مما يفيد.
- أعمال جماعية:
كل ما سبق ذكره يمكن تأديته بصورة جماعية في المسجد أو البيت أو النادي أو الجامعة أو غير ذلك من أماكن التجمع.
* وأما الأعمال التي تقوي الإرادة:
فأهمها الصوم ذاته، فكفى به مقوِّيًا للإرادة، إذ النفس تمتنع عما هو حلال، فيمكنها بعد ذلك بإذن الله الامتناع عما هو حرام، واقتحام الحياة والانتفاع بها والسعادة فيها.
* وأما الأخلاق التي يمكن تطبيقها عندما تقوى الإرادة فأهمها:
- أخلاق فردية، وأهمها:(9/344)
1- غض البصر.. فهو يجمع بين شحن القلب بالإيمان، وقوة الإرادة، وتجنب نشر الفساد في المجتمع يقول صلى الله عليه وسلم: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركها خوفا من الله آتاه الله عز وجل إيمانا يجد حلاوته في قلبه) أخرجه الحاكم وصححه.
2- حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والنفاق والسخرية وما شابه ذلك، فهو مثل غض البصر في فوائده الدنيوية والأخروية.
يقول صلى الله عليه وسلم: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) أخرجه البخاري ومسلم، وما بين لحييه أي لسانه.
3- الوفاء بالوعود والمواعيد، فهذا يوفر الأوقات ويزيد والإنتاج، ويحسن العلاقات بين الناس، يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعهود).
- أخلاق جماعية، وأهمها:
1- الاجتهاد في الاجتماع على السحور والإفطار ولو لمرات قلائل في خلال الشهر، فإنه يورث ويدرب على كثير من أخلاقيات الإسلام عند التجمع.. كالحب، وصفاء القلوب، والتفاهم، والتعاون، والتسامح، والإيثار، والكرم، ونحو ذلك.
2- متابعة الأحداث الداخلية والخارجية من خلال وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة، فإن ذلك يزيد الأفراد تمسكا بإسلامهم ودعوة له ودفاعا عنه، حتى يعود نظامه ليسود العالم ليتحقق العدل وتسعد البشرية.
3- المشاركة في خدمة اجتماعية ما.. كتوزيع بعض الصدقات، أو إطعام الفقراء، أو كسوتهم، أو استضافة الضيوف، أو زيارة الأقارب والجيران والأصحاب والزملاء والسؤال عنهم ومهاداتهم ومعاونتهم، وما شابه ذلك، فإن هذه الأخلاقيات تزيد المجتمع ترابطا وتعاونا وتكافلا وتناصحا بالإسلام فيسعد الجميع.
هذا؛ ومما يثمر قبل وضع البرنامج مشاورة الأفراد فيه، وأخذ آرائهم واقتراحاتهم حوله.. إما بشكل فردي أو من خلال جلسة مجمعة شورية ودية تحوطها الأخوة، وسلامة الصدور، ومحاولة الوصول للرأي الأصوب الأنسب، فإن مشاركتهم، والأخذ برأي الأغلبية بعد الاستقرار يعين على قوة التنفيذ، إذ الكل مشارك في الرأي، كما ينشأ تعاون بين الجميع من أجل تحقيقه ومن أجل تنمية الثمار التي تبدو، وعلاج الثغرات إن ظهرت.
ثم يوضع برنامج التطبيق اليومي والأسبوعي، ويفضل أن يختار كل فرد ما يناسبه من الأعمال الفردية، ثم تختار الأغلبية عملا أو أكثر مجمعا، فذلك الاختيار سيشجع الجميع على حسن التطبيق، ثم تكون هناك ورقة محاسبة فردية يحاسب فيها كل فرد نفسه في نهاية اليوم أو الأسبوع، ويشجعها على ما قامت به، ويعوض -بعد الاستعانة بالله ودعائه- ما لم تقم به في اليوم التالي.
ثم تكون هناك جلسة جماعية أسبوعية للتقييم والتناصح وتبادل الخبرات والتعاون على زيادة الإيجابيات وتجنب وعلاج السلبيات.
وفقكم الله أعانكم ولا تنسونا من صالح دعائكم.
==============
تأصيل الطالب تربويا.. إضاءات على الطريق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بداية أجد نفسي عاجزا عن إيصال مشاعر الحب والتقدير للقائمين على هذا المنتدى.. فألف شكر لكم على هذا التألق المستمر، أنا مدرس للتحفيظ، وأنوي التركيز على مجموعة من الطلاب لتأهيلهم.. مع مراعاة الفروق الفردية؛ فالبعض عنده ميول تربوية من خلال مخالطتي له لأكثر من 3 سنوات، ومن خلال الاستبيانات مع عدم اعتمادي عليها ومن خلال طرق أخرى.. أساتذتي لا أطيل عليكم: أريد طرقا لتأصيل الطالب تربويا، وما هي أهم الكتب التي لا بد أن يقرأها الطالب قراءة تخصصية؟؟ وكذا الأمر بالنسبة لطالب آخر متميز شرعيا، وأريد أن أعده طالب علم يفيد بلده ودمتم للخير. …السؤال
الشباب …الموضوع
الأستاذ وصفي عاشور أبو زيد…المستشار
……الحل …
…الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
مرحبا بك أخي حسين، وأهلا وسهلا بك على "موقع إسلام أون لاين".
أحب في البداية أن أشد على يديك، وأحييك تحية من القلب أنك في سن الشباب ومهتم بدعوتك، ومؤمن بفكرتك، ومجاهد في سبيل دينك، لا سيما في هذا العصر الذي أصبح الشباب فيه ممسوخا مشوها، لا شخصية له، ولا فكر له، ولا رسالة له، جراء الأدوات الإعلامية الخطيرة التي تسلخه من عقيدته، وتبعده عن دينه.
أما بخصوص سؤاليك عن التربية الإيمانية والتربية الثقافية الشرعية؛ فلا بد من مقدمة تمهيدية تشير إلى أن التعامل مع النفوس الإنسانية وتربيتها من أشق المهام؛ فمن أجلها نزلت كتب، وأرسلت رسل، وقامت رسالات، فلا بد من تقدير هذا حتى تأخذ أهبتك، وتهيء نفسك، ولا تستبطء النتائج.
وعن سؤالك الأول أقول: لا بد من غرس المعاني الإيمانية الكبرى في نفس المربَّى، مثل الإيمان بالله وأسمائه وصفاته كلها، والعيش معها، وملاحظة آثارها في الأنفس والآفاق؛ فهي زاد لا ينفد، وعلم لا ينتهي، وكذلك المراقبة، واستشعار قدرة الله، وعلمه المحيط الذي لا يند عنه شيء... إلى آخر هذه المعاني التي تسكب في النفس حب الله والخوف منه والرجاء فيه.
وعن هذا الأصل تنبثق كل الفروع من إيمان بالرسل، وإيمان باليوم الآخر والملائكة والكتب والنبيين والجنة والنار... إلخ.
وهذا النوع من التربية يحتاج إلى زمن طويل ومعالجة دائمة وسعي دائب، ويتحقق هذا عن طريق محورين:
الأول: القراءة في كتب الرقائق، والعودة إليها مرة بعد مرة؛ فهي تذكر الآخرة، وتبصر بالطريق، وتجعل قدْر الله في القلب كبيرا كبيرًا، بالإضافة إلى أنها تُعْلي الهمم، وترفع الأهداف، وتثمّن الغايات.(9/345)
ومن أبرز من أنصحك للقراءة لهم في هذا الجانب الإمام ابن قيم الجوزية في كتبه التي كتبها في التزكية، وأبو حامد الغزالي، خاصة كتابه العظيم: "إحياء علوم الدين" بتخريجات الحافظ العراقي، والإمام أبو طالب المكي في "قوت القلوب"، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"، وحِكم ابن عطاء الله مع شروحها خاصة شرح ابن عجيبة: "إيقاظ الهمم في شرح الحكم"، وغيرها من كتب التصوف والسلوك.
والثاني: أن ينفعل بما قرأ ليُترجَم ذلك سلوكا حيا يعيشه هو، ويراه الناس من حوله؛ فلا فائدة في علم لا يتبعه عمل، ولا خير في عقيدة لا تحمل صاحبها على الإيمان بها والعمل لها، والموت في سبيلها.
وأما سؤالك الثاني عن التربية الثقافية الشرعية.. فاختصارا للكلام أوجزه لك في أن من يريد أن يثقف نفسه ثقافة إسلامية متكامله يمكنه اتباع إحدى الطريقتين التاليتين أو هما معا إن أمكنه ذلك:
الطريقة الأولى طريقة المجالات:
بمعنى أن هناك مجالات في الثقافة الإسلامية -خاصة الشرعية- عديدة ومتنوعة لا بد أن يحصيها من يريد الثقافة، مثل: العقيدة، والأخلاق، والتزكية، والقرآن وعلومه، والسنة وعلومها، والفقه، وأصول الفقه، والقواعد الفقهية، ومقاصد الشريعة، والسيرة، والتاريخ، وعلوم اللغة العربية، والعلوم الإنسانية مثل علم الاجتماع، وعلم النفس، والعلوم التجريبية، وغير ذلك، إضافة إلى العلم بالواقع...
كل هذه مجالات ينبغي على الداعية أن يأخذ منها بحد أدنى، ويعرف كيف يبدأ فيها، وإلى أين ينتهي. وأنصحك -في هذه الطريقة- بالرجوع إلى كتاب العلامة الشيخ يوسف القرضاوي بعنوان: "ثقافة الداعية"؛ حيث بين فيه هذه المجالات، ووضع منهجا لكل مجال، من البدء إلى الختام.
الطريقة الثانية طريقة المشاريع:
بمعنى أن هناك علماء أعلاما في تاريخ الأمة الإسلامية، كانت لهم مشروعات فكرية تمثلت في مؤلفات غزيرة ومتميزة من حيث الكم والكيف تمثل مشروعا متكاملا أو شبه متكامل عن التصور الإسلامي والثقافة الإسلامية، ومن هؤلاء العلماء: ابن تيمية، وابن القيم، والسيوطي، وغيرهم من القدماء. أما المعاصرون فهم كثرة، منهم: أبو الحسن الندوي، وأبو الأعلى المودودي، ومحمد الغزالي، وعلي الطنطاوي، ويوسف القرضاوي، ومحمد قطب، ومحمد عمارة، وسيد قطب، وغيرهم كثير.
فعليك أن تقتني ما كتب هؤلاء أو بعضه وتستوعبه استيعابا كاملا، وعندها ستشعر بفرق كبير إذا قارنت عقلك وحالك ونظرتك للأمور قبل القراءة وبعدها؛ فأي من هاتين الطريقتين أعجبك فابدأ به، وإن استطعت الجمع بينهما فهو شيء بديع.
واعلم أخي الكريم الأستاذ حسين أن على الشباب من دعاة اليوم أن يغرفوا غرفا من الثقافة الإسلامية وغير الإسلامية، وأن يكونوا مدمنين لهذه القراءة، وبغير ذلك لن يستطيع الداعية بلاغ فكرته وعرض رسالته على الناس؛ لأن الفقر الثقافي أشد فتكا بالأمم والأفراد من فقر الدم، ولا يليق بأمة "اقرأ" أن تكون فقيرة في هذا الجانب لا سيما الدعاة العاملين الربانين.
أسأل الله أن يوفقك وأن يعينك، وأن يثيبك أجرا إن أخطأت وأجرين إن أصبت، ولا تنسنا من دعائك، وتابعنا بأخبارك.
============
حينما تعوق الدعوة عن التفوق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا طالبة بإحدى الكليات العملية أعمل بالدعوة في الكلية، وهذه هي رابع سنة لي بالكلية، وبفضل الله أعتبر أني من مسئولات العمل بالكلية، ومنذ دخولي الكلية وأنا من المتفوقين دراسيا (امتياز أو جيد جدا).
ورغم كثرة المواعيد واللقاءات فإني لم أذهب مطلقا لأي مكان دون علم والدي، إلا أن أبي هذا العام يرفض استمراري في العمل مع الأخوات لعدة أسباب:
- تقدير العام الماضي أقل من تقدير الأعوام السابقة.
- كثرة تأخري خارج المنزل.
- ما لمسه من تضييع للوقت خارج عن إرادتي، وإنما هو لسوء أوضاع الكلية؛ ولذلك رفض أبي رفضا قاطعا استمراري في العمل.
أشار علي بعض الأخوات بالذهاب دون علمه، رغم أنه لا يمانع عملي الدعوي، ولكنه معارض هذا الاتجاه، لا أعلم ماذا أفعل؟ هل أعصي أبي أم ماذا؟
ملحوظة: أمي وأبي يعملان بالدعوة، وأبي حريص على التزامنا وديننا وتحفيظنا القرآن (ختمت القرآن حفظا وأنا في الثالثة عشرة من عمري).
أرجوكم إفادتي سريعا بما أفعله؛ لأن أخواتي يطلبن مني النزول، وأنا أشعر أنها معصية.
…السؤال
الشباب …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…يقول الدكتور رجب أبو مليح:
الأخت الكريمة، سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبارك فيك وفي والدك، وجزاه عنك وعن الإسلام خيرا جزاء ما ربى وتعب، نسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك وحسناته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ذكرت أختي الكريمة أن والدك يعمل بالدعوة وكذلك والدتك، وهذه نعمة تستحق منك الشكر والمحافظة عليها، ولا غرابة في أن تتجهي للدعوة؛ فهي ذرية بعضها من بعض، والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.
نلمس من خلال سؤالك أن والدك تركك تعملين طوال ثلاث سنوات، ولم يعترض، وكيف يعترض وهو يسير في نفس الطريق، ويعلم وجوب الدعوة إلى الله، ويعمل بهذا الوجوب، لكنه اعتراض لأسباب، وهي قلة التقدير عن الأعوام السابقة، وكثرة التأخر خارج المنزل، وتضييع الوقت دون فائدة من وجهة نظره.
وفي رأيي أن كل سبب من هذه الأسباب كاف لأن يقف والدك في وجهك حتى تُحدثي التوازن بين الواجبات التي أمرك الله بها.(9/346)
فأنت الآن طالبة، وواجب الوقت عندك هو العلم وتحصيله والتفوق الدراسي، الذي يظن بعض الطلاب والطالبات أنه عبء ثقيل عليهم، ويتحركون في دعوة الله الساعات الطوال، ولا يصبر أحدهم على الجلوس على كتاب ينتفع به وينفع غيره.
إن طلب العلم وتحصيله والتفوق في هذا الطلب لا يقل عن واجب الدعوة إلى الله؛ بل في بعض الحالات والأوقات يقدم عليه.
إن الله عز وجل لما أنزل القرآن كانت أول كلماته هي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، ثم توالت الآيات في الحث على طلب العلم {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} (الزمر: 9)، ويقول تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران: 18).
ثم أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى بالسنة القولية والعملية؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" (رواه ابن ماجه)، وقال –صلى الله عليه وسلم-: "من خرج في طلب العلم كان في سبيل الله حتى يرجع" (سنن الترمذي)، وقال: " إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما طلب" (مسند الإمام أحمد).
ثم حث أصحابه، وأخذ من التدابير، ورتب من الأعمال ما يلزمهم بتعلم القراءة والكتابة في بيئة أمية، ثم طلب العلم في شتى فروعه وتخصصاته المتاحة والمباحة وقتها.
وإنني لأرجو أن يأتي اليوم الذي يستشعر فيه طالب العلم وهو يجلس على مكتبه أن له أجر القائم المتهجد سواء بسواء، وربما يزيد؛ لأن عالما واحدا أشد على الشيطان من ألف عابد.
إن معركتنا الحقيقية مع أعدائنا هي العلم؛ فلسنا أقل عددا ولا عدة، لكنهم قطعوا شوطا كبيرا في هذا الميدان، وتقاعسنا نحن إلى الحد الذي يذهب طلاب العلم الشرعي حتى ينالوا درجات الماجستير والدكتوراة من بلاد الغرب الذين لا يؤمن معظمهم بعقيدتنا ولا يعترفون بديننا!.
أختي الكريمة، إن الفقهاء قسموا الواجب إلى واجب عين وواجب كفاية، وقسموه من حيث الضيق والسعة إلى واجب مضيق وواجب موسع، والمذاكرة بالنسبة لك فرض عين وواجب مضيق، وهو يقدم عن غيره من الواجبات..
أما تأخرك لأوقات طويلة خارج المنزل فهو اعتراض مبرر أيضا في مجتمع يحرص على المرأة، في زمان لا يأمن فيه المرء على نفسه ولا عرضه، ويمكنك تنظيم هذا الأمر مع أخواتك، والانتهاء من الواجبات الدعوية بعد اليوم الدراسي مباشرة، والعودة إلى المنزل في أقرب وقت.
الأمر يحتاج إلى تنظيم، ولا نستطيع أن نفتيك بالتضحية بالبر بالوالدين، أو الكذب عليهما من أجل الدعوة؛ لأن الغاية لا تبرر الوسيلة، ومن صحت بدايته صحت نهايته، والله طيب لا يقبل إلا طيبا؛ فلا يمكننا أن نستحل الكذب تحت مبررات التعريض أو التقية أو غير ذلك؛ فكل هذا له أحكام خاصة لا يتعداها، والضرورة تُقدَّر بقدرها، أما أن تنقلب الضرورة إلى أمر عادي ثابت ومستقر؛ فهذا ما لا يرضاه الله، ولا يقبله الشرع.
وأخيرا أختى الفاضلة، عليك بالجلوس إلى والدك، وتنظيم جدول للمذاكرة والدعوة، ويكون للمذاكرة النصيب الكافي لك كي تكوني من المتفوقات، وتشترطي على نفسك موعدا كحد أقصى لا يمكن تجاوزه، ثم إطلاع الوالد عليه في لحظة صفاء حتى يوافق لك عليه، وبعد ذلك تصارحين أخواتك العاملات معك أنك في هذه الفترة لا يمكنك الوفاء بغير هذا الوقت.
وسيبارك الله في هذا الوقت القليل، وتكون ثمرته وافرة طيبة إن شاء الله، وستجدين بركة ذلك في دعواتك؛ فالقلوب بين يدي الله يقلبها كيف يشاء؛ فسيفتح الله لك قلوب الناس، وسيفتح لك أبواب علمه ببركة بر الوالدين، وترتيب الأولويات؛ حتى لا نقدم ما حقُّه التأخير، ولا نؤخر ما حقُّه التقديم، ولا نكبِّر ما حقُّه التصغير، ولا نصغِّر ما حقُّه التكبير؛ بل نضع كلا في مكانه ووقته، ونسأل الله لك القبول والتوفيق لخيري الدنيا والآخرة
=============
في دعوة ذوات الحجاب الملون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الإخوة والأخوات في هذا الصرح الدعوي الرائع، حياكم الله، وجزاكم الرحمن على كل ما تقدمونه لنا من استشارات وإشارات على طريق الدعوة إلى الله.
أنا فتاة في السابعة عشرة من عمري وإحدى فتيات ناد ديني في مدينتي ومدرستي، ورغم أننا حديثات عهد بتعلم أساليب الدعوة فإننا نحاول الوصول إلى ذلك ما استطعنا إليه سبيلا، والاحتكاك مع أخواتنا في الله في المدارس ومحاولة دعوتهن..
هناك من الطالبات في مدرستي من يرتدين الحجاب (الخمار) الملون، وأقصد غطاء الرأس الملون من ألوان زاهية، علما بأني أرتدي غطاء رأس أبيض، وأنا أريد أن أدعو صديقتي إلى التخلي عن هذا الغطاء الملون؛ لأنه لافت للنظر وحرام؛ فالغطاء الأبيض أكثر وقارا وحشمة واتزانا.. فكيف أدعوها؟ علما بأني أدعوها أيضا إلى الصلاة وغيرها من الأمور، ولكن قضية المظهر تهمني أيضا.
أرجو أن تدلوني على طريقة دعوتها إلى ذلك من غير أن أنفرها وأن تستجيب لي عن قناعة..
بارك الله في جهودكم، وأرجو أن تردوا علي بأقرب وقت.
…السؤال
الدعوة النسائية …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…تقول الأستاذة فاطمة شولي -عضوة فريق الاستشارات الدعوية من السعودية-:
ابنتي الحبيبة المباركة..(9/347)
أسأل الله العظيم أن يثبتك، ويفتح عليك ويبارك لك في نفسك ودعوتك، وإني لأحيّي فيك هذا الحرص والهمة العالية، رغم أنك ما زلت برعما دعويا صغيرا ينتشر شذاه في ميادين الدعوة المباركة.. فإني ألاحظ غيرتك على أخوات لك في الله، سائلة ربي أن يفتح عليك، ويزيدك علما وفهما وقولا وعملا مخلصا.
ابنتي الفاضلة..
دعينا نبدأ بقول الله عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} (آل عمران: 110). والله سبحانه وتعالى سخرك لأن تكوني داعية للخير، تنهين عن المنكر فيما ترينه منكرا، وتأمرين بالمعروف.
استشارتك أختي تنقسم إلى بندين:
الأول: إنكار الحجاب الملون، ودعوة صديقتك لأن تلتزم بحجاب اللون الواحد؛ كون الحجاب الملون برأيك لافتا للنظر وحراما.
الثاني: وسائل دعوية تعينك في دعوتك لها.
وحول البند الأول نقول:
اعلمي أختي بداية أن تغيير النفوس ونقلها من ميولها ومألوفاتها أمر ليس سهلا؛ فلا بد من إدراك حقيقة مهمة؛ وهي أن المراعاة والتدرج لازمان للتغيير وحصول الاستجابة، وكما قيل: "إذا أردتَ أن تُطاع فأمر بما يُستطاع".
كلنا يعي أن الإسلام فرض الحجاب على المرأة ليكون لها سياجا من العفة والحشمة والوقار، بعيدا عن مَواطن الفتنة وإظهار جماله.
فالحجاب عفة وتقوى.. قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} (الأعراف: 26).
فالحجاب تقوى، والتقوى لباس، وقد قال الشاعر:
إذا المرءُ لم يلبسْ ثيابًا من التقى *** تجرَّد عُرياناً وإن كان كاسيًا
وخير خصال المرء طاعة ربه *** ولا خير فيمن كان لله عاصيًا
بنيتي..
دعيني أولا أوضح لك ضوابط الحجاب الشرعي الذي يخرج المرأة من دائرة الإثم، كما حدده العلماء:
1- أن يكون ساترا لا يظهر إلا الوجه والكفين.
2- أن يكون واسعا فضفاضا لا يبرز، ولا يحدد أجزاء الجسم.
3- أن يكون سميكا، لا يصف ما تحته، ولا يشف.
4- ألا يكون من الملابس الخاصة بالرجال.
5- ألا يكون زينة في نفسه.
6- (أن لا يكون لباس شهرة) يستدعي النظر؛ كونه ينافي شرعية الحجاب.
فمن شروط الحجاب الإسلامي ألا يكون فتنة وزينة لقوله تعالى {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} (النور: 31).
فالإسلام لم يشترط لونا محددا للحجاب؛ أي أنه ليس من الزينة في شيء أن يكون ثوب المرأة الذي تلتحف به ملوناً بلون غير البياض أو السواد، كما يتوهم بعض النساء الملتزمات؛ وذلك لأمرين:
الأول: قول المصطفى صلوات ربي عليه "طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه" (رواه أبو داود والنسائي، وهو حديث صحيح).
الثاني: جريان العمل من نساء الصحابة على ذلك.
وأسوق هنا بعض الآثار الثابتة في ذلك مما رواه الحافظ ابن أبي شيبة في "المصنف":
عن إبراهيم وهو النخعي أنه كان يدخل مع علقمة والأسود على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فَيراهُنَّ في الُّلحف الحمر.
وعن ابن أبي مليكة قال: "رأيت على أم سلمة درعا وملحفة مصبغتين بالعصفر".
وعن القاسم وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق أن عائشة كانت تلبس الثياب المعصفرة.
وفي رواية عن القاسم أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر، وهي مُحْرِمَة.
وأنصحك بالاطلاع على الفتاوى التالية الخاصة بالحجاب:
- أوصاف اللباس الشرعي للمرأة
- الحجاب بين الستر والزينة
- كيف لا أكون متبرجة ؟
- صفة حجاب المرأة
وحول البند الثاني من استشارتك:
بنيتي.. نحن في عصر انحدرت به الأخلاق، وكثرت الفتن، وعمّ الفساد، وأفلت زمام الشهوات، وكأننا نعيش في غربة عن الإسلام، ونحن نرى بناتنا -هداهن الله، وأنار قلوبهن بإشراقة الإيمان- يركضن خلف صيحات الموضة والأزياء زاعمات أنهن محجبات!!
إن القلب لينفطر ونحن نرى بعض الأخوات قد قلبن موازين الشريعة بميزان الهوى، وأطلقن العنان لكل موجة عاتية تجرهنّ إلى التخلي عن مبادئ الحجاب؛ فاستبدلن به الحجاب العاري!.
هنا بنيتي الحبيبة واجبك تجاه دعوتك ورسالتك الربانية أن تحملي في حنايا نفسك سلاحا ذا حدين لمواجهة المنكر، والاستمرارية في السير قدما، وكوني قدوة لغيرك، وأعطني يدك، وهيا بنا نبحر معا بما يعينك:
1-الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة: فإذا كانت الدعوة بالحكمة تخاطب العقول فتقنعها؛ فإن الدعوة بالموعظة الحسنة تخاطب القلوب والعواطف فتثيرها وتحركها، وكون المرأة بفطرتها لها عاطفة جياشة فابدئي بهذه البذرة الطيبة، وحاولي أن تسقيها من رحيق دعوتك، وتتوددي إلى أخواتك بالكلمة المؤثرة، وتعمقي بكلام الله إلى سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159)، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا بالموعظة في الأيَّام كراهة السآمة علينا" (متَّفقٌ عليه)؛ فكلَّما تباعدت الموعظة وقَصُرت كانت أكثر أثرا.
2- الدعوة إلى الله حب: حاولي أن تحتوي أخواتك المدعوات بالحب والحنان والعطف وشدة الحرص عليهن؛ فأنجح الأساليب في الدعوة هو أسلوب الرحمة والإشفاق عليهن، والرسول -صلى الله عليه وسلم- هو المعلِّم الأوَّل في هذا المجال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنَفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتِّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 128).(9/348)
3- الدعوة إلى الله فن: تفنني في دعوتك، وأبدعي، وحاولي أن تتقربي إلى مدعواتك بإهداء كتيبات ومطويات وشرائط إسلامية، تتضمن الموضوع الدعوي الموجه إليهن، حاولي دوما أن تضعي برنامجا ولو أسبوعيا، تلتقين فيه الأخوات، وتتبادلن الحوارات، واعملي جاهدة أن تختاري موضوع الحجاب مثلا كنقاش بينكن، واستفيدي من النقاط المطروحة، واعملي عليها، واخرجي بفائدة ملخّصة توصلينها إليهن بعبارات إيمانية منسقة في مطوية أو كتيب كهدية لهن.
4- الصبر ثم الصبر: لا تتوقعي أن تزرعي بذرة فتحصديها غدا شجرة! فالدعوة ميدان صبر وعلم وعمل وتبليغ، وإياك والملل، كما أن الدعوة إتقان؛ فلو أتقنت فن التعامل مع صديقاتك لوجدت خيراً كثيرا في نفوسهن. وقد قال تبارك وتعالى: {مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} (المائدة: 99).
وتذكري دوما أن رسالة الداعية هي: إرشاد الناس إلى صراط الله المستقيم، ودينه القويم، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى التوحيد، ومن الجور والظلم إلى العدل والرحمة والإحسان؛ لقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (المؤمنون: 73).
5- لا تنسي السلاح الأقوى -بنيتي- وهو الدعاء لبنات ونساء المسلمين أن يهديهن الله، ويثبت أقدامهن على الهداية، وأن يغمر الإيمان قلوبهن.
6- همسة في أذنك ابنتي المباركة محبة الدعوة: كونك ثمرة خير في ميدان الدعوة، وما زلت حديثة عهد فيها؛ فأكثري من المطالعة، واستزيدي من العلم الشرعي حتى تستطيعي أن تدعي الناس على بصيرة، ويمكنك الاستعانة ببعض الكتب البسيطة الميسرة والأشرطة.
وأخيرا أتضرع إلى الله القادر على كل شيء أن يفتح قلبك، وينير دربك، ويوفقك ويثبتك على طريق الهدى والرشاد.
اللهم هذا جهد المقلِّ، وبضاعة المقصِّر تقبّلها بفضلك، وتجاوز عن نقصها بعفوك. وما كان في ذلك من إتقان وإحسان ففضل منك وإنعام، وما كان من خلل أو زلل فغفلة أو استزلال شيطان. فأقل يا رب عثرتي، واغفر زلّتي، يا أرحم الراحمين، والله تعالى أعلم.
==============
الدعوة لغض البصر بالقرآن والسنة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أود الاستفسار عن آية أو حديث أو قول لأحد العلماء ينهى عن النظر إلى العورات؛ حيث إني أريد نصح أبي وأخي اللذين ينظران إلى الأفلام الهابطة وأغاني الفيديو كليب، ولست أجد حديثا في هذا المجال. علما بأني أنصح وأدعو عن طريق تعليق ورقة على الثلاجة في مطبخ منزلنا يراها ويقرؤها كل من يدخل المطبخ. جزاكم الله كل خير.
…السؤال
جمهور الدعوة …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…يقول الأستاذ عادل إقليعي –عضو فريق الاستشارات الدعوية من المغرب-:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه وبعد.
أختي الكريمة غادة.. زادك الله تقى وفضل ووفقك لكل خير، جاء سؤالك ينمُّ عن حرص شديد لأمور دينك، وغيرة على أن يكون أقاربك من أهل الصلاح والفلاح في زمن تشاع فيه المعصية بالعلن وبكل الأبواق.
وما تتحدثين عنه في رسالتك هو ابتلاء كبير، ابتُليت به أسرنا العربية والإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها؛ فعمت الفتن بلا هوادة، والسبب في هذا هو "الانفجار الإعلامي" الحادث عبر الوسائل والوسائط الإعلامية المتعددة؛ حيث إنها تتفنن في عرض الصور المحرمة، ويكون ذلك واضحا فيما يسمى بـ"الفيديو كليب"، وبه تنتشر المشاهد المملوءة عريا وفحشا التي جعلت الشباب فريسة للمعاصي، وصيدا ثمينا للشيطان، وقد أكد ذلك الدكتور والمفكر الإسلامي عبد الوهاب المسيري؛ فقد عرف الفيديو كليب بأنه "يؤكد جانبا واحدا من الأغاني وهو الجانب الجنسي" .
ففيه لا يترك الراقصات أي مجال لخيال المشاهد؛ فتأثير الصورة دائما أقوى من الكلمة؛ وذلك لأن الكلمة (المجردة ) توجد مسافة بينها وبين المتلقي؛ الأمر الذي يسمح له أن يتأمل في معناها ويتمعن في مغزاها ، بخلاف الصورة، خاصة إذا كانت الصورة لحسناوات عاريات يتبادلن الرقصات التي قد تثير الغرائز عند المشاهد، والذي ساعد على انتشار هذا النوع هو التجارة باسم "الفن"، وظهور عدد من القنوات الفضائية المخصصة لهذا النوع طوال الـ24 ساعة.
أختي الفاضلة.. بالنسبة لطلبك حديثا أو قولا لأحد العلماء ينهى عن النظر إلى العورات نقول أختي الكريمة: إنه لا يختلف اثنان من العقلاء على أن تعمد النظر إلى العورات من "المحرمات"، ويوجد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة والسلف الصالح ما يكفي زادك الدعوي في هذا الموضوع..
ولكن قبل أن نسردها لك هنا، أود أن أنوه مرة أخرى بجهودك الدعوية داخل أسرتك، وأرجو أن تضع نصب عينيك أن الدعوة إلى الله تعالى هي مذهب خير البرية الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه؛ فكل من ينتسب إلى حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان هذا دينه؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} (الأحزاب: 45، 46)؛ فخيرية الإنسان في التزامه سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي أحسن؛ فقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} (آل عمران: 110).(9/349)
هذا واعلمي أختي الكريمة أن الدعوة إلى الله لها أكثر من طريق ووسيلة، وهي غير محصورة بوقت أو زمان أو مكان أو نتيجة.. ويمكنك استخدام أساليب متعددة في الدعوة حتى ولو بفكرة أو وسيلة صغيرة؛ فربما يكون لها مردود أعلى عند من تدعوهم؛ فأنت قمت بها فعلا حيث استخدمت أسلوب "المنشورات الدعوية" كما تكرمت وأوضحت في رسالتك، وذلك من خلال تعليقك لبعض الإرشادات على باب الثلاجة، ومن هنا يمكنك أن تجتهدي في استخدام أساليب أخرى، ولن تعدميها، بإذن الله تعالى؛ فسيدنا نوح عليه السلام كان يدعو قومه ليلا ونهارا {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا}. ويقول الحق عز وجل على لسانه أيضا: {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} صدق الله العظيم.
ومن هنا أختي إذا سدت في وجهك طريقة؛ فابحثي عن غيرها بحكمة ولطف ومرونة، ولا تيأسي من أول مرة؛ فالدعوة إلى الله تحتاج للصبر والأمل في النجاح، واعلمي أن خير الدعوة أن تكون بالحسنى.
فلقد أنعم الله علينا بنعمة البصر، وأمرنا بغضه عن كل شيء محرم يساعد في إفساد الأخلاق؛ فلم يكن التلفزيون حراما أو حلالا لذاته، وإنما لمقاصده وحسب ما يعرضه؛ فهو كما قيل "كالسيف في يد المجاهد أداة من أدوات الجهاد، وهو في يد قاطع الطريق أداة من أدوات الإجرام".
وخلاصة القول أن التلفزيون وغيره من وسائل الإعلام فيها الخير وفيها الشر؛ ففيها كثير من البرامج المفيدة المتنوعة التي يمكنه الاستفادة منها، وهناك أشياء في رؤيتها دمار وتخريب ومضيعة للوقت، كهذه التي تفضلت بتوضيحها في سؤالك "الأفلام الهابطة" وأغاني "الفيديو كليب" الماجنة.
وأنصحك هنا بالاطلاع على هذا الموضوع:
- غض البصر.. "كحل" المؤمن
وإذا نظرنا إلى حكم الشرع في غض البصر وغيرها من المحرمات والعورات فسنجد الكثير من الآيات والأحاديث وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح، وسنضع بين يديك أختي بعضا منها لعلها تكون لك ولنا زادا إن شاء الله:
الآيات القرآنية:
- يقول الله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا...} (النور: 30، 31).
- يقول عز من قائل: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (الإسراء: 36).
- يقول عز وجل: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان: 2}.
- يقول تعالى: {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ...} (البلد الآية 8).
- ويقول عز وجل: {وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ". "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (النحل: 78)...
وغيرها من الآيات الكريمة التي تحثنا على غض البصر عن كل ما هو محرم من عورات وأعراض، سواء بشكل مباشر أو عبر وسائط؛ فالأمر سيان.
وهناك أيضا الكثير من الأحاديث التي تحث على غض البصر مثل:
- يقول المصطفى -صلوات الله وسلامه عليه-: "عورة الرجل على الرجل كعورة المرأة على الرجل، وعورة المرأة على المرأة كعورة المرأة على الرجل" (رواه مسلم).
- قال -صلى الله عليه وسلم- لعلي كرم الله وجهه: "لا تنظر إلى فخذ حيّ ولا ميّت" (رواه أبو داود وهو حديث صحيح).
- قال –صلى الله عليه وسلم-: " من كشف سترا، فأدخل بصره في البيت قبل أن يؤذن له، فرأى عورة أهله؛ فقد أتى حدا لا يحل له أن يأتيه لو أنه حين أدخل بصره استقبله رجل، ففقأ عينيه ما عيرت عليه، وإن مر الرجل على باب لا ستر له غير مغلق فنظر فلا خطيئة عليه، إنما الخطيئة على أهل البيت" (سنن الترمذي).
- عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن النظرة سهم من سهام إبليس مسموم من تركها مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه"
- عن أبي سعيد الخضري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والجلوس في الطرقات. قالوا: يا رسول الله، ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أبيتم إلا المجلس؛ فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حقه؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (رواه البخاري).(9/350)
- كما أمر رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- نساءه بغض البصر؛ فقد روي عن مولى أم سلمه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لها ولميمونة عندما دخل عليهما ابن أم مكتوم: "احتجبا"، فقالتا: "أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟"، فقال: "أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟".
- عن ابن ماجه قال رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه-: "خير صفوف الرجال المقدم، وشرها المؤخر، وخير صفوف النساء المؤخر، وشرها المقدم، يا معشر النساء إذا سجد الرجال فاغضضن أبصاركن، ولا ترين عورات الرجال من ضيق الأُزر".
أقول لبعض العلماء:
- يقول الإمام القرطبي رحمه الله: "البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته، ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكل ما يخشى الفتنة من أجله.
وفي صحيح مسلم عن جرير عن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري، وهذا يقوي قول من يقول: إن "من" في قوله تعالى {يغضوا من أبصارهم} للتبعيض؛ لأن النظرة الأولى لا تملك فلا تدخل تحت خطاب تكليف" (تفسير القرطبي).
- ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "والله سبحانه قد أمر في كتابه بغض البصر، وهو نوعان: غض البصر عن العورة ، وغضه عن محل الشهوة.
فالأول كغض الرجل بصره عن عورة غيره.. وأما النوع الثاني من النظر كالنظر إلى الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية؛ فهذا أشد من الأول، كما أن الخمر أشد من الميتة والدم ولحم الخنزير، وعلى صاحبها الحد، وتلك المحرمات إذا تناولها مستحلا لها كان عليه التعزير؛ لأن هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تشتهى الخمر" (مجموع الفتاوى).
وفي ختام جوابنا لا يسعنا إلا أن ندعو لكم بمزيد من الحرص والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات والصالحات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
==============
الدعوة النفعية والزهد في الآخرة!
بسم الله الرحمن الرحيم، السادة الأفاضل القائمون على هذا العمل الجليل.. عليكم من الله السلام والرحمة.. ولكم مني كل التحية، وبعد..
في الفترة الأخيرة تعرفت على فتاة كندية من أصل مصري.. مسلمة من عائلة مسلمة.. وقد عاشت فترة صباها وبداية شبابها في كندا.. وكان لذلك تأثير بالطبع على نظرتها لدينها الإسلام. لقد عادت إلى مصر منذ فترة.. وقد يظن البعض من كلماتي أني أقصد تحولا فكريا جاءت به ضد الإسلام أو على الأقل منحرفا عنه.. لا.. لقد عادت مفعمة بفطرة أغلبها سليم.. ولم أعهد شخصيا أحدا على ما هي عليه.. إنها متعلقة بالإسلام.. لكن لم تدرس في مدارس إسلامية في كندا لعدم وجودها هناك.. بعدت عن اللغة العربية.. بعدت عن كل ما يربطها بهذا العالم الذي نعيشه..
ويشاء المولى العلي القدير أن تحمل هذه الفتاة الإسلام بين جنباتها طوال هذه الفترة.. ليس هذا فقط.. إنها تشعر بمسئولية كبيرة ملقاة على عاتقها تجاه الجيل الجديد من المسلمين -أبنائنا وأبنائها على الأخص- في المستقبل.. ترى أنها ستكون يوما أمًّا عليها أن تعلم أبناءها لغتهم ودينهم الذي ارتضاه الله لهم.. ولهذا تسعى جاهدة في البحث عن طرق تؤدي بها للتعلم الجيد حتى تتعلم... أين المشكلة في كل ذلك؟؟
المشكلة التي أرى أنها ستهلكها تكمن في النوايا.. أقصد نواياها فيما تعمل وتؤدي.. لقد استفزها جدا ما تجده هنا من "هوس" حساب وعد "الحسنات" التي يتحصل عليها الفرد من فعل كذا أو كذا.. إنها تشعر باستياء تجاه معالجة كل الأمور من منطلق "كم ستحصل على حسنات إذا فعلت كذا؟"، أو "ماذا تفعل لتحصد كم؟"..
أنا شخصيا يحدث معي نفس شيء.. ولكن من منطلق أنه لا يليق أن نعامل المولى -عز وجل- من هذه المنطلقات.. ولكن يجب أن نعبده لأنه مستحق للعبادة.. لأنه ولي النعم.. نعبده لننال مرضاته.. والتي هي أعلى وأعظم من كل شيء.. أعلى حتى من الطمع في الجنة أو الخوف من النار.
ولكن هي عندما يناوبها شعور كهذا تبدأ في البعد تماما عن التفكير بالآخرة.. لقد أصبح كل عمل تقوم به إنما هو للإصلاح فقط.. لا تريد أن تتخذ نية تنفعها بعملها في الآخرة.. تود أن تقوم بشيء.. فأسألها: لم تقومين به؟.. فتقول لي: "محمد، لا أفكر بطريقتك.. لست أفعل ذلك لأنال شيئا.. أفعله لأنه صواب".. هكذا عزفت عن الآخرة بالكلية.. هي ليست منكرة لها.. بل إنها تصلي لله.. وتلجأ له دائما.. وكلما واجهها أمر بحثت في أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يقوم به ذلك الأمر الذي يجابهها..
إنها تؤمن بأن ديننا دين للحياة.. ولكن لم تعِ بعدُ أن عملها في الدنيا إن لم يتحلَّ بنية لله.. فسيكون هباء تذروه الرياح.
إني أخشى عليها من هذه الخسارة الفادحة.. فكيف أعلمها أن بعدها عن المبدأ النفعي في معاملة المولى إنما يكون بالعمل ابتغاء مرضاته.. وهي الدرجة العليا.. لا بأن "نترفع" عن أن تكون نيتنا لله.. أو للآخرة؟
أرجو الإفادة.. وجزاكم الله خيرا.
…السؤال
الدعوة الفردية, زاد المسير, قضايا وشبهات …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
…الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم وحرصكم عليه وعملكم به وله..
أخي الحبيب محمد..
"الزهد في الآخرة" هل هو مفروض فنتبعه أم مرفوض فندعه؟!
لقد علمنا الزهد في الدنيا أن ننتفع بالحياة، لكن لا ننس أن نربطها بالآخرة؛ لأنه ليس من عاقل يهتم بعدة سنوات هي مدة دنياه، وينسى أو يهمل أو يترك الإعداد لما بعدها من زمن لا نهائي أبدي هو أخراه!!(9/351)
قال الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه "جامع العلوم والحِكَم" في هذا: "قال الفضيل: أصل الزهد الرضا عن الله... وقيل: يستوي عند العبد حامده وذامّه"..
وقال ابن السماك: "يستوي عنده إقبالها وإدبارها وزيادتها ونقصانها"..
وقال الزهري: "الزاهد من لم يغلب الحرام صبره ولم يشغل الحلال شكره"..
وقال سفيان بن عيينة: "هو من إذا أُنعم عليه شكر وإذا ابُتلي صبر"..
وقال الثوري: "هو قصر الأمل.. ليس بأكل الغليظ ولا بلبسه".
أما "الزهد في الآخرة".. فما سمعنا من قبل عن مسلم يسعى إليه! بل ما علمناه عنه هو العكس! إنه الطمع والجشع والإسراف والإفراط في طلبها إلى جانب الدنيا!.
يقول تعالى عن هذا: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء: 90).. قال الإمام الطبري في تفسيرها: "كانوا يعبدوننا رغبا ورهبا، وعني بالدعاء في هذا الموضع العبادة... ويعني بقوله: رغبا أنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما يرجون منه من رحمته وفضله. ومعنى رهبا أي رهبة منهم من عذابه وعقابه بتركهم عبادته أو معصيته.. وقوله: خاشعين أي متواضعين لا يستكبرون".
وقال الإمام ابن القيم في كتابه "مدارج السالكين": "من رجا شيئا طلبه ورغب فيه.. والمقصود أن الراجي طالب.. فالرجاء طمع يحتاج إلى تحقيق"..
فهُم يطمعون في الآخرة، ويحققون ذلك بفعل الخيرات والمسارعة فيها، ويعبدون الله؛ أي يطيعونه باتباع إسلامه لمنفعتهم في الدنيا؛ حيث حب الله وعونه وتوفيقه ورزقه، وحيث العلاقات الجيدة مع الآخرين والسعادة بذلك، وأيضا لمنفعتهم في الآخرة طمعا في الثواب العظيم، وخوفا إن هم أساءوا من فقدانه أو عقوبته، كما يقول الإمام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "العابد الذي يريد وجه الله والنظر إليه هو راجٍ راغب راهب في حصول مراده ويرهب من فواته".
فرهبتهم ليست من العقوبة فقط؛ لأنهم يجتهدون في ألا يخطئوا أولا، ثم إذا ما أخطئوا عادوا سريعا للصواب، وإنما من فوات النعيم والثواب.. ثم القرآن مليء بالآيات التي ُترغِّب في الجنة والحرص الشديد عليها، والتشوق لها والطمع فيها؛ فلمن هي إذن؟! ولماذا ذكرها سبحانه إذن إذا كان يريد منا نبذها وتجاهلها؟!
أخي الحبيب..
إنَّ الطمع في الآخرة أمر فطري!!.. ثم يقويه وينميه بعد ذلك الاجتهاد في العلم والعمل، والذي بدوره يمنع من الفتور عن الاستمرار في عمل الخير.
إنَّ طلب الآخرة أقرب أن يكون فرضا من الفروض! يثاب فاعله وينتفع به، ويأثم تاركه ويفقد نفعه.
يقول تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}
(القصص: 77) .. قال الإمام القرطبي في تفسيره: "أي اطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة وهي الجنة؛ فإنَّ من حق المؤمن أن يصرف الدنيا بما ينفعه في الآخرة لا في التجبر والبغي".
أخي الحبيب..
إنَّ الترفع عن طلب رجاء الآخرة هو سوء فهم أو جهل أو كبرياء كاذب مصادم للفطرة، متجاهل لكرم الله، ومخالف لما يحبه الله ورسوله، ومُعرّض لفقدان حبه؛ لأن الكريم يحب أن يُسأل ويُعِطي أعظم مما سُِئل به، وعلى قدْره لا قدر السائل أو السؤال، ويكره تعطيل كرمه وعدم سؤاله..
قال الإمام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "ومن قال: لم أعبدك شوقا إلى جنتك ولا خوفا من نارك.. هذا قصور منهم عن فهم الجنة.. وقد كان أفضل الخلق -صلى الله عليه وسلم- يسأل الله الجنة، ويستعيذ به من النار.. ومن قال: إنَّ الحي يستوي عنده جميع المقدورات فهو أحد رجلين: إما أنه لا يتصور ما يقول بل هو جاهل، وإما أنه مكابر معاند".
أخي الحبيب..
لقد خلق الله تعالى الإنسان لينتفع بالأرض في حياته، ثم لينتفع في آخرته.
يقول تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56).. قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "وقال ابن جريج: إلا ليعرفون".
فهو خلقهم لكي يتعرفوا عليه وعلى خيرات كونه، ويستكشفونها، وينتفعون بها، ويستمتعون بالحلال منها؛ فيسعدون في حياتهم قبل أن يسعد المحسنون منهم سعادة دائمة في آخرتهم.
فإذا ما انتفع المسلم بالحياة، وأسعد نفسه ومن حوله بها، واستبشر بانتظار ثواب الآخرة؛ فقد أحسن تطبيق قوله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً} (البقرة: 201).. قال الإمام ابن حجر: "قال عياض: إنما كان -صلى الله عليه وسلم- يكثر الدعاء بهذه الآية لجمعها من أمر الدنيا والآخرة، والحسنة هاهنا النعمة، فسأل الله نعيم الدنيا والآخرة".
أخي الحبيب..
الأصل أنه لا ثواب لعمل إلا على حسب نيته.. كما يقول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المعروف: "إنما الأعمال بالنيات"، وكما يقول: "لا عمل لمن لا نية له.." (جزء من حديث أخرجه البيهقي)؛ لأن النية تُفرِّق بين عمل الخير والشر؛ إذ قد يكون ظاهر العمل واحدا لكنه بالنية يؤدي إلى صلاح أو إلى فساد.. كما أنَّ تجديد النوايا وتنويعها وتجميعها لكل عمل يجعل المسلم دائم التواصل مع ربه، وإسلامه منتعش النفس، ويصبح قوي الهمة، مستمرا فيها، متزايدا لا متراجعا تحت أي ظرف أو حال..
بينما إذا كانت هناك نية عامة -أو حتى لا توجد نية عند بعض العلماء ما دام لا يوجد نية شر- بأنَّ كل عمل هو حب في الله وطلب لحبه وعونه في الدنيا ثم ثوابه في الآخرة؛ فهذا أيضا مقبول، لكن يُخشَى على صاحب هذه الصورة من النية نسيانها مع الوقت، أو تغيرها مع تغير النفسية، أو فقدانها مع اختلاف الظروف البيئية والمعيشية وغيرها..(9/352)
يقول الإمام ابن حجر العسقلاني في هذه المعاني في كتابه "فتح الباري" عند شرحه لحديث "إنما الأعمال بالنيات...": "قال الخوبي: كأنه أشار بذلك إلى أن النية تتنوع كما تتنوع الأعمال؛ كمن قصد بعمله وجه الله أو تحصيل موعوده أو اتقاء وعيده.."، وقال أيضا: "قال البيضاوي: النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر، حالا أو مآلا.. وإذا لم ينوِ شيئا مخصوصا لكن كانت هناك نية عامة تشمله.. فهذا مما اختلف فيه أنظار العلماء".
وقال في موضع آخر تكملة لهذا الكلام: "لأن النية إنما تميز العمل لله عن العمل لغيره رياء"، وقال في موضع رابع: "ذكر ابن المنير ضابطا لما يُشترط فيه النية مما لا يشترط، فقال: كل عمل لا تظهر له فائدة عاجلة بل المقصود به طلب الثواب؛ فالنية مشترطة فيه، وكل عمل ظهرت فائدته ناجزة، وتعاطته الطبيعة قبل الشريعة لملاءمة بينهما؛ فلا تشترط النية فيه إلا لمن قصد بفعله معنى آخر يترتب عليه الثواب.. وأما ما كان من المعاني المحضة كالخوف والرجاء فهذا لا يُقال باشتراط النية فيه؛ لأنه لا يقع إلا منويا، ومتى فُرِضَ أن النية مفقودة فيه استحالت حقيقته؛ فالنية فيه شرط عقلي".
أخي الحبيب..
الإسلام نظام لإسعاد الدنيا وإصلاحها وتصويبها؛ لأنه يبين أين الصواب من الخطأ في كل مواقفها، كما قالت زميلتك، لكن ليس فقط، وإلا كان ظلما له واتهاما بقصوره، وإلا فماذا بعد الموت؟ هل هو العدم والفناء كما يدعي بعض منكري الآخرة؟! إنما الإسلام أيضا لإسعاد الآخرة بعد الحياة، وهذا هو وعد ربنا الذي نصدقه ونوقن به في قوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل: 97). قال الإمام ابن كثير في تفسيره للحياة الطيبة: "وعن ابن عباس أنها هي السعادة..". وقوله: { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} واضح في أنه عظيم ثواب وسعادة الداريْن..
فلا عيب إذن ولا حرمة ولا كراهة ولا قلة حياء أو أدب مع الله في أن نقول: إن الإسلام منفعة! وإن المسلم نفعي! نفعي في سعيه وراء نظام أخلاقي مكتمل مثالي واقعي يسعده والناس جميعا! ونفعي في سعيه وراء خالق قوي رازق معين يسعده! ونفعي في انتظاره مثوبته وعطاياه؛ لأنه ُخِلقَ أصلا للانتفاع بخيرات ومتاع خالقه واهبها!!.. لأنه سبحانه يحب منا ولنا هذا.
أخي الحبيب..
قبل البدء في العلاج عليك ألا تنسى أن البيئة التي نشأت فيها زميلتك قد أثرت فيها كثيرا، وهذا أمر طبيعي؛ فالبيئة مؤثرة كما يثبت الواقع ذلك؛ فهي بيئة مادية تعتمد على الأسباب فقط لنسيانها ربها، ولا ترتبط بقوته، وهو الذي طلب الأسباب وطلب سؤال عونه عند الهم ببداية تنفيذها لتكون سهلة رابحة.. فهذا سيساعدك في وضع العلاج المناسب، والذي ملخصه هو: التذكير والتدريب.
والمقصود بالتذكير: تذكيرها بكل البنود التي سبق ذكرها والتي تتلخص في تذكيرها بمخالفتها للفطرة وطلب الله وفعل رسوله -صلى الله عليه وسلم- وللعقل والمنطق بتفويت فرص الحصول على أعلى الدرجات في مقعد صدق تؤمن وتثق فيه..
فهذا بإذن الله سيحرك عقلها المنصف وفطرتها الزكية، وسيدفعها للتمسك بالآخرة والحرص عليها.
والمقصود بالتدريب: توصيتها بأسلوب رقيق وفي توقيت مناسب، ومتابعتها بين الحين والحين بأن تجتهد عند أي عمل أن تجمع بين نوايا الدنيا والآخرة؛ حتى يأتي وقت تتذكر فيه هذا من تلقاء نفسها. ولا شك أن تواجدها وسط صحبة صالحة من زميلاتها وزملائها المتذكرين دائما لآخرتهم سيضفي عليها هي أيضا هذا الشعور تدريجيا وتلقائيا. وسيكون لكل من شارك ثوابه العظيم، كما يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" (أخرجه مسلم).
وفقك الله وأعانك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
============
ربة البيت في رمضان .. داعية الداخل والخارج
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أود أن أسألكم: ماذا يمكن أن تقدمه ربة البيت للدعوة في رمضان؟ وأنتم أعلم بمشاغل المرأة في رمضان.
وما هي الفعاليات التي قد تخدم بها الدعوة مع جاراتها رغم ضيق الوقت؟ …السؤال
المجتمع …الموضوع
الأستاذ همام عبد المعبود…المستشار
……الحل …
…أختنا في الله منال؛
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا.. آمين؛ ثم أما بعد ..
فشكر الله لك حبك لدينك وحرصك على دعوتك، ويجب ألا ننسى أن ربة البيت هي الركن الأهم في الأسرة، فهي التي تقضي أطول وقت ممكن مع أولادها، ومع علمنا بحجم الأعباء الثقال الملقاة على عاتقها، إلا أننا نؤكد على دورها الهام في الدعوة إلى الله.
ودور ربة البيت في الدعوة إلى الله هو دور القدوة والتوجيه والإرشاد والتقويم، فيجب ألا ترفع عينيها عن أولادها وبناتها، وأن تكون على دراية بكل ما يفعلون، وأن تكون على درجة من الوعي والنضج بمتطلبات وفقه كل مرحلة من مراحل العمر لأولادها، فضلا عن دورها الذي لا ينكر في دعم زوجها الداعي وتثبيته، أو تنشيط زوجها وحثه على ممارسة الدعوة إن كان لا يمارسها.
هذه -يا أختي منال- مقدمة ضرورية، أستهل بها الإجابة على سؤالك الهام، أما عما يمكن أن تقدمه ربة البيت للدعوة في رمضان؟ فأستعين بالله وألخص لك دورها في النقاط أو المحاور التالية:(9/353)
أولا- دورها تجاه نفسها:
فيجب عليها في هذا الباب، أن تهتم بعلاقتها بربها وخالقها، فتجدد النية لصيام شهر رمضان، إيمانا واحتسابا لوجهه الكريم، وتستعين بالله على قضاء حوائج البيت، وتسأله العون على تلبية احتياجات كل أفراد الأسرة، وتحتسب أجر ذلك كله عند الله، وأن تحافظ على صلاة التراويح بالمسجد إن تيسر لها ذلك.
ثانيا- دورها تجاه زوجها:
وهو دور مهم، وثوابه عظيم، فبالإضافة إلى أدوارها الطبيعية تجاه زوجها من إخلاص المحبة والتعاون معه على القيام بأعباء الحياة، والتعاون على الخير حتى يكتنف البيت كله رضوان الله، فإن عليها أن تجتهد معه في الفوز برمضان والخروج منه خروج الغانمين الفائزين، وما يستدعيه ذلك من الاتفاق بين الزوجين على برنامج إيماني ودعوي وأعمال يتواصيان بها ويتعاونان على أدائها، فإن كان زوجها داعية، فإن عليها أن تكون عونا له على القيام بمهام دعوته، وإن كان زوجها بعيدا عن مجال الدعوة أو غير ناشط فيها فإن عليها أن تكون عامل تنشيط وتحفيز له، بأن تعينه وترشده وتوجهه بلطف وحب لأن ينضم لركب الدعاة، ليحب دعوته ويقبل عليها، فيكون شهر رمضان نقطة تحول في حياته، فيكتب الله لها مثل أجره، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دلّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله) رواه أبوداود.
ثالثا- دورها تجاه أبنائها:
وهو الدور الأهم، فيجب أن تعلم أنها من أولادها بمثابة مركز الدائرة من محيطها، وأنها إن أحسنت فسيحسن باقي أفراد الأسرة، وإن نشطت سينشط لنشاطها الباقون.. فيمكنها أن تجتمع مع أولادها قبيل دخول الشهر الكريم، فترتب معهم مواعيدهم في شهر رمضان، وتتفق معهم على جدول مكتوب يناسب الجميع، ويغطي الواجبات اليومية والمعيشية والمدرسية، ولا يغفل الجوانب الإيمانية والعبادية.
وأن تكون لهم خير منبه ومذكر بالطاعات، وأن تعينهم عليها، فتشجعهم على أداء الصلوات في المسجد، وحضور دروس العلم، والمحافظة على الورد اليومي من القرآن، والذكر .. إلخ.
رابعا- دورها تجاه دعوتها:
يجب عليها ألا تنسى أنها داعية، وأن هذا الشهر هو موسم دعوي كبير، وأن القلوب فيه تكون مقبلة، فلا تفني كل وقتها في المطبخ، تطهو وتصنع ما لذ وطاب من صنوف الطعام، فرمضان ليس شهر الأكل وملء البطون، ولكنه فرصة ذهبية لإصلاح النفس وإقامتها على الطريق.
ولا تفهمي –أختي منال– من كلامي هذا أنني أنهاك عن الطهي أو عن تجهيز الأطعمة اللذيذة لأهل بيتك، لا، ولكنني فقط أنبهك إلى ما تقع فيك كثير من الداعيات؛ فتغرق في المطبخ ولا تنتبه إلا ورمضان قد أفلت منها، فاحذري.
فيمكنك مثلا أن تخصصي ساعة في اليوم، لإلقاء درس للنساء بالمسجد، تذكرينهم بالله، وتحثينهم على استثمار هذا الشهر الكريم في طاعة الله وطلب رضاه، ويمكنك أن تجعلي هذا الدرس يوميا أو مرتين أسبوعيا أو حتى مرة أسبوعيا، المهم أن تؤدي هذا الواجب الدعوي، وهذا حق شرعي لنساء المسلمين على الداعيات، حيث إنهن يكن بحاجة إلى من تعظهن وتفقههن في دينهن، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما يقول فقهاؤنا.
* أما عن سؤالك عن الفعاليات التي قد تخدم الدعوة مع جاراتك، فأستعين بالله وأقول لك:
ضعي نصب عينيك حديث نبينا صلى الله عليه وسلم، الذي بيّن فيه مكانة الجار فقال: (ما زال يوصيني جبريل بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه) رواه البخاري، فرعايتك لجارتك واهتمامك بها هو واجب شرعي، وقيامك به على الوجه الأكمل فيه طاعة لله وللرسول، ولذا يمكنك عمل الآتي معها:
1- أن تكوني أول من يهنئها بدخول هذا الشهر الكريم، فإن ذلك يترك أثرا طيبا في نفسها، وحبذا لو كان ذلك بزيارة قصيرة لبيتها، تقدمين خلالها هدية رمزية لها، تعبرين بها عن حبك لها.
2- توجهي إلى الله بالدعاء أن يزرع الحب بينكما، فإنه أمر على الله يسير، وهو منحة من الله، لا تشترى بالمال، قال تعالى: (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكنَّ الله ألف بينهم إنه عزيزٌ حكِيمٌ).
3- أن تسأليها إن كانت تحتاج إلى أية مساعدة منك، مادية أو معنوية أو استشارية، قدر استطاعتك، فإن ذلك يدخل السرور إلى قلبها ويكسر حاجز الحرج بينكما.
4- أن توجهيها –بطريقة غير مباشرة– إلى الاهتمام بالجوانب الإيمانية لأفراد الأسرة، خلال الشهر الكريم.
5- أن تغلفي دعوتك لجارتك وكلماتك معها بورق من "السوليفان"، وأن تعطريها بالورود والرياحين، وكوني رقيقة جدا معها.. لا أقصد أن تتكلفي معها، ولكن راعي في كلماتك ألا تسبب لها حرجا.
6- احرصي على ألا تتدخلي في شئون بيتها، وألا تسأليها عما لا تحب امرأة أن تسألها أخرى عنه، مما تعتبره النساء شأنا داخليا خاصًا بأسرتها.
7- اعرضي عليها أن تجتمعا في وقت من اليوم لقراءة بعض آيات القرآن وتدبرها معا، واذكري لها فضل ذلك وثوابه، وليكن ذلك مفتاحا للتواصي بالخير والبر.
8- ذكريها بفضائل البر في رمضان، واقترحي عليها أن تتعاونا في عمل من أعمال البر الذي يعود ثوابه عليكما في هذا الشهر الفضيل، كأن تعودا مريضا، أو تساعدا محتاجا، أو تصلا رحما... وما أكثر أبواب الخير.
9- أن تقومي –بالترتيب مع زوجك- بدعوتها هي وزوجها وأولادها لتناول طعام الإفطار معكم ولو مرة خلال الشهر، واتركي لها تحديد الموعد الذي يناسبها، وأظهري لها صدق رغبتك في ذلك بدون إلحاح ممل.
10- إن دعتك لزيارتها ولتناول الإفطار معها أنت وأسرتك فلا تردي دعوتها، بل اقبليها واظهري لها الامتنان والسعادة بذلك، ولا تنسي أن تأخذي لها هدية –ما استطعت- يوم زيارتك لها.(9/354)
11- احرصي على اصطحابها معك لصلاة التراويح في المسجد إن كان هذا يناسبها، دون أن تضغطي عليها، وشجعي باقي أخواتك من الداعيات أن يولوها اهتماما كبيرا إذا ذهبت معك.
12- أن تهتمي ببناتها إن كان لديها بنات، فإن ذلك يسعدها ويوثق علاقتك بها، ولا مانع أن تصطحبيهن معك للصلاة بالمسجد وسماع دروس العلم إن رغبن؛ وقدري وقتها، وأظهري اهتمامك بها، وأديمي السؤال عنها.
وختاما؛
أسأل الله تعالى أن يتقبل منك دعوتك، وأن يعطيك عليها الأجر الكبير، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يهديكما إلى الخير، إنه سبحانه خير مأمول، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم... وتقبل الله منا ومنك.. وتابعينا بأخبارك.
===========
الدعوة للحجاب.. اغتنم رمضان
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، محمد صلى الله عليه وسلم.
أريد أن أستشير حضرتكم طالبا النصح والإرشاد في أمر بات يحيرني مع مرور الوقت، لدي صديقة ككافة الأصدقاء المقربين؛ متدينة والحمد لله، وتنحدر من أسرة محترمة، وقد أثار انتباهي مسألة الحجاب؛ فهي غير محجبة، وهذا ما يقلقني، لا سيما أني أنصحها، لكن دون جدوى؛ فسرعان ما تملي علي أعذارها، فانتهزت فرصة قدوم شهر رمضان لأعيد نصحي لها، فطلبت إليها أن تحتجب على الأقل في شهر رمضان؛ فربما تألفه فلا تستطيع الاستغناء عنه لكن دون جدوى.. فهل أجد من يرشدني كي أنجح في إقناع هذه الفتاة التي في الخامسة عشرة من عمرها؟
جزاكم الله تبارك وتعالى بألف خير.
…السؤال
الشباب …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…تقول الأستاذة نيفين كمال -عضو فريق الاستشارات الدعوية بالموقع-:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين، رحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد..
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته..
أخي الكريم.. جزاك الله خيرا على الاهتمام بأخذ المشورة والنصح والحرص على فهم الخير والإرشاد إليه، جعلك الله وإيانا من معلمي الخير.
أخي الفاضل..
الدعوة إلى الله تتطلب الصبر، قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (طه: 132)، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24)، وتكرار المحاولات وتجديد أساليبك في الدعوة مهم، والأهم من ذلك هو فهمك للمدعو، ومدى تأثيرك على مفاهيمه، وتغيير اتجاهاته، ويرجع هذا لعدة عوامل:
* أسلوب دعوتك: وكيفية استخدامك لأساليب الترغيب والترهيب، واستخدامك كل منها في الوقت المناسب وفي الموضع المناسب، والتنوع بين أسلوب الدعوة المباشرة وغير المباشرة عن طريق الأسلوب القصصي مثلا، أو الدعوة بالقدوة، أو إهداء المدعو وسائل تساهم في توصيل دعوتك مثل الكتب والشرائط الدينية.
* قوة الأدلة: التي تؤكد بها موضوع دعوتك، من الكتاب والسنة وآراء العلماء.
* قوة تأثيرك كداعية: وقدرتك على الإقناع والمناقشة المثمرة، وعرض المعلومة بشكل مشوق يحفز المدعو للتفاعل معك ومع دعوتك، ويجعله في تشوق مستمر للسماع منك والاقتداء بك
* مدى قابلية المدعو للنصح: أي قابليته لتلقي النصح بشكل عام، وهل هو من الأشخاص الذين يتقبلون النصح المباشر، وإمكانية تقبلهم لتلقى النصح منك بشكل خاص، وبالتالي مدى قابليته للاستماع لك والاقتناع بدعوتك وبك.
* شخصية المدعو: عندما تفهم شخصية المدعو تستطيع الوصول إلى المفاتيح المناسبة للتعامل معه، ومن ثم تستطيع التأثير عليه وإقناعه بموضوع دعوتك، وأن تفهم: بم وكيف ومتى تدعوه؟ حتى تضع الأمور في نصابها وتقول الكلام المناسب في الوقت المناسب، ويصبح لدعوتك أثر يرغب المدعو ولا ينفره، ويخرجك عن إطار الإلحاح الذي لا جدوى له.
وتستطيع فهم الشخصية من خلال معرفة اهتمامات المدعو والبيئة التي يتأثر بها، ومستوى تعليمه وثقافته، والمرحلة السنية التي يعيشها، ولا سيما أنك ذكرت في رسالتك أن هذه الفتاة في الخامسة عشرة من عمرها؛ مما يجعلني أنبهك إلى أن هذه الفترة السنية لها خصوصيتها في التعامل معها؛ لما تتسم به من التقلب وعدم الثبات والافتقار إلى الجدية.
* ومن خلال هذا الواقع الذي بين أيدينا في استشارتك أنصحك أخي الكريم بما يلي:
- بما أنك قد نصحت هذه الأخت من قبل؛ فلا بد أنك قد حفظت أعذارها التي تمليها عليكعلى حد قولك؛ لذا فلا بد أن تفند هذه الأعذار، وتبحث لها في ميزان الشرع عن أدلة وردود، تجعلها تدرك مدى حجم المعصية التي تقترفها، وأهمية الإقلاع عنها، والتوبة منها، وعدم الإصرار عليها، ولتكن أخي الكريم هادئا في دعوتك، قويا في حجتك، بعيدا عن التعصب والتنفير.
- لم توضح لنا أخي علاقتك بهذه الفتاة؛ فأنت رجل وهي فتاة، ولا بد من مراعاة الضوابط الخاصة بالعلاقة بين الجنسين، ومراعاة المسموح به والمنهي عنه في هذه العلاقة، وأنا أرى أنك لو أشركت في نصيحتها فتاة أو سيدة أخرى يكون لها رصيد من الحب والثقة في نفس هذه الفتاة فإن ذلك سيكون أفيد، وسيقصر عليك أنت الطريق.
وأنا معك أخي في أن شهر رمضان هو فرصة عظيمة للدعوة؛ فالنفوس تكون مهيأة فيه لتلقي الخير والبعد عن الشر والنفور منه.(9/355)
- يبدو من خلال رسالتك أن هذه الفتاة تحتاج إلى معرفة، وإدراك العديد من المبادئ والمفاهيم على الوجه الصحيح لها، ولا بد أن يكون لديها اعتقاد ثابت بها؛ لأنها من المبادئ التي ينبغي لكل فتاة مسلمة أن تجعلها نصب عينيها ومنهاجا لها في حياتها، واسمح لي أن أتناول معك في السطور التالية أبرز هذه المبادئ والمفاهيم، التي يمكن من خلال التركيز عليها تتأثر هذه الفتاة وتتغير نظرتها لبعض القضايا الهامة في حياتها والتي لا تدركها هي الآن.
رسالتنا في الحياة هي العبادة
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56)، وأن الله -سبحانه وتعالى- هو الحكيم الخبير بعباده، وأنه عندما يأمرنا بشيء فطاعتنا له -جل شأنه- إنما تكون لنفعنا نحن، ولافتقارنا له؛ لأنه هو الغني -تبارك وتعالى- عنا وعن عبادتنا، ولكنه لحكمته وعلمه بنا يأمرنا سبحانه بما ينفعنا، ويحافظ علينا، وينجينا رحمة منه جل وعلا بنا؛ لأن الطاعة والهداية إنما يكونان لمصلحة العبد وفوزه ونجاته في الدنيا والآخرة، قال جل وعلا: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (الإسراء-15).
السمع والطاعة لله ورسوله
قال تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا} (الأحزاب: 36). وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية؛ فإن أمر فلا سمع ولا طاعة" (البخاري ومسلم).
فقد كانت مبايعة الصحابة رضوان الله عليهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم مبايعة على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وكذلك كانت الصحابيات رضوان الله عليهن جميعا، وكذلك يجب أن يكون انتسابنا نحن للإسلام وانتماؤنا له بالسمع والطاعة لله ورسوله في كل أمر، وإلا أصبح انفلاتا واتباعا لهوى النفس الذي يهلك صاحبه، ويؤدى به إلى النار والعياذ بالله؛ ولهذا أمرنا الله بالطاعة امتثالا لأوامره سبحانه، واختبارا لعباده ليستحق منهم من أطاعه ونهى نفسه الأمارة بالسوء عن الهوى دخول جنته، ويهلك بعصيانه من تولى عن السمع والطاعة، واختار عذاب النار، أعاذنا الله جميعا منها، قال جل شأنه: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} ( النازعات: 40، 41).
فطاعة الله ورسوله هي الدليل على حبنا لله ورسوله، قال عز وجل: {قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (آل عمران: 31).
فيجب علينا تطبيق تعاليم الله سبحانه كاملة كما أنزلها دون التفريط في أي منها، وألا نأخذ منها ما يعجبنا فقط ويوافق هوى أنفسنا، ونترك ما لا يعجبنا، والدليل قول تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (البقرة: 85).
أهمية الحجاب
الحجاب أمر من الله تعالى لزوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمهات المؤمنين ولنساء المؤمنين جميعا، وهو صيانة للمسلمة، وحماية وطهارة لها، ونبذ ومخالفة لعادات الجاهلية من تبرج وسفور، ودليل على طاعة المسلمة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم بتنفيذ أوامر الله، والاقتداء بزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم الاقتداء بغيرهن من مظاهر جاهلية سابقة أو حالية مثل تبرج الغربيات وغيرهن، وهو ضمان لها بأن تحشر في زمرة الطاهرات العفيفات المقتديات بنساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لا تحشر والعياذ بالله مع من تقلدهن من المتبرجات الخارجات عن طاعة الله ورسوله.
=============
رمضان بالجامعة المفتوحة.. نصائح دعوية
إخواني وأخواتي: ها هو شهر رمضان الكريم قد أظلنا، وأنا أدرس في جامعة للتعليم المفتوح، أي أننا لا ندرس يوميا، ونذهب للجامعة يومين في الأسبوع، وبعض الطلاب يذهبون ثلاثة أيام وهكذا.
المهم أريد نصائحكم ماذا أعمل لشهر رمضان في جامعة كجامعتنا، مساحتها صغيرة جدا، وعدد طلابها قليل؟ حضرت لإعطاء محاضرات دينية وتوزيع بعض الأوراق الدينية أيضا، وسأعلق بعض اللوحات التي تحمل عبارات دينية كل يوم في رمضان، ولكني أريد أكثر من ذلك، وما زلت أشعر بأني مقصرة في حق ديني. انصحوني ماذا أفعل لو سمحتم. ولكم مني جزيل الشكر.
…السؤال
الدعوة العامة, الشباب …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…تقول الأستاذة هنادي حمدي عضو فريق الاستشارات الدعوية من فلسطين:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف الخلق والمرسلين، أما بعد..
أختي الفاضلة ريم، حياكِ الله، وحيا الله أهل فلسطين الطاهرة، أهل الرباط..
نُحيي فيك هذه الهمة العالية والرغبة في نشر الخير بين الناس عملا بقول الله تعالى في سورة آل عمران: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}.(9/356)
إن أول خطوة خطوتها -كما هو واضح في رسالتك- أنك فهمتِ ظروف وخصوصية المكان الذي تتعلمين فيه؛ فهو مكان: صغير، طلاب قليلون، تواجد غير متزامن، وفرص اللقاء والاحتكاك ليست كتلك التي تكون في الجامعات العادية، ومن ثم استنتجت أن هذا المكان بظروفه الخاصة يحتاج إلى نظرة خاصة، وربما وسائل خاصة أخرى.
لذلك.. فأرى أن الوسائل محدودة نوعا ما؛ لأن أحد أهم عوامل الدعوة غائب، وهو الجمهور.
ومن الجدير بالذكر أن أداء واجب الدعوة في رمضان مهم جدا؛ ذلك لأن النفوس تكون قريبة من ربها، والشياطين مصفدة، ويشعر المرء بالرحمة تملأ الأجواء؛ فيجدر بالدعاة اغتنام هذه الأجواء الإيمانية والفرص الجاهزة.
لم تذكري يا أختي هل يوجد في جامعتك أو كليتك كتلة إسلامية تحمل همّ الدعوة الإسلامية ونشر الخير بين الطلاب والطالبات؟ إن كان يوجد فهذا سيوفر عليك جهدا كبيرا؛ فأنصحك بالتواصل مع الأخوات العاملات في هذه الكتلة وتتعاون معاً في الأعمال الدعوية المختلفة؛ فيد الله مع الجماعة، وفضل العمل الجماعي معلوم في الإسلام.
أما إذا كان هذا الأمر غائبا عن جامعتكم فأنصحك بأن تحاولي إيجاد رفيقات معك، حتى ولو رفيقة واحدة على الأقل في درب الدعوة، تخططين معها، وتضمين أفكارك إلى أفكارها، وتنتجان وتنجزان أعمالا دعوية يدا بيد.
أما بالنسبة للاقتراحات العملية والوسائل الدعوية التي يمكن أن تفيد بصورة عامة في البيئة التي تعملين بها، سواء كنت تعملين من خلال كتلة إسلامية أم كنت تعملين منفردة، مع مراعاة انتقاء الأسلوب المناسب للحالة التي تعملين بها، وأهم هذه المقترحات:
1- توزيع بطاقة تهنئة بحلول شهر رمضان المبارك؛ بحيث تكون جذابة. ومع هذه البطاقة يتم توزيع دعوة لحضور سلسلة من الدروس الدينية المتفق عليها، تقام طوال شهر رمضان في الجامعة، ويتم وضع برنامج لهذه الدروس يشمل الوقت والمكان والموضوع، ويمكنكم دعوة بعض الشيوخ والدعاة المعروفين في المدينة لإلقاء هذه الدروس.
وأظن أن غالبية الطالبات في الجامعات المفتوحة يكن من النساء المتزوجات أو العاملات اللواتي يبحثن عن العلم في ظل ظروف خاصة بهن؛ لذلك يجدر الانتباه إلى مواعيد الدروس الدينية حتى تتلاءم مع طبيعة المدعوات.
2- يمكنك في كل يوم تذهبين فيه إلى الجامعة أن تكتبي على السبورة موعظة قصيرة، أو حكمة ما، قد تكون آية قرآنية، أو حديثا نبويا، أو بيت شعر، ويمكن أن تطبعي هذه الحكمة بخط كبير وواضح وبألوان منسقة وجميلة وتضعي لها إطارا مناسبا، وتعلقيها على اللوحات الموجودة في الجامعة أو حتى على الأبواب، أو تضعيها على الأدراج في الصفوف، بما لا يؤدي إلى الإخلال بالنظام والمنظر العام للجامعة.
وإليك بعض الأمثلة لهذه الحكم التي يمكنك كتابتها وتعليقها:
- "من صامَ يومًا في سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ زَحْزَحَ اللهُ وَجْهَهُ عن النارِ بذلك اليومِ سَبْعِينَ خَرِيفًا".
- "إِنّ للصائمِ عندَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً لا تُرَدّ".
- مَنْ فَطَّرَ صائماً كانَ له مثلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أنَّهُ لا يَنْقُصُ من أجْرِ الصَّائمِ شَيْئًا".
- " إذا دخل رمضان فُتِحَت أبوابُ الجنّةِ وأغلِقت أبوابُ النّار، وسُلسِلتْ الشياطين".
- "ليس الصيام عن الطعام والشراب، وإنما الصيام من اللغو والرفث".
- يا غافلا وله في الدهر موعظة *** إنْ كُنتَ في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ...
وغيرها من الأحاديث والحكم التي يمكنك أن تجديها بسهولة في الكتب الإسلامية أو المواقع الإسلامية على الشبكة.
وبما أنك لا تتواجدين كل يوم في الجامعة؛ فيمكنك التناوب بينك وبين صديقاتك اللواتي يشاركنك في عملك الدعوي؛ فكل واحدة يكون لها يوم معين تأتي فيه إلى الجامعة، وتحرص في بداية اليوم على أداء المهمة الملقاة عليها، سواء تعليق ورقة أو كتابة حكمة... إلخ.
وإن كان هناك مصلى في الجامعة فيمكنك تعليق المزيد من اللوحات وتوزيع النشرات فيه.
3- يمكنكم الإعلان عن إقامة إفطار جماعي للطلاب، يتلوه برنامج دعوي يشتمل على موعظة دينية ومسابقة معلوماتية صغيرة، تشتمل على بعض الهدايا، ومن ثم إقامة صلاة التراويح.
4- يمكنك تحضير بعض النشرات الدعوية، وقد تكون هذه النشرات (المطويات) جاهزة وقد سبقك أحدهم إلى تحضيرها، فما عليك إلا طباعة نسخ منها وتوزيعها في الجامعة.
ومن المواضيع التي ممكن أن تتطرق لها هذه المطويات: الأحكام الفقهية للصيام،و وسائل استغلال شهر رمضان المبارك، و زكاة الفطر، و حجاب الأخت المسلمة، وغيرها.
5- الإعلان عن حملة جمع تبرعات وصدقات للمحتاجين من أهل المدينة؛ فيمكنك وضع صندوق في مكان أمين في الجامعة، يكون بمراقبة أحد ما، يتم فيه وضع التبرعات؛ بحيث يكون مزينا بعبارات تشجع على الصدقة، وتبين فضلها، خاصة في شهر رمضان المبارك.
6- توزيع أشرطة وأقراص دعوية، تتضمن دروسا دينية لبعض الشيوخ والدعاة المعروفين، عن فضل رمضان وكيفية استغلاله أتم استغلال، وتتضمن كذلك أناشيد و"فلاشات" دعوية، وكذلك يمكن أن تتضمن ملفات "power point" فيها معلومات مفيدة. ويمكنك تحصيل هذه الدروس والأناشيد والفلاشات من الشبكة العنكبوتية.
7- يمكنك كذلك الاجتماع مع صديقاتك في الجامعة، حسب الوقت المتاح لكنّ، لتدارس القرآن الكريم، ويمكنكن تنظيم مسابقة لحفظ بعض السور.
في النهاية أختي الكريمة أقول لك: إن شعورك بالتقصير تجاه دينك شعور طبيعي، يشعر به كل ذي غيرة على دينه ودعوته، والداعية دوما يتهم نفسه بالتقصير تجاه دينه ودعوته لأننا مهما قدمنا للإسلام؛ فالإسلام أكبر من أنفسنا ومن أعمالنا.(9/357)
استمري في مسيرتك أختي، وحاولي تفعيل أكبر عدد ممكن من الأخوات معك في عملك الدعوي، ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.
==============
الأولويات الدعوية في رمضان
السلام عليكم، المرجو من سيادتكم التفضل بطرح القضايا التي ينبغي أن تحظى بالأولوية في المجال الدعوي، خصوصًا في شهر رمضان المبارك. …السؤال
ثقافة ومعارف, زاد المسير …الموضوع
الأستاذ عبد الحميد الكبتي…المستشار
……الحل …
…أخي الحبيب، حياك الله أخي الفاضل على هذه السؤال الجميل، الذي يدل على وعي من سائل نبيل، فما أحوجنا إلى هذا الترتيب الدعوي، الذي يدل على إعمال الفكر، وترتيب الإحداثيات المهمة فيه، كي يكون العمل أنفع، وأجدى؛ ففي معرفة فروض الوقت ونوافله، بركة من السماء، فيكون ثمة القبول والتوفيق من عنده سبحانه وتعالى.
إن غياب هذا الفقه الجميل العالي (فقه الأولويات) يكون له آثار وخيمة، سواء في الدعوة وهمومها، أو فيما تؤول إليه، وهذا الفقه محل غياب عند كثير من الدعاة الأماجد، فضلاً عن عموم الأمة المباركة، يقول الشيخ القرضاوي حفظه الله عن غياب هذا النوع من الفقه: (هذا الخلل الكبير الذي أصاب أمتنا اليوم في معايير أولوياتها، حتى أصبحت تُصغِّر الكبير، وتُكبِّر الصغير، وتُعظّم الهيّن، وتُهَوّن الخطير، وتؤخر الأول، وتقدم الأخير، وتهمل الفرض وتحرص على النفل، وتكترث للصغائر، وتستهين بالكبائر، وتعترك من أجل المختلف فيه، وتصمت عن تضييع المتفق عليه .. كل هذا يجعل الأمة اليوم في أمَس الحاجة، بل في أشد الضرورة إلى "فقه الأولويات" لتُبدئ فيه وتعيد، وتناقش وتحاور، وتستوضح وتتبين، حتى يقتنع عقلها، ويطمئن قلبها، وتستضيء بصيرتها، وتتجه إرادتها بعد ذلك إلى عمل الخير وخير العمل).
ولو أننا مزجنا هذا الطرح الراقي، مع نفحات رمضان، التي أُمرنا بالتعرض لها، وما فيه من بركات، نخلص إلى مائدة مباركة عالية، يحرص كل داعية نبيل أن يعرضها، إذ هو داعية لله تعالى على بصيرة.
أولاً: الدعوة إلى التقدم نحو القرآن الكريم، تقدمًا بفقه ونضج:
(شهر رمضان الذي أُنزِل فيه القرآن هُدًى للنَّاس وبيِّنات من الهدى والفرقان)
هذا هو المعلم الأول، هداية الناس، والحرص على تبيان الهداية لهم، وربطهم بمصدر هذه الهداية الربانية - القرآن الكريم - ومصدر الفرقان في كل شيء، في الأفكار والقيم، وفي النفس والروح، وفي عالم الضمير والسلوك.
إن هذا القرآن ليفرق بين المرء ونفسه بتلك الأنوار الهداية، وما فيه من مرافئ الفرقان في شواطئ الحياة المتلاطمة بالناس، وهو القرآن الذي أوجد هذه الأمة المباركة، وهو محفوظ لها من ربها، لتتكفل هي بالعمل به، وصبغ الحياة به، وهذا دور الداعية الأول الذي ينبغي أن يبرز له، شهر ينزل فيه القرآن، يكون للقرآن نصيب أوّلي فيه:
- بدءًا من تلاوة لكل حرف، فيها من الأجر عشر حسنات، والله يضاعف لمن يشاء، إذ هو سبحانه واسع عليم
- وصعودًا إلى تدبر وتمعن في الخطاب الرباني لهذه الأمة المباركة.
- ودعوةً للناس إلى حسن النهل من هذا المعين الذي لا ينضب، أفرادًا وجماعات، وتقديم الأسس المنهجية للتفقه في حسن التلقي من ربنا سبحانه وتعالى.
- وترسيخًا لمبدأ الصلة القوية بهذا القرآن الكريم، بأنواع من الإبداع يتناولها الداعية.
ثانيًا: إحياء وزرع معنى (التقوى) في نفوس الناس:
(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
إذ واقع الناس بشكل فردي، أو جماعي، أو كل أمتنا المباركة، ليحتاج من نفحات رمضان المبارك أن نعمق هذا المعنى، هذا المعنى الذي يحقق للمؤمنين النجاة في الآخرة، ويضمن التماسك في سفينة المجتمع الذي يعيشون فيه، سواء المجتمع الكبير، أو في أضيق فهم له "الأسرة"، ولا يكونن طرح الداعية طرحًا وعظيّا حماسيّا آنيّ التأثير والتأثر، وإنما بطرح عميق، وفقه من حركة الحياة، وسنن الله تعالى التي بثها كسنن ثابتة لا تتغير، ومع توضيح هذه السنن، يكون طرح الأسس الهامة لنتائج "التقوى"، كمعايير للقياس.
قال تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض)، هذه سنة من سنن الله لا تتبدل ولا تتغير، فمن بعد الإيمان التقوى، لتكون البركات مفتحة الأبواب لأهل القرى المؤمنين.
وقال ربنا الحكيم: (ولباس التقوى ذلك خير)، قاعدة ربانية تدعو الداعية لعرض هذا اللباس المبارك، الذي فيه الخير كل الخير، في بعد عن تبرج المعاصي والفساد، هذا اللباس المبارك، وذاك السفور المنفر، ينمو في حس كل مسلم حتى يُكوِّن مفهومًا عامّا لدى المدعوين.
قال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) هذا هو المعيار في تقييم الناس، وهذا هو المحدد الرئيس الذي تذوب معه الألوان والانتماءات الأخرى، وهو أساس التعارف، وأساس التقديم والتأخير، من بعد ظهور ملامحه في صور من العمل تترَى.
وبذا يشيع روح الإخاء الإيماني على قاعدة التقوى، و يلمس الناس هذا المعيار عند إسقاطه على الذين يقودون الأمة اليوم، وتُترَك لهم المقارنة، ويترك لهم تقييم المسار من بعد ذلك، بناء على البركات التي تُنزَّل، أو النكبات التي تصعّد، ولكل منها في حس الداعية توجيه وإرشاد.
وهي الزاد: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) التقوى زاد في الحركة بهذا الدين يمنحه قدرة على السبق والفوز والمسارعة: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم)، (سارعوا إلى مغفرة من ربكم)، (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) وزاد في الآخرة حيت تُبَلى السرائر.(9/358)
ويُتمّم هذا المفهوم بسُنَّة أخرى بثها ربنا سبحانه وتعالى في الحركة بهذا الدين: (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)، فلن تكون التقوى بغير صلاح وإصلاح.
إن الحديث حول "سفينة المجتمع" والسنن التي تحكم مسيرتها سلبًا وإيجابًا، لهو من أولويات الدعوة المهمة لدى الداعية، إذ الشهر المبارك يلبسه، ليلبس هو لباسًا للتقوى والصلاح والإصلاح.
ثالثًا: عرض فقه التغيير الذكي:
فالناس كل الناس تسعى للتغير من أنماط حياتها، ومن رُزِق منهم الإخلاص، قد يعوزه بعض وعي ننثره عليه في هذا الشهر الكريم، إن إعداد منهج للتغيير يقوم على صعود إلى العمق النفسي في كل حناياه، وقد تكفل ربنا بهذا التشريع - الصوم - تكفل سبحانه بكتم جانب الشهوات في الإنسان، ليكون منه مزيد من المحاكاة النفسية التي تقوم عليها فلسفة الصوم في نفس المسلم، فيكون التغيير.
قال عز وجل: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، هذا هو التغيير الذكي في جانبه الإيجابي، جانب العطاء، وقال سبحانه: (ذلك بأن الله لم يك مغيرًا نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) قال أهل التفسير: إن الله لا يسلب قومًا نِعَمَه حتى يغيروا ما بأنفسهم فيعملوا بمعصيته.
إن تحريك الفاعلية والإيجابية في نفس المسلم، وهو في عبادة هي كلها لله تعالى - الصوم لي وأنا أجزي به - سيكون له أثر كبير مضاعف بحول الله تعالى، وهو التغيير الذكي الذي نعني، وعند طرحه على الناس بقواعده وأسسه ومقدماته ونتائجه، سيكون الذكاء في التغيير هو الباب الكبير الذي تلج منه الأمة إلى أمجادها، تغييرًا في النفس والروح، وتغييرًا في الفكر والوعي، وتغييرًا في الآفاق والآمال، وتغييرًا في اللباس والزاد.
لقد توارد معنى الإيجابية، وتكرر في القرآن الكريم بصور شتى وأساليب متنوعة، ليتركز مفهوم فردية التكليف، و بالتالي ذاتية العمل، وما ينعكس عن ذلك من تثبيت مفهوم إيجابية الداعية في العمل والمثابرة، ومنها أوضح آية في كتاب الله تعالى، تحدد معنى الإيجابية، ألا وهي قوله تعالى: (فقاتل في سبيل الله لا تكلَّف إلا نفسك وحرض المؤمنين)، والمعنى واضح في أمر الله تعالى لنبيه في عدم تكليف أحد إلا نفسه، وألا ينتظر إعانة من أحد، رغم أن المعلوم من الشريعة أن الأمة كلها مكلفة بالجهاد، ولكن المعنى أن يفترض كل مسلم من الأمة - والقدوة في ذلك نبيها صلى الله عليه وسلم - أنه وحده المكلف بالأداء، وأن الله قادر على نصره، وينحصر واجبه في تحريض المؤمنين.
ولينطلق كل فرد من المدعوين بصور من التفاعل مع مجتمعه، ومساعدة الناس وحل مشكلاتهم، ونُعلّم الناس الإبداع، في ضرب مثال بذاك الصحابي الجليل الذي أبدع في مواجهة حال المسلمين في معركة القادسية، يقول القرطبي في تفسيره: "وقد بلغني أن عسكر المسلمين لما لقي الفرس نفرت خيل المسلمين من الفيلة، فعمد رجل منهم فصنع فيلاً من طين وأنس به فرسه حتى ألفه، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل، فحمل على الفيل الذي كان يقدمها، فقيل له: إنه قاتلك. فقال: لا ضير أن أُقتَل ويُفتَح للمسلمين".
ونرسخ في الناس تخطيط هذه الإيجابية من خلال عرض الدوائر الثلاث في نفس كل مسلم:
- دائرة الذات:
فهمًا وتطويرًا وعلمًا وعملاً، وحياةً في ظلال قرآن كريم، واقتداءً دائمًا متحركًا بنبي كريم وصحب أماجد.
- دائرة التأثير:
في المحيط الدعوي لكل مسلم مع من حوله، كلٌ بحسب حاله وواقعه، تبدأ الدائرة من البيت والأهل، (قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة) وتتسع الدائرة: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا) متفق عليه، (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في مال الزوج ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، والإمام راع ومسئول عن رعيته، ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) متفق عليه، (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) متفق عليه، (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كُربة فرَّج الله عنه بها كُربة من كُرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة) رواه مسلم، (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) رواه مسلم، (ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به) رواه الطبراني والبزار بإسناد صحيح، (يا أبا ذر، إذا طبخت مرقًا فأكثر ماءه، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف) رواه مسلم.
- دائرة الاهتمام:
بشئون الأمة العامة والخاصة، وفق تصور ناضج، قد يصل إلى دائرة التأثير ويرتقي لها، (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم)، (من أصبح وهمه غير الله فليس من الله، ومن أصبح و لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) رواه الحاكم وصححه السيوطي.
ووفقا لهذه الإيجابية، وهذه الدوائر التربوية يكون العطاء المنهجي العالي.
رابعًا: آمال الأمة وليس آلامها:
ففي شهر رمضان المبارك العديد من الأحداث الهامة في تاريخ أمة الإسلام المباركة، ففيه بدر الكبرى؛ يوم الفرقان، وفيه الفتح الأكبر؛ فتح مكة، وفيه فتح الأندلس، وفيه عيون المعارك؛ عين جالوت.(9/359)
والداعية الفقيه لا يعرض هذه الأحداث سردًا قصصيّا، يداعب به نفوس الناس، ويجعلهم يعيشون مع دغدغة التاريخ وأمجاده، كلا، بل يربط بين حال المسلمين في أيام التتار، وما وصل إليه حالهم في تلك الفترة، وسبب ذلك التراجع، وكيف نهضت الأمة، وزيحت عنها الغُمة المغولية، وكيف دخل معظم التتار في دين الله تعالى، من خلال قوة المسلمين، ومن خلال حسن التعامل معهم، هذا، مع التغول الحالي لقوى الظلم والقهر اليوم، ومهما وصل الحال، ومهما ضاق الأمر على الأمة، سيكون لها عين كعين جالوت، تتجلى فيها نفوس المؤمنين التقية ستارًا لقدرة الله بنصرة دينه سبحانه وتعالى.
ولن يكون الفرقان لهذه الأمة لتشق طريقها في الحياة والممات، إلا بذلة لله تعالى وأوبة له وفرار إليه: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة)، فلا هو الإعداد المادي فحسب، بل يقدم عليه إعداد النفوس لتكون أهلاً للفرقان في حياتها.
فقد نشر المسلمون العلوم في أندلس جميلة وأشاعوا فيها العدل والعلم، وأسسوا المنابر للدنيا كلها، دون احتكار أو هيمنة، هذا، وبعد أن تفشت الخلافات، ونزلت الاهتمامات عند قادة المسلمين، سلب منهم كل شيء، تلك دروس يطول بسطها ها هنا، ولكل داعية عالي الوعي مزيد علم ونضج يبثه للناس.
نربط ذلك كله بما يجري اليوم على الساحة الإسلامية، وما يعصر قلب المؤمن من ألم فيها، غير أننا ندفعه بأمل في تحقيق تلك الأمة للقوانين والسنن، مع تفاعل معها الآن، إذ نحن حملة الأشرعة البيضاء، مهما جرت الرياح بما لا نشتهي.
فها هي أماكن مقدسة تنتهك فيها حرماتنا، ويدنسها يهود وأعوانهم، نرفع من الاهتمام بها في قلوب الناس، ونعرض لهم الخبر اليقين فيها، نحرك إيمانهم للتفاعل معها بكل ما يقدرون عليه، من دعم مادي لمستحقيه من الضعاف، ولمستحقيه أكثر من الأقوياء المجاهدين على أرض الإسراء والمعراج، وهو الدعاء لهم في كل وقت فرادى وجماعات، مع تعبيرات حضارية على هيئة اعتراضات لما يجري، كل في بلده، وما يتاح له من الأعمال الحضارية التي تبني المجتمعات ولا تهدم الدعوة!.
في فلسطين، المجاهد الفلسطيني زلزل الأرض من تحت أقدام اليهود، وهم متمكنون في أرضه، بمدنهم وقراهم ومستوطناتهم، وجيوشهم النظامية والاحتياطية، وأسلحتهم الفتاكة الجوية والبرية والبحرية، وتقف من ورائهم الدولة الأمريكية الظالمة بالمال والاقتصاد، والإعلام والسياسة والدبلوماسية، ولكن الشعب المجاهد يقف بكل شجاعة واستبسال، أمام تلك القوة العاتية، لا فرق بين شاب وشابة، ورجل وامرأة، زلزلوا أقدام العدو، بإمكانات مادية ضعيفة، ولكن بقلوب أفرغ الله عليها من الصبر، ما جعلها رابطة الجأش مطمئنة عند لقاء العدو الغاشم، وأجساد نحيفة نحيلة، ولكنها أشد ثباتًا من الجبال الصخرية الراسية.
دمر اليهود منازلهم، وقصفوا مستشفياتهم، وقطعوا أشجارهم، وأغلقوا مدارسهم، وجرفوا طرقهم، وقتلوا منهم من قتلوا، وأسروا من أسروا، واغتالوا من اغتالوا، وحاصروهم حصاراً قَلَّ أن يوجد له في العالم نظير، ومنعوهم الطعام والشراب والكساء والدواء، ورغم ذلك كله صمدوا، وأرعبوا العدو، وجعلوه يقف عاجزًا، أمام أفراد قليلين من الشباب المسلم المجاهد، الذي تخطى الحواجز المتصل بعضها ببعض، وأجهزة الأمن والجيش الذين لا يخلو منهم شبر من الأرض، ووصلوا إلى حيفا وقلب تل أبيب والخضيرة، وغيرها من المدن والمستوطنات المحصنة، وقاموا بهجماتهم الاستشهادية التي أعلن اليهود عجزهم عن الوقاية منها؛ لأن رجال فلسطين ونساءها ينفذونها بأجسادهم، رغبة في لقاء ربهم شهداء، ملبين داعي النفير في سورة النساء و سورة آل عمران، وسورة الأنفال والتوبة، وسورة الأحزاب وسورة الحشر.
كل هذه البطولات وهذا الصمود يريد دعمًا نفسيّا بالدعاء، ودعما ماديّا بالمال، ولتكن قضية فلسطين وقدسها المباركة قضية الأمة في هذا الشهر المبارك، بتفاعل وإعلام وإنفاق مال، ودفع الزكوات للمجاهدين النبلاء.
وفي بلاد الرافدين، العراق الحبيب، يراد له اليوم الخراب من قوى الظلم والطغيان، ولن يتورعوا عن ضربه وسلبه، تلك عراق دار السلام، عراق دار الخلافة، وإن حكمها الظلم، تظل دارًا للسلام عندنا، ومنبع الحكمة قديمًا.
إن نصرة إخواننا في العراق لهي من أكبر القضايا الأولية الآن، وقد بدأ صليل السيوف يسمع، رغم الحصار، والموت لأعداد كبيرة كثيرة من أولادنا في العراق، وما ثمة حل عند أهل الظلم إلا مزيد ظلم.
علينا - أيها الدعاة - أن نُفعّل هذه الموضوعات في تيار عام نصنعه، ونعطي الناس الخبر الصحيح في فقهها، وكيفيه نصرتها، وفضح كل ظالم ومتعاون وصامت، ورفع الأيادي في القنوت في جماعة المسلمين بالدعاء لإخواننا جميعًا، وأمر الدعاء لا يستهان به، فقد زلزل الروس في غزوهم للشيشان، وطلبوا منعه، فنكثر منه على الملأ، ونحرض الأمة على الإخلاص فيه، فهذا أقل ما يجب، فضلاً عن مال وزكوات.
ومن المهم أن نقرر في أذهان الناس أنه مهما تكالبت علينا الأمم، ومهما كثر الظلم وعم القهر: (لن يضروكم إلا أذى)، وهم (أحرص الناس على حياة)، (ويمكرون ويمكر الله)، وحقيقة: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) لكن إيماننا قوي لأن: (وعند الله مكرهم).
هذه قوانين ربانية تتعلمها الأمة من الداعية إذ هو يدلها على أبواب الصعود بذكاء.(9/360)
أيها الداعية، إن إشاعة الحب الوثيق بكافة أنواعه لهو بدء الأمر، حبّا لله تعالى ولرسوله، ولهذا الدين المبارك، وما يحمل هذا المعنى من القرب لله تعالى في صنوف شتى، وتأسيًا بنبي كريم عليه الصلاة والسلام، وتعميقًا للولاء لهذا الدين، ولو كره الكافرون، ولو كره الخانعون.
حبّا للناس والاقتراب منهم، ولمس مشكلاتهم، وحلها بلغة العمل الفصيح، وتفريج الكربات عنهم، من بعد تعلميهم سنن الله وقوانين حركة الحياة، والدلالة على ضروب الذكاء الاجتماعي، ومنها التغيير، وربطهم بكتاب أُنزل لهم في رمضان.
وفي رمضان نفحات ومعانٍ يراد لها بسط، غير أن تلك الرباعية أراها الدرجات الأُوَل على سلم الأولويات، والله وليّ السداد لداعية فقيه، أنار عقله فقاد، وبكى في محرابه وانقاد.
وفقكم الله وسدد الخطى لكم.
===============
الدعوة في المدرسة.. البيئة الرائعة.. والأيام الجميلة
الإخوة الأفاضل،
بيئةٌ المدرسة بيئةٌ رائعةٌ للدعوة إلى الله، ونشر فكرة الإسلام وإحيائها في النفوس، ولكنَّ المشكلة في الوسائل.
أنا أدرك -والحمد لله- أهمِّيَّة الدعوة إلى الله، وأجد المدرسة بيئةً رائعةً لذلك، فمئات من الطلاَّب والكثير من الظروف المناسبة، ولكنِّي لا أجد الوسائل، هل كلمات الإذاعة المدرسية، والوعظ الدينيُّ الفرديُّ كافيان أم أنَّكم تملكون وسائل جديدة؟ …السؤال
الدعوة العامة, الشباب …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…تقول الأستاذة هبة عمرو من فريق الاستشارات:
"الأخ الكريم أبو عدنان، السلام عليك ورحمة الله وبركاته،
توقَّعت أوَّل ما توقَّعت أن يكون مرسِل هذه الاستشارة أستاذاً أو مشرفاً أو ناظرا.. لكنِّي وجدتُّك طالباً مازالت في مرحلة الدراسة المدرسيَّة، ولأشدَّ ما كانت سعادتي بك أيُّها الطالب الداعية.. ثمَّ كان لسعادتي سببٌ آخر، وهو أنًّك أعدتَّني سنين إلى الوراء.. أتذكَّر تلك الأيام الرائعة، وتلك الصحبة الجميلة، وأؤكِّد مرَّةً بعد أخرى أنًّ ما يُغرَس في تلك السنين، تُجنَى ثماره بعد ذلك طوال العمر.
أما وقد أدركتَ روعة البيئة المدرسيَّة ومناسبتها للدعوة إلى الله، فلندخل مباشرةً إلى الوسائل المعينة لك كطالب:
1- القدوة:
وهي نقطةٌ مهمَّة، أثرناها عدَّة مرَّاتٍ في عدَّة استشارات، ومنعاً من التكرار، أؤكِّد سريعاً على أنَّك إن كنت قدوةً صالحةً في تفوُّقك وملبسك وسلوكك ومعاملاتك... لكان لذلك أبلغ الأثر في نفوس زملائك.
2- الدعوة الشخصيَّة:
وقد ذكرتَها في سؤالك حين قلت: "الوعظ الديني الفردي"، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ الدعوة الشخصيَّة ليست وعظاً فحسب، بل هي احتواءٌ للمدعوّ، واهتمامٌ به، وإدراك مشاكله وظروفه، ومشاركته أفراحه وأحزانه، والأخذ بيده خطوةً بخطوةٍ على الطريق الصحيح.
3- الكتابة على السبُّورة:
كتابة كلمةٍ يوميَّةٍ أو حديثٍ شريفٍ أو آيةٍ أو بيت شعر على السبُّورة، وتغييرها بحسب المناسبات المختلفة.
وإليك بعض الاقتراحات، وستجد المزيد في الاستشارات الملحقة في مؤخرة الاستشارة:
- "قل إنَّ صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين".
- "إماطة الأذى عن الطريق صدقة".
- "خيركم من تعلَّم القرآن وعلمَّه".
- بدلاً من أن تلعن الظلام، أوقِد شمعة.
- من أدمن قرع الباب يوشك أن يُفتح له.
وغير ذلك
4- الأنشطة المدرسيَّة المختلفة:
وسأذكر لك عدَّة أمثلة، مع مراعاة مشاركة زملائك لك فيها كلِّها، ومحاولة التجديد المستمرِّ والبعد عن التقليديَّة:
- إنشاء مجلاَّت حائطٍ توضع داخل الفصل، أو في الممرَّات خارج الفصول.
- إعداد برنامج الإذاعة المدرسيَّة.
- إعداد برامج للرحلات، والمعسكرات، تحتوي على جانبٍ ترفيهيّ، وآخر تربويّ.
- إقامة ندوات، ودعوة الطلاَّب إلى حضورها، مع مراعاة اختيار ضيوفٍ محبوبين من الطلبة، واختيار مواضيع تجذبهم وتشدُّهم، بل وتستفزُّهم وتحفِّزهم أيضا.
5- توظيف المناسبات المختلفة:
- عند بداية العام الدراسيّ، يمكنك توزيع كروت ترحيبٍ على الطلاب.
- احرص على جعل رمضان شهراً خاصًّا متميِّزا، بأن تنظِّم له حفلةً وبرنامجاً تحضيريًّا منذ شهر شعبان على الأقلّ، واحرص على أن تنوِّع في البرنامج، وترغِّب في الاستفادة من رمضان وخيراته وفضله.
- في العيدين، احرص على تهنئتهم، وإهدائهم بعض الكروت أو الحلوى.
- إحياء المناسبات الإسلاميَّة الخاصة، مثل: الإسراء والمعراج، وبداية العام الهجريّ...
وذلك عن طريق: توزيع الإصدارات المختلفة عن المناسبة، تعليق لوحةٍ جديدة، إقامة حفلٍ مصغَّرٍ والتذكير بأحداث المناسبة وما يُستفاد منها عمليًّا في حياتنا، إعداد مشهدٍ مسرحيٍّ إن أمكن... إلخ.
بقيت نقطةٌ هامَّةٌ، أودُّ التأكيد عليها، ألا وهي أسلوبك في مخاطبتهم، سواءً في الموعظة المباشرة، أو في أيٍّ من الوسائل التي ذكرناها: أذكِّرك بمراعاة فقه الدعوة إلى الله: "ادع إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة"، ولكي تتمكَّن من الحكمة والموعظة الحسنة، عليك بمراعاة ما يلي:
- ضرورة التدرُّج، واتِّباع أسلوب الدعوة بمرحليَّةٍ مع المدعوِّين.
- دعوتهم بالترغيب أكثر من الترهيب حتى لا تأتي دعوتك بنتيجةٍ عكسيَّة.
- التيسير عليهم ما أمكن ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا"رواه البخاري.
- التركيز على القيم الإيجابية عامَّةً، وليس التركيز على العبادات فقط، أو استخدام الألفاظ الإسلاميَّة الصريحة، بل الجمع بين كلِّ ذلك ضروريّ.(9/361)
وختاما، أسأل الله تعالى أن يعينك على أداء واجبك في الدعوة إلى الله طوال حياتك.. في المدرسة، وفي الجامعة، وفي العمل إن شاء الله تعالى.
وأرجو أن تكون قد وجدتَّ عندنا وسائل جديدةً كما طلبت".
=============
لدعوة الصديق.. الإسلام الجذاب هو الحل
السلام عليكم أساتذتي الأعزاء، أنا طالب ملتزم والحمد لله، أسأل الله الثبات لي، عندي صديق في المدرسة أحبه جدا، وأريد أن أكسبه معي إلى الالتزام والاستقامة. ولكني تواجهني مشكلة أصدقائه السيئين.
ما هو دوري في هذه الحالة؟ ولو تتكرمون بإعطائي بعض النصائح والأساليب؟ وجزاكم الله خيرا.
…السؤال
الدعوة الفردية …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم، وحرصكم عليه، وعملكم به وله..
أخي الحبيب..
الشر أمتع من الخير!!.. وصحبة السوء أحلى من صحبة الحُسْن!!.. وجواذب الأول أجمل وأكثر من جواذب الثاني!!...
هذه هي بعض وأهم الخواطر التي قد تدور بذهن المدعو حينما يدعوه داعيه، خاصة إذا كان شابا، وهي قد تغيب عن ذهن الداعي، وغيابها يجعله في حيرة من أمره، لماذا لا يستجيب هؤلاء رغم أني أدعوهم للصلاح؟!!
إنَّ حلَّ هذه الحيرة -أخي الحبيب- يكمن في كيفية أن يجعل الداعي الإسلام جذابا لدى المدعو؟ كيف يجعل الخير أمتع من الشر؟ كيف يجعل جواذبه أجمل وأكثر من الشر؟ كيف تكون الصحبة الصالحة أحلى من الفاسدة؟.
إنَّ الشر يشمل الاختلاط المحرَّم والرقص والغناء الفاحش والموسيقى المثيرة والزنا وشرب الخمر والمخدرات والأدخنة والسخرية والاستهزاء ونحو ذلك، وكلها وما شابهها بالنسبة للإنسان يظنها متعا!!... بينما الخير قد يعني عنده القيود أو البكاء أو الاكتئاب أو نحو ذلك، وهذا الظن الخاطئ بالنسبة له ِمَحن بكل تأكيد.
إنَّ الداعي كثيرا ما يعجب.. لماذا يتبَّع الإنسان الشر؟! رغم أنَّ متعته ضئيلة جدا مقارنة بما يعقبه من مرارات وتعاسات!!.. فشرب الخمر مثلا ظاهره قد يكون متعة، وحتى ظاهره أيضا ليس متعة! إذ ما المتعة في مشروب نتن الرائحة حارق للأمعاء، مغيب للعقل، مدمر للنفسية قاتل للصحة؟!.. لكن حتى لو فرضنا أن فيه بعض المتعة؛ فما يعقبه من الخلل العقلي والنفسي والصحي والمالي والإنتاجي والعائلي والاجتماعي وغيره، والذي قد يستمر لسنوات أو للعمر كله يجعل محصلته شرا لا خيرا، ونقمة لا نعمة، وشقاوة لا سعادة!... وكذلك كل الخبائث، ولذا حَّرمها الله تعالى، لا لمنع الإنسان من متعها، ولكن لعظيم أضرارها، كما يقول: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (الأعراف: 157)..
قال الإمام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "الله تعالى أباح للمؤمنين الطيبات وهي ما ينفعهم، وحرم عليهم الخبائث وهي ما يضرهم..".. فكل مُحَرَّم لا بد أن يعقبه ضرر ما.. فهو إنْ ظهر منه بعض متعة، فقد تكون متعة جسدية فقط، ولفترة يسيرة، بينما هو بالتأكيد تمزيق وتدمير للجسد وللنفس معا، ولفترات طويلة..
أما الحلال فهو استقامة، والاستقامة سعادة، كما يقول -صلى الله عليه وسلم-: "قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان، وجعل قلبه مستقيما، ولسانه صادقا، ونفسه مطمئنة، وخليقته مستقيمة" (أخرجه ابن حبان)؛ فهو فالح هانئ سعيد في الدنيا.. ثم الآخرة... ولذا فهناك فرق هائل بين حياة متبعي الحلال وحياة متبعي الحرام، كما يقول تعالي: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (الجاثية: 21).. قال الإمام القرطبي في تفسيره: "أي محياهم محيا سوء ومماتهم كذلك".
فالخير كله متع.. متع جسدية ونفسية معا؛ لأنه يوافق الفطرة (أي النفس)، وهي كلها صفات خير وتحبه؛ لأنه ينفعها ويسعدها، وتكره الشر ولا يوافقها، وتصارعه لأنه يضرها ويتعسها.
- فمثلا بالصدق.. سيربح ماديا لإقبال الناس عليه، كما يقول -صلى الله عليه وسلم-: "البَيِّعان (أي البائع والمشتري) بالخيار ما لم يتفرقا؛ فإن َصَدقا وَبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما "(أخرجه البخاري ومسلم)، وسيستريح باله؛ حيث لم يخدع أحدا، ولا ينتظر بالتالي أن يخدعه أحد أو يغدر به أو يغشه أو يهدده أو نحو ذلك مما يقلق، كما يقول -صلى الله عليه وسلم-: "الصدق طمأنينة والكذب ريبة" (جزء من حديث أخرجه الترمذي)..
- وبالعلم.. سيرتفع مكانة مادية واجتماعية محببة للنفوس، كما يقول تعالى: {يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11)، وكما يقول -صلى الله عليه وسلم- عنه: "من أخذه أخذ بحظ وافر" (جزء من حديث أخرجه الترمذي)..
- وبالعمل.. سيثرى ماليا ويهنأ نفسيا، كما وعد الإسلام بذلك في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- مثلا عمن يعمل في استصلاح الأراضي للانتفاع بها: "من أحيا أرضا ميتة فهي له" (أخرجه أبو داود)..
- وبالتواصل مع الأقارب، والناس جميعا وحبهم.. يزداد رزقا واطمئنانا واستقرارا بتبادل المنافع معهم وعونهم له وعونه لهم، كما يقول -صلى الله عليه وسلم- مثلا: "من أحب أن يبسط له في رزقه، وُينسأ له في أثره.. فليصل رحمه" (أخرجه البخاري ومسلم)، ويقول: ".. ومن يسر علي معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (جزء من حديث أخرجه مسلم)...(9/362)
إذن.. فما الذي يدفع الإنسان لاتبّاع الشر والحرام؟!
إن الإجابة عن هذا السؤال تعين الداعي على انتشال مَن يدعوه منه بفعل عكس هذه الدوافع.. ولكنه فعلا سؤال محيِّر! ولذا يستنكر الله تعالى ذلك موجها إيانا لاستنكاره ولاجتنابه في قوله: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} (الانفطار: 6).. قال الإمام القرطبي: "قال الحسن: غرَّه شيطانه الخبيث، وقيل حمقه وجهله..".
* فمن الأسباب تغييب العقل وسوء التفكير والجهل والحمق وعدم محاولة الفهم، كما في قوله تعالى عن مثل هؤلاء: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ" (يس: 60-62).. قال الإمام ابن كثير: "أفما كان لكم عقل في مخالفة ربكم؟" ويقول: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك: 10).. قال الإمام السيوطي في تفسير الجلالين: "لو كنا نسمع: أي سماع تفهُّم، أو نعقل: أي عقل تفكر، ما كنا في أصحاب السعير.."، وقال الإمام ابن القيم في كتابه "مدارج السالكين": "لو رجعوا إلى أسماعهم وعقولهم لعلموا حُسْن ما جاءت به الرسل وقبح مخالفتهم".
* ومن الأسباب تصديق الشيطان في تزيينه الكاذب والانخداع به رغم كذبه وخداعه، كما يقول تعالى عن ذلك: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ} (الأعراف: 21-22).. ومن الأسباب النسيان وضعف الإرادة، كما نبهنا الله تعالى لذلك في قوله: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} (طه: 115)..
* ومن الأسباب إدمان المعاصي؛ بحيث لم يعد يستطيع الاستغناء عنها، كما يعبر عن ذلك قول الله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} (البقرة: 93)، قال الإمام القرطبي عنها: "هذا تشبيه ومجاز عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم.."؛ فهم من كثرة معاصيهم أصبحت جزءا من حياتهم يظنون موتهم لو تركوها!..
* ومن الأسباب تأثير الصحبة السيئة والاستسلام لها دون عقل، كما يقول تعالي مثلا: {بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلاَّ غُرُورًا} (فاطر: 40).. قال الإمام القرطبي: "أي بأباطيل تغرّ".
* ومن الأسباب تأجيل التوبة، بسبب ضعف إرادة البدء، وتوهم أن الموت ما زال بعيدا، ولدينا الوقت الكافي للعودة! كما يقول تعالى عن مثل هؤلاء: {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ} (الحديد: 14)..
فالخلاصة إذن أن الإنسان يتبع الشر باختياره، ولن يتركه إلا باختياره أيضا، كما يوضح ذلك الله تعالى في قوله على لسان الشيطان: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُم} (إبراهيم: 22).. قال الإمام القرطبي "ليس للشيطان قدرة على سلب الإنسان الاختيار.. ولو كان له هذه القدرة لما بقي لأحد من بني آدم قوة في طاعته سبحانه"، وقال تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} (العنكبوت: 38).. قال الإمام القرطبي: "أي قد عرفوا الحق من الباطل بظهور البراهين".
أخي الحبيب..
إنَّ أهم مهمة للداعي هي أن يجعل الإسلام جذابا للمدعو، أن يجعل الخير عنده أمتع من الشر.. ومفتاح ذلك أن يجعل الخير في حياته كلها.
فالحياة جزء منها في البيت، وآخر في العمل، وثالث عند العلاقات الاجتماعية مع الجيران والأقارب والزملاء وغيرهم، ورابع في أماكن الترويح واللعب، وخامس في العلم، وسادس في السفر والتنقل وهكذا...
والإسلام في كل هذا؛ فهو للحياة كلها، وهو يسعدها وينيرها كلها، كما يقول تعالى عنه: {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} (المائدة: 15)، ويقول: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} (الأنعام: 122). ويقول: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: 89).
فالهدى والرحمة والبشرى للمسلمين هي السعادة لهم في الدنيا والآخرة.. وهذه هي المهمة الأساسية للداعي؛ أن يجعل حياة المدعو كلها جذابة وسعيدة.. في بيته وعمله وإنتاجه وعلمه وعلاقاته وترويحه ولعبه ومسجده وأثناء أداء شعائره، ونحو ذلك..
فإن نجح في هذا فقد نجح في جذبه من الشر إلى الخير، ومن الحرام إلى الحلال، ومن التعب إلى الراحة، ومن الشقاوة إلى الهناءة.. إلى الإسلام.
فاجعل أخي الحبيب حياة صديقك كلها سعيدة، وأثناء الحياة سيتعلم منك كيف يمارس الإسلام فيها لتصحيحها وإسعادها إذا كنت قدوة له في ذلك.(9/363)
* فاجعل بيته سعيدا جذابا.. بعونه على تجميله وتنظيفه، وتعليمه التعاون والتشاور مع والديه وإخوته؛ وهو ما يحقق له الاستقرار والهناءة، وتدريبه على جدية المذاكرة والعلم، وتوصيته بمتابعة الأحداث والبرامج الجيدة بالفضائيات والنت، وتوجيهه لتنظيم يومه والتخطيط لحياته، والاهتمام بشعائره كصلاته وذكره؛ وهو ما سيشحن قلبه ليدفع جسده لحسن العمل، مع تذكرته باستحضار نوايا الخير في قلبه في أثناء كل هذا أنه يعملها حبا في الله الذي طلبها منه لمصلحته وسعادته هو ومن حوله، ويعملها طلبا لحبه وعونه ورزقه وتوفيقه في الدنيا، ثم لأعظم ثوابه في الآخرة.
فاستحضار هذه النوايا سيشعره أنه يقترب من ربه وإسلامه تدريجيا؛ فيشجعه بالتالي على مزيد من القرب والتمسك بالإسلام حتى يأتي اليوم الذي يستخسر فيه اللحظة تمر بغير ثواب أو في معصية.
* واجعل مدرسته وجامعته سعيدة جذابة.. بطلب العلم والتجريب والتطوير فيه.
* واجعل عمله وإنتاجه -إن كان يعمل- سعيدا جذابا.. بالابتكار فيه والتخطيط له من أجل مزيد من الكسب والربح.
* واجعل لعبه وترويحه سعيدا جذابا: مثل ركوب الخيل، والسباحة، والمسابقات، والرياضة، والفنون والسفريات الحلال، والنوادي والمقاهي المحترمة... إلخ.
* واجعل علاقاته الاجتماعية سعيدة جذابة.. بالصدق والأمانة والوفاء وحسن المظهر والتبسم وحفظ اللسان ونحو ذلك.
* واجعل تعاملاته مع الجنس الآخر سعيدة مهذبة.. من خلال تطبيقكما سويا للضوابط الشرعية عند التعامل فيما بينكم، كغض البصر، وعدم الخلوة؛ وهي ألا يجتمع رجل وامرأة بمفرديهما في مكان خال يأمنان فيه من اطلاع أحد عليهما؛ حتى لا يقعا في الفاحشة فيتضررا بذلك، والكلام لسبب وفيما يفيد وبجدية معتدلة، والمحافظة على الزي الشرعي للثياب؛ فتكون فضفاضة لا تصف ولا تشف..
ثم بمجرد أن يعمل ويكسب ويستطيع الزواج فشجعه وعاونه عليه.
وهكذا.. تكون كل شئون الحياة سعيدة جذابة منتعشة.. بأخلاق الإسلام.
وهذا ليس صعبا؛ لأن الفطرة ستساعدك؛ لأنه يوافقها، ولأن الله تعالى سيساعدك بكل تأكيد لأنك بدأت ولو بشبر كما يقول تعالى في الحديث القدسي: "ومن تقربَّ إليَّ شبرا تقربت إليه ذراعا" (جزء من حديث أخرجه البخاري)، ولأن الإسلام سيساعدك لأنه يشملها وينظمها كلها.
فإن نجحت أخي الحبيب في جعل الإسلام جذابا؛ فتأكد أنك ستنجح بإذن الله في اجتذابه من صحبة السوء.. وسينجح وينتشر الخير والحلال، وسيفشل وينقرض الشر والحرام.. وسيكون لك ثواب كل ما ستفعله، كما يقول تعالى: {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} (الأعراف: 170)، وكما يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" (أخرجه مسلم).
وفقك الله وأعانك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
============
رسالة ود إلى النصارى !!
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
أما بعد،،
شيخي الفاضل، أستاذي الكريم، معلمي الموقر..
أحمل قلمي إلى منابر الحق ومنارات الدعوة، إلى شخصكم الموقر، وأناشد من أعماقكم منابع الحكمة والعطاء.. فأنتم دربنا إلى الله بعذب ينابيع عطائكم من العلم الذي نهلتموه نقيا من سيد المرسلين؛ لتقدموه لنا في رسالة محبة وود خالصة لتمسكوا بأيدينا إلى الله.
شيخي الفاضل، أستاذي الكريم، معلمي الموقر.
أقف اليوم بجرح أدمى القلب، وأسر الأرواح بقضبان الألم لأمر رأيناه في طريق دعاتنا الأكارم بكل أرجاء المعمورة؛ ألا وهو الغفلة عن أمر هام جدا في الدعوة، وهو دعوة خاصة للنصارى.
نجد دائما كما هائلا من الخطب والمحاضرات والمقالات والكتب التي تدور بمحتواها للرد على النصارى، ولكننا لم نجد محاضرات بعنوان "رسالة ود إلى النصارى"؟!.
لِمَ أرى بعيونكم وعيون الجميع التعجب والاستغراب؟!
أليس للنصارى نصيب كبير من دعوتنا بعدل الدعوة السماوية؟!
هل هم راضون عن حياتهم وعن ذلك الدين الذي ولدوا ليجدوا أنفسهم عليه؟؟
ما هو دورنا تجاههم؟ أين نحن من دعوتهم؟؟
كيف تكون دعوتنا لهم؟ بالهجوم والاستنكار؟ بالتودد والترغيب؟ كيف؟...
كم تخالج أعماقنا -نحن شباب الأمة- تساؤلات نتمنى أن نجد لها إجابات تدل على سماحة الإسلام، يتولى أمرها دعاة الإسلام الأفاضل الكرام، كشخصكم الطيب. فسماحة ديننا تجعلنا نعطي دائما بإيماننا نجوما مضيئة تنير دروب القلوب للرب المعبود لكل من ضل طريقه.
شيخنا الفاضل، ساعدوني لهداية مسيحي؟ ساعدوني كيف أدعوه للإسلام؟.
نحن أشبال في الدعوة، عُودنا لم يكتمل خضرة للإجابة عن هذه التساؤلات الهامة؛ فهل مددتم يدكم الكريمة لنا بعون تُجزَون عليه الأجر من الله لإنعاش تلك القلوب.. فنحن عندما نفكر بهداية شاب مسلم ضل طريقه نقوم بإهدائه شريط محاضرة أو كتابا به العبرة، يساعده ليجد طريقه إلى الله، ولكن كيف لنا أن نجد تلك الخطبة الموجهة للنصارى لهدياتهم بمودة ورحمة؟!.
أستاذي الفاضل، هل أجد لصوت قلوب شباب الإسلام صدى بمنابع الإيمان لديكم؟.
أتمنى أن أجد الإجابة قريبا جدا في شريط بعنوان "رسالة ود إلى النصارى".
وجزاكم الله عني وعن الإسلام جنات النعيم.
وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام.
ابن فلسطين.
…السؤال
دعوة غير المسلمين, قضايا وشبهات …الموضوع
الشيخ عماد مصطفى أبو الرُّب…المستشار
……الحل …(9/364)
…أشكرك بداية أخي ابن فلسطين على عواطفك الصادقة الجياشة، وعلى همك وهمتك، كما أشكرك على حسن ظنك بموقع "إسلام أون لاين" ومستشاريه الذي يعمل جاهدا على تقديم أي عون أو خدمة أو نصيحة للآخرين؛ أملا أن تسهم في نهضة الأمة، وتفعيل رسالتها الدعوية والقيام بها حق الأداء.
أوافقك الرأي أخي الحبيب أننا ما زلنا بحاجة إلى مزيد من الجهود الدعوية في خطاب الآخر -خاصة النصارى- لكي نوصل لهم رسالة الإسلام بسماحته وأصالته وشموليته. كما أننا بحاجة ماسة إلى أن تكون لغة خطابنا معهم قائمة على مبدأ الرحمة بهم والشفقة على حالهم؛ لما يعيشون فيه من بعد عن الله وأوامره واقتراف لنواهيه.
وأذكرك أن القضية ليست رسالة ود بمقدار ما أنها بمفهومنا تعتبر منهج تعامل؛ فالإسلام لم يكتف ببعض الآراء أو المواقف الرحيمة واللينة مع مخالفيه؛ بل اعتبر أن معاملتهم نابعة من كونها أساس رسالة الإسلام؛ حيث نادى رسولنا محمد -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- بالرحمة والرأفة في الإنسان؛ كونه إنسانا، وهذا ما أخبر به المولى تبارك وتعالى حين قال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107)، ومن المعلوم أن نبينا الكريم لم تكن رحمته خاصة بالإنسان؛ بل تعدتها للجماد والحيوان؛ حيث ورد أن الجذع الذي كان يخطب عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- حنّ إليه بعد أن استبدل به منبرا جديدا، ولم يهدأ حتى وضع الرسول الكريم يده الشريفة الحانية عليه، كما قال عليه الصلاة والسلام حينما آذته كلاب ضالة: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها" (رواه أحمد).
وهنا تتجلى روعة الإسلام وقيمه ومُثله التي أنارت البشرية، وحققت العدل والمساواة بينهم.
ومن باب الأمانة أقول لك أيضا: إننا -وبحمد الله- لم نكتف برسالة ود مع النصارى وغيرهم من مخالفينا؛ بل نسعى لجعل الود أساس العلاقة معهم حينما تتوفر مبادئ التعايش والتعارف والتعاون في الخير؛ انطلاقا من قول الحق تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13)، وقوله تعالى كذلك: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125)، واقتداءً بمنهج الأنبياء والرسل الكرام الذين كانوا سفراء رحمة وهداية لأقوامهم.
ومن ناحية أخرى نعتبر إقامة الكثير من أبناء العرب والمسلمين في ديار غير المسلمين ووجود المراكز الإسلامية في الغرب هو أكبر رسالة ود للغرب والنصارى فيه؛ كونهم يعتبرون أنفسهم مواطنين في هذه الديار؛ يغارون على أمنها واقتصادها ومجتمعاتها. كما أنهم يقومون بدعوتهم وتعريفهم بهذا الدين العظيم، ولا يألون جهدًا في عرض الإسلام عليهم بصورة زاهية بهية تزيل ما علق في أذهانهم من رواسب الحروب الصليبية والشبهات والمغالطات التي أثيرت حول الإسلام والمسلمين. ومع أن المراكز الإسلامية في الغرب تقوم بهذا الواجب وتقدم الكثير من الجهود لتحقيق ذلك فإنها ما زالت بحاجة لتكثيف العمل، وتوحيد الجهود أو تكاملها، وتركيزها لتؤتي ثمارها كل حين بإذن ربها.
هذا وأعتبر أن ما تتميز به لغة خطابنا لغير المسلمين في الغرب وهو ما يؤكد دور الجهود الدعوية المبذولة معهم هو:
1- تنويع لغة الخطاب معهم: وعلى الأخص أهل الكتاب منهم؛ لأنهم أقرب لنا، وتبقى شرائعهم سماوية وإن دخل عليها التحريف والتغيير. ومن ذلك مخاطبتهم بلغة الناصح الأمين الذي يخشى عليهم من عذاب يوم عظيم، والذي ينظر إليهم نظرة شفقة على ما هم فيه من بعد عن منهج الله القويم.
2- معرفة المخاطب والتعرف على احتياجاته واهتماماته وآلامه وآماله ومداخل الإقناع المؤثرة فيه: ونجد ذلك واضحا جليا في تعدد الوسائل الدعوية معهم من وسائل سمعية ومرئية وحركية؛ فتجد الصحف والمجلات والقنوات والإذاعات والندوات والمؤتمرات المختلفة التي يشارك فيها نصارى الغرب وتعتبر مدخلا لعرض الإسلام عليه، وهي أسباب معينة على هدايته؛ فإن كان له منها نصيب آمَن واعتنق الإسلام، وإلا فنستمر في الدعاء له بالهداية، ونكون بذلك قد أعذرنا إلى الله تعالى.
إن دورنا تجاه غير المسلمين خاصة أهل الكتاب منهم يقوم على عدة أمور:
أولا- أن نتخلق بالإسلام ونطبقه في نفوسنا وبكل جوارحنا: كما قيل: "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقُم على أرضكم". كما أننا نعلم أن فاقد الشيء لا يعطيه، ودعوة الآخر تستوجب أن تكون قدوة له منطلقا من المقولة المعروفة: "أصلح نفسك وادع غيرك، ودع القافلة تسير".
ثانيا- أن ندرس الواقع دراسة موضوعية علمية واضحة: تحدد أبرز إيجابياته وسلبياته، وما فيه من عادات ونظم وقيم توافق الإسلام أو تخالفه، كما نحدد ما يؤثر فيه ويسهل إقناعه.
ثالثا- ثم نضع الوسائل والبرامج الهادفة التي تعيننا على تحقيق أهدافنا التي وضعنا: ونراعي فيها أن تكون شاملة متنوعة متكاملة، وتعتمد لغة الحوار بالتي هي أحسن، مستشعرين قول الحق تبارك في علاه موصيا موسى وهارون عليهما السلام: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: 44).(9/365)
وأذكرك أخي الحبيب بأن الإسلام لم يكتف برسالة السماحة؛ بل إن المسلمين هم صناع التسامح.. كيف لا ونحن نعلم رفق الرسول -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ومن بعده المسلمون أجمعون بغير المسلمين حتى في وقت الحرب والقتال؛ حيث كان يوصي صحابته: "لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا، ولا امرأة" (رواه أبو داود). وصفحُه وعفوُه عن أهل مكة "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، وصبره على إيذاء جاره له، بل وصبره على إيذاء كفار قريش له: "يا معشر قريش أي جوار هذا؟".
وباختصار أخي العزيز: لم يعرف العالم ولن يعرف دينا أرحم من الإسلام وأكثر سماحة منه، ولن يجد الضعفاء والفقراء والمستضعفون أكثر من الإسلام لينا ورفقا بهم؛ حتى لو بقوا على دياناتهم، ولهذا حريّ بنا نحن المسلمين أن نفخر بهذا الدين الحنيف ونعتز به ونثبت عليه.
أما بخصوص دعوة غير المسلمين فيمكنك أخي الحبيب أن تتابع هذه الروابط التي تضع أمامك أهم الخطوات اللازمة لدعوتهم ومخاطبتهم، وإذا لزمك غيرها فبادر وراسلنا، وسنعمل على تزويدك بما يسهم بمساعدتك وإخوتك في دعوة الآخرين من نصارى وغيرهم عملا بقول المولى جل في علاه {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر: 3).
=============
الدعوة في المدرسة.. أفكار وأنشطة
بسم الله الرحمن الرحيم..
نحن شباب من فلسطين المحتلة، نريد أن نبدأ إن شاء الله في مشوار دعوي ضخم، فنريد بعض الاستشارات مثلاً في تلك الموضوعات:
- كيفية إنشاء المجموعات الإسلامية الدعوية في المدارس الثانوية؟
- ما النشاطات التي تقترحونها للعمل في المدارس الثانوية؟
- نريد بعض الفتاوى التي تخص الشباب في سن المراهقة، ولكن فتاوى تكون شبابية.. أقصد أنها لا ينفر منها الشباب، بأن تكون بأسلوب سهل ولطيف.
- نريد بعض المقالات الذي تتحدث عن أهمية الشباب في الإسلام.
بارك الله لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
…السؤال
شباب وطلاب …الموضوع
مجموعة مستشارين…المستشار
……الحل …
…يقول الأستاذ مسعود صبري:
أخي الحبيب؛
شكر الله تعالى لكم هذا التفكير من شباب في مرحلة الثانوية، شغل نفسه وباله بالدعوة إلى الله، وهذه نعمة من الله تعالى لكم، فاشكروا الله تعالى أن هداكم للإيمان، واسألوه أن يثبتكم عليه..
لقد طلبت استشارات وفتاوى في ثلاثة مجالات: تكوين المجموعات الإسلامية، والأنشطة، والفتاوى.
وظني أنكم بحاجة إلى أفكار، وليس إلى استشارات وفتاوى، فلسنا بصدد عمل كتاب عن الدعوة في المرحلة الثانوية، ولكننا هنا نتحدث عن إجابة استشارة.
أما عن عمل المجموعات الدعوية في المدرسة الثانوية، فالأفضل دائما أن تكون المجموعات تلقائية، يعني أن ينخرط الدعاة أمثالكم في المجموعات المدرسية، كجماعة الإذاعة، والجماعة الثقافية، والجماعة الدينية، والجماعة الفنية، والجماعة الرياضية، وغيرها من الجماعات التي تنطوي تحت اتحاد المدرسة.. حتى تكون أفعالنا نتاجا طبيعيا للمجتمع الذي نحن فيه، وهو المجتمع الطلابي، وأن يكون تحت إشراف الأساتذة الذين تعينهم إدارة المدرسة، وأن يكون كل مدرس في مقام والد لكم تنشئون معه علاقة طيبة وتفتحون معه قلوبكم، وهذا شيء في غاية الأهمية، فالعلاقة مع المدرسين والإدارة يجب أن تكون موضع اهتمام منكم.
ومع هذا، لو رأيتم أن اتحاد الطلاب ليس فيه كل المجموعات التي تتمنونها، فيمكن لكم أن تقترحوا بعض المجموعات الأخرى، أو تقومون بها كأنشطة يمكن لكم ممارستها كطلاب بشكل طبيعي في مدرستكم.
وأحسب أن من أهم الضوابط في المجموعات والأنشطة أن تكون متنوعة، وأن تشاركوا الطلاب في النشاط الثقافي، والنشاط الفني، والنشاط الرياضي، وخاصة النشاط الفني والرياضي، لأن الدعوة ليست محصورة على الأشكال الدينية أو الثقافية فقط، إذ الإسلام منهج حياة متكامل، يستغل كل الطاقات الممكنة، ويفتح للناس آفاق الحياة بشكل واسع حتى يمارسوها بكل حرية مع الالتزام بالضوابط الشرعية، المهم ألا يكون هناك ممارسة نشاط محرم.
ولذلك يمكن اقتراح بعض الأنشطة الأخرى، مثل:
1- عمل مسابقات متنوعة في: الرسم، والشعر، والقصة القصيرة، والخط العربي، وغيرها من المجالات الأدبية والفنية.
2- عمل مسابقة لكأس المدرسة، تراعون فيه التزام الطلاب بالأخلاق الرياضية، وأن يكون ضمن الجوائز، جائزة أحسن أخلاق، ولا يعني هذا الالتزام بالعبادات، ولكن المقصود أفضل لاعب في السلوكيات.
3- عمل معسكر يومي خدمي لصالح المدرسة، تقومون فيه بأنشطة تخدم المدرسة.. من إصلاح المقاعد، وتنظيف المدرسة وتزيينها.
4- عمل جلسة صباحية للقرآن الكريم، ويا حبذا لو كانت مع مدرس التربية الإسلامية، لتعلُّم تلاوة وتجويد القرآن الكريم.
5- التنويع في الإذاعة المدرسية، بحيث تشمل جزءا دينيا، وآخر ثقافيا، ويمكن طرح بعض الأسئلة في المنهج الدراسي من باب حث الطلاب على المذاكرة.
6- عمل مجلة شبابية، تهتم بقضايا الشباب المتنوعة، ومناقشة بعض هذه الموضوعات أيضا في الإذاعة المدرسية، وكذلك في إقامة الندوات وغيرها.
7- والأهم من ذلك كله الدعوة الفردية والاقتراب من الطلاب ومصاحبتهم، وحثهم على فعل الخير والاجتهاد في الدراسة، وزيارتهم في المنازل، وإقامة علاقات جيدة معهم خارج إطار المدرسة قدر الإمكان، لأن هذا يجعلهم أكثر قبولا للدعوة داخل المدرسة.
* أما عن الفتاوى، فيمكن عمل الآتي:
1- تخصيص يوم أسبوعيا أو كل أسبوعين للفتاوى، حيث تدعون أحد المفتين عندكم، ويوضع صندوق لاستقبال الفتاوى، ويقوم أحد الطلاب منكم بقراءة الأسئلة ويقوم الشيخ بالإجابة عنها.(9/366)
2- اختيار بعض الفتاوى في الموضوعات المعاصرة، ووضعها في مجلة حائط.
3- طباعة بعض الفتاوى بشكل مختصر على هيئة مطويات، وتوزيعها على الطلاب، على أن تكون ضمن النشاط المدرسي، وبموافقة إدارة المدرسة.
4- إرشاد الطلاب إلى بعض كتب الفتاوى المكتوبة بشكل سلس وميسر، ويمكن أن تطلبوا من بعض المشايخ في الكليات عندكم أن يقوموا بعمل كتاب عن "فتاوى الشباب" تعالج القضايا الشبابية التي تعرض لكم في مجتمعكم من وجهة نظر الشرع.
وقبل ذلك وكله: إخلاصكم في الدعوة، واجتهادكم في الدراسة، وطاعتكم لله.. فإنها مفاتيح النجاح.
وفقكم الله تعالى، وتابعونا باخباركم.
وتضيف الأستاذة خلود المصري، الداعية الفلسطينية وعضو فريق الاستشارات:
أخي الكريم؛
أحيي فيك وفي إخوانك هذه الهمة المميزة للوصول إلى القطاع الطلابي، وهو أضخم القطاعات وأكثرها أهمية، لأن في الشباب الخير الكبير -كما ورد في الأثر- "ألا إن في الشباب ريح الجنة"، ولأنهم هم الغرس الذي سيؤتي أكله بإذن الله، ولأنهم أداة التغيير وإرث الجيل الذي تتعهده الأجيال.. فلابد من إتقان الغرس؛ إذ لا يخفى على أحد الطاقات المميزة التي يحملها هؤلاء الطلاب.. فإن لم تصرف بالحق فستصرف بالباطل لا محالة.. فمسألة تربية الشباب على معنى الإسلام الشامل، وتدريبهم كي يتحمَّلوا المسؤوليَّة، مسألةٌ لا ينكر أهمِّيَّتها إلا جاهل، فالشباب هم عماد أمَّتنا، وهم إن لم يتربَّوا على تحمُّل تبعات الدعوة فمن سيقوم بها عند موت "الكبار"؟
واهتمامنا بالشباب وإعدادهم للقيام بدورهم في تحمل تبعة هذا الدين ودعوته ليس أمرًا نبتدؤه الآن، لكننا نستقيه ونتعلمه من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، وما أكثر النماذج التي يمكن التعلم منها في هذا السبيل.. ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أكرم الشباب جلّ الكرم حين أخبرنا أن كثيرا ممن تحملوا أمانة تبليغ دين الله ودعوة الخلق إليه على مر العصور كانوا شبابا.. فهذا يحيى عليه السلام: (وآتيناه الحكم صبيا)، وذاك سيدنا إبراهيم حين أنكر على قومه عبادة الأصنام، فقالوا عنه: (إنا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم)، وهؤلاء أصحاب الكهف الذين اختبأوا من قومهم ولجئوا إلى كهف مظلم، قال عنهم ربنا عز وجل: (إنهم فتية امنوا بربهم وزدناهم هدى).. فهذه الفتوة المحببة التي تسعى للتغيير والبناء، وهؤلاء هم الشباب الذين تنبض بهم الحياة، وهم المبادرون دوما للعمل والإنجاز.
وللوصول إلى تشكيل تلك المجموعات، أقترح عليك بعض الأنشطة الممكنة التي تتيح لهؤلاء الشباب التعرف على تعاليم دينهم، وكذلك توجيههم إلى ما هو خير:
1- الإذاعة المدرسية؛ حيث يمكن استغلال هذا المنبر خير استغلال في توجيه الشباب وبث الوعي المطلوب لدى هذه الفئة.
2- عقد بعض اللقاءات أثناء الدوام المدرسي، وفي أوقات الفراغ إن وجدت، أو حتى قبل وبعد الدوام المدرسي لبعض الطلبة المميزين، ويتميز هذا اللقاء بطرح بعض المواضيع للنقاش بين الطلبة، حيث يكون التحضير في كل مرة على طالب منهم، ومن المهم أن تكون المواضيع في البداية خصوصا تهم الشباب وتمس قضاياهم ومشكلاتهم ورأي الإسلام فيها.. أو عرض بعض القصص للصحابة ومآثرهم وبطولاتهم، ومن الكتب الجيدة بهذا الموضوع كتاب "رجال حول الرسول" للأستاذ خالد محمد خالد.
3- استغلال المناسبات الإسلامية لإقامة بعض الاحتفالات وتجميع الشباب مثل ذكرى الإسراء والمعراج، والمولد النبوي.
4- متابعة ورصد بعض التواريخ للأحداث المهمة في تاريخ الأمة على المستويات المختلفة، وكتابة مطويات بهذا الصدد وتوزيعها على الطلاب لأخذ العبرة منها.
5- إيجاد قواسم مشتركة يحبها الطلاب مثل الرياضة والمسابقات والأنشطة العامة وربطهم بمنتدى ثقافي طلابي.
6- كما أنك تستطيع تجميع الأحاديث المتعلقة بالشباب وأهمية دورهم في مجتمعهم ومدارسهم وأسرهم، ووضع ذلك في نشرة خاصة لشحذ همهم وتحفيزهم للعمل والعطاء.
7- وبعد ذلك تستطيع أنت الانتقاء من هؤلاء الطلاب وتشكيل النواة التي يمكنها أن تعينك وتساعدك في الدعوة في المدرسة وهكذا.. وستجد الكثير من الطلاب لديهم الاستعداد لخدمة الإسلام ونشره والمساهمة في البناء.
وفي النهاية نقول:
عليك –أخي- الاستعانة بالله عز وجل أولا وأخيرا، وطلب التوفيق منه سبحانه، والإخلاص والتجرد في العمل لإرضائه وابتغاء وجهه.
كما أن العمل لا يكون إلا ضمن مجموعة، فليكن معك من الطلاب من يحمل الهمّ مثلك لتتعهد أنت وإياه مثل هذا المشروع، فالمساندة والمساعدة وتعاضد الجهود من أسباب النجاح. وأوصيكم بقراءة بعض الكتب الموجهة إلى الشباب:
"إلى الشباب" الدكتور عبد الله ناصح علوان، و"جيل النصر المنشود" للدكتور يوسف القرضاوي، و"إلى الشباب" للأستاذ حسن البنا.
والسلام عليكم ورحمة الله
===============
مسئولة جديدة: أين الطريق للتميز؟
أنا مسئولة عن فريق مكون من 50 فردا، نقوم بأعمال خيرية في الجامعة، مع العلم بأن أعمارهم مختلفة، كل في سن الكلية، والمشكلة تكمن في أني مسئولة جديدة، وقد رأيت مسئولات قبلي، ولكن لم أرهن يفعلن شيئا يذكر لهن، على العكس فقد كانت لهن أخطاء؛ فإحداهن كانت محبوبة جدا جدا، وكان الكل ينظر إليها نظرة إعجاب فظيع؛ فكان حبهن لها حبا شخصيا جدا، وبعد ما نقلت المسؤولية لمن بعدها أصبح الكل غير معترف بهاتين المسئولتين، ويرون أن ليس هناك مسئولة مثل التي كانت قبلهما.(9/367)
وأنا الآن معهن.. فكيف بالله عليكم أُذهب هذا الفكر عنهن، وأجعلهن يحببني ويحببن عملهن دون تذمر، أعطيناهن مثلا محاضرات في أهمية العمل الذي يقمن به، وأن الحب لا بد أن يكون في الله.
الأمر الثاني: أني نفسي أرفع من مستوى أفرادي وبمركز الجمعية، خاصة كما قلت أنهن فتيات وشباب جامعيون، ولكن أنا مسئولة عن الفتيات فقط. فبالله عليكم أرشدوني في أسرع وقت؛ فأنا عليَّ الآن أن أضع الخطة التي سيسير عليها الفريق.
الأمر الثالث: ما هي الطريقة المثلى في التعامل معهن، خاصة أنهن لا يعملن ولا يقلن ما يواجههن من مشاكل إلا إذا أحببن المسئولة.
كل التصرفات تحت يدي أنا فكيف أجذبهن لي؟ وشكرا. …السؤال
الدعوة العامة, الدعوة النسائية …الموضوع
الأستاذة إيمان المصري…المستشار
……الحل …
بسم الله الرحمن الرحيم
أختي الحبيبة في الله، إنه والله لفضل عظيم أن وفقك الله لما أنت فيه؛ بأن جعلك من جنود الدعوة، وقدمك مع تلك الأمة الداعية إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة التي قال سبحانه وتعالى فيها: {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104).
وبعد.. فإنه امتحان يثبت فيه من يشاء بصدق القلوب التي لا يطلع عليها إلا هو؛ فكوني على انتباه وحذر شديد؛ فإنك مثال لإخوانك وأخواتك، ونصيحتي لكِ أن تبقي على متابعة وحرص شديد على إيمانياتك وتربيتك لنفسك؛ فكثرة الأعباء تُنسي حق الإنسان على نفسه، ومع الزمن يكبر التقصير بحقها؛ فتصدأ كما يصدأ الحديد لقحط أصاب نبعها.
أما زادك أنت فأنصحك أن لا تنامي إلا بعد أن تأتي به جميعًا مهما بلغ التعب منك: ورد القرآن، والأذكار، وقيام الليل، واستغفار الأسحار.. متى داومت على ذلك دمت على خير بإذن الله.
بعد توليك مسئوليات القيادة للمجموعة التي أنت فيها أدعوك للجلوس مع الله والبدء من إخلاص النية، صلي ركعتين بعد أن تسبغي الوضوء، وتستشعري أنك طهرت روحك وبدنك من الأوساخ الدنيوية، ثم ناجي الله -سبحانه وتعالى- وصححي النية؛ فبداية المنطلق لا يكون إلا بنية صحيحة خالصة لله عز وجل، خالية من الشرك والرياء، واسأليه سبحانه أن يبارك لك بعلمك ودعوتك، وأن يعينك على حمل هذه المسئوليات الثقيلة، ويجعلك خير مثال، ونعم السند لهذه الدعوة المباركة.
أختي الحبيبة، في استشارتك طرحت النقاط التالية:
1. أن المسئولتين التين كانتا قبلك لم تحسنا إدارة الدعوة كما يجب.
2. محبة إحدى الإداريات سابقًا بشكل مبالغ فيه أدى للتعامل مع اللواتي أتين بعدها بفتور.
3. كيف يحبك من حولك؟
4. كيف ترفعين من مستوى العمل والجمعية؟
5. كيف تضعين خطة سنوية؟ أفكار ووسائل.
6. كيف تكسبين ثقة من حولك وتحثينهم على العمل بجدية ضمن مساحة من التعبير عن مشاكلهم؟
النقطة الأولى:
لقد ذكرت في بداية استشارتك أن الأختين اللتين قبلك لم تُحسنا العمل برأيك، ولنا هنا وقفة أختي الحبيبة، نحن رهط الدعاة إلى الله -سبحانه وتعالى- كالمزارعين؛ علينا أن نجتهد في الحرث والزرع، أما الثمر فالله وحده المتكفل به.
إن سيدنا نوح -عليه السلام- ظل يدعو قومه زمنا طويلا بالليل والنهار، والجهر والإسرار، ومع ذلك لم يؤمن معه إلا قليل.. فما الحكمة؟! يعلمنا الله -عز وجل- أن الداعية عليه أن يعمل فقط، أما النتيجة فالله قد تكفل بها، وليس لنا من الأمر شيء، ما علينا إلا الاجتهاد قدر الاستطاعة.
لذا لا أوافقك الرأي في تقييم عمل السابقات من أخواتك بهذه النظرة السلبية؛ فلعل الله قد تقبل منهما، وبارك بعطائهما، ولا نحكم بالظاهر، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، وإن أستأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع" (صحيح البخاري). لعل الله يا أخيّة قبل أعمال السابقين من أهل الإيمان، وإن كانت النتائج التي نراها من بعضهم قليلة.. فلسنا قضاة، وما نحن إلا دعاة والأمر لله من قبل ومن بعد!.
قد تكون الأسباب خارجة عن إرادتهن، وليس لها علاقة بنوعية عطائهن، وقد تكون منهن لقلة إدراكهن وضيق تفكيرهن أو عدم كفاءتهن وغير ذلك من الأسباب.
وبعد التكليف بالواجب الجديد علينا أن نستدرك ما فرط به غيرنا، والتقدم إلى الأمام، ونحن نسأل الله مرددين في كل سكنة لنا: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا في الإيمان، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين. ابدئي من حيث انتهين، وتعلمي من الأخطاء السابقة والتجارب، وتقدمي للأمام متناسية أسماء الشخصيات التي سبقتك.. فقط ركزي جهدك على ما عليك من مسئوليات.
النقطة الثانية:
من أخطر ما يلاقي الدعاة هو التصرف مع المراكز والشخصيات بشكل شخصي، جميل أن نسخر المحبة والقبول عند الناس للدعوة إلى سبيل لا أن نجعل المحبة تذهب بنا عن الدعوة؛ فننشغل بالعلاقات الشخصية عن هدفنا وغايتنا السامية التي كُلفنا بها.(9/368)
الخطأ ليس من المسئولة التي كانت محبتها تغمر قلوب اللاتي حولها؛ فهذه نعمة وفضل من الله سبحانه وتعالى، يهبه لمن يشاء، لكن التعامل خاطئ من الناس أنفسهم، ومن المسئولات السابقات بعدم عملهن؛ ربما لكسب محبة الناس من حولهن، واستسلامهن لتعلق القلوب بواحدة سبقتهن، إن المحبة تُغرس غرسًا في قلوب الناس بأساليب ووسائل؛ لذا سُمي القلب قلبًا لسرعة تقلبه، وهذا دليل على أن المحبة قادرة على الزيادة والنقصان. ويمكننا تعلم أساليب ومهارات تقربنا من الناس، وإنما العلم بالتعلم، وهناك من الأمثلة السريعة التي يمكن أن تركزي عليها خلال تعاملك مع المجموعة التي تعملين معها، خاصة والناس عامة لتكسبي محبتهم مثل:
- أحبي الناس من قلبك دون تكلف، بصدق وشفافية... محبة لله وفي الله، وستجدين انعكاس هذا الشعور عند الآخرين.
- التبسم بوجه الناس من أكثر الأساليب تأثيرًا على الآخرين.
- تواضعي للناس وعامليهم بالحسنى.
- اقضي الحاجات، وامنحي الناس من حولك اهتمامك كله في كل حديث أو لقاء بلا إفراط ولا تفريط.
- شاركيهم وتعاوني معهم، وإياك أن تحتكري الأمور وحدك؛ بل اجعلي التعاون أساس كل عمل، صغيرا كان أم كبيرا.
- احرصي على الأدبيات في التعامل مع الناس كالاعتذار والاستئذان.
- تكلمي مع الناس بإيجابية؛ بحيث تركزين على كل إنجاز قام به أحدهم، وإن كان هناك تقصير فاحرصي على النصح سرًا؛ فإن ذلك يوجب الاستيعاب والتقبل لحساسية النفس البشرية وعدم تقبلها النقد علنًا.
- شاركي من حولك أحزانهم وأفراحهم، واحرصي على عقد الأخوة ألا ينفرط.
وكلي ثقة أنك متى صدقت بالتعامل معهم من قلبك بصدق وشفافية سيعينك الله، وسيزرع محبتك في قلوبهم دون عناء ولا تعب.. فقط اصبري، وتحملي منهم ما قد تلاقين من أذى أو تقصير، وكوني من أصحاب القلوب الكبيرة التي تتعالى عن الصغائر من الأمور.
ويفيدك في هذا الأمر الاطلاع على الاستشارات التالية:
- الارتباط بالداعية.. "أفإن مات أو قتل.."!
- الإدارة الواعية للعلاقات الدعوية
-أخوة أم ارتباط شخصي؟.. هذه هي المقاييس
النقطة الثالثة:
لقد عرضت بعض الأفكار للحث على الأخوة والحب في الله، وهذا شيء طيب أشجعك على الاستمرار به كي يتم التركيز على هذه المعاني الرقيقة التي تُشكل أرضنا الصلبة التي منها ننطلق بدعوة الناس إلى سبيل الله. وللأسف فقد غفل الكثير من أبناء الصف الإسلامي عنها؛ فكم نفتقر في جلساتنا إلى تلك المشاعر الأخوية والإحساس بصفاء القلوب ونقائها من شوائب الحسد والحقد والغيرة.
وأقترح عليك أن تأخذي مع مجموعتك التي تقودينها بعض المحاضرات في مجال المهارات الحياتية التي تتناول موضوع التواصل الناجح؛ بحيث تشمل بعض الفعاليات التي توثق العلاقة بين المجموعة الواحدة ونشاطات أخرى مثل:
- القيام ببعض الطاعات سوية مثل: صيام نافلة والإفطار سويًا، صلاة الجماعة، تلاوة القرآن...
- القيام ببعض الفعاليات للترفيه مثل: الخروج بنزهة، اللعب سويًا...
- الزيارات الفردية والجماعية.
- الهدايا الرمزية؛ فالهدية تؤلف بين القلوب.
- التواصل عن طريق وسائل الاتصال (كالهاتف والبريد الإلكتروني والماسنجر) للتواصي بالحق والصبر وزيادة الصلة الأخوية؛ فمثلا: كتابة رسالة هاتفية لأخت لك بأنك تحبينها في الله تنبع من قلبك لها تأثير السحر الحلال على قلبها.. تؤلف بين القلوب، وتزيل كل شائبة بأسلوب رقيق يؤثر في النفس بشكل سريع.
ويفيدك هنا الاطلاع على:
- مشروع دعوي لإحياء الأخوة
- عند فساد الأخوة.. ابحث عن العظمة الحقيقية
- هل الدعوة ضرة الأخوة؟!
النقطة الرابعة:
أما بالنسبة لما تفضلت به حول نيتك رفع مستوى المجموعة والجمعية؛ فذلك بدايته بتطوير ذاتك، وإدارة أمورك ودعوتك بشكل سليم وفق مبادئ التخطيط، وبناء على مبدأ المحبة، وكل ذلك يُثمر نتائج مبدعة وأفكارا جديدة، وبهذه الطريقة سترتقين بنفسك أولا، ثم بالمجموعة ثانيًا، وبالجمعية ثالثًا، وبالدعوة أولا وأخيرًا.
تعالي نعرج على بعض الأمور سريعًا حتى تكون عندك فكرة عن العمل الدعوي وكيفية إدارته:
* إن الإدارة هي علم وفن يبحث في كيفية التعامل مع الآخرين للحصول على استجابات جيدة منهم، والهدف هو تسخير جميع الطاقات البشرية والمادية لتحقيق هدف لجماعة أو مؤسسة أو جهة معينة. وبصفتك المسئولة إداريًا فإن وظيفتك تكمن في استغلال القدرات الكامنة بالأفراد وتوزيعها بشكل يخدم الدعوة إلى سبيل الله وغايتك بذلك مرضاة الله عز وجل.
* الوظائف الخمسة للإدارة:
- التخطيط: وهو عملية النظر إلى المستقبل، وتحديد الهدف، ومعالم الطريق للوصول إلى الهدف. لذا فنقطة البداية هي وضع الهدف أمامك وأمام مجموعتك، وهو: مرضاة الله عز وجل. ومنه تتفرع الأهداف المرحلية مثل: بناء أمة ناجحة، قيادية وغير ذلك.
بعد وضوح الهدف عليك دراسة الوضع الحالي بجامعتك كـ: مستوى الأخلاق، الالتزام، عدد الأفراد، عدد العاملين، الموارد البشرية والمادية.. وغير ذلك. ثم البدء ببناء خطة حسب الأولويات.
- التوجيه: وهو عملية اتصال بين القائد والعاملين لتحفيزهم، ورفع معنوياتهم، وتنمية التعاون الاختياري بينهم لتحقيق الهدف المرجو. وهنا عليك الاهتمام بالتوجيه الإيجابي لا السلبي؛ بحيث تشجعين الأفراد وتدعميهم، وبذات الوقت لا تتهاوني بتقصيرهم بل حاسبيهم محاسبة معتدلة.(9/369)
- التنظيم: وهو عملية تحديد المسئوليات والسلطات، والعلاقات بين الأشخاص والمستويات الإدارية بقصد تحقيق الأهداف. وهذا جزء مهم، من خلاله يتم توضيح الواجبات والمسئوليات على كل فرد، كما أنه من الأهمية بمكان توضيح المبنى الإداري للمسئولين عنك للمجموعة التي تعملين بها؛ حتى تكون الأمور واضحة لهم؛ بحيث إذا حصلت مشكلات في المستقبل يعلمون من يرأسك وكيفية الاتصال والتوجه إليه.
- الرقابة: وهي عملية الكشف عمّا إذا كان كل شيء يتم وفق الخطط الموضوعة والتعليمات الصادرة والمبادئ السارية، وتهدف العملية إلى الوقوف على نواحي الضعف وأماكن الخلل. والرقابة من واجب المسئول الإداري؛ بمعنى أنه يترتب عليك مراقبة العاملين معك، والمسئولون عنك يراقبونك، وعلى المسلم أن يستشعر أن الله هو الرقيب على كل أعماله وأفعاله.
-التوظيف: أي التطوير والتدريب.
وهذه بعض الأفكار لبدء العمل من ناحية تنظيمية وإدارية:
- قومي بعمل اجتماع تعارف قبل بداية السنة الدراسية، وحاولي التركيز بهذا الاجتماع على الجانب الأخوي والإيماني؛ بحيث تركزين على أن المحبة أساس ديننا، وحريّ بالدعاة أن يدعوا للحب بالحب. وحاولي أن تشحذي همم الأخوات، وتشجيعهن من خلال ذكر فضل الدعاة وأجرهم الذي وعدهم الله به.
- بعد الجلسة الأولى يتم تعيين جلسة ثانية لتقسيم العاملات إلى لجان مثل:
اللجنة الدعوية، واللجنة الإعلامية، واللجنة المالية... وتعين على كل لجنة مسئولة، وبهذا تتشكل إدارة تكونين أنت المسئولة عنها، وتكون المشاركات فيها مسئولات اللجان؛ بحيث يسهل ترتيب الأمور، وتوزيع المسئوليات بعد ذلك.
- وكلي كل أخت مسئولة عن لجنة ببناء خطة واقتراحات للسنة الدراسية القادمة، وباشري مناقشتها بعد الانتهاء من ذلك.
- لا تغفلي عن جميع العاملات؛ بحيث تحافظين على لقاءات ثابتة معهن، وجيد أن تكون كأقل تقدير مرتين شهريًا.
- اطلبي من المسئولة عنك أن تكوني باتصال مع داعية لها باع طويل في الدعوة، ولها خبرة في العمل الطلابي؛ وذلك لتتابع وتكون لكِ سندًا.
أما عن الأفكار والمشاريع التي يمكن أن تعملي عليها؛ فهذا بعض مما عرضناه في استشارات سابقة:
- فعاليات ومهرجانات في المناسبات الدينية والوطنية مثل:
* مهرجان ذكرى المولد النبوي الشريف.
* مهرجان ذكرى الهجرة النبوية.
* محاضرة إيمانية عن ذكرى الإسراء والمعراج.
* احتفال بعيد الفطر والأضحى.
* محاضرات رمضانية.
- مناشير ومطويات:
* افتتاح السنة الدراسية.
* كيف تستقبل رمضان؟
* أدعية الامتحانات.
* أذكار الصباح والمساء.
* أذكار النوم.
* نشرة تعريفية عن المسجد الأقصى المبارك.
* مطوية في موضوع تطوير الذات.
* نشرة تعريفية بالمناسبات الوطنية في شهر أكتوبر.
* الصلاة، القرآن، الذكر.
- فعاليات ونشاطات:
* درس ديني أسبوعي مفتوح للجميع.
* دورة في علوم الشريعة للكادر العامل في الدعوة.
* مؤتمر طلابي يناقش القضايا الطلابية، يكون على أكثر من يوم، يقوم الطلاب فيه بتحضير المحاضرات وإلقائها بأنفسهم، بالإضافة إلى لقائهم مع الدعاة الكبار والعلماء الأفاضل.
* رحلة لجميع الطلاب والطالبات، على الأقل مرتين في الفصل.
* مساعدة الطلاب الجدد في بداية السنة.
* محاضرات في تطوير الذات، كيفية التغلب على العقبات الدراسية، التفوق، القراءة وتنمية الثقافة.
* محاضرات سياسية وفكرية في مجالات مختلفة.
* إفطار جماعي في رمضان.
* مسابقة الشريط الإسلامي: توزيع شريط وكتابة أسئلة عليه لتسويق الشريط الإسلامي.
* مسابقة الكتيب الإسلامي: توزيع كتيب وكتابة أسئلة عليه لتسويق الكتيب وتنمية القراءة.
* مسابقة لحفظ سورة قرآنية معينة يتم اختيارها حسب ما ترونه مناسبًا.
* تكريم المتفوقين من الطلاب الجامعيين في حفل منظم على نطاق الجامعة.
* فعاليات تطوعية تهدف لتنمية الحس التطوعي، وواجب خدمة المجتمع مثل: جمع الملابس، طرود غذائية، محو الأمية، زيارة الأرامل، مساعدة اليتامى، زيارة المرضى.
هذه بعض الأفكار والاقتراحات؛ فما أصبت فمن الله، وما أخطأت به فمن الشيطان ومن نفسي.
ونسأل الله لكِ التوفيق والسداد في هذه المهمة؛ فاستعيني بالله ولا تعجزي.
وتابعينا أخبارك.. ولكِ منا خالص الدعوات.
===========
ضوابط "الاختلاط" بين الإخوة والأخوات
لا يخفى عليكم مشاركة المرأة في العمل الدعوي.. ولذلك نرجو منكم توضيح الضوابط الحاكمة للعلاقة بين الإخوة والأخوات في العمل الإسلامي من حيث المتابعة والتنسيق وتنفيذ الأعمال والتخطيط لها وحضور اجتماعات تنظيمية مشتركة بين الجنسين، وما يصاحب ذلك من كافة صور العمل المشترك بين الإخوة والأخوات؛ حيث حدثت مشاكل أسرية وعائلية بسبب تلك المشاركة ولم تحسم الأمور بشكل جيد.
وجزاكم الله خيرا.
…السؤال
قضايا وشبهات, الدعوة العامة …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
…يقول الشيخ عصام الشعار:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الدعاة وسيد المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته إلى يوم الدين، وبعد..
أخي الكريم، الفيصل في الإجابة عن سؤالك هو الحكم الشرعي، وسأرجئ بيانه بعد هذه المقدمة؛ لأن الوقوف عليها -في تقديري- من الأهمية بمكان لا يقل عن أهمية معرفة الضوابط الحاكمة للمسألة التي نحن بصددها..
ومقدمتي بين يدي إجابتك ستكون عن الصورة الذهنية التي رسمناها عن الالتزام، والتناقض الذي نقع فيه حين ننظِّر أو نعرض الفكرة الإسلامية، وتطبيقنا لهذه القناعات الفكرية والنظرية على أرض الواقع.(9/370)
فمن المؤسف أنه قد انطبعت في الأذهان صورة عن الالتزام، أصبح الخروج عليها يُنقص من التزام المرء وتدينه، ومرد الأمر يرجع إلى أننا توارثنا هذه الصورة، وتعمق إيماننا بها لقلة البضاعة في العلم الشرعي أحيانا، وللموروث الثقافي والاجتماعي أحيانا أخرى، ولا ضير أن يختار كل إنسان لنفسه الطريقة التي يحلو له أن يعيش بها، شريطة ألا يخرج عن إطار الشرع، ولكن المشكلة أن نختزل الإسلام أو الالتزام -إذا صح التعبير- في هذه الصورة، وأن نعد الخروج عليها انحلالا وتسيبا، وسأسوق طرفا من الأمثلة التي عايشتها بين شرائح مختلفة في أوساط الملتزمين -وهي كثيرة- لتتضح الفكرة التي أريد أن أقف عندها.
فمن الأمثلة على ذلك: تحدثت إليَّ إحدى الأخوات بأنها ملتزمة باللباس الشرعي، ولكنها وجدت نكيرا عليها من أخواتها بسبب أن غطاء الرأس ليس بالصورة التي ألفها الأخوات (الخمار بصورته المعهودة)، واعتبروا أن هذا لا يليق بأخت ملتزمة، فضلا عن أن تكون في ركاب العاملات للإسلام، وأن هذا سيجرئ غيرها على التبرج من باب أولى!!.
مثال آخر: أحد الأصدقاء أعرفه جيدا وهو من شباب الصحوة، ومن طلاب العلم الشرعي، تقدم لخطبة أخت لم يكن يعرفها من قبل، والظروف كانت تحول دون أن يتم اللقاء بينهما في حضور الأهل ليتعرف كل من الطرفين على ما يحمله على الإقدام أو الإحجام؛ فكانت وسيلة التعارف هي الهاتف، ولكن هذا الأخ فوجئ بأخ يعيش معه في مسكنه ينكر عليه هذا السلوك، واعتبر أن الحديث بينهما مخالفة شرعية، وأن هذا السلوك لا يليق بداعية إلى الله!.
ولم يكتف الأخ بنصحه؛ بل صعَّد الأمر فإذا بأخ له يكبره سنا ومقاما يتصل بصديقي هذا، وحين ذهب إليه فوجئ أنه يتكلم معه في أمر حديثه مع هذه الأخت التي عزم على خطبتها، وأصبح الإنكار على صديقي هذا سرا وعلانية(!!) وصديقي هذا لم يعبأ بالأمر؛ لأنه يقف على الحكم الشرعي، ولم يجنِ من وراء ذلك إلا جرحا غائرا، وما خلفه ذلك في نفسه من أثر بالغ السوء!!.
والأمثلة التي عايشتها كثيرة، وأنا لا أضيق ذرعا ولا أنكر على من يفعل ذلك إذا كان دافعه إلى موقفه ذلك الجِبَِلَّة والطبع أو تربيته وثقافته؛ فلا أجد في صدري أدنى غضاضة من هذا، ولكن الذي يحزن ويؤلم هو أن نصبغ الصبغة الشرعية على هذه الفعال، وليس هذا فحسب بل نعتبر ما عداها خروجا عن الشرع!.
فالفكرة التي أؤكد عليها هي أنه ليس كل داعية مؤهلا للوصول إلى الحكم الشرعي فيما يعرض له من حوادث وقضايا ومواقف مختلفة، ومن ثم عليه قبل أن يتخذ موقفا مسبقا أو يسارع بإصدار حكم ما.. عليه أن يتروى لمراجعة أهل الذكر ليعرف حكم الله فيما بين يديه ومن ثم ينزل عليه، فإذا كان الأمر في دائرة المباح فلا حرج أن يختط كلٌ لنفسه ما يرى فيه صلاحه وصلاح من حوله ممن ولي أمرهم.
ولكن ثمة قيمة حاكمة ونحن نتعامل مع الآخرين يجب مراعاتها وعدم الخروج عليها، وهذه القيمة هي قاعدة هامة من القواعد التي قررها الفقهاء، وبنوا عليها كثيرا من الأحكام، وهي قاعدة "لا إنكار في المختلف فيه، إنما الإنكار في المجمع عليه".
قال الشيخ محي الدين النووي في منهاجه: "أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، وليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نص القرآن أو السنة أو الإجماع".
ولا شك أن مجتمع القدوة بحق الذي لا يختلف عليه اثنان هو صدر الدولة الإسلامية في عهدها الأول؛ حيث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، ولا شك أننا بحاجة إلى مدارسة السيرة مرارا وتكرارا لنتعلم كيف كان يحيا هذا الجيل بالإسلام.
وأسوق موقفين كانا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علنا نجد فيهما عبرة:
الموقف الأول: قصة سلمان الفارسي مع زوجة أبي الدرداء، والقصة عند البخاري: "آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا.
فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ الآنَ، فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَدَقَ سَلْمَانُ"..(9/371)
والشاهد الذي أريد أن أقف عنده هو حوار سلمان مع أم الدرداء -رضي الله عنهما- فقد رآها على هيئة لا تليق بامرأة متزوجة، فأفصحت له عن أدق الخصوصيات التي تكون بين الأزواج بطريقة مهذبة وعبارات ليس فيها ما يخدش الحياء، وفهم سلمان الرسالة، ثم كان ما كان، بل تم تصعيد الأمر حتى بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأقر سلمان على ما فعله مع أبي الدرداء، فلم ينكر رسول الله ما فعله سلمان، ولم يقل له: "كيف وأنت من صحابتي تتحدث في مثل هذه الأمور الخاصة؟"، ولم ينكر أبو الدرداء على زوجته حديثها مع صاحبه، فما دام المرء لم يخرج عن سياج الأخلاق والفضيلة التي خطها لنا الإسلام.. فليس هناك ما يدعو للخوف أو القلق..
وتخيل معي -أخي الكريم- لو أن مثل هذا الحوار حدث في أوساطنا اليوم، لا أتخيل ماذا يمكن أن يحدث، ولكن الذي أنا على يقين منه هو أننا لسنا بأغير على الحرمات، ولا أحرص على الدين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الموقف الثاني: قصة ضيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
"جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلا مَاءٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ؛ حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ "لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلا مَاءٌ"، فَقَالَ: مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللهُ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لا إِلا قُوت صِبْيَانِي. قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئْ السِّرَاجَ، وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ.
قَالَ: فَقَعَدُوا، وَأَكَلَ الضَّيْفُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ" رواه مسلم.
والشاهد الذي أريد أن أقف عنده هو جلوس زوجة هذا الصحابي مع هذا الضيف على مائدة الطعام، الذي لم تربطها به قرابة أو مصاهرة؛ بل لم تكن تعرفه من قبل، ومع هذا لم يمنعها دينها من جلوسها معه على مائدة واحدة.
وعلى النقيض من هذا تماما نجد أن مثل هذه الصورة قد انطبعت في أذهان البعض أنها ليست من الإسلام؛ فكثيرا ما أسمع في أحاديث الدعاة: "نريد أفراحنا إسلامية"، وخصائص الحفل الإسلامي هو أن يخصص مكان للرجال ومكان للنساء.. فهل اختلاط النساء بالرجال على الموائد في المناسبات المختلفة مع التزام الجميع بما أمر الله به بدعة منكرة، ويتنافى مع أخلاق الإسلام؟!!
وبعد هذه التقدمة أرجع إلى سؤالك فأقول:
كثيرا ما يتكرر السؤال عن حكم اختلاط النساء بالرجال في الأفراح والحفلات، وما حكم اختلاط الإخوة والأخوات في الجلسات الإدارية وفي اللقاءات العامة ونحوها من الأسئلة؟.
ولكن العجيب أنه لم يسألنا أحد عن حكم خروج زوجته إلى السوق، وحكم تعاملها بالبيع والشراء مع ما يقتضيه هذا من حديث مع الباعة؟ ولا أعلم لماذا؟!.
فهل أصبح الاختلاط في الأسواق ووسائل المواصلات أكثر أمانا من جلوس الأخوات في محافل الأخوة، أم أنها ثقافة تربينا عليها، ونريد أن نفرضها واقعا في حياتنا ليس هذا فحسب بل ونجعلها دينا؟!.
ومع هذا أقول: اختلاط الأخوات مع الإخوة في المحافل العامة والخاصة أمر جائز ولا حرج في ذلك، المهم ألا نتكلف الأمر ونسعى إليه، فإذا وجدت حاجة تدعو إلى تواجد الأخوات مع الأخوة في أي محفل -دون تكلف- فلا حرج في ذلك، والواجب هو مراعاة أخلاق الإسلام وآدابه، ومن ذلك:
1- التزام الأخوات باللباس الشرعي؛ فيجب:
أ أن يكون اللباس ساترا لجميع البدن عدا الوجه والكفين.
ب- أن يكون واسعا فضفاضا لا يبرز، ولا يحدد أجزاء الجسم.
ج- أن يكون سميكا، لا يصف ما تحته، ولا يشف.
د- ألا يكون من الملابس الخاصة بالرجال.
هـ- ألا يكون زينة في نفسه حتى لا يبطل المقصود به؛ فإن الحجاب شرع لوأد النظرة المشبوبة، فإن أظهرت المرأة زينتها سواء أكانت الزينة في اختيار لون للحجاب يلفت أنظار الرجال، ويسترعي فضولهم، أو في إظهار زينة الحلي، أو في اتخاذ عطور لها رائحة؛ فإن ذلك يجعل المرأة متبرجة حتى لو كانت لا تظهر سوى الوجه والكفين.
2- أن نغض من أبصارنا، فلا نطلق الأبصار لغير حاجة.
3- وأن يكون الحديث جادا أو كما سماه الله تعالى {وقلن قولا معروفا}؛ فلا خضوع في القول ولا خنوع.
4- تجنب كل ألوان الإثارة سواء بالقول أو الفعل.
5- أن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة، وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف أو توسع يخرج المرأة عن فطرتها الأنثوية، أو يعرضها للقيل والقال، أو يعطلها عن واجبها المقدس في رعاية البيت وتربية الأجيال.
فإذا دعت حاجة لمثل هذه اللقاءات دون أن نتكلفها أو نسعى إليها فلا حرج في ذلك، ولكن إذا لم يكن هناك ما يدعو لتواجد الأخوات مع الأخوة فليس هناك ما يدعو لتكلف مثل هذه المجالس؛ فالأمر منوط بالحاجة.(9/372)
ولا شك أنه إذا كان بالوسع إفراد الأخوة بمجلس خاص والأخوات بمجلس خاص فلا شك أن هذا أفضل وأحسن، ليس لحرج شرعي، ولكن كلنا يعلم أن الرجال لهم لغة فيما بينهم وحديثهم الخاص، والنساء لهن حديثهن الخاص؛ فحتى يجد الجميع راحته في المجلس ولا يجد حرجا في مجلسه أو في حديثه؛ فإن تيسر إفراد كلٍ في مكان فهذا خير وإلا فالأمر فيه سعة..
وختاما أسأل الله تعالى أن يستعملنا لخدمة دينه ولا يستبدل بنا {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد: 38).
==============
أريد دعوتها ولا أجيد لغتها!
لي زميلة في العمل وهي إنسانة جيدة، وأريد أن أدعوها إلى الإسلام، وهي لا تجيد سوى اللغة الروسية، وأنا لا أجيدها.
أرجو إرشادي إلى ما يجب عمله ولكم الثواب من الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
…السؤال
دعوة غير المسلمين …الموضوع
الدكتور محمد محمود منصور…المستشار
……الحل …
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد..
شكر الله لكم، وجزاكم خيرا كثيرا على حبكم لإسلامكم وحرصكم عليه وعملكم به وله.
أخي الحبيب..
"لغات الدعوة" كثيرة متنوعة..
أهمها بالطبع لغة اللسان.. لكن إنْ افتقدها الداعي؛ فهناك لغات أخرى غيرها متعددة مؤثرة، يمكنه من خلالها أن يدعو لله وللإسلام، منها: "لغة العيون"، "لغة الإشارة"، "لغة القدوة"، "لغة القلوب".."لغة العمل"...
وكلها لغات مفهومة لدى جميع الخلق؛ بحيث لو تعثر اللسان، انطلقت هي تنشر الدعوة والخير والسعادة.. وكلها أجادها واستخدمها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من قبل.
** فلغة العيون تشمل:
- نظرة الحب والحنان: من أجل بدء التواصل مع المدعوين.. فقد كان الصحابة الكرام يقولون عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ".. كان يُقبِل علينا كأنَّ وجهه فلقة قمر.. " (جزء من حديث أخرجه الطبراني).
- نظرة الاستبشار والتفاؤل والأمل: من أجل جذبهم ليكونوا مثله مستمسكين بإسلامهم يعيشون به الحياة مستبشرين متفائلين فيسعدون فيها، ثم في آخرتهم.. يقول -صلى الله عليه وسلم- في هذا: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق" (أخرجه مسلم)، وطلاقة الوجه هي تهلله وبشاشته واستبشاره.
- نظرة التشجيع: من أجل حثهم على المزيد من الخير.. كما فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع الغلاميْن المجاهديْن معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ ابن عفراء اللذين ضربا أبا جهل بسيفيهما حتى قتلاه في غزوة بدر فأتياه-صلى الله عليه وسلم- فقال: "أيكما قتله؟"، فقال كل واحد منهما: "أنا قتلته"، فنظر في السيفيْن فقال: "كلاكما قتله" (أخرجه البخاري).
- نظرة التفكر والتدبر والإصلاح: من أجل اختيار أنسب وسائل تغيير الخلل فيهم وفي مجتمعهم.. كما يفهم ضمنا من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل ابتنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة؛ فكان من دخلها فنظر إليها قال: ما أحسنها إلا موضع اللبنة؛ فأنا موضع اللبنة فختم بي الأنبياء" (أخرجه البخاري ومسلم).
- نظرة التوضيح والشرح: من أجل عونهم على حسن الفهم والعمل.. فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جلوسا فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: "إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر.." (جزء من حديث أخرجه البخاري ومسلم).
- نظرة المسئولية: من أجل تحفيزهم ودفعهم لها.. فقد عرض أعرابي للنبي -صلى الله عليه وسلم- فأخذ بزمام ناقته، فقال: يا رسول الله أخبرني بأمر يدخلني الجنة وينجيني من النار، فنظر -صلى الله عليه وسلم- إلى وجوه أصحابه وقال: "لقد وُفق أو ُهِدي، لا تشرك بالله شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم" (أخرجه ابن ِحبَّان).
- نظرة الاستشارة: من أجل التشاور والاستفادة بالآراء والخبرات.. كما نظر الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر إلى المهاجرين، ثم إلى الأنصار أن أشيروا عليَّ.
- نظرة التعجب: من أجل مساعدتهم على التصويب.. فقد قبَّل الرسول
-صلى الله عليه وسلم- الحسن وعنده الأقرع بن حابس فتعجب قائلا: "إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحدا"، فنظر إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلا: "من لا يَرحم لا يُرحم" (أخرجه البخاري).
- نظرة التحذير: من أجل استمرارهم على الصواب.. فقد كان الحسن والحسين يلعبان وسط تمر من الصدقات عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه، فنظر إليه -صلى الله عليه وسلم- فأخرجها من فيه، وقال له: "أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة" (أخرجه البخاري).
- نظرة الغضب: عند اقتراف السوء من أجل مراجعتهم أنفسهم.. فعن جابر رضي الله عنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه كأنه منذر جيش" (جزء من حديث أخرجه مسلم).. قال الإمام النووي في كتابه "شرح صحيح مسلم": ".. اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرا عظيما وتحذيره خطبا جسيما..".
- نظرة الشفقة: خوفا عليهم من العقوبة من أجل منعهم من الخطأ والأخذ بيدهم سريعا إذا وقعوا فيه.. ففي حديث كعب بن مالك -رضي الله عنه- الذي كان من الثلاثة الذين تخلفوا عن المسلمين في غزوة تبوك يقول: "كنت أصلي قريبا منه -صلى الله عليه وسلم- وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليَّ، وإذا التفتُّ نحوه أعرض عني" (جزء من كلامه أخرجه البخاري ومسلم).(9/373)
- نظرة الفرح: عند استجابتهم للخير من أجل تثبيتهم وتشجيعهم.. قال الإمام ابن القيم في كتابه "زاد المعاد": "دمعة السرور باردة والقلب فرحان، ودمعة الحزن حارة والقلب حزين، ولهذا يقال لِمَا يَفرح به: هو قرة عين، ولما يُحزن هو: سخينة العين".
** ولغة الإشارة:
هدفها تبيين وتثبيت المعلومات، وتشمل:
- استخدام الأصابع: فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "بُعثتُ أنا والساعة كهاتين"، وُيقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى (جزء من حديث أخرجه مسلم).
- الرسوم التوضيحية: كما يقول أنس رضي الله عنه: خَط َّ النبي -صلى الله عليه وسلم- خطوطا فقال: "هذا الإنسان وهذا أجله؛ فبينما هو كذلك إذ جاء الخط الأقرب" (أخرجه البخاري).
- التبسم والضحك: فلما تحدث الرسول -صلى الله عليه وسلم- مثلا عن آخر من يدخل الجنة فيجدها ملأى فيعود لله تعالى متعجبا من عدم وجود مكان له، فيقول له: "اذهب فادخلها وإن لك مثل عشرة أمثال الدنيا".. ضحك -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه (أخرج القصة البخاري).
- تعبيرات الوجه: فقد رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- نخامة في قبلة المسجد، فغضب حتى احمرّ وجهه، فجاءت امرأة من الأنصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقا فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما أحسن هذا" (أخرجه ابن ماجه).
- طأطأة الرأس: فقد طأطأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأسه الكريم إعلانا عن عدم قبوله الزواج من المرأة التي أرادت أن تهب نفسها له (أخرج القصة البخاري).
- الإعراض: فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا النار" قال وأشاح (أي بوجهه) ثم قال: "اتقوا النار"، ثم أعرض وأشاح ثلاثا حتى طننا أنه ينظر إليها (أي النار) ثم قال: "اتقوا النار ولو بشق تمرة؛ فمن لم يجد فبكلمة طيبة" (أخرجه البخاري ومسلم).. قال الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه "فتح الباري": "أي حذر من النار كأنه ينظر إليها، أو جدَّ على الوصية باتقائها... وقيل: صرف وجهه كالخائف".
** ولغة القدوة:
تكون في كل مواقع الحياة، وتأثيرها هائل وعظيم؛ لأن الفطرة (أي النفس) من أهم صفاتها البحث عن الخير والسعادة، فإذا ما وجدت ذلك أمامها مجسدا سهل عليها تقليده وفعل مثله.. وهي أقوى من اللغات السابقة كلها التي قد يحدث لها أحيانا خطأ في فهمها أو تأويلها، أما لغة الأفعال والتصرفات -أي لغة القدوة- فواضحة لا لبس فيها، سهلة لا صعوبة في تنفيذها، لا تحتاج غالبا إلى سؤال أو استفسار أو استنتاج أو تأويل.
لقد تعلم الصحابة الكرام من الرسول -صلى الله عليه وسلم- من خلال القدوة كل الأخلاق التي تسعدهم في دنياهم ثم آخرتهم:
* تعلموا النظافة وطيب الرائحة وحسن المظهر.. كما يقول أنس رضي الله عنه مثلا: ".. ما شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (جزء من حديث أخرجه البخاري).
* تعلموا البسمة والبشاشة.. كما يقول عبد الله بن الحارث رضي الله عنه مثلا: "ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (أخرجه الترمذي).
* تعلموا العمل والإنتاج وإتقانهما.. كما يقول -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه مثلا: "كنت أرعى الغنم على قراريط لأهل مكة" (جزء من حديث أخرجه البخاري. وقراريط أي دنانير).
* تعلموا التعاون والتكامل.. كما تقول خديجة عنه -صلى الله عليه وسلم- مثلا: "إنك لَتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" (جزء من حديث أخرجه البخاري).
* تعلموا الكرم.. كما يقول أنس رضي الله عنه مثلا: "ما سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام شيئا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا؛ فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر" (أخرجه مسلم).
* تعلموا الوفاء.. من أدائه -صلى الله عليه وسلم- للأمانات عند هجرته حتى لمن آذوه وأخرجوه.
* تعلموا الشجاعة والإقدام.. كما روت السيرة عنهم أنهم كانوا إذا حمي الوطيس في المعركة احتموا برسول الله -صلى الله عليه وسلم.
* تعلموا الحلم والصبر.. حينما جذب أعرابي غليظ الرسول -صلى الله عليه وسلم- من ثيابه حتى أثرت في عنقه قائلا له بغلظة: " مُرْ لي من مال الله الذي عندك"، فالتفت إليه -صلى الله عليه وسلم- فضحك ثم أمر له بعطاء (أخرجه البخاري ومسلم)...
وهكذا تعلموا كل الأخلاق، في كل شئون الحياة، فسعدوا وأسعدوا كل من تعامل معهم.. سعدوا وأسعدوا الكون كله.
** ولغة القلوب والمشاعر:
هي لغة الفطرة، هي التي تربط الإنسان بأخيه الإنسان، وتشعره بالأمان والثقة، وأنهم سيأخذون بيد بعضهم البعض لكل خير؛ لأن الفطرة أصلا كل صفاتها خير (قبل أن تستجيب لوساوس الشيطان بالعقل الذي معها وفوقها يوجهها) وتقبله وتلفظ كل ما هو شر، كما يُفهم ضمنا من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الأرواح جنود مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" (أخرجه البخاري ومسلم).. قال الإمام النووي في كتابه "شرح صحيح مسلم": "قال الخطابي:.. يميل الأخيار إلى الأخيار والأشرار إلى الأشرار"..
** ولغة العمل:
إذ بروح الفريق يمارسون عملا ما، فيتعلمون في أثنائه بعض أخلاق الإسلام كالإحسان والإتقان والتطوير والصبر والتشاور والتفاهم والتعاون وسلامة الصدور من الأحقاد وحفظ اللسان عن كل قول سيئ ونحو ذلك.
وأخيرا.. فهناك بعض اللغات المُسَتحَدثة -أو التي قد تُستحدث مستقبلا- والتي يمكن استخدامها أيضا ويفهمها الجميع، مثل:(9/374)
- لغة الرياضة: التي يمارسها الجميع على اختلاف ألسنتهم، والتي يمكن من خلالها وبعدها أن يتعلموا أخلاق الجدية والتحاب والنظام ونحوه مما هو من صميم أخلاق الإسلام.. قال الإمام القرطبي: "قال ابن العربي: المسابقة شِرعة في الشريعة وخصلة بديعة.. وقد فعلها -صلى الله عليه وسلم- بنفسه وبخيله، وسابق عائشة رضي الله عنها على قدميه..".
- لغة الفنون والموسيقى: الحلال منها المثير للهمم والنخوات لا للفتن والشهوات، وهي أيضا يفهمها الجميع على اختلاف ألسنتهم؛ فهي تجمعهم جميعا على عمل خير أو تجهزهم وتنشط نفوسهم له، ومن خلالها وبعدها يمكن اكتساب كل خير والانطلاق نحوه.
أخي الحبيب..
مما سبق يتبين أن الدعوة إلى الله والإسلام لا يمكن بأي حال أن يعوقها عائق؛ لأنه إن عجزت الكلمات نطقت القلوب والعيون والإشارات والتصرفات.
ونظن أنه في حالتك عليك استخدام لغات "القدوة والإشارة والعمل"؛ فإنها ستفيد كثيرا بإذن الله في التأثير في زميلتك الروسية؛ لأنها ستحرك عقلها المنصِف، وفطرتها الزكية اللذين وضعهما الخالق في كل بشر ليعرفه ويلجأ إليه ويطلب عونه ليحيا سعيدا بذلك.. مع مراعاة الضوابط الشرعية عند التعامل بين الرجال والنساء كغض البصر وعدم الخلوة والكلام لسبب وفيما يفيد وبجدية معتدلة..
وإن استطعت أن تقنعها بالالتحاق بمعهد لتعلم اللغة العربية، أو تتعلم أنت الروسية إن أمكن، كما تعلم زيد رضي الله عنه العبرية في أقل من شهر حينما احتاجه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليكون مترجما له، فسيكون ذلك خيرا كبيرا ومعينا.
كما يمكنك التواصل مع بعض المراكز والمؤسسات الدعوية التي تعتم بدعوة غير المسلمين؛ ليفيدوك في ذلك، ويمدوك ببعض الكتب والمؤلفات عن الإسلام باللغة الروسية.
وسيكون لك ثواب كل هذا، كما يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله" (أخرجه مسلم)؛ حيث الحديث لم يحدد أنَّ الدلالة عليه هي باللسان فقط، وإنما بما هو ممكن ومتاح ومناسب ومقبول ومؤثر.
وفقك الله وأعانك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
===============
لتطوير الذات.. أفكار ومقترحات
السلام عليكم، فرحت بتعييني وفرحت بتحولي لحياة جديدة، لكنها ستكون غير واضحة المعالم، لكن تذكرت موقعكم؛ فتحية لكم على هذا الجهد الطيب..
أنا خريج كلية المعلمين، درسنا مواد مختلفة خلال الأربع سنوات، ولكن هذه المواد لا تستجيب لطموحاتي؛ حيث إن الكلية تخرِّج مدرسين للمرحلة الابتدائية.
من فضل الله -عز وجل- تم تعييني في مدارس لتحفيظ القرآن في منطقة بعيدة عن المدينة الرئيسية، وأرى أن هذه فرصة لي كي أتفرغ لنفسي ببرنامج يطورني، ولا أقصد الانعزال، لكن سأركز على نفسي؛ فأريد منكم مقترحات للبرنامج، علما بأنني حافظ للقرآن، وعملت في حلق التحفيظ، وعندي ذكاء اجتماعي سأستغله في التأثير على الناس، ودمتم للخير.
…السؤال
زاد المسير …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
يقول الأستاذ عبد الهادي الأحمد -الداعية والكاتب السعودي-:
الأخ الكريم عبد الله، مباركٌ عليك تخرجك، مباركٌ عليك تعيينك، ونسأل الله أن تكون أنت مباركا على الوطن أينما كنت وحيثما حللت؛ فردد معي صديقي دعاء النبي الكريم عليه السلام عيسى بن مريم {واجعلني مباركا أينما كنت}؛ فالداعية كالغيث أينما وقع نفع، جعلك الله من أولئك الخيرين ذوي الإيجابية الفاعلة، الناشرين النور في كل مكان، الحاملين للأمانة بكل قوة وصدق..
أشعر أخي أنك تعرف نفسك جيدا، يتبدى ذلك واضحا من سؤالك، وهذه نقطة رائعة أن يمتلكها الإنسان وهي "معرفته لذاته وملكاته ومواهبه"، وهذا مما يسهل على الإنسان الترقي والتطوير وتهذيب نفسه وروحه؛ فالكثير لا يعرفون من هم حقا!.
ولتشعب موضوع الاستشارة ستكون إجابتي في عدة محاور وهي:
المحور الأول: أمور من المهم مراعاتها قبل البدء بالبرنامج:
• ما دمت "عزبا" فاحرص على السكن مع مَن يعينك ومع مَن يكون بينكم انسجام؛ بل ويقاسمك ميولك ما أمكن؛ فلا تتعجل بالسكن مع أول من يعرض عليك ذلك؛ فكم من "شِلَل" للمعلمين سببت شَلَلا للطموح والإيجابية والفاعلية والرقي؛ فتمهل في اختيار شركائك في السكن، ومن المهم أن تكون بينكم قواسم مشتركة.
• لا بد أن تسعى بالتركيز على حياتك المهنية الجديدة؛ فهيئ نفسك، وتعلم مهارات لها اتصال بالحياة العملية المهنية، وسيأتي تفصيل ذلك لاحقا.
• لا تستعجل بالبدء في عمل دعوي؛ فمن الجميل أن تقوم بدراسة منطقتك جيدا، ولا تتعجل بإنشاء عمل يرتبط بك يموت بمجرد نقلك؛ فبالإمكان الاستفادة مما هو موجود من الأنشطة بدلا من تأسيس عمل دعوي جديد؛ فوضع حجر على حجر بالتأكيد هو أفضل من تأسيس عمل يبدأ من الصفر؛ فلأهل المنطقة العاملين جهودهم وفضلهم ومعاونتهم من اعتراف المرء بالفضل لأهله.
وغالبا من يأتي جديدا على منطقة ويبدأ بإنشاء عمل جديد دون اعتبار لما هو موجود من قبل يُجابَه بنفور من سكان تلك المنطقة. ومن الأفضل أن تحدد مشاركتك بحيث تكون -مثلا- أسبوعية كإلقاء درس تربوي على ناشئة الحلقات، أو دورات مهارية، أو نقل بعض خبراتك الشخصية في الحلقات لحلقات تلك المنطقة.
• ربما تمر بفترات من الضيق والكآبة البسيطة بسبب ابتعادك عن أهلك وأصدقائك، لكن سرعان ما تتوارى هذه الأمور بعد الانهماك بعمل مثمر؛ فاحرص على ملء وقتك بما هو نافع، وهي فرصة حقيقة لمعرفة ذاتك جيدا ولاختبار شخصيتك بعيدا عن أهلك بل فرصة لاكتساب خبرات ومعارف جديدة.(9/375)
• التدرج في البرنامج؛ فلا بد أن تراعي أنك في غربه؛ فلا تثقل على نفسك ببرنامج لا يراعي ذلك ولا يراعي الحياة الجديدة المهنية.
• من الضروري أن يكون برنامجك واقعيا (على مقاسك)، وواضحا بالنسبة لك، متدرجا في الكثافة، وشموليا يراعي الجوانب (الإيمانية، المهارية، المعرفية، المهنية"؛ فلا تركز على جانب، وتهمل آخر؛ لأن ذلك يسبب ضمورا في بعض جوانب شخصيتك، وضيقا في الأفق مستقبلا.
وهنا لا بد أن نذكر بعدم استعارة البرامج من الأصدقاء؛ فلكل شخص مزايا ومواهب واهتمامات؛ فربما أخذ الداعية برنامجا تطويريا من صديق لديه قصور في العلم الشرعي مثلا، فيكون البرنامج يصب في ملء تلك الخانة، وهو لا يحتاج ذلك؛ لأن لديه الرصيد الجيد منه..
المحور الثاني: تطوير الذات:
يعرف المختصون ذلك باستخدام ما تملكه من إمكانات عقلية ومادية ومعنوية بكفاءة وفاعلية للتحول من واقع معين إلى واقع أفضل منشود.
وهناك كتب كثيرة تعينك على وضع خطة مناسبة لنفسك؛ لعل من أفضلها:
* "سلسلة العيش في الزمن الصعب" للدكتور عبد الكريم بكار، وهي سلسلة تعنى بتطوير النفس في أبعادها المختلفة (العقلي والنفسي والخلقي والبدني، وكذلك تعرض لإدارة شئون الحياة).
* كتاب "افعل شيئا مختلفا" لعبد الله على العبد الغني، وهو كتاب لطيف، كتب بطريقة إبداعية فيها شيء من الفن، يتمحور حول إحداث التغيير في النفس والحياة، ويحتوي على خلاصات وتجارب واستشهادات.
* "إدارة الذات" لمحمد أكرم العدلوني.
* دورة "فنون ومهارات إدارة وتطوير الذات" للدكتور علي الحمادي، وهي متاحة على شبكة الإنترنت، وللدكتور كتب في ذلك أخرى.
المحور الثالث: مجالات التطوير:
* الجانب المهني: وقد جعلته في البدء لكونه أهم مجال من الضروري البدء فيه؛ فمن المعيب أن يكون الداعية ضعيفا في حياته المهنية تقليديا في عمله، وإني لأعجب من داعية تراه نشيطا في العمل الدعوي بينما في عمله المهني تراه من أكسل الناس، متعللا بالانشغال بالدعوة، ولا يعلم أن من بركة الرزق هو إطابة المطعم؛ وهو ما يتحقق في عمله بإتقانه والتفاني فيه.
وسائل تطوير النفس في المجال المهني عديدة؛ لعل أهمها:
1. حضور دورات مختصة، وهذه توفرها إدارات التعليم بكل منطقة؛ فاحرص على التسجيل بها، وهي غالبا ما تكون مجانية، وإن كانت بمقابل فسيكون بمقابل زهيد مقارنة بما يوجد في غيرها.
2. متابعة دورية في تخصصك المهني، ونرشح لك مجلة "بريد المعلم".
3. الاشتراك بمجموعة بريدية في تخصصك أو الاشتراك بمنتدى أو موقع متخصص، ونرشح لك موقع "المدرسة العربية" أو "منتديات التربية والتعليم".
4. اكتساب الخبرات ممن لديهم؛ وذلك بزيارتهم وطلب نصيحتهم وتوجيههم.
* الجانب الثقافي: وقبل أن أشرع لك بمقترحات لهذا الجانب أود التعريج على قضية أراها مهمة؛ وهي أن الثقافة ليست كما يتصور البعض؛ شحن وحقن الذهن بالمعلومات، وإنما هي صقل الذهن والنفس والذوق وتنميتها ورعايتها وتهذيبها؛ فالثقافة بهذه المعنى هامة جدا في عملية التطور الإنساني؛ حيث إنها عملية مستمرة وممتدة من الرعاية والإعداد للعقل البشرى والروح البشرية، وهي بهذا تتوافق مع معناها اللغوي.
لديك ميزة صديقي؛ وهي أنك عزب وفي غربة وبعيد عن المشغلات التي تستهلك الوقت غالبا؛ فتستطيع أن تحول هذا الأمر إلى منحة عظيمة باستغلال الوقت أفضل استغلال؛ فتبدأ ببرنامج قراءة مفيد؛ فكم نعرف من مدرسين جردوا مطولات في أيام غربتهم عن أهلهم؛ فالبعض يخبرني أنه خلال فصل دراسي واحد قام بجرد وقراءة تراث ابن القيم الجوزية كاملا، وآخر قام بقراءة تفسير "في ظلال القرآن" قراءة متأنية، بل والبعض قرأ خلال تلك الفترة روائع الأدب العالمي من مؤلفات هيجو وديكنز وغيرهما..
في الجانب الثقافي من الصعب ترشيح كتب معينة لك؛ لكوننا لا ندري تماما اهتماماتك.. لكن رغم ذلك حاول أن تكون شموليا في اطلاعك على المعارف المتعددة، واحذر من الانصباغ بصبغة معينة في قراءاتك؛ بل ارفع شعار "التكامل، التكامل" ما بين كتب المتأخرين والمتقدمين، ونوصيك بالقراءة الواعية المستوعبة التي لا تحرمك من خير الآخر الذي قد تخالفه في أمور عديدة.
صديقي.. هناك طريقة رائعة في القراءة تسمى بـ"الثنائيات"، أو المدارسة المشتركة بين الأقران ذوي الاهتمام المشترك؛ فانظر لصديق يوافقك الميول، وحددا كتابا لقراءته قراءة متأنية منهجية مستوعبة، ومن ثم حددا لكل أسبوع لقاء وديا تتناقشان فيه، واحرص على أن يكون النقاش ثريا يغوص ما بين الأسطر، لا أن يكون فقط ترديدا لما كتب. وهذا يجرنا للتذكير بأسس القراءة المنهجية وآلياتها.
وهذه بعض الكتب المقترحة لتعزيز الجانب الثقافي:
في الفكر:
- سلسلة كتب "مشروع النهضة" للدكتور جاسم سلطان.
- سلسلة "المسلمون بين التحدي والمواجهة" للدكتور عبد الكريم بكار.
- "مقومات التصور الإسلامي" لسيد قطب.
- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة.
في الجوانب الإيمانية:
- قراءة متأنية في "تهذيب مدارج السالكين" لابن القيم الجوزية.
- "جدد حياتك" للشيخ محمد الغزالي.
في الدعوة:
- "مسافر في طريق الدعوة" للدكتور عادل الشويخ.
- "مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي" للدكتور عبد الكريم بكار.
- "صناعة الحياة" لمحمد الراشد.
في التربية:
- سلسة "رؤية تربوية" لنسيبة المطوع.
في السيرة النبوية:
- "السيرة النبوية في ضوء مصادرها الأصلية"، إصدار الفيصلية للنشر.
- "السيرة النبوية من مصادرها الأصلية" لمحمد الصوياني.
في المهارات الشخصية:
- "صناعة النجاح" و"صناعة القائد" للدكتور طارق السويدان.(9/376)
- "العادات السبع" لستيفن كوفي - مترجم.
- انتقاء ما يناسبك من إصدارات الدكتور علي الحمادي.
ما سبق كان في تعزيز الجانب المعرفي، ونحتاج فعلا صديقي لمهارة التنقيب المعرفي التي تعتمد على القراءة المتعمقة المتنوعة، وتذكر أن التغيير والتطور تراكمي قد لا تشعر به آنيا، لكنه فعلا يحدث؛ فلا تثرب على نفسك إن لم تشعر بتطور ما..
* اسمح لي أخي أن نقف وقفة ثانية مع الجانب الإيماني والدعوي للتذكير بالاهتمام بهذا الجانب بالذات؛ لأنه متعلق بالقلب والعبادات القلبية؛ فمن الحسن مدارسة ذلك مع أحد الأصدقاء لتنمية بعض المعاني الإيمانية في النفس؛ كالتوكل والتعلق بالله والرضا والمحبة وغيرها، ولعل من الحسن تطبيق وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي هريرة رضي الله عنه (الوتر قبل النوم، صيام ثلاثة أيام...)، أو تطبيق ما فعله أبو بكر الصديق حيث جمع في يوم (صيام وصدقة واتباع جنازة)..
في الجانب الدعوي احرص على نقل الخبرات الجديدة للمنطقة التي ستعمل بها، وعقد لقاء دعوي تربوي -إن كان لديك الأهلية- للعاملين في الحلقات من الفتيان والمشاركة النوعية المهمة معهم.
* آليات التطوير في أي جانب تعتمد على أمور هي:
- الرغبة الصادقة الحارة في التطوير والتصميم وعدم اليأس.
- الاشتراك بدورات محددة في المجال الذي ترغب التطور فيه؛ فمثلا في الجانب الثقافي من الجيد أخذ دورة أو محاضرة في "القراءة التصويرية".
- حضور محاضرات متخصصة في المجال المرغوب التطور فيه أو ندوات للرقي بالنفس والعقل.
- متابعة موقع أو مجلة في التطوير الذاتي ونقترح عليك "نماء" في موقع إسلام أون لاين والاشتراك بنشرته الدورية، وموقع "الحصن النفسي".
- الاشتراك بمجموعة بريدية إليكترونية لتبادل الخبرات.
- الممارسة لما تتعلمه، والحرص على نقل الخبرة والتجربة للآخرين.
- مصادقة أناس يرقون بك لمدارج الخير، والبعد عن الأصدقاء عشاق الفشل وسارقي الأمل.
- الاستمرارية في ذلك، والتغلب على المعوقات مهما كانت، ولا يكون ذلك إلا بدوام اللجوء لله تعالى والصحبة الطيبة.
صديقنا الكريم عبد الله، نرجو ألا نكون قد أثقلنا عليك بالتوصيات والمقترحات، وما ذلك إلا لأهمية الموضوع وتشعبه..
تحية لك على هذا الشعور الطيب تجاه نفسك، تحية لك على شغفك وتطلعك للتطور، وتحية لك يا معلم.. لذا يسعدني أن أحييك بهذه القصيدة للدكتور محمد حسن المرسي:
أنت معلم
هذا يعني
أنك تصبح
أنت القوة والنبراس
يهدي كل الناس.
أنك تصبح
نبع الحب
أنك تعطي
الوطن الغالي
نبض القلب.
لا تتألم إن عانيت
من إهمال أو إقلال
أو لاقيت
من يتجاهل ما أعطيت
أحسن دوما
سوف نسابق
كل الدنيا
إن أحسنت.
===============
زوجي يتجه غربا.. البوصلة بيدك
السلام عليكم.. جزاكم الله خيرا لكل ما تبذلونه في هذا الموقع..
تزوجت منذ عدة أشهر برجل طيب، ورائع، مبدع ومثقف؛ حيث أثمرت صفاته هذه بيننا انسجاما عاليا وحبا بحمد الله، تعرفنا على بعضنا بعد الخطوبة، وتمت الموافقة على أساس ميوله الثقافية التي يندر أن تكون بشباب هذه الأيام.
بعد الزواج كان الحب والانسجام يزيدان بحمد الله؛ فهو رجل طيب بمعنى الكلمة، ويراعي مشاعري ويحبني كثيرا، لكن اتضحت فيه صفة سببت لي متاعب كثيرة وصدمة عميقة، وأصبحت نفسيتي معه في انخفاض وارتفاع أمام انسجام عال أو إحباط شديد!
الصفة هي إهماله للصلاة، وعدم انتظامه فيها، أحب أن أذكر أني من أسرة متدينة والحمد لله، التزامها بالصلاة عالٍ جدا، رزقني الله بنعمة القيام بنشاطات دعوية مختلفة تأخذ طابع الدعوة الجديدة. هذه النشاطات علمتني أهمية الوقت، والجدية، والمسؤولية؛ فتكونت شخصيتي بشكل قد لا يرضيه لأنه يقضي أوقاتا طويلة أمام التلفزيون، وكذلك بالقراءة، لكن بدون إنتاج أو تفعيل.
ما يؤلمني الآن 3 أمور هي:
1- هو قلقي وتوتري الشديد وانقلاب مزاجي حين يكمل نشاطه اليومي مثلا في مشاهدة التلفزيون، مع أن الصلاة يؤذن لها، وينتهي وقت الصلاة، والساعة تمر، وهو لا يزال في مكانه.
في هذه اللحظة لا أبالغ حين أقول: إن فكرة الطلاق تراودني كثيييرا، والغضب يأسرني دون أن أتكلم بوجهه، لكنه يلاحظه بوجهي وعيوني. أذكره وقتها، وأقوم من عنده لأصلي؛ أحيانا يقوم ولا يتأخر وأحيانا "يطنشني"، وأحيانا يقول بأنه صلى، وأنا متأكدة أنه لم يصل، عندها يقتلني تناقضه، علما بأنه لا ينقصه جهل بالأحكام وقد تناقشنا في بداية زواجنا بشكل مباشر؛ فبين لي أنه يصلي ولا يمكن أن يتهاون بالصلاة، وأن هذا الموضوع يجب أن لا أفتحه مرة أخرى لأنه شيء بينه وبين الله، لا علاقة لي به ولست وصية عليه.
كل شيء فيه رائع إلا الصلاة التي تجعل روعته كلها تصغر بعيني، وتتسبب بدموع كثيييرة. في الحقيقة أعترف أنه يهملها كسلا، ومؤكد أن هذا الكسل وراءه خلفية بالتهاون بأدائها؛ فكثير للأسف يعتقد أن مجرد "لا إله إلا الله" كفيلة بحل كل مشكلاته الأخروية.(9/377)
2- الجو في حياتي الجديدة جو غربي جدا، من مسلسلات وكتب ومجلات... مؤكد أنكم تفهمون أني لا أقصد من هذا كره ما عندهم من مفيد، بالعكس أتعلم منهم ما ينفعني، لكن مهما كانت الفائدة منهم فإنها ينقصها الجو الإيماني؛ فبيتي الذي أدخله الآن يفتقد للأسس إيمانية والجو الديني، وهذا جعلني أتفطر ألما؛ فهو جو بعيد عن ذكر الله وعن الصلاة وعن القرآن، مع شخص كان ملتزما فتغيّر، وأحيانا يعطيني انطباعا أن مجرد حديثي لنكون نحن الاثنان أفضل هو من باب الوعظ والإرشاد، قد يسخر من أخذي المواضيع بجدية أكثر مما ينبغي، علما بأني والحمد لله مثقفة وحساسة لما أقول، ومستعدة لبناء زواج ناجح بكل مقاييسه الدينية والنفسية والجنسية (وهذا بفضل الله ثم فضل هذا الموقع الغالي).
3- زوجي ذكي جدا ولماح، ويفهم ما أقوله قبل أن أنطق، وهنا تكون الدعوة معه أصعب بكثير.
ساعدوني أرجوكم، صفاته الرائعة أحبها وتتضح أصالتها فيه، وكذبه (المتكرر) في صلاته يقلل من احترامي له؛ وهو ما يجعلني أعيش صراعا، كما أن إقحامه لي في برنامجه الغربي يضايقني؛ فأنا لم أعتد أن أكون ردة فعل فقط، قولوا لي (عمليا): كيف أكون فعلا في حياتي الجديدة دون سيطرة قبيحة أو فرض ممل؟ متى أتنازل؟ ومتى أقف صامدة؟ لماذا يريد مني التنازل؟؟ ولماذا نطالب أن نساير المدعو ونصبر عليه حتى لو كان وصل لمستوى ناضج فكريا وذكاء واضح؟ ونحن مَن يسايرنا؟.
هو يعرف أن هذا الموضوع هو سبب سعادتي من عدمها، ومع ذلك حين يحصل سوء تفاهم سببه الأساسي إهماله للصلاة يتجاهل سببي، ويعالج القشور ليصالحني، وأنا أخذت عهدا بعد تجربة شهر العسل ألا أفتح موضوع إهماله بشكل مباشر بل أكتفي بتذكيره.
تعبت وأنا أكتب الآن، ولا أدري هل وضحت مشكلتي بأبعادها التي تساعدكم في فهم وضعي جيدا أم لا.
وأعتذر جدا لإطالتي، لولا الله ثم أنتم لما لمسنا الرأي المرضي.
…السؤال
الدعوة الفردية, جمهور الدعوة …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
… تقول الدكتورة ليلى أحمد الأحدب:
أقدر لك ثقتك بهذا الموقع، وأتفهم أنه لولا هذه الثقة لما بُحت لنا بمشكلتك التي أظهرناها مع تغيير بعض التفاصيل؛ لأنها مشكلة متكررة في كل البلاد العربية؛ حيث كثيرا ما يكون أحد الزوجين أكثر التزاما من الآخر، وتكمن الصعوبة عندما يكون الطرف الملتزم هو المرأة؛ فالشرع يعطي القوامة للرجل في البيت، ولكن للأسف فإن هذا المفهوم الشرعي الذي يعني مسئولية الزوج عن الإنفاق على الأسرة ورعايتها قد تغلغل بشكل خاطئ في نفسية كثير من الرجال؛ فيصعب على بعضهم تقبل النصح من زوجاتهم، وهذا ما عبرتِ عنه أنت بتكبر الرجال.
دعيني أبدأ معك من نهاية رسالتك التي طرحت فيها عدة تساؤلات، أرى من الأفضل إجابتك عليها؛ لأنها تخص كل داعية وكل مدعو، بغض النظر عن درجة القرابة بينهما، وأخص بالذكر سؤالك: لماذا نطالَب بأن نساير المدعو ونصبر عليه حتى لو وصل لمستوى ناضج فكريا وذكاء واضح؟.
فهذا السؤال يا أختي الكريمة لا ينمّ عن خبرة دعوية جيدة، سواء كانت أساليب دعوة قديمة أم جديدة على ما ذكرت في رسالتك من خصائص تتمتعين بها؛ فنقاشنا مع المدعو يستدعي مقاربة عقله، فإذا كان ناضجا فكريا فيجب أن تكون أدوات إقناعه مناسبة لإمكانياته الفكرية، لكن لا يعني النضج الفكري لأيّ كان أنه ناضج روحيا؛ فالروح هي التي تستفيد من الإيمان، والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والصلاة هي صلة العبد بربه؛ فبواسطتها يستمد الإنسان طاقته الروحية؛ إذ تلتقي الروح بمصدرها الأصلي وهو الله سبحانه الذي قال: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} (الحجر: 29)، ويُستنتج من هذا الكلام أنه كلما كان الإنسان بعيدا عن ربه كان بحاجة إلى حلم وصبر أكثر؛ فهل هناك ما يقرّب الإنسان لربه مثل الصلاة؟.
استنكاري على تساؤلك ليس فقط للرد عليه، ولكن لأن هذا التساؤل لا يصدر عن أمثالك من العالمات بالأساليب الدعوية إلا في حال انفعالية.. فهل طبيعتك هي الانفعال، أم أنه مجرد حال تلبُّسك في أثناء كتابة رسالتك لجذب انتباهنا، ولو بالخروج عن النص الدعوي؟.
هذا التساؤل يؤكده تساؤل آخر حول عبارة جاءت أيضا في رسالتك تقولين: "إن زوجك كان ملتزما وتغير"، مع أن العبارات التي قبلها لا تدل على أي التزام سابق لديه.
فهاتان الملاحظتان اللتان اكتشفتهما في أسلوبك تجعلني ألمح بعضا من صفاتك الشخصية؛ وهي أنك انفعالية رغم كل ما أبديته من عقلانية يمكن استنتاجها من طريقة اختيارك لزوجك وكذلك من ترتيب رسالتك. والذي دعاني لتنبيهك لهذا الأمر في شخصيتك هو أنه التركيب السائد في شخصية حواء العربية؛ فثقافة المجتمعات العربية تشجع المرأة على إظهار عواطفها والمبالغة في انفعالاتها في المكان المناسب وغير المناسب، ومع اقتناعي بضرورة وجود العاطفة في تركيب الأنثى فالحكمة تقتضي التصرف المناسب في المكان المناسب، في الزمان المناسب، مع الشخص المناسب، وأعتقد أن طريقتك مع زوجك غير مناسبة كثيرا في جذبه للتدين بشكل عام وللصلاة بشكل خاص.(9/378)
صدقيني لا أريد أن "أتفلسف" كثيرا لكنك تستشيرين، والمستشار مؤتمن، ومع أن زواجك بالتأكيد هو قدر من الله، فإنك أنت من اختار هذا الزوج أو وافق عليه؛ فالسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا اهتممت في أثناء الخطبة وكتب الكتاب بدرجة ثقافته وكمية إبداعه ولم تهتمي بدينه مثلا؟ لو كنتِ واضحة مع نفسك من البداية لعرفت ما تريدين ومع من ترتاحين، وبما أنك متدينة وتريدين أن يكون زوجك على نفس درجة التدين.. فلماذا لم تنقّبي عن خلة التدين فيه جيدا قبل أن ترتبطي به برباط الزواج المقدس؟.
أنا لا أقول لك هذا كي تعضي أناملك ندما، ولكن لأذكرك أنه اختيارك؛ فيجب ألا تتسرعي بالتركيز على هذه النقطة السلبية في شخصيته -رغم أن ترك الصلاة يعتبر كبيرة من الكبائر- ما دام يحمل كثيرا من النقاط الإيجابية في شخصيته وفي تعامله معك، واعلمي بشكل عام أن كل من يشكو من زوجته في خلق ما لا بد أنه يعادلها في خلق آخر، وكذلك كل من تشكو من نقصان زوجها تعادله في نقصان آخر.
بالطبع أنا لا أقلل من مشكلتك الأساسية مع زوجك وهي تهاونه بالصلاة، لكن لا يمكن أن تسحبيه لجانب الطائعين ما لم تشعري أنك لا تفضلينه بشيء حتى لو كنت تصلين وهو لا يصلي، وكلنا يتذكر حديث الرسول عليه الصلاة والسلام عن المرأة التي تقوم الليل وتصوم النهار ولكنها تؤذي جيرانها فقال: "هي في النار" (جزء من حديث رواه أحمد في مسنده).
ولا ريب أن من يصلي خير ممن لا يصلي، لكن هذا بشكل عام، أما بشكل خاص فلا أحد منا يعرف من هو الأفضل؛ لأن العبرة بالنهايات، والأعمال بخواتيمها، وإذا لم تعتبري نفسك على قدم المساواة مع زوجك -في هذه الناحية على الأقل- فلن تستطيعي أن تنظري إلى مشكلتك معه من زاوية مختلفة أو بطريقة أخرى؛ أي بدون انفعال أو إظهار غضب أو غير ذلك مما يسهل له قراءته على وجهك، خاصة أنك تقولين بأنه ذكي. وبما أنك تسألين فإن من واجبي أن أبين لك أن هذه الأساليب لن تزيده إلا نفورا من الصلاة، وقد تجعله ينفر منك أنت أيضا، ولك أن تختاري بين أن تنفريه منك وهو على ما هو عليه من مواصفات رائعة كما تقولين، أو أن تقاربي الموضوع بأساليب أكثر إقناعا له.
إذا سألت عن هذه الأساليب فهي بالنسبة لأي داعية تجاه أي مدعو يجب أن تكون إظهار الحب الكامل للمدعو، وإغداق كل العطف، وتكريس قيمة الداعية في حياة المدعو بشكل غير مباشر، خاصة إذا كان الأمر بين زوجة وزوجها، وعندما يقدّر الزوج هذه المعاملة الحسنة المحبة العطوفة الآسرة فهو سيعمل على ألا يفقدها، وعندما تكونين متأكدة من أن حبك متمكن في قلبه، فعندها يمكنك فقط أن تستنتجي مدى أهميتك في حياته، فإذا كنت مهمة له فسيعمل على إرضائك بأي وسيلة، ولن يجيبك بأن الصلاة عمل بينه وبين ربه؛ بل سيكون أحرص منك على أدائها كي يرضيك أكثر.
هو يا أختي أسلوب أقرب للتعامل مع طفل، رغم أن زوجك رجل! وقد أوضحت لك أن البعد عن الله يجعل الإنسان ناقصا من ناحية النضج الروحي، لكن احذري أن يتلوّن شعورك بهذا النقص فيه، فيتحول إلى شعور بأفضليتك عليه؛ فهذا لا يصح مع أي إنسان؛ فكيف إذا كان زوجك الذي ارتضيت أن تكوني أنت وإياه نفسا واحدة؟.
لا تنسي أن الدعوة إلى الله لا تكون بتحبيب المدعو بشخص الداعية فقط؛ بل بتحبيبه بالله عن طريق تذكير المدعو بآلائه سبحانه ونعمه وفضله، ويكون بالنقر الخفيف على نوافذ القلب لتتفتح براعم الحب لله، وليس بالتذكير المصحوب بالوعيد دائما، ولا أحد منا يعرف متى يقدّر الله للإنسان طريق الهداية؛ فعلينا ألا نيأس من رحمة الله، وكلما أحببنا الشخص المدعو كنا حريصين أكثر على عدم تنفيره منا، والأسلوب الذي تعتمده الزوجة يجب ألا يخرج بحال عن التلطف والتودد.
أما الأمور التي تذكرينها عن اهتمامه بالتلفزيون أو الجو الغربي أو ما شابه فهذا يأتي في مرتبة ثانية بعد انتظامه على الصلاة؛ فالله سبحانه يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت: 45، والإيمان درجات؛ فساعدي زوجك أن يرقى عليها درجة درجة، دون أن ترغميه على الدخول في جوك الدعوي، ودون أن يقحمك في جوه الغربي.
فلا مانع من احتفاظ كل منكما ببعض الاختلاف في الاهتمامات؛ فهذا الاختلاف يجب ألا يفسد طقوس المحبة بينكما، وإن كان مصطلح الجو الغربي الذي اخترته كوصف لما يحدث في منزلك هو مصطلح ملتبس، فإذا كان يقتصر على نشرات الأخبار أو متابعة بعض البرامج الغربية الهادفة أو مشاهدة بعض الأفلام الأجنبية ذات الجانب الإنساني؛ فهو برأيي شيء يستحق أن تشاركيه فيه.
لا يغيب عن بالي اختلافكما في بعض الأمور التي أشرت إليها كالجدية وتحمُّل المسئولية وأهمية الوقت، لكن لا يغيب أيضا عني مغزى أنك تعلمتها في دورات النشاطات الدعوية، وأنا رغم حبي لهذه الصفات خاصة أنها من صميم تكويني، لكن بمعرفتي بمجتمعك أصارحك باعتقادي أن أسلوب التعليم في بلدك وكذلك أسلوب الدعوة ليسا بعيدين عن الأدلجة، والأدلجة هي تبني الإسلام كفكر فقط مع تغييب النواحي الجمالية فيه؛ لأن ديننا أروع بكثير من الأشكال التي يقدمها بعضهم على أنها هي الإسلام؛ لأن هذا الدين العظيم يشمل كل نواحي الحياة بما فيها اللهو المباح، وفي الحديث الشريف أن من اللهو المحمود مداعبة الزوج لزوجته، والمداعبة يقصد بها المزاح، وخلق الجو المرح في البيت، ومسايرة الزوج أو الزوجة لشريك حياته أو حياتها، وقضاء وقت ممتع في المنزل وخارجه، لا أن تكون الحياة الزوجية: 1+1= 2.(9/379)
فالرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو العابد الزاهد التقي النقي.. كان يداعب زوجاته، وفي حديث رواه البخاري أن عائشة حكت له حكاية عن إحدى عشرة امرأة، وكل واحدة تتحدث عن حسنات زوجها وسيئاته، وطول الحديث يأخذ وقتا قريبا من الساعة، وأكاد أجزم أنه لا يوجد زوج يمكنه أن يصل إلى آخر هذه القصة دون أن يقطع على زوجته حديثها المرة تلو المرة، ولنا أن نتخيل الزوج هنا وهو النبي الكريم الذي يتحمل هذه الحكاية الطويلة ووراءه ما وراءه من الأمور الجدية والمسؤوليات الجسيمة، وليس ذلك فحسب.. بل وينهيها بمقارنة بينه وبين أحد الأزواج الذين ذكرتهم عائشة في القصة، دليل أنه يتابعها بعقله ووجدانه، ولولا أنها مروية في البخاري لاستنكر بعض الدعاة والداعيات ورود بعض الألفاظ فيها؛ بل وقد يستنكرون صحة الحديث كله!! ولكن دلالته عظيمة، وسنة الرسول -عليه الصلاة والسلام- فيه مؤكدة من وجوب المسايرة والملاطفة والتحمل بين الزوجين لبعضهما، وما ذاك إلا كي تقوى روابط المحبة والمودة بينهما؛ فيصبح أحدهما لباسا وسترا للآخر كما يجب أن يكون الزواج.
أرجو أن تعلمي أيضا أن الزواج تجربة تحوي في طياتها وجوب تقبل الآخر المختلف؛ حيث إن كلا من الزوجين جاء من بيئة مختلفة، ويحمل طباعا متغايرة، وهو أساسا شخصية أخرى؛ لذلك يجب أن تتفهمي دوافع زوجك التي تجعله يهمل في صلاته ويتكاسل عنها، وقد تكون هذه الدوافع أساليب التربية في عائلته التي ربما كانت تدليلا وتهاونا بالصلاة وغيرها، وقد تكون شدة وفرضا للصلاة بالعقوبة على تركها؛ مما يجعل كثيرا من الأولاد الذين تعرضوا للضرب بسبب انشغالهم عن الصلاة باللعب أو غيره يتصنعون الصلاة حتى بدون وضوء، وعندما يصبحون بعيدا عن الرقابة فإنهم يتركونها؛ لذلك لا تتبعي أسلوب المراقبة مع زوجك: "هل تراه صلى أم لا يصلي"؛ فقد قال الله تعالى: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ}.
مع ذلك فإن نصيحتي أن تتفهمي دوافعه وهذا لا يعني أن تتقبلي تكاسله، لكن أيضا لا أنصحك أن تتركيه وتطلبي الطلاق منه بحجة أنه كافر، وأنصحك بقراءة رأي الفقهاء في حالتك هذه من خلال الفتاوى التالية:
- كيف تتصرف الزوجة مع زوجها التارك للصلاة؟
- امتناع الزوجة عن زوجها لتقصيره في صلاة الفجر
- حكم الامتناع عن الزوج الذي لا يصلي
- التكاسل عن أداء الصلاة
فالإنسان الذي لا يصلي كفر بنعمة الله عليه في جسده وصحته وماله؛ فهو لا يرد لله جزءا من هذا الفضل عبر الطاعات، وهذا الإنسان يستحق الشفقة منا أكثر مما يستأهل المقاطعة، وإلا فإن قطيعتنا معه هي بمثابة إعانة للشيطان عليه؛ فعليك أن تتبعي دائما الأسلوب الرقيق، والنصح اللطيف، والتبشير بعاقبة الأعمال الصالحة.
بقي أمر لم تسألي عنه، ولكن كي تحيطي بأكبر قدر ممكن من الفائدة أنبهك إليه وأترك تقدير أهميته لك؛ وهو الإنجاب حاليا؛ فأنت أمام أحد خيارين:
الأول عدم الإنجاب قبل أن تتأكدي من قدرتك على تغيير حاله؛ فقد يتعذر عليك مستقبلا الاستمرار معه، خاصة مع فكرة الطلاق التي تراودك أحيانا، وإن كان مما يساعدك على هذا التغيير هو تهيئة صحبة صالحة له وملتزمة باعتدال، قد تكون ممثلة في أحد إخوتك أو أقاربك المتفهمين لهذه العلة فيه.
والخيار الثاني هو في إنجابك منه؛ إذ قد يكون بداية لزيادة شعوره بالمسئولية عن نفسه وعنك وعن ولده؛ فيصبح لديه دافعية أكثر للصلاة؛ لذا أدعوك إلى قراءة هذه التجربة في صفحة مشاكل وحلول:
- الحياة ممكنة بين عم مقامر وزوج سكير
- بين زوج سكير وعم مقامر.. متابعة
- زوجي تحول من سكير.. إلى أبي عبد الله!... قصة نجاح
أخيرا لا تنسي أن الدعاء سلاح المؤمن؛ فأكثري الدعاء له، وتخيّري أوقات الإجابة، خاصة وقت السحر؛ فسهام الليل لا تخيب، لعل الله يقدر لك من أمرك خيرا.
===============
بعد الهداية.. كيف أدعو صديق الغواية؟
لي صديق أصغر منى سنا عمره 19 سنة وعمري 24، لكنه يتكاسل عن الصلاة وعن قراءة القرآن، ويهتم بالغناء والأفلام والبنات.
وبما أني قد هداني الله مما هو فيه؛ فأود أن أقدم له يد العون حتى يخلصه الله. ولكن يقف أمامي حاجزا معرفته بي، وبما قد كان عليه حالي قبل الالتزام. فأرشدوني كيف أتعامل معه؟
…السؤال
الدعوة الفردية, الشباب …الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية…المستشار
……الحل …
يقول الأستاذ مصطفى كمشيش:
أخي الكريم الأستاذ هيثم، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته..
أشكر لكم ثقتكم بهذا الموقع الكريم، كما أغبط فيكم هذا الحرص على صديقك، وهنيئا له بك صديقا حريصا على نفعه، ومد يد العون له، وهنيئا لك أيضا هداية الله لك؛ فهي من أجلِّ النعم {فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (الأنعام: 125).
ويتضح من الآية الكريمة أن الهداية مِنةٌ من الله، يهبها لمن يشاء وفق حكمته وفضله؛ فاختص بها إرادته ومشيئته، ولم يجعلها لأحد من عباده، حتى ولو كان أكرم خلق الله؛ فلم يجعلها للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال جل في علاه: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص: 56).(9/380)
ومع ذلك فإن الله قد أمرنا بالدعوة إليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتقريب الناس إلى الله فيما سماه أهل العلم "هداية الدلالة"؛ وهي تعريف الناس بالله، ودلُّهم على طريقه، بينما التوفيق في ذلك يكون من الله وحده.
ومن هنا أخي هيثم؛ فعليك بذل الجهد مع صديقك، والحمد لله فالصداقة ستسهل هذا الأمر، وأنت تدعو الله أن يجري الخير على يديك في دَلِّه على طريق الخير والاستقامة، وهذا هو الميدان الأول: الدعاء له
والميدان الثاني: أن تجتهد في إصلاح نفسك؛ فهذا يعود بالخير عليك ابتداءً، ثم اعلم أن الله يجعل للصالحين نورا وقبولا يسهل الله لهم بهما حسن التواصل مع الناس والتأثير فيهم.. وعليه فهذا الميدان عظيم النفع، ومزدوج التأثير على النفس وعلى الغير؛ فما تستقيم عليه ستجد من اليسير دعوة الناس إليه.
الميدان الثالث: أشعر بما تشعر به من إحساسك بوجود حاجز يحول دون إرشادك له إلى الخير بسبب الماضي المشترك بينكما قبل التزامك.. ولك الحق في هذا الشعور، ولعله يكون دافعا لك لمزيد من الحرص معه، وتجنب إشعاره أنك الآن أفضل منه، ولا توبخه على أنه ما زال بعيدا عن الالتزام؛ فاحذر أن ترتدي له ثوب المعلم أو الأستاذ بالتوجيه المباشر أو إملاء الأوامر؛ لأن ذاكرته ستستدعي على الفور صورتك معه في السلوك المشترك قبل الالتزام..
وهذا يحتاج مزيدا من الوقت الذي تتكون فيه ذاكرة مشتركة بينكما بعد الالتزام، تطفو هي على السطح، بينما تتوارى الذاكرة السابقة في الأعماق.
الميدان الرابع: تعلم أخي هيثم أن الانتقال من فكرة إلى فكرة، أو من حالة إلى حالة، أو من ضلال إلى هدى أو ما شابه.. فإن صاحب الفكرة أو الداعية يواجَه بقدر من "المقاومة للفكرة"، أو ما يسمى بالتشبث بما هو عليه؛ ركونا لعدم التغيير؛ ولذلك أقترح أن يكون بينكما طرف ثالث من الدعاة أو الصالحين (لم يسبق لصديقك معرفته) تتواصلان معه في بيته أو مسجده؛ فينصحكما معا؛ فيشعر صديقك بأنكما معا على درب واحد بلا تمايز؛ فتتلقيان نصحا مشتركا، ويكون دورك الهام في إنشاء حالة من التنافس بينكما على الالتزام بما نصحتما به، وذلك بسؤاله مثلا: "الحمد لله، لقد قرأت السورة التي أوصانا بها الشيخ.. فهل قرأتها؟".. أو "هيا بنا نقرأها معا".. "ما رأيك في نصيحة الشيخ لنا بالصلاة في المسجد".. "هل لنا أن نصلي معا في هذا المسجد استجابة لنصح الشيخ؟"... تاركا له الإجابة والاختيار بين المساجد.. أو أن يكلفكما الشيخ بقراءة معنى حديث أو تفسير آية، ثم تطلب أنت منه أن يساعدك هو في تبيان معنى الحديث أو الآية.. فيشعر بأن له دورا، وأنكما تقفان على أرضية واحدة..
واعلم أن نجاح أي فكرة ليست في شرحها وبيانها للناس؛ بل في تبني الناس لها وكأنهم أصحاب الفكرة.. فبإشعارك له أن التزامك أنت هو مسئوليته أيضا سيجعل التواصل بينكما رائعا ومثمرا إن شاء الله..
وأرجو أن تبلغني قريبا بما تم بينكما لنتواصل معا.. سائلا الله لك دوام التوفيق..
============
المسلم والآخر.. تساؤلات وشبهات
هناك جدل يأخذ حيزا لا بأس به في أوساط الجاليات المسلمة في البلاد الغربية، أو هاجس يدور في نفس كل من ينتقل من البيئة الشرقية الإسلامية إلى الغربية النصرانية بعد فترة من الزمن عاشها في الأولى، وإذا لم يحسن المسلم الفهم الصحيح للدين الإسلامي الذي تربى عليه ربما يقع في شكوك لها بداية بلا نهاية، وسواء أبدى الشخص المسلم ذلك وناقش به أو أخفاه في نفسه حتى لا يُتهم بأنه مشكك في دينه، يبقى واقعا يجب أن يحسن التعامل معه، وألا يكون المسلم مسلما اسما فقط يعيش في ريب سيؤدي به في النهاية إلى إرهاق نفسي فظيع، قد لا يجعله يقوم بأمور حياته بهدوء واطمئنان وإتقان.
من أخطر المشاكل التي تواجه فكر المسلم في مثل هذه البلاد نشوء الفرد المسلم في بلد إسلامي وفي أحضان المساجد، والسماع وباستمرار إلى الخطب والمواعظ التي لا تكاد تخلو من دعاء ومناشدة الله أن يمحق الكافرين، ويتم بالطبع الاسترشاد بآيات كثيرة من القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (البقرة 89)، {وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (البقرة 264)، {فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (آل عمران: 32)...
وغيرها الكثير الكثير من الآيات الكريمة. فنلاحظ أن هذه الآيات وغيرها فيها تهديد ووعيد رهيب واتهام صريح من الله عز وجل "للكافرين" (لعنة، عدم هدايتهم، عدم محبتهم، أعداء للمسلمين، جامِعهم جميعا في جهنم مع المنافقين، حرمانهم من الجنة، ظالمين، عذاب شديد، وقود النار، شراب من حميم...).
المشكلة الجدلية تكمن في الإجابة على السؤال: لمن هذا التهديد والوعيد؟؟ هل هو لكل من كان غير مسلم؟؟ إذا كانت الإجابة "نعم" فلماذا يُلعن وُيبشر بالنار والعذاب الشديد مَن لا يعرف من الإسلام إلا الاسم، يسمع بأن هناك دينا اسمه الإسلام، ومنهم من يعتقد بأن الإنجيل نفسه هو كتاب المسلمين المقدس، ومنهم من لا يسمع أصلا بالإسلام كما في بعض الأحياء النائية التي إلى الآن لم يصلها الكهرباء؛ حيث إذا ذكرت كلمة "مسلم" عندهم يعتقدون أنها اسم لدولة!!
لماذا اللعنة وشراب من حميم لمن أبواه نصراه أو هوداه أو مجساه؟ لماذا يُحرم من الجنة ما دام لم يسمع بالإسلام إذا كان قائما على أصول دينه الصحيحة التي يقرؤها في الإنجيل (لا يعتدي، لا يسرق، لا يقتل، لا يكذب، لا يزني، لا يشري الخمر، لا يفتن)، أو مقصر فيها كلها أو بعضها؟؟.(9/381)
لماذا ندعو الله أن يهلكه بقولنا "اللهم عليك بالكافرين"؟؟ وما هو مصيره؟؟ إلى الجنة أم إلى النار؟؟ أم نلتزم الصمت ونقول: "حسابه على الله"؟؟ وأين إذن موقع الآيات التي حكمت عليهم بالنار؟؟ وأين موقع الآية الكريمة {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (ال عمران 85)؟؟ وإن حكمنا عليه بذلك فهل يبقى الحكم في أنفسنا حتى لا ينفضّ من ندعوه من حولنا؟؟ أم نقولها له في وجهه مستندين على صرامة الدين وحزمه؟؟
إذا كانت الإجابة "لا.. هذا التهديد ليس لكل من كان غير مسلم"، إذن نستنتج أنه يمكن أن يكون شخصا غير مسلم وغير كافر في آن واحد كي لا ينطبق عليه هذا التهديد!! هل يمكن أن يكون ذلك؟؟
أما إذا كانت الإجابة بأن هذا التهديد والوعيد هو للكافرين المعتدين على الإسلام والمسلمين، فلماذا التعميم بذكر "الكافرين"؛ فربما باستخدام كلمة "معتد" أو "ظالم" تخصيص وإشارة واضحة لهذه الفئة من المعتدين (خاصة أن هذه التعبيرات قد وردت في القرآن الكريم).
أما الشق الثاني من المشكلة فهم النصارى على وجه الخصوص،هل النصارى عامة يعتبرون "كفارا"، وتنطبق عليهم الآيات التي سقناها عن الكافرين، مسالمين كانوا أم معتدين؟؟ أي هل ندعو في الصلاة على النصارى بأن يهلكهم أم يجب تخصيص المعتدين منهم؟؟ أم هل لهم معاملة خاصة استنادا إلى المودة التي أقامها الله عز وجل بيننا في قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} (المائدة: 82)؟؟ وما موقع هذه الآية من آيات التحريض ضد النصارى؟
فهل هم أقرب الناس مودة لنا أم في نار جهنم خالدين فيها، وسيلعنهم الله كما لعن أصحاب السبت، وقاتلهم الله أنى يؤفكون؟؟ أم الأمر يعتمد إن كان مقاتلا لنا أو مسالما؟؟.
وأما الشق الثالث من المشكلة فهو يتعلق باليهود، وأختصر هذه القضية بسؤال واحد: هل يعتبر اليهود خارج فلسطين معتدين ولا يجوز التعامل معهم تجاريا واجتماعيا؟؟ إذا كانت الإجابة "لا" فلماذا التعميم في الدعاء على اليهود أيضا؟؟.
وأما الشق الرابع من المشكلة فعن المشركين من غير أهل الكتاب الذين لا يؤمنون بإله ويعبدون البقر والشمس...؟؟ كيف يكون خطابنا لهم؟؟ وهل نستطيع أن نحكم على مصيرهم استنادا إلى آية سورة المائدة السابقة التي حكمت فيهم؟؟
ملاحظة: هذا التفصيل في هذه الاستشارة بسبب الأسئلة التي نتعرض لها من قبل المثقفين غير المسلمين الذين يقرؤون القرآن باللغة الإسبانية. فإن لم يكن هناك فهم صحيح ووضوح في الدعوة يكون الموقف ضعيفا جدا، ويُظن أن الخلل في الدين أو في القرآن -حاشى لله-. وجزاكم الله خيرا.
…السؤال
دعوة غير المسلمين, قضايا وشبهات …الموضوع
الشيخ عماد مصطفى أبو الرُّب…المستشار
……الحل …
نرحب بك أخي طارق عبر صفحة الاستشارات الدعوية، وأسأل الله تعالى أن يبارك جهدك وهمتك في أداء واجبك الدعوي تجاه المسلمين وغير المسلمين. وحيث إنك أثَرْتَ الكثير من النقاط التي تحتاج للكثير من الردود آثرت أن أختصر إجابتي، على أن أترك لك بعض الروابط التي أرى ضرورة مطالعتها ومراجعتها لتبين لك الكثير مما أثرت .
إن ما ذكرته عن الدعوة على غير المسلمين من بعض الأئمة والخطباء إما يكون خاطئًا، وذاك إذا كان الدعاء عليهم بالعموم كقولهم: "اللهم عليك باليهود والنصارى، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا..." إلى غير ذلك من أدعية، وقد يكون الدعاء صائبا مقبولا إذا كان الدعاء على فئة خاصة منهم إذا كانت هذه الفئة ظالمة معتدية كما هو الحال اليوم مع الصهيونية التي احتلت أرض فلسطين، فلو كان الدعاء على المحتل المغتصب فهذا لا ضير فيه ولا خلاف، أما أن أدعو على الآخر لمجرد أنه ليس على دين الإسلام فهذا فيه مخالفة لأصل الدين الإسلامي القائم على مشيئة الخالق -جل في قدرته- من وجود المسلم والمسيحي واليهودي والمجوسي والملحد، ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة كما أخبر -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم.
أما الآيات التي أشرت إليها وما خرجت به من (لعنة، عدم هدا يتهم، عدم محبتهم، أعداء للمسلمين، جامعهم جميعا في جهنم مع المنافقين، حرمانهم من الجنة، ظالمين، عذاب شديد، وقود النار، شراب من حميم).. فهذا ليس ظلما لهم أو تعديا عليهم، وإنما هو ناتج عن أفعالهم، ومن ذلك (كفرهم، معاداتهم للرسول والذين آمنوا معه، تبييتهم نية إيذاء المؤمنين وعزمهم على القيام بها... إلخ) كما ورد في أقوال أهل التفسير.
ولا بد أن تدرك نقطتين هامتين عندما تتلو هذه الآيات الكريمة:
الأولى- أن الله تعالى هو خالق هذا الكون بمن فيه، وله أن يأمرهم بما شاء، وأن ينهاهم عما يشاء، ومن عدله بهم أن أخبرهم بما يتوجب عليهم فعله حتى ينالوا رضاه ومحبته، وبالتالي يدخلهم في جناته التي أعدها لعباده المؤمنين، كما له أن يعذب كل الذين تهاونوا وتساهلوا بالالتزام بأوامره؛ بل ورفضوها ولم يقبلوها، ناهيك عن معاداتهم لها، وإضلال الناس، وصدهم عن طاعة ربهم وامتثال أوامره.
وهذا بصورة مبسطة -ولله المثل الأعلى- كعدم صرف صاحب الشركة راتب موظفه الذي لم يحضر إلى الدوام، كما أن له معاقبته إذا استخدم الشركة وإمكانياتها في غير ما طلب منه مديره.(9/382)
الثانية- يعتبر أهل الديانات الأخرى أن المسلمين على باطل، وأنهم كفار بزعمهم؛ لذلك لم يؤمنوا بالإسلام ولا بنبي الإسلام، ولو قرأت بعض نصوص الإنجيل أو التوراة المعروفة بالعهد القديم والعهد الجديد لرأيت منها الكثير. وبالتالي لا يقبل أن نعتبر أن الإسلام اختص من بين كل الديانات في اعتبار مخالفيه على باطل.
ويفيدك أن تطالع في هذا الجانب الروابط التالية:
- لا أستطيع أن أقول "آمين"!!
- خطيئة تعميم الدعاء على المسيحيين .. مشاركة
- الشيخ الخطيب: ادعوا على الظلمة فقط
* بالنسبة لمن لا يعرف عن الإسلام شيئا فهؤلاء إن وجدوا -وهذا نادر في أيامنا بحكم توسع وتعدد وسائل الاتصالات- يسمون أهل الفترة، وعلى أصح أقوال العلماء فهم أمرهم إلى الله تعالى، وليس لنا أن نحكم عليهم بشيء بل نقف عند تبليغهم الإسلام إن وصلناهم دون أن نزيد في ذلك شي ئا.
* أما قولك: "لماذا اللعنة وشراب من حميم لمن أبواه نصراه أو هوداه أو مجساه؟؟ لماذا يُحرم من الجنة ما دام لم يسمع بالإسلام إذا كان قائما على أصول دينه الصحيحة التي يقرؤها في الإنجيل (لا يعتدي، لا يسرق، لا يقتل، لا يكذب، لا يزني، لا يشري الخمر، لا يفتن)".. فهذا غريب كونك مسلما بداية، ويبدو لي من حديثك أنك مطلع على أحكام الإسلام لدرجة تؤهلك أن تعي هذه الأمور.
أريد أن أكون صريحا معك أخي طارق؛ لأن القضية التي طرحتها بهذه الطريقة تثير التساؤل عن قصدك فيها؛ فربما يفهمه البعض على أنه اعتراض منك على مشيئة الله وأحكامه التي ندرك حكمة بعضها ونجهل حكمة الكثير، وأنا أنزهك أن تقع في هذا.
لا بد أن تعلم أخي الحبيب أن الإسلام ليس دينا مختلفا عن سابقه من الأديان السماوية مثل النصرانية واليهودية، إنما جاء كخاتم لها، يقول الحق تبارك وتعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 85).
ونحن نعتبر أن اليهودية -الصحيحة غير المحرفة- هي العهد القديم، والنصرانية -الصحيحة غير المحرفة- هي العهد الجديد، والإسلام هو العهد الأخير الذي أراده الله تعالى. وهذا مكتوب أصلا في التوراة والإنجيل الذي أخبرنا الله عنه في كتابه العزيز بقوله: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبائث وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف: 157).
لكن هناك من حرّف كلام الله من أهل الكتاب، يقول الله تبارك وتعالى {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة: 75)، وبما أن القرآن كلام الله الحق المنزّه عن التحريف لضمان الله تعالى بذلك {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9). لذا لا بد للناس كل الناس -وعلى الأخص أهل الكتاب- أن يؤمنوا بالله تعالى وبوحدانيته، وبالإسلام ورسوله محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، الذي جاء خاتم الأنبياء والمرسلين.
* وقضية أخرى أخي الحبيب أحب أن أشير إليها، وهي أن المسلم الداعية لا يخفي عن المدعو شيئا؛ لأنه لا يخشى من معتقده، والإسلام هو دين الفطرة التي خلق الله الناس عليها، وهو كذلك لا يخالف العقل والمنطق الذي يعرفه الناس بل إنه مصدر لهما وموجِّه بشرائعه وأحكامه.
والدعوة إلى الله تقتضي الحكمة فيها، والحكمة هي أن تضع الشيء في أليق مواضعه، وبالتالي فيلزم الداعية أن يعرض بداية النقاط المشتركة بينه وبين المدعو الذي يخاطبه، كما يلزمه أن يبدأ بالنقاط الأساسية في دعوته وينطلق منها للحديث بالتدريج فيما يتفرع عنها. وعلى سبيل المثال: أتحدث عن وجود الله لمن كان ملحدا، ثم أتحدث عن صفاته ومخلوقاته التي تدل عليه، ثم أتحدث عن كيفية تعرفنا على أوامره ونواهيه، وكيفية عبادته، وهكذا إلى أن أصل به أن يكون مسلما خالصا إن أخذ بأسباب الهداية، وكان له منها الحظ والنصيب.
* بالنسبة للآيات التي أشرت إليها والتي تتكلم عن المنزلة الخاصة لأهل الكتاب، وعلى الأخص النصارى منهم لا تتعارض مطلقا مع الحديث عن تحريفهم لكتاب الله المنزل عليهم، ولا عن كفرهم العقدي الذي انتهوا إليه.
القضية ببساطة أن العقيدة التي هم عليها تم تحريفها بالإنقاص منها والزيادة عليها، أو التبديل منها؛ حتى وصل الأمر لتحليل الحرام وتحريم الحلال، ناهيك عن تحليل وتحريم رهبانهم لهم ما لم يأمر به الله تعالى. لأجل ذلك فهم بنظرنا -نحن المسلمين- كافرون من حيث العقيدة كما يعتبروننا هم في عقيدتهم؛ كونهم لا يؤمنون أصلا برسولنا محمد -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ونحن نؤمن بالأنبياء كلهم بمن فيهم موسى وعيسى عليهم السلام أجمعين.(9/383)
* بالنسبة لليهود كذلك.. شأنهم شأن النصارى وغيرهم ممن خالفنا المعتقد؛ فلا ندعو عليهم بالعموم كيهود، ولكن لنا أن ندعو على من احتلَّ أرضنا منهم، ودنّس مقدساتنا، وانتهك أعراضنا، ويتّم أبناءنا، ودمّر بيوتنا، ورمّل نسائنا. وهذا لا يختلف عليه اثنان، أما تعاملنا معهم سواء التجاري أو الاجتماعي فهو جائز ما داموا ليسوا محاربين لنا ولا معتدين علينا، ولا يوافقون ويدعمون المعتدين منهم .
*أما المشركون فهم كغيرهم من المدعوين، ينطبق عليهم ما ينطبق على غيرهم من أنهم كعقيدة كافرون إن بقوا على ما هم عليه؛ فعقابهم عند ربهم نارا وقودها الناس والحجارة، ودورنا معهم أن نعرفهم بدين الله الذي جاء خاتما لكل الشرائع التي سبقته، والتي جاء بها أنبياء الله ورسله.
*ونؤكد هنا أن أهل الكتاب والمشركين والملحدين وأتباع الديانات الأخرى هم كافرون؛ لأنهم لم يؤمنوا بالإسلام وآمنوا بغيره، لكن كفرهم هذا لا يعني أن نقاتلهم حتى يدخلوا في ديننا، أو أن نجعل أصل العلاقة بهم قائمة على قتالهم ومحاربتهم والدعاء عليهم!!.
نحن ننادي الدعاة في كل زمان ومكان أن يكون الدعاء للمخالفين بالهداية؛ لأن هذا هو نهج النبي محمد -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-.
ويفيدك هنا الاطلاع على الفتاوى التالية:
- عقيدة أهل الكتاب
- حكم من لم تبلغْه دعوةُ الإسلام من أهل الكتاب
- أهل الكتاب واتخاذهم أولياء
الهدي النبوي مع غير المسلمين
والدليل على أن الأصل هو الدعوة لغير المسلمين بالهداية ما كان من حال النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في كثير من الأحاديث؛ كقوله فيما رواه البخاريُّ ومسلم أنّه رفض أن يدعو على المشركين يوم العقبة، بل رفض ما عرضه عليه ملَك الجبال: " إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك؛ فما شئت.. إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (جبلين)؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئا".
كما روى البخاريُّ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قدم الطفيل وأصحابه فقالوا: يا رسول الله، إنَّ دوسا قد كفرت وأبت، فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس"، فقال: "اللهمَّ اهدِ دوسا، وائت بهم"، فدعا لهم بالهداية ولم يدع عليهم.
وروي عن جابر -رضي الله عنه- قال: قالوا: "يا رسول الله، أحرقَتْنا نبال ثقيفٍ فادع الله عليهم"، فقال: "اللهمَّ اهد ثقيفًا" (رواه أحمد والترمذيُّ بسندٍ صحيح).
وعلينا أن نبذل معهم كل جهد ممكن لنوصل لهم الإسلام نقيا صافيا بحكمة وموعظة حسنة؛ علّ وعسى أن يهديهم الله تعالى؛ فننال بهم الأجر العظيم الذي ذكره حبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بقوله: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم" (رواه البخاري).
ومن عادانا منهم فالقوانين الدولية والشرائع السماوية تكفل لنا أن نرد عدوانه ونوقف ظلمه.
ختاما آمل أن أكون قد استطعت أن أجمل لك الرد، على أن أترك التفاصيل لك في بعض الروابط التي أنصحك بقراءتها ومتابعتها.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك ممن يتبع الإسلام بفهم وعلم ويقين يعينه على الثبات على هذا الدين إلى أن يلقى تعالى.
(((((((((((((
الفهرس العام
الباب التاسع- استشارات دعوية
. ما الأفضل في العمل الدعوي تعدد الأعمال أم التخصص ؟
. كيف أتصرف مع طالبتي ؟
. أريد معرفة الطريقة الأفضل لدعوة زميلاتي ؟
. دعوة المعلمات والمشرفات التربويات ..
. توقفت عن الدعوة بسبب المواصلات ..
. كيف أستطيع الوصول إلى الفتيات غير الملتزمات؟
. ما أفضل طريقة للاستفادة من عطلة عيد الحج دعويا .
. عيد الأضحى واستغلال الاجتماعات في الدعوة ..
. خصوصيات النساء في الحج .
. الوسواس القهري ..
. أحب الدعوة وأخاف الرياء..
. خوفي من دعوة طالبات مدرستي ..
. أريد أن أدعو ولكن .. أخي يمنعني
. متبرجات ويستأن من نصحي.
. داعية.. لم أستطع تحصيل العلم الشرعي .
. تصنيف الدعاة والداعيات هل هو واقع أم وسواس ؟
. طرق الاستفادة من مناسبة العيد في دعوة غير المسلمين
. الطرق المناسبة للدعوة إلى الله في العيد ...
. الوصايا العشر لاستثمار رمضان دعوياً
. كيف أستثمر رمضان دعوياً ؟؟
. كيف يستقبل الدعاة شهر رمضان المبارك ؟؟
. ما أنسب طريقة لدعوة زميلاتي ؟!
. كيف تدعين غير مسلمة للإسلام؟!
. أرى منكرات كثيرة فماذا أفعل ؟
. كيف أوجههن ؟
. كيف أدعو إلى الله ؟؟!!
. الوالدان والجامعة والدعوة .. فيهما فجاهد
. درجات المناصحة
. مذبذبة وأريدها داعية.. الأهم فالمهم
. لا بد من التدرج مع المدعو
. رفقاء الدعوة.. أدوات تثبيط ..
. عدم خدمتي لهذا الدين يؤرقني
. الصحبة للصالحات والدعوة لكل أحد
. أريد فعل الخير ونشر الدعوة.
. تعبت مع نفسي الأمارة بالسوء .
. ما حكم استخدام الصور للأمور الدعوية؟
. حكم صرف الزكاة للمناشط الدعوية
. مشكلة ملل الدعاة .
. أريد أن أدخل غمار الدعوة.. كيف؟
. أمنيتي الدعوة ولا أدري كيف أبدأ!
. شردت عنا ثم اطمأنت لي.. كيف أدعوها؟!
. لدي طاقة وحماس
. الإسلام أم التنظيم ؟؟
. دعوتنا تهدم إيماننا.. لا رهبانية بالإسلام
. المناشط الدعوية كثيرة
. داعية ناجحة.. معاصيها تستوقفها
. اعاني من برودة في النشاط
. أريد أن أدخل غمار الدعوة.. كيف؟
. اشكو من التثاؤب الدعوي
. كيف أحافظ على من دعوتهم ؟
. كيف نجمع بين الأثنين
. أصاب بقنوط
. لا أريد أن أفشل في منزلي !
. أصاب بفتور
. أحب الدعوة.. دلوني على الطريق
. أحس أني داعية فاشلة !
. المرأة الداعية.. مشكلات من نوع خاص(9/384)
. تسمية الدعوة النسائية
. مجتمع غربي
. نصائح لدعوة الجيران في رمضان
. دور الداعية في المنزل
. (قرارالمرأه في بيتها أولى )
. (الوصفة الخاصة للتوفيق بين متطلبات الدعوة والمنزل
الباب العاشر- حوار الأفكار
المرأة الداعية وتحدي الإعلام مع د. شيخة المفرج
استغلال فرحة العيد في الدعوة إلى الله في لقاء مع أ. نوف العنقري
شروط الحسبة وأهميتها.. وثقافة المحتسب مع الأستاذة الفاضلة فاطمة الجارد.
أ.إيمان السعدون والعقيدة السليمة التي يجب أن يتحلى بها الداعية .
واقع الأنظمة وآليات تمكين المرأة من حقوقها الشرعية) مع الدكتورة نجلاء المبارك .
بناء المرأة الداعية وتكوينها ) مع الدكتور عبد الكريم بكار.
حوار مع الأستاذة منيرة المفرج حول (واقع الدعوة إلى الله و تطلعات المستقبل).
تغريب المرأة المسلمة مع الداعية الدكتورة حياة باأخضر
د.منى العواد ...الفرصة للدعوة أمام الطبيب كبيرة وذات أرض خصبة
مشروع تفعيل الهوية ..د/هناء سنبل
الأستاذة أمل خضر..الدعوة في السجن النسائي..
الداعية منى صلاح: العمل الاجتماعي غائب عن خريطة الدعوة الإسلاميّة
أ. رقية الحجري: رؤيتي لأي إعلامية!
خادمات.. تحولن إلى داعيات
حوار مع الدكتورة / رقية المحارب
المرأة بين الواجب الأسري والواجب الدعوي.
الشيخ الدكتور سفر الحوالي يتحدث عن: أهمية عمل المرأة في الدعوة إلى الله وضروريته في زمننا الحاضر.
الدكتور محيي الدين الصافي ...المرأة المسلمة تعاني من الأمية الثقافية
الشباب والصيف
هل يصلح الإسلام لهذا الزمان؟
دعوة النساء .. من المظهر إلى الجوهر
أبجديات العمل الجماعي
المخيمات الطلابية .. أفكار وبرامج
إنكار المنكر .. فردي أم جماعي؟
ننصحه فيتوب .. ثم يعود!
خطة صيفية للمراكز الإسلامية
الحقد الأخوي .. كيف أنزع فتيله؟
في علوم الكمبيوتر .. ماذا أقدم للإسلام؟
برامج دعوية للإجازة الصيفية
إلقاء الكلمات .. خطوات لكسر الخوف
لا أثق بنفسي .. نظرة الهر والأسد
دعوة العمال .. الواجب المنسي
موقع للمسلمين الجدد .. قواعد للنجاح والتميز
كيف أنقذ زوجي من المسابح المختلطة؟
سب الحكام .. طريق للإصلاح أم دعوة للبلبلة؟
طالبي لا يكتم سرا .. أفكار للعلاج
تحفيظي للقرآن يضعف إيماني!
تتبع العورات .. وسيلة دعوية!!
طلب المسئولية .. معادلة التطلع والمصلحة
دعوة الرجال للنساء .. الممنوع والمقبول
الفساد ينتشر .. الإصلاح لا اليأس
حملة ضد سب الذات الإلهية
7 أفكار للدعوة بالمحاسبة
كيف أدعو جاراتي؟
لماذا نمنع غيرنا من الدعوة لدينه؟!
في الحلقة التربوية .. مشكلات وحلول
الدعوة النسائية في الغرب .. قواعد وأصول
خطوات عملية للدعوة إلى الحجاب
صفات خطيب الجمعة الناجح
التفرغ للدعوة .. العلم لن يعطله العمل
بـ "الباوربوينت" .. ندعو إلى الله
أنا المخ .. فأين العضلات؟!
التمييز بين النشء .. معول يهدم "الذات"
هل يأثم المقصر في مهامه الدعوية؟
"جماعة التبليغ" .. كلها عيوب!!
ترك الدعوة .. يصون النفس والدين!!
كيف تصبح واثقا بنفسك؟
جماعتي: تزوج أختا وإلا .. !!
في الحركات الإسلامية .. لا "للأحكام العرفية"
الدعوة الإلكترونية .. مفاهيم ووسائل
المحمول والإنترنت .. في خدمة الحجاب
الدعوة .. تؤخر زواجي ودراسة خطيبتي!!
في غرف الدردشة .. بشروا ولا تنفروا
الرأي الآخر في جماعتي .. ممنوع
الإخوان والسلفيون .. الإخوة الأعداء
أيهما أقدم: دعوتي أم بر والدتي؟
الغلو في الإسلام .. أزمة الفهم والتعامل
للارتقاء بالشباب .. التشخيص أول العلاج
سلفي، أم إخواني، أم ...؟؟ السؤال الخطأ
لمحات من فقه الإمارة
نحن وطلابنا والسلفي .. مشاركة تفتح أبوابا
14 وسيلة للتفعيل الإيماني والحركي
الملل الدعوي .. كيف نتجاوزه؟
الحب .. سلاح الدعاة
نحن وطلابنا والسلفي.. الحق أولي
المرفهون لا يصلحون للدعوة !!
كيف أقدم الصحابيات إعلاميا؟ .. الجمهور أولا
"الرسول قدوتنا".. كيف نحققه عمليا؟
كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم قائدا ومفكرا؟
الإداريات والإيمانيات .. تكامل لا تعارض
عقيدة زوجي .. تساؤلات وشبهات
أبي يبيع الخمر .. كيف أوقفه؟
أخي متعلق بطلابه .. وصايا ضابطة
يسألوننا في الغرب: لماذا الحجاب؟
دعوة الأم .. خير هدية في عيدها
الشعور بالانتماء .. كيف أغرسه؟
من يربي الذي يربيني؟!
العزلة أم الدعوة .. أيهما أحفظ للمرأة؟
في تغير الشباب .. من أين أبدأ؟
اللقاء الدعوي الناجح .. "وصفة نبوية"
الدعاة والجمهور .. من يقود من؟!
السمع والطاعة .. للدولة أم للجماعة؟
حائر بين والدي والعلم الشرعي
من الأم إلى الابن .. الوصايا العشر
في دعوة الأطفال .. وصايا ومحاور ووسائل
المسلمون في الغرب .. صراع المناصب!!
أتخيل الفاحشة .. هل أصلح للدعوة؟
في المجتمع المسلم .. هل أدعو غير المسلمين؟
قواعد في الارتقاء بالمربين
تعلق الطالب بالمشرف .. مناخ جيد للاستثمار
التعزيرات العبادية للمخالفات التنظيمية
في فلسطين .. بالطب نقاوم
افتعال المواقف التربوية في الميزان
عندما يتعارض الحركي مع المهني
"ملتزمون جدد" .. خطة للتفعيل الدعوي
صناعة الإرادة .. خطوات عملية
طالبي وأصدقاء السوء .. مراجعات لإنقاذه
كيف ننصر إخواننا في فلسطين؟
احتكار الحق .. أين الخلل؟ وكيف العلاج؟
أتراجع إيمانيا .. الحل في سورة الكهف
دور الدعاة في نصرة الأقصى
السرية التنظيمية .. أصل أم ضرورة؟
المعصية والدعوة .. هل يجتمعان؟
الرحلات الدعوية .. ترفيه وتهذيب
كيف أستعيد ثقتي بنفسي؟
في المجر .. كيف أبدأ عملا نسائيا؟
بين الدعوة وطلب الرزق .. النية والتوازن
صناعة الإبداع .. نصائح وخطوات(9/385)
قواعد في أدب الخلاف
في عيادة الأسنان .. أفكار دعوية
"العمل التنظيمي" .. شرط لاكتمال الإيمان!!
تربية الشباب = اتصال فعال + إبداع في البرامج
أدعو اليابانية أم أتزوجها؟ .. راجع الضمان
الحلقة العائلية .. وصايا ومقترحات
الخطابة في أوربا .. أفكار للنجاح والتأثير
كيف نستثمر الهجرة دعويا؟
الإسلاميون والسياسة .. أين الخلل؟
الدليل العقلي أم القرآن والسنة؟
طالبي ضعيف العزيمة .. راجع تربيتك له
داعية .. يقول ولا يفعل!!
كيف تكون المرأة داعية؟
المربي والمتربي .. أفكار للتفاعل
الحركة الإسلامية أم "صناع الحياة" ؟
الذوبان في التنظيم .. بين الرفض والتسليم
أحب زميلتي المسيحية .. هل أتزوجها؟
"فلسفة الحج في الإسلام" في تجمع الطلاب الكاثوليك
كيف أمارس الدعوة؟
داعية في كل مكان
الدعاة الجدد والإعلام .. هات وخذ
مهرجان العيد للأطفال .. أفكار ومقترحات
كيف يرتقي الداعية بإيمانه؟
قواعد في اختيار الدروس وتحضيرها
الصلاة في المدرسة .. وصايا ومقترحات
خجولة ومترددة .. هل أصلح للدعوة ؟
مع زميلتي المسيحية .. شبهات وردود
نختلف.. ولكن على تحرير فلسطين نتوحد!!
الخطيب المؤثر .. طريقة التكوين والنجاح
أيهما أولى بالعمل: الإسلام أم التنظيم ؟؟
معاقبة المحجبات بالمدرسة .. معادلة الراعي والرعية!!
أريد الخروج في سبيل الله .. أين واجب الوقت ؟!
مشكلات طلابية في حلقة قرآنية
التضحية بالدعوة أم بالدراسة .. إشكالية الأم والجنين!!
الالتحاق بالجماعة .. منشِّط أم معوِّق ؟
مع طالبات الثانوي .. من أين أبدأ ؟
هل يُسأل التنظيم عن أخطاء أفراده ؟!
قل له: نحن نصنع أقدارنا !!
حديث المقابر الليلي .. للدعوة وسائل أخرى
بين الغيبة والتقييم الدعوي .. ضوابط وآداب
هموم دعوية في الجامعات "الإسرائيلية"
حبيبتي غير محجبة .. الدعوة قبل القرار
بين هاجس الفشل والأمنية.. حيرة داعية
"أخشى أن أورطهم في حفظ القرآن"!
لستُ مقتنعًا برأي القيادة .. إنه اختيارك
أصدقائي يسألون: لماذا الإسلام؟؟
دعوة الأنام باختلاق الأحلام !!
من الطلاب إلى الموظفين.. الطريق موصول
خطبة الجمعة والموقف السياسي .. منهج الإسقاط
دعونا نتحرر من "المكي والمدني" !!
خطبة الجمعة والموقف السياسي .. منهج الإسقاط
دعونا نتحرر من "المكي والمدني" !!
طالبة الثانوي التائبة .. السلاح قبل الكفاح
كيف أبدأ الدعوة في بلاد الخليج؟
خائفة على مستقبل أولادي .. من زرع حصد
كتب للمسلمين الجدد .. خطوات قبل الترشيح
يرونني مقصرة .. المنهج لا الأشخاص
كاتبة تائبة .. اطرحي اليأس، وواصلي العطاء
التنافس الدعوي بين الزوجين .. بناء لا هَدْم
عندما يصاب الدعاة بالشيزوفرينيا!!
العمل الجماعي.. أسس وضوابط
الداعية والحب.. ما نملك وما لا نملك
روشتة لعلاج الكسل الدعوي
كيف نجعله عيدا دعويا؟
الطالب الداعية .. والدوائر الثلاث
"أضيق بمعلماتي".. في موسى والخضر العبرة
ترك الدعوة للانصلاح.. فرار لا قرار
تأصيل الطالب تربويا .. (مشاركة)
لاستثمار الليالي العشر.. التنوع والتخطيط
العشر الأواخر، وبرنامج للاعتكاف
الناصح المعين في دعوة غير المسلمين
رمضان شهر الولائم .. استثمريها لأهدافك
جماعة توحيد الجماعات.. "ولا يزالون مختلفين"
الداعية "السوبرمان".. والمهام الصعبة
داعية عنيف ثقيل غير مرغوب!!
برنامج رمضاني.. فردي وجماعي
تأصيل الطالب تربويا.. إضاءات على الطريق
حينما تعوق الدعوة عن التفوق
في دعوة ذوات الحجاب الملون
الدعوة لغض البصر بالقرآن والسنة
الدعوة النفعية والزهد في الآخرة!
ربة البيت في رمضان .. داعية الداخل والخارج
الدعوة للحجاب.. اغتنم رمضان
رمضان بالجامعة المفتوحة.. نصائح دعوية
الأولويات الدعوية في رمضان
الدعوة في المدرسة.. البيئة الرائعة.. والأيام الجميلة
لدعوة الصديق.. الإسلام الجذاب هو الحل
رسالة ود إلى النصارى !!
الدعوة في المدرسة.. أفكار وأنشطة
مسئولة جديدة: أين الطريق للتميز؟
ضوابط "الاختلاط" بين الإخوة والأخوات
أريد دعوتها ولا أجيد لغتها!
لتطوير الذات.. أفكار ومقترحات
زوجي يتجه غربا.. البوصلة بيدك
بعد الهداية.. كيف أدعو صديق الغواية؟
المسلم والآخر.. تساؤلات وشبهات(9/386)
المفصل في فقه الدعوة إلى الله تعالى (10)
الباب العاشر - المساجد وأهميتها
جمعها وأعدها وفهرسها
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب العاشر - المساجد وأهميتها
أدركوا بيوت الله عز وجل
يحيى الزهراني
tabuk123@hotmail.com
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الثقلين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين..وبعد:
نداء عاجل لكل من يهمه الأمر. نداء لكل من يخاف الوقوف بين يدي الله - تعالى -.نداء لكل من بيده الحل والربط. نداء إلى وزير الشؤون الإسلامية. نداء لجميع فروع الوزارة. نداء لكل خطيب وداعية يخشى الله - تعالى -. نداء لكل إمام مسجد أنيطت به مسؤولية المسجد وأمانته. أن يتقوا الله - تعالى -في بيوت الله، أن يخافوا الله - عز وجل - في المصلين الخاشعين القانتين. أن يضربوا بيد من حديد على أيدي أولئك السفهاء الجهال الذين آذوا المصلين الساجدين الراكعين التالين لآيات الله - تعالى -. أن يوجهوا وينصحوا ويرشدوا الناس كافة، إلى تحريم أذية المسلم.
أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، فقد أضحت بيوت الله - تعالى -أماكن لعرض أحدث أنواع الموسيقى والأغاني عبر الجوالات. لقد حصل في مسجدنا أن أحد جماعة المسجد، انبعثت من جواله أغنية كريهة، مما جعل الجميع يضيق بها ضرعاً، وانتهره الكثير بعد الصلاة، حتى بدى في موقف محرج لا يُحسد عليه. وآخر خرج من جواله صوت موسيقى صاخبة والعياذ بالله، مما جعل البعض يلعن ويسخط، ويدعو عليه، وبعد الصلاة، لم يكن له وجه يواجه به الناس، والأعين كلها ترقبه وترمقه، وكان في موقف لو رأيته، لما تمنيت أنك مكانه ولو أعطوك كذا وكذا.
ولأجل هاتين الواقعتين الذميمتين كانت هذه الأسطر، والتي أقول فيها: من كان يصدق أن مساجد المسلمين أصبحت أمكنة لعرض أنواع الموسيقى والأغاني؟ من كان يعتقد أن بيوت الله - تعالى -أضحت مسرحاً لعرض أصوات الطرب والأهازيج؟.
لقد عجز الأعداء أن يحولوا بيوت الله إلى كنائس أو حتى أماكن مشتركة للعبادة، تُدق فيها النواقيس والأجراس، ولكن وبحيلهم الخبيثة، ومكرهم ودهائهم المقيت، استطاعوا أن يجعلوا لهم أذناباً من أبنائنا وإخواننا ليكونوا خير معين لهم على تنفيذ مآربهم، وتنفيذ خططهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. لقد أيقن الكفار أن الصلاة هي أعظم شعيرة عند المسلمين، هي التي تربطهم بربهم، وهي التي تريحهم من همومهم، وتنفس عنهم غمومهم. وعلم الأعداء أن للمساجد حرمة عظيمة عند المسلمين، لأنها بيوت الله التي يُزار الله فيها، ويكونون ضيوفاً على ربهم، وعلموا أن للمساجد قدسيتها في القلوب المؤمنة، ومكانتها في النفوس المسلمة، وأنه لا يُسمح بتدنيسها أو خرابها، أو الإساءة إليها بأي شكل من الأشكال، فإذا ما ذهبت هيبة المساجد، ذهبت هيبة الصلاة، ومن ثم الخوف من الله، ومن هذا المنطلق حاول الأعداء جاهدين إيجاد طريق لإزالة هذه الحرمة من قلوب المسلمين، وإذابة المهابة من الله في النفوس، ولهذا عمدوا إلى مخطط الهاتف الجوال وإدخال الأغاني والموسيقى المحرمة إلى المساجد، وقد نجحوا نجاحاً باهراً لم يسبق له نظير، نتيجة الجهلاء والسفهاء من الناس، الذين اتخذهم الأعداء مطية لتحقيق مآربهم، والناظر في واقع مساجدنا ومرتاديها، يدرك حقيقة النجاح الذي حققه الأعداء، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وفي هذه العجالة التي لا تحتمل الإطالة، أذكر نفسي وإخواني المسلمين بخطورة إدخال الجوال إلى بيوت الله - تعالى -، لعل الشاردين من أبنائنا يعودون، والتائهين يستدلون، وغيرهم يتذكرون ويعتبرون، إن في ذلك لذكرى للذاكرين، وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.(10/1)
قال الله - تعالى -: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء110]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا ضرر ولا ضرار " [حديث صحيح]، وسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يرفعون أصواتهم بالذكر وهم مُحْرِمون فقال لهم: " اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، وإنما تدعون سميعاً بصيراً "، ولما دخل المسجد - عليه الصلاة والسلام - وجد أصحابه وقد ارتفعت أصواتهم بالقراءة فقال: " لا يجهر بعضكم على بعض "، وكانوا يرفعون أصواتهم بالقراءة في الصلاة، فنهاهم عن ذلك وقال: " من ذا الذي ينازعني القرآن " أو كما قال - عليه الصلاة والسلام -. فهذه النصوص الشرعية تدل على كراهة أو تحريم رفع الصوت بقراءة القرآن أو الأذكار في المساجد وهي بيوت الله - عز وجل -، والقرآن كلام الله - تعالى -، والذكر أفضل الأعمال، وبنيت المساجد لذلك، ومع ذلك فإنه لا يجوز لمسلم أن يزعج من حوله في المسجد بالقراءة، لما في ذلك من إشغال الذهن، وتشريد الفكر، فلما كانت هذه فتنة ومفسدة للغير، مُنع منها المسلم، درءاً للفتنة، وإغلاقاً لباب الإيذاء المترتب على رفع الصوت بين الناس، لاسيما وهم يؤدون أعظم الفرائض. فما بالنا اليوم بمن يأتون المساجد في ضيافة الرحمن جل جلاله، واقفون بين يدي العزيز الجبار، وبدل أن يخشعوا في صلاتهم، وينصتوا لإمامهم، ويُنيبوا إلى ربهم، تجدهم يدخلون بهواتفهم المحمولة، دون إغلاق، بل يتركونها تعمل لينطلق منها موج هادر من الموسيقى المحرمة شرعاً وعرفاً، تصعق المستمع، وتشغل الخاشع، تغضب الرحمن جل جلاله، وترضي الشيطان وأعوانه، أصوات مفجعة، ونغمات مفزعة، وأغان موجعة، أدخلوها أعظم البقاع حرمة وقدسية، وأحب البلاد إلى رب البرية، فأين عقول أولئك البشرية؟ والله - تعالى -يقول: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} [الحج30]، ويقول - سبحانه -: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج32]. وأي تعظيم لحرمات الله وأناس يدخلون بجوالاتهم إلى بيوت الله، وأي تعظيم لشعيرة الصلاة وعبيد لله لا يخشون الله ولا يخافونه، تنبعث من هواتفهم الموسيقى الماجنة الصاخبة، وأدهى من ذلك وأمر، وجود أصوات الأغاني داخل المساجد، نسأل الله العفو والعافية، ونسأله الثبات على دينه، ونسأله أن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، إنها والله فتنة عظيمة، ومصيبة كبيرة، حطت رحالها بالأمة، وياللعجب عندما ترى بعض الناس يسمع ولا ينكر، بل ربما ابتسم أو ضحك، أو قال لا دخل لي، فأين الإسلام؟ أين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أين الغيرة على دين الله؟ وأين الغضب لله إذا انتهكت محارمه؟ رُحماك ربنا بحال أمتنا، أمة أكل عليها الزمن وشرب، إلا من رحم الله وقليل ما هم. فيجب على كل مصلٍ أن يتقي الله - عز وجل -، وأن يجعل مخافة ربه نُصب عينيه، وأن يغلق جواله إذا دخل المساجد، أو يجعله على الصامت أو الهزاز، ووالله إن إغلاق الجوال لهو أنجح وسيلة للخشوع، وعدم التعلق بالدنيا. فيجب على المسلم أن يكون وقَّافاً عند حدود الله، مبتعداً عن النواهي، منزجراً عن الزواجر، حتى لا يشغله شيء عن صلاته، فبقاء الجوال يعمل دليل على سخف الرجل وضآلة عقله، وقلة تفكيره، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان44]. ولا يختص الكلام بأصوات الموسيقى والغناء المنبعثة من الجوالات، بل حتى أصوات الأذان وقراءة القرآن، فهي أصوات تؤذي المصلي، وتنزع طمأنينته وخشوعه لربه، فلا يجوز لأحد أن يؤذي المسلمين والمصلين، لاسيما وقت الصلاة، لأن الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي أول ما يُحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة، وهي عمود الإسلام وفسطاطه الذي لا يقوم إلا به، فلذلك يجب العناية بالصلاة أشد عناية، والاهتمام بها أعظم اهتمام. ومن دخل المسجد وترك جواله يعمل فقد أساء وظلم وتعدى، وأسرف وآذى، والله - تعالى -يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [الأحزاب 58]، ويقول - سبحانه -: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج10]، ولا يخفى على كل ذي لُب أو عقل راجح ما للجوال من مضار ومساوئ داخل المساجد.
وفي نظري أن مرد تطاير أصوات الجوالات في المساجد يعود إلى ثلاثة أمور:
الأول: الجهل بحكم الشرع في هذه النازلة والمعضلة الخطيرة: وقد زال الجهل بفضل الله - تعالى -بصدور فتاوى العلماء بتحريم استخدام الجوال داخل بيوت الله - عز وجل - من خلال الخطب والمحاضرات والأشرطة والنشرات، والمسلم يعلم علم يقين حُرمة الموسيقى والغناء، فأي جهل بعد ذلك.
الثاني: النسيان: الله - تعالى -لا يؤاخذ عباده بالنسيان، لكن هناك الملصقات الحائطية، والإرشادات الكتابية، الدالة على تذكير المصلي بضرورة إغلاق جواله، وهنا قد زال النسيان، وهب أن مصلياً دخل بجواله ونسي إغلاقه، فإن رنَّ وهو في الصلاة فيجب عليه أن يخرجه ويغلقه، حتى لا يستمر في الرنين بين الفينة والأخرى، وهذا أسلم حل لذلك، وها قد انقشع غمام النسيان، وظهر البيان بالبرهان.(10/2)
الثالث: الكبر والعناد: ولا أظن مسلماً متقياً عارفاً بالله وحدوده وعقوبته، ويتكبر على الله وعلى عباد الله، لأن الله هو المتكبر الجبار، الله هو الكبير المتعال، ولله الكبرياء في السموات والأرض، الكبرياء رداء المولى - جل وعلا -، في الحديث القدسي: " قال - عز وجل - : العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عذبته "، الكبر من أشد الذنوب عقوبة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " [أخرجه مسلم]، ولا يتكبر إلا إنسان فيه شعبة من الجنون، أو ربما فقد عقله، لأنها خُلة لا تنبغي إلا لله - عز وجل - وحده، ولا أظن مسلماً عاقلاً يتلبس بصفة ليست له، وليس من أهلها، فهو عبد لله، مملوك لله، ضعيف، فقير، لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، لا يملك حولاً ولا قوة، فكيف يتكبر العبد وقد خرج من مجرى البول مرتين، ويحمل في بطنه العذرة القذرة، والله - عز وجل - منزه عن النقائص والمعائب.
ولكن هناك فئة من الناس ربما فقدوا الإيمان من قلوبهم، ونزعوا الدين من صدورهم، فلا يخافون الله ولا يتقونه، ولا يردعه إلا حكم السلطان، وجور الحكام، وتسلط الأمراء، كما قال عثمان - رضي الله عنه -: " إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن "، وهذا صحيح، فبعض الناس لا يرتدع بآيات القرآن الكريم وزجرها ونهيها، ولا بالسنة وتحذريها وتخويفها، ولكن يخشى عقوبة غير الله، ويخاف غير الله، وهذه ثلمة في الدين والعياذ بالله، فلو أمر السلطان بمنع الدخول بأجهزة الجوال إلى المساجد ورتب على ذلك عقوبة أو حتى بدون عقوبة، لما دخل بها أحد أبداً، فنسأل الله السلامة والعافية. فألا يخاف من يدخل بجواله المسجد ويزعج المصلين، ألا يخاف أن يرفع أحدهم يده متضرعاً لإلى الله - تعالى -بأن يهلكه أو يشل أركانه، أو ينتقم منه بأي طريق كان، فليتنبه صاحب الجوال لهذا الأمر، فإنه ليس بالهين ولا بالسهل، فالدعاء في ذلك الموطن مستجاب، فربما أصابته دعوة الناس في ذلك المسجد، فيبوء بالخسارة في الدنيا والآخرة. وأشير هنا إلى قول الله - عز وجل -: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم7]، الجوال نعمة من نعم الله المتعددة والمتوالية علينا، وفوائده لا ينكرها أحد، وذلك إذا استخدم الاستخدام الأمثل، أما إذا تم استعماله في المنكر والمحرم وذلك بإدخاله إلى بيوت الله للتشويش على الناس، أو التجسس عليهم في مجالسهم، أو تصوير الصور المحرمة واستقبالها، أو إدخال نغمات موسيقية وأصوات محرمة فهذا وأمثاله حرام، وهو من استعمال النعمة في غير مكانها، بل ربما انقلبت النعمة نقمة والعياذ بالله، ويجسد القرآن هذه الحقيقة في سورة النحل في قول الله - تعالى -: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النحل112]، فهلا تأمل الناس هذه الآية؟ قال - تعالى -: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح 13]، فهل إدخال الموسيقى أو الأغاني أو حتى الأذان وقراءة القرآن عبر الجوال، وإزعاج الآخرين من المصلين، هل هذا من توقير الله - تعالى -، والأخذ بسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -؟ لا شك أن الجواب، ليس ذلك من توقير الله - عز وجل -، ولا هو من توقير النبي - صلى الله عليه وسلم -. فالواجب علينا جميعاً شُكر هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا، ومن شُكر هذه النعمة استخدامها في طرق الخير، والحذر من طرق الشر، حتى تدوم النعم ولا تزول. وآخر دعوانا أن الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه.
http://www.islamselect.com المصدر:
=============
(21)فكرة دعوية للمساجد
إصدار جديد
عبد الله القحطاني
الفكرة /
أن يقوم الداعية أو إمام المسجد بعمل مسابقة سنوية على إصدار شريط مميز عن موضوع هادف..
من فوائد هذه الفكرة /
• إتاحة فرصة الاستفادة والبحث عن الأشرطة المسموعة..
• طريقة دعوية غير مباشرة (فمن خلال جمع المتسابق لمادة الشريط يحصل التركيز من قِبل المتسابق وبذلك تحصل الفائدة)..
• اكتشاف المبدعين وتفعيل طاقاتهم..
ملحوظات /
• تحديد المواضيع الهادفة للمتسابقين، ففي كل سنة يهيئ موضوع مناسب كموضوع عن رمضان، أو التوبة، أو الموت، أو الآخرة، أو قصص من الواقع، أو الصلاة أو إصدار عن مجموعة من التلاوات، أو الأشعار، أو الطرائف والقصص... أو غير ذلك من المواضيع التي يسهل جمعها من خلال الأشرطة..
• من ضمن شروط الإصدار ما يلي: -
1- أن لا تقل فترة إعداد الشريط عن نصف ساعة..
2- أن يجمع المتسابق في إصداره بين الفائدة والإبداع..
3- أن يعتمد المتسابق في إصداره على خمس أشرطة على الأقل وذلك من خلال الأشرطة الموجودة في التسجيلات..
4- اختيار عنوان مناسب للشريط من قبل المتسابق وإيجاد خلفيه مناسبة للشريط إن أمكن..
• تحديد موعد لاستلام الإصدارات، مع وضع فترة كافية للإعداد..
• مكافأة كل من يصدر شريط أثناء الجوائز، ومضاعفة المكافأة للمتميزين..
• حفظ الأشرطة التي أصدرها أهل الحي في أرشيف المسجد، ونسخ وتوزيع المتميز منها على أفراد الحي..
http://www.saaid.net المصدر:
============
(11) فكره دعوية للمساجد هدية المسجد
عبد الله القحطاني(10/3)
الهدايا تعتبر مفاتيحاً للقلوب، ووسيلة للألفة والمحبة، وطريقا للدعوة إلى الله، وعندما تكون هذه الهدايا عن طريق المسجد فإنه يكون أثرها في النفوس أعظم وأعظم...
والفكرة / أن يقوم إمام المسجد أو الداعية بتوزيع هدية بين فترة وأخرى على جيران المسجد وذلك بشكل مستمر.
ملحوظات: -
* أن تبحث عن مصدر مادي خاص لهذا المشروع.
* أن تشمل هذه الهدية كلاًّ من البيوت والأسواق المجاورة وشقق العزاب وأماكن وجود العمال إن وجدوا.
* يكون توزيع الهدية مثلا كل 6 أشهر أو 3 أشهر المهم أن يكون العمل متواصل.
* ينبغي أن يكون هناك هدية تخص الأب، وهدية تخص الأم وهديه للشباب، وأخرى للفتيات، وكذلك الطفل والعمال، (المهم أن يكون الإهتمام بجميع طبقات جيران المسجد).
* عندما يكون هناك لجان وتوزيع للأعمال يقوم هذا العمل بكل يسر وسهولة.
* الهدية يجب أن تشمل ما يلي (وهذا على سبيل المثال): -
1- غلاف جميل، ولو كتب الاسم على الغلاف لكان أجمل، ولكن يكون ذلك على حسب القدرة.
2- شريط، أو كتاب، أو مطوية أو كارت دعوي.
3- سواك.
4- منشورات دعوية.
5- عطر أو قلم أو ميدالية أو غير ذلك.
• نجدد نوعية الهدية من فتره إلى أخرى، حتى يترقبون الجيران هذه الهدية ليعلموا ما تحتويه هذه الهدية في تلك الفترة...
• لو اجتمعت مساجد في البلدة أو الحي أو المدينة، واتفقوا على أن يكون هناك مسجد معين هو الذي تكون باسمه هذه الهدية، وتنطلق جميع هذه المساجد بالتعاون مع بعضها البعض في تأدية هذا المشروع.
• يتم عرض فكرة هذا المشروع على مؤسسة أو شركة ترعى مصروفات هذه الهدية، ولن تترد الشركات في هذا، لأن هذه الفكرة تعتبر وسيلة دعائية لها...
وأخيراً / بادر فالفكرة يسيرة على من يسرها الله عليه...
http://www.saaid.net المصدر:
=============
موسيقى في المسجد
الشيخ محمد بن إبراهيم السبر*
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فإن مما شاع في الآونة المتأخرة جراء التقدم التقني والصناعي استخدم الهواتف النقالة التي هي سمة من سمات ثورة الاتصالات، غير أن بعض الناس لا يحسنون التعامل مع التقنية، وتطويعها في الاستخدام الأمثل في النفع الديني والدنيوي بل وحتى الإنساني، فإن هذه التقنيات والمخترعات والأحدوثات ليست شراً محضاً، ولا خيراً محضاً، وهي على حسب مستعملها ومتعاطيها.
وقد أضحت أجهزة الجوالات صديقاً دائماً للمرء، لا ينفك عنها في عمله وبيته، حتى في دور العبادة والطاعة والعلم والتعليم، بيد أن استعمالها شابه بعض الأخطاء والتصرفات المشينة من وضع الجوال على نغمات صاخبة، أو تركيب أغان مشهورة لمطربين ومطربات، أو مشاهد لفنانين وفنانات، أو صوراً.. وهلم جراً.
إنني من واقع عملي إماماً وخطيباً أعاني من هذه القضية معاناة مستمرة تبدو ظاهرة في سماع النغمات الخاصة بالجوال، وقد تكون بصوت عال, أو سماع الأغاني والموسيقى المركبة على أجهزة الهاتف النقال، ناهيك عن عدم إغلاق الجوالات حال الدخول في الصلاة، وأحياناً في صلاة الجمعة، وعند الدروس والمحاضرات المقامة في الجامع، إن هذه التصرفات تتنافي مع ما ينبغي أن يكون عليه المرء المسلم في دور العبادة، وأثناء مزاولة العبادة من الخشوع والسكون والطمأنينة, فالمسلم مطلوب منه أن يعظم الصلاة، وأن يقدرها حق قدرها، ومن ذلك تنزيه الصلاة والمساجد من هذه الآفة الغريبة التي تنافي جلالة الموقف، وعظمة المكان، وتذهب خشوع المصلين قال - تعالى-: ((ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ))(الحج:32)، وقال - تعالى-: ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ))(النور: 37,36).
إن المساجد قد نُهي أن يباع فيها ويشترى، وأن تُنشد فيها الضالة، لأن المساجد لم تبن للدنيا بل بنيت لله وتوحيده وإخلاص العبادة له - سبحانه وتعالى -، إنها أماكن الذكر والعبادة والتسبيح والتهليل، ومتعبد عباد الله المؤمنين بالاعتكاف والدعاء وغير ذلك من أنواع العبادات والطاعات، فمحالٌ أن يخالط ذلك شيءٌ من الدنيا وزينتها، ولو كان ذلك بحثاً عن ضالة مفقودة فكيف بالتفاخر بإسماع الناس نغمات الجوال، وكيف بإدخال الموسيقى المحرمة إلى المساجد.
إنني أخاطب واضعي النغمات الموسيقية في الجوالات بتقوى الله - جل وعلا -، وترك هذا المنكر العظيم، فإن الغناء حرام، وآلات الغناء من المعازف، والموسيقى حرام أيضاً، فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن حكم النغمات الموسيقية في الجوال فأجابت: "لا يجوز استعمال النغمات الموسيقية في الهواتف أو غيرها من الأجهزة، لأن استماع الآلات الموسيقية محرم كما دلت عليه الأدلة الشرعية، ويُسْتَغْنَى عنها باستعمال الجرس العادي، وبالله التوفيق" [ مجلة الدعوة العدد 1795 ص 42].
كما أذكر أخي واضع النغمات الموسيقية باحترام الذوق العام، ومراعاة شعور إخوانه المسلمين الذين يتأذون منها خاصة أثناء ممارسة عبادتهم، وإن لم يكن كذلك فلا أقل من إغلاقه وقت الصلاة حتى لا تجمع مع سيئة نغمة الجوال سيئةً أخرى وهي الإيذاء لإخوانك المصلين، أو المرضى في المستشفيات، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, ومن حقوق الطريق كف الأذى كما أخبر بذلك الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -.(10/4)
ولابد لك أخي المصلي من إغلاق الجوال أو وضعه على الصامت عند دخول المسجد وذلك لئلا يشوشَ على المصلين، ويقطعَ عليهم خشوعهم وإقبالهم على صلاتهم، وإذا حصل أنْ نسي المصلي ولم يغلقْه أو يضعه على الصامت فليبادر إلى إغلاقه وإسكاته إذا اتصل أحد؛ لأن بعض الناس يدعه يرن وربما كان بنغمات موسيقية مؤذية، فلا يُغْلِقُهُ ولا يسكته؛ خوفاً من حدوث الحركة في الصلاة، والذي ينبغي لهذا أن يعلم أن تلك الحركة لمصلحة الصلاة، بل لمصلحة المصلين عموماً، كما إن من المتحتم على الجميع الاحتساب على هؤلاء، ونهيهم عن هذا المنكر العظيم بالحكمة والموعظة الحسنة، وتذكيرهم باحترام دور العبادة والعلم والمصحات والمستشفيات, وأرى أنه من الواجب على أئمة المساجد أن يتعاهدوا الجماعة كلما سمعوا أو رأوا ذلك بالكلمة والموعظة، وإعداد خطبة تتحدث عن الموضوع وتعالجه, أو قراءة فتاوى العلماء المحذرة من ذلك، كما إن الإمام لا بأس أن ينبه المصلين قبل إحرامه بالصلاة بإغلاق الجوالات، لأن وجود النغمات الموسيقية يذهب الخشوع في الصلاة, وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
___________________
* إمام وخطيب جامع الأميرة موضي السديري بالعريجاء بالرياض.
http://www.islamselect.com:المصدر
===============
هل تؤدي المساجد دورها المفترض في حياة المسلمين؟
رشا عبدالله سلامة
قال - تعالى-: ((وأنّ المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً)) في إشارة واضحة لمكانة المساجد التي نسبها الله - جلّ وعلا - إلى نفسه، كما قد وضع الله هذه المساجد ورعايتها عهدة عند الأنبياء فقال - تعالى-: ((وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركّع السجود))، وقد عزّزّ الرسول الكريم - صلّى الله عليه وسلّم - هذه المكانة عبر جعله بناء المسجد هو العمل الأوّل الذي همّ به فور هجرته للمدينة المنوّرة، كما قد لعبت المساجد دور حجر الأساس في بناء حياة المسلمين الدينيّة والسياسيّة والاجتماعية منذ نزول الرسالة، مروراً بالعصور الإسلاميّة، وانتهاءً بالوقت الحاضر الذي يرى فيه البعض غياباً واضحاً لدور المساجد في المجتمعات الإسلاميّة، فكان هذا الاستطلاع الذي حاولنا من خلاله الاقتراب من عالم المساجد للوقوف على حقيقة وضعها في مجتمعنا حاليّاً، مع التنويه لكون الآراء الواردة لم تقتصر على مصلّيي مسجد بعينه.
المسجد اجتماعيّاً وثقافيّاً:
تجدر الإشارة لكون أنّ الجانب الاجتماعي للمسجد بالنظر للهدي النبوي، والتاريخ الإسلامي؛ يتمثّل في التعارف والتزاور ما بين المصلّين، وتفقّد الغائب منهم، وإصلاح ذات بينهم، كما أنّ المسجد كثيراً ما يلعب دوراً تكافليّاً عبر صناديق المساعدة الماليّة، وهو ما علّق عليه (إبراهيم حميدان، 45 عاماً) قائلاً: "لم تعد مسألة التكافل المادّي عبر المساجد بهذه البساطة، ففي رمضان خصوصاً يطلب العشرات يوميّاً ممّن يدّعون انتمائهم لجمعيّات خيريّة المساعدة من المصلّين"، و يزيد قائلاً: "عدا عن المتسوّلين الذين يفترشون باحة المسجد، ويزعجون المصلّين في إلحاحاتهم المتكرّرّة"، ويتحدّث (أشرف أبو فارة، 33عاماً) قائلاً: "الكلّ منشغلون في وظائفهم ومسؤوليّاتهم، فالبعض يصلّي الظهر في المسجد القريب من عمله، وفي المساء يصلّي في مسجد آخر، ويوم الجمعة في مسجد ثالث، ممّا جعل معظم المصلّين لا يعرفون بعضهم"، ويشتكي البعض من غياب البهجة الاجتماعية للمساجد وخصوصاً في الأعياد والمناسبات الدينيّة، واقتصار مظاهر الاحتفال بها على خطبة الجمعة التي تتناول المناسبة بتقليديّة شديدة، وصلاة العيدين، فتقول (مريم قفّاص، 32 عاماً): "نتمنّى لو يؤدّي المسجد دور الديوان الذي يضمّ أهالي الحيّ جميعاً للاحتفال بالمناسبات الإسلاميّة"، و يقترح (محمود الهايب، 40 عاماً) و(موسى صايل، 48 عاماً) بعض الحلول التي يتمنّيان لو تبنّاها المسجد كتنظيم رحلات عمرة لروّاد المسجد المنتظمين، وتخصيص أيّام خيريّة؛ لا تقتصر على رمضان فقط، يعدّ فيها أهالي الحيّ الموائد الخيريّة للفقراء، ويشيران لكونهما لطالما حاولا تطبيق ذلك إلاّ أنّ "يدّ واحدة لا تصفّق" على حدّ قولهما، ومن المنتظر من المساجد لعب دور تعليميّ وتثقيفيّ أكبر من مجرّد احتوائها على مكتبة تضمّ كتب دينيّة، وحلقات وعظ، وتحفيظ للقرآن الكريم تقتصر على كبار السنّ والمتفرّغين في مقابل الغياب الواضح للفئة العمريّة الشابّة، وهو ما يعلّق عليه (علي مرعب، 18 عاماً) قائلاً: "لا يخطر في بال معظمنا الالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن في المسجد بسبب انشغالنا بالدراسة"، ويضيف قائلاً: "إلاّ أنّنّي وبعض الشباب في عمري نجلس لسماع بعض دروس الموعظة التي يلقيها الإمام بعد صلاة المغرب غالباً، وإن لم يكن ذلك بانتظام"، و تتحدّث (ميساء عوض، 24 عاماً) عن قصدها مكتبة المسجد ذات مرّة أملاً منها في إيجاد كتب قد تعينها على معرفة بعض الأحكام الفقهيّة، فتقول: "تفاجأت حينها بأنّ مكتبة المسجد لا تحوي إلاّ بعض المصاحف والكتيّبات المعدودة".
مخالفات سلوكيّة في المساجد:(10/5)
يبدر في عالم المساجد العديد من المخالفات الشرعيّة التي ينبّه لها الكثير من الأئمّة والمصلّين المدركين لآداب حضور المسجد، فمن هذه المخالفات في مصلّى النساء اصطحاب الأطفال الذين يزعجون المصلّين، عدا عن الثرثرة المستمرّة أثناء خطبة الجمعة ودروس الوعظ، وهو ما تعلّق عليه (فاتن الأشقر، 28 عاماً) قائلة: "بعض النساء يعتبرن الحضور للمسجد نزهة لهنّ ولأطفالهنّ وحتى لخادماتهنّ"، ويشير (نضال أمارة) الإمام في إحدى مساجد عمّان لبعض المصلّين الذين يتدخّلون بشؤون الإمام كآيات القرآن التي تتلى في الصلاة، عدا عن طرح آرائهم علناً، ومحاولة فرض أمزجتهم فيما يتعلّق بصوت الإمام، وطول الركوع والسجود والقراءة لاسيّما في صلاة التراويح، كما تنحصر معظم ملاحظات المصلّين في هذا النطاق على مسألة الروائح الكريهة التي لا يعيرها البعض اهتمامهم، وعدم إقفال الأجهزة الخلويّة أثناء الصلاة، بالإضافة لنوم البعض في المساجد وجلبهم للأطعمة، عدا عن التدافع عند الدخول والخروج، وتخطّي رقاب المصلّين، وهو ما يعلّق عليه أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنيّة الدكتور محمّد القضاة قائلاً: "يجدر بالمسلم القادم للمسجد أن يتحلّى بالآداب الإسلاميّة، ذلك أنّه قد قدم لإحراز الثواب، وليس العكس، فالإمام هو قائد المسجد، والذي لا يجوز التدخّل بحريّته إلاّ إذا بدر منه خطأ شرعيّ، أو تعدّى على أحد المصلّين بغير حقّ"، ويشير لازدياد ظاهرة صلاة النساء في المساجد قائلاً: "الأصل في صلاة المرأة أن تكون في البيت، إلاّ أنّ قصدها المساجد يجوز إذا لم يحدث تدافع واصطدام مع الرجال عند الدخول والخروج"، ويلفت النظر لعدم جواز جميع الأعمال التي ذكرت وخصوصاً التحدّث بأيّ شكل من الأشكال أثناء خطبة الجمعة لأنّ ذلك يدخل في باب اللغو المنهي في الحديث الشريف: "من قال لصاحبه أنصت والإمام يخطب فقد لغى"، ويشير معظم المصلّين لظاهرتين مهمّتين، وإن بدتا خارج نطاق المسجد المباشر، وهنّ بسطات الخضار أمام المساجد وخصوصاً يوم الجمعة، وعدم وجود مواقف سيّارات تابعة للمساجد، ويعلّق على ذلك الإمام نضال أمارة قائلاً: "لابدّ من وجود مواقف للسيّارات، ولكنّ ذلك يتبع إمكانيّات البناء، أمّا بالنسبة لبسطات الخضار فهي مزعجة وغير حضاريّة على باب المسجد، ولكن ليس بإمكاننا منعها طالما أنّها ليست في باحة المسجد، ومن غير أن ترتفع أصوات باعتها بما يؤثّر على المصلّين".
الأئمّة وخطبة الجمعة:(10/6)
يتحدّث عطوفة الدكتور عبدالرحمن إبداح مساعد أمين عامّ وزارة الأوقاف عن أسس اختيار أئمّة المساجد وخطباء الجمعة، معلّقاً بذلك على بعض الآراء التي تشكّكّ في أهليّة بعض الخطباء، قائلاً: "يشترط في خطيب الجمعة الأهليّة للخطابة من حيث التحصيل العلمي الشرعيّ، وإلاّ فلا بدّ من عرضه على لجنة مختصّة للنظر في أهليّته"، ويضيف قائلاً: "وبعد ذلك لابدّ أن يكون معروفاً بالسيرة الحسنة، وسعة الأفق، واستيعاب القضايا المعاصرة"، كما وقد كان القاسم المشترك في معظم الآراء حول خطب الجمعة هو غياب الواقع السياسيّ والاجتماعي عن معظمها، فيعلّق (أبو محمّد، 53عاماً) قائلاً: "من غير المعقول أن يطرح الخطيب موضوعاً عامّاً كوجوب الزهد في الحياة في حين أنّ الأمّة الإسلاميّة تعاني أوضاعاً مزرية سياسيّاً"، وتتحدّث (سهى حامد، 42عاماً) قائلة: "لا يقتصر غياب الواقع في خطب الجمعة على الظروف السياسيّة بل حتّى الظروف الاجتماعية التي وإن طرقت فلا نجد لها حلولاً محدّدّة في نهاية الخطبة، والتي غالباً ما تكون طويلة وتحوي تكراراً كثيراً"، وتزيد قائلة: "البعض كذلك لا يراعي أنّ من المصلّين من هو أمّيّ، وذا ثقافة متواضعة، فيبتدئ بالاستعراض البياني المبالغ فيه"، وهو ما ألمح إليه (عيسى أبو رزّ، 33عاماً) قائلاً: "يطيل يعض الخطباء والأئمّة على المصلّين من غير مراعاة ظروف بعضهم الصحيّة، وظروف الجوّ كالمطر أو الحرّ الشديد"، ويزيد قائلاً: "يلجأ بعض الخطباء للانفعال والصراخ الشديد أثناء الخطبة، عدا عن تركيزهم على سلبيّات القضيّة المطروحة، وهو ما يثبّط معنويّات المستمعين"، ويعلّق الدكتور عبدالرحمن إبداح على ذلك قائلاً: "موضوع الخطبة متروك للخطيب يحدّدّه بما يراه مناسباً للظروف الوطنيّة والقضايا المستجدّة، إلاّ أنّ الوزارة تنبّه الخطباء لجميع المناسبات الدينيّة والقضايا الوطنيّة من باب الإعانة على اختيار مواضيع الخطبة"، ويضيف قائلاً: "كما تفضّل الوزارة ألاّ تزيد الخطبة عن ربع ساعة اتّباعاً للسنّة المطهّرة، ومراعاة لأحوال المصلّين"، ويشير (أيمن عودة، 46 عاماً) للارتجال الواضح عند بعض الخطباء، عدا عن كون بعض الأئمّة لا يطرح عنواناً لخطبته ما يجعل بعض المصلّين لا يدركون الفكرة الرئيسة للخطبة حتّى انتهائها، وهو ما يعلّق عليه الدكتور إبداح قائلاً: "نحن في الوزارة ضدّ الأداء المرتجل للخطبة، ونؤكّد على وجوب التحضير الجيّد، وترابط الأفكار، وتقديم الحلول المناسبة للمصلّين"، وتشير سيّدة وزوجها رفضا ذكر أسمائهما لمسألة قراءة القرآن على المأذنة وهو ما وصفاه مسبّبّاً للكثير من اللبس عن هل كون ذلك أذان أم قرآن؟، و يعقّب على ذلك الدكتور إبداح قائلاً: "الأذان في العاصمة عمّان موحّد في جميع المساجد، ويبثّ عبر الأثير من مسجد الشهيد الملك عبدالله بن الحسين، وسترصد الوزارة أيّة مخالفات في استعمال مكبّرات الصوت في المساجد، والتي تحدث لبساً لدى السامعين"، وتعقيباً على الجانب المادّي لرواتب الأئمّة ونفقات المساجد والتي طرقت عبر الكثير من وسائل الإعلام وأصحاب الشأن واصفاً معظمهم إيّاها بـ"غير الكافية" يتحدّث الدكتور إبداح قائلاً: "تقدّم وزارة الأوقاف للمساجد نفقات الماء والكهرباء ورواتب الموظّفين، كما أنّه عن طريق الوزارة تعفى المساجد من ضرائب المبيعات والرسوم الجمركيّة على الأثاث ومواد البناء، وتساهم الوزارة في تكاليف صيانة المساجد بقدر محدود"، ويضيف: "رواتب الأئمة موافقة لسلّم الرواتب المقدّر لجميع موظّفي الدولة، إلاّ أنّ للأئمّة علاوة وعظ وإمامة مقدارها %30 من الراتب الأساسي، كما أنّ لهم تأمين صحّي، وضمان اجتماعي، وراتب تقاعديّ كغيرهم من موّظفي الدولة".
http://www.islamselect.com:المصدر
==============
مكانة المسجد وقدسيته في الإسلام
محمد الداه بن أحمد الشنقيطي
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله - تعالى -، وإنها وصية الله للأولين والآخرين ولقد وصينا الذين أتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله..الآية.
عباد الله: إنه ينبغي للمسلم أن يتعلم أحكام المساجد وآدابها ليعرف ما يؤتى فيها وما يترك، وما يوافق قدسيتها، وما يعد مناقضاً لمكانتها إن المسجد في الإسلام له مكانة رفيعة وقدسية وطهارة ونظافة يعتاده المؤمن ويصلي فيه المصلي، ويعتكف فيه المعتكف، ويتعبد فيه المتعبد، ويتعلم فيه المتعلم، وتنشر فيه الصلة والمودة والرحمة، ويتعارف فيه أهل الحي فيتآلفون ويتعاونون ويتزاورون ويتراحمون، فهو المستشفى الروحي يدخل إليه المريض المذنب الجاني يتأوه من آلام لا يعبر عنها، يتنفس الصعداء حسرة وندامة على ما فرط في جنب الله - تعالى -، فيركع ركعات ويقرأ آيات أو يسمع كلمات طيبات، فتهدأ نفسه ويطمئن قلبه، ويجد برداً يتسلل إلى فؤاده فيخرج منشرح الصدر باسم الثغر يعلوه النور والوضاءة والرغبة في الخير والبراءة، فما يزال يعتاد المساجد حتى يصير الخير له عادة.
أما إمام المسجد فهو مدير المستشفى يلاطف هذا ويفتيه، ويعلم هذا، ويتفقد حال ذاك، وينصح المقصر، ويحث المجتهد ليزداد، هذه مسئوليته، أليس مدير المستشفى يتابع الموظفين ويراقب حالة المرضى، هكذا كان المسجد في الإسلام وهكذا ينبغي أن يكون دائماً مصدر نور ومصحة روحية تكون سبباً لصحة الأبدان والأفراد والمجتمع.
عباد الله - تعالى -: من أين يستمد المسجد هذه المكانة وتلك الخصال؟(10/7)
أليست المساجد بيوت الله؟ أليس عمارها الخلصاء من عباد الله؟ قال الله - تعالى -: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين، وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً، في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم، والصلاة والسلام على نبينا القائل: ((من بنى مسجداً لا يريد به رياءً ولا سمعة بنى الله له بيتاً في الجنة))، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
عباد الله: إن المرء المسلم الذي يؤمن بالله ويعظمه ويعظم شعائر الله - تعالى - ويتعلم ما يجب عليه، وماله وما عليه حتى يكون إيمانه عن علم ويقين وعمله مرضي صحيح.
وإن المرء المسلم الذي يؤمن بمحمد يبرهن على صدق إيمانه بإتباع ما جاء به هذا الرسول العظيم، وإن من أهم ذلك الارتباط بالمساجد تعميراً بالمال والأبدان، وتعلق القلوب بها تعبداً وتعلماً، إن من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((رجل قلبه معلق بالمساجد)) وجاء في سنن ابن ماجة: ((من دخل مسجدنا هذا ليتعلم خيراً أو ليعلم كان كالمجاهد في سبيل الله)) أو كما قال رسول الله.
عباد الله: علينا أن نقتدي بهدي محمد وصحابته وسلفنا الصالح في جعل المساجد مراكز لكل خير بعد حسن رعايتها تنظيفاً وتطييباً كما أنه علينا أن نسعى في إرجاع الآبقين على ربهم إليها، الذين جعلوا الملاهي والمقاهي مراكزاً لهم فهجروا المساجد، نرجعهم بالكلمة الطيبة ونحذرهم عاقبة صدودهم عن ذكر الله وعن الصلاة في الدنيا قبل الآخرة.
عباد الله:إن الحديث عن المساجد ومالنا فيها من خير، وما عل
==============
الإمام والدعوة
من المؤسسات القائمة على الدعوة إلى الله إن لم تكن من أهمها المساجد، تلك التي يرتادها المصلون عدة مرات في اليوم، والإمام هو صاحب الدور الفعال في هذه المؤسسة الدعوية الفعالة. فهل يستشعر الإمام ذلك؟ أم أنه كما يظن البعض غير مطالب بشيء سوى إمامة المصلين لا يتعداها؟ وكيف يقوم الإمام بالدعوة، وما هي المجالات التي يمكن أن يمارسها في الدعوة إلى الله؟ وما هي العقبات التي قد تعترضه؟ وكيف يتغلب عليها؟
هذا ما سنعالجه في هذا المقال.
أولا- أهمية دور الإمام في الدعوة إلى الله:
لا يخفى على كل مسلم دور الإمام في الدعوة وأهميته، فهو محل ثقة عند أغلب الناس، وذلك أدعى لقبوله وسماعه، ألا تراهم يصلون وراءه، ويستفتونه، ويستشيرونه، ويسرون إليه بأمورهم وأحوالهم، ويطلبون منه مساعدتهم وقت الملمات والشدائد بالدعاء وغيره، ويضعون معه أبناءهم وفلذات أكبادهم ليعلمهم الكتاب والسنة والفقه في الدين، إلى جانب الآداب والأخلاق.
ثانياً- مجالات الدعوة لدى إمام المسجد:
وتتوزع مجالات الدعوة لدى الإمام على الآتي:
1- الدعوة إلى الله من خلال التلاوة الطيبة، والصوت الحسن، مما يعين على الخشوع والتأمل والتدبر في كلمات الله، ويترك الأثر البالغ في نفوس المصلين، ومن ثم أولى بالإمام أن ينوّع في قراءته للقرآن، ويتخيَّر ما يرتله بناء على موضوعات محدده بالاستناد إلى معاجم موضوعات القرآن الكريم.
2- الدعوة إلى الله من خلال التزامه بالمواعيد، وعدم التفريط بمسؤوليته من الاهتمام بالمسجد، وتشويق الناس إلى ارتياده بكل الوسائل المتاحة، والعمل على جعل المسجد كما ينبغي مكان راحة نفسية، وسعادة روحية، وروائح زكية، ونظافة ملموسة، والتعاون مع غيره من القائمين على المسجد وأهل الحي.
3- الدعوة إلى الله من خلال تقوية علاقته بالمصلين، والبشاشة في وجوههم، والأنس بهم، وإشعارهم بمحبته لهم، والاهتمام بأمورهم، والعمل على حل مشكلاتهم من خلال ربطهم بدينهم وعبادتهم، واللجوء إلى خالقهم - سبحانه - الذي بيده كل الأمور، إضافة إلى السؤال عن غائبهم، وعيادة مريضهم، وتشييع ميتهم، ومشاركتهم أفراحهم، مع ربط ذلك كله بالهدي النبوي الكريم.
4- الدعوة إلى الله من خلال دروسه ومواعظه التي يتخول الناس فيها مخافة السآمة والملل، ويوازن بين الأمور من غير إفراط ولا تفريط، ويعمل على التجديد والتنويع، والإتيان بالنافع المفيد، سواء من خلال الإلقاء تارة، أو القراءة في بعض الكتب تارة أخرى، أو دعوة شيخ فاضل أو داعية بعض الأحيان، مع عدم تجاهل المصلين وأهل الحي في المشاركة إن وُجد أهلٌ لذلك.
5- الدعوة إلى الله من خلال إقامة حلقات القرآن للصغار والكبار، من أجل كسب ما وعد به النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري، وقوله: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم.
ولا يخفى ما لتلك الحلقات من أثر عظيم، يعود نفعه على الفرد والجماعة والأمة، فينشأ الجيل تحت كنف الملائكة، وحفظ الله، فلا يستطيع الشيطان إليهم سبيلا، فيأمن الناس والمجتمع الضرر والإجرام والوقوع في الحرام.(10/8)
6- الدعوة إلى الله من خلال زيارة أهل الحي بالتعاون مع إخوانه رواد المسجد، والتركيز على غير المصلين من المسلمين وغيرهم، سعياً لهدايتهم، وإيصال الخير لهم، مع مراعاة الظروف والأحوال، واختيار الأوقات المناسبة، والكلمة الطيبة، والعبارة المؤثرة، وقبل ذلك سؤال الله لهم الهداية والصلاح.
7- الدعوة إلى الله من خلال أنشطته المتعددة في المسجد، فلا يقتصر على الإمامة والموعظة، والتعليم، والتوجيه، بل يسعى إلى إنشاء مكتبة مسموعة ومقروءة - ولو مصغرة -، يستفيد منها رواد المسجد، وغيرهم من أهل الحي، من خلال السماع والقراءة، أو الإهداء والإعارة، وعمل المسابقات في حفظ القرآن، والحديث، وغير ذلك من النافع المفيد.
ثالثا- عقبات تواجه الإمام:
أما العقبات التي قد تعترض الإمام عند قيامه بهذا الواجب الشرعي فهي في الغالب نفسها التي تواجه الدعاة، والتي نذكر منها:
1- جهل الناس وبعدهم عن تعاليم الإسلام وفهمه الصحيح، واختلاط المفاهيم لدى البعض، مما يشكل عقبة أمام الدعوة وقبولها، والتفاعل مع الدعاة.
2- تعدي بعض المصلين على صلاحيات الإمام، مما يجعلهم يتدخلون في توجيهه حسب رغباتهم وأهوائهم.
3- قلة المصلين في بعض المساجد، وعجلة البعض في الخروج من المسجد مما لا يشجع بعض الأئمة على القيام بالدعوة بينهم.
4- كثرة النقد وتتبع المثالب عند البعض مما يجعل بعض الأئمة يحجم عن القيام بجهد خوفا من التجريح والتشويه.
5- قلة المؤيد والمعين في بعض المساجد.
رابعا- وسائل التغلب على العوائق:
لا بد أن يعرف الدعاة وخاصة الأئمة أن طريق الدعوة إلى الله ليس مفروشا بالورود والرياحين، فقد يواجه الدعاة صعابا متعددة كما واجه الأنبياء والرسل، فعليهم أن يوطنوا أنفسهم على الصبر، واحتساب الأجر عند الله، فهم أصلاً لا يريدون أجرا من الناس، بل يريدون لهم الخير والهداية والصلاح، ومما يوصى به في هذا الموضع:
1- كثرة اللجوء إلى الله، وطلب العون منه.
2- الإكثار من العبادة بأنواعها من صلاة وذكر وإخلاص وغيره.
3- الارتباط بالعلماء العاملين، والدعاة الربانيين، والتنافس معهم على الخير والبر.
4- القراءة في سير السلف الصالحين من الأنبياء والصحابة والتابعين.
5- عدم التوقف أو الضعف في الدعوة إلى الله.
6- تنمية مفهوم الاحتساب وترسيخه في النفوس.
وأخيرا نقول إن دور الإمام في الدعوة إلى الله كثير سوى ما ذكرنا، ويعرفه كل صاحب همة ونشاط، وبذل وعطاء، وهم لا شك يتفاوتون في ذلك، حسب قدراتهم وإمكاناتهم العلمية والعملية، وحسب موقع مساجدهم، ونوعية المصلين عندهم، والمؤمن قوي بإخوانه، سائلين الله العون للجميع، والحمد لله رب العالمين.
13/03/2005
http://www.islamweb.net المصدر:
=============
من خصائص الخطاب الدعوي لخطيب الجمعة
د. أحمد العمراني
1 - موقع خطبة الجمعة ومكانة الخطيب في الأمة:
تعد خطبة الجمعة واحدة من وسائل الدعوة إلى الله التي وضع أسسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، شرعت مرة كل أسبوع لتذكير الناس بأمور دينهم وحسن توجيههم وتوعيتهم وتثقيفهم.
وعلى هذا فالخطيب داعية إلى الله، ومهمة كل داع إلى الله النيابة عمن بعثهم الله لعباده؛ إذ الدعوة في أصلها رسالة الرسل والأنبياء، وبعد غيابهم ورثها عنهم العلماء لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ - وَرَّثُوا الْعِلْمَ - مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»(1).
والعالِم هو ناقل علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمته، بتوضيح الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة؛ وهو قائم في الأمة مقام الأنبياء، وسراج الأمة وضياؤها بلا مراء، يبين لهم الأحكام ويفرق لهم الحلال من الحرام، ويخرجهم من الآثام ويوضح لهم شرائع الإسلام.
وهو كالعين العذبة نفعها دائم، وكالغيث حيث وقع نفع، وكل عالم مصباح زمانه يستضيء به أهل زمانه وعصره، وكالسراج من مر به اقتبس.
وكل من يعتلي منبر الخطابة فهو يعتلي منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخصوصاً في جانبه الدعوي التوجيهي، لهذا وجب على الخطيب أن يسد ثغرة خطيرة، ويتخصص في جانب مهم من أمور الدين يمنع به ما قد يؤذي المسلمين.
وربنا يقول: {فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]. ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين»(2).
إضافة إلى كل ما ذكر فمخاطبة الناس زيادة على ما تستلزمه من شروط ينبغي توفرها في الخطيب، تتطلب موهبة خاصة يهبها الله ـ - سبحانه - ـ لمن اعتلى منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فهناك من يُفتح له في هذا المنبر وهو بذلك يستحق اعتلاءه، وهناك من لا يُفتح له فيه فيجب بالضرورة أن لا يعتليه.
فقد روي عن الإمام مالك ـ - رضي الله عنه - ـ أنه قال مجيباً العمري العابد لما كتب له يحضه على الانفراد والعمل، ويرغب به عن الاجتماع إليه في العلم؛ حيث قال له: «إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق فرُبَّ رجل فُتِِح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصيام، وآخر فتح له في الجهاد ولم يفتح له في الصيام؛ ونشرُ العلم وتعليمه من أفضل البر، وقد رضيت بما فتح الله لي فيه من ذلك، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كِلانا على خير، ويجب على كل واحد منا أن يرضى بما قُسم له والسلام»(3).(10/9)
فالحديث في أمور الدين ليس من السهولة بمكان كما قد يفهم الكثيرون، لهذا يجب أن يتولاها أهلها المستحقون لها، وقد حذر النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - من عكس هذا فقال: «لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله»(1).
كما يجب أن يكون خطاب الخطيب للناس خطاباً يسير وفق الأصل النبوي، خطاباً مبنياً على حسن البيان، والاختصار والإفهام؛ فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي وَائِلٍ قال: «خَطَبَنَا عَمَّارٌ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ؛ فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ! لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ، فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ! فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلاَةَ وَأقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وإن مِنَ الْبَيَانِ سِحْراً»(2).
كما أن الخطاب يجب أن يكون هادياً ومحبباً الناس بالإسلام، وهو ما أشار إليه الإمام علي ـ - رضي الله عنه - ـ في قوله: «إن الفقيه حق الفقيه من لم يقنِّط الناس من رحمة الله، ولم يرخِّص لهم في معاصي الله، ولم يؤمِّنهم من عذاب الله، ولم يَدَع القرآن رغبة إلى غيره»(3).
فرواد الجمعة هم كل المجتمع، فيهم الأمي والمثقف، والجاهل والعالم، والصغير والكبير، والرجل والمرأة، والمتحزب وغيره، ويمكن تصنيفهم إلى أربع فئات - من حيث فهمهم وما يلزمهم - اجتهد في وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي ـ - رحمه الله - ـ حيث قال: «الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فاتبعوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك نائم فأيقظوه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذلك مسترشد فارشدوه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه»(4).
وكلهم يحضرون بقصد الاستفادة من توجيه الخطيب، والتعلم من العلم النافع الذي يخدم مسيرة كل واحد منهم في حياته؛ فمنهم من يأتي للاستفادة، ومنهم من يحتاج إلى من يوقظه من غفلاته وسهواته، ومنهم من يرغب في الإرشاد، ومنهم من يستحق التنبيه والتحذير.
2 - خصائص الخطاب الدعوي لخطيب الجمعة:
إن المتفحص في نصوص شريعتنا، يستخلص خصائص مهمة للخطاب الديني الذي يجب على خطيب الجمعة الالتزام بها، والحرص على تنفيذها للإسهام في توجيه مسار الأمة نحو الخير والوسطية التي جاء بها ديننا الحنيف - باعتبار أن الخطيب هو واحد من دعاة الأمة الذين يوجهون للناس خطابهم الأسبوعي دون مناقشة أو استفسار، وينصتون إليه بكل شغف وشوق، ويعطونه آذانهم دون كلل أو لغو، ويحرصون على الاستفادة من خطابه لحسن معاشهم ومعادهم - وخصوصاً أن نص الحديث يحيط بهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالإمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ»(5).
لهذا على الخطيب أن يراعي في خطابه جملة من الخصائص تتمثل في الآتي:
1 - أن يكون خطابه شرعياً ربانياً؛ حيث يحرص في خطابه على دعوة الناس إلى توحيد الله وعبادته وحده وعدم الإشراك به؛ فالأصل في بعثة الأنبياء والرسل الدعوة إلى عبادة الله وحده، وتصحيح عقيدة الناس التي انحرفت؛ وخير مثال على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بعث مُعَاذاً ـ رضى الله عنه ـ عَلَى الْيَمَنِ قَالَ: «إنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ...»(6).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَارِزًا يَوْماً لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: مَا الإيمَانُ؟ قَالَ: الإيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ. قَالَ: مَا الإسْلاَمُ؟ قَالَ: الإسْلاَمُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ شيئاً.. »(7).
فالله ـ - سبحانه - ـ أخبر بأن المغفرة تشمل كل الخطايا والذنوب باستثناء الشرك فقال: {إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48]. كما حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - منه بقوله فيما رواه عن ربه: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه»(8).
لهذا يبقى خطاب الدعوة العقدي أصل الخطاب الذي ينبغي أن لا يغيب، ولا بأس بتكراره، وتجديد الحديث فيه بطرق ووسائل تبليغية تواكب مستجدات الشرك ومستحدثاته، كما تبدع في وسائل الخطاب الذي يحاربه، وبلغة سهلة ميسرة تصل إلى القلوب قبل الأسماع.
2 - أن يكون الخطيب هادياً لا جابياً:
أي يحرص في خطابه على هدي الناس إلى البر، مع تجنب الجباية أو طلبها بخطابه؛ فالهادي ضد الجابي، والله في عون كل من رغب في هداية الناس إلى الخير ويوفقه ويجازيه خير الجزاء، ويكفي في بيان أجر ذلك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب ومن خلاله لكل الأمة: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم»(9). فأحب العباد إلى الله الذين يحببون الله إلى الناس، وهو ما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه: «إن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى الناس»(10).(10/10)
والخطيب إن تمثل الحكمة في خطابه كان من أفضل المحببين الله لعباده؛ وهذا بالتركيز على أن الهداية بيد الله، وأن مهمة الخطيب لا تتجاوز التذكير؛ لأن من هو أسمى من كل خطيب قد وُجه إليه هذا الخطاب في قوله ـ - تعالى -: {إنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} [القصص: 56].
3 - أن يكون خطابه اجتهادياً:
أي ليس توقيفياً؛ فالمطلوب من الخطيب الاجتهاد في خطابه، والإعداد الجيد لمواضيعه، والإبداع المستمر لما يقدمه للناس، مع تجاوز المكرر من الخطاب حتى لا يمل الناس فيملوه.
فالخطبة موعظة، والموعظة كلها توفيقية؛ فليس هناك نمط واحد لا يتغير في الأسلوب الذي يمكن مخاطبة الناس به، بل لا بد من التجديد والابتكار دون الخروج عن الأصول والثوابت؛ فألوان الخطاب كلها وسائل يستعان بها لحسن التبليغ، لكن الوسيلة في شرعنا غير مبررة بالغاية، بل لا بد من إخضاعهما معاً لشرع الله.
4 - أن يكون خطابه متدرجاً:
وهذا أمر بدأ به أمر الدين وخُتم؛ فكل ما حُرِّم على الأمة حرم تدريجياً وعلى مراحل، وما أمر الخمر والربا والإرث وغير ذلك في تنزيلات القرآن بخافٍ على المسلم.
فعلى الخطيب إن قصد بخطابه توجيه النصح أو الرغبة في تغيير ما يستحق التغيير أن يعرف كيف يعالج الأمر، وأن يستلهم منهجه ذلك من منهج رسول الإنسانية والرحمة المهداة للعالمين، ويكفي لبيان ذلك حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لعائشة ـ - رضي الله عنها - ـ إذ كان يرغب في تغيير معالم الكعبة، بل هدمها وتجديدها؛ حيث قال لها: «لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية (أو قال بكفر) لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها من الحِجْر». وفي رواية: «لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين: باباً شرقياً وباباً غربياً، وزدت فيها ستة أذرع من الحِجْر؛ فإن قريشاً اقتصرتها حين بنت الكعبة»(1).
إنه التدرج والتأني، ومراعاة أحوال الناس وقوة إيمانهم أو ضعفه لحسن تقبُّل الأمر الصعب الذي قد لا يوافق رغبتهم وهواهم، أو قد لا يحسنون فهمه.
5 - أن يكون خطابه متفاعلاً مع الواقع:
أي يكون خطاباً يعترف بالواقع ومشكلاته، ويعرف كيف يُخرج الناس من مشاكل الحياة وصعوباتها، ويقدم لهم الحلول المناسبة التي تهدئ النفوس وتطمئن القلوب، وهذا يقتضي من الخطيب حسن التفقه في الدين وحسن التعرف على الواقع، وحسن التفقه في كيفية تنزيل النص الشرعي على الواقع.
كما يقتضي من الخطيب أن لا يتقوقع أو يدعو إلى القوقعة في مواضيعه التوجيهية فيما لا يعود بالنفع على المسلمين، بل لا بد أن يعيش واقع الناس ويوجههم للمشاركة الايجابية في المجتمع، وعلى مخالطة الناس بالتي هي أحسن، ويعلِّمهم أن الأصل والأفضل هو المخالطة وليس الانعزال، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»(2).
6 - أن يكون خطابه جامعاً لا مفرقاً:
فالخطيب للجميع ومعلم لهم، مثل شجرة الزيتون «لا شرقية ولا غربية» ينير ضوؤه طريق كل الناس، بمختلف ألوانهم وأشكالهم، يحترم الجميع ويسعى لهداية وتعليم الجميع دون تحيز أو ميل، يجمع ويوحد، يصلح ولا يفسد، مفتاح للخير، مغلاق للشر كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للشر؛ فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه»(3).
ويبني عمله وخطابه هذا على قول الله ـ - تعالى -ـ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 103 - 105].
وهذا يقتضي استخدام الكلمة المسؤولة استخداماً أميناً، مع جمال التعبير والعرض، والتذرع بأخلاق أهل الإيمان، التي تنفِّر من الحقد والوقيعة وسوء الظن، كما تنفر من الجهر بالسوء، لتصل إلى الحوار المنصف، والخطاب الصحيح السليم، مع تجنب التعيين والوصف والتشنيع؛ لأنه لم يثبت عن سيد الخطباء أن عيّن يوماً في خطابه أو خطبه أحداً باسمه، بل كان خطابه دائماً عاماً، لا يعدو أن يقول فيه: «ما بال أقوام» أو «ما بال أحدكم». وهلمَّ جراً. ومن أمثلة ذلك:(10/11)
ـ ما أخرجه البخاري في صحيحه عَنْ أَبِِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً مِنَ الأَسْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ ـ قَالَ عَمْرٌو وَابْنُ أَبِي عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ - فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي أُهْدِي لِي. قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: «مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي؟ أَفَلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لاَ... ؟ »(4).
- وعَنْ مَسْرُوقٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ: صَنَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئاً فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَطَبَ، فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ، قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَيْءِ أَصْنَعُهُ؟ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً»(5).
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعَ أَمَامَهُ؛ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعُ فِى وَجْهِهِ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا... »(6).
هذه بعض خصائص خطاب الجمعة، ما أحوجنا إلى فقهها واستيعابها، فهل من سبيل لتطبيق ذلك على الوجه الأحسن؟
---------------------
(*) أستاذ الفقه والتفسير بجامعة شعيب الدكالي بمدينة الجديدة، وخطيب الجمعة والعيدين بالمسجد الأعظم - المغرب.
(1) صحيح البخاري كتاب العلم: 10، وصحيح ابن ماجه: 183/222/ج/1/92.
(2) الفردوس بمأثور الخطاب لأبي شجاع الديلمي الهمذاني: 5 /537/ 9018، والتمهيد لابن عبد البر: 1/28.
(3) التمهيد لابن عبد البر: 7/185.
(1) المستدرك للحاكم: 8571 /279/ وصححه الذهبي.
(2) صحيح مسلم كتاب الجمعة باب 13 رقم: 2046.
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 14/343.
(4) إحياء علوم الدين للغزالي: 1/74.
(5) صحيح البخاري كتاب الجمعة باب 36 رقم: 934.
(6) صحيح البخاري باب 41 كتاب الزكاة رقم: 1458.
(7) صحيح البخاري الايمان باب 37 رقم: 50.
(8) صحيح البخاري رقم الحديث: 2942 و 3009 و 3701 و 4210.
(9) صحيح مسلم: رقم الحديث: 2985.
(10) المستدرك للحاكم: 1 / 116 /164/164.
(1) صحيح البخاري كتاب الحج باب 4 رقم: 1586، و 7243.
(2) سنن ابن ماجه: 2 / 338 /4033.
(3) صحيح ابن ماجه، رقم: 195 /237.
(4) صحيح مسلم كتاب الامارة باب 7 رقم: 4843.
(5) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب 72 رقم: 6101.
(6) صحيح البخاري، كتاب المساجد، باب 13 رقم:1256.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
=============
المسجد .. أنوار وأدوار
للمساجد مكانة عظيمة في نفوس المسلمين، وهي بيوت الله في الأرض وأحب الأماكن إليه - تعالى - كما أخبرنا بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: (أَحَبّ الْبِلاَدِ إِلَىَ الله مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى الله أَسْوَاقُهَا) رواه مسلم.
وللمسجد أدوار عديدة في حياة المسلمين، فهو معبد تُؤدى فيه الصلوات، وتُهذب فيه النفوس، ومدرسة يتعلم فيها المسلمون، ودار للشورى تُناقش فيها قضايا الأمة، وقاعدة حربية تنطلق منها الجيوش، وهو دار للقضاء والإفتاء والدعوة والإرشاد.
هذه هي بعض الأدوار التي لعبها المسجد في حياة المسلمين، فرسالة المسجد شاملة لا تدع أمراً من أمور الدنيا والآخرة إلا تناولته.
وإسهاماً منا في تنشيط دور المسجد في عصرنا الحاضر نقترح في السطور التالية بعض الأنشطة والبرامج التي يمكن للداعية المسلم أن ينفذها في مسجده الذي يمارس فيه العمل الدعوي.
1- المسابقات:
تعد المسابقات من الوسائل الدعوية الأكثر جذباً وإثارة، وتتنوع أشكال المسابقات التي يمكن للداعية أن يستفيد منها في جذب المدعوين، وتنمية الجوانب المختلفة لشخصياتهم، ومن هذه الأشكال ما يلي:
أ- مسابقات القرآن والأحاديث:
وفيها يحدد حفظ سورة معينة أو جزء محدد من القرآن أو عدد من الأحاديث النبوية، ثم يعلَن عن موعد اختبار لهذه السورة أو الجزء أو لهذه الأحاديث، ويحصل الأوائل على جوائز قيمة يتم الإعلان عنها مع الإعلان عن المسابقة.
ب- مسابقة بحثية:
وتتم عن طريق تحديد عدد من الموضوعات البحثية التي يحتاج إليها المدعوون، ثم يعلَن عن مسابقة لأفضل بحث أو أفضل ثلاثة أبحاث في كل موضوع من الموضوعات المعلن عنها.
ج- مسابقة في كتاب:
ويُختار فيها كتاب معين أو عدد من الكتب، ويعلَن عن مسابقة لتلخيص هذا الكتاب أو هذه الكتب، وتُعطى جوائز لأفضل التلخيصات.
د- مسابقة مطبوعة:
ويوضع فيها عدد من الأسئلة التي تدفع المتسابقين إلى البحث والتنقيب عن إجابة هذه الأسئلة، ويُفضل وضع أسماء المراجع التي يمكنهم الاستعانة بها في الإجابة على الأسئلة.
هـ- مسابقة شفوية:
وفيها يتم تحضير عدد من الأسئلة التي تتناول موضوع محدد، وليكن شخصية صحابي, أو موضوع في الفقه, أو السيرة, أو غير ذلك من الموضوعات المراد توصيلها إلى المدعوين، ثم تطرح هذه الأسئلة عليهم، ويفضل أن تكون جوائزها فورية.
2- درس متعدد الفقرات:(10/12)
ويمكن أن يحتوي هذا الدرس على عدد من الفقرات المتنوعة، مثل: الافتتاح بتلاوة بعض آيات القرآن، مسألة فقهية بسيطة، تناول مشهد أو لقطة من السيرة أو التاريخ، إلقاء بعض قصائد الشعر، الاستماع لبعض الأناشيد الإسلامية، عظة ترقق القلوب، فقرة علمية تتناول موضوعا علميا بسيطا أو تدور حول الإعجاز العلمي في القرآن، فقرة عملية يتعلم فيها المدعوون كيفية صنع شيء بأيديهم كتوصيل لمبة كهربائية, أو عمل أكلة جديدة أو غير ذلك من الأمور العملية، عمل مسرحيات قصيرة هادفة تُعطي بعض المعاني المراد تأصيلها في نفس المدعو، مسابقات ثقافية مطبوعة أو شفوية... إلخ.
نموذج مقترح لدرس متعدد الفقرات
الوقت الفقرات
5 دقائق: تلاوة بعض الآيات القرآنية
15 دقيقة: عظة ترقق القلوب
15 دقيقة: شخصية صحابي في شكل مسابقة
5 دقائق: نشيد
10 دقائق: فقرة عملية
10 دقائق: مسألة فقهية
10 دقائق: مسابقة ثقافية بين الفقرات
قواعد تراعى:
أ- عند إعداد هذا الدرس يراعى تناسب عدد الفقرات مع الوقت المتاح له.
ب- يفضل أن تدور فقرات اليوم الواحد حول موضوع واحد.
ج- لا يزيد عدد فقرات الدرس عن سبع فقرات حتى يكون هناك استفادة حقيقية من هذه الفقرات.
د- الحرص على إشراك المدعوين المنتظمين في الحضور من أصحاب القدرات في تقديم فقرات هذا الدرس.
3- دورات ثقافية مكثَّفة:
وفي هذه الدورات يتم تحديد موضوعات معينة، ولتكن مثلاً موضوعات فقهية أو موضوعات في السيرة أو التاريخ الإسلامي أو أصول الفقه, أو مصطلح الحديث, أو علوم القرآن, أو غير ذلك من العلوم، ثم توضع هذه الموضوعات في صورة برامج أو دورات مكثفة يقوم بتدريسها أحد المتخصصين، ويفضل استخدام تكنولوجيا التعليم في تدريس هذه الدورات.
وفي نهاية كل دورة يعقد اختبار للمشاركين، ومن الممكن عقد اختبار في موضوع الدورة قبل بدئها؛ وذلك حتى يستطيع المشارك تقييم مدى استفادته في نهاية الدورة بمقارنة الاختبار القبلي بالاختبار النهائي.
4- تفعيل الدروس المسجدية:
وذلك من خلال حسن الدعاية والإعلان عنها بشكل جذاب، بالإضافة إلى استخدام تكنولوجيا التعليم مثل البرجيكتور, والكمبيوتر والخرائط… إلخ، كذلك يمكن تفعيلها بإجراء مسابقات يُعلَن عنها مسبقاً في موضوعات الدروس خلال فترة محددة.
5- إنشاء مكتبة وتفعيل دورها:
إذا كانت لا توجد مكتبة بالمسجد فلنعمل على إنشائها بحيث تحتوي على عدد من الكتب وشرائط الكاسيت والفيديو والأسطوانات المدمجة CDs.
أما إذا كانت موجودة بالفعل فلنعمل على تفعيلها، وذلك من خلال السماح باستعارة أكثر من كتاب أو شريط كاسيت وفيديو أو أسطوانة مدمجة CDs، أو عن طريق عمل مسابقة في محتوى أحد الشرائط أو الكتب أو الأسطوانات، أو بعمل مسابقة ثقافية توجد إجاباتها بأحد محتويات المكتبة، أو بإعطاء جائزة لأكثر المستعيرين من المكتبة، أو عن طريق تخفيض رسوم الاشتراك في المكتبة -إن كان هناك اشتراك- أو غير ذلك من الأفكار التنشيطية.
6- حلقة تجويد القرآن:
وتهتم هذه الحلقة بتعليم أحكام تلاوة القرآن وتدريب المشاركين فيها على تطبيق هذه الأحكام عند التلاوة، وتبدأ بشرح الأحكام من القائم عليها، ثم يقوم بتدريب المشاركين فيها على تطبيق هذه الأحكام من خلال الاستماع إلى تلاوتهم وتصحيح أخطائهم مع التركيز على الحكم الذي شرح لهم.
7- مدرسة تحفيظ القرآن:
وينصب اهتمام هذه المدرسة على تحفيظ القرآن الكريم، ويتم ذلك من خلال الاتفاق بين المحفظ والمشارك على قدر معين من القرآن يتم حفظه في كل مرة، ثم يقرأ المشارك على المحفظ القدر المتفق عليه ليصحح له تلاوته، ويأتي في المرة القادمة ليُسمّع ما حفظه، ثم يقرأ قدرا جديدا وهكذا.
ويُقترح عمل سجل حفظ لكل مشارك ليسجل فيه القدر الذي سيحفظه كل مرة، ويسجل أيضاً أخطاء التلاوة والحفظ حتى يتجنبها في المرات القادمة.
أما إذا كان المشاركون من صغار السن الذين لم يُجيدوا القراءة، فيمكن للمحفظ أن يتبع أسلوب التلقين بأن يقرأ هو بصوت واضح ثم يردد الصغار وراءه.
8- المساهمة في محو الأمية:
وذلك من خلال تنظيم برامج لمحو الأمية سواءً بالجهد الذاتي, أو بالتنسيق مع الجهات المسئولة عن ذلك، ويفضل استخدام تكنولوجيا التعليم إن أمكن ذلك، ويفضل أيضاً استخدام مكان ملحق بالمسجد يُخصص لهذا الغرض.
ويمكن للداعية أن يستفيد بقدرات وطاقات المدعوين من الطلاب في ذلك الأمر خلال فترة الصيف.
9- أنشطة خِدمية:
مثل تنظيف المسجد, وإجراء الإصلاحات التي يحتاج إليها وتجميله، وكذلك يمكن القيام بأنشطة مجتمعية، مثل تنظيف الحي المحيط بالمسجد, أو تشجيره وتجميله، وتتم هذه الأنشطة بإشراك المدعوين.
10- مجلة الحائط:
وتنفذ هذه المجلة بالاستفادة من قدرات وطاقات المدعوين، فيقومون بتصميمها وإعداد موضوعاتها وتنفيذها في شكلها النهائي ثم تعليقها بالمسجد في المكان المخصص لذلك.
http://www.meshkat.net المصدر:
===========
هلموا إلى رياض الجنة ، حلق الذكر ، الجامعات الشرعية المفتوحة
كانت المساجد والكتاتيب التابعة لها، والمعاهد، والكليات، والجامعات التي أنشئت فيها هي المحاضن لنشء المسلمين، ولتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، ولتخريج العلماء، والقضاة، والمصلحين.
استمر هذا الأمر إلى أن تآمر الكفار وعملاؤهم من المنتسبين إلى الإسلام على إسقاط الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية، وعقب ذلك تقسيم دولة الإسلام إلى دويلات صغيرة، وممالك هزيلة، تقاسمها الكفار والمستعمرون، حكموا بعضها بأنفسهم، وأنابوا غيرهم في حكم البعض الآخر.(10/13)
ثم ما فتئوا يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، حيث أقصوا الإسلام عن معظم مناحي الحياة، سيما في جانب السياسة، والحكم، والاقتصاد، ومناهج التربية والتعليم.
لقد فطن بعض الأخيار لذلك فحافظوا على بعض دور التعليم الدينية، وأنشاؤا غيرها، مستفيدين من بعض الأوقاف الإسلامية، وحاضين ومشجعين الموسرين على التبرع والإنفاق لتسييرها، واستمر التعليم الديني موازياً للتعليم الرسمي، مع هضم حقوقهم، والتضييق عليهم، وعدم تعيينهم في الوظائف الحكومية المتميزة وغير المتميزة.
وقد استمر هذا الوضع بعد أن نالت الدول الإسلامية استقلالها الاسمي؛ لأن المستعمر لم يخرج إلا بعد أن اطمئن على وجود كادر ممن ربوهم على أيديهم، ووفق مناهجهم عن طريق الابتعاث وغيره.
مما ساعد على استمرار المدارس، والمعاهد، والجامعات الإسلامية فترة من الزمان، اعتمادهم بعد الله على أنفسهم في تمويلها وإدارتها، وعدم قبول شيء من العون الحكومي.
شعر المستغربون وأعداء الدين بخطورة هذا النوع من التعليم عليهم، فأوعزوا للمسئولين بطرق مباشرة وغير مباشرة بتوحيد مناهج التعليم في البلاد وتوحيد الإشراف عليها، ولم يكن ذلك شاملاً للمدارس الإرسالية والكنسية وإنما فصِّل تفصيلاً على المدارس والمعاهد والجامعات الإسلامية.
كانت الضربة القاضية على ذلك عند شروع أمريكا وحلفائها في حربهم الصليبية على الإسلام، التي بدأتها بحرب الخليج الأولى, وبغزو أفغانستان, والعراق، وتدجين كل حكام المسلمين، حيث صدرت التعليمات لهم بإغلاق جميع المدارس , والمعاهد , والجامعات الإسلامية، بحجة أنها محاضن للإرهاب، وتفرخ الإرهابيين.
ولم يقتصر الأمر على القضاء على ما تبقى من تلك المدارس والمعاهد في المملكة العربية السعودية وباكستان، بل تعدى ذلك إلى التدخل السافر في تعديل المناهج والمقررات، حتى في المدارس والجامعات العلمانية التي أنشئت على غرار ما عند الكفار، وحذف كل الآيات، والأحاديث، والآثار، والمراجع، والمصادر، التي تتكلم عن كفر اليهود والنصارى، وعن عقيدة الولاء والبراء، وعن الجهاد، هذا ما علم وما خفي أعظم.
هذا بجانب وسائل الإفساد وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، والتشكيك في الثوابت والمسلمات، والتعتيم، والتضليل، والتدليس الذي تقوم به وسائل الإعلام العالمية والمحلية، التي أضحت بوقاً للوسائل العالمية المقروءة، والمسموعة، والمشاهدة المرئية، والفضائيات، والشبكات العنكبوتية.
لقد عمل كل ذلك وغيره كثير عمله في إفساد العقائد وتدمير الأخلاق، وتسييب الشباب.
لا خروج من هذا النفق المظلم، والفتن المحيطة، والمستقبل القاتم إلا بالرجوع إلى شرعنا المصفى، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
أولى تلك الوسائل وأهم هذه الأسباب العلم الشرعي، إذ مشكلة الإسلام الحقيقية تكمن في جهل أبنائه وكيد أعدائه.
ومعلوم أن المؤسسات التعليمية القائمة جلها مؤسسات علمانية، فهي معاول هدم ومسخ، ومنها كليات وجامعات إسلامية تستوعب أعداداً قليلة بجانب التزامها بنظم وقواعد ومتطلبات قد تعوق قيامها بالدور المناط بها. هذا بجانب الضغوط والمضايقات التي تواجهها.
من المعلوم ضرورة كذلك أن العلم بالتعلم، وأن العلم الشرعي ومفاتحه لا ينالان إلا بمجالسة العلماء ومزاحمة الحكماء منهم بالركب، والقرب من أنفاسهم، والحرص على الاستفادة منهم؛ لأن العلم يحتاج إلى الأدب, والسلوك, والهدي الصالح، والسمت الصالح.
التعامل مع الكتب من غير شيخ، وقبل الحصول على مفاتح العلم له أضرار بليغة ومخاطر كثيرة، ورحم الله أبا حيان الأندلسي حين قال مبيناً مضار ذلك ومحذراً منه:
يظن الغمرُ أن الكتب تهدي *** أخا جهل لإدراك العلوم
وما علم الجهولُ بأن فيها *** مدارك قد تدقُّ عن الفهيم
ومن أخذ العلوم بغير شيخ *** يضل عن الصراط المستقيم
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً *** وآفته من الفهم السقيم
من العسير جداً في زماننا هذا التفرغ لطلب العلم، أعني بذلك تفرغ العالم والمتعلم، حيث لم يبق إلا الانتساب إلى الجامعات الشرعية المفتوحة المتيسرة، وفي بعض الأحيان ولبعض الطلاب والشباب تكون في متناول اليد. أعني بذلك الدروس المنتظمة في المساجد، فهي لا تحتاج إلى رسوم، ولا تسجيل، ولا تفرغ، ولا ترحيل، وغاية ما تحتاجه:
1. رغبة صادقة في طلب العلم الشرعي.
2. وعزيمة ماضية.
3. وقلب حاضر.
4. وتفرغ جزئي لمدة ساعة أوساعتين بما في ذلك المراجعة.
5. الكتاب الذي يدرس ودفتر وقلم.
6. وإن كان هناك جهاز تسجيل فزيادة خير.
العلم صيد *** و الكتابة قيده
قيد صيودك *** بالحبال الواثقة
وأوقات هذه الدروس لا تتعارض مع طالب، ولا عامل، ولا موظف، فهي من بعد صلاة الصبح إلى الشروق، ومن بعد صلاة المغرب إلى العشاء، في أيام معدودة، وساعات محدودة، وأوقات مباركة مشهودة.
وهي مفتوحة للصغير، والكبير، والشاب، والشيخ، والقارئ، والأمي، والمنتظم، وغير المنتظم، للعالم، والمتعلم، والمستعلم، والمحب، في العقيدة، والفقه، والحديث، والسيرة، والسياسة الشرعية، والتفسير، والأدب، والسلوك.
من أمثلة ذلك ما هو قائم في مسجد علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- بالمعمورة، حيث تقام فيه بفضل الله- عز وجل- ثلاثة دروس بعد الفجر، ودرسان بين المغرب والعشاء، على النحو التالي:
1. شرح موطأ الإمام مالك بعد فجر الإثنين من كل أسبوع.
2. شرح التجريد الصريح لصحيح البخاري بعد فجر الأربعاء من كل أسبوع.
3. شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد بعد فجر الثلاثاء من كل أسبوع.(10/14)
4. شرح زاد المعاد في هدى خير العباد لابن القيم بين المغرب والعشاء يوم الثلاثاء من كل أسبوع.
5. شرح القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية والتنبيه على مذهب الشافعية, والحنفية, والحنبلية لابن جُزَي المالكي.
وسيُنقل درس صحيح الترمذي للألباني من مسجد جامعة إفريقيا إلى مسجد المعمورة قريباً بإذن الله.
هذا بجانب العديد من الدروس والدورات القصيرة المدى التي يقيمها السادة العلماء والضيوف الفضلاء من خارج البلد وداخله، التي عمر وأنار الله بها المساجد في معظم مساجد ولاية الخرطوم وغيرها.
والمطلوب من السادة المشايخ الإكثار من هذه الدروس والمداومة عليها، فأحب العمل إلى الله أدومه، والتحضير لها وتنويعها حتى تلبي جميع الرغبات وتحقق كل الطلبات.
وينبغي للشباب خاصة الاستفادة من هذه الدورس والحرص عليها، وتشجيع غيرهم وحضهم، فالدال على الخير كفاعله، ورب مبلغ أوعى من سامع، ولئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم.
وينبغي للجان المساجد والمسئولين عنها أن يسعوا لإقامة هذه الدروس، وأن يهيئوا لها الجو المناسب، وأن لا تضيق صدورهم بها، فعمارة المساجد بعد إقامة الصلوات المكتوبة والاعتكاف يكون بإقامة الدروس، والندوات، والدورات العلمية النافعة.
لا تحرم أخي المسلم، طالباً كنت، أم عاملاً، أم موظفاً، أم تاجراً نفسك من ذلك، واحذر التعليلات الفارغة، والأماني الكاذبة، فما أنت فيه مهما كان ليس بأوجب عليك ولا أحب إلى الله مما ندعوك إليه.
كان الشافعي - رحمه الله - ينشد:
إذا رأيتَ شباب الحي قد نشأوا *** لا يحملون قِلال الحبر والورقا
ولا تراهم لدى الأشياخ في حِلقٍ *** يعون من صالح الأخبار ما اتسقا
فعد عنهم ودعهم، إنهم همج *** قد بدَّلوا بعلو الهمة الحُمقا
قال ابن عقيل-رحمه الله-: (وبعض الناس يحتج لتركه – العلم – بكبر السن، أو عدم الذكاء، أو القلة والفقر، أو غير ذلك، وذلك من وسواس الشياطين يثبطون بها، ومن نظر في حال السلف وجماعة من علماء الخلف وجدهم لا يلتفتون إلى هذه الأعذار، ولا يعرجون عليها، وقد قيل:
ومن يجتهد في نيل أمر ويصطبر *** يَنَلهُ، و إلا بعضَه إن تعسرا
فما دمتَ حياً فاطلب العلم والعُلا *** ولا تألُ جهداً أن تموت فتعذرا
ولكن ينبغي اغتنام أوقات الفراغ، فإنه أقرب إلى حصول المقصود).
هل تعلم أخي الكريم أن رياض الجنة هي حلق الذكر، التي يدرس فيها الحلال والحرام، ويتعلم منها السنة من البدعة، وأنها الجامعات المفتوحة.
صحَّ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - يرفعه إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - : (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)، قالوا: يا رسول الله! وما رياض الجنة؟ قال: (حلق الذكر، فإن لله سيارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم ).
قال عطاء بن أبي رباح: "مجالس الذكر مجالس الحلال والحرام، كيف يشتري ويبيع، ويصوم ويصلي، ويتصدق، وينكح، ويطلق، ويحج".
فهلم ارتع فيها واستأنس بها.
اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وصلى الله وسلم وبارك على معلم البشرية الخير، وعلى آله والتابعين لهم، والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وسلام على المرسلين.
http://www.islamadvice.comالمصدر:
============
المسجد ومسؤوليته في مجتمع الأقليات المسلمة
د. حامد تشوي يونغ كيل
تناول الباحث في دراسته إبراز مهمة المسجد باعتباره مؤسسة دينية وتعليمية في بلد غير إسلامي مثل كوريا الجنوبية.
وأشار إلى أن ذكر كلمة المسجد ورد في القرآن الكريم 28 مرة، 22 منها بصيغة المفرد و6 في صيغة الجمع، وهناك آيات في القرآن الكريم تشير إلى أهمية المسجد ومكانته العالية في الإسلام.
فيما ذكر الباحث نبذة عن الإسلام والمساجد في كوريا الجنوبية فقال:
عندما نشبت الحرب الكورية عام 1950م قامت تركيا بإرسال كتيبة عسكرية للعمل لتكون جزءاً من قوات الأمم المتحدة المؤلفة من 16 دولة، فكان أفراد القوات التركية يقيمون صلاة الجمعة كل أسبوع في سيئول، وكان يحضر الصلاة ثلاثة أشخاص كوريين كان قد تم ترحيلهم من منشوريا في الصين الأمر الذي مهد الطريق لإقامة علاقات إسلامية بين كل من كوريا وتركيا، وفي عام 1953م بدأ المسلمون الكوريون في أداء الصلاة في المسجد الواقع في القاعدة العسكرية التركية، كما تم افتتاح أول مسجد في كوريا شهر سبتمبر لعام 1955م، أما الآن فهناك ستة مساجد في كوريا حيث تم عام 1976م افتتاح أول مسجد في سيئول بني على أرض مقدمة من الحكومة الكورية، وساهمت الدول الإسلامية في تكلفته.
http://www.muslimworldleague.org المصدر:
===============
المسجد وأعداء الإسلام
يعتبر المسجد رمز الحياة الإسلامية ومحور اهتمام المسلمين، ومركز المدينة أو المحلة الإسلامية، وحوله يتجمع نشاط المسلمين بكل مظاهره وصوره، فمنه انبثقت أفكارهم وتطلعاتهم، إليه يعودون بعد ضربهم في الأرض، وخوضهم في كل المجالات اقتصادية أو جهادية أو سياسية.
والمسجد تجسيد لأهداف المسلم وغاياته في حياته وهو الطريق لتحقيق هذه الأهداف والغايات فبناؤه يعد أول خطوة من أجل ذلك، وهدمه قضاء على هذه الأهداف والغايات في مهدها ومحاولة قضاء على مجرد التفكير فيها أيضاً.
وهذا ما يدركه كل من المسلمين وخصومهم بوضوح أيضاً.(10/15)
فالمسلم الحق أينما حل يبحث عن المسجد، فإن لم يجده فكر في طريقة إيجاده، وتطلع إلى الوسائل التي تعينه على ذلك، من التعرف على إخوانه في العقيدة الذين يشاركونه هذا الاهتمام، ومن تسهيل السبل لرفع هذا البناء الذي يوقف لعبادة الله وحده، ويرفع فيه اسم الله - عز وجل - وحده، كل ذلك إعمالاً لقول الله - تعالى -:(إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ).
أما أعداء الإسلام، فمن إدراكهم لهذه الحقائق، ومعرفتهم بأن المسجد هو نقطة تجمع للمسلمين، وبؤرة ضوء يلتفون حولها ويقتبسون من نورها؛ يعز عليهم أن يكون للمسمين أي تجمع، ويهتدون بأي نور، فقد أخذوا على أنفسهم عهداً أن يضربوا كل وحدة للمسلمين وكل شبه وحدة، وأن يقضوا على أية وسيلة يستمدون منها الشعور بذاتهم، والحفاظ على خصائصهم، والتميز عن غيرهم، وهذه الطبيعة في أعداء الإسلام ليست جديدة، وليست غير طبيعية، وليست غير مفهومة، فهي طبيعة قديمة وطبيعية ومفهومة.
ولسنا نريد الحديث عن أساليب الأعداء في تفريق صفوف المسلمين والعمل على ضرب قواهم والوسائل الكثيرة التي تسخر لذلك، ولكن نريد أن نتحدث عن موقفهم من المساجد فقط.
ونبدأ بالشيوعية فعندما سيطرت هذه الشيوعية على الشعوب الإسلامية كانت مساجد المسلمين من أولى أهدافها، فهدمت منها ما يعز على الحصر والذي ضنت به عن الهدم -لجمال هندسته وضخامة بنيانه- حولته إلى متاحف أو معامل أو مرافق، ومنها ما جعلته مخازن للخمور وغيرها من النجاسات زيادة في تحدي المشاعر.
وحرمت ارتياد هذه المساجد للعبادة، وقضت على ما كان ملحقاً بالكثير منها من مدارس العلم والمؤسسات الخيرية التي أوقفت على مصالح المسلمين، ففي خوجند التي كانت إحدى العواصم في وسط آسيا وكانت مليئة بالمساجد لم تبق الشيوعية فيها إلا مسجداً رسمياً واحداً ليكفي حاجة 150 ألف شخص، بينما هدمت المساجد الباقية وحول بعضها إلى مكتبات للأطفال ومخازن وبارات، وفي داغستان هدم في عهد ستالين (2000) مسجد، وفي (آخطي) وهي بلدة تبعد عن دربند (وهو ما يسمى بباب الأبواب في المراجع الإسلامية) أربع ساعات بالسيارة - تحول المسجد إلى متحف، ووضع فوقه تمثال معدني للينين ارتفاعه سبعة أمتار تقريباً..
واليوم وبعد سقوط الشيوعية يعيد المسلمون بناء المساجد بنشاط وحماسة مذهلة، فأهل داغستان بنوا حوالي 200 مسجد من أموالهم الخاصة منذ بداية 1990 إلى الآن، وفي خوجند العمل جار لبناء 14 مسجداً في وقت واحد.
وفي كل أمكنة أخرى يكون النشاط نفسه، فتبنى المساجد الجديدة، ويعاد فتح المساجد القديمة المعطلة أو التي كانت مستخدمة لأغراض أخرى، وأصبح بالإمكان إعادة فتح أي مسجد للعبادة إذا طالب بذلك عشرون شخصاً على الأقل.
وفي فلسطين فإن سياسة الاستيطان اليهودي الشرسة تحرص على تغيير وجه فلسطين المسلم، وصبغها بالصبغة اليهودية، وتبذل جهوداً وأموالاً خيالية في هذا المجال، يمدها في ذلك اليهود والصليبيون المتعصبون في أمريكا وأوربا.
وعلى الرغم من النجاح الذي حققه اليهود في مدن فلسطين الرئيسية في حيفا ويافا، فإنهم يحرصون أن يطبقوا هذه السياسة على الضفة الغربية وقطاع غزة، ويبدأون بالرموز الكبيرة في كل مدينة.
فقد نجحوا في أن يكون لهم مكان عبادة في مسجد الخليل، وهم يسعون لتحويل كل مكان خالص للعبادة اليهودية وحرمان المسلمين منه، على الرغم من أن المسلمين أمضوا أكثر من أربعة عشر قرناً في العبادة فيه.
على أن جهودهم تستنفر وتتجمع لهدم المسجد الأقصى ومسجد الصخرة لإقامة هيكلهم المزعوم مكانه.
ومحاولتهم لإحراق المسجد الأقصى عام 1969، وتكرار محاولاتهم وضع الحجر الأساسي في ساحته وبناء هيكلهم بعد ذلك على أطلاله ليست مجرد هدم لمسجد فقط؛ وإنما هي قضاء على كل أمل للمسلمين في حقهم في مدينة القدس، وجعل الفلسطينيين يقتنعون أنه لا قبل لهم بنيل أي حق يطالبون به، وهي بعد كل ذلك يمكن أن تكون سابقة خطيرة لها نتائجها وأبعادها لا على مسرح النزاع بين اليهودية والإسلام وهو فلسطين؟ بل على كل أرض يقف فيها الإسلام في مواجهة أي دين آخر.
وبهذا يجب أن تفسر المذبحة التي وقعت للفلسطينيين في ساحات المسجد الأقصى وعلى تخومه، وبهذا أيضاً تظهر العلاقة واضحة بين هذا الحادث وبين ما يجري في الهند من هذه الحملة المسعورة التي يقوم بها الهندوس الوثنيون لهدم المسجد البابري وإقامة معبد لصنمهم (راما) في مكانه.
ووجوه التشابه كثيرة بين ما يفعله اليهود في فلسطين للمسجد الأقصى وغيره، وما يفعله الهندوس.
*فاليهود يريدون إلغاء كل ما يمت للإسلام بصلة في فلسطين ليقنعوا العالم أنها أرضهم الشرعية وأن المسلمين طارئون عليها.
والهندوس كذلك يريدون إلغاء وجود الإسلام في شبه القارة الهندية وإذابة المسلمين هناك.
*واليهود والهندوس يريدون الإيحاء للعالم أن الإسلام فترة زمنية انتهت، كما انتهت فترة الاستعمار الغربي، وأن على المسلمين أن يرحلوا كما رحل الإنكليز والفرنسيون والبرتغال والطليان عن البلاد التي حكموها بالظلم والطغيان والقهر، ويعمون عن حقيقة جوهرية أن هذه الشعوب التي دخلت في الإسلام لم تأت من الجزيرة العربية، بل هي من أهل البلاد الأصليين الذين قبلوا الإسلام عن طواعية، وأنه من الصعب بل من المستحيل أن يتخلوا عنه بسهولة وبخاصة في هذا الزمن على الرغم من تطور أساليب الفتنة، وما حدث في البلاد الشيوعية يعطي الدرس البليغ للهندوس ولليهود ولغيرهم ممن يفكر في تغيير دين المسلمين وإذابتهم.(10/16)
*واليهود والهندوس تبدوا جهودهم وكأن هناك تنسيقاً بينهما من أجل الضغط على المسلمين وإشغالهم وتشتيت جهودهم فالمنطقة الممتدة بين المتوسط وشرق آسيا، وهي المنطقة التي ينساح الإسلام فيها على مساحة واسعة الأرجاء نجدها الآن تُتَحَّيف من أطرافها وتثار فيها مشكلات مستعصية تشغل المسلمين وتشتت جهودهم وهذا واضح شديد الوضوح في الهند في الشرق، وفي فلسطين في الغرب، كما أنه واضح أيضاً في أفغانستان وفي سيلان، وفي الفلبين.
إن إصرار الهندوس على هدم المسجد البابري في الهند ليس مجرد هدم مسجد فقط، وإنما هو رمز لإزالة أثر الإسلام من الهند، وهو بداية سلسلة من الأعمال التي تذكر بالمذابح المتبادلة التي حصلت هناك بهندسة من الاستعمار البريطاني قبل انفصال الباكستان.
وعلى الدول العربية والإسلامية واجب كبير في لفت نظر الهند حكومة وشعباً إلى خطورة ما يحدث للمسلمين عندهم، هذا الواجب الكبير الذي توجبه الأخوة الإسلامية التي تربط بين المسلمين في كل مكان، فإن لم يكن واجب الأخوة الإسلامية، فالأخوة الإنسانية والعلاقات التي تربط بين الدول.
إن الشعوب العربية تضامنت مع شعوب غير مسلمة سابقاً ولاحقاً، ولازالت أجهزة إعلامها وكتب التاريخ المدرسي فيها تشيد بصمود فيتنام وكوريا، وتتعاطف مع دول أمريكا اللاتينية، ونعتقد أن تعاطفها مع الشعوب والأقليات الإسلامية لا يقل من حيث الواجب الإنساني -إن لم يكن هناك دين- أهمية وإلحاحاً.
والهنود -على الرغم من كثرة عددهم- عندما تصلهم الاحتجاجات من الدول العربية والإسلامية فإنهم سينظرون إلى الأمور بتعقل أكثر، ذلك لأن الهند لها علاقات مزدهرة مع أغلب هذه الدول بل إن بعضها يفضلها على باكستان.
فلا أقل من تصريح يفهم الهند أن القضاء على125 مليون مسلم أمر مستحيل وضار بمستقبل الهندوس أنفسهم.
أما الكلمة الأخيرة فهي موجهة للمسلمين الذين يجب أن يفهموا أن الديمقراطية الهندية ديمقراطية زائفة وأن المسلمين يعانون من عسف هذه الديمقراطية ما يهدد وجودهم من أصله، وإن الهند لها تطلعات استعمارية، وهي تعاني من مشاكل داخلية معقدة وتتطلع إلى حلها على حساب ما يحيط بها من الدول، والمجال الذي تتطلع إليه لبسط نفوذها هو مجال إسلامي بشكل كامل تقريباً، فليس التهديد الهندي موجهاً للصين مثلاً أو للشرق بل تهديدها متجه إلى البنغال وباكستان وأفغانستان بالدرجة الأولى.
والهنود يظنون أنهم بامتلاكهم القنبلة النووية أصبحوا قادرين على فرض الاعتراف بهم كقوة مسيطرة في آسيا، ولا تكتفي بالعيش داخل حدودها.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============
وقفات مع إمام المسجد في رمضان !!
الشيخ : محمد بن إبراهيم السبر
فهذه كلمات يسيرات أوجهها إلى إخوتي أئمة المساجد والجوامع بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك..وهي كلمات النصيحة دافعها، والمحبة في الله رائدها، والإخلاص وقودها..فآمل أن تجد لديك أخي الإمام قبولاً وأن تفتح لك في مهمتك آفاقاً..
أخي إمام المسجد: أهنئك بدخول شهر رمضان المبارك جعلني الله وإياك ممن يصوموه ويقوموه إيمانا واحتساباً، وأن يوفقنا وإياك فيه لصالح العمل.
كما إن شهر رمضان هو شهر الصيام والقيام والصدقة، وشهر القرآن والطاعة والعبادة، فهو أيضاً شهر الدعوة والاحتساب خاصة لأئمة المساجد والجوامع، هو فرصة للتربية وتزكية النفوس.. لأن الناس يقبلون على المساجد ويؤمون الجوامع للصلاة والتراويح والاعتكاف ونفوسهم مهيأة لتقبل الخيرات وعمل الصالحات، وهذه من نعمة الله على عباده.. ولاشك أن الداعية الناجح يهتبل الفرص ويغتنمها وهذا منهج نبوي أمثلته كثيرة ليس هذا مجال طرقها..
نعم أخي في الله: رمضان فرصة للإمام الجاد في وظيفته المهتم بخطبته الحريص على جماعته وصلاته وقيامه ولا شك أن شهراً بعظمة رمضان يتطلب من الإمام جهداً لاغتنامه لنفسه والحرص على النفع المتعدي..
ولذا أوجه هذه الوصايا والوقفات عل الله أن ينفعني وإياك بها..
الوصية الأولى: تقوى الله - جل وعلا - في السر والعلن وما تأتي وما تذر، والإخلاص في القول والعمل فهما سبب التوفيق والنجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، قال ابن الجوزي: " إنما يتعثر من لم يخلص". فاخلص نيتك في إمامتك ودعوتك وصلاتك ودعائك، والرجل كما قيل: إنما يُعطى على قدر نيته.
الوصية الثانية: وأنت تستعد للعمل والدعوة في رمضان ولاشك أن ذلك عبء كبير لمن يحملون هم الإسلام استعن بالله - جل وعلا - وتوكل عليه وسل ربك أن ييسر أمرك ويبارك في إمامتك ودعوتك، فلا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله - تعالى -عن موسى - عليه السلام - وقد جاءه التكليف بالدعوة وتبليغ الرسالة: ((رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي*يَفْقَهُوا قَوْلِي)) (طه: 25، 28).
الوصية الثالثة: الإمامة أمانة.. فالله الله في أداء الأمانة بالحرص على أداء الصلاة في وقتها، وعدم التخلف عنها إلا لعذر شرعي وإنابة من تبرؤ به الذمة حال الغياب الضروري فأنت قدوة في قولك وعملك فكيف تريد من الناس المحافظة على الصلاة وأنت لا تحافظ عليها أو تتخلف عن أدائها..
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
الوصية الرابعة: احرص بارك الله فيك على تعاهد المسجد وتهيئته للمصلين والمتهجدين والمعتكفين وذلك بتطيبه والعناية بنظافته وتنظيم أثاثه والاهتمام بدورات المياه وصيانتها والحفاظ على محتوياته، والعناية بالصوتيات والاعتدال في ذلك.(10/17)
الوصية الخامسة: احرص على الاستعداد العلمي لرمضان بمعرفة أحكام الصيام والقيام والاعتكاف وزكاة الفطر وأحكام العيد والست من شوال حيث إنك تحتاج لذلك لتقوم بعبادتك على الوجه المطلوب، والناس سيسألونك ولاشك - عن ذلك، ويستطيع الإمام أن يتفقه في ذلك بقراءة الكتب الفقهية عن الصيام أو قراءة فتاوى العلماء الكبار في ذلك أو الملخصات الفقهية المعتمدة أو سماع الدروس العلمية التي تتحدث عن الصيام وأحكامه ومخالفاته [1]
الوصية السادسة: احرص على القراءة على المصلين في الوقت الذي تراه مناسباً لحال جماعتك، واحرص على الاختصار مع التحضير للدرس والتعليق المفيد إن اقتضى الأمر"[2]"
الوصية السابعة: احرص على إتباع السنة في صلاة التراويح والاقتصاد في الدعاء وعدم الاعتداء واحذر من السرعة في الصلاة قال أهل العلم: إنه يكره للإمام أن يسرع بالجماعة سرعة تمنعهم من فعل ما يُسن فكيف بفعل ما يجب..
الوصية الثامنة: يكثر سفر بعض الأئمة للعمرة في رمضان فيتركون المسجد أياماً أو يختمون مبكرين في أول العشر الأواخر ويذهبون إلى مكة ويقولون نحن وكلنا من يقوم بالمهمة على أكمل وجه، وهذا خطأ لأن أداء العمرة سنة والقيام بالإمامة واجب فكيف يقدم النفل على الفرض، ثم إن العمرة نفع قاصر والإمامة والصلاة نفع متعد وهو مقدم.
الوصية التاسعة: الدعوة في الحي أثناء رمضان وهناك بعض الأعمال الدعوية التي لها ثمارها المجربة في رمضان ومنها:
* هدية رمضان: فالهدية تفتح القلوب وطريق للدعوة ووسيلة سهلة ميسرة للتواصل مع الناس مع مراعاة أحوال الجماعة فمنهم الصالحون ومنهم دون ذلك وهم يختلفون بحسب حرصهم على الصلاة ومحافظتهم على أسرهم ومَنْ تحت ولايتهم فيراعى في الهدية ذلك..
* طرح المسابقات الهادفة لأهل الحي ومراعاة المراحل العمرية ووضع عليها جوائز رمزية وقيمة.
زيارة المقصرين في بيوتهم لمناصحتهم عما هم واقعون فيه من ترك للصلاة أو تفريط في تربية البنين والبنات أو تركيب للدشوش والقنوات الماجنة وغير ذلك من المخالفات.
* استضافة العلماء والدعاة لإلقاء الدروس والكلمات بعد التراويح أو غيرها.
* استغلال حضور المصليات وتوزيع المفيد عليهنَّ من الأشرطة والكتب والمطويات، وإعطائهن نصيباً من التوجيه والاهتمام باستضافة الداعيات وطالبات العلم.
* تعاهد لوحة إعلانات المسجد والإشراف التام عليها مع الحرص على تنوع مادتها وتجديدها بين الحين والآخر.
* إعداد برنامج للعيد وتنسيق اجتماع للجيران بعد صلاة العيد في المسجد لبذل السلام وإشاعة روح التعاون والمودة والتواصل بين الجيران والإصلاح بين المتخاصمين.
الوصية العاشرة: وعلى الإمام أن يكلل هذه الأمور كلها بدعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة والرفق وعدم التعنيف والحرص على هداية الناس كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال - تعالى -: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)) (آل عمران: 159).
وقال - سبحانه -: ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) (النحل: 125).
الوصية الحادية عشرة: تفطير الصائمين في هذا الشهر الكريم وتهيئة المكان لذلك وحث الجماعة على المساهمة في ذلك، وإن كان هناك وافدون وهم الأغلب فاجعل مع غذاء البدن غذاء الروح وهذا - بحمد لله - متوفر عند مكاتب دعوة الجاليات فهم يمدونك بالكتيبات والدعاة وبجميع اللغات.
الوصية الثانية عشرة: العناية بفقراء الحي وتفقدهم فهم أولى بالمعروف وذلك إعداد برنامج لجمع الزكاة وتوزيعها على فقراء الحي وإعانة محتاجهم وسد فاقتهم وستر خلتهم أو السعي لدى من يعينهم.
وفي الختام
أخي إمام المسجد: إن أهل الباطل يتسابقون لخطف رمضان وهدم روحانيته وإفساد حلاوته بالمسلسلات الطائشة والأفلام الماجنة والفوازير الهازلة، فلابد أن نسعى للحفاظ على هيبة رمضان وجلاله وذلك بالحرص على أن نقدم برامج تكون بدائل مزاحمة لهذا الإعلام الملوث وإحياء دور المسجد وتفعيله..
وفقني الله وإياك لما يحب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
------------------------
[1]- يمكنك الرجوع والاستعانة مثلاً بالملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان، الصيام آداب وأحكام للدكتور عبد الله الطيار، مخالفات الصيام للشيخ / عبد العزيز السدحان وغيرهما.
[2]- ومن الكتب المفيدة في هذا الباب " على سبيل المثال لا الحصر ": مجالس شهر رمضان للعلامة ابن عثيمن - رحمه الله -، أحاديث الصيام آداب وأحكام للشيخ عبد الله الفوزان، فتاوى رمضان لمجموعة من العلماء جمع أشرف عبدا لمقصود، دروس رمضان لعبد الملك القاسم، رمضان دروس وعبر للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد وغيرها.
25/8/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
=============
رسالة إلى رواد المساجد
الدكتور صالح بن علي أبو عراد
• يا رواد بيوت الله في الأرض.
• يا من أعد الله لكم نُزلاً في الجنة.
• يا من تولون وجوهكم شطر المسجد الحرام في صلواتكم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:(10/18)
فإن الله سبحانه قد رفع منزلة المساجد في الأرض، وعظَّمها بأن نسبها إليه سبحانه، فليست لأحد سواه. قال عز من قائل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} (سورة الجن: 18). فكان علينا جميعاً أن نُعظِّمها وأن نحترمها وأن نقدسها، وأن نعرف لها حقها الذي وجدت من أجله، فلا نساويها بغيرها من البقاع، ولا نشبهها بسواها من الأماكن، فهي جزءٌ لا يتجزأ من مجتمعنا المسلم الذي أذن الله أن ترفع فيه، وأن تكون بقاعاً طاهرة نقية تتنزل فيها الرحمات، وتهبط الملائكة، وتحل السكينة والخشوع.
ولأن للمسلم علاقةٌ حميمةٌ وصلةٌ وثيقةٌ بهذه المساجد في كل وقتٍ وحين، فقد رأيت أن أوجّه هذه الرسالة لرواد المساجد وعُمَّارها من عباد الله المؤمنين الصادقين، فأقول مستعيناً بالله وحده:
* إن المساجد بيوت الله في الأرض، ولا يحل لأحد من الخلق أن يعمل فيها إلا بما أذن الله من قول أو عمل، فلا يمكن أن تكون المساجد لغير عبادة الله والدعوة إلى سبيله، وإقامة شعائر الإيمان، وحفظ كتاب الله العظيم وتلاوته وتجويده، ومدارسة سنته صلى الله عليه وسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفع ذكر الله سبحانه في كل حين كما قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ} (سورة النور: 37). فيا من وصفكم الله بعُمار المساجد احرصوا بارك الله فيكم ـ على عمارتها الحقة، والعمل على إحياء رسالتها الخالدة، وإعادة دورها العظيم في حياة الأمة.
* يا من وصفكم الله عز وجل بأنكم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة، تذكروا أن كثرة ارتيادكم لبيوت الله تعني إغاظة أعداء الله وإرهابهم وجعلهم يعيشون في قلق وهم دائمين، وعلى رأسهم إبليس ـ لعنه الله ـ وجنوده وأعوانه من شياطين الجن والإنس الذين يؤلمهم ويؤرقهم ويزعجهم أن يرتاد المسلمون بيوت الله، لا سيما الشباب الذين هم عماد الأمة وأملها ورجال مستقبلها.
* يا من تُحافظون على الصلوات الخمس جماعةً في المسجد، اعلموا ـ بارك الله فيكم ـ أن أداء الصلاة جماعة في المساجد من أفضل الأعمال التي حثت عليها سنة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ورغبت فيها كثيراً؛ فعن ابن عمر ( رضي الله عنهما ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعاً وعشرين "(رواه مسلم، الحديث رقم 1478، ص 262). واعلم أن أداء الصلاة في المساجد لا يُعطل مسيرة الحياة، ولا يعوق النشاط الدنيوي للمسلم، ولا يؤخره عن أعماله وارتباطاته، لأن الصلوات في حقيقة الأمر ليست سوى محطاتٍ إيمانيةٍ يتزود فيها المسلم بالطاقة الروحية اللازمة للسعي في الحياة، تلك الطاقة الإيمانية التي تصله بربه جل وعلا، وتجدد نشاطه باستمرار، وتدفعه إلى الأمام، وتعينه على التحمل والمثابرة والمصابرة في مشوار حياته. كما أن لأداء الصلاة في المساجد معاني عظيمة وآثاراً طيبة في تربية أبناء المجتمع المسلم ونهيهم عن فاحش القول ومنكر العمل تصديقاً لقوله سبحانه: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (سورة العنكبوت: من الآية 45).
وليس هذا فحسب فإن للصلاة دوراً مهماً في بناء شخصية المسلم وتحديد معالمها، فهي كفيلةٌ ـ إن شاء الله ـ بصقل نفس المؤمن وإرهاف حسه وترقيق وجدانه، وربطه بخالقه العظيم جل وعلا، لما فيها من صلة بالله سبحانه، ومناجاة له وخشوع وخضوع يجعل المصلي متمثلاً لعظمة الله وقدرته سبحانه.ولذلك روي عن أنس رضي الله عنه أن صلى الله عليه وسلم قال: " وجُعل قرة عيني في الصلاة " (رواه النسائي برقم 3939، مج 7، ص 61).وهذا فيه تأكيدٌ على أن في الصلاة راحة نفسية للمسلم متى أداها بخشوعٍ وخضوع، وأنها تؤدي إلى السكينة و الطمأنينة وهدوء البال، وهو ما يشعر به المؤمن بعد أدائه الصلاة أداءً صحيحاً يربطه بخالقه العظيم ارتباط إيمانٍ واستسلامٍ وتعبد.
* يا رواد المساجد في المجتمع المسلم، اعلموا أن المساجد ليست أماكن لأداء الصلاة فقط، ولكنها مراكز للتعليم والتوجيه، ومؤسسات للتربية والتنشئة، ومعاهد للفقه الشرعي، والبحث العلمي عن طريق ما يعقد فيها من دروس ومحاضرات وندوات، وما يلقى على منابرها من خطب ومواعظ ونصائح في مختلف جوانب الحياة الفردية والجماعية. واعلموا ـ بارك الله فيكم ـ أنه ما لم تكن تلك وظيفة المساجد ورسالتها الخالدة ومهمتها العظمى فإنها ستظل معطلة، ولن تؤتي ثمارها الطيبة المباركة التي وجدت من أجلها. يقول أحد دعاة الإسلام: " من أراد أن ينظر وأن يتعرف على حقيقة مدينة من المدن، أو قرية من القرى، فلينظر إلى مساجدها، ولير ما مقدار اهتمام الناس بهذه المساجد؟ وما هي علاقتهم بها؟ حينها يحكم على هذا الجيل أو هذه الطائفة من الناس ومدى رقيهم الحضاري الإسلامي ". من هنا كانت المساجد في تاريخنا الإسلامي المجيد قلاعاً للإيمان، وحصوناً للفضيلة، وبيوتاً للأتقياء، وينابيع للصلاح، وموارد للخير، ومجامع الأمة، ومواضع الأئمة.(10/19)
* يا عباد الله الصادقين، حافظوا على تحية المسجد التي تميزه عن غيره من الأماكن و البقاع. فهي تختلف عن غيرها من أنواع التحايا المتبادلة عند الدخول إلى المنازل أو المكاتب أو نحوها من المرافق والأماكن بأنها تحية مميزة لمكان مميز وبقعة طاهرة فكان لابد لها من أداء خاص يليق بمنزلتها عند المسلم، ولذلك فقد روي عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل أحدُكم المسجد فلا يجلس حتَّى يُصلي ركعتين " (رواه البخاري، الحديث رقم 1163، ص 186). وليس هذا فحسب، بل لقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أدائها، وأمر بذلك حتى في أثناء أداء خطبة الجمعة حيث روي عن جابر بن عبد الله ( رضي الله عنهما ) قال: جاء سُليك الغطفاني يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخْطُب، فجلس، فقال له: " يا سُليك! قم فاركع ركعتين، وتجوَّز فيهما "، ثم قال: " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطُب فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما " (رواه مسلم، الحديث رقم 2024، ص 350). فكم هو عظيم وجليل وجميل أن يفتتح المسلم دخوله إلى بيت من بيوت الله في الأرض بركعتين يُعلِنُ بهما السمع والطاعة، والخشوع والخضوع لله جل وعلا !! إضافةً إلى أن في هاتين الركعتين قطعاَ للحديث بين المصلين، وانتظاراً للصلاة في خشوعٍ ووقارٍ وسكينة.
* يا عمار بيوت الله في الأرض، إن لهذه البيوت منزلة رفيعة، ومكانةً عاليةً في النفوس، ولذلك فهي تختلف عن غيرها من الأماكن التي يرتادها الناس في حياتهم اليومية بمالها من آداب فاضلة وسلوكيات مثالية كالاستعداد لدخولها بالطهارة، ومراعاة آداب الدخول إليها والخروج منها والخشوع والسكينة أثناء المكوث فيها، وعدم رفع الصوت فيها أو الانشغال بأمور الدنيا بين جنباتها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم من يبيعُ أو يبتاعُ في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشُد فيه ضالةً، فقولوا: لا رد الله عليك " (رواه الترمذي، الحديث رقم 1321، ص 312). وهذا يعني صرف الوقت داخل المسجد لشؤون الدنيا أو لتعطيلها عن ذكر الله سبحانه. كما أن من آدابها العظيمة المشي إليها بتؤدة وخشوع وطمأنينة دونما جري أو تعجيل، والتبكير في الحضور إليها، وعدم تخطي الرقاب أو اختراق الصفوف لا سيماَ في صلاة الجمعة لما ورد في ذلك من النهي على لسان معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم.
* يا من تخافون يوماَ تتقلب فيه الأبصار، احرصوا على تسوية الصفوف عند إقامة الصلاة استعداداً للوقوف بين يدي الله عز وجل. فإن وقوفكم خلف الإمام بشكلٍ مستوٍ ومنتظم وعلى هيئة صفوفٍ متراصةٍ يربي المسلم على حب النظام والترتيب، ويربي النفوس على إزالة الملامح الطبقية والسمات الإقليمية، كما أن في ذلك غرساً لمبدأ المساواة والعدل في النفس البشرية، وإشارة إلى بنيان الأُمة المسلمة المرصوص. لما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أُقيمت الصلاة فأقبل علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: " أقيموا صفوفكم وتراصوا " (رواه البخاري، الحديث رقم 719، ص 117). وجاء في حديث آخر عن أنس ابن مالك قال: قال صلى الله عليه وسلم: " سوُّوا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة "(رواه مسلم، الحديث رقم 975، ص 184).
* يا رجالاً تُحبون أن تتطهروا، حافظوا على نظافة المساجد وجمال مظهرها بحرصكم على إزالة ما قد يلوثها أو يشوه جمالها أو يُخل بطهارتها. ولذلك وجب علينا جميعاً الاهتمام الدائم والمستمر بنظافة المساجد لأنها شعار الإسلام، ومراكز تجمع المسلمين والتقائهم خمس مراتٍ في اليوم والليلة، وهي أطهر بقعةٍ وأقدس مكان يمكن أن تتم فيه تربية الإنسان المسلم وتنشئته ليكون فرداً صالحاً بإذن الله تعالى ؛ فكان لا بُد من الاهتمام بنظافتها وترتيبها، وتعهدها بالطيب والبخور ونحوه لتكون لائقةً لاستقبال المصلين وأدائهم لعبادتهم بنفسٍ طيبةٍ وروحٍ مُنشرحة؛ فعن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قالت: " أمر رسول الله بِبِنَاء المساجد في الدور، وأن تُنظَّفَ و تُطيَّب " (رواه أبو داود، الحديث رقم 455، ص 77). ويقول أحد دعاة الإسلام: " لقد حث عليه السلام على تطييبها [أي المساجد] بالروائح الطيبة، وجعل هذه المهمة لكل مسلم حتى لا ينفرد بهذا الشرف الكبير وحده، وحتى تتاح الفرصة للجميع فيُشاركون في تنظيف المساجد وتطييبها وتجهيزها للمصلين ".(10/20)
* يا رواد بيوت الله احرصوا على تطييبها وتنزيهها من الروائح الكريهة والقمامات والقاذورات حتى فيما حولها من مساحات لئلا يتأذى بها الملائكة الكرام الذين يشهدون المساجد مع المصلين، ولئلا تكون تلك الروائح مدعاة لإيذاء بقية المصلين الذين يتأذون من رائحة الثوم والبصل والكُرَّاث، وغيرها من الأطعمة والمأكولات ذات الروائح النافذة و المؤذية، إضافة إلى رائحة الدخان والشيشة ونحوهما من الروائح الخبيثة المنتنة، لا سيما وقت أداء الصلاة في بيتٍ من بيوت الله تعالى. فعن ابن عمر ( رضي الله عنهما ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر: " من أكل من هذه الشجرة – يعني الثوم – فلا يقربنَّ مسجدنا "(رواه البخاري، الحديث رقم 853، ص 138). وعن جابرٍ قال: نهى رسول الله عن أكل البصل والكُرَّاث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها. فقال: " من أكل من هذه الشجرة المُنتنة فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الأِنس " (رواه مسلم، الحديث رقم 1252، ص 227). من هنا فإن على كل مسلمٍ أن يهتم بنظافة المساجد وتطييبها وإزالة الأذى منها حتى تشتاق إليها الأرواح، وترتاح إليها الأنفس.
* يا من تنتظرون الصلاة بعد الصلاة هنيئاً لكم بذلك؛ فقد حث الإسلام على إطالة الجلوس في بيوت الله تعالى، والمكوث فيها إن لم يكن للمسلم حاجة تدعو إلى قضائها خارج المسجد؛لما في ذلك من الخير الكثير والفضل العظيم، ولذلك جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال العبد في صلاةٍ ما كان في مُصلاه ينتظر الصلاة، وتقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه حتى ينصرف أو يُحْدِثَ " (رواه مسلم، الحديث رقم 1509، ص 268). كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أدُلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات؟ " قالوا: بلى. يا رسول الله! قال: " إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباطُ " (رواه مسلم، الحديث رقم 587، ص 123). فهنيئاً لعُمار المساجد الذين يُطيلون البقاء فيها لذكر الله تعالى، وأداء الفرائض والنوافل، وتلاوة القرآن الكريم، ومُدارسة العلوم الشرعية والتفقه في أمور الدين والدنيا، وحضور حلقات الدرس ومجالس العلم.
* يا عباد الله الراكعين الساجدين العاكفين، احذروا من كيد أعداء الله وأعداء الإسلام الذين هم أعداء المساجد ومن فيها من الركع السجود، ولا تنسوا أن الله تعالى قد حذَّرنا منهم وسجل لنا التاريخ أنهم لا يتوانون عن الكيد للإسلام والمسلمين، ومحاولة الصد عن دين الله بكل الوسائل المتاحة لهم. وخير مثالٍ على ذلك الكيد الخبيث زعمهم أن المساجد ليست سوى دورٍ للعبادة، ومكانٍ لأداء الصلاة وتلاوة القرآن الكريم قبيل أداء الفريضة فقط. وأنها أصبحت غير مناسبة لتقديم الوظائف التي كانت تقوم بها في زمن النبوة وعهد السلف الصالح. فإن هذه دعوى باطلة، وفريةٌ عظيمة لا أساس لها من الصحة، وعلينا جميعاً أن نُعيد للمسجد رسالته السامية ودوره العظيم في بناء شخصية الإنسان المسلم، وتربيته التربية الإسلامية المثالية الصالحة لكل زمانٍ ومكان.
* يا من تُجيبون دعوة الله تعالى ؛ إياكم واصطحاب الأطفال الصغار الذين هم دون سن التمييز إلى بيوت الله لما في ذلك من إزعاجٍ للمصلين وقطعٍ لخشوع الخاشعين بالمرور بين أيديهم والإخلال بتنظيم صفوفهم. وليس هذا فحسب بل ربما وصل الأمر ببعض الأطفال إلى تلويث المسجد في بعض الأحيان. أما أولئك الأطفال الذين يُرجى من اصطحابهم تدريبهم على ارتياد المساجد وتعويدهم أداء الصلاة، وغرس حب المساجد في نفوسهم فلا بأس – إن شاء الله تعالى – من اصطحابهم مع مراعاة عدم الغفلة عنهم، ومحاولة التحكم في تصرفاتهم، وحثهم على احترام هذه المساجد والالتزام بآدابها والتحلي بأخلاقها.
* يا من تُحبون بيوت الله تعالى وتحترمونها لا تنسوا أن من علامات احترام هذه البيوت المحافظة على المظهر الحسن عند ارتيادها والدخول إليها عملاً بقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (سورة الأعراف: من الآية 31). ومعنى ذلك أن يلبس المصلي لباساً لائقاً بالمساجد من حيث النظافة والستر والأناقة والهندام، والحشمة والوقار. و الحذر الحذر من ارتيادها بملابس غير لائقة كأن يأتي الإنسان إلى المسجد بثياب النوم أو بملابس العمل المتسخة أو التي تفوح منها الروائح المؤذية أو نحوها لأن في ذلك عدم احترام لقدسية هذا المكان، ثم لأنها قد تؤذي برائحتها من في المسجد من الملائكة والمصلين. وقد سبق معنا قوله صلى الله عليه وسلم: " من أكل من هذه الشجرة المُنتنة فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الأِنس " (رواه مسلم، الحديث رقم 1252، ص 227).(10/21)
* يا من أديتم الفريضة في المساجد، إياكم والتفريط في الأذكار التي حثت السنة النبوية على الإتيان بها بعد أداء الفريضة، ولا يستعجل أحدكم في مغادرة المسجد حتى يذكر الله تعالى بما ثبت وصح عن معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم من أذكارٍ جامعةٍ مانعة؛ فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من سبَّح الله في دبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعةٌ وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، غُفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر " (رواه مسلم، الحديث رقم 1352، ص 242). وقد روي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: " إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وقال ابن عباسٍ: " كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته ". (رواه البخاري، الحديث رقم 841، ص 136).
** وختاماً، أسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق والسداد، والهداية والرشاد، ومرضاة رب العباد، وأن يجعلنا جميعاً ممن يعمرون بيوت الله في الأرض قولاً وعملاً، وسراً وعلناً، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://www.saaid.net المصدر:
=============
مساجدنا والمخالفات الشرعية
سعد أحمد الغامدي
الحمد الله حمدا لا يحدّ، ونشكره شكرا لا يعد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله إلى الأبيض والأحمر والأسود. اللهم فصل وسلم على سيدنا محمد، الداعي إلى سبيل الرشد، وعلى آله وصحبه ومن جد في متابعته واجتهد.
أخي المسلم:
إن المساجد هي بيوت الله وهي أحب إليه - سبحانه - لها مكانتها العظيمة في قلوب المسلمين اهتم الشارع الحكيم بعمارتها حسيا ومعنويا وقال الله - تعالى -(إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) وقال - صلى الله عليه وسلم - (من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاه بنى الله له به بيتا في الجنة
إن مكانة المسجد في الإسلام لتظهر بجلاء في كون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستقر به المقام عندما وصل إلى حي بني عمرو بن عوف في قباء، حتى بدأ ببناء مسجد قباء، وهو أول مسجد بُني في المدينة، وأول مسجد بني لعموم الناس كما قال ابن كثير - رحمه الله -.
وكذلك عندما واصل - صلى الله عليه وسلم - سيره إلى قلب المدينة كان أول ما قام به تخصيص أرض لبناء مسجده - صلى الله عليه وسلم -. ولقد وعى هذا الأمر صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاهتموا بذلك، واعتنى الخلفاء الراشدون بها فكتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى ولاته أن يبنوا مسجداً جامعاً في مقر الإمارة، ويأمروا القبائل والقرى ببناء مساجد جماعة في أماكنهم. عن عثمان بن عطاء قال لما فتح عمر بن الخطاب البلد كتب إلى أبي موسى الأشعري وهو على البصرة يأمره أن يتخذ للجماعة مسجداً فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة فشهدوا الجمعة.
وكان المسجد في أول الإسلام مكان الطاعات كلها، كما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك للرجل الذي بال في المسجد: "إنما هي لذكر الله والصلاة"، وفي رواية: "إنما بنيت لذكر الله والصلاة"، [رواه البخاري]، وإن هذا الحصر يدل على أنه لا يجوز غير الصلاة والذكر في المسجد إلا بدليل، كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أنزل وفد ثقيف في مسجده قبل إسلامهم، وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - أنزل وفد الحبشة في مسجده، ولعبوا فيه بحرابهم وهو ينظر إليهم، وفي كلا الفعلين مصلحة ظاهرة عائدة إلى الإسلام.
وكانت أغلب مشورته - صلى الله عليه وسلم - في مسجده ـ وكذا خلفاؤه من بعده ـ تقع في المسجد لأنه مقر اجتماعاتهم، وكثير من الحوادث التي شاور فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أو شاور فيها خلفاؤه من بعده لا يذكر فيها مكان للشورى ولكنها في الغالب ما كانت تقع إلا في المسجد، قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله -: "وكانت مواضع الأئمة ومجامع الأمة هي المساجد، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسس مسجده المبارك على التقوى، ففيه الصلاة والقراءة والذكر وتعليم العلم والخطب، وفيه السياسة وعقد الألوية والرايات وتأمير الأمراء وتعريف العرفاء، وفيه يجتمع المسلمون لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم،
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل منزلاً في سفر أو حرب وبقي فيه مدة اتخذ فيه مسجداً يصلي فيه بأصحابه - رضي الله عنهم -، كما فعل في خيبر،
هذه أهمية المساجد في شريعتنا والحديث عن المساجد يطول وذو شجون كيف لا وهى روضة المؤمنين وفيها يذكر رب العالمين ويجتمع فيها المسلمون
إلا أنه في هذه السنون المتأخرة ظهرت مخالفات في مساجد المسلمين وقل هيبتها عند بعض الناس حتى إن بعضهم لا يقيم للمسجد احتراما، واليكم أحبتي في الله بعض المخالفات الشرعية التي وقع فيها الناس في هذا الزمان.
مخالفات في المساجد
أول هذه المخالفات وخطرها وأعظمها هي(10/22)
1- تحويل المساجد إلى قبور وقد ذكر العلماء أن المساجد التي تبنى على قبور فحكمها الهدم، لا يجوز بقاؤها ولا أن يصلى فيها؛ لما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة - رضي الله عنها - يحذر ما صنعوا متفق على صحته. وقال - عليه الصلاة والسلام -: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوها مساجد فإني أنهاكم عن ذلك فبين - صلى الله عليه وسلم - أن الله لعن اليهود والنصارى بسبب اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد، وبين - صلى الله عليه وسلم - أنه يجب على المسلمين أن يتجنبوا ذلك، وألا يتأثروا باليهود والنصارى في هذا الأمر، فدل ذلك على أنه لا يجوز اتخاذ المساجد على القبور ولا يصلى فيها؛ لأن هذا يفضي إلى الشرك بها وعبادتها من دون الله. ومن هذا ما رواه مسلم في الصحيح عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تجصيص القبر وعن القعود عليه وعن البناء عليه فالقبور لا تجصص ولا يبنى عليها، لا مساجد ولا غيرها، وما ذلك إلا لأن اتخاذها مساجد والبناء عليها من أسباب الغلو فيها، وعبادة أهلها من دون الله، والنذر لهم، والذبح لهم، ونحو ذلك، فلهذا نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن اتخاذ المساجد على القبور، وأخبر أن الله لعن اليهود والنصارى بأسباب ذلك. فوجب على المسلمين أن يحذروا هذا، وألا يبنوا على القبور مساجد، وألا يبنوا عليها شيئا، لا قبة، ولا حجرة، ولا مسجدا، ولا تجصص؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حذر من ذلك.
أما إن كان المسجد قائما من قبل ذلك ثم دفن فيه ميت أو أموات، فهذا الميت أو الأموات ينبشون وتنقل رفاتهم إلى المقبرة العامة، كل رفات توضع في حفرة تخصه، ويسوى ظاهرها كسائر القبور، حتى يبقى المسجد سليما من القبور.
2- من الأشياء التي تهاون فيها كثير من المسلمين هي دخول المسجد بالرجل اليسرى، وقد روى عن أنس بن مالك قال: من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى و إذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى، وهذا الحديث إسناده حسن وهو صريح في الباب. أخرجه الحاكم في المستدرك وقال إنه حديث صحيح على شرط مسلم قال الشيخ مقبل بن هادى الوادعي في حاشيته على المستدرك قال الحافظ بعد قول المزي في (تهذيب الكمال) إنه روى له مسلم فقال الحافظ في التهذيب لكنه من الشواهد، وقد ترجم البخاري في صحيحه باب التيمن في دخول المسجد، ويستأنس بعموم حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - « كان يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله: في طهوره وترجله وتنعله » (البخاري
3- ترك الذكر عند دخول المسجد
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - « إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك » مسلم
4- التهاون في أداء تحية المسجد
فقد أخرج مسلم من حديث أبى قتادة صاحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال دخلت المسجد ورسول الله جالس بين ظهراني الناس قال فجلست فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - « ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟ قال فقلت يا رسول الله رأيتك جالسا والناس جلوس، قال فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين » متفق عليه
5- تخصيص مكان للإمام يصلي فيه
المحاريب شيء محدث و بدعه في الدين والأدلة على ذلك:
أن المسجد النبوي لم يكن فيه محراب في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في عهد الخلفاء الراشدين
أنه لو كان أبو بكر صلى في محراب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ كشف الستر وكان هذا يوم موته - صلى الله عليه وسلم -
قال شيخ الإسلام بن تيمية يكره السجود في الطاقة لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص الإمام بالمكان
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) لم يكن لمسجده محراب - صلى الله عليه وسلم -
قال الشيخ الألباني - رحمه الله -: وجملة القول أن المحراب في المسجد، بدعة (السلسلة الضعيفة)
6- حضور الرجل إلى المسجد وقد أكل ثوما أو بصلا أضف إلى ذلك الدخان
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال « من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا رواه البخاري و مسلم.
7- زخرفة المساجد بما يخرج المصلى عن آداب الخشوع
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - « ما أمرت بتشييد المساجد »، قال - عليه الصلاة والسلام - « لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد » الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (الشيخ مقبل الوادعي)، قال بن عباس (لتزخرفنها كما زخرفت اليهود و النصارى أمر عمر ببناء المسجد فقال (أكن الناس من المطر و إياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس) البخاري مع الفتح.
8- البيع و الشراء في المسجد
عن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال « إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك » صحيح الإرواء بعض المساجد يكون لها ساحة ويأتي بعض الباعه ويبيع داخل هذه الساحه والواجب الابتعاد.
9- نشد الضالة في المسجد
عن أبى هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا » مسلم
10- التعامل مع الصبيان بقسوة في المساجد
جنبوا مساجدكم صبيانكم) حديث واهي هكذا قال البزار قال (لا أصل له) الحكم المتين في اختصار القول المبين في أخطاء المصلين
11- الرجل يمسك عن الكلام ويمنع غيره من الكلام في المسجد(10/23)
الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهائم الحشيش) أخرجه العراقي في الإحياء وقال لم أقف عليه، عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة « أكنت تجالس رسول الله صلى لله عليه وسلم قال نعم: كثيرا كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلى فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس قام و كانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسمون مسلم
12- الرجل يتخذ فرشا في المسجد ثم يأتي متأخرا
درج كثير من المسلمين على حجز أماكن في المسجد بوضع مفارش أو سجادة أو عصا ثم يذهب ليقضي حاجة ولا يأتي إلى الصلاة متأخرا، وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال « لو يعلم الناس ما في النداء و الصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا » مسلم، سئل العلامة بن السعدى عن التحجير في المسجد؟ أجاب: أنه لا يجوز لأن ذلك مخالف لهدي نبينا - صلى الله عليه وسلم - (مجموع الفتاوى.
13- عدم صيانتها وتنظيفها ممن يرتادونها من جماعة المسجد الا ما رحم ربى فان صيانتها من الأدناس قربة، وتنظيفها طاعة، وتطييبها عبادة. أرأيت حال الرسول عندما رأى نخامة في جدار المسجد تغير وجهه، منكراً ذلك الفعل وآمراً بإزالته. و من عظيم فضل العناية بالمسجد أن جارية دخلت الجنة بسبب كنسها له. ولماذا اهتم الإسلام بنظافتها والعناية بها، والجواب واضح جلي فالمساجد أماكن يشع فيها نور النبوة، ويلتئم فيها صف الأمة، منزهة عن كل لغو ودنس، ومحفوظة من كل ضرر، ملكها بين المسلمين مشاع، وحقها عليهم المحبة والإكرام، وعمارتها بصالح الأعمال.
14- الخروج إلى المسجد بمظهر مزري يستحى ذلك الشخص أن يظهر به أمام مديره أو في المناسبات العامة، فهذا يرتادها بلباس نومه، وذاك بثوب حرفته، وآخر ببنطال مشدود يصف العورة، ورابع بكريه رائحته، وخامس بسوء فعله، كل هذا يدل على عدم الإحترام والتقدير للمسجد وللمصلين ففي الحديث {من أكل الثوم والبصل فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم} [رواه البخاري ومسلم]، فأربأ بنفسك عن أذية إخوانك المصلين وملائكة الله المقربين.
15- عدم تطييب المساجد
أهمل الناس اليوم بتطيب المساجد فكثير من المساجد تدخلها لا تجد الرائحة الطيبة إلا ما ندر بل بعض المساجد تتئذي من رائحتها وخاصة إذا كانت قرب أماكن وعمل العمال فتطيب المساجد مطلب رفيع. وغاية مقصودة في دين الإسلام. فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: {أمر رسول ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب} [رواه الخمسة إلا النسائي ورجاله ثقات]. والدور: هي الأحياء. وعند ابن ماجة {واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمّروها في الجُمع} المطاهر: محال الوضوء. والتجمير: هو التبخر لها.
و تطييب المساجد عام لكل أحد من إمام ومؤذن وغيرهما، وإن أُوكل الأمر لأحد كان أفضل وأكمل. والتطيب يكون بعود البخور أو الندى وغيرهما مما هو مستحسن عُرفاً، وسواء كان مما يتبخر به أو يرش رشاً أو غيرهما فالمقصود هو جلب الرائحة الزكية. وهذه الخصلة غابت عن الكثير من المصلين، وبعض الأئمة والمؤذنين. مع أنها قربة وعبادة وطاعة وامتثال. ويتأكد تطييب المساجد يوم الجمعة لما سبق، ولأن عمر كان يطيب مسجد الرسول كل جمعة قبل الصلاة. كما أن عبد الله بن الزبير كان يبخر الكعبة في كل يوم ويضاعف الطيب يوم الجمعة. وسار على هذه السنة السلف والخلف حتى أن معاوية أجرى وظيفة الطيب للكعبة عند كل صلاة، وقالت عائشة - رضي الله عنها -: (لأن أُطيّب الكعبة أحب إليّ من أن أُهدي لها ذهباً وفضة). هكذا كانت المساجد الإسلامية محل عناية ورعاية وتطهير وتطييب. حتى اختلت الموازين وتقلبت المفاهيم فنتج عنه قلة الوعي بأحكام المساجد عند كثير من المصلين.
16- عدم التطيب
الطيب من كل شيء هو مختار الله - سبحانه وتعالى - لنبيه، وجمع أطيب الأشياء - صلى الله عليه وسلم - فله من الأخلاق والأعمال أطيبها وأزكاها، ومن المطاعم أطيبها وأزكاها، ومن الروائح أطيبها وأزكاها. لذا كان من أخلاقه التطيب، يحبه ويكثر منه بل هو إحدى محبوباته الدنيوية ففي الحديث {حُبب إلي من الدنيا، النساء والطيب، وجُعلت قُرة عيني في الصلاة} [رواه أحمد وصححه الألباني]. ومن خصائصه طيب الرائحة فجسمه يفوح طيباً فعن أنس بن مالك قال: {ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً ولا شيئاً أطيب من ريح الرسول} [رواه مسلم]. بل إذا وضع يده على رأس الصبي عرف أهله أنه قد مس ابنهم لطيب رائحة الصبي، ومع هذه الرائحة العطرة، فقد كان الرسول يكثر ويبالغ في استعمال الطيب حتى أنك لتجد لمعان المسك في مفرق رأسه، ولربما استمر الطيب في رأسه أياماً لكثرته. وكان يُعرف بطيب رائحته إذا أقبل أو أدبر، فمن كانت هذه صفته فهو أبعد الناس عن الرائحة الكريهة، بل إنه ترك كثيراً من المباحات كالثوم والبصل والكراث ونحوها لرائحتها الكريهة فهو طيب لا يقبل إلا الطيب. فهذه صورة مشرقة، وأدب رفيع، وحقيقة ثابتة نسوقها إلى كل مسلم ليرتفع في سلوكه وأدبه إلى مصاف النفوس السليمة، مجانباً كل خلق قد يؤدي إلى أذية المسلمين عامة والمصلين خاصة.
17- من المخالفات الشرعية المؤلمة في هذا الزمان هو صوت الموسيقى ورنين الجوالات أثناء وقبل وبعد الصلاة. وهنا نتساءل أين هيبة المساجد رغم اللافتات والتحذيرات والتنبيهات المتكررة من العلماء والدعاة والخطباء ولاكن لا حياة لمن تنادى والى الله المشتكى.(10/24)
هذه بعض المخالفة الظاهرة واجزم أن هناك غيرها ولعلي استكملها في ما بعد إن شاء الله فالواقع كثير من المساجد الآن تشكو حالها، وتبكي مآلها، لقلة وعي أكثر أهلها بأحكامها وآدابها.
نعيب زماننا والعيبُ فينا *** وما لزماننا عيبٌ سوانا
وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه أجمعين.
http://www.saaid.net المصدر:
===========
التغالي في بناء المساجد
إن بناء المساجد، وتوسيعها، والعمل على إبرازها وخدمتها ورفع شأنها كل هذا مما حض الإسلام عليه ورغب فيه، ولكن هذا شيء، والإنفاق إلى درجة السرف على أشياء تتعلق بالمساجد، وليست مقصودة ولا مطلوبة شرعاً من بنائها؛ شيء آخر.
إن الله يقول على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -: ( وما أنا من المتكلفين ) والبذخ في تزيين المساجد وجعلها معارض فنية من التكلف الذي تأباه روح الإسلام، فضلاً عن أنه إسراف وتبذير فيما لا فائدة دنيوية أو أخروية منه.
أما دنيوية: فإن هذه الأموال التي تصرف على الفن المعماري وما إليه يمكن أن تنفق على جهات ومشاريع تغني البلاد عن الحاجة إلى الديون الخارجية ذات الفوائد التي تتضاعف سنة بعد سنة، وتقضي على البطالة التي يعاني منها الكثير، ولا شك أن الإنفاق على بناء الإنسان أهم بكثير من الإنفاق على بناء المعالم والآثار، لأن الإنسان هو الهدف و إلا عاش في عبودية.
وأما أخروية: فإن المساجد أمكنة يذكر فيها اسم الله في الأرض وترتفع بها كلمته، هذا هو الهدف من إنشائها، وليس تقليد أهل الأديان الأخرى بقطع الضروريات عن البشر من أجل التفاخر والتطاول بالحجارة؛ و إلا فما الفرق بين الإسلام وغيره من الأديان إذا أصبحنا نسير في بناء مساجدنا على خطى من بنوا الأهرام والمعابد البوذية الضخمة، والكاتدرائيات الباذخة وغير ذلك من المعالم الوثنية.
وماذا أفادنا المماليك الذين حكمونا حقبة من الزمن فخلفوا لنا مساجد باذخة تأخذ بالألباب بينما كانت المظالم من المعالم البارزة لحكمهم الأمر الذي ضرب علينا الذلة، وقتل الحيوية في شعوبنا؟ ! وماذا تجدي عنا المساجد التي بنيت للتفاخر والتقليد واستقبال السائحين في حين يكفي المسلمين مساجد متواضعة ولكن نظيفة، وفسيحة لكن مملوءة برجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ !.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===============
طريقنا نحو طفل قلبه معلق بالمسجد
لا يزال المسجد أهم جامعة عرفتها البشرية، منذ " قباء "، الذي بناه الرسول – صلى الله عليه وسلم - ومروراً بالمساجد التاريخية، أثبت المسجد أنه المكان الطبيعي القادر على صناعة مخرجات إسلامية ساهمت في حمل لواء الدعوة عبر كل هذه القرون.
ارتياد المساجد:
وحتى نعيد للمسجد رسالته ودوره ليعود لنا بأمثال أطفال الصحابة لا بد وأن نمهد الطريق للأبناء للوصول إليه والتعلق به وأن نغرس في نفوسهم معنى الشاب ذي القلب المعلق بالمسجد ليكون أبناؤنا ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وهذا جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: صليت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم الصلاة الأولى يعني صلاة الظهر ثم خرج إلى أهله فخرجت معه فأستقبله ولدان فجعل صلي الله عليه وسلم يمسح خدي أحدهم واحداً واحداً قال جابر: وأما أنا فمسح خدي فوجدت يده برداً وريحاً كأنما أخرجها من جونة عطار.
ولما كان للمسجد من آثار كبيرة في تربية النفس لندخل مع الأبناء دورة تدريبية من أجل شاب قلبه معلق بالمساجد.
رحلة خيالية:
كثيرة هي تلك الوسائل التي يمكننا أن نسلكها من أجل أبناء قلبهم معلق بالمساجد ضمن هذه الوسائل رحلة لكنها رحلة من نوع خاص فهي رحلة خيالية ومن هذه الرحلة سنوضح للأبناء أهم المساجد عبر التاريخ الإسلامي منذ بناء المسجد الأول في الإسلام وهو " قباء " ونحاول أن نسرد لهم أهم الأحداث التي شهدتها هذه المساجد في فترات مختلفة إلي جانب أن نجمع بعض الصور لمساجد قديمة ولنفرض أننا سافرنا إلى بلاد إسلامية أن نقوم بزيارة إلي المساجد التاريخية.
رحلة حقيقية:
إلي جانب الرحلة الخيالية التي قمنا بها سابقاً يمكننا القيام برحلة حقيقية مع الأبناء فنأخذهم في جولة بالسيارة إلى المساجد القديمة والحديثة في المدينة للتعرف عليها وحبذا لو اصطحبناهم إلى المسجد الذي كان يصلي فيه الأب في صغره مع والده فهذا الشيء سيقدرونه ويحرصون على تقليده.
صلاة الجمعة نكهة خاصة:
إن اصطحاب الأبناء لصلاة الجمعة وخاصة الفتي الذي بلغ موضع الأب فلا يعبث أو يركض أو يزاحم الكبار لهو من الأمور التي يجب الحرص عليها لأنها تعد الدرس الأول للتعلق في حب المسجد، وحتى نجعل لصلاة الجمعة لزيارة جدهم أو عمهم أو بعض الأصدقاء أو أخذهم إلي الأسواق القديمة وهذا من شأنه أن يغرس حباً وترابطاً بين الابن والوالد.
حسن الاستماع والإنصات:
تدريب الابن على حسن الاستماع والإنصات وفهم الخطبة في صلاة الجمعة أو العيدين وسؤاله عن مفهومها وماذا استفاد منها ثم نطلب منه أنه نقل أهم مفاهيم الخطبة لإقرانه وأقربائه.
صداقة في المسجد:
نشجعه على التعرف على أصدقاء في المسجد وذلك من شأنه أن يؤلف بين قلوب المسلمين ويشعر الابن بالود والمحبة مع من حوله فتنشأ صداقة بينه وبين المسجد ورواده.
من رمضان إلي رمضان:
إن لصلاة التراويح في رمضان أثر كبير في النفوس المؤمنة فإذا اصطحبنا الأبناء لصلاة التراويح وأعتادوا على سماع القرآن وأداء الصلاة فذلك تغذية نفسية لهم ينتظرونها من رمضان إلي رمضان.
آداب المسجد:(10/25)
نعلم أبنائنا آداب المسجد بدءاً من الدخول بهدوء ووضع الحذاء في المكان المخصص له وعدم الركض والابتعاد عن مزاحمة الكبار والانتباه واليقضة للخطبة وعدم العبث بالأشياء داخل المسجد.
الصحبة الصالحة:
إذا كان الفتى أكبر سناً فلا بد من مصاحبته وتكوين صحبة صالحة تشجعه على ارتياد المساجد.
الدرس الأسبوعي:
سيتعود الفتى على ارتياد المساجد لتابع الدرس الأسبوعي لحفظ القرآن أو مراجعة الأحاديث أو شرح صفحات من أحد كتب الفقه وفي هذه الحالة ستعلق قلبه بالمسجد.
العدد (3) فبراير 1999 ـ ص:20
http://www.waldee.com المصدر:
==============
أثر المسجد في تربية المجتمع
الشيخ العلامة محمد الغزالي
نص السؤال:
هل تقتصر وظيفة المسجد على أداء العبادات أم أنها تتعدى ذلك؟ وما دور المسجد في المجتمع؟
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لم يقف دور المسجد عند أداء العبادات، بل كان للمسجد دور اجتماعي، وسياسي، وقضائي، كما أنه يعلم الأمة روح الجماعة والاتحاد، وأن يكونوا صفاً واحداً، كما أنه ملتقى لطرح مشاكل الأمة، وإيجاد حل لها، وغير ذلك من الأدوار الفعالة للمسجد يقول الله - تعالى -: ((في بُيوت أَذِنَ اللهُ أن تُرفَعَ ويُذكَرَ فيها اسمُه))(سورة النور: 36).
فأتصور أن الرفع هنا ليس للدعائم والجدران إنما هو للساحات الطَّهور التي تخصصت للركَّع السجود، فبعد أن كانت أرضاً عادية يغشاها أي إنسان أضحت أرضاً لا يدخلها إلا متوضئ، وبعد أن كانت لأي غرض عادي أضحت همزة وصل بين الناس ورب الناس، ومهاداً للمعراج الروحي الذي ينقُل البشر من مآربهم القريبة إلى مناجاة الله وتسبيحه وتمجيده! ليس هذا ارتقاءً معنويّاً للأرض نفسها.
أحسست ذلك وأنا أطالع ما جاء في السنَّة المُطَهَّرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار ـ يقال له: أبو أمامة - فقال: "يا أبا أمامة، ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ " قال: هموم لَزِمتني وديون يا رسول الله! فقال له: "ألا أعلمُك كلمات إذا قُلْتَهنّ أذهبَ الله عنك همَّك، وقضى دَيْنك؟ " قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: "قل إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال"، فقلتُ ذلك، فأذهب الله عني غمي، وقضى دَيْني.
هذا رجل أحرجتْه الأيام، وبدل أن يذهب إلى بيت واحد من الأغنياء يستجديه ويرقب الفرج عنده على نحو ما قيل: يسقط الطير حيث يَنتثر الحَبُّ، وتُغشَى منازل الكرماءْ، ذهب إلى بيت الله يرجو جَدَاه، وينتظر نداه! فلم يَخِبْ سعيه، ولم يَطُلْ همه!، لقد نفعته كلمات تعلمها من صاحب الرسالة غيرت نفسه وحياته.
وإذا كان الرسول قد استغرب وجود الرجل في المسجد في غير وقت صلاة، فإنه عزم على المسلمين كافة أن يثوبوا إلى المسجد وقت الصلاة وقال: "إن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ" المنفرد "بسبع وعشرين درجة؛ وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لم يَخطُ خطوة إلا رَفعت له بها درجة، وحَطت عنه خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مُصلَّاه، تقول: اللهمَّ صلِّ عليه، اللهمَّ ارحَمْهُ. ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة".
والواجب أن تتوطَّد صلة المؤمن بالمسجد، وأن يكثر التردُّد عليه صباحاً ومساءً، بل ينبغي أن يتعلق به قلبه، وأن يزداد له حبه.
قال عبد الله بن مسعود: لقد رأيتُنا وما يتخلَّف عن الصلاة إلا منافق قد عُلم نفاقه، أو مريض! إن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة.
وقال: إن رسول الله علمنا سنن الهُدى، وإن من سنن الهُدَى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه، قال عبد الله: وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته، ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنَّة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم.
وجمهور الفقهاء يرى الجماعة في المسجد سنَّة مؤكدة، ولا ريب أن التجمع نزعة أصيلة جادة في تعاليم الإسلام، وأن الجماعة من شعائره العظمى.
والإسلام يحارب بذلك المتدينَ المنهزمَ الفارَّ من الحياة، العاجزَ عن مواجهتها، كما يحارب بعض المتدينين الذين يحسبون أنفسهم أزكى وأتقى، وأن مخالطة الناس تُنقصهم! فهم يؤثرون العزلة، ويتهمون الغير، ويَغُطُّون كِبْراً في صدورهم ما هم ببالغيه، ولعل أولئك الذين عنَاهم ابن عباس لما سئل عن رجل يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يشهد الجماعة ولا الجمعة، فقال: هذا من أهل النار.
إن رسالة المسجد في الإسلام حشد المؤمنين في صعيد واحد ليتعارفوا ويتحابوا، ويتعاونوا على البر والتقوى، ويتدارسوا ما يَعنِيهم من شئون.
وهذا التلَقِّي المنشود ليس حشر أجساد إنما هو اندماج الفرد في المجتمع على أساس من الحب، وطلب مرضاة الله، وعلى كل مسلم أن يرتفع إلى هذا المستوى، وأن يقتل نوازع الأنانية إذا حدثته بالعزلة لأمر ما، فقد جاء في الحديث: "ثلاث لا يُغَلُّ عليهن قلب امرئ مؤمن" أي لا يحقد أو يخون: "إخلاص العمل لله، والمُناصَحة لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم فإن دعاءهم محيط من ورائهم"،أي أن بركة الله على الجماعة تشمل الكل، وإن كان بينهم مَن هو دونَهم، كما جاء في حديث آخر: "يد الله مع الجماعة، ومَن شَذَّ شذَّ في النار".(10/26)
ومن رسالة المسجد خلقُ نظامِ الصف، وتعويد المسلمين عليه، والغريب أن أمتنا أبعد الأمم عن احترام نظام الصف والخضوع له، مع ما ورد في تنظيم الصفوف بالمساجد من توكيد وتشديد، وتأمل في هذا الحديث عن أبي مسعود: كان رسول الله يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلفَ قلوبُكم، لِيَلِني منكم أولو الأحلام والنُّهَى ثم الذين يَلُونهم"، وفي رواية: "أقيموا الصفوفَ، وحاذُوا بين المناكب، وسُدُّوا الخَلَل، ولِينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فُرُجات للشيطان، ومَن وصل صفّاً وصله الله، ومن قطعه قطعه الله".
لقد قرأت في حرب فارس أن صفّاً من المجاهدين كان يعبر نهراً، فسقط كوز أحد المجاهدين، فتريَّث الصف كله حتى عثَر الجندي على ما سقط منه!
إنهم يتحركون برُوح الجماعة، ولا يتصرفون كأنهم عقْد انفرطت حبّاته!
وكم يشعر المسلم بالأسى وهو يرى أمتَه في زحام الحياة تتحرك بروح القطيع، لا يهتم المرء إلا بنفسه ومصلحته! هذا الشعور الهابط يقتل العشَرات في مناسك الحج، لأن نظام الصف والإحساس بالغير مفقود عندنا، فالمسجد لا يؤدي رسالته!
ومن رسالة المسجد رفع المستوى الثقافي للأمة، وذلك عن طريقين:
الأول: تدبر ما يُتلَى من القرآن في الصلوات الجهرية، وخطب الجمعة، والقرآن كتاب يتحدث في العقائد والعبادات، والأخلاق والقوانين، والشئون المحلية والدولية، ويصف الكون ويسرد التواريخ مثلما يتحدث عن الله وصفاته وحقوقه سواء بسواء.
وقد كان ذلك المصدر الأول للمعرفة عند السلف، إذ أن سليقتهم اللغوية مكَّنتهم من الاستمداد المباشر من آيات الله، والحق أن الذين أنصتوا للرسول الكريم وهو يتلو كتابه بلغوا شَأْواً لا يُضارَع من السمو الفكري والتربوي، فليس عجباً أن ينطلقوا مشاعلَ هدًى في أرجاء الأرض، وينقلوها من الظلمات إلى النور.
أما الطريق الثاني لتثقيف الأمة فهو الدروس التي انتظمت في ساحات المساجد، تتناول جميع العلوم، بل إن الشعر كان يُلْقَى في المسجد، وكان الصحابة يستمعون إلى حسان بن ثابت وهو ينشد قصائده السياسية!
ومعروف أن المدارس الفقهية الكبرى كانت في المساجد، وأن الأئمة العظام كانوا يَلقَوْنَ تلامذتَهم فيها، والفقه الإسلامي يحتوي على كل ما يهم البشرية من المهد إلى اللحد.
إن المسجد كان القلعة الروحية التي ينطلق منها المجاهدون لمقاومة كل غزو، وقد قاوم الجامع الأزهر الفرنسيين منذ قرنين حتى احتلوه بخيلهم، وقاوم الإنجليزَ أوائل هذا القرن، وكان يستقبل الأحرار من أقباط مصر الذين يحاربون الاستعمار ويؤازرون إخوانهم المسلمين.
وقد روى التاريخ كيف أن امرأة من المصليات سمعت الخطيب يتحدث عن الجهاد - أيام الحروب الصليبية - فقصَّت شعرها، وأرسلت الضفائر إلى الإمام مقتَرِحة أن تكون قيدَ جواد لأحد المجاهدين، مما جعل المسجد يضِج بالحماس، وأغرى الرجال بالتفاني، وقد كان سبباً في هزيمة الاستعمار، وخروج الاحتلال من بلادنا.
والله أعلم،،
http://islamonline.net المصدر:
============
آداب المساجد
مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على قبر فيه ميت دُفِنَ حديثًا، فسأل أصحابه عنه فقال الصحابة: إنه قبر أم محجن) وهي المرأة التي كانت تنظف المسجد، فعاتبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنهم لم يخبروه بموتها، فيصلى عليها صلاة الجنازة وقال: ( أفلا آذنتموني؟ ) فقالوا: كنتَ نائمًا فكرهنا أن نوقظك، فصلى عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم -. [مسلم].
كان أحد الأعراب يمتلك جملا لونه أحمر، وكان يحبه حبَّا شديدًا، وذات يوم ضاع الجمل، فظل الرجل يبحث عنه طوال الليل فلم يجده، وفي صلاة الفجر وقف الأعرابي في المسجد ينادي ويسأل الناس عن جمله، فلما سمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - غضب منه؛ لأنه سأل عن جمله في المسجد، وقال له: (لا وَجَدتَ إنما بُنِيَتْ المساجد لما بنيت له) [مسلم].
وأمر - صلى الله عليه وسلم - أصحابه إذا رأوا من يسأل في المساجد عن شيء ضاع منه، أن يقولوا له: (لا ردَّها الله عليك، فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا) [مسلم].
المساجد هي بيوت العبادة للمسلمين، والمسلم يحرص على الذهاب إلى المسجد لأداء الصلوات به لما في ذلك من أجر عظيم، قال - صلى الله عليه وسلم -: (من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له نُزُلا من الجنة كلما غدا أو راح) [متفق عليه].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من تطهر في بيته ثم مشي إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة) [مسلم]. ومن يداوم على عمارة المساجد والصلاة فيها، ويتعلق قلبه بها فهو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة.
وللمسجد آداب، يلتزم بها المسلم ويحافظ عليها، منها:
الطهارة:
لا يدخل المسجد جنب، ولا نُفَساء، ولا حائض إلا عابري سبيل وذلك لينال المسلم الأجر العظيم.
التطيب ولبس أجمل الثياب: قال - تعالى -: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31].
وعلى المسلم أن يتجنب تناول الأطعمة التي لها رائحة كريهة، كالثوم والبصل والكراث وغيرها، قال - صلى الله عليه وسلم -: (من أكل ثومًا أو بصلا فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته) [متفق عليه].
كثرة الذهاب إليه:
حث الإسلام على كثرة الذهاب إلى المساجد، والجلوس فيها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟).
قالوا: بلى يا رسول الله.(10/27)
قال: إسباغُ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطَى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) [مسلم].
الدعاء عند التوجه إليه:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو في طريقه إلى المسجد: (اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا واجعل لي نورًا) [مسلم].
التزام السكينة أثناء السير إليه: قال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) [متفق عليه].
الدخول بالرِّجل اليمني مع الدعاء:
المسلم يدخل المسجد برجله اليمني، ويقول: بسم الله، اللهم صلِّ على محمد، رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك. [مسلم].
صلاة ركعتين تحية المسجد:
قال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) [مسلم].
عدم الخروج منه بعد الأذان: إذا كان المسلم في المسجد، وأُذِّن للصلاة، فلا يخرج من المسجد إلا بعد تمام الصلاة، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي) [أحمد] ويجوز له الخروج للضرورة.
ملازمة ذكر الله:
المسلم يحرص على ذكر الله -تعالى- وتلاوة القرآن الكريم وتجنب الانشغال بأمور الدنيا وهو في المسجد. قال - صلى الله عليه وسلم -:
(...إنما جُعِلَت المساجد لذكر الله وللصلاة ولقراءة القرآن) [متفق عليه].
عدم المرور من أمام المصلي: المسلم لا يمرُّ من أمام المصلي؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (لو يعلم المارُّ بين يدي المصلى ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين، خيرًا له من أن يمر بين يديه) [مسلم]. وإذا كان المسلم في جماعة فالإمام سترة للمأمومين، أما إذا كان منفردًا في صلاة فلا يجوز لأحد أن يمر من أمامه إلا بعد اتخاذ سترة.
عمارة المساجد:
المسلم يعمر المساجد، ويحافظ على الصلاة فيها، وقلبه مُعلَّق بالمساجد على الدوام، ولا يهجر المساجد أبدًا؛ فالمسجد بيت كل تقي، وبيوت الله في الأرض المساجد.
قال الله -تعالى-: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}
[التوبة: 18]. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان) [أحمد والترمذي وابن ماجه].
تجنب رفع الصوت أو التخاصم فيه:
المسلم عندما يدخل المسجد؛ فإنه يحافظ على الوقار والسكينة والهدوء. ذات يوم دخل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- المسجد، فوجد رجلين يتخاصمان ويرفعان صوتيهما، فقال لأحد الصحابة: اذهب فأْتني بهذين، فلما جاءه الرجلان قال: من أين أنتما؟
قالا: من أهل الطائف.
فقال عمر -رضي الله عنه-: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضربًا، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [البخاري]. والمسلم لا يشوش على أحد يصلي في المسجد ولو بقراءة القرآن.
الحرص على نظافته: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنه) [متفق عليه].
الدعاء عند الخروج منه:
المسلم يخرج من المسجد برجله اليسرى، ويقول: (بسم الله. اللهم صلِّ على محمد. اللهم إني أسألك من فضلك) [مسلم].
عدم انتظار الجنب والحائض فيه:
ويجوز مرورهما فيه لقضاء الحاجة. قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولوا ولا جنبًا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} [النساء: 43].
عدم بناء المساجد على القبور:
قال - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) [متفق عليه].
الاقتصاد عند بنائها وعدم زخرفتها: قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما أُمِرْتُ بتشييد المساجد) [أبوداود]. والتشييد يعني: المبالغة في زخرفة المساجد، وقد أمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ببناء مسجد، وقال للقائم على بنائه: إياك أن تحمِّرَ أو تُصَفِّر فتفتن الناس. [البخاري].
بناء المساجد ابتغاء وجه الله:
وذلك حتى يحصل المسلم على الأجر والثواب العظيم من الله -تعالى- قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله؛ بنى الله له مثله في الجنة) [متفق عليه].
عدم البيع والشراء فيها:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله لك. وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا: لا ردها الله عليك) [الترمذي والنسائي].
الاعتكاف فيها:
وهو الجلوس في المسجد والإقامة فيه بقصد التقرب إلى الله وعمل الخير من صلاة، وذكر وتسبيح ودعاء، ويمكن أن يعتكف المسلم لأية مدة شاء، وله أن يقطع اعتكافه في أي وقت، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فيلزم المسجد ولا يخرج منه إلا إلى صلاة العيد.
النوم في المسجد:
لا حرج من النوم في المسجد، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينام في المسجد، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- ينامون فيه، لكن المسلم عليه أن يحافظ على نظافة المسجد ونظامه.
ترتيب الصفوف: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينظم الصفوف للصلاة، فكان الرجال يقفون في الصفوف الأولى، ثم يقف خلفهم الصبيان والأطفال، ثم تقف النساء في آخر المسجد، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسوي الصفوف ويقول: (استووا، ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم، لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهَى) [مسلم].(10/28)
وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: (سَوُّوا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة) [مسلم].
آداب المسجد الحرام:
عندما يرى المسلم بيت الله الحرام يخشع قلبه، ويرفع يديه وينطلق لسانه: (اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزِدْ مَنْ شَرَّفَه وكرَّمه ممن حجه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرَّا) [الشافعي].
ثم يقصد إلى الحجر الأسود فيقبله، فإن لم يتمكن أشار إليه بيده، ثم يقف بحذائه ويبدأ في الطواف حول البيت، ولا يصلي تحية المسجد؛ فإن تحيته الطواف به.
آداب المسجد النبوي:
المسلم يلتزم السكينة والوقار عند دخوله المسجد النبوي، ويحسن أن يكون متطيبًا، يلبس حسن الثياب، ويدعو بدعاء دخول المسجد، ويصلي ركعتين تحية المسجد في الروضة الشريفة (وهي المكان الذي يقع بين بيت الرسول صلى
الله عليه وسلم والمنبر). ويزور قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يتحرك نحو اليمين ويسلم على أبي بكر -رضي الله عنه- ثم يتأخر قليلا ويسلم على عمر -رضي الله عنه- وبعد ذلك يتوجه إلى القبلة ويدعو بما شاء.
والمسلم يتجنب التمسح بالحجرة الشريفة أو تقبيلها، ويعلم أن ذلك يحزن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي نهى أن يعظم قبره، وقال: (لا تجعلوا قبري عيدًا) [أبو داود].
آداب المسجد يوم الجمعة:
وهناك آداب تتعلق بالذهاب إلى المسجد يوم الجمعة خاصة، منها:
الغسل والتجمل والتطيب: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من الطهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب
بيته، ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غُفِرَ له من الجمعة إلى الجمعة الأخرى) [البخاري وأحمد].
التبكير في الذهاب إلى المسجد: قال - صلى الله عليه وسلم -: (من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة ثم راح (أي ذهب إلى المسجد) في الساعة الأولى فكأنما قَرَّب بَدَنَة (جملا) ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذِّكر) [متفق عليه].
عدم تخطي الرقاب: فقد جاء رجل ليصلي الجمعة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فتخطى رقاب الناس، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب على المنبر فقال - صلى الله عليه وسلم -: (اجلس فقد آذيت وآنيت (أي أبطأت وتأخرت)) [أبو داود والنسائي وأحمد].
الإنصات أثناء الخُطبة: فالمسلم ينصت لخطبة الإمام، فيستمع ما يقوله من وعظ وإرشاد، حتى يستفيد منه، ولا يتكلم مع من بجواره، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة، والإمام يخطب أنصت فقد لغوت) [رواه الجماعة].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له أنصت لا جمعة له) [أحمد و البزار والطبراني].
http://www.tihamah.net المصدر
===========
خطبة الجمعة الاختيار والتجهيز والإلقاء
محمد محمود متولي
للخطابة منذ أقدم الأمم أثرها غير المنكور، عند اليونان والرومان والهنود والفرس والعرب، وقد كانت القبائل العربية قديماً تقيم الأفراح إذا نبغ فيها خطيب أو شاعر، فهو وسيلة إعلامها والمحامي عن شرفها، وكلما كان الخطيب أمهر، وعلاقته بربه إن كان مسلماً أوفر، أو بالمبدأ الذي يدعو إليه أكبر، كان تأثيره أكثر، لأن الدافع المحفِّز للخطابة يكون قوياً فيدفع الخطيب إلى شحذ قواه الروحية، وملكاته التأثيرية•
والخطابة في حقيقتها عمل قلب وعقل في مئات القلوب والعقول، أو آلافها، وكلما اتسعت آفاق هذا القلب وتراحب ذلك العقل، وعظمت همته، وزاد بما يدعو إليه تأثيره كلما كان تأثيره أكبر•
والمبادئ همٌّ مقيم في قلوب ورؤوس معتنقيها المخلصين لها، لذا تراهم في همِّ مقيم، لأنهم يريدون لها الذيوع والانتشار، فإذا لم يحدث مرادهم اغتموا، وربما زاد جهدهم، أو نكصوا على أعقابهم، وانظروا تصوير القرآن لمشاعر رسولنا - صلى الله عليه وسلم - تجاه صد الكافرين عن قبول رسالة الإسلام، قال - تعالى -: (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) الشعراء: 3، (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً) الكهف: 6•
وفي تنقله - صلى الله عليه وسلم - في موسم الحج وغيره من جمع إلى جمع، ومن قبيلة إلى قبيلة، دليل على عظيم اهتمامه بتبليغ الرسالة•
والخطابة ملكة موهوبة ترجع إلى التكوين الجسدي والروحي والنفسي والعقلي، وهذه هي الخطابة الفطرية، وقد تكتسب بحفظ خطب البلغاء والمرس على أساليبهم، وسماع الخطباء الجيدين، لكن الفطرية المصقولة أجدى وأنفع•
فأما ما يساعد على إجادتها فطرية كانت أو مكتسبة، فالاطلاع على علوم: التفسير والحديث واللغة والنفس والأخلاق والفقه والعقائد والأصول والسيرة والتاريخ والآداب والبلاغة وغيرها، مع حفظ الكثير من المنظوم والمنثور، ومن أساسياتها الزاد الوفير من القرآن والسنَّة•
خطبة الجمعة:(10/29)
هي وسيلة من وسائل الهداية إلى الخير، ونشر الإسلام، والتوعية بما يجب أن يكون عليه المسلم من عمل بدين الله، والتحذير من آثار الانصراف عن منهج الله، ولذا يجب الاستعداد لها استعداداً جيداً، وتحضيرها تحضيراً ممتازاً، وهي لدى مجربيها عبء ثقيل، يحشدون له كل طاقاتهم وربما حرمهم الاستنفار لها من المنام والطعام وغيرهما، وقد سئل عبد الملك بن مروان عن ما عجل الشيب إلى رأسه؟ فقال: ألا ترون أني أعرض عقلي على الناس كل جمعة، لقد شيبته خطبة الجمعة، وهو العربي القح والخطيب الفذ، فكيف بغيره(1).
وأحب أن أشير هنا إلى أنه ليس معنى استنفار كل الطاقات، وحشد كل الملكات، والتنقيب في دواوين العلم والأدب أن الخطيب ناجح، فقد يجتمع له كل ذلك ولا ينجح، لأن هناك عاملاً أهم في إدراك النجاح، وهو الإخلاص لله، وقصد وجهه في هداية العباد إلى طريق الرشاد.
المراحل التي تمر بها خطبة الجمعة:
المرحلة الأولى: تخير الموضوع:
كثيراً ما يحدثنا علماء العقائد عن النبي والمتنبئ، والنائحة المستأجرة، والنائحة الثكلى، فالنبي يبذل أقصى ما وسعه في نشر الدعوة، وإن قتل، أو طرد أو أوذي أو شُرِّد، والمتنبئ قناص فرص، طالب منفعة، والنبي لا ينكص أبداً عن دعوته، ويصور حاله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه: "والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه" والمتنبئ سريع النكوص وكذلك النائحة المستأجرة تأكل وتشرب، وإذا أضحكت ضحكت•
والخطيب المخلص يُعني نفسه في اختيار موضوعات خطبه، فنراه بين الناس يعيش بعين الناقد البصير، وبعقل الطبيب المداوي، وبقلب المصلح المحب الوامق، فيعمد إلى أكثر المنكرات الفاشية في المجتمع حسب رؤيته وسمعه، سواء في أعمال الناس ومعاملاتهم أو أحاديثهم، أو وسائل إعلامهم، أو مدارسهم، أو محاكمهم، فيختار أشدها ضرراً وأشدها فتكاً، فيجعله محور خطابته، وبذا يعايش الواقع، فلا يكون في واد والمجتمع الذي يعيش فيه في واد آخر•
وحين يتجمع لديه موضوعات عدة يرتبها حسب أهميتها، ويسجلها في دفتره حتى تحين فرصة تناولها واحداً بعد آخر، على أن يكون مستعداً دائماً للطوارئ التي تطرأ، فتجعله يغير موضوع خطبته في أي لحظة•
ثانياً: مرحلة دراسة موضوع الخطبة:
تمر مرحلة دراسة الموضوع في عقل الخطيب بمراحل منها:
1 ـ حدد الأضرار المتصلة بالعقيدة والأخلاق والاجتماع والصحة والاقتصاد والعبادة إذا كنت ستدخل في الترهيب، وحدد المنافع العائدة على الفرد والجماعة، إذا كانت في الترغيب وسجلها بقلمك، أو في ذهنك، والأولى أولى خاصة عند كبر السن، وحين تحتاج إلى المراجعة للتنقيح، أو التذكر، أو التأليف، وحتى لا تعني نفسك بالبحث مرة أخرى•
2 ـ استحضر ما جاء في الموضوع المراد جعله خطبة من آيات، وأحاديث صحيحة من حفظك أو من المعجم المفهرس للقرآن والسنَّة، وإذا ذكرت حديثاً ضعيفاً فكن على علم بحاله جيداً ومع آيات القرآن والأحاديث، استحضر بعض الآثار عن السلف.
وراجع الآيات والأحاديث في شروحها وتفاسيرها وبعض القواميس إن احتجت لذلك مع قليل من شعر الحكمة، وبعض القصص المقبول غير المخالف للكتاب والسنَّة والعقل مع المحافظة على شرط الإيجاز، وكن دائماً حريصاً على معرفة أسماء المراجع التي ترجع إليها، وأكثر من ذلك أن تعرف رقم الجزء الذي رجعت إليه، والصفحة والطبعة•
وحبذا لو بعدت عن الإسرائيليات ما أمكن.
3 ـ اكتب الموضوع كاملاً باختصار إذا كنت مبتدئاً، ثم احفظه، وذلك شاق على النفس، واكتب عناصره بعد تقسيمه إلى عناصر مرتبة ترتيباً منطقياً، المقدمة تسلم إلى الموضوع والعناصر يسلم بعضها إلى بعض، والخاتمة لبيان ضرورة العمل أو الترك حسب الموضوع، وقلل عدد العناصر ما أمكن، فهذا أعون على التذكر، وخصوصاً عند تقدم السن، وقد يلجأ المبتدئ إلى ديوان خطب، فيحفظ منه خطبة، ثم يلقيها، ويحسن اللجوء إلى الدواوين الموجزة كما لا يحسن أن يظل الخطيب معتمداً عليها، لأن ذلك سيمس موهبته، ويضيع شخصيته.
4 ـ تجنب الكتابة المسجوعة، والمحسِّنات البديعية فيما تكتب أو تحفظ، واجعل كلامك مرسلاً عادياً، فهذا أعون على التأثير في الناس•
واترك دائماً صفحات بيضاء في نهاية كل موضوع تكتبه لتضيف فيها بعض ما تلاقيه في أثناء الاطلاع، أو اكتب على صفحة، واترك الأخرى بيضاء.
5 ـ أجعل ذهنك يجول في الموضوع، وتأمل فيه، وانشغل به مركزاً ذهنك فيه، حتى يصير لديك تصور له، ولأفضل الترتيبات التي يكون عليها، وأحسن النتائج التي تترتب عليه وتخيل تأثيره على نفسك، لتعرف مدى تأثيره على غيرك، وحاول أن تلقيه على نفسك منفرداً، فأنت مثل من يسمعونك في تأثيرك وتأثرك•
ثالثاً: مرحلة الإلقاء
الإلقاء هو الثوب الذي ستلبسه الكلمات بعد اختيارها لأداء المعاني، ويمثل الإلقاء نصف عناصر النجاح، ولكل معنى ما يناسبه من الكلمات، وما يناسبه من الإلقاء، وهذه خاصية من خواص لغتنا، فالمعاني القوية تختار لها ألفاظاً قوية، والمعاني السهلة يُختار لها ألفاظ سهلة، وانظر في هذا مثلاً قوله - تعالى -: (أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس واستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقاً) الكهف: 31•
وانظر في المقابل: (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعاً• وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً• الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعاً) الكهف: 99 ـ 101•(10/30)
ومما يجب النصح به الارتجال، فمن ليس عنده زاد كثير للإقلال من الوقت، ويحرص على ألا يلقي خطبته مكتوبة على ورقة، وأنا أرى أن القراءة في الورقة تُذْهِبْ سبعين في المئة من عناصر التأثير، وتبقي ثلاثين ولو وزعت على عوامل النجاح ما نال الخطيب القارئ من الورقة نصفها، لذا فإنه يعتبر ضعيفاً جداً•
ويجب ملاحظة ما يلي في مرحلة الإلقاء:
1 ـ وضوح العبارات، بحيث تستفيد منها كل المستويات الثقافية، مع رعاية مقتضى الحال، وتجنب التطويل الممل، والإيجاز المخل، قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: حدِّث الناس ما دحجوك بأبصارهم، وأذنوا لك بأسماعهم، ولحظوك بأبصارهم، وإذا رأيت منهم فترة فأمسك•(2)
2 ـ التجافي عن زخرفة الكلام وتنميقه، وعن ممجوجه وقبيحه، وعن محاكات كلام العامة والسفلة فوق المنبر، وعن التصريح بالأسماء والعائلات والوظائف، فهذا فضح للناس، وتنفير لهم، فالخطابة أدب، وتوجيه بالتي هي أحسن، وتحاشٍ للاستطراد، حتى لا يتخرق الموضوع، ويجب الحرص على وحدة الموضوع، حتى لا تشتت أفكار المستمعين.
3 ـ قصر المقاطع فهو أعون على المتابعة، وجذب الاهتمام، والتأثير في المستمع، لأن طول المقاطع يقلل الحماس والانتباه، وينوِّم المستمعين• فالقضايا المحتاجة إلى إقناع تحتاج إلى حمية الكلام، وهذا لا يكون إلا في الجمل القصيرة، ومثال هذا في القرآن المكي عموماً، ولذا كان من مزاياه قصر المقاطع، فقد كان يؤسس الجماعة ويبني عقائدها في الله ورسوله، واليوم الآخر.
4 ـ اختلاف نبرات الصوت عند الإلقاء، فلا يكون منخفضاً ميتاً، ولا يكون عالياً صاكاً للأسماع مؤذياً للسامعين، مختلطاً بتشنج الخطيب، وإنما يعلو وينخفض إذا استدعى الموقف ذلك، ففي موقف الشدة يشتد، وفي موقف اللين يلين، وهذا التنويع في طبقات الصوت يجب الحضور للسماع والمتابعة، ويريح الخطيب من متاعب علو الصوت، ويريح آذان المسلمين من تأثير مكبرات الصوت عليهم.
5 ـ ضبط العبارات نحوياً، فالخطأ في الإعراب كالجدري في الوجه، ومن لا يعرف النحو قد يخطئ في قراءة الآيات والأحاديث، ونطق آثار السلف، والحرص على إخراج الحروف من مخارجها مرققة أو مفخمة، كما يحرص على معرفة قواعد القراءة القرآنية، وذلك فيه احترام لنفسه، ولسامعيه، ولكتاب الله، وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، كما أن القراءة حسب أصولها تعطي المقروء جمالاً وكمالاً يجعل تأثيره على سامعيه أكثر، يقول الجاحظ: "ومتى سمعت ـ حفظك الله ـ بنادرة من كلام الأعراب فإياك أن تحكيها إلا مع إعرابها، ومخارج ألفاظها، فإنك إن غيرتها بأن تلحن في إعرابها••• خرجت من تلك لحكاية، وعليك فضل كبير••• ثم اعلم أن أقبح اللحن لحن أصحاب التقعير والتشديق والتمطيط والجهورة والتفخيم"(3)•
6 ـ إظهار التأثر بما يقال بالتعايش مع الموعظة، فالوعظ نصاب زكاته الاتعاظ، والناس ليسوا أغبياء، والمخلص العامل موصل جيد للعظة، والكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان، وهذه المراحل التي يمر بها تكوين الخطبة هي ما يعبر عنه "بالإيجاد والتنسيق والتعبير"(4)، وهي مراحل يسلم بعضها إلى بعض، وقوة العناصر جميعاً تؤدي إلى خطابة قوية، وضعف أي عنصر من العناصر الثلاثة يؤدي إلى ضعف الخطابة، فعلى الخطيب الحرص على قوة خطبته بقوة عناصرها الثلاثة.
------------------
الهوامش:
1 ـ راجع البيان والتبيين للجاحظ، ج1، ص135•
2 ـ الجاحظ في البيان والتبيين، ج1، ص104، تحقيق عبد السلام هارون، ط الخانجي، ط5، 1405هـ ـ 1985م•
3 ـ راجع البيان والتبيين، ج1، 145: 146•
4 ـ راجع الخطابة للشيخ علي محفوظ، ص28•
http://alwaei.com المصدر:
===============
المسجد بيت الله ومدرسة المؤمن
سامر خويرة
لا يزال المسجد يقوم بدور تعجِز عن القيام به دول وشعوب بأسرها، ولا يختلف الأمر في فلسطين عن بقية دول العالم، إلا أن الخصوصية التي تميزها تجعل المسجد يمتاز عن بقية المساجد في العالمين العربي والإسلامي.
يقول الشيخ حامد البيتاوي رئيس رابطة علماء فلسطين وخطيب المسجد الأقصى المبارك: " إن الأراضي الفلسطينية منذ سنوات تشهد صحوة إسلامية واسعة، ورغم مخططات المحتلين الصهاينة التي وضعوها لإبعاد الفلسطينيين عن دينهم فإنها باءت بالفشل، فكانت كثرة بناء المساجد في كافة المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية خير دليل على ذلك، إما بتبرع أحد المحسنين، أو من خلال جمع الأموال من المصلين، وقد تضاعفت عدد المساجد في فلسطين بصورة لافتة للأنظار خاصة بعد عام 1967م، ويستشهد بأن عدد المساجد في مدن جنين وطولكرم وقلقيلية كان ثلاثة مساجد بكل مدينة، أما الآن فيوجد في كل منها ما يربو على 15 مسجداً، وفي نابلس فقد كان عدد المساجد 10، أما الآن فيزيد على 75 مسجداً، حتى أطلق عليها لقب "مدينة المساجد".
ويضيف الشيخ حامد أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الفلسطينيون خلال الانتفاضة لم تقف عائقاً في وجه بناء المزيد من المساجد، فقد منع الناس أنفسهم من الطعام والشراب، وتبرعوا بأموالهم لبناء بيوت الله.
فالفلسطينيون يخاطرون بحياتهم للوصول للمسجد خاصة في ظل منع التجول، والحصار الشديد المفروض عليهم، ويخرج الفلسطيني من بيته متوجهاً لأداء الصلاة، وهو يعلم يقيناً أن الدوريات العسكرية الإسرائيلية قد تأتي في أي لحظة وتقف على باب المسجد وتمنع المصلين من الدخول إليه أو الخروج منه، كما أن الجنود قد يطلقون نيران أسلحتهم الفتاكة باتجاه المصلين دون أي رادع، أو احترام لقدسية ومكانة المسجد.(10/31)
وتشكل صلاتا المغرب والعشاء "ومن ضمنها صلاة التراويح" خطراً كبيراً على المصلين خاصة مع حلول الليل، حيث ما تلبث دبابات الاحتلال أن تعود لوسط المدن، وتمنع المواطنين من التجول أو الخروج من بيوتهم، ومع أن كثيراً من الأئمة خلال أيام منع التجول كانوا قد أجازوا للمصلين الجمع بين الصلاتين تيسيراً لهم، وبسبب الخوف وفقدان الأمن؛ فإن الكثير منهم رفض هذه الرخصة في خطوة اعتبروها تحدياً ورفضاً للخضوع والهوان الذي تحاول الدبابات فرضه كأمر واقع عليهم.
ويقول الشيخ حامد: إن الدين الإسلامي لا يعلّم المسلم الخضوع والإذلال بل يشعره بالتحدي والقدرة على الصمود حتى في صلاته، فهو دين رباط ومقاومة، فالمساجد في فلسطين تحولت لخلية نحل تعج بالحركة والنشاط، وتحول كل ركن من أركانه إلى نقطة إشعاع وعلم، فهناك دورات للقرآن الكريم تخرج مئات الحفظة لكتاب الله، وتدرس أحكام التجويد، وتقام الدروس والندوات، ويتم إحياء المناسبات الدينية.
ويشير إلى أنه مع وجود الاحتلال وسيطرته على كامل المدينة فإن المسجد لا يفرغ من المصلين والدعاة، حيث بات يعمل على ترتيب نفسية الناس، وشحذ هممهم وصمودهم، وجعلهم يرفضون الاستسلام، كما تحول لبؤرة صياغة لنفسية المسلم وخاصة المقاوم، ففي أثناء منع التجول وخاصة أيام الجمع كان لا يتخلف أحد من سكان الحي عن الحضور للصلاة، ويتحول المسجد بعدها إلى مركز للمؤتمرات يتفقد الناس أحوالهم، ويتحدثون في شؤون حياتهم، فيجتمع الإخوة والأقارب، ويطمئن الجار على جاره، لذا فهو يقوم بدور اجتماعي متميز، ويؤثر على سلوك الجميع بصورة إيجابية.
وخلال إغلاق المدارس ومنع المدرسين والطلبة من الوصول لمدارسهم لم يجد الناس سوى المسجد مركزاً يحل مكان المدرسة، فمن خلاله انتشرت فكرة التعليم الشعبي التي ساهمت بدور كبير في استمرار الحياة التعليمية التي هدف الاحتلال الإسرائيلي وأدها.
كما عمل المسجد على المحافظة على القيم والأخلاق الإسلامية، وساهم في الكشف عن السلبيات وحذر منها، فخلال الانتفاضة طفت على السطح العديد من الظواهر السلبية داخل المجتمع الفلسطيني كالتعاون مع العدو الإسرائيلي على سبيل المثال، وكان لخطبة الجمعة دور مميز، حيث يعمد الخطباء إلى تحذير الناس من الوقوع في المحظور وفي شباك المخابرات الصهيونية.
وشكلت "موائد الرحمن" التي تقام في المساجد خلال شهر رمضان دوراً كبيراً في تحقيق التكافل والتضامن بين المسلمين، حيث يجتمع المئات حولها في صورة تكيد أعداء هذا الدين العظيم.
ويستغل كثير من الدعاة اكتظاظ المساجد بالمصلين، خاصة في أوقات منع التجول لجمع تبرعات للعائلات الفقيرة، ومساندة حملة دعم الطالب المحتاج، وجمع الملابس المستعملة لتوزيعها على العائلات المستورة.
ويرى الدكتور "ناصر" أن التكافل والتضامن الاقتصادي هو نقلة نوعية في دعم المرابطين في فلسطين، والذين يتعرضون لشتى أنواع الاضطهاد والتعذيب على أيدي أقوى ترسانة عسكرية في الشرق الأوسط.
مقاومة المساجد:
ويشير الدكتور ناصر الدين الشاعر عميد كلية الشريعة بجامعة النجاح الوطنية إلى أهمية المسجد في دعم المقاومة واستمرار الانتفاضة الفلسطينية، فخلال سنتين من عمر الانتفاضة كان المسجد مركزاً يجتمع فيه الناس وينطلقون بعدها يقاومون المحتل الإسرائيلي الغاشم، فعلى سبيل المثال يمثل مسجد "النصر" وهو من أكبر مساجد نابلس نقطة انطلاق للمسيرات والمظاهرات التي تضم عشرات الآلاف الذين يخرجون دعماً للانتفاضة، وداعين لاستمرارها، أو لتشييع جثث الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن أرض فلسطين.
كما يشارك مسجد "عباد الرحمن" بمخيم بلاطة مسجد النصر الدور ذاته، حيث تنطلق منه عقب كل صلاة جمعة مسيرة بالآلاف تتجه لوسط المخيم تدعو لاستمرار الانتفاضة والمقاومة، وتحيي الشهداء، وتؤكد على حق اللاجئين في العودة لديارهم المسلوبة.
كما تحول مسجد "لبيك" في البلدة القديمة بنابلس لمستشفى ميداني خلال عملية السور الواقي التي اجتاحت بموجبها مئات الدبابات الإسرائيلية المدينة، وتركزت المواجهات داخل أحياء المدينة القديمة استمرت أياماً متواصلة، وسقط خلالها 88 شهيداً بالإضافة لمئات المصابين، حيث تم تقسيم المسجد لكي يستوعب الأعداد المتزايدة من الشهداء والجرحى، وعندما تراكمت الجثث فوق بعضها البعض فتحت باحة المسجد ذراعيها لتحتضنهم في جوفها.
وأضاف الدكتور ناصر أنه عندما أدركت إسرائيل مدى أهمية الدور الذي يقوم به المسجد عملت جاهدة خلال اجتياحها للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية للقضاء كلياً أو محاولة التقليل من دور المسجد في حياة الفلسطينيين، فقامت بفرض منع التجول، مما حال دون وصول عشرات الآلاف من المصلين للمساجد لأداء الصلوات، واستمرت في سياستها هذه لعدة أشهر متواصلة.
ولا يزال مسجد "عثمان بن عفان" في نابلس مغلقاً منذ أكثر من أربعة أشهر متتالية، حيث أقامت القوات الإسرائيلية بجانبه حاجزاً عسكرياً يقسم المدينة إلى جزءين منفصلين عن بعضهما البعض.
وعمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى هدم عدد من المساجد بعد قصفها بالصواريخ والقذائف من الطائرات الحربية والدبابات، كما حصل لمسجد "الخضراء" في منطقة رأس العين بنابلس، ومسجد "عز الدين القسام" في مخيم جنين، وساوتهما بالأرض.(10/32)
وشكل اعتقال الأئمة والخطباء أولى الخطوات التي وضعتها إسرائيل في سبيل وقف "العمليات الاستشهادية" بوصفهم محرضين عليها، وداعين لها، خاصة أن معظم المجاهدين الاستشهاديين هم من أبناء المساجد، ومن الحافظين لكتاب الله، فخلال يومين فقط اعتقلت القوات الإسرائيلية أكثر من 15 إماماً وخطيباً في نابلس وجنين، كما تقوم بعمليات دهم وتفتيش دورية لمعظم المساجد في المدن التي تعيد احتلالها، وتعبث بمحتوياتها بحجة التفتيش عن أسلحة وأدوات تحريضية يستخدمها الفلسطينيون في انتفاضتهم.
ولم يكن المسجد الأقصى المبارك بمنأى عن الاعتداءات الإسرائيلية، فقد انطلقت الشرارة الأولى للانتفاضة الحالية من ساحاته التي شهدت مواجهات دموية بين المصلين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين، حيث سقط سبعة شهداء وعشرات المصابين في حينها، لتعم المواجهات بعدها بقية المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية في خطوة عبر الفلسطينيون بها عن مقدرتهم في تقديم الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن مقدساتهم الدينية.
وأما عن الشعائر الرمضانية التي تقام بالمسجد الأقصى المبارك فإن الفلسطينيين من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال ومن جميع المدن الفلسطينية - سواء من الضفة أو القطاع أو من سكان الأراضي المحتلة عام 1948 - يشدون الرحال للصلاة فيه، حيث يصل عددهم خاصة في الجمعة الأخيرة من رمضان إلى ما يزيد على نصف مليون مصلٍّ، كان هذا قبل أن تمنع القوات الإسرائيلية مئات الآلاف من المصلين من الصلاة في المسجد الأقصى، حيث أقامت عشرات الحواجز العسكرية على حدود مدينة القدس، وحددت أعمار من يسمح لهم بالمرور، ومنعت الشبان من الوصول للأقصى الشريف.
ونختم بالقول بأن المساجد في فلسطين كما في بقية المساجد في العالم عملت على خلق جيل متجرد وغير متعلق بمتع الدنيا الزائلة إنما له أشواق روحية، فهو من جهة يشعر بلذة عندما يقدم خدماته المجانية لإخوانه المؤمنين، وباللذة عندما يعاني ويضحي دفاعاً عن حقوقهم، أو يسهر على راحتهم، أو يسعى لتحسين أوضاعهم، كل ذلك لا يمكن أن يحدث إلا عندما تكون أساليب التربية والمادة التربوية المقدمة تخدم هذا الغرض، خاصة أننا نعيش على أرض تعاني من وطأة الاحتلال الغاصب، وهذا يفرض وجود كثيرين مستعدين للتضحية من أجل غيرهم، ويعيشون لا لذواتهم ولكن لأمتهم ودينهم، ويتجردون من كل شيء دنيوي إذا لزم الأمر في سبيل مبادئهم وقيمهم النبيلة.
http://www.islamonline.net المصدر:
=============
المسجد النبوي الشريف
ما أن يطالعك المسجد النبوي بشموخه وطهارته وقدسيته وعلو شأنه حتى تدور في ذهنك خواطر جميلة، وأحاسيس وأطياف عجيبة، منها:
• اختيار العلي الأعلى لهذه البقعة المباركة لكي تكون مسجداً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في البخاري: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: (هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ).
• حفظ حقوق المسلمين، وعدم ابتزاز أموالهم حتى ولو كانت للمصالح العامة، بل ولو كانت للمساجد، ولهذا لما أناخت ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في موضع مسجده الحالي وكان مربداً ليتيمين ساومهما عليه، واشتراه منهما قبل أن يبدأ بالعمل.
• مشاركة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في كل شيء وفي كل عمل، فهو شريك لهم في السراء والضراء، في الشدة والرخاء، إن أمرهم بعمل فهو أول مبادر ومشارك فيه، يجود بنفسه ويعمل بيده معهم ففي البخاري: وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ - وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ -: (هَذَا الْحِمَالُ لا حِمَالَ خَيْبَرْ هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ ).
وفي السيرة كان الصحابة يرتجزون:
لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المضلل
• أهمية المسجد ومنزلته في الإسلام، حيث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم صحابته من بعده أول ما يبدؤون عند تخطيط المدن وبنائها بالمسجد، فالمسجد هو مركز المدينة، فبالمسجد تقام الصلاة التي هي أعظم ركن في الإسلام، ويعتبر المسجد مدرسة وجامعة للتعليم، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم الناس ويجلسون إليه في المسجد فيتعلمون منه أصول الدين وفروعه، وكان الواحد منهم إذا شغله شاغل عن حضور المسجد ذلك اليوم أوصى غيره أن يأتيه بما يتعلمه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولربما استفادوا من المسجد في الأمور التالية:
1- إيواء الضعفاء والفقراء والعزاب.
2- إنشاد الشعر في نصر الدعوة.
3- اعتقال الأسرى فيه، حتى يشاهدوا المسلمين فيتأثروا بهم.
4- علاج المرضى فيه، (مثل خيمة رفيدة لمعالجة سعد بن معاذ).
5- استقبال الرسل والسفراء.
6- عقد ألوية الجهاد.
7 - لقاء المسلمين بأميرهم وقائدهم.
http://www.taiba.org المصدر:
=================
اللؤلؤ والعسجد في تفعيل دور المسجد
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فإن المساجد بيوت الصالحين، تتعلق قلوبهم بها، ويأنسون بالجلوس فيها، وتطيب قلوبهم بملازمتها، فهم سواريها العامرة، وأوتادها الساهرة، ومنائرها العامرة، ومنابرها الزاخرة، يعيشون فيها كالأسماك في البحار إذا خرجت منها ماتت! قال - تعالى -: ((إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر...)).(10/33)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنَّ للمساجد أوتاداً؛ الملائكة جلساؤهم، إن غابوا يفتقدونهم، وإن مرضوا عادوهم، وإن كانوا في حاجة أعانوهم ) ثم قال: (جليس المسجد على ثلاث خصالٍ: أَخٌ مستفاد، أو كلمة حكمة، أو رحمة منتظرة )[1].
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (المسجدُ بيتُ كلِّ تقِيٍّ )[2].
ولهذا ولغيره ينبغي أن نهتم بالمساجد وما يطرح فيها من أنشطة لنعمرها بطاعة الله - تعالى -، فإنما الصلاة من العبادات المباركة فيها، ولكن يمكن أن يكون للمسجد أكبر من هذا الدور - على أهميته -، وهذه بعض الأفكار والاقتراحات التي أتمنى أن يُعمل بها ليستفيد الناس منها:
- الاهتمام من الإمام بالخطبة الأسبوعية في يوم الجمعة، فهي في غاية الأهمية في إيصال صوت الحق إلى الخلق.
- إيجاد حلقات تحفيظ قوية بالمسجد للطلاب على كافة مستوياتهم ومراحلهم، ومد يد العطاء لهذه الحلق، فهي من أنفع ما يتربى به الشباب، ويتهذب به الطلاب.
- إنشاء ما يسمى بـ(جماعة المسجد) ليقوموا بالإشراف المباشر على الأنشطة المقامة فيه، وتوفير احتياجاته ومتطلباته، والتخطيط للتجديد المفيد.
- استقطاب المشايخ وطلاب العلم لإلقاء الكلمات الوعظية في المسجد، وذلك بإسناد مهمة التنسيق لهذه الكلمات لأحد النشطاء في المسجد، مع دعمه بأسماء وأرقام المشايخ للتنسيق معهم، وحبذا لو جعل يوم في الأسبوع لمثل هذا النشاط، يتعارف عليه أهل الحي ليلزموه.
- إقامة أكثر من درس أسبوعي في المسجد في العقيدة، والسيرة، والفقه، والسلوك، والآداب، بحيث يتم تنسيق أكثر من درس في الأسبوع، وتسند مهمة متابعة الدرس وإيجاد البديل لأحد الأخوة في المسجد حتى لا ينقطع الدرس، فيحرم الناس الخير.
- تعليق لوحة إعلانات في آخر المسجد توزع بطريقة مناسبة لإعلان المحاضرات، والدورات، والأنشطة الدعوية في المدينة.
- تعليق لوحة تبرز أنشطة المسجد، وما يحتاجه من دعم ومشاركة من أهل الحي.
- تعليق حامل عند باب الخروج من المسجد يكتب عليه [خذ نسختك] ويزود بالمطويات، والنشرات الدورية في كل أسبوع، ويشرف عليه أحد الأخوة، ويدعم بالمال إن أمكن.
- وضع صندوق للأسئلة والفتاوى في مكان بارز بالمسجد، ويرغب الناس في وضع أسئلتهم فيه، ثم يحدد يوم في الأسبوع للإجابة على الأسئلة من أحد المشايخ المعتبرين أو من إمام المسجد إن كان أهل لذلك، أو يقرأ عليهم من فتاوى العلماء ما يناسب الأسئلة، كفتاوى اللجنة الدائمة، أو فتاوى ابن باز، أو ابن عثيمين، أو ابن جبرين، أو غيرهم من أهل العلم المعتبرين رحمة الله على الجميع.
- إنشاء صندوق خيري بالمسجد يقوم عليه مجموعة من الصلحاء ينفعون الأغنياء كما ينفعون الفقراء، فيدلون هذا على ذلك، ويعدون برنامجاً متكاملاً في هذا الشأن.
- عقد مجلس دوري لأهل الحي (في كل أسبوع، أو نصف شهر، أو شهر، أو فصل) يجتمع فيه أهل الحي، مع إعداد برنامج متكامل لهذا اللقاء.
- توزيع المطويات على الناس متزامنة مع الأحداث والوقائع لينتفع بها الناس، فهي إشارات في كلمات تناسب الواقع والحدث [الحج، بداية السنة، رمضان، ليلة القدر، نهاية السنة، عاشوراء، الاختبارات، بدع المولد، وبدع ليلة عاشوراء... وغير ذلك مما يناسب الزمان والأحوال].
- توزيع الكتب والأشرطة عليهم بصفة دورية، ويقوم عليها الثقات، ويدعمون بالاشتراكات الدورية ليستمر العمل.
- إعداد مسابقات ثقافية مكتوبة توزع لأهل الحي تناقش المنكرات فيه مثلاً، ويحدد زمانها وشروطها، ويعد حفل لتوزيع الجوائز والحوافز للمشاركين فيها، وهي وسيلة دعوية لغزو البيوت، وإيصال الخير إليها، وخصوصاً إذا كانت المسابقة على كتاب تحسن قراءته، أو شريط يحسن الاستماع إليه، مع توفيره لهم.
- القيام برحلة فصلية لجماعة المسجد على استراحة مناسبة، وإعداد برنامج متكامل لهم.
- القيام ببعض المعارض المناسبة في ملاحق المسجد، وفتحها للناس، مع الدعوة إليها، والدعاية لها، ويمكن التنويع فيها بما يناسب الناس.
- تعليق حامل للكتيبات، توضع فيه الكتيبات المناسبة باستمرار، ويكتب عليها: للاستعارة فقط.
- إيجاد مكتبة للمسجد تحفل بما يمكن جمعه من أمهات الكتب والمراجع، ويمكن تحريكها عن طريق طلاب التحفيظ، والمسابقات الثقافية الدورية لأهل المسجد، وجمع الناس فيها أكثر من مرة ليألفوا دخولها والاستفادة منها.
- بناء مغسلة موتى ملحقة بالمسجد مع تزويدها بكل مستلزمات الغسيل والتكفين، مع توفير مغسل ومغسلة للموتى إن أمكن، وحبذا لو كان الإمام أو المؤذن ليسهل الوصول إليه، والاستفادة منه.
- إنشاء مستودع خيري مناسب تجمع فيه الصدقات العينية والتبرعات الشهرية وما يمكن الاستفادة منه من ملبوسات وفرش وأثاث، لتوزيعها على أهل الحاجة في أماكن تواجدهم، ويشرف عليه مجموعة مأمونة من أهل المسجد بإشراف إمامه.
- التنسيق لإقامة محاضرة في كل شهر لأهل الحي بالتنسيق مع أحد المشايخ والإعلان عنها.
- التنسيق مع أحد المفتين للاستضافة في المسجد أو عبر الهاتف للإجابة على أسئلة الناس، وتحديد الزمان لها.
- إنشاء موقع للمسجد عبر الشبكة العنكبوتية، وينشر بين أهل الحي للاستفادة منه، ويقوم عليه الأخيار ومن لديه قدرة على المشاركة الفاعلة فيه.
- الإفطار الجماعي في رمضان أو الأيام الفاضلة والمستحب صيامها كعاشوراء أو يوم عرفة لغير حاج، أو في أيام العيدين، مع إعداد برنامج مرافق لهذا النشاط يناسب الأحوال والمناسبات.(10/34)
- إنشاء تحفيظ نسائي بالمسجد (دار الحافظات) يتم من خلاله إقامة مجموعة من الأنشطة التربوية للنساء كالمحاضرات، والدورات العلمية والمهارية، وغير ذلك مما فيه مصلحة للنساء.
- تكوين لجنة للزيارات مهمتها الأساسية زيارة من يتخلفون عن الصلوات لدعوتهم إليها بالأسلوب الحسن، والطريق الأمثل، وكذلك زيارة رواد المساجد حين مرضهم أو حصول ما يكره لهم أو لذويهم، وغير ذلك مما حث الشارع عليه ورغَّب فيه.
- التنسيق مع المؤسسات الخيرية والدعوية والإغاثية لعرض أنشطتها في المسجد، أو في اللقاء بأهل الحي لدعمهم لها، وللاستفادة من أنشطتها.
- تكوين جماعة من أهل المسجد للإصلاح بين أهله حين وقوع الخصومة بينهم من أهل الرأي والحكمة والمشورة، وأهم مهماتها الإصلاح بين الناس، ودفع غوائل الشر والخصومة والقطيعة والجفوة بينهم.
- تكوين مجموعة أخرى من أهل العلم والحكمة والروية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحي، فهم يجوبون الحي ليتعرفوا على منكراته، ثم يُعدون الأنشطة المناسبة لكل منكر بما يلزم لتغييره، فيأخذوا على يد السفيه، ويأطروه على الحق أطراً، ويمكن أن يستفيدوا من القنوات الرسمية في ذلك إذا لزم الأمر.
- تكوين لجنة اجتماعية في المسجد هدفها خدمة أهل الحي بما يحتاجون، كالسعي في توظيف شباب الحي العاطلين، أو التنسيق مع دورات الحاسب الآلي لدراستهم فيها إذا عُدمت الوظيفة، أو غير ذلك مما يحتاجه الناس في دنياهم، وأتصور لو أن المسجد قام بمثل هذا الدور لكان له أبرز الأثر في حياة الناس، وربطهم ببيت الله، فهو واحتهم الوارفة، وشجرتهم الظليلة.
* والمهم في تنشيط دور المسجد أن تكون جماعة للنشاط مهمتها الأساسية دعوة أهل الحي إلى الخير، والتجديد في ذلك بما يوافق الشرع، فإذا وجد من يحمل الهم، ويتحمل المسئولية؛ جاء الخير، وأقبل المعروف، وشع النور، والله عليم بما في الصدور.
___________________________
[1] رواه أحمد في المسند والحاكم في المستدرك، انظر: صحيح الترغيب والترهيب (1/252) (329).
[2] رواه الطبراني في الكبير والبزار، انظر: صحيح الترغيب والترهيب (1/253) (330).
http://saaid.net المصدر:
==============
إصلاح المساجد من البدع والعوائد
تأليف علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي
خرج أحادثه وعلق عليه محمد ناصر الدين الألباني
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يبعث الله على رأس كل مئة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها)(صحيح)
عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في خطبته: (إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) زاد البيهقي: (وكل ضلالة في النار)(صحيح)
وسأل عبد الملك بن مروان غضيف بن الحارث عن القصص ورفع الأيدي على المنابر فقال غضيف: إنهما لمن ما أحدثتم، وإني لا أجيبك إليهما لأني حدثت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من أمة تحدث في دينها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة)، والتمسك بالسنة أحب إلي من أن أحدث بدعة (ضعيف الإسناد)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)(صحيح)
قال - صلى الله عليه وسلم -: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)(صحيح متواتر)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أيها الناس مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر؛ قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم، وقبل أن تستغفروه فلا يغفر لكم، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يدفع رزقاً، ولا يقرب أجلاً، وإن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ثم عموا بالبلاء)(ضعيف الإسناد)
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)(صحيح)
وسئل صلوات الله عليه عن خير الناس فقال: (أتقاهم للرب، وأوصلهم للرحم، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم للمنكر)(ضعيف الإسناد)
==============
أخي المسجد حن إليك
أبو الحسن بن محمد الفقيه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الحمد لله الذي جعل المساجد بيوتاً للعبادة، وراحةً للنفوس، وطمأنينةً للقلوب، ومرتعاً للذاكرين، ومجمعاً للمسلمين، ومنبراً للهداية والرشاد، ومقمعاً للغواية والفساد، قال - تعالى-: (( في بُيُوتٍ أذن اللهُ أن تُرفع ويُذكر فيها اسمُهُ يُسبحُ لهُ فيها بالغُدُو والآصال رجالٌ لا تُلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافُون يوماً تتقلبُ فيه القُلُوبُ والأبصارُ ليجزيهُمُ اللهُ أحسن ما عملُوا ويزيدهُم من فضله واللهُ يرزُقُ من يشاءُ بغير حسابٍ ))[النور: 36-38].
أخي الكريم: يا من أعطى للمساجد ظهره، ورأى في روضتها أسره، كلما سمع عبارات الأذان ولى وأدبر، وهرع إلى الزوايا وتستر، وترك إيقاعات الأذان تدوي في رحاب السماء (حي على الصلاة.. حي على الصلاة) لمن يتذكر!!!
أخي لقد حن المسجد إليك، واشتاق إلى طلة منك تعمره وتعود بالخير عليك، ولا يزال يدعوك في اليوم خمس مرات، بنداء ملؤه خير وعظات، لعلك تلبي منه دعوته، وتعمر بالخير خلوته (( يا قومنا أجيبُوا داعي الله وآمنُوا به يغفر لكُم من ذُنُوبكُم ويُجركُم من عذابٍ أليمٍ ومن لا يُجب داعي الله فليس بمُعجزٍ في الأرض وليس لهُ من دُونه أولياء أُولئك في ضلالٍ مُبينٍ ))[الأحقاف: 31 - 32].
أأُخي لب نداءه ودع الهوى *** وارتع هناك بركنه وتفقد(10/35)
روح القلوب ينال في إعماره *** ما ضاق صدر في رحاب المسجد
فرياضه تزهو بنور هداية *** وتحف بالرحمات كل موحد
فضل المشي إلى المسجد:
أخي لو علمت ما الذي يفوتك حينما تترك الذهاب إلى المسجد لعضضت أناملك من الحسرة والأسف، وإليك ثمرات يانعة يقطفها الماشي إلى بيت الله لإقامة ذكر الله:
1 - الفوز بنزل في الجنة:
فلو قيل لك إن وصولك إلى مكان ما يؤهلك لنيل جائزة من مال الدنيا لهرولت إليه ولو كان نائياً، ولبذلت للوصول إلى ذلك المكان جهداً عاتياً، ولأجهدت نفسك، وغالبت عجزك، ونفرت إليه نفر المجاهد في ساح القتال، فماذا لو كان ممشاك للمسجد أسهل، وأجره وثوابه أعظم وأجزل!!، أليس أولى لك بالتشمير، وأحق بالتأهب والنفير!!، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح )[رواه البخاري ومسلم].
إنه أجر ما بعده أجر، وثواب يليق به الإعجاب! نزل مقيم في جنات النعيم، لو تأملت حسنه، وعاينت زينه، ولاحظت منظره، وشاهدت مظهره، ووقفت على أثاثه وفراشه، وجماله ونقائه؛ لذهلت أيما ذهول!!، ولبذلت الغالي والنفيس لنيله وكسبه.
وليس نيله بعزيز، إنما غدوة وروحة، ومشية وفسحة، وخطوات ساكنة تخطوها لإعمار بيت الله لالتماس زكاة النفس، وصفاء الحس، بإقامة ذكر الله، حقاً هو فلاح أيما فلاح، حينما يؤذن المؤذن (حي على الصلاة حي على الفلاح! )، فلو لم يكن من ذلك الفلاح إلا ذاك النزل الكريم في جنة الكريم لكانت الغدوة إلى المسجد جديرة بالاهتمام، كيف وفضائلها جليلة وفوائدها عظام!
أخي..
فإن رمت اغتنام الوقت فعلاً *** فخير الوقت حي على الفلاح
فصل الفجر وادع الله واغنم *** قيام الليل في الغسق الصراح
تفز بالأجر والحسنات حقاً *** فتسلمك لجنات فساح
2 - تكفير الخطايا:
فكل خطوة تخطوها يمحو الله لك بها الخطايا، ويرفع لك بها الدرجات، فقد أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ( إذا توضأ العبد المسلم - أو المؤمن - فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كانت بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب )[رواه مسلم].
صغر خطاك إذا غدوت لمسجد *** فلربما غفرت ذنوبك بالخطى
تمشي ومشيك للمساجد قربة *** تسمو بشأنك للجنان وللتقى
أخي.. تذكر أن كل الناس يخطو ولكن خطوتك في اتجاه المسجد شأنها عظيم عند الله - سبحانه -، فهي خطوة إلى إقامة ذكر الله، ومشية لتلبية ندائه، واستجابة أمره، رغبة في فضله، وخوفاً من بطشه، وحباً لذاته وصفاته.
ومن هنا كان الجزاء من جنس العمل، فكما أنك خطوت ترجو فضل الله وجوده؛ فإنه - سبحانه - يجعل خطواتك كفارة لذنبوك لتنال بمغفرتها رجاءك، وتكون من الفائزين، وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحث على التعبد بخطوات المسجد فيقول: ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ ) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط )[رواه مسلم].
وإنه لطيش وخسار، وغبنُ كُبار؛ أن يسمع المسلم نداء الفلاح يناديه، وهو يدرك عظم ممشاه، وثواب الله ورضاه؛ إن هو أتاه، ثم يضرب عن ذلك صفحاً، ويتبعُ هواه، ثم إنها عبادة مشهودة، في دقائق معدودة، لا تضر بمتاع، ولا تقطع استمتاع، بل هي ذاتها لحظات تفيض باللذة والسعادة!
فيا خسارة من باعها بمتاع قليل، وأعرض عنها، لاهياً في بيته، أو منشغلاً ببيعه، أو مسروراً في سيارته، أو منغمساً في الحرام، أو مؤثراً متابعة مسلسلات أو أفلام، أو رقص أو أنغام.
ويا مفاز من آثرها على أعماله، وجعلها أعظم آماله، فخطى للمسجد في هدوء وسكون يبتغي وجه الله والدار الآخرة، وماء الوضوء ينزل برداً وسلاماً على أسارير وجهه، وأطراف رجليه ويديه، فيهلهل بشره، ويهدئ حسه، ويهذب نفسه، فلا يصل بيت الله إلا والاطمئنان قد ملأ قلبه، وأهله للسجود لخالق الوجود!!، فعن النبي قال: ( من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله؛ كانت خطواته إحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة )[رواه مسلم].
3 - اكتساب الحسنات:
أخي.. أتدري.. حينما تتوجه إلى المسجد من تقصد، إنك تقصد بيت الله، وشرف القصد من شرف المقصود، فأنت تمشي إلى الله في بيته، يجيبك إذا دعوته، ويغفر لك إذا استغفرته، ويعطيك إذا سألته، ويحفك بالرحمة والفلاح في غدوتك، وفي صلاتك، وفي الرواح، فهل أدركت معنى (حي على الفلاح!!)، ومن جزيل كرمه - سبحانه - أنه يكرمك بالحسنات، ورفع الدرجات، قبل وصولك إلى رحابه، وقبل طرق بابه فعن عقبة بن عامر الجهني عن النبي قال: (من خرج من بيته إلى المسجد كتب له الملكان بكل خطوة يخطوها عشر حسنات، والقاعد في المسجد ينتظر الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلين حتى يرجع إلى بيته)، وعن أبي هريرة عن النبي قال: (الكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة )[رواه البخاري ومسلم].
4 - بشرى المشائين إلى المساجد:
فعن بريدة عن النبي قال: (بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)[رواه أبو داود والترمذي وهو صحيح].
وهذه البشرى مناسبة لجنس عمل الماشي إلى المسجد في الظلمة، فإنه لما اخترق بذهابه إلى بيت الله حجب الظلام ليصلي الفجر مع الإمام عوضه الله بنور كامل تام يوم يجمع الأنام!
فضل الصلاة في المسجد:(10/36)
وتذكر أن المسجد هو سوق رابح لاكتساب الآخرة، فالخطوات إليه حسنات، والمكوث فيه رحمات، وانتظار الصلاة فيه صلاة.
1 - ثواب انتظار الصلاة في المسجد:
فعني أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة )[متفق عليه].
فتأمل - أخي - في هذا الفضل الكبير من الله، فجلسة منك في سارية من سواري بيت الله تعدل ثواب الصلاة، مع ما تولده تلك الجلسة في النفس من اطمئنان وهدوء، وراحة وخشوع، وسكينة ونضارة! فأين من يضيع إعمار بيت الله، ويجلس في بيته لاهياً ساهياً، حتى إذا أوشك الإمام على الانتهاء من الصلاة دخل المسجد على استثقال وإهمال!!، أين هو من هذا الأجر العظيم!، بل إن المؤمن حينما يجلس في المسجد ينتظر الصلاة لتصلي عليه ملائكة الرحمن، وتدعو له بالرحمة والمغفرة مكانه، كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يحدث، تقول اللهم اغفر له، اللهم ارحمه).
قال معاذ بن جبل: من رأى أن من في المسجد ليس في الصلاة إلا من كان قائماً فإنه لم يفقه.
وقال سعيد بن المسيب: من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه، وهل من يجالس ربه في بيته بالذكر، وتدبر القرآن، وتعلم العلم وتعليمه، والدعاء، كمن يجلس أمام تفاهات التمثيل، وسفاسف اللهو واللعب!!
سارت مشرقة وسرت مغرباً *** شتان بين مُشرق ومغرب
وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤخر صلاة العشاء إلى نصف الليل ترغيباً في أجر انتظار الصلاة، فعن أنس - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخر ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل ثم أقبل علينا بوجهه بعدما صلى فقال: (صلى الناس ورقدوا ولم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها )[رواه البخاري].
فاحرص أخي على التبكير إلى المسجد، واحرص على الصف الأول يمين الإمام أو خلف قفاه إن أمكنك، وإلا أقرب موضع إليه، فإن للصلاة قرب الإمام أجراً عظيماً، وتأثيراً عجيباً على المصلي! فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا )[متفق عليه].
2 - ثواب الصلاة في جماعة:
وثواب صلاة الجماعة لا يخفى على أحد، فقد قال: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة )[رواه البخاري ومسلم] والفذ هو الواحد، ولا أدري كيف يزهد مسلم في هذا الخير العظيم ويؤثر بيته فيصلي فيه، وكأنه قد ضمن لنفسه ما يكفيه للنجاة من النار ودخول الجنة.
فاحذر - أخي - أن تغالط نفسك فتحرمها من هذا الأجر الكبير، وإياك أن تتأثر بمن ضعف إيمانه، وهان دينه، فآثر بيته على بيت الله، وهواه على أمر الله، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا )[رواه البخاري ومسلم].
فتأمل في صفة المنافقين، فإن علامتهم أن تتثاقل رؤوسهم عن أداء صلاة الصبح، وصلاة العشاء، فكيف يرضى مؤمن لنفسه أن يكسب صفة من صفات النفاق!!، ويضيع على نفسه الأجر العظيم، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له قيام ليلة)[رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].
وكثير من الشباب يعتذر عن الذهاب إلى المسجد بالعياء، أو ببعد المسجد، أو نحوها من الاعتذارات، ثم هو إذا دعي إلى مباراة رياضية أو سهرة في البراري؛ قام لها قومة الفارس المغوار.
وهذا ابن أم مكتوم المؤذن - رضي الله عنه - يستفسر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشقة الطريق إلى المسجد ملتمساً العذر يقول: يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح، فحيهلا).
ثم إن حضور صلاة الجماعة من أسباب تقوية الإيمان، وقمع الشيطان، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله - عز وجل -: ((إنما يعمُرُ مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ))[التوبة: 18][حديث ضعيف، ضعّفه الألباني].
فطوبى لمن علق قلبه بالمساجد فجعلها قرة عينه، يلتمس فيها السكينة، وينشد فيها الطمأنينة، ويفر إليها من فتات الدنيا وشهواتها، تالياً فيها الكتاب، مشفقاً من العذاب، خائفاً من الحساب، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه!
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله - عز وجل -، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ).(10/37)
وينبغي للمسلم أن يتجنب مغالطة نفسه وخداعها بالاعتذارات الواهية فإنه سيقف وحده أمام الله، وينظر أيمن منه ثم أشأم منه فلا يجد إلا ما قدم!! فانتبه - أخي الكريم - أن يباغتك الموت، ويفوتك الفوت، وأنت عن المساجد معرض، وعلى الملاهي مقبل، وفي الصلوات مفرط، تصلي حيناً وحيناً تشطط.
وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه، وجعلنا من عمار بيته.
http://saaid.net المصدر:
==============
إحياء دور المسجد في حياة المسلمين
بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فلا شك أن كل مخلص من المسلمين يحترق قلبه ألماً لما تمر به أمتنا الإسلامية من انتهاك لحرمتها، واستهانة بدمائها، بل واحتلال لأراضيها، ونهب لخيراتها، والمتمحص في أحوال المسلمين اليوم يعلم أن المسلمين لم يهزموا من قلة في العدد أو العتاد؛ وإنما خلص لهم الأعداء بسبب تفريطهم في أمر الله، وجهلهم بدينهم، فإن أطاع المسلمون أمر الله، وتعلموا أمور دينهم؛ استحقوا أن ينزل عليهم نصر الله - عز وجل -، وكان حقاً علينا نصر المؤمنين.
وهذه نصيحة لكل المخلصين في أمتنا التي لن تموت بإذن الله أبداً، نريد فيها أن نرشد هؤلاء المخلصين إلى طرق يستطيعون من خلالها أن يخدموا هذا الدين، ويوظفوا طاقات غيرهم من المسلمين، ويجب أن لا نتعجل النصر، فهذه الأمة أحوج ما تكون إلى بناء الإيمان في نفوس أبنائها لبنة لبنة، فنحن نحتاج إلى شخصية مسلمة متكاملة، نحتاج لمسلم ذي: عبادة صحيحة، معاملة صحيحة، عقيدة سليمة، دعوة على بصيرة، أخلاق حسنة.
ولن توجد وتنمو هذه الشخصية إلا في بيوت الله (المساجد) ملاذ الصالحين الآمن، ففي زمن عمت فيه المعاصي صغيرها وكبيرها أرجاء المعمورة، لا يكاد المرء يجد مكان لا يجاهر الله فيه بالمعصية إلا بيوت الله، لذلك يهرع إليها الصالحون والتائبون، ولذلك كان لابد أيضاً من إعادة النظر لواقع مساجدنا اليوم، لتكون قادرة على رعاية الصالحين، وإعانة التائبين.
فالذين أتوا للصلاة في مساجد أهل السنة قد صارعوا شياطين الإنس والجن الذين صدوهم عن الصلاة والصلاة مع أهل الالتزام بالذات، فبالرغم من تشويه صورة الملتزمين، وتنفير الناس من الالتزام وأهله، إلا أنهم تجاوزوا كل هذه العقبات، فكان لابد من الاهتمام بهم.
http://saaid.net المصدر:
===============
وسائل وأفكار للدعوة في المسجد
1- إلقاء الكلمات الوعظية المرتجلة بعد الصلوات المفروضة.
2- إقامة المحاضرات الأسبوعية أو الشهرية أو الفصلية.
3- إلقاء الدروس العلمية الطويلة أو القصيرة بين الأذان والإقامة في صلاة العشاء، أو بين المغرب والعشاء حسب مستوى طلاب العلم في المسجد.
4- إقامة الندوات العلمية.
5- صندوق (خذ نسختك)، ويوضع فيه بعض الكتب والمطويات والأشرطة المخصصة للتوزيع.
6- المكتبة العلمية العامة في المسجد، ويدعى أهل الخير لتوقيف الكتب عليها.
7- وضع دولاب لإعارة الأشرطة، ويختار لها قيّم لتنظيمها.
8- إعداد المسابقات الثقافية الأسرية والشبابية وللأطفال من أهالي المسجد، خاصة في الإجازات.
9- فتح حلقات لتحفيظ القرآن الكريم للكبار والصغار، والإشراف والمتابعة لها.
10- القراءة من كتاب على جماعة المسجد.
11- إقامة درس أسبوعي للجاليات، وذلك بإحضار مترجم.
12- تشجيع أصحاب المواهب من جماعة المسجد، والاهتمام بهم، والاستفادة منهم في الدعوة في الحيّ.
13- تلمّس أحوال جماعة المسجد، ومعرفة الفقراء والمساكين، ونقل أحوالهم للأغنياء والمؤسسات الخيرية؛ ليساعدوهم.
14- السعي في الإصلاح بين الناس، وجمع القلوب، والاستعانة بكبار السن من جماعة المسجد.
15- إقامة إمام المسجد لقاء دورياً أسبوعياً مع جماعة المسجد في البيوت، ويحرص على حضوره.
16- إرسال هدية لجيران المسجد في المناسبات كالأعياد.
17- زيارة المتخلفين عن أداء صلاة الجماعة من جيران المسجد.
18- إيجاد صندوق في المسجد لوضع المقترحات والأسئلة وغيرها.
19- إعداد لوحة في المسجد يوضع عليها فوائد وفتاوى وإعلانات المحاضرات والدروس، والاهتمام بتطويرها وتجديدها، ودعوة جماعة المسجد للمشاركة فيها.
20- القدوة والأخلاق الحسنة، وتأليف قلوب الناس بزيارتهم والتودد لهم.
21- الدعوة الفردية لأفراد جماعة المسجد.
22- النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحي تجاه المنكرات المتفشية الظاهرة.
23- الإعداد الجيد والمسبق لخطبة الجمعة، والاهتمام بتطويرها.
24- مسابقة حفظ السنة النبوية، والمتون العلمية.
25- نشر فتاوى أهل العلم بين جماعة المسجد.
26- إحصاء العمالة غير المسلمة (في الحيّ المحيط بالمسجد)، ودعوتهم إلى الإسلام.
27- التأكيد على أهل الحي، وتحريضهم على إحضار أبنائهم للصلاة، والاستمرار عليها.
28- حث رب الأسرة على تفقيه أسرته، والاستعانة بأبنائه إذا كان غير متعلم، وسؤال الإمام عما يشكل عليه.
29- حث الطلبة الجامعيين على الدعوة إلى الله، لاسيما إذا كانوا ملتزمين، والاستفادة منهم في أنشطة المسجد.
30- تفعيل دور خطبة العيد، والاستفادة من الدعاة المقتدرين فيها، ودعوة الخطباء المؤثرين المبدعين لإلقاء خطبة العيد، وإبلاغ الناس بمكان الخطبة.
31- غرس محبة المسجد في نفوس أطفال الحي والصغار بتوفير أنشطة مختلفة، وحث المصلين على الصبر على أخطاء الصغار في المسجد، وعلى استخدام اللين والرفق مع المخطئ منهم.
32- الاستفادة من الأشرطة القديمة بوضعها في مكتبة المسجد للإعارة.(10/38)
33- احذر أخي الخطيب من الخطبة (القصْماء) بالقاف نقيض (العصماء) بالعين -؛ فإنها عديمة التأثير، وهي التي يسخّرها ملقيها لتصفية حسابات شخصية أو علمية.
34- اجتماع شهري لمجموعة من الخطباء تجمعهم البلدة أو المنطقة أو الحيّ أو الزمالة؛ لتبادل الآراء، وتطوير مستوى الخطبة.
35- دعوة العلماء لإلقاء كلمة في المسجد، وتهيئة أسئلة ليستفيد جماعة المسجد من أجوبتها، أو جعله حواراً مفتوحاً منهم مع الشيخ.
36- للخطباء إدخال الخطبة في الإنترنت؛ لتعميم الاستفادة منها، أو التعامل مع موقع المنبر لعرضها في هذا الموقع المتخصص.
37- اغتنام الخطيب فرصة التوجيه عن طريق الحديث، مثلاً: فنان تطاول على شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فنكشف للعامة ضحالة أوساط الفنانين وفسقهم وفجورهم... وهكذا.
وهذا يتطلب من الخطيب الاطلاع على ما يخدم دعوته من الأخبار والأنباء، والاستماع إليها.
38- وضع خطة دعوية تربوية سنوية أو فصلية، وتهيئة المصلين للتفاعل معها إعداداً وتنفيذاً.
39- إقامة لقاءات دورية بين مجموعة خطباء الحيّ؛ لتبادل الخبرات، والتشاور في توجيه الخطبة وتقييمها.
40- إهداء هدية للأطفال الصغار المرتادين للمسجد؛ لتحبيبهم في المسجد.
41- حث المصلين على تعاهد المعتكفين، وقضاء حوائجهم، وتيسير أمورهم.
42- المشاركة الفعّالة في هموم الأسر وجيران المسجد، بإقامة حفل مصغر في المسجد للطلاب الناجحين، ودروس تقوية للمصلين وغيرهم.
43- دعوة أهل الحي للمشاركة في المجلات الإسلامية.
44- إقامة موائد الإفطار الرمضانية للعمالة، واستغلالها في الدعوة.
45- إقامة حفل معايدة لأهل الحي بجوار المسجد، يُدعى لها الجاليات المسلمة؛ لتخفيف وحشتهم في العيد يبُعدهم عن أهليهم.
46- ضرورة إيجاد مترجم لترجمة خطبة الجمعة إذا تعذر إيجاد مساجد خاصة للجالية الناطقة بغير لغة البلد.
47- تجهيز بعض الملصقات الحائطية للاستفادة منها في دعوة الناس في المناسبات، وفضائل الأعمال الحولية (قدوم رمضان، الحج، نهاية العام.. إلخ).
48- تنادي المختصين لمعالجة المشكلات الدائمة في كل مسجد، والخروج بحلول تناسب جماعة المسجد، مثل: (مشكلة عزوف فئة الشباب عن ارتياد المساجد).
49- زيارة ميدانية لإمام المسجد وبعض وجهاء جماعة المسجد للمحلات التجارية، وتذكير أصحابها بالبعد عن المنكرات، وإعطائهم الفتاوى والمطويات كالصالونات، ومحلات الشيش، وأشرطة الغناء.
50- وضع خطة لبرنامج دعوي في العطل لمختلف شرائح جماعة المسجد؛ للقضاء على الفراغ، واستثمار أوقاتهم في العطل والإجازات.
http://saaid.net المصدر:
==============
مكتبة المسجد في دائرة المنافسة
هبة عمرو
مع قدوم فصل الصيف يستقبله كلٌّ بما يناسبه، فالمدن الساحلية تتهيَّأ لمصطافيها، والنوادي تستعد لمرتاديها، وتتزيَّن الملاهي لعاشقيها، والمسجد؟؟
ماذا سيفعل المسجد لاستقبال أهم فصل في السنة؟
ماذا سيفعل لاجتذاب المصلين؟
إنَّ المسجد لم يُشرَّع لإقامة الصلوات فقط، وإنَّما للمسجد عدة أدوار في الحياة العامة ليس هنا مجال ذكرها جميعاً، ويكفي أن نذكر هنا أحد جوانب دوره الثقافي من خلال المكتبة.
إنَّ معظم مساجدنا اليوم تضم مكتبة على اختلاف أشكالها وأحجامها ومحتوياتها، إذن فما الجديد الذي نود قوله هنا؟
الجديد هو التجديد.
نعم.. إنَّ ما ينقص مكتباتنا في المساجد هو التجديد والجاذبية، وملاحقة متطلبات العصر الجديدة، وسنحاول فيما يلي عرض ما يمكننا فعله لتطوير مكتباتنا من حيث شكل المكتبة، ومحتواها، وسبل تفعيلها:
أولاً: من حيث الشكل:
* السمات المطلوب توافرها في المكتبة:
1- جاذبية العرض؛ بحيث يتم اختيار عدة كتب أو أشرطة، وإبرازها كلَّ شهر مثلاً تبعاً للمناسبات التي تمر بها الأمة.
2- سهولة البحث والوصول إلى الغاية سريعاً، وذلك عن طريق التصنيف الجيد لمحتويات المكتبة، وتوزيعها جيداً على الأرفف.
3- الحفاظ على سلامة المواد المعروضة داخل المكتبة، حتى لا تتلف من الأتربة، وكثرة التداول.
4- وضوح مكان المكتبة بالنسبة للجمهور.
5- تعليق بعض الأغلفة الملونة أو الزينة لتجميل شكل المكتبة الخارجي، أو دهانها دوريّاً بلون مختلف جذاب ومقبول.
* أشكال مقترحة:
إذا أمكن تخصيص غرفة ملحقة بالمسجد تخصَّص للمكتبة فقط فسيكون ذلك أفضل، خاصة إذا أمكن تزويد المكتبة بكمبيوتر داخل هذه الغرفة، أمَّا إذا تعذَّر ذلك فيكفي تخصيص دولاب واحد أو عدة أرفف حسب الإمكانات.
ثانياً: من حيث المحتوى:
لم تَعُد الكتب وحدها كافية لإشباع الاحتياجات الثقافية لجمهور المسجد خاصة من الشباب؛ لذلك فإنَّ مما يحقِّق أقصى إفادة أن تحتوي المكتبة على عدة أشكال للمواد الثقافية كما يلي:
1- كتب: بحيث تحتوي على أمهات الكتب، وكتب التراث التي لا تتوفَّر في كلِّ منزل، والتي يحتاج إليها دائماً كافة الناس (التفاسير، الفقه، قصص الأنبياء، …). هذا بالإضافة إلى توفير كتيبات صغيرة أو مطويات لمن لا يحبُّون القراءة - وهم كُثر للأسف -، ولا ينبغي أن تقتصر محتويات المكتبة على الكتب الدينية فقط، وإنَّما لا بد من توفير كتب أخرى عن بعض المعارف العامة الواجب على المسلم الإلمام بها.
2- أشرطة صوتية: خطب ودروس لمختلف المشايخ، أناشيد متنوعة،... إلخ.
3- دوريات: مجلات إسلامية عامة، مجلات للأطفال، مجلات ثقافية،... إلخ.
4- أسطوانات مدمجة CDs: برامج إسلامية، برامج مفيدة، أناشيد،... إلخ.
5- أشرطة مرئية (فيديو): أفلام تسجيلية، أفلام رسوم متحركة،... إلخ.
وسائل لتفعيل المكتبة:(10/39)
من أجل جذب الناس إلى المكتبة علينا التفكير دائماً في السبل المتجددة التي تفعِّل علاقتهم بالمكتبة، مثلاً:
- تغيير مظهرها الخارجي دوريّاً، ويا حبذا لو تناسب هذا المظهر مع مناسبات السنة المختلفة.
- إقامة مسابقة ثقافية، وتعريف الناس بموضع الإجابات، مثال: مسابقة مكتوبة تُوزَّع ويُذكر في النهاية "يمكنكم الحصول على الإجابات في الكتب التالية: …"، وتكون أسئلة يسهل الوصول إلى إجاباتها.
- مكافأة الرواد الأكثر استعارة بجوائز رمزية.
- الإعلان دوريّاً عن المكتبة من خلال إمام المسجد.
- توزيع استمارة استبيان لاستطلاع آراء المصلين حول الكتب والأشرطة التي يحتاجون إليها، وعن رأيهم في المكتبة.
http://www.islamonline.net المصدر:
============
مكانة المسجد في الإسلام
للمسجد في الإسلام مكانة عظيمة، فالمساجد بيوت الله في الأرض، وأحب الأمكنة إلى الله - تعالى - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أحب البلاد إلى الله - تعالى- مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها).
وكان أول عمل قام به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند دخوله المدينة المنورة مهاجراً هو تحديد موقع المسجد.
والمسجد في الإسلام ليس مكان عبادة، ومحل إقامة الصلاة فقط، فالمساجد في الإسلام تبنى لأكثر من ذلك:
فالمسجد هو المدرسة التي تتربى فيها النفوس تربية روحية باتصالها بخالقها أثناء تأدية الصلاة والتعبد فيه.
والمسجد هو المدرسة التي يتعلم فيها المسلمون أمور دينهم، ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم الصحابة الإسلام في المسجد.
والمسجد كان القاعدة الحربية التي تجتمع فيها الجيوش، وتعقد فيها الألوية، وتنطلق للجهاد في سبيل الله لنشر الإسلام.
والمسجد كان دار القضاء والإفتاء، والدعوة والإرشاد، وتوعية المسلمين.
والمسجد كان داراً لمجلس الشورى، تناقش فيه أمور الأمة على ضوء الكتاب والسنة.
تلك هي جزء من رسالة المسجد في الإسلام، فرسالة المسجد في الإسلام شاملة لا تدع أمراً من أمور الدين والدنيا إلا أحصته.
http://www.islamic-ef.org المصدر:
==============
ما واجبنا لو أغلقت المساجد؟ هل تموت الدعوة؟
رضا أحمد صمدي
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على أشرف الأولين والآخرين، المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد تظاهر أعداء الدين في هذه الآونة على بيوت الله هدماً وإغلاقاً، وتوقيفاً وتعطيلاً، وهم وإن تباينت أهدافهم الظاهرة إلا أن مراميهم الباطنة هي بغض الله والرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبغض الدين الذي لو مُكن له في الأرض لزالت سيادتهم، ودالت دولتهم.
ولما كانت المساجد هي محور عملية الدعوة، ومجتمع الدعاة والمدعوين، كان في تنحية دوره في المجتمع أثر يشبه تنحية أحكام الشريعة، وصار لزاماً على أهل الحل والعقد (الذين هم أهل العلم والشوكة، والرأي والمشورة في البلاد) أن يتخذوا موقفاً من هذا الاعتداء الصارخ على حرمات الله - تبارك وتعالى -.
وإذا كان تعظيم الحرمات من تقوى القلوب كما قال - تعالى-: ((ذلك ومن يعظم حرمات الله فإنها من تقوى القلوب))؛ فإن رعاية حرمات الله من أن تنتهك والحفاظ عليها من أن تنال بسوء من أعظم التقوى الذي أمرنا به.
وغير جائز أن يعتقد المسلم أن دوره قد تعطل بهدم المساجد، ومنع الناس من أن يذكروا فيها اسم الله - تعالى-، أو أن يقيموا فيها شعائر الله، سواء كان ذلك المسلم داعية إلى الله - تعالى- أو مجرد مصل فيها، مؤد لما افترضه الله - تعالى - عليه في رحابها.
ولما كان ذلك كذلك؛ وجب على كل مسلم (وبخاصة شباب الصحوة) أن يقفوا على دورهم في مواجهة هذا الطغيان، وأن يعملوا جاهدين على خدمة دينهم، والقيام بما أمرهم الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في حدود ما يستطيعون، وما تطيقه جوارحهم.
وفي هذه العجالة سأسطر نصيحة قديمة، عرضتها على أهل العلم والدعاة كحل جذري لعمليات التأميم المتتالية التي تتعرض لها مساجد أهل الصحوة الإسلامية، بحيث يكون ضم المسجد إلى حظيرة المساجد الأليفة غير مانع للدعاة من أن يعملوا لدينهم وفق المنهج القويم، غير هيابين من سلطة غاشم، أو سطوة ظالم.
وهاأنذا أعرض هذا الحل في صورة أفكار مرتبة، ونقاط مركزة، منبهاً على ضرورة أن يكون العمل جملة وتفصيلاً خاضعاً لرأي المشورة الجماعية، مستظلاً بإرشادات أهل العلم في كل منطقة بحسبها، محذراً من أن يرتجل الشباب أي عمل دون أن يكون لهم موجه ذو بصيرة وعلم وخبرة وتجربة.
أولاً: قد تقرر في أحكام الشريعة الغراء أن العبد لا يكلف إلا ما يستطيع، وأن ما كان داخلاً في استطاعة العبد عرفاً فهو داخل في إمكانية تكليف الله إياه شرعاً، وعليه فإن الشؤون الدعوية غير مستثناة من هذا الأصل الأصيل، ويجب استحضار هذا المعنى في كل ما نأتيه ونذره، حتى لا نتكلف أموراً هي خارج استطاعتنا، وبالتالي نقع في محاذير شرعية نحن في غنى عنها.
ولكن هذا لا يعفينا من أن نتقي الله - تعالى- في تقدير الاستطاعة، وألا نركن إلى شهوات النفس، وإرادات الهوى، فإن الغالب في تقديرات الهوى الحياد عن الحق، والركون إلى راحة النفس، وعدم تجشم عناء أداء الخدمة للرب - تبارك وتعالى -.
ثانياً: متى ما أمكن إقامة أي عمل دعوي في المسجد بدون أضرار لزم التشبث بموقع المسجد باعتباره المكان الطبيعي للعمل الدعوي، ولا نخرج عن هذا الأصل إلا بعد أن نستنفد كل السبل في الحفاظ على مواقعنا في المساجد.(10/40)
ثالثاً: متى ما حيل بيننا وبين العمل لدين الله من خلال المسجد، فإننا يجب ألا نتوقف عن العمل والدعوة بكل السبل المتاحة، فنستعيض عن المسجد بكل الساحات الممكنة التي يسمح بها قانون الدولة التي نكون فيها، فلو أمكن استئجار قاعات المحاضرات، أو إقامة سرادقات أو نحو ذلك لزم أن نسعى في توفير ما يمكن توفيره لاستمرار أنشطة الدعوة، ويجب أن تدرك قوات الأمن أن قضية المسجد بالنسبة لنا ليست قضية حياة أو موت، بل إن الدعوة ستمضي بمسجد أو بغير مسجد، وبنا أو بغيرنا، ويجب أن يفهم القائمون على الأمن بأننا نسير وفقاً للقانون ولا نخالفه، وبالتالي يجب إحراج تلك الجهات بأن نشعرها أن كل شيء يمنعوننا منه فإن المخالف للقانون في الحقيقة هم لا نحن.
رابعاً: أهم نقطة جوهرية في البدائل المقترحة أن يكون هناك إجماع من شباب الصحوة على ضرورة الالتفاف حول قادة الدعوة ومشايخها في كل أرجاء القطر، ويجب أن يتواصى الأخوة فيما بينهم على ضرورة أن تكون الكلمة الأولى والأخيرة لمشايخ الدعوة، وأن يصدر الأخوة في كل أمورهم عن رأي أهل العلم والخبرة، وألا يستأثروا بأي تصرف أو حركة أو قرار دون الرجوع إليهم، ويجب أن تعلم قوات الأمن هذه الحقيقة بأن يرددها كل شباب الصحوة على مسامعهم إذا قدر وتعرضوا لتحقيق أمني، بأن يصرحوا بأنهم لا يسمعون ولا يطيعون إلا فلاناً وفلاناً وفلاناً، فإن في هذا تقوية لمركز مشايخ الدعوة، وإجباراً لقوى الظلم أن تعيد حساباتها تجاه مشايخنا ودعاتنا، والملاحظ أن أية حركة تصفية لدعوة من الدعوات تتلوها حالة انكماش لشباب الدعوة، مرده إلى أن مشايخ الدعوة لم يتوقعوا ولم يربوا الشباب على مواجهة مثل هذه المواقف، وهكذا تتوالى الاعتقالات، وتتوالى التأميمات، ولا يتحرك ساكن، فما فائدة التربية، وما فائدة تلك الآلاف المؤلفة من شباب الصحوة إذا لم يكن لهم دور في الحفاظ على مكاسب الصحوة، والحفاظ على المواقع التي احتلوها في المجتمع.
خامساً: يجب أن يكون البديل عن المسجد سهلاً وسريعاً، كما أن بداهة وذكاء وسرعة تصرف شباب الصحوة في هذا الموقف يجب أن يكون متناسباً مع دقة الموقف، إننا بصدد استبدال مواقع أخرى مكان المسجد الذي تم تأميمه، فكل الدروس ستستمر، وكل المحاضرات ستمضي، بل والخطب ممن الممكن أن يتداولها الناس بنفس الكثافة والانتشار، البدائل معروفة وواضحة.
الدروس تكون في أماكن أخرى، في الحدائق، في الساحات، في أي مكان مسموح فيه بالتجمهر واللقاء، في البيوت، في القصور، في قاعات المحاضرات المستأجرة، تسجل المحاضرات والخطب وتوزع، أو تطبع في هيئة كتيبات صغيرة وتوزع أو تباع، يجب أن يكون هناك بذل وتمويل ذاتي، يباع الكتيب ببضعة قروش في سبيل تمويل طبع خطبة أو درس آخر.
توجيهات قادة الصحوة يجب أن تكون متداولة، التوجيهات العامة ممكن أن توزع على هيئة شرائط صوتية، إرشادات، نصائح واضحة صريحة يلقيها شيوخنا في الشرائط ثم توزع وتباع، أما التوجيهات الخاصة فتكون شفاهة عبر قنوات خاصة، وعلى هيئة متقنة من السرية.
سادساً: لا بد أن يكون العمل سلساً، نحن لا نرتكب جرماً، ويجب أن يقتنع كل الأخوة - شباب الصحوة كلهم - يجب أن يقتنعوا أنهم غير مخالفين للقانون، إنهم يمارسون حقهم الدستوري والقانوني دون أن يكون لفعلهم أي أثر على أمن البلاد، بل هم في الحقيقة رعاة الأمن، والمحافظين على الجبهة الداخلية، فلو تعرض أحد منا لملاحقة أمنية فلا يجزع، ليقف شامخاً، ويجب أن يتوافر الأخوة على معونته، معونة أهله لو اعتقل (وهذا بعيد)، وتوفير المحامين لو وجدت قضية (وهذا أيضاً بعيد جداً) وعن خبرة وتجربة فإن الدعوة ما دامت سلمية فإنه ليس من مصلحة الأمن أن يصعد الأمر إلى المحاكم لأنه سيظهر بمظهر غير مرغوب فيه أمام المجتمع، وهذه نقطة يجب أن نركز عليها، أن نفهم المجتمع أننا لا نخالف القانون (سحقاً لهذا القانون)، وأن الذين يريدون أن يمنعونا من العمل في الحقيقة هم يحاربون الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، يجب أن يكون للمجتمع دور في الضغط على تصرفات الأمن، حتى متى ونحن نحيد مجتمعنا عن قضايانا، نحن المجتمع والمجتمع نحن، وإن لم تتحمل الأمة معنا هم الإسلام فمن الذي سيحمل الهم؟؟
أقول: يجب أن تكون لدينا سلاسة في التعامل مع الأحداث، بمجرد إغلاق مسجد تكون المحاضرة المقبلة قد تقرر عقدها في مسجد آخر مسموح به، وإن منع المحاضر أوجدنا له بيتاً كبيراً يحاضر فيه، وتسجل المحاضرة ثم توزع وتباع، بل تنشر عبر الإنترنت، وستكون محاضرات من هذا اللون أكثر انتشاراً، فالممنوع مرغوب، ويكتب على الشرائط، وعلى عناوين الإنترنت: المحاضرة الممنوعة الأولى... وهلم جراً.
سابعاً: تكثيف المجموعات التربوية بإشراف المشايخ والدعاة، ولا يجوز أن نخاف من تكوين هذه المجموعات حتى لو توعدتنا قوى الأمن الغاشمة، فالقانون لا يمنعها، ولن يستطيعوا اعتقال أحد من شباب الصحوة لمجرد أنهم يلتقون في البيوت ليتذاكروا الدين، وما دامت اجتماعاتنا بالفعل لا تطرح الحل العسكري في منهج التغيير فإننا يجب أن نكون في قمة الشجاعة في تنفيذ خطواتنا التربوية وغزو مواقع المجتمع، إننا لا نفعل أكثر مما يفعله التلفزيون، نحن نعلم الناس الدين، نعلمهم الصلاة والعقيدة الصحيحة، والتعاطف مع قضايا المسلمين في أرجاء الأرض، نعلم الناس كيف يحصنون أنفسهم وأولادهم ضد الزنا المنتشر، والمخدرات الشائعة، والسرقة، والرشوة التي أفسدت الدولة، نحن نصلح ولا نفسد، بخلاف رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون.(10/41)
حتى هذه الكلام الذي أطرحه عليكم أيها الأخوة والأخوات يجب ألا نخاف من تداوله، انشروه في كل مكان، أطبعوه ووزعوه في كل مكان، لكل شاب، يجب أن نعرف من الآن فصاعداً أدوارنا، لن ننتظر حتى تأتي الخلافة لتتوزع الأدوار، فنحن الذين نمهد للخلافة، ونحن الذين على أكتافنا ستقوم الدولة الإسلامية، وبدون صبر وتضحيات فبطن الأرض خير من ظاهرها.
ثامناً: يجب أن يكون لمشايخنا ودعاتنا معاونون من طلبة العلم، يساعدونهم في إعداد البرامج العلمية، والبرامج التربوية، ومتابعة الأنشطة بعد توقيف المساجد، يجب أن يكون التواصل بين المشايخ وهؤلاء المساعدين مستمراً بأية طريقة، لأن هؤلاء المساعدين هم همزة الوصل بين الدعاة وبين شباب الصحوة، ويجب أن نزيد من فعالة وسائل الاتصالات مثل: الإنترنت، والنقال، وغير ذلك، بل ولا نغفل الوسائل التقليدية مثل: الخطابات البريدية، والهاتف العادي ونحوه، لا تخافوا، لا تقولون مراقبون، خافوا رقابة الله أكثر يا شباب الصحوة، لو مكثنا نرمق ظلنا ما تحركنا.
تاسعاً: اجتهدوا في العبادة والدعاء، ليرى الناس نور الإيمان في وجوهكم، لترتوي الأرض من بركات أقدامكم التي تطأ ثراها، ليترطب هواء الأرض بنسيم زفراتكم التي تعطرت بلسان وفم ذاكر لاهج بثناء الله ودعائه، كونوا شامة بين الناس بتقواكم.
عاشراً: لا تهملوا أي إنسان في هذا العمل، استغلوا كل شخصية حتى لو ظننتم أنها لن تفيد ابحثوا لها عن فائدة، يجب أن يكون للأخوات دور كبير في هذا الجهاد الصامت السلمي، وكذلك الأطفال، وكذلك المعوقين، وكذلك كل نفس منفوسة آمنت بعظمة هذا الدين وبأهليته أن يقود البشرية إلى الأمان، وينهض بها من وهدتها، ويخرجها من ورطتها.
تلك عشرة كاملة، وأسأل الله - تعالى - أن ينفع بهذه الأفكار، وأن يكتب لها من ينشرها، ويحفز المشايخ والدعاة على التفاعل معها، فإنه لا حل في الأفق القريب بدون عمل، ولا عمل بدون عزيمة، ولا عزيمة بدون خطة، ولا خطة بدون بداية، ولا بداية بدون بسم الله الرحمن الرحيم، بها بدأنا وبها نختم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://saaid.net المصدر:
===============
أحكام زيارة المسجد النبوي
يوسف بن عبد الله الأحمد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن أحكام زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه تخفى على كثير من الناس، ويقع الكثيرون أثناء بقائهم في المدينة في جملة من المخالفات الشرعية؛ ولذا فقد حرصت هذه الرسالة على بيان الأحكام، والتنبيه على المخالفات، وفق ما ثبت عن النبي وأصحابه - رضي الله عنهم -، في عرض مرتب، وأسلوب سهل يناسب العامة.
فإليك هذه الأحكام:
1- يشرع السفر من أجل الصلاة في مسجد النبي في أي وقت؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام )[متفق عليه].
2- السفر من أجل الصلاة في مسجد النبي لا علاقة له بالحج؛ وعليه فليس من سنن الحج أو كماله زيارة المسجد النبوي قبل الحج أو بعده.
3- إذا وصل المسلم إلى المسجد استحب له ما يستحب عند دخول كل مسجد، وهو أن يقدم رجله اليمنى عند الدخول، ويقول: (بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك)، (أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم).
4- ثم يصلي ركعتين تحية المسجد.
5- وبعد الصلاة يستحب أن يذهب إلى قبر النبي وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ويسلم عليهم، فيقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا عمر، ثم ينصرف ولا يقفل، كما كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يفعل إذا قدم من سفر، فإن زاد شيئاً يسيراً من الدعاء لهم دون أن يلتزمه فلا بأس إن شاء - تعالى -.
6- ويستحب لمن كان بالمدينة أن يتطهر في بيته ثم يأتي مسجد قباء ويصلي فيه ركعتين؛ لقول النبي: ( من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه ركعتين كان له كأجر عمرة )[حديث صحيح أخرجه أحمد والنسائي وغيرهما].
7- ويستحب أن يزور مقبرة البقيع وقبور شهداء أحد؛ لأن النبي كان يزورهم ويدعو لهم؛ ولعموم قوله: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها )[أخرجه مسلم].
وكان النبي يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية )[أخرجه مسلم].
8- ومما يجب معرفته أن البناء على القبور من قباب وغيرها، أو بناء المساجد على القبور، أو دفن الموتى في المساجد؛ من أعظم المحرمات التي حذر منها النبي أشد التحذير في نصوص كثيرة منها:
أ- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)[متفق عليه].
ب- وعن عائشة أيضاً أن أم حبيبة وأم سلمة - رضي الله عنهما - ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله فقال: (إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة )[أخرجه مسلم].
ج- وعن جابر قال: (نهى رسول الله أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه)[أخرجه مسلم].
د- وعن أبي مرثد أن رسول الله قال: (لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها )[أخرجه مسلم].(10/42)
أما وجود قبر النبي في المسجد؛ فإن النبي لم يدفن في المسجد وإنما دفن في حجرة عائشة - رضي الله عنها -، وكانت حجرتها خارج المسجد، واستمر الأمر على ذلك إلى أن انقرض عصر الصحابة بالمدينة، ثم وسع المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك وأدخلت فيه الحجرة (انظر مجموعة فتاوى ابن تيمية 27/323)، وكان الواجب ألا تكون التوسعة من جهة قبر النبي، وإنما تكون من الجهات الثلاثة الأخرى، فيبقى القبر خارج المسجد، كما حصل في توسعة عمر وعثمان - رضي الله عنهما - للمسجد.
أخطاء وتبيهات:
1- يسافر كثير من الناس إلى المدينة بقصد زيارة قبر النبي وهذا العمل لا يجوز، والمشروع أن يقصد المسلم بسفره الصلاة في المسجد النبوي، لقوله: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)[متفق عليه].
2- زيارة قبر النبي وصاحبيه والبقيع وغيرها من القبور خاص بالرجال؛ أما النساء ليس لهن زيارة شيء من القبور؛ لقول النبي: (لعن الله زوّارات القبور)[حديث صحيح، أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة].
3- لا يجوز لأحد أن يتمسح بالمنبر ولا بالحجرة التي فيها قبر النبي وصاحبيه - رضي الله عنهما -، ولا أن يقبلها، أو يطوف بها؛ فإن هذا كله بدعة منكرة.
4- لا يجوز لأحد أن يسأل الرسول ولا غيره قضاء حاجة، أو تفريج كربة، أو شفاء مريض، أو أن يشفع له في الآخرة أو نحو ذلك؛ لأن هذا كله لا يطلب إلا من الله - سبحانه -، وطلبه من الأموات شرك بالله - تعالى -.
5- من الأعمال المبتدعة ما يفعله بعض الزوار من رفع الصوت عند قبره، وطول القيام، وتحري الدعاء عند قبره، وقد يستقبل القبر رافعاً يديه يدعو، وكذا ما يفعله بعض الناس من استقبال القبر من بعيد وتحريك شفتيه بالسلام أو الدعاء، أو زيارة القبر النبوي بعد كل صلاة، أو كلما دخل المسجد أو خرج منه؛ وهذا كله خلاف ما عليه السلف الصالح من أصحاب النبي وأتباعهم بإحسان، بل هو من البدع المحدثة.
6- سبق بيان ما يشرع زيارته لمن زار المدينة، وما عدا ذلك فلا يشرع؛ كالمساجد السبعة، ومسجد القبلتين وغيرها، وكذا الذهاب مع مَنْ يُسمّوْن (بالمزورين) لتلقينهم الأدعية.
ملحق مهم بما يجب على العبد معرفته:
أوجزه في المسائل الآتية:
أولاً: إن أعظم واجب على المسلم أن يعبد الله وحده لا شريك له قال - تعالى-: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ))[الذاريات: 56]، وقال - تعالى-: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ))[النحل: 36]، وقال - تعالى-: ((وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً ))[النساء: 36].
ومن صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله فقد وقع في الشرك قال - تعالى-: ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ))[النساء: 48]، وقال - تعالى-: ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ))[لقمان: 13].
والشرك قسمان:
القسم الأول: الشرك الأكبر وهو المخرج من الملة، ومن الأمثلة عليه:
1- دعاء غير الله؛ كأن يذهب إلى قبر نبي أو رجل صالح فيقول: اشفع لي، أو اشف مريضي ونحو ذلك.
2- الذبح لغير الله؛ كالذبح للجن والشياطين، أو للأنبياء والصالحين عند قبورهم.
3-الطواف حول القبور.
4- الحكم بغير ما أنزل الله (على التفصيل المذكور في كتب العقيدة).
5- تعليق التمائم على الرقبة، أو اليد، أو على الأطفال، أو في البيت أو السيارة، واعتقاد أنها تجلب النفع أو تدفع الضر.
6- السحر.
القسم الثاني: الشرك الأصغر، وهو إثم عظيم لكنه لا يخرج من الملة، ومن أنواعه:
1- الرياء، قال النبي: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر!! فسئل عنه؟ فقال: الرياء )[أخرجه أحمد وإسناده حسن].
2- الحلف بغير الله، مثل: والنبي، وحياتي، وأبي، وشرفي، فعن عمر بن الخطاب قال: قال الرسول: (من حلف بغير الله فقد كفر أو شرك)[حديث صحيح، أخرجه احمد وأبو داود وغيرهما].
3- قول ما شاء الله وشاء فلان؛ فعن حذيفة عن النبي قال: (لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان)[أخرجه أبو داود وغيره بسند صحيح]، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رجلاً قال للنبي: (ما شاء الله وشئت!! فقال: "أجعلتني لله نداً، بل ما شاء الله وحده" )[حديث صحيح، أخرجه أحمد وابن ماجة وغيرهما].
ثانياً: أن العبادة لا تصح إلا بثلاثة شروط:
1- الإسلام؛ فلا تصح العبادة من غير المسلم كاليهودي والنصراني وغيرهما.
2- الإخلاص؛ فمن أشرك في العبادة شركاً أكبر أو أصغر كالرياء فعبادته باطلة.
3- المتابعة للنبي؛ فمن زاد صلاة سادسة، أو صلى الظهر خمس ركعات؛ فعمله بدعة يأثم به، وصلاته باطلة ولو كان مخلصاً، أو قال: إن قصدي زيادة الأجر؛ لقول النبي: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )[أخرجه مسلم].
ثالثاً: أن جملة من المحاذير الشرعية قد انتشرت بين الناس اليوم فانتبه إليها أخي المسلم، واحذر من الوقوع فيها، ومن هذه المحاذير:
1- احذر تأخير الصلاة عن وقتها؛ فإنه من أعظم الكبائر في الإسلام.
2- احذر ترك الصلاة جماعة في المسجد وخصوصاً الفجر والعصر.
3- احذر الذهاب إلى السحرة والمشعوذين.
4- احذر التبرك بغير المشروع؛ كالتبرك بقبور الأنبياء والصالحين، أو بأستار الكعبة وبنائها.
5- احذر شرب الخمر، وتعاطي المخدرات.
6- احذر أخذ المال بالحرام؛ كالربا، والسرقة، والغش في البيع، وتطفيف الميزان.
7- احذر جريمة الزنا ومقدماتها من النظر إلى النساء، والاختلاط بهن.(10/43)
8- احذر عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم.
9- احذر مزالق اللسان كالكذب والغيبة والنميمة.
10- احذري - أيتها المسلمة - كشف شيء من العورة أمام الرجال الأجانب كالوجه، والشعر، واليدين، والرجلين، أو تتركي لبس العباءة، فعليك بارتداء الحجاب الساتر لجميع البدن.
هذا وآخر الرسالة والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://www.kalemat.org المصدر:
=============
عمار المساجد
عبد القيوم السحيباني
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء، وسيد المرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
في الحديث: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله - فذكر منهم - رجل قلبه معلق بالمساجد ).
لما آثر طاعة الله - تعالى -، وغلب عليه حبه، صار قلبه معلقاً بالمساجد، ملتفتاً إليها يحبها ويألفها، لأنه يجد فيها حلاوة القربة، ولذة العبادة، وأنس الطاعة، ينشرح فيها صدره، وتطيب نفسه، وتقرّ عينه، فهو لا يحب الخروج منها، وإذا خرج تعلق قلبه بها حتى يعود إليها، وهذا إنما يحصل لمن ملك نفسه وقادها إلى طاعة الله - جل وعلا - فانقادت له، فلا يقصر نفسه على محبة بقاع العبادة إلا من خالف هواه، وقدم عليه محبة مولاه جل في علاه.
أما من غلبته نفسه الأمّارة بالسوء فقلبه معلق بالجلوس في الطرقات، والمشي في الأسواق، محب لمواضع اللهو واللعب، وأماكن التجارة واكتساب الأموال.
فضل المساجد:
إن المساجد بيوت الله - جل وعلا -، وهي خير بقاع الأرض، وأحب البلاد إلى الله - تعالى-، أضافها إلى نفسه تشريفاً لها، تعلقت بها قلوب المحبين لله - عز وجل - لنسبتها إلى محبوبهم، وانقطعت إلى ملازمتها لإظهار ذكره فيها، فأين يذهب المحبون عن بيوت مولاهم؟! قلوب المحبين ببيوت محبوبهم متعلقة، وأقدام العابدين إلى بيون معبودهم مترددة، تلك: ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ))(36) ((رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ))[النور: 36-38].
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).
فضل التبكير إلى الصلاة:
كم في المبادرة والتبكير إلى صلاة الجماعة في المسجد من الأجر العظيم فمن ذلك:
1 - أن الجالس قبل الصلاة في المسجد انتظاراً لتلك الصلاة هو في صلاة - أي له ثوابها - مادامت الصلاة تحبسه، ففي الصحيحين عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه لما أخر صلاة العشاء الآخرة ثم خرج فصلّى بهم، قال لهم: (إنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة)، وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال: (ولا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة).
2 - أن الملائكة تدعوا له ما دام في انتظار الصلاة ففي الحديث: (ومن ينتظر الصلاة صلّت عليه الملائكة ،وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له وارحمه)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه).
قوله {مصلاه}: المراد به موضع الصلاة التي صلاها في المسجد دون البيت كما يدل عليه آخر الحديث.
أما المرأة فقال أهل العلم: (لو صلت في مسجد بيتها، وجلست فيه تنتظر الصلاة فهي داخلة في هذا المعنى إذا كان يحبسها عن قيامها لأشغالها انتظار الصلاة).
3 - أن المبكر يتمكن من أداء السنة الراتبة - في صلاتي الفجر والظهر - ويصلي نافلة في غيرهما، ففي الصحيحين عن عبدالله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (بين كل أذانين صلاة، قالها ثلاثاً قال في الثالثة: لمن شاء).
4 - أن المبكر للصلاة يمكنه استغلال ذلك الوقت لقراءة القرآن، فقد لا يتيسر له ذلك في أوقات آخر.
5 - أن هذا الوقت من مواطن إجابة ففي الحديث عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة فادعوا ).
6 - أنه يدرك الصف الأول، ويصلي قريباً من الإمام، عن يمينه في الحديث: (إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول).
7 - أنه يدرك التكبيرة الأولى مع الإمام، والتأمين معه، ويحصل له فضل صلاة الجماعة.
فضل البقاء في المسجد انتظاراً للصلاة الأخرى:
في جلوس المرء في المسجد بعد الصلاة انتظاراً لصلاة أخرى فضل عظيم وأجر كبير، فمن ذلك:
1 - أنه في صلاة لما سبق في الحديث: (لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة).(10/44)
2 - وهو من نوع الرباط في سبيل الله للحديث: (وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)[أخرجه مسلم]، قال ابن رجب: (وهذا أفضل من الجلوس قبل الصلاة لانتظارها، فإن الجالس لانتظار الصلاة ليؤديها ثم يذهب تقصر مدة انتظاره، بخلاف من صلى صلاة ثم جلس ينتظر أخرى فإن مدته تطول، فإن كان كلما صلّى صلاة جلس ينتظر ما بعدها استغرق عمره بالطاعة، وكان ذلك بمنزلة الرباط في سبيل الله - عز وجل -).
3 - أنه تصلي عليه الملائكة فعن أبي هريرة قال: "مُنتظر الصلاة من بعد الصلاة كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحة، تصلي عليه ملائكة الله ما لم يحدث أو يقوم، وهو في الرباط الأكبر".
4 - أنه سبب لتكفير السيئات، ورفع الدرجات ففي الحديث: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟) فذكر منها: (وانتظار الصلاة بعد الصلاة)[أخرجه مسلم]، وفي الحديث: (الكفارات: مشي الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء في المكروهات).
قال ابن رجب: يدخل في قوله: {والجلوس في المساجد بعد الصلوات} الجلوس للذكر، والقراءة، وسماع العلم وتعليمه ونحو ذلك، لا سيما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، فإن النصوص قد وردت بفضل ذلك، وهو شبيه بمن جلس ينتظر صلاة أخرى لأنه قد قضى ما جاء المسجد لأجله من الصلاة، وجلس ينتظر طاعة أخرى. أ. هـ.
عن علي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من صلّى الفجر ثم جلس في مصلاه صلت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ).
قال ابن رجب - رحمه الله -: (وإنما كان ملازمة المسجد مكفراً للذنوب لأنه فيه مجاهدة النفس، وكفاً لها عن أهوائها، فإنها تميل إلى الانتشار في الأرض لابتغاء الكسب، أو لمجالسة الناس ومحادثتهم، أو للتنزه في الدور الأنيقة، والمساكن الحسنة، ومواطن النزه ونحو ذلك، فمن حبس نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابط لها في سبيل الله، مخالف لهواها، وذلك من أفضل أنواع الصبر والجهاد).
وهذا الجنس - أعني ما يؤلم النفس، ويخالف هواها - فيه كفارة للذنوب، وإن كان لا صنع فيه للعبد كالمرض ونحوه، فكيف بما كان حاصلاً عن فعل العبد واختياره إذا قصد به التقرب إلى الله - عز وجل -؟! فإن هذا من نوع الجهاد في سبيل الله الذي يقتضي تكفير الذنوب كلها. أ. هـ.
السلف وعمارة المساجد:
1 - قال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة، وكان من أحسن الناس صلاة.
2 - كان زياد مولى ابن عباس - أحد العباد الصالحين - يلازم مسجد المدينة، فسمعوه يوماً يعاتب نفسه ويقول لها: أين تريدين أن تذهبي! إلى أحسن من هذا المسجد!! تريدين أن تبصري دار فلان، ودار فلان.
3 - قال سعيد بن المسيب: (ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد).
4 - قال ربيعة بن يزيد: (ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد، إلا أن أكون مريضاً أو مسافراً).
5 - قال يحيى بن معين: (لم يفت الزوال في المسجد يحيى بن سعيد أربعين سنة).
الجوار المبارك:
في الحديث: (إن الله لينادي يوم القيامة: أين جيراني، أين جيراني؟ فتقول الملائكة: ربنا! ومن ينبغي أن يجاورك؟ فيقول: أين عمّار المساجد ).
اللهم اجعلنا من عمار المساجد، المحافظين على الصلاة فيها، وارزقنا اللهم الإخلاص في القول والعمل، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
http://www.kalemat.org المصدر:
============
طيب المساجد وزينة الصلاة
محمد بن صالح الخزيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن المساجد أماكن يشع فيها نور النبوة، ويلتئم فيها صف الأمة، منزهة عن كل لغو ودنس، ومحفوظة من كل ضرر، ملكها بين المسلمين مشاع، وحقها عليهم المحبة والإكرام، وعمارتها بصالح الأعمال: (( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ ))[التوبة: 18]، والمساجد من أحب البلاد إلى الله، وأشرفها منزلة، من أحبَّها لأجل الله كان حبه لها دين وعبادة، وربح وزيادة، ومن تعلق قلبه بها أظله الله تحت عرشه يوم القيامة، صيانتها عن الأدناس قربة، وتنظيفها طاعة، وتطييبها عبادة، أرأيت حال الرسول عندما رأى نخامة في جدار المسجد تغير وجهه، منكراً ذلك الفعل، وآمراً بإزالته، ومن عظيم فضل العناية بالمسجد أن جارية دخلت الجنة بسبب كنسها له.
أخي المسلم:
الآن عرفت منزلة المسجد ومكانته في الإسلام، بشيء من الإيجاز والاختصار، غير أن واقع كثير من المساجد الآن تشكو حالها، وتبكي مآلها، لقلة وعي أكثر أهلها بأحكامها وآدابها، فهذا يرتادها بلباس نومه، وذاك بثوب حرفته، وآخر ببنطال كرته، ورابع بكريه رائحته، وخامس بسوء فعله، كل هذا يدل على عدم الاحترام والتقدير للمسجد وللمصلين ففي الحديث: ((من أكل الثوم والبصل فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ))[رواه البخاري ومسلم]، فأربأ بنفسك عن أذية إخوانك المصلين وملائكة الله المقربين.(10/45)
أخي المصلي: اعلم أن حسن المظهر، وجميل الملبس، وطيب الرائحة؛ مطالب إسلامية رغب الشارع فيها عند أداء الصلاة، وعند حضور الجمع والجماعات ((يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ))[الأعراف: 31]، أيضاً أفرأيت لِما شُرع السواك عند الصلاة؟ لأنه مطهرة للفم، ومرضاة للرب، إذاً يجدر بالمؤمن أن يصرف شيئاً من زينته لله - سبحانه وتعالى - وذلك عند الوقوف بين يديه فيأتي إلى عبادة ربه على أحسن حال.
وقدوتنا في ذلك نبينا محمد بن عبد الله حيث كان يلبس أحسن لباس، ويتعطر بأزكى رائحة، بل كان عبق طيبة يفوح في طريقه، وقد أخذ بهذا المبدأ خير القرون من بعده فنهجوا نهجه، وسلكوا هديه، فعظموا الدين فأعلى الله شأنهم، وأبقى ذكرهم، فلنا مع أولئك الرجال الأفذاذ وقفات لمعرفة واقع المساجد في نفوسهم، ومكانة الصلاة في قلوبهم، لنقيس حالنا بحالهم، فنلتزم نهجهم، ونحذر مخالفتهم، فقد قيل:
نعيب زماننا والعيبُ فينا *** وما لزماننا عيبٌ سوانا
فأهدي هذه الوقفات لأهل القلوب الحية، والنفوس الزكية، والأذان الصاغية؛ للإحتذاء والإقتداء والإهتداء، والله المستعان، وعليه التكلان.
الوقفة الأولى: منزلة الطيب عند رسول الله:
الطيب من كل شيء هو مختار الله - سبحانه وتعالى- لهذا فطر الناس عليه، وجمع أطيب الأشياء لنبيه، فله من الأخلاق والأعمال أطيبها وأزكاها، ومن المطاعم أطيبها وأزكاها، ومن الروائح أطيبها وأزكاها، لذا كان من أخلاقه التطيب، يحبه ويكثر منه، بل هو إحدى محبوباته الدنيوية ففي الحديث: (حُبب إلي من الدنيا النساء والطيب، وجُعلت قُرة عيني في الصلاة )[رواه أحمد وصححه الألباني].
ومن خصائصه: طيب الرائحة، فجسمه يفوح طيب فعن أنس بن مالك قال: (ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً ولا شيئاً أطيب من ريح الرسول )[رواه مسلم]، بل إذا وضع يده على رأس الصبي عرف أهله أنه قد مس ابنهم لطيب رائحة الصبي، ومع هذه الرائحة العطرة فقد كان الرسول يكثر ويبالغ في استعمال الطيب حتى أنك لتجد لمعان المسك في مفرق رأسه، ولربما استمر الطيب في رأسه أياماً لكثرته.
وكان يُعرف بطيب رائحته إذا أقبل أو أدبر، فمن كانت هذه صفته فهو أبعد الناس عن الرائحة الكريهة، بل إنه ترك كثيراً من المباحات كالثوم، والبصل، والكراث، ونحوها لرائحتها الكريهة فهو طيب لا يقبل إلا الطيب.
فهذه صورة مشرقة، وأدب رفيع، وحقيقة ثابتة؛ نسوقها إلى كل مسلم ليرتفع في سلوكه وأدبه إلى مصاف النفوس السليمة، مجانباً كل خلق قد يؤدي إلى أذية المسلمين عامة، والمصلين خاصة.
الوقفة الثانية: طيب المساجد:
أخي المصلي: اعلم أنه كلما شرف المكان وطاب كلما كان أولى أن يُشرف ويحترم، ولما كان الطيب والبخور من علامات الإكرام والتشريف كان حريّاً أن نجدها في أماكن العبادة، فهي أولى بالشذا، وأحرى بالندى، وكيف لا، والمسلم مأمور بأن يأخذ زينته عند كل مسجد ((يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ))[الأعراف: 31].
فالمساجد أماكن عامة، تؤدى فيها أعظم عبادة، فهي بحاجة إلى كل عناية ورعاية، لتؤدي النفس عبادتها وهي مقبلة بخشوع وطمأنينة.
أرأيت آكل الثوم والبصل لما آذى المصلين برائحته أمره الشارع بالخروج من المسجد تعزيراً له، إذاً; طلب الرائحة الطيبة للمسجد مطلب رفيع، وغاية مقصودة في دين الإسلام فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (أمر رسول ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب)[رواه الخمسة إلا النسائي ورجاله ثقات]، والدور: هي الأحياء، وعند ابن ماجة (واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجمّروها في الجُمع ) المطاهر: محال الوضوء، والتجمير: هو التبخر لها.
وتطييب المساجد عام لكل أحد من إمام ومؤذن وغيرهما، وإن أُوكل الأمر لأحد كان أفضل وأكمل، والتطيب يكون بعود البخور أو الندى وغيرهما مما هو مستحسن عُرفاً، وسواء كان مما يتبخر به، أو يرش رشاً، أو غيرهما؛ فالمقصود هو جلب الرائحة الزكية، وهذه الخصلة غابت عن الكثير من المصلين وبعض الأئمة والمؤذنين، مع أنها قربة وعبادة وطاعة وامتثال، ويتأكد تطييب المساجد يوم الجمعة لما سبق، ولأن عمر كان يطيب مسجد الرسول كل جمعة قبل الصلاة، كما أن عبد الله بن الزبير كان يبخر الكعبة في كل يوم، ويضاعف الطيب يوم الجمعة، وسار على هذه السنة السلف والخلف، حتى أن معاوية أجرى وظيفة الطيب للكعبة عند كل صلاة، وقالت عائشة - رضي الله عنها -: (لأن أُطيّب الكعبة أحب إليّ من أن أُهدي لها ذهباً وفضة)، هكذا كانت المساجد الإسلامية محل عناية ورعاية وتطهير وتطييب، حتى اختلت الموازين، وتقلبت المفاهيم، فنتج عنه قلة الوعي بأحكام المساجد عند كثير من المصلين.
الوقفة الثالثة: الواجب على إمام المسجد ومؤذّنه:
إلى كل إمام ومؤذنه وقيّمه: لقد عرفتم عظم شأن المسجد ومكانته في الإسلام، فأنتم رعاة بيوت الله، حقها عليكم العناية والرعاية بصيانتها، وحمايتها من كل ما يشينها ويدنسها، ويفرق جماعتها، فمن كان على هذه الحال فهو خير وأفضل، ولا تحقروا من المعروف شيئاً، وإياكم والتخذيل عن القيام بمثل هذا العمل، فشتان بين إمام لم يأبه بمسجده، وبين أمام همه مسجده تطييباً وتأليفاً ورعاية.
وليعلم الجميع أن جلب الرائحة الزكية للمسجد تزيل كثيراً مما قد يعتريه من روائح، وتجلب السرور للمصلين، لأن من فوائد الطيب أنه يفرح القلب، ويغذي الروح، وكم هو جميل ما صنعه أهل ذلكم المسجد باتفاقهم على مقدار معين من المال في كل شهر ينفق منه على المسجد صيانة، ونظافة، وتطييباً، فأخلف الله عليهم، وبارك لهم.(10/46)
الوقفة الرابعة: حكم وضع مباخر العود في قبلة الصلاة:
قد يعتري بعض المصلين الحرج عند وضع مباخر العود في قبلة المصلين بحجة وضع الجمر فيها وذلك أثناء تطييب المسجد، وقد أجاب على هذا الإشكال شيخنا محمد بن عثيمين - رحمه الله - فقال: "لا حرج في ذلك، ولا يدخل هذا فيما ذكره بعض الفقهاء في كراهة استقبال النار، فإن الذين قالوا بكراهية استقبال النار علّلوا هذا بأنه يشبه المجوس في عبادتهم للنيران، فالمجوس لا يعبدون النار على هذا الوجه، وعلى هذا فلا حرج من وضع حامل البخور أمام المصلين، ولا من وضع الدفايات الكهربائية أمام المصلين أيضاً، لا سيما إذا كانت أمام المأمومين وحدهم دون الإمام).
الوقفة الخامسة: صور من تطيب السلف للصلاة وعند ارتياد المساجد:
إن سلفنا الصالح قد استنار بسيرة المصطفى فسار على دربه، واهتدى بهديه، فمن ذلك خصلة - الطيب والتطيب -، حتى أن بعضهم صار يعرف بالرائحة الزكية في ذهابه وإيابه لتزينه بأطيب الطيب حينما يقصد الصلاة والمسجد.
نتناول شيئاً من حالهم في هذا الأدب الرفيع لمن أراد أن يرتقي إلى مصافهم، ولإيقاظ الهمم، ودفع العزائم نحو ذلك، فمن حالهم:
1- ما كان من سلمة أنه إذا توضأ أخذ المسك فمسح به وجهه ويديه.
2- وكان عبد الله بن مسعود يعرف بريح الطيب، وكان يعجبه إذا قام إلى الصلاة (الريح الطيبة، والثياب النقية).
3- أما عبد الله بن عباس فقد كان إذا خرج إلى المسجد عرف أهل الطريق أنه مر من طيب ريحه.
4- كان عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - يتطيب للجمعة والعيدين، وكان يأمر بثيابه أن تجمر كل جمعة.
5- وعُرف عثمان بن عروة بن الزبير بكثرة وضع الغالية، كما وكان حين يقوم من مصلاه يأتي الناس إلى مكانه ويسْلُتون الغالية من على الحصباء مما أصابها من لحيته.
6- قال عثمان بن عبيد الله: (رأيت ابن عمر، وأبا هريرة، وأبا قتادة، وأبا أسيد الساعدي يمرون علينا ونحن في الكُتّاب فنجد منهم ريح العبير وهو الخلوق)[مصنف بن أبي شيبة (2/305)والآداب الكبرى (3/529) وموطأ مالك]، هكذا كانت مكانة الصلاة والمساجد عند سلفنا الأفذاذ لمعرفتهم حق المعرفة عظم تلك العبادة، ولمعرفتهم أيضاً بين يدي من سيقفون - فرحمهم الله - رحمة واسعة.
الوقفة السادسة: الصلاة وزينة اللباس:
لما كانت الصلاة عبادة ربانية، وصلة بين العبد وربه، يلتقي فيها العبد مع معبوده، والحبيب مع محبوبه، ولما كان من تعظيم الله - سبحانه وتعالى- تعظيم الصلاة، تأكد التزين لها بالملبس والتطيب وغيرهما قال - تعالى -: ((يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ))[الأعراف: 31].
وعلى هذا الطريق سار صالح الأمة صغارهم وكبارهم، فلا ترى في سيرهم إلا كل حسن وجميل، وقد استمر هذا الأمر حتى خفت بعض العقول، وتأثرت بعض النفوس بقبيح المنقول مما قد يشاهد ويسمع، فغلب الجهل، وقلّ الفهم، ونسي البعض حقيقة الأمر، فتجد من الصغار من تأثر بالكبار فجاء إلى المسجد على أسوأ حال في هيئته ورائحته، متأثراً بمن حوله كأبيه وأخيه في عدم الاهتمام بشأن الصلاة والمصلين.
فإلى هؤلاء الفئة نسوق جانباً من آداب صالح الأمة وفق هدي المصطفى، معتبرين بحالهم، حتى يعلو شأن المسجد في النفوس، ويعظم أمر الصلاة في القلوب، وترتقي جماعة المصلين إلى معالي الأمور فمن ذلك:
1- أن التجمل من محبوبات الله - سبحانه وتعالى- فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول: (إن الله جميل يحب الجمال)[رواه مسلم]، وآكد الجمال ما كان عند مناجاة الله - سبحانه وتعالى -.
2- التبذل ورثاثة الملبس ليست من الإسلام، فقد رأى الرسول رجلاً عليه ثياب وسخة فقال: (أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه؟ )[رواه أبو داوود وصححه الألباني]، لأن وسخ الثوب وكريه الرائحة ينفر الناس عنه، فمن كان على هذه الحال فقد آذى المصلين ونفرهم عنه، فهل يعي أصحاب المهن، وأهل الثياب الرثة هذا الأدب الرفيع؟
3- اختيار أحسن الثياب لصلاة الجمعة والعيدين ففي الحديث: (من اغتسل يوم الجمعة، ومس من طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد، ثم يركع ما بدا له، ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينهما)[رواه أحمد وصححه الألباني]، ولقصة عمر عندما عرض على الرسول حُلّة من حرير ليتجمل بها للجمعة، ويستقبل بها الوفود، هكذا يحرص الإسلام على انتشال المرء من كل ما يشينه، فيضفي عليه ما يزينه، ويحببه إلى الآخرين، زارعاً المحبة والألفة بين أبناء المجتمع الإسلامي.
4- كان عبد الله بن عمر من أطيب الناس ريحاً، وأنقاهم ثوباً أبيض، هذه حال ابن عمر وكثير من الصحابة في مساجدهم وعند صلاتهم.
5- وكان تميم الداري قد اشترى حُلة بألف درهم ليصلي بها ممتثلاً قوله - تعالى -: ((خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ))[الأعراف: 31].
6- قال أبو العالية - رضي الله عنه -: (كان المسلمون إذا تزاوروا تجملوا)، إذا كانت هذه حالهم عند التزاور فيما بينهم، فهم عند الصلاة أجمل وأبلغ لعظم حق الله.
7- قال الشافعي - رحمه الله -: (أُحب الغسل، والطيب، والنظافة للجمعة والعيدين، وكل مجتمع تجتمع فيه الناس)، فهل هناك أعظم من الاجتماع للصلاة؟ حيث إجابة نداء الحق، ويروى أن الإمام أحمد - رحمه الله - من أنقى الناس ثوباً، وأشدهم تعاهداً لنفسه وثوبه.(10/47)
8- سئل إبراهيم النخعي - رحمه الله - ما ألبس من الثياب؟ فقال: (ما لا يشهرك عند الناس، ولا يحقرك عند السفهاء)، إن من دخل المسجد بلباس نومه، أو بلباس صنعته هل ترى سيلقى الاحترام والتوقير، بل أنه عرض نفسه للنبز والإغتياب، فرحم الله إمرءاً كف نفسه عن الاغتياب.
9- أخيراً سوف أسوق لك حال الإمام مالك عند جلوسه لدرس الحديث، وهي حال كثير من العلماء، (كان - رحمه الله - يتهيأ ويلبس ثيابه وتاجه، وعمامته، ثم يُطرق برأسه فلا يتنخم، ولا يبزق، ولا يعبث بشيء من لحيته حتى يفرغ من القراءة إعظاماً لحديث رسول الله ).
الله أكبر هذه حاله مع حديث الرسول، فكيف عند قرائته للقرآن؟ وكيف عند وقوفه بين يدي الرجمن في الصلاة والقيام؟
أخي المسلم: بعد هذا كله أظنك عرفت شأن المسجد، وأهمية الصلاة عند أولئك الأفذاذ، فهل لنا أن نقتفي أثرهم، ونترسم خطاهم لغرس شأن المساجد والصلاة في نفوس أبنائنا؟ أم نترك الحبل على الغارب لأبنائنا، فتقلبهم المؤثرات، وتعصف بهم التيارات المختلفة؟ مما يجعلهم في عزلة عن مبادئهم، وأخلاقهم، وآدابهم، فيكونوا عبء على أمتهم ومجتمعهم!!
الوقفة الأخيرة: مع أهل النفوس السليمة والعقول المستقيمة:
إن إحياء أهمية الصلاة ومكانة المسجد لدى الناس مسؤولية الجميع، لا يمكن أن تغرس في النفوس إلا بتظافر جهود المخلصين من مربين ومعلمين، ودعاة ومحتسبين، ويأتي هذا عبر الكلمة الصادقة، والتوجيه السديد، والقصة المؤثرة، أما الحوافز المادية مع الصغار فذات أثر عجيب.
وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه
النفس كالطفل إن تتركه شب على *** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
أخيراً: أقول كن خير هاد وداعية، واعلم أن من دل على خير كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، فصلاح الأمة يكون بجهود رجالها العاملين المخلصين.
والله أسأل أن يهدينا إلى أحسن الأخلاق والأعمال، وأن يجنبنا سيئها إنه أهل الجود والإكرام.
وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه أجمعين.
http://www.kalemat.org المصدر:
==============
رسالة المسجد في التعامل مع قضايا الشباب
د. سالم محمود عبد الجليل
للمسجد مكانة خاصة في حياة المسلمين، فإنه ليس ديراً لرهبنة، ولا زاوية للمتعطلين، ولا تكية للدراويش، وليس في الإسلام رهبنة ولا دروشة... وعندما وجد عمر - رضي الله عنه - جماعة في المسجد تلبثوا بعد صلاة الجمعة بدعوى التوكل على الله علاهم بالدرة، وقال كلمته الشهيرة: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، إن الله يقول: ((فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ))(1).
ولما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة مرّ بقباء، واستراح عدة أيام، وفي أثناء تلك الأيام أنشأ أول مسجد في الإسلام؛ إنه مسجد قباء، فبدلاً من أن يستريح من عناء السفر الطويل الشاق، ومن الرحلة الرهيبة التي كان يتربص الأعداء به وبصاحبه بالطريق المعهود ليفتكوا بهما، فسلك طرقاً وعرة غير معهودة، أقول بدلاً من أن يستريح شرع في بناء المسجد ليبين للجميع أن للمسجد مكانة خاصة، وهو أول ما ينبغي أن يهتم به أولوا الأمر في أي بلد.
وليبين للجميع أهمية المسجد فهو مركز الإشعاع الذي يشع نور الحياة وروحها في المكان والحي الذي يكون فيه.
وإلى هذا المسجد الذي أسسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشير ربنا - سبحانه - بقوله: (( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطّهرين ))(2).
وما أن وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة المنورة إلا وبدأ هو وأصحابه الكرام في بناء المسجد النبوي الشريف، ولأهمية إقامة المسجد لم ينتظر - صلى الله عليه وسلم - حتى يستريح بل بدأ به مباشرة، وحث أصحابه على البناء، وأخذ يحمل بنفسه مواد البناء حتى شيد مسجده الشريف من الطوب اللبن، ثم سقفه بسعف النخل، لم يكن يهتم - صلى الله عليه وسلم - بفرشه إذ لم تكن الحالة تساعد على فرشه بالفرش الفاخرة، ولم يهتم لبنائه بأعمدة الرخام، كلا لم يكن هذا هو المقصود أبداً إنما المقصود: المعنى الذي يقوم به المسجد بغض النظر عن مكوناته.
وفي هذا المسجد المتواضع ربَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، فخرج منهم الخلفاء، والأمراء، والقادة؛ الذين ملأوا الدنيا عدلاً بعد أن كانت قد ملئت ظلماً، ونشروا النور بعد أن عم الظلام.
وما كان المسجد في فجر الإسلام إلا:
- جامعة شعبية للتثقيف والتهذيب، يلتقي فيه كل أبناء الشعب بجميع فئاتهم وطبقاتهم من غير رسم أو قيد، يأتونه صيفاً وشتاءً، ليلاً ونهاراً، فعلى الإمام أن يجعل من مسجده جامعة يعلم فيها العقائد والأخلاق، وفرائض العبادات، ومحاسن الآداب، وطرائق المعاملات.
ولو التزم كل إمام بالجدول الذي يعلق في لوحة الإعلانات بمسجده، وأعد دروسه إعداداً جيداً، وأداه على الوجه الذي يرضى الله - سبحانه وتعالى- لأصبحت مساجدنا فعلاً جامعات تعليمية على مستوى عال جداً.
- وبرلماناً محلياً للتشاور والتفاهم، يلتقي فيه المسلمون فيتعارفون ولا يتناكرون، ويتحابون فلا يتباغضون.
ولقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين على عقد أنكحتهم في المساجد إحياء لهذا المعنى، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ( أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدف )(3).
وهنا يبرز دور الإمام الذي يجب عليه أن يستغل المناسبة، فيُعلِّم الحاضرين آداب الزفاف، ونظام الإسلام في الزواج... وهكذا.(10/48)
- ومعهداً للتربية العلمية والعملية؛ لأن المسجد هو المكان الوحيد الذي تتاح فيه التربية على المبادئ الكبرى كالحرية، والإخاء... وهى شعارات ترفعها أنظمة كثيرة لكنها في المسجد يربى عليها المسلمون عملياً.
- فالإمام في الصلاة ليس معصوماً، وإن أخطأ صوب له المأموم خطأه.
- والإمام على المنبر ليس معصوماً، فإن أخطأ صوب له المأموم خطأه، ولقد صوبت امرأة خطأ عمر.
والناس في المسجد سواسية يجلس فيه كل واحد من المسلمين بسبقه فقط وليس بوظيفته أو رتبته، فلربما سبق حارس العقار فجلس أمام صاحب العقار، ولربما سبق المرؤوس فجلس أمام الرئيس.
أو ربما جلس أحدهما بجوار الآخر، ويقفون في الصف متراصين، الأقدام في الأقدام، والأكتاف في الأكتاف، لا عبرة بوظيفة، ولا منصب، أو سلطان.
فأين يتعلم الناس المساواة كما يتعلمونها في المسجد؟
ودور الإمام أن يبرز هذه المعاني..
وفي المسجد يشعر الناس بالإخاء الإيماني العميق، وتصفوا نفوسهم فلا غل، ولا حقد، ولا شحناء، ولا ضغينة.
ويظل المسجد دار من لا دار له، وسند من لا سند له، وعون من لا عائل له، فأهل الصفة كانوا بمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكلون من فضل الله.
ولو تحققت رسالة المسجد لاستطعنا أن نصبغ الدنيا بصبغة الإسلام عملاً وليس قولاً فقط.
لقد كان المسجد مركزاً للقيادة العامة لقوات الجيش، توضع فيه الخطط الحربية، ويرشح فيه قادة الجهاد وولاة الأمور، وتقسم فيه الغنائم، وتنظر فيه قضايا الأمة، وعلى الرغم من أن حاجات الأمم قد زادت وقضاياهم قد كثرت مما حملهم على إنشاء دور للقضاء، ومكان للبرلمان، ومراكز للقيادة، وأماكن للتعليم، ودور للتثقيف، إلا أن المسجد سيظل وإلى الأبد المكان الذي يلتقي فيه كل المسلمين حكاماً ومحكومين، قضاة ومتخاصمين، عسكريين ومدنيين، أغنياء وفقراء، وسيجد كل هؤلاء حاجتهم في بيوت الله؛ من تعميق صلتهم بربهم، ومعرفة ما يريده الله - تعالى - منهم، فينطلقون من المسجد وقد شحذت هممهم لعمل الخير، والدفاع عن الفضيلة، ومحاربة الرذيلة، وقد تربوا على إقامة العدل، ورد المظالم، وإتقان العمل، والقيام بالواجب، وصدق من قال: إن الإسلام لا يعلمنا كيف نستخرج البترول من الأرض، ولا كيف نستفيد من مشتقاته، لكنه يصنع الرجال.
أقول: نعم، يصنع الرجال الأمناء الأوفياء، المخلصين المتقنين لأعمالهم، ويبعث بهم في كل ميدان، فإذا منهم المهندس الناجح، والطبيب الصالح، والإمام العادل، والقاضي الذي يتحرى الحق.
وإذا ما تساءلنا عن مصنع الأقلام عرفنا مكانه، وكل آلة لها مصنعها، لكن إن قلنا: أين يصنع الرجال ذوو الأخلاق الحسنة، وأصحاب القيم النبيلة، وأصحاب المواهب الفذة؟
لن يكون الجواب محل خلاف بل هو محل اتفاق بين الجميع، إنهم يصنعون في المساجد، والمساجد وحدها هي الأقدر على صنع الرجال، فأين صنع أبو بكر، وأين صنع عمر، وأين صنع عثمان، وأين صنع على، وآلاف الأصحاب صنعهم المسجد.
نعم، كلهم تخرجوا من المساجد، وعليها كانوا يترددون خمس مرات في كل يوم وليلة، فتزداد صلتهم بربهم، وتقوى همتهم لعمل الخير.
المسجد والشباب:
المسجد لجميع المسلمين في مختلف الأعمار، يجد فيه الصغير بغيته، ويجد فيه الكبير حاجته، ومسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يؤمه الكبير والصغير، والشيخ والشاب، أمّه أبو بكر (الشيخ) كما أمه أسامة (الشاب)، وما زال يتربى أسامة في المسجد حتى قاد جيشاً فيه أبو بكر، وأمّه عمر وكان بجواره ابنه عبد الله بن عمر، وشباب المسلمين الذين كانوا قادة عظاماً تربوا في المسجد من أمثال عليٍّ ومعاذ وابن عباس، ولقد كان يخصهم رسول الله بالحديث، ومما يحفظ عنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء )(4).
كان يحثهم - صلى الله عليه وسلم - على استغلال فترة الشباب، ويبين لهم أنهم عنها سيسألون، فعن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم؟)(5).
وفي المسجد كان الشباب يقيمون الليل يتدارسون القرآن ويصلون، وفي النهار يحتطبون حتى إذا دعا داع الجهاد لبوا، فعن أنس بن مالك قال: (كان شباب من الأنصار سبعين رجلاً يقال لهم "القراء" قال: كانوا يكونون في المسجد، فإذا أمسوا انتحوا ناحية من المدينة فيتدارسون ويصلون، يحسب أهلوهم أنهم في المسجد، ويحسب أهل المسجد أنهم في أهليهم، حتى إذا كانوا في وجه الصبح استعذبوا من الماء، واحتطبوا من الحطب، فجاءوا به، فأسندوه إلى حجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبعثهم النبي - صلى الله عليه وسلم - جميعاً فأصيبوا يوم بئر معونة، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - على قتلتهم خمسة عشر يوماً في صلاة الغداة)(6).
وما أحوجنا في أيامنا هذه أن نفتح مساجدنا أمام شبابنا فنربيهم كما تربى الجيل الأول على مبادئ الإسلام، وتعاليم القرآن، ونشغل فراغهم في الخير، ونطوع جهودهم لخدمة الإسلام والمسلمين، إن الشباب طاقة خلاقة إن لم تستغل في الخير استغلها الشيطان في الشر، وإن الفراغ الذي يحياه شبابنا خاصة في الإجازات الصيفية إن لم يملأ في طاعة ملأه الشيطان في المعصية، وما لم نخلق للشاب مجتمعاً نظيفاً في المسجد خلق له الشيطان مجتمعاً آخر يُعبَد فيه الشيطان من دون الله.
المسجد ودوره في حماية الشباب من الانحراف:
الانحراف له صور كثيرة، أهم صورتين من صوره هما:(10/49)
الانحراف الفكري: وهو نتيجة حتمية للجهل بأمور الدين وتعاليمه، والمسجد هو المكان المهيأ بالفعل والقادر على تعليم الشباب أمور دينه دون غلو أو تطرف، وحمايته من أي انحراف فكرى، ودفع الشبهات التي تضعف انتمائه للدين، وذلك بعمل برنامج تثقيفي يتناسب والشباب خاصة في فترة الصيف، ويمكن استمراره فترة الشتاء، وقد أنشأنا بالفعل فترة إمامتنا لمسجد قاهر التتار نادياً للشباب، يأتي فيه الشاب من العصر إلى العشاء، يدرس فيه، ويتحاور حول جميع القضايا التي تهمه وتشغله، ويمكن التركيز في فترة الصيف على المواد الآتية:
- القرآن الكريم، تلاوة وحفظاً وتفسيراً، ويمكن اختيار بعض الآيات والسور التي تعالج قضية الانحراف الفكري.
- السنة النبوية، يحفظ الشاب خلال أشهر الصيف الأربعين حديثاً النووية بشرحها المختصر، وهى مجموعة أحاديث متنوعة تدعو إلى الاعتقاد الصحيح، وتحث على الخلق الحسن، وترغب في كل فضيلة، وتحذر من كل رذيلة.
- السيرة النبوية العطرة، ونركز على جوانب التضحية والفدائية، والشجاعة والجرأة لدى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما يجب أن نبرز جانب القدوة.
- الأخلاق والآداب الإسلامية، ويجب أن نركز على: الإخلاص - الصدق - التسامح - الإخاء - المحافظة على الوقت - الإحسان... إلخ.
- العبادات، ويجب أن نركز على مفهوم العبادة في الإسلام وشمولها، وثمرة العبادة، مستعينين بتفسير الآيات التي تربط بين العبادة والسلوك مثل قول الله - تعالى-: ((إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر))(العنكبوت: 45)، وقول الله - تعالى-: ((فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ...))(البقرة: 197).
إن المسجد بإمامه يمكن أن يحمى الشباب من الانحراف الفكري، وأن يصنع منه مسلماً معتدلاً لا يميل إلى التطرف بحال من الأحوال، ولا يرغب في تضييع الواجبات، يستطيع أن يوازن بين الأمور، ولا ينجرف مع أي تيار لمجرد عاطفة جياشة.
الانحراف السلوكي والأخلاقي: وهو نتيجة حتمية لضعف صلة الشباب بربه، والتفاف أهل السوء حوله، والمسجد هو المكان الذي تنمو فيه العقيدة فتثمر صلة قوية بالخالق - سبحانه -، وتحسن فيه العبادة فتزكو النفس وتسمو عن الرذائل، ويجد فيه الشاب أقرانه من أهل المسجد فيعينونه على الطاعة.
إن الشباب اليوم أحوج ما يكونون إلى أن تمتد لهم الأيدي من ذي قبل، ذلك لأن أمام الشباب تحديات كثيرة في ظل البطالة التي استفحل أمرها، والمخدرات التي سهل تداولها، وأسباب الانحراف التي غزت الشباب في عقر دارهم.
والمسجد له دور كبير في القضاء على أنواع الانحراف السلوكي والأخلاقي وذلك ببيان خطر الانجراف وراء الشهوة والهوى، ثم بإيجاد البيئة الصالحة التي تساعده على الالتزام بقيم هذا الدين؛ لأن المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
ومن أهم الانحراف السلوكي في أيامنا هذه تعاطى المخدرات والإدمان عليها، والمسجد هو الأقدر على حماية الشباب من هذا الخطر العظيم، وذلك ببيان حكم الشرع فيها، وتوضيح خطرها وضررها على النفس والمجتمع من خلال خطب الجمعة، والدروس، والندوات التي يقيمها المسجد، وهذا يقي الشاب الوقوع في الخطر، وكما يقولون الوقاية خير من العلاج.
ويستطيع المسجد كمؤسسة دينية لها مكانتها في قلوب جميع المسلمين أن يقود حملة التوعية ضد الإدمان والتعاطي، بل ويستطيع عن طريق أهل الخير الذين يترددون عليه أن يسهم في علاج المدمنين بالمصحات المتخصصة، ونشهد من خلال عملنا أن أهل الخير - وهم كثيرون - من الأطباء في جميع التخصصات يأتون المساجد ويعرضون خدماتهم بلا حد.
إن الشاب إذا تعمقت صلته بربه ترك جميع الموبقات، وأقلع عن جميع الأعمال والسلوكيات التي تأباها الفطر السليمة.
وكم من شاب اعتاد فعل الفواحش فدخل المسجد فخرج إنساناً آخر، يعرف حق الله - تعالى - وحق عباد الله، ويرعى الحرمات، ويبتعد عن الشبهات، وعلى الإمام أن يركز في خطابه (خطبة أو درس أو ندوة) على أهمية مراقبة الله - تعالى - والخشية منه، فإن الشاب إذا خاف ربه ترك ما يغضبه، وعمل ما يرضيه.
المسجد ودوره في علاج مشكلة البطالة:
لا يختلف اثنان على أن البطالة داء خطير يضعف كيان الأمة، ويحطم معنويات الشاب العاطل عن الكسب، وربما دعاه هذا إلى الانحراف بكل صوره تنفيساً - ظناً منه - عن همه.
والمسجد قادر على أن يعالج هذه المشكلة، وذلك على النحو التالي:
أولاً: ببيان أهمية العمل والأكل من كسب اليد، والسنة الشريفة غنية بهذا.
ثانياً: ببيان أن العمل يكتسب صفة الشرف من إتقان العامل لعمله حتى ولو كان وضيعاً، فمشكلة الشباب اليوم أنهم يريدون وظيفة مرموقة بآلاف الجنيهات وإلا جلسوا في بيوتهم، والصواب أن يعمل الشاب في أي عمل ما دام العمل حلالاً حتى ولو كان وضيعاً.
ثالثاً: يمكن أن توضع في لوحة الإعلانات بالتنسيق مع إدارة المسجد وإمامه أسماء الجهات والشركات والمكاتب التي تحتاج إلى عمال، ليقوم الشباب المترددون على المساجد بالاتصال بها، وتجربتي الشخصية تثبت أن المسجد قادر ولو بنسبة على الإسهام في القضاء على مشكلة البطالة.
إن المساجد لها وظيفة سامية وشاملة ولا يمكن أن تحصر في إقامة الشعائر، وإن الدورات التأهيلية التي أنشأتها المساجد لتعليم الحرف المختلفة، والتدريب على الحاسب الآلي أسهم لحد بعيد في توظيف عدد غير قليل من شباب الأمة.
أسأل الله - تعالى - أن يوفق القائمين عليها لخدمة الإسلام والمسلمين، والحمد لله رب العالمين.
____________________________
1- سورة الجمعة: 10.
2- سورة التوبة: 108.(10/50)
3- رواه الترمذي عن عائشة، وقال في كشف الخفا: حسن لغيره.
4- متفق عليه.
5- رواه الترمذي.
6- أخرجه أحمد في المسند.
http://alresalah.masrawy.com المصدر:
===============
دور المسجد في رمضان
أبو محمد التميمي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أخي الداعية: حيث أن عدد المصلين يزداد في المساجد خلال شهر رمضان المبارك، ونفوس المسلمين تصبح أقرب إلى ربها كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين ) متفق عليه، فإنه ينبغي الاستفادة من هذه المزايا لتكثيف النشاط الدعوي خلال هذا الشهر الكريم وخاصة في المساجد، وعليه أخي الداعية إليك برنامجاً دعوياً مقترحاً يمكن تطبيقه في مسجد الحي، وأظنه لا يخفى عليك، ولكنه من باب الذكرى التي تنفع المؤمنين، وأنت منهم إن شاء الله:
1- توزيع الأشرطة والكتيبات الإسلامية:
يقترح أن يقف صغار السن عند أبواب المسجد بعد صلاة المغرب ليقوموا بتوزيع الأشرطة والكتيبات الإسلامية، ويفضل أن يبدأ بتوزيع أشرطة القرآن الكريم.
2- توزيع الفتاوى:
هناك فتاوى هامة عبارة عن مطوية أو ورقة واحدة فقط لكبار العلماء كالشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ ابن عثيمين - رحمهما الله -، والشيخ ابن جبرين - حفظه الله -، ومن هذه الفتاوى (حكم العمل في البنوك الربوية، كثرة خروج النساء إلى الأسواق، تأجير المحلات لبيع المحرمات، الدش...).
3- تنظيم مسابقة للصغار:
وذلك بحفظ مجموعة من سور القرآن، وكذلك بعض الأذكار النبوية، ويتم تكريمهم، وإعطائهم الجوائز أمام أولياء أمورهم وجماعة المسجد في الوقت الناسب.
4- تنظيم مسابقة للنساء:
وذلك بإعداد وتوزيع أسئلة في مصلى النساء ليقمن بالإجابة عليها ووضعها في صندوق خاص عندهن، وبالإمكان أن تكون الأسئلة عن مواضيع معينة في الأشرطة والكتيبات التي تم توزيعها عليهن لتكون دافعاً للاستماع والقراءة، ويفضل الأسئلة التي لها أثر تربوي، فمثلاً بدل أن يوضع سؤال يقول: من هي ذات النطاقين؟ يستبدل بسؤال: لماذا سميت ذات النطاقين بهذا الاسم؟
5- القراءة على المصلين بعد صلا ة العصر:
وذلك للفتاوى المتعلقة بالصيام، أو الأحاديث والآثار الدالة على فضل شهر رمضان وصيامه.
6- القراءة على المصلين قبل الإقامة لصلاة العشاء:
وذلك في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام والسلف الصالح كالإمام أحمد، وابن تيمية، والبخاري، نظراً لما في السيرة من أحداث وعظات، ودروس تشتاق النفوس لسماعها، وتتأثر بها - بإذن الله -، وكذلك قراءة فصول في الرقائق كعذاب القبر ونعيمه، والجنة والنار، أو في أعمال القلوب كالإخلاص، والمحبة، والتوكل، وفي مواضيع مختارة في العقيدة كالولاء والبراء، والذهاب إلى السحرة والكهان، أو مواضيع عامة كأهمية الرفقة الصالحة، وفضل الأخوة في الله، وصلة الرحم، وفضل الأذكار، والاهتمام بأمور المسلمين.
7- استضافة بعض العلماء والدعاة:
وذلك لإلقاء كلمات قبل الإقامة لصلاة العشاء، أو بين صلاة العشاء والتراويح.
8- الاستفادة من لوحة الإعلانات بالمسجد:
وتكون بخط واضح وجذاب على أن يتم تغييرها كل يومين، وتتناول محاسن الأخلاق، وفضائل الأعمال أو غير ذلك.
9- جمع التبرعات لصالح المشاريع الخيرية الإسلامية، أو لصالح المنكوبين من المسلمين والفقراء.
وأخيراً أخي الداعية الفاضل: لا تنس أمراً هاماً قبل القيام بهذا البرنامج وخلال تنفيذه وبعده ألا وهو الدعاء بأن ينفع الله بتلك الأنشطة، ويبارك فيها، ويجعل عملك خالصاً لوجهه - تعالى -، فهنا سوف تتحقق النتائج المرجوة - بإذن الله -، أسأل الله لك التوفيق والإعانة والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
http://saaid.net المصدر:
============
دور المسجد في تربية المجتمع
د. محمد ناصر بوحجام
إنّ المسجد هو المنارة التي يسترشد بها المؤمن في حياته، ومنه يستمدّ مقوّمات دينه، ويعرف أصوله ومبادئه.
إنّ المسجد يكوّن القواعد التي يبني عليها المسلمُ حياتَه في مختلف مجالاتها، وهو الذي يشعّ على كلّ هيئات المجتمع أنوارَ الهداية والرّشاد، ومنه تأخُذُ كلُّ تركيبات المجتمع أساليبَ العمل، ومناهجَ التّحرّك، وطرقَ الانطلاق.
وقد كان دوماً منذ عهد الرّسول - صلى الله عليه وسلم - الموجّهَ لحياة المسلمين، والمديرَ لشؤونهم، والمدبّرَ لأمورهم، فقد كان المدرسة والمعهدَ، والجامعةَ والثّكنة، والنّاديَ وكلَّ ما يحتاج إليه المسلم في التّكوّن، أي كان الملاذ والحصن للمسلم في تنظيم شؤون معاشه ومعاده.
نحاول عرض بعض أدوار المسجد في الحياة العمليّة للمؤمن؛ حتّى نعرف مسؤوليتنا نحوه، ونعلمَ كيف نستغلّه في التّوعيّة والتّوجيه.(10/51)
حين نستعرض بعض الآثار من القرآن والسنّة في الموضوع نجد أنّ المسجد يعني العقيدة، وهي أوّل ما ينبغي أن يعتني المربّي بتثبيتها في قلوب النّاس، وترسيخِ مفهومها فيهم، حتّى يكون سلوكهم صادراً عن حقيقة ما تتضمّنه، وسِيَرُهم متطابقةً مع ما تحمله، فاللّه - تبارك وتعالى - حين يستعرض حقيقة عمّار المسجد يحصرها في أصحاب العقيدة أي فيمن يتشبّع بالعقيدة قال عزّ من قائل: ((إنّما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الآخر وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة ولم يخش إلاّ اللّه فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين))، فالذي يؤمن باللّه ويعتقدُ ويتأكّدُ من حلول يوم القيامة، ويعرف ماذا ينتظره فيه من أهوال ومصاعب، والذي يقيم الصّلاة، ويؤتي الزّكاة، ولا يخاف أحداً إلاّ اللّه أي لا يشرك في الطّاعة والخوف إلاّ ربَّ العزّة والجبروت، هذا الذي يكون بهذه المواصفات، لا يكون إلاّ صاحبَ عقيدة راسخة، وإيمان قويّ، من هو هذا؟
إنّه من يعمر مساجد اللّه بالعبادة الصّحيحة، والذّكر الطيّب.
وقال اللّه أيضاً: ((في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال رجالُ لا تلهيهم تجارة ولا بيعُ عن ذكر اللّه وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم اللّه أحسن ما عملوا ويزيدَهم من فضله واللّه يرزق من يشاء بغير حساب)) يكون - أيضاً - من يأوي إلى المسجد ويرتاده من ملأت العقيدةُ قلبَه، وهو من لا يغفل عن ذكر اللّه، ولا تّشْغَلُه الدّنيا بكلّ مغرياتها عن القيام بواجباته الدّينيّة، ولا تصدّه مشاغلُ الحياة عن إقامة الصّلاة، وأداء الزّكاة، يلتزم بهذا السّلوك التزاماً كاملاً، إنّ الذي يعتاد المساجد هو من يخاف يوم القيامة؛ اليوم الذي يكون فيه الحساب عسيراً، و في الوقت نفسه يرجوه؛ لأنّ فيه جزاءً حسناً لأحسن ما قدّم من أعمال صالحة، بل فيه يزيده اللّه من فضله، وما عند اللّه خير وأوفى، واللّه ذو الفضل العظيم، وهو يرزق من يشاء بغير حساب، مَنِ الذين يُعْتَمَدُ عليهم في رفع المساجد، بيوتِ اللّه في الأرض؟ إنّهم أصحاب العقيدة، إنّهم ذوو الإيمان الصّادق القويّ.
قال اللّه أيضاً: ((وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحداً)) إنّ المساجد لا تقبل بينها من يشرك باللّه شيئاً، مهما يكن هذا الشّرك، أي إنّ من يؤمّ المساجد لا يكون إلاّ صاحب عقيدة صحيحة، وإيمان راسخ، والرّسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إذا رأيتم الرّجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان)( ضعيف ).
إنّ الإيمان والعقيدة هما اللّذان يدفعان المرء كي يعتاد ويرتاد المساجد، إذن فليعلم المسلم أنّه وهو يرتاد بيوت اللّه ليعبده عليه أن يتحلّى بالصّفات التي خلعها اللّه على عمّار بيته، وليَحْذَر أن يكون على خلاف ذلك، وإلاّ كان تردّده على المساجد خاويّاً من المعنى والمغزى أو الغاية من عمارتها.
كما أنّ على القائمين على المساجد وعظاً وتوجيهاً ورعاية، وتحمّلاً لرسالة المسجد؛ أن يكونوا في مستوى هذه الرّسالة العظيمة والخطيرة، وفي مكانة هذه المسؤوليّة في أثناء أداء عملهم: تخطيطاً وتنفيداً، وأسلوباً وفهماً حقيقياً وسليماً لدورهم في هذه المؤسّسة الرّئيسية في التّوجيه، والتّفقيه، والتّعليم، والتّكوين، والإعداد.
ماذا يجب على القائم على هذه المؤسّسة، أو المرابط في هذا الصّرح؟
عليه أن يعرف أنّ في عمله أولويّاتٍ يجب معرفتُها حتّى يؤسِّس له قواعد، تعينه في نشاطه؛ فيثمر جهدُه ثماراً حسنة.
عليه أن يحرص على ترسيخ العقيدة في القلوب، وتثبيتِ الإيمان فيها؛ إذ أنّ ذلك هو الذي يشكّل أو يُعِدُّ الأساس الذي يتحرك على هديه المسلمُ، ويتدرّج على خطّه المستقيم، وفي سبيل تحقيق ذلك على الموجّه أن يركّز على أمور، أو يؤسّسَ عمله على قواعد منها:
1 ـ زرع محبّة اللّه ورسوله في القلوب؛ حتّى تقبل على طاعة اللّه، والاستجابة لأوامر رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
فالإنسان يحترم من يحبّ، ويعلي من شأنه ويقدّره، ويستحيي أن يخالف أوامره، ويخجل أن يأتي ما لا يُرضيه، ويتحرّج من إغضابه، ويربأ بنفسه أن يأتي ما يفسد هذه العلاقة بينه وبين ربّه المنعمِ عليه، والمحبِّ له، وهذا لا يكون إلاّ بطاعته؛ لتحقيق مفهوم أو مدلول استخلاف اللّه الإنسان في الأرض.(10/52)
واللّه - تبارك وتعالى - يقول: ((والذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه))، ولهذا لمّا قال المشركون إنّنا نعبد الأصنام ليقرّبونا إلى اللّه زلفى، قال اللّه - عز وجل -: يا محمد قل لهم: ((قل إن كنتم تحبّون اللّه فاتّبعوني يحببكم اللّه ويغفر لكم ذنوبكم واللّه غفور رحيم))، أي إنّ محبّة اللّه تستلزم طاعته، فإذا نجح المربّي في تثبيت محبّة اللّه في القلوب ضمن الالتزام بشرع اللّه عن أنس - رضي الله عنه - مرفوعاً إلى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون اللّه ورسوله أحبَّ إليه ممّا سواهما، وأن يحبّ المرءَ لا يحبّه إلاّ للّه، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النّار )، فالإيمان مبعثُه محبّة اللّه ورسولِه، وهذه المحبّة تعزّز الإيمان، وتثبّت النّفوس على دين اللّه، يؤكّد الرّسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله: (لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبَّ إليه من نفسه ووالده وولده والنّاس أجمعين )، إذن إنّ المحبّة الصّادقة هي التي تضمن الاستمساك بالدّين، والتّقيّدَ بأوامر اللّه، والوفاءَ بالعهد، وعدمَ نقض الميثاق، إنّها الأوصاف التي ذكرها اللّه عن عباده المؤمنين: ((الذين يوفون بعهد اللّه ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب...))، وفي المقابل بيّن اللّه - تبارك وتعالى - أنّ من كان متاعُ الدّنيا أعزَّ عليه وأحبَّ إليه من اللّه ورسوله فهو عاص فاسق، قد باء بخسران مبين، فلينتظر ماذا سيفعل اللّه به؛ لأنّ مثل هذا سيصرف أصحابه عن عبادة اللّه حقّ العبادة، وسيرتكبون في حقّ اللّه خطايا، وسيتعرّضون لمزالق بسبب تقديمهم حبَّ الدّنيا على حبّ اللّه، ومن ثمّ يستحقّون أن يوصفوا بأنّهم فسقة، ولِلَه أن يفعل يهم ما يشاء قال - تعالى -: ((قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من اللّه ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتّى يأتي اللّه بأمره واللّه لا يهدي القوم الفاسقين))، ونحن في الدّعاء المأثور نتضرّع إلى اللّه أن يبقينا على حبّه، وعلى صلةٍ بكلّ ما يقرّبنا إلى حبّه: (اللّهم ارزقنا حبّك، وحبّ من يحبّك، وحبّ كلّ عمل يقرّبنا إلى حبّك ).
2 ـ تربيّة النّاس على الإيمان بوحدانيّة اللّه، والإيمان باليوم الآخر.
إنّ تركيز هذه الحقيقة في القلوب، وتثبيتَ هذا المفهوم في العقول قاعدة أخرى، تبعث النّاس على العبادة الصّحيحة، وتلزمها بالتّقيّد بأحكام اللّه؛ لأنّها تفهمهم أنّ المعبود واحد ليس اثنين، وهو صاحب الفضل والنّعم على عباده، كما تبيّن لهم أنّه سيأتي أوان يحاسبون فيه على أعمالهم، وهي ساعة عصيبة، شديدة الأهوال، إنّها يوم القيامة، الذي لا يطيق شدّتَه إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم، ومن قدّم بين يدي اللّه عملاً صالحاً.
فالقرآن الكريم ربط بين هذين الأمرين في كثير من آياته، وهو يقرّر حقائق دينيّة، أو يحذّر من مخالفة الأوامر قال مثلاً: ((... فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والّرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً))، وقال: ((والزّانيّة والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر))، وقال: ((ليسوا سواء من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون يؤمنون بالّله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين))، وقال: ((والذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ومن يكن الشّيطان له قرينا فساء قريناً وماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه وكان اللّه بهم عليماً ))، إذن إنّ الذي لا يخالف أوامر اللّه، والذي لا يكون الشّيطان له قريناً يوسوسه ويصدّه عن ذكر اللّه، والذي يطبّق أحكام اللّه، ولا يشفع في حدّ من حدود اللّه، والذي يخلص أعماله للّه، والذي يتحلّى بصفات المؤمنين الحقيقيّة هو الذي يؤمن بوحدانيّة اللّه ويؤمن باليوم الآخر.
فعلى المربّي أن يعمل بكلّ الوسائل على تثبيت هذه الحقيقة في النّفوس، والرّسول - صلى الله عليه وسلم - يؤكّد هذا المعنى، حين يقرّر بعض الأحكام، وحين يقدّم توجيهاته لأصحابه، فيقول مثلاً: (من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم جاره، فليكرم ضيفه، فليقل خيراً أو ليصمت )، فهذه قاعدة أخرى يعتمد عليها الموجّه في التّربيّة والتّوجيه، فليعرف كيف يركّزها في القلوب.
3 ـ إيقاف خلق اللّه على عظمة الخالق، وقدرة المبدع غير المحدودة، حتّى تستشعر جلاله وقدره؛ فتخلصَ له الشّكرَ والتّقديرَ، وتفردَه بالولاء والخضوع والتّذلّل، وهو ما يؤدّي إلى محبّته وطاعته.
والقرآن الكريم اتّبع هذا الأسلوب، فنَبَّه في كثير من الآيات إلى التّدبّر في مخلوقاته للوقوف على جوانبَ من عظمته وقدرته، قال اللّه - تبارك وتعالى -: ((إنّ في خلق السّموات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك التّي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّة وتصريفِ الرّياح والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض لآياتٍ لقوم يعقلون ))، هذه المخلوقات تشهد على عظمة الخالق الذي يمتلك قوّة مطلقة لا يمكن إدراكها، إنّما يدرك العقل آثارها، هذا ما يدعو صاحبَه إلى الاعتراف بالفضل للمنعم الجبّار.(10/53)
وقد تعهّد اللّه أن يبيّن للنّاس آثاراً من قوّته فيما يعايشونه في الكون، وفيما يلتصق بهم ويعيشونه دائماً، وهو في أنفسهم؛ ليَتَبَيّن أنّ هذا القرآن الذي يحمل إليهم هذه الحقائق هو حقّ، ليس باطلاً: ((سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنّه الحقّ أولم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد))، إنّ هذه القاعدة في مخاطبة النّاس لتربيّتها على السّير في طريق العبادة الصّحيحة تسهم في تذكير النّاس بجميل اللّه نحوهم، وبفضله عليهم، وفي الوقت نفسه تنبّههم إلى مغبّة نكران هذا الفضل بعصيانه وجحوده، إنّ هذا كما يقول عبد الرّحمن النّحلاوي: يثير في النّفس الانفعالاتِ الرّبانيّةَ: كالخضوع والشّكر، ومحبّة اللّه والخشوع له، ثمّ تأتي العبادات والسّلوك المثالي تطبيقاً عمليّاً للأخلاق الرّبّانيّة، وهذه لعمري أفضل طريقة اهتدى إليها علم النّفس لتربيّة العاطفة، إنّها تكرار إثارة الانفعالات مع تجاربَ سلوكيّةٍ مشحونةٍ بهذه الانفعالات، مصحوبةٍ بموضوع معيّن؛ حتّى يصبح عند المرء استعداد لاستيقاظ هذه الانفعالات كلّما أثير هذا الموضوع، ولعلّ أوضح مثال على هذا الأسلوب التّربوي القرآني يتّضح في سورة الرّحمن، حيث يذكّر اللّه - جلّ جلاله - بنعمه ودلائل قدرته، بادئاً من الإنسان وقدرته على التّعليم، إلى ما سخّر اللّه من الشّمس والقمر والنّجم والشّجر والفاكهة والثّمر وما خلق من السّماوات والأرض، وعند كلّ آية أو عدّة آيات استفهامٌ يضع الإنسان أمام الحسّ والوجدان وصوتِ القلب والضّمير، فلا يستطيع أن ينكر ما يحسّ به، ويستجيب له عقله وقلبه.
4 ـ العمل على تلقين النّاس الدّينَ وتفقيهِهم فيه، وليس كالمسجد مكان يُنَاسبُ الجميعَ لتلقّي أمر دينهم، فليكن من اهتمامات القائمين على توجيه النّاس في المساجد تعليمُ العباد ما يجب عليهم في الدّين، يجب ألّا يُهمَل جانب من الجوانب: عبادات ومعاملات، وعلاقات وحقوق.
يجب أن تتنوّع الدّروس بين اجتماعيّة وتربويّة، واقتصاديّة وسياسيّة، وثقافيّة وتاريخيّة، كما يُراعَى في الوعظ والإرشاد الاهتمامُ بكلّ الفئات التي يتكوّن منها المجتمع، يُخاطَب الكبيرُ والصّغيرُ، والرّجلُ والمرأةُ، العالم ُوالجاهلُ، أي يجب أن يتحوّل المسجد إلى جامعة شعبيّة، يستفيد منه كلّ من يرتاده كي يتشوّق كلّ فرد إلى الذّهاب إليه، وحتّى يؤدّي المسجد دورَه كما أنيط به، وكما كان في العهود السّابقة، كما على الخطاب المسجدي أن يبتعد عن العموميّات، بل عليه أن يتعمّق في عرض الموضوعات، ويُعنَى بالتّحليل، والمعالجة الحقيقيّة للموضوع، والاهتمامِ الخاصّ والجاد بمشاكل المجتمع الحقيقيّة، وتقديِم الحلول المناسبة لحلّها، والابتعادِ عن الخطاب المحنّط، والجمل الجاهزة الاستهلاكيّة، والكلمات الرّنّانة التي لا تخدم الموضوع، ولا تقدّم أيّ فائدة لمن يؤمّ المساجد، وأن يُقلَّل - قدر المستطاع - من ترديد أقوال بعينها، ودروس بنسخها المعروفة والمألوفة لدى المستمع، بما يبعث عل الملل والسّأم، يجب الحرص على الابتكار في الموضوعات، والتّجديد في الأساليب، والتّنويع في المصادر.
على الواعظ في المسجد، والمشرف على التّوجيه فيه أن يراعي في تطبيق القواعد التي أشرنا إليها، واستغلالِ المسجد في أداء مهمّته العملَ على مخاطبة النّاس حسب مستوياتهم ومداركهم، وأن يراعي التّنوّع في أساليب الخطاب، والتّفنّنَ في طرق مخاطبة النّاس وتوجيههم، فيتنقّل بهم بين التوّجيه المباشر والإرشاد عن طريق قصّ القصص، وإجراء الحوار، وإقامة النّدوات وغيرها، كما يحرص على أمور مهمّة تتمثّل خاصّة في الآتي: التّدرّجَ في تقريرِ الحقائق، وتلقيِن الدّروس، وتقديمِ المعلومات؛ اعتباراً لمستويات المخاطبين، والاعتمادَ على الدّليل في تعليم النّاس أمور دينهم، وفي مقدّمة ذلك القرآن الكريم، والسّنّة الصّحيحة، والحرصَ على مخاطبة العقل مع إثارة الانفعالات الإنسانيّة، أي مخاطبة العقل والوجدان معاً.
خلاصة القول: إنّ مسؤوليّة القائمين على إرشاد النّاس في المساجد كبيرة وثقيلة، بحجم ثقل مكانة المسجد ودوره في حياة المسلم، وتكفّلِه بالقيام بشؤون المسلمين التي أناط اللّه القيام به للمسجد، واعتباراً لما كان يقوم به الأسلاف بين جنبات المساجد، فليعِ ذلك من وضع فيه النّاس ثقتَهم، وحمّلوه مسؤوليّة إرشادهم وتوجيههم.
واللّه الموفّق للصّواب.
http://www.alwatan.com المصدر:
============
دور المسجد في بناء الحضارة
د.وليد فتيحي*
إننا في أمس الحاجة إلى أن نعيد استقراء تاريخنا، وأن ندرس عوامل نجاح أمتنا في قيادة الإنسانية قرابة ألف عام، وبناء حضارة يشهد لها أعداؤها قبل أبنائها.
أي مدرسة وجامعة فكرية وعلمية واجتماعية تلك التي استمرت في إخراج أساتذة للإنسانية في العلوم النقلية والعقلية على حد سواء قرابة ألف عام، من فقهاء ومحدثين، وعلماء في الطب والهندسة، والرياضيات والفلسفة، والفلك والأدب وغيرها من علوم الدين والدنيا، قلما يجتمع مثل هذا الرقم الهائل منهم في حضارة واحدة، دع عنك أن يكونوا جميعاً نتاج مدرسة واحدة.(10/54)
أما المدرسة التي أقصدها فهي المسجد بمفهومه الشامل المتعمق، وهو مفهوم غائب عن كثير من أبناء أمتنا، المسجد الذي يمثل نقطة التقاء الأمة وتوحيدها، والمظهر العملي لوحدتها، ولذلك كان أول أعمال أستاذ الإنسانية سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو بناء مسجد للمسلمين في قباء في أيامه الأولى التي أمضاها في المدينة، وبعد انتقاله من قباء إلى المدينة كان أول أعماله كذلك بناء مسجده - صلى الله عليه وسلم -، وحمل أحجاره بيديه الكريمتين فكان المسجد النبوي مدرسة الدعوة الإسلامية الأولى، ودار الدولة الإسلامية الكبرى، وكان المدرسة والجامعة، ومقر مجلس الشورى، وعقد الرايات، وتجهيز الجيوش، وإدارة شؤون الأمة صغيرها وكبيرها.
إن المسجد في المفهوم الإسلامي الخالص هو مقر إعلان العبودية الخالصة لخالقنا ((وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ))، وبما أن العبادة في المفهوم الإسلامي شاملة جامعة لحياة الإنسان العابد لله - تعالى-: (( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ))(الأنعام 162-163)، وبما أن العلم في الإسلام شرط أساسي في أداء العبادة الصحيحة بمفهومها الشامل؛ فلابد إذن من أن يقوم المسجد بدور نشر العلوم، بل وأن يصبح منارة ومقصداً علمياً.
وقد قام المسجد بدوره التعليمي منذ أيامه الأولى، وحث رسول الله على هذا الدور العلمي بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه كان كأجر حاج تاماً حجه) أخرجه الطبراني، وهذا المقصد التعليمي أوضحه وبينه - صلى الله عليه وسلم - في حديثه ليفرق بينه وبين البعد الشعائري من إقامة الصلوات في المساجد.
ولم يقتصر الدور التعليمي للمسجد على الرجال بل نافست عليه النساء لما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قالت النساء للنبي: (غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن)، وفتح المسجد صدره للمرأة تشهد دروس العلم ليتأكد حق المرأة في تحصيل العلم، ومشاركة الرجل في الحياة، وقد أعجبت السيدة عائشة أم المؤمنين بإقبال الانصاريات على العلم فقالت: (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من أن يتفقهن في الدين).
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرف على حلقات العلم التي كانت تنتشر في أرجاء المسجد النبوي الشريف خاصة في بواكير الصباح، حيث حدث عبدالله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بمجلسين أحدهما فيه دعاء وإقبال على الله، والآخر فيه علم، فأقرهما وقعد في مجلس العلم، وشجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استخدام الوسائل المتاحة آنذاك لتوضيح المعاني والدروس سواء كانت بصرية أو سمعية، ومن أمثلة ذلك ما رواه ابن مسعود بقوله: خط لنا رسول الله خطا بيده ثم قال: (هذا سبيل الله مستقيماً)، وخط عن يمينه وشماله ثم قال: (هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه) ثم قرأ: ((وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله))(الأنعام 153).
ولو أن الوسائل التعليمية المتاحة لنا في عصرنا هذا وجدت في عصر رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه - لحثَّ على استعمالها، وكان أول من يستعملها - صلى الله عليه وسلم -.
واستمر المسجد في التطور والنمو جيلاً بعد جيل، ليؤدي مهامه في صناعة الحياة، ليصبح جامعات ومنارات علمية وفكرية رائدة، والأمثلة كثيرة نذكر بعضها مثل: جوامع الألف - وسميت كذلك لأنه مضى على تأسيسها أكثر من ألف عام - مثل: جامع عمرو بن العاص قلب الفسطاط الفكري، ومهد الحركة العلمية في مصر، والذي كان يشهد مئات الزوايا العلمية، والجامع الأموي في دمشق، وجامع المنصور ببغداد، وجامع القرويين في فاس بالمغرب الذي امتاز بالنظام التعليمي الجامعي، وطرق التدريس فيه، فكان له شروط دقيقة للتعيين، ووظائف التدريس، وتخصيص كراسي الأستاذية، والإجازات الفخرية، وكان له مساكن جامعية خاصة للطلبة والأساتذة، ومكتبات متخصصة للدارسين الجامعيين، فقصدها المسلمون وغير المسلمين من شتى أرجاء العالم، أما جامع الزيتونة بتونس فقد أبدع في شتى مجالات العلوم النقلية والعقلية، وضمت مكتبته العامرة ما يزيد عن مائتي ألف مجلد، وكذلك كان حال الجامع الأزهر الذي بدأ كغيره كمسجد لإقامة الشعائر التعبدية وسرعان ما أصبح جامعة يدرس فيها العلوم المختلفة، وتخرج فيها علماء عمالقة في كل مجالات الحياة.
واشتركت كل هذه الجامعات العظيمة في تشجيعها لطلبتها على مبدأ المناقشة والمناظرة والتمرس عليها، فأصبح من المألوف أن يخالف الطالب أستاذه في الرأي في إطار الأدب المتعارف عليه، وبهذا أوجدت المدرسة العظيمة التي يطلق عليها بالمسجد - بمفهومه الشامل - أجيالاً ستظل معجزة العالم ومفخرته، ولها فضل على كل علوم الدنيا شرعية أو كونية أو إنسانية، حيث كوَّنت أساس النهضة العلمية والصناعية في الغرب.
وحظي القرنان الخامس والسادس الهجريان بالتوسع في بناء المدارس المنفصلة عن المساجد، مما أدى تدريجياً إلى فقد شمولية التعليم في حلقات المسجد ليقتصر على العلوم الشرعية، وبدأ الضعف العلمي يدب في الأمة، ومما زاد في تسارع الضعف والانهيار حدوث كوارث ثلاث في تاريخ أمة الإسلام على مدى ثلاثة قرون:
أما الأولى فهي حرق مدينة الفسطاط عام 564هـ، وأما الثانية فهي تخريب وحرق التتار لبغداد مركز الحضارة الإسلامية آنذاك في عام 656هـ، أما الكارثة الثالثة فهي سقوط الأندلس عام 897هـ.(10/55)
وبفقد المسلمين للزعامة العلمية تم فقد قيادة الإسلام للبشرية، وورثت أوروبا التراث العلمي، فحمله أبناؤها وقدروه حق قدره، فرفع قدرهم ليتسلموا من المسلمين الزعامة العلمية وقيادة البشرية، وأصبح المسلمون يتخبطون في الجهل، وضاعت هويتهم الإسلامية، فبدأوا يفصلون بين التعليم الديني والتعليم الدنيوي وهو مفهوم غريب عند جيل عمالقة المسلمين، وانفصل بذلك البعد الروحي والخلقي والتربوي للمسجد عن العلوم الدنيوية، فضعف التحصيل في علوم الدنيا التي فيها قوام الحياة، وعمل الاستعمار على تقليص التعليم الإسلامي الشامل، فعملت بريطانيا على الأزهر، وفرنسا على جامع القرويين في فاس، وكذلك الحال بالنسبة للزيتونة بتونس، ومن وسائل تحجيم وتحييد هذه المساجد الجامعية إضعاف أوقافها، وتخرجت أجيال ممن صبغت بغير صبغة الله وبغير صبغة مدرسة الإسلام، وابتعد المسلمون أكثر فأكثر عن مفهوم الشمولية العلمية، وعمارة الأرض، والأخذ بأسباب كل ما يقيم الحياة ويبنيها، بل وعندما فقدت صبغة المسجد فقد الإخلاص في تلقي العلوم، وسخرت أمم أخرى العلوم بمعزل عن القيم الروحية وما يصلح النفس البشرية.
إن ضعف دور المسجد هو انعكاس لضعف الأمة الإسلامية، ولن تكون الصحوة الإسلامية إلا عندما يقوم المسجد بدوره الشامل، ويرتقي بأساليبه ووسائله التربوية والتعليمية بما يتناسب مع احتياجات العصر ومقتضياته، ليصبح قلب الحياة الإسلامية من جديد، وهو واجب عصري حيث لا يتم واجب تعليم الجيل إلا به.
إن هناك جهوداً حثيثة لإعادة دور المسجد في بناء الحضارة وصناعة الحياة، ومن هذه الجهود ما تقوم به الجمعية الإسلامية في بوسطن من إقامة أضخم مركز حضاري في أمريكا يشمل مسجداً جامعاً ومدرسة ومكتبة تكون مرجعاً للباحثين ومركزاً لدعوة غير المسلمين وقاعات للمحاضرات.
وسيبنى المسجد - إن شاء الله - في موقع متميز بجوار المدينة الطبية والجامعات الكبرى مثل هارفرد وجامعة بوسطن على أرض قدمت للمسلمين بسعر رمزي لأول مرة في تاريخ أمريكا، وسيكون هذا موضوعنا القادم إن شاء الله.
(ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).
___________________
المرجع: المسجد ودوره التعليمي عبر العصور من خلال الحلق العلمية لعبدالله الوشلي.
* استشاري غدد صماء وسكر، ورئيس برنامج في مركز جوزلن للسكر، وعضو هيئة تدريس كلية طب جامعة هارفرد - بوسطن، وعضو مجلس أمناء الجمعية الإسلامية في بوسطن.
http://saaid.net المصدر:
================
دور المسجد في الإسلام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد نشأت مكانة المسجد وترعرعت في قلوب المسلمين منذ عهد النبوة، حيث كان مصدر النور والعلم، والبصيرة والعزة للإسلام والمسلمين؛ لذا أضافه الله - عز وجل - إليه بقوله: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا )) فأعلى بذلك شأن المساجد، ورفع قدرها.(10/56)
فقد كانت الخيرات التي سطرتها أقلام المؤرخين للإسلام والمسلمين منطلقاً من مهدها، ومن بين أروقتها، وكانت لبنتها اجتماعاً في تلك المساجد، وتمسكاً وإيماناً بدورها، ولما أيقن المسلمون بهذا الدور الريادي للمسجد جنوا ثماره عزّاً وتقدماً ورفعة وتمكيناً، فكانت رياضاً رحبة لنشر العلم، وتعلم الوحي، ومكاناً فسيحاً لأبناء المسلمين يتعلمون فيها أمور دينهم، ويحفظون كتاب ربهم، ومنطلقاً لجيل قوي بعزيمته، راسخ بإيمانه، وللجيوش الفاتحة والسرايا المبعوثة، ولا أدل على عظيم مكانة المسجد ومعرفة المسلمين الأوائل أن لا طريق لإعلاء دينهم الذي هو مصدر عزهم إلا انطلاقاً منه؛ من أن أول ما بدأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما حل بأرض الهجرة النبوية بناء المسجد، وجعله مصدراً للدعوة، ومنبعاً لها، ومورداً للصحابة - رضي الله عنهم - للجلوس معه - عليه الصلاة والسلام - لتعلم أمور دينهم، وعندما رسخت هذه المعاني في قلوبهم - رضي الله عنهم - ساروا عليها بكل ما أوتوا من عزم ويقين بعد وفاته - عليه الصلاة والسلام -، ثم سار المسلمون من بعدهم هذا المسير، وانطلقوا هذا المنطلق، ومن ذلك المكان الطاهر الشريف - المسجد - سجل التاريخ سيراً حافلة لعلماء أجلاء ملأوا الدنيا علماً وخلقاً وتعليماً للوحي المطهر، ووصلت الجيوش المنطلقة منه إلى أبعد مداها على اليابس والماء، وذلك عندما استمدوا قوتهم من ارتباطهم بالمسجد منطلق العبادة، والدعوة، واليقين، بدءاً بإقامة شعيرة الإسلام الأولى الصلاة، وإعلانها فيه، وأدائها كما أمر الله - تعالى- وسن نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وانتهاء باحتواء جميع أمور الإسلام وهمومه، كل ذلك كان يعقد في المسجد؛ لتستحضر النفوس ارتباطها بالله - تعالى - فيكون في ذلك اجتماع القلوب، وإبداء الآراء الهادفة لتعزيز روابط التآلف، وتوحيد الكلمة، ونشر الإسلام والعمل بمقتضاه، على هدى من الوحي المنزل بكل ما أوتوا من بعد نظر، وفهم سديد راسخ، ثم إنهم قد عقلوا التحذير والنذير الشديد والوعيد الذي توعد الله به من سعى في خرابها، ومن السعي في خرابها عزلها عن دورها الريادي، ومكانها الذي يجب أن توضع فيه من القلوب قبل الأعمال، ومنعها من أداء رسالتها على الوجه المطلوب، ففي المسجد تتعدد الأدوار الدعوية، فالإمام عليه مسؤولية وتبعات، ومؤذن المسجد والمصلون كذلك، كل له دوره الذي يعتبر لبنة لبناء هذه الرسالة، وبعثها لأرجاء المعمورة، أرأيت إن قام كل بدوره المأمول منه وإحيائه واستحضاره ثمرة ذلك بين المسلمين أيبقى دور في أرجاء الأرض وقوة على ظهرها لغير الإسلام ودعوته؟!.
ولا أدل على عناية الإسلام بالمسجد وقداسته بأن أمر الشارع بعدم زخرفته، ونشد الضالة، ورفع الصوت، كل ذلك لتتوحد القلوب وتبتهل إلى خالقها وإلهها بدون صوارف وشواغل تعيق تهيئها للقيام بدورها تجاه المسجد ورسالته.
الوسائل المعينة على أداء رسالة المسجد:
1- أن يكون إمام المسجد أهلاً للإمامة، عارفاً بحقوقها ومتطلباتها الشرعية والاجتماعية، مواظباً، حافظاً لكتاب الله - تعالى -، مجيداً لقراءته وتفسيره (انظر مطوية من وظائف إمام المسجد).
2- أن يكون المؤذن مؤتمناً على أوقات الصلاة، خبيراً بها، محافظاً ومواظباً عليها.
3- أن يكون الخطيب - إن كان المسجد جامعاً - طالباً للعلم، عارفاً بمقاصد الشريعة ومصالحها، بليغاً عارفاً بواقع المخاطبين وحالهم، وواقع أمته، فقيهاً بربط وإيجاد الحلول لهم وللأمة على ضوء الشريعة الإسلامية وفهم السلف لها.
لقد كان المسلمون مصدر عز وقوة عندما كان المسجد يشغل أذهانهم، ويشعل هممهم، خلية لا تهدأ، ونوراً لا ينطفئ، وإشعاعاً أنار للأمة طريقها، وحين كان كذلك فقهت الأمة عن الله ورسوله فعلمت طريق سعادتها في الدنيا والآخرة، وبصرت حقيقة ما يكيده لها أعداؤها، فاجتمعت كلمة المسلمين على الحق، ونبذوا بفقه وعلم كل فكر دخيل، وبدعة ضالة، ومنهج غير سوي، وعلم شبابها ونساؤها جوهر تلك الرسالة السامية، ومدى تملكها للقلوب؛ عندما التحقوا بركبها فازدانت بهم الدنيا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://www.zadalmuslim.com المصدر:
=============
المسجدُ ومكانتُه في الإسلام وآدابُه
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومنم تبعهم بإحسان.
أمَّا بعد : فيا أيُّها الإخوة في الله : أوصيكم ونفسي بتقوى الله , يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتِكم كِفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم.
أيُّها المسلمون : إن الحديث عن المساجد ومكانتها, وفضلها ومنزلتها, وتنظيفها ورعايتها, وآدابها وخصائصها, حديث مهمٌّ جدَّاً, خاصة في هذا الزمن الذي جهل فيه كثيرٌ من المسلمين دور المسجد في الإسلام , وظنُّوا أنه لأداء الصلوات ليس إلا , وفصلوا رسالة المسجد عن المجتمع.
أيُّها المسلمون : لقد أمر الله بعمارة المساجد وتعظيمها , وتشريفها وذكر الله فيها , قال تعالى : ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَال)) (36: النور) .(10/57)
فأمر بأن تعظَّم ويرفع شأنها , وتطهَّر من الأنجاس والأقذار, وأضافها – جلَّ وعلا – إلى نفسه المقدسة لشرفها وفضلها, فقال : (( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)) (18: الجن) .
وقال سبحانه: (( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ)) (18: التوبة).
وفي هذه الآية الكريمة شهادةٌ عظيمة من ربِّنا العظيم لعُمَّار المساجد سواءً بالذكر والعلم والصلاة والقرآن, أو بالصيانة والتعاهد والتنظيف والبناء والعمران , بأنهم من أهل الإيمان متى انطبقت عليهم شروط الآية : الإيمان بالله واليوم الآخر, وإقامة الصلاة, وأداء الزكاة, وخشية الله والإخلاص له, لأن بناء المساجد عملٌ ظاهر قد يقوم به البَرُّ والفاجر لأغراض مختلفة, فلا بد من توفر الإيمان والقيام بشرائع الدين وإخلاص العمل لرب العالمين فبهذا ينال الجزاء الوافر , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَن بَنى مسجداً يبتغي به وجهَ الله , بَنى الله له مثلَه في الجنةِ)) [1].
وممَّا فُضِّلت به هذه الأمة على غيرهم , أن جُعلت لها الأرض مسجداً وطهوراً, ولهذا دعا الإسلام إلى الاقتصاد في بناء المساجد, وعدم زخرفتها وتزويقها لما في هذا العمل من الإسراف والتبذير وإشغال المصلين, وهذا عمر بن الخطاب حين أراد تجديد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رضي الله عنه : (أكِنَّ الناس من المطر وإياك أن تحمِّر أو تصفِّر فتفتن الناس) ويعني بهذا الزخرفة .
فالله المستعان : أين عمر ليرى الناس اليوم وهم يبالغون في النقوش المُلهية , بل والمفاخرة والمباهاة بالمساجد وهذا من أشراط الساعة , فلقد صحَّ في مسند الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لا تقومُ السَّاعةُ حتى يتباهى النَّاس في المسَاجد)) وفي رواية للنسائي وابن خزيمة : ((مِن أشراطِ السَّاعة أن يَتباهى النَّاس في المسَاجد)) [2]. قال البخاري : (قال أنس : يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلاً , فالتباهي بها : العناية بزخرفتها.
قال ابن عباس : ((لَتُزَخْرِفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى)).
وانظر إلى حال أكثر الناس اليوم, خالفوا هدي الإسلام في المساجد, شيَّدوا وزخرفوا وعمَّروها ظاهراً لكن العمارة الحقيقية لها بالصَّلاة والمحافظة عليها وإحياء دورها شُغِل عنها أكثر الناس فصدق عليهم قول القائل :
مَآذِنُكُمْ عَلَتْ فِي كُلِّ حَيٍّ وَمَسْجِدُكُمْ مِنَ العُبَّادِ خَالِي
وتأمَّل – كيف أُصيب المسلمون اليوم بالكسل والتَّباهي بالمساجد وتعدُّدها في الحيِّ الواحد, فكلَّما اجتمع ثلاثةٌ أو أربعة ابْتَنَوا مسجداً, ولا ريب أن كثرة المساجد في المكان الواحد مما يسبب تفرق المسلمين, وتقليل عدد المصلين, وهو في الوقت نفسه سببٌ لتلاعب الكُسالى وعدم محافظتهم على صلاة الجماعة , وهو أيضاً يسبب العجز عن توفير الأئمة الأكفياء لها علماً أن كثرة عدد المصلين مطلوبةٌ شرعاً , فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((صلاةُ الرجلِ معَ الرجلِ أزكَى من صلاتِهِ وحدَهُ , وصلاتُه معَ الرجلينِ أزكَى من صلاتِه معَ الرجلِ , ومَا كانَ أكثر فهُو أحبُّ إلى الله تعالى)) .
فمتى يعي المسلمون هذه الحقيقة ؟ ومتى يدركون أهمية جمع الكلمة ووحدة الصف في الإسلام ؟ والله المستعان.
أيُّها المسلمون : لقد أوجب الإسلام على المسلمين عمارةَ المساجد بأداء صلاة الجماعة فيها , فهي واجبةٌ على الرجال يحرم التخلُّف عنها بدون عذرٍ شرعيٍّ من مرض وخوف , ورتَّب الإسلام أحكاماً وآداباً لمن خرج إلى المسجد عليه أن يتحلى بها فمن ذلك :
حُسن المظهر : فالمسلم لا بد أن يَسْتَشْعِرَ عظمة من يقف بين يديه وأنه سيكون في بيت من بيوته , قال تعالى : (( يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ )) (31: الأعراف) .
قال الحافظ ابن كثيرٍ رحمه الله عن تفسير هذه الآية : (ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنَّة يُستحبُّ التَّجمُّل عند الصلاة ولا سيما صلاة الجمعة ويوم العيد والطِّيب لأنه من الزِّينة والسِّواك لأنه من تمام ذلك). وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( إذا صلَّى أحدُكم فلْيلبس ثوبيهِ فإنَّ الله أحقُّ من تزيَّن له)) [3]. [ رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/221 , والبيهقي 2/236 وإسناده حسن كما في مجمع الزوائد 2/51 , وانظر سلسلة الصحيحة 3/356 ].
فليعلم هذا من يؤذي المصلين بالرَّوائح الكريهة من ثومٍ أو بصلٍ أو شربٍ للدُّخان أو عدم تنظيف للجسم , فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من أكل ثوماً أو بصلاً فلْيعتزل مسجدنَا فإنَّ الملائكةَ تتأذَّى ممَّا يتأذَّى منه بنو آدم)).
ومن الآداب أن يبادر المسلمُ بالحضور إلى المسجد والتَّبكير إليه وانتظار إقامة الصلاة , فقد قال صلى الله عليه وسلم : ((.. ولو يَعلمون ما في التَّهجير لاسْتبقوا إليه...)) .
وهو التبكير إلى الصلوات , ولقد عَلم سلفنا الصالح – رحمهم الله – ما فيه من الثواب فحافظوا عليه ... فسعيد بن المسيِّب رحمه الله يقول : (ما أذَّن المؤذن من ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد). ولم تفته صلاة الجماعة طيلة أربعين سنة .
وكان الأعمش رحمه الله رغم كِبَرِ سنِّه محافظاً على التَّكبيرة الأولى قريباً من سبعين سنة, وهذا المحدِّث بشر بن الحسين كان يقال له ( الصَّفِّي ) لأنه كان يلزم الصف الأول في مسجد البصرة خمسين سنة.(10/58)
أما الداعية الأمَّار بالمعروف إبراهيم بن ميمون المروزي فلقد كان صائغاً يطرق الذهب والفضة فكان إذا رفع المطرقة فسمع النداء للصلاة لم يردَّها. فرحم الله أولئك الأقوام , فأين من يشبههم الآن , فلقد صدق من قال : (إذا ذُكرت أحوال السلف بيننا افتُضحنا) نسأل الله أن يتجاوز عن زللنا وتقصيرنا , وذنوبنا وآثامنا .
ولو لم يحصل من ثمار المبادرة إلى المسجد إلا إدراك تكبيرة الإحرام لكفَى , فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَن صلَّى لله أربعين يوماً في جماعةٍ يدرك التَّكبيرة الأولى كُتب له براءتان : براءةٌ من النَّار وبراءةٌ من النِّفاق)). [رواه الترمذي بإسناد حسن, صحيح الترمذي للألباني].
ومن آداب الخروج إلى المسجد أن يدعو بما ورد وهو أن يقول : اللهمَّ اجعل في قلبي نوراً, وفي لساني نوراً, واجعل في سمعي نوراً, واجعل في بصري نوراً , ... الخ الحديث.
وأن يمشي بسكينة ووقارٍ , قال صلى الله عليه وسلم : (( ألا أدلُّكم على ما يمحو به اللهُ الخطايا ويرفع به الدَّرجات , قالوا : بلى يا رسول الله. قال : إسباغُ الوضوء على المكارِهِ , وكثرةُ الخُطا إلى المساجد , وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرِّباط فذلكم الرِّباط)). [رواه مسلم 251].
و (( مَن تطهَّر في بيته ثم مَشى إلى بيتٍ من بيوت الله ليقضي فريضةً من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحطُّ خطيئة والأخرى ترفع درجة)) بهذا صح الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم [رواه مسلم 666].
فإذا وصل المسلم إلى المسجد قدَّم رجله اليمنى وقال : اللهم افتح لي أبواب رحمتك . وتقدم للصف الأول وحرص على القرب من الإمام , فلقد صحت في فضل هذا العمل الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم . ويُشرع له أن يسلم على من فيه ولو كانوا في صلاة والمصلِّي عليه أن يردَّ بالإشارة بكفه.
ثم يصلي المسلم تحية المسجد ركعتين حتى بعد الفجر وبعد العصر على الرَّاجح كما هو روايةٌ عن الإمام أحمد رحمه الله . وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة فإذا طمع بإدراك تكبيرة الإحرام بعد الإمام مباشرةً فلا يقطعها بل يتمّها كما لو أقيمت وهو في السجود من الرَّكعة الثانية أو في التشهد وإن لم يطمع فإنه يقطعها .
أيُّها المسلمون : إن المساجد أحب البقاع على الله تعالى لأنها مكان الصلاة والعبادة وذكر الله وتعمُرها الملائكة, قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أحبُّ البلادِ إلى الله مساجدُها , وأبغضُ البلادِ إلى الله أسواقُها)). [رواه مسلم].
ولقد وضَّح صلى الله عليه وسلم وظيفة الجالس في المسجد حيث قال للأعرابي الذي بال في المسجد : (( إنَّ هذه المساجد لا تَصلح لشيءٍ من هذا البَول ولا القذر إنَّما هي لذكر الله عزَّ وجل والصلاةِ وقراءةِ القرآن)). [رواه البخاري ومسلم].
وليحذر المسلم من الكلام المحرم فهو في المسجد أشدُّ تحريماً , ومن النَّاس من يتقدم إلى المسجد ويُكثر من الكلام مع جاره بما لا فائدة منه بل فيه المضرَّة والإثم , وهؤلاء حرَموا أنفسهم فضائل الأعمال من قراءة القرآن والتَّسبيح والذِّكر.
ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع الصَّوت بالقراءة خوفاً من التَّشويش على المصلين والتَّالين فكيف بمن يرفع صوته في المسجد بأمور الدنيا ومَن بجواره يقرؤون القرآن, ولقد نصَّ أهل العلم على كراهة رفع الصوت في المسجد إلا فيما لا بدَّ منه من العلم ونحوه. أما البيع والشِّراء في المسجد والبحث عن الشيء المفقود فلقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (( إذا رأيتُم من يبيعُ أو يبتاعُ في المسجد فقولوا : لا أربحَ الله تجارتَك , وإذا رأيتم من يَنشدُ ضالَّةً في المسجد فقولوا : لا ردَّ الله عليك)). [رواه مسلم وأبو داوود والترمذي].
فالمساجد أسواق الآخرة فينبغي أن تُصان عن أمور الدنيا من بيع وشراء وإجارة وقرض ونحوها.
أيُّها المسلم : إياك أن يكون حظُّ المسجد منك إذا حضرت هو النّوم والنعاس ولا سيَّما في يوم الجمعة فإنه يوم عظيم ينبغي استغلاله بالقراءة والذكر والدعاء ولا سيما قبل صلاة الجمعة , ولكي تتفادى النُّعاس عليك أن تأخذ قسطاً من الرَّاحة قبل الحضور إلى المسجد ولا تستسلم لما يُسبِّب النعاس من الاستناد إلى جدارٍ أو خفضٍ للرأس , ولقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى علاج يسير فقال صلى الله عليه وسلم : (( إذا نعسَ أحدُكم وهو في المسجدِ فليتحوَّل عن مجلسِه ذلك إلى غيره)). [أخرجه أبو داوود].
وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه , وهدانا جميعا صراطَه المستقيم إنه جواد كريم, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيِّباً مباركاً فيه كما يُحبُّ ويرضى , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ الأعلى , وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولو العلم والتقى , وعلى من تبعهم بإحسان واقتفى , وسلم تسليما.
أمَّا بعدُ فيَا أيُّها المسْلمون : اتقوا الله حقَّ التقوى , وراقبوه في السرِّ والنَّجوى , واعلموا عباد الله: أن أصدق الحديث كتابُ الله , وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم , وشرّ الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.(10/59)
أيُّها الإخوة : إن السعداء في يوم القيامة هم الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم الرجل الذي قلبه متعلق بالمسجد يحبه حباً شديداً ويلازم صلاة الجماعة ويشتاق إليها , فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( سبعةٌ يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه .. فذكر منهم – ورجلٌ قلبه معلَّقٌ في المساجد)). [رواه البخاري ومسلم].
وفي رواية مالك في الموطَّأ : (( ورجلٌ قلبه متعلق بالمسجد إذا خرجَ منه حتَّى يعود إليه)). هذا والمنتظرُ للصلاة في صلاة , والملائكة تقول : اللهمَّ اغفر له اللهمّ ارحمه , بل جاء في الحديث الصحيح بيانُ فرحِ الرب وإقباله على عبده إذا قصد المسجد وبادر إليه , قال صلى الله عليه وسلم : (( ما توطَّن رجلٌ مسلمٌ المساجدَ للصلاةِ والذكرِ إلا تَبَشْبَشَ اللهُ تعالى إليه كما يتبشبش أهلُ الغائبِ بغائبهم إذا قَدِمَ عليهم)). [أخرجه ابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين- وهو في صحيح الترغيب والترهيب 1/202].
والبشّ : فرحُ الصديق بالصديق واللطف في المسألة والإقبال عليه , وهذا مثل ضربه لتلقيه إياه بالبر والتقريب والإكرام [النهاية لابن الأثير 1/130].
إن المسجد هو بيت الله عز وجل , لا بيت أحدٍ من الأحياء أو الأموات, فيه نتطهَّر ونتذكَّر, وفيه نسمو ونعلو, وإن الإنسان ليتقلب في هذه الحياة ما استطاع التقلُّبَ, وتؤثِّر فيه الدنيا بما تستطيع من تأثير فيناله اعوجاجٌ هنا, أو رهقٌ هناك, ويعلق به من زيف الحياة أو باطلها ما يعلق فإذا سعى إلى المسجد متطهراً ودخل في رحابه, وتوجه إلى الله في محرابه , سَمَى فوق المادة وتخلص من زيف الحياة , وارتبطت أسبابه بالله , وتنزلت عليه رحمات ربه الرحيم وأحس كأنه ليس في بقعة من بقاع الدنيا بل في الفردوس الأعلى . ولعل من هذا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (( وما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتابَ الله ويتدارسونَه بينهم إلا نَزلت عليهم السَّكينة وغشيتهمُ الرَّحمة وحفَّتهم الملائكة وذكرهُمُ الله فيمن عنده ..)).
عبَاد الله : المساجد بيوت الله فيها السكينة والإِلفة والاجتماع والمحبة فلا يجوز أن تكون ميداناً للخصومات والمنازعات , والمشاحنات والاتِّهامات كما يفعله بعض المسلمين- هداهم الله- بل إن من أهداف الاجتماع في المسجد الواحد جمع الكلمة ووحدة الصف, والتآلف والتراحم, فالصغير يحترم الكبير , والكبير يرحم الصغير, والعاميُّ يوقِّر طالب العلم ويعرف له قدره وهكذا تكون الحياة السعيدة الهانئة تكاتفٌ وتآلف, وتناصح وتعاطف فالإسلام جاء بالاجتماع والائتلاف ونهى عن التفرق والاختلاف والله المستعان.
أيُّها المسلمون : مما لا يجوز فعلُه في المساجد حجزُ المكان منه إما بفرش سجادة أو وضع عصا أو كتاب ونحوه وصاحب المكان إما في بيته أو في عمله وهذه الظاهرة تكثر في المسجد الحرام ولا سيما في رمضان, ألا فليعلم أن من سبق إلى مكان في المسجد فهو أحق به .
هذا ولا يدخل في المنع من الحجز مَن ذهب ليتوضأ ونحو ذلك مما لا بدَّ منه فإن من قام من مكانه ثم رجع إليه فهو أحق به. وحجز الأماكن يسبب النزاع والخصومات وربما تخطى صاحبه رقاب الناس وآذاهم بدون حاجة إلى التخطي والله المستعان.
أيُّها الشباب الفضلاء: تذكروا- أعانكم الله- حينما تذاكرون دروسكم في المساجد حرمةَ المسجد ومكانتَه فحافظوا على نظافتها, واجتنبوا رفع الصوت فيها, أو الإفراط في المُزاح أو إدخال صورٍ ذات أرواح أو الخروج من المسجد بعد الأذان بدون نيَّة الرجوع إليه فإن هذا مما نُهيَ المسلم عنه وتذكروا أنه كلما عظَّم المرءُ شعائر الله , كلما كان أقرب إلى توفيق الله.
وفق الله المسلمين إلى ما فيه صلاحهم إنه على كل شيء قدير ثم صلوا وسلموا على إمام المتقين وسيد النبيين محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
[1] متفق عليه
[2] انظر أشراط الساعة للوابل ( 146) .
[3] رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/221 , والبيهقي 2/236 وإسناده حسن كما في مجمع الزوائد 2/51 , وانظر سلسلة الصحيحة 3/356 .
===========
دراسة حول دور المسجد في القرن الأول الهجري
رياض العسافي
"دور المسجد في القرن الأول الهجري" دراسة قدمتها منيرة بنت عبد الملك بن دهيش، ونالت عنها درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي من قسم التاريخ بكلية التربية الأقسام الأدبية بجدة.
وكانت أهم النتائج التي خرجت بها الدراسة: أن المسجد لم يكن مكاناً لأداء الصلاة فقط؛ وإنما هو في الوقت نفسه مكان للدرس، والتفقه في الدين، وشرح مبادئ الإسلام الحنيف، وأن المعلم الأول فيه هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما تميز المسجد في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعهد الخلفاء الراشدين بأن أصبح مركز الدولة، وداراً للقضاء، ومنطلقاً لوفود الدعوة للإسلام، وفي جنباته سطرت أول الرسائل التي بعثها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك والرؤساء والأمراء يدعوهم فيها للدخول في الإسلام، واجتمعت في ساحاته الجيوش التي سارت بكل عزيمة وإيمان لفتح البلدان، ونشر الإسلام، ومن على منبره خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته ليبينوا للناس أمور دينهم ودنياهم، والحلال والحرام في منهج إسلامي، وبوحي إلهي.
وقد رافقت مسيرة المسجد كل الغزوات والتحركات والفتوحات، حيث انتشرت المساجد في البلاد المفتوحة، وكانت مكانته في قلب كل مدينة وحي، ومرافقاً لكل تجمع.(10/60)
مما أبرزت الدراسة أن العصر الأموي اتسم بصفات من أهمها انتقال مركز الخلافة من المدينة إلى دمشق مما كان له أثر في انتشار المساجد في جميع البلدان التي وصلت إليها الفتوحات الإسلامية خلال القرن الأول الهجري، لكن رغم انتقال مركز الخلافة من المدينة إلى دمشق فإن الحرمين الشريفين حافظا على مكانتهما الدينية والثقافية طوال هذه الفترة، وظهر فيهما علماء أجلاء كان لهم دورهم في استمرار المسيرة الثقافية وتطورها بين أبناء الأمة الإسلامية.
واختتمت الدراسة بالإشارة إلى سماحة الإسلام في بناء المسجد في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وعصر الخلفاء الراشدين - رضوان الله عليهم -، ثم ظهور طرز معمارية جديدة في العصر الأموي تمثلت في بناء القباب، والمآذن العالية، والمقصورة، والمحراب المجوف، واستخدام مواد بناء صلبة مثل أعمدة رخامية، وبعض الأخشاب التي كانت متوفرة في بلاد الشام، بجانب ما أحيط بذلك من زخرفة للقباب، وتيجان الأعمدة وقواعدها، مع المحافظة على الطابع الإسلامي.
http://www.alriyadh-np.com المصدر:
=============
المسجد والدور المنتظر في الذود عن رسول الله
تعتبر المساجد في الإسلام من الأماكن المهمة في بناء الدولة الإسلامية واستقرارها، حيث يتلقى فيها المسلمين تعاليم دينهم من صلاة وصيام وزكاة وقيام وحج وسائر الأعمال.
لذا فقد اهتم المسلمون قديما ببنائها في البقاع التي يعيشون فيها، واختيار الأشخاص المؤهلين لها، قال تعالى: ((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ )) (التوبة:18) .
ومما يؤكد مكانة المسجد في الإسلام كون النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يستقر به المقام عندما وصل إلى حي بني عمرو بن عوف في قباء، حتى بدأ ببناء مسجد قباء، وهو أول مسجد بُني في المدينة، وأول مسجد بني لعموم الناس كما قال ابن كثير رحمه الله.
وكذلك عندما واصل- صلى الله عليه وسلم- سيره إلى قلب المدينة كان أول ما قام به تخصيص أرض لبناء مسجده صلى الله عليه وسلم.
ولقد أدرك هذا الأمر صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاهتموا بذلك، حيث اعتنى الخلفاء الراشدون بها، فقد كتب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى ولاته أن يبنوا مسجداً جامعاً في مقر الإمارة، ويأمروا القبائل والقرى ببناء مساجد جماعة في أماكنهم، عن عثمان بن عطاء- رضي الله عنه- قال: لما فتح عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- البلاد كتب إلى أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- وهو على البصرة يأمره أن يتخذ للجماعة مسجداً، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة فشهدوا الجمعة.
قال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ( وكانت مواضع الأئمة ومجامع الأمة هي المساجد، فإن النبي- صلى الله عليه وسلم- أسس مسجده المبارك على التقوى، ففيه الصلاة والقراءة، والذكر وتعليم العلم والخطب، وفيه السياسة وعقد الألوية والرايات، وتأمير الأمراء، وتعريف العرفاء، وفيه يجتمع المسلمون لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم).
وهي بالإضافة لما تقدمه من دور مهم وبارز في الأمور الدينية، فإنها تسعى أيضا إلى تكوين الروابط الاجتماعية بين مرتاديه.
ومما يؤكد أهميته أيضا أنه يضم عدد من الإفراد المختلفين في تخصصاتهم، فمنهم الطبيب والمهندس، والتاجر والمعلم، والطالب.. الخ.
ولكن المتأمل لحال الكثير من المساجد في وقتنا الحاضر، يجد أنها قد تخلت عن دورها المهم والريادي، في توجيه الناس في أمورهم الدينية والدنيوية، وأصبحت مكان لتأدية العبادة فقط.
لذا كان علينا لزاماً أن نفعل دور المسجد في مواجهة الأحداث التي تواجه المسلم في حياته اليومية.
ومن تلك الأحداث التي ينبغي على المسجد أن يقوم بدوره تجاهها، هي الاستهزاء بنبينا محمد- صلى الله عليه وسلم-، فقد شهد العالم في الأشهر الماضية تجرأ بعض الرسامين الكاريكاتيرين على الاستهزاء بنبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- من خلال رسوم ساخرة، هدفها النيل من الإسلام وأهله.
فيا ترى ما الدور الذي ينبغي على المسجد القيام به لمواجهة مثل هذه التصرفات ؟ هناك العديد من الأمور التي يمكن للمسجد القيام بها، منها على سبيل المثال:
1- إقامة الدروس اليومية المختصرة، والتي تتحدث عن السيرة النبوية الصحيحة.
2- وضع اللوحات الحائطية التي توضح شيء من أخلاقه وصفاته صلى الله عليه وسلم.
3- إعداد النشرات التي تتحدث عن سيرته صلى الله عليه وسلم.
4- توزيع الأشرطة والكتيبات التي فيها شيء من سيرته العطرة.
5- إقامة المسابقات الثقافية في السيرة النبوية بين جماعة المسجد.
ختاما: إن ضعف دور المسجد هو انعكاس لضعف الأمة الإسلامية، ولن تكون الصحوة الإسلامية إلا عندما يقوم المسجد بدوره الشامل، ويرتقي بأساليبه ووسائله التربوية والتعليمية، بما يتناسب مع احتياجات العصر ومقتضياته ليصبح قلب الحياة الإسلامية من جديد.
كما أن على أئمة المساجد دور مهم في قيادة الأمة نحو طريق العزة والتمكين، لذا ينبغي أن يراعى ذلك عند اختيارهم، من حيث الكفاءة والقدرة، للقيام بهذا الدور العظيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
=============
وقفات مع إمام المسجد في رمضان !!(10/61)
فهذه كلمات يسيرات أوجهها إلى إخوتي أئمة المساجد والجوامع بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك .. وهي كلمات النصيحة دافعها، والمحبة في الله رائدها، والإخلاص وقودها.. فآمل أن تجد لديك أخي الإمام قبولاً وأن تفتح لك في مهمتك آفاقاً ..
أخي إمام المسجد: أهنئك بدخول شهر رمضان المبارك جعلني الله وإياك ممن يصوموه ويقوموه إيمانا واحتساباً، وأن يوفقنا وإياك فيه لصالح العمل .
كما إن شهر رمضان هو شهر الصيام والقيام والصدقة ، وشهر القرآن والطاعة والعبادة، فهو أيضاً شهر الدعوة والاحتساب خاصة لأئمة المساجد والجوامع، هو فرصة للتربية وتزكية النفوس .. لأن الناس يقبلون على المساجد ويؤمون الجوامع للصلاة والتراويح والاعتكاف ونفوسهم مهيأة لتقبل الخيرات وعمل الصالحات ، وهذه من نعمة الله على عباده .. ولاشك أن الداعية الناجح يهتبل الفرص ويغتنمها وهذا منهج نبوي أمثلته كثيرة ليس هذا مجال طرقها ..
نعم أخي في الله : رمضان فرصة للإمام الجاد في وظيفته المهتم بخطبته الحريص على جماعته وصلاته وقيامه ولا شك أن شهراً بعظمة رمضان يتطلب من الإمام جهداً لاغتنامه لنفسه والحرص على النفع المتعدي..
ولذا أوجه هذه الوصايا والوقفات عل الله أن ينفعني وإياك بها..
الوصية الأولى : تقوى الله جل وعلا في السر والعلن وما تأتي وما تذر، والإخلاص في القول والعمل فهما سبب التوفيق والنجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، قال ابن الجوزي: " إنما يتعثر من لم يخلص". فاخلص نيتك في إمامتك ودعوتك وصلاتك ودعائك ، والرجل كما قيل : إنما يُعطى على قدر نيته.
الوصية الثانية : وأنت تستعد للعمل والدعوة في رمضان ولاشك أن ذلك عبء كبير لمن يحملون هم الإسلام استعن بالله جل وعلا وتوكل عليه وسل ربك أن ييسر أمرك ويبارك في إمامتك ودعوتك ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، قال الله تعالى عن موسى عليه السلام وقد جاءه التكليف بالدعوة وتبليغ الرسالة : (( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي*يَفْقَهُوا قَوْلِي)) (طه:25،28).
الوصية الثالثة : الإمامة أمانة.. فالله الله في أداء الأمانة بالحرص على أداء الصلاة في وقتها ، وعدم التخلف عنها إلا لعذر شرعي وإنابة من تبرؤ به الذمة حال الغياب الضروري فأنت قدوة في قولك وعملك فكيف تريد من الناس المحافظة على الصلاة وأنت لا تحافظ عليها أو تتخلف عن أدائها..
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
الوصية الرابعة : احرص بارك الله فيك على تعاهد المسجد وتهيئته للمصلين والمتهجدين والمعتكفين وذلك بتطيبه والعناية بنظافته وتنظيم أثاثه والاهتمام بدورات المياه وصيانتها والحفاظ على محتوياته ، والعناية بالصوتيات والاعتدال في ذلك.
الوصية الرابعة: احرص على الاستعداد العلمي لرمضان بمعرفة أحكام الصيام والقيام والاعتكاف وزكاة الفطر وأحكام العيد والست من شوال حيث إنك تحتاج لذلك لتقوم بعبادتك على الوجه المطلوب ، والناس سيسألونك – ولاشك - عن ذلك ، ويستطيع الإمام أن يتفقه في ذلك بقراءة الكتب الفقهية عن الصيام أو قراءة فتاوى العلماء الكبار في ذلك أو الملخصات الفقهية المعتمدة أو سماع الدروس العلمية التي تتحدث عن الصيام وأحكامه ومخالفاته [1]
الوصية الخامسة : احرص على القراءة على المصلين في الوقت الذي تراه مناسباً لحال جماعتك، واحرص على الاختصار مع التحضير للدرس والتعليق المفيد إن اقتضى الأمر"[2]"
الوصية السادسة : احرص على إتباع السنة في صلاة التراويح والاقتصاد في الدعاء وعدم الاعتداء واحذر من السرعة في الصلاة قال أهل العلم : إنه يكره للإمام أن يسرع بالجماعة سرعة تمنعهم من فعل ما يُسن فكيف بفعل ما يجب..
الوصية السابعة : يكثر سفر بعض الأئمة للعمرة في رمضان فيتركون المسجد أياماً أو يختمون مبكرين في أول العشر الأواخر ويذهبون إلى مكة ويقولون نحن وكلنا من يقوم بالمهمة على أكمل وجه، وهذا خطأ لأن أداء العمرة سنة والقيام بالإمامة واجب فكيف يقدم النفل على الفرض ، ثم إن العمرة نفع قاصر والإمامة والصلاة نفع متعد وهو مقدم.
الوصية الثامنة : الدعوة في الحي أثناء رمضان وهناك بعض الأعمال الدعوية التي لها ثمارها المجربة في رمضان ومنها:
* هداية رمضان: فالهدية تفتح القلوب وطريق للدعوة ووسيلة سهلة ميسرة للتواصل مع الناس مع مراعاة أحوال الجماعة فمنهم الصالحون ومنهم دون ذلك وهم يختلفون بحسب حرصهم على الصلاة ومحافظتهم على أسرهم ومَنْ تحت ولايتهم فيراعى في الهدية ذلك..
* طرح المسابقات الهادفة لأهل الحي ومراعاة المراحل العمرية ووضع عليها جوائز رمزية وقيمة.
زيارة المقصرين في بيوتهم لمناصحتهم عما هم واقعون فيه من ترك للصلاة أو تفريط في تربية البنين والبنات أو تركيب للدشوش والقنوات الماجنة وغير ذلك من المخالفات .
* استضافة العلماء والدعاة لإلقاء الدروس والكلمات بعد التراويح أو غيرها .
* استغلال حضور المصليات وتوزيع المفيد عليهنَّ من الأشرطة والكتب والمطويات، وإعطائهن نصيباً من التوجيه والاهتمام باستضافة الداعيات وطالبات العلم.
* تعاهد لوحة إعلانات المسجد والإشراف التام عليها مع الحرص على تنوع مادتها وتجديدها بين الحين والآخر.
* إعداد برنامج للعيد وتنسيق اجتماع للجيران بعد صلاة العيد في المسجد لبذل السلام وإشاعة روح التعاون والمودة والتواصل بين الجيران والإصلاح بين المتخاصمين.(10/62)
الوصية التاسعة : وعلى الإمام أن يكلل هذه الأمور كلها بدعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة والرفق وعدم التعنيف والحرص على هداية الناس كما كان النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى : ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )) (آل عمران:159) .
وقال سبحانه: ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) (النحل:125) .
الوصية العاشرة : تفطير الصائمين في هذا الشهر الكريم وتهيئة المكان لذلك وحث الجماعة على المساهمة في ذلك ، وإن كان هناك وافدون وهم الأغلب فاجعل مع غذاء البدن غذاء الروح وهذا - بحمد لله - متوفر عند مكاتب دعوة الجاليات فهم يمدونك بالكتيبات والدعاة وبجميع اللغات.
الوصية الحادية عشرة : العناية بفقراء الحي وتفقدهم فهم أولى بالمعروف وذلك إعداد برنامج لجمع الزكاة وتوزيعها على فقراء الحي وإعانة محتاجهم وسد فاقتهم وستر خلتهم أو السعي لدى من يعينهم.
وفي الختام
أخي إمام المسجد : إن أهل الباطل يتسابقون لخطف رمضان وهدم روحانيته وإفساد حلاوته بالمسلسلات الطائشة والأفلام الماجنة والفوازير الهازلة , فلابد أن نسعى للحفاظ على هيبة رمضان وجلاله وذلك بالحرص على أن نقدم برامج تكون بدائل مزاحمة لهذا الإعلام الملوث وإحياء دور المسجد وتفعيله ..
وفقني الله وإياك لما يحب , وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الشيخ: محمد بن إبراهيم السبر
إمام وخطيب جامع - الأميرة موضي السديري - بالعريجاء - بالرياض
ص . ب 150063 – الرياض - 11745
ناسوخ:014365191
البريد الالكتروني: alsaber111@hotmail.com
[1]- يمكنك الرجوع والاستعانة مثلاً بالملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان، الصيام آداب وأحكام للدكتور عبد الله الطيار ، مخالفات الصيام للشيخ / عبد العزيز السدحان وغيرهما.
[2]- ومن الكتب المفيدة في هذا الباب " على سبيل المثال لا الحصر ": مجالس شهر رمضان للعلامة ابن عثيمن رحمه الله ،أحاديث الصيام آداب وأحكام للشيخ عبد الله الفوزان، فتاوى رمضان لمجموعة من العلماء جمع أشرف عبدا لمقصود، دروس رمضان لعبد الملك القاسم، رمضان دروس وعبر للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد وغيرها.
=============
حكم حضور النساء إلى المساجد
صالح بن فوزان الفوزان
دار القاسم ...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن ديننا كامل وشامل لمصالحنا في الدنيا والآخرة، جاء بالخير للمسلمين رجالاً ونساءً: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل:97]؛ فهو قد اهتم بشأن المرأة، ووضعها موضع الإِكرام والاحترام، إن هي تمسكت بهديه، وتحلَّت بفضائله.
ومن ذلك أنه سمح لها بالحضور إلى المساجد للمشاركة في الخير من صلاة الجماعة، وحضور مجالس الذكر، مع الاحتشام، والتزام الاحتياطات التي تبعدها عن الفتنة، وتحفظ لها كرامتها.
فإذا استأَذنت إلى المسجد، كره منعها، قال النبي : { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن، وليخرجن تفلات } أي: غير متزينات ولا متطيبات [رواه أحمد وأبو داود]، وذلك لأن أداء الصلاة المكتوبة في جماعة فيها فضل كبير للرجال والنساء، وكذلك المشي إلى المسجد، وفي الصحيحين وغيرهما: { إذا استأذنت نساؤكم بالليل إلى المسجد، فأذنوا لهن }، ووجه كونها تستأذن الزوج في ذلك؛ لأن ملازمة البيت حق الزوج، وخروجها للمسجد في تلك الحال مباح؛ فلا تترك الواجب لأجل مباح، فإذا أذن الزوج؛ فقد أسقط حقه، وقوله : { وبيوتهنَّ خير لهن }؛ أي: خير لهن من الصلاة في المسجد، وذلك لأمن الفتنة بملازمتهن البيوت.
وقوله : { وليخرجن تفلات }؛ أي: غير متطيبات، وإنما أمرن بذلك؛ لئلا يفتن الرجال بطيبهن، ويصرفوا أنظارهم إليهن، فيحصل بذلك الافتتان بهن، ويلحق بالطيب ما كان بمعناه كحسن الملبس، وإظهار الحلي، فإن تطيبت أو لبست ثياب زينة؛ حرم عليها ذلك، ووجب منعها من الخروج، وفي صحيح مسلم وغيره: { أيما امرأة أصابت بخوراً؛ فلا تشهدن معنا العشاء الأخير }.
وكذلك إذا خرجت المرأة إلى المسجد؛ فلتبتعد عن مزاحمة الرجال.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ( يجب على ولي الأمر أن يمنع من اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق ومجامع الرجال، وهو مسؤول عن ذلك، والفتنة به عظيمة، كما قال النبي : { ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء..} ) إلى أن قال: ( يجب عليه منعهن متزينات متجملات، ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات كالثياب الواسعة الرقاق، ومنعهن من حديث الرجال؛ أي: التحدث إليهم في الطرقات، ومنع الرجال من ذلك ) انتهى.
فإذا تمسكت المرأة بآداب الإسلام من لزوم الحياء، والتستر، وترك الزينة والطيب، والابتعاد عن مخالطة الرجال؛ أبيح لها الخروج إلى المسجد لحضور الصلاة والاستماع للتذكير، وبقاؤها في بيتها خير لها من الصلاة في المسجد؛ ابتعاداً عن الفتنة، وتغليباً لجانب السلامة، وحسماً لمادة الشر.(10/63)
أما إذا لم تلتزم بآداب الإسلام، ولم تجتنب ما نهى عنه الرسول من استعمالها الزينة، والطيب للخروج، فخروجها للمسجد حينئذ حرام، ويجب على وليها وذوي السلطة منعها منه.
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: ( لو رأى [تعني: الرسول ] ما رأينا؛ لمنعهن من المسجد كما مُنعت بنو إسرائيل )؛ فخروج المرأة إلى المساجد مراعى فيه المصلحة واندفاع المفسدة، فإذا كان جانب المفسدة أعظم؛ مُنعت.
وإذا كان هذا الشأن في خروجها للمسجد؛ فخروجها لغير المسجد من باب أولى، أن تراعى في الحيطة والإبتعاد عن مواطن الفتنة.
وإذا كان هناك اليوم قوم ينادون بخروج المرأة لمزاولة الأعمال الوظيفية، كما هو شأنها في الغرب، ومن هم على شاكلة الغرب؛ فإن هؤلاء يدعون إلى الفتنة، ويقودون المرأة إلى شقائها وسلب كرامتها.. فالواجب إيقاف هؤلاء عند حدهم، وكف ألسنتهم وأقلامهم عن هذه الدعوة الجاهلية، وكفى ما وقعت فيه المرأة في بلاد الغرب، ومن حذا حذوها من ويلات، وتورطت فيه من واقع مؤلم، تئن له مجتمعاتهم، وليكن لنا فيهم عبرة؛ فالسعيد من وعظ بغيره.
وليس لهؤلاء من حجة يبررون بها دعوتهم؛ إلا قولهم: إن نصف المجتمع معطل عن العمل، وبهذا يريدون أن تشارك المرأة الرجل في عمله وتزاحمه فيه جنباً إلى جنب، ونسوا أو تناسوا أو تجاهلوا ما تقوم به المرأة من عمل جليل داخل بيتها، وما تؤديه للمجتمع من خدمة عظيمة، لا يقوم بها غيرها، تناسب خلقتها، وتتمشّى مع فطرتها؛ فهي الزوجة التي يسكن إليها زوجها، وهي الأَم والحامل والمرضع، وهي المربية لللأَولاد، وهي القائمة بعمل البيت، فلو أنها أُخرجت من البيت، وشاركت الرجال في أَعمالهم؛ من ذا سيقوم بهذه الأعمال؟! إنها ستتعطل، ويومها سيفقد المجتمع نصفه الثاني؛ فماذا يغنيه النصف الباقي؟! سيختل بنيانه، وتتداعى أركانه.
إننا نقول لهؤلاء الدعاة: ثوبوا إلى رشدكم، ولا تكونوا ممن بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار، كونوا دعاة بناء، ولا تكونوا دعاة هدم.
أيتها المرأة المسلمة: تمسكي بتعاليم دينك، ولا تغرنك دعايات المضللين الذين يريدون سلب كرامتك التي بوأك منزلتها دين الإسلام، وليس غير الإسلام وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلاَمِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فيِ الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ [آل عمران:85]، وفقنا الله جميعاً لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخر
===============
أحكام تحية المسجد
محمد بن صالح الخزيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، عبد ربه كما يجب، وأرشد أمته إلى أكمل الشرائع أما بعد:
فإن الناظر إلى الواقع اليوم يجد الكثيرين ممن يعبدون الله ويتقربون إليه ملتزمين بالعبادات المالية والبدنية، غير أن البعض منهم - بل الكثيرين - بمعزل عن أغلب أحكام تلك العبادات، سواء كانت بدنية كالصلاة على اختلاف صورها، أو كانت مالية كالزكاة، وكذلك الحج.
لهذا تجد البعض لا يعرف من العبادة إلا صفتها وهيئتها، وما أن يعرض له أدنى حكم شرعي حتى يحس بالحيرة والارتباك، فيبحث عن ذلكم العالم أو المفتي ليزيل لبسه، ويحل إشكاله، وإن كان هذا ضرورياً إلا أن الذي ينبغي أن يكون عليه أهل الإسلام الإحاطة بتلك الأحكام ليدرك فضيلة قوله: ( من يرد الله به خيراً يفقه في الدين )[رواه البخاري ومسلم]، ويعبد الله على علم وبصيرة.
وبما أن هذا الأمر قد يتعذر في حق البعض، وحرصاً على نشر العلم، ورجاء فضله، ولكثرة المسائل، فقد استعنت بالله ذا العلم والفضل على بحث بعض المسائل، جامعاً جملة من أحكامها لكل مسلم، بأسلوب سهل ميسر مختصر، معتمداً الدليل الشرعي، ومستنداً إلى مباحث أهل العلم لتقريب المسائل والأحكام، ومشيراً في الهامش إلى المصادر لمن أراد الاستزادة والمراجعة.
فمن هذه المسائل (تحية المسجد) التي تعبدنا الله بها فأسأله العون والسداد، وأن يهديني إلى الحق والصواب.
اللهم اهدنا لأحسن الأعمال والأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وجنبنا سيئها إنّك أنت السميع المجيب.
بيان أحكام تحية المسجد:
تعريف تحية المسجد، وبيان حكمها:
تحية المسجد ركعتان يصليهما الداخل إلى المسجد، وهي سنة إجماعاً في حق كل من دخل المسجد، لعموم الأخبار [انظر فتح الباري: 2/407].
من يستثنى من تحية المسجد:
يستثنى من هذا خطيب المسجد إذا دخل لخطبة الجمعة فلا يصلي ركعتين، وأيضاً قيّم المسجد الذي يوالي إلى المسجد لتكرار دخوله فتشق عليه، كما لا تسنّ في حال من دخل المسجد، والإمام في صلاة مكتوبة، أو بعد الشروع في الإقامة لأن الفريضة تغني عن تحية المسجد [سبل السلام: 1/320].
وذهب البعض إلى استحباب تكرار التحية، لكل مرة إذا تكرر الدخول إليه، أخذ به النووي، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو ظاهر كلام الحنابلة [المجموع: 4/75].
وذهب الشوكاني - رحمه الله -: إلى أن تحية المسجد مشروعة، وإن تكرر الدخول إلى المسجد لظاهر الحديث [نيل الأوطار: 3/70] والله أعلم.
الحكمة من تحية المسجد:
تؤدى التحية إكراماً للمسجد، كأنها في دخول المنزل بمنزلة السلام، كما يسلم الرجل على صاحبه عند لقائه.
قال النووي - رحمه الله -: (وعبر بعضهم بتحية رب المسجد، لأن المقصود منها القربة إلى الله لا إلى المسجد، لأن داخل بيت الملك يحيي الملك لا البيت)[حاشية ابن قاسم: 2/252].
مسائل تتعلق بتحية المسجد:(10/64)
المسألة الأولى: مشروعية تحية المسجد في جميع الأوقات لأنها من ذوات الأسباب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. وقال به مجد الدين أبي البركات، وابن الجوزي، وغيرهم [انظر الإنصاف: 2/802، والمحرر: 1/86، ونيل الأوطار: 3/62، والفتاوى لابن تيمية: 23/219].
وبهذا الحكم أخذ شيخنا محمد بن عثيمين وصححه [الشرح الممتع: 4/179]، وكذلك شيخنا ابن باز - رحمه الله - [انظر فتاوى مهمة تتعلق بالصلاة].
المسألة الثانية: وقت تحية المسجد عند الدخول، وقبل الجلوس، أما إن جلس عامداً عالماً فلا يشرع له القيام للإتيان بها، حيث فوت وقتها.
المسألة الثالثة: من دخل المسجد وجلس جاهلاً، أو ناسياً قبل الإتيان بالتحية، شرع في حقه القيام والصلاة ركعتين؛ لأنها لا تفوت بالجلوس في حق المعذور، بشرط ما لم يطل الفصل اتفاقاً [انظر فتح الباري: 2/408].
المسألة الرابعة: حكم تحية المسجد سنة، بخلاف من قال بوجوبها، وحكى النووي الاجماع على ذلك [نيل الأوطار: 3/68].
المسألة الخامسة: من دخل المسجد والمؤذن يؤذن، فالمشروع في حقه أن يجيب المؤذن، ويؤخر تحية المسجد ليدرك أفضلية الإجابة، إلا إذا دخل المسجد يوم الجمعة وقد بدأ الأذان للخطبة ففي هذه الحال يقدم تحية المسجد على الإجابة، لأن سماع الخطبة أهم [الإنصاف: 1/427].
المسألة السادسة: من دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب يسن له أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ويخففها ويكره له تركها [الفتاوى لابن تيمية: 23/219] لحديث: (فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)[رواه البخاري: 1163، ومسلم: 714]، وحديث: (فليركع ركعتين وليتجوز فيهما)[رواه البخاري: 931، ومسلم: 875]، أما إذا كان الخطيب في آخر الخطبة وغلب على ظن الداخل إن صلى التحية لم يدرك أول الصلاة، وقف حتى تقام الصلاة، ولا يجلس حتى لا يكون جلس في المسجد قبل التحية.
المسألة السابعة: تحية المسجد الحرام الطواف عند أكثر الفقهاء، وقال النووي: (تحية المسجد الحرام الطواف في حق القادم، أما المقيم فحكم المسجد الحرام وغيره في ذلك سواء)[فتح الباري: 2/412]، ولعل مراده ما لم يقصد الطواف، أما إن أراد الطواف فإنه يستغني بالطواف عن الركعتين، وهو الصواب[انظر حاشية ابن قاسم: 2/487].
المسألة الثامنة: تجزي السنة الراتبة القبلية عن تحية المسجد، فسنة الصلاة في المسجد كافية عن التحية، لأن المقصود من التحية أن يبدأ الداخل للمسجد بالصلاة، وقد وجدت بالسنة الراتبة، وإن نوى التحية والسنة الراتبة، أو التحية والفريضة حصلا جميعاً، قال النووي: بلا خلاف [انظر كشاف القناع: 1/423].
المسألة التاسعة: تحية المسجد لا تحصل بركعة واحدة، ولا بصلاة جنازة، ولا بسجود تلاوة، ولا بسجود شكر [انظر كشاف القناع: 1/424].
المسألة العاشرة: إن اكتفى إمام المسجد بالمكتوبة عن تحية المسجد لاقتراب موعد إقامة الصلاة كفاه ذلك [سبل السلام: 1329] فعن جابر بن سمرة قال: (كان بلال يؤذن إذا زالت الشمس ولا يخرم، ثم لا يقيم حتى يخرج إليه النبي، فإذا خرج أقام حين يراه)[رواه مسلم وأبو داود].
أما عند إرادة الجلوس فإن تحية المسجد تشرع في حق الإمام كغيره، لعموم الأدلة، وانظر المسألة التالية ففي الحديث عنه: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)[رواه البخاري: 444، ومسلم: 764].
وعند الصلاة في الصحراء فلا تحية [الفواكه العديدة: 1/99]، إلا عندما تكون الصلاة في مسجد على الطريق حال سفره فله أدائها، وإن نوى تحية المسجد والفريضة معاً ذلك أصح.
المسألة الحادية عشر: لا يشرع للإمام أن يصلي قبل الجمعة أو العيدين تحية المسجد، وإنما يبدأ بالخطبة في الجمعة [انظر المجموع: 4/448]، وبالصلاة في العيد، لأن هذا فعله، أما المأموم فتشرع له تحية المسجد [سبق ذكر أحكام تحية المسجد للمأموم] في مصلى العيد قبل جلوسه لعموم الأدلة، وسواء صلى العيد في المسجد أو في مصلى العيد لأن له حكم المسجد، بدليل حديث أم عطية - رضي الله عنها - قالت: (أمرنا أن نخرج العواتق والحيّض في العيدين يشهدن الخير، ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيّض المصلى)[رواه البخاري: 324 ومسلم: 890]، وإلى هذا ذهب شيخنا محمد بن عثيمين - رحمه الله - وهو مذهب الشافعي [الشرح الممتع: 5/205]، وصححه صاحب الإنصاف والفروع. [انظر الإنصاف: 1/246].
المسألة الثانية عشر: يسن لمن صلى الفريضة ثم حضر مسجداً قد أقيمت فيه الصلاة أن يدخل في تلك الصلاة لقوله: ( إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة )[رواه الترمذي: 219].
بهذا يكتفي بالفريضة من تحية المسجد، وتكون هذه الصلاة نافلة، والفرض هي الأولى، لأنها برئت بها الذمة.
وهذه المسألة توجد كثيراً في المساجد التي تؤدي فيها صلاة الجنازة، أو يعقد فيها دروس علمية ونحوها، فمن دخل مع الإمام على هذه الحال فإن له أن يتم الصلاة لعموم قوله: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا )[أخرجه البخاري: 636، ومسلم: 602] وهو الأفضل.
وإن أدرك ركعتين من الصلاة مع الإمام فله أن يسلم معه، أما إن أدرك أقل من ذلك فالسنة أن يتم ركعتين ثم يسلم [الشرح الممتع: 4/220].
أما الجلوس بعد دخول المسجد أو الانتظار حتى تنتهي الجماعة من الصلاة فخلاف السنة، ودليل على جهل صاحبها.
فنسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، إنه أهل الجود والكرم. آمين.
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
http://www.kalemat.org المصدر:
==============
تنشيط مهمة المسجد في الغرب
د. صهيب حسن عبد الغفار(10/65)
يوضح الكاتب أنه لكي ندرك مسؤوليات المساجد في الغرب بالتحديد نأتي على بعض ميزاتها منها:
أولاً: الإقليمية، حيث نرى أن معظم هذه المساجد أقامته جاليات معينة من باكستانية، وبنغالية، وصومالية، ويمنية، ومغربية، وتركية.
ثانياً: المركزية، والمقصود بذلك تمركز الجالية حولها كخلية نحل.
ثالثاً: العلمية، والمراد بها الأنشطة التعليمية والثقافية، وما يتعلق بتدريس الناشئة مبادئ دينهم، وإرشاد الرجال والنساء إلى ما يهمهم من أمور وواجبات دينية.
رابعاً: الحزبية المذهبية، ومنشؤها التعصب المذهبي لفئة دون فئة، أو مذهب دون آخر، مما يجعل المسجد محل صراع ونزاعات بين أعضاء الجالية نفسها.
واقترح د. صهيب كيف يمكن تحسين شؤون المسجد بصفة عامة منها:
ضرورة بناء المساجد داخل مجتمعات المسلمين، ومكان تمركزهم، وليس بعيداً عن منازلهم.
عند إنشاء المسجد يجب التوسعة في قاعاته، والإنارة الكافية في مرافقه، وتخصيص مكان لمصلى النساء، وإحداث قاعات خاصة بالاجتماعات أو الأنشطة الاجتماعية، بالإضافة إلى مرافق أخرى مثل فصول مدرسية، وقاعة مطالعة، ومسكن للإمام والمؤذن والخادم.
اختيار هيئة أمناء للإشراف على أمور المسجد.
حسن اختيار الإمام والخطيب بحيث يكون ذا كفاءة ومؤهلات عالية، مع تعيين مؤذن حسن الصوت.
نظراً لأهمية خطبة الجمعة يجب أن يراعي الخطيب الأحوال والظروف الراهنة ليكون للخطبة أثرها الفاعل في المسلمين.
يجب تثقيف رواد المسجد أيضاً حتى يراعوا الآداب المتعلقة بالمكان والزمان، ويعرفوا ما يرجى منهم تجاه الإمام والمسؤولين في المسجد.
http://www.muslimworldleague.org المصدر:
============
تاريخ المسجد النبوي
قصة بنائه:
أسس النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد في ربيع الأول من العام الأول من هجرته، وكان طوله سبعين ذراعاً، وعرضه ستين ذراعاً، أي ما يقارب 35 متراً طولاً، و30 عرضاً، جعل أساسه من الحجارة، والدار من اللَّبِن وهو الطوب الذي لم يحرق بالنار، وكان النبي يبني معهم اللَّبِن والحجارة، وجعل له ثلاثة أبواب، وسقفه من الجريد.
روى البخاري قصة بنائه (7/266-فتح الباري) في حديث طويل عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملأ من بني النجار فجاؤوا، فقال: يا بني النجار ثامِنوني بحائطكم هذا، فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، قال: فكان فيه ما أقول لكم، كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خِرَب، وكان فيه نخل، فأمر رسول الله بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، قال: فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه (خشبتان مثبتتان على جانبي الباب) حجارة، قال: جعلوا ينقلون ذاك الصخر وهم يرتجزون، ورسول الله معهم يقولون: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة)
ولما ازدحم المسجد وكثر المسلمون قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بتوسيعه، وذلك في السنة السابعة من الهجرة بعد عودته من خيبر فزاد في طوله عشرين ذراعاً وفي عرضه كذلك، وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - هو الذي اشترى هذه البقعة التي أضافها النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في سنن الترمذي (5/3703).
ومسجد النبي هو المسجد الذي أسس على التقوى كما في صحيح مسلم (رقم 1398)، وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) متفق عليه (فتح الباري 3/63 برقم 1190 وصحيح مسلم رقم 1394)، وفيه أيضاً قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه كان له كأجر حاج تاماً حجته) رواه الطبراني في المعجم الكبير (8/111) وأبو نعيم في حلية الأولياء (6/97) وهو حديث صحيح.
منبر النبي:
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي) صحيح البخاري رقم (1196-1888-6588) ومسلم رقم (1391). قوله على حوضي: أي أنه يعاد هذا المنبر على حاله، وينصب على حوضه.
وكان النبي يخطب أولاً إلى جذع نخلة ثم صنع له المنبر فصار يخطب عليه، روى البخاري في صحيحه (6/601 فتح الباري) عن جابر - رضي الله عنه - (أن النبي كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار أو رجل: يا رسول الله ألا نجعل لك منبراً؟ قال: إن شئتم، فجعلوا له منبراً، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي فضمَّه إليه يئِنُّ أنين الصبي الذي يُسَكَّن، قال: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها)، وأقيم بعد الجذع مكانه أسطوانة تعرف بالأسطوانة المخلقة أي: المطيبة.
ولحرمة هذا المنبر جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إثم من حلف عنده - كاذباً - عظيماً، فقد روى الإمام أحمد في المسند (2/329-518) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمة على يمين آثمة ولو على سواك رطب إلا وجب له النار) حديث صحيح.
الروضة:
هي موضع في المسجد النبوي الشريف واقع بين المنبر وحجرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن فضلها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي)، وذرعها من المنبر إلى الحجرة 53 ذراعاً، أي حوالي 26 متراً ونصف متر.
الصُفة:(10/66)
بعدما حُوِّلت القبلة إلى الكعبة أمر النبي بعمل سقف على الحائط الشمالي الذي صار مؤخر المسجد، وقد أعد هذا المكان لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل، وإليه ينسب أهل الصفة من الصحابة - رضي الله عنهم -.
الحجرة:
هي حجرة السيدة عائشة - رضي الله عنها -، دُفِن فيها النبي بعد وفاته، ثم دفن فيها بعد ذلك أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - سنة 13 هـ، وكان - رضي الله عنه - قد أوصى عائشة أن يدفن إلى جانب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما توفي حفر له وجعل رأسه عند كتفي رسول الله، انظر طبقات ابن سعد (3/209)، ودفن فيها بعدهما عمر - رضي الله عنه - سنة 24 هـ إلى جانب الصديق، وكان قد استأذن عائشة في ذلك فأذنت له، روى قصة الاستئذان البخاري في صحيحه (3/256 فتح الباري).
صفة القبور هي كالتالي:
قبر النبي في جهة القبلة مقدماً، يليه خلفه قبر أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ورأسه عند منكب النبي، ويليه خلفه قبر عمر الفاروق - رضي الله عنه -، ورأسه عند منكب الصديق، كانت الحجرة الشريفة من جريد مستورة بمسوح الشعر، ثم بنى عمر بن الخطاب حائطاً قصيراً، ثم زاد فيه عمر بن عبد العزيز. انظر طبقات ابن سعد (2/494)، وفي عهد الوليد بن عبد الملك أعاد عمر بن عبد العزيز بناء الحجرة بأحجار سوداء بعدما سقط عليهم الحائط، فبدت لهم قدم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. كما في صحيح البخاري (3/255 فتح الباري)، ثم جُدد جدار الحجرة الشريفة في عهد قايتباي (881هـ).
الحائط المُخَمَّس:
هو جدار مرتفع عن الأرض بنحو 13 ذراعاً أي ستة أمتار ونصف، بناه عمر بن عبد العزيز سنة 91 هـ حول الحجرة الشريفة، وسمّي مُخَمساً لأنه مكون من خمسة جدران وليس له باب، وجعله مخمساً حتى لا يشبه بالكعبة.
محاولات سرقة جسد النبي وصاحبيه:
1- محاولة الحاكم العبيدي: الحاكم بأمر الله (توفي 411 هـ) الأولى، أراد نقل أجسادهم إلى مصر، وكلف بذلك أبا الفتوح الحسن بن جعفر، فلم يُفق بعد أن جاءت ريح شديدة تدرحجت من قوتها الإبل والخيل، وهلك معها خلق من الناس، فكانت رادعاً لأبي الفتوح عن نبش القبور، وانشرح صدره لذلك، واعتذر للحاكم بأمر الله بالريح. انظر تفصيلها في: وفاء الوفاء للسمهودي (2/653).
2- المحاولة الثانية للحاكم بأمر الله، فقد أرسل من ينبش قبر النبي، فسكن داراً بجوار المسجد، وحفر تحت الأرض، فرأى الناس أنواراً وسُمع صائح يقول: أيها الناس إن نبيكم يُنبش ففتش الناس فوجدوهم وقتلوهم. المصدر السابق.
3- محاولة بعض ملوك النصارى عن طريق نصرانيين من المغاربة في سنة (557 هـ) في عهد الملك نور الدين زنكي، فقد رأى الملك في منامه النبي يقول: أنجدني أنقذني من هذين - يشير إلى رجلين أشقرين -، فتجهز وحج إلى المدينة في عشرين رجلاً ومعه مال كثير، فوصل المدينة في (16 يوماً)، وكان الناس بالمدينة يأتون إليه يعطيهم من الصدقات، حتى أتى عليه أهل الناس بالمدينة كلهم، ولم يجد فيهم الرجلين اللذين رآهما في المنام، فسأل الناس هل بقي أحد؟ فذكروا له رجلين مغربيين غنيَّين يكثران من الصدقة على الناس، وذكروا من صلاحهما وصلاتهما، فطلبهما فأتي بهما، فوجدهما اللذين رآهما في المنام، فسألهما فذكرا أنهما جاءا للحج، وكان منزلهما برباط قرب الحجرة الشريفة، فذهب بهما إلى منزلهما فلم يجد فيه شيئاً مريباً، وذكر الناس عنده من صلاحهما وعبادتهما فبقي السلطان يطوف في البيت بنفسه، فرفع حصيراً فيه، فرأى سرداباً محفوراً ينتهي إلى قرب الحجرة الشريفة... فضربهما فاعترفا بحالهما الحقيقي وأنهما جاءا لسرقة جسد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فضرب رقابهما تحت الشباك الذي يلي الحجرة الشريفة.
انظر تفصيلاً أكثر في وفاء الوفا (2/648)، وبعد هذه الحادثة، أمر السلطان نور الدين زنكي ببناء سور حول الحجرة الشريفة فحفر خندقاً عميقاً، وصبّ فيه الرصاص.
4- محاولة جماعة من نصارى الشام، فإنهم دخلوا الحجاز، وقتلوا الحجيج، وأحرقوا مراكب المسلمين البحرية، ثم تحدثوا أنهم يريدون أخذ جسد النبي، فلما لم يكن بينهم وبين المدينة إلا مسيرة يوم لحقهم المسلمون - وكانوا بعيدين منهم بنحو مسيرة شهر ونصف - فقتلوا منهم وأسروا، وكانت آية عظيمة. انظر رحلة ابن جبير (ص31-32).
5- حاول جماعة من أهل حلب في القرن السابع إخراج جسد الشيخين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، ودفعا مالاً عظيماً لأمير المدينة، فاتفقوا أن يدخلوا ليلاً، فطلب الأميرُ شيخَ الخدام بالمسجد النبوي وهو شمس الدين صواب اللمطي، وأمره أن يفتح لهم الباب بالليل ويمكنهم مما أرادوا، فاهتم لذلك، فلما جاؤوه ليلاً وكانوا أربعين رجلاً فتح لهم ومعهم آلات الحفر والشموع، قال شيخ الخدام: فوالله ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الأرض جميعهم بجميع ما كان معهم من الآلات ولم يبق لهم أثر.
وهذه الحكاية لا تعرف عن غير شمس الدين صواب، فإنه لم يشهدها أحد غيره، وأمر الأمير بكتمها، ولم يحدث بها إلا أناساً قليلين، وصواب هذا شيخ صالح أثنى عليه السخاوي كما ذكر ذلك في التحفة اللطيفة (2/248)، وذكر أن له قصة سيذكرها في ترجمة هارون بن عمر بن الزغب، ولم أجد ترجمته في المطبوع من هذا الكتاب، فالله أعلم بحقيقة الحال، وقد ذكر هذه القصة بتفصيل السمهودي في وفاء الوفا (2/653) عن المحب الطبري. والله أعلم.
من البدع المتعلقة بزيارة المسجد النبوي:(10/67)
التمسح بشبابيك الحجرة الشريفة، وتقبيلها، وإلصاق الصدر والبطن بها. قال شيخ الإسلام (المجموع 27/79): " واتفق العلماء على أن من زار قبر النبي أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين والصحابة وأهل البيت وغيرهم أنه لا يتمسّح به، ولا يقبله، بل ليس في الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيله إلا الحجر الأسود" ا.هـ، لا يشرع الطواف بالحجرة الشريفة لأن الطواف عبادة، ولم يشرع إلا حول الكعبة قال - تعالى -: (( وليطوفوا بالبيت العتيق ))، لذا يعد الطواف بالقبور أيا كانت شركاً أكبر ناقلاً عن الملة.
توسعات المسجد النبوي عبر التاريخ:
1- توسعة النبي سنة (7 هـ) بعد عودته من خيبر.
2- توسعة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سنة (17 هـ)، وبنى خارج المسجد رحبة مرتفعة عرفت باسم البطيحاء جعلها لمن أراد رفع صوته بشعر أو كلام أو غيره حفاظاً على حرمة المسجد.
3- توسعة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - سنة (29 هـ)
4- توسعة الوليد بن عبد الملك الأموي (من سنة 88 هـ إلى 91 هـ).
5- توسعة الخليفة المهدي العباسي (من سنة 161 هـ إلى 165 هـ).
6- توسعة الأشرف قايتباي سنة 888 هـ إثر احتراق المسجد النبوي.
7- توسعة السلطان العثماني عبد المجيد (من سنة 1265 هـ إلى 1277 هـ)
8- توسعة الملك عبد العزيز آل سعود (من سنة 1372 هـ إلى 1375 هـ).
9- توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود (من سنة 1406 هـ إلى 1414 هـ).
http://www.alminbar.net المصدر:
===============
تاريخ المسجد الحرام
هل أول من بنى الكعبة هو إبراهيم - عليه السلام -؟
وردت نصوص تدل على وجود البيت قبل إبراهيم - عليه السلام - منها على سبيل المثال:
1- ما أخرجه البخاري (6/396-فتح الباري) في حديث ابن عباس الطويل في إسكان إبراهيم ذريته، وفيه: (فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه إلى البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات...)
وفيه أيضاً قوله: (... فقال لها الملك، أي لهاجر: لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله.. قال ابن عباس: وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله...)
2- ما رواه الطبري في تفسيره (1/546) بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: (القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك) وانظر فتح الباري (6/406).
من بنى الكعبة؟
قال الشيخ وصي الله عباس: "لا توجد في إثبات بناء الملائكة الكعبة الشريفة رواية مرفوعة ولا موقوفة صحيحة، وما وجد فهو من أقوال بعض التابعين، أو أتباع التابعين، ولو صح فلا يعدو أن يكون من أحاديث بني إسرائيل التي استجازوا تحديثها" "المسجد الحرام تاريخه وأحكامه" ص(190) اهـ، وقد سبقه إلى معنى هذا الكلام ابن جرير في تفسيره (1/549).
عمارة البيت الحرام، وبناء الكعبة:
لم تكن مكة عامرة قبل إبراهيم - عليه السلام - لقوله - تعالى -: ((ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ))، ولم يكن بها ماء كذلك لحديث ابن عباس السابق عند البخاري (6/396-فتح الباري) في قوله: (... وليس يومئذ أحد، وليس بها ماء )، روى البخاري (6/396-فتح الباري) قصة بنائها من حديث ابن عباس السابق الذكر وفيه: (ثم قال - أي إبراهيم -: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر يعني: المقام، فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
وبقيت مكة عامرة من عهد إبراهيم - عليه السلام -، وتوالت القبائل العربية على سكناها.
أحداث مرت على الكعبة:
ومن أهم الأحداث الخاصة بالكعبة قصة أبرهة الحبشي الذي أراد هدم الكعبة، فجعل الله كيده وأصحابه في تضليل، وعاقبهم أشد العقاب في الدنيا، وذلك في السنة التي ولد فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعرفت بعام الفيل لأن أبرهة قدم بفيلته لهدم الكعبة.
ومن الأحداث أن قريشاً أعادت بناء الكعبة قبل بعثة النبي، وأخرجت الحِجر من البيت لما قصرت بهم النفقة.
لم يكن على عهد النبي حول البيت حائط، كانوا يصلون حول البيت حتى كان عمر فبنى حوله حائطاً جدره قصير، فبناه عبد الله بن الزبير (انظر فتح الباري 7/148).
وكان عمر - رضي الله عنه - قد اشترى دوراً وهدمها، وهدم على من قرب المسجد لما ضاق المسجد على الناس.
وكذلك فعل عثمان - رضي الله عنه - لما ضاق المسجد بالناس (انظر أخبار مكة للأزرقي 2/68 وفتح الباري 7/146).
ولما تولى عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - مكة هدم الكعبة وبناها على قواعد إبراهيم - عليه السلام -، وأدخل الحجر فيها.
ولما قُتل عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - أعاد الحجاج بناء الكعبة كما كان بأمر من عبد الملك بن مروان سنة 74 هـ، ولعل عبد الملك لم يكن على علم بتمني النبي بناء الكعبة على قواعد إبراهيم. وانظر لذلك صحيح مسلم (2/972).
ثم بقيت الكعبة على هذا البناء لم يغيره أحد من الخلفاء أو الملوك إلا ما كان من بعض الترميمات والإصلاحات انظر فتح الباري (3/448)
وفي سنة 1039 سقط الجدار الشامي للكعبة على إثر سيل عظيم، فأعاد بناءه وترميمه السلطان العثماني مراد خان سنة 1040 هـ.(10/68)
وأهم الأبنية التي أحدثت بعد بناء عبد الملك بن مروان ما يلي:
بناء الوليد بن عبد الملك سنة 91 هـ.
بناء أبي جعفر المنصور من سنة (137 هـ إلى 140 هـ).
بناء وتوسعة المهدي سنة 160 هـ.
الزيادة الثانية للمهدي سنة 167 هـ.
عمارة أمير المؤمنين موسى الهادي سنة 170 هـ.
عمارة المعتمد على الله أحمد بن جعفر المتوكل سنة 271 هـ.
زيادة دار الندوة في المسجد الحرام في عهد المعتضد بالله ما بين 281 هـ و284 هـ.
زيادة باب إبراهيم في خلافة جعفر المقتدر بالله سنة 306 هـ.
عمارة الأمير بيسق الظاهري سنة (803 هـ - 807 هـ).
عمارة السلطان العثماني قايتباي سنة 882 هـ.
عمارة السلطان سليمان سنة 972 هـ.
عمارة السلطان سليم سنة 979 هـ.
عمارة السلطان مراد خان سنة 980 هـ.
العمارة السعودية على يد الملك عبد العزيز آل سعود وكانت على مراحل.
عمارة وتوسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزبز آل سعود وهي آخرها.
الحجر الأسود:
تعريفه:
هو الحجر المنصوب في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة المشرفة من الخارج في غطاء من الفضة، وهو مبدأ الطواف ويرتفع عن الأرض الآن متراً ونصف المتر.
الحجر الأسود من الجنة:
روى الطبري في تفسيره (1/551) والأزرقي في أخبار مكة (1/62) بإسناد حسن أثراً طويلاً عن علي وفيه: "فقال أي إسماعيل: يا أبت من أتاك بهذا الحجر؟ قال: أتاني به من لم يتّكل على بنائك، جاء به جبريل من السماء، فأتماه" وله حكم الرفع، وروى الترمذي (3/226) وأحمد (1/207-229-373) وابن خزيمة (4/220) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله - عز وجل - نورهما، ولولا أن الله طمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب)، وروى أحمد (1/226) وابن خزيمة (4/221) والحاكم (1/457) عن ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: ( إن لهذا الحجر لساناً وشفتين يشهد لمن استلمه يوم القيامة بحق ).
تقبيله ومسحه:
ومسح الحجر الأسود والركن اليماني يحط الخطايا حطاً، انظر سنن الترمذي (3/292).
الركن اليماني:
هو ركن الكعبة الجنوبي الغربي.
وذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان (3/64) أن ابن قتيبة ذكر أن رجلاً من اليمن بناه يقال له: أبيّ بن سالم، وأنشد لبعض أهل اليمن:
لنا الركن من البيت الحرام وراثة *** بقية ما أبقى أبيّ بن سالم
كان النبي يستلمه في طوافه ويمسحه بيده الشريفة من غير تقبيل له ولا ليده بعد استلامه.
الحِجر:
هو الحائط الواقع شمال الكعبة المشرفة على شكل نصف دائرة، أو هو: ما حواه الحائط المذكور، والأخير هو المراد عند إطلاقه.
سمّي الحجر حجراً لأن قريشاً في بنائها تركت من أساس إبراهيم - عليه السلام -، وحجرت على الموضع ليعلم أنه من الكعبة انظر "معجم البلدان" لياقوت الحموي (2/221).
وقد سبق أن قريشاً في إعادتها لبناء الكعبة قصرت بهم النفقة فأخرجوا موضع الحجر من الكعبة، وعليه فإن الحجر من الكعبة، لكن ليس كل الحجر من الكعبة كما دلت عليه الروايات.
قال ابن الصلاح: قد اضطربت فيه الروايات، ففي رواية الصحيحين: [الحجر من البيت] وروي: ستة أذرع أو نحوها، وروي: خمسة أذرع، وروي: قريباً من سبع، قال: وإذا اضطربت الروايات تعين الأخذ بأكثرها، والموجود في عصرنا هذا أكثر من سبعة أذرع بكثير، فقد بلغ تسعة أذرع، بما أن الحجر من البيت فإن أجر الصلاة فيه كأجر الصلاة في البيت.
روى عبد الرزاق في المصنف (5/130) والأزرقي في "أخبار مكة" (1/312) بإسناد صحيح عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما أبالي أفي الحجر صليت أم في جوف الكعبة".
لم يثبت عن النبي أن إسماعيل - عليه السلام - مدفون بالحجر، وقد أخطأ من جزم بذلك إذ لا دليل عليه، قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (27/444): ليس في الدنيا قبر نبي يعرف إلا قبر نبينا اهـ
مقام إبراهيم - عليه السلام -:
تعريفه:
هو الحّجر الأثري الذي قام عليه إبراهيم - عليه السلام - عند بناء الكعبة المشرفة لما ارتفع البناء" انظر صحيح البخاري (6/397 مع فتح البخاري) ومعجم البلدان (5/164).
والمقام أصله من الجنة، انظر "الحجر الأسود" من هذا البحث، وروى الفاكهي (1/449) بإسناد حسن عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "المقام من جوهر الجنة".
صفته:
هو حجر رخو من نوع حجر الماء، لونه بين البياض، والسواد، والصفرة، وهو مربع الشكل، وذرعه: ذراع (أي حوالي نصف متر)
قال ابن جرير في تفسيره (4/11) عند قوله - تعالى -: ((فيه آيات بينات مقام إبراهيم)) قال: فيه علامات من قدرة الله، وآثار خليله إبراهيم، منهم أثر قدم خليله إبراهيم في الحجر الذي قام عليه.. اهـ
قال وصي الله عباس في كتاب "المسجد الحرام تاريخه وأحكامه" ص(448): روى ابن وهب في موطئه بإسناد صحيح عن أنس - رضي الله عنه - قال: رأيت المقام فيه أثر أصابع إبراهيم، وأخمص قدميه، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم" اهـ انظر تفسير ابن كثير (1/171) وفتح الباري(8/169).
قال ابن حجر في "فتح الباري" (8/169): "وكان المقام من عهد إبراهيم لزق البيت إلى أن أخره عمر - رضي الله عنه - إلى المكان الذي هو فيه الآن... " اهـ، وفعل ذلك دفعاً للتضييق على الطائفين، وانظر خبر عمر هذا في مصنف عبد الرزاق (5/48).(10/69)
ويشرع بعد الطواف صلاة ركعتين خلف المقام قال - تعالى -: ((واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )) وانظر فتح الباري (8/168)، وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا أراد أن يصلي خلف المقام جعل بينه وبين المقام صفاً أو صفين أو رجلاً أو رجلين، ولا يشرع مسح المقام فضلاً عن تقبيله، وكان ابن الزبير - رضي الله عنهما - ينهى عن ذلك ويقول: إنكم لم تؤمروا بالمسح، وإنما أمرتم بالصلاة.
الميزاب:
هو مصب ماء المطر الذي على سطح الكعبة.
روى الأزرقي في أخبار مكة (2/53) بإسناد صحيح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: صلوا في مصلى الأخيار، واشربوا من شراب الأبرار، قيل لابن عباس: وما مصلى الأخيار؟ قال: تحت الميزاب، قيل: وما شراب الأبرار؟ قال: ماء زمزم.
تنبيه هام:
فقد فسر ابن عباس شراب الأبرار بماء زمزم، لا كما يظن بعض العوام - هداهم الله -، فيحرصون على شرب ماء المطر الذي ينزل من الميزاب.
الملتزم:
هو مكان الالتزام من الكعبة فيما بين الحجر الأسود وباب الكعبة المشرفة، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "هذا الملتزم بين الركن والباب" رواه الإمام عبد الرزاق في مصنفه (5/76) بإسناد صحيح.
وذرعه كما قال الأزرقي في أخبار مكة (1/350): أربعة أذرع، أي حوالي مترين.
والالتزام بأن يضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه بين الركن والباب، ويسن عند الالتزام فيه الدعاء والتضرع إلى الله - تعالى -، وقد فعله النبي وأصحابه من بعده. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (2138).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى 26/142):" وإن أحب أن يأتي الملتزم وهو ما بين الحجر الأسود والباب فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ويدعو ويسأل الله - تعالى - حاجته فعل ذلك... ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسناً".
زمزم:
تعريفه:
هو علم للبئر التي تقع جنوبي مقام إبراهيم - عليه السلام - على بعد 18 متراً منه في المسجد الحرام، واشتقاقه من الزمزمة وهو الصوت مطلقاً، أو الصوت البعيد يُسمع له دوي، قال ابن قتيبة في "غريب الحديث" (2/502): ولا أراهم قالوا زمزم إلا لصوت الماء حين ظهر اهـ
تاريخه:
كانت مكة قبل هجرة الخليل إبراهيم - عليه السلام - إليها خالية من الماء والزرع، ولما أراد الله أن تكون مركزاً لعبادته أمر إبراهيم - عليه السلام - أن يهاجر بابنه الرضيع إسماعيل وزوجه هاجر إلى هناك، ففعل وأسكنهما في هذا الوادي، ثم ذهب إبراهيم عنهما، وترك لهما بعض الزاد والماء، فلما نفد الماء، واشتد العطش بإسماعيل جرت أمه هاجر بحثاً عن الماء ولم تجد شيئاً، فأرسل الله جبريل وحفر عن موضع بئر زمزم الماء عن عقبه. (انظر القصة بتمامها في صحيح البخاري (6/396 مع فتح الباري).
قال الفاسي: ولم يزل ماء زمزم طاهراً ينتفع به سكان مكة إلى أن استخفت جرهم "هي القبيلة التي كانت تسكن مكة" بحرمة الكعبة والحرم فدرس موضعه، ومرت عليه السنون عصراً بعد عصر إلى أن صار لا يعرف (شفاء الغرام 1/247)، وبقي على حاله تلك إلى أن جاء عصر عبد المطلب جد النبي، فأراه الله مكانه في المنام، وأمره آمر في منامه أن يحفره فحفره وانفجر الماء من جديد "انظر دلائل النبوة للبيهقي (1/78) وأخبار مكة للأزرقي (2/46): فيهما قصة عبد المطلب هذه بطولها، عن علي - رضي الله عنه - بإسناد لا بأس به".
من فضائل زمزم:
أن جبريل - عليه السلام - غسل به صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد شقه.(انظر صحيح البخاري 3/492 مع فتح الباري).
قال النبي: (ماء زمزم لما شرب له)، وقال: (إنها مباركة، وهي طعام طعم، وشفاء سقم)، وقال: (خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم).
وقد سمن أبو ذر - رضي الله عنه - من شرب زمزم، إذ بقي شهراً بالمسجد الحرام ليس له طعام إلا هو (انظر صحيح مسلم 4/1919).
روى الفاكهي في أخبار مكة (2/36) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - بإسناد صحيح أنه قال: كنا نسميها شباعة، نعم العون على العيال.
وهي شراب الأبرار كما ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. "أخبار مكة للأزرقي 2/53 عن ابن عباس".
فضل الطواف:
روى الترمذي في سننه (3/392 رقم 959) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من طاف بهذا البيت أسبوعاً فأحصاه كان كعتق رقبة)، وسمعته يقول: (لا يضع قدماً ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه خطيئة، وكتب له بها حسنة) قال الترمذي: حديث حسن.
روى الأزرقي في "أخبار مكة" (2/8) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(يُنزل الله - عز وجل - على هذا البيت كل يوم وليلة عشرين ومئة رحمة: ستون منها للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين) قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/29) رواه البيهقي في شعب الإيمان بإسناد حسن اهـ.
من السنة أن يصلي المسلم بعد الانتهاء من طوافه ركعتين خلف مقام إبراهيم. (انظر صحيح مسلم 2/887-888)
ويجوز أن يصلي هاتين الركعتين خارج المسجد الحرام. انظر فتح الباري (3/488)، فقد ورد ذلك من فعل عمر - رضي الله عنه - علقه عنه البخاري (3/486 فتح الباري).
تحية المسجد الحرام:
قال ابن حجر في فتح الباري (2/412): إن تحية المسجد الحرام الطواف إنما هو في حق القادم ليكون أول شيء يفعله الطواف، وأما المقيم فحكم المسجد الحرام وغيره في ذلك سواء، ولعل قول من أطلق أنه يبدأ في المسجد الحرام بالطواف لكون الطواف يعقبه صلاة الركعتين فيحصل شغل البقعة بالصلاة غالباً وهو المقصود، ويختص المسجد الحرام بزيادة الطواف والله أعلم" اهـ(10/70)
بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالمسجد الحرام:
أمر الله - تعالى - بإخراج المشركين من مكة فقال - تعالى-: (( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ))، وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بعثني أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - في الحجة التي أمّره عليها رسول الله قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر (لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان).
لو وقف المسلم في أية ناحية من نواحي البيت في قبله أو ظهره من غير التزام يدعو الله هناك فله ذلك، روى الأزرقي في أخبار مكة (1/347) بإسناد صحيح عن أيوب السختياني قال: رأيت القاسم بن محمد، وعمر بن عبد العزيز يقفان في ظهر الكعبة بحيال الباب فيتعوذان، ويدعوان.
من المخالفات المتعلقة بالبيت الحرام:
لا يجوز التبرك بكسوة الكعبة بعد تغييرها، وبيعها على المسلمين ليتبركوا بها (انظر فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم 5/9-13).
لا يجوز تقبيل المقام، والتمسح والتبرك به، قال مجاهد: لا تقبل المقام، ولا تلمسه (رواه ابن أبي شيبة في المصنف 4/61 بإسناد صحيح)، ورأى عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - قوماً يمسحون المقام فقال:إنكم لم تؤمروا بمسحه وإنما أمرتم بالصلاة عنده (رواه ابن أبي شيبة في المصنف (4/61) والفاكهي في أخبار مكة (1/457) وإسناده صحيح.
http://www.alminbar.net المصدر:
==============
تاريخ المسجد الأقصى
بيت المقدس:
تعريفه في اللغة: هو البيت المنزه، أو المطهر، وقيل: الأرض المباركة. انظر معجم البلدان (5/166).
تاريخ بيت المقدس:
لقد سكنت القبائل العربية بيت المقدس منذ عهد بعيد، فقد استوطنها العموريون، والآراميون، والكنعانيون، وكان اسمها آنذاك "يبوس" نسبة لليبوسيين وهم بطن من بطون العرب الكنعانيين لذلك تسمى فلسطين: أرض كنعان.
ثم أطلق عليها بعد ذلك اسم يورساليم، وتطور بعد ذلك إلى: أورشاليم، ثم استوطنها الآشوريون والبابليون، ثم جاء بعدهم الفرس، ثم الإغريق والرومان وسماها الرومان "إيلياء"، ثم فتحها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب عام (15 هـ)، وبقيت في أيدي المسلمين إلى أن احتلها الصليبيون إثر ضعف الدولة العباسية سنة 492 هـ.
وبقي القدس أسير الصليبيين مدة طويلة إلى أن استعيدت إلى المسلمين على يد صلاح الدين الأيوبي عام 583 هـ، وبقيت في أيدي المسلمين إلى أن تولى الملك الكامل من الأسرة الأيوبية وعقد اتفاقاً من الفرنجة سلمهم بموجبه القدس ما عدا الحرم الشريف سنة (626 هـ)، واستردها الملك الناصر سنة 637 هـ، ثم سلمها الناصر الفرنجة سنة (641 هـ)، ثم عادت إلى المسلمين عام (642 هـ) على يد الخوارزمية جند الملك نجم الدين أيوب.
دخلت القدس في حوزة المماليك سنة (651 هـ) إلى (922 هـ) حيث دخلت تحت حكم الأتراك، وفي أواخر عهد الأتراك كثرت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، غادر الإنجليز القدس سنة (1948 م) وتركوها لليهود، وكانت مقسمة بينهم وبين المسلمين وأكثرها لليهود، وفي سنة (1967 م) سقط القطاع العربي للقدس في يد اليهود بما فيه المسجد الأقصى، سنة (1969 م) حدث حريق المسجد الأقصى على يد أحد اليهود ثم أطفأه المسلمون بعد جهد كبير.
المسجد الأقصى:
هو اسم لجميع ما دار عليه السور، ويشتمل على المسجد الذي في صدره، وقبة الصخرة وهذا هو الصحيح، والمتعارف عليه عند الناس أن المسجد الأقصى هو الجامع الذي في صدر الحرم القدسي. انظر مجموعة الرسائل الكبرى لشيخ الإسلام (2/57-58).
بناء المسجد الأقصى:
روى البخاري في صحيحه (6/408 فتح الباري) عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال قلت: (يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصلِّه، فإن الفضل فيه).
وورد في سنن النسائي (2/34) - بإسناد صحيح قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/408) - ما يدل على أن سليمان بنى المسجد الأقصى، وفي هذا إشكال لأن بين إبراهيم - عليه السلام - الذي رفع قواعد البيت الحرام وبين سليمان - عليه السلام - ألف عام.
وأجاب ابن الجوزي والقرطبي عن هذا الإشكال، وارتضاه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/408-409) بأن إبراهيم وسليمان - عليهما السلام - جدَّدا بناءهما لا أنهما أول من بنى المسجدين، وقد سبق بيان أن الكعبة كانت مبنية قبل إبراهيم - عليه السلام -، وعليه فإن المسجد الأقصى لا يُدرى من بناه، وأنّ سليمان جدّد بناءه، ولم يثبت عن النبي شيء في تعيين بنائه.
من فضائل المسجد الأقصى:
أن النبي أسري به إليه، وعُرج به منه إلى السماء قال - تعالى -: (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله )).
وأنه في أرض مباركة قال - تعالى -: (( ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين )).
وفي مسند أحمد (6/463) وسنن ابن ماجه (1/429) عن ميمونة مولاة النبي – صلى الله عليه وسلم - قالت: يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس فقال : (أرض المنشر والمحشر ائتوه فصلوا فيه).
وهو أحد المساجد الثلاثة التي لا يجوز شد الرحال إلا إليها ففي الصحيحين عن النبي – صلى الله عليه وسلم - : (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي).
وهو أولى القبلتين، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي إليه في بداية فرض الصلاة، ثم أمر بالتحول إلى الكعبة.
قبة الصخرة:
قال شيخ الإسلام في مجموعة الرسائل الكبرى (2/57-58):(10/71)
(المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد، وقد صار بعض الناس يسمي الأقصى المصلى الذي بناه عمر بن الخطاب في مقدمته، والصلاة في هذا المصلى الذي بناه عمر للمسلمين أفضل من الصلاة في سائر المسجد، فإن عمر بن الخطاب لما فتح بيت المقدس وكان على الصخرة زبالة عظيمة لأن النصارى كانوا يقصدون إهانتها مقابلة لليهود الذين يصلون إليها، فأمر عمر بإزالة النجاسة عنها، وقال لكعب: أين ترى أن نبني مصلى للمسلمين؟ فقال: خلف الصخرة، فقال: يابن اليهودية! خالطتك اليهودية، بل أبنيه أمامها فإنّ لنا صدور المساجد.
ولهذا كان أئمة الأمة إذا دخلوا المسجد قصدوا الصلاة في المصلى الذي بناه عمر، وأما الصخرة فلم يصل عندها عمر، ولا الصحابة، ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة، بل كانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان وعلي ومعاوية ) ا.هـ.
والذي بنى على الصخرة قبة هو الوليد بن عبد الملك بن مروان.
قال شيخ الإسلام في مجموعة الرسائل الكبرى (2/58): وأما أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فلم يكونوا يعظمون الصخرة فإنها قبلة منسوخة، وإنما يعظمها اليهود، وبعض النصارى. ا.هـ.
ولذلك فإنه لا يجوز التمسح بها، ولا الطواف حولها، ولا يقال: الصخرة المشرفة، لأنه لا دليل على تشريفها.
وكذلك لا يصح أن النبي عرج به منها، ولا يصح أنها تبعت النبي بعد معراجه، وأن الملائكة مسكتها فبقيت بين السماء والأرض، فإنّ هذا كله من الخرافات التي يتداولها العوام، ولم يدل عليها نقل صحيح.
لم يرد نقل صحيح كذلك في إثبات آثار قدمي النبي على هذه الصخرة.
وعليه فإن هذه الصخرة كسائر الصخور لا يجوز تعظيمها، وإنما يعظمها اليهود وبعض النصارى.
http://www.alminbar.net المصدر:
==============
برامج مقترحة لتفعيل المسجد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه ورقة عمل تحتوي مقترحات تتعلق بكيفية تفعيل أنشطة المسجد، وقد أحببنا أن نذكرها مختصرة وقائمة على تجربة صحيحة وواقعية في مسجد من المساجد، ومن هذه المقترحات:
1- إقامة حلقة للقرآن حسب ما تتفق عليه جماعة المسجد، وإن كان الأنسب إقامتها بصفة يومية باستثناء أيام العطل الأسبوعية، وينبغي الاهتمام بأمور منها:
أ- لابد أن تتناول الحلقات أربع فئات: ابتدائي، متوسط، ثانوي غيرهم.
ب- عمل حفل فصلي للحلقة تقدم فيه الجوائز للمثاليين والمتفوقين في الحفظ، حيث يقام الحفل في المسجد ليرى الناس أثر جهد الحلقة، ومستوى أبنائهم المتميز.
ج- عمل لوحة خاصة بالحلقة توضع فيها أسماء المتفوقين في الحفظ والمراجعة والأدب والحرص على أداء الصلاة، ويتم وضع اللوحة في مكان بارز ملفت للانتباه.
د- عمل رحلات للحلقة بعد استئذان الإمام وأولياء أمور الطلاب.
2- عمل لوحات خاصة بالفتاوى والفوائد والإعلانات مثل: المحاضرات، والزكوات، والمساهمة في برامج المسجد، والتبرعات.
3- عمل برنامج استضافات أسبوعي أو نصف شهري أو شهري، وحث الجماعة على المشاركة والحضور، مع مراعاة التنوع والتجديد فيها، كاستضافة: طبيب، مسؤول، طيار، مرشد من مستشفى المخدرات... وغيرهم.
4- توزيع مطويات شهرية خلال العام وخاصة ما يتعلق بالمناسبات الشرعية (عاشوراء، الحج، شعبان، نهاية العام، الامتحانات... وغيرها).
5- حث من عنده قدرة من الجماعة على المشاركة في إلقاء الكلمات في المسجد وذلك بالترتيب مع إمام المسجد.
6- إقامة معارض في المسجد عن: المخدرات، الجراحات، الأسرة الناجحة، الإسعافات الأولية وغيرها، مع التنسيق مع الجهات المختصة، وذلك على حسب إمكانية المسجد.
7- طبع جدول برامج إذاعات القرآن الكريم بشكل جذاب، وكذلك طبع أوقات الصلاة لكل شهر.
8- إقامة محاضرات علمية شهرية أو حسب ما تراه جماعة المسجد في المسجد بحضور أحد المشايخ، أو عن طريق الهاتف لأحد كبار العلماء.
9- إقامة دورات علمية في جانب معين (كالأعلام المعاصرين، فن التحضير والإلقاء، فن الخطابة، النحو، التجويد، في العلوم الشرعية).
10- تعليق الأنشطة المتعلقة بشهر رمضان المقامة في المسجد.
11- القيام بعمل إفطار جماعي في المسجد.
12- يعلن في نهاية شهر رمضان تقرير شامل لما تم عمله خلال الشهر، يقرأه الإمام على جماعة المسجد، أو يعلق في لوحات المسجد.
13- عمل برنامج للنشاط النسائي يعلق في مصلى النساء خاص بشهر رمضان.
http://saaid.net المصدر:
==============
أيها المسلمون المساجد هي بيوت الله في الأرض فاعرفوا لها قدرها
المساجد هي بيوت الله - عز وجل -، وقد أضافها الله - عز وجل - إلى نفسه إضافة تعظيم وتشريف، فقال: ((وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ))، وهي أحب البقاع إليه فقد صحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( أحب البلاد إلى الله مساجدها ).
ولهذا أوجب علينا تشييدها، وعمارتها، وصيانتها، وإكرامها عن كل ما لا يليق بها ويناسب شرفها، فقال: ((في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب)).(10/72)
كان أول عمل قام به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن وطئت قدماه الشريفتان دار هجرته المدينة هو بناء مسجده الذي أسس على التقوى من أول يوم، فكان المسجد هو الركيزة الأولى واللبنة الأساس في تكوين المجتمع المسلم، حيث لم يكن قاصراً على إقامة الصلوات والدروس العلمية، بل سائر نشاط المسلمين من جهادي، وسياسي، واجتماعي، ونحوه كان منطلقه من المسجد.
وظل هذا الحال مستمراً في عهد الخلافة الراشدة وما بعدها، حتى غشيت المسلمين عصور الظلام والجهل، فاقتصرت رسالة المسجد على أداء الصلاة، وفي أحسن الأحوال إقامة الدروس، بينما نجد النواة الأولى للجامعات الإسلامية العريقة في عواصم العالم ومدنه الكبرى مثل المدينة، ومكة، وبغداد، ودمشق، والقاهرة، والقيروان وغيرها كانت في المسجد.
لقد حث رسول الإسلام وحض على بناء المساجد، ووعد مشيديها بالثواب الجزيل، والأجر العظيم لمكانتها في الإسلام، وحاجة المسلمين إليها في سائر البلاد والأزمان فقال - صلى الله عليه وسلم -: (من بنى لله مسجداً ولو كمَفحَص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة).
هذا الأجر العظيم، والثواب الجزيل مشروط بشرطين كسائر الطاعات، هما:
1. أن يبتغي بذلك وجه الله، كما جاء في إحدى روايات الحديث: (يبتغي به وجه الله).
2. أن يبنيه بمال حلال طيب، لأن الله - سبحانه وتعالى- طيب لا يقبل إلا طيباً، لهذا قال ابن الجوزي - رحمه الله -: "من كتب اسمه على المسجد بناه فهو بعيد عن الإخلاص "، قال الزركشي - رحمه الله -: (خصَّ القطاة بالذكر دون غيرها لأن العرب تضرب به المثل في الصدق، ففيه رمز على المحافظة على الإخلاص في بنائه، والصدق في إنشائه).
زخرفة المساجد وتزيينها:
لقد أمر الشارع ببناء المساجد وبتشييدها وتعميرها، ولكنه نهى عن المبالغة في زخرفتها فعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد )، وروي عنه أنه قال: "إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدبار عليكم"، وعن ابن عباس - رضي الله عنه -: (لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى، ثم لا تعمرونها إلا قليلاً ).
وكتب عمر - رضي الله عنه - لأحد عماله: "ابن لهم ما يكنهم الحر والبرد، وإياك أن تحمِّر وتصفِّر فتفتن الناس".
قال القرطبي - رحمه الله -: (إذا قلنا إن المراد بنيانها فهل تزين وتنقش؟ اختلف في ذلك، فكرهه قوم، وأباحه آخرون، ثم ذكر بعض الآثار السابقة التي تنهى عن الزخرفة، وقال: احتج من أباح ذلك بأن فيه تعظيم المساجد، والله - تعالى - أمر بتعظيمها في قوله: ((في بيوت أذن الله أن ترفع )) يعني تعظم، وروي عن عثمان أنه بنى مسجد النبي بالساج وحسنه، وقال أبو حنيفة: لا بأس بنقش المساجد بماء الذهب، وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه نقش مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبالغ في عمارته وتزيينه وذلك في زمن ولايته، وذكِرَ أن الوليد بن عبد الملك أنفق في عمارة مسجد دمشق وفي تزيينه مثل خراج الشام ثلاث مرات، وروي أن سليمان بن داود - عليهما السلام - بنى مسجد بيت المقدس وبالغ في تزيينه).
قلت: الآثار التي تنهى عن المبالغة عن زخرفة المساجد وتزيينها أحق بالاتباع، والمهم كما قال عمر: أن يكون المسجد واسعاً يقي الناس الحر والبرد والمطر، ولا مانع من الزخرفة والتزين غير المبالغ فيهما من باب تعظيم شعائر الله، وإكرام بيوته في الأرض.
من الأمور التي ينبغي أن يحرص عليها عند بناء المسجد ما يأتي:
1. أن تكون المحلة أو الحارة أو القرية أو الحي في حاجة إلى مسجد، حيث نلاحظ كثرة المساجد في بعض الأحياء، وندرتها أو عدمها في أماكن أخرى هي في أمس الحاجة إليها.
2. الحرص أن يكون للمسجد وقف ثابت بقدر المستطاع، يستفاد من ريعه في صيانته، وتجهيز ما يحتاجه من فرش ونحوه.
3. الاهتمام بدورات المياه والمواضئ، والعناية بنظافتها وتهيئتها.
4. توفير الماء، سواء كان بحفر بئر أو عمل خزانات ونحو ذلك.
5. اختيار إمام كفء مقتدر، وأن لا تكون الإمامة خاضعة للأهواء، أو أن تورث.
6. اختيار مؤذن وعمال لحراسة المسجد ونظافته ممن يقدرون المسجد قدره.
7. تشجير المسجد.
8. تنظيفه وتجميره.
9. الاهتمام بتهوية المسجد وتكييفه إن أمكن ذلك.
أمور ينبغي أن تصان منها المساجد:
إنما بنيت المساجد لذكر الله، ولإقامة الصلاة، ولتعليم الناس أمور دينهم، ولهذا لابد أن تصان من بعض الأمور التي لا تليق ولا تناسب الأغراض التي بنيت المساجد من أجلها، سنشير في هذه العجالة إلى أهم تِلك الأمور، وهي:
1. لا يُقبَر في المسجد أحد، لا أمام القبلة، ولا في الجهات الأخرى، مهما كان الموصي بذلك فلا تنفذ وصيته، ولو كان الذي بناه، لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )، وقال: (إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد ).
2. إنشاد الضوالِّ في المسجد.
3. أن يتخذ المسجد مكاناً للإعلانات عن الأفراح والأتراح.
4. الصخب ورفع الصوت في المسجد إلا في العلم، وقد كره مالك أن يرفع الصوت في المسجد ولو كان في حلقة علم.
5. تجنيبه الروائح الكريهة.
6. البيع والشراء ولو في رحاب المسجد، ولو عن طريق الجوالات.
7. دخول الكفار، حيث أصبحت المساجد الأثرية في بعض البلاد أماكن يرتادها السواح الكفار والنساء العاريات.
8. لا يشهر فيه سلاح.
9. لا يقام فيه حد من حدود الله - عز وجل -.
10. لا يتخذ مسكناً دائماً اللهم إلا لغريب أو محتاج، مع مراعاة الآداب المتعلقة به.(10/73)
11. يجنب السماع الصوفي، وعمل الموالد والحوليات.
12. يجنب المجانين والأطفال إلا إذا كانوا بصحبة آبائهم وذويهم.
13. إنشاد الأشعار الماجنة، أو التي فيها هجاء ونحوها.
14. لا تمارس فيه أي حرفة من الحرف ممن يقيمون فيه ولا غيرهم.
15. تعليق لوحات ولو كان فيها آيات وأحاديث، إلى جهة القبلة خاصة.
16. إيقاف الأجراس في الساعات الحائطية التي تعلق بالمساجد.
17. الأوساخ، والقاذوات، والمخاط، والبزاق وما شاكل ذلك فهي من الخطايا العظيمة في المسجد.
18. الحرص على أخذ الزينة في المساجد، وتجنب الثياب المتسخة ذات الروائح الكريهة.
19. لبس ما فيه صورة من الثياب، ولبس الملابس التي تصف العورة أو تكشفها.
20. التجمر بحيطان المسجد، أو البول والتغوط حول أسواره، وكذلك النهي عن الحجامة والفَصْد فيه.
21. تعليم الصبيان غير المميزين، والأفضل أن يكون ذلك في ملحقات بالمسجد.
والله أسأل أن يعيننا على تعظيم حرمات الله، وتقدير شعائره، وأن يرزقنا الأدب في بيوته ومساجده.
http://www.islamadvice.com المصدر:
==============
إلى إمام المسجد
إبراهيم بن عبد المحسن الفليج
إن للإمام دوراً كبيراً، وواجباً عظيماً، إذا قام به حصل الخير الكثير للمصلين ولأهل الحي، فينبغي عليه مراعاته وعدم الإخلال به، وسأذكرها على شكل نقاط:
(فقه الإمامة):
1- إعطاء الإمامة والصلاة حقها، والحرص على تحري السنة واتباعها في ذلك، والشعور بأداء الواجب والإخلاص في العمل.
2- الإطلاع على أحكام الإمامة والصلاة، والاستزادة منها، ومناقشة بعض الموضوعات المتعلقة بذلك بين وقت وآخر، ورصد الفتاوى وقراءتها، حبذا لو قُرئ من كتاب مخالفات في الصلاة والطهارة للشيخ: السدحان.
3- تحري السنة في المجيء للصلاة، وفي الانصراف منها، وفي الأذكار بعدها، ونحو ذلك؛ لأنه قدوة ينظر إليه.
4- التأني والتوسط في أفعال الصلاة، وتحري السنة فيها، وعدم الاستعجال المخل أو التطويل الممل.
5- المحافظة على السنن الراتبة في المسجد أو المنزل، والتأكيد على أنها حِمىً وسياج للصلاة تحمي صلاة المحافظ عليها.
(أدب الإمامة):
1- الحرص على المواظبة، وضرب المثل الطيب في ذلك، بحيث يعد غيابه عن المسجد أو تأخره في إقامة الصلاة على مدار العام شيئاً لا يذكر.
2- عدم التخلف عن الإمامة، والحرص على المواظبة عليها.
3- الحرص على عدم التخلف في صلاتي الفجر والعصر خاصة، والابتعاد بالنفس عن مواطن سوء الظن والقيل والقال، فهي أكبر ما يقاس به الإمام من محافظة لأنه غالباً موجود في منزله.
4- عند الاضطرار للتخلف عن الإمامة لسفر أو انشغال ينبغي إنابة الكفء، وحين طروء الانشغال والإحساس بعدم القدرة على المجيء للصلاة يكون الاتصال بالمؤذن، أو غيره؛ حتى لا يطول انتظار المصلين، ويصيبهم الملل والنفور.
5- الحرص على إقامة الصلاة في مواعيدها، وتثبيت ذلك، وعدم التقدم أو التأخر، وتراعى ظروف مساجد الأسواق ونحوها، أو المساجد المجاورة للمدارس.
6- تفويض المؤذن أو غيره من القادرين على الإمامة في إقامة الصلاة بعد دقيقتين أو ثلاث مثلاً من الوقت المحدد حتى لا يمل الناس الانتظار.
7- التقليل ما أمكن من الارتباطات والأسفار غير المهمة التي تؤدي إلى التخلف عن الإمامة، وإذا اضطر نوّب الكفء.
8- التحلي بالأخلاق الفاضلة، وأن يكون قدوة حسنة مألوفاً بين الناس، فأكثر ما يؤثر في الناس حسن الخلق فهو الباب الذي يقرب الناس من الإمام وغيره، وقد جاء في وصف الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - قوله - تعالى -: ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ))، و ( أثقل شيء في الميزان تقوى الله، وحسن الخلق ).
9- تفقد أهل الحي سواء المحتاج منهم، أو من يمر بمشاكل، والمساهمة في حلها (التوظيف، إصلاح ذات البين) فلكل حي مشاكله وحاجاته، فينبغي على الإمام تفقد أهل الحي سواء المحتاج، والمريض، والذي عليه دين، بل حتى السعي مع الوجهاء والمسؤولين في الحي في توظيف بعض شباب الحي والعاطلين، وكذلك الحرص على السعي في حل النزاعات بين الجيران، وكذلك بين الزوجين، وإصلاح ذات البين ففيها عظيم الأجر، وكذلك محبةً لصاحبها.
(الإمام والنشاط الدعوي):
1- إلقاء الإمام لبعض الكلمات أحياناً فيما يتعلق بأحداث الساعة الهامة، وما يراه من ملحوظات على المصلين، تربية الناس على الإخلاص في القول والعمل، وعدم رؤيته - أي العمل - أو حتى طلب العوض عنه بمدح أو غيره فالله وحده هو المكافئ، وهذا لا يمنع من أن ينسب الفضل لأهله، لكن لا يكون على هيئة تكريم على الملأ فالله هو صاحب الفضل في الأولى والآخرة، حقيقة "ما أجمل التعامل مع الله".
2- إقامة مكتبة خيرية في المسجد، أو مكتبة للقراءة والإطلاع.
3- توجيه بعض البرامج المذكورة إلى النساء مثل: المحاضرات والكلمات وحلقات التحفيظ والمسابقات ونحوها بالتعاون مع دُور الذِّكْر في الحي.
4- إيجاد دوريات لتساء الحي تكون ذات مردود دعوي إيجابي، وتكون في إحدى دور الذكر أو بعض المدارس، وتشجيع نساء الحي بالالتحاق بدور التحفيظ، وحثهن على ذلك أفضل من وضع دوريات، لأننا بالتجربة لاحظنا أن الدوريات ربما أخذت طابعاً مغايراً عما وضع ورسم لها.
5- إقامة حلقة تحفيظ قرآن وما يتبعها من رحلات تربوية هادفة، سواء في داخل البلد أو خارجه مثل رحلة عمرة أو حج.
6- دعوة بعض الدعاة لإلقاء الكلمات من حين لآخر في المسجد، والتأكيد على المواضيع التي تهم المسلم.
7- إعداد مسابقة لأهل الحي لكل شهر أو شهرين وجوائزها.(10/74)
8- التعاون مع النشطين في الحي، وذلك بتوزيع الكتب والأشرطة، ومتابعة المتهاونين في الصلاة، وزيارتهم، وكذلك باقي المنكرات.
9- التعاون مع أئمة المساجد المجاورة، والتنسيق معهم في صالح الدعوة، بحيث يكون للإمام اجتماع مع مجموعة من الأئمة في الأحياء المجاورة، والتنسيق معهم في طريق إيصال الخير إلى الجميع، وتحذيرهم من أسباب الفساد والعقوبة.
10- الاهتمام بالملصقات الدعوية التي تعلق في المسجد، وإعلانات المحاضرات.
11- القراءة عليهم بعد العصر حسب المصلحة، والقراءة عليهم بعد أذان العشاء حتى وقت الإقامة، في كل أسبوع يوم محدد؛ وذلك لنشر العلم الذي يسهم إسهاماً إيجابياً في صلاح المجتمع (( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ )) مرة في تفسير آيات ومرة قراءة فتاوى.
12- الاهتمام بالرحلات الدعوية، وكذلك رحلة الحج والعمرة؛ باختيار مجموعة مناسبة، ومن يذهب معهم.
13- الاهتمام بالمواسم الدعوية مثل: رمضان، الحج، بل أيام المحن والنكبات لإخواننا المسلمين، ودعمهم مادياً ومعنوياً.
14- الاهتمام بالجاليات سواء العمالة، وكذلك الخادمات، وتوزيع الكتب والأشرطة عليهم، وربطهم بمكتب الجاليات في الحي، ووضع مسابقات لهم، والإجابة على فتاويهم وأسئلتهم، وحسن الخلق معهم، وحث أهل الحي على ذلك.
(الإمام والنشاط الاجتماعي):
1- الإفادة من المتقاعدين في خدمات الحي وغيرها.
2- الشورى وعدم الاستبداد بالرأي في أي قضية صغرت أو كبرت؛ لأنه نوع من التعامل بالغلظة والشدة الذي يورث النفور، وكره الجماعة للإمام، وتؤدي إلى عدم الاجتماع على الخير، بل إلى كره المسجد أحياناً.
3- توثيق الصلة بالمسؤولين في الحي، والاستفادة منهم دعوياً واجتماعياً في إدارتهم التي يعملون فيها.
4- الحرص على إكرام أعيان الحي، ومعاملتهم معاملة خاصة تليق بهم، بما يعود على الحي بالخير.
5- المشاركة في دورية للجيران كبيرة كل شهر، ومصغرة كل أسبوع، فهي من أكبر الروابط في الحي، ورأيت ثمارها في بعض الأحياء.
6- حصر التجار والمسؤولين في الحي، والارتباط بهم، أو ضمهم إذا أمكن في الدورية الشهرية، والاستفادة منهم، وكذلك مدراء المدارس، فالدعوة تحتاج إلى أمور كثيرة منها المال الذي يسهل كثيراً من أمور الدعوة، وكذلك المسؤولون الذين يساعدون على إيصال الخير إلى دوائرهم وأحيائهم.
7- أن يكون للإمام دور مع أقربائه وزملائه بإقامة دورية شهرية، أسبوعية، فلا يكفي في حيه، بل في كل من جالسه من قريب وزميل.
8- أن يكون لدورية الحي قسط ثابت (100 - 50) يصرف في الكتاب، الشريط، محفظ القرآن، الجوائز.
9- العمل على إيجاد عمل جماعي مع أهل الحي، سواء كان للقيام بمشروعات معينة، أو لمواجهة سلبيات الحي.
10- الاهتمام بالمؤسسات والدوائر الموجودة في الحي، وذلك بتعاون الإمام وغيره من أهل الحي مع تلك الجهات فيما يخدم الصالح العام، وتوثيق صلته بهم، ومن أهم هذه الجهات:
أ - مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يخفى ما لهذه المراكز من خير، ومنع الفساد، وهي بحاجة ماسة إلى التعاون معها كل في حيه.
ب - مراكز الشرطة.
ت - مكاتب الدعوة وتوعية الجاليات، وهي في حاجة إلى كوادر كبيرة من أهل الحي كل فيما يجيده، سواء في لجنة الكتاب، الشريط، المسلم الجديد، الموارد المالية، الإدارة.
ث - الجمعيات الخيرية.
ج - البلديات، وموظفوها الميدانيون خاصة.
ح - إدارات المدارس في الحي... وغير ذلك "مراكز الأحياء".
http://saaid.net المصدر:
(((((((((((((
الفهرس العام
الباب العاشر - المساجد وأهميتها
أدركوا بيوت الله عز وجل
(21)فكرة دعوية للمساجد
(11) فكره دعوية للمساجد هدية المسجد
موسيقى في المسجد
هل تؤدي المساجد دورها المفترض في حياة المسلمين؟
مكانة المسجد وقدسيته في الإسلام
الإمام والدعوة
من خصائص الخطاب الدعوي لخطيب الجمعة
المسجد .. أنوار وأدوار
هلموا إلى رياض الجنة ، حلق الذكر ، الجامعات الشرعية المفتوحة
المسجد ومسؤوليته في مجتمع الأقليات المسلمة
المسجد وأعداء الإسلام
وقفات مع إمام المسجد في رمضان !!
رسالة إلى رواد المساجد
مساجدنا والمخالفات الشرعية
التغالي في بناء المساجد
طريقنا نحو طفل قلبه معلق بالمسجد
أثر المسجد في تربية المجتمع
آداب المساجد
خطبة الجمعة الاختيار والتجهيز والإلقاء
المسجد بيت الله ومدرسة المؤمن
المسجد النبوي الشريف
اللؤلؤ والعسجد في تفعيل دور المسجد
إصلاح المساجد من البدع والعوائد
أخي المسجد حن إليك
إحياء دور المسجد في حياة المسلمين
وسائل وأفكار للدعوة في المسجد
مكتبة المسجد في دائرة المنافسة
مكانة المسجد في الإسلام
ما واجبنا لو أغلقت المساجد؟ هل تموت الدعوة؟
أحكام زيارة المسجد النبوي
عمار المساجد
طيب المساجد وزينة الصلاة
رسالة المسجد في التعامل مع قضايا الشباب
دور المسجد في رمضان
دور المسجد في تربية المجتمع
دور المسجد في بناء الحضارة
دور المسجد في الإسلام
المسجدُ ومكانتُه في الإسلام وآدابُه
دراسة حول دور المسجد في القرن الأول الهجري
المسجد والدور المنتظر في الذود عن رسول الله
وقفات مع إمام المسجد في رمضان !!
حكم حضور النساء إلى المساجد
أحكام تحية المسجد
تنشيط مهمة المسجد في الغرب
تاريخ المسجد النبوي
تاريخ المسجد الحرام
تاريخ المسجد الأقصى
برامج مقترحة لتفعيل المسجد
أيها المسلمون المساجد هي بيوت الله في الأرض فاعرفوا لها قدرها
إلى إمام المسجد(10/75)
المفصل في فقه الدعوة إلى الله تعالى (11)
الباب الحادي عشر - كشكول الدعوة إلى الله (1)
جمعها وأعدها وفهرسها
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الحادي عشر - كشكول الدعوة إلى الله (1)
توصيل الخير للغير
خالد الدرويش
دار ابن خزيمة ...
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
إن من أجمل ما في الحياة أخي الداعية أن تشعر بأنك تقدّم شيئاً للآخرين، وليس هناك أعظم وأكبر من نعمة الهداية التي تقدمها للناس، فالداعية نور يضيء الطريق للآخرين..
من أجل ذلك أحببت أن أجمع بعض الوسائل الدعوية المتناثرة في الكتب الدعوية لممارستها في واقع الناس لتوصيل الخير لهم، ودعوتهم إلى الله.
أخي الحبيب: لم تكن الدعوة إلى الله لتنحصر يوماً مّا في إلقاء كلمة أو درس أو تأليف كتاب، بل هي أوسع من ذلك فهي تشمل قدرتك على الإبداع والابتكار في إيصال الخير للغير مع تنوّع الأساليب والطرق؛ فكل من يسعى ويعمل لدينه ولو بالقليل فهو داعية إلى الله..
والداعية هو الذي يعين الآخرين على طريق الخير وبجهده المخلص وعمله النشط يتلقّى الناس الهداية والنور والفلاح في الدنيا والآخرة، والله الموفق، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً..
الهدف من هذه الوسائل الفردية:
1- توظيف المسلم لخدمة دينه ومجتمعه.
2- غرس الحسّ الدعوي لدى الأفراد لتغيير الواقع إلى الأحسن.
3- وضع برنامج دعوي لشغل أفراد الدعوة بما ينفع الإسلام والمسلمين.
4- تهيئة الناس للعمل للآخرة، وفعل الطاعة، كي ينتشر الخير بين الناس.
5- تحريك كوامن الخير في نفوس الناس.
6- عدم الاعتماد على الجهد الجماعي.
المقصود من الرسالة:
أن ينطلق المسلم بمفرده من خلال هذه الوسائل في ميدان الدعوة إلى الله لنشر الخير لعموم المسلمين ونقلهم من محيط المعصية إلى محيط الطاعة، ومن محيط الغفلة عن الدين إلى محيط العمل به.
التعريف بوسائل الدعوة:
هي ما يستعين به الداعية على تبليغ دين الله لغرض التأثير على الناس وتهيئتهم للعمل للآخرة.
أين يمارس الفرد هذه الوسائل؟
هناك ميادين يمكن للداعية أن يمارس نشاطه الدعوي من خلالها:
1- محيط الأسرة من زوجة وأولاد وأقارب وأرحام.
2- المسجد وجماعته.
3- مكان التعليم ( المدرسة، الجامعة، المعهد ).
4- تجمعات الناس العابرة وغيرها، ولا سيّما الشباب منها خاصة.
5- مكان العمل.
6- الحي الذي يسكنه الفرد والأحياء المجاورة له.
7- اللقاءات والمناسبات العامّة للأسرة وغيرها.
8- القرى والهجر.
9- عند السفر.
10- القوافل الدعوية.
فضل توصيل الخير للغير:
قال تعالى: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير .
مما يبين عظيم مكانة توصيل الخير للغير: ما أخبر به الرسول الأمين في الأحاديث التالية:
أ - عن أبي هريرة أن رسول الله قال: { من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً... } [رواه مسلم].
وقفة مع هذا الحديث الشريف:
1- في قوله : { من دعا } لم يحصر النبي كيفية الدعوة في وسيلة أو أسلوب محدد بل تركها مطلقة.
2- في قوله : { إلى هدى } نكرة مطلقة من جنس ما يقال له: هدى. وهي: أي عمل أو قول مما فيه أجر وثواب. لذا على الداعية ألا يحقر أي عمل خير يدعو إليه الناس. قال : { لا تحقرنّ من المعروف شيئاً } ولنا في رسول الله أسوة حسنة فلم يترك صغيرة ولا كبيرة من الأعمال الصالحة إلا وأخبر بها أمته.
3- في قوله : { كان له من الأجر مثل أجور من تبعه } فيه الحث على السعي في الخير والدلالة عليه، لأن المتسبب بالعمل الصالح ينال مثل ما ينال الفاعل من الأجر والثواب. وهذا باب من الأجر لا يغلق، وهو يتنامى يوماً بعد يوم.
ب - عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله : { من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله } [رواه مسلم].
وقفة مع هذا الحديث الشريف:
1- سبب الحديث: كما روى مسلم بأن رجلاً قال للنبي : احملني، قال: { ما عندي } قال رجل: يا رسول الله، أنا أدلّه على من يحمله، قال رسول الله : { من دلّ على خير... }.
2- في قوله : { من دلّ } لم يحصر كيفية الدلالة في نوع محدد بل تركها مطلقة، قد تكون الدلالة قولية، أو فعلية، أو كتابية... الخ. وهذه نعمة عظيمة من نعم الله تعالى، تفتح للداعية مجالات الدلالة على مصراعيها.
3- في قوله: { على خير } مطلق شائع في كل ما يقال له: خير، سواء كان قليلاً، أم كثيراً، علماً أم عملاً... الخ.
4- قال النووي رحمه الله تعالى معلّقاً على هذا الحديث: ( وفيه فضيلة الدلالة على الخير، والتنبيه عليه، والمساعدة لفاعله ).
ج - قال : { لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمُر النّعَم.. }.
وقفات دعوية مع هذا الحديث الشريف:
عندما يوفق الله تعالى داعية من دعاة الإسلام فيهيئ له من يقبل نصيحته ودعوته فإن نتائج القبول عظيمة كما ورد في هذا الحديث الشريف:
الأولى: إن في ذلك استنقاذاً لهذا المهتدي من النار، فالداعية يقدّم الجنة هدية للناس من حوله ويدلّهم على مقامات السعادة، وأي أجر يكتب للداعية عند ربه إلا الأجر الذي يليق بجلال المعطي سبحانه.
الثانية: إن كل تسبيحة أو تكبيرة ينطقها ذلك المهتدي، وكل ركعة وسجدة يفعلها، وكل عمل صالح يعمله، وكل إحسان يجريه الله على يديه، يكون في ميزان ذلك الداعية الناصح.
هذا إذا اهتدى رجل واحد، فما ظنك بمن يهدى به كل يوم طوائف من الناس؟!(11/1)
الثالثة: إن من يهديه الله على يديك أيها المسلم إنما هو كَلَبِنَةٍ فٌكّت من بناء الذنوب والمعاصي ووضعت في بناء الطاعات وفعل الخيرات - وهو خسارة للشيطان وأعوانه، وكسب للرحمن وأنصاره.
أخي المسلم: قال : { إن الله وملائكته وأهل السماوات والأراضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلّون على معلّم الناس الخير } [رواه الترمذي].
هذا فضل من يوصل الخير، ويعلمه الناس، رحمة من الله، واستغفاراً ودعاءً من الملائكة والخلق أجمعين.
ومما يدل على فضل الداعية عند الله تعالى أن ثوابه لا ينقطع بموته، بل يستمر حتى بعد موته ما دام وجد من يعمل بدعوته ونصيحته، قال : { إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له } [رواه مسلم].
فتوصيل الخير للغير أجره وثوابه مضمون في الحياة وبعد الممات إذا أخلص العبد العمل لله تعالى.
الوسائل الدعوية الفردية:
1- مظهرك هو أول رسالة دعوية تخرج منك وتصل إلى قلوب الآخرين فإذا نجحت الرسالة الأولى كان وصول باقي الرسائل أكثر سهولة.
2- غالباً ركّز في دعوتك على الشخصية القيادية.. اكسبها، وكن لها أخاً محباً في الله، تقدم لها العون والتوجيه فإن النفع بها عظيم، والبركة منها مرجوّة، فكم لها من علاقات؟ وكم لها من أصدقاء؟ ستصل بركة هدايتها بإذن الله للآخرين.
3- اصنع علاقات وديّة مع الآخرين؛ فكلما اتسعت دائرة علاقتك كلما اتسعت دائرة دعوتك.
4- اربط حياة من حولك بالإسلام بذكر فضائله وعظيم شرائعه وقدرته على إسعاد الإنسان في الدنيا والآخرة.
5- وثّق الصلة مع الأقارب والأرحام واكسب مودّتهم بالكلمة الطيبة والخدمة العامة حتى يشعر كل فرد بأن له علاقة خاصة بك.
6- اصنع من صديقك وقريبك وزميلك داعية إلى الله من خلال العيش معه عيشاً جماعياً.
7- حمّل من حولك همّ الدعوة إلى الخير.
8- اقترح على الآخرين الأفكار التالية:
1/ مذكرة لتخليص الأشرطة العلمية والتربوية.
2/ مذكرة للمحاضرات.
3/ جمع الفائض من الكتب والأشرطة وتوزيعها.
4/ الإعارة للكتب والأشرطة الإسلامية النافعة.
9- الاستعداد الدعوي للمناسبات الإسلامية بإعداد ورقة عمل لممارستها عملياً مثل: ( رمضان - العيد - الحج ).
10- السيرة الحسنة للداعية وسيلة فاعلة في التأثير على الناس وجذبهم إلى الخير.
11- الترغيب في الخير: وهو كل ما يشوّق المدعوّ إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله. وسيلة لها تأثير في نفوس الناس فمارسها بحكمة واتزان.
12- نظّم إن أمكن جولة وقافلة للدعوة لمجموعة من الخيرين في المناطق النائية والقرى.
13- الكلمة الهادفة سواء كانت تلك الكلمة:
أ – محاضرة ب – درس يومي أو أسبوعي ج – خطبة د – موعظة هـ - نصيحة شخصية فردية.
14- الكتاب أو الكتي: فإن الكتاب من أهم وسائل نشر الدعوة والخير فهو يخاطب العقل والعاطفة معاً فيختار الداعية الكتاب المناسب للمدعوّ على حسب مستواه المعرفي والعقلي ليكون تأثيره أقوى في نفسية المدعو.
15- الشريط الإسلامي: خاصة مع الناس الذين لا يحبون القراءة، فيختار لكل شخص الموضوع الذي يناسبه.
مثال: إنسان تجد فيه غفلة وتعلّق بالدنيا، تهدي له شريطاً يذكره بالآخرة والموت. أن يركّز الأخ الداعية المتحرّك على عدم خلوّ سيارته من مجموعة مناسبة من الأشرطة والكتيبات لاستخدامها عند الحاجة.
16- البحث: إن البحث مفيد فائدة جليلة في نشر الدعوة ولهذا ينبغي أن يهتم الداعية به.
مثال: قد يلاحظ الداعية في المدعو إهمالاً في المحافظة على إقامة الصلوات الخمس في المساجد جماعة، فيطلب الداعية من المدعو كتابة بحث في أهمية الصلاة مع الجماعة في المساجد ومنزلتها وثوابها والسلبيات المترتبة على تركها والإهمال لها.
17- توزيع ونشر المطويات: وهي عبارة عن بضع صفحات تعالج موضوعاً معيناً وميزتها: إنها من السهل أن يقرأها الإنسان في دقائق معدودة.
18- إشاعة كل عمل إسلامي: يراه الداعية أو يسمع به، والدالّ على الخير كفاعله.
19- التأليف والتصنيف: وهذه الوسيلة من الوسائل التي يبغي بها ثواباً دائماً لا ينقطع فقد جاء في الحديث: { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، وولد صالح يدعو له، وصدقة جارية } [رواه مسلم].
20- الرسالة: تعني أن يقوم الداعية بكتابة رسالة إلى المدعو يدعوه إلى فعل الخيرات أو ترك الشرّ ممزوجة بالعاطفة والوجدان القلبي.
فالرسالة أسلوب من أساليب الدعوة والتي يجب على الداعية أن يستخدمها فقد ينجح هذا الأسلوب مع نوعية من الناس، فالرسالة لها تأثير عجيب عندما يقرأها الإنسان في تمعّنٍ وتروٍّ.
21- شكر كل من ساهم في دعم الدعوة والثناء عليه: من خلال: أ – الهاتف ب – الرسالة ج – الفاكس د – الإنترنت ( وفي هذا العمل تشجيع له على مواصلة العطاء الدعوي ).
22- التفكير فيما ينفع الدعوة والتخطيط لها: إن أول خطوة للعمل الجاد هو التفكير، لذا يلزم على الداعية أن تكون له جلسة تفكير لإيجاد الجديد من الوسائل الدعوية أو تطوير للموجود.
23- ومن أهم الوسائل الدعوية المعنوية التي يمكن أن يباشرها الداعية إلى الله: الدعاء للمدعو بأن يهديه الله، ويشرح صدره، وبفتح عليه.
وهذا أسلوب قرآني، قال تعالى: ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين [الأعراف:89].
وأسلوب نبوي، قال في دعائه شفقة على أمته: { اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون }.
24- تشجيع كافّة أعمال البرّ والخير ولا سيما في مجال الدعوة ونشر العلم وتقديم الخدمات.(11/2)
25- إظهار المحبة والمودّة في المقابلة والمهاتفة والدعاء للشخص المقابل بأدعية متصلة تؤثّر في نفسه مثل: بلّغك الله أعلى منازل الجنة، فهي وسيلة للتآلف وزيادة المودّة.
26- طرح مشاريع خيرية ودعوية في المجالس العامة أو الخاصة: مثل:
أ - كفالة داعية ب – تفطير صائم ج – كفالة يتيم د – بطانية الشتاء هـ - وقف خيري.
وفي هذا الطرح فوائد:
1 – دعمها بالدعاء. 2 – دعمها مادياً. 3 – معرفة الناس لها وتفاعلهم معها ونشر الحسّ الدعوي لدى المدعوين. 4 – إشادة بالعاملين وتثبيت لهم.
27- الهدية: وهي هدية تهدى من أجل الدعوة وكسب القلوب.
مثل: 1 - إهداء كتاب أو شريط أو اشتراك في مجلّة أو مصحف مكتوب عليه اسم المهدى له.
2 - سدّ النقص لدى المهدى إليه فإن كان في حاجة إلى مدفأة مثلاً؛ أهديت له، فهذا أولى لأن في ذلك تلمّساً لحاجة الأخ.
28- تخصيص وقت دعوي ساعة في الأسبوع: مثلاً لزيارة الأرحام والجيران وأن تكون الزيارة هادفة بمعنى أن يضع الداعية هدفاً تربوياً يحققه من خلال تلك الزيارة.
29- الدلالة على كل خير للمسلمين ( الكلمة الطيبة ): هي التي تؤدي إلى العمل الصالح قال تعالى: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فالكلمة الطيبة تثمر لقائلها عملاً صالحاً كل وقت.
الدلالة والكلمة الطيبة من الداعية، قد تنشيء دعوة، وقد تبني مؤسسة خيرية، وقد ينقذ الله بها قلوباً أو يعمّر بها نفوساً بل وقد يحيي الله بها أقواماً من السبات. وما على الداعية إلا التبليغ ولا يترك الفرصة تفوته؛ لعلّ الله تعالى يكتب له أجر الكلمة المعطاء التي لا يلقي لها بالاً وترفعه الدرجات.
صور للدلالة على الخير:
فلا يفوت الداعية فرص الكلمة المعطاء: مثل:
1- رفيق السفر في القطار أو الطائرة.
2- اللقاء العابر على وليمة أو مناسبة.
3- في السوق وعند الشراء.
4- في المسجد بعد الصلوات.
5- عند التعارف مع الغير في السفرات والخلوات.
6- دعوة الغير لسماع محاضرة أو ندوة.
( إن قول الكلمة الطيبة بهذه النيات ظاهرة من ظواهر التحرك الذاتي والإيجابي في حياة الداعية ).
30- استثمار الفرص: وأقصد بذلك: توظيف هذه الفرصة في خدمة الدعوة مثل:
1/ المناسبات: رمضان – الحج – الأعياد... الخ.
2/ الأفراح، الأتراح – المجالس العائلية العامة والخاصة.
3/ السفر كالمرور بقرية على الطريق العام لتوزيع الكتيبات والأشرطة... الخ.
والداعية الناجح هو من يمتلك صفة حسن استغلال الفرصة وتوظيفها في خدمة الدعوة بل يصنع الفرصة ويوظفها توظيفاً سليماً في خدمة الدين.
31- دعوة فرد بعينه لرفع درجة التزامه " الدعوة الفردية ".
32- المشاركة في المجلات الإسلامية وذلك بدعمها: معنوياً بالمراسلة والتشجيع، أو مادياً بالاشتراك فيها.
33- تقوية العلاقة بالمؤسسات الدعوية والإغاثية والمشاركة معها بقدر الإمكان وخاصة في المواسم كرمضان... الخ.
34- التسخير: أقصد ذلك: توظيف الداعية لطاقاته وإمكاناته وما آتاه الله من النعم في خدمة الدعوة.
35- الحوار الهادف: وهو الذي يكون بين اثنين أو أكثر حول قضية من القضايا بهدف إحقاق الحق والدفاع عنه بالحجة والبرهان.
36- ملازمة الإمامة في أحد المساجد: لتفعيل رسالة المسجد ودعوة أهل الحي للهداية قال تعالى: واجعلنا للمتقين إماماً .
37- التعاون الدعوي مع الآخرين لنشر الدعوة الإسلامية بأقصر وقت ممكن وتعاونوا على البرّ والتقوى .
38- المساهمة في دعم نشاطات الدعوة ماديّاَ ومعنوياَ.
39- التخطيط بجدية لبرامج الدعوة: وضع خطة سنوية / شهرية / أسبوعية / يومية / مناسبات.
40- على الأخ الداعية المتحرّك أن يسعى لتصميم منزله دعوياً: وذلك بعمل جملة من الأمور:
1/ أن يكون قريباً من المسجد.
2/ أن يجعل واحدة من غرف البيت إن أمكن مصلىً لا تستخدم إلا لذلك.
3/ أن يجعل واحدة من غرف المنزل مكتبة عامّة.
4/ التزام الشخصية الإسلامية.
5/ نشر الآداب والأعراف الإسلامية في البيت.
6/ وضع طاقات منزله لخدمة الدعوة.
7/ تأثير البيت المسلم على من حوله وذلك بنشر الدعوة بينهم.
41- استثمار همة الناس في خدمة الدعوة: مثل:
من كان من ذوي غنى ومال وفير يستثمر للمشاركة في أعمال الخير العامة؛ مثل: بناء المساجد، وإقامة المنشآت النافعة، ونحو ذلك.
42- المبادرة الذاتية لفتح أنشطة دعوية: مثل:
1/ دارية الحي . 2/ نشاط مدرسي . 3/ تفعيل جماعة المسجد . 4/ نشاط عائلي هادف.
=============
الأسباب الجالبة للرزق
دار الوطن
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الناس في هذه الأيام يشكون من قلة الرزق وعدم البركة وكثرة أعباء الحياة ومستلزماتها، وأصبح طلب الرزق وتدبير المعاش مما يشغل بال الكثير منهم بل ويقلقه، حتى سلكوا في سبيل الحصول عليه كل مسلك، وسعوا إليه بكل سبيل، فهذا يغش ويسرق، وذاك يرابي ويرتشي، وثالث ينافق ويخادع، ورابع يسفك الدماء ويقطع الأرحام ويترك طاعة الله، وخامس... كل ذلك من أجل مجاراة الناس وتلبية مطالب النفس والأهل والولد.
ونسي هؤلاء أن الله تعالى شرع لعباده الأسباب التي تجلب الرزق وبيَّنها لهم، ووعد من تمسك بها وأحسن استخدامها بسعة الرزق، وتكفَّل لمن أخذ بها بالنجاة مما يحذر، والرزق من حيث لا يحتسب.
وإليك أخي الحبيب هذه الأسباب:
السبب الأول: تقوى الله تعالى(11/3)
جعل الله تعالى التقوى من الأسباب التي تجلب الرزق وتزيده، فقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3،2]، فكل من اتقى الله ولازم مرضاته في جميع أحواله، فإن الله يثيبه في الدنيا والآخرة، ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرَجاً ومخرجاً من كل شدة ومشقة، ويسوق إليه الرزق من وجه لا يحتسبه ولا يشعر به.
يقول ابن كثير رحمه الله: ( أي ومن يتق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي من جهة لا تخطر بباله ).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً أي ينجيه من كل كرب الدنيا والآخرة، ويرزقه من حيث لا يحتسب أي من حيث لا يرجو ولا يأمل ).
ويقول الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون [الأعراف:96].
يقول العلامة السعدي رحمه الله: ( .. لو أن أهل القرى آمنوا بقلوبهم إيماناً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله تعالى ظاهراً وباطناً بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدراراً، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيش وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب.. ) أهـ.
ولكن ما هي التقوى التي جعلها الله سبباً لجلب الرزق، وأخبر أنه يرزق أهلها بغير حسبا؟!
التقوى هي أن تجعل بينك وبين ما يضرك وقاية تحول بينك وبينه، أن تفعل ما يأمرك به الله، وتجتنب ما ينهاك عنه؛ فلا يجدك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، شعارك أمره ونهيه، وحول هذا المعنى جاءت عبارات السلف في تعريفها وبيانها.
يقول ابن مسعود عن تعريف التقوى: ( أن يُطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يكفر ).
ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: ( المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به ).
ويقول طلق بن حبيب: ( التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله. وأن تترك معصية اله على نور نم الله تخاف عقاب الله ).
وسُئِل أبو هريرة عن التقوى فقال: (هل أخذت طريقاً ذا شوك؟ قال: نعم. قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه. قال: ذاك التقوى ). وأخذ هذا المعنى ابن المعتمر فقال:
خلِّ الذنوب صغيرها *** وكبيرها فهو التقى
واصنع كماشٍ فوق أر *** ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنَّ صغيرةً *** إن الجبالَ من الحصى
فحريٌّ بك أخي الحبيب إذا كنت ترغب في سعة الرزق ورغد العيش أن تتقي الله تعالى في كل شئونك، في بيتك وعملك وأهلك وأولادك، وأن تحفظ نفسك عما يؤثم، وأن تمتثل أوامر ربك، وتجتنب نواهيه وأن تصن نفسك عما تستحق به العقوبة من فعل منكر أو ترك معروف.
السبب الثاني: الاستغفار والتوبة
ومن الأسباب التي تجلب الرزق الاستغفار والتوبة، يقول تعالى إخباراً عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12].
يقول القرطبي رحمه الله: ) في هذه الآية والتي في هود دليلٌ على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار ) أهـ.
ويقول ابن كثير رحمه الله: ( أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الارض، وأنبت لكم الزرع، وأدرَّ لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخلَّلها بالأنهار الجارية بينها ) أهـ.
وقد روى مطرف عن الشعبي أن أمير المؤمنين عمر خرج يستقي بالناس فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فقيل له: ما سمعناك استقيت. فقال: طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر – أي المطر – ثم قرأ: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً .
وشكا رجل إلى الحسن البصري الجدب، فقال له: ( استغفر الله )، وشكا آخر الفقر، فقال له: ( استغفر الله ). وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال له: ( استغفر الله ). وشكا إليه رجلٌ جفاف بستانه، فقال له: ( استغفر الله ). فقالوا له في ذلك: أتاك رجال يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار. فقال: ( ما قلتُ من عندي شيئاً، إن الله تعالى يقول في سورة نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً .
ويقول تعالى عن هود أنه قال لقومه: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود:52].
يقول ابن كثير: ( أمر هود عليه السلام قومه بالاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة وبالتوبة عما يستقبلون، ومن اتصف بهذه الصفة يسَّر الله عليه رزقه، وسهَّل عليه أمره، وحفظ شأنه ) أهـ.(11/4)
ويقول تعالى أيضاً: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود:3].
ففي هذه الآية وعد الله تعالى من استغفر إليه وتاب ورجع بالمتاع الحسن، وهو سعة الرزق ورغد العيش، ورتَّب ذلك على الاستغفار والتوبة ترتيب الجزاء على شرطه.
وقال : { مَن أكثر الاستغفار جعل الله له من كل همَّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب } [رواه أحمد وأبو داود وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر].
والاستغفار – أخي الحبيب – الذي يجلب الرزق ويزيده ويبارك فيه، والذي يترك أثره في النفس ويؤدي مقصوده، هو الذي يواطئ فيه القلب اللسان، ويكون صاحبه غير مصرٍّ على ذنبه. أما المستغفر بلسانه وهو متشبث بذنبه مقيم عليه، مصرٌّ عليه بقلبه فهو كاذب في استغفاره، ولن يكون لاستغفاره فائدة أو ثمرة.
فإن كنتَ ترغب في سعة الرزق ورغد العيش فسارع إلى الاستغفار بالقول والفعل، واحذر من الاقتصار على الاستغفار باللسان وحده، فإن هذا فعل الكذابين.
السبب الثالث: التوكل على الله تعالى
ومما يستجلب به الرزق: التوكل على الله تعالى، يقول عز وجل: وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً [الطلاق:3]، فمن تعلق قلبه بالله تعالى في جلب النفع ودفع الضر، وفوَّض إليه أمره، كفاه الله ما أهمَّه، واندفع عنه ما أغمَّه، ورزقه تعالى من كل ما ضاق على الناس.
ويقول النبي : { لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً } [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
يقول ابن رجب رحمه الله: (هذا الحديث أصل في التوكل، وأنه من أعظم الأسباب التي يُستجلب بها الرزق.. قال بعض السلف: توكل تُسَق إليك الأرزاق بلا تعب ولا تكلف ).
والتوكل على الله هو إظهار العجز والاعتماد عليه وحده، والعلم يقيناً أن لا فاعل في الوجود إلا الله، وأن كل موجود من خلق ورزق، وعطاء ومنع، وضر ونفع، وفقر وغنى، ومرض وصحة، وموت وحياة، وغير ذلك مما يطلق عليه اسم الموجود من الله تعالى.
وحقيقة التوكل كما يقول ابن رجب رحمه الله هي: ( صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها، وكلة الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع، ولا يضر ولا ينفع سواه ).
والتوكل على الله تعالى لا يقتضي ترك الأخذ بالأسباب، فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمانٌ به، كما قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً [النساء:71]، وقال: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ [الأنفال:60]، وقال: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون [الجمعة:10].
فالمسلم مطالب بالأخذ بالأسباب مع عدم اعتماده عليها، بل يعتقد أن الأمر كله لله، وأن الرزق منه سبحانه وحده.
السببُ الرابع: صلة الرحم
ومن الأسباب الجالبة للرزق أيضاً صلة الرحم، وقد دلَّت على ذلك أحاديث كثيرة منها:
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: { مَنْ سَرَّه أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه } [رواه البخاري].
وعن أنس بن مالك أن رسول الله قال: { مَن أَحب أن يُبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه } [رواه البخاري].
وقد عنون البخاري رحمه الله على هذين الحديثين بقوله: ( باب من بُسط له في الرزق بصلة الرحم ). أي بسبب صلة الرحم.
وروى ابن حبان حديث أنس وعنون عليه بقوله: ( ذكر إثبات طيب العيش في الأمن وكثرة البركة في الرزق للواصل رحمه ).
وعن أبي هريرة أن النبي قال: { تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبةٌ في الأهل، مثراةٌ في المال، منساةٌ في العمر } [رواه أحمد وصححه الألباني].
وعن علي بن أبي طالب أن النبي قال: { مَنْ سرَّه أن يمدَّ له في عمره، ويوسَّع عليه في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء؛ فليتق الله، وليصل رحمه } [رواه أحمد وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر].
وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: { من اتقى ربَّه، ووصل رحمه، أنسئ له في عمره، وثرِّي ماله، وأحبه أهلهُ }.
ففي هذه الأحاديث بيَّن النبي أن لصلة الرحم ثماراً عديدة وآثاراً طيبة منها: البسط في الرزق، والزيادة في العمر، ودفع ميتة السوء، وأنها سبب لمحبة الأهل للواصل.
فمن هم الأرحام، وبأي شء تكون صلتهم؟
الأرحام هم الأقارب، وهم من بينك وبينهم نسب، سواء كنت ترثهم أم لا، وسواء كانوا ذا محرم أم لا.
وصلتهم تكون بأشياء متعددة: فتكون بزيارتهم والإهداء إليهم، والسؤال عنهم، وتفقد أحوالهم، والتصدق على فقيرهم، والتلطف مع غنيهم، واحترام كبيرهم، وتكون كذلك باستضافتهم وحسن استقبالهم، ومشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم في أحزانهم، كما تكون بالدعاء لهم، وسلامة الصدر نحوهم، وإجابة دعوتهم، وعيادة مرضاهم، ودعوتهم إلى الهدى، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتكون أيضاً بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وغير ذلك.(11/5)
السبب الخامس: الإنفاق في سبيل الله تعالى
قد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تدل على أن الإنفاق في سبيل الله من الأسباب التي يُستجلب بها الرزق ومنها قوله تعالى: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، يقول ابن كثير رحمه الله: ( أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب ).
ومنها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:267، 268].
يقول ابن عباس: ( اثنان من الله، واثنان من الشيطان الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ يقول: لا تنفق مالك وأسمكه لك فإنك تحتاج إليه وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ . وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ على هذه المعاصي وَفَضْلاً في الرزق ). والمغفرة هي الستر على عباده في الدنيا والآخرة، والفضل هو الرزق في الدنيا والتوسعة فيه، والتنعيم في الآخرة.
ومنها قوله : { قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم، أنفق أنفق عليك } [رواه مسلم].
وقوله : { ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا } [رواه البخاري].
وقوله : { أنفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً } [رواه البيهقي وصححه الألباني].
فكل هذه الأحاديث تحثُّ على الإنفاق في وجوه الخير، وتبشِّر بالخلف من فضل الله تعالى على من أنفق، وترفع من شأن المنفق في القلوب.
السبب السادس: المتابعة بين الحج والعمرة
المتابعة بين الحج والعمرة من أسباب سعة الرزق ويسر الحال، فعن ابن مسعود قال: قال رسول الله : { تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنبوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة } [رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: { تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد } [رواه النسائي وصححه الألباني].
والمتابعة بين الحج والعمرة معناها: اجعلوا أحدهما تابعاً للآخر واقعاً على عقبه، أي إذا حججتم فاعتمروا، وإذا اعتمرتم فحجوا، فإنهما متابعان.
السبب السابع: الإحسان إلى الضعفاء
بيَّن النبي أن الله يرزق العباد وينصرهم بسبب إحسانهم إلى ضعفائهم، فعن مصعب بن سعد قال: رأى سعد أن له فضلاً على من دونه، فقال رسول الله : { هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم } [رواه البخاري].
وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله يقول: { ابغوني في ضعفائكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم } [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني].
والضعفاء الذين جعل النبي الإحسان إليهم سبباً لجلب الرزق والنصر على الأعداء أنواع: منهم الفقراء والأيتام والمساكين والمرضى والغرباء والمرأة التي لا عائل لها، والمملوك... والإحسان إليهم يختلف، فالإحسان إلى الفقير الذي لا مال له يكون بالصدقة والهدية والعطية والمواساة، والإحسان إلى اليتيم والمرأة التي لا عائل لها يكون يتفقد أحوالهم والقيام على أمورهم بالمعروف، والإحسان إلى المرضى يكون بعيادتهم وزيارتهم وحثهم على الصبر والاحتساب... وهكذا.
فإن كنت ترغب – أخي الحبيب – في نصر الله تعالى وتأييده وسعة الرزق فأحسن إلى الضعفاء وأكرمهم وتحسس أحوالهم، واعلم أن الإساءة إليهم وإيذاءهم سبب لحرمان الرزق، وفي قصة أصحاب البستان الذين قصَّ الله خبرهم في سورة القلم العبرة والعظة.
السبب الثامن: التفرغ للعبادة
عن أبي هريرة عن النبي قال: { إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملاً صدرك غنى، واسد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يدك شغلاً، ولم أسد فقرك } [رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني].
وعن معقل بن يسار قال: قال رسول الله : { يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأملأ يديك رزقاً. يا بان آدم، لا تباعدني فأملأ قلبك فقرا، وأملأ يديك شغلاً } [رواه الحاكم وصحح إسناده ووافقه الألباني].
ففي هذين الحديثين وعد الله تعالى مَنْ تفرغ لعبادته بشيئين هما: ملء قلبه بالغنى، ويديه بالرزق، وتوعَّد من لم يتفرغ بعقوبتين هما: ملء قلبه فقراً ويديه شغلاً، ومن المعلوم أن من أغنى الله قلبه لا يقرب منه الفقر أبداً، ومن ملأ الرزَّاق يديه رزقاً لا يفلس أبداً.
والتفرغ للعبادة ليس معناه ترك الكسب والانقطاع عن طلب الرزق والجلوس في المسجد ليلاً ونهاراً، وإنما المراد أن يكون العبد حاضر القلب والجسد أثناء العبادة، خاشعاً خاضعاً لله، مستحضراً عظمة خالقه ومولاه، مستشعراً أنه يناجي مالك الارض والسماء.
وهناك أسباب أخرى غير ما ذُكر نذكرها باختصار:
السبب التاسع: المهاجرة في سبيل الله(11/6)
كما قال سبحانه: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً [النساء:100]، قال ابن عباس وغيره: ( سعة أي السعة في الرزق ). وقال قتادة: ( المعنى سعة من الضلالة إلى الهدى، ومن العيلة إلى الغنى ).
السبب العاشر: الجهاد في سبيل الله تعالى
لقوله : {... وجُعل رزقي تحت ظل رمحي } [رواه أحمد].
السبب الحادي عشر: شكر الله تعالى
فقد قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]، فعلَّق سبحانه المزيد بالشكر، والمزيد منه لا نهاية له. وقال عمر بن عبدالعزيز: ( قيَّدوا نعم الله بشكر الله، فالشكر قيد النعم وسبب المزيد ).
السبب الثاني عشر: الزواج
فقد قال تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32]، وكان عمر بن الخطاب يقول: (عجباً لمن لم يلتمس الغنى في النكاح، والله يقول: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ).
السبب الثالث عشر: اللجوء إلى الله عند الفاقة
فقد قال : { من نزلت به فاقةٌ فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل } [رواه الترمذي وصححه الألباني].
السبب الرابع عشر: ترك المعاصي والاستقامة على دين الله والعمل بالطاعة
وهذا جماع الأسباب كلها، فما استجلبت الأرزاق إلا بالطاعة، وما مُحِقت إلا بالمعاصي والذنوب، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، فالذنوب والمعاصي من أكبر الابواب التي تغلق أبواب الرزق أمام صاحبها، وتضيِّق عليه قوته، وتعسِّر عليه أسباب معيشته، وتمحي البركة من حياته وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً [الجن:16] أي لو استقام هؤلاء على طريق الحق والإيمان والهدى، وكانوا مؤمنين مطيعين؛ لوسعنا عليهم في الدنيا، وبسطنا لهم في الرزق.
أخي الحبيب: إن المعاصي تزيل النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، فإن نعم الله ورزقه ما حُفظ موجودها بمثل طاعته، ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته، فإن ما عند الله تعالى لا يُنال إلا بطاعته، وقد جعل الله لكل شيء سبباً وآفة، سبباً يجلبه، وآفة تبطله، فجعل أسباب نعمه الجالبة لها طاعته، وآفاتها المانعة منها معصيته. فإذا أردت السعة في الرزق والرغد في العيش فاترك المعاصي والذنوب؛ فإنها تمحق البركات وتتلف وتدمر الأرزاق.
وأخيراً: فهذا ما تيسر جمعه من الأسباب الجالبة للرزق، فإن كان فيها من خير فمن الله وحده، وإن كان غير ذلك فمن النفس والشيطان، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
==============
هل أنت حريص على تعلم دينك ؟
أزهري أحمد محمود
دار ابن خزيمة ...
الحمد لله تعالى الذي علم الإنسان. وهدى إلى الفرقان. والصلاة والسلام على النبي المرسل بالقرآن. وعلى آله وأصحابه سادة أهل الإيمان.
أخي المسلم: إن عبادة الله تعالى هي غاية الخلق في الدنيا.. ولأجلها خُلقوا.. والسعيد منهم من اشتغل بوظائفها..
ولا تكون العبادة صحيحة إلا إذا كانت على بصيرة وعلم؛ ولأجل ذلك بعث الله تعالى الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنزل الكتب، كل ذلك لهداية الخلق إلى الصراط المستقيم.. فأتباع الرسل على بصيرة؛ هم أعرف الناس بعبادة ربهم تبارك وتعالى؛ إذ أنهم اقتبسوا من نور الوحي الإلهي، وأما من عمي عن هذا النور؛ فهو الذي تخبط ولم يعبد ربه تعالى على بصيرة..
فهيا بنا أخي المسلم إلى محاسبة أخرى من هذه السلسلة: ( سلسلة المحاسبة ).
( هل أنت حريص على تعلم دينك؟! )
هو مشوار هذه المحاسبة، وهو سؤال لا بد لكل مسلم أن يسأله نفسه..
ولتكن المحاسبة صادقة؛ ليكون الجواب صادقاً..
أخي المسلم: حرصك على تعلم دينك، هو بداية فلاحك.. إذ أنك ستسلك طريقاً يوصلك إلى الجنة..
قال الحسن البصري: ( إن الرجل يتعلم الباب من العلم فيعمل به خير من الدنيا وما فيها ! ).
وقال سفيان الثوري: ( ما يراد الله بشيء أفضل من طلب العلم، وما طُلب العلم في زمان أفضل منه اليوم ).
وما أحوجك أيها المسلم إلى العلم النافع الذي به تعرف ربك تعالى؛ فتفرده بالعبادة، وتعبده على بصيرة..
وشرف العلم بشرف المعلوم، وإنما شرف العلم الشرعي لشرف الدين الذي يرتبط به.. وهو أغلى بضاعة !
قال رسول الله : { الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، أو عالماً أو متعلماً } [رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما:السلسلة الصحيحة:2797].
ولزاماً عليك أيها المسلم أن تعلم أن حاجتك إلى تعلم دينك؛ أشد من حاجتك إلى الطعام والشراب !
وكما أنك تحرص على كسب معاشك لتحيا؛ فلتحرص على تعلم دينك، إذ أنه الحياة الحقيقية، والتي أنت بدونها في عداد الأموات !
قال الإمام أحمد بن حنبل: ( الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يحتاج إليه بعدد الأنفاس ! ).
وقال ابن القيم: ( العلماء بالله وأمره هم حياة الموجود وروحه، ولا يستغنى عنهم طرفة عين، فحاجة القلب إلى العلم ليست كالحاجة إلى التنفس في الهواء، بل أعظم ! وبالجملة فالعلم للقلب مثل الماء للسمك، إذا فقده مات، فنسبة العلم إلى القلب كنسبة ضوء العين إليها ! ).(11/7)
أخي المسلم: ومن أجل هذه الحوجة كان فرضاً على كل مسلم أن يتعلم من دينه ما يجعله يعبد الله على بصيرة..
قال رسول الله : { طلب العلم فريضة على كل مسلم } [رواه ابن ماجه:صحيح ابن ماجه للألباني:184].
سُئل الإمام مالك عن طلب العلم، أواجب؟ فقال: ( أما معرفة شرائعه وسننه وفقهه الظاهر فواجب، وغير ذلك منه، من ضعف عنه فلا شيء عليه ).
وقال ابن عبد البر: ( قد أجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصة نفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية، إذا قام به القائم سقط فرضه عن أهل ذلك الموضع، واختلفوا في تخليص ذلك، والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه... ).
وذكر من ذلك: ( معرفة الله تعالى وتوحيده، والصلوات الخمس وما يلزمها من العمل فيها، وصوم رمضان، وما يصح به صومه، وما يفسد، والحج إذا كان ذا قدرة، والزكاة إذا كان ذا مال، وأشياء لا يعذر بجهلها، نحو: تحريم الزنا، والربا، وتحريم الخمر، وأكل لحم الخنزير، وأكل الميتة، والغصب، والرشوة، والشهادة بالزور، وأكل أموال الناس بالباطل، وتحريم الظلم، وغيرها من المحرمات ).
أخي المسلم: الأمور السابقة مما ينبغي لكل مسلم أن لا يجهلها فلتحاسب نفسك: ما هو نصيبها من بضاعة العلم الشرعي؟!
فإن الناس درجات في حرصهم على تعلم دينهم، وهي درجات متفاوتة، وفي كل درجة طائفة، وسأذكر لك هذه الدرجات من كلام العلماء الربانيين، فانظر نفسك في أي درجة أنت؟!
قال علي رضي الله عنه: ( الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وسائل الناس همج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح ! ).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ( اغدُ عالماً أو ومتعلماً، ولا تغدُ بين ذلك ! ).
وعن حميد عن الحسن أن أبا الدرداء قال: ( كن عالماً أو متعلماً، أو محباً، أو متعباً، ولا تكن الخامس فتهلك ! ).
قال: قلت للحسن: وما الخامس؟
قال: المبتدع !
أخي المسلم: حاسب نفسك: في أي صنف أنت من تلك الأصناف؟ !
وإياك أن تكون من أولئك الذين لا يبالي أحدهم بتعليم دينه والفقه فيه !
فكم من مصلٍّ لا يعرف الصلاة الصحيحة كما صلاّها النبي !
وكم من صائم يقع في الكثير من الأخطاء وهو لا يشعر !
وكم من قاصد بيت الله الحرام لا يعرف كيف يؤدي نسكه !
وكم من مبتدع واقع في الكثير من البدع، وهو يظن أن ذلك من السنة !
وكم من تاجر واقع في كثير من المعاملات المحرمة، وهو يظن أنها حلال !
وكم من آكل لأموال الناس بالباطل، لا يميز بين الحلال والحرام !
كل ذلك تجد الآفة في غالبه الجهل بأحكام الدين، والعجيب في ذلك أن ترى الواقع في تلك المحاذير في سن لا يليق بصاحبها أن يكون جاهلاً بأمور دينه، وخاصة وقد توفرت الأسباب المعينة على تعلم أحكام الدين، فأصبح متيسراً للمسلم معرفة دينه..
قيل لعبدالله بن المبارك: إلى متى يحسن للمرء أن يتعلم؟! قال: ( ما دام يقبح عليه الجهل، يحسن له التعلم ).
وقال محمد بن الفضل السمرقندي الواعظ: ( كم من جاهل أدركه العلم فأنقذه، وكم من ناسك عمل عمل الجاهل فأوبقه، احضر اعلم، وإن لم تحضرك النية، فإنما تطلب بالعلم النية، وإن أول ما يظهر من العبد لسانه، وأول ما يظهر من عقله حلمهُ ).
أخي المسلم: احرص على تعلم دينك، وأزل كل حاجز يحجزك عن ذلك، فإن العلم بالتعلم.
وإن من الحواجز التي صدّت البعض عن تعلم العلم الشرعي: الحياء والكبر !
قال مجاهد: ( لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر ).
أما الحياء: فإن كل حياء صدك عن المكارم؛ فليس هذا بحياء؛ فإن الحياء خلق يحجز عن القبائح، والذي لا يأتي حلقات العلم، ولا يسأل العلماء فيما أشكل عليه؛ فهو على خطر عظيم ! إذ أنه سيقدم على كثير من الأفعال بغير علم !
وأما المتكبر: فواقع في كبيرة من كبائر الذنوب، وفي صاحبها قال رسول الله : { لا يدخل الجنة من في قلبه خردلة من كبر ! } [رواه الحاكم والطبراني:صحيح الترغيب للألباني:2910].
أخي المسلم: إن الفقه في الدين دليل خيرك وفلاحك.. فإنك إذا فقهت دينك ؛ كنت ممن يعبد الله على علم؛ فتزداد من الله تعالى قرباً..
قال النبي : { من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين... } [رواه البخاري ومسلم].
قال الحافظ ابن حجر: ( ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين - أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع - فقد حرم الخير... لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيهاً، ولا طالب فقه، فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير، وفي ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس، ولفضل التفقه في الدين على سائل العلوم ).
فحاسب نفسك أيها العاقل.. ألا تحب أن تدخل في هذه الخيرية؟ !
فإنه لا يستوي عالم بدينه وآخر جاهل !
قُل هَلْ يَسْتوِي الذِينَ يَعْلَمُونَ وَالذيِنَ لا يَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلبَابِ [الزمر:9].
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ( يرزق الله العلم السعداء، ويحرمه الأشقياء ! ).
وقال ابن القيم: ( السعادة الحقيقية هي سعادة نفسانية روحية قلبية، وهي سعادة العلم النافع ثمرته، فإنها هي الباقية على تقلب الأحوال، والمصاحبة للعبد في جميع أسفاره، وفي دوره الثلاثة، وبها يترقى معارج الفضل، ودرجات الكمال، كلما طال الأمد ازدادت قوة وعلواً... ).
ولكن ما أكثر الغافلين عن هذه السعادة ! ترى أحدهم حريصاً على جمع الدينار والدرهم.. حريصاً على معرفة طرق الكسب، وتكثير ماله.. ولكن تجده زاهداً في معرفة دينه.. وتكثير رصيده من العلم النافع !
يجزع أحدهم إذا خسر القليل من ماله.. ولا يجزع إذا خسر الكثير من دينه !(11/8)
ويفرح إذا استفاد القليل من المال.. ولا يفرح إذا استفاد علماً من دينه !
عن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله ونحن في الصفة، فقال: { أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق؛ فيأتي منه بناقتين كوماوين، في غير إثم ولا قطع رحم؟! } فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال: { أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد؛ فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربعٍ، ومن أعدادهن من الإبل؟ ! } [رواه مسلم].
قال أبو غنية الخولاني: ( رب كلمة خير من اعطاء المال، لأن المال يطغيك، والكلمة تهديك ).
أخي المسلم: إن خير علم تعلمته؛ علماً هداك إلى معرفة الله تعالى، وعبادته على بصيرة.. ولن تجد بضاعة أغلى منه..
وقد قال النبي : { خيركم من تعلم القرآن وعلمه } [رواه البخاري].
وعن علي الأزدي قال: سألت ابن عباس عن الجهاد، فقال: ( ألا أدلك على ما هو خير لك من الجهاد؟ ! تبني مسجداً تعلم فيه القرآن، وسنن النبي ، والفقه في الدين ).
أخي المسلم: إن سؤال أهل العلم، طريق إلى الفقه في الدين.. وقد حضك الله تعالى إلى سؤال العلماء إذا أشكل عليك شيء.. فقال الله تعالى: فَاسْألوا أهْل الذَكْرِ إن كُنُتْم لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7].
قيل لابن عباس رضي الله عنهما: أنى أصبت هذا العلم؟!
فقال: ( بلسان سؤُول وقلبٍ عقُول ).
فسؤال أهل العلم شفاء للجهل.. فإياك أن تقدم على أمر من أمور دينك وأنت لا تعلم حكمه.. فإن عبادة الله على جهل لا يزداد العبد بها من الله إلا بعداً !
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( زيادة العلم الابتغاء، ودرك العلم السؤال، فتعلم ما جهلت، واعمل بما علمت ).
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ( العلم بالتعلّم، والحلم بالتحُّلُم، ومن يتحرّ الخير يعطهُ، ومن يتوق الشر يوقهُ ).
وسئل ابن المبارك: ما الذي لا يسع المؤمن من تعليم العلم إلا أن يطلبه، وما الذي يجب عليه أن يتعلمه؟ !
قال: ( لا يسعه أن يقدم على شيء إلا بعلم، ولا يسعه حتى يسأل ).
ولتعلم أخي المسلم أن من شرف الذي يحرص على العلم النافع، أن النبي أوصى به، وهو شرف لكل من حرص على تعلم دينه..
قال رسول الله : { سيأتيكم أقوام يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحباً مرحباً بوصية رسول الله واقنوهم }.
قلت للحكم: ما { اقنوهم }؟ قال: علموهم. [رواه ابن ماجه:صحيح ابن ماجه للألباني:203].
أخي المسلم: إن علماً قليلاً تحرص على طلبه؛ لتتفقه في دينك؛ خير لك من أضعافه من عمل صالح تعمله.. وكيف لا؟! فإن العلم طريق للعبادة الصحيحة، فلا عبادة بغير علم..
قال أبو هريرة رضي الله عنه: ( لكل شيء عماد، وعماد هذا الدين الفقه، وما عُبِدَ الله بشيء أفضل من فقه في الدين، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ! ).
فإنك أيها المسلم ؛ بجهد يسير تستطيع أن تتفقه في دينك، وإليك محطات هذه الرحلة..
وأولها: ابدأ بكتاب الله تعالى ؛ فحاول أن تتقن تجويده، وقراءته قراءة صحيحة، والوسائل إلى ذلك متعددة، وأفضلها القراءة على شيخ متقن، مع سماع أشرطة التلاوة المجودة، والإكثار من القراءة، ولك أن ترجع إلى كتب التفسير الميسرة ؛ لتجمع بين معرفة القراءة الصحيحة وفهم الذي قرأته.
ثانياً: قراءة الكتب الفقهية الميسرة، وخاصة ما تحتاج إليه من أمور تتكرر عليك كثيراً ؛ كصفة الصلاة، والضوء، والغسل، والتيمم، وأحكام المسافر، وإذا كنت من أرباب المال ؛ احتجت إلى معرفة أحكام الزكاة، والبيوع والمعاملات المالية.
ثالثاً: قراءة الكتب المختصرة في شروح بعض الأحاديث النبوية، وغيرها من المتون المختصرة في العلوم الشرعية، وعلى رأس هذه العلوم ؛ علم التوحيد، ويكون ذلك بتأن واستيعاب لما تقرأ، والأصل في ذلك الاستفادة من الشيخ، وإذا لم يتيسر ذلك كما هو حال الكثيرين ؛ فإن التقيد بالترتيب المذكور مع الصبر والاجتهاد ؛ يؤدي إلى نتيجة مرضية.
رابعاً: الحرص على سؤال أهل العلم في كل ما أشكل، وتنظيم ساعات فراغك، واستغلالها في الاستفادة من سماع الدروس العلمية، والمحاضرات المفيدة.
والرغبة الصادقة هي أصل ذلك كله، فعلى المسلم أن يحرص على تعلم دينه، ويصدق النية في ذلك ؛ فلن يعدم من الله معيناً..
أخي المسلم: ليس شرطاً أن تحيط علماً بجميع العلوم الشرعية، ولكن إذا اسعفتك همتك إلى ذلك ففي ذلك خير..
وأما القدر الواجب عليك من العلم الشرعي فقد علمته، وهو الذي بدونه لن تعبد الله تعالى عبادة صحيحة..
فاحرص على تعلم دينك، ولا تضيع ساعات عمرك فيما لا ينفع، وادع الله تعالى أن يعينك على ذلك..
قال رسول الله : { سلوا الله علماً نافعاً، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع } [رواه ابن ماجه:صحيح ابن ماجه للألباني:3114].
والحمد لله تعالى.. والصلاة والسلام على النبي محمد وآله وصحب
============
التشويق إلى حج البيت العتيق
دار الوطن
الحمد لله الذي فرض على عباده حج بيته العتيق، وجعل الشوق إلى زيارته حادياً لهم ورفيقاً، والصلاة والسلام على من أنار الله به الدرب والطريق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين... أما بعد:
فإن الله تعالى فرض على عباده الحج إلى بيته العتيق في العمر مرة واحدة، وجعله أحد أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها، لقوله : { بني الإسلام على خمس... } وذكر منها: { حج بيت الله الحرام } [متفق عليه].
فالحج فريضة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، فمن أنكر فرضيته وهو يعيش بين المسلمين فهو كافر، أما من تركه مع إقراره بفرضيته فليس بكافر على الصحيح، ولكنه آثم مرتكب كبيرة من أعظم الكبائر.(11/9)
ولما كانت النفوس مجبولة على محبة الأوطان وعدم مفارقتها، رغب الشارع في الحج ترغيباً شديداً، وجعل له فضائل جليلة، وأجوراً كبيرة، لأنه يتطلب مفارقة الأوطان والمألوفات من أهل ومال وصاحب وعشيرة، وكذلك حثاً للعباد على قصد هذا البيت بالحج والزيارة، وتشويقاً لهم إلى رؤية تلك المعالم التي هبط فيها الوحي ونزلت فيها الرسالة.
أخي سارع ولا تتأخر
قال تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97].
وقال النبي : { تعجلوا إلى الحج، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له } [أحمد وأبو داود].
وقال : { من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة } [أحمد وابن ماجة وحسنه الألباني].
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فننظر كل من كانت له جِدَةٌ ولم يَحُج، فيضربوا عليه الجزية، ما هم بمسلمين.. ما هم بمسلمين ) [صححه ابن حجر].
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( استكثروا من الطواف بهذا البيت، قبل أن يحال بينكم وبينه ).
وقال الحسن: ( لا يزال الناس على دين ما حجوا البيت واستقبلوا القبلة ).
الحج يهدم ما كان قبله
عن عمرو بن العاص قال: ( لما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت رسول الله فقلت: ابسط يدك فلأبايعك، فبسط، فقبضتُ يدي. فقال: { مالك يا عمرو؟ } قلت: أشترط. قال: { تشترط ماذا؟ } قلت: أن يُغفر لي. قال: { أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ } ) [رواه مسلم].
الحجُّ طهارة من الذنوب
عن أبي هريرة قال: سمعت النبي يقول: { من حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه } [لفظ البخاري].
ولفظ مسلم: { من أتى هذا البيت } وهو يشمل العمرة. وعند الدار قطني: { من حج واعتمر } والرفث: الجماع، أو التصريح بذكر الجماع أو الفحش من القول.
قال الأزهري: ( هي كلمة جامعة لما يريد الرجل من المرأة ). والفسوق: المعاصي. ومعنى: { كيوم ولد ته أمه } أي بلا ذنب. قال ابن حجر: ( وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات ).
الحج من أفضل أعمال البر
عن أبي هريرة قال: سئل النبي : { أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: إيمانٌ بالله ورسوله. قيل ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور } [متفق عليه].
قال أبو الشعثاء: ( نظرت في أعمال البر، فإذا الصلاة تجهد البدن، والصوم كذلك، والصدقة تجهدُ المال، والحجُّ يجهدهما ).
فضل الحج المبرور
عن أبي هريرة أن رسول الله قال: { العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة } [متفق عليه].
والحج المبرور: هو الذي لا يخالطه إثم. وقيل: المتقبل. وقيل: الذي لا رياء فيه ولا سمعة، ولا رفث ولا فسوق. وقيل: علامة برّ الحج أن تزداد بعده خيراً، ولا يعاود المعاصي بعد رجوعه.
وعن الحسن البصري قال: ( الحج المبرور؟ أن يرجع زاهداً في الدنيا راغباً في ا لآخرة ).
وروي أن الحج المبرور هو إطعام الطعام، وطيب الكلام، وإفشاء السلام. والصحيح أنه يشمل ذلك كله.
الحج أفضل الجهاد
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: { لكن أفضل الجهاد حج مبرور } [متفق عليه].
الحج جهاد المرأة
عنها قالت: ( قلت يا رسول الله ! ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: { لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج، حجّ مبرور } قالت عائشة: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله ) [متفق عليه].
وعن أبي هريرة مرفوعاً: { جهاد الكبير والضعيف والمرأة: الحج والعمرة } [النسائي وحسنه ا لألباني].
الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب
عن جابر رضي الله عنه، أن النبي قال: { أديموا الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد } [رواه الطبراني والدارقطني وصححه الألباني].
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله : { تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة } [أحمد والترمذي وصححه الألباني].
فضل النفقة في الحج
عن بريدة رضي الله عنه، عن النبي قال: { النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف } [أحمد والبيهقي وصححه السيوطي].
دعوة الحاج مستجابة
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: { الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله: دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم } [ابن ماجة وابن حبان وصححه الألباني].
الحاج في ذمة الله وحفظه
عن أبي هريرة عن النبي قال: { ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازياً في سبيل الله، ورجل خرج حاجاً } [رواه أبو نعيم وصححه الألباني].
حديث عظيم في فضل مناسك الحج
عن ابن عمر قال: قال رسول الله : { أمّا خروجك من بيتك تؤمّ البيت الحرام، فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك، يكتب الله لك بها حسنة، ويمحو عنك بها سيئة. وأما وقوفك بعرفة، فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا، فيباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي، جاءوني شعثاً غبراً من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي ولم يروني، فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل رمل عالج - أي متراكم - أو مثل أيام الدنيا، أو مثل قطر السماء ذنوباً غسلها الله عنك. وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك. وأما حلقك رأسك، فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة. فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك } [الطبراني وحسنه الألباني].
أخي المسلم(11/10)
لا تحرم نفسك من تلك الأجور وعظيم الهبات فإننا جميعاً في أمس الحاجة إلى الحسنات، ومغفرة الذنوب والسيئات، فلماذا التسويف والتأجيل، ومن ورائنا خطب جليل؟! ولماذا الفتور والكسل وأنت مأمورٌ بإحسان العمل?!
عن ابن عباس قال: قال رسول الله : { لا صَرورة في الإسلام } [رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي]. والصرورة: ترك الحج.
الحج واجب على الفور
واختلف العلماء: هل وجوب الحج على الفور أم على التراخي. قال الشنقيطي رحمه الله: ( أظهر القولين عندي، وأليقهما بعظمة خالق السموات والأرض هو أن وجوب أوامره جل وعلا كالحج على الفور لا على التراخي، للنصوص الدالة على الأمر بالمبادرة، وللخوف من مباغتة الموت؛ كقوله: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ [آل عمران:133]. وكقوله: وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ [الأعراف:185].
إليك إلهي قد أتيتُ ملبياً *** فبارك إلهي حجتي ودعائيا
قصدتك مضطراً وجئتك باكياً *** وحاشاك ربي أن ترد بكائيا
كفاني فخراً أنني لك عابد *** فيا فرحتي إن صرتُ عبداً مواليا
أتيتُ بلا زاد وجودك مطمعي *** وماخاب من يهفو لجودك ساعيا
إليك إلهي قد حضرتُ مُؤمّلاً *** خلاصَ فؤادي من ذنوبي ملبياً
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
=============
أخي هل تجيب النداء
إبراهيم بن مبارك بو بشيت
دار القاسم
الحمد لله الذي أعظم شأن الصلاة، وأكثر ذكرها في آي القرآن، والصلاة والسلام على من جُعلت قرّة عينه في الصلاة، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد:
أيها المسلم الحبيب:
هذه رسالة فيها التذكير بأعظم فريضة من فرائض الله بعد الشهادتين. إنها الصلاة وأخص صلاة الفجر بذلك. فهذا نداء طالما سمعه بعضنا ولكنه تناساه وأهمله. إنه نداء صلاة الفجر، ذلك النداء العظيم، فأحببت التعاون معك واضعاً لهذه المشكلة ما يعين على علاجها بإذن الله. وهي على قسمين:
القسم الأول: الأسباب الروحية ( الإيمانية)
1- إدراك فضل الصلاة ومكانتها وخاصة الفجر:
يقول سبحانه وتعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا [الإسراء:78].
روى مسلم والترمذي عن النبي قال: { من صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله }.
ولذلك اعلم أخي الحبيب:
إن هذا الدين الحنيف يأمر بالصلاة في جميع الأحوال. في السلم والحرب والصحة والمرض، وصلاة الفجر تناديك، وتعلمك بفضلها. روى الطبراني عن أبي بكرة قال: قال رسول الله : { من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله فمن أخفر ذمة الله كبه الله في النار لوجهه } قال الهيثمي: ( رجاله رجال الصحيح ). قال النووي رحمه الله: ( الذمة هنا الضمان وقيل الأمان )، قال العلامة المباركفوري: ( وفي قوله : { فهو في ذمة الله } أي في عهده وأمانه في الدنيا والآخرة ) [تحفة الأحوذي].
وإذا لم تكن في ذمة الله. فيا ترى في ذمة من أنت؟؟ الشيطان وحزبه؟ قال تعالى: ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون [المجادلة:19]. 2- البعد عن صفات المنافقين:
فعلى المسلم أن ينفي عن نفسه صفة المنافقين: لأن صلاة الفجر هي أثقل الصلوات عليهم، وروى الإمام أحمد كما في صحيح الجامع أن النبي قال: { أثقل الصلاة على المنافقين صلاةا لعشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا } أي كما يحبوا الصغير، وها هو ابن مسعود يقول: ( ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ) [رواه مسلم]. ويقول ابن عمر رضي الله عنهما: ( كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن ) [رواه الطبراني وابن خزيمة في صحيحه]، وروى الإمام ابن حزم عن عطاء قال: ( كنا نسمع أنه لا يتخلف عن الجماعة إلا منافق ) [المحلى لابن حزم]، وروى الإمام الطبراني عن أنس بن مالك أن النبي قال: { لو أن رجلاً دعا الناس إلى عرق أو مرماتين لأجابوه وهم يدعون إلى هذه الصلاة في جماعة فلا يأتونها. لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس فأضرمها عليهم ناراً إنه لا يتخلف عنها إلا منافق } كما في المسند وقال عنه الشيخ أحمد شاكر سنده صحيح.
وهذا يعطي درساً بأن النفاق ليس من صفات النفس المؤمنة المنقادة لخالقها سبحانه وتعالى، والنفس البشرية تأنف من أدنى عبارة جارحة أو لمزة نابية فكيف أن تعد من المنافقين.
3- إدراك الأثر في عدم القيام لهذه الصلاة:
إن الصلاة لها نور وتركها ظلمة، وظلمتها على جميع الجوارح، بل وكآبة في النفس وقدأخبر عليه الصلاة والسلام، فيما رواه مالك والبخاري وأبو داود، عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: { يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام، ثلاث عقد. يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلّت عقدة، فإن توضأ انحلّت عقدة، فإن صلى انحلّت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان } فإذا كان هذا في القيام فكيف بصلاة الفجر.
وهذا الأثر السيئ لا يظهر إلا على الذين لا يصلون الفجر في جماعة، فترى أثر ذلك على صاحب العمل وحتى الطالب في المدرسة وغيرهم.
واسمع هذا الحديث: سئل النبي عن رجل نام ليلة حتى أصبح - وما أكثرهم في زماننا - قال: { ذاك رجل بال الشيطان في أذنه، أو قال أذنيه. فكم من نائم بال الشيطان في أذنه؟ } نسأل الله ألا نكون منهم.
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: ( البول هنا حقيقي فهو يبول، وينكح ويتناسل، بكيفية لا يعلمها إلا الله ).(11/11)
ولذلك عليك أن تدرك الأثر في الاستيقاظ من طيب النفس، والبعد عن صفات المنافقين، إن الأثر لا يقف على ذلك، بل حتى المصالح الدنيوية الصحية وغيرها فإنك تكسبها، فبعد صلاة الفجر يستنشق من الجو غاز يسمى غاز الأوزون، فإن هذا الوقت هو أعلى نسبة لوجوده في الجو وله تأثير مفيد على الجهاز العصبي، ومنشط للعمل الفكري والعضلي.
4- عمارة القلب بالإيمان:
إن هذا القلب الذي بين جنبيك، له عليك حقوق، فهو وعاء تراه يمتلئ بأي شيء فاملأه بالخير، وخصوصا الإيمان، فإن الإيمان يزيد الطاعة، وينقص المعصية، فحرصك على صلاة الفجر، وندمك على فواتها، دلالة على عمارة قلب بالإيمان، فما اجمل الطاعة، ففي أثرها يقول تعالى: ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم [الفتح:4].
5- الهمة وصدق النية:
إن قوة الهمة والإرادة وإخلاص النية، تجعلك تصل الى المعالي، وصدق ابن الجوزي رحمه الله عندما قال عن علو الهمة ودنائتها: من علامة كمال العقل علو الهمة والراضي بالدون دني.
ولم أر في عيوب الناس عيبا *** كنقص القادرين على التمام
فقو الإرادة واشحذ الهمة، ترى بإذن الله أن الإستيقاظ قد أصبح سهلاً ميسوراً.
6- الحرص على آداب النوم:
إن هدي النبي في كل شيء هو أسلم الهدى. فالمحافظة على هديه قبل النوم من نوم على طهارة، والقيام بالأذكار الواردة من آيات وأحاديث لها أثر في ذلك، وإياك والنوم على جنابة فإنها مكسلة ومؤثرة.
7- البعد عن المعاصي ( وخاصة في الليل):
إن ختام عمل الإنسان اليومي بطاعة. يتقرب بها الى ربه، لهو من أفضل الخير. بدل النوم على المعاصي من افلام ومجون ولهو إن ذلك له أثر على قلب المسلم ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: الذنوب جراحات ورب جرح أوقع في مقتل، ويقول أحد السلف: حرمت قيام الليل بذنب أصبته.
القسم الثاني: الأسباب العملية
1- التبكير في النوم وعدم السهر:
أخي الحبيب إن نبينا عليه الصلاة والسلام، أخبرنا بأن الجسم له حق علينا، فإن إطالة السهر له تأثير على صحة الإنسان. فالنوم المبكر خير، والكلام بعد صلاة العشاء ورد النهي عنه عن نبينا كما في الصحيح إلا ما استثناه الدليل من مسامرة الزوج زوجته، والجلوس مع الضيف، ومدارسة العلم، أما إذا خشي فوات صلاة الفجر فلا يجوز، وكذلك إذا ترتب على الدعوة الى الله وأعمال الخير فوات صلاة الفجر حرم ذلك، أما ما نراه من انتشار المجالس، ويا ترى تقضي في أي شيء؟!! إن اللهو هو علمها، والفراغ شعارها، فإياك وإياهم.
2- الحرص على القيلولة:
إن إراحة الجسم بعد عناء التعب، يعطيه استجماما، ونشاطا، وحيوية، والقيلولة. في اللغة هي النوم، أو الراحة، وسط النهار أو عند الظهيرة أو بعدها. ما عدا النوم بعد صلاة العصر فإنه مفتر ومكسل، ويعين على السهر. فالراحة وإن كانت قليلة، فلها أثر بإذن الله.
3- تأخير الوتر:
إن الوتر من السنن المؤكدة، وحث عليها الإسلام، فتأخير الوتر، إلى قبيل الفجر، له أثر، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: { اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً } [متفق عليه]. فكلما جعلت استيقاظك قبل الفجر، نلت خيراً كثيراً، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: { بادروا الصبح بالوتر }. [رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح]. وأما من خشي أن لا يستيقظ آخره فليوتر أوله لحديث أبي هريرة أنه قال: أوصاني خليلي بثلاث: { صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام } [متفق عليه] وقد أوصى كذلك أبا الدرداء بذلك كما عند مسلم.
4- الاستفادة من الوسائل الحديثة:
إن ما يمر على الإنسان من تطور، واختراع وابتكار ينبغي له أن يسخره في الخير ومن ذلك:
الساعة منبهة:
فاحرص على إقتنائها، وشراء أفضلها، وخاصة تلك الذي إذا أطفئتها عادت ونبهتك، بعد خمس دقائق، فالحرص عليها وعلى توقيتها التوقيت المناسب، ووضعها في مكان لا تستطيع إطفاءها إلا بقيامك من نومك، واحذر عبث الأطفال بها بإطفائها أو تغيير مكانها.
الجوال والنداء وهاتف المنزل:
وهذه أجهزة ذات حدين. فغلب نفعها في الخير، وخاصة الصلاة. وقت أي واحد منهما، على وقت معين. وينبهك بإذن الله بدل وضعها في الجيوب وإخراجها أمام الناس للمباهاة.
5- إيصاء الأهل والأصدقاء:
ويعجب الإنسان لقوة اهتمام بعض المسلمين بأمور الدنيا، وكثرة ما يوضي بعضهم بعضا عليها: فما أجمل هذا أن يكون في الصلاة، وخاصة الفجر. فيتعاون الوالدان مع أبنائهم. وياليت بعض الآباء يهتم يإيقاظ أبنائه للصلاة كما يوقظهم للعمل والمدرسة، ولحوائجه وشؤونه.
ويتعين على الصديق مع صديقه ذلك سواء بنصيحة أو اتصال. لأن الله سبحانه وتعالى قال: وتعاونوا على البرّ والتقوى [المائدة:2].
6- عدم الإكثار من الأكل والشرب:
إن حرص الناس اليوم على الأكل والشرب وانتشار المطاعم. دليل على ذلك فإن كثرة الأكل تولد ثقلا في النوم، بل حتى الطاعة لتقتل، والخشوع ليذهب، لأن من أكل كثيراً، تعب كثيراً، فخسر كثيراً، فقلل من العشاء. 7- عدم الإنفراد في النوم:
إن البطر وحب الذات. جعل الكثير يميل الى أن ينام وحده. لشهوات ذاته، وحب الاستغراق في النوم. إلا من شاء الله. وأنت تعلم أن النبي نهى أن يبيت الرجل وحده. كما روى الإمام أحمد. لأنه ربما يغلبه النوم فلا يكون عنده من يوقظه للصلاة.
8- إخبار الإنسان أهله أو من معه إذا غير مكان نومه:
لأنك تعلم أنه قد يظن أهلك أنك قد خرجت الى المسجد، أو أنك غير موجود في البيت، وإخبار الأهل مفيد في ذلك وحتى في أمور الحياة الأخرى.
9- عدم التكاسل في القيام بعد الإستيقاظ:(11/12)
فإن التكاسل ربما يتسبب في نومه، وهذه النومة ربما تفوت عليك صلاة الجماعة بل ربما تفوتك مصالحك وهذا واقع مشاهد، بل بادر بعد الاستيقاظ، إلى الذكر الوارد، وأوقد المصباح، أو ضع ماء بجانبك، وامسح به وجهك، فإن ذلك له أثر في طرد النعاس.
عدم الاسترخاء في الاضطجاع بعد الوتر إذا أخره قبل الفجر أو بعد سنة الفجر لمن ليس عنده من يوقظه وإن كان الاضطجاع قد ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: { إذا صلى أحدكم فليضطجع على يمينه } [رواه الترمذي]. والاضطجاع هو وضع رأسه على كفه وإقامة الساعد وهو مستلق واضطجاعه ربما كان يغط بعده ولكن كان عنده من يوقظه وهو بلال رضي الله عنه. فقد كان يعلمه بالصلاة ولكن كم من إنسان فعل هذا وما استيقظ إلا بعد طلوع الشمس.
10- عدم إرهاق الجسم:
إن عمل الإنسان اليومي ربما يكون له أثر، فاحرص على عدم تكليف الجسم أكثر مما يستطيع، لكي يعينك عل ما تريد من الطاعة ولذلك أوصى النبي ، أبا هريرة أن يوتر قبل أن ينام لما كان يفعله بالنهار فإذا كان هذا في شأن الوتر فكيف بصلاة الفجر واستعن بالله في الخير.
تنبيه وتذكير:
وهو للذين يوقظون غيرهم لصلاة الفجر:
1- احتساب الأجر من الله سبحانه وتعالى والصبر على ذلك لأن الله تعالى يقول: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها . [طه:132] فلا تسأم، ولا تفتر، فتقول أيقظتهم ولكنهم لا يصلون، أو لا يريدون الصلاة فتتركهم.
2- عليك بالرفق واللين، فإن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه. وقد يحتاج الى شدة في الإيقاظ ولكن بعد الرفق، وصبرك الله على ثقلاء النوم.
3- استعمال الوسيلة النبوية، وهي نضح الماء في وجه النائم برفق وذلك بعد إيقاظه والتأكد من قيامه، وقد امتدح النبي الرجل والمرأة، الذين قاما من الليل. فإن الأسلوب الحسن له في ذلك أثر طيب، لأنه ربما يقع شجار وسب وشتم، ولا بد أن يتحمل من النائم الإساءة فإنه مرفوع عنه القلم، ولا بد من التأكد أنه قدا ستيقظ فكم من شخص يكلمك ويخبرك أنه قد استيقظ وإذا هو غير ذلك، وعند إيقاظ النائم لا بد من كشف الغطاء الذي عليه بعد التأكد من ستره، فما دام في الدفء فإنه يصعب ذهاب لذة النوم عنه.
وأخيراً:
أخي: إن صلاة الفجر لا تأخذ من وقتك إلا دقائق فاحرص عليها ومسجد حيك يناديك بقوله:
وجلجلة الأذان حي *** ولكن أين صوت من بلال
منائكم علت في كل ساح *** وسمدكم من العباد خالي
رسالة:
إلى إمام المسجد، وكل مسؤول، علينا تذكير الناس بهذه الفريضة المهملة التي لا يحسبها كثير من الناس من جدول عمله فضلا إنها من طاعة ربه، وعلينا أن نكون قدوة في أعمالنا وأخلاقنا ونعوذ بالله أن نكون ممن قال الله فيهم: يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون [الصف:2].
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
=============
رسالة من شاب حائر
دار القاسم ...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لقد تبدّت بي الحيرة وأخذني القلق حتى اشتد عليّ ألم الذنب! ولجأت إلى الله عز وجل ثم إلى فضيلتكم: فإني شاب أبلغ من العمر خمس وعشرين سنة، أنهيت مراحل الدارسة، وأزاول بعض الأعمال الحرة ولكن هناك مشكلة تؤرقني وأحاول أن أجد لها حلاً.
والمشكلة ـ بإختصار ـ أنني دائماً أفكر فيما فعلته في الماضي عندما كنت صبياً ثم شاباً وما ارتكبته من المعاصي والكبائر، ولا أقول هذا من باب التفاخر بالإثم وإن كنت أحس بهذا الشعور فيما مضى ولكن ليس الآن.
فقد نشأت في بيئة عادية أمي ليس لها همّ إلا الأكل والشرب، والخروج إلى الزيارات للأهل والجيران، والنزهة في الأسواق، وكثرة الشراء المفيد وغير المفيد. هذا غير المشاكل اليومية والأسبوعية التي تشتعل بينها وبين أبي على الصغيرة والكبيرة وكأنهم أعداء وليسوا آباء.
فأبي مشغول بتجارته وأعماله وأصدقائه، لا نراه إلا قليلاً، بل لا نكاد نشعر به إذا حضر، لم نتعوّد في يوم من الأيام على الحياة الإيمانية، لم يوجهني إلى طريق الإيمان ولم تهتم أمي بأي شيء يتعلق بالإسلام سوى أنها تريد مني أن أكون شاباً تفتخر به أنه فعل الأفاعيل وشاب "مودرن" متفتح، لم تعبأ بمن يتصل بي من الفتيات، ولم تعترض بل كانت تجد هذا أمراً عادياً يحدث بين شاب وفتاة.
لا أذكر أن بيتنا عرف القرآن وقراءته إلا في مناسبة وفاة جدي، سمعنا ترتيل القرآن على فترات بالأخص عندما يحضر أحد لتقديم واجب العزاء.
أما الصلة مع أعمامي وعماتي وأولادهم فهي مقطوعة، لم أسمع في يوم أبي يدعو عماً من أعمامي أو عمةً من عماتي، بل ورفض المشاركة في فرح ابن عمي، ورفض الحضور أو التهنئة ونفس الحال في الأعياد فأبي يفضل أن نسافر لقضاء الإجازة في الخارج، وعندما نعود نتواصل مع الأصدقاء فقط، وأخوالي وخالاتي حتى ابن عمي كان معي في نفس المدرسة ولم أعرفه إلا من خلال تكرار اسم العائلة، وبالبحث علمت أنه ابن عمي، وكم خجلت من نفسي ولكن الأمر ليس بيدي فالذنب كله من أبي هو من قطع علاقته بأعمامي، وحرمنا من الصلة بهم هذا عن المحيط الأسري، أما عني أنا شخصياً فسأحدثك حديث الصراحة التي لا يمكن أن أخفي منها شيئاً والكلام ليس للافتخار ولكني أريد العلاج ومن أجل هذا كان لابد أن أصارحك بكل شيء، لقد شربت الخمر مرتين في حياتي، وربما ثلاث مرات لا أدري، ولقد زنيت بنساء وكنت على وشك أن أفسد مستقبل فتاة لولا أن الله رحمها من أذاي.. لا أدري هل من الممكن أن يتوب الله عليّ وأن يغفر لي؟(11/13)
لا أدري لقد حاولت التوبة أكثر من مرة، ودائماً أعود لنفس الإثم، شعرت بأني منافق.. لا يخشى الموت ولا الحساب. أحس أحياناً أن الله يحبني وأني أحبه، ولكن سرعان ما يسيطر الشيطان على قلبي مرة أخرى، ولقد هزمت الشيطان في معارك كثيرة ولكنه هزمني في معارك أكثر.
هل من الممكن أن أعود مرة أخرى؟ ولكن كيف؟ كثيراً ما صليت لله، وما أكثر ما قطعت الصلاة، لم أشعر بمعنى الخشوع في صلاتي بل كنت دائماً أؤديها حركات فقط لمجرد أن يشاهدني الناس أصلي.
لقد وصل ضعفي لدرجات قد لا يتخيلها مؤمن.
ولقد أقسمت على القرآن الكريم أن أنتهي عن التدخين والشيشة، ولكني لم أفعل. عاهدت الله أني لن أشاهد المواقع الإباحية وأمتنع عن ممارسة العادة السيئة ولن أعود إليهم أبداً ولن أشاهد تلك الأفلام القذرة التي يقتل بها الغرب إيماننا ولكني خالفت عهدي مع الله. لقد ضعفت إرادتي إلى حدّ لا يتخيله أحد بعد أن كنت في يوم من الأيام أتحلى بقوة وإرادة وقدرة على تغيير شخصيتي وأسلوبي في الحياة..
لقد أصبحت شخصاً لا يشعر بلذة الحياة، وإن كنت ما زلت أحتفظ بروحي وصولات وجولات من الإثم والمعاصي والكذب والخداع فكيف النجاة؟ أريد أن أعرف ما عرفه الملتزمون ولم أعرفه.. مؤكد أنهم علموا شيئاً لم أعلمه ولم أشعر به؛ هذا هو أنا فماذا أفعل؟ أفيدوني أفادكم الله.. فلقد توالت سُحب سوداء في حياتي.. بدأت أشعر بالضيق والكآبة.
الرد على رسالة الشاب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم القائل: { من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه } [رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
قرأت رسالتك، واعلم أنه لا شيء يحول بينك وبين التوبة، ولو بلغت ذنوبك عنان السماء، وملأت الأرض كلها، فمادام الإنسان في هذه الحياة فإنّ باب التوبة مفتوح، وقد تبين لي منها أنك تعيش صراعاً بين نداء الإيمان في قلبك، ونداء الشهوة التي يحرّكها الشيطان فيه، والحمد لله تعالى أنه قد بقي في قلبك نور من الإيمان، يلومك على فعل السيئة، ويزين لك العمل الصالح، ولكنه نور ضعيف؛ لأن ظلمة السيئات التي هي نفث من الشيطان أضعفت هذا النور، ولهذا يضيء أحياناً، فيتيقظ ضميرك قليلاً، ثم لا يلبث حتى ينطفئ مرة أخرى وتعود إلى فعل السيئات.
وسأبين لك المرض الذي تعاني منه، ثم أصف لك العلاج، فاقرأ ما أقول لك بتمعن واهتمام؛ لعل الله تعالى ينفعك به.
القلب أيها الأخ الكريم، هو موضع الإرادة في الإنسان، فهو أحياناً يريد الخير، وأحياناً يريد الشر، والجوارح ليست سوى جنود تطيعه على وفق ما فيه من الإرادة. والفرق بين الملتزمين بالطاعة وبينك أنّ الملتزمين قلوبهم تريد الخير إرادة جازمة، ولهذا فجوارحهم تطيع هذه الإرادة، فهم مستقيمون على طاعة الله تعالى، وأما أنت فقلبك يعلم الخير والشر، ويفرق بين الحسنات والسيئات، ولكنه لا يستطيع أن يريد الخير، فتجده يريد الشهوات، مع أنه يعلم أنها تضرّه، فيأمر الجوارح فتطيعه، ولكن ما هو السبب؟
السبب هو أن القلب المحصن من الشيطان تسهل عليه إرادة فعل الخيرات؛ لأنه قلب صحيح قوي، والقلب الذي يمكن الشيطان أن يدخله فيتجول فيه كما يشاء، يستطيع الشيطان بسهولة أن يجعل فيه إرادة السيئات، بعدما يزينها له؛ لأنه قلب مريض مليء بالجراثيم الشيطانية.
ومن الناس من لا يدخل الشيطان قلبه إلا مروراً سريعاً؛ لقوةالتحصينات حوله، فهذا مثل الذين يفعلون الصغائر أحياناً وسرعان ما يتوبون منها، وهم الذين قال الله تعالى عنهم: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ [الأعراف:201]، ومن الناس من لا يقترب الشيطان من قلبه أبداً، لأن قلبه مثل السماء المحروسة بالشهب من الشياطين، فقلبه؛ كذلك محروس من الشيطان، وقال الرسول عن هذا القلب: { أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض } [رواه مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه]، ومن الناس من دخل الشيطان قلبه، فاتخذ فيه بيتاً، وجعل له فيه عشاً يبيض فيه ويفرخ، فاستحوذ عليه يأمر القلب بالشهوات المحرمة، فيريدها قلبه، فيأمر الجوارح بفعلها فتفعله؛ لأن الشيطان وجده قلباً خالياً من التحصينات، مفتح الأبواب، ضعيفاً مريضاً بفعل السيئات، ولهذا قال الله تعالى: استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله [المجادلة:19]، لأن ذكر الله تعالى هو الحصن من الشيطان، فأنساهم إياه، ليستحوذ على قلوبهم فيقودها لتنقاد جوارحهم له تبعاً.
والقلب لا يحصّن من الشيطان إلا بذكر الله تعالى، لا يقوى على إرادة الخير إلا بالعمل الصالح، ولا يغلبه الشيطان إلا إن كان غافلاً عن ذكر الله تعالى، ضعيفاً بسبب فعل السيئات والمنكرات.
والآن بعد أن عرفت السبب في أن قلبك لا يطاوعك على إرادة العمل الصالح وترك السيئات، ولا يمكنه أن يثبت على الاستقامة، فالعلاج يكمن في الوصفة الطبية، خذها وداوم عليها فنتائجها مضمونة بإذن الله إن ثابرت عليها بصدق:
1- احرص على إقامة الصلوات الخمس في جماعة لا سيما صلاة الفجر، فإياك أن تفوتك أبداً، قال الله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء:78]. أي صلاة الفجر تشهدها الملائكة.
2- بعد صلاة الفجر امكث في المسجد لقراءة القرآن إلى طلوع الشمس، ثم صل ركعتين بعد ارتفاعها قيد رمح، وقيد الرمح: مقدار عشر دقائق من أول الشروق.(11/14)
3- قل: ( سبحان الله وبحمده ) مائة مرة كل يوم في أي وقت في المسجد أو البيت، ماشياً، أو قاعداً، أو في السيارة.. الخ، وهذا الذكر يحت الخطايا حتاً.
4- استغفر الله تعالى مائة مرة مرة كل يوم، قائلاً: ( أستغفر الله وأتوب إليه ) كذلك في أي وقت شئت، وعلى أي حال تكون.
5- قل هذا الذكر مائة مرة: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) مائة مرة كل يوم كذلك في أي وقت شئت، وعلى أية حال تكون، ولا يشترط في المسجد، وهذه الأذكار كان يداوم عليها النبي فهي حياة القلب وغذاؤه الذي لا يستغنى عنه.
6- بين صلاتي المغرب والعشاء رابط في المسجد فلا تخرج منه واقرأ ما تيسر من القرآن بالتدبر.
7- يجب عليك الحميّة التامة من النظر إلى التلفزيون، أو المجلات الهابطة، أو الذهاب إلى أي مكان فيه منكرات، فأنت في حجر صحي؛ لكي ترجع إلى قلبك عافيته، ولن ينفعك الدواء وهي الحسنات، إن كنت تدخل عليه الداء في أثناء فترة العلاج، والداء هو السيئات.
8- استمر على هذا البرنامج شهراً كاملاً على الأقل، تعيش فيه مع القرآن تقرؤه بالتدبّر، وتعمل بما فيه، وتخلو بنفسك لذكر الله تعالى الساعات الطوال، والدليل على الشهر أن الرسول أمر بذلك فقال: { اقرأ القرآن شهر، اقرأه في خمس وعشرين، اقرأه في عشر، اقرأه في سبع } [متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما].
9- إن كانت البيئة التي تعيش فيها لا تساعدك على تطبيق هذا البرنامج فغيّر بيئتك، أترك أصحاب السوء، وابتعد عن الأماكن التي تقضي فيها أوقات فراغك إن كانت تشجع على المعاصي، ولو استطعت أن تسافر إلى مكة مثلاً لتطبق هذا البرنامج فافعل.
بدّل الصحبة القديمة بصحبة طيبة تعينك على الخير، وتدلك عليه، فإن حضورهم بجوارك وملازمتك إياهم من أعظم وسائل الثبات على دين الله، فأنت مثلاً لا تستيطع أن تدخن بحضورهم! فهذه خطوة كبيرة نحو تحصين نفسك.
10- تصدق بجزء من مالك؛ توبة إلى الله تعالى، صدقة سر لا يطلع عليها أحد إلا الله تعالى؛ فقد صحّ عن النبي : { صدقة السر تطفئ غضب الرب } [رواه ابن حبان من حديث أنس رضي الله عنه].
11- إن كانت لديك حقوق للناس ردها كلها، ولا تترك منها شيئاً في ذمتك؛ توبة إلى الله.
12- ادع الله تعالى كل ليلة في وقت السحر قبل صلاة الفجر بهذا الدعاء: ( رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) وهذا الدعاء: ( اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي ) وهذان علمهما الرسول لبعض أصحابه، وأكثر من الاستغفار والدعاء؛ فإن السحر ( قبل الفجر ) وقت يستجاب فيه الدعاء. هذه هي وصفتك الطبية، ومدة الشهر غير مقصودة بالتحديد، فقد يظهر عليك التغير قبل ذلك، وقد تحتاج إلى الاستمرار أكثر من شهر في هذا الحجر الصحي، والهدف منه هو طرد الشيطان من القلب، وتنظيف آثاره، وأوساخه، وقاذوراته التي وضعها فيه؛ لأنها هي السبب في كون قلبك ضعيفاً؛ لا يستطيع إرادة الخير وفعل الصالحات، وينقاد بسرعة إلى نداء الشهوات.
فإن عاد إلى القلب عافيته، وصار سليماً قوياً بذكر الله تعالى، محصناً من كيد الشيطان، فخفف قليلاً من هذا البرنامج على قدر ما تطيق، فقد قال : { عليكم بما تطيقون } [متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها]، إلا إن كانت تطيق أكثر من ذلك، فزد من الخير ما دام قلبك يحب العمل الصالح، فهذه الوظائف الإيمانية هي الدرجات عند الله، كلما أكثر العبد منها ارتفع وعلا في مدارج التقوى، وأحسن أداء ما افترض الله عليك، وستلاحظ أن الأمور تغيرت بشكل عجيب، مع مداومتك على هذه الوصفة التي وصفت لك، وستجد نفسك تكره الوقوع في المعاصي، وستجد قلبك لا يريد فعلها، وينظر إليك نظرة احتقار وازدراء، وستحبّ العمل الصالح، وتنشط له، وتشعر بحلاوته في قلبك، والسر في هذا التغيير هو أنك عالجت القلب بذكر الله تعالى والعمل الصالح فصار صحيحاً يريد الخير ويحبه، بعد أن كان مريضاً يريد الشر والسيئات ويحبها، قال الحق سبحانه: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحجرات:8،7]. والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
=============
الوقف
عبدالملك القاسم
دار القاسم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الدنيا مزرعة الآخرة وهي دار التكليف والعمل، ومن فضل الله ومنته أن أعمال المسلم لا تنقطع بموته وخروجه من الدنيا بل هناك أعمالاً تجري حسناتها له بعد وفاته. ولقد علم سلف هذه الأمة هذا الخير فسابقوا إليه وتنافسوا فيه. وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم في بداية فجر الاسلام يعانون من قلة ذات اليد وضيق العيش. ولما فتح الله عز وجل لهم خزائن الأرض وأتتهم الأموال كان همهم منصرفاً إلى كيفية استثمارها في آخرتهم. فجهز كثير منهم الجيوش، وأكثروا من الصدقات والعطف على الفقراء، وقضاء حوائج الأيتام، والقيام على الأرامل، وتطلعت أنفسهم لعمل يجري به الثواب بعد الموت امتثالاً لقول النبي : { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له } [رواه مسلم].(11/15)
وقد شرع الله الوقف والندب إليه وجعله قربة من القرب التي يتقرب بها إليه؛ ففي الحديث أن رسول الله قال: { إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته، بعد موته، علماً نشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورّثه، ومسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه من بعد موته } [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني].
فكان الوقف من أعمالهم التي سارعوا إليها فقد كان لأبي بكر دور بمكة فأوقفها على أولاده، وعمر أصاب أرضاً بخيبر فأتى النبي يستأمره فيها فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه. فقال : { إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها }. فتصدق بها عمر في الفقراء، وفي ذي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل والضيف.. [رواه مسلم]. وفي خلافته أعلن صدقته ودعا نفراً من المهاجرين والأنصار فأخبرهم بذلك وأشهدهم عليه فانتشر خبرها. وتسابق الصحابة في وقف كثير من أموالهم وحبسها في أوجه الخير والبر. قال جابر رضي الله عنه: ( فما أعلم أحداً كان له مال من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالاً من ماله صدقة مؤبّدة لا تشترى أبداً، ولا توهب، ولا تورث ).
وقد أوقف عثمان بن عفان أملاكه بخيبر على أولاده، كما سبّل بئر رومه لوجه الله تعالى. وأوقف علي بن أبي طالب عيوناً من الماء في ينبع. كما أوقف ضيعتين تسمى إحداهما عين أبي نيزر، والثانية تسمى البغيبة، وجاء في وقفها: ( بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين، تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيرز، والبغيبة، على فقراء المدينة وابن السبيل ليقي الله بهما وجهه حر النار يوم القيامة، لا تباعا ولا تورثا، حتى يرث الله الأرض وهو خير الوارثين، إلا أن يحتاج إليهما الحسن أو الحسين فهما طلق لهما وليس لأحد غيرهما.. ).
ولقد أوقفت أسماء بنت أبي بكر دارها صدقة حبس لا توهب ولا تورث.
وتصدقت أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها بأرضها في الغابة صدقة على مواليها وعلى أعقابها حبساً لا تباع ولا توهب ولا تورث.
وروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلاً. وكان أحب أمواله إليه بيرحاً، وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي يدخلها ليشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت هذه الآية قال أبو طلحة: يا رسول الله إن الله يقول: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]. وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله : { بخ ذلك مالٌ رابح، ذلك مالٌ رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين }، فقال أبو طلحة: أفعل ذلك يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.
وقد احتبس خالد بن الوليد أدراعه وأعتاده في سبيل الله.
والوقف: هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وهو صدقة جارية يقفها المرء ويسبّلها في حياته لوجوه الخير والبر، فيستمر أجرها مادامت باقية. وفي هذا عظيم المنفعة للواقف بإجراء حسنات له في حياته وبعد مماته، لما في ذلك من فضائل الوقف النافعة التي تعين على الخير والأعمال الصالحة، وتعين أهل العلم والعبادة، وتسد حاجات الفقراء والمساكين، والمرضى والمعوزين، وترفع راية الدين بنشر العلم النافع، وبناء المدارس ودور الأيتام.
ويجوز وقف كل ما جاز بيعه وجاز الانتفاع به مع بقاء عينه، سواء كان ثابتاً كالعقار، أو منقولاً كالسلاح، والثياب والسيوف.
ويصح وقف الحلي للبس والإعارة، فعن نافع قال: ( ابتاعت حفصة حلياً بعشرين ألفاً فحبسته على نساء آل الخطاب فكانت لا تخرج زكاته ).
وأفضل أنواع الصدقات أنفعها وأدومها، ولا يتأتى هذا إلا إذا كانت الصدقة مضمونة البقاء، تقوم على أساس، وتنشأ من أجل هدف محدد، وترمي إلى غاية شرعية خيرة. فأغراض الوقف ليست قاصرة على الفقراء والمساكين وحدهم، أو دور العبادة والعناية بها فحسب، بل تتعدى ذلك إلى أغراض أخرى مثل: دور العلم، والمعاهد الشرعية، وطلبة العلوم الإسلامية القائمين على شريعة الله. والمستشفيات، والمجالات كثير ة متعددة، وقد أوقف صلاح الدين الأيوبي بلده بلبيس لفك أسرى المسسلمين من أيدي الأعداء.
أخي المسلم:
تتنوع حاجات الناس العامة للوقف بحسب المكان والزمان، وأول وقف في الإسلام هو مسجد قباء، قال ابن كثير رحمه الله: ( لبث رسول الله في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه، ثم انتقل إلى منازل بني النجار من الأنصار ). وإليك أنواعاً من الوقف لا تغيب عن بالك.
أنواع الوقف:
1- الوقف بإنشاء المساجد ورعايتها والقيام بئؤونها امتثالاً لقول الله تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التوبة:18].
وقول النبي : { من بنى مسجداً لله تعالى يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة } [رواه البخاري ومسلم]. ورواه ابن ماجه بلفظ: { من بنى مسجداً لله، ولو كان كمفحص قطاة أو أصغر، بنى الله له بيتاً في الجنة } والمفحص: عش الطير، والقطاة: طائر يشبه الحمام.
ومن أجل أن يقوم الإمام بواجبه على أفضل وأكمل وجه؛ يلحق بالمسجد سكن خاص بالإمام، ويعتبر من ضمن مرافق الوقف وملحقاته.(11/16)
2- الوقف على الجهاد في سبيل الله. قال : { من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده، فإن شبعه وريّه وبوله في ميزانه يوم القيامة } [رواه البخاري]. وقد مرّ بنا أن خالد بن الوليد حبس دروعه وكراعه في سبيل الله، كما أن طلحة حبس سلاحه وكراعه في سبيل الله.
3- الوقف على توزيع الكسوة للفقراء والأرامل والمحتاجين. وبعض المسلمين والمسلمات اليوم لا يجد ما يستر به عورته.
4- الوقف على المكتبات العامة كإنشائها وإيقاف الكتب الشرعية بها. وكانت الأمة الإسلامية تزخر بمثل هذه المكتبات في الشام والعراق والمدينة وغيرها.
5- إنشاء المدارس العلمية التي تكفل مجانية التعليم لأبناء المسلمين.
6- إنشاء المراكز الطبية؛ خاصة ما دعت إليه الحاجة في هذه الأزمنة: كمصحات الأمراض النفسية، وعلاج أمراض الكلى والأورام الخبيثة، وإنشاء المستشفيات والمستوصفات، فكم من مريض يأنّ، وكم من صغير يموت، وهو في حاجة إلى دواء لا تتجاوز قيمته عشر ريالات، وهذا نراه في دول إسلامية فقيرة. 7- تعبيد الطرق وشقها وإنشاء القناطر عل الأنهار.
8- حفر الآبار وإجراء الماء وقد قال : { من يشتري بئر رومة وأضمن له الجنة }؛ فاشتراها عثمان وجعلها وقفا دائماً على المسلمين، وقرى المسملين اليوم تحتاج إلى حفر الآبار، ومد الأنابيب، وتركيب المضخات.
9- الأوقاف على الدعاة والوعاظ؛ بما في ذلك توفير الرواتب والمواصلات والوسائل الأخرى التي تعينهم على أداء أعمالهم.
10- الأوقاف للمشاركة في الإعلام الإسلامي. ومن ذلك دعم المجلات الإسلامية بأموال وقفية مثل المجلات العلمية والدعوية التي ترفع لواء التوحيد.
11- إنشاء الأربطة والملاجئ للعاجزين.
12- الوقف على نشر دعوة التوحيد وتبليغ الإسلام؛ وذلك بطبع الكتب والأشرطة وتوزيعها.
13- إقامة مراكز للمهتدين الجدد في أفريقيا مثلاً.
14- بناء مراكز الأيتام ورعايتهم والعناية بهم.
15- الوقف على تطوير البحوث المفيدة والنافعة.
16 الوقف على جماعات تحفيظ القرآن الكريم التي نفع الله بها أبناء المسلمين.
17- الوقف على مدارس تحفيظ القرآن النسائية، التي بدأت والله الحمد تنمو وتكبر.
18- الوقف على رواتب المعلمين والمعلمات محفظي كتاب الله عز وجل.
19- إطعام الجائعين، وقد رأينا بعضهم في حال المجاعة يسقط ميتاً وهو ينتظر في الطابور ليأخذ وجبته من المؤسسات الخيرية. وفي منطقة واحدة حينما ضربت المجاعة الصومال، كان يسقط ميتاً أمام أعين المؤسسات الخيرية ما يزيد على أربعين مسلماً كل يوم.
20- هداية ضال. فكم من أبناء المسلمين من يعيش في ظلمات الشرك والبدع والخرافات، وكم من كافر يتلمس طريق الحق ولا يجده! ألا ندعم مكاتب الجاليات بأوقات تعينهم على أداء رسالتهم: { لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمر النعم }.
21- الوقف على تفريج الكرب. فكم من مسلم لا ينام الليل من الهموم والغموم والديون التي لحقته، وكم من مسلمة تحتاج إلى ريالات لتسافر لزيارة أبنائها ولا تجد، قال : {.. ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة.. } [متفق عليه].
22- الأوقاف على الدعوة على شبكة المعلومات (الإنترنت) وقد رأينا ثمرة الأعمال الدعوية عير هذه الوسيلة العجيبة.
23- إقامة مصانع لتدريب المسلمين وتعليمهم مهن صناعية وإنتاجية تنفعهم.
24- الوقف على فك الرقاب، وإعتاق المسجونين الغارمين.. فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ [البلد:11- 13].
25- إيقاف الأراضي على المقابر لدفن المسلمين بها.
26- شراء المصاحف وإيقافها في المساجد، خاصة خارج المملكة. وقد رأيت بعيني مسجداً كبيراً ولا يوجد به مصحفاً واحداً، إنما رأيت بعض ورقات من المصحف متناثرة.
أخي المسلم:
غالب هذه المصارف متوفرة لدى المؤسسات الخيرية ومدارس تحفيظ القرآن الكريم ولها أوقاف خاصة بها. وقد اتفق العلماء على أن وقف المشاع جائز.
أخي المسلم:
لا يزال العمل الإسلامي ضعيفاً ويعاني من قلة الموارد. والأوقاف بإذن الله تجعله ينطلق بثبات وقوة. وقد عرف الصليبيون أن المادة عصب الحياة فأوقفوا مليارات الدولارات على الكنائس والمعابد الوثنية للصد عن سبيل الله، وقل أن تجد مكاناً لا توجد به كنيسة أو معبد هندوسي أو دار أيتام يُنصّر فيه الناس ويًضلون عن الطريق المستقيم.
ألسنا أولى بهذا منهم؟! إن الجنة سلعة الله الغالية. وما وهبنا الله من أموال هي أمانة في أيدينا فإن أنفقنا وقدمنا لأنفسنا وإلا رحلنا عنها. وتأمل في حال قارون وكيف أردته أمواله: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ [القصص:81].
والمال الذي في أيدينا على قسمين: قسم لنا وهو الذي نقدمه للآخرة وندخره عند الله عز وجل، وقسم عندنا وهو أمانة ينتظر أصحابه تسليمه إليهم بعد الموت، وهم الورثة وأصحاب الحقوق.
وكم من مسكين جمع الملايين وكدّ وكدح في جمعها، ولم يوقف شيئاً منها في حياته ولما توفي رفض أبناءه بناء مسجد واحد له من هذه الملايين! وكم من مدرسة يأتيها مرتب جيد كل شهر ولها سنوات طويلة تعمل ولم توقف لنفسها شيئاً! بل جُل أموالها في الطعام والشراب والفساتين والحُلي!.
أخي المسلم:(11/17)
إن من شكر نعم الله عز وجل أن نتذكر حال آبائنا وأجدادنا قبل سنوات قريبة حيث أصابهم الجوع، ولازمهم ضيق ذات اليد وقلة الموارد، وقلّ منهم من يأكل وجبتين في اليوم الواحد. ولقد منّ الله عز وجل علينا بنعم عظيمة: من سعة في الأرزاق، كثرة في الأموال، ورغد من لعيش، فيا ترى كيف الحال وقد أبدل الله الفقر بالغنى، والجوع بالشبع، والخوف بالأمن.
فيامن خلقك الله للعبادة وابتلاك بالمال.. لا تزال تسير في هذه الحياة حتى يأتيك هادم اللذات شئت أم أبيت عاجلاً أم آجلاً. إما في سن الشباب أو عند الهرم والشيخوخة.. وكلها سنوات قليلة وترحل من فوق الأرض إلى تحت الأرض. فمن أين لك بالحسنات تجري عليك؟! إنها الأوقاف التي تدفع إليك الحسنات في وقت أنت أحوج ما تكون.. عليك بدريهمات قليلة فاجعلها لك ذخراً: إما مصحفاً تقفه، أو كتاباً نافعاً تنشره، أو لبنة في بناء، أو إسهاماً في مشروع ينفع الإسلام والمسلمين. إنه عمل من أعمالك في الدنيا تجري عليك حسناته وأنت في قبرك، وهذه منّة من الله وفضل أن جعل العبد يسعى فيما لا ينقطع فيه أجره بعد مماته.
ويا من أوقفت من مالك لوجه الله تعالى.. أبشر بانشراح الصدر، وسعة في الرزق، ونماء في الأموال، وطمأنينة في الدنيا. فإنك تعمل وتقدم لآخرتك وسوف تسر بما تقدم.
اللهم أحينا على التوحيد سعداء، وأمتنا على التوحيد شهداء. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
==============
هل أنت من المتصدقين
أزهري أحمد محمود
دار ابن خزيمة
الحمد لله العالم بما تخفي الضمائر. وما تحمله السرائر. والصلاة والسلام على النبي قدوة المؤمنين. وعلى الآل والأصحاب سادة المتقين.
أخي المسلم: وهذه وقفة أخرى من وقفات المحاسبة؛ نُقلب فيها صفحات القلوب.. وننفض ترائبها!
لتكون واحدة من عُرى هذه السلسلة: ( سلسلة المحاسبة! ) وواحدة من أسئلة كثيرة!
فيا راغباً في ثواب الله الجزيل.. ويا محبّاً أن تكون من أهل جناته.. هل سألت نفسك يوماً: هل أنت من المتصدقين؟!
الصدقة؟ ذلك العمل الجليل.. وذلك الذخر الغالي!
فهل فكرت أخي أن تكون من أهلها؟!
وهل تفكرت يوماً في ثوابها وأثرها العجيب؟!
قال أبو ذر الفغاري رضي الله عنه: ( الصلاة عماد الإسلام، والجهاد سنام العمل، والصدقة شيء عجيب! والصدقة شيء عجيب! والصدقة شيء عجيب! ).
الصدقة! كنزٌ لا تصل إليه الأيدي.. وذُخرٌ لا تخاف عليه حوادث الأيام!
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( إن استطعت أن تجعل كنزك حيث لا يأكله السوس، ولا تناله اللصوص؛ فافعل بالصدقة! ).
أخي المسلم: فضل الصدقة عظيم.. وخيرها واصل لأصحابها في الدنيا والآخرة..
ولا تنسى أن ما يصلك من خير الصدقة؛ أكثر مما يصل من تصدقت عليه!
فلا تظنن أن المسكين هو المنتفع بالصدقة وحده، فإنّ من ظنّ ذلك فهو جاهل بثواب الصدقة العظيم..
قال الشعبي: ( من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته؛ فقد أبطل صدقته؛ وضرب بها وجهه! ).
وكان سفيان الثوري ينشرح إذا رأى سائلاً على بابه، ويقول:( مرحباً بمن جاء يغسل ذنوبي! ).
وكان الفضيل بن عيّاض يقول:( نعم السائلون؛ يحملون أزوادنا إلى الآخرة بغير أجرة! حتى يضعوها في الميزان بين يدي الله تعالى! ).
هكذا كان فهم العلماء الربانيين للصدقة؛ فإياك أن يغيب عنك هذا المعنى!
واسأل نفسك: هل دار في فكرك هذا المعنى في يوم من الأيام؟!
فإن الكثيرين يتصدقون، ولا يتذكرون مثل هذه المعاني.. وكان من الأحسن أن يعيشوا لحظات هذا العمل الجليل بقلوبهم؛ حتى يجدوا حلاوة العمل الصالح..
فإنّ الصدقة؛ بركة.. وتوفيق.. وخير.. وذخر.. وأصحابها هم أهل المعروف؛ وأسعدهم بها؛ أصدقهم نية.. وأعرفهم بشرفها..
فحاسب نفسك أخي: ما هو نصيبك من هذا الفضل؟! وكم فاتك منه؟!
ولا يفوتنّك أن تتأمل فيما جاء في فضلها من الآيات والأحاديث النبوية؛ ليكون ذلك حافزاً لك أن تكون من أهل الصدقة.. ومن المسارعين إليها..
قال الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( اثنان من الشيطان، واثنان من الله تعالى، ثم قرأ هذه الآية: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً يعني: يأمركم بالطاعة والصدقة؛ لتنالوا مغفرته وفضله وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ يعني: واسع الفضل، عليم بثواب من يتصدق ).
قال النبي : { الساعي على الأرملة والمسكين؛ كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار! } [رواه البخاري ومسلم].
وقال رسول الله : { أفضل الأعمال أن تُدخل على أخيك المؤمن سروراً، أوتقضي عنه ديناً، أو تطعمه خبزاً } [رواه البيهقي في الشعب وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج/ صحيح الجامع:1096].
أخي المسلم: إن الصدقة إذا كانت لله تعالى؛ فلا تستحقرنّ شيئاً منها.. فإن الله كريم.. يضاعف الحسنات.. فلا تنسى وأنت تتصدق أنك تتعامل مع الله تعالى.. المتفرّد بالأمر!
قال رسول الله : { ما تصدق أحد بصدقة من طيّب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربُو في كف الرحمن، حتى تكون أعظم من الجبل! كما يُربِّي أحدكم فَلُوّه أو فصيله } [رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم].(11/18)
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( إن رجلاً عَبَدَ الله سبعين سنة، ثم أصاب فاحشة، فأحبط عمله، ثم مر بمسكين فتصدق عليه برغيف، فغفر الله له ذنبه، ورد عليه عمل السبعين سنة! ).
ويقال: إن الحسن مرّ به نخاس ومعه جارية، فقال للنخاس: ( أترضى في ثمنها الدرهم والدرهمين؟! ) قال: لا! قال: ( فاذهب فإن الله عز وجل رضى في الحور العين بالفلس واللقمة! ).
فتصدّق أخي المسلم.. وثق بموعود الله تعالى.. فإنه لا يخلف الميعاد..
واعلم أنك ما من شيء تُخرجه لله تعالى؛ إلا وجدته أمامك مدّخراً..
فتصدق.. وأنفق،، وتذكر قول النبي : { اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة } [رواه البخاري ومسلم].
قال يحيى بن معاذ: ( ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا من الصدقة! ).
فأيقظ همتك أخي.. واطرد الشحّ والحرص من قلبك وابذل المعروف للمحتاج؛ فإنك لا تدري متى ترحل من الدنيا؟! فهل يسرّك أن ترحل بغير زاد؟!!
فإنّ قليلاً تقدّمه اليوم؛ خير لك من كثير تخلفه!
فقدّم لنفسك في كأس قبل الممات.. وكثرة الحسرات!
وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:11،10].
فكم من أناس رحلوا من الدنيا بغير زاد! بعد أن تركوا الأموال.. وودّعوا النعيم! رحلوا بالحسرات.. ولزمتهم التبعات! فلا المال ليوم معادهم قدّموه.. ولا رحلوا به؛ بل لأهل الميراث تركوه!!
فكأنك غداً خبرٌ من الأخبار.. وسَمَرٌ من الأسمار!
أَيا مَنْ عاش في الدنيا طويلاً *** وأفْنَى العُمْرَ في قيلٍ وقالِ
وأتعب نفسَهُ فيما سيفنَى *** وجمَّع من حرامٍ أو حلالِ
هَبِ الدُنيا تُقادُ إليك عفْواً *** أليس مصيرُ ذلك للزوالِ
أخي المسلم: ولا تقولن: إني إذا أنفقت افتقرت! فإن ذلك من وسواس الشيطان، كما مر معك ذلك..
فإن الصدقة؛ خير وبركة؛ فإنك كلما أخرجت شيئاً لله تعالى، عوّضك الله خيراً منه، مع ما ادّخره لك من الحسنات والثواب العظيم..
واستمع إلى وصية النبي لبلال رضي الله عنه.. فقد وصّاه بقوله: { أنفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً } [رواه البزار والطبراني/ صحيح الجامع:1512].
وقال النبي : { ما من يوم يُصبح العباد فيه؛ إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعْط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعْط ممسكاً تلفاً } [رواه البخاري ومسلم].
وقال رسول الله : { ما نقصت صدقة من مال.. } [رواه مسلم].
ولتعلم أخي؛ أنك لكي تكون من المتصدقين؛ لا يشترط أن تكون كثير المال؛ بل إن كل ما جادت به يداك فهو صدقة، وإن لقمة واحدة تطعمها لجائع.. بل إن النبي أخبر أن خير الصدقة صدقة رجل قليل المال!
عن أبي هريرة أنه قال: ( يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ ) قال: { جُهدُ المُقلّ، وابدأ بمن تَعُول } [رواه أبو داود/ صحيح أبو داود للألباني:1677].
وقال رسول الله : { سبق درهم مائة ألف! } قالوا: يا رسول الله وكيف؟! قال: { رجل له درهمان؛ فأخذ أحدهما فتصدّق به، ورجلٌ له مالٌ كثير، فأخذ من عُرْض ماله مائة ألف، فتصدق بها } [رواه النسائي وغيره/ صحيح النسائي للألباني:2527].
عن أبي مسعود قال: ( كان رسول الله يأمرنا بالصدقة، فما يجد أحدنا شيئاً يتصدق به؛ حتى ينطلق إلى السوق، فيحمل على ظهره، فيجيء بالمدّ، فيعطيه رسول الله ، إني لأعرف اليوم رجلاً له مائة ألف، ما كان له يومئذ درهم! ) [رواه النسائي/ صحيح النسائي:2528].
وعن أم بُجيد رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد شيئاً أُعطيه إياه. فقال لها رسول الله : { إن لم تجدي إلا ظِلْفاً محرّفاً، فادفعيه إليه في يده } [رواه الترمذي وابن خزيمة/ صحيح الترغيب للألباني:884].
فتصدّق أخي المسلم ولو بأقل القليل.. وارج ثواب الله تعالى.. فإن القليل إذا أخرجته بنية صادقة؛ فهو خير من كثير يخرجه صاحبه بنية ضعيفة..
فكم من جائع اللقمة عنده أفضل مما حوته الدنيا!
وكم من عار الثوب عنده أفضل من كل غال!
فتصدّق اليوم وأنت صحيح؛ قبل أن يُحال بينك وبين ذلك!
فإن الصدقة في حال الصحة؛ أفضل من الصدقة في حال المرض!
قال رجل للنبي : يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: { أن تصدّق وأنت صحيح حريص، تأمُلُ الغِنَى، وتخشى الفقر، ولا تُمْهِل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان! } [رواه البخاري ومسلم].
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( درهم ينفقه أحدكم في صحته وشحه، أفضل من مائة يوصى بها عند الموت ).
أخي المسلم: وإن من أبواب الخير العظيمة؛ أن يكون لك دين على أخيك؛ فتمهله حتى يتيسر له قضاؤه، أو تضع عنه بعضه، أو تتصدق عليه بجميعه..
فإن الكثيرين ينسون هذا الباب من الخير؛ فيفرّطوا في ثواب كثير!
قال الله تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280].
وقال رسول الله : { من سرّه أن يُظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فليُيسر عن مُعسر، أو ليضع عنه } [رواه الطبراني/ صحيح الترغيب:912].
فإن ذلك من أسباب دخول الجنة.. فلا يفوتنّك هذا الخير العظيم!
قال رسول الله : { كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسراً، فتجاوز عنه، لعل الله يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه } [رواه البخاري ومسلم]. وفي رواية للبخاري: { فأدخله الله الجنة! }.(11/19)